الكتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف: عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة: الرابعة عدد الأجزاء: 12 (11 ومجلد للفهارس)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم مجموعة من المؤلفين الكتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف: عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة: الرابعة عدد الأجزاء: 12 (11 ومجلد للفهارس)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ـ[نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -]ـ المؤلف: عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة: الرابعة عدد الأجزاء: 12 (11 ومجلد للفهارس) [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [ موسوعة نظرة النعيم ] في مكارم أخلاق الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم الإشراف العام - صالح بن عبد الله بن حميد ... إمام وخطيب الحرم المكي - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح ... مؤسس ومدير دار الوسيلة للنشر والتوزيع لجنة الإعداد : بإشراف الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد أ. محمد أحمد سيد أحمد أ. محمد إسماعيل السيد أحمد أ. صلاح محمد عرفات أ. ناصر مهلل محمد حامد لجنة المراجعة والضبط : بإشراف أ. د. على خليل مصطفى أبو العينين ... أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة. أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي د. عزت عبد الحميد إبراهيم د. أحمد علي محمود ربيع د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد د. يس إبراهيم عفيفي لجنة اللغة والتدقيق والفهرسة : بإشراف أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي ... أستاذ أصول اللغة العربية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أ. د. عبد الصبور السيد أحمد الغندور أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أ. د. محمد أحمد حسب الله أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أ. د. سيد أحمد طهطاوي أ. د. سعيد محمد صوابي أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن د. أحمد كامل صالح د. فراج جودة فراج د. عاصم بدري حسين أ. سبيع حمزة حاكمي أ. أحمد شعبان الباسل أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي أ. فؤاد محمد نور أبو الخير إعداد السيرة النبوية : أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا إعداد المقدمة التربوية : أ. د. علي خليل أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية الإدارة والمتابعة : عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح فؤاد محمد نور أبو الخير برامج الحاسب الآلي : م. ناظم يحيى عبد الرازق م. نبيل أكرم نوح الجمع والتنضيد بإشراف: توني نجيب زيدان أحمد طارق علي بيومي هاني محمد أحمد فرج كمال حمزة أحمد يوسف عبد الباقي محمود مصطفى سعد محمد محمد رضا محمد محمود كمال مصطفي أبو زيد عبد الإله محمود عساف الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 3 [ من شارك في إعداد هذه الموسوعة ] بعون الله تعالى وتوفيقه شارك في إعداد هذه الموسوعة 1- الشيخ أ. د. صالح بن عبد الله بن حميد خطيب وإمام الحرم المكي، وعضو مجلس الشورى، وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا. 2- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام مؤسسة بن ملّوح التجارية وفروعها دار الوسيلة للنشر والتوزيع ومؤسسة الصيانة الوقائية الشاملة- جدة. 3- أ. فؤاد محمد نور أبو الخير نائب مدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ونائب مدير عام مدارس الثغر النموذجية سابقا، ومدير القسم المتوسط والثانوي بمدارس دار الفكر سابقا. 4- أ. د. علي خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق فرع بنها، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة سابقا. 5- أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 6- أ. د. حسام الدين قوام الدين السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا. 7- أ. د. محمد أحمد حسب الله أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 8- أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمات بالطائف. 9- أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي أستاذ البلاغة بكلية اللغة العربية بالمنوفية. 10- أ. د. عبد الصبور السيد الغندور أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 11- أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 12- أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أستاذ الأدب المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وكلية التربية بالطائف. 13- أ. د. سعيد محمد صوابي أستاذ علوم الحديث المشارك بجامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 14- أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن أستاذ التربية الإسلامية المشارك بكلية التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة، وكلية المعلمين بالطائف. 15- أ. د. السيد أحمد طهطاوي أستاذ أصول التربية المشارك بجامعة أسيوط، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 16- د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد أستاذ البلاغة والنقد المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة. 17- د. أحمد علي محمود ربيع أستاذ أصول اللغة المساعد بجامعة الأزهر، وجامعة كوالا لامبور بماليزيا. 18- د. أحمد كامل محمد صالح أستاذ التاريخ المساعد بكلية دار العلوم بالقاهرة، وكلية التربية بجامعة أم القرى- فرع الطائف. 19- د. عزت عبد الحميد إبراهيم أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمين بعرعر بالمملكة العربية السعودية. 20- د. عاصم بدري حسين أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية المعلمات بالطائف. 21- د. فراج جودة فراج أستاذ الأدب المساعد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكلية التربية بالطائف. 22- د. يس إبراهيم عفيفي دكتوراة في اللغويات من جامعة الأزهر. 23- أ. سمير محمد عبد التواب وكيل وزارة الإعلام بالقاهرة سابقا. 24- أ. صلاح محمد عرفات المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة. 25- أ. محمد أحمد سيد أحمد المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة. 26- أ. محمد إسماعيل السيد أحمد المحاضر بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 27- أ. ناصر مهلل محمد حامد خريج معهد الدعاة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. 28- أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط محقق تراث، الجمهورية العربية السورية. 29- أ. سبيع حمزة حاكمي محقق تراث، الجمهورية العربية السورية. 30- أ. أحمد شعبان الباسل المحاضر بكلية التربية- فرع جامعة أم القرى- الطائف. 31- أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي تخصص القراءات (دبلوم في الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق بالقاهرة) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 4 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الجزء: المقدمة [ محتويات المقدمة ] الموضوع رقم الصفحة المجلد الأول- الفهرس العام لمحتويات المقدمة والموسوعة أ- ي ط* - مقدمة الطبعة الثالثة ك- ك ب - تقديم الناشر (للطبعة الأولى) ك ج- ل هـ - تقريظ بقلم معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي ل ول ح وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - تقريظ فضيلة الدكتور الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين ل ط- م ح عضو هيئة الإفتاء- الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء - تقديم فضيلة الدكتور الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد م ط- ن ز إمام وخطيب المسجد الحرام وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا (المنهج العلمي للموسوعة) - تقديم اللجنة اللغوية ن ح- س ب إعداد: أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى - الحياة والنفس الإنسانية س ج- ف ح إعداد: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير دار الوسيلة للنشر والتوزيع - الحياة الإيمانية في ضوء علاقة الابتلاء والنفس الإنسانية 1- 50 إعداد: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح - الأخلاق والقيم التربوية في الإسلام 51- 183 إعداد: أ. د. علي خليل مصطفي أبو العينين أستاذ أصول التربية الإسلامية، وعميد كلية التربية ببنها - تمهيد 51 - الفصل الأول: مفهوم الأخلاق ... أصالتها في الفكر الإسلامي ... وظائفها 59   * اعتمدنا في ترقيم الصفحات من (أ) إلى (ف ح) على النظام العربي القديم الذي يستخدم حروف (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت) أرقاما حسابية، حيث أ- 1، ب- 2، ج- 3، د- 4، هـ- 5، و 6، ز- 7، ح- 8، ط- 9، ي- 10، ي أ- 11 ... إلى ي ط- 19، ك- 20 ... إلى ك ط- 29، ل- 30 ... وهكذا. وتعرف هذه الطريقة بطريقة حساب الجمّل. انظر هذه الطريقة في مقدمة لسان العرب وفي القاموس المحيط مادة (ب ج د) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 5 - الأخلاق اصطلاحا 61 - مفهوم الأخلاق عند ابن تيمية 62 - ابن القيم ومفهوم الأخلاق 63 - تعريفات الأخلاق عند المحدثين 63 - الأخلاق الإسلامية 66 - أصالة الفكر الأخلاقي عند المسلمين 67 - القيم الإسلامية 75 - ماهية القيم 77 - خصائص القيم الإسلامية 81 - تصنيف القيم الإسلامية 83 - بين الأخلاق والقيم 84 - وظائف القيم الخلقية 85 - الفصل الثاني: الأخلاق الإسلامية ... طبيعتها ... مصادرها ... أركانها 89 - طبيعة الأخلاق الإسلامية 89 - الأخلاق الإسلامية ومبدأ التكليف 92 - أركان الفعل الخلقي في الإسلام: 100 - الإلزام الخلقي ومصدره 100 - المسئولية الخلقية 106 - شروط المسئولية الخلقية في الإسلام 109 - الجزاء 112 - الفصل الثالث: المنهج الإسلامي في تنمية القيم الخلقية 121 - هل تكتسب الأخلاق؟ 121 - منهج الإسلام في تنمية القيم الخلقية 127 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 6 - كيفية تكوين القيم الخلقية 132 - الفصل الرابع: وسائل تنمية الأخلاق الإسلامية 137 - مفهوم الوسيلة التربوية 137 - شروط الوسيلة 138 - وسائل تنمية القيم الإسلامية 139 القصة في الحديث الشريف 156 - الفصل الخامس: وسائط تنمية الأخلاق 163 - الأسرة 163 - جماعة الأقران 169 - المسجد 171 - المدرسة 175 - وسائل الإعلام 179 السيرة النبوية العطرة 184- 414 - الأخلاق ودراسة السيرة 184 - مصادر دراسة السيرة النبوية 185 - بيئة الدعوة 188 - نسبه وصفته صلّى الله عليه وسلّم 193 - أسماؤه صلّى الله عليه وسلّم 194 - مولده صلّى الله عليه وسلّم 195 - زواجه صلّى الله عليه وسلّم بخديجة بنت خويلد 198 - الحكم الأمين 200 - الصادق الأمين 201 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 7 - ارهاصات البعثة 201 - نزول الوحي والبعثة النبوية 205 - الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها الفكرية 208 - مرحلة الدعوة السرية 213 - بدء الجهر بالدعوة 215 - لغة القرآن 218 - الدعوة في مكة 220 - أذى المشركين للرسول صلّى الله عليه وسلّم 227 - لجوء قريش إلى المفاوضات 229 - اتباع قريش أسلوب الترغيب للرسول صلّى الله عليه وسلّم 231 - اتباع قريش أسلوب الترهيب للرسول صلّى الله عليه وسلّم 231 - الهجرة الأولى إلى الحبشة 236 - محاولة قريش استرداد المهاجرين المسلمين 239 - المقاطعة ودخول المسلمين شعب أبي طالب 243 - وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها 244 - رحلة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف 245 - الإسراء والمعراج 246 - عرض الرسول صلّى الله عليه وسلّم نفسه على القبائل 251 - بيعة العقبة الأولى 253 - بيعة العقبة الثانية 253 - الهجرة إلى يثرب 255 - بناء المسجد النبوي 263 - تنظيم الأمة بعد الهجرة 266 - إعلان دستور المدينة (وثيقة التحالف بين المهاجرين والأنصار) 270 - الجهاد وانتشار الإسلام 272 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 8 - تأسيس الدولة الإسلامية 275 - طلائع حركة الجهاد 282 - تحويل القبلة إلى الكعبة 285 - غزوة بدر الكبرى 286 - النشاط العسكري الإسلامي بين بدر وأحد 295 - غزوة بني قينقاع 296 - غزوة السويق 297 - غزوة أحد 300 - سرية بئر معونة 315 - غزوة بني النضير 316 - غزوة المريسيع (بني المصطلق) 320 - غزوة الخندق (الأحزاب) 323 - غزوة بني قريظة 328 - غزوة الحديبية 334 - رسائل النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الملوك والأمراء 343 - غزوة خيبر 349 - عمرة القضاء 355 - سرية مؤتة 359 - سرية ذات السلاسل 361 - غزوة فتح مكة 363 - غزوة حنين 375 - غزوة الطائف 380 - غزوة تبوك (جيش العسرة) 386 - توحيد الجزيرة العربية تحت حكم الرسول صلّى الله عليه وسلّم 395 - عام الوفود 396 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 9 - حج أبي بكر بالناس 398 - حجة الوداع 400 - بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين 402 - وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم 402 - ما خلّفه النبي صلّى الله عليه وسلّم 407 شمائل الرسول صلّى الله عليه وسلّم 415- 519 - الصفات الخلقيّة لسيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم: 415 - وصف جامع 416 - صفة لون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 424 - صفة وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأعضائه 426 - صفة رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصفة لحيته صلّى الله عليه وسلّم 429 - صفة شعر رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 430 - صفة شيب النبي الله صلّى الله عليه وسلّم وخضابه 432 - خاتم النبوة 435 - الكمالات والخصائص التي انفرد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: 439 أولا: الكمالات: 439 الوجه الأول: كمال الخلق 439 الوجه الثاني: كمال الخلق 440 الوجه الثالث: فضائل الأقوال 442 الوجه الرابع: فضائل الأعمال 444 ثانيا: الخصائص: 447 القسم الأول: الخصائص التي انفرد بها صلّى الله عليه وسلّم عن بقية الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: 449 النوع الأول: ما اختص به صلّى الله عليه وسلّم من الخصائص لذاته في الدنيا 450 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 10 النوع الثاني: ما اختص به صلّى الله عليه وسلّم لذاته في الآخرة 469 - النوع الثالث: ما اختص به صلّى الله عليه وسلّم في أمته في الدنيا 480 النوع الرابع: ما اختص به صلّى الله عليه وسلّم في أمته في الآخرة 494 القسم الثاني: الخصائص التي انفرد بها صلّى الله عليه وسلّم عن أمته: 503 النوع الأول: ما حرم عليه صلّى الله عليه وسلّم دون غيره 503 النوع الثاني: ما أبيح له صلّى الله عليه وسلّم دون غيره 507 النوع الثالث: ما وجب عليه صلّى الله عليه وسلّم دون غيره 511 النوع الرابع: ما اختص به صلّى الله عليه وسلّم عن أمته من الفضائل والكرامات 511 معجزات ودلائل نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وسلّم 520- 554 - المعجزة على ضربين 520 - المعجزة الكبرى 521 - الإسراء والمعراج 526 - انشقاق القمر 528 - تكثيره الماء ونبعه من بين أصابعه الشريفة صلّى الله عليه وسلّم 528 - تكثيره الطعام والشراب صلّى الله عليه وسلّم 530 - دلائل نبوته صلّى الله عليه وسلّم فيما يتعلق ببعض الحيوانات 533 - معجزاته صلّى الله عليه وسلّم في أنواع الجمادات 534 - عصمته من الناس صلّى الله عليه وسلّم 537 - إجابة دعائه صلّى الله عليه وسلّم 539 - إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن المغيبات 542 - ظهور الإسلام وعلوه 546 - ملك أمة محمد وممالكها 547 - إفحام أهل الكتاب 552 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 11 الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 555- 610 - صيغ الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 555 - مواطن الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 558 - فضائل الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 567 - الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم 571 - بيان معنى الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم 577 - صلاة الله على عبده 578 - معنى اسم النبي صلّى الله عليه وسلّم واشتقاقه 580 - معنى الآل واشتقاقه وأحكامه 586 - فصل في آل النبي صلّى الله عليه وسلّم 588 - أزواجه صلّى الله عليه وسلّم 589 - فصل في ذكر إبراهيم خليل الرحمن صلّى الله عليه وسلّم 595 - مسألة مشهورة (أفضلية محمد صلّى الله عليه وسلّم وإبراهيم عليه السلام) 598 - معنى قوله: «اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد» 600 - فصل في اختتام هذه الصلاة بهذين الاسمين من أسماء الرب سبحانه وتعالى: الحميد والمجيد 606 - الصلاة على غير النبي صلّى الله عليه وسلّم 608 - الصلاة على آل النبي صلّى الله عليه وسلّم 608 - مسألة في هل يصلّى على آله صلّى الله عليه وسلّم منفردين عنه 609 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 12 [ محتويات الموسوعة ] م اسم الصفة رقم الصفحة الصفات المستحبة: المجلد الثاني حرف الألف 1 الابتهال 1 2 الاتباع 10 3 الاجتماع (الاتحاد) 42 4 الاحتساب 54 5 الإحسان 67 6 الإخاء 92 7 الإخبات 118 8 الإخلاص 124 9 الأدب 141 10 الإرشاد 171 11 الاستئذان 181 12 الاستخارة 196 13 الاستعاذة 201 14 الاستعانة 227 15 الاستغاثة 241 16 الاستغفار 252 17 الإستقامة 303 18 الإسلام 320 م اسم الصفة رقم الصفحة 19 الأسوة الحسنة 349 20 الإصلاح 364 21 الاعتبار 379 22 الاعتذار 388 23 الإعتراف بالفضل 397 24 الاعتصام 410 25 الإغاثة 417 26 إفشاء السلام 431 27 إقامة الشهادة 467 28 أكل الطيبات 485 29 الألفة 494 المجلد الثالث تابع حرف الألف 30 الأمانة 507 31 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 525 32 الإنابة 540 33 الإنذار 547 34 الإنصاف 576 35 الإنفاق 598 36 الإيثار 629 37 الإيمان 641 حرف الباء 38 البر 750 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 13 م اسم الصفة رقم الصفحة 39 بر الوالدين 767 40 البشارة 780 41 البشاشة 812 42 البصيرة والفراسة 823 43 البكاء 833 حرف التاء 44 التأمل 843 45 التأني 864 46 التبتل 872 47 التبليغ والتبيين 876 48 التبين (التثبت) 901 49 التدبر 909 50 التذكر 916 51 تذكر الموت 931 52 التذكير 968 53 التسبيح 980 54 التعارف 1004 55 التعاون على البر والتقوى 1008 56 تعظيم الحرمات 1028 57 التفاؤل 1045 م اسم الصفة رقم الصفحة المجلد الرابع تابع حرف التاء 58 تفريج الكربات 1050 59 التفكر 1065 60 التقوى 1079 61 التكبير 1121 62 تكريم الإنسان 1135 63 تلاوة القرآن 1176 64 التناصر 1230 65 التهليل 1245 66 التواضع 1255 67 التوبة 1269 68 التوحيد 1296 69 التودد 1343 70 التوسط 1352 71 التوسل 1367 72 التوكل 1377 73 التيسير 1399 74 التيمن 1420 حرف الثاء 75 الثبات 1437 76 الثناء 1450 حرف الجيم 77 جهاد الأعداء 1481 78 الجود 1506 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 14 م اسم الصفة رقم الصفحة حرف الحاء 79 الحجاب 1514 80 الحج والعمرة 1529 81 الحذر 1553 المجلد الخامس تابع حرف الحاء 82 حسن الخلق 1569 83 حسن السمت 1587 84 حسن الظن 1596 85 حسن العشرة 1609 86 حسن المعاملة 1623 87 حفظ الأيمان 1639 88 حفظ الفرج 1654 89 حق الجار 1665 90 الحكمة 1677 91 الحكم بما أنزل الله 1706 92 الحلم 1735 93 الحمد 1753 94 الحنان 1782 95 الحوقلة 1789 م اسم الصفة رقم الصفحة 96 الحياء 1795 97 الحيطة 1815 حرف الخاء 98 الخشوع 1824 99 الخشية 1838 100 خفض الصوت 1857 101 الخوف 1866 حرف الدال 102 الدعاء 1901 103 الدعوة إلى الله 1945 حرف الذال 104 الذكر 1961 حرف الراء 105 الرأفة 2014 106 الرجاء 2022 107 الرجولة 2041 المجلد السادس تابع حرف الراء 108 الرحمة 2061 109 الرضا 2103 110 الرغبة والترغيب 2125 111 الرفق 2157 112 الرهبة والترهيب 2169 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 15 م اسم الصفة رقم الصفحة حرف الزاي 113 الزكاة 2196 114 الزهد 2217 حرف السين 115 الستر 2235 116 السخاء 2252 117 السرور 2260 118 السكينة 2267 119 السّلم 2272 120 السماحة 2287 121 السماع 2301 حرف الشين 122 الشجاعة 2322 123 الشرف 2344 124 الشفاعة 2365 125 الشفقة 2385 126 الشكر 2393 127 الشهامة 2420 128 الشورى 2426 حرف الصاد 129 الصبر والمصابرة 2441 130 الصدق 2473 131 الصدقة 2517 م اسم الصفة رقم الصفحة 132 الصفح 2530 133 الصلاة 2536 134 الصلاح 2585 المجلد السابع تابع حرف الصاد 135 صلة الرحم 2614 136 الصمت وحفظ اللسان 2633 137 الصوم 2645 حرف الضاد 138 الضراعة والتضرع 2663 حرف الطاء 139 الطاعة 2672 140 طلاقة الوجه 2699 141 الطمأنينة 2702 142 الطموح 2713 143 الطهارة 2719 حرف العين 144 العبادة 2741 145 العدل والمساواة 2790 146 العزة 2819 147 العزم والعزيمة 2849 148 العطف 2865 149 العفة 2872 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 16 م اسم الصفة رقم الصفحة 150 العفو والغفران 2889 151 العلم 2911 152 علو الهمة 2983 153 العمل 3010 154 عيادة المريض 3052 حرف الغين 155 غض البصر 3070 156 الغيرة 3077 حرف الفاء 157 الفرار إلى الله 3086 158 الفرح 3093 159 الفضل 3107 المجلد الثامن تابع حرف الفاء 160 الفطنة 3126 161 الفقه 3137 حرف القاف 162 القسط 3153 163 القصاص 3161 164 القناعة 3167 165 القنوت 3176 166 القوة والشدة 3188 167 قوة الإرادة 3196 م اسم الصفة رقم الصفحة حرف الكاف 168 كتمان السر 3203 169 الكرم 3214 170 كظم الغيظ 3236 171 كفالة اليتيم 3245 172 الكلم الطيب 3265 حرف اللام 173 اللين 3295 حرف الميم 174 مجاهدة النفس 3303 175 محاسبة النفس 3317 176 المحبة 3325 177 المداراة 3357 178 المراقبة 3367 179 المروءة 3373 180 المسارعة في الخيرات 3387 181 المسئولية 3400 182 المعاتبة والمصارحة 3418 183 معرفة الله- عز وجل- 3433 184 المواساة 3458 حرف النون 185 النبل 3470 186 النزاهة 3475 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 17 م اسم الصفة رقم الصفحة 187 النشاط 3485 188 النصيحة والتواصي 3489 189 النظام 3508 190 النظر والتبصر 3515 حرف الهاء 191 الهجرة 3544 192 الهدى 3567 حرف الواو 193 الورع 3616 194 الوعظ 3627 195 الوفاء 3638 196 الوقار 3669 197 الوقاية 3675 198 الولاء والبراء 3685 حرف الياء 199 اليقظة 3712 200 اليقين 3717 الصفات المذمومة: المجلد التاسع حرف الألف 1 الابتداع 3731 2 اتباع الهوى 3751 م اسم الصفة رقم الصفحة 3 الأثرة 3771 4 الإجرام 3780 5 الإحباط 3796 6 الاحتكار 3808 7 الأذى 3811 8 الإرهاب 3828 9 الإساءة 3837 10 الاستهزاء 3872 11 الإسراف 3884 12 الإصرار على الذنب والعناد 3896 13 إطلاق البصر 3905 14 الإعراض 3912 15 الاعوجاج 3927 16 الافتراء 3935 17 إفشاء السر 3946 18 الإفك 3958 19 أكل الحرام 3969 20 الإلحاد 3980 21 الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف 3987 22 الإمعة 3995 23 الأمن من المكر 3999 24 الانتقام 4006 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 18 م اسم الصفة رقم الصفحة 25 إنتهاك الحرمات 4016 26 الإهمال 4025 حرف الباء 27 البخل 4029 28 البذاءة 4047 29 البذاذة 4060 30 البطر 4068 31 البغض 4073 32 البغي 4084 33 البلادة (عدم الفقه) 4097 34 البهتان 4107 حرف التاء 35 التبذير 4113 36 التبرج 4120 37 التجسس 4129 38 التحقير والاشمئزاز 4133 39 التخاذل 4139 40 التخلف عن الجهاد 4145 41 ترك الصلاة 4159 42 التسول 4168 43 التشامل 4174 44 التطفيف 4183 45 التطير 4190 46 التعاون على الإثم والعدوان 4200 م اسم الصفة رقم الصفحة 47 التعسير 4208 48 التفرق 4217 49 التفريط والإفراط 4229 50 التكاثر 4237 51 التكلف 4250 52 التناجش 4257 53 التنازع 4265 54 التنصل من المسئولية والتهرب منها 4280 55 التنفير 4296 56 التهاون 4301 57 التولي 4307 حرف الجيم 58 الجبن 4320 59 الجحود 4326 60 الجدال والمراء 4338 61 الجزع 4350 62 الجفاء 4358 63 الجهل 4366 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 19 م اسم الصفة رقم الصفحة المجلد العاشر حرف الحاء 64 الحرب والمحاربة 4390 65 الحزن 4407 66 الحسد 4417 67 الحقد 4430 68 الحكم بغير ما أنزل الله 4441 69 الحمق 4449 حرف الخاء 70 الخبث 4459 71 الخداع 4470 72 الخنوثة والتخنث 4477 73 الخيانة 4482 حرف الدال 74 الدياثة 4498 حرف الذال 75 الذل 4502 حرف الراء 76 الربا 4516 77 الردة 4532 78 الرشوة 4542 79 الرياء 4551 حرف الزاي 80 الزنا 4568 81 الزندقة 4584 حرف السين 82 السحر 4589 83 السخرية 4602 م اسم الصفة رقم الصفحة 84 السخط 4615 85 السرقة 4625 86 السفاهة 4634 87 سوء الخلق 4642 88 سوء الظن 4652 89 سوء المعاملة 4673 حرف الشين 90 الشح 4685 91 شرب الخمر 4695 92 الشرك 4709 93 الشك 4751 94 الشماتة 4769 95 شهادة الزور 4774 حرف الصاد 96 صغر الهمة 4781 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 20 م اسم الصفة رقم الصفحة حرف الضاد 97 الضعف 4787 98 الضلال 4795 حرف الطاء 99 الطغيان 4834 100 الطمع 4846 101 طول الأمل 4857 102 الطيش 4868 حرف الظاء 103 الظلم 4871 حرف العين 104 العبوس 4927 105 العتو 4932 106 العجلة 4941 107 العدوان 4955 108 العصيان 4972 109 عقوق الوالدين 5011 110 العنف والإكراه 5018 المجلد الحادي عشر حرف الغين 111 الغدر 5025 112 الغرور 5047 113 الغش 5069 114 الغضب 5076 115 الغفلة 5098 116 الغل 5109 117 الغلو 5114 118 الغلول 5128 119 الغي والإغواء 5142 120 الغيبة 5162 م اسم الصفة رقم الصفحة حرف الفاء 121 الفتنة 5178 122 الفجور 5219 123 الفحش 5231 124 الفساد 5236 125 الفسوق 5261 126 الفضح 5270 حرف القاف 127 القتل 5284 128 القدوة السيئة 5300 129 القذف 5311 130 القسوة 5323 131 قطيعة الرحم 5329 132 القلق 5338 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 21 م اسم الصفة رقم الصفحة 133 القنوط 5344 حرف الكاف 134 الكبر والعجب 5352 135 الكذب 5381 136 الكرب 5431 137 الكسل 5438 138 الكفر 5443 139 الكنز 5510 حرف اللام 140 اللغو 5521 141 اللهو واللعب 5527 142 اللؤم 5540 حرف الميم 143 المجاهرة بالمعصية 5547 144 المكر والكيد 5556 145 المن 5563 146 موالاة الكفار 5570 147 الميسر 5583 حرف النون 148 النجاسة 5589 149 النجوى 5598 150 النفاق 5604 م اسم الصفة رقم الصفحة 151 نقض العهد 5631 152 النقمة 5645 153 نكران الجميل 5653 154 النميمة 5665 حرف الهاء 155 الهجاء 5672 156 الهجر 5681 157 هجر القرآن 5691 حرف الواو 158 الوسوسة 5701 159 الوهم 5710 160 الوهن 5714 حرف الياء 161 اليأس 5724 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 22 مسلسل الفهرس رقم الصفحة المجلد الثاني عشر 1 مقدمة الفهارس 1 2 فهرس المحتويات 6 3 فهرس الشواهد القرآنية 17 4 فهرس الأحاديث النبوية 120 5 فهرس الآثار وأقوال العلماء والمفسرين 256 6 فهرس الأعلام 371 7 فهرس المصطلحات 444 8 فهرس الفروق اللغوية 457 9 فهرس الوجوه والنظائر 459 10 فهرس الأحكام الشرعية وآداب السلوك 461 11 فهرس الحكم والأمثال 464 12 فهرس الأشعار والأرجاز 466 13 فهرس الأمم والقبائل والجماعات 491 14 فهرس الأماكن والبلدان 500 15 فهرس الإحالات 511 16 فهرس المصادر والمراجع 517 الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 23 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مقدمة الطبعة الثالثة الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وأكرمنا بالقرآن، والصلاة والسلام على خير الأنام، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... وبعد: فبفضل من الله تعالى وتوفيقه حظيت الطبعتين الأولى والثانية- ولله الحمد- بقبول حسن، وكان لهما صدى طيب في الأوساط الاجتماعية والدينية والإعلامية والثقافية عموما، والأوساط الدعوية بوجه خاص. وبفضل من الله تعالى وتوفيقه نفدت جميع النسخ المطبوعة من الطبعتين الأولى والثانية (عشرون ألف نسخة تشكّل في مجملها مائتين وأربعون ألف مجلد) ، ولا تزال الطلبات تتوالى على دار الوسيلة لإمداد القرآء الكرام بهذه الموسوعة المباركة، التي جاء اسمها مطابقا لمسماها، ولفظها موافقا لمعناها، وأمام هذه الرغبة الكريمة التي تعبر عن الثقة بجودة المعلومات وغزارتها، وسرعة استخراجها، كما تعبر عن التقدير العظيم لفوائدها، لم يكن بد من إصدار هذه الطبعة الثالثة. إننا إذ نشكر كل من تفضل بإبداء رأيه، وخالص نصحه، وإعلان ثقته، نود أن يطلع معنا القارىء الكريم على بعض ما جاء في تقرير الهيئات المختصة، وقادة الفكر والمسئولين عن المؤسسات الدينية والثقافية في المملكة العربية السعودية وخارجها، ومن ذلك: * «إن هذا الجهد الجبار لإخراج هذه الموسوعة إلى النور، وما استغرقه من وقت لإعدادها لخير دليل على الجهد الكبير الذي بذل لإنجازها، ولكن شرف موضوعها ونبل هدفها، ودقة ما احتوته من معلومات، وجمال إخراجها وطباعتها تجعل هذه الجهود مكللة إن شاء الله بالثواب والجزاء من الله تعالى والقبول من القراء والمطلعين» . الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي في المملكة العربية السعودية * «موسوعة نضرة النعيم كتاب أكثر من قيّم ... وأكبر من أن يقيّم ... حيث تضافرت عدة عوامل ناجحة، جعلت منها موسوعة قيم أخلاقية لا يستغني عنها باحث وطالب علم» . وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت * «هذه الموسوعة مؤلف جليل في موضوعة، متفرد فيه، شامل لكل ما ينبغي للمسلم أن يتصف به من الصفات المحمودة، موضح لما يتعين الحذر منها مما يضادها، بأسلوب قويم النهج، سهل الفهم، ميسر الإدراك لكل قارىء» . * «حددت هذه الموسوعة في تعريفاتها الشاملة ما يقرب لكل باحث ولكل مستفيد مما فيها مطلبه بسهولة ويسر، بحيث يجد النصوص وأقوال العلماء والإرشاد إلى ما قد يستزيد بعلمه في ذلك من المؤلفات الأخرى» . علّامة الجزيرة ومؤرخها الشيخ/ حمد الجاسر في مقالتيه عن موسوعة نضرة النعيم في جريدة الرياض «1»   (1) نشرت المقالة الأولى في جريدة الرياض العدد (11058) بتاريخ 13 جمادى الأخرة 1419 هـ، ونشرت المقالة الثانية العدد (11062) بتاريخ 17 جمادى الأخرة 1419 هـ. الجزء: المقدمة * «هذه الموسوعة تعد إضافة قيّمة للمكتبة العربية والإسلامية» . الدكتور/ عصام سالم، رئيس جامعة الإسكندرية- بجمهورية مصر العربية- * «أقدّر لكم هذا الجهد الكبير في تسجيل أخلاقه الشريفة من المصادر الموثوقة، ولا شك أنكم بهذا العمل المبرور قد ملأتم فراغا كبيرا في المكتبة الإسلامية، ولبيتم حاجة طالما أحس بها الباحثون والدعاة المسلمون «1» » . الأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة- بجمهورية مصر العربية- إننا إذ نقدم خالص الشكر وعظيم التقدير لهؤلاء جميعا، ولغيرهم ممن لم يتسن التنويه بآرائهم القيمة- وهم كثر- ولكل من ساند هذا العمل باقتنائه، ولكل فاعل للخير أو فاعلة له من أهل الفضل الذين حصلوا على هذه الموسوعة لأنفسهم وأهليهم، أو قاموا بتوزيعها على غيرهم، نهدي إليهم جميعا بشرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي تضمنها دعاؤه الشريف لكل من أسهم في تبليغ رسالته إلى الأمة الإسلامية والناس جميعا حيث يقول صلّى الله عليه وسلّم في حديثه الشريف داعيا لهم: نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، وحفظها وبلغها.. «2» . يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى- عن هذا الحديث: «ولو لم يكن في فضل العلم إلا هذا وحده لكفى به شرفا، لأن من قام بتبليغ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبثه في الأمة دخل تحت هذه الدعوة النبوية المتضمنة لجمال الظاهر والباطن، فإن النضرة هي البهجة والحسن الذي يكساه الوجه من آثار الإيمان وابتهاج الباطن به، وفرح القلب وسروره، حيث تظهر هذه البهجة، وذلك السرور، وتلك الفرحة نضارة على الوجه، ولهذا جمع الله سبحانه بين السرور والنضرة، في قوله تعالى: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً «3» . فالنضرة في وجوههم، والسرور في قلوبهم، من حيث إن النعيم وطيب القلب (كلاهما) يظهر نضارة في الوجه، كما قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ «4» . والمقصود أن هذه النضرة في وجه من سمع سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هي أثر تلك الحلاوة، وهذه البهجة، وذلك السرور الذي في قلبه وباطنه «5» . إن نضرة النعيم التي هي من حظ كل أولئك الذين سمعوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبلغوا غنه، وتأسّوا بأخلاقه الحميدة ليست هي الفائدة الوحيدة المرجوة، إذ يوجد إلى جانبها فائدة أخرى، ألا وهي تحقيق محابه صلّى الله عليه وسلّم وتنفيذ ما أمرنا به إذ قال: «بلغوا عني ولو آية» وقال: «ليبلغ الشاهد الغائب» «6» ... ، يقول ابن القيم رحمه الله: «أمرنا صلّى الله عليه وسلّم بالتبليغ عنه لما في التبليغ من حصول الهدى، وله صلّى الله عليه وسلّم أجر من بلغ عنه، وأجر من قبل ذلك البلاغ، وكلما كثر   (1) انظر أيضا تقريظ معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، وفضيلة الشيخ عبد الله الجبرين في الصفحات ل وم ح. (2) الترمذي (2627) ، وانظر صفة التبليغ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الموسوعة. (3) الإنسان/ 11. (4) المطففين/ 22- 24. (5) مفتاح دار السعادة لابن القيم، ص 275. (6) انظر هذين الحديثين في صفة التبليغ وقد خرّجناهما هناك. الجزء: المقدمة التبليغ عنه تضاعف له الثواب، فله من الأجر بعدد كل مبلغ، وكل مهتد بذلك البلاغ سوى ما له من أجر عمله المختص به، فكل من هدي واهتدى بتبليغه فله الأجر عليه لأنه هو الداعي إليه، ولو لم يكن في تبليغ العلم عنه إلا حصول ما يحبه صلّى الله عليه وسلّم لكفى به فضلا. ومعلوم أنه لا شيء أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من إيصاله الهدى إلى جميع الأمة، فالمبلغ عنه مسارع في حصول محبته، فهو أقرب الناس منه وأحبهم إليه، وهو نائبه وخليفته في أمته، وكفى بهذا فضلا وشرفا للعلم وأهله» «1» . وختاما نود الإشارة إلى أن هذه الطبعة الجديدة هي طبعة منقحة تضمنت إضافات مهمة، وصححت فيها أخطاء (خارجة عن إرادتنا) وردت في الطبعة الثانية. ولا يسعني في ختام هذا التقديم إلا أن أتقدم بالشكر وافرا وجزيلا لكل من اطلع على هذه الموسوعة، وخاصة أولئك الذين أهدوا إلينا ملاحظاتهم القيّمة وثناءهم العطر، وإذا كان من شكر المولى عز وجل شكر من أجرى الله النعمة على يديه مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» «2» . فإننا نشكر كل من أسهم في إعداد هذه الموسوعة ومراجعتها وتدقيقها، إذ لولا جهودهم المخلصة ما كان لها أن تخرج للناس على هذا النحو الدقيق، وفي مقدمة هؤلاء: فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الشريف، لهؤلاء جميعا ولكل أفراد دار الوسيلة خالص الشكر وصادق العرفان. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح جدة- المملكة العربية السعودية- ربيع الآخر 1425 هـ   (1) مفتاح دار السعادة، ص 279. (2) أبو داود (4811) ، والترمذي (1954) ، وقال: حسن صحيح، انظر صفة الشكر ج 6، ص 2393. الجزء: المقدمة [ تقديم الناشر ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذه الموسوعة: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم الأهداف والطموحات، بقلم: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا، الحمد لله رب العالمين الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والإيمان والإحسان، الحمد لله الذي منّ علينا بهذا الفضل العظيم وشرّفنا بالقيام بإعداد هذه الموسوعة التي بين أيدينا والتي استغرقنا في إعدادها تسع سنوات وجمعنا محتوياتها من أكثر من ألف ومائة مصدر، ويسّر لنا الصحة والوقت والمال والإخوة الصالحين لإعانتنا على إتمام هذا العمل «1» ، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العلى فهو أحق من ذكر وأحق من شكر وأحق من عبد وأحق من حمد وأجود من سئل وأكرم من قصد وأوسع من أعطى ... وبعد: فهذه الموسوعة التي نتشرف بتقديمها للعالم الإسلامي، وللعالم أجمع هي موسوعة أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «2» . ولما كان خلقه صلّى الله عليه وسلّم القرآن- كما أخبرت بذلك أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- «3» ، فإنها تصبح بذلك موسوعة الأخلاق الإسلامية كما جاء بها القرآن الكريم، وكما تجسدت عمليا من خلال تطبيق متكامل في شخص الرسول صلّى الله عليه وسلّم وسنته المطهرة. فوصفه الله عز وجل بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «4» . والخلق هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب حتى يصير كالخلقة فيه فسمي خلقا ولهذا قال عبد الله بن مسعود: «إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته» «5» .   (1) مر العمل في الموسوعة خلال هذه السنوات التسع بثلاث مراحل هي: أ- مرحلة الإعداد، وقد تولى الإشراف عليها فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا. ب- مرحلة المراجعة والضبط، بإشراف أ. د علي خليل مصطفى أبو العينين وكيل كلية التربية للدراسات العليا بجامعة الزقازيق فرع بنها. ج- مرحلة التدقيق والفهرسة، بإشراف أ. د عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ اللغويات بجامعتي الأزهر وأم القرى. (2) الأنبياء/ 107. (3) جاء ذلك في الحديث الذي رواه مسلم (حديث رقم 746) حيث قالت أم المؤمنين: «إن خلق نبي الله كان القرآن» . (4) القلم/ 4. (5) انظر صفة الأدب (2/ 141) من هذه الموسوعة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 24 لقد شاء المولى أن أسمي هذه الموسوعة بهذا الاسم «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم» لما يحدث التحلي بأخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم، عامة والدعوة إلى الله تعالى بصفة خاصة، من نضرة في الوجه يتجلى نورها على الإنسان فينشرح صدره وتطيب نفسه ويناله نصيب من دعائه صلّى الله عليه وسلّم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها» «1» ، وقد أمرنا بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الآخر فقال: «بلغوا عني ولو آية» «2» . إن نضرة الوجه في الدنيا ليست وحدها هي غاية المسلم أو الداعية، وإنما الغاية الأعظم هي التمتع بهذه «النضرة» في نعيم الآخرة أيضا، يقول الله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ «3» . من تأمّل هذه الآيات الكريمة يتضح الارتباط بين «البر» وبين «نضرة النعيم» من حيث إن الأبرار هم الذين تعرف النضرة في وجوههم في جنة النعيم، والبر قد عرّفه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» «4» . هي إذن موسوعة «البر» وموسوعة «حسن الخلق» في آن واحد. إن هذا الخلق الحسن، أو الخلق العظيم الذي كانت حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم تجسيدا له لابد وأن يتحلّى به كل مسلم يريد أن يحيا حياته متأسيا بالرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم، استجابة لقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً «5» . وبذلك تكون هذه الموسوعة هي أيضا موسوعة الحياة التي يبتغى بها وجه الله والدار الآخرة. إن الواجب على كل مسلم يتأسى برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويتحلى بهذه الأخلاق الحميدة، أن يتخلى عن الأخلاق السيئة فينتهي عما نهى الله عنه وعما حث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على؟ تركه من ذميم الأخلاق وسيء الخصال، ومن هنا كان حرصنا على أن تتضمن هذه الموسوعة الأمرين معا: ما أمر به ونهي عنه في الكتاب والسنة، لقوله عز وجل: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «6» . وما كان الأمر كذلك إلا لأن القلب أو النفس يتنازعهما دائما وازع الخير (من الله تعالى) بما أودعه من فطرة وأمده من حفظ الملائكة، ووازع الشر (من الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء) ، ولكي يتحلى الإنسان بالفضيلة فلا بد أن يتخلى عن الرذيلة، ولكل جزاؤه المحدد في قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «7» .   (1) سنن الترمذي، حديث رقم 2628، وانظر صفة الدعوة إلى الله ج 5، ص 1957. (2) البخاري- الفتح، حديث رقم 3461، وانظر ج 5، ص 1955 من هذه الموسوعة. (3) المطففين/ 22- 24. (4) رواه مسلم، حديث رقم (2553) ، وانظر صفة البر من هذه الموسوعة. (5) الأحزاب/ 21. (6) الحشر/ 7. (7) الزلزلة/ 7- 8. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 25 الحاجة لهذه الموسوعة : إنه لما كان البر وحسن الخلق متلازمين مصداقا لقول الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم «البرّ حسن الخلق» فإن محاسن الأخلاق ومكارمها ينبغي أن تكون من الوضوح بمكان، ولكن أين نجد ذلك من بين ما لا يحصى من صفحات أمهات كتب الفضائل والآداب والأحكام ونحوها؟ وأين نقف على التحديد الدقيق لمعنى هذه الصفة أو تلك؟ في القرآن الكريم، نعم، في كتب الحديث الشريف، نعم، في كتب السيرة النبوية، نعم، في معاجم اللغة وكتب آثار السلف الصالح رحمهم الله، نعم، ولكن أنّى للمسلم أن يقف على ذلك كله في وقت معقول وبوسيلة مناسبة؟ إن كتب السلف الصالح رحمهم الله على كثرتها وتنوعها لا تفي وحدها بالغرض المطلوب لتناثر الصفات بها من ناحية، واختلاف أسلوبها من ناحية ثانية، أما كتب المحدثين فإنها- في الغالب- قد اقتصرت على صفات معيّنة يغلب عليها طابع الانتقاء، وهنا كان التفكير في أن نوجد في المكتبة الإسلامية، ما تفتقر إليه من وجود مرجع موحد شامل، لما هو مشتت في مئات الكتب، أي إيجاد عمل موسوعي يضم شتات صفات التربية الإسلامية وقيمها لما أمر به وما نهي عنه في الكتاب والسنة في مصدر موثق صحيح، يعيد عرضها على نحو منظم ومتكامل، وبأسلوب قريب سهل التناول يناسب عامة الناس في هذا العصر بحيث يسهل على الآباء أن يفهموها ويفهموها أبناءهم، وعلى المدرسين أن يعلموها تلاميذهم، وعلى الخطباء والدعاة أن يوضحوها لمن يتلقى عنهم ويستمع إليهم، وعلى رجال الصحافة والإذاعة وغيرهما من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية أن ينشروها بين الناس، ويوفروا بذلك قدرا هائلا من المعلومات الصحيحة والمركزة مما يساعد على رفع مستوى جودة المعلومات لديهم، ويعطي مرونة كبيرة في اختيار المادة العلمية وطريقة عرضها. إن المسلم والداعية المتأسي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لابد أن يدعو نفسه أولا إلى التمسك بالخلق الحميد ويربيها على ذلك في أفعاله وأقواله، وكل ذلك اقتداء بالحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وحبا له، فإذا أحبه وجد حلاوة الإيمان، بل اكتمل بذلك إيمانه لقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار» «1» . وقوله صلّى الله عليه وسلّم عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» «2» . ومن اكتمل إيمانه، حسن خلقه مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «3» . ومن باب المحبة لله عز وجل الإيمان به والمحبة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم والتصديق بما جاء به، تؤخذ محبة الخلق والتأدب معهم ومعاملتهم بالإحسان وحسن الخلق، ولنا أن نتأمل قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» «4» .   (1) البخاري- الفتح 1 (21) ، ومسلم (43) . (2) البخاري- الفتح 1 (15) ، ومسلم (45) . (3) انظر هذا الحديث بتمامه في صفة حسن الخلق (5/ 1575) ، وقد خرّجناه هناك. (4) البخاري- الفتح (1/ 13) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 26 وبهذا يكون الداعية من الذين اتبعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو بذلك يحمل برهان حب الله له قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ «1» ، وإذا أحب الله العبد حبب فيه الناس، ووضع له القبول في الأرض مصداق ذلك ما جاء في الحديث الشريف: «إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض» «2» . فإذا ربّى الإنسان نفسه على حب الرسول صلّى الله عليه وسلّم واتباعه، توجه إلى أهله وأبنائه وعشيرته الأقربين فدعاهم لما يحييهم ويضمن لهم الفوز في الدنيا والآخرة، ثم توجه بالدعوة بعد ذلك لكل من يستطيع دعوتهم. وهذا هو عين الخير وحسن الخلق وكمال الإيمان، وثمرة ذلك كله هو القرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنة النعيم لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» «3» . ولكي تؤتي هذه الدعوة ثمارها المرجوة فإن على الدعاة أن يتأسوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في:- أ- أن تكون الدعوة على بصيرة وعلم، يقول الله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي «4» . قيل في تفسير البصيرة هي اليقين والحق «5» . وهذه البصيرة إنما تتحقق بالتفقه في الدين، الذي هو دليل إرادة الخير للداعية، حيث يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» «6» . ب- أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، مصداقا لقوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ «7» . حيث حثه ربه على أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمين إلى يوم القيامة «8» ، ويقول الله تعالى لنبيه الكريم صلّى الله عليه وسلّم: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ «9» . هي إذن موسوعة للدعوة، ومنهاج للدعاة تزودهم بالبصيرة وتمدهم بالحكمة من أفعال الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأقواله وتوجيهاته، وهي في الوقت نفسه موسوعة لتربية النفوس، وتربية الأجيال على الإيمان الصادق والإسلام الصحيح، والإحسان المرجو، وبعبارة أوجز هي موسوعة «التربية الدينية» الصحيحة لأنها تعتمد على ما جاء به القرآن الكريم ودعت إليه السّنّة النبوية المطهرة. لذا كان من الوضوح بمكان تفسير قوله تعالى لنبيه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ   (1) آل عمران/ 31. (2) البخاري- الفتح 13 (7485) ، ومسلم (2637) . (3) رواه الترمذي (2018) وقال: حديث حسن، وانظر صفات المحبة وحسن الخلق والأدب. (4) يوسف/ 108. (5) تفسير القرطبي، (9/ 274) . (6) البخاري- الفتح، حديث رقم 71. (7) النحل/ 125. (8) انظر تفسير القرطبي (10/ 200) . (9) آل عمران/ 159. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 27 معناه: وإنك لعلى دين عظيم من الأديان، وليس هناك دين أحب إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه لقوله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ «1» . هي إذن موسوعة الدعاة إلى الله- عز وجل- هؤلاء الذين وصفهم الله- عز وجل- وهو مالك خزائن الحسن والإحسان، بأنهم أحسن الناس قولا، يقول سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ «2» . ولكم أيها الأخوة والأخوات الوقوف على هذه الآية والتأمل والتدبر في معناها وقتا طويلا لتعرفوا كم نحن مقصرون في أداء واجب حمل الأمانة التي حمّلنا إياها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إبلاغ الدعوة أداء لحق الوراثة في هذا التبليغ «3» . فأين نحن من الاقتداء بحياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحياة صحابته الكرام الذين اقتدوا به في الدعوة إلى الله وهم الذين تفرقوا بين مشارق الأرض ومغاربها وتوفوا في أبعد الأمصار في سبيل رفع كلمة الله؟ نحن أحفاد الصحابة- رضي الله عنهم- فأين نحن إذا من رفع راية هذا الشرف العظيم؟ أهداف الموسوعة وتحديات المستقبل : يقول بعض علماء السلف الصالح: «إنه إذا كان شرف المطلوب بشرف نتائجه، وعظم خطره بكثرة منافعه، وبحسب منافعه تجب العناية به، وعلى قدر العناية به يكون اجتناء ثمرته، ولما كان أعظم الأمور خطرا وقدرا، وأعمها نفعا ورفدا، ما استقام به أمر الدين والدنيا وانتظم به صلاح الآخرة والأولى» . لما كان الأمر كذلك وجب أن نضع نصب أعيننا التحديات الآتية:- أولا: إن موضوع الحفاظ على القيم الأخلاقية والمثل العليا في المجتمعات الإنسانية عامة، والإسلامية بصفة خاصة هو موضوع الساعة، ذلك أن هذه القيم باتت مهددة نتيجة للانحلال الفكري والثقافي المتواصل نتيجة الصراع بين المثل العليا والتطور الإنساني الذي انصرف إلى تنمية مقدرات ومهارات الإنسان العلمية والتقنية ليلحق لاهثا بسير ركب التقدم التقني وذلك على حساب إهمال دور القيم المتعلقة بأمور الدين والعقيدة وحياة الفرد والأسرة والمجتمع، وهذا هو الطغيان وإيثار حب الحياة الدنيا الذي ذمه الله تعالى بقوله: فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى «4» . فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ «5» . وهو الضلال الذي وصفه عز وجل بقوله: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً «6» .   (1) آل عمران/ 85. (2) فصلت/ 33. (3) انظر كلمات معالي الدكتور عبد الله التركي وزير الشئون الإسلامية، وفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، وختام كلمة فضيلة الدكتور الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد في أهمية الدعوة إلى الله. (4) النازعات/ 37- 39. (5) الأنعام/ 44. (6) الكهف/ 104. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 28 وسبب الضلال عن طريق الحق هو أن ابتغاء الحياة الدنيا أصبح هو الهدف المسيطر دون إيجاد التوازن المنشود بين الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ «1» . لذا حدث الانحلال الذي أخذت تنهار أمام هجماته الشرسة صروح القيم ومكارم الأخلاق الإنسانية التي عرفتها الشعوب منذ الأزل، وأخذت الحضارة الإنسانية تهتز من قواعدها، وأصبحت القيم العليا تحني رأسها خجلا من واقع مرير تحكمت فيه الشبهات والأهواء النفسية والشهوات الجسدية من ناحية، والأهداف المادية والنفعية من جهة أخرى. وإذا نظرنا إلى عالم اليوم وجدنا الشبهات تغلبه وتعمه، فأغلب المجتمعات يعمها الشرك والكفر والإلحاد، فمنهم من يعبد ما صنعت يداه من تماثيل وأصنام، ومنهم من يعبد الحيوان والشجر، ومنهم من يعبد الشمس والقمر والكواكب، ومنهم من يعبد النار، ومنهم ملحد خاو لا يعبد شيئا، هذا من ناحية الشبهات، أما من ناحية الشهوات فحدث ولا حرج عن انتشار تعاطي الخمور والمخدرات وانتشار دور الميسر والدعارة تحت رعاية الجريمة المنظمة وغير المنظمة، إضافة إلى انتشار المعاملات الربوية التي تئن تحت وطأتها شعوب كثيرة وتنهار أمام جبروتها مؤسسات ودول في مناطق عديدة من العالم، وهذا الوضع المخزي أدى بطبيعة الحال إلى الانحلال الفكري والخلقي وتفكك الترابط الأسري وكثرة حالات الطلاق والإجهاض والأطفال غير الشرعيين إضافة إلى تفشي جرائم العنف والأمراض المعدية والأمراض النفسية الخطرة في كثير من المجتمعات. قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ «2» . من هنا فإنه لا مجال لمقاومة هذا الانهيار إلا بالرجوع إلى أسس الفضيلة المتمثلة في مكارم أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم باعتباره الرحمة المهداة والنعمة المسداة للبشرية جمعاء، يقول الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ «3» . إن الرجوع إلى الصراط المستقيم يقتضي أن نتخذ من أخلاقه العظيمة أساسا للتربية الإسلامية، حتى نستطيع التصدي لمخاطر هذا الانحلال الفكري والثقافي، يقول الله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ «4» ، ويقول سبحانه: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «5» . فالعالم الإنساني لا نور له ولا رحمة فيه إذا هو تجرد عن الأخلاق وإن أزمات الحضارات ما اندثر منها وما بقي إنما يعود إلى انحلال الأخلاق «6» . ثانيا: أن نضع في اعتبارنا أن هناك ثورة هائلة في عالم الاتصالات، وسرعة مذهلة في إيقاع الحياة العصرية هذه الثورة، وتلك السرعة، جعلتا الكون كله قرية صغيرة يلهث فيها الأفراد وراء المعلومات السهلة الميسرة، وعلى ضوء هذه المستجدات سنحت فرصة حقيقية وطيبة سخرها الله تعالى وقادها لنا من أجل تقديم قيم أخلاق التربية   (1) القصص/ 77. (2) الروم/ 41. (3) الشورى: 52- 53. (4) الأحزاب/ 21. (5) الأنبياء/ 107. (6) شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم في ضوء المقاييس الإنسانية، د. عبد الحليم عويس، ص 31. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 29 الإسلامية على نحو سهل وميسر، في شكل منظومة مترابطة الحلقات، متكاملة الأهداف، تشكل مدخلا حقيقيّا لمواجهة هذا التحدي الحضاري والتغلب عليه بالوسائل المناسبة في عصر سرعة المعلومات، وهذا ما حاولناه بالفعل في هذه الموسوعة بأن أوجدنا الذخيرة العلمية للقاعدة المعلوماتية اللازمة لخوض هذا التحدي. ثالثا: أن نعلم أن الدعوة إلى الله- عز وجل- بأسلوب عصري يتمشى مع مقتضيات العصر ومتطلباته من حيث السرعة والإمكانات، ليست بالأمر السهل أو اليسير إذ يتطلب ذلك أن يتبنى ذوو الهمم العالية وأولو العزم ما تجسده هذه الموسوعة من معان سامية، ويقوموا بدعمها بقوة، توازي- إن لم تفق- قوة الخطر الداهم الذي يحيط بالعالم الإسلامي والعالم أجمع من كل حدب وصوب، وهذا هو ما نرجوه ونتوقعه بإذن الله. رابعا: إن خطر الحضارة المادية على القيم الإنسانية الرفيعة وفتنة شبهاتها وشهواتها أصبح يهدد كل طفل وفتاة، بل كل رجل وامرأة من خلال تسر بها عبر وسائل الإعلام المختلفة مثل قنوات الأقمار الصناعية والصحف والمجلات التي تغرس انحرافات، لا تتم مقاومتها إلا بتربية إسلامية أصيلة تقوم على التأسي بصاحب الخلق العظيم محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولا يتسنى ذلك على نحو كامل وشامل إلا بعون الله- عز وجل- وتوكلنا عليه أولا، ثم من خلال طباعة هذه الموسوعة وتوزيعها ونقل معارفها بشتى الوسائل الإعلامية والتعليمية المختلفة ثانيا، بأن تكون هذه العلوم والمعارف في متناول كل مربّ في البيوت والمدارس والجامعات، وبيد كل داعية وخطيب وموجه، وفي مكتبة كل مدرسة ومسجد ومنزل، وبذلك يتحصن الجميع بمكارم أخلاق الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم ضد هذه الغزوة الشرسة ويصمدون أمام تلك الفتن الزائفة. اقتراحات وتوصيات : وأمام هذه التحديات التي أشرنا إليها والتي لابد أن نضعها نصب أعيننا، ولكي ننجح في التصدي لمخاطر الانحلال الثقافي والفكري من ناحية، ونقوم بواجب الدعوة إلى الله تعالى من ناحية أخرى، فإننا نوصي بما يلي:- أولا: نأمل إن شاء الله أن تدخل قيم أخلاق التربية الإسلامية ضمن مناهج التعليم التخصصي في كليات الدعوة والشريعة وأصول الدين ومعاهد إعداد الدعاة ونحوها من الكليات والمعاهد التي تهتم بأمر الدعوة الإسلامية، وإنشاء تخصص جديد باسم «مكارم الأخلاق النبوية» ضمن الإطار العام لتخصص «أصول التربية الإسلامية» الموجود بالفعل في بعض كليات التربية، بحيث تكون هذه الموسوعة حجر الزاوية في هذا التخصص، ولذلك مزايا عديدة أهمها: أ- إتاحة الفرصة أمام المعلمين لاختيار موضوعات التربية الإسلامية التي يقومون بتدريسها بحيث تكون متكاملة ومترابطة. ب- إتاحة الفرصة أمام الخطباء لكي تكون خطبهم متناسقة ومتتابعة على نحو منظم يستغرق شهورا وربما سنوات، على نحو متدرج يكفل الانتقال السلس من صفة لأخرى، مما يجعل خطب يوم الجمعة تتصف بالموضوعية الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 30 والإقناع لوجود علاقة وربط بين خطبة هذا الأسبوع مع الأسبوع الذي سبقه والذي سيليه. وبذلك يمكن إحياء رسالة المسجد، ورفع مستوى أداء الخطب التي ستأتي مركزة ومترابطة ومعتمدة على المعلومات الموثقة الصحيحة. ثانيا: نأمل إن شاء الله تعالى أن تدخل موضوعات الموسوعة ضمن برامج الجامعات والكليات ذات التخصصات المختلفة ومراعاة أهمية تدريس هذه القيم فيها لأن هؤلاء المتعلمين في مختلف التخصصات سيكونون غدا إن شاء الله مدرسين ومسئولين عن نقل هذه المعارف القيمة للجيل الذي سيليهم وبالتالي لابد لهم من أن يحصلوا على هذه العلوم ويحرصوا عليها. وحبذا لو خصصت المدارس الثانوية دورات في مادة اختيارية تحمل مسمى «الأخلاق الإسلامية» يلتحق بها الطلاب الراغبون في زيادة ثروتهم في مجال الأخلاق، ويتسلحون بها في مواجهة التيارات الهدّامة التي تهب عليهم من كل جانب. ثالثا: كما نأمل أن تدخل موضوعات الموسوعة ضمن النشاط الثقافي في المدارس وذلك بإجراء مسابقات حول موضوعاتها من ناحية، وتخصيص أسابيع للثقافة الإسلامية يختص كل منها بإحدى مكارم أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم كأن يخصص أسبوع للصدق وآخر للأمانة، وثالث للاستقامة، ورابع لمكافحة الغش ... وهكذا. رابعا: نأمل بعون الله تعالى أن تفتح معاهد تدريب تعقد فيها دورات يلتحق بها من أراد من عامة الناس دون قيد أو شرط، أي بغض النظر عن المؤهل العلمي، أسوة بالدورات التدريبية الأخرى التي تنهض بها معاهد الإدارة، أو معاهد تدريس الحاسب الآلي، وذلك انطلاقا من أن ما يتعلق بمكارم أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو في حقيقة الأمر دورة في علوم ومعارف الحياة الإنسانية بأرقى معانيها، ومما يدعم هذا المطلب ويقويه أنه لا توجد حتى الآن قنوات لتغذية المطالب المتزايدة. في ظل الصحوة الإسلامية الحالية. بالمعلومات الصحيحة عن الإسلام، اللهم إلا في الكليات أو المعاهد المتخصصة التي لا يمكن الالتحاق بها إلا وفقا لشروط لا تتيسر سوى لأعداد محدودة من الراغبين في التزود بمثل هذه المعلومات. إن إعطاء هذه المعلومات الصحيحة عن القيم الإسلامية وأخلاق المسلمين كما جاءت في القرآن الكريم والسنة المطهرة لعامة الناس وفقا لمنهج علمي متكامل أصبح مطلبا ملحّا في عالم اليوم، ولا بد أن تنهض به معاهد تنتشر في كل أرجاء العالم ويلتحق بها كل الراغبين. وينبغي أن نشدد القول على أن نقطة الضعف المهمة جدّا والتي يجب الانتباه إليها هي أنه في غياب تنظيم عملية تلقي المعلومات في ظل الصحوة الإسلامية العالمية الكبيرة سيظل الباب مفتوحا على مصراعيه لتقديم معلومات مغلوطة ومشوشة بدون منهج علمي محدد أو مرشد يعتمد عليه أو معين يوثق فيه. إن أساس النجاح في أي عمل هو التخطيط والتنظيم وحسن السيطرة والتوجيه والإدارة، فإذا ما توافرت هذه الأمور في إنشاء تلك المعاهد وأعد لها الإعداد الجيد باستخدام هذه الموسوعة قاعدة لمنهج المعلومات فإن ثمرتها ستعم أرجاء المعمورة كلها بإذن الله تعالى. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 31 خامسا: على المستوى العالمي- وكما هو معروف- فإن دعوة الإسلام رسالة عالمية للناس كافة، ومن ثم ينبغي أن يكون خلقه العظيم صلّى الله عليه وسلّم أسوة للبشر جميعا يقول الله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ «1» . ولكن كيف للناس في شتى بقاع المعمورة أن يعرفوا هذه القيم النبيلة والأخلاق الرفيعة على الوجه المطلوب؟ لا يتم ذلك إلا بعون الله- عز وجل- وتيسيره بترجمة الموسوعة إلى ما يلي:- (1) إلى لغات العالم الإسلامي في كل القارات، في آسيا مثل الأوردو والبنغالية والهندية والملاوية والفارسية والصينية، وإفريقيا مثل الهوسا واليوربا والفلاتا والسواحلية. وأوربا مثل الألبانية والبوسنية. وقد انتهينا والحمد لله من الترجمة إلى لغة الأوردو. (2) الترجمة إلى اللغات العالمية مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والروسية. ونحن في سبيل المباشرة بالترجمة للغة الإنجليزية وغيرها إن شاء الله. (3) الحرص على برمجة هذه المعلومات بمختلف اللغات على الحاسب الآلي وإصدارها في أقراص الليزر ضمن برامج الوسائط المتعددة التي تشمل النص والصوت والصورة. وفي هذا تسهيل لعرضها على شبكة المعلومات (الإنترنت) العالمية. سادسا: ويتعلق بالتحرك على المستوى العالمي أيضا عقد ندوات عالمية تتخذ من الأخلاق الإسلامية موضوعها الأساسي ويتصل بها عقد مسابقات دولية على غرار مؤتمرات ومسابقات تحفيظ القرآن، وحبذا لو كان ذلك في مدينة الرسول الكريم المدينة المنورة صلّى الله عليه وسلّم. الثمرات المرجوة : إن لتنفيذ هذه الخطوات وتحقيق تلك الطموحات السالفة الذكر ثمارا عديدة نجملها فيما يلي: 1- رفع الوعي العام بأهمية موضوع مكارم الأخلاق لدى شعوب العالم كافة والشعوب الإسلامية بوجه خاص، ويترتب على ذلك تحسين مستوى التعليم ووضع مبادىء التربية الإسلامية في المكان اللائق بين مختلف النظم التربوية في العالم، وسوف تكون الصفات الكريمة التي تضمنتها الموسوعة مجالا خصبا لإعداد المقالات والنشرات في الصحف اليومية والمجلات والبرامج الثقافية في الإذاعة والتليفزيون، ونحو ذلك وهي بذلك تسد ثغرة في المكتبة الإسلامية بما تتيحه من وجود مصدر موحد ومرجع شامل يوفر للمرء كل ما يحتاجه ويتمنى معرفته ابتداء من السيرة النبوية وانتهاء بتفاصيل مكارم الأخلاق النبوية.   (1) سبأ/ 28. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 32 2- إن تنفيذ التوصيات سالفة الذكر سينجح بإذن الله في سد هذا الفراغ الكبير في الساحة الثقافية والحضارية، إضافة إلى أنه سيغلق الباب أمام تيارات الانحراف والفساد الوافدة على العالم الإسلامي من الخارج، وفي الوقت نفسه يتصدى للإرهاب الفكري للحركات الضالة التي تتستر باسم الإسلام، ويقف سدّا منيعا أمام حركات الغلو والتطرف التي تسعى إلى طرح نفسها بديلا يملأ الفراغ في الساحة الفكرية والثقافية. والموسوعة إذ تقدم البديل الأمثل المتمثل في مكارم أخلاق سيد الخلق محمد صلّى الله عليه وسلّم وما يدعو إليه الدين الحنيف من المحبة والألفة والتسامح والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، تيسر بإذن الله السبيل لمن أراد أن يدعو إلى نبذ العنف ومحاربة الجهل والظلم وخاصة جهل الإنسان لدينه ولنفسه، وظلمه لها أو للآخرين. 3- إن تواجد هذه البرامج بقوة على الساحة الدولية سيساعد كثيرا في تحسين مستوى الدعوة إلى الإسلام وتحسين صورة الإسلام التي يشوهها المغرضون، حيث إنه يمكن عرض قيم مكارم أخلاق الدين الإسلامي بديلا للانهيار الخلقي الذي تعاني منه الكثير من الشعوب ويمكن طرح هذا الأمر ليس في المحافل الدينية فحسب بل على منابر المؤتمرات المتخصصة في مجالات التعليم والطب النفسي والتربية والدراسات الاجتماعية ولقاءات حوار الحضارات بين الأمم. 4- إن سرعة نقل المعلومات وإمكانية التقاطها بيسر وسهولة داخل المنازل عبر شبكة المعلومات (الإنترنت) العالمية ستصبح وسيلة فعّالة لوضع برامج العلوم الإسلامية وخاصة ما يتعلق منها بالأخلاق النبوية الكريمة على قدم المساواة مع بقية العلوم الأخرى، وبذلك تتاح فرصة أكبر لكل تواق إلى المعرفة باحث عن الحقيقة كي يصل إلى غايته بيسر وسهولة وبحمد الله وعونه تم تسجيل عنوان لهذه الموسوعة على شبكة الإنترنت بمسمى «محمد رسول الله» صلّى الله عليه وسلّم، وهذا العنوان المدون في ظهر صفحة مسمى الموسوعة في أول المجلد هو خطوة أولى لتقديم معلومات الموسوعة عالميّا إن شاء الله. روح الأمل والمستقبل : أما الثمرة العظمى التي نرجوا قطافها من هذه الموسوعة فهي غرس روح الأمل في مستقبل مشرق يعم العالم الإسلامي، بل العالم كله، إن نحن سرنا على الصراط المستقيم الذي دعانا إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتأسينا بأخلاقه، وإذا كان الله- عز وجل- أخذ ميثاق النبيين بأن يؤمنوا بهذا الرسول وأشهدهم وشهد معهم وينصروه فالأولى بنا الاقتداء بهم، يقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ* فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ* أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ «1» .   (1) آل عمران/ 81- 83. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 33 نصر الله وعد الحق : لقد وعدنا الله بالنصر المبين إذا نحن نصرناه، باتباع دينه والاهتداء بسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم في تبليغ دعوة الله إلى الخلق وإقامة شريعته، مصداقا لقوله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ «1» . لقد وعد المولى- عز وجل- البشرية كلها بالفلاح والفوز إن هم نصروا رسوله صلّى الله عليه وسلّم واتبعوا النور الذي أنزل معه، يقول الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «2» ، وبذلك يتحقق خروج العالم مرة أخرى من الظلمات إلى النور، من ظلمات الباطل والجهل والانحلال إلى نور الحق والعلم والتمسك بقيم الخلق العظيم. وطريقنا إلى هذا النصر الموعود كما أوجزه فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين يتمثل في تقوى الله وفي الصدق في كل شيء، والتمسك بالخلق الحميد، ونصرة الله تعالى، يقول فضيلته في إحدى خطبه الجامعة: اصدقوا الله تعالى في عقائدكم وفي نياتكم في أقوالكم وفي أفعالكم، عاملوا الله تعالى كما أمركم أن تعاملوه به، اعبدوه مخلصين له الدين، التزموا شريعته غير مغالين ولا مفرطين، انصروا الله تعالى بالانتصار على أنفسكم الأمارة بالسوء، والتغلب على أهوائكم التي تهوي بكم إلى النار، انصروا الله تعالى بالغيرة لدينه وحمايته والذود عنه، فإن الله يقول: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «3» . فيا أمة القرآن، يا أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، يا أمة التوحيد والإيمان، إن هذه الآيات الكريمة وهذه الوعود المؤكدة الصادقة كلام ربكم العليم القدير، القوي العزيز، ولقد صدق الله وعده، وأنجز نصره، وهزم الأحزاب وحده، لقد كان ذلك حينما كانت الأمة الإسلامية قائمة بالشرط المشروط عليها للنصر تؤمن بالله ورسوله وتعبد الله وحده لا تشرك به شيئا، تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالنصر من عند الله- عز وجل- لأنها تؤمن بأن لله وحده عاقبة الأمور، لا ترهب الأعداء ولا تخاف من قواهم المادية، وإنما تقابل عددهم بشجاعة عددهم بما هو أقوى وأعتى، وأفكارهم وتصرفاتهم الماكرة بما هو أدهى وأنكى، ممتثلين بذلك أمر الله- عز وجل-: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ «4» . معتمدين في ذلك على الله- عز وجل-: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «5» . مؤمنين بقول من بيده ملكوت السماوات والأرض وهو يجير ولا يجار عليه إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ   (1) الحج/ 40. (2) الأعراف/ 157. (3) النور/ 55. (4) الأنفال/ 60. (5) آل عمران/ 159. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 34 يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «1» ، «2» . شكر وتقدير : نتقدم بخالص الشكر والتقدير لصاحب الفضيلة الدكتور الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين عضو هيئة الإفتاء- الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الذي تفضل بقراءة هذه الموسوعة وهي في صورتها الأولية وقدم لها في كلمة وافية عن الإسلام ومكارم الأخلاق والدعوة قال فيها: «ولا شك أنه جهد كبير وعمل واسع، يستدعي بذل الوسع، والحرص على الاستقصاء، ولذلك استغرق الجمع والبذل والكتابة فيها وقتا طويلا رغم توافر الجهود، وكثرة الباحثين، حتى أنتجوا هذا العمل المشكور الذي يرجى نفعه إن شاء الله للمبتدئ والمحتذي، والراعي والرعية، والفرد والمجتمع، فلقد أراحو طالب المشكور الذي يرجى نفعه إن شاء الله للمبتدئ والمحتذي، والراعي والرعية، والفرد والمجتمع، فلقد أراحو طالب الاستفادة من كثرة العناء في البحث والتنقيب في أمهات كتب الأحكام، وكتب الفضائل وكتب الآداب، وكتب الأوامر والنواهي والزواجر ونحوها، وأحالوا القارأ إلى الأماكن التي توسع مؤلفوها في تلك المسائل بإيراد النقول والآثار والعلل والأحكام والمنافع والمضار، فنوصي طالب العلم بالحرص على اقتناء مثل هذه الموسوعة الطيبة المباركة، ومراجعتها عند الحاجة والاستفادة منها، وشغل أوقات الفراغ بمطالعة ما تيسر من الأبواب والمسائل، فهي مرجع أساسي للدعاة والمصلحين، والخطباء والوعاظ، والمفتين والقضاة واللغويين وغيرهم، فلفضيلته منا ومن بقية العاملين بالموسوعة خالص الشكر والتقدير والامتنان على ما قدمه من اهتمام ورعاية حفظه الله ورعاه. كما أننا نتقدم بالشكر وافرا وجزيلا لمعالي الدكتور الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، لما تفضل به معاليه من اطلاع على الموسوعة وإشادته بأهمية الدعوة إلى الإسلام ومكارم الأخلاق في تقريظه لهذه الموسوعة التي قال فيها: «إن هذه الموسوعة عمل علمي مبارك، وجهد موفق في سبيل الفضيلة تأصيلا وتطبيقا» . وقال معاليه: «والناظر في هذه الموسوعة، يدرك لأول وهلة، أنها من أوليات ما تحتاج إليه الدعوة إلى الله، فهي تيسر خلق الإسلام وهديه أمام المسلم، وتظهر جانبا هامّا مما ورد في القرآن الكريم من العلوم والمعارف، وهو جانب الأخلاق، الذي جعله الرسول صلوات الله عليه وسلامه من أوليات رسالته وأهداف بعثته» . فجزاه الله عنا خير الجزاء، وجعل ذلك الاهتمام بالموسوعة في ميزان حسناته، ووفقه دائما إلى ما فيه صالح الإسلام والمسلمين. كما نتقدم بخالص الشكر والامنتان للأساتذة الأفاضل رؤساء اللجان وأعضائها جميعا ومن شارك في إعداد هذه الموسوعة بدون استثناء على ما بذلوه من إخلاص وجهد ووقت في سبيل إنجاز هذا العمل، وخاصة فضيلة الدكتور الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعميد كلية الشريعة بجامعة أم   (1) آل عمران/ 160. (2) الضياء اللامع، محمد صالح بن عثيمين، ص 367- 368. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 35 القرى سابقا، إذ تبنى فضيلته هذه الموسوعة وأشرف عليها منذ كانت فكرة حتى صارت عملا علميّا متكامل الأركان وثيق البنيان، وندعو الله العلي القدير له بمزيد من الصحة والتوفيق والنجاح في خدمة الإسلام والمسلمين. كما نشكر الأستاذين الفاضلين أ. د. علي خليل مصطفى أبو العينين رئيس لجنة المراجعة والضبط، وأ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي رئيس اللجنة اللغوية على ما بذلاه من جهد مشكور في إعداد هذه الموسوعة وإخراجها على النحو اللائق، كما نشكر الأخ الكريم أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي على جهوده في إعداد السيرة النبوية، ونتقدم بالشكر أيضا إلى الأخ الفاضل الأستاذ فؤاد محمد نور أبو الخير الذي تابع هذا العمل منذ اللحظات الأولى، كما نشكر أعضاء فريق الحاسب الآلي على ما بذلوه من جهد جبّار لا يعرف الكلل أو الملل في تنضيد وتصحيح الموسوعة، إنهم حقا الجنود المجهولون الذين قضوا الساعات الطوال خلف أجهزة الحاسوب في سبيل إخراج هذه الموسوعة على هذه الصورة المشرقة، ونخص منهم بالذكر الأساتذة: توني نجيب زيدان أحمد، وطارق علي بيومي، وهاني محمد عبد ربه. أما على المستوى الشخصي فإني أقدم خالص شكري وعظيم تقديري لكافة الإخوة والأصدقاء الذين أمدوني بالتشجيع طيلة هذه السنوات التسع، وأخص في هذا المقام زوجتي وأبنائي الأعزاء الذين صبروا وعانوا كثيرا بسبب غيابي عن المنزل وبقائي أسيرا- لساعات طوال- في مكتبي مع بقية أعضاء فرق العمل بين الورق وأمهات الكتب، فلهم مني أطيب تقدير وخالص الامتنان، وأتوجه إلى العلي القدير بأن يحفظهم ويرعاهم هم وعامة إخواني وأخواتي من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأن يجعلهم جميعا من المقتدين برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن أصحاب نضرة النعيم في الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح جدة- المملكة العربية السعودية في العشرين من شعبان سنة 1418 هـ. الموافق 21 من ديسمبر سنة 1997 م الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 36 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تقريظ لمعالي الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه، والتابعين، والعاملين بهديه وسنته، إلى يوم الدين. أما بعد؛ فإنه منذ ظهرت رسالة الإسلام، وفي حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، تأسست قواعد الدعوة إلى الله تعالى، وظهرت أصولها، وتنوعت أساليبها، على هدي الوحي الإلهي، في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. إن دعوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، كما أرادها الله، هي ختام الوحي الإلهي، الذي بلّغه خاتم الأنبياء إلى البشر، وهي الدعوة التي تخاطب الناس جميعا الأفراد والأمم والشعوب، إلى آخر الدهر. يقول جلّ شأنه: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «1» . وقد جاءت في القرآن الكريم قواعد الدعوة، وتحددت مناهجها، في مخاطبة العقول والقلوب والنفوس. يقول تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «2» . وكان الرسول صلوات الله عليه وسلامه في حياته الشريفة، وبالتكريم الإلهي له، قدوة للمسلمين جميعا، وأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. لقد وصفه الله تعالى في جميع أقواله وأفعاله وأحواله بأنه على خلق عظيم، يقول تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «3» . وهو الرحمة المهداة إلى البشر وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «4» .   (1) سورة الأعراف: آية 158. (2) سورة النحل: آية 125. (3) سورة القلم: آية 4. (4) سورة الأنبياء: آية 107. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 37 فالدعوة إلى الله رحمة للخلق في أهدافها وغاياتها. وهي تحتاج إلى الرحمة في ترغيب الناس فيها، وتقريبهم منها، ولذلك كانت الرحمة التي أودعها الله في قلب نبيه ورسوله للناس جميعا، أعظم عون للرسول في جمع الناس على الهدى، والاعتصام بحبل الله المتين. ففي القرآن الكريم: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ «1» . وعلى هذا الهدي الإلهي، في الكتاب والسنة، سار أئمة الدعاة في كل عصر من عصور الإسلام. وكان انتشار الإسلام في أقطار الأرض كلّها نتيجة جهدهم وثمرة اتباعهم للهدي الإلهي في تبليغ الدعوة، ومخاطبة العقول، وتزكية النفوس. وكان من أئمة الدعاة إلى الله في مختلف الأزمنة والأمكنة، القراء والفقهاء والعلماء، والصالحون من الناس. وكان لكل منهم أثر كبير في هداية الخلق، ببيان كلمة الله، وإظهار حكمه وشرعه، وبضرب الأمثلة في حسن الأدب مع الله، والاتباع لما دعا إليه الدين من مكارم الأخلاق في التعامل مع الناس. وهذا الجانب الأخير كان له أعظم الأثر في انتشار الإسلام بين الأمم، فإن المسلم حين يظهر بين الناس بأخلاق الإسلام وهديه، يكون قوله وفعله الذي يتأسى فيه بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، من أعظم الوسائل في الدعوة إلى الله، ومن ثم يكون الاقتناع والاتباع. إن إكمال مكارم الأخلاق يعد من أعظم المهمات، وأهم الغايات في رسالة الإسلام. يقول عليه الصلاة والسلام: «إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» «2» . * وأخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم هي الأخلاق التي بينها ربنا جل وعز، ودعانا إلى اتباعها في القرآن الكريم، وقد أدركت ذلك، وشهدته رؤية عين، أقرب الناس إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، في أقواله وأفعاله وأحواله، أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- فلم تجد وصفا يبين عظمة أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم، إلا بنسبة هذه الأخلاق إلى الوحي الإلهي، في كماله وجلاله. فقالت: «كان خلقه القرآن» «3» . * ولذلك، فإن الخير كل الخير في أن تكون أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم في عظمتها وشمولها، معروفة للمسلمين جميعا، ليكون الاتباع، ولتظهر الأسوة الحسنة، في حياته الشريفة، التي أرادها الله لنا مثلا في حياة الإنسان، وتعامله مع الناس على هدى الإسلام.   (1) سورة آل عمران: آية 159. (2) رواه مالك في «الموطأ» (2/ 904) بلاغا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال ابن عبد البرّ: هو متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره، وانظر «كشف الخفاء» للعجلوني (1/ 244. 245) رقم (678) . (3) قطعة من حديث رواه أحمد في «المسند» (6/ 91 و163) والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 499) وهو حديث صحيح. والحديث في صحيح مسلم في الوتر، وفي فضائل النبي صلّى الله عليه وسلّم. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 38 وهذا الجانب من جوانب الدعوة، له أهميته البالغة في هذا العصر بالذات، وفي كثير من البلاد الإسلامية. * إن الموسوعة التي بين أيدينا، «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم» تتناول جانبا هامّا من جوانب الدعوة إلى الله تعالى، وإرشاد الخلق إلى ما فيه سعادة الدارين، وهي موسوعة تربوية تتعهد النفوس بالإصلاح والتزكية على الأساس الخلقي القويم، من الخلق النبوي الكريم، وتضع أمام المسلمين على اختلاف الشرائح العمرية والثقافية نموذجا حيّا للخلق الإسلامي، من الهدي القرآني، ومن السنة النبوية، قولا وفعلا وحالا. وقد اجتهد واضعو هذه الموسوعة، في جمع فضائل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما وردت في المنقول الصحيح في عشرات الكتب والمراجع، لا سيما كتب السيرة والسنة النبوية، كما ورد فيها ما نهى عنه الله ورسوله، من مذموم الأقوال والأفعال والأحوال. * وقد سلك واضعو الموسوعة، في تبويبها وترتيبها بحسب موضوعاتها، طريقة تحقق الفائدة واليسر معا. فرتبوا الصفات والسجايا والفضائل، ترتيبا هجائيّا، ولا شك أن ذلك اقتضى منهم جهدا علميّا كبيرا، يظهر في سلامة هذا الترتيب ودقته، الذي تظهر فيه القيم الإسلامية الكبرى، وما يندرج تحتها من أفعال الرسول وصفاته وسجاياه صلّى الله عليه وسلّم، مما يعد تعليما وإرشادا للمسلمين، وأسوة حسنة لهم في كل ما يأتونه، وما يتجنبونه من أقوال وأفعال وأحوال. كما تقدم هذه الموسوعة زادا علميّا لكثير من المسلمين، وتيسر البحث والمعرفة في هذا المجال على المتخصصين في الدراسات الإسلامية. وتنفع الأئمة في المساجد والوعاظ، في حلقات الوعظ والإرشاد، بما اشتملت عليه من معرفة الفروق الدقيقة بين صفات وأفعال تستحب من المسلم، ربما تبدو متماثلة مع ما بينها من فروق دقيقة أوضحتها الموسوعة، كالفرق بين الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 39 الاستعاذة والاستعانة والاستغاثة، والفرق بين الابتهال والدعاء، والفرق بين التفكر والتدبر والتذكر، وبين الحنان والعطف، وغير ذلك مما عرضت له الموسوعة، ببيان معناه لغة أو اصطلاحا، وبيان ما يتفرع منه إلى أنواع كالأدب، وجمعت الموسوعة، هذه الصفات والسجايا من الأصلين العظيمين، القرآن الكريم وسنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأضافت إليهما ما ورد من آثار بشأنها، فردت كل صفة وسجية وفضيلة إلى أصلها القرآني، أو مثلها الأعلى في التطبيق النبوي. * والناظر في هذه الموسوعة، يدرك لأول وهلة، أنها من أوليات ما تحتاج إليه الدعوة إلى الله، فهي تيسر خلق الإسلام وهديه أمام المسلم، وتظهر جانبا هامّا مما ورد في القرآن الكريم من العلوم والمعارف، وهو جانب الأخلاق، الذي جعله الرسول صلوات الله عليه وسلامه من أوليات رسالته وأهداف بعثته. وبهذا يظهر تميز الأمة الإسلامية ببنائها الأخلاقي. هذا البناء الذي يعتبر جانبا جوهريّا وهامّا من الدين، ومنهجا إسلاميّا كاملا في السلوك. * إن هذه الموسوعة، عمل علمي مبارك، وجهد موفق في سبيل الفضيلة، تأصيلا وتطبيقا، فجزى الله القائمين عليها خيرا، ونفع بعملهم هذا المسلمين. وإنه لمن دواعي سروري واغتباطي، أن أكتب كلمة عن هذه الموسوعة، بناء على طلب الأخ عبد الرحمن محمد بن ملوح، المدير العام لدار الوسيلة للنشر والتوزيع، شاكرا له ولجميع العاملين فيها، والمشرفين عل إعداد الموسوعة، وفي مقدمتهم معالى الأخ الفاضل الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد، إمام الحرم المكي وخطيبه، جهدهم الكبير. أسأل الله أن يجزل مثوبتهم، ويكتب عملهم في سجل حسناتهم. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 40 إنه عمل يستحق الشكر والتقدير والثناء على كل من تعاون فيه. أسأل الله أن ينفع بهذه الموسوعة أبناء المسلمين، وأن يجعل القدوة والأسوة الحسنة في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم قريبة منهم، ومثلا أعلى لهم، يظهر ذلك في تعاملهم مع بعضهم، ومع الناس كافة، وهي الغاية التي يسعى إليها الدعاة إلى الله تعالى في كل زمان ومكان. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. د. عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 41 تقريظ فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين عضو هيئة الإفتاء- الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا وأرسل الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلهيته وأفعاله وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هدى الله به الأمة من الضلال وأرشدهم به من الغواية وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن سار على نهجه واتبع هداه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد ... فإن ربنا جل وعلا لما أوجد هذا الكون بما فيه من عجائب المخلوقات كان من بين من خلقه نوع الإنسان الذي ميزه بالعقل والإدراك وفضله على كثير من خلقه كما قال تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا «1» وكان من آثار هذا التكريم والتفضيل أن خصهم بالتكليف فأمرهم بعبادته وطاعته ونهاهم عن معصيته ومخالفته، وأرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب لبيان شرائعه التي كلف بها عباده وشرح لهم دينه الذي فرض عليهم اعتناقه، وختم أولئك الرسل بنبينا محمد بن عبد الله الهاشمي النبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم وجعل شريعته خاتمة الشرائع، وكان من لوازم ختم النبوة به أن عمم رسالته إلى الأحمر والأسود والعربي والعجمي والجن والإنس والقاصي والداني ومن آثار ذلك أن جعل دينه صالحا ومناسبا في كل زمان ومكان، وقد ضمن الله تعالى لهذه الشريعة الظهور، ولأهلها التمكين والنصر والغلبة بجميع أنواعها قال الله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً «2» ولقد صدق الله وعده- وهو لا يخلف الميعاد- فأظهر المؤمنين الصادقين في صدر هذه الأمة ونصرهم على أعدائهم، ومكن لهم في البلاد حتى انتشر هذا الدين وظهر وغلب على سائر الأديان، ونصر الله أهله وقواهم به قال تعالى وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ «3» وقال تعالى إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ «4» فجند الله هم أهل شريعته ودينه. ولهم الغلبة بالسيف والسنان، وبالحجة واللسان، وذلك أن ربهم معهم يؤيدهم ويقويهم إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ «5» ثم إنه تعالى تضمن لأهل هذه الشريعة الحياة السعيدة الطيبة والراحة والطمأنينة وسرور القلب ونعيمه في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة، فقال تعالى مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «6» والواقع أكبر دليل   (1) سورة الإسراء: آية 70. (2) سورة النور: آية 55. (3) سورة المنافقون: آية 8. (4) سورة الصافات: آية 173. (5) سورة آل عمران: آية 160. (6) سورة النحل: آية 97. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 42 وشاهد على تحقق ذلك، فإن أهل الإسلام كلما سلمت عقائدهم وصلحت أعمالهم وأحوالهم وابتعدوا عن الكفر والشرك والمعاصي وتبرءوا من الكفار وأعمالهم وأخلصوا دينهم لله تعالى فإنهم يحيون في هذه الدنيا في أعظم الراحة والسرور ويغتبطون بدينهم ويقتنعون بما رزقهم الله، وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ويرضون ويسلمون لقضائه وقدره، ذلك أن هذه الشريعة الإسلامية فيها الهدى والرشاد ودين الحق الذي تضمنته رسالة هذا النبي الكريم قال الله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* «1» والهدى هو البيان والدلالة والإرشاد بمعنى أن من اتبعه كان مهتديا سائرا على النهج القويم والصراط المستقيم الذي لا يزيغ من سلكه على حد قوله تعالى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى «2» وذلك يدل بوضوح أنه مشتمل على كل ما تمس إليه حاجة البشر مما يتعلق بعباداتهم وقرباتهم وبمعاملاتهم وشئون حياتهم، وذلك من وصف هذه الرسالة بالهدى ودين الحق فإن الحق ضد الباطل، وهذا وصف مطابق للواقع لأن كل ما جاء به هذا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حق وصدق بعيد كل البعد عن اللهو والباطل والفساد بل مشتمل على كل قول يدحض أي باطل ويدمغه كما في قول الله تعالى بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ «3» فلا بد أن هذا الدين الحق قد اشتمل على كل خير ودل الأمة على ما هو الأصلح لهم في معاشهم ومعادهم وأوضح لهم المنهاج القويم الذي يؤدي بمن سلكه إلى النجاة في الدنيا والآخرة. وقد وصف الله كتابه المنزل على هذا النبي الكريم بأنه هدى وشفاء قال الله تعالى وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «4» وهذه الأوصاف الشريفة الرفيعة تقتضي أنه مشتمل على كل خير وأن الشريعة التي اشتمل على بيانها واضحة المنهاج كاملة في أهدافها ومقاصدها وحاجاتها، كما تقتضي من كل المخاطبين اعتناقه وتقبل كل تعاليمه والسير على نهجه وشدة التمسك به رغم ما قد يحصل من عوائق أو ضيق حال أو أذى أو تعذيب في سبيل هذه الشريعة الغراء وذلك ما عمل به الرعيل الأول وصدر هذه الأمة حتى ظفروا بالمطلوب وحصلوا على خيري الدنيا والآخرة.   (1) سورة الصف: آية 9. (2) سورة طه: آية 123. (3) سورة الأنبياء: آية 18. (4) سورة الإسراء: آية 82. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 43 لقد بين الله تعالى في هذا القرآن أصول الدين وأشار إلى مسائله وقال في حقه وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ «1» فعموم قوله تعالى تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ يصدق على أصول الأحكام وأسس العقائد وقواعد الدين وهذا هو السر في وصف الدين بالكمال قال الله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «2» وهذه الآية نزلت في حجة الوداع في آخر حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد تضمنت أن هذا الدين قد كمله الله وأتمه وأكمل الشرائع والأدلة وسائر الأحكام فقد بين الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يلزم العباد من الطاعات والقربات التي هي حقوق الله عليهم فبين لهم أولا أنه ربهم ومالكهم، ولفت أنظارهم إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من الآيات وعجائب المخلوقات التي فطر الله جميع الخلق على الاعتراف بأنها صنعه وإبداعه كقوله عز وجل أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً «3» . وقوله أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها «4» الآيات ... إلخ وقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ «5» ونحو ذلك، ثم بين لهم حيث أقروا بأن ما في الكون كله لله، فهو الخالق المنفرد بإيجاد المخلوقات أنه وحده   (1) سورة النحل: آية 89. (2) سورة المائدة: آية 3. (3) سورة المرسلات: آية 25. (4) سورة النازعات: آية 27. (5) ق: آية 6. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 44 المستحق لأن يفرد بالعبادة، فلا يجعل له شريك في الدعاء أو الرجاء أو التوكل أو الخضوع والركوع والسجود أو غيرها من أنواع العبادة، بل على الخلق أن يخصوه بكل أنواع التذلل والإخبات، وأن ينيبوا إليه ويعظموه حق التعظيم، لأنه ربهم وهم ملكه وعبيده وهو المنعم عليهم المتفضل عليهم بجزيل الإنعام، فمتى صدوا عنه وأعرضوا عن عبادته فقد كفروا بربهم وبدلوا نعمة الله كفرا وصرفوا لغيره خالص حقه، لذلك دعا الله العباد إلى عبادته وحده لا شريك له، وكرر الأمر بذلك وأبدى وأعاد في ذلك وضرب لهم الأمثلة، وبكّت أولئك المشركين وبين حال ما عبدوه من دون الله وأنها مخلوقة مثلهم ولا تملك لأنفسها شيئا فضلا عن عابديها كما وصف نفسه عز وجل بصفات الكمال ونعوت الجلال التي تتضمن إحاطته بالمخلوقات، وعلمه بالأول والآخر وسمعه وبصره المحيط بالقاصي والداني، وكل وصف يقتضي عظمته وكبرياءه وقر به من العباد، ووصف نفسه بالأولية والبقاء والدوام والفضل والإنعام ونحو ذلك مما يستلزم خضوع العباد له، وإنابتهم إليه وإخلاص الدين له، ولما كانت العبادة مجملة لا دخل للعقل في معرفة مفرداتها وأمثلتها تضمن شرع الله ورسالة رسوله بيانها وإيضاح أنواعها فبين لهم العبادات البدنية كالصلاة والصوم والحج والجهاد والاعتكاف في المساجد ونحوها وشرح لهم جميع متعلقاتها وأركانها وشروطها وصفاتها التي تكون بها مجزئة تبرأ بها الذمة وتسلم من العهدة، كما بين لهم النوافل منها، ورغبهم في الإكثار من القربات التي يترتب عليها جزيل الثواب، وهكذا حثهم على العبادات القولية؛ فأمرهم بذكره ودعائه تضرعا وخفية، وبتلاوة كتابه، وبالدعوة إلى دينه، كما أمر بأداء العبادات المالية، فأخبرهم بما يجب عليهم في أموالهم من زكاة ونذر وصدقة ونفقة، وبما لهم من الثواب إذا تبرعوا له بشيء من أموالهم فأنفقوه في سبيله، وهكذا أوضح لهم سائر القربات التي هي حقه على العباد، وبها يتحقق وصفهم بالعبودية له وحده. ولم يقتصر على هذا القدر من البيان بل تطرق إلى أمورهم المالية الأخرى، وأوضح لهم وجوه المكاسب ومداخل الأموال، وما يحل منها وما لا يحل وحرم عليهم الكثير من المعاملات التي تحتوى على ضرر بالغير، من مكر ورشوة وربا وغش وسرقة ونهب وغصب إلخ ... وأباح لهم سائر المكاسب التي لا شبهة في حلها وهكذا تطرق إلى بقية الأحكام المالية فأوضح ما يحل منها وما لا يحل ولم يقف البيان الشرعي عند هذا الحد، بل بين الله في رسالة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أحكام العقود التي لها صلة بالغير من المسلمين أو غيرهم كعقد الذمة والأمان والصلح والمعاهدات. وعقد النكاح وملك اليمين وما يتصل بذلك للحاجة الضرورية في هذه الحياة إلى أمثال ذلك، وهكذا أيضا شرع الحدود والعقوبات البدنية والمالية لما لها من الآثار الملموسة في استتباب الأمن واستقرار الحياة، فلما كان من طبع الإنسان- إلا من عصم الله- الميل إلى الشهوات والملذات ولو محرمة أو إلى الأشر والبطر أو إلى الظلم والاعتداء أو إلى السلب والنهب والسرقة والاختلاس ونحو ذلك فلو ترك هؤلاء وميولهم لاختل الأمن وعدمت الطمأنينة في الحياة وانتشرت الفوضى، وأصبح الضعيف نهبة للقوي، وسيطر الظلمة الطغاة على البلاد والعباد، وأعلنوا كفرهم وبغيهم وفجورهم، بدون خوف أو مبالاة، فكان من حكمة الرب جل وعلا أن شرع من الزواجر والعقوبات ما يقمع أهل الشرور والمعاصي، فمن ارتد عن دينه وكفر بعد إسلامه لم يقر على ذلك بل حده القتل بكل حال إن لم يتب عن ردته، ومن تعاطى السحر أو الشعوذة أو عمل الكهانة ونحو ذلك شرع قتله قبل أن يستشري فساده في البلاد مما ينافي حكمة الرب تعالى، ومن بغى على إمام المسلمين وخرج عن طاعته وفارق جماعة المسلمين لزم قتاله بعد الدعوة الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 45 والمراجعة وبيان أنه إن مات كذلك مات ميتة جاهلية، كما أمر عز وجل بالصلح بين الطائفتين المقتتلتين وقتال الباغية منهما حتى تفيء إلى أمر الله، وأخبر أنهم مع هذا التقاتل لم يخرجوا عن الأخوة الإيمانية، وهكذا كتب القصاص كما في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى «1» كما كتبه على أهل التوراة في النفس فما دونها، قال تعالى وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ «2» وبين الحكمة والمصلحة في شرعية ذلك كما في قوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ «3» فأخبر أن في شرعية القصاص حفظ النفوس حيث إن القاتل متى تذكر أنه سيقتل أحجم وارتدع عن القتل فتقل هذه الجريمة ويحصل الأمن على الحياة، وهذا هو السر أيضا في شرعية الجزاء الرادع للمحاربين لله ورسوله الذين يسعون في الأرض فسادا وهم الذين يقطعون الطريق ويعترضون سابلة المسلمين في الأسفار لأخذ الأموال أو هتك الأعراض ونيل الشهوات المحظورة شرعا قال الله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ «4» وكل ذلك للحفاظ على أرواح الأبرياء والإبقاء على نفوسهم ليهنئوا بالعيش وتقر أعينهم في هذه الحياة ويبعد عنهم كل ما يكدر صفو عيشهم وأمنهم واستقرارهم، فمن ثم يتفرغون للعلم والعمل والتفقه فيما يلزمهم لربهم من الحقوق والعبادات وليقوموا بالواجبات فيما بينهم. وهكذا أيضا تضمنت الشريعة الإسلامية الزجر الشديد عن جرائم الذنوب وكبائر الفواحش كالزنا وشرب الخمر وقذف الأبرياء المحصنين وسرقة الأموال ونحو ذلك فإن جريمة الزنا فاحشة كبرى وفعلة شنعاء تستبشعها النفوس الأبية، وتنفر منها الطباع السليمة الرفيعة، لما فيها من انتهاك الحرمات، وإفساد الفرش واختلاط الأنساب وتفكك الأسر ويسبب ميل الزوجة عن زوجها إلى الأخدان الخائنين في السر، والتقصير في حق الزوج وفي إصلاح بيتها وتربية أطفالها ورعايتها لمن استرعاها الله من أهل بيتها ونحو ذلك من الفساد، ومثل ذلك وأعظم يقع في حق الزوج متى وقع في تعاطي هذه الفاحشة النكراء، فلا جرم أن كانت عقوبة الزنا في هذه الشريعة أعظم من غيرها حيث شرع رجم الزاني أو الزانية مع الإحصان بالحجارة حتى الموت ليتم الزجر والقمع لتلك النفوس المريضة بالشهوة البهيمية، وخص المحصن بالرجم حيث إنه قد كفر النعمة وعدل عن الحلال وتعاطى الحرام برغم ما فيه من إفساد فرش الناس وتعريض زوجته للعهر والميل إلى فعل هذه الفاحشة مع غيره ونحو ذلك من المفاسد بخلاف غير المحصن فإن عقوبته الجلد والتغريب وهي دون الرجم بالحجارة لخفة ذنبه بالنسبة للمحصن لقوة الغلمة والشهوة التي قد تغلبه فيضعف إيمانه وتصديقه بالوعيد عن قمعها فتعرض نفسه الأمارة بالسوء فيقع في هذه الجريمة، وهكذا أيضا عاقب الذين يرمون المحصنات عقوبة شديدة في الدنيا والآخرة فقال عز وجل وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً   (1) سورة البقرة: آية 178. (2) سورة المائدة: آية 45. (3) سورة البقرة: آية 179. (4) سورة المائدة: آية 33. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 46 وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «1» وهذه عقوبات عاجلة وقال تعالى عن عقوبتهم الآجلة إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «2» الآيات، ذلك أن مقترفي هذا الفعل والذنب الكبير يقدحون في الأنساب وينتهكون الأعراض البريئة، وينشرون لأولئك الأبرياء سمعة سيئة تقشعر منها الجلود، وتنكس منها الرءوس حياء وخجلا مع بعدهم عن تلك الجرائم المزعومة ونزاهتهم عن اقترافها فكانت عقوبة من قذفهم بها الجلد ورد الشهادة، والحكم عليهم بالفسق الذي هو الخروج عن العدالة والطاعة مع استحقاقهم للعن وهو الطرد، والإبعاد عن رحمة الله، وللعذاب العظيم في الدار الآخرة، ونحو ذلك مما يكون زاجرا لهم عن الكذب والافتراء على المؤمنين والاستهتار والهتك للأعراض فيأمن الناس ويطمئنون في حياتهم وتتم بينهم المودة والإخاء وتزول العداوة والشحناء، مما يكون سببا للتقاطع والتدابر والتهاجر الذي جاء الشرع بالنهي عنه وتحريمه، لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة من اختلال الأمن، ووقوع الفتن، وتسلط الأعداء ونحو ذلك، وكما شرع تعالى عقوبة وحدّا مانعا لمن تعاطى شرب المسكرات بعد أن أوضح تحريم الخمر وما فيها من المفاسد فقرنها بالأنصاب وهي الأصنام وأخبر بأنها رجس أي نجس وقذر حسّي أو معنوي وأنها من عمل الشيطان فهو الذي يزينها ويدعو إلى الوقوع فيها ويوقع بسببها بين المسلمين العداوة والبغضاء ويصدهم بتعاطيها عن ذكر الله وعن الصلاة رغم ما فيها من إزالة العقل الذي هو ميزة الإنسان وفضيلته، فبزواله يكون دون البهائم والسفهاء، ويتصرف تصرف المجانين والمعتوهين، فيهلك الحرث والنسل ويضر بالأنفس والأموال والأهل والأولاد، وما إلى ذلك من المفاسد الكبرى التي تنتج عن تعاطي المسكرات والمخدرات، ولا يقتصر ضررها على الجاني وحده؛ بل يلحق بالمجتمع أجمع إلا ما شاء الله، فلا جرم أن جرّمه، جاء في السّنة جلد شارب الخمر بما يزجره كأربعين جلدة أو ثمانين إن لم ينزجر بالأربعين، بل ثبت في السنة الأمر بقتله إذا أدمن ذلك ولم ينزجر بتكرار الجلد؛ ففي هذه العقوبات والوعيد الشديد عليها ما يكفي في الكفّ عنها وما يحفظ للعقول سلامتها ويبقي بذلك على سلامة التفكير؛ ويكفل للأمة أمنها ورخاءها وسلامتها من الأضرار والشرور الوخيمة والإبقاء على عقول البشر لتصرف تفكيرها فيما يعود عليها وعلى غيرها بكامل الخير والمصلحة وذلك أكبر مثال على كمال هذه الشريعة وتضمنها لمصالح العباد، وهكذا أيضا شرع عقوبة السارق بقوله تعالى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «3» ذلك أن السارق يهتك الأستار والحروز ويكسر الأقفال ويتسلق الحيطان، ويصعب التحصن والتحرز من شره وضرره، فكانت عقوبته قطع يده، تلك اليد الآثمة المتعدية الظالمة حيث إن جنايته تتوقف على العمل باليد غالبا فكان بقاء هذا العضو المعتدي مما ينشر الوباء ويخل بالأمن والاطمئنان على الأموال المحترمة التي لها وقع في النفوس فأخذها عدوانا وظلما مما يوقع الخوف والقلق في القلوب؛ فشرع إزالة هذا العضو الذي ينشر الوباء والمرض العضال بين الناس، وكما اشتمل الشرع على هذه العقوبات والزواجر التي يحصل بتطبيقها كمال الأمن ورخاء العيش، فقد شرع عقوبات أخرى غير مقدرة بعدد أو نوع تسمى تعزيرا وتأديبا يعاقب بها من اقترف ذنبا أو ارتكب كبيرة لا حد فيها، مما يتعلق بالأديان أو الأبدان أو الأموال، وتتفاوت تلك العقوبات بتفاوت الجرائم والمجرمين، وكل هذه العقوبات- مقدرة أو غير مقدرة- تتضح فيها حكمة   (1) سورة النور: آية 4. (2) سورة النور: آية 23. (3) سورة المائدة: آية 38. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 47 الشرع الشريف ويتضح لكل ذي قلب سليم أنه دين سماوي جاء بتحصيل المصالح وتكميلها وإلغاء المفاسد وتقليلها. كما أنه أيضا تعرض لشرح الآداب والأخلاق الرفيعة وحثّ على الاتصاف بالسمات الشريفة التى فطرت القلوب على استحسانها وحب من تخلق بها والنفور من أضدادها ومقت أهلها وبغضهم والبعد عنهم، فإن الله تعالى فطر الخلق على استحسان السمات الطيبة التي وجدت أو بعضها قبل الإسلام كأغلب خصال الفطرة التي ذكرها النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة وانتقاص الماء ... إلخ» «1» وفي الباب أحاديث كثيرة بهذا المعنى وهذه الخصال يستسيغها العقل السليم ويشهد بملاءمتها له لذلك يحافظ العقلاء على تطبيقها، وإنما يخالفها من انتكست فطرته فاستقبح الحسن واستلذ القبيح فلا عبرة بهذا الضرب من الناس ولو كثروا أو زعموا المعرفة والإدراك، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وبالجملة فإن احتواء الشريعة الإسلامية على هذه الخصال يفيد كمالها وانتظامها لكل ما يستحسن عقلا وشرعا ولكل ما تتوقف عليه الحياة الطيبة في هذه الدار، كما أن الشريعة لم تتوقف على تبيين العبادات والقربات كما قد يظن ذلك الكثير من الناس؛ بل تعرضت لإيضاح الأمور العادية وأوضحت الصفة الكاملة لاستعمالها، ففي باب الأكل تعرض الشرع لبيان الهيئة المحمودة في ذلك؛ فنهي عن الاتكاء حال الأكل كفعل من يريد الامتلاء من الطعام، وشرع الأكل باليمين تفاؤلا باليمن والبركة، وبالغ في النهي عن الأكل بالشمال تشبها بالشيطان وأعوانه، كما جاء بالأكل بثلاثة أصابع إلا لضرورة. فإن الأكل باليد كلها قد يوجب ترادف الطعام على مجراه فربما أفسده وسبب الموت فجأة، وذلك من باب رعاية نعم الله وإحسان جوارها، وهكذا شرع أن يأكل كل فرد مما يليه ونهى عن الأكل من وسط الصحفة، وعلل ذلك بأن البركة تنزل وسط الطعام، كما أمر بالاجتماع على الطعام وذكر اسم الله عليه وحمده بعد الشبع، ونحو ذلك مما فيه تذكير بعظيم منة الله في تيسيره لأسباب ذلك، ومما يسبب مع الصدق حلول البركة فيه حالا ومآلا، وهكذا جاء بآداب الشّرب المتضمنة لجمّ فوائده والمستحسنة عقلا وشرعا، فنهى عن التنفس في الشراب والنفخ في الطعام كراهة أن يصحبه شيء من الريق فيقذره على غيره، وأمر بالتنفس ثلاثا خارج الإناء، وبمص الشرب دون العب بقوة، وعلل ذلك بأنه أهنأ وأبرأ وتعرض للأواني التي لا يباح استعمالها في الأكل والشرب كآنية الذهب والفضة وتوعد متعاطيها أشد الوعيد لما فيها من الفخر والخيلاء والإسراف وكسر قلوب الفقراء، وهكذا شرع للأمة آداب التخلي «2» وإن كانت مما يحتشم من ذكره، ومن الأشياء التي تلزم الإنسان بحكم العادة ولكن لها آداب وأحكام تدخل بها في عموم الشريعة الإسلامية، وكذا آداب اللبس والخلع فجاء باستحباب لبس البياض من الثياب وأباح غيرها إلا ما استثنى، وأحب لباس القمص ولبس غيره من الأزر والأردية والسراويلات ونحوها، ونهى عن الخيلاء والإسبال في الثياب وبالغ في الوعيد على أهل الخيلاء والترفع على الناس، وأحب أن يرى الله آثار نعمته على عبده في اللباس ونحوه، ونهى عن المشي في نعل واحدة، وحث على التيامن في لباس الثوب والنعل ونحو ذلك وحرم أنواعا من اللباس كالحرير لما فيها من الإسراف والتبذير، وتعجل الطيبات في الدنيا،   (1) أخرجه مسلم ربك (261) في الطهارة: باب خصال الفطرة عن عائشة رضي الله عنها. (2) أي الآداب المتعلقة بقضاء الحاجة من التبول ونحوه. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 48 وكذلك تدخل الشرع في آداب النوم والجلوس والمشي والسفر وفصل أحكام ذلك وأدخل الجميع في جملة الشريعة الإسلامية. هذا وإن مما يدل على كمال هذه الشريعة اشتمالها على الحث والترغيب في الأخلاق الشريفة والآداب الرفيعة وتنفيره عن أضدادها. فقد رغب في الصدق مع الله ومع عباده فهو السمة العالية التي يحبها كل عاقل من مسلم وكافر ويثق الجمهور بأهل الصدق ويحسنون معاملتهم ومعاشرتهم، كما جاء بالزجر عن الكذب وجعله من سمات أهل النفاق الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وهكذا أمر بالصبر على أداء العبادات وإن ثقلت على بعض النفوس، وأفاد أن الأجر على قدر النّصب، ونهى عن إعطاء النفس ما تميل إليه بمجرد طبعها من الإخلاد إلى الراحة والكسل، وحثّ على قمع النفوس عن تعاطى المحرمات شرعا وبيّن أن صبر النفس عن ميلها إليها فيه ثواب كبير لمن جاهد نفسه وصبر عن تناول ما حرم ربه عليه، كما أن ربنا تعالى جعلنا في هذه الدار عرضة للأخطار والمصائب ابتلاء منه واختبارا ليظهر من يرضى ويسلم ويصبر على أقدار الله، ممن يجزع وتضعف نفسه عن تحمل الصبر والاحتساب، فوعد الصابرين بالأجر الكبير والثواب العظيم بخلاف من جزع ودعا بالويل والثبور فإنه مع فوات أجر المصيبة لا يفيده جزعه ولا يرد فائتا. وهكذا جاء الإسلام أيضا بإباحة متع الدنيا مع الاقتصاد في ذلك، مما يدل على كماله وتدخله في شئون الناس ومعاملاتهم لبيان الهيئة الرفيعة من أنواع اكتساب المال وإنفاقه، فحثّ على الحرف والصناعات واكتساب المال من وجوهه المباحة للتعفف عن سؤال الناس، وإظهار الفاقة أمامهم مما يضعف النفس ويسقط الهيبة. كما حثّ على القناعة بما رزق الله العبد من ضيق أو سعة، وأخبر بأن الغنى غنى النفس وأن ما أخذ بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذ بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وأوضح أن اليد العليا خير من اليد السفلى، ونحو ذلك من الشيم الرفيعة التي تبعث في النفوس الرضا عن الله في ما وهبه للعبد من سعة أو ضيق ويكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده فلا يستكثر ما قدمه لأخيه وأعطاه لفقير، أو محتاج أو وهبه لابن سبيل، أو في سبيل الله حيث أيقن بأن ربه يحب منه ذلك وأنه يخلفه له بخير منه عاجلا أو آجلا، فهان عليه ما بذله لله من صدقة وصلة رحم وقرى ضيف ووقف على جهة بر ونحو ذلك من صفات أهل الكرم والسخاء، والجود بما في اليد ثقة بالله وطواعية له بل إنه قد يواسي بما في يده أو يؤثر على نفسه كما وصف الله تعالى حال الأنصار وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ، ولكنه جاء مع ذلك بالحث على الاقتصاد وشدد في ذم المسرفين وأهل التبذير وإفساد المال وإنفاقه في الباطل أو فيما لا فائدة فيه وأخبر بأن المبذرين إخوان الشياطين، والمراد البذل في الحرام أو ما هو ضار قادح في الدين أو التعدي في الإنفاق في الشهوات والملذات فوق الحاجة مما يتضمن الإتلاف للأموال في غير طريقها. وهكذا جاء الشرع الشريف مرغّبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات؛ فحثّ على اختيار الرفقاء الصالحين، ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر، كما أن القصد الأعلى من هذا الاختلاط نصحهم عموما، وهدايتهم إلى سبل السلام، ودلالتهم على كل ما يعود عليهم بمصلحة في دينهم ودنياهم، وإعانتهم على البر والتقوى، وأمرهم بكل معروف ونهيهم عن المنكرات شرعا وعرفا، وهكذا جاءت الشريعة بالشفقة على الخلق ورحمتهم وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله وإذا الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 49 اشتكى رأسه اشتكى كله وشبهوا بالبنيان يشد بعضه بعضا، وكان من آثار ذلك قضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم، وكل ما فيه جلب الراحة والطمأنينة لهم، مع الحرص على إزالة الوهن، والتقاطع الذي يحصل بينهم لتصفو القلوب وتحصل لهم راحة النفس في هذه الحياة، وحث على بر من له زيادة حق لقرابة أو جوار فأمر ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار وصدق المؤاخاة والشفقة على الأولاد وما يتبع هذا البر والإحسان من نفقة ومواساة وإيثار وطاعة وخدمة بقدر المستطاع، كما حذر أشد التحذير من الإساءة إلى الوالدين وعصيانهما، وقطيعة الرحم، بل أخبر بأن من وصل الرحم وصله الله ومن قطعها قطعه الله، كما أمر الإنسان بالصبر على ما يناله من جفوة أقاربه وإساءتهم، وأخبر بأن حق الأبوين لا يسقط ببقائهما على الكفر، فأمر بصحبتهما بالمعروف، ولكنه نهى عن التنزل على رغبتهما في الرجوع إلى الشرك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وجعل العقوق في المرتبة التي تلي الشرك بالله وألحق به من يتسبب في جلب الشتم والمسبة لأبويه، وأخبر بأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم، وحذر من التهاجر بين المسلمين لأجل الحظوظ الدنيوية، لما ينتج عنه من تفرق الكلمة واختلال الأمن وفقدان الثقة بين المسلمين. ولما كان هناك غالبا أفراد في المجتمع يستحقون زيادة عطف وإحسان لأسباب خاصة. فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على برهم ورحمتهم والشفقة عليهم، وحثّهم أنفسهم على الرضا والاستسلام بما قدره الله لهم، وما أصابهم من نقص وعاهة كما ورد في الحديث «إن أهل الجنة كل ضعيف متضعف» «1» وأن عامة من دخل الجنة هم المساكين وقال «2» صلّى الله عليه وسلّم: «ربّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» «3» وحث على كفالة اليتيم ورعايته والرفق به وعلى مراعاة المساكين والمستضعفين والتفطن لأحوالهم والصدقة عليهم وتخفيف ما يجدونه من ضيق وشدة وهمّ وحزن وجعل الجزاء من جنس العمل في ذلك. ففي الحديث «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» «4» ، ونهى الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم عن طرد المستضعفين من مجلسه وأمره بالصبر معهم في قوله وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ «5» ، ولما رأى بعض الصحابة- رضوان الله عليهم- أن له فضلا على من دونه قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» «6» ، وكل هذه الخصال من شعائر الإسلام. ومما يدل على كمال الإسلام واشتماله على كل مصلحة وخير ونفع للأفراد والجماعات، أن الشرع الشريف حث على الشيم والأخلاق النبيلة التي تعترف العقول بمعرفتها وتشهد بحسنها وحسن آثارها وما لها من الأثر الفعال في النفوس مما يوافق مقصد الشريعة، وكما أمر بالتواضع ولين الجانب سيما مع الضعفاء والخاملين والمساكين، ونهى عن ضد ذلك من التكبر والتجبر واحتقار المسلمين وازدرائهم، ومن الإعجاب بالنفس والترفع على الخلق، وفسر الكبر   (1) رواه البخاري برقم (8/ 4921) في تفسير سورة ن والقلم، ومسلم رقم (2853) في صفة الجنة-: باب النار يدخلها الجبارون عن حارثة بن وهب رضي الله عنه. (2) كما رواه مسلم في صفة الجنة باب النار يدخلها الجبارون عن أبي سعيد ورواه البخاري ومسلم في الرقاق عن أسامة بن زيد. (3) رواه مسلم في البر والصلة- باب فضل الضعفاء عن أبي هريرة. (4) رواه البخاري في المظالم باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه ومسلم في البر والصلة والترمذي في الحدود عن ابن عمر. (5) سورة الكهف: آية 28. (6) رواه البخاري في الجهاد- باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد أن له فضلا ... إلخ. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 50 بأنه بطر الحق وغمط الناس، فإن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، كما في قوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «1» ، وكما في الحديث «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد» «2» بل أخبر بأن التواضع لعباد الله سبب للرفعة وعلو الرتبة عند الله وعند الناس وقال «حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» «3» . فهذه إشارة إلى كمال الشريعة وإلى ما اشتملت عليه من الخصال الحميدة والأخلاق والآداب الرفيعة التي تسمو بمن تخلّق بها إلى أرفع المنازل وما حذرت منه هذه الشريعة من الأخلاق الدنيئة الذميمة، التي تدنس الأعراض وتوقع في العار والشنار، ولقد أكثر العلماء قديما وحديثا من الكتابة حول خصال الإيمان والدين التي تجب أو تستحب، وسموها آدابا شرعية وخصالا دينية، وأدخلوا في ذلك العادات القديمة التي أقرها الإسلام أو أثنى على فعلها كالجود والكرم والصدق والوفاء والبر والصلة والسلام والتحية والتراحم والتعاطف والتزاور ونحوها، وقد توسع في ذلك ابن عقيل الحنبلى في كتابه المسمى بالفنون، حيث جمع فيه ما أدركه من فنون العلم بجميع أنواعه ولكنه لم يوجد كاملا، وقد ألف الكثير من الأئمة في الأخلاق والآداب، وشعب الإيمان، وهكذا كتبوا في الخصال المذمومة وكبائر الذنوب وأنواع المعاصي والمحرمات، وكل من ألف في ذلك فإنما كتب ما يناسبه ولكل مجتهد نصيب. ولا شك أن شريعة الإسلام قد تضمنت كل ما تمس إليه الحاجة البشرية، وأن جميع الخصال التي تهدف إليها يعرف عند التأمل ملاءمتها ومناسبتها، ولذلك يحتاج إلى الاستقصاء في جمع أنواع العبادة، وما ورد الأمر به من القربات، وما نهى عنه مما يخالف أهداف تلك الخصال، وذكر أدلتها من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، مع ذكر معانيها ونتائجها مما يفيد المسلم وطالب الحق علما وسعة اطلاع. هذا وقد اطلعت على مقدمة هذه الموسوعة الكبيرة التي احتوت على ما أمكن جمعه من أنواع القربات وأسماء العبادات، وأسماء ما يضادها وما ينهى عنه، وأعجبت كثيرا حيث استوعبت ما أمكن إيراده من خصال الخير والأخلاق والقربات، وكل ما ورد له ذكر في الشريعة من تلك الأسماء التي استعملها الرسول صلّى الله عليه وسلّم بوحي من ربه، وبين المراد بها وفائدتها وأثرها، وحيث رتبت على الحروف ترتيبا محكما لا خلل فيه ولا خطأ، وبدأ بالتعريف لكل خصلة بذكر معناها اللغوي والشرعي، وبيان ما يدخل فيها شرعا وما تتضمنه، ثم بذكر الآيات التي وردت فيها لفظا أو معنى، وكذا ذكر الأحاديث المرفوعة مع تخريجها بدقة واستيفاء، مع ذكر مواضع تلك الأدلة ومراجعها، وهكذا ذكر الآثار الواردة في مدح تلك الخصلة وفائدة العمل بها أو تركها ومضرة المخالفة فيها وما إلى ذلك مما يجده القارئ في هذه الموسوعة، ولا شك أنه جهد كبير وعمل واسع، يستدعي بذل الوسع، والحرص على الاستقصاء، ولذلك استغرق الجمع والبذل والكتابة فيها وقتا طويلا رغم توافر الجهود، وكثرة الباحثين، حتى أنتجوا هذا العمل المشكور الذي يرجى نفعه إن شاء الله للمبتدئ والمحتذي، والراعي والرعية، والفرد والمجتمع، حيث يجد الطالب فيها بغيته، ويعثر على مطلبه بأيسر الوسائل وفي أسرع وقت، فيستفيد في نفسه ويتزود من العلم النافع ما يكون زادا له في دار الدنيا ويوم   (1) سورة الحجرات: آية 13. (2) رواه مسلم في الجنة باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار عن عياض بن حمار المجاشعي. (3) رواه أبو داود في الأدب باب في كراهة الرفعة في الأمور عن أنس. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 51 المعاد، فإن بحث عن العبادات والقربات وجد طلبته، فيجد في باب العقيدة الإيمان والإخلاص والاعتصام والإسلام والإحسان والتوكل والخوف ونحوها، ويجد أنواع التوحيد كالدعاء والرجاء والاستعانة والإنابة، والتوبة والاستغفار وما أشبهها، ويجد من الأعمال الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وما يلحق بها، وهكذا ما يتعلق بحقوق العباد كالبر والصلة والصدق والسخاء وأشباه ذلك، وهكذا إن أحبّ معرفة المحرمات والمنكرات كالشرك والقتل والزنا والسرقة والكذب والربا والإلحاد والبغي والكبر وما يلحق بها، فجزى الله من فكر في جمع هذه الموسوعة أحسن الجزاء، فلقد أراحوا طالب الاستفادة من كثرة العناء في البحث والتنقيب في أمهات كتب الأحكام، وكتب الفضائل وكتب الآداب، وكتب الأوامر والنواهي والزواجر ونحوها، وأحالوا القارأ إلى الأماكن التي توسع مؤلفوها في تلك المسائل بإيراد النقول والآثار والعلل والأحكام والمنافع والمضار، فنوصي طالب العلم بالحرص على اقتناء مثل هذه الموسوعة الطيبة المباركة، ومراجعتها عند الحاجة والاستفادة منها، وشغل أوقات الفراغ بمطالعة ما تيسر من الأبواب والمسائل، فهي مرجع أساسي للدعاة والمصلحين، والخطباء والوعاظ، والمفتين والقضاة واللغويين وغيرهم، ولا شك أن الفائدة كبيرة حيث يتزود هؤلاء من الآيات القرآنية التي تتعلق بذلك الموضع ولو بالمعنى، وكذا الأحاديث النبوية والآثار والنقول والفوائد فالمطالع لتلك المسائل لا بد أن يكون لديه حصيلة وافرة يظهر أثرها في أعماله وأقواله، ويتعدى ذلك إلى ولده وجليسه، ويزداد دائما علما وفهما، ومع ذلك فلا بد من حسن المقصد، وإصلاح النية في القراءة والاستفادة والإرشاد والتعليم، فبذلك تكون الجهود مفيدة والأعمال مقبولة، هذا وإني أشكر الأخ عبد الرحمن بن محمد بن ملوح الذي أتاح الفرصة لكتابة هذه الصفحات في مقدمة هذه الموسوعة مع اعترافي بالقصور والضعف في الإنتاج، ولكن ذلك من باب المساهمة في فعل الخير، وأعرف باطلاعي على هذه الموسوعة ما وصل إليه الأخ عبد الرحمن ومن ساعده في إبراز هذا الجهد، وما هو متمتع به من الفكر والإدراك، والغوص على درر المعاني وإبراز المعلومات، ومعالجة الأمور التي تمس إليها الحاجة، ويحصل منها النفع العام للصغير والكبير والذكر والأنثى، في زمن كثرت فيه العوائق وانشغل الأبوان بشئون الحياة، وأكب الجهال والعوام على الملهيات والخرافات واستصعبوا نيل المعلومات، وإخراج المسائل، وتحصيل الفوائد، ولعل في شغلهم بهذه العلوم النافعة ما يكون منبها لهم إلى الرجوع قليلا حتى يعرفوا ويتصورا ما بذله الأولون من جهود جبارة في رصد العلوم وتدوينها، وتقريبها وتهذيبها وأنهم حازوا قصب السبق، فيقبلوا على العلم والاستفادة، ويتبعوا العلم بالعمل الصالح، فهو الثمرة والنتيجة المطلوبة، والله الموفق والمعين، ونسأله سبحانه أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، ويرزقنا جميعا الفهم عنه والإخلاص له في الأقوال والأعمال، ونسأله أن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا ويصلح أحوال المسلمين، ويولي عليهم خيارهم، ويعز الإسلام والمسلمين، ويذل الكفر وأهله إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. 10/ 11/ 1416 هـ. كتبه عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 52 تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا المنهج العلمي للموسوعة الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، أرسله على حين فترة من الرسل وحاجة من البشر، بعثه بالدلائل الواضحة والحجج القاطعة والبراهين الساطعة. أيقظ به العقول من سباتها وصرف به النفوس عن أهوائها فكان صلّى الله عليه وسلّم بإذن ربه مصدر خير ومبعث نور وشمس هداية، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ودعا إلى الحق، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه حيّا وميتا أفضل صلاة وأطيب سلام وأزكى بركة. نشر الله محبته ورفع في أعلى عليين درجته وصلى ورضي على آله وأصحابه وورثة هديه من العلماء العاملين والدعاة المصلحين الذين فقهوا دين الله وأدركوا مراميه وفهموا مقاصده واستنوا بهديه وعملوا بأحكامه ودعوا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وبذلوا أنفسهم ونفيسهم فهدى الله بهم العباد وفتح على أيديهم البلاد. أما بعد فإن أولى ما اختاره الإنسان لنفسه بعد إيمانه بربه أن يكون مرتاضا بمكارم الأخلاق ومحاسنها متجافيا عن سيئها متنزها عن سفسافها آخذا في جميع الأحوال بالفضائل، عادلا في كل أفعاله عن طرق الرذائل، يجعل مقصده اكتساب كل شيمة سليمة من المعايب، ويصرف همته إلى اقتناء كل خيم «1» كريم خالص من الشوائب، يبذل جهده في تجنب كل خصلة رديئة ويستفرغ وسعه في اطراح كل خلة ذميمة، فيحوز الكمال بتهذيب خلائقه، ويكتسي حلل الجمال بدماثة شمائله. وإن المبتديء في تطلب هذه المرتبة والراغب في بلوغ هذه المنزلة ربما خفيت عليه الخلال المستحسنة التي يعنيه تحريها وقد تلتبس عليه الصفات المستقبحة التي غرضه توقيها. ويزداد الغموض ويغلظ اللبس في هذه العصور المتأخرة التي تعيش الأمم في أغلبها حياة مادية مظلمة يتنكرون فيها للدين ويسخرون من القيم، ابتلوا فيه بما ينهك الروح ويرهق الأعصاب، إيغال في التقدم المادي مظلم وحضارة عند العقلاء حمقاء، انفلت فيها زمام العقل والخلق، وطغت في جنباتها ظلمات الإلحاد وانطفأ في   (1) خيم: خلق ووصف. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 53 أرجائها نور الإيمان وانحسرت القيم الخلقية فلم يعد لها في موازين الناس حساب. من المؤسف حقّا أن تكون هذه هي الصورة في أغلب مجتمعات اليوم وشعوبه إلا ما رحم ربنا. ولكن الإسلام دين الله الحق- قرآنا وسنة- قد جعل لمهمة تهذيب الأخلاق وتزكية النفوس واكتساب الفضائل مكانة كبرى ورتبة عليا ومقاما ساميا. ولا بد في هذه المقدمة من وقفات مع الإسلام ونبي الإسلام، نوضح فيها هذا المقصد من خلال النظرة القرآنية ومقاصد البعثة المحمدية. إن من حق قرآننا علينا أن نتدبر معانيه وأن نفهم مقاصده. ففيه ما يدل على هذه الأخلاق وتهذيبها ويرشد إلى الآداب الإسلامية واكتسابها، فهي أمور محكمة وآداب لكل خير جامعة. ذلك أن القرآن هو كتاب الله الخالد ومعجزة رسوله الباقية ونعمته السابغة وحجته الدامغة وهو ينبوع الحكمة وآية الرسالة ونور الأبصار والبصائر وبحر لا يدرك غوره ولا تنفد درره ولا تفنى عجائبه ولا تقلع عن الغيث المدرار سحائبه ولا تنقضي آياته. أنزله ربنا لنقرأه تدبرا ونتأمله تبصرا ونسعد به تذكرا ونحمله على أحسن وجوهه ومعانيه ونجتهد في إقامة أوامره ونواهيه وكلما ازدادت البصائر فيه تأملا زادها هداية وتبصرا. أنزله ربنا وصرّفه وعدا ووعيدا وأمرا ونهيا وترغيبا وترهيبا وتشريفا وسياسة وحكمة وعلما ورحمة وعدلا واشتمل على أصول العقائد وقواعد الأحكام ودعائم الأخلاق. وهذه إشارة لنموذج قرآني من حشد الوصايا الأخلاقية حثّا على المحمود وتنفيرا من المذموم انتظمت في سورة واحدة وسياق متتابع، يقول سبحانه: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً* رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً* وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً* وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً* إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً* وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً* وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا* وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً* وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا* وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* وَلا تَقْفُ ما الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 54 لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا* وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا* كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً* ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً «1» . إن المتأمل في هذه الآيات القرآنية يدرك غاية القرآن وتركيزه الشديد على بناء الشخصية الإسلامية على أساس من القيم الأخلاقية الرفيعة تركيزا يبتديء من تصحيح العقائد وتطهير النفوس من درن الشرك والجاهلية والتحلي بالعلم الصحيح وتنظيم العلائق الاجتماعية والهداية إلى السداد من القول والعمل. وهكذا يتجلى القرآن العظيم إرشادا لمحجة وتبصرة لعبرة وتذكرة لمعرفة وإرشادا من غي وبصيرة من عمى وحثّا على تقى وحياة للقلب وغذاء للروح ودواء وشفاء وعصمة ونجاة. نعم إن إدامة النظر وإطالة التدبر في هذا القرآن العظيم تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغايتهما وثمراتهما ومآل أهلهما وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه. هذا عن القرآن. أما نبي الإسلام محمد صلّى الله عليه وسلّم فمن المعلوم كل العلم أن أي حياة فاضلة لابد لها من رائد كما أن الأحياء الأتقياء لا غنى لهم عن أسوة وقائد. ومن غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رائد للحياة وقائد للأحياء؟ إنه الموجه إلى الخير الهادي إلى البر الداعي إلى أكرم طريق، هو الرائد الأمين والمبلغ المبين والبشير النذير والسراج المنير، جاء بالدين الحق والإسلام الخاتم والشريعة الخالدة لتنظيم أمر الحياة والأحياء انتظاما كاملا ولضبط العلائق فيما بينهم أفرادا وجماعات وحكاما ومحكومين. إن الدين الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم عقيدة استعلاء من أخص خصائصها أنها تبعث في روح المؤمن إحساس العزة من غير كبر وعلو الهمة من غير بطر وروح الثقة في غير اغترار وشعورا بالأمان والاطمئنان من غير تواكل. دين يشعر أتباعه بالمسئولية الملقاة على عواتقهم وتبعة الأمانة في الاستقامة على الحق والدعوة إليه في المشارق والمغارب. لقد جاء محمد صلّى الله عليه وسلّم بدين الإسلام من عند ربه الذي رضيه وأكمله وأتم به نعمته الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «2» . وبكماله وتمامه بلغه صلّى الله عليه وسلّم إلى الأحمر والأسود وعلمه أصحابه لتلاميذهم من التابعين في أرجاء الأرض وأقطارها قرنا فقرنا فتلقاه العربي والأعجمي والقريب والبعيد فعرفوا فيه نظام الحياة المتكامل الجامع بين العدل   (1) الإسراء: 23- 39. (2) المائدة: 3. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 55 والرحمة والحق والقوة وعلى دعائمه قامت أعظم قواعد الأخلاق ومباديء السلوك وفي مثل هذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» «1» . إن الناظر والدارس لهذا الدين يرى ذلك الفيض الغامر وذلك التراث الثر من التربية والتعليم والإصلاح والتقويم في توجيه واسع وشامل في القول والعمل والفرد والجماعة حتى تحقق وصف الله في نبيه صلّى الله عليه وسلّم وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. ولقد طال الأمر على المسلمين واشتد مكر أعدائهم فصار كثير منهم إلى حال من المسخ والتشويه والضعف والهوان في رقعة من الأرض ذات اتساع جغرافي وتكاثر سكاني لكنهم يجهلون كثيرا من حقائق الإسلام عقيدة وشريعة وأدبا وخلقا، يعيشون في أمشاج من الأساطير والخيالات وضعوها لأنفسهم بجهالاتهم وبعدهم عن المصدر الحق، وقد يكون منها ما وضعه أعداؤهم من أجل المباعدة بينهم وبين الصحيح من الدين. فاستمرءوا الذل والضعف واستوبئوا «2» العزة والقوة ونزلوا عن كرامتهم وشموخهم الإسلامي ليقتاتوا بقوت متعفن من بقايا موائد الحضارة المادية. وهذا ما حاق بهم في أوطانهم فاستعبدتهم أمم لا تذكر معهم في حساب العد والإحصاء. وعند النظر والمقارنة بين الواقع والمثال، الواقع المر والمثال النموذجي الأسوة ولأن المصدر باق محفوظ بحفظ الله. فقد توجهت همة بعض الأفاضل والغيورين للقيام بعمل لعله أن يكون من اللبنات الصالحة التي يقوم عليها إعادة بناء الأمة على المنهج الحق. إنه عمل موسوعي في منهج الأخلاق نظرا وتطبيقا. عمل يرجى أن تنعكس نتائجه على ذوي الشأن من المربين والمتعلمين. عمل حرص على أن يتخذ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأسوة والقدوة، فالمسلمون منذ أن أظلهم الله بظل الإسلام قد شغفوا بجمع كل ما يتصل بنبيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم ومكارم أخلاقه وشمائله ثم مضوا يتدارسون هذا الذي جمعوه يفيضون فيه ويستلهمون منه. وإن متغيرات الحياة وطرائق التفكير المستجدة وتكاثر قنوات المعلومات والمعارف جعلت من العزيز والشاق أن يستفيد طالب الاستفادة من خضم هذا الفيض الغامر. ليخرج بدراسة جامعة منظمة تتسق مع متغيرات العصر وتنظيماته العلمية. إنها دراسة موسوعية قصد بها توثيق الاتصال بحياة الحبيب المصطفى محمد صلّى الله عليه وسلّم في سيرته والارتباط بمكارم أخلاقه وتجمع له الشتات المتوزع في شتى المصادر والمراجع. إنها دراسة شاملة تعني ببيان محمود الأخلاق ومذمومها وتشحذ الهمم نحو سمو أخلاقي يحقق أهدافا   (1) أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي. (2) استوبؤوا العزة والقوة: أي عدوهما من الوباء. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 56 سامية لعل فيها طريقا للنجاة ومسلكا للخير والسعادة والعزة والقوة. عمل علمي يرجى أن يسترشد به من كانت له همة سنية تسمو به إلى مباراة أهل الفضل ونفس أبية تنبو به عن مساواة أهل الدناءة والنقص. وإليك- رعاك الله- بعض التفاصيل عن إعداد هذا العمل وطريقة الاستفادة منه ومراحل تنفيذ هذه الموسوعة: الموسوعة مصطلح معاصر تعني في مدلولها جمع المعارف في فن معين أو فنون متعددة طبقا لخطة إخراج خاصة تنتج حصيلة ضخمة من المعلومات بين يدي القاريء متخصصا أو غير متخصص على حد سواء. وثمت خطتان غالبتان لتحرير الموسوعات: إحداهما: تبني أسلوب تجميع المعلومات حسب وحدة الموضوع بحيث تقدم عرضا شاملا له. ثانيهما: اعتماد الحروف الأبجدية ومن ثمّ تتوزع المعلومات في خانات وجداول ترتبط بنوع الحرف من غير رعاية لوحدة الموضوع الشاملة. وقد جرت هذه الموسوعة على الطريق الثاني تمشيا مع طبيعة غرض هذه الموسوعة وتحقيقا لغاية الواضعين. وهي في ذات الوقت أسهل لتناول القاريء لمواد الموسوعة. وفكرة الموسوعة وليدة نظر الأخ عبد الرحمن بن محمد بن ملوح، الذي عرضها عليّ فتبلورت الفكرة لدينا، وأخذت مسارها العلمي دراسة وبحثا ومنهاجا وتم وضع المنهج الذي سوف يوصف لك لاحقا. ولقد مرت الموسوعة في فترة إعدادها بمراحل من الطروحات وألوان من الصعوبات جلبت معها اختلافات في وجهات النظر بين الباحثين في بعض مواقع الدراسة وأساليب البحث ومعالم المنهج ولكنها مع الزمن والخبرة انصهرت لتتبلور في المنهج الذي تراه بين يديك. وما كان ذلك إلا بتوفيق الله أولا ثم الإخلاص وحسن القصد مع اجتماع الإرادة على تقديم عمل نافع للناس وخادم للعلم بإذن الله. لا سيما إذا علمت- حفظك الله- أن مادتها قد تم استعراضها وقراءتها قراءة متأنية وأعيدت صياغتها أكثر من مرة أمام المشرف والباحثين مجتمعين في جلسات منتظمة. ولا يدّعي معدوها أنها بلغت الكمال، فالكمال لله وحده ولكنها لقيت من العناية والدقة والمتابعة ما يؤكد احترام القاريء والباحث، وإن عملا واسعا مثل هذا لا يسلم من نقد ونظر بل من اختلاف الأنظار فيه ولكن المرجو ممن يجد خطأ أو يستحسن فكرة أن يبعث بها مشكورا مثابا لعله يمكن تلافي النقص ومقاربة التسديد في طبعات قادمة، ورحم الله من أهدى إلينا عيوبنا. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 57 الغاية والهدف : الغاية المقصودة والهدف المتوخى من هذا العمل يتمثل في جملة من العناصر أهمها: 1- الدلالة على معالي الأمور والإرشاد إلى كريم الأخلاق والتوجيه إلى صواب التقدير وحسن التدبير في بناء الإنسان وعمارة الأرض والقيام بمهمة الاستخلاف. 2- الاستيعاب قدر الإمكان وحسب الطاقة لأصول الأخلاق ومبادئ المكارم بقصد التذكير والتأسى والمراجعة. 3- إبراز لون من ألوان السيرة المحمدية وإظهار الجانب التطبيقي من خلال المأثور من أقوال النبي صلّى الله عليه وسلّم وأفعاله وتقريراته وجبلته. 4- تقريب النصوص والمصادر للمهتمين من العلماء والدعاة والمربين لطريق المنهج الموسوعي حسب ما تقتضيه متطلبات العصر ومتغيراته. 5- دعوة العقل الإنساني بعامة إلى ميادين الفكر الفسيحة في ظل الحقيقة الإسلامية الشاهدة من خلال قيمها الأخلاقية وفضائلها. أصول البناء في هذه الموسوعة علما ومنهجا : استغرق العمل في هذه الموسوعة تسع سنين متواصلة وضمت بين صفحاتها وأعمدتها من الصفات ثلاثمائة وإحدى وستين صفة في محمود الأخلاق ومذمومها. ولقد كانت خطة العمل في هذه الموسوعة طموحة ودقيقة وهي ثمرة مجهودات متضافرة وعمل دءوب تقبله الله بقبول حسن بمنه. واشتملت الخطة وأصول البناء على الخطوات التالية: أولا: مقدمة عامة في الأخلاق: تعريفها- أنواعها- أهميتها في الحياة الإنسانية. ثانيا: العناية بإبراز علاقات الإنسان بربه وبنفسه وبغيره. ثالثا: إبراز الجوانب الأخلاقية في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقد استدعى ذلك الحديث باختصار عن: أ- نبذة مختصرة في السيرة النبوية. ب- إفراد مبحث خاص في فضل الصلاة والسلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. رابعا: إيراد الصفات المحمودة من الأخلاق وضدها من الصفات المذمومة ومحاولة الاستيعاب قدر الطاقة لأصول الألفاظ والمعاني حسبما اقتضتها طبيعة البحث وتوافرت فيه المعلومات، وهذا العنصر هو المقصود الأعظم من هذه الموسوعة. وقد سلك في كتابة الصفات وصياغتها الخطوات التالية: 1- روعي في الصفات المحمودة والمذمومة ترتبيها على حروف المعجم. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 58 2- استوعبت الموسوعة في كل صفة من صفاتها: التعريف اللغوي والاصطلاحي والنص القرآني، والحديث النبوي، والآثار سواء ما ورد من ذلك باللفظ أو بالمعنى، وما ورد من أقوال المفسرين ومأثور الحكم شعرا ونثرا مما يتعلق بالصفة وملخص لفوائد الصفات المحمودة ومضار المذمومة منها. وعلى سبيل المثال لا الحصر صفة «التقوى» مثلا سوف ترى في مادتها: تعريفا لغويّا حيث تم الرجوع إلى كتب اللغة المعتمدة في هذا الشأن مثل الصحاح للجوهري، وتاج العروس للزبيدي، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس، والنهاية لابن الأثير، ولسان العرب لابن منظور والمصباح المنير للفيومي، فضلا عن كتب المعاصرين، وأما التعريف الاصطلاحي فيرجع فيه إلى كتب التعريفات مثل تعريفات الجرجاني والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي، إضافة إلى ما في كتب الشروح والأحكام والسلوك، ثم بعد التعريف اللغوي والاصطلاحي أورد الباحثون نقولا تبرز حقيقة التقوى وثمراتها في الدنيا والآخرة ثم بعقب ذلك كله: - الآيات القرآنية الواردة بلفظ التقوى. - الأحاديث النبوية الواردة في التقوى لفظا. - الأحاديث النبوية الواردة في التقوى معنى. - المثل التطبيقي من حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في التقوى. - الآثار من أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان والتي تحث على التقوى وتبشر بموعود الله للمتقين. - فوائد التقوى. هذا بالنسبة للصفات المحمودة، أما الصفات المذمومة فتصنف وفق التصنيف الأول باستثناء المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم. 3- روعي الاختصار والتركيز في التعريف اللغوي واشتقاقات الكلمة واستعمالاتها. 4- روعي عند التعريف لكل صفة ذكر مرادفات هذه الصفة في الهامش وما اشتملت عليه من مباحث- مثال ذلك: من الصفات المذمومة «صفة سوء المعاملة» ستجد في هامشها (المعاملة، سوء المعاشرة، سوء معاملة البهائم) » . 5- ذكر في بعض الصفات بعد التعريف اللغوي نقول مهمة تزيد من تعريفها وتوضح المراد منها وتبيّن أقسامها وصلتها بغيرها من المواد. 6- وضع عناوين جانبية لبعض النقول. 7- نظرا لأن العمل موسوعي ومقصوده تقريب المادة للقارىء والباحث، فقد حرص معدّو الموسوعة على إيراد النقول كاملة بنصها من مصادرها ولم يتصرفوا فيها إلا بقدر ما يحفظ الانسجام وترابط المعنى. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 59 8- استوعب معدو الموسوعة جميع الآيات القرآنية التي وردت بلفظ الصفة موضوع البحث ثم اكتفوا بإثبات الآيات التي تغطي جوانب الصفة وتتناسب مع حجمها. 9- عزو الأحاديث إلى مصادرها من دواوين السنّة المشهورة فما كان منها في الصحيحين أو أحدهما فأمره ظاهر ويكتفي به عن العزو إلى غيرهما ما لم يكن اللفظ المستشهد به عند غيرهما وما كان في غير الصحيحين أو أحدهما فقد اعتمد معدو الموسوعة تصحيحات ذوي الشأن والاختصاص من أهل الصنعة الحديثية، علما بأنه إذا نقل عن بعض أئمة أهل الصنعة الحديثية مثل الحافظ الهيثمي أو الحافظ المنذري قولهم في حديث رجاله ثقات أو رجاله رجال الصحيح فإن ذلك لا يعني بالضرورة الجزم بصحة الحديث. 10- صنفت الآيات القرآنية وفقا للمعنى العام الذي تندرج فيه وذلك بالاعتماد على كتب الوجوه والنظائر من ناحية، وكتب التفسير من ناحية أخرى، وقد روعي في كل مجموعة على حدة تسلسل الآيات كما وردت في المصحف الشريف. 11- رتبت الأحاديث وفقا للمنهج العلمي الذي يراعي الأحاديث الواردة باللفظ أولا ثم الأحاديث الواردة بالمعنى ثانيا، وأخيرا الأحاديث الواردة في المثل التطبيقي. 12- قد يرى القاريء أن بعض ما أورد من الأحاديث باللفظ في دلالته على المطلوب بعد، غير أننا أوردناه حرصا على الاستيفاء واحتراما لمشاركة القاريء في الفهم. 13- يذكر الحديث الطويل بتمامه عند أول وروده ثم يكتفي بإيراد الشاهد في المواطن الأخرى مع الإحالة إلى الموضوع الأول. 14- الصفة إذا تكاثرت فيها النصوص وتشعبت فيها المعاني مما لا يقبل علميّا ولا منهجيّا- استيعاب كل ما ورد فيها فإن الموسوعة اكتفت بإيراد حديث في كل فرع أو شعبة (كالطهارة) مثلا، فإن من موضوعاتها وتفريعاتها «الاستنجاء- الوضوء- الحيض» مما استوعبته كتب الأحكام. 15- يلاحظ في الاستدلال في النصوص اللفظية على الصفة أن تكون دالة على المراد مدحا أو ذمّا. 16- أوردنا في كل صفة النصوص التي تفيد الترغيب والترهيب والثواب والعقاب والتي تظهر الفضائل وتنهى عن الرذائل. 17- بعد ذكر الأحاديث التي وردت باللفظ والمعنى في الصفات المحمودة فقط عقبنا ذلك ببعض الأمثلة التطبيقية من حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- إن وجدت-. 18- بيّنا في الهوامش ما ورد في الحديث أو الأثر من الغريب. 19- نقل جميع معلومات الموسوعة بأمانة ودقة حسب الطاقة، ولم يتم التصرف إلا في أضيق الحدود. 20- روعي ترتيب الآثار حسب وفيات من نسبت إليهم. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 60 الخاتمة وفي الختام وبعد أن استوى هذا العمل على سوقه، لعلك سوف تجد نفسك قارئنا الكريم أمام صورة مشرقة تعكس أصالة ذلك التراث العظيم وتوضح في جلاء أن الشريعة الإسلامية حفلت بقيم خلقية عالية كان لها شأن بعيد وأثر حميد في تربية النفوس وإصلاحها وتقويم الأخلاق وتهذيبها. لذا كان لزاما على حملة شريعة الإسلام أن يدرسوا الحياة العالمية وأن يعدوا أنفسهم لهذه الدراسة الواسعة العميقة ليتعرفوا على مشكلاتها وأسبابها، وما جد فيها، وعليهم أن يقوموا بالتوجيه الصالح الرشيد بعرض مبادىء الإسلام عرضا جذابا، وحمل رسالة الحق والخير وتأديتها إلى الناس كافة أداءا رغيبا صالحا، يدفع دعوة الإسلام إلى الآفاق الرحبة ويبين سماحتها وسمو مقاصدها، وهذا واجب كل مؤمن بعامة، وواجب العلماء بخاصة، فإذا نهض للقيام بهذا الواجب طائفة فقهت الإسلام وشرائعه. ودارسو الإسلام مطالبون أشد المطالبة بالقيام بعمل جاد قوي حتى تتاح الفرصة من جديد أمام العقل الإسلامي الحائر لفهم الإسلام فهما صحيحا، يعم مشارق الأرض ومغاربها بروح سمح «حنيفي» يقدر الواقع، ويقف معه وجها لوجه يعالجه ولا يتهرب منه. وكان من أعظم واجبات المسلمين في هذا العصر أن تتضافر جهودهم على إعانة القائمين به حتى تتاح الفرصة لبلوغ أفكارهم غاياتها من قلوب الناس وعقولهم، تحقيقا لإبلاغ الدعوة وأداء لحق الوراثة في هذا التبليغ. ومرة أخرى فإن معدّي الموسوعة وهم يقدمون هذا العمل الحافل بالنقول لإخوانهم القراء ليدركون الصعوبات التي تكتنف مثل هذه الأعمال العلمية الكبيرة ويؤمنون كل الإيمان بأن العصمة لله وحده ويرجون ويؤملون أن يغتفر لهم القراء ما قد يقعون فيه من قصور أو هفوات غير مقصودة ويرحبون كل الترحيب بإبداء الملاحظات والتصويبات، ومهما يكن من شيء فهم يؤملون أنك ستجد هذه الموسوعة الأخلاقية مرتبطة الحلقات متماسكة الأطراف، ولعلها تغنيك في مراجعة هذا التراث العظيم، كما يؤملون أن تكون هذه الموسوعة من العوامل الفعّالة في تذكير المسلمين بما كان لهم من عظمة ومجد فتبعثهم على التمسك بهذا الدين العظيم «دين الإسلام» نصّا وروحا وحتى تتوحد كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. سدد الله الخطا وبارك في الجهود وهدى إلى الصواب من القول والعلم والعمل وكفى بربك هاديا ونصيرا. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وكتبه صالح بن عبد الله بن حميد الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 61 ثراء في الإيمان ... وثروة في لغة القرآن مقدمة اللجنة اللغوية بقلم: أ. دكتور عبد الفتاح عبد العليم البركاوي - أستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ... وبعد فإن أصدق تعبير عن هذه الموسوعة هو ما جاء في العنوان الذي اخترناه لهذا التقديم: ثراء، وثروة، فهي تتضمن ثراء إيمانيّا بما تتضمنه من الآيات والأحاديث والآثار والأحكام الشرعية وآداب السلوك، وهي أيضا ثروة في لغة القرآن بما تتضمنه من شرح للمفردات اللغوية الواردة في عناوين الصفات، أو للكلمات الغريبة الواردة في متون الأحاديث، ذلك فضلا عن توضيح المعاني الاصطلاحية لألفاظ الصفات، والكشف عن الفروق الدقيقة بينها. لقد جاءت مقدمات الصفات متضمنة بحوثا لغوية موجزة تتعلق بأصول هذه الألفاظ وكيفية اشتقاقها، كما تضمنت وجوه استعمال اللفظ في القرآن الكريم اعتمادا على كتب الوجوه والنظائر من ناحية، وعلى كتب التفسير من ناحية أخرى، وهنا كان للجنة جهد بارز يتجلى في تصنيف الآيات القرآنية وفقا لما جاء في المصدرين معا (كتب التفسير، وكتب الوجوه والنظائر) «1» ، وفيما يتعلق بالتعريفات الاصطلاحية لم تكن المهمة سهلة كما قد يتصور للوهلة الأولى، ذلك أن كثيرا منها لم تتضمنه كتب الاصطلاحات المعروفة، وهنا كان الاعتماد على أقوال المفسرين وشراح الحديث واللغويين في استنباط المعنى الاصطلاحي الذي يبرز في هذه الموسوعة للمرة الأولى، هذا بالإضافة إلى التفرقة الدقيقة بين معاني المصطلحات التي قد يظن أنها مترادفة «2» أو متطابقة وهي- في الحقيقة- ليست كذلك مثل التدبر والتفكر والتأمل ونحوها، وبذلك أضافت الموسوعة إلى ما كتبه علماء الفروق «3» إضافات لا يمكن الاستغناء عنها لمن يريد الوقوف على حقائق معاني الأخلاق الإسلامية من ناحية، وعلى دقة اللغة العربية في التعبير من ناحية ثانية، وإذا كانت الأشياء إنما تتميز بأضدادها ويتضح معناها أكثر إذا اقترنت بنظائرها، فقد حرصنا في نهاية كل مقدمة لغوية على أن نشير إلى الصفات المتقاربة التي تدخل مع الصفة المتحدث عنها في نفس الإطار الدلالي وتشكل معها حقلا لغويا واحدا «4» مما يساعد على الفهم الصحيح لكل صفة على حدة، كما أشرنا أيضا إلى الصفات التي تضاد هذه الصفة   (1) كتب الوجوه والنظائر كتب متخصصة في الكشف عن وجوه استعمال اللفظ القرآني في معان عديدة، وأقدم ما وصل إلينا منها كتاب الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان (150 هـ) . وقد يحدث ذلك في لفظ دون آخر، وقد تتبعنا ما ورد من ذلك في المصادر الأصلية. (2) يراد بالترادف أن يطلق لفظان أو أكثر للدلالة على معنى واحد مثل: البر والقمح والحنطة، أو مثل السنة والعام والحول والحجّة. (3) وذلك مثل أبي هلال العسكري في كتابه «الفروق اللغوية» . (4) تعد نظرية الحقل اللغوي في الدراسات الدلالية من أحدث ما توصل إليه علم اللغة العام، انظر في هذه النظرية وكيفية تطبيقها على اللغة العربية، كتابنا: مدخل إلى علم اللغة الحديث ص 155 (ط. أولى) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 62 صراحة أو ضمنا، مثال ذلك أن نذكر مع صفة الابتهال صفات: الدعاء- الضراعة- الاستغاثة- الاستخارة- الاستعانة- الاستعاذة على أنها صفات متقاربة، ثم نذكر في ضد ذلك: الإعراض- الغفلة- اليأس- القنوط على أنها صفات مضادة «1» ، وقد رأينا إتماما للفائدة أن تتضمن الفهارس الفنية فهرسا خاصا لهذه الحقول الدلالية التي تدخل الصفات في أطرها، وأطلقنا عليه فهرس «الإحالايث» نظرا لأنه يساعد قارىء الصفة بإحالته إلى المواطن المشابهة أو المضادة. إن الجهد اللغوي في هذه الموسوعة قد تضمن أيضا تفسير كثير من آي الذكر الحكيم، كما تناول تفسير الألفاظ والعبارات الغريبة التي وردت في الحديث الشريف، وقد رجعنا في ذلك إلى المتداول من كتب شرح الحديث مثل فتح الباري، وشرح الإمام النووي لصحيح مسلم، وكتب غريب الحديث وخاصة الأمهات منها، ونعنى بذلك غريب الحديث لأبي عبيد (م 224 هـ) ، وغريب الحديث لابن قتيبة (م 276 هـ) ، وغريب الحديث للخطابي (م 388 هـ) ، وأخيرا كنا نرجع إلى الكتب الجامعة في الغريب مثل الفائق في غريب الحديث للزمخشري والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير «2» . فصاحة الرسول صلّى الله عليه وسلّم: لقد كان حديثه صلّى الله عليه وسلّم كما يقول الجاحظ: هو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام وقلة الكلام، ولم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا، ولا أقصد لفظا، ولا أعدل وزنا، ولا أجمل مذهبا، ولا أكرم مطلبا، ولا أحسن موقعا، ولا أسهل مخرجا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى من كلامه صلّى الله عليه وسلّم «3» . وقد جاء في صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما ترويه أم معبد- أنه كان إذا «تكلم سما وعلاه البهاء.. حلو المنطق، فصل، لا نذر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن..» «4» ، وقد لفتت فصاحته صلّى الله عليه وسلّم أنظار من كانوا مضرب الأمثال في الفصاحة والبيان حتى قال قائلهم وقد سمع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم يجري حوارا مع بعض الصحابة: يا رسول الله ما أفصحك! ما رأينا الذي هو أعرب منك «5» ، وقد فسّر العلماء ذلك بأنه صلّى الله عليه وسلّم «لم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة، وشيد بالتأييد ويسر بالتوفيق» «6» .   (1) انظر على سبيل المثال ص 2 من المجلد الثاني. (2) المراد بالغريب هنا تلك الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم لقلة استعمالها. (3) البيان والتبين 2/ 17. (4) انظر حديث أم معبد كاملا في قسم الشمائل ص (416) . (5) انظر هذا الحوار الذي نقله السيوطي عن البيهقي في المزهر 1/ 35، ومعنى أعرب منك: أي أفصح منك من الإعراب، بمعنى الإبانة والفصاحة. (6) البيان والتبيين 2/ 17. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 63 وإذا كان الأمر كذلك فإن لسائل أن يسأل: لماذا كثر الغريب في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ لقد كان «غريب الحديث» بمعنى: الألفاظ أو العبارات الغامضة الواردة في متون الأحاديث من أسبق علوم الحديث ظهورا، وكان السابق إلى التأليف فيه هو الإمام: أبو عبيدة معمر بن المثنى (م 216 هـ) ، ثم توالى التأليف فيه إلى يوم الناس هذا، وهنا قد يتبادر سؤال إلى الذهن خلاصته: كيف يكثر الغريب في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ مع أن الغرابة عيب يخل بالفصاحة ومع ذلك فقد ثبت أن الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم هو أفصح العرب قاطبة. إن مناقشة تفصيلية لهذه القضية لا يتسع لها هذا المجال «1» وإنما نكتفي بالإشارة إلى أن الغرابة أمر نسبي يختلف باختلاف الزمان والمكان، كما يختلف باختلاف المتحدّث إليهم، فما يكون غريبا عند قوم قد لا يكون غريبا عند آخرين، وما يكون غريبا في عصر قد يكون هو- لا غيره- أفصح الفصيح في عصر آخر، وإذا طبقنا هذه المعايير على الحديث النبوي الشريف- وقد طبقناها فعلا- على ما أورده أبو عبيد في كتابه «غريب الحديث» لكانت النتيجة «أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يستعمل إلا الواضح المألوف في بيئته، وإلا ما كان مفهوما لمن يتوجّه إليهم بالخطاب، وأن هذا لا ينفي بالطبع أن بعض الألفاظ الحديثية قد قل استعمالها فيما بعد نتيجة لتطور اللغة، كما اتضح أن بعض هذه الألفاظ كانت غامضة المعنى عند غير من يخاطب بها «2» ، وأن ذلك كان هو السبب في إطلاق وصف الغرابة عليها» «3» . لقد تكفل الإمام الخطابي- رحمه الله تعالى- ببيان السبب الذي من أجله كثر غريب حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: لقد بعث صلّى الله عليه وسلّم مبلغا ومعلما، فهو لا يزال في كل مقام يقومه وموطن يشهده يأمر بمعروف وينهى عن منكر، ويشرع في حادثة، ويفتي في نازلة، والأسماع إليه مصغية، والقلوب لما يرد عليها من قوله واعية، وقد تختلف عنها عباراته، ويتكرر فيها بيانه، ليكون أوقع للسامعين، وأقرب إلى فهم من كان منهم أقل فقها وأقرب بالإسلام عهدا، وأولو الحفظ والإتقان من فقهاء الصحابة يرعونها (كلها) سمعا، ويستوفونها حفظا، ويؤدونها على اختلاف جهاتها، فيجتمع لذلك في القضية الواحدة عدة ألفاظ، تحتها معنى واحد، وذلك كقوله: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» «4» ، وفي رواية أخرى: «وللعاهر الإثلب» «5» . قال الخطابي: وقد مر بمسامعي ولم يثبت عندي: «وللعاهر الكثكث» .   (1) لقد أفردنا هذه المسألة بالتأليف في كتابنا: الغرابة في الحديث النبوي، دراسة لغوية تحليلية في ضوء ما أورده أبو عبيد في «غريب الحديث» ط. أولى القاهرة 1407 هـ. (2) مثال ذلك أن يخاطب أحد المغاربة بعض أهله بلهجته المحلية، ويكون أحد السعوديين بجانبه، وفي هذه الحالة يكون كلام المغربي مفهوما لبني جلدته، وغريبا بالنسبة للسعودي، وإذا انتقلنا من الشاهد إلى الغائب اتضح أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يخاطب أبناء القبائل بلهجتهم، وحوله من الصحابة الكرام من لا يفهم هذه اللهجة، وهنا يكون كلامه صلّى الله عليه وسلّم مفهوما للمخاطبين غريبا بالنسبة للصحابي الذي لا يعرف تفاصيل هذه اللهجة. (3) الغرابة في الحديث النبوي للدكتور عبد الفتاح البركاوي ص 209 (بتصرف) . (4) أخرجه البخاري 4/ 4، ومسلم 2/ 1080. (5) رواه أحمد 2/ 179، 207 من حديث ابن عمر. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 64 وقد يتكلم صلّى الله عليه وسلّم في بعض النوازل وبحضرته أخلاط من الناس، قبائلهم شتى، ولغاتهم مختلفة، ومراتبهم في الحفظ والإتقان غير متساوية، وليس كلهم يتيسّر لضبط اللفظ وحصره، أو يتعمد لحفظه ووعيه، وإنما يستدرك المراد بالفحوى، ويتعلق منه بالمعنى، ثم يؤديه بلغته، ويعبر عنه بلسان قبيلته، فيجتمع في الحديث الواحد اذا انشعبت طرقه عدة ألفاظ مختلفة موجبها شيء واحد، وهذا كما يروى: «أن رجلا كان يهدي إلى رسول الله كل عام راوية خمر، فأهداها عام حرمت، فقال: إنها حرمت، فاستأذنه في بيعها، فقال له: إن الذي حرم شربها حرم بيعها، قال: فما أصنع بها؟ قال: سنّها في البطحاء، قال: فسنّها» ، وجاء في رواية اخرى: «فهتّها» ، وفي رواية أخرى: «فبعّها» «1» . والمعنى واحد» «2» . ويعني هذا أن اختلاف الرواة قد يكون هو المسئول عن غرابة كثير من الألفاظ. وقال الخطابي أيضا: وبلغني أن أبا عبيد القاسم بن سلام مكث في تصنيف كتابه (غريب الحديث) أربعين سنة يسأل العلماء عما أودعه من تفسير الحديث، والناس إذ ذاك متوافرون، والروضة أنف، والحوض ملآن، ثم قد غادر الكثير منه لمن بعده، ثم سعى له أبو محمد (ابن قتيبة) سعي الجواد إذا استولى على الأمد «3» ، فأسأر «4» القدر الذي جمعناه في كتابنا هذا، وقد بقي من وراء ذلك أحاديث ذات عدد لم أتيسر لتفسيرها، تركتها ليفتحها الله على من يشاء من عباده، ولكل وقت قوم، ولكل نشء علم. قال الله تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (الحجر/ 21) «5» . ولله در الخطابي فقد كان الناس فعلا إذ ذاك (أي في الصدر الأول) يفقهون حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم خلف من بعدهم خلف يحتاجون إلى الكتب الطوال التي تشرح غريب حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن هنا كان حرصنا على أن تتضمن الموسوعة بيانا لهذه الألفاظ وشرحا لها مما يغني القارىء عن الرجوع إلى كتب الغريب وشروح الحديث. لقد كانت طموحات الشيخ عبد الرحمن بن ملوح أوسع من الرجوع إلى كتب الغريب وشروح الحديث. لقد كانت طموحات الشيخ عبد الرحمن بن ملوح أوسع من أن تقف عند ما أنجزته اللجنتان الأولى والثانية، فكان يشير علينا بين الحين والآخر لإضافة هذه الصفة أو تلك، وكان يتضح عقب إنجاز هذه الصفات مدى الفائدة العظيمة والخير العميم من إضافتها، وكان من ذلك صفات: الإغاثة- الإنذار- الإنصاف- التبليغ- تكريم الإنسان- التوحيد- عيادة المريض- الفضل- كفالة اليتيم- اللين- معرفة الله عزّ وجلّ- الكلم الطيب- المسارعة في الخيرات- النظر والتبصر ... ونحو ذلك من الصفات المأمور بها.   (1) الفائق 3/ 254، 255 وجاء فيه: الثلاثة- يعني السّنّ، والهتّ، والبعّ- في معنى الصب، إلا أن السن في سهولة، والهت في تتابع، والبع في سعة وكثرة، وروى بالثاء، أي قذفها، من ثع يثع، إذا قاء. (2) غريب الحديث للخطابي 1/ 15. (3) يشير إلى قول النابغة: «سبق الجواد إذا استولى على الأمد» ، وأبو محمد هو ابن قتيبة. وجاء في اللسان (أمد) : أمد الخيل في الرهان: مدافعها في السباق ومنتهى غاياتها التي تسبق إليه. (4) أسأر: أي أبقي شيئا قليلا. (5) غريب الحديث الخطابي 1/ 15- 16. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 65 ومن الصفات المنهي عنها: الإحباط- إفشاء السر- الانتقام- التكاثر- التنازع- التناجش- التنصل من المسئولية- التهاون- التبذير- الحقد- الرشوة- الرياء- السخرية- الطغيان- العتو- الغرور- الغش- الغي والإغواء- الفتنة- المجاهرة بالمعصية. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يشير إلى إضافات مهمة في صفات عديدة يصعب إحصاؤها نذكر منها: المساواة، وقد أضيفت إلى صفة العدل، والإحصان (بالزواج) ، وقد أضيفت إلى صفة حفظ الفرج لأن الزواج من وسائل ذلك، والعجب، الذي أضيف إلى الكبر، والمصابرة، التي أضيفت إلى الصبر، والشدة التي أضيفت إلى القوة. وفيما يتعلق بالفهارس فقد بذلت اللجنة جهدا ندعو الله أن يكون موفقا ومباركا فيه، وسنتحدّث عنه وعن كيفية استخدام هذه الفهارس في مقدمة المجلد الثاني عشر بإذن الله تعالى. لقد اجتهدنا ما وسعنا الجهد في إبراز تلك الصفات في صورة أقرب ما تكون إلى الكمال البشري، أما الكمال المطلق فهو لله تعالى، نسأله- عزّ وجلّ- أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به إنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير. ولا يسعني في ختام هذه الكلمة إلّا أن أتقدم بالشكر وافرا وجزيلا لأخي وصديقي الشيخ عبد الرحمن بن محمد ابن ملوح على تلك الجهود المباركة التي بذلها في نشر هذه الموسوعة (ولم تكن تلك الجهود مادّيّة فحسب وإنما كانت أيضا جهودا معنوية وعلمية، حثيثة ورائعة، وأن نتوجه إلى المولى عز وجل بأن يجزيه على ذلك خير الجزاء وأن يجعله من أصحاب الحياة الطيبة في الدنيا ومن أهل «نضرة النعيم» في الآخرة إنه سبحانه أكرم المسئولين وأجزل المعطين «1» . سبحانك ربنا لا علم لنا إلّا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. بقلم: أ. دكتور عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى مكة المكرمة في العشرين من ربيع الأول 1418 هـ.   (1) لما كان الجزاء من جنس العمل، فإننا ندعو الله- عز وجل- للشيخ والذين ساهموا معه بأن يكونوا من أصحاب نضرة النعيم. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 66 الحياة والنفس الإنسانية بقلم: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع تمهيد : الحمد لله الذي خلق فسوى وقدّر فهدى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.. وبعد: فقد اشتملت هذه الموسوعة على مكارم أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم التي تشكل فيما بينها (منظومة أخلاق متكاملة) تصلح بها أمور الإنسان في الدنيا والآخرة، ولما كان الأخذ بمعالي الأخلاق ومكارمها يستلزم- ضرورة- التخلي عن مذمومها من حيث كونهما ضدان لا يجتمعان، كان لا بد من الحرص على إبراز هذه الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الشارع الحكيم، وبذلك تتوفر لقارىء هذه الموسوعة قاعدة علمية شاملة تضم الأمرين جميعا: المأمور به والمنهي عنه في القرآن والسنة، وهنا يتحقق شرط الإلزام الخلقي الأساسي، ألا وهو المعرفة النافية للجهالة «1» . وبهذه المعرفة تتحدد المعايير الضرورية التي تضبط حركة السلوك الإنساني في هذه الحياة، بيد أن هذه المعرفة وحدها غير كافية، إذ ينبغي على المؤمن أن يربط القول بالعمل، والمعرفة بالسلوك، بحيث لا يكون القول مجرد كلام لا جدوى منه، وتكون المعرفة مجرد إطار نظري لا فائدة منها، ذلك أن اقتران القول بالعمل والمعرفة بالممارسة قاعدة إسلامية أقرها القرآن الكريم في قول الله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ «2» . وقد كانت حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم تجسيدا عمليا لكل ما كان يدعو الناس إليه من مكارم الأخلاق وحميد الصفات فكان صلّى الله عليه وسلّم مثالا يحتذى في عدله ورحمته وبره، وكانت بعثته صلّى الله عليه وسلّم في جوهرها لإتمام هذا الجانب التطبيقي المتمثل في تتميم مكارم الأخلاق، قولا وفعلا، دعوة وممارسة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» «3» . و «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» . وربط عليه الصلاة والسلام بين كمال الإيمان وحسن الخلق، فقال: «إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «4» . ونبه عليه الصلاة والسلام على أهمية سلوك الخير وفعله فقال: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن» «5» . تكليف الإنسان وابتلاؤه : لقد كرم الله الإنسان، فخلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وفضله على كثير ممن خلق، وأعطاه نعمة العقل، وزوده بنور الفطرة، وجعل خلقته قابلة للتكليف، إن فعل الخير أثيب، وإن فعل الشر   (1) انظر شروط الإلزام الخلقي وخاصة ما يتعلق بالمعرفة في «النظرية الخلقية عند ابن تيمية» ص 136 وانظر أيضا ص 100 وما بعدها من هذه الموسوعة. (2) الصف/ 2- 3. (3) انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (8) . (4) انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (3) . (5) انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (15) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 67 عوقب، وهذا هو مقتضى حمل الأمانة التي قبلها الإنسان وأبت السماوات والأرض أن يحملنها، يقول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا «1» . لقد جعل الله للإنسان هذه الحياة الدنيا دارا أولى يحيا فيها ويعمرها، ليستعين بذلك على عبادة ربه طاعة ومحبة وإخلاصا، ثم ابتلاه بالتكاليف (بالأوامر والنواهي) ليمحصه رحمة منه وفضلا، يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى-: «ابتلاء الخلق بالأوامر والنواهي، رحمة لهم وحمية، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، ومن رحمته: أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا بها ويرغبوا عن النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم «2» » . قد يظن بعض الناس أن ابتلاء الإنسان بالسراء هو إكرام له لا اختبار طاعة «3» ، ويرى الابتلاء بالضراء هو انتقام هوان أو إهانة، وقد نعى القرآن الكريم على هذا الصنف من الناس ذلك الاعتقاد الباطل ونفاه نفيا حاسما، يقول الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ «4» . وقد صحح القرآن الكريم هذا الفهم السيء في الآيات التي تتلو ذلك مباشرة، وأعاد توجيه الأفهام إلى الممارسات الخاطئة الناتجة عن هذا الفهم السيء لحكمة الابتلاء، وهذه الممارسة الخاطئة هي عدم إكرام اليتيم وعدم الحض على إطعام المسكين والاستئثار بالمال ولمه وجمعه دون الإنفاق كما أمر الله، فقال تعالى: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ* وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا* وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا «5» . والأمثال في هذا المجال كثيرة في القرآن مثل ما جاء في سور الشمس والبلد والضحى. والحقيقة هي أن الله- عز وجل- يبتلي العباد تارة بالمضار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فتصير المنحة والمحنة جميعا ابتلاء، فالمنحة تقتضي الشكر والمحنة تقتضي الصبر، يقول الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ «6» . إن هذا الإنسان المكرم لم يخلق عبثا ولن يترك سدى، يقول الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ «7» ، ويقول عز من قائل: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً «8» ، ومن ثم فهو محاسب على ما قدمت يداه، إن خيرا فخير وإن شرّا فشر فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «9» ، وقد أخبرنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم عن حدود هذه المسئولية ومجالاتها عند ما قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه» «10» .   (1) الأحزاب/ 72. (2) إغاثة اللهفان (2/ 172) وما بعدها (بتصرف) . (3) فلسفة التربية الإسلامية، ص 172 (بتصرف) . (4) الفجر/ 15- 16. (5) الفجر/ 17- 20. (6) الأنبياء/ 35. (7) المؤمنون/ 115. (8) القيامة/ 36. (9) الزلزلة/ 7- 8. (10) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 396) ، وقال: رواه الترمذي، وهو حسن صحيح. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 68 العلاقة بين الإنسان والحياة : إذا كانت علاقة الإنسان بخالقه هي العبادة مصداقا لقوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «1» ، وعلاقة الإنسان بالكون علاقة تسخير كما في قوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ «2» ، فإن علاقة الإنسان بالحياة هي علاقة ابتلاء وتمحيص، مصداقا لقوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ «3» . وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة: أن الله- عز وجل- خلق الموت للبعث والجزاء وخلق الحياة للابتلاء «4» . أما موضوع هذا الابتلاء فهو حسن العمل الذي لخصه الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم، في تفسيره للآية بأنه: الورع عن محارم الله والإسراع في طاعته «5» . وتدخل فيه مكارم الأخلاق بأوسع معانيها [انظر الكشاف التوضيحي من (1- 4) و (4 أ) و (4 ب) ] . بين الابتلاء وحسن الخلق : إن هذا الابتلاء الذي يعني الاختبار والتمحيص هو المحك الأساسي الذي يجسد الصراع الأزلي بين قوى الخير والشر في النفس الإنسانية، فالنفس المطمئنة ألهمت التقوى والطاعة، والنفس الأمارة بالسوء ألهمت الشر والفجور، ذلك أن النفس المطمئنة تأمر بالخير وتحض عليه، والنفس الأمارة بالسوء تأمر بالشر وتحض عليه، يساعدها في ذلك شيطان مريد يستغل ضعف الإنسان ويزين له فتن الشبهات والشهوات، وبين الاثنين توجد النفس اللوامة التي تشكل صمام الوقاية وتقوم بعملية الموازنة والتصحيح، إذ تلوم على فعل المعاصي من ناحية، وعلى عدم الاستكثار من فعل الخيرات من ناحية ثانية. [انظر الكشاف التوضيحي من (10) إلى (13 أ) ، وكذلك انظر خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية بعد صفحة (ع ب) ] . الأخلاق الكريمة والعبادة : إن الأخلاق الفاضلة من نحو أعمال القلب والعقل والجوارح واللسان مثل صدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والرفق والرأفة، والدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك، كلها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أن العبادة   (1) الذاريات/ 56. (2) إبراهيم/ 32- 33. (3) الملك/ 2. (4) تفسير القرطبي (18/ 207) . (5) السابق، الصفحة نفسها (بتصرف) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 69 هي الغاية المحبوبة لله والمرضية له «1» ، كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «2» . وبها أرسل الله جميع الرسل، كما قال نوح لقومه: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ* «3» ، والدين كله داخل في العبادة التي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له «4» ، ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين وركنا أساسيا من أركانه. إن هذه الأخلاق الإيمانية- كما أطلق عليها ابن تيمية- هي وجه من الوجوه التي يتفاضل فيها الناس فيما يتعلق بزيادة الإيمان ونقصه، يقول- رحمه الله تعالى-: من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن أن الناس يتفاضلون في حب الله ورسوله وخشية الله، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والإخلاص له، وفي سلامة القلوب من الرياء، والكبر والعجب، والرحمة للخلق والنصح لهم، ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانية «5» ، ومصداق هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «6» . [انظر الكشاف التوضيحي (4 أ) ] . الإيمان ومكارم الأخلاق : يقول ابن تيمية- رحمه الله تعالى- ما خلاصته: «إذا كان الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، وأنه لابد فيه من شيئين: الأول تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته وهذا هو التوحيد، والآخر عمل القلب وهو التوكل على الله وحده ونحو ذلك من حب الله ورسوله، وحب ما يحب الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، كانت أعمال القلب من الحب والإخلاص والخشية والتوكل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى، وكانت الأخلاق الكريمة داخلة فيه أيضا، وأما البدن فلا يمكن أن يتخلى عن مراد القلب لأنه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» «7» . إن الإيمان بذلك هو مناط تكوين القيم الخلقية والاجتماعية ونحوها، وهو أيضا مصدر الإلزام الخلقي، لأنه هو المسيطر على كل غرائز الإنسان وشهواته، والمتحكم في أحاسيسه ودوافعه [انظر الكشاف التوضيحي (5- 9) ] . العبادة ونور الفطرة : لقد كان من مظاهر تكريم الإنسان أن زوده الله تعالى بنور الفطرة التي يستطيع بها أن يعرف ربه، ويستدل بها على صراطه المستقيم وذلك من التدبر في آلائه ونعمه، يقول الله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ   (1) الفتاوى (10/ 149- 150) بتصرف يسير. (2) الذاريات/ 56. (3) المؤمنون/ 23. (4) الفتاوى (10/ 152) . وانظر صفة «العبادة» . (5) انظر الأخلاق الإيمانية في مواطنها من هذه الموسوعة. (6) بتصرف واختصار عن الفتاوى 7 (564) ، وانظر الحديث رقم 35 في هذه الصفة. (7) البخاري- الفتح (1/ 52) ، ومسلم (2426) واللفظ له، وانظر الحديث بتمامه في صفة الصلاح حديث رقم 13. () الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 70 الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ «1» ، والفطرة: هي الخلق والهيئة التي في نفس الطفل، وهي معدّة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الحنيف، وهو الذي على الاستعداد له فطر البشر، ولكن تعرضهم العوارض «2» ، وقيل: المعنى هو أن الله سبحانه خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات فما دامت باقية على ذلك القبول وتلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق «3» . ويقول ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: لقد فطر الله عباده على محبته وعبادته، فإذا تركت هذه الفطرة بلا فساد، كان القلب عارفا بالله محبا له عابدا له وحده «4» . إن فساد الفطرة أمر محتمل ووارد سواء أكان من البيئة المحيطة بالإنسان كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» «5» . أو من إغواء الشيطان ووسوسته، وفي هذه الحالة اقتضت رحمة الله تعالى بالإنسان أن يرسل إليه الرسل مبشرين ومنذرين ويحدث صراع عنيف بين الشيطان وما يدعو إليه من ناحية وبين الرسل وما يدعون إليه من التزام الصراط المستقيم من ناحية أخرى، بين الفجور والتقوى [انظر الكشاف التوضيحي (4 د) و (4 ج) ] . وسنوضح هذا فيما يلي: إغواء الشيطان: بعد أن خلق الله آدم أمر الملائكة بالسجود له، ولكن إبليس أبى واستكبر وخالف أمر ربه، ولم يسجد لآدم حسدا وكبرا، وبعد أن حلّت عليه اللعنة وطرد من رحمة الله توعد آدم وذريته بأن يضلهم ويفتنهم ويقعد لهم على صراط الله المستقيم، يقول الله تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ «6» ، وقد أقسم بعزة الله تعالى أن يغوي جميع بني آدم إلا المخلصين، يقول الله تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «7» . لقد حدد الشيطان الرجيم هدفه وهو إغواء بني آدم وصدهم عن صراط الله المستقيم وصرفهم إلى طرق أخرى يضيع فيها سعيهم وتضل أعمالهم ويكون مصيرهم نار جهنم وبئس المصير. إرسال الرسل : وقد كان من تمام رحمة الله تعالى أن بعث رسله مبشرين ومنذرين [انظر الكشاف التوضيحي (3) ] معهم الكتاب والميزان ليعتدل أمر الناس ويستبينوا طريق الله تعالى من طريق الشيطان، يقول سبحانه: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ «8» ، وكانت دعوتهم جميعا إلى «صراط الله المستقيم» ،   (1) الروم/ 30. (2) تفسير القرطبي (14/ 29) . (3) السابق، الصفحة نفسها. (4) الفتاوى (10/ 175) بتصرف. (5) البخاري- الفتح (3/ 1385) . (6) الأعراف/ 16- 17. (7) ص/ 82- 83. (8) الحديد/ 25. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 71 يقول الله تعالى على لسان هود عليه السلام: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ «1» ، ثم جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرسالة الخاتمة، ودعا إلى ما دعت إليه الرسل من التزام هذا الصراط، ووصفه ربه بقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ «2» . إذن فإن الثبات على الصراط المستقيم هو محور الصراع بين الخير والشر، بين ما تدعو إليه الرسل وما يسعى إليه الشيطان الرجيم، فما هذا الصراط؟ الصراط المستقيم: كما سبق أن ذكرنا فإن هذا «الصراط المستقيم» هو دعوة الرسل جميعا، وهو الهدف الذي يسعى إبليس اللعين أن يقعد لبني آدم عليه فيصدهم عنه، وذكرنا أيضا أن الله- عز وجل- على صراط مستقيم، ومعنى كون الله تعالى على صراط مستقيم أنه سبحانه على طريق مستقيم في قضائه وقدره وأمره ونهيه، يهدي من يشاء إليه بفضله ورحمته، ويصرف عنه من يشاء بعدله وحكمته «3» . لقد صور رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التزام الصراط المستقيم والخروج عنه، أي ذلك الصراع بين طاعة الرحمن وطاعة الشيطان فيما يرويه ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: خط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطا ثم قال: «هذا سبيل الله» ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال: «هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» ، ثم قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ «4» . فالسبيل المستقيم أو الصراط المستقيم هو ما تدعو له الرسل. وتهدي الناس إليه، أما السبل الأخرى التي ينحرف إليها البعض فليست إلا سبلا شيطانية نشأت بعد أن قعد لهم إبليس على هذا «صراط الله المستقيم» . أما دعوته صلّى الله عليه وسلّم إلى هذا الصراط المستقيم في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فهي- كما يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى: كل علم أو عمل أو حقيقة، أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوته، فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال. فما ثمّ خروج عن هذه الطرق الثلاث: طريق الرسول صلّى الله عليه وسلّم وما جاء به، وطريق أهل الغضب (المغضوب عليهم) ، وهي طريق من عرف الحق وعانده. وطريق أهل الضلال: وهي طريق من أضله الله عنه. ولهذا قال عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله- رضي الله عنهم- «الصراط المستقيم: هو الإسلام» وقال عبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنهما- «هو القرآن» وفيه حديث مرفوع في الترمذي وغيره، وقال سهل بن عبد الله «طريق السنة والجماعة» وقال بكر بن عبد الله المزني «طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» . ولا ريب أن ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه علما وعملا وهو معرفة الحق وتقديمه، وإيثاره على غيره، فهو الصراط المستقيم «5» .   (1) هود/ 6. (2) الشورى/ 52- 53. (3) إغاثة اللهفان ص 220. (4) الأنعام/ 153. (5) مدارج السالكين (1/ 8) . الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 72 الابتلاء والصراط المستقيم «1» : إن الابتلاء والفتنة يمحصان العبد ويردانه إلى هذا الصراط المستقيم إذا استطاع الشيطان في لحظة من لحظات الضعف الإنساني أن يخرج الإنسان عن هذا الصراط المستقيم ويسلك به سبلا أخرى، وقد كان من رحمة الله سبحانه ألا يدع الإنسان فريسة لهذا الشيطان وإنما زوده بوسائل الحماية والوقاية منه، ثم هيأ له وسائل الإفلات إن وقع في الفخ وخرج عن الصراط المستقيم، فمن ذلك: 1- الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة: مصداق ذلك قول الله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «2» . 2- واعظ الله- عز وجل- في قلوب عباده المؤمنين: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تعالى ضرب مثلا: صراطا مستقيما. وعلى كنفتي الصراط سوران، لهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو على رأس الصراط، وداع يدعو فوق الصراط، فالصراط المستقيم: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله. فلا يقع أحد في حدّ من حدود الله حتى يكشف الستر، والداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم» «3» . فهذا الواعظ في قلوب المؤمنين هو الإلهام الإلهي بواسطة الملائكة أو نور الفطرة. 3- مدد الملائكة: ثم يؤيد الله عباده المخلصين بجند من الملائكة يثبتونهم ويأمرونهم بالخير ويحضونهم عليه يعدون العبد بكرامة الله تعالى ويصبرونه على البلاء، ويبشرونه بثواب الله وعظيم فضله، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ «4» . 4- الدعاء والاعتصام بالله: تشتد حاجة العبد أن يسأل ربه أن يهديه إلى هذا الصراط المستقيم، وكان سؤال هذه الهداية أوجب دعاء على كل عبد، وقد أوجبه الله عليه كل يوم وليلة بقوله تعالى في الفاتحة: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ «5» . ويردد المسلم ذلك بعدد ركعات صلاة كل يوم حتى يأتيه اليقين لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة «6» . قال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «7» .   (1) انظر الحياة الإيمانية في ضوء علاقة الابتلاء و النفس الإنسانية في هذه الموسوعة. (2) المائدة/ 15- 16. (3) انظر هذا في صفة الاستقامة، حديث رقم (6) وقد خرّجناه هناك. (4) فصلت/ 30- 31. (5) الفاتحة/ 6- 7. (6) مدارج السالكين (1/ 63) بتصرف. (7) آل عمران/ 101. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 75 5- الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم: إن العبد إذا لجأ إلى الله تعالى واستعاذ به من شر هذا الشيطان فإنه سرعان ما يخنس (ويهرب) «1» ، ويتركه وشأنه، ومن ثم تتاح له فرصة الرجوع إلى الصراط المستقيم.   (1) انظر صفة الاستعاذة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 76 النفس الإنسانية قبل أن نتحدث عن العلاقة بين النفس الإنسانية والابتلاء فإنه يجمل بنا نشير- بإيجاز- إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ «نفس» أما لفظ «إنسانية» فهو مصدر صناعي من كلمة «إنسان» وقد تحدثنا في صفة «تكريم الإنسان» عن هذا اللفظ لغة واصطلاحا «1» ، فأغنى عن ذكره هنا. النفس لغة : لفظ «النفس» في اللغة يطلق ويراد به معان عديدة: منها النفس بمعنى الروح، والنفس بمعنى جملة الشيء وحقيقته، والنفس ما يكون به التمييز، والنفس: العين كما في قولهم أصابت فلانا نفس، وروي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن لكل إنسان نفسين: إحداهما نفس العقل التي يكون بها التمييز، والأخرى نفس الروح الذي تكون بها الحياة، وقال بعض اللغويين: النفس والروح واحد، وقال آخرون: بل هما متغايران إذ النفس هي مناط العقل، والروح مناط الحياة، وسميت النفس نفسا لتولّد النّفس منها واتصاله بها، كما سموا الروح روحا لأن الروح موجود بها «2» . النفس اصطلاحا : النفس في اصطلاح علماء الأخلاق هي كما يقول الجرجاني: الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة، والحس والحركة الإرادية «3» . ويقول المناوي: هي جوهر مشرق للبدن ينقطع ضوءه عند الموت من ظاهر البدن وباطنه، وأما وقت النوم فينقطع ضوءه عن ظاهر البدن دون باطنه، فالموت انقطاع كلي، والنوم انقطاع خاص، وعلى ذلك فيكون تعلقها بالإنسان على ثلاثة أضرب: إن غلب ضوء النفس على جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه فهو (حال) اليقظة، وإن انقطع عن ظاهره فقط فهو النوم «4» ، وإن انقطع بالكلية فالموت «5» . أما النفس الإنسانية فهي تلك النفس الناطقة التي تحوز جميع خصائص النفوس الأخرى وتزيد عليها قوة العقل والإرادة «6» .   (1) انظر صفة تكريم الإنسان، ج 4، ص 1136. (2) انظر في ذلك: الصحاح للجوهري 3/ 984، ولسان العرب 6/ 232 (ط. بيروت) . (3) التعريفات للجرجاني 262. (4) يذكرنا هذا بحديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الذي رواه حذيفة- رضي الله عنه- وهو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال: «باسمك أموت وأحيا» ، وإذا قام قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» انظر في تخريج هذا الحديث صفة «الحمد» حديث رقم 53. (5) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص 328. (6) قسم العلماء النفس تقسيمات عديدة باعتبارات مختلفة، ومن أهم هذه التقسيمات جعلها ثلاثة أنفس هي:- 1- النفس النامية (في النبات) ولها خصائص الاغتذاء والنمو والتوليد. 2- النفس الحاسة (في الحيوان) ولها نفس الخصائص السابقة وتزيد عليها الحس. 3- النفس الناطقة (في الإنسان) ولها خصائص النوعين السابقين وتزيد عليهما العقل والإرادة (والبيان) ، انظر في ذلك: الإنسان وصحته النفسية لمصطفى فهمي ص 8. الجزء: المقدمة قوى النفس الناطقة : ذكر الإيجيّ في كتابه «الأخلاق» أن للنفس الناطقة ثلاث قوى، هي: 1- قوة النطق (العاقلة) . 2- قوة الشهوة (البهيمية) . 3- قوة الغضب (السبعية) . واعتدال هذه القوى فضائل، أما أطرافها فهي الرذائل، فاعتدال قوة النطق هو الحكمة وإفراطها الجريرة وتفريطها الغباوة (البلادة) ، أما قوة الشهوة فاعتدالها العفة، وإفراطها الفجور، وتفريطها الجحود، وأما قوة الغضب فاعتدالها الشجاعة، وإفراطها التهور، وتفريطها الجبن «1» ، هذا فيما يتعلق بالناحية الكمية. أما من حيث الكيف فإن هذه الفضائل الثلاث أي الحكمة والعفة والشجاعة تتحول. إذا أسيء استخدامها إلى رذائل، وذلك كمن يتعلم الحكمة لمجاراة العلماء ولمماراة السفهاء، أو كمن يمارس الشجاعة للصيت أو الغنيمة «2» ، ومناط ذلك كله هو النية التي تصحب الفعل، لأن هذه الثلاث إنما تكون فضائل إذا لم يشبها غرض وصدرت بلا روية «3» . أقسام النفس الإنسانية : تنقسم النفس الإنسانية- وفقا لأحوالها المختلفة- إلى ثلاثة أقسام، كما ذكرت في القرآن الكريم: 1- النفس الأمّارة، وهي التي تميل إلى الطبيعة البدنية وتأمر باللذات والشهوات الحسية واتباع الهوى، وهي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة. وهذه النفس هي التي توسوس لصاحبها وتحدثه بالآثام، قال تعالى: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ «4» ، وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ «5» ، وهي بذلك- كما قال ابن تيمية- أحد ثلاثة يستعاذ منها وهي: النفس (الأمارة) ، وشياطين الجن، وشياطين الإنسان، وروي عن ابن جريج في تفسير قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ «6» ، قال: هما وسواسان، فوسواس من الجنة وهو الخنّاس، ووسواس من نفس الإنسان «7» . 2- النفس اللّوّامة، وهي تلك التي تنورت بنور القلب عن سنة الغفلة، وكلما صدرت عنها سيئة بحكم جبلتها أخذت في اللوم والتعنيف، وحالت دون التمادي في العصيان، والتي تلومه كذلك على عدم الاستكثار في الخير، قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ* وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ «8» . 3- النفس المطمئنة، وهي التي تمّ تنويرها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة، وهي تلك النفس التي تعتبر الحوادث الحياتية- خيرها وشرها- ابتلاء ومحنة، وهي تلك النموذج   (1) الأخلاق لعضد الدين الإيجي، ص 29- 31. (2) السابق، ص 32- 33. (3) السابق، ص 34. (4) يوسف/ 53. (5) ق/ 16. (6) الناس/ 6. (7) هناك تفسيرات أخرى للآية، وقد رجّح العلّامة ابن تيمية هذا التفسير، انظر الفتاوى 17/ 512 وما بعدها. (8) القيامة/ 1- 2. الجزء: المقدمة الذي يسعى إليه الإنسان المسلم، وهي التعبير الصادق عن تلك الحالة التي لا يعرف فيها الفرد أمراض الشبهة والشك والشهوة والبغي وهي النموذج الأكمل للصحة النفسية التي تؤدي إلى الحياة الطيبة في الدنيا «1» وإلى الفوز والنعيم المقيم في الآخرة، قال تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي «2» . صفات النفس الإنسانية : إذا كان بعض العلماء قد تحدثوا عن أقسام للنفس الإنسانية، فإن ابن القيم في كتابه النادر «الروح» قد تحدث عن صفات لهذه النفس، وقد ناقش هذه المسألة باستفاضة عندما قال: لقد وقع في كلام كثير من الناس أن لابن آدم ثلاث أنفس، نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة، وأن منهم من تغلب عليه هذه ومنهم من تغلب عليه الأخرى، ويحتجون على ذلك بقوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ وبقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ وبقوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ والتحقيق أنها نفس واحدة ولكن لها صفات فتسمّى باعتبار كل صفة باسم فتسمّى مطمئنة باعتبار طمأنينتها إلى ربها بعبوديته ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والرضا به والسكون إليه. فإن من سمة محبته وخوفه ورجائه قطع النظر عن محبة غيره وخوفه ورجائه، فيستغنى بمحبته عن حب ما سواه وبذكره عن ذكر ما سواه وبالشوق إليه وإلى لقائه عن الشوق إلى ما سواه، فالطمأنينة إلى الله سبحانه حقيقة ترد منه سبحانه على قلب عبده تجمعه عليه، وترد قلبه الشارد إليه حتى كأنه جالس بين يديه يسمع به ويبصر به ويتحرّك به ويبطش به، فتسري تلك الطمأنينة في نفسه وقلبه ومفاصله وقواه الظاهرة والباطنة تجذب روحه إلى الله، ويلين جلده وقلبه ومفاصله إلى خدمته والتقرّب إليه، ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلّا بالله وبذكره وهو كلامه الذي أنزله على رسوله كما قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ فإن طمأنينة القلب سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج والاضطراب عنه، وهذا لا يتأتّى بشيء سوى الله تعالى وذكره البتة، وأما ما عداه فالطمأنينة إليه غرور والثقة به عجز قضى الله سبحانه وتعالى قضاء لا مرد له أن من اطمأن إلى شيء سواه أتاه القلق والانزعاج والاضطراب من جهته كائنا من كان، بل لو اطمأن العبد إلى علمه وحاله وعمله سلب ذلك كله، وقد جعل سبحانه أغراض نفوس المطمئنين إلى سواه محبطة بسهام البلاء ليعلم عباده وأولياؤه أن المتعلق بغيره مقطوع والمطمئن إلى سواه عن مصالحه ومقاصده مصدود وممنوع «3» . ثم تحدث- رحمه الله تعالى- عن هذه الصفات المختلفة للنفس وهي:   (1) بتصرف واختصار عن: التعريفات للجرجاني ص 204، والتوقيف للمناوي ص 328، والصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة وكمال مرسي ص 18. (2) الفجر/ 27- 30. (3) الروح لابن القيم، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1403 هـ- 1983 م، ص 198- 210 (بتصرف يسير) . الجزء: المقدمة أولا: النفس المطمئنة (حقيقة الطمأنينة وعلامتها) : حقيقة الطمأنينة التي تصير بها النفس مطمئنة هي أن تطمئن في باب معرفة أسماء الله وصفاته ونعوت كماله إلى خبره الذي أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله فتتلقاه بالقبول، والتسليم، والإذعان، والدعاء، وانشراح الصدر له، وفرح القلب به، فإنه معرّف من معرفات الرب سبحانه إلى عبده على لسان رسوله، فلا يزال القلب في أعظم القلق والاضطراب في هذا الباب حتى يخالط الإيمان بأسماء الرب تعالى وصفاته وتوحيده وعلوه على عرشه، وتكلمه بالوحي بشاشة قلبه، فينزل ذلك عليه نزول الماء الزلال على القلب الملتهب بالعطش، فيطمئن إليه، ويسكن إليه، ويفرح به ويلين له قلبه ومفاصله حتى كأنه شاهد الأمر كما أخبرت به الرسل، بل يصير ذلك لقلبه بمنزلة رؤية الشمس في الظهيرة لعينه، فلو خالفه في ذلك من بين شرق الأرض وغربها لم يلتفت إلى خلافهم، وقال إذا استوحش من الغربة قد كان الصّديق الأكبر «1» مطمئنا بالإيمان وحده وجميع أهل الأرض يخالفه وما نقص ذلك من طمأنينته شيئا فهذا أول درجات الطمأنينة، ثم لا يزال يقوى كلما سمع بآية متضمنة لصفة من صفات ربه، وهذا أمر لا نهاية له فهذه الطمأنينة أصل أصول الإيمان التي قام عليه بناؤه، ثم يطمئن إلى خبره عما بعد الموت من أمور البرزخ وما بعدها من أحوال القيامة حتى كأنه يشاهد ذلك كله عيانا، وهذا حقيقة اليقين الذي وصف به سبحانه وتعالى أهل الإيمان حيث قال وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ فلا يحصل الإيمان بالآخرة حتى يطمئن القلب إلى ما أخبر الله سبحانه به عنها طمأنينته إلى الأمور التي لا يشك فيها ولا يرتاب، فهذا هو المؤمن حقا باليوم الآخر كما في حديث حارثة: أصبحت مؤمنا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟» قال: عزفت نفسي عن الدنيا وأهلها وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها وأهل النار يعذبون فيها، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «عبد نوّر الله قلبه» . والطمأنينة إلى أسماء الرب تعالى وصفاته نوعان: طمأنينة إلى الإيمان بها وإثباتها واعتقادها، وطمأنينة إلى ما تقتضيه وتوجبه من آثار العبودية، مثاله الطمأنينة إلى القدر وإثباته، والإيمان به يقتضي الطمأنينة إلى مواضع الأقدار التي لم يؤمر العبد بدفعها ولا قدرة له على دفعها فيسلم لها ويرضى بها ولا يسخط ولا يشكو ولا يضطرب إيمانه فلا يأسى على ما فاته ولا يفرح بما أتاه لأن المصيبة فيه مقدرة قبل أن تصل إليه وقبل أن يخلق كما قال تعالى ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وقال تعالى ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ قال غير واحد من السلف: هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، فهذه طمأنينة إلى أحكام الصفات وموجباتها وآثارها في العالم وهي قدر زائد على الطمأنينة بمجرد العلم بها واعتقادها، وكذلك سائر الصفات وآثارها ومتعلقاتها كالسمع والبصر والعلم والرضا والغضب والمحبة، فهذه طمأنينة الإيمان «2» .   (1) المراد به سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (2) انظر صفة الطمأنينة بالموسوعة. الجزء: المقدمة وأما طمأنينة الإحسان فهي الطمأنينة إلى أمره امتثالا وإخلاصا ونصحا فلا يقدم على أمره إرادة ولا هوى ولا تقليدا فلا يساكن شبهة تعارض خبره ولا شهوة تعارض أمره بل إذا مرت به أنزلها منزلة الوساوس التي لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يجدها، فهذا كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم صريح الإيمان، وعلامة هذه الطمأنينة أن يطمئن من قلق المعصية وانزعاجها إلى سكون التوبة وحلاوتها وفرحتها ويسهل عليه ذلك أن يعلم أن اللذة والحلاوة والفرحة في الظفر بالتوبة، وهذا أمر لا يعرفه إلّا من ذاق الأمرين وباشر قلبه آثارهما فللتوبة طمأنينة تقابل ما في المعصية من الانزعاج والقلق ولو فتش العاصي عن قلبه لوجد حشوه المخاوف والانزعاج والقلق والاضطراب وإنما يواري عنه شهود ذلك سكر الغفلة والشهوة فإن لكل شهوة سكرا يزيد على سكر الخمر، وكذلك الغضب له سكر أعظم من سكر الشراب، ولهذا ترى العاشق والغضبان يفعل ما لا يفعله شارب الخمر، وكذلك يطمئن من قلق الغفلة والإعراض إلى سكون الإقبال على الله وحلاوة ذكره وتعلّق الروح بحبه ومعرفته فلا طمأنينة للروح بدون هذا أبدا «1» . النفس المطمئنة وفرح القلب : الفرق بين فرح القلب وفرح النفس ظاهر فإن الفرح بالله ومعرفته ومحبته وكلامه من القلب قال تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ فإذا كان أهل الكتاب يفرحون بالوحي فأولياء الله وأتباع رسوله أحق بالفرح به وقال تعالى: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وقال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ قال أبو سعيد الخدري: فضل الله: هو القرآن، ورحمته: أن جعلكم من أهله «2» وقال هلال بن يساف: فضل الله ورحمته: الإسلام الذي هداكم إليه والقرآن الذي علّمكم وهو خير من الذهب والفضة الذين تجمعون، وقال ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور المفسرين فضل الله الإسلام ورحمته القرآن، فهذا فرح القلب وهو من الإيمان ويثاب عليه العبد فإن فرحه به يدل على رضاه به بل بما هو فوق الرضا فالفرح بذلك على قدر محبته فإن الفرح إنما يكون بالظفر بالمحبوب وعلى قدر محبته يفرح بحصوله له فالفرح بالله وأسمائه وصفاته ورسوله وسنته وكلامه محض الإيمان وصفوته لبه وله عبودية عجيبة وأثر في القلب لا يعبّر عنه، فابتهاج القلب وسروره وفرحه بالله وأسمائه وصفاته وكلامه ورسوله ولقائه أفضل ما يعطاه بل هو جل عطاياه، والفرح في الآخرة بالله ولقائه بحسب الفرح به ومحبته في الدنيا، فالفرح بالوصول إلى المحبوب يكون على حسب قوة المحبة وضعفها، فهذا شأن فرح القلب، وله فرح آخر وهو فرحه بما منّ الله به عليه من معاملته والإخلاص له والتوكل عليه والثقة به وخوفه ورجائه به. وكلما تمكّن في ذلك قوي فرحه وابتهاجه، وله فرحة أخرى عظيمة الوقع عجيبة الشأن وهي الفرحة التي تحصل له بالتوبة فإن لها فرحة عجيبة لا نسبة لفرحة المعصية إليها البتة، فلو علم العاصي أن لذة التوبة وفرحتها يزيد على لذة المعصية وفرحتها أضعافا مضاعفة لبادر إليها أعظم من مبادرته إلى لذة المعصية.   (1) الروح لابن القيم، ص 200. (2) يشير- رحمه الله تعالى- بذلك إلى تفسير الفضل والرحمة في الآية الكريمة: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ .... الجزء: المقدمة وسر هذا الفرح إنما يعلمه من علم سر فرح الرب تعالى بتوبة عبده أشد فرح يقدّر، ولقد ضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثلا ليس في أنواع الفرح في الدنيا أعظم منه وهو فرح رجل قد خرج براحلته التي عليها طعامه وشرابه في سفر ففقدها في أرض دوّية مهلكة فاجتهد في طلبها فلم يجدها، فيئس منها وجلس ينتظر الموت حتى إذا طلع البدر رأى في ضوئه راحلته وقد تعلّق زمامها بشجرة فقال من شدة فرحه: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فالله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته «1» . فلا ينكر إذا أن يحصل للتائب نصيب وافر من الفرح بالتوبة ولكن هاهنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يصل إلى ذلك إلّا بعد ترحات ومضض ومحن لا تثبت لها الجبال، فإن صبر لها ظفر بلذة الفرح وإن ضعف عن حملها ولم يصبر لها لم يظفر بشيء، وآخر أمره فوات ما آثره من فرحة المعصية ولذتها فيفوته الأمران ويحصل على ضد اللذة من الألم المركب من وجود المؤذي وفوت المحبوب فالحكم لله العلي الكبير «2» . كمال القلب ونعيمه وسروره (بالطمأنينة) : وهاهنا سر لطيف يجب التنبيه عليه والتنبه له وهو أن الله سبحانه جعل لكل عضو من أعضاء الإنسان كمالا إن لم يحصل له فهو في قلق واضطراب وانزعاج بسبب فقد كماله الذي جعل له مثاله كمال العين بالإبصار، وكمال الأذن بالسمع، وكمال اللسان بالنطق، فإذا عدمت هذه الأعضاء القوى التي بها كمالها حصل الألم والنقص بحسب فوات ذلك، وجعل كمال القلب ونعيمه وسروره ولذته وابتهاجه في معرفته سبحانه وإرادته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والشوق إليه والأنس به، فإذا عدم القلب ذلك كان أشد عذابا واضطرابا من العين التي فقدت النور والبصر ومن اللسان الذي فقد قوة الكلام والذوق، ولا سبيل له إلى الطمأنينة بوجه من الوجوه ولو نال من الدنيا وأسبابها ومن العلوم ما نال إلا بأن يكون الله وحده هو محبوبه وإلاهه ومعبوده وغاية مطلوبه، وأقوال المفسرين في الطمأنينة ترجع إلى ذلك، قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: المطمئنة «3» : المصدقة، وقال قتادة: هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله، وقال الحسن: المصدقة بما قال الله تعالى، وقال مجاهد: هي النفس التي أيقنت بأن الله ربها، المسلمة لأمره فيما هو فاعل بها، وروى منصور عنه قال: النفس التي أيقنت أن الله ربها، وقال ابن أبي نجيح عنه: النفس المطمئنة المخبتة إلى الله، وقال أيضا: هي التي أيقنت بلقاء الله فكلام السلف عن المطمئنة يدور على هذين الأصلين (طمأنينة العلم والإيمان) و (طمأنينة الإرادة والعمل) .   (1) انظر صفتي التوبة والفرح في الموسوعة. (2) الروح لابن القيم، ص 224- 225. (3) يتحدث هنا عن معنى «المطمئنة» في صفة النفس في قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (الفجر/ 27) . الجزء: المقدمة سجود القلب : قيل لبعض العارفين: أيسجد القلب؟ قال: نعم يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء، فهذا سجود القلب «1» . فقلب لا تباشره هذه الكسرة فهو غير ساجد السجود المراد منه، وإذا سجد القلب لله- هذه السجدة العظمى- سجدت معه جميع الجوارح، وعنا الوجه حينئذ للحي القيوم، وخشع الصوت والجوارح كلها، وذل العبد وخضع واستكان، ووضع خده على عتبة العبودية، ناظرا بقلبه إلى ربه ووليه نظر الذليل إلى العزيز الرحيم، فلا يرى إلّا متملقا لربه، خاضعا له، ذليلا مستعطفا له، يسأله عطفه ورحمته «2» ، «3» . اليقظة أول مفاتيح الخير وهي (منشأ الطمأنينة) : إذا اطمأنت النفس من الشك إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الخيانة إلى التوبة، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن العجز إلى الكيس، ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات ومن التيه إلى التواضع، ومن الفتور إلى العمل فقد باشرت روح الطمأنينة «4» ، وأصل هذا كله ومنشؤه من اليقظة فهي أول مفاتيح الخير لأن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالا منه؟ فإن العاقل يعلم وعد الله ووعيده وما تقتضيه أوامر الرب تعالى ونواهيه وأحكامه من الحقوق، لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك ويقعده عن الاستدراك سنة القلب «5» . وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده، وركد وأخلد إلى نوازع الشهوات فاشتد إخلاده وركوده، وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات ومخالطة أهل البطالات، ورضي بالتشبه (بأهل إضاعة الأوقات) ، فهو في رقاده مع النائمين، وفي سكرته مع المخمورين، فمتى انكشف عن قلبه سنة هذه الغفلة بزجرة من زواجر الحق في قلبه استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن، أو بهمّة عالية أثارها معول الفكر في المحل القابل فضرب بمعول فكره وكبر تكبيرة أضاءت له منها قصور الجنة فقال: ألا يا نفس ويحك ساعديني ... بسعي منك في ظلم الليالي لعلك في القيامة أن تفوزي ... بطيب العيش في تلك العلالي   (1) وقد عرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فمن كان في قلبه يقين بهذا الأمر وسجد سجدة خشوع لا يرفع رأسه أبدا من الورع والتقوى وكمال الخضوع لله عز وجل. (2) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ابن قيم الجوزية، الجزء الأول، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1408 هـ- 1988 م، ص 462. (3) وفي الحديث: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» ومن وصل إلى هذه الدرجات العلى من درجات الإيمان والإحسان واليقين لابد وأن يسجد قلبه سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء. (4) انظر تفاصيل هذه الصفات وصفة اليقظة بالموسوعة. (5) ذلك هو الذي (يعلم) ما هو الحلال وما هو الحرام ولكنه والعياذ بالله لا يمتثل لأن (قلبه غافل) فما هو السبيل لإيقاظ القلب؟! الجزء: المقدمة اليقظة أول منازل النفس المطمئنة : تثير اليقظة نورا يرى المؤمن في ضوئه ما خلق له، وما سيلقاه بين يديه من حين الموت إلى دخول دار القرار، ويرى سرعة انقضاء الدنيا وعدم وفائها لبنيها وقتلها لعشاقها وفعلها بهم أنواع المثلات فينهض في ذلك الضوء على ساق عزمه قائلا (يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) فيستقبل بقية عمره التي لا قيمة لها مستدركا بها ما فات، محييا بها ما أمات، مستقبلا بها ما تقدم له من العثرات، منتهزا فرصة الإمكان التي إن فاتته فاته جميع الخيرات. ثم يلحظ في نور تلك اليقظة وفور نعمة ربه عليه من حين استقر في الرحم إلى وقته وهو يتقلّب فيها ظاهرا وباطنا ليلا ونهارا ويقظة ومناما سرا وعلانية فلو اجتهد في إحصاء أنواعها لما قدر، ويكفي أن أدناها نعمة النفس ولله عليه في كل يوم أربعة وعشرون ألف نعمة فما ظنك بغيرها. ثم يرى في ضوء ذلك النور أنه آيس من حصرها وإحصائها عاجز عن أداء حقها وأن المنعم بها إن طالبه بحقوقها استوعب جميع أعماله حق نعمة واحدة منها فيتيقن حينئذ أنه لا مطمع له في النجاة إلّا بعفو الله ورحمته وفضله. ثم يرى في ضوء تلك اليقظة أنه لو عمل أعمال الثقلين من البر لاحتقرها بالنسبة إلى جنب عظمة الرب تعالى وما يستحقه بجلال وجهه وعظيم سلطانه، هذا لو كانت أعماله منه فكيف وهي مجرّد فضل الله ومنّته وإحسانه حيث يسّرها له وأعانه عليها وهيأه لها وشاءها منه، ولو لم يفعل ذلك لم يكن له سبيل إليها، فحينئذ لا يرى أعماله منه، وأن الله سبحانه لن يقبل عملا يراه صاحبه من نفسه حتى يرى عين توفيق الله له وفضله عليه وأنه من الله لا من نفسه، وأنه ليس له من نفسه إلّا الشر وأسبابه، وما به من نعمة فمن الله وحده، صدقة تصدق بها عليه وفضلا منه ساقه إليه من غير أن يستحقه بسبب ويسأله بوسيلة، فيرى ربه ووليه ومعبوده أهلا لكل خير ويرى نفسه أهلا لكل شر، وهذا أساس جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، وهو الذي يرفعها ويجعلها في ديوان أصحاب اليمين. ثم يبرق له في نور اليقظة بارقة أخرى يرى في ضوئها عيوب نفسه وآفات عمله وما تقدم له من الجنايات والإساءات وهتك الحرمات والتقاعد عن كثير من الحقوق والواجبات، فإذا انضم ذلك إلى شهود نعم الله عليه وأياديه لديه رأى أن حق المنعم عليه في نعمه وأوامره لم يبق له حسنة واحدة يرفع بها رأسه فيطمئن قلبه وتنكسر نفسه وتخشع جوارحه ويسير إلى الله تعالى ناكس الرأس بين مشاهدة نعمه ومطالعة جناياته وعيوب نفسه وآفات عمله قائلا أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، فلا يرى لنفسه حسنة ولا يراها أهلا لخير فيوجب له أمرين عظيمين. أحدهما استكثار ما منّ الله عليه. والثاني استقلال ما قدمه من الطاعة كائنة ما كانت، ثم تبرق له بارقة أخرى يرى في ضوئها عزة وقته وخطره وشرفه وأنه رأس مال سعادته فيبخل به أن يضيعه فيما يقربه إلى ربه فإن في إضاعته الخسران والحسرة الجزء: المقدمة والندامة وفي حفظه وعمارته الربح والسعادة فيشح بأنفاسه أن يضيعها فيما لا ينفعه يوم معاده. ثم يلحظ في ضوء تلك البارقة ما تقتضيه يقظته من سنة غفلته من التوبة والمحاسبة والمراقبة والغيرة لربه أن يؤثر عليه غيره، وعلى حظه من رضاه وقربه وكرامته ببيعه بثمن بخس في دار سريعة الزوال وعلى نفسه أن يملك رقها لمعشوق أو فكر في منتهى حسنه ورأى آخره بعين بصيرة لأنف لها من محبته. فهذا كله من آثار اليقظة وموجباتها وهي أول منازل النفس المطمئنة التي نشأ منها سفرها إلى الله والدار الآخرة. ثانيا: النفس اللوامة : وأما النفس اللوامة وهي التي أقسم بها سبحانه في قوله وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ فاختلف فيها فقالت طائفة: هي التي لا تثبت على حال واحدة، أخذوا اللفظة من التلوّم وهو التردد فهي كثيرة التقلب والتلون وهي من أعظم آيات الله فإنها مخلوق من مخلوقاته تتقلب وتتلون في الساعة الواحدة فضلا عن اليوم والشهر والعام والعمر ألوانا متلونة فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتطيع وتعصى، وتتقي وتفجر، إلى أضعاف أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها فهي تتلون كل وقت ألوانا كثيرة فهذا قول. وقالت طائفة: اللفظة مأخوذة من اللّوم ثم اختلفوا فقالت فرقة هي نفس المؤمن وهذا من صفاتها المجردة، قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائما يقول ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان غير هذا أولى أو نحو هذا الكلام. وقال غيره: هي نفس المؤمن توقعه في الذنب ثم تلومه عليه فهذا اللوم من الإيمان بخلاف الشقي فإنه لا يلوم نفسه على ذنب بل يلومها وتلومه على فواته. وقالت طائفة بل هذا اللوم للنوعين فإن كل أحد يلوم نفسه برا كان أو فاجرا فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته والشقي لا يلومها إلّا على فوات حظها وهواها. وقالت فرقة أخرى هذا اللوم يوم القيامة فإن كل أحد يلوم نفسه إن كان مسيئا على إساءته وإن كان محسنا على تقصيره. وهذه الأقوال كلها حق، ولا تنافى بينها، فإن النفس موصوفة بهذا كله وباعتباره سميت لوامة، ولكن اللوامة نوعان: لوامة ملومة، وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته. ولوامة غير ملومة، وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده فهذه غير ملومة، وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة الله واحتملت ملام اللائمين في مرضاته فلا تأخذها فيه لومة لائم فهذه قد تخلصت من لوم الله، وأما من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها، فهي التي يلومها الله عز وجل «1» .   (1) باختصار وتصرف يسير عن «الروح لابن القيم» ص 203، 204. الجزء: المقدمة ثالثا: النفس الأمارة : وأما النفس الأمارة فهي المذمومة لأنها التي تأمر بكل سوء وهذا من طبيعتها إلّا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلّا بتوفيق الله له كما قال تعالى حاكيا عن امرأة العزيز: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال تعالى وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وقال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحبهم إليه وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلمهم خطبة الحاجة «الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له» فالشر كامن في النفس وهو يوجب سيئات الأعمال فإن خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بين شرها وما تقتضيه من سيئات الأعمال، وإن وفقه وأعانه نجاه من ذلك كله. قرين النفس المطمئنة : وبعد أن تحدث- رحمه الله تعالى- عن صفات النفس الثلاث، تناول دور كل من الملك والشيطان في تأييد كل من النفس المطمئنة والنفس الأمارة فقال: امتحن الله سبحانه الإنسان بهاتين النفسين الأمارة واللوامة كما أكرمه بالمطمئنة، فهي إذا نفس واحدة تكون أمارة ثم لوامة ثم مطمئنة وهي غاية كمالها وصلاحها، وأيّد المطمئنة بجنود عديدة فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها ويقذف فيها الحق ويرغبها فيه، ويريها حسن صورته، ويزجرها عن الباطل ويزهدها فيه، ويريها قبح صورته، وأمدها بما علمها من القرآن والأذكار وأعمال البر، وجعل وفود الخيرات ومداد التوفيق تنتابها وتصل إليها من كل ناحية، وكلما تلقتها بالقبول والشكر والحمد لله ورؤية أوليته في ذلك كله، ازداد مددها فتقوى على محاربة الأمارة، فمن جندها وهو سلطان عساكرها وملكها الإيمان واليقين، فالجيوش الإسلامية كلها تحت لوائه ناظرة إليه، إن ثبت ثبتت وإن انهزم ولّت على أدبارها، ثم أمراء هذا الجيش ومقدمو عساكره شعب الإيمان (الظاهرة) المتعلقة بالجوارح على اختلاف أنواعها كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصيحة الخلق والإحسان إليهم بأنواع الإحسان، وشعبه الباطنة المتعلقة بالقلب كالإخلاص والتوكل والإنابة والتوبة والمراقبة والصبر والحلم والتواضع والمسكنة، وامتلاء القلب من محبة الله ورسوله، وتعظيم أوامر الله وحقوقه، والغيرة لله وفي الله، والشجاعة والعفة والصدق والشفقة والرحمة، وملاك ذلك كله الإخلاص والصدق، فلا يتعب الصادق المخلص لأنه قد أقيم على الصراط المستقيم فيسار به وهو راقد، أما من حرم الصدق والإخلاص فقد قطعت عليه الطريق، واستهوته الشياطين في الأرض حيران، فإن شاء فليعمل وإن شاء فليترك، فلا يزيده عمله من الله إلّا بعدا، وبالجملة فما كان لله وبالله فهو من جند النفس المطمئنة «1» . قرين النفس الأمارة : وأما النفس الأمارة فجعل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها فهو يعدها ويمنيها ويقذف فيها الباطل ويأمرها بالسوء ويزيّنه لها ويطيل في الأمل ويريها الباطل في صورة تقبلها وتستحسنها ويمدها بأنواع الإمداد   (1) باختصار وتصرف يسير عن كتاب «الروح لابن القيم» ص 204. الجزء: المقدمة الباطل من الأماني الكاذبة والشهوات المهلكة، ويستعين عليها بهواها وإرادتها، فمنه يدخل عليها كل مكروه فما على النفوس بشيء هو أبلغ من هواها وإرادتها إليه وقد علم ذلك إخوانه من شياطين الإنس فلا يستعينون على الصورة الممنوعة منهم بشيء أبلغ من هواهم وإرادتهم، فإذا أعيتهم صورة طلبوا بجهدهم ما تحبه وتهواه ثم طلبوا بجدهم تحصيله، فاصطادوا تلك الصورة فإذا فتحت لهم النفس باب الهوى دخلوا منه فجاسوا خلال الديار فعاثوا وأفسدوا وفتكوا وسبوا، وفعلوا ما يفعله العدو ببلاد عدوه إذا تحكم فيها فهدموا معالم الإيمان والقرآن والذكر والصلاة وخربوا المساجد وعمروا البيع والكنائس والحانات والمواخير، وقصدوا إلى الملك فأسروه وسلبوه ملكه ونقلوه من عبادة الرحمن إلى عبادة البغايا والأوثان ومن عز الطاعة إلى ذلك المعصية، ومن السماع الرحماني إلى السماع الشيطاني ومن الاستعداد للقاء رب العالمين إلى الاستعداد للقاء إخوان الشياطين فبينا هو يراعي حقوق الله وما أمره به إذ صار يرعى الخنازير، وبينا هو منتصب لخدمة العزيز الرحيم إذ صار منتصبا لخدمة كل شيطان رجيم. والمقصود أن الملك قرين النفس المطمئنة والشيطان قرين الأمارة، وقد روى أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الآخر فليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وقد رواه عمرو عن عطاء بن السائب وزاد فيه عمرو قال: سمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئا فليحمد الله وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئا فليستغفر الله وليتعوّذ من الشيطان «1» . مقتضيات النفس المطمئنة والنفس الأمارة : النفس المطمئنة والملك وجنده من الإيمان يقتضيان من النفس المطمئنة التوحيد والإحسان والبر والتقوى والصبر والتوكل والتوبة والإنابة والإقبال على الله وقصر الأمل «2» والاستعداد للموت وما بعده، والشيطان وجنده يقتضيان من النفس الأمارة ضد ذلك، وقد سلط الله سبحانه الشيطان على كل ما ليس له ولم يرد به وجهه ولا هو طاعة له، وجعل ذلك إقطاعه فهو يستحث النفس الأمارة على هذا العمل والإقطاع ويتقاضى أن تأخذ الأعمال من النفس المطمئنة فتجعلها قوة لها فهي أحرص شيء على تخليص الأعمال كلها وأن تصير من حظوظها، فأصعب شيء على النفس المطمئنة تخليص الأعمال من الشيطان ومن الأمارة وتجعلها لله فلو وصل منها عمل واحد كما ينبغي لنجا به العبد ولكن أبت الأمارة والشيطان أن يدعا لها عملا واحدا يصل إلى الله كما قال بعض العارفين بالله وبنفسه: والله لو أعلم أن لي عملا واحدا وصل إلى الله لكنت أفرح بالموت من الغائب يقدم على أهله، وقال عبد الله بن عمر: لو أعلم أن الله تقبّل مني سجدة واحدة لم يكن غائب أحب إليّ من الموت (إنما يتقبّل الله من المتقين) «3» .   (1) كتاب الروح لابن القيم، ص 205، 206 (باختصار وتصرف يسير) . (2) انظر تفاصيل هذه الصفات بالموسوعة. (3) كتاب الروح لابن القيم، ص 206. الجزء: المقدمة صراع النفس الأمارة مع النفس المطمئنة : وقد انتصبت الأمارة في مقابلة المطمئنة فكل ما جاءت به تلك من خير ضاهتها هذه وجاءت من الشر بما يقابله حتى تفسده عليها فإذا جاءت المطمئنة بالإيمان والتوحيد جاءت هذه بما يقدح في الإيمان من الشك والنفاق وما يقدح في التوحيد من الشرك ومحبة غير الله وخوفه ورجائه، ولا ترضى حتى تقدم محبة غيره وخوفه ورجائه على محبته سبحانه وخوفه ورجائه، فيكون ما له عندها هو المؤخر وما للخلق هو المقدم، وهذا حال أكثر هذا الخلق، وإذا جاءت تلك بتجريد المتابعة للرسول جاءت هذه بتحكيم آراء الرجال وأقوالهم على الوحي، وأتت من الشبه المضلة بما يمنعها من كمال المتابعة وتحكيم السنة وعدم الالتفات إلى آراء الرجال، فتقوم الحرب بين هاتين النفسين والمنصور من نصره الله، وإذا جاءت تلك بالإخلاص والصدق والتوكل والإنابة والمراقبة جاءت هذه بأضدادها وأخرجتها في عدة قوالب وتقسم بالله ما مرادها إلّا الإحسان والتوفيق، والله يعلم أنها كاذبة وما مرادها إلّا مجرّد حظّها واتّباع هواها والتفلت من سجن المتابعة والتحكيم المحض للسنة إلى قضاء إرادتها وشهوتها وحظوظها، ولعمرو الله ما تخلصت إلّا من فضاء المتابعة والتسليم إلّا إلى سجن الهوى والإرادة وضيقه وظلمته ووحشته فهي مسجونة في هذا العالم وفي البرزخ في أضيق منه، وفي يوم الميعاد في أضيق منهما. خصائص وعجائب النفس الأمارة : ومن أعجب أمرها أنها تسحر العقل والقلب فتأتي إلى أشرف الأشياء وأفضلها وأجلّها فتخرجه في صورة مذمومة، وأكثر الخلق صبيان العقول أطفال الأحلام لم يصلوا إلى حد الفطام الأول عن العوائد والمألوفات فضلا عن البلوغ الذي يميّز به العاقل البالغ بين الخير فيؤثره والشر فيتجنّبه، فتريه صورة تجريد التوحيد التي هي أبهى من صورة الشمس والقمر في صورة التنقيص المذموم، وتريه هضم العظماء منازلهم وحطهم منها إلى مرتبة العبودية المحضة والمسكنة والذل والفقر المحض الذي لا ملك لهم معه ولا إرادة ولا شفاعة إلّا من بعد إذن الله، تريهم النفس السحارة (الأمارة) هذا القدر غاية تنقيصهم وهضمهم ونزول أقدارهم وعدم تمييزهم عن المساكين الفقراء فتنفر نفوسهم من تجريد التوحيد أشد النفار ويقولون أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ وتريهم تجريد المتابعة للرسول وما جاء به، وتقديمه على آراء الرجال في صورة تنقيص العلماء والرغبة عن أقوالهم وما فهموه عن الله ورسوله، وأن هذا إساءة أدب عليهم وتقدّم بين أيديهم وهو مفض إلى إساءة الظن بهم وأنهم قد فاتهم الصواب، وكيف لنا قوة أن نرد عليهم ونفوز ونحظى بالصواب دونهم؟ فتنفر من ذلك أشد النفار وتجعل كلامهم هو الحكم الواجب الاتباع وكلام الرسول هو المتشابه الذي يعرض على أقوالهم، فما وافقها قبلناه وما خالفها رددناه أو أولناه وتقسم النفس السحارة بالله إن أردنا إلّا إحسانا وتوفيقا أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم. وتريه صورة الإخلاص في صورة ينفر منها وهي الخروج عن حكم العقل المعيشي والمداراة والمداهنة التي بها اندراج حال صاحبها ومشبه بين الناس فمتى أخلص أعماله ولم يعمل لأحد شيئا تجنبهم وتجنبوه وأبغضهم الجزء: المقدمة وأبغضوه وعاداهم وعادوه وسار على جادة فينفر من ذلك أشد النفار وغايته أن يخلص في القدر اليسير من أعماله التي لا تتعلق بهم وسائر أعماله لغير الله. وتريه صورة الصدق مع الله وجهاد من خرج عن دينه وأمره في قالب الانتصاب لعداوة الخلق وأذاهم وحربهم، وأنه يعرض نفسه لما لا يطيق من البلاء وأنه يصير غرضا لسهام الطاعنين، وأمثال ذلك من الشبه التي تقيمها النفس السحارة والخيالات التي تخيلها، وتريه حقيقة الجهاد في صورة تقتل فيها النفس وتنكح المرأة ويصير الأولاد يتامى ويقسم المال، وتريه حقيقة الزكاة والصدقة في صورة مفارقة المال ونقصه وخلو اليد منه واحتياجه إلى الناس ومساواته للفقير وعوده بمنزلته، وتريه حقيقة إثبات صفات الكمال لله في صورة التشبيه والتمثيل فينفر من التصديق بها وينفّر غيره، وتريه حقيقة التعطيل والإلحاد فيها صورة التنزيه والتعظيم. وأعجب من ذلك أنها تضاهي ما يحبه الله ورسوله من الصفات والأخلاق والأفعال بما يبغضه منها، وتلبس على العبد أحد الأمرين بالآخر، ولا يخلص من هذا إلّا أرباب البصائر، فإن الأفعال تصدر عن الإرادات وتظهر على الأركان من النفسين الأمارة والمطمئنة فيتباين الفعلان في البطلان ويتشابهان في الظاهر، ولذلك أمثلة كثيرة منها المداراة والمداهنة فالأول من المطمئنة والثاني من الأمارة، وخشوع الإيمان وخشوع النفاق، وشرف النفس والتيه والحمية والجفاء، والتواضع والمهانة، والقوة في أمر الله والعلو في الأرض والحمية لله والغضب له، والحمية للنفس والغضب لها، والجود والسرف، والمهابة والكبر، والصيانة والتكبر، والشجاعة والجرأة، والحزم والجبن، والاقتصاد والشح، والاحتراز وسوء الظن، والفراسة والظن، والنصيحة والغيبة، والهدية والرشوة، والصبر والقسوة، والعفو والذل، وسلامة القلب والبله والغفلة، والثقة والغرة، والرجاء والتمني، والتحدث بنعم الله والفخر بها، وفرح القلب وفرح النفس، ورقة القلب والجزع، والموجدة والحقد، والمنافسة والحسد، وحب الرياسة وحب الإمامة والدعوة إلى الله، والحب لله والحب مع الله، والتوكل والعجز، والاحتياط والوسوسة، وإلهام الملك وإلهام الشيطان، والأناة والتسويف، والاقتصاد والتقصير، والاجتهاد والغلو، والنصيحة والتأنيب، والمبادرة والعجلة، والإخبار بالحال عند الحاجة والشكوى. فالشيء الوحيد تكون صورته واحدة وهو منقسم إلى محمود ومذموم، كالفرح والحزن، والأسف والغضب، والغيرة والخيلاء، والطمع والتجمل، والخشوع، والحسد والغبطة، والجرأة والتحسر، والحرص والتنافس، وإظهار النعمة، والحلف، والمسكنة، والصمت والزهد، والورع والتخلي، والعزلة والأنفة، والحمية والغيبة، وفي الحديث أن من الغيرة ما يحبها الله ومنها ما يكرهه فالغيرة التي يحبها الله الغيرة في الريبة، والتي يكرهها الغيرة في غير ريبة «1» ، وأن من الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما يكرهه، فالتي يحب الخيلاء في الحرب. وفي الصحيح أيضا لا حسد إلّا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطة على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها. وفي الصحيح أيضا أن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف «2» . وفيه أيضا من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من   (1) انظر صفة الغيرة. (2) انظر صفتي: الحسد والرفق وقد خرّجنا هذه الأحاديث في مظانها في هذه الصفات. الجزء: المقدمة الخير فالرفق شيء والتواني والكسل شيء فإن المتواني يتثاقل عن مصلحته بعد إمكانها فيتقاعد عنها، والرفيق يتلطف في تحصيلها بحسب الإمكان مع المطاوعة. وكذلك المداراة صفة مدح والمداهنة صفة ذم، والفرق بينهما أن المداري يتلطف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق أو يرده عن الباطل، والمداهن يتلطف به ليقره على باطله ويتركه على هواه فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النفاق، وقد ضرب لذلك مثل مطابق وهو حال رجل به قرحة قد آلمته فجاءه الطبيب المداوي الرفيق فتعرف حالها ثم أخذ في تليينها حتى إذا نضجت أخذ في بطها (شقها) برفق وسهولة، حتى أخرج ما فيها، ثم وضع على مكانها من الدواء والمرهم ما يمنع فساد الجرح ويقطع مادته، ثم تابع عليها بالمراهم التي تنبت اللحم ثم يذر عليها بعد نبات اللحم ما ينشف رطوبتها ثم يشد عليها الرباط، ولم يزل يتابع ذلك حتى صلحت، والمداهن قال لصاحبها لا بأس عليك منها، وهذه لا شيء فاسترها عن العيوب بخرقة ثم اله عنها، فلا تزال مدتها تقوى وتستحكم حتى عظم فسادها، وهذا المثل أيضا مطابق كل المطابقة لحال النفس الأمارة مع المطمئنة فتأمله، فإذا كانت هذه حال قرحة بقدر الحمصة، فكيف بسقم هاج من نفس أمارة بالسوء، هي معدن الشهوات ومأوى كل فسق وقد قارنها شيطان في غاية المكر والخداع يعدها ويمنيها ويسحرها بجميع أنواع السحر حتى يخيل إليها النافع ضارا والضار نافعا والحسن قبيحا والقبيح جميلا، وهذا لعمرو الله من أعظم أنواع السحر ولهذا يقول سبحانه فَأَنَّى تُسْحَرُونَ والذي نسبوا إليه الرسل من كونهم مسحورين هو الذي أصابهم بعينه، وهم أهله لا رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما أنهم نسبوهم إلى الضلال والفساد في الأرض والجنون والسفه وما استعاذت الأنبياء والرسل وأمراء الأمم بالاستعاذة من شر النفس الأمّارة وصاحبها وقرينها الشيطان إلّا لأنهما أصل كل شر وقاعدته ومنبعه وهما متساعدان عليه متعاونان «1» . فضيلة الاستعاذة من شر النفس الأمارة وقرينها : قال الله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ وقال وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وقال وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ وقال تعالى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ... قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ... فهذا استعاذة من قرينها وصاحبها وبئس القرين والصاحب، فأمر الله سبحانه نبيه وأتباعه بالاستعاذة بربوبيته التامة الكاملة من هاتين الخلتين العظيم شأنهما في الشر والفساد، والقلب بين هذين العدوين، لا يزال شرهما يطرقه وينتابه، وأول ما يدب فيه السقم من النفس الأمّارة من الشهوة وما يتبعها من الحب والحرص والطلب والغضب وما يتبعه من الكبر والحسد والظلم والتسلط يعلم الطبيب الغاش الخائن بمرضه فيعوده ويصف له أنواع للسموم والمؤذيات ويخيل إليه بسحره أن شفاءه فيها، ويتفق ضعف القلب بالمرض وقوة النفس الأمارة والشيطان ويتتابع إمدادهما، ويزينان له أن هذا نقد حاضر ولذة عاجلة، والداعي إليه يدعو من كل ناحية، والهوى ينفذ، والشهوة تهون، والتأسي بالأكثر والتشبه بهم والرضا بأن يصيبه ما أصابهم، فكيف يستجيب مع هذه القواطع وأضعافها لداعي الإيمان ومنادي الجنة إلّا من أمده الله بإمداد التوفيق وأيده برحمته وتولى حفظه وحمايته وفتح بصيرة قلبه فرأى سرعة انقطاع الدنيا وزوالها وتقلبها بأهلها وفعلها بهم وأنها في الحياة الدائمة كغمس أصبع في البحر بالنسبة إليه.   (1) الروح لابن القيم، ص 208، 209 (بتصرف واختصار يسير) . الجزء: المقدمة اعرف نفسك : النفس ومراحل الحياة الإنسانية : لذا إذا تدبرنا معنى كلمة النفس في اللغة العربية لوجدناها مرتبطة بمراحل حياة الإنسان منذ تكوينه ومستقره قبل ولادته، وعند ولادته، وبمراحل حياته المختلفة، ثم بلحظة مماته وبعثه. وهذه السلسلة المترابطة من المعاني لا انفصام لها ولا تتوافر هذه الصلة أو هذا الاتصال في أي لغة أخرى، فالإنسان يخلق في رحم أمه (ومن عجائب خلقه) أنه يعيش تسعة أشهر في الرحم بدون أن «يتنفس» . ثم تنفسه أمه: أي تلده، فهي إذا في حالة النفاس، وتسمّى الوالدة نفساء. والمنفوس هو المولود، وفي الحديث: «ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقيّة أو سعيدة» «1» . وفي اللحظة التي تلده أمه بقدرة القادر سبحانه وتعالى يستمد المنفوس «النفس» ويصبح قادرا على التنفس، وقالوا: سميّت النفس نفسا لتولّد النفس منها واتصاله بها، وكما ترون فإن جميع معاني هذه الكلمات مشتقة من كلمة «نفس» .. أي النفس الإنسانية. ولنتابع هذه التسلسل العجيب وهذه المعاني المترابطة، فما أن تولد هذه النفس وتتنفس حتى تصبح نفيسة، وكل شيء له خطر وقدر فهو نفيس، وإذا نفس الشيء ارتفع قدره وصار مرغوبا فيه، وقد رفع القرآن الكريم من شأن النفس وأهميتها فقال تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً «2» . وفي مجال الحياة فلكلمة النفس ومشتقاتها معاني عظيمة منها: النّفس: العظمة والكبر، والنّفس: العزة والهمة، والنفس: عين الشيء وكنهه وجوهره، ويعبر بها عن الإنسان جميعه «3» . بعد ذلك يبدأ مشوار الحياة مع سنّة الحياة وهي التنافس بين البشر، يقال: تنافسا ذلك الأمر وتنافسا فيه أي تسابقا وتراغبا فيه على وجه المباراة والمنافسة، وفي القرآن الكريم: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ «4» ، وفي التنافس والمنافسة لابد من فائز ومهزوم، فيقال لواحد: أنت في نفس من أمرك أي في سعة، وقد قيل: اعمل وأنت في نفس من أمرك أي فسحة وسعة قبل الهرم والأمراض والآفات، والتقط أنفاسه: استراح. ويقال: نفّس الله عنه كربته، أي فرّجها، كما يقال: اللهم نفّس عني، أي فرّج عني ووسّع عليّ، وفي الحديث: «من سرّه أن ينجّيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» «5» . أما المحروم الذي يرى الفائز فقد يكون في نفسه أثر ورغبة فيحسد ويقال له النّفوس: أي العيون الحسود لأموال الناس ليصيبها، ويقال أصابت فلان نفس، أي عين حاسدة، ويقال: نفس عليك فلان ينفس نفسا ونفاسة أي حسدك. والنفس: العين، والنافس: العائن، والمعيون: المنفوس. وفي الحديث «نهى عن الرقية إلّا في النملة والخمة والنّفس» «6» . أي الإصابة بالعين.   (1) مسلم ج 4 (حديث رقم 2647) . (2) المائدة/ 32. (3) انظر معاني كلمة النفس في اللغة، صفحة (ع) . (4) المطففين/ 29. (5) مسلم ج 3 (حديث رقم 1563) . (6) سنن أبي داود كتاب الطب، حديث 3888. الجزء: المقدمة هذه هي الأمور التي تحدث في مشوار الحياة، وعند نهاية المطاف يقال: خرجت نفس فلان، أي روحه. قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها «1» ، وقال سبحانه: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً «2» ، وقال تعالى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ «3» ، وعند البعث ولقاء رب العالمين تقول النفس المفرطة: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ «4» . وتأملوا قول الله عز وجل في وصف النفس الإنسانية أثناء الحياة وبعد الموت: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ. ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ. وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ. لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ «5» . علاقة النفس الإنسانية بالكون : إذا أردنا أن نعلم مدى تكريم الله عز وجل لهذه النفس التي اشتقت منها كافة المعاني السالفة الذكر فما علينا إلا أن نسأل أنفسنا كيف يكون وضع هذه الحياة وهذا الكون لو أن الله عز وجل أراد- وهو على كل شيء قدير- أن يخلق هذا الإنسان ويجعله قادرا على العيش على تنفس الهواء فقط بدون الحاجة إلى الطعام أو الشراب، بل يتغذى على تنفس الهواء فقط مثلما كان يعيش في رحم أمه بدون أن يأكل أو يتنفس من رئتيه. ولو عاش الإنسان تحت ظروف هذا الافتراض ماذا سيكون حال الدنيا والكون المحيط به؟ لنتدبر سويا قول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ «6» . في ظل ظروف هذا العالم الافتراضي نجد أنه لا حاجة لنا إلى غذاء وبالتالي لا حاجة إلى مزارع ولا مصانع غذاء ولا متاجر ولا مطاعم ولا مطابخ ولا ... ولا ... ، ولا وجدت حاجة لصيد أسماك البحر أو حيوانات البر أو طيور السماء وانقلب مفهوم الحياة رأسا على عقب واختلت موازين العمل واستجلاب المصلحة وانعدمت الحاجة إلى مواسم الزرع والحصاد وهجرة الطيور والأسماك وبالتالي يختل مفهوم الحياة من هنا يتضح لنا بجلاء معنى قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ «7» وعلاقة ذلك كله بدعوة الله عز وجل على لسان جميع الرسل للتأمل والتدبر والتفكر في آياته التي تؤدي إلى معرفة قدرته وعظمته ومن ثم الإيمان به وإخلاص العبادة له، سبحانه وتعالى هو القائل: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ «8» . إن لنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة في التفكّر في آلاء الله وتدبّر نعمه التي لا تحصى إذا كنا حقّا من الذين يستعملون عقولهم في تأمّل الدلائل الكونية، فقد روي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: لما نزلت هذه الآية على النبي صلّى الله عليه وسلّم قام يصلي، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي، فقال يا رسول الله: أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال: «يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا؟ ولقد أنزل الله عليّ الليلة آية إِنَّ فِي خَلْقِ   (1) الزمر/ 42. (2) الفجر/ 27- 28. (3) المدثر/ 38. (4) الزمر/ 56. (5) ق/ 16- 22. (6) الأنعام/ 95- 98. (7) القمر/ 49. (8) فصلت/ 53. الجزء: المقدمة السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ» ، ثم قال: «ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها» «1» . الجزء: المقدمة النفس الإنسانية ودورها في المجال الأخلاقي : للنفس الإنسانية دور بارز فيما يتعلّق بالأخلاق لأنها إما أن تساعد صاحبها على أن يكون من الأخيار وهي النفس المطمئنة، وإما أن تلومه على السيئات فتدفعه إلى التوبة والاستغفار، كما تلومه على عدم الإكثار من الحسنات وهذه هي النفس اللوامة، وإما أن تأمره بالشر وارتكاب المعاصي وتلك هي النفس الأمارة بالسوء، ولهذه المواقف الثلاث تأثير بالغ على تحلي الإنسان بالأخلاق الفاضلة أو الوقوع في براثن الرذيلة والاتصاف بسوء الخلق، والتناسب بين هذه الحالات الثلاث تناسب عكسي، فكلما قويت النفس المطمئنة التي ألهمها الله التقوى ضعفت النفس الأمارة بالسوء التي ألهمت الفجور، وبينهما النفس اللوامة «2» ، وهي تلك التي تلوم على ما فات، وتندم عليه، فتلوم على الشر لم فعلته؟ وتلوم على الخير لم لا تستكثر منه؟ ومن ثم تكون اللوامة: التي تلوم صاحبها باستمرار وهي بذلك صفة مدح، فإذا كانت كل من النفس المطمئنة والنفس الأمّارة تقومان بعملية التوجيه، فإن النفس اللوامة تقوم بعملية المراجعة والتقويم انطلاقا من الفطرة التي تستحسن الخير وتحث عليه، وهنا ندرك لماذا كانت القسمة ثنائية في قوله تعالى: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها فجعل للنفس قسمين فقط هما: التقية بأمر ربها، والفاجرة بإذن صاحبها، أما إذا نظرنا إلى طبيعة الإنسان وما منحه الله من عقل يميّز به بين الطيب والخبيث، وبين الحسن والرديء في ضوء الشرع، فقد زود الإنسان بقوة ثالثة تتولى عملية التوازن وتقوم بدور التصحيح، ألا وهي النفس اللوامة. [انظر الكشاف التوضيحي (10- 13 أ) ، وانظر كذلك خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية] . الدور الأخلاقي للنفس المطمئنة : أما النفس المطمئنة فإنها تأمر بالخير وتحض عليه، ويكون من نتيجة الالتزام بذلك تخلّق الإنسان بالأخلاق الطيبة في جميع علاقاته، وفي كل ما يصدر عن قلبه أو جوارحه أو لسانه، ففيما يتعلّق بعلاقته مع الله- عز وجل- نجد قلبه يعمر بالإيمان، والرضا، والتوحيد، والتقوى، والرجاء، والخوف، ونجد هذا القلب فيما يتعلق بالإنسان نفسه متصفا بالأمانة، والتأني، والتفاؤل، والحياء، والسكينة، والطمأنينة، أما فيما يتعلق بالغير فنجده ممتلئا بالسماحة والرحمة والرفق والمحبة ... ونحو ذلك. وإذا انتقلنا إلى مجال الأعمال الظاهرة أو أعمال الجوارح لوجدنا أعمال الإسلام من صلاة وصيام وحج، ووجدنا في النفس الاستقامة والطهارة وأكل الطيبات، وفيما يتعلّق بالغير نجد الإنسان متخلقا بالإحسان والإخاء والأدب والإنفاق والبر وحسن العشرة وحسن المعاملة وصلة الرحم وكفالة اليتيم والمروءة والمواساة ونحو ذلك.   (1) روي هذا الحديث بطرق مختلفة، وأصله في البخاري ومسلم، وقد أورده المفسرون عند تفسير الآية 19 من سورة آل عمران، انظر تفسير القرطبي 4/ 310، وتفسير ابن كثير 1/ 417، وقد ذكرنا الحديث بتمامه في الموسوعة 4/ 1070 فلينظر تخريجه هناك. (2) اختلف المفسرون اختلافا كبيرا في معنى النفس اللوامة، فقيل هي التي تلوم على الخير والشر، وروي عن مجاهد أنها التي تندم على ما فات (تفسير ابن كثير 4/ 477) ، وقال القرطبي: هي نفس المؤمن الذي لا تراه إلا يلوم نفسه، ويقول ما أردت كذا فلا تراه إلا يعاتب نفسه، وقد نقل القرطبي ذلك عن ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم، انظر تفسير القرطبي 19/ 93، وانظر ما نقلنا آنفا صفحة (ع ح) عن ابن القيم في تفسير معنى اللوامة وتقسيمه لها إلى: لوامة غير ملومة، ولوامة ملومة. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 76 ويخضع اللسان أيضا لتوجيه النفس المطمئنة فلا يصدر عنه فيما يتعلّق بالله- عز وجل- إلّا كل طيب كالابتهال والدعاء والاستخارة والاستغاثة والذكر وتلاوة القرآن، وفيما يتعلّق بالإنسان نفسه نجد صفات مثل كتمان السر وحفظ الأيمان ونحوهما، أما فيما يتعلّق بالغير فيتصف اللسان بالصدق والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبشارة والدعوة إلى الله- عز وجل- ونحو ذلك. [انظر الكشاف التوضيحي (4 أ، 4 ج) و (4 ب، 4 د) وما فيه من صفات أعمال العقل والقلب والجوارح واللسان وعلاقاتها مع الله ومع النفس ومع الغير] . الدور الأخلاقي للنفس الأمّارة: للنفس الأمارة بالسوء أيضا تأثيرها العظيم في مجال الأخلاق، إذ تحض على الشر، وعلى مخالفة أمر الله تعالى، وتتعاون مع الشيطان في النهي عن فعل الخير ولذلك وصفها المولى- عز وجل- بالفجور لخروجها عن أمر الله وما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم فإذا سلك الإنسان مسلكا متبعا هواه ونفسه الأمارة بالسوء جاء هذا السلوك قبيحا ويتسم بالنيّة السيئة وإرادة الشر، هذا منبع كل ما يصدر عن الإنسان قبيحا وسيئا سواء أكان ذلك من عمل القلب أو اللسان أو الجوارح. ففي مجال القلب نجد الشرك والكفر والإلحاد والجحود والعصيان.. إلخ. أما مع النفس فإننا نجد اتباع الهوى والغرور والكبر والعجب ونحوها من أمراض القلب، وكذلك الأمراض الاجتماعية من نحو الجفاء والغلظة والبغض والحسد والمكر والنقمة ونحوها. [انظر الكشاف التوضيحي (4 ب) إطار 1] . فإذا انتقلنا إلى الجوارح التي تأتمر بأمر هذه النفس الشريرة وجدنا ترك الصلاة والتهاون في أداء الجماعات والفسوق ونحوها، هذا مع الله- عز وجل-، أما مع الذات فإننا نجد التبذير والتبرج والتفريط والخنوثة والكسل وما أشبه ذلك، أما مع الغير فنجد الإجرام والإرهاب والأذى والإساءة والشح والطغيان ونحو ذلك مما تضمنته القائمة. انظر الكشاف التوضيحي (4 ب) إطار 2. وفيما يتعلّق بأعمال اللسان الذي استجاب لهذه النفس الأمّارة بالسوء فإننا نجد اللغو والمجاهرة بذكر المعصية ونحو ذلك، وفيما يتعلّق بالنفس فإننا نجد التكاثر والفخر ونحوهما، أما البلاء الأعظم فهو ينجم عن اللسان في حق الآخرين من نحو الإفك والبهتان وشهادة الزور والسخرية والاستهزاء والشماتة وإفشاء السر ونحو ذلك مما تضمنته القائمة [انظر الكشاف التوضيحي (4 ب) إطار 3. الدور الأخلاقي للنفس اللوامة : إن اتباع هوى النفس الأمارة بالسوء يؤدي حتما إلى الفشل والتشاؤم، وأما اتباع النفس المطمئنة فإنه يؤدي إلى النجاح والتفاؤل، [انظر الكشاف التوضيحي (12) ] ، ولكن ماذا بعد؟ أليست هناك إمكانية للموازنة والتصحيح وإعادة الإنسان إلى طبيعته الخيّرة؟ الجواب: نعم. وهنا يأتي دور النفس اللوامة التي تشكل صماما للوقاية وميزانا للتقويم، وقد تنجح هذه النفس عن طريق المجاهدة والمحاسبة والمراقبة في تصحيح وضع الفجور، فيعود الإنسان إلى الخير بالذكر والاستعاذة والتوبة والاحتساب ونحو ذلك مما تضمنته القائمة 13 أ، فإذا ذكر الله- عز وجل- واستعان الإنسان بالله تعالى واستعاذ من الوسوسة خنس الشيطان وهرب، وهنا يجد المرء نفسه عائدا إلى الله وفارّا إليه من هوى النفس والشيطان فيفعل المأمورات ويجتنب المنهيات ويعود عضوا صالحا في المجتمع. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 77 فإذا كانت النفس اللوامة أو ما يمكن أن نسميه بمراقبة الضمير ضعيفة ولا تستطيع مقاومة إغواء الشيطان فإن الإنسان يستمر في غيّه ويرتد أسوأ مما كان، فنشاهد منه الغضب والإحباط والعجلة والنسيان ونحو ذلك. هذا وللنفس اللوامة أيضا تأثيرها القوي على النفس المطمئنة لأنها تشكل خطّا ثانيا للدفاع عن اليقين الديني وتأمل دائما في المزيد من الخير، وهنا تكون النفس المطمئنة مدعومة بقوتين عظيمتين إحداهما: حفظ الملائكة والأخرى النفس اللوامة، أما القوة الأولى فتحفظ الإنسان من الغرور والمن بالطاعة ونحو ذلك من الموبقات، أما الثانية فإنها تدفع إلى؟ مزيد من الكمال وتحمي من التقصير ويكون من نتيجة ذلك اتجاه الطائع إلى الحمد والشكر والإحسان والإنفاق والبر ونحوها [انظر الكشاف التوضيحي (12 أ) ] . ونظرا لأهمية العلاقة بين النفس الإنسانية وقضية الابتلاء، فقد قمنا بمحاولة متواضعة توضح مدى التناسب العكسي بين قوى النفس الثلاث، النفس المطمئنة والنفس اللوامة من ناحية والنفس الأمارة. مدعومة بغواية الشيطان ورفقاء السوء. من ناحية أخرى [انظر خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية] . وتجسد خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية علاقة الابتلاء سواء أكان ابتلاء تكليف (طاعات/ معاصي) أو ابتلاء فتنة (سراء/ ضراء) بالنفس الإنسانية. ويكشف أيضا بين الصراع الدائم بين النفس المطمئنة والتي ألهمت التقوى، ومن ثم فهي تأمر بالخير وتحض عليه، والنفس الأمارة التي ألهمت الفجور، ومن ثم فهي تأمر بالشر وتغري به، وبينهما النفس اللوامة، وهي التي تقوم بدور المراقبة والمجاهدة والمحاسبة والتصحيح. ويلاحظ في هذه الخريطة أن التناسب عكسي بين قوة النفس الأمارة من ناحية، وقوة النفس المطمئنة واللوامة من ناحية أخرى فكلما قويت إحداهما ضعفت الأخرى. الابتلاء والقيم الخلقية : إن الابتلاء هو قاعدة حركة الحياة في معطيات الإسلام عن الحياة وعن الإنسان، ومن أجلها سخر كل ما في الكون له، ووجدت الرسالات وأرسلت الرسل، ووجدت إرادة الإنسان الحرة الفاعلة، الملتزمة بإعمار الأرض وبناء الحضارة على أسس خلقية لإسعاد الناس جميعا. إن عملية التربية الخلقية لها أصولها وقد بيّنا ذلك في الفصل الثاني من «الأخلاق والقيم التربوية في الإسلام» في هذه الموسوعة، سواء ارتدت في التفسير إلى بناء الفرد أو تأثير المجتمع، كما أن تنمية القيم الخلقية تعتمد على فطرة الإنسان وما زود به من استعدادات، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الإسلام يلفت نظرنا إلى أن النفس الإنسانية هي مناط التربية الخلقية، ويلفت نظرنا أيضا إلى أن هذه النفس تتسم بسمات متعددة مثل: الهوى، والشهوة، والحاجات، والدوافع، والشعور بالمشقة، والصبر، والضجر، والخوف والشجاعة، والشح والكرم، والحسد، والكبر والتواضع، والضيق، والتأثر البالغ بالأقوال والأفعال، والشعور بالحسرة والندم، والشك، والإدراك والوعي واليقين والفجور والتقوى، والعلم والجهل، والقدرة على إخفاء المشاعر، والاستعداد لاتخاذ القرار، والاستعداد لإدراك الموقف في كلية وشمولية واستيعاب وإعادة النظر في كل منها، والاستعداد للاستنتاج والتحليل والتفسير، وما إلى ذلك، مما يؤكد ضرورة التربية الخلقية لأن هذه النفس مرنة وتكتسب عمل الخير ليصبح سجية لها وكذلك عمل الشر ليصبح سجية وطبعا لها. ونظرا لأهمية عملية التدريب بالاختبار والتجربة بابتلاء النفس وتمحيص علاقاتها فإننا سنخص ذلك بدراسة مستقلة فيما يلي من صفحات. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 78 المجلد الأول الحياة الإيمانية في ضوء علاقة الابتلاء والنفس الإنسانية إعداد: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع إن الابتلاء وسيلة مهمة من وسائل التدريب العملي على ممارسة ما يعرف بالأخلاق العملية على أرض الواقع، ومن ثم فإنه يصقل الإنسان ويضبط انفعالاته، فهو محك يكشف عما في القلوب وهو وسيلة لاختبار رد فعل الإنسان وقدرته على التكيف مع المواقف المختلفة التي يمر بها في حياته، ومن المعروف أن هذه المواقف تختلف نوعا وكما، كما تختلف باختلاف الأشخاص والأعمار والأماكن وقوة الضغوط واستمراريتها، وهنا يكتسب- بالابتلاء- خبرة وتجربة ما كانت لتحدث لولا هذا الابتلاء، وليس من النادر أن يكسبه ذلك نوعا من الحكمة يتأسى بها طول حياته، كما أن فيه صقلا للطبع وتهذيبا للعاطفة وتنمية لحب الخير. إن المرء يعيش جميع لحظات حياته في حالة ابتلاء، إما بالخير وإما بالشر، إما بالطاعة وإما بالمعصية، كان علينا أن نبحث هذا الموضوع بحثا تفصيليا يتضح من خلاله أنواعه ومظاهره، مجالاته وغاياته، وعلاقته بكل من الفتنة والاختبار، ونأمل من اتخاذ هذا المنهج أن ننجح في توضيح أهمية العلاقة بين مفهوم الحياة والابتلاء وترابطها وتداخلاتها مع المعايير الفردية والاجتماعية التي تضبط حركة السلوك الإنساني في هذه الحياة، نعني بذلك ما أوردناه في هذه الموسوعة من الأخلاق المحمودة التي أمرنا باتباعها، والأخلاق المذمومة التي أمرنا باجتنابها، وقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة وخمسة فصول على النحو التالي: الفصل الأول: مفهوم الحياة- الابتلاء. الفصل الثاني: مجالات الابتلاء- أنواعه- مظاهره. الفصل الثالث: حكمة الابتلاء. الفصل الرابع: القيمة التربوية للابتلاء. الفصل الخامس: تعامل المسلم مع مواقف الابتلاء. إنه إذا كانت الآخرة دار حساب فإن الدنيا دار عمل وابتلاء، يقول سبحانه وتعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «1» ، فما هو الابتلاء والنفس الإنسانية؟ وما هي علاقتهما بالأخلاق بجانبيها المحمود والمذموم في هذه الحياة الدنيا ويوم الحساب؟ وما هذه الحياة الدنيا؟ وما المراد بالنفس؟ وما معنى الابتلاء وكيفيته؟ وهذا ما سوف نجيب عنه في الفصول التالية.   (1) الملك/ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 الفصل الأول مفهوم الحياة- الابتلاء لما كان الابتلاء علاقة تربط بين النفس الإنسانية وبين الحياة، كان لزاما علينا أن نوضح المقصود بهذه المفاهيم الأساسية في اللغة والاصطلاح، وأن نكشف عنها من منظور إسلامي، ونبدأ أولا ب:- الحياة الدنيا لغة: الحياة: نقيض الموت، والحيّ: نقيض الميت، والحيوان اسم يقع على كل شيء حيّ «1» ، أما الدنيا فهي نقيض الآخرة، سميت بذلك لدنوها أي لأنها دنت وتأخرت الآخرة، وكذلك السماء الدنيا هي القربى إلينا، وقيل: الدنيا اسم لهذه الحياة (سميت بذلك) لبعد الآخرة عنها «2» ، وقال الفيروزابادي: الحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان: الحياة الدنيا والحياة الآخرة «3» . الحياة الدنيا اصطلاحا: الدنيا أو الحياة الدنيا هي ذلك الحيز المكاني والزماني منذ خلق الله الكون وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهي بالنسبة للآدمي أو جنس الإنسان تمتد منذ خلق الله آدم عليه السلام وإلى أن تقوم الساعة، أما بالنسبة للأفراد أو الأشخاص فهي لا تعدو تلك الفترة الزمنية التي تمتد من لحظة الميلاد إلى لحظة الوفاة. والمقصود بها هنا: الزمن الذي يحدث فيه الابتلاء «4» ، أما مكانه فهو الأرض التي نحيا عليها، وقد وصف الله عز وجل هذه الدنيا بصفات عديدة نوجزها فيما يلي:- وصف الحياة الدنيا: الحياة الدنيا كما وصفها المولى عزّ وجلّ في القرآن الكريم ذات أحوال متعددة أهمها:- 1- ذات عمر قصير ومتاع قليل: يقول الله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ «5» . ويقول سبحانه: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا «6» . 2- دار لهو ولعب وزينة وتفاخر: تأمّل قوله سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ   (1) لسان العرب 2/ 1075 (ط. دار المعارف) . (2) السابق، (د ن و) 3/ 1435. (3) بصائر ذوي التمييز (2/ 512) ، وقد ذكر الفيروزابادي أن «الحياة» في القرآن الكريم تستعمل على ستة أوجه، وذكر منها: القوة النامية والقوة الحساسة، والقوة العاقلة، وارتفاع الغم، والحياة الآخروية الأبدية، والحياة التي يوصف بها الباري تعالى. انظر هذه الاستعمالات في المرجع المذكور ص 512- 514. (4) انظر: فلسفة التربية الإسلامية لماجد كيلاني 162. (5) الروم/ 55، وأنظر الآية 24 من سورة يونس، والآية 45 من سورة الكهف. (6) النساء/ 77، وانظر أيضا الآيات: 36، 126 من سورة البقرة، والآية 38 من سورة التوبة، والآية 24 من سورة لقمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ «1» . 3- دار غرور: كما جاء في قوله سبحانه: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ «2» . 4- دار ترف واستمتاع: يؤتيها الله عزّ وجلّ لمن يحب ولمن لا يحب، للمؤمن والكافر، يقول سبحانه: وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ «3» . 5- دار إغواء: الدنيا هي الميدان الذي يحاول فيه الشيطان (حسدا منه وكيدا) أن يغوي الإنسان بالشهوات الحسية والأهواء النفسية لمن لم يكن من عباد الله المخلصين، يقول الله تعالى: قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا* قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً* وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً «4» . 6- دار ضلال وطغيان لمن يفتن بها: يقول الله عزّ وجلّ في شأن أولئك المفتونين بالدنيا: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً «5» ، ويقول سبحانه في شأن الطغاة: فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى «6» . 7- دار خزي ولعنة للمعاندين: قال تعالى: فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «7» ، وقال سبحانه: وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ «8» . 8- دار لاكتساب الحسنات والمعيشة الطيبة لمن آمن وعمل صالحا: يقول الله تبارك وتعالى: قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ «9» . وقال عزّ من قائل: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «10» . 9- دار ابتلاء: وقد أجمل القرآن الكريم هذه السمات المتنوعة للحياة الدنيا عندما أشار إلى أنها دار ابتلاء فقال عزّ من قائل: بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ «11» ، وقال تعالى: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «12» .   (1) الحديد/ 20، وانظر أيضا الآيات: 32، 70 من سورة الأنعام، والآيات: هود/ 15، العنكبوت/ 64، محمد/ 36. (2) فاطر/ 5، وانظر أيضا الآية 33 من سورة لقمان. (3) المؤمنون/ 33، وانظر الآيات الأخرى الواردة في ذلك في: يونس/ 88، الكهف/ 46، القصص/ 79 الأحقاف/ 20. (4) الإسراء/ 62- 64. (5) الكهف/ 104. (6) النازعات/ 37- 39، وانظر أيضا الآيات: البقرة/ 96، إبراهيم/ 3، الأعلى/ 16. (7) الزمر/ 26. (8) القصص/ 42، وانظر أيضا الآيات: البقرة/ 85، الرعد/ 34، فصلت/ 16. (9) الزمر/ 10، وانظر في ذلك أيضا: البقرة/ 130، النحل/ 122. (10) النحل/ 97، وانظر أيضا: الأعراف/ 32. (11) الملك/ 1- 2. (12) الكهف/ 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 الحياة الأخرى: إذا كانت الحياة الدنيا دار ابتلاء وعمل، فإن الآخرة دار جزاء، وفيها تظهر نتيجة هذا الابتلاء ويلقى الإنسان جزاء ذلك العمل، يقول الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ 7، 8) ، وإذا كانت الدنيا دار فناء فإن الآخرة هي دار بقاء، وقد وصفها الله عز وجل بقوله: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت/ 64) ، يقول صاحب لسان العرب: والحياة اسم يقع على كل شيء حي، وسمّى الله عز وجل الآخرة حيوانا لأنها- كما يقول قتادة- هي الحياة الحقيقة، وقال الأزهري: المعنى أن من صار إلى الآخرة لم يمت ودام حيّا فيها لا يموت، فمن أدخل الجنة حيى فيها حياة طيبة، ومن أدخل النار فإنه لا يموت فيها ولا يحيى «1» . وقال القرطبي: إن المعنى هو أن الآخرة هي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا موت فيها «2» . الحياة الآخرة كما وصفها القرآن: وردت في القرآن الكريم صفات عديدة للحياة الآخرة منها: 1- هي الحياة الحقيقية، وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. (العنكبوت/ 64) . 2- هي دار القرار، إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (غافر/ 39) . 3- هي خير من الحياة الدنيا للمتقين. وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (الأنعام/ 32) ، قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى (النساء/ 77) . 4- هي دار العذاب والخسران للكافرين، أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (النمل/ 5) ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ* (المائدة/ 33) ، لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (النحل/ 109) . 5- دار تتفاوت فيها درجات الناس ومنازلهم. وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (الإسراء/ 21) . 6- دار مسئولية وجزاء. فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر/ 92، 93) ، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (الأعراف/ 180) ، أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (الفرقان/ 75) . علاقة الإنسان بالحياة الآخرة: وانطلاقا من هذه الصفة الأخيرة فإن علاقة الإنسان بالحياة الآخرة هي علاقة مسئولية عمّا قدمت يداه في الحياة الدنيا، وتعنى المسئولية هنا: أن كل إنسان سوف يسأل عن تفاصيل ما ابتلي فيه في الدنيا، وفي ضوء نجاحه أو فشله لتحمل هذه المسئولية يتقرر جزاؤه ومصيره «3» . فإما إلى جنة عرضها السماوات والأرض وإما إلى جهنم وساءت مصيرا.   (1) لسان العرب 2/ 1077 (ط. دار المعارف) . (2) تفسير القرطبي 13/ 362. (3) فلسفة التربية الإسلامية بتصرف يسير، ص 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 إن مسئولية الإنسان عن أعماله في الدنيا قد يستطيع الإفلات منها بطريقة ما، ولكن المسئولية في الدار الآخرة لا يمكن بحال إلا أن تكون سيفا بتّارا على أعناق الظالمين والطغاة. العلاقة بين المسئولية في الحياتين الدنيا والآخرة: لا شك أن هناك علاقة وثيقة بين المسئولية في الدارين لأن المسئولية الاجتماعية في الدنيا هي نتيجة لازمة لعلاقة المسئولية في الآخرة وتتطابق معها. وهي الحلقة التي تربط بين مواقف الإنسان في الدنيا والآخرة وتجعلهما طورين متعاقبين من الابتلاء والجزاء. والمسئولية الاجتماعية في الدنيا دوائر وميادين بعضها أكبر من بعض. وهي تبدأ بالفرد وتنتهي بالإنسانية كما يلي:- 1- مسئولية الفرد عن نفسه وعن ما منحه الله من قدرات عقلية وسمعية وبصرية وجسدية ونفسية ليستعملها فيما خلقت له طبقا لأوامر الله ونواهيه. 2- مسئولية الفرد عن أسرته وتشمل مسئولية الوالد عن الأبناء والبنات، ومسئولية الولد عن الوالدين، ومسئولية الزوجين كل عن الآخر. 3- مسئولية الأرحام بعضهم عن بعض. 4- مسئولية الفرد عن الأمة، ومسئولية الأمة عن الفرد فيما يزيد في تقدم الأمة ويحفظ مقدراتها وأمنها، وفيما يوفر للفرد العيش الكريم والأمن والاستقرار، ويتفرع عن هذه المسئولية فروع عديدة مثل مسئولية الحاكم عن الشعب، والقوي عن الضعيف، والغني عن الفقير. 5- مسئولية الجيل عن الأجيال اللاحقة في إعدادها لمتطلبات حياتها عقائديا واجتماعيا واقتصاديا وكل ما يساعدها على عبور مستقبلها بنجاح. 6- مسئولية الأمة عن الأمم. 7- مسئولية الإنسان عن المخلوقات باعتباره خليفة الله في الأرض، وأن المخلوقات كلها عيال الله وأحبها إلى الله أبرهم بعياله. وتتسع هذه المسئولية حتى تشمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد «1» . أما المسئولية في الآخرة فهي مسئولية فردية يتحمل فيها الإنسان بمفرده نتيجة عمله دون تأثير على الآخرين من حيث الثواب أو العقاب، يقول تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (النجم/ 39- 41) ، ومما لا شك فيه أن إضلال الآخرين أو هدايتهم يقع في إطار هذه المسئولية الفردية يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام مقررا ذلك: «من سنّ خيرا فاستن به كان له أجره، ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن سنّ شرّا، فاستن به كان عليه وزره، ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا» «2» .   (1) فلسفة التربية الإسلامية بتصرف يسير، ص 201 وما بعدها. (2) انظر في تخريج هذا الحديث الجزء الثاني من الموسوعة، ص 358. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 إن جوهر العلاقة بين النفس الإنسانية والحياة الدنيا هي علاقة ابتلاء وتمحيص وفتنة، وسنشير بإيجاز لمعنى كل من النفس والابتلاء والفتنة تمهيدا للحديث عن مظاهر هذا الابتلاء وأنواعه ونتائجه. الابتلاء والفتنة: لفظ «الابتلاء» مأخوذ من مادة (ب ل و) التي تدل على نوع من الاختبار من ذلك قولهم: بلي الإنسان وابتلاه الله أي اختبره، قال الشاعر: بليت وفقدان الحبيب بليّة ... وكم من كريم يبتلى ثمّ يصبر ويكون البلاء بالخير والشر، والله- عز وجل- يبلي العبد بلاء حسنا وبلاء سيئا، وذلك راجع إلى معنى الاختبار لأنه بذلك يختبر صبره وشكره، وبلوته تأتي أيضا بمعنى جزيته «1» ، وتأتي كذلك بمعنى استخبرته، يقال: بلوته فأبلاني أي استخبرته فأخبرني، والاسم من الابتلاء: البلوى والبلية والبلاء والجمع من ذلك: بلايا «2» ، وفي الحديث: «اللهم لا تبلنا إلّا بالتي هي أحسن» ويقال: أبلاه الله بلاء حسنا إذا صنع به صنعا جميلا، وقال ابن قتيبة: يقال: من الخير أبليته ومن الشر بلوته «3» ، وعقب على ذلك الرأي ابن منظور فقال: والمعروف (في اللغة) أن الابتلاء يكون بالخير وبالشر معا من غير فرق بين فعليهما ومن ذلك قوله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ «4» ، «5» ، وقال ابن بري: يأتي الابتلاء أيضا بمعنى الإنعام كما في قوله- عز من قائل-: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ «6» . أي إنعام بيّن، وقال تعالى في قصة سليمان عندما سخّر له من يأتيه بعرش بلقيس في طرفة عين: قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ «7» ، وفي الحديث: «من أبلي فذكر فقد شكر» قال ابن الأثير: الإبلاء «هنا» هو الإنعام والإحسان «8» . الابتلاء اصطلاحا: قال الكفوي: الابتلاء: التكليف في الأمر الشّاقّ، ويكون في الخير والشر معا، ولكنهم (عادة ما) يقولون: في الخير أبليته إبلاء وفي الشر: بلوته بلاء «9» . وقال المناوي: البلاء كالبلية: الامتحان، وسمي الغم بلاء لأنه يبلي الجسد «10» . وقال ماجد كيلاني: الابتلاء هو اختبار مدلول العبادة بمظاهرها الدينية والاجتماعية والكونية وهو المظهر العملي لعلاقة العبودية بين الله- عز وجل- والإنسان «11» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 292، والصحاح للجوهري 6/ 2285. (2) لسان العرب لابن منظور 1/ 355 (ط. دار المعارف) . (3) النهاية لابن الأثير (بتصرف) 1/ 155. (4) الأنبياء/ 35. (5) لسان العرب 1/ 355 (ط. دار المعارف) . (6) الدخان/ 33. (7) النمل/ 40. (8) النهاية لابن الأثير 1/ 155. (9) الكليات 1/ 29. (10) التوقيف ص 82. (11) ماجد كيلاني، فلسفة التربية الإسلامية ص 161 (بتصرف) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 هذا ويرتبط مفهوم الابتلاء بمفهوم آخر يتعلق به تعلقا شديدا وقد يرادفه أحيانا، ألا وهو مفهوم الفتنة، وسنعرض لهذا بإيجاز- فيما يلي. الفتنة لغة: الفتنة مصدر قولهم: فتنه يفتنه فتنا وفتنة، وهي مأخوذة من (ف ت ن) التي تدل على الابتلاء والاختبار، وأصل الفتن إحراق الشيء بالنار لتظهر جودته من رداءته «1» . الفتنة اصطلاحا: تعني الفتنة ما يبين به حال الإنسان من الخير والشر «2» . وقال المناوي: الفتنة: البلية وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة «3» . وقال ماجد كيلاني: الفتنة هي الامتحان أو الاختبار المذهب للعقل أو المال أو المضل عن الحق «4» . أنواع الفتنة: يقول ابن القيم: الفتنة نوعان: فتنة الشبهات. وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد. وقد ينفرد بإحداهما. أما النوع الأول وهو فتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى. وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم. وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب. وتارة من غرض فاسد وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة. ولا ينجى من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في كل أمور الدين ظاهرة وباطنة. أما النوع الثاني من الفتنة ففتنة الشهوات. وقد جمع سبحانه بين الفتنتين في قوله: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ «5» . أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق هو النصيب المقدر ثم قال: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا «6» . فهذا الخوض بالباطل، وهو الشبهات. فأشار- سبحانه- في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح. فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق العمل. فالأول: فساد من جهة الشبهات والثاني: من   (1) انظر صفة الفتنة. (2) التعريفات للجرجاني ص 171. (3) التوقيف على مهمات التعاريف ص 257. (4) فلسفة التربية الإسلامية ص 184. (5) التوبة/ 69. (6) التوبة/ 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 جهة الشهوات ولهذا كان السلف يقولون «احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه» . قال تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً «1» . وكانوا يقولون «احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون» . وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل. فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة، ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ «2» . فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. وبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة «3» . الفرق بين الفتنة والابتلاء والاختبار: الفرق بين الفتنة والاختبار: هو أن الفتنة أشد الاختبار وأبلغه، ويكون في الخير والشر ألا تسمع قوله تعالى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ* «4» . وقال تعالى: لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ «5» . فجعل النعمة فتنة لأنه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذهب إذا أريد المبالغة في تعرف حاله أدخل النار، والله تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير والشر وإنما المراد بذلك شدة التكليف. أما الفرق بين الاختبار والابتلاء: فهو أن الابتلاء عادة لا يكون إلا بتحميل المكاره والمشاق. والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب ألا ترى أنه يقال اختبره بالإنعام عليه ولا تقول ابتلاه بذلك ولا هو مبتلى بالنعمة كما قد يقال إنه مختبر بها ويجوز أن يقال: إن الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطاعة والمعصية، والاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك، والخبر العلم الذي يقع بكنه الشيء وحقيقته فالفرق بينهما بين. والفتنة تأتي أيضا بمعنى الابتلاء كما في قوله تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ «6» .   (1) الفرقان/ 20. (2) السجدة/ 24. (3) ابن القيم، إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (2/ 160- 161) . (4) التغابن/ 15. (5) الجن/ 16- 17. (6) العنكبوت/ 1- 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الفصل الثاني مجالات الابتلاء.. أنواعه.. مظاهره ينقسم الابتلاء عدة انقسامات باعتبارات مختلفة، فإذا نظرنا إلى الابتلاء من حيث المادة التي يحصل بها من نحو الأموال والأنفس والثمرات وجدنا له مجالات عديدة، وإذا نظرنا إليه من حيث الأشخاص أو الجماعات أو الأمم وجدنا له أنواعا مختلفة، فإذا تجاوزنا ذلك إلى الشكل الذي يتشكل فيه من نحو السراء أو الضراء، من حيث الطاعة أو المعصية وجدنا له مظاهر متباينة، وسوف نتناول هذه الأقسام المتنوعة فيما يلي:- أولا: مجالات الابتلاء: سبق أن ذكرنا أن الدنيا هي دار ابتلاء، إذ هي بمثابة القاعة (أو الساحة) التي يجري فيها الاختبار، وهي أيضا الزمن المقرر لهذا الاختبار، أما مجالات هذا الاختبار، ومواد ذلك الامتحان، فتتلخص فيما على هذه الأرض من ثروات ومنتجات وزينة وما يجري فوقها من عمران، يقول الله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «1» . وإضافة إلى ذلك فإن الابتلاء يكون أيضا في مجال الأنفس من نحو الصحة والسقم، والقوة والضعف، والسعادة والشقاوة، كما يكون في الأموال من نحو الفقر والغنى، والعوز والرفاهية، وقد أشار المولى- عز وجل- إلى المجالين جميعا فقال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «2» ، وقال عزّ من قائل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ «3» . ويلحق بالأموال ويتبعها كل ما يشابهما من الجاه والسلطان والممتلكات العقارية ونحو ذلك، أما الأنفس فيلحق بها ما يصيب الإنسان في أبنائه أو أقاربه أو أحبائه من نحو الصحة والمرض، والحياة والموت، والنجاح والفشل وما أشبه ذلك. ثانيا: أنواع الابتلاء: للابتلاء- بالنسبة لمن يقع عليه- أنواع عديدة أهمها: 1- الابتلاء التكليفي، ونعني به: الابتلاء على مستوى الإنسان بوجه عام، ويمكن أن نطلق عليه ابتلاء التكليف وحمل الأمانة، إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا «4» ،   (1) الكهف/ 7. (2) آل عمران/ 186. (3) البقرة/ 155. (4) الأحزاب/ 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وقد أشارت إلى هذا الابتلاء التكليفي أيضا الآيتان الكريمتان وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «1» . وقوله سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ «2» . أي أن الابتلاء والاختبار هو في (المقدرة على حسن العمل) وقد جاء في تفسير القرطبي أن معنى «أحسن عملا» أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله، ولهذا لا يكون العمل مقبولا إلا مع الإخلاص وموافقة السّنّة، وقيل: معنى لِيَبْلُوَكُمْ أي ليعاملكم معاملة المختبر، أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره، وبالحياة ليبين شكره، وقيل: خلق الله الموت للبعث والجزاء، وخلق الحياة للابتلاء، وعلى ذلك فالابتلاء يتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت «3» . 2- الابتلاء الشخصي: ويراد به: ما يصيب الإنسان في نفسه أو فيمن حوله من أفراد أسرته من السّرّاء والضّرّاء، وإلى هذا النوع من الابتلاء أشارت الآية الكريمة إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً* إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً «4» ، وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ «5» ، وقال سبحانه: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ «6» . 3- الابتلاء الاجتماعي (ابتلاء الناس بعضهم ببعض) : المقصود بهذا النوع من الابتلاء: أن يبتلي الله الناس بعضهم ببعض، وذلك إما برفع بعضهم فوق بعض درجات مصداقا لقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ «7» ، وإما بالتفاوت فيما بينهم في حظوظ الحياة الدنيا من الرفعة والضعة، أو الغنى والفقر وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ «8» ، وقال عزّ من قائل: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ «9» . إن الابتلاء هنا يشمل الصنفين جميعا أي المفضّلون (الأغنياء) ، والمفضّل عليهم (الفقراء) ذلك أن الغنى- ما لم يعتصم بالإيمان- يريد زيادة غناه على حساب الفقير بلجوئه إلى الكنز، واستسلامه لغريزة الأنانية، وحب التكاثر والطمع، وينقاد للظلم والفساد أحيانا، وينسى حق الله في ماله فلا يعطف على فقير أو مسكين، ويقسو قلبه ولا يتصف بالرحمة أو الإنصاف في حالات أخرى، أما الفقير- ما لم يتمسك بأهداب التقوى ويصبر على البلوى- فإنه قد يحتال لفقره بالكذب والنفاق ويلجأ إلى زخرف القول ويسعى في الأرض فسادا ليهلك الحرث   (1) هود/ 7. (2) الملك/ 2. (3) تفسير القرطبي (بتصرف يسير) 18/ 207. (4) الإنسان/ 2- 3. (5) البقرة/ 155. (6) آل عمران/ 154. (7) الأنعام/ 165. (8) الشورى/ 27. (9) النحل/ 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 والنسل، وقد سجّل القرآن الكريم الحالتين جميعا. يقول سبحانه عن الحالة الأولى (في قصة داود عليه السلام) : إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ* قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ* فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ «1» . وهنا أيضا يظهر نوع من الابتلاء بالنسبة للحكام الذين يختبرون بتنفيذ شرع الله تعالى والدعوة إلى دينه وإقامة حدوده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ «2» . ويقول سبحانه: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ «3» ، وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «4» . أما الحالة الثانية فيصورها القرآن أروع تصوير عندما حذّرنا من المنافقين الذين يظهرون المودة بالكلام المعسول والحديث المنمق إذا كانوا معك، فإذا تولوا عنك سعوا في الأرض فسادا وتخريبا، يقول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ* وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ «5» . وقد أوضح القرآن الكريم أن الله عزّ وجلّ قادر على أن ينصر أولياءه على أعدائه من دون مجاهدة ولكن لم يفعل حتى يتحقق هذا الاختبار وذلك الابتلاء، فيظهر به عدوان الظالمين وطغيانهم، وصبر الصابرين وتحملهم لمشاق مجاهدتهم، قال تعالى: وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ «6» ، ولم يفلت من هذا الابتلاء حتى أنبياء الله- صلوات الله عليهم أجمعين- وقد سجّلت هذا الآية الكريمة وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ «7» . وقد أجملت كل هذه الأنواع من الابتلاء وذلك الافتتان وكشفت عن حكمته المتمثلة في الصبر على كل أنواع الأذى التي تلحق بعض الناس، الآية الكريمة: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً «8» . 4- الابتلاء الجماعي أو الأممي: ويتمثل ذلك فيما يصيب الأمة أو الجماعة بأسرها من رغد العيش أو ضيقه، من اعتدال المناخ أو قسوته،   (1) ص/ 23- 25. (2) المائدة/ 42. (3) المائدة/ 48. (4) الأنعام/ 165. (5) البقرة/ 204- 205. (6) محمد/ 4. (7) الأنعام/ 112. (8) الفرقان/ 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ويشمل أيضا ما يصيب الأمم من نحو الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير وما أشبه ذلك من الابتلاءات التي لا يقتصر أثرها على فرد دون آخر أو جماعة دون سواها، وقد أشار المولى عز وجل إلى سبب هذا النوع من الابتلاء بقوله: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ* ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1» ، وقوله سبحانه: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ «2» . ومن أسباب ظهور هذا الابتلاء الذي قد يتمثل في فساد المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن، ما يقترفه الناس من المعاصي وما يرتكبونه من الآثام، يقول الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ «3» . جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أن المعنى: ظهرت المعاصي في البر والبحر فحبس الله عن الناس الغيث وأغلى سعرهم ليذيقهم عقاب بعض الذي عملوا «4» ، وقيل: المعنى أن الله يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختبارا منه لهم ومجازاة على صنيعهم لعلهم يرجعون عن المعاصي «5» . وقد حذرنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من موجبات هذا النوع من الابتلاء فيما يرويه عنه عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- حيث قال: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوجهه فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله عز وجل في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم» «6» . ثالثا: مظاهر الابتلاء: 1- الابتلاء بالضراء أو الشر: وهو الذي يراد بالابتلاء أو الفتنة عند الإطلاق، وقد تخفى حكمة هذا النوع على الكثيرين، إذ قد يراد به اختبار الصدق في الإيمان، والصبر على الجهاد في سبيل الله «7» ، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ «8» ، وقال سبحانه: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ   (1) الأنفال/ 51- 53. (2) هود/ 117. (3) الروم/ 41. (4) تفسير القرطبي (14/ 41) . (5) تفسير ابن كثير (3/ 445) . (6) ابن ماجة (4019) ، وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به، ورواه أيضا الحاكم في المستدرك (4/ 540) ، وقال صحيح، ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 1321) ، وانظر صفات: الفحش- الزنا- التطفيف. (7) انظر صفات: الشكر، الحمد. (8) محمد/ 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ «1» ، وقد يراد به التمهيد والتدريب على التمكين في الأرض، نظرا لما يعقب هذا الابتلاء من الصبر في الشدائد «2» وتحمّل المشاق، واليقين بأن لله تعالى حكمة في كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر، قال تعالى: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ «3» ، وقد أخبر المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أن جزاء الصابرين على الابتلاء بالضراء هو الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: «يقول المولى عز وجل: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة» يريد عينيه، وقال عليه الصلاة والسلام: «من ابتلى بشيء من البنات فصبر عليهن كنّ له حجابا من النار» «4» . وإلى هذا المظهر من مظاهر الابتلاء أشارت الآية الكريمة: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «5» . 2- الابتلاء بالمعاصي أو السيئات: وهذا المظهر لا يقل عن سابقيه من حيث خطره وتأثيره في حياة الأمم أو الأفراد، وقد كان آدم أبو البشر هو أول من تعرض لهذا النوع من الابتلاء عند ما أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها. وقد سجل القرآن الكريم هذه الواقعة في قوله سبحانه: وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ «6» . وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى ثمرة هذا الابتلاء عندما قال: لو لم تكن التوبة أحبّ إلى الله لما ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه (آدم عليه السلام) فالتوبة هي غاية كل كمال آدمي وقد كان كمال أبينا آدم عليه السلام بها «7» . 3- الابتلاء بالسراء أو الخير: يبتلى الإنسان على المستوى الشخصي بالنعماء أو الخير فتنة وتمحيصا، وذلك بأن يعطيه الله المال والجاه أو العافية والمنصب والأولاد ونحو ذلك، وهذا المظهر من أهم مظاهر الابتلاء نظرا لما يعقبه من شكر للنعمة أو كفر بها، قال تعالى فيما يحكيه القرآن عن سيدنا سليمان قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ «8» ، وشكر النعمة يعقبه زيادتها، أما كفرانها فإنه يورث الطغيان والكبر   (1) العنكبوت/ 2- 3. (2) انظر صفات: الصبر، الرضا. (3) السجدة/ 24. (4) انظر في تخريج هذين الحديثين، الحديث 15، 31 في صفة الصبر. (5) آل عمران/ 186. (6) البقرة/ 35- 36. (7) مفتاح دار السعادة 1/ 286، وانظر صفة التوبة في هذه الموسوعة، وقارن ب «حكمة الابتلاء بالمعاصي» . (8) النمل/ 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 والعجب والخيلاء ونحو ذلك من أمراض القلوب، وقد حذّرنا المولى سبحانه من عاقبة النعماء، خاصة إذا تعلّق الأمر بالأموال والأولاد أو الأزواج، فقال عزّ من قائل: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ «1» ، وقال سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ «2» . وقد أجملت الإشارة إلى النوعين جميعا (الابتلاء بالشر والابتلاء بالخير) الآية الكريمة: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ «3» . 4- الابتلاء بالطاعات: كما يبتلى الإنسان بالمعصية لتتاح له فرصة التوبة والاستغفار ونحو ذلك، فإنه يبتلى أيضا بالطاعات ليشكر ربه على ما هداه إليه، وإلى هذا أشارت الآيات الكريمة وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ «4» . وقد أشارت إلى هذين النوعين من الابتلاء (الابتلاء بالمعصية أو السيئات، والابتلاء بالطاعة أو الحسنات) الآية الكريمة: وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ «5» . وقد ضرب القرآن الكريم في قصة ابني آدم (قابيل وهابيل) أروع مثلين للابتلاء بالطاعة والمعصية، حيث كان أحدهما يمثل أقصى حالات الطاعة والتقوى، والآخر يمثل أقصى حالات المعصية المتمثلة في القتل، تأمل قوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ «6» . ابتلاء التكليف وابتلاء الفتنة: وبالتمعن في هذه المظاهر الأربعة للابتلاء فإنه يمكن إرجاعها إلى مظهرين اثنين: الأول: ابتلاء التكليف ويشمل الابتلاء بالحسنات أو السيئات، بالطاعات أو المعاصي، يقول الله تعالى فيما يتعلق بهذا النوع الأول: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً* إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً «7» ، والآخر: ابتلاء الفتنة، ويشمل الابتلاء بالسراء أو الضراء، يقول الله تعالى في هذا النوع: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ «8» .   (1) الأنفال/ 28. (2) التغابن/ 14- 15. (3) الأنبياء/ 35. (4) الصافات/ 104- 106. (5) الأعراف/ 168. (6) المائدة/ 27- 30. (7) الإنسان/ 2- 3. (8) الأنبياء/ 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الفصل الثالث حكمة الابتلاء نتحدث في هذا الفصل والذي يليه عن أمرين يرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا: الأمر الأول: يتعلق بمحاولة البحث عن حكمة الله عز وجل في الابتلاءات المختلفة وذلك على قدر ما تشير إليه الآيات الكريمة، أو ترشد إليه الأحاديث الشريفة، أو توحي به قصص الابتلاء العديدة التي تضمنتها آي الذكر الحكيم أو أحاديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. أما الأمر الثاني: فهو محاولة جادة للإفادة من الابتلاء فيما يتعلق بالعملية التربوية وذلك على قدر ما تسعف به أصول علم التربية، كما أقرها المختصون في هذا النوع المهم من فروع الدراسة، وقد أطلقنا على هذا النوع الثاني: القيمة التربوية للابتلاء، وإذا كانت حكمة الابتلاء تتعلق بالجانب النظري فإن القيمة التربوية ذات جانب عملي وتطبيقي، من حكم الابتلاء نستلهم عبر الماضي، ومن القيمة التربوية نعد العدة لبناء جيل صلب قوي ثابت على صراط الله المستقيم في المستقبل. حكمة الله- عز وجل- في الابتلاء: من أسماء الله- عز وجل- «الحكيم» ولهذا الاسم كما لغيره من الأسماء الحسنى آثار في الخلق تترتب عليه، ومن مقتضى ذلك أن تكون أفعاله- سبحانه وتعالى-، وما يجري به قضاؤه وقدره لا يخلو من الحكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، وسنحاول هنا أن نتأمل بعض- وليس كل- أسرار الابتلاء بأنواعه المختلفة. أولا: حكمة الابتلاء بالضراء أو الشر: للابتلاء بالضراء أو الشر حكم عديدة نشير إلى أهمها فيما يلي: أ- تقوية الإيمان بالقضاء والقدر: يقول الشيخ محمد بن عثيمين: على الإنسان أن يؤمن بقضاء الله وقدره، قال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ «1» ، ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ «2» . وعلى المسلمين أن يؤمنوا بمشيئة الله في عموم ملكه فإنه ما من شيء في السماوات أو في الأرض إلا وهو ملك لله عز وجل: مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «3» ، وما من شيء في ملكه إلا وهو بمشيئته وإرادته فبيده الملك، وبيده مقاليد السماوات والأرض، ما من شيء يحدث من رخاء وشدة، وخوف   (1) الحج/ 70. (2) الحديد/ 22. (3) المائدة/ 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وأمن، وصحة ومرض، وقلة وكثرة، إلا بمشيئته سبحانه وتعالى. هو سبحانه خالق الإنسان ومدبره، فللإنسان عزيمة وإرادة، وله قدرة وعمل، والذي أودع فيه تلك العزيمة وخلق فيه القدرة هو الله عز وجل ولو شاء لسلبه الفكر فضاعت إرادته، ولو شاء لسلبه القدرة فما استطاع العمل. إن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة لا يتم الإيمان إلا به، لكنه ليس حجة للإنسان على فعل معاصي الله أو التهاون بما أوجب الله، وجه ذلك أنّ الله أعطاك عقلا تتمكن به من الإرادة، وأعطاك قدرة تتمكن بها من العمل فلذلك إذا سلب عقل الإنسان لم يعاقب على معصية، ولا ترك واجب، وإذا سلب قدرته على الواجب لم يؤاخذ بتركه. إن الاحتجاج بالقدر على المعاصي أو ترك الواجبات حجة داحضة باطلة أبطلها الله في كتابه ويبطلها العقل والواقع «1» . أبطلها الله في كتابه فقال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ «2» . ب- الابتلاء جسر يوصل إلى أكمل الغايات: يقول ابن القيم- رحمه الله-: إذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته وجدت أنه ساقهم به إلى أجلّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة، فصورته صورة ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان، فتأمل حال أبينا آدم عليه السلام وما آلت إليه محنته من الاصطفاء والاجتباء والتوبة والهداية ورفعة المنزلة، ولولا تلك المحنة التي جرت عليه وهي إخراجه من الجنة وتوابع ذلك لما وصل إلى ما وصل إليه «3» . ج- الابتلاء وسيلة للتمكين في الأرض: قيل للشافعي- رحمه الله- يا أبا عبد الله، أيهما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلى؟ (أي بالضراء) ، فقال الشافعي: لا يمكّن حتى يبتلى، فإنّ الله تعالى ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا- صلوات الله عليهم أجمعين- فلما صبروا (على الابتلاء) مكّنهم «4» . د- تمحيص المؤمن وتخليصه من الشوائب المنافية للإيمان: إن المصائب التي تصيب الناس في أنفسهم أو في أرزاقهم، أو غير ذلك مما يتصل بهم مما يسرهم الكمال فيه ويؤلمهم النقص منه، تكمن حكمتها في التمحيص الناتج عن هذا الابتلاء والامتحان، يقول الله تبارك وتعالى:   (1) الضياء اللامع للشيخ محمد بن صالح عثيمين ص 349. (2) النساء/ 165. (3) مفتاح دار السعادة 1/ 299. (4) الفوائد لابن القيم ص 283. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «1» . فالبلايا والمحن محك يكشف عما في القلوب وتظهر به مكنونات الصدور، ينتفي بها الزيف والرياء، وتنكشف الحقيقة بكل جلاء.. تطهير لا يبقى معه زيف ولا دخل، وتصحيح لا يبقى فيه غبش ولا خلل، إن الشدائد والنوازل تستجيش مكنون القوى وكوامن الطاقات. وتتفتح بها في القلوب منافذ ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا حين تعرض للابتلاء، وعند الحوادث يتميز الغبش من الصفاء والهلع من الصبر، والثقة من القنوط «2» . فالابتلاء قد يقتضي في بعض أشكاله أن يكون بالمصيبة وبما تكره النفوس «3» ، وتحمّل المؤمن مصائب الامتحان الإلهي بصبر وصدق مع الله ورضا بقضائه وقدره؛ هو من أفضل أعماله الصالحة، التي يكتب الله له بها أجرا عظيما وثوابا جزيلا. قال الله تعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «4» ، إن هذه الضراء ليست هي خاتمة المطاف، وسرعان ما تنقشع وتزول، يقول الله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً «5» . فهذه مصائب امتحان، وهي في سبيل الله، وتحملها والصبر عليها من صالحات الأعمال «6» . هـ- الردع والتحذير من الغرور: إنّ العقوبة العاجلة على ما اقترفه الإنسان أو الجماعة أو الأمة من معاص تقتضي حكمة المولى- عز وجل- أن تعجل عقوبتها حيث إن فيها ردعا وتحذيرا وعبرة، لهم ولغيرهم من الأفراد والجماعات، وقد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ «7» . وقوله عز من قائل: وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ «8» ، وقال سبحانه: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ «9» .   (1) آل عمران/ 140- 142. (2) توجيهات وذكرى، للشيخ الدكتور صالح بن حميد، ص 240- 240 (بتصرف) . (3) انظر صفات: الصبر والمصابرة، ومجاهدة النفس. (4) التوبة/ 120- 121. (5) الشرح/ 5- 6. (6) الأخلاق الإسلامية للميداني 2/ 480- 481. (7) الأعراف/ 163. (8) الأعراف/ 165. (9) الأنعام/ 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 و الرحمة بالعصاة والتخفيف عنهم يوم القيامة: من حكمة الابتلاء بالعقوبة أن يعجل الله للمذنب عقوبته فتأتيه في الدنيا تخفيفا عنه يوم القيامة، يقول الله- عز وجل-: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «1» . قال علي- رضي الله عنه-: هذه أرجى آية في كتاب الله عز وجل، وإذا كان يكفّر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه!! وقد روي عنه مرفوعا قوله- رضي الله عنه-: «ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها النبي صلّى الله عليه وسلّم: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ، يا علي، ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثنّى عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه «2» . وعن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» «3» . وقال ابن عون: إن محمد بن سيرين لما ركبه الدّين اغتم لذلك، فقال: إني لأعرف هذا الغم، هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة. وقال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفره له إلا بها، أو لينال درجة لم يكن يوصله إليها إلا بها «4» . ز- إقامة حجة العدل على العباد: يقول ابن القيم- رحمه الله-: «ومنها (أي من الحكم في الابتلاء بالضراء) إقامة حجة عدله عز وجل على عبده ليعلم هذا العبد أن لله عليه الحجة البالغة، فإذا أصابه من المكروه شيء فلا يقول: من أين هذا؟ ولا من أين أتيت؟ ولا بأي ذنب أصبت؟ وما نزل بلاء قط إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة «5» . ثانيا: حكمة الابتلاء بالذنوب أو المعاصي: قد يتساءل كثيرون عن حكمة وقوع المعاصي وما يترتب عليها من الابتلاءات، وربما خطر في بالهم السؤال الآتي: ألم يكن المولى- عز وجل- بقادر على أن يمنع هذه المعاصي فلا تقع أصلا؟ وعن هذا التساؤل أجاب ابن القيم باستفاضة، وفصّل أنواع الحكمة الإلهية التي اقتضت وقوع الذنوب أو المعاصي.   (1) الشورى/ 30. (2) تفسير القرطبي 16/ 31، وقد روى نحوه الترمذي عن بلال بن أبي بردة وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. انظر سنن الترمذي، حديث 3252. (3) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، انظر سنن الترمذي، حديث رقم (2507) . (4) تفسير القرطبي 16/ 31. (5) مفتاح دار السعادة 1/ 287. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ويمكن تقسيم هذه الحكم العظيمة والمنح الجليلة في ثلاثة أمور: 1- إصلاح علاقة العبد بربه عز وجل. 2- إصلاح علاقة العبد بنفسه. 3- إصلاح علاقة العبد بالآخرين. الأول: إصلاح علاقة العبد بربه عز وجل: يتجلى ذلك بوضوح فيما يلي:- أ- التوبة وصولا إلى الكمال البشري: قال بعض العارفين: لو لم تكن التوبة أحب إلى الله لما ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه (الإنسان) فالتوبة هي غاية كل كمال آدمي، ولقد كان كمال أبينا آدم عليه السلام بها، فكم بين حاله وقد قيل له: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى «1» . وبين حاله وقد أخبر عنه المولى بقوله: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى «2» . فالحال الأولى حال أكل وشرب وتمتع، والحال الثانية حال اجتباء واصطفاء وهداية، ويا بعد ما بينهما، ولما كان كماله (آدم) بالتوبة كان كمال بنيه بها أيضا، ذلك أن كمال الآدمي في هذه الدار إنما يكون بالتوبة النصوح، وفي الآخرة بالنجاة من النار، وهذا الكمال الأخير مرتب على الكمال الأول، قال ابن القيم- رحمه الله تعالى-: التوبة هي حقيقة دين الإسلام، والدين كله داخل في مسمى التوبة، وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله. فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين «3» . وإنما يحب الله من فعل ما أمر به. وترك ما نهي عنه. فإذا التوبة هي الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه ظاهرا وباطنا. ب- الحمد والشكر والرضا: ومن الحكمة أيضا ما توجبه التوبة من آثار عجيبة من المقامات التي لا تحصل بدونها فيوجب له ذلك من المحبة والرقة واللطف وشكر الله تعالى وحمده والرضا عنه عبوديات أخرى، ويكفيه أن الله- عز وجل- يفرح بتوبته أعظم فرح، وينعكس ذلك على الإنسان فيحس بفرح الظفر بالطاعة والتوبة النصوح، ويجد لذلك انشراحا دائما ونعيما ومقيما. (انظر صفات: الحمد، الشكر، الثناء، الرضا، المحبة) . ج- الاستغفار: إذا وقع الإنسان في الذنب شهد نفسه مثل إخوانه الخطائين وأن الجميع مشتركون في الحاجة إلى مغفرة الله- عز وجل- وعفوه ورحمته، وكما يحب المرء أن يستغفر له أخوه المسلم ينبغي له أيضا أن يستغفر لأخيه، فيصير هجيراه وديدنه «رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات» . (انظر صفات: الاستغفار، التوبة، الإنابة) .   (1) طه/ 118. (2) طه/ 122. (3) انظر صفة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 د- الإحسان والبر والإفضال: ومن حكم الابتلاء بالمعصية أن الله يحب أن يتفضل على عباده ويتم نعمته عليهم، ويريهم مواقع بره وكرمه وإحسانه، ومن أعظم أنواع الإحسان والبر، أن يحسن إلى من أساء، ويعفو عمن ظلم، ويغفر لمن أذنب ... وقد ندب المولى عباده إلى هذه الشيم الفاضلة والأفعال الحميدة، وهو أولى بها منهم وأحق، وله في تقدير أسبابها من الحكم ما يبهر العقل فسبحانه وبحمده. (انظر صفات: الإحسان، البر، بر الوالدين، الفضل) . هـ- تحقيق معنى الأسماء الحسنى: ومن الحكم في الابتلاء بالذنب؛ أنه سبحانه له الأسماء الحسنى، ولكل من أسمائه أثر من الآثار في الخلق والأمر، لا بد من ترتبه عليه، كترتب المرزوق والرزق على الرازق، وترتب المرحوم وأسباب الرحمة على الراحم، ولو لم يكن من عباده من يخطىء ويذنب ليتوب عليه ويغفر له ويعفو عنه، لم يظهر أثر أسمائه الغفور والعفو والحليم والتواب، وما جرى مجراها.. فأسماؤه الغفار والتواب تقتضي مغفورا له وكذلك من يتوب عليه، وأمورا يتوب عليه من أجلها (انظر صفات: الرحمة والعفو والاستغفار وخاصة فيما يتعلق من ذلك باتصافه عز وجل بهذه الصفات) . وتعريف العبد بعزة الله في قضائه وقدره: ومن الحكمة أيضا أنه سبحانه يعرف عباده عزه في قضائه وقدره ونفوذ مشيئته وجريان حكمته، وأنه لا محيص للعبد عما قضاه عليه ولا مفر له منه بل هو في قبضة مالكه وسيده. (انظر صفة الإيمان وخاصة ما يتعلق بالقدر وصفة التوكل واليقين) . ز- بيان حاجة العبد إلى حفظ الله ومعونته: ومن حكم الابتلاء بالمعاصي تعريف العبد حاجته إلى حفظ الله له ومعونته وصيانته، وإلا فهو هالك، وإن وكله الله إلى نفسه وكله إلى ضيعة وعجز وذنب وخطيئة وتفريط، وقد أجمع العلماء على أن التوفيق، ألّا يكل الله العبد إلى نفسه، وأن الخذلان كل الخذلان أن يخلي بينه وبين نفسه، وفي دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» وتمام هذا الحديث: عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت» «1» (انظر صفة التوكل) . ح- الاستعانة والاستعاذة والدعاء: يستجلب الله من العبد عند ما يبتليه بالذنب ما هو من أعظم أسباب السعادة له من الاستعاذة والاستعانة والدعاء والتضرع والابتهال والإنابة والمحبة والرجاء والخوف. (انظر هذه الصفات في مظانها من الموسوعة) .   (1) أبو داود (5090) ، وقال الألباني: حسن. انظر صحيح الكلم الطيب ص 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ط- تمام العبودية: يستخرج الله بهذا النوع من الابتلاء من العبد تمام العبودية، بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكمل الخلق عبودية أكملهم ذلّا لله وانقيادا وطاعة، والمراد بالذل هنا، ذل المحبة الذي يستخرج من قلب المحب أنواعا من التقرب والتودد والإيثار والرضا والحمد والشكر والصبر والندم، وتحمل العظائم لا يستخرجها الخوف وحده، ولا الرجاء وحده، وهناك ذل آخر هو ذلك المعصية، وبيان ذلك أن العبد متى شهد صلاحه واستقامته شمخ بأنفه وتعاظمت نفسه وظن أنه وأنه، فإذا ابتلى بالذنب تصاغرت إليه نفسه وذل لله وخضع. ي- سعة حلم الله وكرمه وعفوه: ومن الحكمة أيضا في ذلك تعريفه سبحانه عبده سعة حاله وكرمه في الستر عليه، وأنه لو شاء لعاجله بالذنب ولهتكه بين عباده فلم يطب له معهم عيش أبدا، ولولا حلمه وكرمه ما استقام أمر، ولفسدت السموات والأرض، ولا سبيل لعبد في النجاة إلا بعفوه ومغفرته وقبول توبته، فالله- عز وجل- هو الذي وفق العبد للتوبة وألهمه إياها، ومن هنا تكون توبة العبد محفوفة بتوبة قبلها عليه من الله إذنا وتوفيقا، وتوبة ثانية منه عليه قبولا ورضا ... (انظر صفات: الحلم، الكرم، العفو) . ك- الإنابة والمحبة والفرار إلى الله- عز وجل: رب ذنب قد أهاج لصاحبه من الخوف والإشفاق، والوجل والإنابة، والمحبة والإيثار، والفرار إلى الله، ما لا يهيجه له كثير من الطاعات، وكم من ذنب كان سببا لاستقامة العبد وفراره إلى الله وبعده عن رق الغي، وهو بمنزلة من خلّط فأحس بسوء مزاجه، وعنده أخلاط مزمنة قاتلة وهو لا يشعر بها، فشرب دواء أزال تلك الأخلاط العفنة التي لو دامت لترامت به إلى الفساد والعيب، إن من تبلغ رحمته ولطفه وبره بعبده هذا المبلغ، وما هو أعجب وألطف منه لحقيق بأن يكون الحب كله له والطاعات كلها له، وأن يذكر فلا ينسى، ويطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر. (انظر صفات: الإنابة، المحبة، الفرار إلى الله، الإيثار، الذكر، الشكر) . ل- التواضع والخشية: ومن ذلك أن العبد إذا شهد ذنوبه ومعاصيه وتفريطه في حق ربه رأى القليل من النعم كثيرا والكثير من عمله قليلا، فيورثه ذلك تواضعا وخشية وإنابة وطمأنينة ورضا، وأين حال هذا من حال من لا يرى لله عليه نعمة إلا ويرى أنه كان يستحق أكثر منها. الثاني: إصلاح علاقة العبد بنفسه: ويظهر هذا جليا في النقاط التالية:- أ- تعريف العبد حقيقة نفسه: ومن حكمة الابتلاء بالذنب أن العبد يعرف حقيقة نفسه، وأنها الظالمة، وأن ما صدر عنها من الشر صدر من أهله، إذا الجهل والظلم منبع الشر كله، وأن كل ما فيها من خير وعلم وهدى وإنابة وتقوى من الله- عز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وجل- هو الذي زكاها، وإذا لم يشأ تزكية العبد تركه مع دواعي ظلمه وجهله، لأن الله- عز وجل- هو الذي يزكي من يشاء من النفوس فتزكو وتأتي بأنواع الخير والبر، وقد كان من دعائه صلّى الله عليه وسلّم «اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها» «1» ، فإذا ابتلى الله العبد بالذنب عرف نفسه ونقصها فيجتهد من ثم في كمالها. ب- خلع رداء الكبر والعظمة: ومن الحكمة في الابتلاء بالمعاصي أن يخلع العبد صولة الطاعة من قلبه وينزع عنه رداء الكبر والعظمة الذي لبس له، ويلبس رداء الذل والانكسار، إذ لو دامت تلك الصولة والعزة في قلبه لخيف عليه ما هو من أعظم الآفات وأشدها فتكا، ألا وهو العجب. (انظر صفات: الكبر والعجب، العتو، الطغيان) . ج- زوال الحصر والضيق: ومن الحكمة في ذلك، أنّ العبد يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، ويزول عنه ذلك الحصر والضيق، والانحراف، ويستريح العصاة من دعائه عليهم وقنوطه منهم وسؤال المولى- عز وجل- أن يخسف بهم الأرض ويرسل عليهم البلاء ولا ينظر إليهم بعين. (انظر صفات: الرحمة، القلق، الخوف) . د- تحقق صفة الإنسانية في العبد: لقد اقتضت الحكمة الإلهية تركيب الشهوة والغضب في الإنسان، وهاتان القوتان هما بمنزلة صفاته الذاتية وبهما وقعت المحنة والابتلاء، وهاتان القوتان لا يدعان العبد حتى ينزلانه منازل الأبرار أو يضعانه تحت أقدام الأشرار، وهكذا فإن كل واحد من القوتين يقتضي أثره من وقوع الذنب والمخالفات والمعاصي، ولو لم يكن الأمر كذلك لم يكن الإنسان إنسانا بل كان ملكا، ومن هنا قال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «كل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون» «2» . هـ- الندم والبكاء: إذا ابتلي الإنسان بالذنب جعله نصب عينيه، ونسي طاعته وجعل همه كله بذنبه، ويكون هذا عين الرحمة في حقه، قال بعض السلف في هذا المعنى: «إن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار» قالوا: وكيف ذلك؟ قال: «يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينه، كلما ذكرها بكى وندم وتاب واستغفر وتضرع وأناب إلى الله- عز وجل- وذل له وانكسر، وعمل لها أعمالا فتكون سبب الرحمة في حقه، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يمن بها ويراها ويعتد بها على ربه- عز وجل- وعلى الخلق، ويتكبر بها، ويتعجب من الناس كيف لا يعظمونه ويكرمونه ويجلونه عليها، فلا تزال هذه الأمور به حتى تقوى عليه آثارها فتدخله النار، وعلامة السعادة أن تكون حسنات العبد خلف ظهره وسيئاته نصب عينيه، وعلامة الشقاوة أن يجعل حسناته نصب عينيه وسيئاته خلف ظهره» . (انظر صفات: التوبة، الاستغفار، البكاء) .   (1) مسلم (2722) ، وهذا جزء من حديث زيد بن أرقم، انظر الحديث رقم (3) في صفة الزكاة. (2) انظر تخريج هذا الحديث في صفة التوبة، حديث رقم 20، ج 4، ص 1287. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الثالث: إصلاح علاقة العبد بالآخرين: ويبدو ذلك جليا في الآتي:- أ- تعلم العبد المسامحة وحسن المعاملة والرضا عن الغير: ومنها أن العبد إذا ابتلي بالمحنة أو بالذنب فإنه يدعو الله أن يقيل عثرته ويغفر زلته فيعامل بني جنسه في إساءتهم إليه وزلاتهم معه بما يحب أن يعامله الله به، لأن الجزاء من جنس العمل فمن عفا عفا الله عنه، ومن سامح أخاه في إساءته إليه سامحه الله، ومن عفا وتجاوز تجاوز الله عنه، ويلحق بذلك أن العبد إذا عرف هذا فأحسن إلى من أساء إليه ولم يقابل إساءته بإساءة تعرض بذلك لمثلها من رب العزة والجلال، وأن الله- عز وجل- يقابل إساءته بإحسان منه وفضل، إذ المولى- عز وجل- أوسع فضلا وأجزل عطاء. (انظر صفات: السماحة، الرضا، حسن المعاملة) . ب- التواضع مع الخلق والعفو عن زلاتهم: مشاهدة العبد ذنوبه وخطاياه توجب ألا يرى لنفسه على أحد فضلا ولا يقع في اعتقاده أنه خير من أحد، وأين هذا ممن لا يزال عاتبا على الخلق شاكيا ترك قيامهم بحقه ساخطا عليهم وهم عليه أسخط، ويستتبع هذا أن يمسك عن عيوب الناس والفكر فيها لأنه مشغول بعيب نفسه، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس. (انظر صفات: التواضع، الرضا، مجاهدة النفس) . وإذا شهد العبد نفسه سيئا مع ربه مع فرط إحسانه إليه، فإن هذا يقتضي منه أن يغفر للمسيئين إليه من حوله ويعفو عنهم ويسامحهم. هذه الثمرات ونحوها متى اجتناها العبد من الذنب فهي علامة كون الابتلاء رحمة في حقه، ومن اجتنى منه أضدادها وأوجبت له خلاف ذلك، فهي علامة الشقاوة، وأنه من هوانه على الله وسقوطه من عينه خلى بينه وبين معاصيه ليقيم عليه حجة عدله، فيعاقبه باستحقاقه، وتتداعى السيئات في حقه فيتولد من الذنب ما شاء الله من المهالك والمتالف التي يهوي بها فى دركات الجحيم، والمعصية كل المعصية أن يتولد من الذنب ذنب ثم يتولد من الاثنين ثالث ثم تقوى الثلاثة فيتولد منها رابع وهلم جرا، ذلك أن الحسنات والسيئات آخذ بعضها برقاب بعض ويتلو بعضها بعضا، قال بعض السلف: «إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها وإن من عقاب السيئة السيئة بعدها» «1» ، «2» .   (1) بتصرف واختصار عن ابن القيم، مفتاح دار السعادة، 1/ 286- 296. (2) وقد علمنا المولى سبحانه وتعالى ألا نيأس من رحمة الله مهما كانت معاصينا، وأيا كان إسرافنا على أنفسنا فقال: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر/ 53) ، وحذرنا من التمادي في المعصية وتأخير التوبة وقرن بين غفرانه لمن تاب وعقابه لمن أعرض فقال: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (الحجر/ 49- 50) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ثالثا: حكمة الابتلاء بالسراء أو الخير: لا تخفى حكمة الله عز وجل في ابتلاء شخص ما بالسراء، حيث يعقب ذلك شكر العبد لربه وحمده والثناء عليه بما هو أهله، وفي هذه الحالة يفيض الله على عبده مزيدا من النعمة مصداقا لقوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «1» . ومما لا شك فيه أن نتيجة هذا الشكر تعود على العبد نفسه، أما إذا كانت الأخرى وقابل العبد ما يناله من الخير أو السراء بالجحود والنكران، فإنه يؤدي إلى الطغيان والاستعلاء في الأرض وما يعقب ذلك من عتو وفساد، وقد ضرب القرآن الكريم أروع مثلين لذلك في قصتي سليمان، وقارون اللتين نشير إليهما بإيجاز- فيما يلي:- قصة ابتلاء سليمان عليه السلام: توضح قصة ابتلاء سليمان عليه السلام- كما حكاها القرآن الكريم- حكمة المولى عز وجل في ابتلاء عبده بالسراء، يقول الله تعالى: قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ* قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ «2» . وكما توضح هذه الآيات الكريمة فإن الله عز وجل قد ابتلى سليمان بقوة السلطان والنفوذ في الأرض، ووفرة وسائل التنفيذ والإنجاز، وعرف سليمان أن ذلك لا يعدو أن يكون ابتلاء من الله عز وجل له، فشكر ربه «3» . على ما أعطاه. وإذا كان رسولنا صلّى الله عليه وسلّم قد أمر بالاقتداء بهؤلاء الأنبياء في قول الله سبحانه: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ «4» . فإن لنا فيهم- تبعا لذلك- الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة. قصة ابتلاء قارون: لقد كان قارون من قوم موسى عليه السلام، وقد امتحنه الله بوفرة الثروة فأصابه الغرور وزعم أن ما ابتلي به من خير هو ثمرة علمه وخبراته الاقتصادية، ثم راح يستغل ثروته ومنزلته لنشر الفساد ودعم الظلم والفتن وفي الترف والزينة، وكان عاقبة «5» أمره أن خسف الله به وبداره الأرض. انظر تفاصيل هذه القصة في سورة القصص آية 76- 83. (انظر صفات: الكنز- الغرور- الفتنة- الطغيان) .   (1) إبراهيم/ 7. (2) النمل/ 39- 40. (3) انظر فلسفة التربية الإسلامية، ص 166. (4) الأنعام/ 90. (5) انظر فلسفة التربية الإسلامية، ص 167، وانظر هذه القصة كاملة في «قصص الأنبياء» ص 281- 292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 رابعا: حكمة الابتلاء بالطاعات: أما الابتلاء بالطاعات فحكمته استجلاب مزيد من الشكر وعرفان فضل الله تعالى فيما أنعم به وتفضل، وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عنه المغيرة بن شعبة «إن كان النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقوم أو لا يصلي حتى ترم قدماه، فيقال له- في ذلك- فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا» «1» . وكفى بالشكر حافظا للنعم الموجودة وجالبا للنعم المفقودة، كما يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى «2» . كما أن من حكمة هذا النوع من الابتلاء ألا يركن المرء إلى طاعته وألا يغتر بها فيكون كمن قال الله فيه وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ* وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ «3» . وتوضح قصة ابتلاء الخليل إبراهيم عليه السلام حكمة ابتلاء الله عز وجل أنبياءه وأولياءه بالطاعة خير توضيح، ونشير إلى هذه القصة- بإيجاز- فيما يلي:- قصة ابتلاء إبراهيم عليه السلام: لقد سجل القرآن الكريم في أكثر من موضع موقف إبراهيم عليه السلام من الابتلاءات العديدة التي تعرض لها «4» . وكان أبرز هذه الابتلاءات أمر الله- عز وجل- له بذبح ابنه إسماعيل، يقول الله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ «5» . وقد عقب ابن القيم على الابتلاء في هذه القصة فقال: تأمل حال أبينا الثالث إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء وخليل رب العالمين من بني آدم، وانظر ما آلت إليه محنته وصبره، وبذله نفسه لله، وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه، ونصرته دينه، إلى أن اتخذه الله خليلا لنفسه وأمر رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم أن يتبع ملته. وأنبهك على خصلة واحدة مما أكرمه الله به في محنته بذبح ولده، فإن الله تبارك وتعالى لا يتكرم عليه أحد، وهو أكرم الأكرمين، فمن ترك لوجهه أمرا أو فعله لوجهه، بذل الله له أضعاف ما تركه من ذلك الأمر أضعافا مضاعفة، وجازاه بأضعاف ما فعله لأجله أضعافا مضاعفة «6» .   (1) البخاري- الفتح 3 (6463) ، ومسلم (2816) ، وانظر أيضا صفة الشكر. (2) انظر الأثر رقم (10) في صفة الشكر ج 6 ص 2416. (3) الأعراف/ 175- 176. (4) انظر قصة إبراهيم عليه السلام والمواضع التي ذكرت فيها في القرآن في قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار، ص 70- 107. (5) الصافات/ 103- 106. (6) مفتاح دار السعادة (1/ 300) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الفصل الرابع القيمة التربوية للابتلاء للابتلاء- بأنواعه المختلفة ومظاهره العديدة- دور عظيم في تربية النفوس، وتدريبها على تحمل المشاق، وتهيئتها لمواجهة أي ظرف طارىء أو محتمل، كما أن فيها تدريبا للقوى العقلية والذهنية وتوجيها لها كي تسير على المنهج السوي الذي يحقق الغاية المرجوة منها، كما أن في ذلك حماية لها من الزيغ والانحراف، وسنشير فيما يلي إلى أهم الثمار التربوية لعملية الابتلاء. 1- الابتلاء تربية بالخبرة: إن المبتلى بالذنوب أو بالضراء يصبح لديه من الخبرة ما يمكنه من معالجة ذلك مستقبلا معالجة صحيحة، يقول ابن القيم: المبتلى بالذنب يصبح كالطبيب المجرب الذي عرف المرض مباشرة، ومن ثم فهو يعرف كيف يعالجه علاجا صحيحا، وهذا معنى قولهم: أعرف الناس بالآفات «1» أكثرهم آفات. وهذه قيمة معرفية أولا، وهي ثانيا قيمة عملية تفيد في معالجة الحالات المماثلة، يقول ماجد الكيلاني : الابتلاء تربية بالخبرة هدفها فهم الخير وتذوق جماله، وفهم الشر والنفور من قبحه، ومن خلال هذا الفهم وهذا التذوق تتحقق غاية مهمة من غايات الابتلاء وهي إدراك عظمة النعم الإلهية على الإنسان، ثم يكون من وراء ذلك الابتلاء نوع من الترقي العقلي والاجتماعي، لأن الإنسان حين يمتحن بموقف معين ثم يتبع الأساليب الصحيحة لمعالجته تتكون لديه خبرة صحيحة بطبيعة المواقف الزمنية، والأشياء الكونية، ويعرف الأساليب الصحيحة لمعالجتها. وحين يخطىء هذه الأساليب الصحيحة فإنه يقف على خطورة الانحراف عن قوانين الأشياء ويعرف الآثار السيئة للأساليب الخاطئة. ويكون ثمرة ذلك كله ارتقاء النوع الإنساني «2» . إن تربية الإنسان وتأديبه يقتضيان في بعض الأحيان إذاقته بعض ما يكره من المصائب أو الآلام، وعندئذ تكون مصلحة الإنسان نفسه هي التي اقتضت أن يصيبه من الله عز وجل بعض الابتلاءات التي تتربى بها نفسه وتتهذب عن طريقها أخلاقه «3» . وهنا تكون «تربية النفوس على تحمل ألوان الحياة المختلفة الخاضعة لسنن ثابتة عامة ضمن مقادير الله الكبرى، وهذه الحكمة التربوية ذات فلسفة عظيمة في سر الألوان المتضادة التي تتعرض لها الحياة، إن اللذة لا تعرف قيمتها إلا بالألم، وإن الجميل لا يعرف جماله ما لم تعرف صورة القبح، وإن الكمال لا يدرك كماله إلا بالنقص، وبضدها تتميز الأشياء «4» » .   (1) مفتاح دار السعادة 1/ 295. (2) فلسفة التربية الإسلامية ص 172 (بتصرف) . (3) بتصرف عن: الأخلاق الإسلامية للميداني 2/ 479. (4) السابق 2/ 481. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 2- التدرب على الحذر وأخذ الحيطة: يقول ابن القيم: من فوائد الابتلاء تحرز المبتلى من مصائد العدو ومكامنه ومعرفة من أين يدخل عليه اللصوص وقطاع الطرق؟ وأين تقع مكامنهم؟، ومن أين يخرجون عليه؟ وفي أي وقت؟ وهو بهذه المعرفة قد استعد لهم وتأهب للقائهم وعرف كيف يدفع شرهم وكيدهم، ولو أنه مر عليهم على غرة وطمأنينة لم يأمن أن يظفروا به ويجتاحوه جملة «1» . (انظر صفات: الحذر- اليقظة- الفتنة- الغي والإغواء) . 3- اكتساب القوة والشجاعة في مواجهة الأعداء: إن التخلص من داء الغفلة يؤدي إلى استجماع القوى، والتشجع لمحاربة العدو من شياطين الإنس والجن، فقد ينشغل الإنسان عن عدوه اللدود وهو الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وبطانة الشر، فإذا أصابه منهم سهم استجمع قوته وحميته وطالب بثأره إن كان قلبه حرا كريما، كالرجل الشجاع إذا جرح فإنه لا يقوم له شيء بعدها حتى تراه هائجا مقداما، أما القلب الجبان المهين إذا جرح فهو كالرجل الضعيف، إذا جرح ولى هاربا فيفقد بذلك مروءته، ولا خير فيمن لا مروءة «2» له يطلب بها الثأر من عدوه، ولا عدو أعدى للإنسان من الشيطان، وقد جاء في الأثر: إن المؤمن لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره في سفره «3» . (انظر صفات: القوة، قوة الارادة، العزم والعزيمة، الشجاعة، الصبر، علو الهمة) . 4- المعرفة المباشرة بأمراض النفس وكيفية علاجها: كما أن للابتلاء أثره الفعال في مقاومة آفات الجسد والتغلب عليها، فإن له أيضا دوره الفعال في معرفة أمراض النفوس وكيفية معالجتها، وهذه هي حال المؤمن يكون فطنا حاذقا أعرف الناس بالشر وأبعدهم منه، فإذا تكلم في الشر وأسبابه ظننته من شر الناس، فإذا خالطته رأيته من أبر الناس، والمقصود أن من بلي بالآفات صار من أعرف الناس بطرقها، وأمكنه أن يسدها على نفسه وعلى الآخرين «4» . إنه يوجد إلى جانب الاستعدادات الفطرية لدى الإنسان قوة واعية مدركة موجهة تناط بها التبعة، فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها، وتغليبه على استعداد الشر فقد أفلح ومن أظلم هذه القوة وخبأها وأضعفها فقد خاب، قال تعالى: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها «5» . إن النية الطيبة لابد أن تقترن بالتربية والصقل، وبالإعداد اللازم لتتوفر لدى الإنسان   (1) الفوائد لابن القيم 21/ 295 (بتصرف) . (2) انظر صفة المروءة، وعلو الهمة. (3) الفوائد لابن القيم 1/ 295، ومعنى ينضي بعيره: أي يكده ويتعبه ويرغمه على ما يريد. (4) الفوائد لابن القيم 1/ 295- 296. (5) الشمس/ 7- 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الإمكانات التي تؤهله لنقل ما ينويه إلى حيز التطبيق «1» وهنا تنبثق جملة حقائق ذات قيمة في التوجيه التربوي. فهي أولا: ترتفع بقيمة الإنسان، حين تجعله أهلا لاحتمال تبعة اتجاهه، وتمنحه حرية الاختيار (في إطار المشيئة الإلهية التي شاءت له هذه الحرية فيما يختار) فالحرية والتبعة يضعان هذا الكائن في مكان كريم، ويقرران له في هذا الوجود منزلة عالية تليق بالخليقة التي نفخ الله فيها من روحه وسواها بيده، وفضلها على كثير من العالمين. وهي ثانيا: تلقي على هذا الكائن تبعة مصيره، وتجعل أمره بين يديه (في إطار المشيئة الكبرى كما أسلفنا) فتثير في حسه كل مشاعر اليقظة والتحرج والتقوى. وهو يعلم أن قدر الله فيه يتحقق من خلال تصرفه هو بنفسه: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ «2» . وهي تبعة ثقيلة لا يغفل صاحبها ولا يغفو! وهي ثالثا: تشعر هذا الإنسان بالحاجة الدائمة للرجوع إلى الموازين الإلهية الثابتة، ليظل على يقين أن هواه لم يخدعه، ولم يضلله، كي لا يقوده الهوى إلى المهلكة، ولا يحق عليه قدر الله فيمن يجعل إلهه هواه، وبذلك يظل قريبا من الله، يهتدي بهديه، ويستضيء بالنور الذي أمده به في متاهات الطريق! ومن ثم فلا نهاية لما يملك هذا الإنسان أن يصل إليه من تزكية النفوس وتطهيرها ويتطهر في هذا العباب الذي يتدفق حوله من ينابيع الوجود «3» . 5- تدريب القوى العقلية وتنشيطها للقيام بمهامها على الوجه الأكمل: ويتمثل ذلك فيما يلي:- أ- اليقظة: إن صدمة الابتلاء- خاصة بالضراء- هي بمثابة صيحة النذير لقوم نيام تنبههم من سبات نوم الغفلة، وسكرة أحلام اليقظة، يقول الله تعالى واصفا أولئك الذين غرقوا في مجر الغفلة لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ «4» ، وهذه اليقظة «5» هي- كما يقول ابن القيم- أول منازل العبودية، وتعنى انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الروعة وما أعظم قدرها، وما أقوى إعانتها على السلوك، ومن اليقظة ينتقل الإنسان إلى منزلة العزم (وهو العقد الجازم على الشيء) ، وبحسب كمال انتباهه ويقظته تكون عزيمته، وبحسب قوة عزمه يكون استعداده «6» ، وبحسب استعداده يكون تذكره. ب- التفكر والتأمل والاعتبار: إذا ابتلى الإنسان واستيقظ بدأ مرحلة التفكر والتأمل وإعمال الخاطر في تجربة الابتلاء، ورددها قلبه معتبرا، يقول ابن القيم- رحمه الله-: «أصل الخير والشر من قبل التفكر، لأن الفكر مبدأ الإرادة والطلب وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد (ما يتعلق بالآخرة) وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها، فهذه أربعة أفكار هي أجل الأفكار، ويليها أربعة: فكر في مصالح الدنيا، وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدنيا،   (1) أسعد السحمراني، الأخلاق والفلسفة القديمة، ص 26. (2) الرعد/ 11. (3) في ظلال القرآن (6/ 3918) . (4) الحجر/ 72. (5) انظر صفة اليقظة. (6) مدارج السالكين 1/ 138- 139 (بتصرف) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وطرق الاحتراز منها. إن أعظم الفكر فكر يوصل إلى معرفة الله عز وجل ويؤدي إلى ذكره وشكره، ولا يكون ذلك إلا بالتأمل في ملكوت السموات والأرض وعجائب صنع الله سبحانه، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم مضرب المثل في هذا النوع من التفكر، مصداق ذلك ما روي عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمه كما قال الأول: زر غبا تزدد حبا. قال فقالت: دعونا من رطانتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فسكتت ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: «يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي» قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي. قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا، لقد نزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها «1» . إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ* رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ «2» . ج- التذكر: إن وقوع الابتلاء هو في الحقيقة نعمة من الله وفضل منه، لأنه يذكر الإنسان ويثبته على صراط ربه المستقيم وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ «3» . وعلى الإنسان أن يتذكر مصيره لو أنه ترك لهواه بدون تذكرة أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ «4» ، وقال سبحانه: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ «5» . وعند الابتلاء يتذكر الإنسان حاله في الدنيا وحاله في الآخرة، وينظر أيهما أفضل أن يبتلى هنا أم هناك فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى «6» ، كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا* وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا* وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى «7» . وعند ساعة الاضطرار والابتلاء يعرف العبد أنه لن يكشف السوء إلا الله أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ «8» . إن المرء إذا أفلح في الوصول بالتذكر   (1) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (2/ 620) ص 387، وقال محققه: إسناده قوي على شرط مسلم. وانظر: تفسير ابن كثير (1/ 437) ، وهو عند البخاري- الفتح (8/ 4837) بلفظ مختصر. (2) آل عمران/ 190- 192. (3) الأنعام/ 126. (4) الجاثية/ 23. (5) الزمر/ 27. (6) النازعات/ 34- 35. (7) الفجر/ 21- 23. (8) النمل/ 62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 بعد النسيان إلى هذه المرحلة من التدرج والارتقاء شيئا فشيئا، فقد أوتي حكمة من عند الله، وعرف حكمة هذا الابتلاء يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ «1» . ويتأكد هذا المعنى للابتلاء بقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ «2» . فالتذكر يورث البصيرة، والمقصود به هنا- كما يقول ابن كثير- أنهم تذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب «3» . 6- تمحيص القلب وتزكيته: إذا كان العقل مناط التفكير والتدبر والتذكر ونحو ذلك، فإن القلب محل الإيمان والمحبة والخشوع والخشية ونحو ذلك مما يسمى أعمال القلوب «4» ، وهناك تأثير وتأثر بين الأعمال العقلية والأعمال القلبية، فالقلب يتلقى ذلك النور الناتج عن المعرفة العقلية الفطرية، أي تلك التي فطر الله الناس عليها من حب الله تعالى وعبادته وحده، فإذا تزكت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفا بالله محبا له «5» ، وأعمال القلوب هذه هي آكد شعب الإيمان، وصلاح سائر الأعمال منوط بصلاح القلب، ذلك أن أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع «6» ، يقول العز بن عبد السلام: مبدأ التكاليف كلها ومصدرها القلب، وصلاح الأجساد موقوف على صلاح القلوب، وفساد الأجساد موقوف على فساد القلوب «7» . إن كل ما ذكره العلماء في صلاح القلوب أو فسادها مستمد من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» «8» . إن للابتلاء دورا عظيما في تمحيص القلب أي تخليصه من الشوائب غير الإيمانية، فإذا تمحص القلب وخلص قويت فيه دواعي الخشية والخوف والرجاء ونحو ذلك من الأحوال المحمودة، وإذا قويت هذه ضعفت للتو واللحظة أحواله المذمومة من نحو الوسوسة والغيظ والكبر والنفاق ونحوها مما يعرف بأمراض القلوب، وهي أعظم من أمراض الجسم، وقد عقد ابن تيمية موازنة مهمة بين النوعين: مرض الأجساد ومرض القلوب فقال: كما أن الإنسان إذا صار لا يسمع بأذنه، ولا يبصر بعينه، ولا ينطق بلسانه، كان ذلك مرضا مؤلما له لما يفوته من المصالح ويحدثه من المضار، فكذلك إذا لم يسمع ولم يبصر ولم يعلم بقلبه الحق من الباطل ولم يميّز بين الخير   (1) البقرة/ 269. (2) الأعراف/ 201. (3) تفسير ابن كثير (2/ 290) ، وانظر صفة التذكر. (4) ذكر ابن تيمية ضمن أعمال القلب- وهي كثيرة- محبة الله ورسوله، والتوكل على الله وإخلاص الدين له والخوف منه، والرجاء له وما يتبع ذلك (الفتاوى 10/ 6) . (5) السابق 10/ 135. (6) معالم السلوك وتزكية النفوس، ص 67. (7) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (1/ 167) . (8) هذا جزء من حديث النعمان بن بشير، انظره كاملا في صفة الصلاح (6/ 2603) ، وقد خرّجناه هناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 والشر، والغي والرشاد، فإن ذلك من أعظم أمراض قلبه «1» . ويتضح من هذه الموازنة الدقيقة أن أساس مرض القلب هو الجهل وأساس صحته هو العلم، ويكون مرض القلب أيضا بالحب والبغض الخارجين عن الاعتدال، وتلك هي الأهواء التي قال الله فيها: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ «2» ، وقال سبحانه: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ «3» . وما يصيب المؤمن في الدنيا من المصائب (والابتلاءات) هي بمنزلة ما يصيب الجسم من الآلام التي يصح بها وتزول أخلاطه الفاسدة «4» ، فكذلك الابتلاءات يصح بها القلب وتزول عنه شوائبه. يقول الله تعالى موضحا أثر الابتلاء الذي أصاب المسلمين يوم أحد: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ «5» . وسنعرض فيما يلي للأحوال القلبية التي تقوى بالابتلاء، وتلك الشوائب أو الأمراض التي يتمحص القلب بزوالها كلية أو إضعافها إلى حد كبير. ثم نشير- بإيجاز- إلى تزكية القلوب. الأحوال القلبية التي تقوى بالابتلاء: أ- الخشية: والمراد بها خوف الله عز وجل خوفا يشوبه تعظيم ويقترن به إجلال «6» . وقد وعد الله الذين يخشونه بالفوز والأجر الكبير، فقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ «7» . وقال جل من قائل: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ «8» ، وقد كشف القرآن الكريم عن أثر هذه الخشية وثمرتها فقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ «9» . وقد بشر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يتصف بالخشية، وقرن بينه وبين المجاهد فقال: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» «10» . ب- الخوف من الله تعالى: أما الخوف فيعني: اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف «11» ، يقول ابن رجب: القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات كان ذلك فضلا محمودا «12» ، ويقول الحافظ ابن حجر: الخوف من المقامات العلية، هو من لوازم الإيمان، قال تعالى: وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «13» .   (1) الفتاوى 10/ 141. (2) القصص/ 50. (3) الروم/ 29. (4) الفتاوى 10/ 147. (5) آل عمران/ 154. (6) انظر صفة الخشية. (7) النور/ 52. (8) الملك/ 12. (9) الزمر/ 23. (10) سنن الترمذي (1639) وقال: حديث حسن، وانظر أيضا الحديث رقم (11) في صفة الخشية. (11) انظر صفة الخوف، وقد ذكرنا هناك تعريفات أخرى. (12) التخويف من النار لابن رجب ص 21. (13) آل عمران/ 175. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وهذا الخوف المحمود يقترن بالرجاء كما في قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً «1» ، وعن أنس- رضي الله عنه- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل على شاب وهو في الموت، فقال: «كيف تجدك؟» . قال والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف» «2» . وقد وعد الله الخائفين بالجنة فقال: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى «3» . ج- الخشوع: والمراد به: قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل «4» ، قال ابن القيم: والحق أنه يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار «5» . وهذا الخشوع يأتي عند ذكر الله تعالى، يقول المولى سبحانه: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ «6» ، ويقول جل من قائل: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ «7» . ومن هذه الآيات الكريمة نستنبط أمرين مهمين: الأول: أن الخشوع في الصلاة هو أول صفات المؤمنين، الثاني: أن ثمرته هو الفلاح، وأن أصحابه من الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ «8» . د- الرجاء: والمراد به النظر إلى سعة رحمة الله تعالى «9» والثقة بجوده وفضله وكرمه، يقول ابن حجر: المقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله، ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقعت منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور، وما أحسن قول القائل: من علامة السعادة أن تطيع، وتخاف ألا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصى وترجو أن تنجو «10» . إن رجاء الله واليوم الآخر هو سمة المؤمنين المتأسين برسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول الله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً «11» . هـ- التقوى: المراد بالتقوى هنا تقوى القلب الواردة في قوله تعالى: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ «12» ، أضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقة التقوى في القلب «13» . ولهذا قال عليه الصلاة   (1) الإسراء/ 57. (2) الترمذي (983) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (4261) وقال النووي: إسناده حسن. وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (3436) وهو في الصحيحة (1051) . (3) النازعات/ 40- 41. (4) انظر صفة الخشوع. (5) مدارج السالكين (1/ 558) . (6) الحديد/ 16. (7) المؤمنون/ 1- 2. (8) المؤمنون/ 11. (9) انظر صفة الرجاء. (10) انظر فتح الباري (11/ 301) . (11) الأحزاب/ 21. (12) الحج/ 32. (13) تفسير القرطبي (12/ 56) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 والسلام: «التقوى ههنا» وأشار إلى صدره «1» ، وتفسر التقوى أيضا بالطاعة والذكر والشكر، ذلك قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ «2» . قال ابن مسعود في تفسيرها: أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر «3» . والاستقامة: الاستقامة هنا هي- كما يقول ابن رجب- استقامة القلب على التوحيد. وقد فسر أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- الاستقامة في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا «4» . بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلب على معرفة الله تعالى، وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبته وإرادته، ورجائه ودعائه والتوكل عليه والإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعته، فإن القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه «5» . يقول ابن القيم: الاستقامة هي سلوك المنهج القويم، وهي كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد، وتتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات، وهي تعني في ذلك كله: وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله «6» . فالأقوال تشمل الدعاء والذكر ونحو ذلك من أعمال اللسان، وأعمال الجوارح تشمل الحج والعمرة ونحو ذلك، أما النيات فإنها تشمل الإيمان والإخلاص ونحوها، ويجمع ذلك كله الصلاة فإنها صلة بين العبد وربه وهي عمود الإسلام لأنها تجمع بين الأقوال والأفعال والنيات «7» . ويترتب على الاستقامة والتقوى القلبيين التزام العبد بطاعة الله تعالى في كل ما أمر به أو نهي عنه وبذلك يحسن إيمانه ويقوى إسلامه، ويتجلى إحسانه. والخلاصة: أن هذه الصفات وما أشبهها من نحو الوجل، والإنابة، والضراعة، ينتج عنها من الثمار ما تصلح به جميع علاقات الإنسان، فعلاقة العبد بربه يصلحها: الخوف، والخشية، والخشوع.. ونحو ذلك. أما العلاقة بين العبد ونفسه فيصلحها: الطمأنينة، والسكينة، وانشراح الصدر.. ونحو ذلك. وفيما يتعلق بعلاقة الإنسان بالآخرين فإنها تصلح بالألفة، والرأفة، والرحمة.. ونحو ذلك، ومرد ذلك جميعه إلى صلاح القلب وما يتبعه من صلاح الجسد كما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الذي أوردناه سابقا.   (1) صحيح مسلم (2564) ، وانظر صفة التقوى. (2) آل عمران/ 102. (3) تفسير ابن كثير (1/ 369) . (4) فصلت/ 30. (5) جامع العلوم والحكم (193- 194) بتصرف. (6) مدارج السالكين (2/ 103) وما بعدها (بتصرف) . (7) انظر صفة الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فخلاصة القول أنه متى ما صلح العقل والقلب صلحت الجوارح وصلح اللسان وبذلك تصلح الأقوال والأفعال وثمرة ذلك كله صلاح الأحوال في الدارين الأولى والآخرة. الأمراض القلبية التي يعالجها الابتلاء: الابتلاء يمحص القلب ويخلصه من الآفات التي تعرض له من الشبهات والشهوات مثل: - الغفلة.- الغل.- الغيظ والغضب.- الكبر.- النفاق.- اللهو واللعب.- الحسد. - الحقد.- الوسوسة.- الشك والريبة.- القسوة وما يتبعها من الغلظة والفظاظة.- الغي. - الابتداع والزيغ. وقد عقدنا لهذه الخصال المذمومة ونحوها قسما خاصا بها في المجلدات (9- 11) ، وقد أغنانا ما ذكرناه هناك عن الإعادة هنا. تزكية القلب: أما زكاة القلب فإنها تحصل بأمور منها: الصدقة، فإنها لما كانت تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار صار القلب يزكو بها، وزكاته معنى زائد على طهارته من الذنب، وكذلك ترك الفواحش يزكو بها القلب، إذ هي بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن، فإذا تاب الإنسان من الذنوب تخلصت قوة القلب وإرادته للأعمال الصالحة، واستراح القلب من تلك الحوادث الفاسدة التي كانت فيه، وهكذا فإن التزكية وإن كان أصلها النماء والبركة وزيادة الخير فإنما تحصل أيضا بإزالة الشر، فلهذا صار التزكي يجمع هذا وهذا «1» . إن تزكية النفس أو القلب إنما تعود على صاحبها، فهو الذي يجني ثمرتها في الدنيا والآخرة مصداقا لقوله تعالى: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ «2» .   (1) الفتاوى، 96، 97 (باختصار) . (2) فاطر/ 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الفصل الخامس تعامل المسلم مع مواقف الابتلاء ذكرنا أن المسلم، بل الإنسان عامة يعيش دائما في لحظة ما من لحظات الابتلاء، إذ هو فيما يتعلق بالابتلاء التكليفي إما في طاعة أو معصية، وفيما يتعلق بابتلاء الفتنة إما في رخاء ودعة يرفل في ثياب النعمة أو في ضيق وكرب وشقاء، تتكالب عليه صروف الدهر ويذوق البأساء أشكالا وألوانا، فماذا يصنع في كل هذه المواقف؟ على هذا السؤال سوف نجيب في الفقرات الآتية: أولا: تعامل المسلم المبتلى بالضراء. ثانيا: تعامل المسلم المبتلى بالسراء. ثالثا: تعامل المسلم المبتلى بالمعاصي. رابعا: تعامل المسلم المبتلى بالطاعات. أولا: تعامل المسلم المبتلى بالضراء: إذا ابتلي المسلم في بدنه أو أهله أو ماله، فإن عليه أن يسير وفق المنهج الإسلامي الصحيح لمواجهة مثل هذه الحالة وتتلخص خطوات هذا المنهج في النقاط الآتية: 1- اليقين والرضا: - الخطوة الأولى: على المسلم أن يعتقد اعتقادا جازما بأن هناك حياة أخرى هي خير من هذه الحياة، قال تعالى: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى «1» ، وقال سبحانه: وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ «2» ، ويعني اعتقاد هذا أن تلك المحنة مهما طالت فهي إلى زوال، لأن الدنيا نفسها زائلة، وهي لا تعدو أن تكون دار امتحان وابتلاء، يقول الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ «3» . ومن هذا المنظور للحياة يتكون لدى الشخص المبتلى حوافز للرقي والسمو فوق المحنة، فيجاهد نفسه، ويقول عند المصيبة إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ «4» . وقد جعل الله هذه الجملة ذكر الذاكر بعد نزول المصائب، لأن المصائب لا تعدو أن تكون سلبا للنّعم التي سبق أن أنعم الله بها عليه، أو حرمانا من النعم التي أنعم الله بمثلها على عباده، والنعم لدى التحقيق هي ملك لله تعالى، والناس وسائر عباد الله الذين ينعم عليهم بالنعم هم أيضا ملك لله تعالى، ومصير العباد كلّهم أن يرجعوا إلى مالكهم، ومصير الأشياء كلّها أن تعود إلى مالكها سبحانه وتعالى، فهو الذي يقول في كتابه: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ «5» . وقال سبحانه: يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ «6» .   (1) الأعلى/ 17. (2) النحل/ 30. (3) العنكبوت/ 2- 3. (4) البقرة/ 156. (5) الذاريات/ 58. (6) فاطر/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فإذا ابتلى الله المؤمن فاستردّ منه نعمة كان قد وضعها بين يديه ليبتليه بها، فإن المؤمن يتذكّر بسرعة أنّ الله هو مالك كلّ شيء، يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ «1» ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «2» . ويتذكّر أيضا أنه هو نفسه مملوك لله، وأنّ جميع الخلائق مملوكون له سبحانه وأنهم عباده، وأنهم جميعا راجعون إليه، فإذا رجع الملك إلى مالكه فعلام الحزن؟ وعلام الأسى؟ ولم الاعتراض؟ ولماذا التسخط؟ فحينما يتذكّر المؤمن قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ «3» ، وتذكر هذه الحقائق يعلن عبارة الإيمان التي تدلّ عليها فيقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. هذه العقيدة الإيمانية رحمة من الله تملأ القلوب طمأنينة وتسليما، ورضى عن الله- عز وجل- فيما جرت به مقاديره «4» . فما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن يتمثل دائما قول الله تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «5» ، ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ «6» . ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ «7» . أي بمشيئته وإرادته عز وجل. قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، وفي الآية بيان بأن من ثواب الصبر هداية القلب، وصح في الحديث «لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له» والله عز وجل يقول: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «8» . وعليه أن يعلم يقينا أن الله وحده هو الذي يملك كشف الضر عنه مصداقا لقوله سبحانه: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ «9» . وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ «10» . إن هذا الاعتقاد الجازم وذلك اليقين الإيماني يجعلان المبتلى يجدد صلته بخالقه ويجلب له سعادة واطمئنانا، ويلقي عليه من السكينة عند وقوع البلاء ما يجعل نفسه آمنة مطمئنة راضية بقضاء الله وقدره، وهنا يستطيع المسلم أن يتخلص من الاضطرابات الانفعالية التي تصيب المرء عادة عند وقوع البلاء، وأفضل علاج نفسي لهذه الحالة هو ذكر الله- عز وجل- أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ «11» . وتلاوة القرآن، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «12» ، «13» .   (1) فاطر/ 15. (2) الحديد/ 29. (3) الروم/ 40. (4) الأخلاق الإسلامية (2/ 475- 476) . (5) التوبة/ 51. (6) الحديد/ 22- 23. (7) التغابن/ 11. (8) البقرة/ 216. (9) يونس/ 107. (10) القصص/ 68. (11) الرعد/ 28. (12) الإسراء/ 82. (13) بتصرف واختصار عن: روح الدين الإسلامي (ص 177) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 إن الإيمان وما يتبعه من الاحتساب، والتوكل على الله، والرضا بقضاء الله وقدره والإيمان به، والذكر، وتلاوة القرآن «1» هو المسكن الأول أو الخطوة الأولى في علاج ما ينتاب المبتلى بالضراء وهي تنقذه من أن يقع فريسة لانشغال الفكر بالهموم المادية أو المعنوية ومن تشتت العقل بتأثير القلق على المستقبل، كما أنها تبعد عنه الوساوس التي تعصف بالإنسان وتجعله غير قادر على القيام بواجباته. وقد أخبر الله عز وجل عن عموم قدرته وقهره لكل ما سواه، وذل كل شىء لعظمته، فقال: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «2» . وبمعرفة أنه سبحانه على صراط مستقيم، في كل ما يقضيه ويقدره فلا يخاف العبد جوره ولا ظلمه، فإنه على صراط مستقيم. فهو سبحانه ماض في عبده حكمه، عدل فيه قضاؤه، له الملك وله الحمد، لا يخرج تصرفه في عباده عن العدل والفضل، إن أعطى وأكرم وهدى ووفق فبفضله ورحمته، وإن منع وأهين وأضلّ وخذل وأشقى فبعدله وحكمته، وهو على صراط مستقيم في هذا وهذا. وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد: «ما أصاب عبدا قط هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرجا، قالوا: يا رسول الله ألا نتعلمهن؟ قال: بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن» «3» . 2- الصبر والاحتساب: تتمثل الخطوة الثانية في الصبر على آثار الابتلاء- أو بالأحرى- الحالات الناجمة عنه من الملل والقلق والاضطراب والوساوس، في الصبر الجميل «4» والاحتساب تأسيا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي أمره ربه بالصبر على الأذى أسوة بأولي العزم من الرّسل، قال تعالى: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ «5» ، وقال عزّ من قائل: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «6» ، فهذا الصبر يجعله في معية الله تعالى، مصداقا لقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* «7» ، كما يجعله من أهل محبته، فهو سبحانه القائل: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ «8» ، وأن يتيقن أن مع العسر يسرا وأن مع الكرب فرجا وأن الله سبحانه هو الذي يكشف ضره، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا*   (1) انظر صفات: الإيمان- اليقين- الذكر- تلاوة القرآن- الرضا- الاحتساب، من هذه الموسوعة. (2) هود/ 56. (3) الداء والدواء ص 349، وانظر الحديث في صفة التوسل ج 4، ص 1373، وقد خرّجناه هناك. (4) الصبر الجميل: هو الصبر الذى لا شكوى معه، انظر صفات: الصبر، الاحتساب، الرضا، القناعة والسماحة في مواضعها من هذه الموسوعة. (5) الأحقاف/ 35. (6) الأنعام/ 90. (7) البقرة/ 153. (8) آل عمران/ 146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ* «1» ، وأنه ستشمله رحمة الله تعالى فهو سبحانه: ... الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ «2» ، ويقول سبحانه: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً «3» ، ويقول تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً «4» ، وأن من تمام رحمته سبحانه أن يكفر عنه بهذه البلايا ما سبق من سيئاته، فقد جاء في الحديث الشريف: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه» «5» ، وليعلم أن جزاء الصبر هو الفوز برضوان الله تعالى والفوز بالجنة، كما قال تعالى: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ «6» . 3- محاسبة للنفس تعقبها التوبة والاستغفار: - الخطوة الثالثة: على المسلم إذا ابتلي بالضراء أن يتأمل حياته الحالية والماضية وينظر أيضا في نواياه المستقبلية، وأن يعلم أن ما أصابه من حسنة فمن الله تعالى وما أصابه من سيئة فمن نفسه، كما قال تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ «7» ، فإن وجد ذنوبا- وما أكثرها- فليبادر إلى محاسبة نفسه، وأن يتلمس عيوبه، لأن جهله بها من أكبر ذنوبه، والفاجر لا يحاسب نفسه، أما المؤمن فذو نفس لوامة، تلوم على الشر، لم فعلته؟ وتلوم على الخير، لم لا تستكثر منه؟ «8» ، ويترتب على ذلك اللجوء الفوري إلى التوبة النصوح، والتطهر من الذنوب، والإكثار من الاستغفار، فالتوبة تجعل التائب من أهل محبة الله- عز وجل-: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «9» . والاستغفار له أثره العظيم في جلب الرزق ودفع البلاء، يقول تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً «10» . كما أن الاستغفار من موجبات رحمته تعالى، سبحانه هو القائل: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ «11» . وهو أيضا من مبعدات عذابه، أليس هو القائل: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «12» ، وهو أيضا من الوسائل الجالبة للخير العميم والمتاع الحسن خاصة عند اقترانه بالتوبة، يقول الله تبارك وتعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ «13» ، «14» ، ويقول عز من قائل: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ   (1) الأنعام/ 17. (2) الشورى/ 28. (3) الطلاق/ 7. (4) الشرح/ 5- 6. (5) انظر هذا الحديث في صفة الاحتساب، ج 2، ص 65، وقد خرّجناه هناك. (6) المؤمنون/ 111. (7) النساء/ 79. (8) انظر في معنى اللوم، والنفس اللوامة تفسير ابن كثير 4/ 447- 448. (9) البقرة/ 222. (10) نوح/ 10- 12. (11) النمل/ 46. (12) الأنفال/ 33. (13) هود/ 3. (14) انظر صفات: الاستغفار والتوبة ومحاسبة النفس والفوائد التي ترجع إلى الإنسان من التحلي بهذه الصفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ «1» . 4- الاستقامة والتقوى: - الخطوة الرابعة: التزام الاستقامة والتقوى. أما الاستقامة فلأنها أقوى سبب للرقي الإيماني، وما انتشرت في قوم إلا صلح حالهم وزاد إقبالهم على الخير، والمستقيمون هم الذين وعدهم الله عز وجل بإذهاب الحزن وإبعاد الخوف عنهم في الدنيا والآخرة «2» ، يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ* نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ «3» . ويطمئنهم الله بقوله: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «4» . أما التقوى فهي من مفاتيح السعادة لأنها تجعل المؤمن في معية الله تعالى وتجلب رحمته ورزقه، قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ «5» ، كما أنها مفتاح للخروج من الأزمات ومجلبة للرزق، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ «6» . وقبل ذلك وبعده، فالتوبة تجعل العبد من أهل محبة الله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ «7» . ويترتب على الالتزام بالاستقامة ومداومة الطاعة الورع والابتعاد عن مواطن الشبهات ورفقاء السوء من الفجّار والمنافقين وأهل الفسق والضلال، يقول الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ «8» . ويقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» «9» . 5- الدعاء والتضرع والتوكل على الله: - الخطوة الخامسة: التوجه بالدعاء إلى الله- عز وجل- والتضرع إليه والاستغاثة به أن يكشف ما به من سوء، وأن يرزقه العافية، وذلك كما حدث من نبي الله أيوب- عليه السلام- ويستحب أن يتوسل إلى الله- عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها «10» ، كما يستحب أيضا أن يدعوه بصالح أعماله كما حدث من الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم ففرج عنهم «11» . وبعد الدعاء، تأتي الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ   (1) آل عمران/ 133- 136. (2) روح الدين الإسلامي (ص 305) . (3) فصلت/ 30- 32. (4) الأحقاف/ 13. (5) الأعراف/ 156. (6) الطلاق/ 2- 3. (7) آل عمران/ 76. (8) الزخرف/ 67. (9) رواه أبو داود والترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، انظر الحديث رقم 2484. (10) الأعراف/ 180. (11) انظر تلك القصة في هذه الموسوعة، صفة التوسل، ومن الدلالات العظيمة لهذه القصة أن التوسل لا يكون إلا بصالح الأعمال، أما ما يفعله الجهال من التوسل بالأنبياء والأولياء والقبور ونحوها، فإن هذا لا يجدي نفعا، وإنما قد يوقع صاحبه في الشرك- أعاذنا الله من ذلك-، وانظر أيضا صفة التوكل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً «1» ، فالشدة يعقبها الفرج، وإن مع العسر يسرا، يقول الشاعر: ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكنت أظنها لا تفرج وبعد التوكل واعتقاد الفرج فلا بد من الأخذ بالأسباب التي تساعده في الخروج من أزمة الابتلاء، يقول ابن القيم: فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التوكل، ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب وحدها، فالأسباب محل حكمة الله وأمره ونهيه والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره. قال تعالى: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ «2» ، وقال عز وجل: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ «3» ، وقد استغاث النبي صلّى الله عليه وسلّم والصحابة الكرام بربهم يوم بدر- ولنا في المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الأسوة الحسنة- فاستجاب الله لهم «4» ، وسجل القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ... «5» ، وقال عزّ من قائل: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ «6» . وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلّى الله عليه وسلّم حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا ونعم الوكيل «7» ، «8» ، وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» «9» . والتوكل يجعل صاحبه من أهل محبة الله تعالى الذي يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «10» . 6- التهيؤ النفسي لما بعد الابتلاء: - الخطوة السادسة: إذا لم يجد المبتلى ذنبا في الحال- وهذا نادر- فليعلم أن هذا الابتلاء تمحيص له، وتدريب على تحمل المشاق التي تؤدي في النهاية إلى ابتلاء من نوع آخر هو الابتلاء بالسراء أو التمكين في الأرض وهذا معنى قول الشافعي- رحمه الله- إن أحدا لا يمكّن حتى يبتلى «11» ، وذلك هو حال أولي العزم من الرسل   (1) الطلاق/ 2- 3. (2) الزمر/ 62. (3) غافر/ 60. (4) انظر صفات: الدعاء- الاستعانة- الاستغاثة- التوكل- الضراعة والتضرع، من هذه الموسوعة. (5) الأنفال/ 9. (6) الأعراف/ 56. (7) آل عمران/ 173. (8) البخاري- الفتح (8/ 4563) . (9) رواه الترمذي (2324) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (10) آل عمران/ 159. (11) انظر عبارة الشافعي التي وردت في سياق الإجابة عن سؤال: أيهما أفضل للمرء، الابتلاء أو التمكين؟ وقارن ب «الفوائد لابن القيم (286) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ومن اتبعهم من صالحي المؤمنين، ومما يقرّب هذه المسألة إلى الأذهان أننا نجد تقوية الجسم إنما تكون بممارسة الرياضات التي تستلزم مجهودا شاقّا، فكذلك تنمية القوة النفسية تستلزم التدريب على تحمل المشاق والابتلاءات، وكذلك قطف ثمار الزرع لا يتم إلا بعد بذل مجهود الحرث والزرع والسقاية. ولذا كان على الإنسان أن يفوض أمره إلى ربه، وألا يقنط وييأس من رحمة الله، قال تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ «1» ، والقنوط هو استبعاد الفرج واليأس منه، وهو يقابل الأمن من مكر الله، وكلا الأمرين ذنب عظيم، لما في القنوط من سوء الظن بالله، وسوء الظن مجلبة لغضب الله ولعنته، يقول الله تعالى: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً «2» ، وهو أيضا من أكبر الكبائر، فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: إن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: «الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله» «3» . وقد نهانا الله عز وجل عن القنوط مهما كان إسرافنا على أنفسنا، يقول سبحانه: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ «4» . 7- السكينة والطمأنينة: - الخطوة السابعة: إذا تاب المسلم واستغفر ربه، وأقلع عن معصيته، ودعا الله بصالح أعماله، وتوكل على الله، وأخذ بالأسباب ولم ينكشف ما به، فعليه أن يعلم ويتيقن أن ذلك لحكمة اقتضاها المولى عز وجل لا يعرفها الآن، وكفاه في ذلك أن يعد في معية الله تعالى وأنه من أهل محبته «5» ، ومن أظهر الأدلة على ذلك قصة الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام بأمر من ربه- عز وجل- كي يقي والديه من الطغيان والكفر «6» ولا شك أن الابتلاء بفقد الولد أخف كثيرا من الابتلاء بالكفر والطغيان، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالي: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً «7» : أي يحملهما حبه على متابعته في الكفر، وقال قتادة: لو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض المرء بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب «8» . ومن ثم وجب عليه الرضا حتى ينجو بنفسه من سخط الله تعالى،   (1) الحجر/ 56. (2) الفتح/ 6. (3) ذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه البزار والطبراني ورجاله موثقون (1/ 104) . (4) الزمر/ 53- 58. (5) انظر الخطوة الثالثة. (6) انظر هذه القصة القرآنية في سورة الكهف، الآيات (74، 75، 80، 81) . (7) الكهف/ 80. (8) انظر تفسير ابن كثير (3/ 104) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ويترتب على هذا الرضا أن يقذف الله في قلبه السكينة والطمأنينة «1» . وربما كان ما تكرهه نفسه هو عين الكرامة في حقه وهو وسيلته المستقبلية للحصول على أعلى الدرجات، يقول الله تعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «2» . ومن هنا تتجلى حكم التوكل والاحتساب والاستخارة «3» . في أمور العبد، فإن العبد قاصر عن إدراك ما ينفعه في دينه ودنياه ولذلك شرعت الاستخارة وتفويض الأمر إلى الله. ثانيا: تعامل المسلم المبتلى بالسراء: إذا ابتلى الله المسلم بالسراء وأنعم عليه بالصحة في بدنه، والسعة في رزقه، ومكّن له في الأرض، وأعطاه من الجاه أو العلم أو السلطان ما يسر به خاطره، فعليه أن يتصرف في هذا الموقف تبعا للخطوات الآتية: 1- الخطوة الأولى: اليقين الجازم بأن هذه الدنيا وما فيها عرض زائل، وأن الرّجعى إلى الله- عز وجل- ومن ثم فلا ينبغي أن ينسيه هذا المال أو الجاه ذكر الله- عز وجل- وافتقاره إليه يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ «4» ، وعليه أن يعلم بأن هذا اليقين هو أساس الإيمان الصادق، وأنه منه (أي اليقين من الإيمان) بمنزلة الروح من الجسد، وقد ورد في الأثر عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أن اليقين هو الإيمان كله «5» . 2- الخطوة الثانية: أن يحمد الله سبحانه ويشكره على ما أنعم به عليه، قال تعالى وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «6» ، وهذا الشكر ترجع فائدته للإنسان نفسه يقول الله سبحانه: وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ «7» ، «8» . 3- الخطوة الثالثة: أداء حق الله تعالى في هذا المال، ويتمثل ذلك في إخراج الزكاة، والصدقة والبر وبر الوالدين والإنفاق والإحسان إلى الفقراء والمساكين وتفريج الكربات، يقول الله تعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ «9» ، وفائدة هذا الإحسان إنما تعود للإنسان نفسه، مصداق ذلك قول الله تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها «10» ، وقد قرن الله- عز وجل- الإسلام بالإحسان، وجعلهما أفضل ما يتحلى به المسلم فقال عز من قائل: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ «11» ، وقال أيضا: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى «12» ، «13» . وقال عز وجل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ «14» . وقد ورد في الحديث: «إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع عباده يقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم» «15» . (أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا) ، وعن ابن عباس مرفوعا: «ما من عبد أنعم الله عليه نعمة وأسبغها عليه ثم   (1) انظر صفات: الرضا والسكينة والطمأنينة. (2) البقرة/ 216. (3) انظر صفة التوكل والاحتساب والاستخارة والسخط. (4) فاطر/ 15. (5) انظر صفة اليقين، وخاصة الأثر رقم 2 (ج 8 ص 3728) . (6) إبراهيم/ 7. (7) النمل/ 40. (8) انظر صفات: الحمد، الشكر، الذكر. (9) القصص/ 77. (10) الإسراء/ 7. (11) النساء/ 125. (12) لقمان/ 22. (13) انظر صفات الزكاة والصدقة والإنفاق والبر وغيرها من صفات تنطوي تحت لواء الإحسان، وقد أوضحنا هناك أن الإحسان يشمل أمرين: العبادات والمعاملات، واللفظ على إطلاقه يحتمل الأمرين جميعا. (14) النمل/ 89. (15) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 391) ، وقال: أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا، ولقد قيل بتحسين سنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 جعل حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعم للزوال» «1» . 4- الخطوة الرابعة: أن يلتزم بالطاعة والعبادة وإخلاص الوجه لله تعالى، وسائر الأعمال الصالحة لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ «2» ، وأن لا يأمن مكر الله لقوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ «3» ، إن الأمن من مكر الله يدل على ضعف الإيمان فلا يبالي صاحبه بما ترك من الواجبات، وفعل من المحرمات، لعدم خوفه من الله بما فعل أو ترك، وهذا من أعظم الذنوب، وأجمعها للعيوب، ومعنى الآية أن الله تبارك وتعالى لما ذكر حال أهل القرى المكذبين للرسل، بين أن الذي حملهم على ذلك هو الأمن من مكر الله وعدم الخوف منه، وذلك أنهم أمنوا مكر الله لما استدرجهم بالسراء والنعم فاستبعدوا أن يكون ذلك مكرا، قال الحسن: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، وقال قتادة: بغت القوم أمر الله ما أخذ قوم قط إلا عند سلوتهم وغرّتهم فلا تغترّوا بالله «4» . 5- الخطوة الخامسة: الابتعاد عن تلك الذنوب التي تسمى بالذنوب الملكية من نحو الجبروت والتكبّر والعظمة والقهر والاستعلاء في الأرض، وذلك كما حدث من فرعون وغيره من الجبابرة الذين طغوا في الأرض وعتوا عن أمر ربهم، ويتبع ذلك البعد عن الغرور وحب الثناء واستعباد الخلق وظلمهم واحتقار الفقراء والسخرية منهم ونحو ذلك «5» . وباختصار فإن عليه التخلي عن النظرة الفوقية واعتقاد أنه أعلى من الناس وأنهم دونه، وأن يتذكّر دائما أن فقير اليوم قد يصبح غني الغد وأن الأيام دولة بين الناس، مصداقا لقوله تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ «6» . إن على الإنسان المبتلى بالسراء أن يتذكر قدرة الله عزّ وجلّ على تغيير الأحوال في لمح البصر، وأن يعي معنى قول الله تعالى: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «7» ، فإذا لم يجد ذلك نفعا وأحس بطغيان المال فعليه أن يتذكر ضعفه وأنه يوما راجع إلى ربه، قال تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى * إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى «8» ، وعليه أن يعلم أن هذا الرزق إنما هو على حسب مشيئة الله تعالى وهو أعلم بأحوال عباده وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ «9» ، وعلى صاحب المال ألا يبالغ في الفرح به، لأن ذلك الفرح يؤدي به إلى البطر والترف كما أنه يؤذي الفقراء والمحرومين ويؤدي بالإنسان إلى الاستهتار بالنعمة وترك الحيطة لصروف الزمان «10» ، أما الفرح الحقيقي فينبغي أن   (1) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 391) ، وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد. (2) البينة/ 7. (3) الأعراف/ 99. (4) التوحيد وقرة عيون الموحدين، ص 374. (5) انظر في أنواع الذنوب، ومنها الذنوب الملكية، صفة العصيان (من هذه الموسوعة) . (6) آل عمران/ 140. (7) يونس/ 24. (8) العلق/ 6- 8. (9) الشورى/ 27. (10) بتصرف يسير عن: روح الدين الإسلامي (172) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 يكون بفضل الله وبرحمته مصداقا لقوله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «1» ، وإذا تخلّى عن هذه الذنوب فليتحلّ بأضدادها من نحو الخشوع والخشية والخوف من الله تعالى والتواضع والرحمة «2» ونحو ذلك. 6- الخطوة السادسة: البعد عن التشبه بالشيطان بارتكاب الذنوب الشيطانية «3» ، كما في الحسد، والبغي، والغل، والخداع، والمكر، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والافتتان بالمال أو الجاه أو السلطان «4» ، فهذه تؤدي إلى ذنوب الشح والبخل وحب التكاثر والجبن، ويتذكر قوله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ «5» ، وعليه أن يتحلى بعكس ذلك من صفات الحب والأمانة وسلامة الصدر والأمر بالمعروف ونحوها، كما يلزمه البعد عن سائر أنواع الذنوب الأخرى. 7- الخطوة السابعة: على المسلم أن يتذكر دائما أن التوسعة في الرزق أو البسطة في العلم أو الجسم ليست إلا اختبارا له من مولاه وليست بحال دليلا على إكرام الله- عز وجل- له، فقد نفى القرآن الكريم أن تكون كثرة المال أو الولد دليلا على رضى المولى تعالى، وإنما العمل الصالح هو الوسيلة الحقيقية للحصول على هذا الرضوان والقرب من الله- عز وجل- يقول سبحانه: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى «6» ، وهى على العكس من ذلك فتنة واختبار ينجح فيه من ينجح ويفشل فيه من يفشل، يقول الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ «7» ، والحذر من الفتنة يقتضي الابتعاد عن الترف لأنه يضعف الإرادة الإنسانية ويجعلها شديدة الحرص على التقليد واستمرار ما هي فيه فلا تتطلع إلى آفاق جديدة لإصلاح المجتمعات التي تعيش بين ظهرانيها، كما أن الترف مدعاة للانزلاق في هاوية المنكرات وإلى الفخر والعجب والتكاثر ورفض الحق «8» ، قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ «9» . لقد بلغ الصراع على المال أشدّه في هذا العصر، وصرف كثيرا من الناس عن ربهم وعن الأخذ بالقيم الأخلاقية النبيلة، وأدى إلى إثارة أغلب المشاكل التي يعانيها العالم اليوم وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض، ولهذا توجهت تعاليم القرآن إلى التخفيف من شرور المال وتحذير الناس من الانقياد الكلي له كي لا يفتنهم عن دينهم ويلهيهم عن ذكر الله «10» ، قال سبحانه في وصف المؤمنين: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ «11» . وعلى العكس من ذلك فقد أرشدهم   (1) يونس/ 58. (2) انظر هذه الصفات في مظانها في الموسوعة. (3) انظر في هذه الذنوب الشيطانية: صفة العصيان (من هذه الموسوعة) ، وقارن بابن تيمية، كتاب الإيمان، ج 5 (من الفتاوى) ص 73. (4) انظر هذه الصفات في مظانها في الموسوعة. (5) التكاثر/ 1- 2. (6) سبأ/ 37. (7) الأنفال/ 28. (8) سبأ/ 34. (9) انظر روح الدين الإسلامي (168) . (9) سبأ/ 34. (10) انظر روح الدين الإسلامي (169) . (11) النور/ 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 إلى كيفية التصرف الصحيح في تلك الأموال بقوله: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ «1» . ثالثا: تعامل المسلم المبتلى بالمعاصي: إذا ابتلي المسلم بارتكاب المعاصي أيّا كان نوعها «2» ، فإن عليه القيام بالخطوات الآتية: 1- الحياء من الله عز وجل والعفة عن محارمه: على المبتلى بالمعصية أن يتيقّن بأن هذه الدنيا وما فيها من ملذات هي بالقطع إلى زوال. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ «3» . وأن الإنسان لا ينفعه يوم القيامة سوى أن يأتي الله بقلب سليم، قال تعالى في وصف هذا اليوم: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ «4» ، ولا تتم سلامة القلب حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى نفس يناقض التجرد من شهوات الدنيا، وهذه الخمسة حجب عن الله تعالى لا بد للمسلم من التخلص منها بالاستعانة بالله- عز وجل- «5» . 2- استحضار العقوبة (الخوف- الخشية- الرهبة) : على العاصي أن يضع نصب عينيه أنه لن يفلت من العقاب، وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ* أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ «6» ، ويقول سبحانه: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ* وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ «7» ، وأن هذا العقاب قد يعاجله في الدنيا فتكون معيشته ضنكا وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى «8» ، ويرسل عليه أنواعا أخرى من الهموم والبلايا ما يجعله في نكد دائم وحزن مستمر، قال تعالى: كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ «9» . إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ «10» . وإذا أفلت العاصي من عقاب الدنيا فإن عذاب الآخرة أشق، قال تعالى: لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ «11» . وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى «12» . وقال عز من قائل: وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ «13» . وهذه تشمل الدور الثلاثة الدنيا والبرزخ والآخرة «14» .   (1) القصص/ 77. (2) انظر أنواع المعاصي في صفة «العصيان» من هذه الموسوعة. (3) فاطر/ 5. (4) الشعراء/ 88- 89. (5) الداء والدواء لابن القيم (219) . (6) ص/ 27- 28. (7) الجاثية/ 21- 22. (8) طه/ 124. (9) الأعراف/ 163. (10) البروج/ 10. (11) الرعد/ 34. (12) النازعات/ 40- 41. (13) الانفطار/ 14. (14) الداء والدواء ص 218. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ولكي يدفع عن نفسه هذه العقوبة فليعلم أن المؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب: (1) أن يتوب فيتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . (2) أن يستغفر فيغفر له. (3) أن يعمل حسنات تمحوها، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ «2» . (4) أن يدعو له إخوانه المؤمنون، ويستغفرون له حيّا أو ميّتا. (5) أن يهدوا له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به. (6) أن يشفع له نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم. (7) أن يبتليه الله تعالى في الدنيا بمصائب تكفّر عنه. (8) أن يبتليه في البرزخ بالصعقة فيكفّر بها عنه. (9) أن يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفّر به عنه. (10) أن يرحمه أرحم الراحمين «3» . 3- الإقلاع الفوري: الإقلاع الفوري عن الذنوب والمعاصي، ورد المظالم إلى أهلها، والاعتذار عن الإساءات والإهانات التي يكون قد آذى بها غيره، وأول ذلك اجتناب الكبائر، قال تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «4» . وقال سبحانه: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «5» . والابتعاد عن أماكن وأسباب وقوعها وعوامل إثارتها كالصحبة السيئة، ولا يكون ذلك إلا بالورع «6» والتقوى. 4- الاستغفار والتوبة: بعد الإقلاع عن المعاصي ورد المظالم والإهانات، يأتي الاستغفار والتوبة «7» فهما الباب الذي لا يغلقه الله في وجه أحد ما لم يغرغر، فالله عز وجل يغفر الذنوب جميعا (عدا الشرك بالله) ، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ* «8» . وعليه أن يتحلّى بصفتي العفو والصفح لأن ذلك مجلبة لمغفرة الله تعالى مصداقا   (1) المائدة/ 39. (2) هود/ 114. (3) الفتاوى لابن تيمية 10/ 45. (4) النساء/ 31. (5) الفرقان/ 70. (6) الورع يعني اجتناب الشبهات خوفا من الوقوع في المحرمات، والتحرج عنها ولا يكون ذلك إلا بملازمة الأعمال الجميلة. (7) انظر صفتي التوبة والاستغفار. (8) النساء/ 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 لقوله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» ، وعليه أيضا بالذكر فإنه من موجبات الرحمة وغفران الذنوب، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ «2» . 5- الثقة برحمة الله تعالى وسعة عفوه: لقد كتب الله على نفسه الرحمة بقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ «3» ، وهو سبحانه يغفر الذنوب جميعا مصداق ذلك قوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «4» ، وقال سبحانه: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ «5» . ويذكرنا ربنا بهذه الرحمة الواسعة في كل صلاة، بل في كل ركعة مرتين: الأولى في البسملة «6» ، والثانية في قوله سبحانه: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «7» . 6- جهاد الشيطان واتخاذه عدوّا: على المسلم بعد إقلاعه عن الذنب وتوبته واستغفاره أن يحصن مواقعه حتى لا يخترقها عدوه اللدود وهو الشيطان، قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً «8» .، وقال عز من قائل: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا «9» ، وقال سبحانه: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ «10» ، وعليه أن يعلم بأن هذا العدو اللعين يتخذ من الحيل والأساليب ما يجعله يرتدي ثياب الصديق، فيبذل الكثير من الوعود الكاذبة والأماني الخادعة، ويدعو أصحابه ليكونوا من أصحاب السعير، ثم لا يغني عنهم فتيلا عند ما يقضي الحق بين العباد، يقول الله تعالى: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «11» . يقول ابن القيم- رحمه الله- علّم الله سبحانه عباده كيفية هذه الحرب وذلك الجهاد فجمعها لهم في أربع كلمات فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «12» ، قال: والمرابطة هنا لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل منه العدو، ولزوم ثغر العين والأذن واللسان والبطن واليد والرجل، وعلى المسلم ألّا يخلي هذه الثغور فيصادف الشيطان منها ثغرا خاليا فيدخل منه، وهؤلاء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير الخلق بعد النبيين والمرسلين وأعظمهم حماية وحراسة من الشيطان قد أخلوا المكان الذي أمروا بلزومه يوم أحد «13»   (1) النور/ 22. (2) آل عمران/ 135. (3) الأنعام/ 54. (4) الزمر/ 53. (5) يوسف/ 87. (6) ويكون ذلك أيضا في جميع سور القرآن. (7) الفاتحة/ 3. (8) الإسراء/ 53. (9) فاطر/ 6. (10) يس/ 60- 61. (11) إبراهيم/ 22. (12) آل عمران/ 200. (13) يشير ابن القيم بذلك إلى موقف الرماة في غزوة أحد (انظر في ذلك قسم السيرة ص 300) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 فدخل منه العدو وكان ما كان، وجماع هذه الثلاثة (الصبر والمصابرة والرباط) «1» هو تقوى الله عز وجل إذ لا ينفع شيء منها بدون التقوى، ولا تقوم التقوى إلّا على ساق الصبر «2» . ولا شك في أن الاستعاذة بالله عز وجل من هذا الشيطان هي من أقوى الأسلحة التي يحصن بها المسلم نفسه من هذا العدو لأن معناها الاعتصام بالله تعالى واللجوء إليه لدرء شر ذلك الشيطان الرجيم، قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ «3» . 7- جهاد النفس وتزكيتها: اعلم أن النفس مجبولة على اتباع الشهوات ولا تزال على ذلك إلا أن يبهرها نور الإيمان، يقول الله تعالى في سورة يوسف عليه السلام وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ «4» . فلا يزال المؤمن طول عمره في مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء باستنزال نور رحمة الله، فكلما هاجت داعية نفسه إلى شهوات جسدية أو أهواء نفسية محرمة لجأ إلى الله وتذكر جلال الله وعظمته وما أعد للمطيعين من ثواب وللعصاة من عذاب فانقدح من قلبه وعقله خاطر يدمغ خاطر الباطل فيصير كأن لم يكن شيئا مذكورا. أما تزكية النفس فيعني التطهر من الأدناس والسمو عن النقائص، وهي بذلك تأخذ عند الله حظها من الرضوان وعند الناس حظها من الكرامة وقد وعد الله عز وجل بالفلاح من زكّى نفسه فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها «5» ، وقال عز من قائل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى «6» ، وقال جل من قائل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ «7» ، وقال سبحانه: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً «8» ، يقول ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: جعل المولى سبحانه غض البصر وحفظ الفرج هو أزكى للنفس وبيّن أن ترك الفواحش من زكاة النفوس، وزكاة النفوس تتضمن زوال جميع الشرور من الفواحش والظلم والكذب ونحوها «9» . رابعا: تعامل المسلم المبتلى بالطاعات: أصل الابتلاء بالطاعة هو تقلد الإنسان عهدة التكليف بالأمانة، يقول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا «10» . وبقبول هذه العهدة وحملها يتعرض الإنسان للثواب إن أطاع، وللعقاب إن عصى، وهذه سنة الله عز وجل في خلقه وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا* «11» .   (1) انظر صفة الصبر والمصابرة، وكذلك صفة جهاد العدو في مظانهما في هذه الموسوعة. (2) الداء والدواء ص 179- 180 (باختصار وتصرف) ، وقد أفاض- رحمه الله في وصف المعركة بين الإنسان والشيطان وصوّر التقاء الجيشين وكشف عن كيفية تحصين ثغور العين والأذن واللسان. (3) المؤمنون/ 97- 98، وانظر صفات: الاستعاذة والفتنة والغي والإغواء. (4) يوسف/ 53. (5) الشمس/ 9. (6) الأعلى/ 14- 15. (7) النور/ 30. (8) النور/ 21. (9) الفتاوى 10/ 199. (10) الأحزاب/ 72. (11) الأحزاب/ 62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 قد يظن الطائع أنه بمنأى عن الاختبار أو الابتلاء الذي يتعرّض له غيره من العصاة، وهذا اعتقاد خاطىء لأن الإنسان كما أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد يعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون ما بينه وبينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها «1» ، وهنا أيضا نجد مجموعة من الخطوات لابد أن يتحلّى بها الطائعون من أهمها: 1- الخطوة الأولى: أن يعلم يقينا أن الطاعة هي من توفيق الله عز وجل وبمشيئته، ولو شاء سلبها منه، وعليه أن يردد دائما قول الله: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ «2» . 2- الخطوة الثانية: أن يتحلى بالخوف من الله عز وجل وأن يرجوه قبول طاعاته، فقد كان السلف رضوان الله عليهم- كما أخبر الحسن البصري- قد عملوا بالطاعات، واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا «3» . 3- الخطوة الثالثة: ألّا يأمن الطائع مكر الله تعالى فينقلب بهذا الأمن من العصاة وهو لا يدري، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يكثر من الدعاء: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» «4» . 4- الخطوة الرابعة: ألّا يمن بطاعته على الله تعالى، قال تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «5» . 5- الخطوة الخامسة: أن يحذر الوقوع في البدعة فيعبد الله بغير ما أمر أن يعبد به «6» . (انظر صفة الابتداع) . 6- الخطوة السادسة: أن ينأى عن التطرّف والتشدّد في أمر الدين فإنه لن يشاد الدين أحد إلّا غلبه «7» . (انظر صفتي الغلو والتعسير) . 7- الخطوة السابعة: أن يعلم أن هناك عدوّا هو الشيطان يتربّص به الدوائر ويريد الإيقاع به، وأنه قد يدخل عليه من باب الطاعة فيجعله مغترّا بها، متكبرا على غيره من العصاة، جاعلا نفسه في مكانه فوقهم (انظر صفة الغي والإغواء) . وبعد.. فهذه المحاولة المتواضعة للكشف عن علاقة الإنسان بهذه الحياة تقودنا إلى معرفة الطريق الصحيح للنجاح في الاختبارات التي نعايشها بصفة يومية ونتعرّض فيها لشتّى الابتلاءات، وقد تبيّن من خلال هذا الاستعراض أن التحلّي بخلق الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقد كان خلقه كما وصفته أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- القرآن، حيث كانت حياته الكريمة وسيرته العطرة تجسيدا حيّا لما جاء به، وقد أمرنا الله عز وجل باتباعه فيما يأمر أو ينهى عنه: وَما   (1) انظر صفة الأمن من المكر وقد ذكرنا هذا الحديث وغيره هناك، فارجع إليه. (2) الأعراف/ 43. (3) انظر الأثر رقم (10) في صفة الطاعة. (4) انظر صفة الأمن من المكر ج 9، ص 400 عمود 2. (5) الحجرات/ 17. (6) انظر صفة الابتداع. (7) انظر صفة التعسير، وصفة الشدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1» . وإذا كنا نرجو الله واليوم والآخر فلنا فيه صلّى الله عليه وسلّم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة، وقد تبيّن من خلال هذا العرض الموجز لدورة الحياة وعلاقة الإنسان بها أن هذه الدنيا ليست هي الغاية الحقيقية للمؤمن الحق، وإنما غايته العظمى في الدار الآخرة، قال الله تعالى: وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ «2» ، وفي الآخرة حيث مستقر الرحمة تجد المؤمن ذا وجه مشرق وضّاء تعلوه الفرحة ويملؤه البشر وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ «3» . هذه الوجوه لا تخفى على أحد لأنها مجللة بنضرة النعيم الذي أعده الله للأبرار، قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ* يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ* خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ «4» . ومن هنا فقد وفقنا الله عز وجل فأسمينا هذه الموسوعة (نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم) وفي هذا رجاء بشارة لمن يتبع الرسول الكريم ويتحلى بأخلاقه فهو الذي جاء ليزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة لنكون من أصحاب (نضرة النعيم) في الآخرة، أي أن المتمسك بالأخلاق والآداب التي جاءت في موسوعة (نضرة النعيم) في الدنيا سيكون إن شاء الله تعالى من أصحاب (نضرة النعيم) في الآخرة، ليس هذا فحسب وإنما سيكون قريبا من الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ومن أحب الناس إليه، وقد جاء في الحديث الصحيح: «إنّ من أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا» «5» . وختاما فإنني أدعو الله عز وجل أن يبارك في هذه الموسوعة وأن يجعلها فاتحة خير لكل من يقرؤها وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح جدة- المملكة العربية السعودية في العشرين من شعبان سنة 1418 هـ الموافق 21 من ديسمبر سنة 1997 م   (1) الحشر/ 7. (2) النحل/ 30. (3) عبس/ 38- 39. (4) المطففين/ 22- 26. (5) انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم 9، وقد خرّجناه هناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الأخلاق والقيم التربوية في الإسلام تقديم للأستاذ الدكتور علي خليل أبو العينين أستاذ أصول التربية الإسلامية ووكيل كلية التربية- جامعة الزقازيق- فرع بنها أ- تمهيد: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ... فإن الله ميز الإنسان عن غيره من الكائنات التى تعيش معه بأنه كائن أخلاقى أي مدرك للقيم الخلقية، قادر على الإتيان بها وفعلها، قادر- بإذن الله- على بناء عالم داخلى له يسلك على مقتضاه بعلم واقتدار، ولعله لهذا السبب وضع فى مكانة سامية لم يصل ولا يصل إليها أى كائن آخر، فهذا الإدراك وهذا الفهم وهذا الوعي هو الذي أهّله لشغل تلك المكانة التي يتقلدها باقتدار، بل هو الحد الفاصل بينه وبين غيره. وقد شاء الله تعالى أن تقوم حياة المجتمع الإنسانى على أساس معيارى، يعكس حياة معنوية يمثلها الأفراد، تتميز بالقوة والأصالة. تفسير ذلك أن المجتمع يتمثل ويتجسد من خلال نظام مكون من الأعضاء والوظائف، يميل إلى الاحتفاظ بذاته بعيدا عن العوامل الهادمة التى تهدده من الداخل أو من الخارج. ومن أجل ذلك يميل الأفراد فى اتصال مشاعرهم الفردية أن يكون هذا الاتصال تعبيرا عن روابط متقاربة تتيح الفرصة لاتصال جيد، وتؤكد مناخا جيدا لتواصل منتج، وبالتالى تتاح الفرصة لتلك المشاعر أن يؤثر بعضها فى البعض تأثيرا إيجابيا، ومن ثم تنبعث حياة نفسية من نوع آخر يختلف عن حياة الفرد بصورة خاصة. والمجتمع الإنساني في عمومه «لا يتكون دون وجود هذا البناء المعياري، وهو بالإجمال أفكار تنطوي على صورة الحياة الاجتماعية، وتتضمن الملاحظات التي تتعلق بها، ويحمل البناء الخطوط الأساسية لتلك الحياة وتطورها» «1» . وهذا البناء المعياري هو قواعد للسلوك، هى بالأحرى مقاييس من خلالها يحكم على السلوك بأنه مقبول أو غير مقبول، وتشكل فى النهاية نوعا من التحديات الثقافية للسلوك المرغوب فيه، وتعطي الفرد كما تعطي المجتمع شكله وشخصيته وهويته، وهذا كله يضمه ويحتويه معنى القيم الخلقية. وتعتبر الأخلاق صورة المجتمع، لأنها الضابط والمعيار والموقف الأساسي للسلوك الفردي والاجتماعي، أو القواعد الأساسية الممنوحة من الله للإنسان لتنظيم حياته، وهي تنتظم فيما يسمى بالبناء الخلقي أو النظام الخلقي   (1) محمد نور: الإنسان ومجتمعه- القاهرة- 1984، ص 26، 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 الذي يعكس أهداف المجتمع، ومصادر تكوينه وطبيعة بنائه. والمجتمع الإسلامى له أخلاقه التى تضبط وتحدد السلوك، بمعنى أن له بناءه المعيارى، الذي نبع فى الأساس من المصدرين الأساسيين: القرآن والسنة المطهرة، فالقرآن بما أتى به من مكارم الأخلاق التي تجسدت فى شخص الرسول الكريم وترجمت فى أقواله وأفعاله هى المصدر الأساسى المعتمد للقيم فى المجتمع الإسلامي. إلا أن هذا المجتمع يعيش- فى الأزمنة المعاصرة- مشكلات متراكمة مستعصية، أبرزها تردده بين قطبين، فهو ينجذب نحو حياة معاصرة بما فيها من إنجازات مادية وفكرية لابد أن يتعايش معها ويفهمها ويعيها من ناحية، وتشده ذات متأصلة أصيلة لا يمكنه الفكاك منها من ناحية أخرى، وقد سحبت هذه الإشكالية- بالذات- ظلالها على كافة مكونات حياة الإنسان المسلم المعاصر، بما فى ذلك عماد حياته وهو القيم الخلقية، حتى غدت الشغل الشاغل للمفكرين المسلمين، وكما عبر عن ذلك أحد مفكريها بقوله: «ولعل أكبر قضية تواجهنا هى انقطاع صلتنا بمصادرنا الحضارية التى نستمد منها كل عاداتنا وتقاليدنا، ومسلكنا الخاص والعام، فعلاقتنا بتراثنا علاقة تقليد سالب يتوارثه الخلف عن السلف، ولذا جمدت شخصيتنا، وجمد النظر إلى تراثنا الذى هو بمثابة السياج لتحركنا الفردى والجماعي، لأننا نتدراسه ولا نتأمله ولا نجيل فيه النظر، ولا نجرى فيه من التحوير والتطوير بما يتلاءم وتغير الأحوال والظروف، فظلّ حبيس الكتب فى معظم الأحوال، وحبيس الذاكرة فى بعضها لقرون طويلة» «1» . إن الغزوة الاستعمارية أبدلت المثقفين ثقافة بثقافة، ولهذا ظل تراثنا بعيدا عن الحياة الفاعلة، وانقطعت عقول المفكرين عن التعامل معه وإخصابه بالتأمل والاجتهاد والتلاقح بتيارات الفكر المعاصر، وبالتالى فقدت كل المؤسسات الاجتماعية المنبثقة عنه حيويتها وانفعالها، وفعاليتها، وجفت صلتها بالحياة، ومن ثم أهملت لتحل محلها مؤسسات وأفكار أخرى كان من نتيجتها ازدواجية فى الحياة وفى الفكر انعكست آثارها على حياة المجتمع والأفراد» «2» . إن أبعاد هذه الإشكالية وآثارها واسعة عريضة، وفى مجال الأخلاق على وجه الخصوص، ولذا فإنه من الملح الآن وللمستقبل القريب والبعيد، وبعد معايشة التجارب، تلمس بناء تربويا يستند على أهداف قوية وصحيحة وسليمة، تستلهم قيم الأمة، القائمة على أصالة حقيقية تمتلك من مقومات الذات الأصيلة روحها فى غير انغلاق أو حرمان من إمكانيات العصر ومقوماته وثماره، ولا بد من إعادة القيم الخلقية الإسلامية إلى مكانها الصحيح، فى إطار التكامل بين الدين والدنيا، لتحقيق الوسطية التى هي حقيقة الإسلام، لأنه إذا انفصل الدين   (1) عون الشريف قاسم: الإسلام والثورة الحضارية، بيروت، دار القلم، 1400 هـ/ 1980 م، ص 26 (بتصرف) . (2) المرجع السابق: ص 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 عن الدنيا انشطرت الشخصية الفردية وتداعت علاقات المجتمع، وحدثت هزات وهزات فى المجتمع والفرد على السواء. وإذا كان مفهوم الاستقلال الذاتى من المفاهيم القوية السائدة فى المجتمعات المعاصرة، إذ أصبح يؤكد فى كل مجالات النشاط الإنسانى وحركته «على الخصائص الذاتية المميزة لشخصية المجتمع» مما يعني «تأكيد الهوية الثقافية» فإن الملاحظ أن المجتمع الإسلامي المعاصر يعانى من قصور فى تأكيد ذاته وهويته الثقافية، إلى جانب معاناته من قصور فى الوسائل الحضارية والمادية، ولعل هذا يعود فى معظمه إلى معاناته الحقيقية من تخلخل البناء المعياري القيمى، واهتزاز نسق القيم الخلقية، وبالتالى اختلال واضطراب فى الأهداف التربوية، التى تتأرجح بين مثالية ومادية، مثالية طموحة، وواقعية أو مادية مخلخلة مضطربة، وبتعبير أصح هو انفصام بين التصور والواقع المعاش، بين الغايات والوسائل. ومما زاد فى تفاقم الأمر تعرض العالم المعاصر لموجة من الاهتزازات الخلقية المتناقضة، وتتمثل فى مظاهر متضاربة ومتناقضة من الممارسات وأنماط السلوك الفردية والسياسية، والاجتماعية. التى تسلب الأفراد والجماعات السعادة والأمن والأمان والاستقرار، بل تضعف العلاقات فى ميادين الحياة المختلفة، ولقد أعطت التسهيلات المادية التكنولوجية الحديثة هذه الهزات والفجوات صفة العالمية، ولم يعد بمقدور مجتمع ما إغلاق منافذه أمامها أو النجاة منها» «1» . إزاء كل ما سبق، وفى سعي المجتمع الإسلامي فى تعدده وتنوعه إلى تحقيق الذات، والبناء الذاتى المتميز القادر على العطاء والإبداع، وتأكيد الهوية والشخصية، فإنه يمكنه أن يؤكد ذلك من خلال أهم ما يميزه وهو القيم الإسلامية النابعة من المصادر الأصيلة، والعلاقات الإنسانية التى يحاول التمسك بها، وأهميتها لا تنكر للمجتمع وللتربية، إذ أن القيم والأخلاق أهم عناصر العملية الاجتماعية- التربوية-، ويلاحظ أن ظهور القيم- عند البعض- هو الحد الفاصل بين الذاتية والموضوعية، وبين الحقائق والأحكام، وبين ما هو كائن، وما يجب أن يكون، وبين الغايات والوسائل، وبين المعقول واللامعقول. ومع هذا فإن بعض علماء القرن الحالي (العشرين) لا يطمئنون إلى موضوع القيم، بل ظهرت محاولات لاجتثاث علم القيم من العلوم الموضوعية، بل من المفاهيم السلوكية لموضوع التعلم، ولاستبعاده من الأسس السلوكية والنفسية، ورغم هذا؛ فإنهم عند إصدار الأحكام يجعلون للقيم دورا أساسيا تؤديه، لأن عملية إصدار الأحكام تبنى على وزن الأفضليات، وعلى الموازنة بين المساوىء والمحاسن، وعلى اختيار النتائج المترتبة مستقبلا على الأحكام الحالية، فإذا لم تكن هناك قيم، أو إذا كانت   (1) ماجد عرسان الكيلاني: اتجاهات معاصرة في التربية الأخلاقية، عمان، دار البشير 1991 م، ص 5 (بتصرف يسير) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 هناك قيم مهملة، فإنه لا يمكن التمعن فى الاختيار بين مساق ومساق، وبغير القيم تصبح الحياة مستحيلة «1» . إزاء هذا- أيضا- لا بد أن ندرك أهمية وجود منظومة الأخلاق والقيم المتميزة بالتعدد والمرونة فى ظل التقدم العلمي والتقني، والذى غدا يمس كل مكون من مكونات الحياة الإنسانية ولم يستطع أن يحل مشكلات الإنسان المعاصر، فبالرغم من مساهماته، إلا أننا نرى اضطرابات ومؤثرات اجتماعية واقتصادية وسياسية، هذا إلى جانب تفاقم مشكلات العمل والصراع بين الفقراء والأغنياء من الدول، وتفاقم المنازعات الإقليمية، إلى جانب مشكلات أخرى تعمل كلها على تقويض حضارة العالم كله. وامتد أثر ذلك كله إلى المجتمع الإسلامي فى تربيته وتعليمه، وعلى بناء الشخصية المتميزة فى هذا المجتمع، فخصائص المجتمع وأمراضه الخلقية تفرض مراجعة الذات ونقدها وتحليلها من أجل تأكيد القيم التى تعتبر الأساس السليم لبناء تربوى متميز، لأن التقدم الأعمى الذى لا يقوم على أساس قيمى لا بد أن يؤدى إلى تعريض الشخصية للضياع. ويتأكد ذلك فى خضم نتائج التيارات الفكرية المتصارعة، ووسط ذلك الزخم الهائل المتراكم عن التربية الإسلامية، وعلى كافة الأصعدة الفكرية فى موجات البحث عن الذات، وعن الوعي بها، وإذا كان ثمة أفكار طرحت فى سبيل تربية الإنسان وبناء شخصيته، فإننا قد نجد منها الكثير مما يسير فى طريق أحادى التفسير، يرى فى التكوين الجزئي سبيلا إلى تكوين الشخصية الإنسانية، فى حين أن المفروض أن ينظر إلى الأمر بطريقة متكاملة، بحيث تصاغ تلك الشخصية المتكاملة، بطريقة متكاملة، لا اهتمام فيها بجزء من الشخصية لحساب جانب آخر. ولتوضيح أهمية هذه الفكرة لعله من المهم استشارة مفهوم التربية ذاته، والمؤثرات التى تساعدها، فالتربية هي تعني: «مجموعة المؤثرات المعينة التى تمتد إلى إحداث تغيرات لدى الأفراد حتى يكتسبوا سمات الشخصية التى نتفق على اعتبار أنها قد تزودت بالخصائص التربوية، فالأمر المسلم به أن الفرد لكي يتسنى الحكم عليه بأنه قد تمت تربيته، فإن ذلك يعني أنه قد تعلم أن يصبح شخصا سويّا» «2» . ولذلك فإن هناك عددا من المؤشرات التي تصحب عملية التربية طبقا لهذا المفهوم وتتمثل فيما يلى: 1- مجموعة المعارف والمهارات والاتجاهات معبرا عنها فى أهداف سلوكية. 2- مجموعة القيم والمثل العليا التي تنبني عليها وتتضمنها العملية التربوية.   (1) جيمس و. بوتكن، د. مهدى المنجدة، ومرسيا مالتزا: التعلم وتحديات المستقبل، إعداد وتقديم: عبد العزيز القوصي، القاهرة، المكتب المصري الحديث، 1981 م، ص 89. (2) نبيه يس: أبعاد متطورة في الفكر التربوي، القاهرة، مكتبة الخانجي، د. ت، ص 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 3- مجموعة الطرق والأساليب المستعملة لإمداد المتعلم بالمجموعتين السابقتين «1» . ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن الحياة الإسلامية ترتبط ارتباطا كليا بالقرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة فإن مصادر اشتقاق أى نظام ملائم وموافق للحياة الإسلامية إنما يكون من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة، ومن ثم فإن اشتقاق النظام الخلقي فى الإسلام يكون هذان مرجعه، فالقرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد المحفوظ بقدرة الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وفيه شمول لكافة جوانب الحياة، محددة بصورة بليغة دقيقة. ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ. أما السّنّة، فهى ترجمة صادقة لحياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وليس هناك إنسان فى التاريخ البشري كله نقلت حياته بصورة تفصيلية مثلما نقلت حياة الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، بل لقد اخترعت المناهج العلمية من أجل تنقيح وتحقيق وتمحيص السنة والسيرة، ولقد كان ذلك، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو القدوة للبشرية كلها، ولأننا مطالبون بأن نقتدي بسيرته صلّى الله عليه وسلّم قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (آل عمران/ 31) . ومن ثم كان التوجه إليهما لاكتشاف النظام الخلقي ومكارم أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم استرشادا بها لصياغة تربية خلقية رشيدة، والهدف من وراء ذلك: 1- إبراز دور القيم الخلقية الإسلامية فى صياغة الحياة الإسلامية وأهدافها، وفى إصدار الأحكام وتحديد الأفضليات، والتمييز بين المزايا والمساوىء، واختيار النتائج المترتبة على الأحكام، فالبحث فى هذا المجال يعني تأكيد الاختيار، لأنه بغير تلك القيم الخلقية يصبح الاختيار فى مجال الأهداف والبرامج أمرا غير ممكن وغير واضح. 2- إبراز فعاليات منظومة الأخلاق الإسلامية فى ظل التقدم العلمي والتقني المعاصر، وما صحبه من اضطرابات ومؤثرات تمس كل مكونات الحياة الإنسانية، حتى غدت مشكلة الأخلاق هى المشكلة المتفاقمة فى المجتمع الإنسانى كله. 3- إبراز فعاليات دور منظومة الأخلاق الإسلامية فى مجال التربية بالذات، ترشيدا للجهد، وتأكيدا لدورها فى إعطاء شخصية المجتمع الإسلامي والفرد المسلم الملامح المتميزة عبر الأصالة. 4- الإسهام فى طرح أوسع لقضية الأخلاق الإسلامية، فالدراسات فى هذا المجال بالرغم من تعددها إلا أنها لم تزل قاصرة عن الإحاطة والشمول المطلوبين. 5- الإسهام فى صياغة أهداف الحياة الإسلامية، عن طريق إبراز القيم الخلقية الإسلامية، وهو أمر يحتمه   (1) محمد الهادي عفيفي: الأصول الفلسفية للتربية، القاهرة، الأنجلو المصرية، 1972، ص 279. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الواقع وتفرضه الضرورة فهو إسهام فى إعادة الوعي بالذات الإسلامية، فى مجال التربية، والدعوة، والتربية الأسرية، وما إلى ذلك. وينطلق البحث فى مجال الأخلاق الإسلامية من عدة اعتبارات مهمة، تأتى كمنطلقات مبدئية يدور البحث فى إطارها، وهي: 1- أن الإسلام منهج حياة، وهو ليس مجرد قواعد تعرف بأنها الإسلام، وليس مجموعة من المبادىء الأساسية التى تنطوى عليها هذه القواعد، إنه منهج حياة، حدد حركة المجتمع الإسلامى، وأوجد قواعد السلوك الفردي والاجتماعي ومعاييره، وذلك لضمان توجه الحركة نحو تحقيق أهداف الإسلام فى الحياة، وغايته فى إسعاد الناس أفرادا وجماعات فى الدنيا والآخرة، ومن ثم أتت جميع نظمه وقواعده ومعاييره وتصوراته وأخلاقياته وافية بحاجات الناس من جميع نواحيها. 2- أن الإسلام لا يعي مجرد الصلة بين الإنسان وربه فقط، وإنما هو توجيه شامل لحياة البشر، بما جاء فى القرآن الكريم والسنة المطهرة، وما صح من اجتهاد فى ضوئهما، ومعنى هذا شمولية أنظمته، وعدم اقتصارها على تحديد صلة الإنسان بربه فى وصفها التقليدي، بل فى وصف مبتكر، إذ أن تلك التصرفات تصب فى النهاية فى هذه العلاقة، ومن ثم ضمنت حسن التوجه. 3- أن مجال القيم الخلقية الإسلامية كما أتى فى المصادر الأساسية واسع فسيح، يمتد ليشمل ما يمكن أن يواجه حياة الإنسان من تغيرات فى إطار الثوابت، مما يعنى استيعابه كل ما يستجد فى حياة الناس ما لم يتعارض مع أصل من الأصول التي أتت فى شكل قيم إلزامية، وأوامر تكليفية. 4- أن القيم الخلقية الإسلامية هي المعبر الحقيقي عن ثقافة المجتمع الإسلامي، وهى فى حقيقتها قيم داعية إلى التقدم والتفتح والإبداع والابتكار ولا تقف ضدها بل هي التقدم ذاته. 5- أن البحث الأخلاقي ينطلق من مقولات أساسية تتمثل فيما يلي: أ- هذه الأخلاق ربانية المصدر ولأنها كذلك فهي تربي الإنسان على أفضل وجه وأحسنه يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (النساء/ 174) . ب- أن التمسك بأهداب هذه التربية الأخلاقية كما جاءت في القرآن الكريم والسنة المطهرة يقدم حلولا جذرية للمشاكل التي يعاني منها العالم المعاصر، لأن ذلك الحل الإسلامي في المجال الأخلاقي يشمل المجتمع الإنساني كله وما ذاك إلا لأن قاعدته متكاملة وشاملة، أي أن تفاصيل التربية الإسلامية تشمل الإنسان في كل ظروفه وفي جميع حالاته، وتتصل بجميع أنواع علاقاته، سواء مع الله- عز وجل- أو مع النفس أو مع الآخرين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 هذه التربية تعد الإنسان للحياة كما تعده للموت، وتربط بينه وبين محيطه المادي والمعنوي، وهذا الترابط ينتج عنه تكامل وتفاعل بين عناصر الوجود، وهو سر من أعظم أسرار الخليقة مكن التربية القرآنية من أن تتميز بالاستمرارية والعمومية لكل الناس في كل زمان ومكان. ج- التربية الإسلامية تهتم بالفرد كما تهتم بالمجتمع وتوازن بين احتياجات الدنيا واحتياجات الآخرة وبين القوة والرحمة، يقول الله تعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص/ 77) . 6- أن تنمية هذه الأخلاقيات منوط بالعملية التربوية ووظيفتها فى الوجود الاجتماعي، وذلك لا يكون إلا بالنظر إلى حركتها ككل مترابط شامل، فى علاقاتها المتشابكة بكل مكونات المجتمع، وبكل مكونات الحياة الفردية، ويعنى هذا أن القيم الخلقية الإسلامية تلعب الدور الأكبر فى تحديد دور التربية ووظيفتها، لأنها تتخلل كل مكونات المجتمع الإسلامي. 7- ترتبط القيم والأخلاق الإسلامية بالجزاءات الدنيوية والأخروية ولذا كان الوعد والوعيد والترغيب والترهيب وكان لها هدف أسمى وراء الالتزام (بعد الاختبار) القائم على وعي كامل لما جاء به الشرع وأمر بالالتزام به وذلك الهدف هو إرضاء الله تعالى ويأتي الجزاء بعد ذلك والذي لا يحرم منه الملتزم العابد «1» . ومن أجل بلوغ هذا الهدف التربوي لا بد أن يكون ما تصبو إليه ممكنا وهذا هو ما أثبته رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم بالفعل وبرهان ذلك أن الخلق النبوي الكريم ظل قائما مئات السنين وكان سيظل أسوة حسنة لقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب/ 21) . إن السبيل إلى الوصول إلى هذا الهدف السامي موضح بجلاء في كتاب الله تعالى بقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران/ 31) . وبهذا الجهد نتوجه إلى العالم الإسلامي بكافة فئاته وطوائفه، ذلك المجتمع المتطلع إلى التقدم الحضاري والدور المتميز فى العطاء الحضاري، والهداية الإنسانية، وعلى وجه الخصوص تلك الفئات التي تتعامل بطريقة مباشرة فى مجال بناء الإنسان، أعز ما يملكه هذا المجتمع، ومنهم: 1- المعلمون والمربون، الذين يشكلون القدوة لأبنائنا فى المدارس عبر مساحات العالم الإسلامي، ولهم تأثير واسع وكبير فى بناء شخصيات هؤلاء الأبناء.   (1) انظر في ذلك خصائص القيم الإسلامية ص 81 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 2- الإعلاميون، والذين لهم دور بارز وخطير في التعليم والتربية، وفي مجال التأثير المباشر وغير المباشر عبر وسائل الاتصال الحديثة والمتنوعة، والتي جعلت من العالم كله قرية صغيرة. 3- الدعاة وتأثيرهم الخطير فى مجال الاتصال بالجماهير، والذين يعتبرهم الناس أهل علم الإسلام، والقدوة الاجتماعية، ويزداد هذا العمل أهمية بالنسبة لهم فيما يواجه المجتمع الإسلامي من تحديات. 4- أولياء الأمور: خاصة فى العصر الذي نعيشه الذى يتسم بسرعة التغيير وسرعة الاتصال، وما يشوب وسائل الاتصال والتربية من شوائب، تتطلب من أولياء الأمور وعيا راشدا، وهذا ما تحاول أن تفعله الموسوعة. وسوف نلقي الضوء في الفصول التالية على ما يلي: أولا: مفهوم الأخلاق.. أصالتها في الفكر الإسلامي.. وظائفها. ثانيا: الأخلاق الإسلامية.. طبيعتها.. مصادرها.. أركانها. ثالثا: المنهج الإسلامي في تنمية القيم الخلقية. رابعا: وسائل تنمية الأخلاق الإسلامية. خامسا: وسائط تنمية الأخلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الفصل الأول مفهوم الأخلاق.. أصالتها في الفكر الإسلامي.. وظائفها ما الأخلاق؟ لكلمة «الأخلاق» وكلمة «خلقي» تأثير خاص، كان مدعاة للاختلاف حول تحديد هذا اللفظ، ومن ثمّ تعددت الآراء حول تحديد معنى الأخلاق لغة واصطلاحا على النحو الذي نوضحه فيما يلي:- الأخلاق لغة: الأخلاق في اللغة جمع خلق، والخلق اسم لسجية الإنسان وطبيعته التي خلق عليها، وهو مأخوذ من مادة (خ ل ق) التي تدل على تقدير الشيء. يقول ابن فارس: ومن هذا المعنى (أي تقدير الشيء) الخلق، وهو السّجية لأن صاحبه قد قدّر عليه، يقال: فلان خليق بكذا (أي قادر عليه وجدير به) ، وأخلق بكذا أي ما أخلقه، والمعنى هو ممن يقدّر فيه ذلك، والخلاق: النصيب لأنه قد قدّر لكل أحد نصيبه «1» . وقال الراغب: الخلق والخلق (والخلق) في الأصل واحد لكن خصّ الخلق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة «2» . قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم/ 4) ، الخلق العظيم هنا هو- كما يقول الطبري- الأدب العظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به وهو الإسلام وشرائعه، وقد روى هذا المعنى عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ المعنى: على دين عظيم وهو الإسلام. وعن مجاهد في قوله: خُلُقٍ عَظِيمٍ قال: الدين. وعن عائشة- رضي الله عنها- عند ما سئلت عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: «كان خلقه القرآن» . قال قتادة: تقول: كما هو في القرآن «3» . وذكر القرطبي أن المراد بالخلق العظيم أدب القرآن، وقيل: هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم، وقيل المراد: إنك على طبع كريم «4» ، وقال أيضا: حقيقة الخلق في اللغة هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب لأنه يصير كالخلقة فيه، وأما ما طبع عليه الإنسان من الأدب فهو الخيم أي السّجية والطبع، وعلى ذلك يكون الخلق: الطبع المتكلف، والخيم الطبع الغريزي، وقد ذكر الأعشى ذلك في شعره فقال: وإذا ذو الفضول ضنّ على المو ... لى وعادت لخيمها الأخلاق أي رجعت الأخلاق إلى طبيعتها «5» . وقد رجح القرطبي تفسير عائشة- رضي الله عنها- للخلق العظيم   (1) مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 214. (2) المفردات للراغب ص 158. (3) انظر هذه الآثار (وغيرها مما لا يخرج عنها) في تفسير الطبري، مجلد 12، جزء 28، ص 13 (ط. الريان) . (4) تفسير القرطبي 18/ 227. (5) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 بأنه القرآن «1» ، وسمي خلقه عظيما لأنه لم تكن له صلّى الله عليه وسلّم همة سوى الله تعالى، وقيل: لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، وقيل: لأنه امتثل تأديب الله إيّاه «2» . وقال الماوردي في الخلق العظيم ثلاثة أوجه: أحدها: أدب القرآن، الثاني: دين الإسلام، الثالث: الطبع الكريم وهو الظاهر. قال: وحقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب، سمي بذلك لأنه يصير كالخلقة فيه «3» . والخلاق: ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه «4» . قال تعالى: ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (البقرة/ 102) ، الخلاق قيل: النصيب، وقيل: الدين، وقيل: القوام، وقيل: الخلاص، وقيل: القدر «5» ، والأول قول مجاهد. قال القرطبي: وكذلك هو عند أهل اللغة إلّا أنه لا يكاد يستعمل إلّا للنصيب من الخير «6» . والخليقة: الطبيعة، وجمعها خلائق، قال لبيد: واقنع بما قسم المليك فإنّما ... قسم الخلائق بيننا علّامها والخلقة (بالكسر) الفطرة، يقال: خلق فلان لذلك، كأنه ممن يقدّر فيه ذلك وترى فيه مخائله. والخلق والخلق: السّجية، وفلان يتخلق بغير خلقه أي يتكلفه، قال الشاعر (سالم بن وابصة) : يا أيّها المتحلّي غير شيمته ... إنّ التّخلّق يأتي دونه الخلق «7» . وقال ابن منظور: الخلق هو الدين والطبع والسجية، وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها، ولهما (أي للصورتين) أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلّقان بأوصاف الصورة الظاهرة، ولهذا تكررت الأحاديث في مدح حسن الخلق «8» ، أما قول الله تعالى: إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (الشعراء/ 137) . فالخلق قيل: هو شيمة الأولين، وقيل: عادة الأولين، أما قراءة خلق (بفتح الخاء وسكون اللام) ، فالمراد به الافتراء والكذب «9» ، أي أنه في معنى الاختلاق وقال صاحب «التحرير والتنوير» في تفسير هذه الآية: الخلق السجية المتمكنة في النفس باعثة على عمل يناسبها من خير أو شر، وتشمل طبائع الخير وطبائع الشر ولذلك لا   (1) انظر حديث عائشة- رضي الله عنها- في صفة حسن الخلق (حديث رقم 5) . (2) تفسير القرطبي 18/ 228. (3) تفسير الماوردي (النكت والعيون) 6/ 61- 62. (4) مفردات الراغب 158. (5) تفسير البحر المحيط لأبي حيان 1/ 503. (6) تفسير القرطبي 2/ 56. (7) الصحاح 4/ 471. (8) لسان العرب 10/ 86 (ط. بيروت) ، وانظر هذه الأحاديث في صفة حسن الخلق. (9) لسان العرب 10/ 88 (ط. بيروت) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 يعرف أحد النوعين من اللفظ إلّا بقيد يضم إليه، فيقال: خلق حسن، وفي ضده خلق قبيح، فإذا أطلق عن التقييد انصرف إلى الخلق الحسن «1» . وقال الفيروزابادي: اعلم أن الدّين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين، وهو يقوم على أربعة أركان: الصبر والعفة والشجاعة والعدل، وذكر أن كل واحد من هذه الأربعة يؤدي إلى غيره من المكارم ويحمل عليه، فالصبر (مثلا) يحمل على الاحتمال وكظم الغيظ وإماطة الأذى والأناة والرفق وعدم الطيش والعجلة.. وقال أيضا: والتوسط منشأ جميع الأخلاق الفاضلة من هذه الأربعة «2» . الأخلاق اصطلاحا: لكي نوضح مفهوم الأخلاق الإسلامية، لابد من التعرّف أولا على المفهوم الاصطلاحي للفظي الخلق والأخلاق كما فهمه العلماء المسلمون، وسنحاول الكشف عن ذلك في الفقرات التالية: يذهب الجاحظ (ت: 255 هـ) إلى «أن الخلق هو حال النفس، بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار، والخلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعا، وفي بعضهم لا يكون إلّا بالرياضة والاجتهاد، كالسخاء قد يوجد في كثير من الناس من غير رياضة ولا تعمل، وكالشجاعة والحلم والعفة والعدل وغير ذلك من الأخلاق المحمودة» «3» . وكثير من الناس يوجد فيهم ذلك، فمنهم من يصير إليه بالرياضة ومنهم من يبقى على عادته، ويجري على سيرته. ويعرّف ابن مسكويه (ت: 421 هـ) الأخلاق بأنها «4» «حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية، وهذه الحال تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون طبيعيّا من أصل المزاج، كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو غضب ويهيج من أقل سبب، وكالإنسان الذي يجبن من أيسر شيء، أو كالذي يفزع من أدنى صوت يطرق سمعه، أو يرتاع من خبر يسمعه، وكالذي يضحك ضحكا مفرطا من أدنى شيء يعجبه، وكالذي يغتم ويحزن من أيسر شيء يناله. ومنها ما يكون مستفادا بالعادة والتدرّب، وربما كان مبدؤه بالروية والفكر، ثم يستمر أولا فأولا حتى يصير ملكة وخلقا» . أما الماوردي (ت: 450 هـ) فقال: الأخلاق «غرائز كامنة، تظهر بالاختيار، وتقهر بالاضطرار» «5» .   (1) تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 19/ 171- 172. (2) بصائر ذوي التمييز 2/ 568. (3) الجاحظ: تهذيب الأخلاق، دار الصحابة للتراث، ط 1، 1410 هـ- 1989 م، ص 12. (4) ابن مسكويه: تهذيب الأخلاق لابن مسكويه في التربية، دار الكتب العربية، بيروت، ط 2، 1401 هـ- 1981 م، ص 4، 5. (5) أبو الحسن البصري الماوردي: تسهيل النظر وتعجيل الظفر (تحقيق د. محيي هلال السرحان) ، بيروت، 1983 م، ص 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وقال الجرجاني: «الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا، وإنما قلنا إنه هيئة راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه» «1» . مفهوم الأخلاق عند ابن تيمية: ومفهوم الأخلاق عند ابن تيمية مرتبط بمفهوم الإيمان، وما ينبثق عنه حيث إنه يقوم على عدة عناصر هي: 1- الإيمان بالله وحده خالقا، ورازقا بيده الملك (توحيد الربوبية) . 2- معرفة الله سبحانه وتعالى، معرفة تقوم على أنه وحده- سبحانه- المستحق للعبادة (توحيد الألوهية) . 3- حبّ الله سبحانه وتعالى حبّا يستولي على مشاعر الإنسان، بحيث لا يكون ثمة محبوب مراد سواه سبحانه. 4- وهذا الحب، يسلتزم أن يتجه الإنسان المسلم نحو هدف واحد هو تحقيق رضا الله سبحانه، والالتزام بتحقيق هذا الرضا في كل صغيرة وكبيرة من شئون الحياة. 5- وهذا الاتجاه يستلزم من الإنسان سموّا عن الأنانية وعن الأهواء، وعن المآرب الدّنيا، الأمر الذي يتيح له تحقيق الرؤية الموضوعية والمباشرة لحقائق الأشياء، أو الاقتراب منها، وهذه شروط جوهرية في الحكم الخلقي. 6- وعندما تتحقق الرؤية المباشرة والموضوعية للأشياء والحقائق، يكون السلوك والعمل خلقا من الدرجة الأولى. 7- وعندما يكون العمل خلقا من الدرجة الأولى، نكون ماضين في طريق تحقيق، أو بلوغ الكمال الإنساني «2» . وهذا المنهج الذي سلكه ابن تيمية في تحديد مفهوم الأخلاق الإسلامية يعتبر جديدا، كما اتضح ذلك من دراسة «النظرية الخلقية عند ابن تيمية» ،. إن ابن تيمية كان أوفى، وأكمل، وأكثر نضجا ممن سبقه من علماء المسلمين أو غيرهم في هذا المضمار، وذلك لأن التصور النظري للأخلاق لدى هؤلاء العلماء والفلاسفة جميعا، فيه من الثغرات وعليه من المآخذ ما يجعل من هذا التصور فكرة ناقصة، بل عاجزة عن تحقيق الكمال الإنساني، وفي التصور الإسلامي للأخلاق لدى ابن تيمية نرى الارتباط الوثيق بين مفهوم الأخلاق، ومفهوم الإيمان الذي حدّده الإسلام، وما ينبثق عنه من نظام في العبادة، يكمن في التصور الخلقي الصحيح، ففي الإيمان وطرائقه، وآفاقه تستطيع النفس الإنسانية أن تجد   (1) التعريفات للجرجاني، ص 104. (2) محمد عبد الله عفيفي، النظرية الخلقية عند ابن تيمية، مطابع الفرزدق التجارية، الرياض، ط 1، 1408 هـ- 1988 م، ص 58- 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 حاجتها المادية والروحية معا، وليس ثمة طريق يبلغ بالإنسان إلى كماله المنشود، وصلاحه المرجو، وبالتالي سعادته المأمولة، غير طريق الإيمان. ابن القيم ومفهوم الأخلاق: لم يضع ابن القيم تحديدا أو تعريفا حدّيّا للأخلاق وإنما عرّفها بالمثال، وقسمها إلى قسمين هما: الأول: الأخلاق المذمومة. الثاني: الأخلاق الفاضلة. وأرجع كلا القسمين إلى أصوله فقال: أصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر والمهانة والدناءة، وأصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة «1» ، ثم أشار- رحمه الله تعالى- إلى أن للأخلاق حدودا «2» متى جاوزتها صارت عدوانا، ومتى قصرت عنها كانت نقصا ومهانة. وعلى سبيل المثال فللشجاعة حد إذا جاوزته صارت تهورا، ومتى نقصت عنه صارت جبنا وخورا. وقد اقتفى ابن القيم أثر شيخه ابن تيمية في الربط بين الإيمان والأخلاق وأشار إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد جمع بين تقوى الله وحسن الخلق، وفسّر ذلك بقوله «لأنّ تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته» «3» . تعريفات الأخلاق عند المحدثين: تعرف الأخلاق عند المحدثين بأنها «تصور وتقييم ما ينبغي أن يكون عليه السلوك متمشية في ذلك مع مثل أعلى أو مبدأ أساسي تخضع له التصرفات الإنسانية ويكون مؤازرا للجانب الخيّر في الطبيعة البشرية» «4» . ويرى عبد الودود مكروم أن الأخلاق هي «مجموعة القواعد السلوكية التي تحدد السلوك الإنساني وتنظمه، وينبغي أن يحتذيها الإنسان فكرا وسلوكا في مواجهة المشكلات الاجتماعية والمواقف الخلقية المختلفة، والتي تبرز المغزى الاجتماعي لسلوكه بما يتفق وطبيعة الآداب والقيم الإجتماعية السائدة» «5» . ويذهب عبد الرحمن الميداني: إلى أن الخلق «صفة مستقرة في النفس فطرية أو مكتسبة ذات آثار في السلوك محمودة أو مذمومة» ، «فالخلق منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، والإسلام يدعو إلى محمود الأخلاق، وينهى   (1) ابن قيم الجوزية، الفوائد، ص 197، ومعنى التعريف بالمثال أنه أشار إلى نوعي الأخلاق المحمودة والمذمومة، وكأنه قال: الأخلاق المحمودة ما كان مثل الخشوع، والأخلاق المذمومة ما كان مثل الكبر. (2) المرجع السابق نفسه، ص 192- 193. (3) المرجع السابق نفسه، ص 74- 75. (4) حسن الشرقاوي: نحو الثقافة الإسلامية، ج 1، القاهرة، دار المعارف، 1979 م، ص 238. (5) عبد الودود مكروم: «دراسة لبعض المشكلات التي تعوق الوظيفة الخلقية للمدرسة الثانوية» رسالة ما جستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة المنصورة، 1983 م، ص 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 عن مذمومها» . ويفسر رؤيته وتعريفه بقوله: «وتستطيع أن تقيس مستوى الخلق النفسي عن طريق قياس آثاره في سلوك الإنسان: فالصفة الخلقية المستقرة في النفس إذا كانت حميدة كانت آثارها حميدة، وإذا كانت ذميمة كانت آثارها ذميمة، وعلى قدر قيمة الخلق في النفس تكون- بحسب العادة- آثاره في السلوك، إلّا أن توجد أسباب معوقة أو صوارف صادرة عن ظهور آثار الخلق في السلوك» . ويفرّق بين الصفات الخلقية والغرائز، فيقول: «وليست كل الصفات المستقرة في النفس من قبيل الأخلاق، بل منها غرائز ودوافع لا صلة لها بالخلق، ولكن الذي يفصل الأخلاق ويميزها عن جنس هذه الصفات كون آثارها في السلوك قابلة للحمد أو للذم، فبذلك يتميّز الخلق عن الغريزة ذات المطالب المكافئة لحاجات الإنسان الفطرية» . ويقول: «إن الغريزة المعتدلة ذات آثار في السلوك، إلّا أن هذه الآثار ليست مما يحمد الإنسان أو يذم في باب السلوك الأخلاقي، ولكن الشره الزائد عن حاجات الغريزة العضوية أمر مذموم، لأنه أثر لخلق في النفس مذموم، هو الطمع المفرط، وعكس ذلك أثر لخلق في النفس محمود هو القناعة. وهكذا سائر الغرائز والدوافع النفسية التي لا تدخل في باب الأخلاق، إنما يميزها عن الأخلاق كون آثارها في السلوك أمورا طبيعية ليست مما تحمد إرادة الإنسان عليه أو تذم» «1» . نخلص مما سبق إلى عدة أمور: 1- أن مبحث الأخلاق من المباحث العلمية الهامة والعظيمة التي اهتم بها العلماء المسلمون على اختلاف تخصصاتهم العلمية وما يزال هذا البحث من أهم المباحث على المستوى الفكري الإسلامي وغير الإسلامي مع اختلاف في الفهم. 2- أن فهم الخلق بمقتضى اللغة، والتحديدات التي اصطلح عليها العلماء لا يخرج عن المعاني التالية: - السجية أي الطبيعة المتمكنة في النفس سواء كانت حسنة أو قبيحة. - العادة والطبيعة، والدين والمروءة. - ملكة تصدر الأفعال بها عن النفس بسهولة من غير تفكير ولا روية وتكلف. - صفة مستقرة في النفس ذات آثار في سلوك الفرد والمجتمع قد تكون محمودة أو مذمومة. 3- أن الأخلاق تعكس مجموعة من التصورات الأساسية التي يعتنقها الناس، ويصوغون حولها   (1) عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني: الأخلاق الإسلامية وأسسها، الطبعة الأولى، دمشق، دار القلم، 1399 هـ- 1979 م، ج 1، ص 7- 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 منظومات أخلاقية، نابعة من نفس التصورات تشكل الممارسات الخلقية. 4- أن الأخلاق تعتمد على: - النظرة الإنسانية بإمكانياتها، وهو ما يسمّى عند البعض بالنور الفطري. - الوحي السماوي ومحدداته الخلقية، وهو هنا الإسلام (قرآنا وسنة) . وباجتماع الأمرين ينتج الخلق الإسلامي الرفيع، ذلك أن الناس محتاجون على وجه التحديد إلى قاعدة صالحة للتطبيق على نظرته. ولهداية ضمائرهم، ولا أحد يعرف جوهر النفس، وشريعة سعادتها وكمالها، مع الصلاحية الكاملة، والبصيرة النافذة، غير خالق وجودها ذاته: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الملك/ 14) «1» . 5- أن الأخلاق الإسلامية التزام بما ورد في القرآن والسنة من إلزامات وتوجيهات إلهية تقتضي رفعة الإنسان والسمو به إلى آفاق علوية، وتحقيق إنسانية الإنسان بما هو على فطرته. 6- ويستلزم الالتزام الخلقي من الإنسان: - معرفة فطرية بالمبادىء الخلقية الأساسية، والتصورات المنبثقة عنها. - المعرفة العملية للأحكام الخلقية، والأدوار والمهارات اللازمة للحياة في المجتمع. - الوعي الخلقي ليفكر الإنسان ويحكم بشكل خلقي ويتصرف طبقا لهذا الحكم. - الخبرة الموجبة للالتزام بالأحكام الأخلاقية التي تسهل السلوك الخلقي وترغّب فيه. وبهذه الأمور الأربعة يمكن أن يشكل خلق الإنسان تشكيلا جيدا. 7- أن الأخلاق لا يمكن أن تكون نتاج عقل، فالعقل يستطيع أن يختبر العلاقات بين الأشياء ويحددها، ولكنه لا يستطيع أن يصدر حكما قيميّا عند ما تكون القضية قضية استحسان أو استهجان أخلاقي، ذلك أن التحليل العقلي للأخلاق يختزلها، إلى طبيعة، وأنانية وتضخيم للذات، ويكتشف العقل في الطبيعة مبدأ السببية العامة الكلية والقدرة، وفي الإنسان الغرائز، التي تؤكد عبودية الإنسان وانعدام حريّته. إن محاولة إقامة الأخلاق على أساس عقلاني لا يستطيع أن يتحرك أبعد مما يسمّى بالأخلاق الاجتماعية أو قواعد السلوك اللازمة للمحافظة على جماعة معيّنة، وهي في واقع الأمر نوع من النظام الاجتماعي «2» . ويؤكد هذه الفكرة الشيخ محمد عبد الله دراز، بقوله: «فإذا ما قيل لنا إننا نحن الذين نشرع لأنفسنا، بوصفنا   (1) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق في القرآن الكريم، ترجمة عبد الصبور شاهين، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1393 هـ- 1973 م، ص 33- 34. (2) علي عزت بيجوفيتش: الإسلام بين الشرق والغرب، ترجمة محمد يوسف عدس، ط 1، الكويت، مجلة النور، مؤسسة بافاريا للنشر والإعلان والخدمات، 1414 هـ- 1994 م، ص 186. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 أعضاء في عالم عقلي، وجب علينا أن نتفق على ذلك الاستقلال الذي خص به العقل» . ماذا تعني في الواقع هذه المقولة: «العقل يمنح نفسه قانونه» ؟ هل هو مبدع العقل والقانون، أو أنه يتلقاه معدّا، على أنه جزء من كيانه كما يفرضه على الإرادة. ذلك لأنه إذا كان العقل مبدع القانون فإنه سوف يصبح السيد المطلق فيبقي عليه أو يبطله تبعا لمشيئته، فإذا لم يستطع ذلك فلأنه قانون سبق في وضعه وجود العقل، وأن صانع العقل قد طبعه فيه، كفكرة فطرية، لا يمكن الفكاك منها «1» . أما علم الأخلاق فله تعريفات عديدة من أهمها: 1- علم الأخلاق هو جملة القواعد والأسس التي يعرف بواسطتها الإنسان معيار الخير في سلوك ما «أو مدى الفساد والشر المتمثل في سلوك آخر. والأخلاق كعلم معياري يكون وفق هذا المفهوم علما خاصّا بالإنسان دون باقي المخلوقات وهو يشكل منهاجه السلوكي القائم على مجموعة من المبادىء والقيم التي تحكم قناعات الفرد» «2» . 2- علم الأخلاق هو علم تحديد معايير وقواعد السلوك أو هي علم التعرف على الحقوق والواجبات» «3» . أما وجهة نظر القدماء فيمثلها التعريف التالي: الأخلاق «علم يعرف به حال النفس من حيث ماهيتها وطبيعتها وعلة وجودها وفائدتها وما هي وظيفتها التي تؤديها وما الفائدة من وجودها، ويبحث عن سجاياها وأميالها وما ينقلها بسبب التعاليم عن الحالة الفطرية، وذكر أن هذا أول علم تأسس منذ بدء الخليقة» «4» . الأخلاق الإسلامية: إن الأخلاق الإسلامية هي السلوك من أجل الحياة الخيرة وطريقة للتعامل الإنساني، حيث يكون السلوك بمقتضاها له مضمون إنساني ويستهدف غايات خيرة. وقد عرف بعض الباحثين الأخلاق في نظر الإسلام بأنها عبارة عن «مجموعة المبادىء والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني التي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقته بغيره على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه» «5» . ويتضح من هذا التعريف أن الأخلاق في نظر الإسلام هي جمع شامل في منظور متكامل بين مصدرها   (1) محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ص 35. (2) أسعد الحمراني، الأخلاق في الإسلام والفلسفة القديمة، ص 15. (3) نقل أسعد الحمراني في المرجع السابق هذا التعريف عن معجم لاروس الصادر في باريس، 1931 م. (4) تهذيب الأخلاق لابن مسكويه، ص (ز) . (5) مقداد يالجين: التربية الأخلاقية الإسلامية، رسالة دكتوراه منشورة، ط 1، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1977، ص 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وطبيعتها ومغزاها الاجتماعي وغايتها. وللنظام الأخلاقي في الإسلام طابعان مميزان «1» : الأول: طابع إلهي من حيث أنه مراد لله، إذ أنه يجب أن يتبع الإنسان في هذه الحياة رغبة الله في خلقه، ولذلك جاء الوحي بصورة هذا النظام. الثاني: طابع إنساني من حيث إن هذا النظام عام في بعض نواحيه يتضمن المبادىء العامة، وللإنسان دوره في تحديد واجباته الخاصة والتعرف على طبيعة مظاهر السلوك الإنساني المعبرة عن القيم. لذا تعد الأخلاق روح الإسلام، حيث يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم «البر حسن الخلق» «2» . أصالة الفكر الأخلاقي عند المسلمين: من الناس من يظن- وبعض الظن إثم- أنه لا يوجد فكر أخلاقي عند المسلمين، ومنهم من يجعل الفكر الفلسفي شاملا للفكر الأخلاقي في التراث الإسلامي، ومنهم من ينظر إلى الفكر الصوفي على أنه الفكر الأخلاقي المعتمد للمسلمين. إن هذه الأطروحات المختلفة لا تلبث أن تتهاوى أمام حقيقة ناصعة البياض، وهي أن الفكر الأخلاقي قد وجدت أسبابه ودواعيه منذ تلك اللحظة التي أمر فيها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم ب «مكارم الأخلاق» «3» ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه قد تقرر عند العلماء أنه لا يوجد فكر ديني دون أن يكون هناك فكر أخلاقي انطلاقا من أن الفكر الديني هو الذي يحدد الإطار العام لأفكار معتنقيه، ويجيب عن التساؤلات الإنسانية الكبرى مثل خلق الإنسان والتدبر في نعم الله وآلائه، أما الفكر الخلقي فإنه يحدد أنماط السلوك التي يمارسها الإنسان في هذه الحياة، ومن المعروف أن الإسلام عقيدة وشريعة؛ فالعقيدة تتضمن الفكر والشريعة تتضمن أنماط السلوك تجاه المولى- عز وجل- كما في العبادات، أو تجاه النفس كما في العفة والطهر ونحوها، أو تجاه الآخرين كما في البر والصدقة والإيثار ونحو ذلك. لقد وجد الفكر الأخلاقي عند المسلمين طريقة للتأثير على الفكر الأخلاقي على المستوى العالمي بوجه عام والفكر الغربي بوجه خاص، ولا يزال هذا الفكر مسيطرا على سلوك المسلمين في الحاضر، ويعمل على صياغة حياتهم في المستقبل، ولم يكن الأمر كذلك إلا لكون هذا الفكر الإسلامي فكرا كونيا يعالج قضايا الحياة الإنسانية من منظور يسمو على النواحي القومية والعرقية والإقليمية، وما ذلك إلّا «لأن الإسلام الذي ينبعث منه هذا الفكر هو دين كوني وشمولي من ناحية، ولأن ممارسة هذا التفكير في ظل الإسلام، وانطلاقا من القيم والثوابت   (1) مقداد يالجين: التربية الأخلاقية الإسلامية، رسالة دكتوراه منشورة، ط 1، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1977، ص 75، 76. (2) صحيح مسلم (16/ 110) . (3) انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (8) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الإسلامية تجعل هذا الفكر بالفعل فكرا عالميا أو إنسانيا، يؤمن به من يؤمن على هذا الأساس، أو ينكره على هذا الأساس» «1» ، من ناحية أخرى. تطور الفكر الأخلاقي وثراؤه عند المسلمين: إن أهم ما يميز هذا الفكر ويؤكد أصالته هو هذا التنوع الهائل، وذلك الكم الضخم من المؤلفات التي أسهم بها العلماء المسلمون في المجال الأخلاقي، وقد كانت هذه الجهود المباركة- شأنها شأن أي جهد علمي خلّاق- قد بدأت صغيرة ثم كبرت، مختلطة بغيرها في البداية ثم استقلت. لقد أرسى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة المفاهيم والقيم اللازمة لإقامة حياة سعيدة على الأرض، مع ضمان الجزاء الأوفى في الآخرة، وقد تفاعل الفكر الإنساني مع هذه المبادىء والقيم، سواء أكانت حضارية أو عقدية أو أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وحاول التعامل معها، فقد دفع القرآن الكريم إلى الناس والعالم أجمع نظرة جديدة في الكون والحياة والمجتمع، وكانت هذه الجدة متمثلة في الوسطية والحيوية والحركة والتكامل. وتطور الفكر الإسلامي كوحدة متكاملة بعد استقرار المقومات الأساسية باكتمال نزول القرآن وانتقال الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى، ومن ثم ظهرت علوم كثيرة، في العقائد، والأحكام، واللغة، والأدب، والنحو والصرف، والاشتقاق والمعاني والبديع، والبيان، والحديث والتفسير، والأصول، والعلوم التجريبية. ولعل أبرز إنجاز في هذا المجال، والذي استطاع الفكر الإسلامي أن يبحث به كل هذه العلوم هو المنهج: منهج البحث، والذي استنبط من تعليمات القرآن، في دعوتها الإنسان للعلم واستخدام العقل: دعوتها الإنسان إلى تخليص النفس من أثر كل رأي وعقيدة سابقة، ثم البحث والملاحظة والنظر والموازنة والاستنباط، كل ذلك في إطار حرية العقل والفكر، فلم يترك القرآن وسيلة تهدف إلى تحرير الفكر إلا دعا إليها، ليقيم الإيمان والتدين على أساس راسخ من الفكر الدقيق واليقين المستوعب. على هذه الأسس انطلق الفكر الإسلامي منتجا ومستوعبا ومواجها ومتحديا في كافة المجالات، وكانت حصيلة ضخمة خلّفها الفكر الإسلامي، وهي تبدو الآن ذخيرة حية، يمكنها أن تمد الحياة المعاصرة وحضارتنا بقوى روحية وعقلية كبيرة، ونحن نقف إزاءها موقف الإكبار والإعجاب. وسوف نعرض في الفقر التالية لأهم الأعمال والمؤلفات الأخلاقية التي أسهم بها العلماء المسلمون في مجالي القيم والأخلاق الإسلامية، مما يؤدي إلى البرهنة على أن الفكر الإسلامي فكر أصيل، وأنه قد تطور تطورا طبيعيا، وأنه أسهم في مجال الفكر الخلقي على المستوى العالمي.   (1) محمد الكتاني، جدل العقل والنقل في مناهج التفكير الإسلامي ص 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الاهتمامات المبكرة: ظهرت الاهتمامات المبكرة بالفكر الأخلاقي منذ عهد الصحابة- رضوان الله عليهم- والتابعين- رحمهم الله تعالى- في شكل وصايا ونصائح، أو في شكل تفسير الآيات المتعلقة بالأخلاق في القرآن الكريم. وفي القرن الثاني الهجري بدأت الأعمال العلمية المنظمة في مجال العلوم الفقهية التي تضمنت إشارات واضحة إلى المجال الأخلاقي، وقد تمثلت هذه الجهود في أعمال المجتهدين الكبار من أمثال الإمام أبي حنيفة النعمان (ت 150 هـ) ، والإمام مالك بن أنس (ت 179) ، والإمام الشافعي (ت 204 هـ) ، والإمام أحمد بن حنبل (ت 241) ، وقد كان هؤلاء بذواتهم قدوة، وكان ما توصلوا إليه من أحكام شكلا من أشكال الحكم الخلقي الذي ينظم حياة الناس طبقا لاجتهادات شرعية على كافة مستويات الحياة من فردية وأسرية واجتماعية، وقد كانت اجتهادات هؤلاء الأئمة مصابيح أضاءت الطريق في المجتمع الإسلامي في إطار معياري أخلاقي سليم «1» . وفي القرن الثالث الهجري ظهرت بواكير الأعمال العلمية التي خصصها مؤلفوها للحديث عن موضوعات أخلاقية، وهنا يبرز «الجاحظ» كرائد من رواد التأليف في هذا المجال، ومن مؤلفاته البارزة «تهذيب الأخلاق» .. ورسالة في كتمان السر وحفظ اللسان، ورسالة في النبل والتنبل وذم الكبر، ورسالة في المودة والخلطة وأخرى في الجد والهزل «2» ، هذا بالإضافة إلى ما تضمنته كتاباته الأخرى مثل «البيان والتبيين» و «البخلاء» و «الحيوان» إذ تضمنت العديد من الوصايا الخلقية التي برزت في شكل أدبي جذاب. وفي نفس الفترة (تقريبا) ظهرت الموسوعات الأدبية والتاريخية التي ضمنها مؤلفوها أبوابا في الأخلاق، من ذلك ما كتبه ابن قتيبة (ت 276 هـ) عن الطبائع والأخلاق في موسوعة «عيون الأخبار» ، وقد تتابع تأليف هذه الموسوعات في القرون التالية «3» . مدرسة النظر العقلي: لقد بدأ بزوغ هذه المدرسة في الفكر الفلسفي عامة والأخلاقي خاصة منذ منتصف القرن الثالث الهجري، وقد كانت إسهامات هؤلاء ذات قيمة عالية في المجال الأخلاقي وكان دورهم واضحا في أمرين:   (1) انظر في ذلك على سبيل المثال: ناجي الصاعدي، المضامين التربوية لفكر الإمام أبي حنيفة (رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1408 هـ) ص 166 وما بعدها. وانظر أيضا: فاطمة محمد السيد علي، الفكر التربوي عند الإمام الشافعي (رسالة ماجستير، كلية التربية بالمنوفية 1401 هـ) ص 151- 161. (2) انظر رسائل الجاحظ التي حققها ونشرها عبد السلام هارون، القاهرة، د. ت. (3) انظر على سبيل المثال: العقد الفريد لابن عبدربه (ت: 328 هـ) ، ومحاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني (ت: 502 هـ) ، وربيع الأبرار للزمخشري (ت: 538 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الأول: أنهم استوعبوا الثقافة اليونانية وعدلوا فيها وأضافوا إليها كثيرا من الفكر الأخلاقي عند المسلمين. الآخر: أنهم حفظوا هذه الثقافة من الضياع ثم أعطوها للعالم مرة أخرى بعد تجريدها من النزعات الوثنية اليونانية، ويذكر في هذا الإطار: - يعقوب بن إسحاق الكندي (ت 260 هـ) ، وله في الأخلاق «القول في النفس» . - أبو بكر الرازي (ت 313 هـ) وله في المجال الأخلاقي كتاب «الفقراء والمساكين» . - الحكيم الترمذي (ت 320 هـ) وكان عالما بالحديث وأصول الفقه، ومن مؤلفاته في الأخلاق «كتاب الذوق» ويتضمن الفرق بين المداراة والمداهنة، والمحاجة والمجادلة والانتصار والانتقام، وله أيضا «الرياضة وأدب النفس» وكتاب المناهي، وغيرها. - أبو نصر الفارابي (ت 339 هـ) (محمد بن أحمد) ويعرف بالمعلم الثاني، ومن مؤلفاته في الأخلاق «آراء أهل المدينة الفاضلة» ، «الآداب الملوكية» . - ابن مسكويه (ت 421 هـ) ، ومن أشهر مؤلفاته في الأخلاق، كتاب «تهذيب الأخلاق» في التربية. - ابن سينا (ت 428 هـ) ، قال عنه الإمام ابن تيمية: تكلم في أشياء من الإلهيات والنبوات والميعاد والشرائع لم يتكلم بها سلفه ولا وصلت إليها عقولهم، ولا بلغتها علومهم، وأنه استفادها من المسلمين «1» ، ومن مصنفاته في الأخلاق «رسالة في الحكمة» ، «كتاب الطير» في الفلسفة، «أسرار الصلاة» ، «الانصاف» في الحكمة «2» . - ابن باجة الأندلسي (ت 533 هـ) المعروف بابن الصائغ، وقد شرح كتب أرسطو، وله كتب عديدة منها: «اتصال العقل» ، «كتاب النفس» . - ابن الطفيل (محمد بن عبد الملك) ، وهو صاحب قصة «حي بن يقظان» وله في المجال الأخلاقي رسالة «في النفس» . - ابن رشد (ت 595 هـ) ومن كتبه في الأخلاق: «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال» ، وقد ترجمت كتبه إلى اللاتينية والعبرية والإسبانية «3» . إن هؤلاء جميعا وإن تأثروا بالفلسفة اليونانية، إلّا أنهم لم يقتصروا عليها، وإنما أضافوا إليها ونقوها من شوائبها، ثم أخذها عنهم الأوروبيون منذ مستهل عصر نهضتهم.   (1) انظر كلام ابن تيمية في كتاب «الأعلام» لخير الدين الزكلي، ج 2 ص 241. (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) راجع في جهود هؤلاء ومصنفاتهم، كتاب «الأعلام» للزركلي، وقارن بالمراجع العديدة المذكورة فيه، وقد رتبت أسماؤهم في الأعلام ترتيبا أبجديّا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 المدرسة الإسلامية الخالصة: يقصد بالمدرسة الإسلامية الخالصة في المجال الأخلاقي ما أبدعته عقلية الفقهاء والمحدثين والزهاد في مجال التربية والسلوك اللذين يستمدان أصولهما من قواعد الشريعة الإسلامية ويستلهمان مبادئهما من الكتاب والسنة وغيرهما من المصادر الإسلامية الخالصة مثل الإجماع والقياس «1» ، وهذه المؤلفات وإن لم تغرق في المباحث النظرية المجردة إلا أنها أسهمت بنصيب وافر في مجال السلوكيات والأخلاق العملية، وسنعرض- بإيجاز- لأهم علماء هذه المدرسة وأبرز مؤلفاتهم في المجال الأخلاقي. 1- ابن المبارك (ت 181 هـ) وله كتاب الزهد، وهو كتاب مليء بالتوجيهات الخلقية، وأدلتها من القرآن والسنة وأقوال التابعين خاصة الزهاد منهم. 2- وكيع بن الجراح (ت 197 هـ) ، وله أيضا كتاب «الزهد» وقد رتبه على الأبواب، وضمنه أحاديث الزهد والرقائق والأدب والأخلاق. 3- الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) وله كتابا: «الزهد» و «الورع» وقد سلك فيه مسلك ابن المبارك. 4- هنّاد بن السّري (ت 243 هـ) وله أيضا كتاب الزهد وقد تلمذ على الإمام وكيع بن الجراح وتأثر به. وقد تناولت هذه المصنفات في «الزهد» الحث على مكارم الأخلاق والزهد في الدنيا والتطلع إلى ثواب الله في الآخرة، ومادتها تتكون من القرآن الكريم والحديث الشريف وآثار السلف الصالح «2» . 5- أبو عبد الله المحاسبي (ت 243 هـ) ، وكانت جهوده في المجال الأخلاقي متنوعة، فكتب في الوصايا، وآداب النفس، ورسالة المسترشدين والرعاية لحقوق الله، والتوبة، وقد تضمنت هذه المؤلفات نقودا لاذعة للسلوكيات الشائنة في عصره، ودعوة للرجوع إلى الكتاب والسنة. 6- الإمام البخاري (ت 256 هـ) ، وهو صاحب الجامع الصحيح (صحيح البخاري) ، وله في الأخلاق «كتاب الأدب المفرد» ، تعرض فيه لجمع الأحاديث المتعلقة بالآداب والأخلاق، ويعد هذا الكتاب من أسبق ما ألفه علماء الحديث في المجال التربوي والأخلاق الإسلامية. 7- ابن أبي الدنيا (ت 281 هـ) ويعد من أبرز المؤلفين في الأخلاق والتربية الإسلامية، وقد تبحر أيضا في علوم الحديث، ومن أهم مصنفاته في التربية والأخلاق: «الإخلاص» ، «الأمر بالمعروف» ، «الحذر والشفقة» ، «ذكر الموت» ، «ذم الغضب» ، «الرضا عن الله والصبر على قضائه» ، «الغيبة والنميمة» ، «القناعة» ، «الصمت   (1) انظر مصادر الإلزام الخلقي في الإسلام. (2) حصر بعض الباحثين من هذه المؤلفات ما يربو على ستين مرجعا، وربما فاته كثير منها. انظر في ذلك: مقدمة كتاب الزهد للإمام وكيع بن الجراح بتحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، المدينة المنورة 1404 هـ، وراجع: فؤاد سزكين، تاريخ التراث العربي، ج 4 في العقائد والتصوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وآداب اللسان» وغيرها مما يتضمن محمود الأخلاق ومذمومها «1» ، وتمتاز هذه المصنفات بالوحدة الموضوعية، وجودة الترتيب، ونسبة الآثار والأقوال لأصحابها. مع الاعتناء الكامل بذكر الشواهد من القرآن الكريم والحديث الشريف. 8- الإمام النسائي (ت 303 هـ) ، ويعد كتابه «عمل اليوم والليلة» من أهم المساهمات التي قدمها علماء الحديث في الميدان الأخلاقي، إذ تضمن صفة الذكر في الصباح والمساء، ثم تناول جزئيات الحياة اليومية من صلاة وصيام وجهاد والوضوء ودخول المسجد، والبيع والشراء، وعيادة المرضى وغير ذلك مما يتناول تفصيل الحياة اليومية، الفردية والأسرية والاجتماعية، والكتاب في الواقع هو معجم للمثل والقيم الإسلامية. 9- أبو بكر الخرائطي (ت 327 هـ) وأبرز مؤلفاته كتابان: أحدهما «مكارم الأخلاق ومعاليها» والثاني «مساوىء الأخلاق ومذمومها وطرائق مكروهها» وكما يتضح من عنوان الكتابين أنهما يعنيان بسلوك المسلم إن إيجابا باتباع الأخلاق الحميدة المأمور بها، وإن سلبا باجتناب الأخلاق المذمومة المنهي عنها. 10- أبو بكر الآجري (ت 360 هـ) ، وله في المجال الأخلاقي مصنفات عديدة منها: «أخلاق حملة القرآن» ، و «أخلاق العلماء» ، و «أدب النفس» ، و «كتاب أهل البر والتقوى» ، و «كتاب التوبة» ، و «كتاب التهجد» ، وغيرها كثير، وقد أجمل في هذه الكتب الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها العلماء وحملة القرآن والمسلمين بوجه عام. 11- ابن السني (ت 364 هـ) وله كتاب «عمل اليوم والليلة» ويتضمن (مثل كتاب النسائي) قواعد السلوك الخلقي للمسلم في يومه وليلته، ومن ثم في حياته كلها. 12- أبو طالب المكي (ت 386 هـ) وفي كتابه «قوت القلوب» آداب أخلاقية عديدة كالأخوة والصداقة والمودة والمحبة، كما تناول الأخلاق الأسرية والتوافق العائلي وغيرها، وقد تأثر مكي بالمحاسبي تأثرا كبيرا، كما أثر في فكر الغزالي خاصة في «إحياء علوم الدين» «2» . 13- أبو عبد الله الحليمي (ت 403 هـ) وقد تناول الأخلاق من منظور شعب الإيمان في كتابه «المنهاج في شعب الإيمان» ضم سبعة وسبعين بابا، وقد اكتفى بذكر متون الأحاديث الواردة في كل شعبة، كما ذكر الآثار، وكان من دوافعه لتأليف هذا الكتاب ما رآه من اشتغال جمهور الناس عن العلوم بالتبقر (التوسع) في الأهل والمال، والتهافت في الحرام والحلال والتنافس في رتب الدنيا، والتغافل عن درج الآخرة» «3» .   (1) انظر في مصنفات ابن أبي الدنيا مقدمة تحقيق كتابه: الصمت وآداب اللسان للأستاذ نجم عبد الرحمن خلف (بيروت: 1406 هـ) ، ص 19 وما بعدها. (2) يرجع في تأثر مكي بن أبي طالب وتأثيره مقدمة كتاب العقل وفهم القرآن للمحاسبي التي كتبها حسين القوتلي ص 86- 91، ومقدمة قوت القلوب التي كتبها عبد المنعم الحفني ص 5- 22. (3) ينظر في أهداف التأليف مقدمة الحليمي للمنهاج، ت. حلمي فوده، ص 3- 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 14- ابن حزم الأندلسي (ت 421 هـ) وكتابه «الأخلاق والسير في مداواة النفوس» يقدم نموذجا من التجربة العملية التي تؤكد إمكانية مقاومة الرذائل. 15- أبو زيد الدبوسي (ت 430 هـ) ، ويعد كتابه «الأمد الأقصى» من أهم الكتب في المجال الأخلاقي حيث تناول العلل النفسية والقلبية التي تحبط الأعمال، كالرياء والعجب ونحوهما «1» . 16- أبو الحسن الماوردي (ت 450 هـ) وله كتابات مهمة في علم الأخلاق مثل أدب الدنيا والدين، ونصيحة الملوك، وتسهيل النظر وتعجيل الظفر، ويحفل كتابه «أدب الدنيا والدين» بالمباحث الأخلاقية كالحياء والصدق، وآداب الكلام والصبر والشورى، وكتمان السر، والمروءة، كما تضمنت مباحثه أيضا الأخلاق المذمومة من نحو الكذب والغيبة والنميمة، أما الكتب الأخرى فقد تضمنت العلاقة بين الأخلاق وسياسة الناس، وهذا مبحث فريد مميز في فكر الماوردي «2» . 17- البيهقي (ت 458 هـ) وله «شعب الإيمان» وقد تحرى فيه ذكر الأحاديث بأسانيدها وأشار إلى درجة صحتها، وقد عقب على أحاديث كل شعبة بانطباعاته العقدية وآرائه الفقهية، وبلغت مروياته من الأحاديث والآثار 11269 حديثا وأثرا، ويعد كتابه من الكتب الجامعة في مجال الأخلاق. 18- الراغب الإصفهاني (ت 502 هـ) ، وله مؤلفات عديدة في موضوع الأخلاق منها: «تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، و «الذريعة إلى مكارم الشريعة» وقد تضمن كتابه «محاضرات الأدباء» مباحث أخلاقية عديدة، وقد أولى الجانب النظري للأخلاق اهتماما كبيرا، وكان فكره إسلاميا خالصا. 19- أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ) ويعد من أشهر من تحدث عن الأخلاق في التراث العربي نظرا لشهرة كتابه الموسوعي «إحياء علوم الدين، وله في المجال الأخلاقي أيضا «ميزان العمل» ، ويجمع فكره الأخلاقي أطراف وخيوط مذاهب أخلاقية عديدة، وقد اختلف الناس في تقويم آرائه اختلافا كبيرا. 20- ابن الجوزي (ت 596 هـ) ، ومن مؤلفاته في هذا المجال «صفة الصفوة» وقد تضمن وصايا أخلاقية عديدة من خلال التراجم التي قدمها، وله أيضا «صيد الخاطر» . 21- الحافظ المنذري (ت 656 هـ) ، ويعد كتابه «الترغيب والترهيب» من أهم الكتب التي صنفت في الشريعة وفقا للمجالات الأخلاقية، إن حسنة بالترغيب فيها، وإن سيئة بالترهيب منها.   (1) انظر مقدمة الأمد الأقصى، ت: محمد عبد القادر عطا (بيروت: 1405 هـ) . (2) انظر في ذلك: تسهيل النظر وتعجيل الظفر للماوردي، ت. محيي هلال السرحان، بيروت، 1953، وأيضا أدب الدنيا والدين له، بتحقيق مصطفى السقا، بيروت، 1978 م، (ط. رابعة) ، وقارن بما كتبه علي خليل مصطفى في كتابه: «قراءة تربوية في فكر أبي الحسن الماوردي» ط. أولى، المدينة المنورة 1411 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 22- العز بن عبد السلام (ت 660 هـ) ، وله في الأخلاق كتابه القيم «شجرة المعارف والأصول» الذي يحتوي على عشرين بابا، يستهدف منها إصلاح القلوب لأنها منبع كل إحساس. 23- الإمام النووي (ت 676 هـ) ، وكتابه «رياض الصالحين» تضمن أبوابا في الأخلاق من خلال الآيات والأحاديث التي استشهد بها. 24- ابن تيمية (ت 728 هـ) ، وتتمثل أهم جهوده في ميدان التربية والأخلاق في «مجموع الفتاوى» وقد استخرج بعض الباحثين ما كتبه شيخ الإسلام عن الأخلاق «1» ، كما استطاع باحث آخر أن يستخلص أسس النظرية الأخلاقية عند ابن تيمية، فتحدث عن وهبية الأخلاق وكسبيتها، ومصدر الإلزام الخلقي، وغيرها من مباحث توضح الفكر الأخلاقي عنده «2» . 25- الذهبي (ت 748 هـ) ، ويعد كتابه عن «الكبائر» متعلقا بالجانب السلبي للأخلاق، حيث أوضح الأخلاق المذمومة التي تعد من كبائر الذنوب وذكر من الآيات والأحاديث ما يدل على غلظ العقوبة فيها. 26- ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) وله إسهامات عديدة في مجال الأخلاق نذكر منها: الفوائد، ومدارج السالكين، وعدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، وإعلام الموقعين، والداء والدواء، وإغاثة اللهفان، وقد تناول في هذه الكتب أسس علم الأخلاق. 27- ابن مفلح (ت 763 هـ) ، وقد طرح فكره الخلقي من خلال كتابه المشهور «الآداب الشرعية والمنح المرعية) وفيه الكثير عن الفضائل الخلقية التي يجب أن يتحلى بها المسلم. 28- ابن حجر المكي الهيتمي (974 هـ) ويمثل كتابه «الزواجر عن اقتراف الكبائر» جهدا لا غنى عنه في توضيح كبائر الذنوب التي ينبغي أن يبتعد عنها كل مسلم. 29- السفاريني الحنبلي (ت 1188 هـ) ، وله في المجال الأخلاقي كتاب غذاء الألباب، وهو شرح لمنظومة الآداب «3» ، وقد تضمن الحديث عن حسن الخلق إجمالا، ومكارم الأخلاق تفصيلا، مثل: البر وحسن الظن، ونحو ذلك، وتناول أيضا مذموم الأخلاق مثل الغيبة وآفات اللسان، والفحش ونحو ذلك، وقد تناول الحكم الفقهي لمعظم ما تناوله من الفضائل أو الرذائل. وفي العصر الحديث تتابعت جهود العلماء في الكشف عن الخصائص الأخلاقية والقيم التربوية في   (1) انظر: كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية «مكارم الأخلاق» ، إعداد عبد الله بدران، وحمد عمر الحاجي، مكة المكرمة، 1414 هـ. (2) انظر: «النظرية الخلقية عند ابن تيمية» ، الرياض، 1408 هـ، من تأليف محمد عبد الله عفيفي. (3) منظومة الآداب، قصيدة تحتوي آداب السلوك، وفضائل الأخلاق نظمها العلامة شمس الدين محمد بن عبد القوي المرداوي (ت: 630 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الإسلام وعلى رأس هذه الجهود يأتي كتاب الشيخ محمد عبد الله دراز «دستور الأخلاق في القرآن الكريم» «1» ، والشيخ محمد الغزالي في كتابه «خلق المسلم» وكتابه «هذا ديننا» وغير ذلك من مؤلفاته الأخلاقية، وقد صدر بعض الباحثين أطروحته للدكتوراه التي أعدها عن «الأحكام القيمية الإسلامية» باستعراض المؤلفات الحديثة في مجالي الأخلاق والتربية الإسلامية، وقد وصلت إلى ثلاث عشرة دراسة، منها: منهج القرآن في تربية المجتمع لعبد الفتاح عاشور، الاتجاه الأخلاقي في الإسلام لمقداد يالجن، والتربية الأخلاقية الإسلامية له أيضا، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن الكريم لعلي خليل أبو العينين، والتربية الخلقية في الإسلام لسلوى رمضان وغير ذلك «2» . وخلاصة القول: أن هناك مؤلفات إسلامية عديدة ومتنوعة في المجال الأخلاقي، وبنظرة تحليلية إلى هذا الكم الهائل من مؤلفات يمكن استخلاص أهم ما تضمنته هذه المؤلفات في النقاط والموضوعات الآتية: 1- معنى الأخلاق وضرورتها وأهميتها في حياة الفرد والمجتمع وكل ما يتعلق بذلك من مباحث نظرية أو سلوكية. 2- إصلاح النفس وإصلاح الجسد وإصلاح الأسرة، بل إصلاح المجتمع بأسره. 3- الأخلاق في المجال السياسي وهي ما يترتب عليه إصلاح المجتمع البشري كله. 4- الأخلاق التي يجب أن تكون عليها العلاقة بين الإنسان وخالقه عز وجل. 5- الأخلاق النوعية كأخلاق العلماء وأهل القرآن. 6- الأخلاق السلبية التي ينبغي أن يتخلى عنها الأفراد والمجتمع والتي هي بمثابة الأمراض الفتاكة التي لابد من محاربتها والقضاء عليها والوقاية منها ومعرفة كيفية معالجتها. القيم الإسلامية: يكثر استخدام مصطلح «القيم والقيمة والأحكام القيمية» في المجال التربوي، وذلك إلى جانب المصطلح «أخلاق» ، وقد ذكرنا فيما سبق ما يتعلق بمفهوم الأخلاق، فما معنى القيم؟ القيم في اللغة: لفظ القيم في اللغة جمع قيمة وأصلها الواو «3» ، لأنها من مادة (ق وم) ، التي تدل على انتصاب أو عزم، يقول ابن منظور والقيمة ثمن الشيء بالتقويم، و (سمي الثمن قيمة) لأنه يقوم مقام الشيء يقال: كم قامت ناقتك   (1) أصل هذا الكتاب دراسة بالفرنسية لنيل درجة الدكتوراة، وقد ترجمه إلى العربية الدكتور عبد الصبور شاهين. (2) انظر في تفصيل الدراسات الحديثة في المجال الأخلاقي والتربية «الأحكام القيمية الإسلامية» لعبد الودود مكروم ص 28- 43، (رسالة دكتوراة مخطوطة بكلية التربية بالمنصورة، مصر 1987 م) . (3) المراد أن أصلها قومة فقلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 أي كم بلغت، وقد قامت الأمة مائة دينار أي: بلغ قيمتها مائة دينار «1» ، وفي الحديث: قالوا يا رسول الله لو قوّمت لنا، فقال: الله هو المقوّم أي لو سعّرت لنا، وهو من قيمة الشيء، والمراد حددت لنا قيمتها «2» . وقد ورد لفظ «قيم» أيضا مرادا به جمع قامة، وذلك مثل تارات وتير، وذلك كما في قول الراجز: واختلفت أمراسه وقيمه كما ورد أيضا مصدرا لقام، مثل الصغر والكبر، ومعناه حينئذ الاستقامة، وذلك كما في قول كعب بن زهير: فهم ضربوكم حين جرتم على الهدى ... بأسيافهم حتى استقمتم على القيم وقال حسان: وأشهد أنك عند الملي ... ك، أرسلت حقا بدين قيم قال الزجاج: القيم مصدر بمعنى الاستقامة «3» . ومن ذلك «القيم» في قوله عز وجل: دِيناً قِيَماً (الأنعام/ 161) قال القرطبي في تفسيره: قرأه الكوفيون وابن عامر «قيما» وهو مصدر كالشبع فوصف به «4» ، (كما يقال رجل عدل) ، وقرأ الباقون «قيما» ، ومعناه: دينا مستقيما لا عوج فيه «5» ، قال الراغب دِيناً قِيَماً: أي ثابتا مقوما لأمور معاشهم ومعادهم «6» ، أما قوله عز وجل: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (البينة/ 5) . فقد قال ابن كثير في تفسيرها: دين الملة القائمة العادلة أو الأمة المستقيمة المعتدلة «7» ، وقيل المراد دين الكتب القيّمة «8» ، أما وصف الكتب بأنها قيمة فمعناه كما قال الماوردي: كتب الله المستقيمة التي جاء القرآن بذكرها وثبت فيه صدقها، أو فروض الله (المكنونة) العادلة «9» . ولعل أقرب الاستعمالات اللغوية إلى القيم بمعناها السائد الآن هو ما ذكره صاحب القاموس من قولهم:   (1) لسان العرب 12/ 500. (2) النهاية لابن الأثير 4/ 124. (3) لسان العرب 12/ 502- 503 (باختصار وتصرف) . (4) ويراد بذلك دينا ذا استقامة. (5) تفسير القرطبي 7/ 152. (6) المفردات للراغب ص 417. (7) تفسير ابن كثير 4/ 574، وهو يشير بالمعنى الأول إلى أن قيمة صفة المحذوف هو الملة، وبالثاني إلى أن المحذوف هو الأمة. (8) هذا وجه ثالث نقله القرطبي عن محمد الطالقان، وهو يشير بذلك إلى ما جاء في الآية الثالثة من السورة الكريمة فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ انظر: تفسير القرطبي 20/ 144. (9) النكت والعيون 6/ 316. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 فلان ما له قيمة: إذا لم يدم على شيء» «1» . وقول صاحب أساس البلاغة: القيمة ثبات الشيء ودوامه «2» ، وهما يشيران بذلك إلى أن القيمة ترد بمعنى الأمر الثابت الذي يحافظ عليه الإنسان ويستمر في مراعاته. ماهية القيم: لقد تعددت الاتجاهات واختلفت المدارس العلمية في تحديد مفهوم القيمة ومن ثم فإن المعنى الاصطلاحي للقيمة يختلف باختلاف الاتجاهات والآراء وسنحاول فيما يلي إبراز أهم هذه المفاهيم حتى نصل بعد ذلك إلى تحديد واضح لمفهوم القيم الإسلامية. أ- في المجال الاقتصادي تعرف القيمة بأنها «قيمة التبادل أي السعر المقرر للسلعة، ويميزون بين القيمة والسعر على أساس أن القيمة حقيقية أما السعر فاعتباري، وذلك راجع إلى التراضي بين المتبادلين للسلعة، ولهذا تكون القيمة أحيانا أكثر أو أقل من السعر «3» . ب- وأما في المجال السياسي فتعني اكتشاف المسلمات القيمية الضمنية التي تشكل السلوك السياسي، والتي تعد عوامل تفسيرية «4» . ج- واهتم بدراسة القيم علم النفس، وعلم الاجتماع كل من زاويته ورؤيته، واتضح أن هناك مفاهيم للقيمة تضم جوانب معنوية تتعلق بموضوعات معينة، تعرضت لها تعريفات ومفاهيم، تراوحت بين التحديد الضيق للقيم على أنها «مجرد اهتمامات أو رغبات غير ملزمة» إلى تحديدات واسعة «يراها معايير مرادفة للثقافة ككل» «5» . ولعل التعريف التالي يوضح مفهوم القيمة لدى المختصين في علم النفس الاجتماعي وهو: د- «القيمة معيار اجتماعي ذو صيغة انفعالية قوية وعامة، تتصل من قريب بالمستويات الخلقية التي تقدمها الجماعة ويمتصها الفرد من بيئته الاجتماعية الخارجية ويقيم منها موازين يبرر بها أفعاله، ويتخذها هاديا ومرشدا» «6» ، «7» . هـ- أما مفهوم القيمة عند علماء أصول التربية فمن الممكن تصوره من خلال ما كتبه بعض الباحثين   (1) القاموس المحيط ص 1487 (ط. بيروت) . (2) أساس البلاغة للزمخشري، ص 528. (3) عبد الرحمن بدوي، الأخلاق النظرية، ط 2، الكويت، 1975 م، ص 79. (4) محمد أحمد بيومي، علم اجتماع القيم، الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1990 م. (5) ضياء زهار، القيم في العملية التربوية، ص 10. (6) فؤاد البهي السيد، علم النفس الاجتماعي، ص 94. (7) هناك تعريفات أخرى للقيمة لا تخرج عما ذكر منها أن القيمة مرادف للاصطلاح نافع أو لائق (فوزية دياب، القيم والعادات الاجتماعية) ص 21 وهناك من يرى أن القيم تكمن في اللذة أو الألم الذي يشعر به الإنسان ومن ثم تكون القيمة كل ما أحدثت لذة أو ألما، انظر: المرجع السابق، ص 23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 التربويين قائلا: القيمة هي «محطات ومقاييس نحكم بها على الأفكار والأشخاص والأشياء والأعمال والموضوعات والمواقف الفردية والجماعية من حيث حسنها وقيمتها والرغبة بها، أو من حيث سوءها وعدم قيمتها وكراهيتها، أو من منزلة معينة ما بين هذين الحدين» «1» . ز- وهناك تعريفات أخرى للقيمة لا تنتمي إلى أي من الاتجاهات السابقة نذكر منها: - القيم عبارة عن «مستوى أو مقياس أو معيار نحكم بمقتضاه ونقيس به ونحدد على أساسه المرغوب فيه والمرغوب عنه» «2» . - القيم عبارة عن مفهوم أو تصور ظاهر أو ضمني يميز فردا أو يختص بجماعة، لما هو مرغوب فيه وجوبا مما يؤثر في انتقاء أساليب العمل ووسائله وغايته» «3» . ويلاحظ في كل المفاهيم السابقة أن القيم تتمتع بالخصائص أو الموجهات الآتية: 1- أنها عناصر توجيه في الحياة تعكس توجّها معينا حيال نوع معين من الخبرة. 2- أنها تحمل صفة الانتقائية. 3- أن الاختيار الذي تفرضه القيمة على الفرد في مجال التعامل يعد أفضل اختيار له. وإذا نظرنا إلى هذه التعريفات المختلفة من وجهة النظر الإسلامية فإنه يمكن القول: إنها جميعا لا تعدو أن تكون اجتهادات نابعة من تخصص أصحابها، ومن ثم فإنه يلاحظ عليها ما يلي: 1- أن هذه المفاهيم تعبر عن بيئاتها وثقافتها التى نشأت فيها، وهى مختلفة متعددة، ومع هذا فإن فيها ما قد يتوافق مع البيئة العربية الإسلامية وفيها ما لا يتوافق. 2- أقامت المفاهيم المختلفة- رغم تفاوتها واختلافها- من الفرد أو المجتمع مصادر للقيم، وجعلت الحكم على الأفعال يتأتى من قبل الإنسان فقط، يحكم عليها من خلال منفعتها الآنية أو ضررها الآنيّ، بغض النظر عن الخير أو الشر الكامن فيها، والإنسان لا يمكنه إدراك الحسن والقبح بعقله المحض، كما أنه لا يدركها إدراكا جامعا قبل الفعل أو بعده. ثم إن الإنسان بحكم نسبيته عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض، فقد يحكم على الفعل بالحسن تارة وبالقبح تارة، تبعا للظروف، أما الحكم الموضوعى الحقيقى فلا يستطيعه، لأن الذى يستطيع أن يزود الإنسان بهذا على وجه الحقيقة هو الدين السماوي، وهذا ما لم يرد فى تعريف أو مفهوم حتى لدى الباحثين العرب.   (1) ماجد الكيلاني، فلسفة التربية الإسلامية، ص 299. (2) محمد إبراهيم كاظم، التطور القيمي وتنمية المجتمعات الدينية، ص 111. (3) جابر عبد الحميد وسليمان الخضري، دراسات نفسية في الشخصية العربية، ص 228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 3- إن هذه المفاهيم ناتجة عن عقلية وضعية خاصة، ومن ثم لا تكاد تفي بفهم القيم الإسلامية نظرا لأن الرؤية الإسلامية تلتزم بالتصورات الإسلامية الأساسية، وهى منبثقة من دلالات النص القرآني الكريم، والنص النبوي الصحيح، ولأن وصف الفعل الإنساني والحكم عليه إنما يصدر عنهما بعد النظر فيهما لاستجلاء الأحكام التى تشتمل عليها هذه النصوص، فى إطار هدف محدد وهو استجلاء «المراد الإلهى فى تحديد أفعال الإنسان دون أن يكون له أي مدخل فى الإضافة الذاتية بما يؤثر على ذلك المراد بالزيادة أو النقصان أو التغيير» «1» . والأمر إذا: ليس خاضعا للوضعية العقلية الذاتية المحضة، وإن كان لها اعتبارها الخاص فى فهم النص وتنزيله. 4- إن هذه المفاهيم تختلف عن الرؤية الإسلامية والنهج الإسلامي الذى يرى أن أعمال الإنسان ليست هدفا فى حد ذاتها، بل ترتبط بالله وتتجه نحو مرضاته، وإن لم يتحقق من هذا العمل أو ذاك نفع مباشر أو مصلحة عاجلة، أو لذة آنيّة. لأن الله تعالى هو وحده المتفرد بخلق الإنسان، ولهذا فهو متفرد بكمال العمل بما خلق فى طبيعته وقدراته ونوازعه وحاجاته، وبناء على ذلك فهو متفرد بوضع منهاج الحياة له على الوجه الذى يكون فيه خيره، وسعادته وترقيه فى كافة شئون حياته الفردية والاجتماعية، وبذلك يكون الأساس والمعيار الأوحد فيما يأتى الإنسان ويذر فكرا أو سلوكا هو ميزان البيان الإلهى، ائتمارا بما أمر الله، وانتهاء عما نهى عنه «2» . 5- إن هذه المفاهيم لا تعبر عن المقاصد الكلية للحياة، وإنما تعطى الإنسان ضابطا للحياة الدنيا وعلاقتها، ولذلك ارتبط بعضها بتحقيق السعادة للإنسان على وجه الأرض فى الحياة الدنيا فى حين أنه من المسلم به فى المنهج الإسلامي وجود حياة آخرة فيها ثواب وعقاب على ما يأتى الإنسان ويدع وما يختار. وانطلاقا من هذا، وتجنبا للثغرات التي وجدت في التعريفات السابقة فإنه يمكن تعريف «القيم» من المنظور الإسلامي بأن نقول: القيم الإسلامية: مجموعة من المعايير والأحكام النابعة من تصورات أساسية عن الكون والحياة والإنسان والإله، كما صورها الإسلام، وتتكون لدى الفرد والمجتمع من خلال التفاعل مع المواقف والخبرات الحياتية المختلفة، بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته تتفق مع إمكانياته، وتتجسد من خلال الاهتمامات أو السلوك العملي بطريقة مباشرة وغير مباشرة «3» . وبحكم هذا التعريف تجىء عدة محددات أساسية على النحو الآتى: 1- أن حياة الإنسان تحكمها أهداف محددة، وهناك وسائل لبلوغها، ولا بد من الانتفاع بتلك الأهداف   (1) عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، ص 82. (2) المرجع السابق، ص 31. (3) علي خليل مصطفى، القيم الإسلامية والتربية ص 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 فى إطار ما تقدمه الجماعة وما ترتضيه، وينبع هذا من المنهج الأساسي الذى يشكل إطارا مرجعيا لها، وفى حالة المجتمع الإسلامي، فإن كل ذلك يرتد فى النهاية للقرآن الكريم والسنة المطهرة كمصدرين أساسيين لإطار الحياة فى هذا المجتمع. 2- تتبلور أهداف الحياة لدى الإنسان المسلم فى شكل معايير ينظر من خلالها لكافة مكونات حياته إما بالإيجاب أو بالسلب، بمعنى أنه تتكون لديه أحكام تفضيلية إزاء عناصر وجزئيات حياته، فيكون إيجابيا فى بعضها وسلبيا فى بعضها، بقدر ما تحقق له قيمة أو لا تحقق. 3- تشمل المعايير وتتصل بكافة مكونات المجتمع ومواقفه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة باعتبارها مردودا للحياة الدنيا، ويمتصها الفرد من خلال عملية التطبيع الاجتماعي، والتفاعل الاجتماعي، وهى فى النهاية ترتد إلى ما يهدف إليه إطار الحياة العام فى المجتمع أى أهداف الإسلام ومقاصده فى المجتمع، كتوجهات القيم إلى المجتمع وأهدافه، والمسلم يهدف من وراء توجهاته القيمية رضوان الله تعالى الذى هو أبرز أهداف المجتمع الإسلامي. 4- تتكشف تلك القيم، من خلال اختيارات الإنسان وتوجهاته، وبقدر إمكانياته ووضوح القيم لديه، بحيث نجعله مطمئنا إلى اختياره، مقتنعا به، فيوجه كافة إمكانياته من أجلها. ذلك أن الفرد الذى يتبنى القيمة يحاول أن يسلك من خلالها فى حياته، فهي تقوم بعملية التوجيه، ويعني هذا أنه لا بد من وجود وعي تام بالقيمة، مع شعور بأهميتها، فالقيمة لا تكتسب أهميتها لدى الفرد إلا إذا توفرت فيها شروط ثلاثة: - أن يكون لديه وعي يتبلور حول وجود شيء أو فكرة أو موقف أو شخص. - أن يحدث هذا الوعي لديه اتجاها انفعاليّا مع الشىء أو الفكرة أو الموقف أو ضده، فينظر إليه على أنه خير، أو شر إلى حد ما، بمعنى أن لا يقف موقف اللامبالاة أو عدم الاهتمام. - أن يصبح وعيه واتجاهه الانفعالي ركيزة أساسية للسلوك وليس مجرد اهتمام وقتى عابر يأبى أن يدوم. ومعنى هذا أن لها صفة الاختيار عند الفرد والذي يتكون عن وعى واقتناع تام. لأنها تنطوي على «أحكام معيارية للتمييز بين الصواب والخطأ، والخير والشر» «1» . 5- تظهر هذه القيم من خلال المصادر الأصلية (القرآن والسنة) في شكل أوامر ونواه أو إلزامات تكليفية، في حين تظهر سلوكيا في صور التعبير الإيجابي أو السلبي. ومن التصورات الأخرى لمفهوم «القيم الإسلامية» ما ذكره بعض الباحثين عندما قال: القيم الإسلامية: حكم يصدره الإنسان على شيء ما مهتديا بمجموعة المبادئ والمعايير التي ارتضاها الشرع محددا المرغوب فيه   (1) ضياء زاهر، القيم العملية التربوية، مرجع سابق، ص 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 والمرغوب عنه من السلوك «1» . خصائص القيم الإسلامية: في ضوء ما سبق يمكن القول: إن خصائص القيم الإسلامية تتميز بما يلي: أ- أنها تصدر من مصادر الإسلام ذاته، أي أنها تستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويعتبران الأساسين اللازمين للحديث والبحث عن القيم الإسلامية. ب- أنها تستمد من الأحكام الشرعية، باعتبار أن الحياة الإسلامية كلها تقوم على هذه الأحكام، وتأتي القيم في صورة أمر بالفعل أو أمر بالترك والكف بكافة درجات أمر الفعل وأمر الترك، وهي بهذا تحدد توجيهات الإنسان في حياته حيال الأشياء والمواقف، تاركة له مساحة من الاختيار. ج- أنها تقوم على أساس الشمول والتكامل بمعنى: 1- أنها تراعي عالم الإنسان وما فيه، والمجتمع الذي يعيش فيه، وأهداف حياة الإنسان طبقا للتصور الإسلامي، أي تحدد أهداف الحياة وغايتها وماوراءها، ومن ثم تكون قيمة أي إنجاز بشري في تقدير حسابه وجزائه، في الدار الآخرة مع عدم إهمال الدنيا «2» . 2- أنها جامعة لكافة مناشط الإنسان وتوجهاته، تستوعب حياته كلها من جميع جوانبها، ثم هي في هذا لا تقف عند حد الحياة الدنيا. د- أنها تقوم على مبدأ التوحيد، باعتباره النواة التي تتجمع حولها اتجاهات المسلم وسلوكياته، حتى يصل لأهدافه، وبهذا تجعل لحياة الإنسان معنى ووظيفة. هـ- أنها تتميز بالاستمرارية والعمومية لكل الناس في كل زمان ومكان، ويؤيد ذلك القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالى تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً «3» . ولا تتأتى تلك الاستمرارية إلا إذا كانت هذه القيم موضوعية، أي من عند الله تعالى، فالإنسان لا يمكنه من تلقاء نفسه ودون معونة إلهية أن ينشىء نظاما حياتيا صالحا له، ولا يمكنه أن يقيم منظومة قيمية تساعده على أداء دوره في الأرض، بسبب ما يطرأ عليه من ميل للهوى، وما جبل عليه من ضعف، ولذا فإن الوحي هو الذي يستطيع ذلك، وهذا ما حدث فعلا، فقد جاء الوحي بقيم خالدة تحفظ على الإنسان جهده وحياته، ولترتفع به إلى المستوى اللائق به كخليفة الله في الأرض.   (1) حامد زهران، علم النفس الاجتماعي، ط 41، 1977، ص 132. (2) محمد فتحي عثمان، القيم الحضارية في رسالة الإسلام، ط 1، الدار السعودية، 1402 هـ/ 1403 هـ، ص 42. (3) سورة الفرقان، (1) - ويمكن الرجوع إلى سور: الأنبياء (7) ، والقلم (52) ، وسبأ (28) ، والفتح (28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وتأتي تلك القيم في استمراريتها من موضوعيتها، فهي لا يطرأ عليها أي تغيير أو تبديل بسبب تغير الظروف والأزمان، وهي ليست من نتاج بشر، بل هي وحي من الله تعالى لنبيه، وعلى هذا تكون الاستمرارية سمة فاصلة بين قيم الله سبحانه وتعالى وقيم البشر. وأنها جامعة للثبات والمرونة، فهناك قيم عليا ثابتة لا تقبل الاجتهاد أو التغيير أو التبديل، كالقيم العقدية، وقيم العبادات وقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما القيم الأخرى فهي نسبية، بمعنى أن القيم التي تستند إلى نص قطعي الدلالة لا يجوز فيها التغيير أو التبديل، أما تلك التي تعتمد على ظني الدلالة، فإن مجال الاختيار فيها واسع، وهي مرنة مرونة كافية لمواجهة ما يتولد في حياة الناس من مواقف وحوادث، وما تصير إليه الأمور في المجتمعات، وهي مما يحتاج إلى نظر وتأمل واستنباط. فالقيم والقواعد القطعية الواجبة لا يجوز فيها التبديل، أما ما يستحدث من مواقف وما يجوز فيه الاجتهاد ويستجد من قيم بحسب اقتضاء المصلحة زمانا ومكانا وحالا، فتلحقها الحركة والمرونة، وبهذه الميزة استطاعت القيم الإسلامية الحفاظ على المجتمع الإسلامي بالرغم من التغيرات التي أصابته والتي واجهته على مر الزمن. ز- أنها وسطية، تلك الوسطية الانتقائية لا التلفيقية، فقد عمد الإسلام إلى القيم الجيدة عند العربي فأبقاها وضبطها، وأضاف إليها، وزود الإنسان بقيم ليعيش عالمه المادي والمعنوي في توازن دقيق، وزوده بقيم تهتم بالفرد كما تهتم بالجماعة، كما وازن بين الدنيا والآخرة، القوة والرحمة ... الخ وبهذا كانت معبرة تعبيرا صحيحا عن الفطرة البشرية والطبيعة الإنسانية، في واقعية كاملة. إن وسطية القيم الإسلامية لم تلغ الطبيعة البشرية، بل عملت وتعمل على توجيهها باعتبارها مفاهيم ضابطة، تعمل على توجيه هذه الطبيعة، فهي لا تضاد الفطرة ولا تلغيها ولا تكبتها ولا تقف في سبيلها، بل تحاول توجهها بطريقة دافعة، ومن منطلق هذه الوسطية يلزم الإسلام الإنسان بالقيم المحققة لإنسانيته، والتي لا تغلو في طرف وتهمل طرفا آخر، فالإنسان مطالب- مثلا- بالتوسط في الإنفاق، والعاطفة، والاعتقاد، وتوفية مطالب الروح والجسد، والآيات التي تؤيد ذلك عديدة منها: - وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً «1» . - وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ «2» .   (1) سورة الإسراء (29) . (2) سورة القصص (77) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 إن تلك الوسطية التي تتميز بها القيم الإسلامية، تعد عملية انتقائية، إلا أنها توفيق دقيق جدا بين الوحي وإمكانات الإنسان الأرضية، وهو ضروري لأنه يولد لدى الإنسان حيوية الاختيار والانتقاء للالتزام بها «1» ، مما يتيح في النهاية عملا يتسم بالصدق في المظهر والمخبر، بخلاف عملية التلفيق التي لا تحمل دلالة نفسية على تقوى أو صلاح «2» . وهذه الوسطية تستلزم التفهم الكامل الواعي لموضوعات القيم، لأنها تستلزم الاختيار ولا اختيار بدون وعي، أي أنها تتعلم، فالإنسان لا يولد مزودا بها، ولكن لديه الاستعداد ومن ثم تنشأ وتتكون لديه من الخبرات والمواقف التي يعيشها الإنسان. ح- أنها ترتبط بالجزاءات الدنيوية والأخروية، ولذا أوجد الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، ولكن هناك هدف آخر أسمى وراء الالتزام بعد الاختيار القائم على وعي كامل، لما جاء به الشرع وأمر بالالتزام به، ذلك الهدف هو إرضاء الله تعالى، ويأتي الجزاء بعد ذلك والذي لا يحرم منه الملتزم. ط- أنها تقوم على أساس الضبط والتوجيه والتنمية والتربية، ولذا فإن أهداف التربية في أي مجتمع إنما تشتق من هذه القيم التي تهتم بجوانب الإنسان المختلفة وبصورة متكاملة، فسلطان القيم منبسط على كافة وجوه النشاط الإنساني كلها، لا يشذ عنها عمل تربوي ولا يتفاوت في حكمه نشاط بدني أو عقلي أو فني أو أدبي أو روحي «3» . تصنيف القيم الإسلامية: في ضوء ما سبق سنعرض تصنيفا للقيم الإسلامية على النحو التالي: 1- من حيث الإطلاق والنسبية: ويوجد هنا مستويان: الأول: القيم المطلقة: وترتبط بالأصول، وهي قيم ثابتة ومطلقة ومستمرة لا تتغير بتغير الزمان والأحوال، ولا مجال للاجتهاد فيها إلا الفهم والوعي، ومن ثم يجب على المسلم أن يتقبلها ويسلم بها ويعمل بمقتضاها، وهذه ترتد إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة. الثاني: القيم النسبية: وترتبط بما لم يرد فيه نص، أو تشريع صريح وهي تخضع للاجتهاد الذي لا يتعارض مع نص صريح، ومعنى نسبيتها أنها متغيرة بتغير المواقف عبر الزمان والمكان، وتحتاج إلى اجتهاد جمعي لإقرارها. 2- من حيث تحقيق المصلحة: وهي تتعلق بحفظ الكليات الخمس وهي:   (1) محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ص 126. (2) جابر قميحة، المدخل إلى القيم الإسلامية، القاهرة، دار الكتاب المصري، د. ت، ص 78. (3) محمد عبد الله دراز، دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية، الكويت، دار القلم، 1400 هـ- 1980 م، ص 123، 124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 - الدين: وموضوع القيم هنا صلة الإنسان بربه. - النفس: وموضوع القيم هنا صلة الإنسان بنفسه، وحياة الإنسان. - العقل: وموضوع القيم الجوانب الفكرية والعقلية في حياة الإنسان. - النّسل: وموضوع القيم صلة الإنسان بغيره على وجه العموم. - المال: وموضوع القيم صلة الإنسان بالأشياء والمكاسب. وتأتي القيم هنا مرتبة ترتيبا هرميا طبقا لمحورين أساسيين: - درجة النفع: وهنا ثلاث درجات، الضروريات، الحاجيات، والتحسينيات. - درجة الحكم: من حيث الحلال والحرام والمباح والمكروه والمندوب. 3- من حيث تعلقها بأبعاد شخصية الإنسان وجوانبها: والتي تربى على القيم وتحتضنها: - البعد الروحي: وتعبر عنه القيم التي تنظم علاقة الإنسان بربه، وتحدد صلته به. - البعد الخلقي: وتعبر عنه القيم المتعلقة بالأخلاق والتي تتصل بالشعور والمسئولية. - البعد العقلي: وتعبر عنه القيم المتعلقة بالعقل والمعرفة، وإدراك الحق، ووظيفة المعرفة. - البعد الجمالي: وتعبر عنه القيم المتعلقة بالتذوق الجمالي والتعبير عنه، وإدراك الاتساق في الحياة. - البعد الوجداني: وتعبر عنه القيم الوجدانية الانفعالية، وهي تلك التي تنظم الجوانب الانفعالية للإنسان وتضبطها، من غضب ورضا أو حب وكره، وغير ذلك. - البعد المادي: وتعبر عنه القيم المتعلقة بالوجود المادي للإنسان. - البعد الاجتماعي: وتعبر عنه القيم التي تتصل بالوجود الاجتماعي للإنسان من خلال مجتمعه والمجتمع العالمي. وخلاصة القول أن صيغة التكامل بين هذه الأبعاد هي الأساس في تناول هذه القيم، فكل بعد متكامل مع الآخر، وتتكامل كافة أبعاد التصنيف الثلاثة بعضها مع بعض مكونة النسق القيمي الإسلامي الصحيح. بين الأخلاق والقيم: يبدو جليّا مدى التقارب بين مفهوم الأخلاق والقيم، ولعل مفهوم القيم أوسع دلالة من مفهوم الأخلاق، ولكن إذا كانت القيم تتعلق بجوانب شتى من الحياة، حتى إن البعض يقول: إن هناك قيما خلقية تختص بالشعور بالمسئولية والالتزام إلى جانب قيم أخرى، فإننا لا نكاد نلمح فارقا بين الاثنين باعتبار أن الأخلاق تتصل أيضا بكافة جوانب الحياة، فهى لا تنفصل عن حياة الإنسان فى كافة جنباتها. ويمكن القول: إن الأخلاق تستند فى أصلها إلى قيم للسلوك الفردي أو الاجتماعي، والفعل الخلقي هو فى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 صميمه فعل قيمي. ومع هذا فلا يجب أن نهمل ما توصل إليه علماء الأخلاق ونحن ندرس القيم، ولا نهمل ما توصل إليه علماء التربية الذين اهتموا بدراسة القيم لأنها توضح وتجلي مجالات من مجالات الأخلاق ودراستها، ولذلك فإن حديثنا سينصب في باقي هذه المقدمة حول القيم الخلقية والتي تعني تلك القيم التي تتصل بشعور الإنسان بالالتزام والمسؤولية والجزاء. وظائف القيم الخلقية: للقيم الخلقية وظائف عديدة، فهى تنعكس على سلوك الفرد قولا وعملا، كما ينعكس أثر الالتزام بها على الجماعة أيضا، بل ويمكن أن يمتد أثرها إلى العلاقات الدولية في حالتي السلم والحرب، وسنتناول ذلك- بإيجاز- فيما يلي: أ- على المستوى الفردى: 1- أنها تهيء للأفراد اختيارات معينة عن طريق الأوامر والنواهي والإلزامات التكليفية، تحدد السلوك الصادر عنهم، وبمعنى آخر؛ تحدد أشكال السلوك، وبالتالي تلعب الدور الهام فى تشكيل الشخصية الفردية السعيدة فى الحياة الدنيا. وفى الحياة الآخرة عن طريق تحديد أهدافها فى إطار معياري صحيح. 2- أنها تعطي الفرد إمكانية تحقيق ما هو مطلوب منه فى إطار الرسالة الإسلامية، وتمنحه القدرة على التكيف والتوافق الإيجابيين، وتحقيق الرضا عن النفس بإرضاء الله تعالى عن طريق التجاوب مع الجماعة في مبادئها وعقائدها وأخلاقها الصحيحة. 3- أنها تحقق للفرد الإحساس بالأمان، إذ هو يستعين بها على مواجهة ضعفه وضعف نفسه، ومواجهة التحديات والعقبات التى تواجهه فى حياته. 4- أنها تعطي الفرد فرصة ودفعة نحو تحسين وعيه، ومعتقداته، وسلوكياته، لتتضح الرؤية أمامه، وبالتالى تساعده على فهم العالم حوله، وتوسع مدلولات الإطار الفكري لفهم حياته وعلاقاته. 5- أنها تعطي الفرد فرصة للتعبير عن الذات، مؤكدا ذاته فى إطار العبودية الصحيحة لله وعن فهم عميق لها ولإمكانياتها. 6- أنها تعمل على إصلاح الفرد نفسيا، وتوجهه نحو الخير والإحسان الواجب وكافة مكارم الأخلاق التي تضمن حياة نظيفة فى الدنيا، وجزاء أوفى فى الآخرة. 7- أنها تعمل على ضبط الفرد لشهواته، ومطامعه، فلا تتغلب على فكره ووجدانه، لأنها تربط سلوكه وتصرفاته بمعايير وأحكام أهمها إرضاء الله سبحانه وتعالى، وبالتالي يتصرف فى ضوئها وعلى هديها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 8- أنها تبعد الإنسان عن النقص البشري الذي يجعل الحياة جحيما لا يطاق، وذلك من جراء صفات من أبرزها الجبن والخوف، والاستهتار واللامبالاة إلى غير ذلك من صفات يجب أن يتجنبها الإنسان. 9- تسمو بالإنسان وترفعه فوق الماديات المحسوسة حتى لا يرتبط بها ارتباطا كليا، فتغلب عليه حيوانيته، وإلى سماء الإنسانية الرفيعة بكل ما فيها من جمال وقيم ومبادىء سامية لا تتحقق إلا بالتمسك بالأخلاق الإسلامية ومنهج الإسلام فى الحياة. إلا أنه يجب أن لا ندرك هذه الوظائف منفصلة بعضها عن بعض، بل هي متداخلة متكاملة بعضها مع بعض وبالتالي تحقق ذاتية الفرد، وتجعله يحس ويستشعر عظمة وقيمة حياته، إنها فى النهاية تحقيق لإنسانية الإنسان، ورضاه عن نفسه برضا الله تعالى عليه وتحقيق إرادته مع أوامره ونواهيه. ب- على المستوى الاجتماعي: للقيم الخلقية وظيفتها على المستوى الاجتماعى، حيث إنها تحقق للمجتمع وظائف عديدة، منها: 1- تحفظ على المجتمع تماسكه، فتحدد له أهداف حياته، ومثله العليا، ومبادئه الثابتة المستقرة التي تحفظ له هذا التماسك والثبات اللازمين لممارسة حياة اجتماعية سليمة ومتواصلة. 2- تساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه، بتحديدها الاختيارات الصحيحة والسليمة التي تسهل على الناس حياتهم، وتحفظ على المجتمع استقراره وكيانه فى إطار موحد. 3- تربط أجزاء ثقافة المجتمع بعضها ببعض حتى تبدو متناسقة، كما أنها تعمل على إعطاء النظم الاجتماعية أساسا إيمانيا وعقليا يصبح عقيدة فى ذهن أعضاء المجتمع المنتمين والمتفاعلين بهذه الثقافة. 4- تقي المجتمع من الأنانية المفرطة، والنزعات، والأهواء والشهوات الطائشة التى تضر به وبأفراده ونظمه، فهي تحمل الأفراد على التفكير فى أعمالهم على أنها محاولات للوصول إلى أهداف هى غايات فى حد ذاتها، وليس على أنها مجرد أعمال لإشباع الرغبات والشهوات. ولذلك فإن القيم والمثل العليا فى أي جماعة هي الهدف الذي يسعى جميع أعضائها للوصول إليه، والمثل الأعلى في المجتمع الإسلامي هو محمد صلّى الله عليه وسلّم، والمنهج الذي بلّغ به من قبل الله تعالى باعتباره المثل الأعلى. 5- أنها تزود المجتمع بالصيغة التي يتعامل بها مع العالم الطبيعي والبشر، وتحدد له أهداف ومبررات وجوده، حتى يسلك فى ضوئهما، ويستلهمها الأفراد فى سلوكياتهم. 6- أنها تزود المجتمع بالصبغة الملائمة التي تربط بين نظمه الداخلية من اقتصادية وسياسية وإدارية وبالتالي تحوطه بسياج حام من التفكك والانحلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ج- على مستوى العلاقات الدولية: إن وظيفة القيم الأخلاقية- كما حددها القرآن الكريم وكما جاءت بها السنة المطهرة- قد تتجاوز في أحيان كثيرة الفرد والمجتمع إلى إطار أرحب وأوسع، ألا وهو مجال العلاقات الدولية في وقتي السلم والحرب على السواء، ويتضح ذلك من تأمل ما يلي: أولا: في حالة السلم: 1- الاهتمام بالسلام العام، يقول الله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة/ 128) . 2- مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، يقول الله تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (العنكبوت/ 46) . 3- عدم إكراه أحد على الدخول في الدين، يقول الله تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (البقرة 256) ، ويقول سبحانه: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (الغاشية 21/ 22) . 4- عدم إثارة الأحقاد أو الكراهية، يقول الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ... يَعْمَلُونَ (الأنعام/ 108) . 5- ترك الاستبداد والإفساد في الأرض، يقول سبحانه وتعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (القصص/ 83) . 6- الحفاظ على أمن المحايدين، يقول الله تعالى: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (النساء/ 90) . 7- حسن الجوار وإقامة العلاقات الدولية على أساس من العدالة والبر يقول سبحانه: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* (الممتحنة/ 8) . ثانيا: في حالة الحرب أو الخصومة: يتجلى دور القيم الإسلامية في هذه الحالة في النقاط الآتية: 1- ترك المبادرة بالشر أو العدوان، يقول الله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ* ... أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ* (المائدة/ 2) . 2- النهي عن القتال في الأشهر الحرم أو الأماكن المحرمة، يقول الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً ... فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (التوبة/ 36) ، ويقول سبحانه: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ (البقرة/ 191) . وهذه القواعد الأخلاقية المتعلقة بتحريم القتال في أزمنة معينة وأماكن معينة لا تزال تشكل أساسا متينا في العلاقات الدولية إذ يجب على الأطراف المتحاربة تجنب القتال في أوقات الهدنة المتفق عليها سلفا من الأطراف قياسا على حرمة القتال في الأشهر الحرم التي كانت بمثابة هدنة أقرها العرب قبل الإسلام في هذه الأشهر، ثم أقرهم الإسلام على ذلك،. كما أنه يجب تجنيب دور العبادة والتعليم وما أشبهها من ويلات الحروب وآثارها المدمرة. 3- عدم التعرض للمدنيين وقتال المقاتلة وحدهم، يقول الله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة/ 190) . 4- الوفاء بالمعاهدات المبرمة بين أطراف النزاع، يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة/ 1) . 5- الوفاء بجميع الالتزامات قبل الطرف الآخر حتى ولو كانت غير مواتية، يقول الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ ... تَخْتَلِفُونَ* (النحل 91/ 92) . 6- مراعاة الأخوة الإنسانية باعتبارها رباطا مقدسا يسمو على الأجناس والأنواع يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ... إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) . 7- وأخيرا يدعو القرآن الكريم المحاربين من المسلمين إلى التحلى بالصبر كما يدعوهم إلى الوحدة والثبات وعدم الخوف من ملاقاة الأعداء مهما كثروا «1» يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران/ 200) ، ويقول جل من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال/ 45- 46) .   (1) بتصرف واختصار من دستور الأخلاق في القرآن الكريم 753- 760. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الفصل الثاني الأخلاق الإسلامية طبيعتها ... مصادرها ... أركانها بعد أن تعرفنا على مفهوم الأخلاق، ووظائفها، يمكننا أن نعرض لطبيعة الأخلاق الإسلامية وخصائصها، باعتبارها معبّرا قويّا عن الذاتية الثقافية للأمة الإسلامية بعالميتها وشمولها، بما يدفع أي شك أو تردد في وجود تلك الأخلاق وتفردها، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وأهميتها في توليد الحركة الحضارية الذاتية للمجتمع الإسلامي، وذلك بتحريك الوعي بتلك القيم في نفوس الأفراد. أولا: طبيعة الأخلاق الإسلامية: للأخلاق الإسلامية طبيعة متميزة متفردة سواء فيما يتعلق بالإطار النظري لها، أو بأركانها، وفي سبيل توضيح ذلك؛ نسوق مقدمتين، ثم نتناول أركان الفعل الخلقي في الإسلام. المقدمة الأولى: الأخلاق الإسلامية والعقيدة الإسلامية: لا تصدر الأخلاق الإسلامية عن مصلحة مؤقتة أو منفعة ذاتية، ولما كانت الأخلاق تعتمد على أصل الشعور بها عند الإنسان، بحيث يترجم عنها في صورة أفعال أو انفعال أو لفظ، فإن الإسلام يجعل الإنسان الأساس الذي تقوم عليه الأخلاق، وهذه الأخلاق تهدف إلى تحقيق كرامة الإنسان بمراعاة طبيعته، وقدراته، وما سخر له في السماوات والأرض، وبما أنزل عليه من كتب وما أرسل إليه من رسل، وبذا تتحقق كرامة الإنسان ويتهيأ بها للعمل الصالح المحكوم بسياج العقيدة الصحيحة «1» . إن هدف الإسلام هو «تحرير البشرية من الرق في جميع أشكاله، وتحريك الإنسان من أجل السعي والدأب على الاحتفاظ بالخصائص الإنسانية، وعدم الانحراف في توجيهها أو في ممارستها» وإذا تحدث الإسلام عن الأخلاق كضابط لسلوك الإنسان، فإنه لا يهدف إلا إلى «أن يبقى الأفراد على مستوى إنساني لا يستذل واحد آخر، ولا يؤذي فرد فردا في بشريته، وبهذا يكون المجتمع مجتمعا إنسانيّا، كل فرد فيه يشعر بالطمأنينة وبالارتياح في صلته بغيره» «2» . ومن أهدافه أيضا المحافظة على حرية الإنسان، التي لا يحدها إلا إطار الشرعية أو المصلحة العامة،   (1) محمد فتحى عثمان: القيم الحضارية فى رسالة الإسلام، الطبعة الأولى، الدار السعودية، 1402/ 1403 هـ، ص 42. (2) محمد البهي: الدين والحضارة الإنسانية، الجزائر، الشركة الجزائرية، (بدون تاريخ) ، ص 85 (بتصرف) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فرسالة الإسلام هى رسالة الله للإنسان، وهذا يجعلنا نقول إن إرساء الإسلام لهذه الأخلاق إنما كان لتحقيق مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، فأخلاق الإسلام كشريعته وعقيدته جاءت ليحصل بها السعادة في الدنيا والآخرة، وتحقيق كافة كمالات الإنسان، ذلك لأن جميع ما في الإسلام «من عقائد وعبادات ومعاملات تتكفل بتحقيق كل مصالح العباد بقسميها الدنيوي والأخروي، فالمسلم المتمسك بأحكام الدين في معاملاته مع الناس من حيث إنها أوامر إلهية، بالائتمار بها، ينال جزاء ذلك في الدنيا بالوصول إلى منافعه، وفي الآخرة بلوغ مرضاة الله وجناته» «1» . وإذا كانت الغاية من الشرائع السماوية، حصول السعادة في الدارين، فإن هذا يدلنا على أن الله سبحانه لم يترك عباده سدى، بل أنعم عليهم بعد نعمة الخلق بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتب المتضمنة لهداية العباد إلى الحق والخير والسعادة، وجميع الأحكام الكلية والجزئية إنما تهدف إلى تحقيق مصالحهم، وقد اتفقت كلمة العلماء على أن أحكام الله تعالى قائمة على رعاية المصالح، وإن اختلفت العبارات في ذلك «2» . والمقاصد الكلية للشريعة تنحصر في المحافظة على كل من: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال «3» ، ولو اختل واحد من هذه الأمور الخمسة لاختلت لأجله الحياة، وقد شرع الله لحفظ هذه الضروريات أحكاما لوجودها، وأخرى للمحافظة عليها حتى لا تنعدم بعد الوجود، ووجوب المحافظة على هذه الأمور معلوم على سبيل القطع، وجاءت وسائل الحفاظ عليها في ثلاث مراحل حسب الأهمية، وتتمثل في الضروريات، والحاجيات والتحسينات. فالضروريات: ما لا بد منه في حفظ الكليات الخمس، ويكون ذلك بإقامة أركانها، وتثبيت قواعدها وبدرء الفساد الواقع أو المتوقع عليها. وفي هذا الإطار شرع الشارع أوامر لتقويم الأركان والوجود، وأوامر أخرى لحفظها من الهدم والفساد، فهى أوامر ونواهي. أما الحاجيات: فمعناها أنه قد تتحقق من دونها الأمور الخمسة، ولكن مع الضيق، فشرعت لحاجة الناس إلى رفع الضيق عن أنفسهم، كي لا يقعوا في حرج قد يفوت عليهم المطلوب، ومن هذا المجال الرّخص، وإباحة التمتع بالطيبات والتوسع في المعاملات، وغير ذلك. والتحسينات: هى الأمور التي إذا تركت لا يؤدى تركها إلى ضيق، ولكن مراعاتها متفقة مع مبدأ الأخذ بما   (1) محمد سعيد رمضان: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، الطبعة الرابعة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1402 هـ/ 1982 م، ص 85. (2) يوسف حامد العالم: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1412 هـ/ 1991 م، ص 77. (3) الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة ج 1، ط 4، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1402 هـ/ 1982 م، ص 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 يليق، وتجنب ما لا يليق، ومتمشية مع مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، ومن هذا المجال أحكام النجاسات، والطهارات، وستر العورة وما أشبه ذلك، وآداب الأكل وآداب الشرب وغير ذلك مما يندرج تحت ما يسمى بالآداب الشرعية «1» . والهدف من ذلك كله أن يعرف الإنسان الغاية من خلقه وهى معرفة الله عز وجل، ولزوم موقف العبودية له، حيث ينال بذلك الخلود في جناته وظل مرضاته وهذه هي رابطة الحياة الآخرة بالدنيا» «2» . والأدلة على ذلك كثيرة وافرة من القرآن الكريم والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «3» . وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا «4» . أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ «5» . إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً «6» . مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ «7» . ويسوق الراغب تعليلا جيدا حيث يقول: «ما أحد إلا وهو فازع إلى السعادة يطلبها بجهد، ولكن كثيرا ما يخطئ فيظن ما ليس بسعادة في ذاته أنه سعادة فيغتر بها، والنعم الدنيوية تكون نعما وسعادة متى تناولها الإنسان على ما يجب وكما يجب، ويجري بها على الوجه الذي لأجله خلق، وذلك أن الله جعل الدنيا عاريّة ليتناول منه قدر ما يتوصل به إلى النعم الدائمة والسعادة الحقيقية، وشرع لنا في كل منها حكما بين فيه كيف يجب أن يتناول ويتصرف عنها، لكن صار الناس في تناولها فريقين: فريق يتناولونه على الوجه الذي جعله الله لهم فانتفعوا به، فصار ذلك لهم نعمة وسعادة وهم الموصوفون بقوله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ «8» ، وقوله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ «9» ، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ   (1) راجع: محمد سعيد رمضان، مرجع سابق، ص 119- 120 ويوسف حامد العالم، المقاصد العامة، مرجع سابق، ص 80- 82. (2) محمد سعيد رمضان، مرجع سابق، ص 121. (3) الذاريات: 56. (4) القصص: 77. (5) المؤمنون: 115. (6) مريم: 93. (7) الشورى: 20. (8) الحج: 41. (9) النحل: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 فِي الدُّنْيا حَسَنَةً* «1» ، فهؤلاء حيوا بها حياة طيبة كما قال تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً «2» ، وفريق يتناولها لا على الوجه الذي جعلها الله لهم، فركنوا إليها فصار ذلك لهم نقمة وشقاوة فتعذبوا بها عاجلا وآجلا، وهم الموصوفون بقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ «3» ، «4» . فالأخلاق في الإسلام- إذا- تعتمد على أهداف العقيدة الإسلامية باعتبار أن العقيدة الإيمانية معيار توزن عليه الأعمال والأقوال وكافة التصرفات، لحفظ كرامة الإنسان وصيانته، وتحقيق سعادته في حياته الدنيا، والأخرى، وعلى هذا فمردود الالتزام الخلقي ليس دنيويا فحسب وإنما أخروي أيضا. المقدمة الثانية: الأخلاق الإسلامية ومبدأ التكليف: الإنسان كائن مكلف، ولهذا شواهده من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وعلى هذا يمكن فهم الإنسان وفهم هدف حياته، فهو مبتلى بتبعة التكليف، ولذا فهو مسئول عن اختياراته وبناء حياته، قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ «5» . يقول أبو حيان في تفسير هذه الآية الكريمة: بيّن الله أن ما كلفه الإنسان أمر عظيم فقال: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ تعظيما لأمر التكليف، والظاهر أن الأمانة هي كل ما يؤتمن عليه من أمر ونهي، وشأن دين ودنيا، والشرع كله أمانة، وهذا قول الجمهور، والظاهر عرض الأمانة على هذه المخلوقات العظام- وهي الأوامر والنواهي- فتثاب أن أحسنت، وتعاقب إن أساءت، فأبت وأشفقت، ... وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوته «6» . والأمر كذلك، فإن الإنسان لا بد أن يكون قادرا على الفعل والترك، أي الاختيار لكي تصبح منه الطاعة بفعل المأمورية، إذ أنه يكون عاصيا بتركه، ويلزم أن يكون الإنسان عالما بالأفعال التي كلف بها، إتيانا أو تركا «7» . ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ ... «قال علي بن أبى طلحة عن ابن عباس: الأمانة: الفرائض عرضها الله على السموات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك وأشفقوا منه من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها ثم عرضها على آدم   (1) النحل: 41. (2) النحل: 97. (3) التوبة: 55. (4) الراغب الأصفهاني: كتاب تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، بيروت، دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر، 1983، ص 65، 66. (5) الأحزاب: 72. (6) البحر المحيط 7/ 243 (بتصرف يسير) ، وانظر صفة الأمانة ج 3 ص 510. (7) راجع: عبد القاهر البغدادى، كتاب أصول الدين، ط 3، بيروت. دار الكتب العلمية، 1401 هـ/ 1981 م ص 210- 213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فقبلها بما فيها» «1» . أيا كان الأمر فقد منح الإنسان ما يساعده على القيام بمهمة التكليف، ويمكن عرض ذلك بإيجاز فيما يلى: 1- الإنسان غاية حياته تحقيق وظائف الاستخلاف في الأرض: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «2» ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ «3» . 2- الإنسان وحده من بين سائر الكائنات هو المخصوص بالكرامة والتكريم وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا «4» . والفعل المختص بالإنسان ثلاثة: أ- عمارة الأرض المذكورة في قوله تعالى: وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها «5» وذلك تحصيل ما به تزجية المعاش وغيره. ب- وعبوديته لله المذكورة في قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «6» وذلك هو طاعة الله- عز وجل- في عبادته، في أوامره ونواهيه. ج- استخلافه المذكور في قوله تعالى: وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ «7» وغيره من الآيات، وذلك هو الطاعة للباري سبحانه على قدر طاقة البشر في السياسة بامتثال الأوامر واجتناب النواهي واستعمال مكارم الشريعة، ومكارم الشريعة هى الحكمة، والقيام بالعدالة بين الناس في الحكم، والإحسان، والفضل، والقصد منها أن يبلغ الإنسان إلى جنة المأوى، وجوار رب العزة تبارك وتعالى «8» . 3- على هذا الأساس وهب الإنسان استعدادات وقدرات ومواهب تؤهله للقيام بتلك الوظيفة سواء المادية والمعنوية، وهما جماع الذات الإنسانية، وبهما تتم حياة الإنسان، ويعود الاهتمام بالجانب المادي إلى أنه وعاء الشخصية الإنسانية، ومن هنا تأتي علاقة الإنسان المادية بالأشياء طبيعية، إذ أنها مفطورة في جبلته «9» . وهو بهذا قادر على المشى في الأرض، والسعي فيها، وتعميرها وتحسينها، ولو كان الإنسان روحا محضا ما وجدت لديه الدافعية الحافزة له على استخدام المادة والسير في مناكب الأرض، وممارسة معطياتها «10» .   (1) الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير: تفسير ابن كثير ط 1، مكتبة الرياض الحديثة، دار الفكر 1400 هـ/ 1980 م ج 3، ص 523. (2) البقرة: 30. (3) الأنعام: 165. (4) الإسراء: 70. (5) هود: 61. (6) الذاريات: 56. (7) الأعراف: 129. (8) الراغب الأصفهانى، الذريعة إلى مكارم الشريعة، ط 1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1980 م، ص 32. (9) اقرأ: سورة ص: 71. (10) راجع: يوسف القرضاوى، الخصائص العامة للإسلام، ط 1، القاهرة، مكتبة وهبة، 1397 هـ/ 1977 م، ص 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وتعطي تعليمات الإسلام الجانب المادي حقه، ولم تنكر مطلبا من مطالبه، بل وجهت إلى ضبطها وضبط إشباعها. ومن التوجيهات النبوية الخالدة، إنكاره صلّى الله عليه وسلّم على من سولت له نفسه حرمان جسده من حقه وحاجاته الأساسية، يروي البخاري- رحمه الله-: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منى» «1» . إن الإسلام في توجيهاته لم يطغ الجانب المعنوي على الحاجات الحياتية ولكنه يعطي الجانب المعنوي مكانه وأثره حتى يؤدي غرضه، ومن هذه القوى المعنوية التي أولاها الإسلام عنايته العقل باعتباره القوة المدركة التي يستطيع الإنسان عن طريقها أن يعقل الأمور ويميز الخير من الشر، والنافع من الضار. 4- ومن منطلق رسالة الإنسان فإن لديه الإمكانية والاستعداد لفعل الخير والشر، ويكتسب جانب الخير وجانب الشر بالتطبيع لا بالطبع، وهذا ما أوضحته الآية الكريمة: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ «2» . وقوله تعالى فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها «3» . وهو قادر على فعل الخير وفعل الشر والأمر راجع إلى تربية الاختيار، وقد يختار الإنسان أن يسلك سلوكا مضادا للقوانين الأخلاقية، ولكنه لا يستطيع أن يفلت من الإطار الخلقي بعيدا عن الخير والشر «4» . وتعود تلك القدرة على الاختيار إلى التربية: تربية الاختيار، وهذا ما أشار إليه الحديث الشريف: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه» «5» . والحديث يتضمن تصوير حالة الاستعدادات والقدرات القابلة للتشكيل والصياغة، ويبين أنه من خلال التربية والبيئة والتفاعل والتنشئة الاجتماعية يكون سلوك الإنسان، وتكون إرادته وقدرته على مواجهة الشر والتغلب عليه واختيار الخير، وعلى شكل هذه الإرادة وقوتها تكون حياة الإنسان.   (1) صحيح البخاري: بعناية مصطفى البغا، ج 7، ص 20. (2) البلد: 10. (3) الشمس: 8. (4) على عزت بيجوفتش، مرجع سابق، ص 84. (5) ابن الديبع الشيباني، تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول، ج 1، ص 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 والإسلام يقرر من خلال نصوصه أن هذه القضية ترتبط أصلا بالابتلاء، لأنها ترتبط بالإرادة الإنسانية والاختيار، وهذا يلقي على الإنسان مسئولية ضخمة، قال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً* إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً «1» . وهو سبحانه الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «2» . فالابتلاء يجري على الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته، فهو إما مبتلى بالسراء أو بالضراء، بالمعصية أو بالطاعة «3» . 5- إن تكليف الإنسان المشار إليه في الآية الكريمة: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (الأحزاب/ 72) . هو أيضا ابتلاء، وعلى هذا الأساس كان خلق الإنسان تمهيدا وتأهيلا من حيث كانت قابلة لفعل الخير وتقبله، وكذلك لفعل الشر وتقبله وتحمّل نتائجه، ولذلك زود الإنسان بالصفات الخلقية والعقلية اللازمة للقيام بمهامه في إطار الابتلاء، وكانت القيم الخلقية طبقا للمنهج الإسلامي هي الضابط الأساسي لحركة الإنسان المكلف برسالة الاستخلاف في الأرض، وكانت الابتلاءات الخاصة من منح ومحن لإظهار جودة الإنسان أو رداءته من خلال التزامه بالمنهج الإسلامي في التعامل مع مواقف الابتلاء المختلفة «4» . لقد ثارت منذ القدم مسألة الجبر والاختيار، وتنوعت الآراء حولها، والذي يهمنا هنا هو توضيح الموقف الإسلامي الصحيح من خلال نصوص القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهناك عنصران أساسيان للإجابة هما: أ- غيبية أفعالنا المستقبلة وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً (لقمان/ 34) . ب- قدرة الإنسان على أن يحسن أو يفسد كيانه الداخلي قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) . ويمكن أن تكتمل هذه الإجابة القرآنية من خلال تفهم أن جميع المثيرات مهما بلغت لا تستطيع أن تمارس إكراها على قراراتنا في مواجهة الابتلاءات، يقول الله تعالى على لسان الشيطان: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا   (1) الإنسان: 2- 3. (2) الملك: 2. (3) انظر مظاهر الابتلاء. (4) انظر تعامل المسلم مع مواقف الابتلاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ (إبراهيم/ 22) . هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هناك إدانة شديدة للأعمال الناشئة عن الهوى أو التقليد الأعمى «1» ، يقول الله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف/ 176) ، إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ* فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (الصافات/ 69- 70) . ويرى ابن تيمية: أن الطبيعة الإنسانية تتميز بأنها طبيعة حية، والإرادة والحركة من لوازم الحياة، ولما كانت الإرادة والعمل من لوازم ذاتها، فإذا أهداها الله، علمها ما ينفعها وما يضرها. فأرادت ما ينفعها، وتركت ما يضرها، وهذه الإرادة الحرة المتحركة، النشطة، الفاعلة، المتفاعلة هى من أخص الخصائص الإنسانية، وتبعا لهذه الحركة الإرادية يكون له دور في سلوكه، ومختلف أنماط نشاطه، وميوله، ومن ثم تكون الهداية الإلهية ضرورية، والمعرفة الدينية حيوية، حتى لا تنحرف به ميوله، وإراداته عن طريق الخير «2» . ومعنى هذا: أن الإرادة الإنسانية لا بد أن يكون لها دورها في اختيار النمط السلوكى، الذي تتحمل مسئوليته، ومما يدعم هذه المسئولية، حريتها بالإضافة إلى الفطرة، والمعرفة الإلهية متمثلة في الكتب والرسل، ومن ثم تبرز مسئولية الإنسان عن فعل الشر «3» . إذن الإنسان يعيش بين جبر واختيار، ويتمثل الجانب الجبرى في حياة الإنسان في الموروثات التي تكون نفسيته وشخصيته أو تشترك في تكوينها، «من ذكاء وطباع ومزاج وغرائز وعواطف، ومواهب، وقدرات، بالإضافة إلى الشكل العام للجسد وقوته» وكذلك «المكتسبات الناتجة عن تفاعل الموروثات ببيئة الفرد مثل العادات والتقاليد، والأنماط السلوكية والمكانة لكل مجتمع ولكل عصر وما إلى ذلك» ، وهو ضرورى «لقيام التجربة الوجودية» «4» . ومن الجبر أيضا الرزق والعمر والولد والقوة والجاه وكل ما يمنح الله الإنسان من نعم، وكل ما يصيبه من نقم، وأما الجانب الاختيارى فله ركائزه، وهي محققة في القرآن الكريم والسنة المطهرة «5» ، وهذا الاختيار له مساحاته، وإذا أراد الإنسان ونوى وعزم على الفعل، يأتى الفعل من الإنسان، والتوفيق من الله، وفي كل أفعال الإنسان يظل في تلك الحركة الدائبة، وهذا الجانب الاختياري من حياة الإنسان يتكون من مجموع اختياراته حيال التجارب الائتلافية التي يجتازها في حياته كلها، ومن مجموع الجانبين وامتزاجهما نتج لنا شخصية الفرد واضحة   (1) انظر دستور الأخلاق في القرآن الكريم ص 202 (بتصرف واختصار) . (2) محمد عبد الله عفيفي: النظرية الخلقية عند ابن تيمية، مرجع سابق ص 253. (3) المرجع السابق، ص 253، 254. (4) فاروق الدسوقي: القضاء والقدر في الإسلام، مرجع سابق، ص 180. (5) المرجع السابق، ص 215، 231. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 جلية محددة الاتجاه والمصير، فالإنسان ليس في نهاية حياته سوى عمله الذي اختاره ونفذه ومات عليه» «1» . وبالإرادة القوية الصحيحة التي تتكون لدى الإنسان عن طريق العلم الصحيح والتربية السليمة المعتمدة على أن الإنسان مفكر ذكي ذو قدرات واستعدادات تساعده على الاختيار السليم يكون الاختيار السليم، ولعل هذا بعض مما يوحى به الحديث الشريف: «اعملوا فكلّ ميسّر» «2» . 6- والإنسان لا يعيش وحده بل في مجتمع، أي في علاقة، وهذا النوع من العلاقة لا يمكن أن يوجد إلا في وسط مجتمع له غايته الخاصة، وتأتى معطيات الإسلام مقررة أن الإنسان ليس فردا فردية مطلقة، ولا هو ذائب في الجماعة، بل هو يشكل جزءا من كل أكبر، وهذه الجماعة منسّقة لغايات أسمى، فالإسلام لا يضخم الفرد، ولا يضخم الجماعة، إذ هو يعطى الفرد ذاتيته المسئولة بحيث يصبح في النهاية فردا في مجموع، ويعطى المجتمع كيانا ووجودا في ضمير الأفراد، فهو يغذى في الفرد النزعة الفردية بحيث يشعر بذاتيته واستقلاله ويبين للإنسان دوره في المجموع، لأن الإنسان لا يمكن أن يعيش بمعزل عن المجتمع. والدور الاجتماعى للفرد مطلوب، وفي الوقت نفسه يقرر الإسلام ضمانات معينة ليسير المجتمع على أساسها، وليوفر الجو المستقر الذي يستطيع الفرد فيه استغلال قدراته كقوة متميزة متفردة، مسئولا عن أعماله إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً* لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً «3» . وفي إطار هذه المسئولية الاجتماعية التي ترتب على الإنسان واجبات عديدة نحو مجتمعه وأسرته، بل ذاته، فإن له أيضا حقوقا لابد أن ينالها مثل حقه في الحياة والتملك، كل ذلك أي تلك الحقوق وما يقابلها من الواجبات يتم من خلال التوجه إلى مرضاة الله تعالى، وبهذا فقط ينشرح صدر الإنسان وتطمئن نفسه، ويتجاوب مع أهله وأصدقائه مشاركا لهم في أفراحهم، ومعينا لهم في وقت الشدة، ويتلقى منهم ما يسر خاطره، وقد جعل الإسلام هذه المشاعر النبيلة وتلك المشاركة الوجدانية الحقة ضمن عناصر الإيمان، يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» «4» . ويعنى الإسلام كذلك بتقوية الروح الاجتماعية في الإنسان، ومحاربة القبلية والعائلية والانعزالية في نفسه لأنه مهما اتصف الفرد بأكمل الصفات وأتمها، فلن يتم كماله إلا إذا ملأت الروح الاجتماعية قلبه ووجهت عمله، وأيقظت ضميره، وكانت المسيطرة عليه في كل تصرفاته «5» .   (1) فاروق الدسوقي: القضاء والقدر في الإسلام، مرجع سابق، ص 180. (2) صحيح البخاري، مرجع سابق ج 3، ص 154. (3) مريم: 93- 95. (4) البخاري- الفتح (13) ، ومسلم (45) ، وانظر أيضا الأحاديث 63، 65، 67، 68، 71. (5) مصطفى السباعي، هذا هو الإسلام، ط 1، بيروت، المكتب الإسلامي، 1979، ص 10، 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وإلى هذا كله تشير الآيات الكريمة: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ «1» . يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً «2» . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا «3» . تؤكد الآيات ومعها الأحاديث النبوية مسئولية الإنسان الفرد في بناء المجتمع المسلم، وتؤكد أن الفرد عضو في كيان أكبر، هو المجتمع الإسلامي الذي يقوم على الإيمان والعدل والمساواة والأخوة والتحرك الواعي تجاه أهداف الجماعة الإسلامية. هذه المعطيات الأساسية تعتبر المبادىء التي تم بناء الفرد المسلم عليها، وهى المنطلقات الأساسية للتكليف السليم، وهي أساس التربية الخلقية السليمة باعتبار أن الأخلاق الإسلامية تحتل المكان البارز في حياة المسلمين ولأن قواعد الأخلاق الإسلامية تتميز عن غيرها لاقترانها دائما بأمر التكليف حيث نرى اقتران أمر التكليف في كثير من آيات القرآن الكريم بالأمر بالفضائل الخلقية، كالبر والتعاون والمودة والأمانة وأمثالها «4» . وهذا ما نلاحظه في كثير من آيات القرآن الكريم والسنة المطهرة حيث يربط بين الاثنين في أمر واحد يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «5» . يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ «6» . هذا ما يتعلق بطبيعة الإنسان كمكلف إلا أن هناك شقا آخر في فهم التكليف يعد ضروريا ومهما، وهو (الأحكام التكليفية) وقد حدد الفقهاء هذه الأحكام في أنها: «ما اقتضى طلب الفعل من المكلف، أو كفه عن فعل،   (1) الحجرات: 13. (2) النساء: 1. (3) الأنفال: 72. (4) أبو الوفا مصطفى المراغي: السلوك الخلقي الاجتماعي في الإسلام، العدد 69، سلسلة دراسات في الإسلام، القاهرة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ص 14. (5) الحج: 77. (6) لقمان: 17- 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 أو تخيره بين فعل والكف عنه» «1» . أو هو: «خطاب الله، المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخير أو الوضع» «2» . وينقسم الحكم الشرعي التكليفي خمسة أقسام: الإيجاب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة، وهذه الأقسام تجعل الفعل الصادر من المكلف ذا قيمة أو غير ذي قيمة، وتفصيل ذلك فيما يلى: * الإيجاب: هو «ما اقتضاه خطاب الله من المكلف اقتضاء جازما، لا يجوز تركه» كالأمر بالصلاة والزكاة والحج، والذي يتعلق بالإيجاب من فعل المكلف: الواجب وهو: «الفعل الذي يذم شرعا تاركه قصدا، أو هو الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه قصدا» «3» . - والندب: هو «ما اقتضاه خطاب الله من المكلف اقتضاء غير جازم بأن يجوز تركه» وذلك كالأمر بصلاة الليل والضحى، وصدقة التطوع وإفشاء السلام وغير ذلك، ويتعلق بفعل المكلف ويسمى (مندوبا) وهو الفعل الذي يحمد فاعله ولا يذم تاركه، أو هو الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وقد قسمه العلماء أقساما كثيرة «4» . - والتحريم: هى «ما اقتضى خطاب الله تعالى من المكلف تركه اقتضاء جازما، بأن منع من فعله ولم يجوزه» كالنهي عن الزنا، وأكل مال اليتيم، والغيبة والنميمة.. ويتعلق بفعل المكلف، ويوصف (بالحرام) وهو الفعل الذي يذم شرعا فاعله قصدا، أو هو الذي يعاقب فاعله ويثاب تاركه «5» . والكراهة هي: ما طلب الشارع الكف عنه طلبا غير ملزم بأن كان منهيا عنه واقترن لفظ النهي بما يدل على أنه لم يقصد به التحريم «6» . - والإباحة: هى «ما كان الخطاب فيها غير مقتض شيئا من الفعل والترك، بل خيّر المكلف بينهما» ويتعلق بفعل المكلف ويوصف (بالمباح) وهو الفعل الذي لا يتعلق بفعله مدح ولا ذم، أو هو الفعل «الذي لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه «7» . وهكذا يتضح أن أفعال المكلف تتعلق ببواعث ومثيرات ومعايير معينة، تشكل اتجاهه نحو الأشياء والأفكار والأفعال، والناس مما يجعل هذا الفعل أو هذا السلوك ذا قيمة أو غير ذي قيمة فإذا ما انطبعت نفس الإنسان على الفعل والترك كان ذلك خلقا له. وخلاصة الأمر أن الإسلام أتى بتلك الأحكام كمعايير لسلوك المسلم، لينظم لهم حياتهم ويصنع بهم العمارة الكبرى في الحياة، ولم يتركهم هملا ولم يكلفهم من أمرهم عسرا، وإنما أخذهم بخطة رشيدة تجعلهم يقومون   (1) عبد الوهاب خلاف: أصول الفقه، ط 8، مكتبة الدعوة الإسلامية (بدون تاريخ) ، ص 101. (2) محمد حسن هيتو: الوجيز في أصول التشريع، ط 1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1403 هـ/ 1983 م، ص 99. (3) المرجع السابق، ص 43، 44. (4) المرجع السابق ص 43. 44، وراجع: عبد الوهاب خلاف، مرجع سابق، ص 112. (5) المرجع السابق ص 43، 44. (6) أصول الفقه لمحمد أبو زهرة ص 42. (7) الوجيز في أصول التشريع ص 43، 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 بأعباء الحياة ويعيشونها على نحو فاضل كريم، وكان هذا من باب تزكية الفرد والجماعة لتكون القيم الخلقية معايير ضابطة، ولتكون موصولة بالله تعالى. ومن خلال ذلك يتضح أن الإسلام أعطى للإنسان قيما حقيقية لضبط الحياة وتنظيمها فيتمكن الإنسان من أداء دوره ورسالته المكلف بها. [ثانيا] أركان الفعل الخلقى في الإسلام: على أساس مما سبق وعلى ضوئه يمكننا التعرض لبعض الجوانب المتصلة بالأخلاق في الإسلام، حيث إن الأخلاق الإسلامية تعنى إرساء القيم العالية الرفيعة المتصلة بكل نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والسلمية والحربية، والدينية. أولا: الإلزام الخلقى ومصدره: أي عمل يوجه إليه الإسلام لا بد أن يكون موصوفا بالصفة الخلقية، فالواجب، والخير وغيرهما يقومان على فكرة القيمة، التي تستمد من مثل أعلى، وفي الأخلاق الإسلامية فإن الوحى والعقل يعتبران المصدر الأساسي للإلزام الخلقي، جنبا إلى جنب، باعتبارهما مستويين للمصدر الخلقي، وعلى هذا فيمكن التعبير عن ذلك بالمصدر الفطري، والمصدر الموصى به. وعلى هذا تكون مصادر الإلزام الخلقى كما يلى: (أ) المصدر الأول: القرآن الكريم وهو كتاب الله الذي نزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم بألفاظه ومعانيه ليكون «حجة للرسول على أنه رسول الله، ودستورا للناس يهتدون بهداه، وقربة يتعبدون بتلاوته، وهو المدون بين دفتي المصحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس، المنقول إلينا بالتواتر كتابة ومشافهة جيلا عن جيل محفوظا من أي تغيير أو تبديل «1» . وتشير المؤلفات في أصول الفقه وفي تفسير القرآن إلى احتواء القرآن على آيات تتصل بأحكام العقيدة، والأخلاق، والأعمال الصادرة عن المكلف، وهذه تسمى بالأحكام العملية، وتنتظم على فرعين: العبادات والمعاملات، ويمكن القول بأن القرآن باعتباره معبرا عن الإرادة الإلهية هو المصدر الأساسي للإلزام الخلقي، إذ أن آياته تنتظم على النحو التالى: - آيات الاعتقاد وهى تتعلق بما يجب على المكلف أن يعتقده في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره. - آيات تتعلق بما يجب على المكلف أن يتحلى به من الفضائل ويتخلى عنه من الرذائل.   (1) عبد الوهاب خلاف: أصول الفقه، مرجع سابق، ص 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 - آيات تتعلق بما يصدر عن المكلف من أعمال وأقوال وتصرفات وهي على نوعين: العبادات، ويقصد بها تنظيم علاقة الإنسان بربه، والمعاملات ويقصد بها تنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض سواء كانت علاقات أفراد أو أمم أو جماعات، وهذه تضم أخلاقا تتصل بالأسرة، والقضاء ونظام الحكم، ومعاملات الدولة الإسلامية، ومعاملات غير المسلمين، كما تضم أخلاقا تتصل بالنواحى المادية والاقتصادية «1» . وغاية الأمر، فإن القرآن يحتوى على النسق القيمى الإسلامي بأبعاده المتعددة، فهذا المصدر الأول للإلزام الخلقي. وهو جامع لكل ما يحتاج إليه البشر من موعظة حسنة لإصلاح أخلاقهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة، والحكم البالغة لإصلاح خبايا النفس وشفاء أمراضها الباطنة وهداية واضحة للصراط المستقيم الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة. وهذا مقتضى قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «2» . والقرآن كتاب الله سبحانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال الله تعالى: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ «3» . وقال: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «4» . (ب) المصدر الثانى: السنة: وهى «ما صدر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قول أو فعل أو تقرير» «5» . فهى بهذا سنة قولية، وسنة فعلية وسنة تقريرية «6» . وهى مكملة للكتاب وشارحة له، وقد أجمع المسلمون على مر العصور على أن «ما صدر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قول أو فعل أو تقرير، ونقل إلينا بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح بصدقه يكون حجة على المسلمين، ومصدرا تشريعيا يستنبط منه المجتهدون الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين. أي أن الأحكام الواردة في هذه السنن تكون مع الأحكام الواردة في القرآن قانونا واجب الاتباع» «7» . ومع هذا فالسنة «أصل في الاستنباط قائم بذاته» «8» . وقد أمرنا الله- عز وجل- باتباع الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم في كثير من آيات القرآن، يقول الحق تبارك وتعالى:   (1) عبد الوهاب خلاف، ص 32- 34. (2) يونس: 57. (3) الجاثية: 29. (4) الأنعام: 38. (5) عبد الوهاب خلاف: أصول الفقه ص 36. (6) الإمام أبو الحسن على بن محمد بن حبيب البصري الماوردي: الحاوي الكبير، تحقيق محمد مطرحي، ج 1، بيروت، دار الفكر، 1414 هـ/ 1994 م ص 29 من المقدمة للمحقق. (7) عبد الوهاب خلاف، مرجع سبق ص 37 (بتصرف) . (8) محمد أبو زهرة: أصول الفقه، القاهرة، دار الفكر العربي، (بدون تاريخ) ، ص 84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 - فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «1» . - مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «2» . - وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ «3» . - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ «4» . وكما يقول محمد عبد الله دراز: «إن كل حديث صحيح لم يرد ما ينسخه، وكان موضوعه جزءا من رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم، هذا الحديث له في نظر المسلمين نفس السلطة الأخلاقية التي للنص القرآني، ولو اشتمل الحديث علاوة على ذلك، تفصيلات وتحديدات أكثر مما اشتمل عليه النص القرآني، فإن هذا الحديث هو الذي يبين النص القرآنى، ويفسره، ويحدده، ويبين نماذج تطبيقه» «5» . وقد أوجب الله تعالى لأمته أمرين: أحدهما: البيان، والثانى: البلاغ. قال تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ «6» . وأوجب للرسول على أمته أمرين: أحدهما: طاعته في قبول قوله، والثانى: أن يبلغوا عنه ما أخبرهم به «7» . كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب» «8» . وقال صلّى الله عليه وسلّم: «بلغوا عني ولا تكذبوا فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» «9» . يقول الماوردي: «ولما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يقدر أن يبلغ جميع الناس للعجز عنه اقتصر على إبلاغ من حضر   (1) النساء: 65. (2) النساء: 80. (3) النور: 56. (4) الأنفال: 24. (5) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق فى القرآن، مرجع سابق، ص 41. (6) المائدة: 67، أبو الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، أدب القاضي، تحقيق محيي هلال السرحان، ج 1، بغداد، مطبعة الإرشاد، 1391 هـ/ 1971 م، ص 368. (7) المرجع السابق، ص 369. (8) حديث صحيح، انظر: صحيح الجامع الصغير وزياداته للألباني، ص 945 حديث رقم 5352، بلفظ «ليبلغ الشاهد الغائب» . «وليبلغ شاهدكم غائبكم» . ورواه كثيرون، انظر: مجمع الزوائد 1/ 139. (9) حديث صحيح، أخرجه أبو داود فى كتاب العلم، باب (10) حديث رقم (3660) 3/ 322، والترمذي في كتاب العلم، (2656) 5/ 33، والدارمي (228) 1/ 86، وابن حبان (6256) 14/ 149. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 لينقله الحاضر إلى الغائب، ولما لم يبق فيهم إلى الأبد فكل من يأتي في عصر بعد عصر يأخذون بمن تقدمهم من عصر وينقلون إلى من بعدهم من عصر، لينقل عنه كل سلف إلى خلفه فيستديم على الأبد نقل سننه ويعلم جميع ما يأتي لشرائعه. فصار نقل الأخبار عنه واجبا على أهل كل عصر وصار قبولها واجبا في كل عصر، فلذلك صارت الأخبار عنه أصلا من أصول الشرع» «1» . ويذكر ابن حبان: «قال أبو حاتم- رحمه الله- قوله «بلغوا عني ولو آية» أمر قصد به الصحابة، ويدخل في جملة هذا الخطاب من كان بوصفهم إلى يوم القيامة في تبليغ من بعدهم عنه صلّى الله عليه وسلّم، وهو فرض على الكفاية، إذا قام البعض بتبليغه سقط عن الآخرين فرضه، وإنما يلزم فرضيته من كان عنده منه ما يعلم أنه ليس عند غيره، وأنه متى امتنع عن بثه، خان المسلمين، فحينئذ يلزم فرضه. وفيه دليل على أن السنة يجوز أن يقال لها: الآي، إذ لو كان الخطاب على الآي نفسه دون السنن، لاستحال، لاشتمالهما معا على المعنى الواحد» «2» . وكل هذا يؤكد المعنى الذي نريد وهو أن السنة الأصل الثانى أو المصدر الثاني من مصادر الإلزام الخلقي في الإسلام، لأن ما صدر عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مما يتصل ببيان المنهج الإسلامي هو شرع متبع، وبالتالي يكون خلقا من أخلاق الإسلام، وما صدر عنه بمقتضى طبيعته البشرية فهو ملزم إذا قام على ذلك دليل يدل على أن المقصود من فعله الاقتداء، وكذا ما صدر عنه بمقتضى الخبرة البشرية أو بمقتضى العادات الجارية، أما ما صدر عنه ودل الدليل على أنه خاص به فلا يعتبر تشريعا لعموم المسلمين. وعليه: فإن ما يثبت بدليل يقصند به التشريع العام واقتداء المسلمين به فهو من قبيل الإلزام، لأنه قانون يجب اتباعه «3» . ومهما يكن من أمر، فإن السنة زاخرة بالأخلاق، ولا غرو فهى حياة النبى صلّى الله عليه وسلّم، والمجتمع الإسلامي المعاصر له، ولأنها مصدر تشريعى لهذه الحياة كانت بالتوجيه ملازمة للقرآن، وبالتالي فإن اعتبارها مصدر الإلزام الخلقي أمر واجب. (ج) المصدر الثالث: الإجماع: وهو «اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم على حكم شرعى في   (1) الماوردي: أدب القاضي، مرجع سابق، ص 370. (2) الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط. الطبعة الأولى، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1412 هـ/ 1991 م، ج 14/ 149. (3) عبد الوهاب خلاف: مرجع سابق ص 44، 43، ومحمد أبو زهرة، مرجع سابق ص 89، 90. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 واقعة» «1» . ومعنى الاتفاق: الاشتراك إما في القول أو في الفعل أو الاعتقاد، والمقصود بأهل الحل والعقد المجتهدون في الأحكام» «2» . وإذا أجمعوا على فعل نحو أكلهم طعاما دل إجماعهم على إباحته، كما يدل أكله عليه الصلاة والسلام على الإباحة، ما لم تقم قرينة دالة على الندب أو الوجوب» «3» . والأدلة عليه في القرآن كثيرة منها: - وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «4» . - كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... «5» . - وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً «6» . - وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ... «7» . - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ... «8» . ومن النصوص النبوية، قوله صلّى الله عليه وسلّم، «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» «9» . وفي تفسير البخاري: أن الطائفة هم أهل العلم. ويعلق محمد عبد الله دراز: «أنه إذا كانت عصبة الحق لا تزال باقية في العالم الإسلامي، فإن فكرة الاتفاق الإجماعي على الضلالة سوف تكون إذن مستبعدة، على أنها أمر محال من الوجهة العملية في العالم الإسلامي» «10» . ودور الإجماع هو حسم مشكلة جديدة، ذات طابع أخلاقي أو فقهي، أو عبادي، أما الحياة المادية فليس   (1) عبد الوهاب خلاف: مرجع سابق ص 45. (2) يوسف حامد العالم، مرجع سابق، ص 61. (3) المرجع السابق: 61. (4) البقرة: 143. (5) آل عمران: 110. (6) النساء: 115. (7) آل عمران: 103. (8) النساء: 59. (9) ابن حجر: الفتح (ط المكتبة التجارية) (7311) 13/ 227. (10) محمد عبد الله دراز، مرجع سابق، ص 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 له النظر فيها، وشرط الإجماع أن يكون كل عضو مدركا لاستقلاله الأدبي ولمسئوليته الأخلاقية وأن يعبر عن رأيه في حرية، بعد تأمل ناضج في المشكلة المعروضة ولا أحد يمكن أن يكون مجتهدا في هذه الجماعة إلا إذا كان له حق الاجتهاد، أما من له هذا الحق فهم أولئك الذين توفرت فيهم الشروط التي نص عليها العلماء في هذا الشأن، وقد كان الشافعي- رحمه الله- من أسبق من جمع الآلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله، فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامّه وخاصّه وإرشاده، ويستدل على ما احتاج التأويل منه بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا لم يجد سنّة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس، ولا يمكن أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى فيه من السّنّة وأقاويل السلف، وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب، وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما قال، وترك ما يترك. فأما من تمّ عقله ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يجوز أن يقول بقياس، ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة فليس له أيضا أن يقول بقياس، لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني «1» ، وقد استنبط بعض الباحثين شروطا أخرى للمجتهد ليس هنا محل تفصيلها «2» . ولينظرها من شاء في مظانها من كتب الأصوليين. (د) المصدر الرابع: القياس: القياس يفترض وجود حالة نقيس عليها، تمثل بها الحالة الجديدة، وعلى ذلك فالحالة الأصلية ينبغي أن يكون قد سبق لها ذكر في القرآن أو في السنة، أو في الإجماع، ولذا يعرف بأنه «إثبات حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت» «3» . وللقياس حجيته، ولهذه الحجية أدلتها من القرآن، والسنة، والإجماع «4» . ومهما قيل في أمر القياس فإننا لا نجد وراء جهود الفقهاء إلا التوصل إلى المنبع الوحيد الذي يستقي منه الناس جميعا هو حكم الله وهو الحكم الذي أثبته القرآن، ثم الحديث، فالإجماع فالقياس. فالله سبحانه هو إذن المشرع، وليس الآخرون سوى مقررين لأمره وحكمه، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة «5» .   (1) بتلخيص من الرسالة للإمام الشافعي (509- 510) . (2) انظر في ذلك مثلا: كتاب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية لمحمد فوزي فيض الله، والبحثين القيمين للشيخ زكريا البري (233- 256) ، والشيخ علي الخفيف (250- 232) المنشوران ضمن منشورات المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض 1404 هـ. (3) نادية محمد شريف العمري: القياس في التشريع الإسلامي، ط 1، القاهرة، دار هجر، 1407 هـ/ 1987 م، ص 53. (4) راجع فى هذا: الطيب خضري السيد، الاجتهاد فيما لا نص منه، الرياض، مكتبة الحرمين، 1403 هـ/ 1983 م ج 1 ص 132- 165. (5) محمد عبد الله دراز، مرجع سابق ص 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وعموم القول هنا، أن الإلزام الخلقي في الإسلام يستند إلى ما قرره الإسلام عن طبيعة الإنسان من حيث كونه حرّا مختارا وهدى إلى طريقي الفضيلة والرذيلة، ففي الإنسان من حيث كونه فاعلا، عنصر أخلاقي بالمعنى الحق، وفي الأمر الخلقي عنصر آخر هو العقل والحرية، والمشروعية، وتلكم هي العوامل الأساسية في الالتزام الخلقي، ولذا كان القرآن يقف موقفا دافعا أمام عدوين خطيرين للأخلاق الإسلامية، أولهما: اتباع الهوى دون تفكير، والثاني: الانقياد الأعمى دون تمييز. إذن فالإلزام الخلقي يقوم على مصدرين أساسيين أولهما: النور الفطري، والثاني: النور الشرعي. والأمر اختيار حر دنيوي ليس مفروضا علويا، ويرجع إلى استخدامنا الحسن أو السيء لملكاتنا وقدراتنا وهي ملكات يزكي تثقيفها النفس، كما يدسيها ويطمسها إهمالها «1» . ثانيا: المسئولية الخلقية: كل مسئولية تفترض الإلزام سلفا ويتبعه جزاء، وقد رأينا أن الإنسان مكلف، والأخلاق الإسلامية قائمة على التكليف، ويعني هذا أن الأخلاق الإسلامية قائمة على المسئولية التي تلزم الإنسان بالعمل الخلقي، وتعني المسئولية «تحمل الشخص نتيجة التزاماته وقراراته واختياراته العملية من الناحية الإيجابية والسلبية أمام الله» «2» . وتقوم المسئولية على الحرية، ولا يكلف بها مجنون، وتسقط عن صاحب الإرادة المسلوبة، ويشترط في المسئولية الكاملة أن يكون هناك نص ثابت يأمر بالفعل أو بالترك، وأن يكون المسئول كامل الأهلية، ومعنى هذا أن المسئولية الخلقية تقوم على مبدأ الالتزام الخلقي «3» . وقد ثبت أن الإنسان لديه أهلية للقيام بهذه المسئولية، والقيام بها شرف للإنسان، وعلى هذا نجد أنفسنا أمام أنواع من السلطة التي تحدد المسئولية، وهي: 1- سلطة داخلية، أي إلزام الفرد نفسه بإرادة وقصد وتصميم، وهناك العزم على فعل شيء وهذا كاف لتحمل مسئولياته إن خيرا فخير وإن شرّا فشر. 2- سلطة خارجية، أي إلزام من خارج النفس، كأن يتلقى المسئولية من أناس آخرين، أو من سلطة أعلى.   (1) المرجع السابق، ص 29. (2) مقداد يالجن: التربية الأخلاقية الإسلامية، ط 1، القاهرة، مكتبة الخانجى، 1397 هـ/ 1977 م، ص 331 (بتصرف) . (3) راجع: عبد المنعم الحفني: المعجم الفلسفي، القاهرة، الدار الشرفية، 1410 هـ/ 1990 م ص 319، 320. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وأيا كان الأمر، فإن الإنسان يكون مسئولا أمام نفسه، أو أمام الآخرين (الإنسان والمجتمع) أو أمام الله، هذا ما يعنيه التقسيم السابق، ومع هذا فإن الإنسان يظل مسئولا عن كل شيء أمام الله تعالى. وعلى ما سبق يمكن أن يكون هناك ثلاثة أنواع من المسئولية: 1- المسئولية الأخلاقية المحضة. 2- المسئولية الاجتماعية. 3- المسئولية الدينية. والمسئولية الأخلاقية المحضة هي ما تقابل الالتزام الذاتي من الإنسان نفسه على الإتيان بشيء أو الانتهاء عن فعل شيء، والمسئولية الاجتماعية هي ما تقابل الالتزام تجاه الإنسان وما يفرضه المجتمع من قواعد، أما المسئولية الدينية فهي ما تقابل الالتزام أمام الله تعالى. ولعله من الضروري الإشارة إلى أن كلا من المسئولية الأخلاقية والمسئولية الاجتماعية إنما هما مسئولية دينية، وفي الوقت ذاته هي مسئولية خلقية، إذ أنه على حد قول (دراز) : «فالمسئولية التي يحملنا إياها غيرنا تصبح بمجرد قبولنا لها مطلبا صادرا إليه شخصنا. وإذا فليس من المستغرب أن نرى القرآن يقدم لنا المسئولية الدينية ذاتها في صورة مسئولية أخلاقية محضة حين يقول بمناسبة بعض التعاليم المتعلقة بالصوم المفروض، وقد تحايل بعض الناس على التخلص منه سرا: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ «1» . وفي كثير من الأحيان لا يكتفي الكتاب، حين يستحث المؤمنين إلى الطاعة بأن يذكرهم بالأمر الإلهي، بل يذكرهم في الوقت نفسه بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم بأن يطيعوا هذا الأمر» «2» . معنى هذا أن الالتزام الذاتي، والمؤسسات الاجتماعية لا حق لها في إصدار التكليف، والمسئولية، ما لم تكن مفوضة من قبل السلطة الإلهية، ويعني هذا أن الأخلاق مرتبطة بالدين ارتباطا واسعا، ولا يمكنها الفكاك من أسره، وعليه فعلى الإنسان المسلم أن يتحمل مسئوليته الخلقية التي أقرتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ويراعي الأمانة بناء على الأمانة التي حمّلها له القرآن، على أساس من المبادرة الفردية وحفظ العهد، في إطار شرع الله وهذا واجب عليهم. كما أن عليه أن يتحمل مسئوليته عن التكاليف والأعمال تجاه الآخرين، وذلك انطلاقا من قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «3» . وذلك في إطار شرع الله، أما إذا كان أي من هذه الأمور مخالفا لما في القواعد الإسلامية مخالفة صريحة، فإن عليه أن لا يأتيها. يقول الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم: «السمع والطاعة على المرء   (1) البقرة: 187. (2) اقرأ: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ الحديد: 8. إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا المائدة: 7. محمد عبد الله دراز مرجع سابق ص 141. (3) المائدة: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» «1» . أي لا يجب السمع والطاعة في الأمر بالمعصية، قال ابن حجر: «يحرم على من كان قادرا على الامتناع، وفي حديث معاذ عند أحمد «لا طاعة لمن لم يطع الله» وعنده وعند البزار في حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري «لا طاعة في معصية الله» وسنده قوي «2» . وفي مسند أحمد «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» «3» . وعن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا: أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: دعانا النبي صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه. فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان» «4» . يقول ابن حجر في قوله: «أن لا ننازع الأمر أهله» أي الملك والإمارة، زاد أحمد عن طريق عمير بن هانيء عن جنادة «وإن رأيت أن لك رأيا وإن اعتقدت أن لك في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة» وفي قوله «إلا أن تروا كفرا بواحا» قال الخطابي: معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره» «وعندكم من الله فيه برهان» : «أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل، قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم» «5» . وبهذا يتحقق الاتزان حيث يطيع الإنسان المسلم الأوامر المتسقة مع نصوص القرآن والسنة، ولا يتبع ما يخرج عن أوامرهما أو يتعارض معهما. ولا بد إذن من الإشارة إلى أن المسئولية شاملة متكاملة، إذ أن كل إنسان مسئول مسئولية كاملة عن كافة أعماله، وما منحه من قدرات وإمكانيات، يقول الله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «6» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره   (1) البخاري- الفتح، مرجع سابق، 13/ 130 حديث رقم 7144، ط الريان. (2) فتح الباري، مرجع سابق 13/ 31- 132، ط الريان. (3) أحمد بن حنبل، المسند، رقم أحاديثه محمد عبد السلام عبد الشافي ط 1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1413 هـ/ 1993 م (5/ 66) ، حديث رقم 20680. (4) البخاري- الفتح، مرجع سابق، 13/ 7، حديث رقم 7055، 7056. (5) فتح الباري، مرجع سابق 13/ 10، 11. (6) الإسراء: 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فيم أفناه وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه» «1» . ويقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته» «2» . وكما نلاحظ، فإن المسئولية شاملة كل شيء في حياة الإنسان. إذ أن كل فرد مسئول مسئولية تامة عن حسن سير الأمور في مجاله، سواء كانت عامة أم خاصة، إذا وكلت إليه، وأسند إليه مسئوليتها. شروط المسئولية الخلقية في الإسلام: ذكرنا أن الأخلاق في الإسلام تقوم على أساس من التكليف، وذكرنا أن الإنسان لكي يكون مكلفا، لابد وأن يكون حرا، وأن تكون لديه الإمكانيات اللازمة للقيام بمهام التكليف، وأوضحنا ذلك بما يكفي للإفادة في هذا المجال، ومع هذا فيمكن عرض شروط تحمل المسئولية في إيجاز فيما يأتي: 1- الإعلام والبيان: إن الإنسان يجب أن تصل إليه الدعوة، وذلك حتى تستيقظ الضمائر الغافلة، وهذا لا يتم إلا بإعلام الإنسان بما هو مفروض وواجب عليه فعلا أو تركا، بمعنى أن الإنسان لابد أن يكون عالما بما هو مكلف به. وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يعلم الإنسان وتعلم الأمم بواجباتها وحقوقها عن طريق الرسل الذين يذكرونهم دائما بالأوامر الشرعية من أجل تحقيق المسئولية والالتزام، وقد وردت الآيات القرآنية دالة على ذلك، فما كان الله ليحاسب إلا بعد الإبلاغ والبيان والإعلام، وما كان الله ليعذب أهل القرى دون أن يرسل لهم الرسل والأنبياء لدعوتهم إلى التقوى والصلاح وحتى يكونوا شهداء عليهم، يقول الحق تبارك وتعالى: - وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء: 15) . - وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا (القصص: 59) . - وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ* ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (الشعراء: 208، 209) . - هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران: 138) . - وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (إبراهيم: 4) . إن معنى ذلك أن هذا البيان والإعلام هدفه الأساسي رد الناس إلى الاهتداء بنور الوحي المنزل حتى   (1) أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة: الجامع الصحيح، سنن الترمذي، تحقيق كمال يوسف، ط 1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408 هـ/ 1987 م، 4/ 529 حديث رقم 2417، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 436) : وهو كما قال. (2) ابن حجر- الفتح، مرجع سابق، 10/ 375، حديث رقم 5200 وقد وردت روايات متعددة فى أرقام: 2554، 2558، 2751، 5188. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 يصلوا إلى الهداية، فإذا ضلوا كان العذاب الغليظ، وإذا اهتدوا كانوا في سعادة في الدنيا والآخرة. وذلك حتى يكون الجزاء لعمل ناتج عن عمل. وحتى يكون الحساب على أفعال قد علموا مسبقا أحكامها. 2- الالتزام الشخصي: وتتسم المسئولية الخلقية في الإسلام بأنها ذات طابع شخصي فردي خالص، ونجد كثيرا من الآيات القرآنية الدالة على ذلك: - لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ «1» . - مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «2» . - وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى «3» . فالإنسان مسئول مسئولية كاملة عما يصدر عنه من أفعال، وعلى ذلك يأتي الثواب والعقاب. فمسئولية كل فرد واضحة جلية عن العمل الذي يقوم به سواء كان هذا العمل من أجل نفسه أو من أجل الغير إذ هو لا يتحمل تبعة عمل إنسان غيره، ولكنه مسئول عن الطريقة التي أتى بها هذا العمل أو ذاك بعد أن علم وتعلم سبل الخير والشر. إلا أن هذه المسئولية الفردية لا تمنع الفرد أن يكون مسئولا عن انحراف مسلك أقرانه، فعليه أن يتدخل بوسائل مشروعة ليمنع الجماعة من التمادي في الأعمال التي تضر المجتمع الإسلامي، وهنا تتحول المسؤلية إلى مسئولية ذات طابع جماعي، حيث إن هذه الجماعة ما هي إلا مجموعة الضمائر التي تربت في أحضان المدرسة الإسلامية الحقة. فأوجدت المجتمع المتكافل والمتعاون الذي يعمل من أجل الخير والسلام «4» . 3- النية (القصد) : وهذا الشرط يتعلق بعلاقتنا بالعمل، وهذه العلاقة علاقة إرادة، فبعد المعرفة والإعلام، والذي أنتج الطابع الشخصي للمسئولية، فإن هناك مركزا داخليّا في النفس الإنسانية تصدر عنه إرادة العمل، أو النية، حيث يتبنى الإنسان الفعل أو يحققه ويؤكده من داخله، والإنسان ليس بما يفعل، فحسب بل بما يرغب فيه بشغف، وبدون ذلك يصبح عمل الإنسان آليا، ومجرد صدفة في العالم الذي يعيش فيه، فالأخلاق الحقيقية ينصب اهتمامها على النية أن تريد وأن تعمل، وذلك أمر إنساني فبالإرادة والعمل ينتهي مجال الأخلاق، أما النتائج والمعطيات فهي أمور بيد الله تعالى.   (1) البقرة: 286. (2) الإسراء: 15. (3) النجم: 39. (4) محمد ممدوح محمد علي العربي: الأخلاق السياسية في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص 220، 221. وراجع: محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق للقرآن، مرجع سابق، ص 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ولعله من المهم الإشارة إلى أن الإنسان غير مسئول عن الأعمال اللاإرادية للإنسان حيث يفتقر إلى الإرادة، ولا هو مسئول عن الفعل الخطأ غير المقصود أو المراد وذلك لعدم استهدافها الشر أو الخطأ. فالإنسان لا يحاسب على عمل إلا إذا توافر القصد الكامل له. وهذا مصداق قوله سبحانه وتعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ «1» . وهكذا يظهر دور النية في الأخلاق الإسلامية باعتبارها شرطا ضروريا، وعلى ذلك هي شرط للمسئولية، ومصداق هذا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات» «2» . ويفيد الحديث أن الأعمال لا قيمة لها إلا بالنية، وأن الأعمال بنياتها، وعلى هذا فالأعمال لا توجد «أخلاقيا» إلا بالنية، وهذا يؤكد وجود النية كشرط لقيمة الفعل الخلقي «3» . 4- حرية الاختيار: حين تتحقق شروط المعرفة والعمل الإرادي على بصيرة من الفرد بما يعمل، فليس معنى ذلك أن العمل قد استوفى جميع شروط المسئولية، إذ أن هناك شرطا آخر على درجة من الأهمية، وهو القدرة وفاعلية الجهد الإنساني، أو بتعبير آخر: الحرية. ويؤكد «دراز على ذلك بقوله: «إن مبدأ التناسب بين المسئولية والحرية تمتد جذوره بعمق في الضمير الإنساني، بحيث لا يمكن تجاهله دون أن يبدو في موقفنا شيء من الإجحاف «4» . إن المسلم مطلوب منه استخدام قدرته على الاختيار حتى لا يتخذ من القضاء والقدر ذريعة للتهرب من المسئولية، وقد بسطنا القول قبل ذلك فيما يتعلق بشرط التكليف، وهو أن يكون الإنسان مختارا فلا معنى لكون الإنسان مجبرا على شيء ونحاسبه عليه وإنما يحاسب على اختياراته. إن الإنسان يصبح مسئولا، وهو يحقق ذاته بنفسه، وهكذا يصبح مسئولا أمام الله عما آتاه من فعل بإرادته وحريته. لعله قد تبين أن المعرفة لا تكفي دليلا على تحمل المسئولية الخلقية، ما لم تصاحبها النية (الإرادة الجازمة) تجاه الخير أو الشر، وهذه الإرادة وحدها- أيضا- لا تكفي، بل لا بد من الاختيار والقدرة والحرية التي تسلك معها في نمط واحد حتى تكون الخلقية هي الصفة الجوهرية التي تميز الإنسان المسئول في هذه الحالة «5» . وكما يقرر «دراز» : فالشروط الضرورية والكافية لمسئولياتنا أمام الله وأمام أنفسنا هي: أن يكون العمل   (1) الأحزاب: 5. (2) ابن حجر- الفتح ج 1، حديث رقم (1) . (3) محمد ممدوح العربي: الأخلاق السياسية، مرجع سابق، ص 220، 221، محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق فى القرآن، ص 179، 180، وابن حجر: فتح البارى، (ط الشيخ بن باز، ج 1، ص 20، 21) . (4) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق فى القرآن، مرجع سابق، ص 181. (5) محمد عبد الله عفيفى: الأخلاق عند ابن تيمية، مرجع سابق، ص 187، 188. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 شخصيا، إراديا، تم أداؤه بحرية «أي بدون إكراه» وأن نكون على وعي كامل وعلى معرفة بالشرع أو القانون «1» . ثالثا: الجزاء: يعتبر الجزاء العنصر الثالث من عناصر النظرية الخلقية. فالقانون الخلقي يبدأ بتوجيه الدعوة إلى الإرادة، فتستجيب لتلك الدعوة، ثم بإعلان الالتزام تأتي المسئولية، كاستجابة جازمة، ثم يأتي التقويم بعد ذلك، أي يأتي الجزاء. فالجزاء هو رد فعل القانون الخلقي على موقف الأشخاص الخاضعين لهذا القانون والملتزمين به. وللجزاء ثلاثة ميادين هي: 1- الجزاء الأخلاقي. 2- الجزاء الشرعي. 3- الجزاء الإلهي. وفيما يلي تناول موجز لهذه الأنواع: (1) الجزاء الأخلاقي: يباشر الإنسان عمله طبقا لقواعد يعرفها ويحس بها، وبعد ذلك تحدث في النفس أصداء معبرة عن الرضا في حالة النجاح، وعن الألم في حالة الفشل، هذا يتعلق بالإنسان الذي يعرف أن هناك قواعد للسلوك، أما ذلك الإنسان الذي لا يعرف قواعد السلوك فإنه يكون فاقدا لمعنى الخير والشر تماما، فما معنى هذا بالنسبة للجزاء الخلقي؟. يحلل ذلك الدكتور دراز متوصلا إلى أن الندم لا يعتبر جزاء لما يقترفه الفرد، وهو ليس بعقوبة أو مكافأة للقانون الأخلاقي. ويرى كذلك أن المتعة والألم اللذين نحس بهما بعد أن نفعل خيرا أو شرا هما رد فعل لضميرنا على ذاته، أكثر من أن يكون رد فعل للقانون علينا. فهما تعبيران طبيعيان يدلان على توافق في الذات مع المثل الأعلى، أو على تضاد الذات معه. وهذا ما تدل عليه النصوص النبوية. يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا ساءتك سيئتك، وسرتك حسنتك فأنت مؤمن» «2» . فالحديث لم ينظر إلى حالات النفس هذه على أنها ثواب يقتضيه سلوكنا، وإنما رأي فيه ترجمة وتحديدا للإيمان الخلقي. وفي حديث آخر: «إنه المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه» «3» . وهذا يعود إلى درجة شدة اللوم الباطن التي تعكس صدق إيماننا وتقيس درجته قياسا دقيقا فنحن نشعر بمساءة الذنب وخطورته فينا لدرجة شعورنا الحي بالتكليف.   (1) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق فى القرآن، مرجع سابق، ص 222. (2) مسند أحمد 5/ 251، 252، 256. (3) الترمذى، كتاب صفة القيامة 4/ 568 برقم 2497. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وهذا كله يشير إلى أن الندم لا ينشيء جزاء ثوابيّا، ولا جزاء إصلاحيّا. ولذا فإن الجزاء الخلقي الصحيح هو ذلك الشعور الذي يعيد تثبيت القانون المنتهك وهو (التوبة) ، والندم هو مقدمة التوبة وإعداد لها. وهو محاولة لتجميع قوى النفس ورأب لصدعها، وتجد في حرارة الندم المؤلمة وسيلتها لتلتئم وتقوى، وتعاود حمل الأمانة من جديد بمزيد من الطاقة والحماس وقد يثير الندم التوبة، وقد لا يثيرها على وجه الإطلاق، أي أنه لا يستتبعها كنتيجة مبدئية «1» . وعلى هذا فالتوبة هي الجزاء الخلقي، يفرض تدخل الجهد من أجل الإصلاح، إنها واجب يفرضه الشرع على أثر تقصير في أداء الواجب، وهناك الكثير من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك «2» . لكون التوبة كذلك، فإنها في ذاتها ندم على ما سلف، وإقلاع عنه في الحال، وعزم على عدم المعاودة في المستقبل «3» . إن التوبة لا يمكن أن تؤدي وظيفتها الإصلاحية في الأخلاق الإسلامية إذا اقتصرت على الأسف على ما اقترفناه من شر والعزم على عدم المعاودة ولكنها موقف أكثر تعقيدا، موقف ينظر للماضي والحاضر والمستقبل، ويتجلى في الأفعال لا في اتخاذ خط سلوكي جديد فقط، بل أيضا في إعادة تجديد البناء الذي تهدم بصورة منهجية، وقد أوضح القرآن مجموع الشروط الموضوعية الضرورية ليصبح للتوبة عائدها الحقيقي هو الغفران. - إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «4» . فليس المهم التوبة فقط، وإنما الإصلاح، إصلاح ما نقص أو فسد أو أفسده الإنسان وهذا الإصلاح يتمثل في أمور عدة: - إما في عمل ناقص، ويجب أن يعاد، ويؤدى بطريقة مناسبة آجلا أو عاجلا. وإما في إصلاح شر بتعويض آثاره من سلبيات إلى تقليل آثاره السلبية بأداء أفعال ذات طبيعة مناقضة للفعل الأول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ «5» . وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها «6» .   (1) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق في القرآن، مرجع سابق ص 248- 502 (بتصرف) . (2) راجع: صفة التوبة من صفات الموسوعة. (3) راجع ابن القيم: مدارج السالكين لابن القيم، ج 1، ص 202، 203. (4) البقرة: 160، الأنعام: 54، والنحل 119. (5) هود: 114. (6) التوبة: 102- 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 - وإما في خطأ واجب إزالته: وفي هذا المجال يميز الرسول صلّى الله عليه وسلّم بين أخطاء تنتهك واجبا شخصيا، وما يطلق عليه: حق الله. وهو إما أن يكون خالصا أو مختلطا عن إنسان آخر. وبين أخطاء ترتكب في حق العباد، وهو ما يسمى: حق العباد. والأخطاء التي في حق الله تعالى يغفرها الله تعالى، إلا الشرك. أما ما يتعلق بحق العباد فمهما فعلنا من أفعال طيبة مناقضة، ومهما دعونا الله أن يغفر لنا فإنه يظل عاجزا عن أن يصل إلى التوبة الكاملة، إذ يجب أن نحصل على إبراء صريح ومحدد من الذين أساءوا إليه، والأحاديث الشريفة في هذا المجال وافرة رويت في الصحيحين وفي المسانيد. إلا أن الأمر لا يتوقف على مجرد الجزاء الإصلاحي. بل هناك جزاء ثوابي لممارسة القواعد الخلقية، فالفضيلة لها محاسنها، فالصلاة تجعلنا على اتصال بمنبع الكمالات، والزكاة تزكى، والصوم وسيلة إلى بلوغ التقوى، وبالجملة فإن ممارسة الفضائل تجعل الإنسان حكيما. شجاعا. كريما. وكذلك ممارسة الرذيلة لا يتوقف أمرها على أضرار اجتماعية وفردية، بل يمتد أثرها إلى الجوانب النفسية والروحية. والأحاديث في هذا الباب كثيرة. ودلالتها واضحة. وبالجملة كما يقول الدكتور دراز: «إن الجزاء الأخلاقي الثوابي يتمثل في الحسنة والسيئة أي في كسب القيمة أو خسارتها كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ «1» . كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ «2» «3» . 2- الجزاء الشرعي: المراد بالجزاء الشرعي تلك العقوبات التي أقرتها الشريعة الإسلامية لأولئك الذين يتعدون حدود الله، فيظلمون بذلك أنفسهم أولا، وغيرهم ثانيا. إنه إذا كان الجزاء الأخلاقي يتصل بتركيب النفس من حيث الإصلاح وتزكية النفس فإن الجزاء الشرعي جزاء تأديبي أو عقابي لكل من تسول نفسه تجاوز قانون الحياة في المجتمع الإسلامي. إن الترغيب والترهيب وإن كان لهما أثر بالغ في الردع عن مخالفة القواعد الشرعية لما يحدثانه من خشية وخوف ورجاء وطمع، ويؤازرهما في ذلك ما يسمّى ب «الوازع الأخلاقي» المتمثل في محاسبة النفس ومجاهدتها وما ينجم عن ذلك من نهي النفس عن الهوى وابتعاد الإنسان عن ارتكاب الخطايا والآثام، إلا أن ذلك كله قد لا   (1) المطففين: 7. (2) المطففين: 18. (3) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق، مرجع سابق، ص 261. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 يكفي- أحيانا- لكف بعض الأشقياء عن الظلم والاعتداء واقتراف الجرائم ومن ثم كان الوازع المتمثل في الحدود الشرعية، هاما وضروريا في هذا المجال، نظرا لما لهذا الوازع من خطورة اجتماعية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الجزاء الشرعي يرتبط بارتكاب الأمور المنهي عنها شرعا، تلك الأمور التي تعد في حد ذاتها من المفاسد الأخلاقية، ومن هنا ندرك أهمية الجزاءات الشرعية في دفع المفاسد الأخلاقية «1» . إن لهذه الجزاءات الشرعية أهدافا عديدة ترمي إلى تحقيقها منها: 1- الردع عن ارتكاب الجرائم أو تكرار ارتكابها، وبالتالي تربية هؤلاء وإصلاحهم. 2- جعل من يرتكب هذه المفاسد أو الجرائم عبرة وعظة لغيرهم، وزجر هذا الغير عن التشبه بهم. 3- تلافي الثأر، وإحلال الوئام والسلام في المجتمع والمحافظة على أمنه وسلامته «2» . وبالنظر في نظام المجازاة في التشريع الإسلامي يمكن أن نميز فيه مرتبتين أساسيتين هما: 1- الحدود: وهي الجزاءات التي حددها الشرع بدقة وصرامة. وهي من حقوق الله تعالى، ولا تسقط بالعفو ولا بالصلح، وهذه تتعلق بالجرائم التالية: الزنا، السرقة، القذف، شرب الخمر، البغي، قطع الطريق، الردة. والصرامة في هذه العقوبات لا تتيح مجالا أمام أي تنازل أو حل وسط. وفي الأحاديث ما يوضح ذلك جيدا فلا شفاعة لأحد في حد من حدود الله ولا تنازل عن توقيع هذا الحد، يوضح هذا ما روي عن عائشة- رضي الله عنها- أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن يجتريء عليه إلا أسامة حب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أتشفع في حد من حدود الله؟» ثم قام فخطب قال: «يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» «3» . وهذه الأخطاء لا يجوز العفو فيها إلا إذا كان في المجال الخاص، فمتى وصلت السلطة الجريمة أصبح تطبيق الحد أمرا جازما لا رجعة فيه «4» . إن هذه الحدود باعتبارها حق الله تعالى: إنما جعلت للحفاظ على حياة الإنسان، وبدنه وماله وعرضه،   (1) صبحي محمصاني، الدعائم الخلقية للقوانين الشرعية، ص 430- 433 (بتصرف واختصار) . (2) السابق، ص 433- 435 (بتصرف) . (3) صحيح البخارى (ط البغا) ، ج 6 حديث رقم 6406، كتاب الحدود. باب 12. (4) اقتصرنا هنا على ذكر الخصائص العامة، أما العقوبات نفسها فيمكن مراجعة كتب التشريع الإسلامي في هذا المجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 بمعنى آخر الحفاظ على المقومات الأساسية لحياة الإنسان، ولأن الله خالقها وحده جل علاه، جعلها حرمات لا يجوز لأحد الاقتراب منها إلا بحقها فإذا ما تجاوز أحد ذلك كان الحد. وفي هذا المجال يشير دراز إلى حقيقة مهمة، وهي أن الجرائم التي تقع تحت طائلة القانون هي تلك الرذيلة التي تتفشى، وتعرض نفسها، وتتحدى، أما حالة الإنسان الذي يستتر، وترتعد فرائصه حين يخضع لأهوائه، وهو الواقع الذي لا ينكشف لنا، لا بذاته، ولا بواسطة صاحبه، فإنه سيكون من اختصاص محاكمة الله تعالى له. وهذا ما يشير إليه الحديث الشريف حين يقول: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا ..... فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه» «1» . وفي نص آخر يشير إلى استهجان النبي صلّى الله عليه وسلّم فعل بعض الناس. ممن يقعون في الحرام خفية ثم يثرثرون بما فعلوا: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين. وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه. فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» «2» . 2- التعزيرات: وهي عقوبات تأديبية يفرضها القاضي على جناية أو معصية لا حد فيها. ويتعلق بالتعزير حقان: حق الله وحق العباد، وما كان حق العباد فيه غالبا فيجوز قبول العفو فيه، وما كان حق الله فيه أغلب فبرغم عفو المتضرر فإن التعزير واجب. وهنا تتنوع العقوبة الموقعة على المجرم من تأنيب، إلى تعنيف أمام العامة إلى السجن، إلى الجلد، ومن حق القاضي أن يتغاضى عن بعض الأخطاء القليلة حين تقع من إنسان ذي خلق. وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود» «3» . 3- الجزاء الإلهي: إذا كان النوعان السالفان من الجزاء ينتميان إلى مجال الواقع الدنيوي، فإن الجزاء الإلهي له طبيعته وامتداداته، ولعل هذا يرتبط أساسا بنظام التوجيه الإسلامي في القرآن والسنة، ولهذا بحثه الخاص، إلا أنه يمكن القول أن القرآن حدد الجزاء الإلهي في ناحيتين.   (1) صحيح البخاري (ط. البغا) - ج 6، حديث رقم 6402، كتاب الحدود، باب 8. (2) المرجع السابق، ج 5 حديث رقم 5721، كتاب الأدب باب 60 وراجع دستور الأخلاق في القرآن 270، 272. (3) سنن أبي داود، حديث رقم 4375. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 1- الجزاء الإلهي في العاجلة: أي في الدنيا. وهذا الجزاء الإلهي في الدنيا له عدة جوانب: الجانب المادي: ويعني أن من يقوم بفعل الأوامر يلتزم بقواعد السلوك الخلقي يحصل على نصيب من ثوابها في الدنيا، وكذا من يتجنب فعل الفضيلة ويأتي مضادها فإن الله يصب سخطه عليه في غضبه على هذا السلوك المنحرف. وفي القرآن أمثلة تؤكد ذلك: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ «1» . وفي سورة سبأ وبعد عرض قصتهم يقول الله عز وجل: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ «2» . وهكذا في قصة صاحب الجنتين، وفي قصة أصحاب الجنة، وفي قصص الأمم الأوائل الذين كذبوا الرسل، كل ذلك يدلنا على أن غير الملتزمين، والمتمردين يدفعون ويجازون من حياتهم، أما حالات الإفساد العام أو انتشار الفساد الأخلاقي العام فإن الله سبحانه يقابلها بتدمير الشعب كله وإهلاكه، وينجي الله المتقين الصالحين المحسنين الطائعين. وهكذا: وباستقراء آيات القرآن نجد أنه يثير اهتمامنا وانتباهنا وانتباه البشر جميعا إلى أن الأمن والترف ما كان ليعصم الناس من الجزاء الإلهي إذا انتشر الفساد. وهناك حالات يحتوي الجزاء فيها على حالات مادية، أو عناصر مادية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ «3» ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ «4» . وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «5» . - تأييد الله لجماعة المؤمنين: وهذا التأييد والنصر من الله سبحانه لجماعة المؤمنين الملتزمين بالقانون الخلقي، وهذا التأييد يشمل النصر والمساعدة والتثبيت، أما خصوم المؤمنين فهم مسوقون إلى الهزيمة والعذاب، وموعودون بالذل، ومشمولون بالخزي. وفي نص واحد يبين الحق تبارك وتعالى هذا الجزاء الدنيوي في قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ   (1) النحل: 112. (2) سبأ: 16، 17. (3) الطلاق: 2، 3. (4) الزمر: 10. (5) النحل: 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً «1» . أما إذا ركن الناس إلى الأخلاق المنحلة، والفوضى والعصيان فإن الجزاء عبر عنه القرآن بقوله تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ «2» . - الهداية والرشاد: إن الأمر لا يقتصر على ما سبق من جزاءات مادية، أو جزاءات جماعية، فالجزاء الإلهي في الدنيا يمتد إلى هداية المؤمنين، وهداية قلوبهم، ويبدد ظلماتهم، ويوصلهم إلى النور، ويرشدهم إلى الطريق المستقيمة، ويمنحهم القوة على تمييز الحق من الباطل والخير من الشر، ويصلح نواياهم، ويزيدهم نورا، ويهدي خطاهم على دروب مستقيمة، وينزل في قلوبهم الطمأنينة والسكينة. أما الظالمون فيحدث لهم عكس ما يحدث للمؤمنين المتمسكين بالفضيلة. وكذلك المؤمنون إذا ما غيروا مواقفهم فإن ذلك يؤدي إلى سحب النعم الممنوحة لهم ليصبحوا كالظالمين تماما. - رضا الله تعالى وحبه: وهذا نوع من الجزاء العظيم، وهذا هو الهدف الأسمى الصالح للحصول عليه، حيث يسعى المسلم من خلال سلوكه إلى التمثل بالصفات المستحسنة عند الله، فهو من المحسنين والمقسطين، والصابرين، والمتقين، والمتطهرين، والمتوكلين، ومحبيه، الذين يقاتلون في سبيله، إن المسلم كلما وقف موقفا يحترم فيه أوامر الله تعالى كلما اقترب من رضاه ورحمته، وفي نفس الوقت كلما وقف موقفا لا يحترم فيه أوامر الله تعالى اقترب من سخط الله وعدم حبه. 2- الجزاء الإلهي في الآجلة: (الحياة الأخرى) : لا يقتصر الجزاء الإلهي على الجزاءات الدنيوية والتي سبق بيانها، بل إن الجزاء الإلهي يمتد إلى الآخرة فهناك عودة للعدالة الإلهية، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ «3» . أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً «4» . ومن ثم نجد تفرقة واضحة بين المؤمنين الصالحين، والظالمين، فلكل منهم جزاؤهم في الآخرة، مما يجعل العمل الدنيوي مرتبطا أيضا بالجزاء الأخروي: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ «5» . أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ   (1) النور: 55. (2) محمد: 38. (3) المؤمنون: 115. (4) القيامة: 36. (5) الجاثية: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ «1» . ولذا نجد الجزاء الأخروي على نوعين: الجنة للصالحين، وفيها نعيم مقيم وخلود دائم. والنار للعصاة والمفسدين والفجار خالدين فيها أبدا. ثم هناك الرضوان على المؤمنين وعدم الرضوان على الكفار والفاسدين «2» . والخلاصة: أن المؤمن مرتبط دائما بخالقه، وبالقرآن الكريم وبالرسول صلّى الله عليه وسلّم ولو غفل في ساعة الضعف البشري عن العقوبة الآجلة أو الأخروية لارتكاب المنكر فإن تفهمه للعقوبة الدنيوية وقوة حجمها وشدة وطأتها يبعده عن الاقتراب من المنكر وينهاه عن أن تمتد قدمه أو يده إلى المحرم، ويرجعه إلى رشده وإلى ملكاته العقلية، فيتيقظ لديه الرادع الديني ويخمد نداء الشيطان وسرعان ما يستطيع أن يلجأ إلى الوسيلة التي تطرد عنه وسوسة الشيطان وما قد يزينه له من عمل يراه حسنا، هذه الوسيلة ميسرة ومعروفة لدى كل مسلم، ولا تكلفه سوى التصميم على عمل الخير والإرادة القوية لأن يتجنب طريق الغواية وسبيل الهوى والفساد، هذه الوسيلة هي قول الله تبارك وتعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (المؤمنون 97/ 98) . فالعقوبة الدنيوية طريق لتنبيه الغافلين وإيقاظ اللاهين وحاجز منيع يحول دون تجاوز طريق المباحات إلى المحرمات فكانت كإشارة المرور في الطريق لتبين معالم الخطر وحدود السبل التي يحق للسائق أن يسير بها في سيارته آمنا مطمئنا وحدود السبل التي لا يحق له أن يصل إليها ولا أن يمر بها ولا أن يدخل مداخلها، والرجوع عنها واجتنابها خير من إيقاع الذات بالخطر وخير من المهالك التي قد تقضي عليه وعلى غيره. والحدود الإسلامية التي هي العقوبات الدنيوية إنما شرعت للحفاظ على حياة الناس وأعراضهم ودمائهم وأعضائهم وقد يكون داعي القتل هو الغضب والعنف أو حب الجاه والمنصب والتعالي على الآخرين وقد عالج الإسلام ذلك بطريقة مثالية واقعية قبل أن يشتد الغضب وقبل أن يغلي حب الانتقام في النفس وقبل أن يسيطر العجب والكبر على الإنسان ويجعله كالريشة في مهب الهواء، فقد عالج الإسلام هذه الحالات النفسية كلها علاجا واقعيا مثاليا، بحيث يستطيع المسلم بعد المواظبة على ذلك العلاج فترة زمنية أن يتخلص من كافة أمراضه النفسية التي أوجدت لديه اختلالا في التوازن النفسي وجموحا نحو زاوية الانحراف والغواية، هذا العلاج يكمن في وسيلتين إحداهما مادية والأخرى معنوية. أما المادية: فهي الوضوء والغسل وتغير الحالة التي هو فيها، فإن غضب وهو واقف فليمش وإن غضب   (1) ص: 28. (2) فى مبحث الجزاء الأخلاقي إلى جانب ما ذكرناه من مراجع يراجع المصدر الرئيسى في هذا المجال وهو كتاب: دستور الأخلاق في القرآن للشيخ دراز ص 245- 417. وسنجد الكثير جدا من الإشارات حول الجزاء في ثنايا الموسوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وهو جالس فلينهض ثم ليأخذ ماء للوضوء والغسل، ومن توضأ فإنه يرى أن لله عليه ركعتين فيصليهما ويسأل الله تبارك وتعالى له الهداية ولمن أغضبه فيستحقق لديه النتائج المرضية للعلاج وهو ذهاب الغضب والصبر على ما لقيه من أخيه المسلم. أما المعنوية: فهي ذكر الله تبارك وتعالى وذكر الله سبحانه أكبر من الصلاة فيما ينتج عنه من نتائج تلازم الفرد بسبب ملازمته للذكر فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (المؤمنون/ 116) . إذا توصل المسلم إلى هذه المرحلة وإلى هذا العلاج النفسي والوجداني فسوف يلمس في نفسه الإحساس بالارتياح والاستقرار والأمن والطمأنينة وسوف يتجنب كل شر قد خطر له أو عرض لذهنه لحظة من الدهر، وهكذا في كل الحالات النفسية التي فيها ضعف أو فيها مرض فإن الإسلام يضع الأسباب الوقائية التي تحول دون أن يصل المسلم إلى الحالة المرضية أو إلى الضغط النفسي الشديد الذي يعمي البصر أو يصم السمع أو يغلق القلب. فإن لم تجد معه الأسباب الوقائية ووقع في المرض النفسي فإن الإسلام يرشده إلى العلاج النفسي الذي يشفيه مما ابتلي به من أمراض قال الله تبارك وتعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (الإسراء/ 82) وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (يونس/ 57) وهكذا أرشدنا القرآن والسنة المطهرة إلى أن من وجد في صدره شيئا من الضيق أو القلق أو الاضطراب أو نزوعا للاعتداء على الآخرين فليفتح كتاب الله- تبارك وتعالى- بعد الوضوء وبعد الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان وليقرأ ما تيسر له من الآيات الكريمة، أو ليستمع لغيره وهو يتلو كتاب الله تعالى فإن كافة تلك الأمراض الباطنية ستتقلص وتخف شدتها بالتدريج ثم تزول نهائيا. فإن كان المرض مسيطرا ومتغلبا لديه وقد أسفر اتجاهه نحو الانحراف ونحو ارتكاب الجريمة التي اتجه إليها فليقرأ عقوبة هذه الجريمة وليتصور نفسه أنه قد وقعت عليه هذه العقوبة وأقيم عليه الحد، فماذا يا ترى؟ هل يستمر لديه خاطر الشر أم أنه يخمد نهائيا، ويزول تماما؟ فمن قوي لديه الانحراف في طلب الرزق وفكر في السرقة فليتصور نفسه ويده مقطوعة، فبم يأكل وبم يحمل الأشياء وكيف يعمل؟ وما هو موقفه من أسرته، من أولاده وزوجته، وقد جعلوه قدوة لهم، وهم يصبرون على الجوع ولا يصبرون على المحرم ولا يريدون أن يروا رب أسرتهم مقطوع اليد حدا. إنها آثار سيئة ومشينة ومكروهة من جميع أفراد المجتمع المحيط بهذا الإنسان، ثم ماذا هل يكتب على نفسه أن يكون في عداد المجرمين العابثين بأمن الأفراد والمجتمع؟ «1» .   (1) بتصرف واختصار يسير عن: القضاء في الإسلام ودوره في القضاء على الجريمة، ج 1، ص 307- 310. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الفصل الثالث المنهج الإسلامي في تنمية القيم الخلقية اتضح لدينا في الفصل السابق، طبيعة الأخلاق الإسلامية، ومصادرها، وفي أثنائها تناولنا فطرة الإنسان وطبيعته وأبعادها باعتبار أن الإنسان مكلف ومتحمل مشاق التكليف، ولعلنا نتساءل: هل الأخلاق فطرية في الإنسان أو مكتسبة؟ بمعنى: على أي شيء تعتمد عليه تربية السلوك الخلقي؟ هل تعتمد على ما لدى الإنسان من فطرة وقوة واستعدادات؟ أم تعتمد على التنشئة والتوجيه؟ وعلى أي حال كان الموقف، فكيف يتم النمو الخلقي لدى الإنسان؟ وكيف يتم تنشئة السلوك الخلقي عند الإنسان؟ هذا هو حديثنا وتحليلنا في هذا الفصل، في محاولة لإيضاح هذا الأمر، وخاصة أن هناك نظريات كثيرة في هذا المجال، والباحثون فيه يعتمدون على نظريات صاغها علماء وباحثون غربيون يفسرون في ضوئها ويحللون. وليس لدينا مساحة للاستفادة مما كتبوا، إلا أن الأفضل أن نحاول الاستفادة مما تحت أيدينا من أفكار في هذا المجال، مما أنتجه علماؤنا وخبروه. أولا: هل تكتسب الأخلاق: لعله قد تقرر لدينا أن الإنسان مخلوق لديه استعدادات كامنة تظهر بالتنشئة والاكتساب، بحيث تنمو وتنضج، وتصبح طابعا مميزا للإنسان «1» . وتقرر أيضا- أن الإسلام منهج شامل لكافة جوانب حياة الإنسان، والأخلاق الإسلامية هداية من الله للإنسان، من التزم بها فقد حمد ربه، لأنها سعادة في الدنيا والآخرة. وإذا كان ثمة تفسيرات طرحت للسلوك الخلقي منها ما يرد تكوين السلوك إلى التكوين الحياتي للإنسان، ومنها ما يرده إلى مدى التفهم العقلي لدى الإنسان، ومنها ما يرده إلى التأثير الاجتماعي. ويرتبط مدخل التفسير الحياتي لتكوين الأخلاق بما يسمى بالمثير والاستجابة، بمعنى أن الخلق يتكون عن طريق الربط بين مثيرات معينة مثل الخسائر المادية والعقاب أو ما يشبه العقاب من مثيرات غير محببة، وهذا الارتباط وتعميمه يختلف نوعا عن الصراعات بين الرغبة في إشباع المشاعر الداخلية، أو الحاجات الفورية وبين المتاعب التي تنشأ من القلق، ومن ثم يتكون الضمير باعتباره نوعا من أنواع القلق الذي يصاحب القيم بالفعل الشائن أو حتى التفكير في القيام به، ومن ثم ينصرف عنه لما يسببه من ألم لدى الإنسان «2» .   (1) راجع: الفصل السابق. (2) انظر: محمد رفقي محمد فتحي، في النمو الأخلاقي، ط 1، الكويت، دار القلم، 1403 هـ/ 1983، ص 13- 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وبالرغم من التفصيلات الكثيرة في هذا المجال والتي يمكن مراجعتها في مصادرها الأصلية، إلا أنه يمكن القول بأن هذه النظرية بكاملها وتفريعاتها وتطبيقاتها تنتمى إلى التفسير المادي لسلوك الإنسان، وتحاول أن تلخص السلوك الخلقي فيما يصدر عن الإنسان من أفعال فيما يمكن قياسه فقط، ولذلك يفقدون ما يسمى بالنور الداخلي أو الضوء الداخلي الكاشف للقيم لدى الإنسان ويرفضون أثره في تكوين الأخلاق بحجة أننا لا نستطيع أن نخضعه للبحث، ولأنه لا يستطيع أن يفسر الفروق الفردية في اكتساب الخلق. ولا يخفى ما لهذه النظرة من آثار سلبية، حيث إنها تجعل المادة وتركيباتها واستجاباتها الأسباب الوحيدة المعتبرة لتفسير تصرفات الإنسان واستجاباته، وهي بذلك تجعل منه قطعة هامدة لا بد من تشغيلها بطاقة وبقوى خارجية «1» . وهذه النظرية تؤمن بضرورة التدريب والتكرار والتقليد وإعطاء النموذج وغير ذلك من أساليب التدريب حتى تتحول الأخلاق إلى عادات ثابتة يمارسها الإنسان آليا بعد فترة دون تفكير، والتركيز دائما على السلوك الظاهري الذي يمكن ملاحظته، فموضوع مثل تكون مفهوم العدل أو العدالة يمكن تفسيره كردود فعل للتعزيز السابق أو محاولة لاكتساب القول، أو محاولة لتجنب العقاب الذي يصاحب السلوك غير العادل، ومن ثم فإن مفاهيم العدل أو القيم الأخلاقية يمكن تغييرها عن طريق الإثابة أو العقاب، أو التقليد أو التكرار «2» . أما من يرد تكوين السلوك الخلقي إلى التأثير الاجتماعي، فإنه يرى أن الجانب الخلقي في الإنسان يتكون من تعلم الطفل أن يكف أو يعبر عن أعمال معينة يتم تحديد نوعيتها من الخير أو الشر أو عن طريق ممثلي المجتمع الذين يقومون بعملية التنشئة الاجتماعية، ويتم تعزيزها أو عقابها عن طريقهم، فإذا كان السلوك مقبولا اجتماعيا، يتم تعزيزه، ويستمر أداؤه عبر الزمن، وفي مواقف مختلفة، وإذا ما كان السلوك غير مقبول اجتماعيا، فإنه سيتم العقاب عليه، بأي صورة من صور العقاب، ومن ثم فإنه يختفى، وباختصار فإن الوقت كله يدور حول الإرادة الخارجية للسلوك والرغبة الداخلية في الحصول على الثواب وتجنب العقاب «3» . إن أصحاب هذا الموقف مع إيمانهم بنظرية المثير والاستجابة، والتعزيز والعقاب، يرون أن أثر التنشئة الاجتماعية المتمثلة في سلطة الوالدين، وضغوط جماعات الأقران وغيرها من القوى الاجتماعية، أمر مهم في تنظيم النشاط الإنساني، وأن اكتساب الاتجاهات الأخلاقية المتمثلة في مسايرة الأهداف الاجتماعية، إنما يتم عن طريق التعلم، وهم يركزون في الأساس على العلاقات الاجتماعية التي يمكن أن تقاس عن طريق المقاييس الاجتماعية   (1) روبرت م. أجروس، جورج ن. ستانسيو، العلم فى منظوره الجديد- ترجمة كمال خلايلي، العدد (34) عالم المعرفة، الكويت، د. ت، ص 84. (2) محمد رفقي محمد فتحي: مرجع سابق، ص 17. (3) المرجع السابق: ص 17، 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 (السوسيومترية) ، وهي مقاييس تقيس مدى تحقق العلاقات والصفات الاجتماعية، وما يتفق عليه المجتمع من خلال ممارسة التفاعلات الاجتماعية على أن ما يتصل بالأخلاق يكون أخلاقيا، وهذا ما جعل علماء الاجتماع يقولون أن الأخلاقيات تختلف من مجتمع لآخر، وأنها نسبية طبقا لدرجة التفاعل الحادث في المجتمع واتفاقه عليها «1» . على أن لكل فرد في الجماعة «دورا» يرمز إلى مكانته فيها، وترفض الجماعة أخلاقا معينة على مختلف الأدوار الاجتماعية، فالأخلاق المتوقعة من «الأب» غير الأخلاق المتوقعة من «الابن» أو «الابنة» ، والأخلاق المتوقعة من «القائد» غيرها عند «الجندي» وهكذا، والتزام هذه الأخلاق يطلق عليه مصطلح «الضمير» وأصلها أن الأفراد «يضمرون أو يبطنون» معيارا أخلاقيا واحدا يتوقع منهم أن يسلكوا سلوكا متشابها وأن يصبح كل فرد شاهدا على الآخر، وأن يحسب حساب الآخرين فيخجل منهم عند سوء الخلق، ويسر عند حسنه «2» . أما من يرد تفسير السلوك الأخلاقي إلى مدى التفهم العقلي لدى الإنسان، وأصحابه يطلق عليهم «أصحاب نظرية النمو العقلي في السلوك الأخلاقي» فيتخذون موقفا يؤكد على أهمية المعرفة والفكر في تكوين المواقف والسلوك الخلقي وقد تبلورت هذه النظرية على يد المربي السويسري المعروف «بياجيه» الذي يرى أن الفرد لا يستجيب سلبيا لما يراه حوله أو ما يفرضه عليه الآخرون، وإنما هو كائن نشط يتفكر فيما يستقبله ويستنتج منه مبادىء عامة يسترشد بها في سلوكه وأحكامه، بمعنى أن السلوك الأخلاقي هو تفاعل الفرد مع بيئته أو هو عمل الفرد في البيئة وعمل البيئة في الفرد. ويميز بياجيه بين مستويين من السلوك الأخلاقي: المستوى الأول: هو المجرد أو التركيب العميق المحتوى على الأسس النظرية، ويتميز باعتبارات الواجب والانصياع للسلطة الخارجية، فالطفل يتقبل من الراشد من الأوامر يجب الانصياع لها مهما كانت الظروف، والصواب عنده ما يتفق مع هذه الأوامر، والخطأ هو ما يتعارض معها، وهذا هو ما أسماه بالتحكم أو القسر وهنا تقوم الأخلاقيات على واقعية الاحترام من جانب الطفل، وبهذا الاعتبار يتم تطبيعه اجتماعيا وأخلاقيا إلا أن الطفل حين ينمو متفاعلا مع بيئته ومجتمعه يتفاعل مع أقرانه على أساس التبادل والعطاء، ومن ثم يأتي التعاون أساسا لتنمية السلوك الأخلاقي، وتظهر أهمية الاحترام المتبادل. ولعله من المهم أن ندرك أن الأخلاقيات عند بياجيه أساسها الاتزان القائم على العدل، وليست حسب الإنسان أو الإحساس البديهي بالواجب، وقدسية الخير، وإنما الارتكاز إلى الأخذ والعطاء «3» .   (1) إبراهيم عصمت مطاوع، أصول التربية، ط 2، دار المعارف، ص 131، 132. (2) ماجد عرسان الكيلاني، اتجاهات معاصرة في التربية الأخلاقية، مرجع سابق، ص 21. (3) محمد رفقي، مرجع سابق، ص 48، 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 أما المستوى الثاني: فهو الحسي الذي تميزه استجابات محددة وموضوعات فعلية، ويبدو من دراسات بياجيه، أن هناك تخلفا لدى الأطفال في الأحكام الخلقية في المراحل العمرية الأولى عكس الأطفال الكبار، وبالتالي فالطفل الأكثر نضجا لديه القدرة على ممارسة وتطبيق مبدأ التعاون أو الأخذ والعطاء «1» . وإذا كان بياجيه قد قدم نظريات هامة في مجال النمو الإنساني طبقا لمراحل النمو، فإنه قدم أسسا للنمو الأخلاقي نوردها فيما يلي: 1- النمو الأخلاقي والنمو المعرفي: حيث يرى أن هناك علاقة بين مستوى الذكاء ومستوى النمو الأخلاقي بمعنى أن الخبرة والذكاء وليس العمر الزمني يعتبران من أحسن المؤشرات الدالة على التعرف على الأعمال المشينة وغير المشينة، ولكن ليس معنى كون الإنسان ذكيا يعني أنه أخلاقي، فكثير من الحالات تشير إلى أن الذكاء البشري قد يتوجه إلى الشر، إلا أنه من المهم التأكيد على أن النمو في المعرفة الخلقية يلزمه قدرة معرفية مناسبة في الفرد أيا كان ذلك النمو. 2- الخبرة الاجتماعية القائمة على المساواة: ويرى أن التفاعل الاجتماعي بين الرفاق القائم على المساواة هو المصدر الرئيسي لإدراك أن أخلاقيات التعاون هي أساس العلاقات الاجتماعية المتناغمة وهي التي تحقق الانسجام بين أفراد المجتمع، وأشار بياجيه إلى أنه إذا أعطى الوالدان الطفل شعورا بالمساواة بتأكيد التزامات كل فرد ومظاهر عجزه، وأن يقوما بالوعظ عن طريق القدوة فإنهما يدفعان الطفل إلى الترقي على سلم النمو الخلقي، وهذا المنحى في تربية الأطفال يؤكد القيمة الكبرى للنمط غير التسلطي في التربية. 3- الاستقلال عن سلطة الكبار القسرية: حيث يعتبر أن الاستقلال المتزايد على سلطة الكبار- التي تعتبر قسرية وإكراها- سبب ونتيجة لتزايد إقبال الطفل على أخلاقيات التعاون، وبالتالي يقهر التمركز حول الذات ويقبل أكثر على التعاون بين الأقران، ومعنى هذا أنه كلما زاد استقلال الطفل عن سيطرة الكبار كلما زاد انطلاقه وإخلاصه لمبدأ التعاون بين الأقران الذي يؤكد هذه الاستقلالية. ومعنى هذا أن الاتجاهات الوالدية القسرية والمتطرفة في القسر ترتبط ارتباطا سالبا بالنمو الخلقي السليم. وإذا كان ثمة اتفاق بين الباحثين على ما نادى به بياجيه في كثير من آرائه مثل: تأكيدهم أن الطفل- وهو لا يمكن أن ننظر إليه كبالغ- تنقصه جرعة من التلقين والإرشاد. وأن ما يبدو عدم نضج حين ننظر إلى الطفل قد   (1) المرجع السابق، ص 49، وماجد عرسان الكيلاني، ص 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 يعتبر نموا سويا ناضجا إذا ما نظرنا إليه في الإطار العام للنمو. وأن الأحكام الخلقية التي يصدرها الطفل لا توجد في مناخ اجتماعي أو ثقافي رغم ما يبدو من تلقائية نحوها، وإنما تخضع للمؤثرات الثقافية والاجتماعية في معدل نموها وهيئة تواجدها، والأبعاد التي تظهر فيها، إلا أن الفكر الخلقي لا ينمو ككل، وإنما كجهات متفرقة، وهذا ما لا يمكن أن نستخلصه من فكر بياجيه ولا من كتبه «1» . ولا نريد أن نعرض أسماء بعض أصحاب نظريات كثيرة في هذا المجال، ولكن نكتفي بسرد بعض أسماء بعض أصحاب النظريات التي اشتهرت في هذا المجال والتي منها: - نظرية كولبرج «2» .- نظرية رست «3» .- نظرية بل «4» . - نظرية دامون.- نظرية ايزنبرج.- نظرية البيئة الاجتماعية «5» . ونكتفي بهذا العرض الموجز للنظريات التي حاولت تفسير تكوين السلوك الخلقي والأخلاقيات لدى الأفراد والأطفال، وقد كان لها تطبيقات جيدة في مجال التربية الخلقية. نظرة نقدية: بالرغم من كثرة الآراء المتعلقة بالنمو الخلقي في الغرب، إلا أنّ الوضع يوحي بضعف شديد في التربية الخلقية، فتزعزعت القيم الجديدة، وهي مشتقة من عالم المال وأصحابه، وأصبحت الدراسة التقنية الفنية، وأرباب الإدارة والتنظيم، الذين لا يهمهم إلا تغليب قيم الكسب المادي، والربح، والاستثمار الأقصى للموارد المادية والبشرية. وقد خلت تلك القيم من القيم الإنسانية الرفيعة، وأصبح الإنسان صاغرا أمام سلطان الآلة وغدا العالم في ضياع خلقي وقيمي، حتى إن الإنسان- وعلى لسان علماء الغرب- يتساءل: هل هناك حاجة إلى قيم؟ أو ليس من الممكن أن يقوم عالم إنساني بلا أخلاق وبلا قيم؟ بل يذهب المنكرون للقيم والأخلاق إلى أن تمسك الإنسان بقيم خلقها المجتمع هو ضرب من الامتهان لقيمة الإنسان نفسه، وشكل من أشكال الطغيان على حريته، ولون من ألوان التسلط على الإنسان. إن الذي نريد إبرازه هنا هو أنه على الرغم من انتشار النظريات والمذاهب الأخلاقية، إلا أن هناك نظريات تنكر الأخلاق، وهي أوسع انتشارا وهذا دليل على تدني الأوضاع القيمية والضياع القيمي في العصر الذي نعيشه،   (1) محمد رفقي، ص 62- 69. (بتصرف يسير) . (2) راجع نظريته فى المرجع السابق، ص 76- 89، وماجد عرسان، ص 24- 32. (3) راجع نظريته فى محمد رفقي، ص 101- 110. (4) راجع نظريته فى ماجد الكيلاني، ص 32- 40. (5) راجع محمد رفقي، ص 135- 158. ولم نحدد الأسماء لشهرتها بهذا الاسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وهذا بالتأكيد تجن على فطرة الإنسان، وانحطاط به إلى مستوى الحياة العضوية والغريزية الحيوانية. والذي نعرفه ونؤمن به وما يؤمن به أصحاب التأمل في الواقع والتاريخ، وما تدل عليه الدراسات المنصفة: «أن الإنسان بالتعريف كائن ذو قصد وهدف، وأنه لا يستطيع الحياة بلا هدف يؤمن به، وأنه يزداد رقيا في معارج إنسانيته حين يجد الرسالة التي يؤمن بها والتي يكتسب وجوده الإنساني من خلالها معناه أنه كما يدل الواقع وكما تدل الأبحاث لا يستطيع أن يلصق بحمأة الأرض ويحيا حياته البيولوجية المحضة ما لم يتخلّ عن إنسانيته، إن صح أنه في وسعه أن يتخلى عنها، أي عن طبيعته التي جبل عليها بوصفه إنسانا، أي كائنا ما هو بالملاك ولا هو بالشيطان، بل هو عوان بينهما، تتوق طبيعته الإنسانية الملكية دوما إلى التغلب على طبيعته الحيوانية والشيطانية، وهذا هو الذي يفسر ما يتعرض له إنسان العصر الحديث من اضطرابات وأمراض في حياته النفسية حين يجرب التنكر لطبيعته الإنسانية عن طريق تنكره للقيم الإنسانية، ولا نغلو إن قلنا إن الطبيعة الإنسانية حين ينكرها إنسان العصر الحديث ظنا منه أن في وسعه أن يغيرها أو يتنكر لها، تنتقم لنفسها عن طريق وقوعها في الاضطراب والتفكك والحيرة، أي عن طريق احتمائها بالمرض «1» . حيث إن جميع الشواهد تدل على أن التدخل المنافي للطبيعة الإنسانية في نمو الشخص، أثناء الطفولة وبعدها، هو أصل الأصول في المرض العقلي والاجتماعي عامة والتدمير خاصة «2» . ويشهد على فقدان القيم، وتدني المستوى الإنساني، أن أسلوب العيش المرتكز على التملك والأنانية، والسلوك الذي يتركز حول الملكية والربح يؤكد الأنانية المنوطة والفردية المفرطة، فهو لا بد وأن يخلق الرغبة، بل الحاجة إلى القوة، فمن أجل السيطرة على كائنات بشرية أخرى، يحتاج الإنسان إلى استخدام القوة لتحطيم مقاومتهم، ولإحكام القبضة على ما استولينا عليه من ممتلكات خاصة فهو بحاجة لاستخدام القوة لحمايتها من الذين يمكن أن يأخذوها، لأنهم- والحال من بعضه- لا يمكن أن يقنعوا بما عندهم والرغبة في الحصول على أعلى ملكية خاصة وأكبرها تولد الرغبة في استخدام العنف من أجل سرقة الآخرين بوسائل سافرة أو خفية مما يؤكد الأنانية والفردية المطلقة «3» . ويتبع نزعة التمركز حول الذات والأنانية نزعة التميز عن شيء واحد ووحيد هو المتعة الفردية، والبحث الضيق عن المتعة الفردية المباشرة (اللذة الجنسية غالبا) وشيوع الأمراض النفسية الجنسية، والأمراض الجسدية الصحية، واضطرابات خطيرة في السلوك الجنسى، وانتشار المخدرات والعنف والإرهاب وما إلى ذلك من أمور   (1) عبد الله عبد الدايم، نحو فلسفة تربوية عربية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 1991 م، ص 239. (2) أريك فروم، الإنسان بين الجوهر والمظهر، ترجمة سعد زهران، مراجعة وتقديم لطفي فهيم، عالم المعرفة، العدد (140) أغسطس 89، ذو الحجة 1409 هـ، ص 83. (3) المرجع السابق: ص 83 (بتصرف يسير) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 تؤكد النزعة الأنانية المفرطة. ومن مظاهر الاضطرابات الناجمة عن فقدان القيم الروحية والسند الروحي، انتشار اللجوء إلى السحر والشعوذة طلبا للشفاء من الأمراض الاجتماعية والنفسية بل مساعدة أصحاب الأعمال على تنظيم أعمالهم وغير ذلك من أمور «1» . وتتعدد أشكال فقدان القيم الخلقية في المجتمع الغربي المعاصر، مما يدفعنا إلى القول بأن هذه النظريات في تكوين السلوك الخلقي تكاد تكون قد فقدت فعاليتها في واقع الحياة، بالرغم من تحقق مكاسب واضحة في المجال المادي وإن كان لهذه المكاسب انعكاسات على روح الإنسان وعقله وفكره، ومظاهر إيجابية من القيم الجيدة التي يرتكز عليها. ثانيا: منهج الإسلام في تنمية القيم الخلقية: لعله قد ظهر لدينا الآن ضرورة ملحة لطرح منهج الإسلام في تنمية القيم الخلقية لدى الإنسان المسلم وهذا المنهج بأصالته وربانيته استطاع أن يساعد على اكتساب الأخلاق الإسلامية واستمرارها استمرارا مشهودا، وسيادتها في حركة الإنسان المسلم الصادق، وبداية لا بد أن نقرر مجموعة من المبادىء الأساسية التالية: 1- إن تنمية القيم الخلقية لدى المسلم تعتمد على فطرة الإنسان وما زود به من استعدادات فطرية للتعلم والتخلق، ثم يأتي بعد ذلك عملية اكتساب الأخلاق من المجتمع المحيط في إطار التنمية المتكاملة المتوازنة لكامل شخصية الإنسان من خلال الجوانب الروحية والوجدانية والعقلية للإنسان وحواسه، وعلى ذلك فإن على التعليم والتربية أن يقدما الزاد لتنمية الإنسان من كافة النواحي، على صعيدي الفرد والجماعة وأن يحفزا هذه الجوانب كافة إلى الخير وطلب الكمال «2» . وهذا يعنى أن الجهد التوجيهي التربوي ينصب على كافة جوانب الشخصية الإنسانية وعلى التكامل بين المعرفة والسلوك، وينبغي للإنسان أن يعرف كيف يمزج بين المعرفة والعمل في إطار كلي، وبذلك تزداد خبرته وتجربته بالممارسة التي تعدل وتنسق الكثير من خبراته «3» . 2- إن وجود القيم الخلقية والمباديء العليا والأهداف السامية ضروري لتوجيه حياة الإنسان توجيها   (1) راجع: عبد الله عبد الدايم، مرجع سابق ص 240. (2) سيد على أشرف، آفاق جديدة في التعليم الإسلامي، ترجمة أمين حسين الرباط، السعودية، عكاظ، 1404 هـ/ 1984 م، ص 28، 29. (3) محمد النقيب عطاس، التعليم الإسلامي أهدافه ومقاصده، ترجمة عبد الحميد محمد الحديبي، سلسلة التعليم الإسلامي، عكاظ وجامعة الملك عبد العزيز، 1404 هـ/ 1984 م، ص 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 صحيحا يضبط حركته سليمة صحيحة، فالإنسان لكي يجعل نفسه في صورة إنسانية مرضية ينبغي أن يكون له في حياته أسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره، ويتمثل ذلك في مجموعة من القواعد الخلقية، والمثل العليا التي يلزم نفسه بها ويسير على منهاجها طوعا وتزيد فرادته في قوة خلقه ومثابرته في التمسك بها، وعندما ينعدم وجود هذه المباديء والمثل تفقد الحياة دوافعها ومعانيها، بل تبدو راكدة غير منتجة، ويضمحل الإنسان وتهمد إرادته بافتقادها الهدف والمبدأ والخلق والقيمة. وهذا يعطينا مؤشرا هاما على أهمية القيم الخلقية في بناء الإنسان، وكذا أهميتها كمصدر من مصادر الأهداف التي ترتجى وتؤمل في نمو الشخصية المسلمة في المجتمع. 3- إن هذه القيم والمباديء والأهداف تحتويها ثقافة المجتمع المسلم باعتبارها الإطار المرجعي لكافة سلوكيات الفرد والجماعة، وهي التي تمثل القيم والأخلاق والمهارات والأذواق وما إلى ذلك مما يكتسبه الإنسان وتشكل شخصيته القيمية والأخلاقية. وهذه الثقافة تقوم على مبدأ التوحيد حيث تشتق منه وتدور حوله كافة القيم الإسلامية باعتبارها معايير واقعية توجه جميع أفعال الفرد في مختلف المواقف الفردية والاجتماعية، وباعتبارها تصورا للمعاني الكلية المسئولة عن الأحكام التي يصدرها الفرد على أي موضوع أو موقف، ويرى الفرد فيها شيئين: الحق والخير، وهذه لا تتم إلا بالاتصال بين الأجيال. إن التوحيد، ومجموعة الأحكام المعيارية بما فيها الأخلاق لا يتحققان إلا في ثقافة هيئة اجتماعية وفي ذوات إنسانية، فالفرض يكتسب قيمه الخلقية من المصدرية الجماعية، ومن خلال التفاعل مع الجماعة يمتص الفرد القيم الخلقية وتنمو لديه الأحكام الخلقية، ويحرص المجتمع الحرص الشديد الأكيد على إكساب الفرد القيم الخلقية، حتى تصبح سمة من سمات شخصيته بل إنها في الحقيقة تعتبر الأساس الجوهري لبناء شخصيته. 4- إن تنمية القيم الخلقية لدى الإنسان المسلم تعتمد على تكوين الوازع الداخلي في الفرد منذ الطفولة الأولى حيث يؤمن الفرد بالقيم، ويكتسبها ويتشربها ويضيفها إلى إطاره المرجعي للسلوك، ويتم ذلك من خلال التنشئة الاجتماعية، وعن طريق التفاعل الاجتماعي يتعلم الفرد أن مواقفه يجب أن تتسم بالخلقية وذلك حتى يشارك في حياة المجتمع بفاعلية. وبعد فإن منهج الإسلام في تكوين القيم الخلقية يتأتى كما يلي: باستطلاع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تطالعنا طريقة فذة في معالجة القيم الخلقية من حيث تكوينها لدى الفرد المسلم والجماعة المسلمة. وقد أتى الإسلام لا ليصطدم مع الطبيعة البشرية بل ليضبطها، ويفجر أحسن ما فيها، وقد أقام السلوك على أساس خلقي ضابط بوعي واختيار واع وذلك كما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 1- اهتم القرآن الكريم في مرحلته المكية ببناء الإيمان في نفوس الناس، والدعوة إليه بكافة الوسائل، وذلك بلفت النظر إلى خلق الله، والتأمل فيه، للاستدلال على الخالق- عز وجل- والإيمان به، والتصديق بما أنزله على رسوله. وقد عرضت الآيات الواردة في هذا المجال: سنة الله في الأسباب والمسببات، سنة الله في جزاء من اتبع هداه، سنة الله في حال الإعراض عنه، سنة الله في التدافع بين الحق والباطل، سنة الله في الابتلاء والفتنة، سنة الله في الظلم والظالمين، سنة الله في الترف والمترفين، سنة الله في الطغاة والطغيان، سنة الله في بطر النعمة وتغييرها، سنة الله في الذنوب والسيئات، سنة الله في الاستدراج. وغير ذلك من سنن عرضها القرآن في قصصه أو في آيات منفصلة، بهدف تعريف الناس بكيفية السلوك الصحيح في الحياة، حتى لا يقع الإنسان في الخطأ والعثار والغرور والأماني الكاذبة. إنها الدعوة الكاملة إلى الإيمان الكامل الصحيح، وقد يصاحب بيان ذلك في الآيات ذكر الجنة والنار، والثواب والعقاب، ليحرك في النفس عاطفة الخوف والإحساس بالأمن، وهو في ذلك يريد أن يحرك في الإنسان الإحساس بالأمان النفسي والشعور بالحماية الإلهية في ظل الإيمان، وفي الوقت نفسه يعطيه الثقة بنفسه، وبأنه مكرم ومؤهل لحمل أمانة الوجود، وحمل أمانة التكليف. فهي تستثير في الإنسان أقصى طاقاته الإنسانية لتسمو بها وتضعها على الطريق السوي السليم المنشود من الإيمان «1» . وتحويل الإنسان من التبعية الذليلة في كل شيء من جنبات حياته للطواغيت الكفرة والفجرة، إلى آفاق العزة والكرامة وتحقيق الإنسانية الكريمة وذلك ببث روح القوة والتخلص من العجز والاتكالية وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «2» . 2- وقد صحح القرآن علاقة الإنسان بما حوله بأن جعلها علاقة تعاطف وتعارف، فلا عبودية لها ولا تأليه، ولا استهانة ولا إنكار، وقد ربى القرآن الإنسان على حضور واع، واتخذ في هذا السبيل طرقا مختلفة لعملية التصحيح هذه، وهي لازمة لتكوين قيم صحيحة سليمة، وكان أول ما قام به هو تصحيح علاقة الإنسان بالله الخالق الراعي لخلقه المعتنى بهم، الرحيم، المبدع، التواب. وهو الواحد؛ غرس في نفس المسلم التوحيد، الذي دفع الإنسان إلى حب الخير وفعله، وتجنب الشر وكراهيته، وبالتالي كانت العلاقة بين الإنسان والله طريق الإنسان إلى الكمال، وكانت طريقا إلى امتلاء قلب الإنسان بالولاء والانتماء إلى الله وحده، ومنهجه الذي إذا تمسك به الإنسان أصبح إنسانا فاضلا يسارع إلى فعل الخيرات، ويبتعد عن فعل الشر، وبالتالي يتصف الإنسان بمكارم الأخلاق، ويتشبه بأخلاق الله تعالى من حيث الاتصاف بالكمالات والتنزه عن النقائص، ويصبح مجتمعه كله ذا أخلاق   (1) اقرأ الآيات: 10 من سورة لقمان، 53 من سورة طه، 7 من سورة الشعراء والواقعة. (2) آل عمران: 139. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 دينية، تسوده مكارم الأخلاق. وكان ذلك منطلقا لتصحيح كافة العلاقات الأخرى بما حول الإنسان ومن حوله، وما دام الإنسان قد آمن موحدا وتولدت في نفسه حالة العبودية الكاملة لله وحده، فإن ذلك ينعكس على علاقاته بالأشياء حوله، وعلى كافة مكونات حياته؛ ذلك أن الإيمان الصحيح هو أكبر القيم الخلقية الدافعة للإنسان في مجرى الحياة الصحيح الموصل للسعادة. ومن هنا تنبع مجموعة من القيم الخلقية الفذة النابعة من توجيه التوحيد، كحالة نفسية، وضرورية للتعايش مع الكون والعالم ومصادقة قوى الطبيعة، ودراستها وفهمها، واكتشاف أسرارها لتضفي قيمة عليا على العلم والبحث العلمي بالمعنى الواسع للكلمة. ثم هو لا يذوب في الطبيعة المادية ولا يعاديها، لكنه لا بد أن ينفصل عنها إلى عالم التوحيد المطلق والمجرد، فالطبيعة ليست مقصودة لذاتها، وهي ليست ثابتة، بل هي متغيرة ومتقلبة، ومن حق المسلم أن يتجاوزها بعد أن يكتشف فيها لغة التسبيح لله. وفي هذا الذي أقره الإسلام ووجه إليه تحقيق سام لإنسانية الإنسان، لأن الإنسان بهذا يتحرر من عبودية أي شيء سوى الله تعالى، ويتخلص من قلقه المرضي؛ لأن المنهج الإسلامي يضع الإنسان حيث يجب أن يوضع، مخلوقا ذا رسالة سامية في هذه الحياة «1» . 3- وصحح القرآن علاقة الإنسان مع نفسه ثم مع من حوله من الناس، وذلك بعد أن ضبط حركته بقيم خلفية معينة تجاه الخالق والأشياء، والآيات المدنية تأتي لبناء الإرادة الإنسانية وتكوين القيم السليمة لعلاقات الإنسان بنفسه، وبالإنسان في مجتمعه، وللجماعة كلها بعد أن قام البناء الإيماني في نفس المسلم. وكثيرة هي تلك القيم الفاسدة التي كانت موجودة عند العرب وفي العالم، واستطاع الإسلام بتوجيهاته أن يقضي عليها، ويحولها إلى قيم إيجابية صحيحة على أساس من الإيمان الصحيح الخالي من الشوائب. وقد اهتم القرآن كثيرا بتوضيح الانحرافات الخلقية التي يمكن أن توجد في المجتمع المسلم، فاهتم بإيضاح حقيقة النفاق وعدّها انحرافا نفسيا يسهل الوقوع فيه؛ لأن الإنسان المسلم- تحت الظروف المستبدة- قد يعيش حالة مزيفة، إنه يصبح ضد نفسه أحيانا، ويحبس حركتها الحرة في التنقل من حالة إلى حالة، ويوقف تيارها الداخلي وهذا مرض نفسي، يجمد حركة الإنسان، ويحرمه من الحركة الحية، ويصيبه بالخواء والزيف والخداع، وقد صور القرآن حالة المنافقين في آيات كثيرة منها:   (1) عبد الغني عبود: العقيدة الإسلامية والأيدولوجيات المعاصرة- الطبعة الأولى- القاهرة- دار الفكر العربي، 1976 م ص 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 - فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً «1» . - إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا «2» . - وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ «3» . - مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ* أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ* يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «4» . إن القرآن يعرض النفاق كطبيعة منحرفة وسلوك مريض، ويشخص هذا المرض ويحلله ويتحدث عنه باستفاضة وعن مضاعفاته ونتائجه، وقصده من ذلك التحذير منه، ومن النتائج الخطيرة التي تترتب عليه، فهي نتائج تصيب الإنسان في وجوده الذي يرتبط بالصدق والحرية والتجدد، فيتحول وجوده إلى زيف وجمود وهراء «5» . ومن هذا المنطلق حارب البخل والجبن في نفس الإنسان، وحارب التواكل الذي يحيل الإنسان إلى طفل لا يستنفر ذاته، وإنما يعتمد على الآخرين في حل مشكلاته، وفي حربه تلك يجعل المسلم يجابه الواقع ويتحمل المسئولية، ويبتعد عن كل شيء يصادر تلك المسئولية «6» . لقد علم الإسلام المسلم أن يؤمن بوجود قوة عليا، وأن يستفيد من إمكانياته واستعداده للإيمان بالغيبيات فضبطها، بحيث لا يصل إلى التصادم مع الأسباب والمسببات. وعلمه القرآن أن الحق يبطل السحر، وأنه ليس بإمكان أحد أن يضره إلا بإذن الله، وأن التلصص على السماء لسماع الغيب قد بطل منذ بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأن الشفاعة لا تنفع إلا لمن أذن له الرحمن، وقد كان ذلك كله إيذانا بتصحيح علاقة الإنسان بنفسه، فلا يخور ولا يجبن ولا ينافق ولا يدع الأسباب «7» . وكان أيضا إيذانا بتصحيح علاقة الإنسان مع الآخرين، وانطلق المسلم بالدعوة الإسلامية إلى مرحلة العالمية. 4- وأتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بناء القيم الخلقية في النفوس المسلمة، وكانت طريقته في ذلك أبدع ما تكون الطريقة، وأساليبه أشهر ما تكون وأعظم، في ضربه المثل الأعلى والقدوة الصالحة من ذاته، في نفسه، وفي مجالسه،   (1) البقرة: 10. (2) النساء: 142. (3) المنافقون: 4. (4) البقرة: 17: 20. (5) عبد الحميد إبراهيم: الوسطية العربية، الكتاب الأول، المذهب، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار المعارف، 1990 م، ص 157. (6) المرجع السابق، ص 157، 159، واقرأ: الإسراء: 93- 95. (7) المرجع السابق، ص 160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وتوجيهاته، وأفعاله، وأقواله، وباستخدام كافة الطرق لاستثارة إمكانيات الإنسان من أجل تمثل القيم الخلقية، والأمثلة على ذلك كثيرة في مواقف الرسول صلّى الله عليه وسلّم، نذكر منها- على سبيل المثال- ما يتعلق بمجلسه صلّى الله عليه وسلّم، فقد كان- كما جاء في حديث هند بن أبي هالة: «مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبّن فيه الحرم، ولا تثنى فلتاته، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح ولا يقبل الثناء إلا من مكافيء» . ولا عجب أن نجد في أثناء حياته صلّى الله عليه وسلّم وبعدها مجتمعا إسلاميا ملتزما، وفردا مسلما ملتزما توجهه قيم خلقية صحيحة في كافة نواحي سلوكه المختلفة. ونجد الأفراد في المجتمع الإسلامي أصحاء أزكياء مبدعين ملتزمين بالإسلام. ثالثا: كيفية تكوين القيم الخلقية: لتكوين القيم الخلقية عمليا- وبالوسائل السابقة، وعلى أساس القدوة الحسنة- نجد أن هناك عدة مراحل هامة، وقد استنبطنا بعضها من أسلوب عرض القرآن، واستعنا ببعض القراءات في هذا المجال، وهي كما يلي: 1- عرض المواقف الخلقية لجذب الانتباه إليها: لقد عرض القرآن مواقف خلقية كثيرة، وذلك لجذب انتباه الإنسان، وإيقاظ إحساسه بالقيمة الخلقية وهنا تستخدم كافة الإمكانيات في سبيل هذا العرض بقصد الاستحواذ على انتباه المسلم. ويعتبر هذا درجة أولى لتكوين الوعي بها، وإثارة الرغبة في الترقي لتتم عملية تركيز الانتباه، ويظهر الإنسان نوعا من الاهتمام تأتي بعده الاستجابة النشطة الطوعية النابعة من داخله. ومثال ذلك: قيمة الصلاة، حين نريد تكوينها في نفس الناشيء الصغير، فإنه لا بد من جذب انتباهه باستثارة حواسه، والسلوك الفعلي أمامه، بحيث نبين له أهمية الصلاة مرة بعد مرة، بحيث يبدأ تكون الوعي لديه بها، ويتطلب هذا إطلاع الناشيء على أهمية الصلاة وكيفية أدائها دون تمييز محدد أو إدراك للخصائص الموضوعية لها، بمعنى أنه لا بد من إتاحة وتهيئة جو يظهر اهتمام الناشيء بالقيمة فيصحبه إلى المسجد وبغير قصد وعن طواعية من الناشيء، وبالتالي يمكن- وبهذه الطريقة المبسطة التي تحترم إنسانية الناشيء وتجذبه في جو تعاوني تعاطفي- أن نغرس قيمة أداء الصلاة في نفسه. 2- موقف التقبل الواضح وتعزيز هذا التقبل: فحيث يظهر الإنسان تجاوبا معينا مع القيمة والوعي بها فإنه لا بد من مصاحبة ذلك بقول لطيف مشجع يحرّض على ذكر هذه الاستجابة الطيبة التي تكاد تظهر إلى حيز الوجود الفعلي دون إشارة إلى ضعف ممكن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وبهذه الخطوة يمكن القول إن القيمة أصبحت متمثّلة بدرجة كافية من العمق بحيث يمكن أن تصبح قوة مسيطرة باستمرار على السلوك، ومعنى هذا أن الإنسان تتكون لديه رغبة مستمرة في تطوير قدرته على الالتزام بالقيمة. وقد أشار القرآن إلى هذه الخطوة، حيث يثير الانتباه إلى حضور الله العليم المطلع على كل ما يأتيه الإنسان: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (البقرة/ 215) . الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (الشعراء/ 218) . إن دفع الإنسان نحو انطباع معين- وهو أن يجد في هذه الفكرة ما يحفزه حقا لدعم جهوده، وتغذية طاقاته، وترقية نفسه، ومضاعفة ما يقتضيه من ذاته وذلك من أجل المحافظة على جودة أعماله وطهارة نواياه، يقتضي أن يجد فيه ما يتقبله ليدفعه إلى أن يأتي دائما بالجديد وبالأفضل. إن أفضل شيء يعزز هذا التقبل للقيمة هو دفع الإنسان إلى التفكير في صلته بالله لحظة العمل، حيث إن لهذا تأثيره على إرادة الإنسان، ليضاعف ذلك من حماسه، ويكمل عمله وبالتالي يتحقق ثبات القيمة، وتحقيق التقدم المطرد في سبيل تعزيز القيمة، وليس هناك أعظم من الحب في تثبيت هذا التعزيز، وهذا الشعور بالحب يولد شعورا بالارتياح وبالقوة البناءة «1» . ونجد ذلك ملخصا في قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سئل: ما الإحسان؟ «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» «2» . 3- موقف تفضيل القيمة الخلقية: ويظهر هذا الموقف من خلال التزام الفرد بالقيمة لدرجة تجعله يحرص على القيمة ويسعى وراءها ويريدها، وهنا تظهر استجابات معينة تعبر عن هذا التفضيل، حيث يسعى إلى تكوين أرضية واسعة عنها، ويمكن أن يتعدى ذلك إلى الكتابة عما يشعر به إزاءها. وهنا يتدخل المربي من أجل زيادة العمل التوجيهي، ولا يجوز أن يكون هذا العمل صريحا بل ضمنيا عمليا. ذا رزانة وبرفق وأناة مع إتاحة فرصة أوسع للناشيء لإظهار استجابات أوسع وبتفكيره الذاتي المستقل «3» . 4- موقف الالتزام بالقيمة: في هذه المرحلة- وبعد استخدام كافة إمكانياته- يصل الفرد إلى اليقين، بل إلى درجة عالية من اليقين فيصل إلى اقتناع عال وتأكد لا مجال للشك فيه، وإيمان راسخ بضرورة هذه القيمة، ومن ثم التقبل الوجداني   (1) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق في القرآن، ص 323، 324. (2) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، حديث رقم 50- فتح الباري، طبعة المكتبة التجارية، ج 1، ص 157. (3) راجع: على خليل مصطفى: القيم الإسلامية والتربية، مرجع سابق، ص 84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الكامل، فيعمل الفرد لتقرير القيمة وتأكيدها، وتتعمق مشاركته في هذا التقرير والتأكيد، كما يبحث عن أشباهه المؤمنين بهذه القيمة والملتزمين بها فيشاركهم أنشطتهم وتعبيراتهم، إلا أنه يجب أن نعي عدة أمور هامة، وهي: - أن الالتزام ليس مجرد قدرة عاطفية وقتية عابرة، أو مجرد حماس يوجد ويتلاشى لتحل محلها عاطفة مؤقتة أخرى. إن الالتزام يعني استمرارا عاطفيا لتأكيد الالتزام. إنه يأخذ شكل العاطفة الثابتة. - أن اعتناق الفرد لخلق معين فترة طويلة من الزمن لا يدل على الالتزام به، إذ لا يكون قد بذل فيه جهدا عاطفيا من طاقة الفرد العاطفية بحيث يتم الالتزام، وإنما لا بد من استغلال أكبر قدر ممكن من طاقة الفرد العاطفية وتشغيلها بطريقة فعالة حتى يتم الالتزام الحقيقي. - أن الأعمال المؤيدة للقيمة تعد أمرا مهما، وهذه الأعمال إما أن تهيّأ في البيئة المحيطة أو من إتاحة مناخ تظهر فيه هذه الأعمال من الفرد؛ لأنها تدل على وعي والتزام بحكم طبيعتها «1» . وفي هذه المرحلة- أيضا- يعبر الفرد عن اعتقاده بقيمة خلقية في سلوكه العلني البراني المترتب على القناعة الجوانية، بمعنى إلزام المرء نفسه، وتعهده بانتهاج خلق معين. ولزيادة درجة الالتزام في تنمية القيمة الخلقية يمكن استخدام واحد أو أكثر من العناصر التالية: - توضيح الفعل الخلقي- صالحا أو طالحا- بمعنى توضيحه وخلوه من الغموض. - إبراز أهمية الفعل الخلقي الصالح. - إبراز تعذر الرجوع في الفعل الخلقي الصالح أو الطالح. - تكرار مواقف السلوك الخلقي. - إتاحة فرصة الاختيار والحرية أمام الملتزم في إقدامه على الفعل الخلقي. وبهذا يمكن تأكيد الالتزام وزيادة درجته بحيث تقوى وتتأكد لدى الشخص، ونجد هذه الملامح الأساسية من خلال نصوص القرآن والسنة النبوية المطهرة. 5- وضوح التنظيم القيمي الأخلاقي: ويعني هذا ترتيب القيم الخلقية في نظام ترتيبي معين أو في نسق معين، ويظهر ذلك في أنه حين يأخذ الفرد في تمثل القيم الخلقية بصورة متتابعة، يواجه العلاقة ذاتها بأكثر من قيمة واحدة، وهنا تنشأ الضرورة لأمور ثلاثة، وهي: - ضرورة تثبيت القيم في نظام تتابعي أو نسق واحد. - تحديد العلاقات المتبادلة بين هذه القيم الخلقية وبين المواقف الحياتية المختلفة.   (1) المرجع السابق، ص 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 - إبراز القيم المسيطرة ذات اليقين العالي عند الفرد. - وهنا يأتي التجريد للأحكام الخلقية المعلنة، ويكون التعبير عنها في صورة رمز أو عمل، ومن خلال عملية التجريد هذه يقوم الفرد بتحديد الأشياء العامة المعتمدة على التحليل والمفاضلة، حتى يصل إلى تنظيم معين لقيمه، مكونا أحكامه- بناءا على الخطوات السابقة- على الأشياء والعلاقات حوله. وهنا لا بد أن يتصف المرء بالمرونة الأخلاقية، التي تعني القدرة على صياغة قواعد أخلاقية مرنة. وحيث تفيده في التعرف على المبدأ الأخلاقي الكامن وراء التعليمات والقوانين وهذا من الأمور المهمة. 6- التميز الخلقي والفعالية الأخلاقية: وهذه مرحلة أخيرة حيث يصبح الفرد متميزا، ويصل إلى التصرف السلوكي الذاتي طبقا للقيم التي تمثلها والتي أصبحت تسيطر على أفعاله وتصرفاته وتراقبها، فهي تقوم بدور المراقب على قدر كبير من سلوك وتصرفات الإنسان، إذ يمكن وصفه وتقديره عن طريق هذه القيم الأخلاقية. وهنا يكون طابعه تطبيق المباديء الخلقية التي آمن بها في مواقف وسلوكيات حياته بفعالية وإيجابية وإقبال، حيث يكون الفرد قد دمج قيمه وأفكاره ومواقفه واتجاهاته في رؤية متكاملة تشكل علاقته مع العالم المحيط به، واستجاباته الدائمة والثابته تجاه المواقف والأشياء بصورة مترابطة، أي تشكل توجها سلوكيا أساسيا يمكن الفرد من الاستجابة لمواقف العالم المحيط والعمل بثبات وفعالية في هذا العالم. ويرتبط بهذه النقطة ما يسمى بالإبداع الخلقي، حيث إن من يتصف بهذا الإبداع يتعامل مع كل موقف جديد بانفتاح كامل متوج بالحب والعقل، فهو يتعامل مع الناس بالحب، ويتعامل مع المشكلات بالعقل، وتنطلق لديه قدرات علمية وثقافية فائقة التصور. ومعنى هذا أنه لا يخضع خضوعا أعمى للأعراف والتقاليد، وإنما يتعامل معها بانفتاح ومرونة واستقلالية، ويبلور لنفسه ولمجتمعه قيما جديدة وأهدافا جديدة تتناسب مع طبيعة المجتمعات والتحديات التي تواجهها «1» . 7- موقف دعوة الغير إلى الالتزام بالقيمة: طالما أن القيمة الخلقية قد ترسخت جذورها، وأصبحت ديدنا للإنسان لا يحيد عنه في مواقف الحياة المختلفة، فإنه- ومن منطلق إيماني- يدعو غيره إليها، ويحببه فيها بشتى الوسائل الممكنة، فالمؤمن لا يكتمل إيمانه إلا إذا أحب لأخيه ما يحبه لنفسه، يقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» «2»   (1) ماجد عرسان الكيلاني، مرجع سابق، ص 52. (2) البخاري- الفتح (13) ، ومسلم 45، أنظر صفة الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وبهذا فقط تتحقق الخيرية المشار إليها في قول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران/ 110) . إن الالتزام الكامل الناتج عن اقتناع تام بهذه القيمة الأخلاقية أو تلك يشكل مطلبا أساسيا من متطلبات الدعوة إلى الله «1» ذلك أن المطلوب من الداعية أن تكون حياته وأخلاقه تطبيقا عمليا لعقيدته «2» . «3» .   (1) انظر الدعوة والدعاة من القرآن ص 27. (2) صفة الدعوة إلى الله. (3) ولا يتحقق ذلك إلا بالاستقامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الفصل الرابع وسائل تنمية الأخلاق الإسلامية مقدمة: لا يمكن لأي مذهب أو نظرية أو فكرة أن تترجم عن ذاتها، وتحقق أهدافها بدون وسيلة تمكنها من أن تتجسد في سلوك الناس. وإذا كانت التربية الإسلامية- في هذا المجال- تقوم بدور عظيم، وهو تغيير أنماط من السلوك وبعض من الأخلاق التي تكبل المسيرة الصحيحة نحو أهدافها، إلى الأخلاق الإسلامية الصحيحة، وتخفيف حدة الصراع القيمي السائد، ذلك التغيير اللازم من وسط ومعطيات القيم الإسلامية، وما توحي به معطيات العصر المعقدة المتشابكة، ومتغيراته الثقيلة الشديدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا- بالذات- وهو ما الوسيلة إلى ذلك؟ وما دور الوسائط التربوية المتعددة في هذا السبيل؟ والإجابة على هذا السؤال في ظل المعطيات السابقة تشكل تحديا حقيقيا، بل أمرا صعبا في ظل الوضعيات الاجتماعية السائدة، لأن الوسيلة لا يمكن أن تقدم، ولا يمكن تحديد دور الوسائط بعيدا عن تلك الوضعيات، لأنها البؤرة الحقيقية التي تنعكس عليها تلك الوضعيات. ورغم هذا نحاول الاجتهاد استمدادا من الممارسات السابقة للمجتمع العربي الإسلامي، وخاصة في أزهى فتراته، فترة النبوة، لعرض الوسائل، وتحديد أدوار الوسائط في إطار من مراعاة متغيرات العصر وذلك في إطار تربوي عام لا يقتصر أو لا يقف عند مجرد الممارسات التدريسية أو التعليمية، ومن أجل تحقيق هذا الغرض، سنتعرض هنا للنقاط التالية: - مفهوم الوسيلة التربوية. - شروط الوسيلة. - بعض وسائل تنمية القيم الإسلامية. أولا: مفهوم الوسيلة التربوية: الوسيلة: ما يتقرب به إلى الشيء، والجمع وسائل «1» ، ويقصد بها- تربويا- الإجراء المحدد لنقل المعلومات أو المعارف والمهارات أو الاتجاهات والقيم بهدف تحقيق هدف تربوي مرغوب فيه. فإذا كنا نهدف- مثلا- إلى تنمية شيء ما، كالقيم فلا بد من إجراء نتخذه من أجل تحقيق هذا الهدف، ومعنى ذلك أننا اتخذنا لذلك وسيلة، قد تكون أسلوبا تدريسيا أو تربويا عاما. فالوسيلة إجراء محدد يستخدم لتحقيق هدف تربوي، أما في التدريس فهي الأداة المستخدمة لنقل محتوى   (1) الفيومي، المصباح المنير- بيروت- مكتبة لبنان- 1977، ص 253. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الرسالة المرغوب نقلها للتلميذ، ووسيلة التعلم أداة يستخدمها المتعلم بهدف تسهيل عملية استيعابه لمحتوى الرسالة «1» . ثانيا: شروط الوسيلة: إن تكوين الأخلاق في الشخصية العربية الإسلامية بحيث لا تخرج عن خصائصها الأصيلة أمر بالغ الأهمية، وهناك ثوابت لابد أن تأخذ عناية كافية، بحيث تتكون الشخصية الحضارية المتميزة، وانطلاقا من هذا فإننا لا نستطيع أن نلغي القدرات البشرية الهائلة، والطاقات المبدعة فيها، والتي يمكنها أن تثري تلك الأخلاق فلا بد- إذن- من التكامل في بناء الشخصية الأصيلة المبدعة، لتكون الوحدة ثم التنوع، وحدة الهدف وتنوع الوسائل، بما يكون مصدرا من مصادر عن هذه الشخصية، وبابا من أبواب التفتح والانطلاق والنمو عن طريق الحوار والتبادل، والاختيار «2» . ولا بد من التكامل بين الغايات والوسائل، وإذا كانت غاية الأخلاق الإسلامية تحقيق السعادة للبشر في الدنيا والآخرة من خلال تحقيق رضوان الله تعالى، فإن للوسائل التي تستغل في تنمية هذه القيم شروطها، المتمثلة فيما يلي: 1- أن تصطبغ بروح الإسلام، في إطار تعاليمه وأخلاقه. 2- أن تكون مرنة، متفتحة، قابلة للتكيف حسب الظروف والأحوال. 3- أن تربط بين الجوانب الفكرية النظرية والجوانب التطبيقية العملية. 4- أن تحترم الإنسان ورأيه ودوره ونشاطه في كسب هذه القيم. 5- أن تراعي الدوافع الإنسانية، والرغبات والأهداف التي تتوخاها العملية التربوية. 6- أن تحترم مبدأ تكافؤ الفرص، وتراعي الفروق الفردية بين المتعلمين. 7- أن تؤكد على مبدأ القدوة الصالحة. 8- أن تحرص على جعل عملية تعليم أو تعلم الأخلاق عملية سارة ومحدثة للأثر المطلوب منها «3» . 9- أن تراعي واقع المجتمع الإسلامي إمكانياته وأوضاعه، وما يحيط به من ظروف. 10- أن تراعي ما استحدث في مجال التعليم والتعلم وغيرهما من أفكار ومستحدثات صالحة.   (1) حمدي أبو الفتوح عطيفة، أسلمة مناهج العلوم المدرسية- الطبعة الأولى- المنصورة- دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع-، 1407 هـ/ 1986 م، ص 126. (2) محيي الدين صابر، من قضايا الثقافة العربية المعاصرة- الطبعة الثانية- بيروت- المكتبة العصرية- 1987 م ص 79. (3) عمر محمد التومي الشيباني، «إعداد المعلم ودوره في تطبيق منهج التربية الإسلامية» - مؤتمر بحوث خبراء التربية الإسلامية- مكة المكرمة- 1399- 1400 هـ، ص 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 إن الوسيلة التي تنمي الأخلاق الإسلامية لا بد أن تكون نابعة من الإسلام ذاته، الذي حمل إلى العالم كله رسالة المدنية والتقدم، الذي لا يعارض التقدم العلمي والتكنولوجي بل يدفع إليه، ولذا سيظل هو وأخلاقه عامل تقدم ومعاصرة، لأنه مستقبلي، ولكي تحدث الوسيلة الأثر المطلوب فإنه من الضروري: - تنقية العقيدة الإسلامية مما علق بها وشابها من زيف وجهل وابتداع. - تنقية الثقافة الإسلامية- نظريا واجتماعيا- مما علق بها من أوهام ما زالت مسيطرة على أفكار الناس واعتقاداتهم، وتأكيد العقائد الصحيحة القائمة على الوحدانية، والعلم، والمعرفة، والعدالة والمساواة، والتفتح والقوة، وعمارة الأرض. - توفير المناخ الصحي للقدرة الإسلامية أن تنمو، وأن تدعم الشخصية المسلمة، بأسباب التفتح والعطاء، لأنه من المهم «إطلاق طاقات المجتمع وتحقيق إرادته، وتحصينه ضد الخوف بأشكاله المختلفة» «1» ، مع الاهتمام بالفرد، وتوعيته بالقضايا المصيرية إسلاميا وعربيا «وحشد قواه وتمكينه من المشاركة فيها، مما يجعله أكثر التزاما بالمعاصرة، وأكثر اهتماما بالمستقبل» «2» . إن هذا يعني أن الإسلام لا يعارض إطلاق بعض النظريات التربوية والنفسية المعاصرة، طالما لا تتضمن ما يتعارض مع تعاليمه، وأيضا فإنه يعني توجيه العديد من الأساليب التي يمكن استخدامها لتحقيق أهداف الإسلام من تنمية الأخلاق الإسلامية. ثالثا: وسائل تنمية القيم الإسلامية: لتنمية القيم في المجتمع الإسلامي وسائل عديدة ومتنوعة منها: أ- العبادات: العبادات هي الأسلوب العملي والوسيلة الأولى في التربية (أي عبادة الله حق العبادة) إلا أن العبادات ليست من وسائل التربية الروحية فقط، ولكنها من وسائل تربية الإنسان المسلم ككل، ففي العبادات تربية جسمية وتربية اجتماعية وتربية خلقية وتربية جمالية وكذلك تربية عقلية (انظر صفة العبادة) . فالصلاة تربي الإنسان خلقيا وعقليا، فهي تربط الإنسان بالله، كما أنها تقوي إرادة الإنسان وتعوده على ضبط النفس والصبر والمثابرة» «3» يقول الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ «4» . (انظر صفة الصلاة) .   (1) محيي الدين صابر (مرجع سابق) ، ص 85. (2) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (3) محمد فاضل الجمالي: نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي، الدار التونسية للطباعة والنشر والتوزيع، 1972، ص 105. (4) سورة العنكبوت، الآية (45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وكان من دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم في افتتاح الصلاة «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» «1» كما أن تأدية الصلاة في أوقاتها «تعلم النظام والدقة في حفظ المواعيد، حتى إذا شب الطفل على إقامة الصلاة مع المحافظة عليها تعود الإقبال على العمل في الوقت المناسب، والمبادرة إلى انتهاز الفرصة قبل ضياعها، وابتعد عن التثاقل، وامتنع عن التكاسل» «2» . (انظر صفة الدعاء) . وفي الصوم، تربية خلقية، والأثر التربوي للصوم يتلخص في تربية الروح، وتربية الخلق حيث يتعود الإنسان على ضبط نفسه ومكافحة شهواته وبذلك تتقوى الإرادة، يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «3» . والصوم عبادة تتضمن التربية الخلقية، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» «4» . (انظر صفة الصوم) . وفي الزكاة تربية روحية وخلقية، فعن طريقها يتعلم الإنسان إطاعة الأوامر الإلهية ومكافحة الأنانية والإفراط في النزعة المادية والفردية» «5» . (انظر صفة الزكاة) . والقرآن ينظم هذه الفريضة، ويجعل لها هدفا هو في غاية السمو «6» . ب- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق: القرآن الكريم يوصي ويفرض ضرورة التذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر، يقول سبحانه وتعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ «7» ، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ «8» . وإن التذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي من أساليب التربية الإسلامية التي بدت خلال أحاديث المربي الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفي طريقة التواصي دعوة كل مسلم إلى أن يكون مربيا يعلم أخاه المسلم، والتذكير   (1) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: إحياء علوم الدين، الجزء الثامن، كتاب الشعب، دار الشعب، القاهرة، د. ت ص 1430، 1431. (2) أحمد فؤاد الأهواني: التربية في الاسلام، ط 2، دار المعارف بمصر، القاهرة 1967 م، ص 117. (3) سورة البقرة، من الآية (183) . (4) رواه أبو داود والترمذي: الشيخ منصور علي ناصف، التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ط 4، دار الفكر العربي، بيروت 1935 هـ، ص 16، 17. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 5) : إسناده صحيح. (5) محمد فاضل الجمالي: تربية الإنسان الجديد، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، 1967 م، ص 135. (6) يمكن الرجوع إلى: سورة البقرة، الآيات: 271، 263، 264. (7) سورة الذاريات، آية (55) . (8) يمكن الرجوع إلى سورة آل عمران آية (110) ، سورة البلد آية (17) ، سورة العصر آية (3) . وانظر: صفة الأمر بالمعروف، وصفة النصيحة والتواصي. من هذه الموسوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 بالخير والحق، والدعوة إليهما، والتنبيه إلى الشر والضرر والنهي عنهما، هو من صميم الأساليب التربوية الإسلامية لتنمية القيم والأخلاق الإسلامية في نفس المسلم، وفي الحديث الشريف أن أبا ذر لما بلغه مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاسمع من قوله، فرجع فقال: «رأيته يأمر بمكارم الأخلاق» «1» . ولما كانت هذه الوسيلة من أهم الوسائل التربوية التي حث عليها القرآن الكريم والتي يتحقق بها الهدف من التربية، لأنها تقوم بصيانة الحياة من الشر والفساد وفي هذه الطريقة يتحقق المبدأ الديمقراطي في التربية. ج- ضرب الأمثال: الأمثال «تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الناس فيتقبله العقل، لأن المعاني المعقولة لا تستقر في الذهن، إلا إذا صيغت في صورة حية قريبة الفهم، وتكشف الأمثال عن الحقائق وتعرض الغائب في معرض الحاضر، وتجمع الأمثال المعنى الرائع في عبارة موجزة. والأمثال كثيرة في القرآن، وهي تلعب دورا هاما وبالغا، في التأثير في العواطف، وفي التأثير في السلوك الإنساني، وفي غرس القيم الاسلامية في نفس المسلم، فيما لو استعملت بحكمة، وفي الظروف المناسبة، ولذلك أبرزها القرآن، واهتم بضرب الأمثال وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ «2» ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ «3» . كما تضرب الأمثال لتربية الإنسان تربية روحية وخلقية- ففي الحديث الشريف عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب، ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر، ولا ريح لها» «4» . وفي الحديث الشريف أيضا «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين» «5» .   (1) صحيح البخاري، كتاب الأدب، الجزء الثامن، ص 16. (2) العنكبوت، الآية (43) . (3) الحشر، الآية (21) . (4) رواه البخاري رقم (5020) ومسلم رقم (797) والترمذي رقم (2869) والنسائي (8/ 124. 125) وأبو داود رقم (4830) وانظر: «جامع الأصول» (2/ 453) . (5) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، الجزء التاسع، ص 115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وقد تضرب الأمثال لتربية المسلم تربية عقلية ينمو فيها العقل ويزداد علم الإنسان يقول صلّى الله عليه وسلّم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقيّة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان فيها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ- فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» «1» . وخلاصة القول: أن ضرب الأمثال وسيلة تربوية هامة تلعب دورا هاما في التأثير على سلوك الإنسان، وفي غرس القيم الإسلامية لدى النشء والمسلم، فيما لو استعملت بحكمة وفي الظروف المناسبة. (د) الموعظة والنصح: التربية بالوعظ، لها دورها الهام في غرس القيم الإسلامية بميادينها المختلفة، وهي قد تكون في صورة مباشرة على شكل نصائح، فالإنسان «قد يصغى ويرغب في سماع النصح من محبيه وناصحيه- فالنصح والوعظ يصبح في هذه الحالة ذا تأثير بليغ في نفس المخاطب» «2» . والقرآن الكريم زاخر بالمواعظ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ «3» . إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ «4» . وفي الحديث الشريف «عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» «5» ، وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق» «6» . والموعظة المؤثرة تفتح طريقها إلى النفس مباشرة مما يؤثر في تغيير سلوك الفرد وإكسابه الصفات المرغوب فيها، وكمال الخلق: عن ابن عباس قال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع فوعظهن وأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي القرطم والخاتم» «7» . وفي المواعظ القرآنية نلحظ أسلوبا تربويا رائعا: يبغي كمال الإنسان، بحيث «يجب أن يتمثلها المعلم   (1) صحيح البخاري، كتاب العلم، الجزء الأول، ص 30. (2) محمد فاضل الجمالي: نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي، مرجع سابق، ص 111. (3) سورة يونس، الآية (57) . (4) سورة النساء، الآية (58) . (5) أخرجه ابو داود والترمذي، ابن الديبع الشيباني، تيسير الوصول، الجزء الثالث (مرجع سابق) ، ص 37. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 667) : إسناده حسن. (6) أخرجه الترمذي (المرجع السابق) ، الجزء الأول، ص 81. (7) صحيح البخاري، كتاب العلم، الجزء الأول، مرجع سابق، ص 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 والمتعلم، إذ هي صادرة عن حكمة، وليس عن هوى» «1» والمثال على ذلك نأخذ خلاصة من عظة لقمان لابنه، التي تهدف إلى: 1- أن يكون الله هو مصدر السلوك، بمعنى إيمان الإنسان به، واتباع شريعته، وذلك هو محدد سلوك الإنسان، وهو الهدف والغاية لسلوكه، بمعنى أن يكون مخلصا لله، وذلك عن طريق عدم الإشراك بالله، والشكر له. 2- أن يكون السلوك كما حددته الموعظة، في قصد واعتدال في كل شيء، فلا مغالاة ولا تفريط، إنما توسط واعتدال، وهذا يعكس هدف التربية الإسلامية السلوكية: إنها تنشىء إنسانا معتدلا في سلوكه وفي عقيدته. وهكذا يبدو دور الوعظ كوسيلة في التربية الإسلامية، تصلح في ميدان التربية الخلقية، كما هي في ميدان التربية الاجتماعية والعقلية وباقي الميادين الإسلامية. هـ- القدوة: تعني القدوة هنا أن يكون المربّي أو الداعي مثالا يحتذى به في أفعاله وتصرفاته، وقد أشاد القرآن الكريم بهذه الوسيلة فقال عز من قائل: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ (الممتحنة/ 4) ، وقد كان المصطفى صلّى الله عليه وسلّم- ولا يزال- قدوة للمسلمين جميعا، والقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيّبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام «2» بكل ما يحمله من مبادىء وقيم تدعو إلى الخير وتحث على الفضيلة. ولأثر القدوة في عملية التربية، وخاصة في مجال الاتجاهات والقيم، كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو قدوة المسلمين طبقا لما نص عليه القرآن الكريم، وقد استطاع بفضل تلك القدوة أن يحمّل معاصريه قيم الإسلام وتعاليمه وأحكامه، لا بالأقوال فقط، وإنما بالسلوك الواقعي الحي، وقد حرصوا على تتبع صفاته وحركاته ورصدها والعمل بها، وما ذلك إلا حرصا منهم على تمثل أفعاله صلّى الله عليه وسلّم، لقد كان المثل الأعلى لهم. وقد تمثلت في الرسول صلّى الله عليه وسلّم صفات جليلة جعلت منه قدوة بالفعل، ويمكننا أن نعرض لبعض تلك الصفات التي تفيد في توضيح القدوة وصفاتها الفعالة كأسلوب من أساليب تنمية القيم. 1- العقل: فهو الأصل، وعنصر الينابيع، ونقطة الدائرة، منه ينبعث العلم والمعرفة، ويتفرع عنه ثاقب الرأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، وانتقاء الفضائل وتجنب الرذائل، وقد بلغ الرسول صلّى الله عليه وسلّم في العقل الغاية التي لم يبلغها بشر سواه، يقول القاضي عياض: «وإذ جلالة ذلك وما تنوع منه متحقق عند من تتبع مجاري أحواله، واطراد سيره، وطالع جوامع كلامه،   (1) علي خليل مصطفي أبو العينين، فلسفة التربية في القرآن الكريم، ط 3، مكتبة ابراهيم حلبي، المدينة المنورة، 1988 م. (2) مبادىء ونماذج في القدوة للشيخ صالح بن حميد، ص 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وحسن شمائله، وبدائع سيره، وحكم حديثه، وعلمه مما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة، وحكم الحكماء، وسير الأمم الخالية وأيامها وضرب الأمثال وسياسات الأنام، وتقرير الشرائع، وتأصيل الآداب النفسية، والشيم الحميدة إلى فنون العلوم، التي اتخذ أهلها كلامه عليه السلام فيها قدوة، وإشاراته حجة، كالعبادة والطب والحساب والفرائض والنسب، وغير ذلك.. دون تعليم ولا مدارسة، ولا مطالعة كتب من تقدم، ولا الجلوس إلى علمائهم، بل نبي أمي لم يعرف بشيء من ذلك حتى شرح الله صدره، وأبان أمره وعلمه وأقرأه.. وبحسب عقله كانت معارفه صلّى الله عليه وسلّم إلى سائر ما علمه الله تعالى، وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان من عجائب قدرته وعظيم ملكوته» «1» . 2- الحلم والاحتمال والعفو عند القدرة، والصبر على المكروه: وهذا شرط آخر في القدوة، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم متمثلا هذا، فقد أمره ربه خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ «2» . وما يروى عنه صلّى الله عليه وسلّم يدل على هذا دلالة واضحة «3» ، والمقتدي به إن لم يكن متحليا بهذه الصفات أو الشمائل فقد كثيرا من مؤهلاته التي يتمكن عن طريقها من احتواء انفعالات الناس، وهذا شرط ضروري كي يؤثر في الناس، أو يتأثر به الناس. 3- الجود والكرم والسخاء: كان صلّى الله عليه وسلّم لا يبارى في هذه الصفات، وبهذا وصفه كل من عرفه، ويروى عنه أنه كان «أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس» «4» . 4- الشجاعة والنجدة: وقد كان صلّى الله عليه وسلّم منهما «بالمكان الذي لا يجهل، وقد حضر المواقف الصعبة، وفر الكماة والأبطال عنه غيره مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، ولا يتزحزح، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة، وحفظت عنه جولة سواه» «5» . وإذا كان القدوة يدعو إلى صفات مثل هذه، فلا بد وأن تكون فيه متمثلة، وهاتان الصفتان أساسيتان في القدوة، لأنها إذا ما توفرت فيه، كان قادرا على ترجمة القيم إلى سلوك، واعتراض ما يواجهه من صعاب في تأدية مهامه، إنهما أساسيتان لأي قدوة.   (1) القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، تحقيق على محمد البجاوي، الجزء الأول، بيروت، دار الكتاب العربي، 1404 هـ/ 1984 م، ص 133، 134. (2) سورة الأعراف: 199. (3) القاضي عياض، مرجع سابق، ص 136- 147، وراجع صفة: الحلم والعفو، والصبر من الموسوعة. (4) حديث صحيح عن أنس: انظر مختصر صحيح مسلم، حديث رقم 1581، ومحمد ناصر الدين الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته، المجلد الثاني، الطبعة الثانية، بيروت، المكتب الإسلامي، 1406 هـ/ 1986 م، حديث رقم 4634. وراجع صفة : الجود والكرم والسخاء من الموسوعة. (5) القاضي عياض، مرجع سابق، ص 147، 148. وراجع صفة: الشجاعة من الموسوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 5- الحياء والإغضاء: وقد كان صلّى الله عليه وسلّم «أشد الناس حياء، وأكثرهم عن العورات إغضاء» وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه» «1» . وكان صلّى الله عليه وسلّم: «لطيف البشرة، رقيق الظاهر، لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء وكرم نفس» . وعن عائشة- رضي الله عنها-: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه، لم يقل: ما بال فلان يقول كذا؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا؟ ينهى عنه ولا يسمى فاعله» «2» . إن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب النقائص والقبائح والمنكرات، ويدفع المرء إلى التحلي بكل جميل محبوب، وإذا كان الحياء خلقا إسلاميا عاما يطلبه الإسلام في أتباعه، فإنّ تحلّي القدوة به أوجب، ولذا وردت الأحاديث النبوية الكثيرة تصف حياء الرسول القدوة وتدفع المسلمين إلى التزامه. 6- حسن العشرة والأدب، وبسط الخلق مع أصناف الخلق: يقول علي- رضي الله عنه- في وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كان أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة» «3» ، وكان يؤلف أصحابه، ولا ينفرهم، ويكرمهم «ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره، ولا خلقه، يتفقد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره، حتّى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء» «4» . وصف بأنه كان «دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا عياب، ولا مزّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه (راجيه) ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا، ولا يعيّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه» «5» .   (1) حديث صحيح، مختصر صحيح مسلم، حديث رقم 1568، وانظر: الألباني مرجع سابق، ص 870، حديث رقم 4799. (2) حديث صحيح، المرجع السابق، ص 857، حديث رقم 4692. وراجع صفة: الحياء من الموسوعة. (3) القاضي عياض، الشفاء، مرجع سابق ص 155. (4) المرجع السابق، ص 156. (5) أبو نعيم الأصفهاني، دلائل النبوة، تحقيق محمد رواس قلعجي، عبد البر عباس، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، بيروت، دار النفائس، 1406 هـ/ 1986 م، ص 631. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ويقول جرير بن عبد الله: ما حجبني رسول الله منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم، كان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والأمة والمسكين، يعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر» «1» . وكان «يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط مادّا رجليه بين أصحابه حتى يضيق بهما على أحد، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبي ويكني أصحابه، ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوّز فيقطعه بنهي أو قيام» «2» . 7- الشفقة والرأفة والرحمة لجميع الخلق: وقد وصف القرآن محمدا صلّى الله عليه وسلّم: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «3» . فهو رءوف ورحيم، وشفيق، ومن شفقته على الأمة «تخفيفه وتسهيله عليهم وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم كقوله: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء» «4» . وكذا خبر صلاة الليل، ونهيه عن الوصال، وكراهته دخول الكعبة لئلا يعنت أمته، ورغبته لربه أن يجعل سبّه ولعنه رحمة بهم، وأنه كان يسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته «5» . 8- الوفاء بالعهد، وصلة الرحم: والشواهد على ذلك كثيرة، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم وفيا لعهده، حسن العهد، يقول: «إن حسن العهد من الإيمان» ، وكان يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هم أفضل منهم «6» . 9- التواضع: والآثار المروية عنه صلّى الله عليه وسلّم في هذا المجال كثيرة، لم يكن يحب أن يعظمه الناس، فقد خرج ذات يوم متكئا على عصا فقام له الناس، فقال: «لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظّم بعضهم بعضا» «7» . وعن أنس- رضي الله عنه- قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا خير البرية، فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك   (1) القاضي عياض، الشفا، مرجع سابق، ص 157. (2) المرجع السابق، ص 158. وراجع صفة: حسن العشرة، وحسن الخلق من الموسوعة. (3) سورة التوبة: 128. (4) حديث صحيح، انظر الألباني، مرجع سابق، ج 2، ص 940، حديث رقم 5317. (5) القاضي عياض، مرجع سابق، ص 162، وراجع ص 163، 164. وراجع صفة: الشفقة، والرأفة، والرحمة من الموسوعة. (6) المرجع السابق، ص 165- 167. (7) حديث حسن، انظر البغوي، مصابيح السنة، تحقيق يوسف عبد الرحمن المرعشلي وآخرون، مجلد 3، الطبعة الأولي، بيروت، دار المعرفة، 1407 هـ/ 1987 م، ص 287، حديث رقم 3641. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 إبراهيم» «1» . وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله» «2» . والآثار والأحاديث في هذا الباب وافرة. والأمر الذي نود التأكيد عليه، هو أنه مع نبوته كان متواضعا، ومع علو منصبه ورفعة رتبته، وغزارة علمه، كان أشد الناس تواضعا، فالتواضع من أهم شروط التأثير في الناس، ومع أن الله سبحانه وتعالى مدحه في القرآن، إلا أنه كان في أشد التواضع، لا يتطاول على الناس ولا على الخلق، وكان هذا أكبر داعية لاتخاذ الناس الرسول قدوة لهم. 10- العدل والأمانة والعفة، وصدق اللهجة: فقد كان صلّى الله عليه وسلّم آمن الناس، وأعدلهم، وأعف الناس، وأصدقهم لهجة وقد كان مشهورا بهذه الأوصاف قبل الرسالة وبعدها، ولولا هذه الصفات، وخاصة الأمانة لما حصلت الثقة فيه بما يبلّغ به عن ربّه، ولما اصطفاه الله لحمل الرسالة إلى البشر «3» . وهذه الصفات ضرورية لحمل مسئولية القدوة، ولا بد أن تتوفر فيه حتى يثق الناس فيمن هو قدوة لهم، وبالتالي يثقون فيما يصدر عنه ويصدقونه فيه. 11- الوقار والتؤدة والمروءة والهدى والرفق: وقد جاء في ذلك الكثير من الآثار، فقد جاء في الروايات، أنه صلّى الله عليه وسلّم كان «أوقر الناس في مجلسه، لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه» وأنه «كان كثير السكوت لا يتكلم في غير حاجة، يعرض عمن تكلم بغير جميل، وكان ضحكه تبسما، وكلامه فصلا، لا فضول ولا تقصير، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم، توقيرا له، واقتداء به، مجلسه مجلس حلم وحياء، وخير وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا توبّن فيه الحرم، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير» «4» . وقد كان حسن الهدى رفيقا بالناس والأشياء والحيوان، والآثار في ذلك كثيرة وافرة. ومن هذا مراعاته صلّى الله عليه وسلّم التوسط والاعتدال في سلوكه وتعامله، في قوله وفعله، في طعامه وشرابه، ولباسه ومسكنه، ومات وهو على ذلك، ولأنه قدوة فقد تبعه في تلك الوسطية أصحابه، فقصوا أثره إلى حد بعيد خاصة الخلفاء الراشدين «5» .   (1) حديث صحيح، أخرجه مسلم، انظر المرجع السابق، ج 3، ص 340، حديث رقم 3804. (2) حديث صحيح، أخرجه البخاري، ومسلم، المرجع السابق، ج 3، ص 340، حديث رقم 3805. وراجع صفة: الوفاء بالعهد، وصلة الرحم، من الموسوعة. (3) القاضي عياض، مرجع سابق، ص 172- 176. وراجع صفة: العدل، والأمانة والعفة، من صفات الموسوعة. (4) المرجع السابق، ص 177، وانظر: أبو نعيم، دلائل النبوة، مرجع سابق ج 2، ص 629- 632. وتوبّن: تؤذي (القاموس «وبن» ) . (5) حسن خالد، مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها، بيروت، دار النهضة العربية، 1406 هـ/ 1986 م، ص 177. وراجع صفة: الوقار والتؤدة والرفق من صفات الموسوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 12- الزهد في الدنيا والتقلل منها: ولم يكن هذا الزهد عن ضعف، فقد سيقت له الدنيا بحذافيرها، وترادفت عليه فتوحها، إلا أنه صلّى الله عليه وسلّم رغب عنها وكان يقول: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» «1» . والآثار في ذلك وافرة. ومن ذلك ما يرويه ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نام على حصير، فقام وقد أثر في جسده، فقال ابن مسعود: يا رسول الله لو أمرتنا أن نبسط لك ونعمل، فقال «مالي وللدنيا، وما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» «2» . وعن أنس: «أنه مشى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلّى الله عليه وسلّم درعا بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد سمعته يقول: ما أمسي عند آل محمد صاع برّ ولا صاع حبّ، وأن عنده لتسع نسوة» «3» . وهذا الزهد لم يكن زهد الحرمان والقهر وترك الأسباب، وإنما هو القدرة والقدرة واليسر والأخذ بالأسباب، وهو عدم تعلق همة القلب بمتع الحياة الدنيا وزخارفها وزينتها، وهذا الزهد النبوي، لم يكن يعني أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يزهد بأن يدخل عليه المال الوفير، وإنما كان يعني زهده في ادخاره لنفسه وحرصه عليه، فهو الذي يقول: «لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا يمر على ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين» «4» . 13- الخوف من الله وطاعته وعبادته: وقد كان صلّى الله عليه وسلّم أخوف الناس من الله، وكان يصلي ويداوم العبادة، ويصوم، ويقرأ القرآن، ويستغفر ربه، ويدعوه، والآثار في ذلك وافرة. هذه هي صفات القدوة كما تمثلت في النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبهذه الصفات الجامعة استطاع صلّى الله عليه وسلّم أن يغرس القيم الإسلامية في نفوس أصحابه، ويرعاها نامية قوية وقد أدرك صلّى الله عليه وسلّم أنه ليس هناك أخطر على القيم ونموها مثل الانفصال بين الداعي والمدعوين، بين المعلم والمتعلمين، بين الدعوة والتنفيذ، بين القول والعمل، خاصة أن هذا ما نعاه الله على بني إسرائيل في القرآن: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «5» .   (1) حديث صحيح، أخرجه مسلم، انظر البغوي، مصابيح السنة، مرجع سابق، ج 3، ص 417، حديث رقم 4006. (2) حديث صحيح، انظر: محمد نصر الدين الألباني، صحيح سنن ابن ماجه، المجلد الثاني، الطبعة الأولي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1407 هـ/ 1986 م، ص 394، حديث رقم 3317. (3) حديث صحيح، أخرجه البخاري، انظر مصابيح السنة، مرجع سابق، ج 3، ص 431، حديث رقم 4048. (4) حديث صحيح، متفق عليه، انظر المرجع السابق ج 2، ص 238، حديث رقم 1314. (5) سورة البقرة: 44 وانظر: محمد صابر قميحة، مرجع سابق، ص 119. وراجع صفة: الزهد والقناعة من صفات الموسوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 إن دور القدوة مهم في حياة الأفراد والجماعات، وما أصيبت دعوة أو فكرة أو مذهب بافتقاد القدوة إلا فقدت تأثيرها، وما قدم صاحب دعوة الدليل العملي على صحة دعواه إلا بالسلوك والقدوة، وحينئذ يقتنع الناس وتصبح واقعا سلوكيا في حياة الناس. وما أصيبت مجتمعاتنا الإسلامية في صميمها إلا حين افتقدت القدوة. إن القدوة ترجمة عملية واقعية للمبادىء والأفكار تستطيع أن تجمع الناس حول المثل الأعلى، ولذا حين تفتقد المثل الأعلى، ويصبح الناس فرقا وجماعات ومذاهب، فيفقدون إرادة الفعل ويغرقون في التناطح، ويتترّسون خلف متاريس الفكر، كل يحاول الانتصار لفكرته بالكلام والتراشق بالاتهامات، والتعصب الأعمى القائم على التقليد الأعمى. إن مجتمعاتنا تشكو من فقر خلقي وعلمي وحضاري، وما ذلك إلا نتيجة لافتقادها للقدوة الصالحة ولو صحت عزائم الناس والعلماء منهم خاصة لأصبح كل واحد منهم قدوة حسنة في مجاله- فهو يملك مقوماتها- ولتحولت الأفكار والمبادىء إلى فعاليات سلوكية صحيحة، وهذا ما نحتاجه فعلا، ولكن- وللأسف- ما زلنا نعيش مرحلة اجترار المبادىء والأفكار بدون فعالية، فنحن في أمس الحاجة إلى القدوة الصالحة بكافة أشكالها وبشروطها السابقة، ويوم أن توجد تلك القدوة نستطيع أن نمتلك الفعالية، وننتج الحضارة، ويكون لنا مكاننا العالمي عطاء وإبداعا. إن القدوة السلوكية أمر لازم لتنمية القيم وصبغها بالفعالية لتكون موجها حقيقيا، وما امتازت التربية الإسلامية عبر عهودها التي عاشتها إلا بتلك القدوة، ويوم أن فقدت القدوة فقدت فعاليتها في حياة الناس، ولذا فإن واجب التربية الإسلامية توفير هذه القدوة حتى تعاود التأثير والإبداع، ولها في هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زاد كبير ومدد تستمد منه في إعداد المربين القدوة، وكذا الآباء والأمهات وسائر المجتمع الإسلامي الذي هو في أمس الحاجة إلى القيم الإسلامية مجسدة في أفراده. والتربية العملية والتربية بالوقائع: لتنمية الأخلاق لدى المسلمين اتبع الرسول صلّى الله عليه وسلّم أسلوب التربية العملية، تعليما وتدريبا، وربط التوجيه بالأحداث والوقائع الجارية في حياة الناس، والتربية الإسلامية في هذا المجال تظهر من خلال حديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقبله القرآن الكريم «تربية عملية، تتحول بها الكلمة إلى عمل بناء، أو إلى خلق فاضل، أو إلى تعديل في السلوك على النحو الذي يحقق وجود ذلك الإنسان كما تصوره الإسلام» «1» . وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يهمه أن يتحول ما يتلقاه المسلمون منه إلى مواقف عملية وسلوكيات، وكان كمرب «يثبت بالبراهين العملية والتجارب الفعلية أن ما   (1) عبد الغني عبود، فى التربية الإسلامية، الطبعة الأولى، القاهرة، دار الفكر العربي، 1977 م، ص 157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 يدعو إليه هو أمر ممكن التنفيذ، وآية ذلك أنه مشخص في سلوكه» «1» . وهناك الكثير من مواقف حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم تترجم هذا وتدل عليه. إن التربية الحقيقية هي التي تحاول أن تجعل من العلم سلوكا حقيقيّا، ومن الأفكار مواقف، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يصور هذا فيما يروى عنه، فالعلم قبل القول والعمل، ولكن العمل ضروري لا يكفي القول ولا العلم، حتى الإيمان يعتبر عملا، وقد جاء في صحيح البخاري باب بعنوان: «من قال إن الإيمان هو العمل» لقول الله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «2» . وقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ «3» . عن قول لا إله إلا الله، وقال: لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ «4» . ويروى عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل «أي العمل أفضل؟ فقال: الإيمان بالله ورسوله، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور» «5» . ومن هذا القبيل الأمر بالتبليغ عن رسول صلّى الله عليه وسلّم، ومن هذا القبيل أيضا ما روي عن شعبة عن أبي جمرة، قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فقال: إن وفد بني عبد القيس أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «من القوم أو من الوفد؟» قالوا: ربيعة، فقال: «مرحبا بالقوم أو الوفد، غير خزايا ولا ندامى» قالوا: إنا نأتيك من شقة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا، ندخل به الجنة، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله- عز وجل- وحده، قال: «هل تدرون ما الإيمان بالله وحده» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم» . ونهاهم عن الدّبّاء والحنتم والمزفت، قال شعبة: ربما قال: «النقير» وربما قال «المقير» ، قال: «احفظوه وأخبروه من ورائكم» «6» .   (1) سعيد إسماعيل على: أصول التربية الإسلامية، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر 1978 م، ص 82. (2) سورة الزخرف: 72. (3) سورة الحجر: 92- 93. (4) سورة الصافات: 61. (5) الإمام البخاري، صحيح البخاري، ضبط وإخراج: مصطفى ديب البغا، الطبعة الأولى، الجزء الأول، بيروت، دار القلم، 1401 هـ/ 1981 م، ص 18، حديث رقم 26. (6) الإمام البخاري، مصدر سابق، ج 1، كتاب الإيمان، ص 29، حديث رقم 53، والحنتم: جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم، والدباء: اليقطين إذا يبس اتخذ وعاء. والنقير: أصل النخلة ينقر ويجوف فيتخذ منه وعاء. المزفت: ما طلي بالزفت. المقير: ما طلي بالقار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وكما نلاحظ فإن الرسول يحرص كل الحرص على ترجمة الإيمان إلى سلوك، وكلا الأمرين النهي والأمر لا بد أن يترجما إلى سلوك، وهو حرص الوفد نفسه على أن يدله الرسول صلّى الله عليه وسلّم على عمل يدخلهم الجنة، ثم أمر آخر نلاحظه في الحديث، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: (احفظوه، وأخبروه من وراءكم) حفظ ووعي وفهم وتطبيق ثم تبليغ. إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يحرص على أن يعلم الناس، وأن ينشر العلم، لأنه أساس التربية العملية، يقول في خطبة بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لا مرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها، فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب» «1» . وعن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» «2» . هذه شواهد متعددة تبين أن العبرة في العلم التطبيق والعمل، لا مجرد المعرفة، ومن هنا كانت عنايته صلّى الله عليه وسلّم بالتربية العملية، لأنها أكثر فعالية في تطبيق الأخلاق ورعايتها. وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يغتنم فرصة التصرفات العملية التي تقتضي توجيها تربويا أو عمليا ليأخذ منه المسلمون درسا إيجابيا، فكان يدعو إلى قيمة أو يصحح سلوكا، أو ينفي هذا السلوك الخاطيء وهي طريقة فعالة لأنها ترتبط بالوقائع المشاهدة وتتصل بما يعيشه الناس، ولذا ترسخ في الذهن، وتثبت في القلوب، وبهذا ترتبط القيم بواقع الحياة، وهذا يعني أن غرس القيم لا يقتصر على مجرد التعلم والحفظ والتسميع، وإنما يعتمد على واقع الحياة والخبرة المعيشية وبالتالي يكون تأثيرها قويا، لأنها «تثير الانتباه الذي يجمع الفاعلية النفسية حول ظاهرة ما، عن طريق الحس إن كانت هذه الظاهرة خارجية، وعن طريق التأمل إن كانت داخلية» «3» . والحديث الشريف مليء بالأمثلة من ذلك النوع، من ذلك: - ما يروى عن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجمية، فنلت منها فذكرني إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أساببت فلانا» قلت: نعم، قال: «أفنلت من أمه؟» قلت: نعم، قال: «إنك امرؤ   (1) المرجع السابق، كتاب العلم، ص 51، حديث رقم 104. (2) الإمام البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب العلم، ص 42، حديث رقم 79. (3) التهامي نفرة، سيكولوجيية القصة في القرآن، الجزائر، جامعة الجزائر، الشركة التونسية للتوزيع، 1971 م، ص 572. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فيك جاهلية» ، قلت على حين ساعتي: هذه من كبر السن؟ قال: «نعم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه فليعنه عليه» «1» . - وذكر رجل عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك، قطعت عنق صاحبك- يقول مرارا- إن كان أحدكم ما دحا لا محالة فذلك أحسب كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك، والله حسيبه ولا يزكي على الله أحدا» «2» . - ويروى عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذ، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا معاذ، أفتان أنت- ثلاثا- اقرأ: وَالشَّمْسِ وَضُحاها وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ونحوها» «3» . إن هذه الأمثلة وغيرها توضح أنه ما من واقعة تحدث، إلا وكان يبينها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان صلّى الله عليه وسلّم لا ينطق عن الهوى فإذا وقعت بعد ذلك، عرف الناس كيف يتصرفون حيالها، وهناك عدة أمور توافرت لتضمن فعالية هذا الأسلوب، وهي: - وقوع الشخصية في موقف ما، اجتماعي أو إنساني أو غير ذلك من مواقف أو واقعات. - إثارة قوى الشخصية الانفعالية والعقلية بكافة الأساليب الممكنة: السؤال، الاعتراض، الاستنكار ... الخ، وإشعارها أنها تقف موقفا يحتاج إلى معيار يضبطه. - الإجابة عن السؤال أو الاعتراض. - تزويد الشخصية بالحل الأمثل بالقيمة المطلوبة في هذا الموقف. وتأتي بعد ذلك الاستجابة والاختيار في إطار هذا الخلق والالتزام به، وهكذا وبهذه الطريقة استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يبني الأخلاق في نفوس المسلمين. ز- القصة: وهي من أكبر وأكثر الوسائل فعالية في تنمية الأخلاق، وقد استخدمها الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وحرص على أن   (1) الإمام البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، ج 5، كتاب الأدب، ص 2248، حديث رقم 5703. (2) المصدر السابق، كتاب الأدب، ص 2252، حديث رقم 5714. (3) المصدر السابق، كتاب الأدب، ص 2264، حديث رقم 5755. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 يضمنها الكثير من الأخلاق الإسلامية، إما من أجل توضيحها أمام المسلمين من ناحية، وإما من أجل تعميقها في نفوسهم من ناحية ثانية، وذلك «من خلال جعلها موضوعات تدور حولها أو تتحدث عنها أحداث القصة ومواقفها، وهي قيم ذات جوانب متعددة» «1» . وتأتي فعالية القصة من كونها «مزيجا من الحوار والأحداث والترتيب الزمني مع وصف للأمكنة والأشخاص والحالات الاجتماعية والطبيعية التي تمر بشخصيات القصة» «2» . وهي قادرة على تأكيد الاتجاهات المرغوبة وترسيخ القيم والأخلاق، وذلك عن طريق استثارة مشاركة الإنسان العاطفية لنماذج السلوك والقيم التي تقوم القصة بتقديمها وللمواقف التي تصورها. وقد كانت القصة القرآنية وسيلة من وسائل التربية وتنمية القيم الخلقية الإسلامية، وذلك باستخراج العبرة من التجربة السابقة، واستخراج المثل وشرح طرق الخير، والتحذير من الكفر والجحود، يقول تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ «3» . ويقول تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ «4» . تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها «5» . فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ «6» . وهذا القصص باحتوائه على ألوان كثيرة وصور كثيرة عن الماضي من لدن آدم لبعث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وما كان من أخبار الرسل والأمم السابقة، وما يعرض من صور المكذبين لتخليهم عن تحكيم القيم والمعايير التي جاء بها الرسل، كل هذا يؤكد معلما بارزا حيا في استخدام هذا القصص كوسيلة من أهم وسائل التربية وتنمية القيم. تمد القصة القرآنية الفرد والجماعة بالقيم الأخلاقية الإسلامية الصادقة وتسهم- بإيجابية- في غرس هذه القيم في نفوسهم، وهي إحدى وسائل التربية، التي يميل إليها النشء. فإن «القصة تؤثر في النفس إذا وضعت في   (1) محمد بن حسن الزير، القصص في الحديث النبوي، الطبعة الثالثة، بدون ناشر، 1405 هـ/ 1985 م، ص 388. (2) حسن إبراهيم عبد العال، أصول تربية الطفل والإسلام، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية تربية، جامعة طنطا، 1400 هـ/ 1980 م، ص 295. (3) سورة يوسف: 2، 3. (4) سورة غافر: 78. (5) سورة الأعراف: 101. (6) سورة الأعراف: 176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 قالب عاطفي مؤثر، وهي تجعل القاريء أو السامع يتأثر بما يقرأ أو يسمع، فيميل إلى الخير وينفذه، ويمتعض من الشر فيبتعد عنه» «1» . وكل القصص الذي تضمنه القرآن الكريم هو قصص واقعي، جاء به القرآن للتربية. «وهذا القصص يشتمل على كل أنواع التعبير الفني ومشخصاته، من حوار إلى سرد، إلى إحياء للشخص، إلى دقّة في رسم الملامح، إلى اختيار دقيق للخطة الحاسمة في القصة» «2» . والقرآن الكريم يقرر ذلك كله- منذ مئات السنين- في لفظ قصير، وأسلوب جميل، وبيان معجز، ونستدل من ذلك على أن القصة تلعب دورا فعالا في غرس كثير من القيم الإسلامية السامية في نفوس الأفراد. والقصة لم تكن وسيلة من وسائل الدعوة الإسلامية إلى الله في القرآن «إلّا بعد أن قطعت الدعوة أشواطا من سيرها مع العقل الإنساني، والتعريف بالخالق العظيم الرزّاق، بالنظر في آيات الله، وما صورت من عجائب الخلق والإبداع» «3» . والقصة القرآنية الهادفة «سلاح نفسي، في الدعوة الإسلامية إلى عقيدة التوحيد، وفي إقناع المخالفين عن طريق الجدال والحوار بسمو هذه العقيدة ونيل أهدافها» «4» . وجاء القرآن الكريم بقصص تربوية، هي «غاية في الأهمية، في علاقات الإنسان الأخلاقية- ذلك مع جمال الأسلوب وبلاغة المعنى» «5» . كما نص القرآن الكريم على أهمية القصة، ودورها في غرس القيم الأخلاقية، وذلك في مثل قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ «6» . ونتيجة لما للقصص من دور خطير في التوجيه الفني الخفي، ألح علماء التربية على حسن اختيار ما يعرض أو يقدم للناشئة من قصص، حتى لا ينقلب عاملا سيء الأثر من تربيتهم، وتكوينهم الفكري والخلقي، وهم لم يبلغوا درجة من النضج تؤهلهم للتمييز، وتمكنهم من الحكم الصحيح على المواقف والتصرفات «7» .   (1) محمد فاضل الجمالي: تريبة الإنسان الجديد، مرجع سابق، ص 140، 141. (2) سعيد إسماعيل علي: أصول التربية الإسلامية، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1978، ص 26. (3) عبد الكريم الخطيب، الله ذاتا وموضوعا، القاهرة، ط 2، دار الفكر العربي، 1971، ص 403. (4) التهامي نفرة، سيكولوجية القصة في القرآن، جامعة الجزائر، الشركة التونسية للتوزيع، 1971 م، ص 572. (5) محمد فاضل الجمالي: تريبة الإنسان الجديد، مرجع سابق، ص 49. (6) سورة يوسف: 3. (7) التهامي نفرة، سيكولوجية القصة في القرآن، مرجع سابق، ص 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 والقرآن الكريم استخدم القصة لجميع أنواع التربية والتوجيه التي يشملها: تربية الخلق، تربية الوجدان، تربية الجسم، والتربية بالموعظة. لقد كانت القصة- وما تزال- مدخلا طبيعيّا، يدخل منه أصحاب الرسالات والدعوات والهواة والقادة إلى الناس، وإلى عقولهم وقلوبهم، ليلقوا فيها ما يريدونهم عليه، من قيم وآراء ومعتقدات «1» . والقصة في عصرنا الحاضر من «أقوى أجهزة التأثير في قيادة الجماعات البشرية، فلا عجب أن تكون القصة في القرآن ركيزة قوية من ركائز الدعوة الإسلامية، القائمة على الاقتناع العقلي، والاطمئنان القلبي، لما تدعو إليه، من الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر «2» . وبهذا تكون القصة القرآنية لها دور فعال في غرس القيم المرغوب فيها في نفوس النشء. والقصة القرآنية يمكن أن تكون عملا تربويّا هامّا في نشر الاتجاهات والقيم المرغوب فيها، والدعوة إلى الإصلاح، والتحلي بكريم الأخلاق، بما لها من أثر عميق وعظيم في نفوس المتعلمين، ولما لها من قدرة على التأثير والتغيير والتوجيه، وفي هذا الشأن يقول رب العزة في قصة يونس عليه السلام: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ «3» . ومن هذه الآية الكريمة، يمكن غرس قيمة وجدانية أساسية، وهي قيمة الإيمان بالله، وتشير الآية أيضا إلى أن الإيمان يجعل المؤمن مستجاب الدعوة، حيث ينجي الدعاء صاحبه حتى في أحرج الظروف. ويمكن الإشارة إلى أن بعض الآيات الكريمة، التي فيها دلالة صريحة على القيم الأخلاقية التي يعني بها القصص القرآني، ومن هذه الآيات يمكن الإشارة إلى أهم القيم الخلقية، التي تتشكّل في ضوئها أهداف التربية الخلقية للقصص القرآني منها على سبيل المثال لا الحصر:- أ- الرحمة، حيث يقول الله تعالى، على لسان أيوب- عليه السلام-: وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ «4» . ب- العدل، يقول- جلّ شأنه- على لسان شعيب عليه السلام-: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ «5» . ج- الصدق، يقول الله تعالى: ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ «6» .   (1) سيد أحمد طهطاوي: القيم التربوية في القصص القرآني، رسالة ماجستير منشورة، دار الفكر العربي، ط 1، القاهرة، 1416 هـ/ 1996 م. (2) عبد الكريم الخطيب: القصص القرآني في منطوقه ومفهومه، القاهرة، ط 1، مكتبة السنة المحمدية، 1964 م، ص 6. (3) سورة الأنبياء: 88. (4) سورة الأنبياء: 83. (5) سورة الشعراء: 182. (6) سورة الأنبياء: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وجملة القول، أن القرآن الكريم يشتمل على كثير من القصص التربوية، التي تسهم إسهاما فعالا في تحقيق أهداف التربية الإسلامية، وذلك لأنها تضع المثل أمام المتعلمين، مما يساعد على غرس كثير من القيم التربوية السامية في نفوسهم، وتتميز القصة في القرآن بأنّها تمد القرّاء والجماعات بالقيم الإسلامية الصادقة النابعة منه. القصة في الحديث الشريف: لقد أدرك الرسول العربي صلّى الله عليه وسلّم الميل الفطري إلى القصة، وأدرك ما لها من تأثير ساحر على القلوب، فاستغلها لتكون وسيلة من وسائل التربية والتقويم. والقصة الهادفة المربية «سلاح نفسي في الدعوة المحمدية إلى عقيدة التوحيد، وفي إقناع المخالفين عن طريق الجدل والحوار بسمو بهذه العقيدة ونبل أهدافها «1» . وفي الحديث الشريف، قصة موسى- عليه السلام- والخضر، التي وردت في القرآن الكريم، جاء بها الحديث مبينا دقائقها كما حدّث به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، مستخدما هذه القصة- التي وقعت فعلا- في التربية العقلية للإنسان المسلم، ففي هذه القصة «جواز التمادي في العلم إذا كان كل واحد يطلب الحق ولم يكن تعنتا- الرجوع إلى قول أهل العلم عند التنازع، كما يجب على العالم الرغبة في التزود من العلم والحرص عليه، وألا يقنع بما عنده، كما لم يكتف موسى عليه الصلاة والسلام بعلمه. ويجب التواضع، لأن الله تعالى عاتب موسى- عليه السلام- حين لم يرد العلم إليه وأراه من هو أعلم منه، والرحلة في طلب العلم» «2» . وفي الحديث: «حدثنا أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم: فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يرد إليه العلم ... » «3» . وقد تستخدم القصة في الحديث الشريف كوسيلة من وسائل تنمية الأخلاق الإسلامية، وعلى سبيل المثال هناك قصة أوردها الحديث الشريف عن «ثلاثة الأخوة الذين أووا للمبيت إلى الغار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار» «4» . في هذه القصة تربية خلقية وآداب اجتماعية، ففيها احترام الأبوين والعفة والطهارة، وأداء الحق إلى أصحابه ومخافة الله ومهابته، إيمانا حقيقيّا خالصا به. وهناك أمثلة أخرى متعددة لا مجال هنا للحديث عنها «5» . وهكذا استخدم الرسول صلّى الله عليه وسلّم القصة، وترسم خطى القرآن في توظيف القصة من أجل نشر الوعي   (1) التهامي نفرة: سيكلوجية القصة في القرآن، رسالة دكتوراة، (الحلقة الثالثة) ، ص 237. (2) العيني: عمدة القارىء، شرح صحيح البخاري، المجلد الأول (أجزاء 1- 2) ، كتاب العلم، ص 64، 65. (3) انظر الحديث الشريف: صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق، الجزء الرابع، ص 183. (4) انظر الحديث الشريف: صحيح البخاري، كتاب الإجارة، الجزء الثالث، ص 119، 124. (5) يمكن الرجوع إلى: سيد أحمد طهطاوي: القيم التربوية في القصص القرآني، مرجع سابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الإسلامي وتعميق مبادىء الإسلام وقيمه في نفوس المسلمين، واستخدم هذه الوسيلة أيضا صحابة رسول الله- رضوان الله عليهم- وجاء استخدام القصة لأغراض شتى ومتنوعة وبأشكال شتى أيضا، كلها تؤدى إلى تعميق القيم أو تأسيسها، وتتمثل تلك الأغراض فيما يلي: 1- غرس القيم الخلقية: تعرضت القصة القرآنية والنبوية لقضايا ومعايير تنمية القيم الخلقية، كالثبات على العقيدة، والتمسك بها، وعدم التنازل عن مبادئها، وبطريقة التكرار لتؤكد على «تعميق هذه المواقف وترسيخها في نفوس المسلمين، لتستقر في وجداناتهم ومشاعرهم ولتكون معلما يضىء لهم الطريق وهم يواجهون ما يواجهون من ألوان الاضطهاد والتنكيل بسبب ما يعتقدونه من دين وما يؤمنون به من عقيدة» «1» . كما تتعرض القصة للصلاة وفضلها، والصدقة وفضلها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتوبة، والأمانة والصدق، وغير ذلك من قيم إسلامية صحيحة أكدتها القصة ودعت إلى التزامها، سواء فيما يتصل بالسلوك الفردي أو السلوك مع الجماعة وما يصون عليها وحدتها وأفعالها من قيم «2» . إن القصة في المصادر الأصيلة تهدف إلى إيجاد عواطف متجاوبة مع تعاليم الإسلام وقيمه وأخلاقه، وذلك مما يدعو إلى الالتزام بهذه القيم، والأمثلة كثيرة ومتنوعة، فالقصص القرآني والنبوي زاخر وغني بالقيم الإسلامية، ونجد فيها توظيفا لإمكانيات القصة في سبيل تحقيق هذا الغرض وهو تنمية القيم الإسلامية، إلى جانب الأغراض الأخرى، فقد كانت «تسعى إلى هدفها بسلوك طرق مختلفة، لها أثرها الحيوي في تربية الإنسان وتوجيهه والأخذ بيده نحو الأفضل، وهو أثر نابع من الاستجابة الطبيعية التي يحس بها الإنسان، وهو يتعامل مع تلك الوسائل، لأنها وسائل تتجاوب مع إمكاناته النفسية، وما جبل عليه من طبائع واستعدادات وقوى، وتوقع على أوتارها ما تنشده من غايات تربوية» «3» . 2- تأكيد العقيدة وتعميقها في وجدان الناس: باعتبارها القيمة الأساسية التي تقوم عليها وتحيا في ظلها جميع فروع الدين وجزئياته ونظمه، وذلك كتأكيد قضية وحدانية الله وإفراده بالألوهية والعبادة. ولأهمية البناء العقيدي للمسلم فردا وجماعة، ولأهمية مبدأ التوحيد المحرر للإنسان وللجماعة تهتم القصة بعرض جزئيات قيم العقيدة، كصفات الله تعالى، والتأكيد على أنه هو المهيمن المتصرف في هذا الوجود، وأنه تعالى   (1) محمد بن حسن الزير، مرجع سابق، ص 390. (2) المرجع السابق، ص 397- 402. (3) المرجع السابق، ص 444. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 صاحب الشأن في هذا الكون الفعال لما يريد، كما تؤكد أهمية الثقة في الله والكفاية به، والاعتماد الدائم عليه والاعتصام به، والإيمان بالملائكة، والرسل والكتب واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر، خيره وشره، وحلوه ومره، وأن الإنسان لم يسلب إرادته وحريته بهذا الإيمان، بل أعطى حريته وإرادته المختارة، وأعطى عقلا يميز به، وهو أساس التكليف والمسئولية، إلى غير ذلك من جزئيات القيم العقيدية التي تعتبر الأساس لكل القيم، وعرضته القصة عرضا جيدا «1» . 3- عرض حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وما تضمنته من قيم خلقية: حيث إنه الرائد الذي لا يكذب أهله، وهو الهادي إلى الحياة الصحيحة، من تبعه فيما دعا إليه فاز ونجا، ومن كذبه خسر وبار، وأنه خاتم الرسل ولا نبي بعده، وتعرض دلائل النبوة وبراهين الرسالة، كما تعرض لصفات النبي صلّى الله عليه وسلّم. وتعرض القصة حياة الرسل- صلوات الله وسلامه عليهم- ودعوتهم إلى أقوامهم، ومواقف الأمم من الدعوة وانتصار الحق وغير ذلك من ملامح تاريخ الرسل، ومحاولتهم تخليص العقيدة من الأمراض التي تفتك بها، وإرساء القيم الصحيحة للاقتداء بهم، والتأسي بهم فيما كانوا عليه من الهدى. وجملة الأمر أن القصة كوسيلة من وسائل تنمية القيم الخلقية تتسع إمكاناتها، إذ إنها تستخدم كافة الإمكانات التى تفيد في هذا المجال، استخدام عناصر التشويق، والتقرير والحوار والسؤال وغير ذلك من إمكانات «2» . كالنموذج والقدوة للاحتذاء بها، والتوجيه التقريري على لسان أحد شخصياتها، والمادة التاريخية الواردة بها، والوسائل التعليمية والتربوية، ومعنى هذا أن إمكانياتها واسعة جدا، يمكن الاستفادة منها في مجال تنمية القيم الخلقية الإسلامية. وقد أحس المسلمون قيمة القصة في تنمية القيم الخلقية، فبعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كان الآباء والأمهات من الصحابة والصحابيات يستخدمون القصة من أجل تحقيق هذا الهدف، وبدأ القصّاص يجلسون في المساجد يقصون أخبار الرسول صلّى الله عليه وسلّم وسيرته، وأخبار الأمم السابقة، والقارىء للفكر الإسلامي وفنونه يستدل على الكثير من الشواهد الدالة على شيوع استخدام القصص عند المسلمين. وإذا كانت القصة تحتل تلك الأهمية في تاريخ التربية الإسلامية، فإن أهميتها لا تزال مستمرة وتحقق أهدافا تربوية جيدة للأطفال والشباب والشيوخ، فلكلّ قصصه الذي يناسبه، ويمكن استخدامها بطريقة فعالة لغرض القيم الخلقية الإسلامية، ولذلك شروطه كما يلي: - أن تكون القصة منسجمة مع أهداف الإسلام ومبادئه وقيمه بحيث تقدم هذه القيم في إطار أهداف   (1) راجع: المرجع السابق، ص 379- 385، وعبد الوهاب لطف الديلمي، معالم الدعوة في قصص القرآن الكريم، الطبعة الأولى، ج 1، جدة، دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1406 هـ/ 1986 م، ص 61- 120. (2) راجع: المرجع السابق، ص 94- 123، وعبد الوهاب بن لطف الديلمي، مرجع سابق، ج 2، ص 1084. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الإسلام بعيدة عن التهويل والمبالغات، فضلا عن الأساطير والأكاذيب والبدع. - أن تكون القصة مناسبة للسن الذي تكتب له، فجمهور القصة ليس واحدا متجانسا في صفاته، وخصائصه ورغباته وقدراته، ومعنى هذا مراعاة خصائص النمو بكافة جوانبها النفسية واللغوية والحضارية والعلمية. - أن تختار الموضوعات المناسبة، بحيث يحوي جوهر الموضوع الاتجاهات والقيم والمعلومات المناسبة لما تعرضه. - أن تراعي العناصر الأساسية للقصة، من حيث البنية العامة، والنسيج القصصي، والأسلوب المناسب، والتشويق، ومراعاة الإطارين الزمني والمكاني، وطريقة العرض والشخصية الأساسية والشخصيات الثانوية، ثم نوع القيم ومصادرها، وطريقة عرضها، وغير ذلك من شروط تتصل بهذا الموضوع «1» . إن القصة تلعب دورا بالغ الأهمية في تنمية القيم الخلقية والاتجاهات الإسلامية، لو وجهت التوجيه الإسلامي في الهدف والنزعة والأسلوب، وقد تكون فائدة القصة أكثر في مرحلة الطفولة مما يستدعي اهتماما جيدا بهذا اللون من القصص وتضمينه القيم الإسلامية الصحيحة. ح- السؤال والحوار والمناقشة: قد تكون هذه الوسيلة من أساليب التدريس العامة، إلا أن استخدامها في مجال تنمية القيم الخلقية يعتبر فعالا، وهذا ما تدل عليه النصوص القرآنية والنبوية، فقد كان المسلمون يسألون الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويستفتونه فيما يواجههم من شئون الدين والدنيا، وكان القرآن يجيب على تلك الأسئلة، وكثيرة تلك الموضوعات التي أجاب القرآن فيها على أسئلة المسلمين «2» . واستخدم الرسول صلّى الله عليه وسلّم الطريقة نفسها، فكان يجيب المسلمين على ما يعن لهم من أسئلة تواجههم معطيا كل سؤال حقه من الإجابة، إيجازا وتفصيلا تبعا لمقتضيات الحال، «والإجابة دائما شافية، بحيث لا يترك النبي صلّى الله عليه وسلّم السائل وفي نفسه أثارة من حرج أو أثارة من جهل، بأي جانب من جوانب الموضوع الذي يسأل عنه» «3» . والأمثلة من السنة كثيرة وافرة، ونلاحظ أن السؤال تارة يأتي من المسلمين للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وتارة يسأل الرسول   (1) انظر حسن إبراهيم عبد العال، مرجع سابق، ص 303- 305، ورشدي طعيمة: تحليل المحتوى في العلوم الإنسانية، مفهومه، أسسه، استخداماته، القاهرة، دار الفكر العربي، بدون تاريخ، ص 322- 340. (2) اقرأ: المائدة: 4، البقرة: 189، 215، 217، 219، 221، 222. (3) جابر قميحة، مرجع سابق، ص 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 صلّى الله عليه وسلّم مستثيرا الرغبة في المعرفة لدى المستمعين. ونذكر هنا أمثلة حسب مقتضى الحال. يروى «أن سعد بن عبادة- رضي الله عنه- استفتى النبي صلّى الله عليه وسلّم نذرا كان على أمه، فتوفيت قبل أن تقضيه، فأفتاه بأن يقضيه عنها» «1» . ويروى عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنه سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة؟ فقال: «مرها فلتختمر ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام» «2» . ويروى عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا، ويقاتل حمية، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما، فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله حتى يرجع» «3» . والأمثلة على أسئلة المسلمين للنبي صلّى الله عليه وسلّم كثيرة، متنوعة، تتعلق بمسائل كثيرة ومواقف عديدة من مواقف الحياة التي كان يعيشها الناس. أما سؤال النبي صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين فأمثلته كثيرة، تدل على حرص النبي صلّى الله عليه وسلّم على تعليم المسلمين أمر دينهم وغرس القيم لديهم، من ذلك ما يروى عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هي النخلة» . قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إليّ من أن يكون لي كذا وكذا» «4» . وسواء كان السؤال للاستفهام أو للاستفسار أو للتقرير أو للإنكار أو للتوبيخ، أو للتهكم، أو للأمر أو للتنبيه أو للتحقيق، وغير ذلك من أغراض السؤال، فإنه يعد وسيلة من أهم وسائل تقرير القيمة الخلقية وتنميتها، فضلا عن أنه أسلوب من أساليب التعليم والتعلم، بل إن صياغته تعتبر فنا له شروطه وطريقته يستخدمه المربون استخداما له أهدافه في مجالهم، وما تزال له فعالية وله شيوعه في أساليب التعليم منذ القدم وحتى اليوم «5» .   (1) حديث صحيح: متفق عليه، انظر البغوي، مرجع سابق، ج 2، ص 597، حديث رقم 2573. (2) حديث حسن، انظر: المرجع السابق، ص 500، حديث رقم 2582. (3) الإمام البخاري، مصدر سابق، ج 1، كتاب العلم، ص 58، حديث رقم 123. (4) الإمام البخاري، مصدر سابق، ج 1، كتاب العلم، ص 1، حديث رقم 131. (5) انظر: محمد عبد العليم مرسي، المعلم والمناهج، الطبعة الأولى، الرياض، دار عالم الكتب، 1405 هـ/ 1985 م، ص 191، 192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 هذه بعض وسائل تنمية القيم الخلقية الإسلامية، ولكنها ليست كل ما كان يستخدمه صلّى الله عليه وسلّم أو استخدمه القرآن الكريم، فهناك طرق ووسائل أخرى كثيرة كاستخدام العقل «1» ، والترغيب والترهيب، وغير ذلك «2» . وقد حققت نتائج تربوية بالغة الأهمية في غرس القيم الإسلامية، والتي بدت آثارها في تقدم وتفوق المجتمع الإسلامي، وهذه استخدمت بفعالية كطريقة في حد ذاتها، وكوسيلة تتخلل الوسائل السابقة الذكر وتتكامل معها، فكل هذه الوسائل مترابطة، لها أثرها في تنمية جانب أو أكثر من القيم الإسلامية. وهذه هي أهم وسائل تنمية القيم الخلقية الإسلامية في الشخصية المسلمة، فإن محاولتنا ربطها أو استنباطها من النصوص القرآنية الكريمة والسنة المطهرة الشريفة لا تعني أنها ثابتة غير مرنة، مغلقة جامدة غير متفتحة، أو عاجزة عن استيعاب الجديد من وسائل التعليم والتعلم، إذ هي من الأصول العامة التي يمكنها أن تستوعب الجديد من الوسائل، ما لم يتعارض مع نص صريح من النصوص الإسلامية، أو يعمل على الإخلال بأهداف ومبادىء الإسلام، وإلا فإن هذه الوسائل في حد ذاتها أكبر داعية للأخذ بأي وسيلة مستحدثة، ما دامت تفيد في تحقيق أهداف رسالة الإسلام. ولكن العبرة في كل هذا بالاستخدام لا باستهلاك الكلام، ومن ثم فإن فعالية الاستخدام تعود إلى المربي والمعلم الكفء الناجح والذي يستطيع بتمكنه العلمي والمهني أن يستخدم هذه الوسائل بفعالية مستفيدا من كل جديد في المجال، مستغلا كافة الطاقات والإمكانيات المتاحة في سبيل تنمية القيم الخلقية بطريقة صحيحة وجيدة. هذا فيما يتعلق بالوسائل التربوية بوجه عام، أما إذا تعلق بتربية التلاميذ فإنه يمكن أن يضاف إلى الوسائل السابقة مجموعة أخرى من الوسائل أهمها: 1- أسلوب الأحداث الجارية: إن استخدام الأحداث الجارية والمناسبات الدينية كمدخل لترغيب التلاميذ وتشويقهم لدراسة موضوعات التربية الإسلامية، طريقة لها أثرها الفعال في العملية التعليمية، وذلك لكونها تربط ما يتعلمه التلاميذ من الكتاب المدرسي بواقع حياتهم وخبراتهم ومشاهداتهم، الأمر الذي يزيد من فعالياتهم ونشاطهم ومشاركتهم الايجابية في دراسة موضوعات التربية الإسلامية. ليس ثمة من شك في أن كشف أسباب النزول تؤدي في هذا الصدد خدمة كبيرة في تربية النشء، ولكن لن   (1) يراد باستخدام العقل وسيلة للتنمية الخلقية: النظر بواسطة الحجة والتعليل والقياس، مما يؤدي إلى الاقتناع بسواء بما يتلقاه الإنسان من معلومات أو يتخذه من سلوك. (2) راجع: على خليل أبو العينين، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن الكريم، الطبعة الأولى، القاهرة، دار الفكر العربي 1980 م، ص 219- 252، وعبد الجواد سيد بكر، فلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، 1973، ص 301- 355. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 تتحقق هذه الخدمة إلا إذا عرف المعلم بصورة محددة ما يجب أن نستكشفه في ضوء هذه الأسباب، فليس في مقدور هذه الحوادث المروية وحدها أن تقود التلاميذ قيادة مثمرة للفهم، إلا إذا أحسن المعلم تدبرها واستطاع أن يساعد التلاميذ ليروا من ثناياها الأوضاع العامة التي أدت إلى نزول القرآن من لدن رب العالمين ليحق الحق ويبطل الباطل، وليمحوا العقائد الضالة والأوضاع الاجتماعية الفاسدة. 2- أسلوب تفريغ الطاقة: تحرص التربية الإسلامية على النظر إلى الإنسان باعتباره جهازا معقدا من الطاقات، ومن ثم يجب توجيه هذه الطاقات وجهتها الصحيحة لكل ما يجلب المنفعة للفرد، ويحميه من الدوافع والميول التي قد تعرضه للانحراف أو السلوك غير السوي، ويتجلى هذا الأسلوب فيما يلي: أ- الاهتمام بحاجات وميول ورغبات التلاميذ وجعلها أساسا محددا في موضوعات التربية الإسلامية. ب- الاهتمام بأوجه النشاط المختلفة وحفز التلاميذ على الاشتراك فيها مما يؤدي إلى تفريغ الشحنات المتجمعة في داخلهم بصورة تهدف إلى تحقيق أغراض التربية «1» . ج- مساعدة التلاميذ على الاطلاع الخارجي، والقيام بالرحلات التي تؤدي إلى اكتساب المهارات المستخدمة في إفراغ طاقتهم بصورة سليمة. 3- أسلوب العادة: يشغل أسلوب العادة مركزا مهما في ميدان التربية والتعليم لما له من قدرة في تربية النشء وتوجيهه التوجيه الأمثل المحقق لأهداف التربية الإسلامية. والعادة هي (كل سلوك متكرر يكتسب اجتماعيا ويتعلم اجتماعيا، ويمارس اجتماعيا، ويتوارث اجتماعيا «2» . 4- أسلوب الممارسة والعمل: إن تكوين أخلاق الإنسان وبناء علاقاته الاجتماعية لا تقوم بالوعظ وحده ولا بالحفظ وحده، بل تحتاج إلى أفعال يمارسها الإنسان لتتكون أخلاقه عمليّا ليبني علاقات مع بني الإنسان بالواقع «3» . إذ مما تجدر الإشارة إليه أن «تعود المرء على النظام في الحياة، وعلى ضبط النفس وعلى الحياة الاجتماعية التعاونية، كلها تتطلب مرانا وممارسة يومية تلازم حياة الإنسان ليل نهار» «4» .   (1) بإيجاز وتصرف عن التربية الإسلامية، كيف نرغبها لأبنائنا ص 52- 53. (2) انظر في ذلك، وفي الموجهات التي يجب الالتزام بها، المرجع السابق، ص 64. (3) محمد فاضل الجمالي، نحو توحيد الفكر التربوي، ص 104. (4) محمد فاضل الجمالي، المرجع السابق، ص 105، وقارن ب: التربية الإسلامية، كيف نرغبها لأبنائنا، ص 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الفصل الخامس وسائط تنمية الأخلاق إن وسائط تنمية القيم الخلقية كثيرة ومتعددة، ويتم عن طريقها تنشئة الأفراد المسلمين على القيم الإسلامية الصحيحة، وهذه الوسائط هي نفسها وسائط أو وكالات الثقافة المنوط بها تنشئة الأفراد على ثقافة المجتمع، ذلك أن الثقافة هي «الإطار الأساسي والوسط الذي تنمو فيه الشخصية وتترعرع، فهي التي تؤثر في أفكاره ومعتقداته ومعلوماته ومهاراته، وخبراته ودوافعه، وطرق تعبيره عن انفعالاته ورغباته، كما تحدد له القيم والمعايير التي يسترشد بها وتفرض عليه التقاليد التي يتمسك بها» «1» ، إلا أن الثقافة لا يمكنها أن تشكل الشخصية بهذا الشكل، وتقدم لها القيم اللازمة لاستمرار حياتها إلا عن طريق التربية والتعليم أو ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية، والتي ينظمها المجتمع تنظيما دقيقا بها وكالاته أو مؤسساته أو وسائطه «2» . فالثقافة- إذن- «بكل وسائطها، تعتبر الوعاء التربوي العام حيث تحدث عملية التنشئة الاجتماعية للأفراد بما تؤدي إليه من اكتسابهم أنماطا سلوكية تحدد علاقاتهم وتعبر عن نفسها فيما يقومون به من أدوار اجتماعية «3» . ولذا يأتي البحث هنا عامّا بمعني أنه لن يقتصر على المدرسة وحدها كمؤسسة تعليمية وتربوية مقصودة، بل سنبحث عن الوسائط الثقافية كلها، لما لها من دور بالغ الأهمية في عملية تنمية القيم، ولأن حديثنا عن القيم الإسلامية موصول، فإن تناولنا لهذه الوسائط يأتي في هذا الإطار الإسلامي غير مغفلين أثر التطورات والتغيرات التي لحقت بالحياة المعاصرة وما صاحبها من تخصص وتداخل وتكامل أو حتى ضياع مراكز كانت تحتل الصدارة فأصبحت في المؤخرة، وتقدم أخرى حتى أصبحت في المقدمة. ويأتي الحديث عن هذه الوسائط في محاولة لتحديد دور كل واحد من هذه الوسائط وما يجب أن يقوم بأدائه من أدوار في إطار تنمية القيم الإسلامية في المجتمع الإسلامي المعاصر. أ- الأسرة: وهي الوعاء الاجتماعي الذي يتلقي الطفل معلوماته، ويتفاعل مع أفرادها، ويشعر بالانتماء إليه، وبذلك يكسب الطفل أول عضوية له في جماعة، ويتعلم منها كيف يتعامل مع الآخرين في سعيه لإشباع حاجاته وتحقيق مصالحه من خلال تفاعله مع أعضائها.   (1) سامية الساعاتي، الثقافة والشخصية، بحث في علم الاجتماع الثقافي، الطبعة الثانية، بيروت، دار النهضة العربية، 1983 م ص 223. (2) المرجع السابق، ص 224- 226. (3) محمد الهادي عفيفي، في أصول التربية، الأصول الثقافية للتربية، القاهرة، الأنجلو المصرية، (بدون تاريخ) ، ص 218. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ويولد الطفل خلوا من أي شيء يحدد شكل تعامله مع المواقف والأشياء والأشخاص والأهداف التي تنتظم عليها حياته بعد ذلك، والأسرة هي التي تتولى رسم توجهاته في الحياة من خلال القيم التي تحتويها ثقافة المجتمع ويستجيب الطفل لها نظرا لما للأسرة من قدرة وإمكانات على إشباع حاجاته، ومعاونته على مواجهة المواقف التي تواجهه في حياته المبكرة «1» . وأهم مشكلة تواجه الفرد في حياته، تلك التي تتمثل في الكيفية التي يتعامل بها مع محيطه، بعبارة أخرى: كيف يتمكن من التعامل مع عالمه بطريقة منسقة؟ والجواب هنا يتمثل في الخبرات التي يستمدها الطفل من بيئته، وما تتضمنه من مسلمات تتعلق بدلالات الأشياء والأشخاص والأحداث، أي من خلال القيم التي يتشربها ويستدخلها في ذاته من خلال أسرته، وتظل معه طوال حياته في بنائه الشخصي والذات «2» . وهنا تبرز أهمية التنشئة الاجتماعية عن طريق الأسرة، التي يكتسب الطفل عن طريقها الحكم على الأشياء والمواقف والخبرات، وتتأثر تلك العملية بالجو الأسري وما يسوده من تعاون واستقرار، أو تشاحن واضطراب، وكلما كانت العلاقة القائمة بين الوالدين تستند إلى المحبة والتفاهم والتعاون، تأتي التنشئة الاجتماعية صحيحة وسليمة، فيتشرب الطفل القيم بطريقة صحيحة سليمة. وكلما كانت الأسرة متمسكة بدينها، ومبادئه وقيمه، انعكس ذلك على تربية الأطفال، حيث تعمل على تنشئة أبنائها على القيم الصحيحة، فيحكمون الدين ومبادئه وأحكامه في كل تصرفات حياتهم، والعكس صحيح «3» . وقد أراد الله للأسرة أن تقوم على الأسس الصحيحة السليمة، فأرسى الدعائم السليمة الصحيحة، والأسس القويمة لتكوينها تكوينا سليما كحاضن جيد للطفل، بحيث ينشأ نشأة سوية، متمسكا بالقيم الإسلامية، ولهذا وردت النصوص الوافرة موجهة إليه، عاكسة روح الإسلام وأهدافه في بناء الأسرة «4» . إن الأسرة المسلمة تقوم على مبادىء معينة، هامة وجليلة الشأن من أجل توفير جو صحي سليم لتربية الأولاد تربية سليمة على القيم الإسلامية، فهي تقوم على المودة والرحمة: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «5» .   (1) محيي الدين أحمد حسين (مرجع سابق) ، ص 59. (2) المرجع السابق، ص 59. (3) منير المرسي سرحان، في اجتماعيات التربية، الطبعة الثانية، بيروت، دار النهضة العربية 1981 م، ص 184، 183. (4) راجع في نظام الأسرة في الإسلام- مثلا-: أحمد محمد العسال، مرجع سابق، ص 179- 200. (5) سورة الروم: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 كما تقوم على مبدأ العدل والمساواة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ «1» . على اعتبار أن لكل من الرجل والمرأة وظيفة في الأسرة، كما أن الأسرة تقوم على مبدأ المعاشرة بالمعروف: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ «2» . وفي مثل هذا الجو الأليف الودود تقوم عملية التربية للأبناء وسط جو من ضمان حقوقهم، ووسط الشعور بالمسئولية التامة عن هذه التربية التي أكدها الشارع الحكيم، فالأسرة قائمة على قيم ومن أجل قيم، يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» «3» . ولا بد من التنويه بأمرين هامين في هذا المجال يؤثران تأثيرا واضحا في مسئولية الأسرة عن تنمية القيم الخلقية، وهما: الأمر الأول: إن مسئولية الأسرة متكاملة تجاه الأطفال وتربيتهم، ذلك أن تنمية القيم لا يأتي وحده، بل في إطار إشباع الحاجات التي يحتاجها الطفل، جسمية وعقلية وخلقية وجمالية ونفسية وعقدية واجتماعية، ومعلوم أن القيم تتخلل كافة هذه الحاجات، ومعنى العناية بهذه الحاجات وإشباعها الاهتمام الشامل بتنمية هذه الجوانب على أساس قيمي. وتشير السنة المطهرة إلى ذلك، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها» «4» . فحاجات الطفل المتعددة وإشباعها هي الأساس في تنمية القيم لديه، فالحاجات الجسمية، توفرها الأسرة، من أكل وشرب وملبس ومسكن وعناية بالجوانب الصحية وغير ذلك، وعن طريقها يتعلم الطفل الضبط وغير ذلك، فهي المدخل الأساسي لتكوين نواة الالتزام، وكذا الحاجات العقلية والخلقية، ويحتاج الطفل إلى   (1) سورة البقرة: 228. (2) سورة النساء: 19. (3) صحيح متفق عليه، راجع: البغوي، مصابيح السنة، مرجع سابق، ج 3، ص 12، حديث رقم 2776. وراجع صفة المسئولية من صفات الموسوعة. (4) صحيح متفق عليه، راجع: المرجع السابق، ج 1، ص 136، حديث رقم 69. والجمعاء: السليمة من العيوب فمجتمعة الأعضاء كاملها لا جدع بها ولا كي (ابن الأثير في النهاية: 1/ 296) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 مجموعة حاجات أخرى تؤهله لاكتساب القيم، كالحاجة إلى الأمن، والتقبل، والتقدير الاجتماعي، والحب، كما أنه يحتاج إلى إشباع حاجته إلى التحصيل والنجاح، وإلى تعلم المعايير السلوكية، وإلى السلطة الضابطة المرشدة، وغير ذلك من حاجات «1» . إن الإشباع وطريقته يعتبر الأساس في تنمية القيم الإسلامية، فالطفل يولد وهو مزود ببعض القابليات، إلا أنه يعيش في بيئة معينة يتفاعل معها وتتفاعل معه، والبيئة السلوكية التي يعيش فيها تضطره إلى تعديل إشباع بعض دوافعه الأولية، وتكوين بعض العادات الانفعالية. أي أن البيئة السلوكية لا تدعه يعبر عن دوافعه تعبيرا حيوانيا، ذلك لأن القيود الاجتماعية التي يمليها النظام الحضاري تملي عليه نوعا من تعديل هذه الميول الفطرية «2» . إن أهمية الأسرة المسلمة في تنشئة الطفل المسلم على المعايير والقيم الإسلامية غاية في الأهمية، ومسئوليتها متكاملة تجاه تلك التنشئة بحيث يكتسب الطفل المسلم الشخصية الإسلامية الصحيحة، والمتكاملة المتوازنة. الأمر الثاني: أن الأسرة المسلمة أصابها من التغيير ما أصابها، وتواجه مشكلات جمة، بل يمكن القول بأنها تعيش صراعا قيميا ليس هذا مجال تحليله وبيان أسبابه، فقد انسحب عليها ما انسحب على المجتمع الإسلامي، والمجتمع العالمي معا، وكان لهذا تأثيراته الواضحة عليها. ومع التغير الاجتماعي تغيرت أشياء في الأسرة منها الإيجابي، ومنها السلبي، وكان للتغيير الذي صاحب التصنيع والتقنية أثره الفعال على الأسرة في نواح متعددة «3» . وهذا التغيير يجعل وظيفة الأسرة المسلمة أكثر أهمية وصعوبة، خاصة في مجال تنمية القيم الإسلامية، وفي إطار أهداف الرسالة الإسلامية الخالدة المتجددة، وفي إطار تلك المتغيرات التي أصابت الأسرة، فإن دورها في تنمية القيم الخلقية في إطار رعايتها للنمو المتكامل لشخصية الطفل يتحدد كما يلي: 1- مساعدة الطفل على تأكيد الإيمان بالله- عز وجل-، بكافة الطرق المناسبة، بالكلمة الحانية، والسلوك القويم، بالقصة الهادفة الملتزمة، بالترغيب في العبادات وقراءة القرآن، وغير ذلك من أسباب ووسائل تحقق الأهداف الإسلامية وتغرس عقيدة التوحيد في نفس الناشىء. 2- مساعدة الطفل على تمثل القيم والحقائق والمبادىء الإسلامية، وإمداده بالخبرات الاجتماعية المثيرة له   (1) انظر: حسن إبراهيم عبد العال، مرجع سابق، ص 119- 124، ص 201- 220. (2) المرجع السابق، ص 223. (3) انظر: سناء الخولي، الزواج والعلاقات الأسرية، بيروت، دار النهضة العربية، (بدون تاريخ) ، ص 299- 310. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 والتي تضيف إلى خبرته قيما وحقائق جديدة في إطار إسلامي، مع التبسيط المناسب المعبر عن حاجات الطفل ومشكلاته. 3- مساعدة الطفل على توضيح وترجمة قيمه واتجاهاته ومشاعره وآرائه التي تمثلها، وكذا مشكلاته الخاصة، وتوجيهه لحلها في اطار إسلامي صحيح. 4- تهيئة المناخ المناسب المساعد على اكتساب القيم، عن طريق صلاح الأسرة وصلاح الأبناء وتهيئة المجال للطفل للاقتراح والتخطيط المناسب، ومزاولة الأنشطة التي تبدو هامة بالنسبة له. 5- توجيه الطفل إلى ما يجب أن يفعله في المواقف المختلفة، وبيان أنه يتعين عليه أن يفعله دون ضغط أو إكراه من أحد. 6- وانطلاقا من احترام الإسلام لذاتية الطفل، فعلى الأسرة أن تحترم ذاتيته، وتقدر ما ينوي فعله، وقدرته على الأداء، واحترام أسئلته عن عالمه، والإجابة عنها بأسلوب مناسب، حتى يتمكن من فهم عالمه واستقاء المعاني منه، وتكوين القيم الإيجابية تجاه هذا العالم. 7- العدل بين الأطفال والمساواة بينهم، على النحو الذي أشار إليه الإسلام مما يحفظ على الطفل كرامته واعتزازه بنفسه، ويساعده على التمثل الفعال للقيم الإسلامية. 8- تعويد الطفل على الآداب الاجتماعية الإسلامية، والأخلاق الإسلامية بالممارسة العملية وليس عن طريق الكلام النظري وإلقاء الأوامر ليقتنع بها اقتناعا كاملا. 9- تعويد الطفل على السيطرة على بيئته، والتعامل معها تعاملا رفيقا، من خلال المحاولة والخطأ وتعليمه أن الواقع المحيط به يحتاج إلى التفاعل الجاد معه. 10- تقبل الأفكار الجديدة من الطفل، واحترام حبه للاستطلاع دون التقليل من شأنه أو قهره أو احتقاره، لأن هذا يقلل من شعور الطفل بذاتيته مما يعتبر معوقا في نمو القيم لديه «1» . وقد يكون هذا الكلام جميلا مثاليّا، وكثير غيره كذلك، ويأتي السؤال الطبيعي جدا والواقعي: ما الطريق إلى تحقيق هذا؟ نقول: إن تربية الأطفال بهذه الصورة تحتاج إلى جهد ومشقة، ولن يتم هذا إلا في ظل أبوة حانية، وأمومة رحيمة لديها الوعي الكامل بأهمية وخطورة ما يقومان به. لذا فإن تربية الآباء يجب أن تأتي قبل تربية   (1) يقصد بالذاتية: هوية الذات في إطارها الفردي والتي بها يتمايز الإنسان عن غيره من البشر، وهو أمر أكده الإسلام في القرآن والسنة وانظر: محمود فهمي قمير، ذاتية الطفل والنظرية التربوية في الإسلام، في: أحمد إبراهيم كاظم وآخرون، دراسات في التربية الإسلامية وأصولها النظرية والفلسفية- مركز البحوث التربوية- المجلد التاسع- جامعة قطر- 1985 م، ص 282. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 الآبناء. إن هذا يستدعي- أولا- أن يتمثل الآباء والأمهات القيم الإسلامية، ويستعينوا بالحكمة والأناة والصبر، فالتربية لا تأتي بين يوم وليلة، وإنما بمجاهدة الأيام والليالي، وليس لسياسة الزجر والعنف، لأنها تدفع بالطفل إلى التطلع للممنوع، وإشباع حاجاته من هذا الممنوع، بالتمرد على توجيه الأبوين، أو بالظهور بمظهر الخضوع الكاذب ... وربما انتهى الأمر إلى ازدواج في شخصية الناشيء، مما يؤدي في النهاية إلى أن يصبح منافقا، وهو المرض الفردي الاجتماعي الذي نشكو منه مر الشكوى «1» . ولعلنا نعود هنا إلى ما سبق أن ذكرناه عن القدوة وما تتطلبه من الشفقة والرحمة. وقد أدرك ابن خلدون- وغيره- خطورة هذا، فقال: «ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله، وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين» «2» . إن الأسرة المسلمة يجب عليها أن تتخلص من قيم الضعف وما يسودها من ضعف وقيم لا تنتمي لقيم الإسلام الصحيحة، وإذا كان لنا أن نبني مجتمعا مسلما على قيم الإسلام الصحيحة، فلا بد من تغيير قيم الأسرة وما يسودها من قيم ضعف وهوان تجاه القيم الإسلامية الصحيحة، في بنائها وفي تربية أبنائها، وهذا هو أساس التغيير الصحيح نحو القيم الإسلامية، إن عين الطفل وسمعه يجب ألا يقعا إلا على سلوك صحيح مترجم عن واقع صحيح وقيم سليمة، ولذا فإن المطلوب من الوالدين أن يكونا فعلا قدوة صالحة، ليتلقى الطفل منهما مباشرة وبدون مباشرة ما يؤكد ذاتيته واستقلاله في إطار التصور الإسلامي الصحيح. وينبغي أن تكون سياسة الأسرة قائمة على التفتح واختيار الجيد، والبعد عن سياسة الانغلاق والحرمان وإيصاد الأبواب، والاعتماد على تكوين الحس الإسلامي في نفوس الأطفال، وبالتدرج وإنضاج القدرة على الاختيار الجيد، والبعد عن السفاسف والرذائل.   (1) أحمد محمد العسال، مرجع سابق، ص 206، 207. (2) ابن خلدون، المقدمة، الجزء الثاني، المدينة المنورة، مكتبة ودار المدينة المنورة للنشر والتوزيع، 1984 م، ص 704. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ب- جماعة الأقران: بمرور الأيام، وتقدم عمر الطفل تتحول ميوله من الأسرة إلى الالتحاق بجماعات الرفاق على أساس من تقارب السن، فجماعة الأقران أو الرفاق، تكوين طبيعي ينشأ من اختلاط الأطفال ببعضهم في إطار العائلات أو الحي أو الشارع الذي يسكنون فيه، والناشىء بنزعته الاستقلالية يندمج مع هذه الجماعة، ويؤدي به الأمر إلى مجاراة ما يسود بينهم من قيم ومعايير. ويقضي النشء وقتا طويلا مع هذه الجماعة، خارج المدرسة وداخلها، الأمر «الذي يؤثر في سلوكهم واتجاهاتهم تأثيرا كبيرا، وكذلك في قدرتهم على التعلم» «1» . وجماعة الأقران أو الرفاق أكثر «من مجرد جماعة من الأصدقاء يهتمون بأمورهم الخاصة وعلاقاتهم المتبادلة فحسب، بل تعتبر كذلك، بمعنى خاص معين، جماعة يتدخل فيها الكبار ويحددون مركز كل طفل والغرض من المحافظة على بقاء هذه المراكز» «2» . وتلعب هذه الجماعة دورا بالغ الأهمية في إكساب الناشىء القيم، نظرا لأنها تضم جماعة متناسقة من حيث العمر، ومن ثم يتمكن الناشىء من اكتساب خبرات وقيم معينة لا يمكن اكتسابها داخل الأسرة، وتنجح جماعة الأقران في نقل قيم متميزة للأفراد، كما يمكنها أن ترسخ قيما سائدة في المجتمع «3» . وكذا يمكنها أن تحطم قيما سائدة في المجتمع أيضا «4» . فجماعة الأقران ناتج اجتماعي يتكون على أساس فئات السن، لإشباع حاجات محددة، ومعنى هذا أنها تقوم بوظيفة شرعية في نمو الطفل وإكسابه القيم السائدة في المجتمع. ومن أهم ما تقوم به هذه الجماعة في هذا المجال: الاعتراف بحقوق الآخرين، وهنا تنمو صيغة الواجب، ومعايير التصرف السليم بتلقائية كما أنها تقوم بدورها كأداة من أدوات الضبط، ذلك أن هذه الجماعة تتكون من أشخاص متكافئين، تقوم بينهم علاقات ودية وثيقة، ويسود بينهم التآلف، ويتوحد فيها الأعضاء بعضهم ببعض فتكون النتيجة أن يصبح الأعضاء شديدي الحساسية لموافقة الآخرين أو اعتراضهم، وهذا يعني شدة الضغوط التي تفرضها الجماعة على الفرد «5» ، وهكذا تساعد جماعة الرفاق في ضبط الاتجاهات وتكوين القيم، وتصحيح السلوك المتطرف أو   (1) محمد مصطفى الشعبي: علم الاجتماع التربوي في اجتماعيات التربية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1978 م ص 76. (2) محمود حسن، الأسرة ومشكلاتها، بيروت، دار النهضة العربية، 1981، ص 430. (3) انظر: محيي الدين أحمد حسين، مرجع سابق، ص 63، 64. (4) انظر: محمود حسن، مرجع سابق، ص 430، 431، 435، 436. (5) المرجع السابق، ص 444، 445. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 المنحرف بين أعضائها. كما أنها أداة من أدوات توفير الأمن والاطمئنان الجسمي والنفسي، كما أنها تكون وحدة ثقافية خاصة ومتميزة، أي يكون لكل جماعة مجال محدد للنشاط والميول، ومجموعة معينة من القيم والاختيارات والتفضيلات تتضافر فيما بينها ويتكون منها النمط الاجتماعي للجماعة «1» . ومن المهم الإشارة إلى أن جماعة الرفاق تعتبر انعكاسا لثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه، وتتبلور فيها قيم المجتمع التي يؤمن بها، فالناشىء ينقل إلى هذه الجماعة ثقافة أسرته وثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه، وبالجملة فإن جماعة الرفاق من أهم الجماعات التربوية المؤثرة في نقل القيم وغيرها من المكونات الثقافية للمجتمع، ولذا تعتبر وسطا مهمّا جدّا في هذا المجال. ولهذه الأهمية فقد حظيت باهتمام خاص من توجيهات الإسلام، ومفكريه ورجالات التربية الإسلامية، ففي صلاحها صلاح الفرد، وصلاح الفرد صلاح لها، ونجد توجيهات إسلامية واضحة تدعو الآباء والأمهات والمربين إلى العناية بتوجيه أبنائهم إلى اختيار رفقائهم من الأخيار الصالحين دينا وخلقا وسلوكا حتى يقتدوا بهم، ويكتسبوا منهم الصفات الحميدة والخلال الفاضلة، وأن يجنبوهم مخالطة الأشرار حتى لا يقلدوهم ويسلكوا طريقهم المعوج «2» . وبتوجيه عام نقرأ في القرآن آيات عن أهمية الصحبة والرفقة، تؤكد ما ذهبنا إليه، يقول الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا «3» . الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ «4» . وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ* فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ «5» . وعن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي» «6» . وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» «7» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا   (1) المرجع السابق، ص 448، 449. (2) عبد الحميد السيد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1984 م، ص 776. (3) سورة الفرقان: 27، 28. (4) سورة الزخرف: 67. (5) سورة الشعراء: 99- 101. (6) حديث حسن، انظر: البغوي، مصابيح السنة، مرجع سابق، ج 3، ص 381، حديث رقم 3902. (7) حديث حسن غريب، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، المرجع السابق، ص 382، حديق رقم 3903. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 خبيثة» «1» . وطبقا لهذه التوجيهات العامة، فإن اختيار الرفاق، وتوجيه الأبناء نحو اختيارهم صالحين، أمر واجب، والأساس في ذلك كله هو تنشئة الأطفال في أحضان الأسرة تنشئه صحيحة وسليمة وقويمة، وإذا ما عمت تلك التنشئة أسر المسلمين كانت جماعة الرفاق على نفس الدرجة من الصلاح، فلا يكتسب الناشىء إلا قيما صالحة، ويدعم هذا الوسط الاجتماعي العام والذي بقدر ما يكون صالحا يكون الأفراد كذلك، ومن ثم يعم الصلاح جماعة الرفاق وغيرها. إن من الواجب مساعدة الناشىء على اختيار جماعته، لأنها تساعده على تحقيق استقلاليته على نحو تدريجي، كما تنمي لديه مفهومه عن ذاته، وتدعم القيم الصالحة «2» . لأن ميل الأطفال إلى اختيار الأقران وتقبل قيم الآخرين واتجاهاتهم النفسية يعتبر متغيرا من متغيرات الشخصية كما دلت على ذلك دراسات علمية متنوعة «3» . وقد أدرك المربون المسلمون قيمة هذه الصحبة، ولهم في ذلك اجتهادات وأقوال قيمة، يقول الجاحظ: «الصبي عن الصبي أفهم وبه أشكل» «4» . إن حرص الإسلام والمفكرين المسلمين على سلامة البيئة الاجتماعية، وعلى إشباع حاجات الطفل إلى جماعة الرفاق والأتراب واضح، ومن خلال كل هذا نعود فنؤكد أهمية المحافظة على الوسط الاجتماعي حتى لا يتسرب الفساد أو الخلل للناشئة، لتنمو القيم الإسلامية نموا سليما وصحيحا وقويا. ج- المسجد: كان المسجد وما يزال شعار الحياة في المجتمع الإسلامي، ويدل على ذلك اهتمام الرسول صلّى الله عليه وسلّم ببناء المسجد أول قدومه إلى المدينة، مما يدل دلالة صادقة على أهميته وضرورته، ولم يكن المسجد بناية لأداء الصلاة فقط، بل كانت له وظائف أخرى كثيرة تتعلق بسياسة الدولة، وفي هذا إشارة إلى أن المسجد إنما أقيم كمؤسسة محققة لأهداف الإسلام ورعاية مصالح الدنيا والآخرة، فقد كان مقرا للتعليم لاستقبال الوفود واقامة الاحتفالات   (1) متفق عليه. من رواية أبي موسى الأشعري، المرجع السابق، ص 378، حديث رقم 3895. (2) كافية رمضان، فيولا البيلاوي، ثقافة الطفل، الكويت، كلية التربية، 1983 م، ص 228، 229. (3) انظر: كونجر وآخرون، سيكولوجية الطفولة والشخصية، ترجمة أحمد عبد العزيز سلامة وجابر عبد الحميد، القاهرة، دار النهضة العربية، 1985 م، ص 482. (4) أبو عثمان عمر بن بحر الجاحظ، كتاب المعلمين، (على هامش الكامل في اللغة والأدب للمبرد) ، الطبعة الأولى، الجزء الأول، مصر، مطبعة التقدم، 1323، ص 26. وانظر: ابن سينا، السياسة (نشرة الأب لويس معلوف) مجلة المشرق البيروتية، السنة التاسعة، الأعداد، 21، 23، 1906، ص 1074، 1075. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وغير ذلك، مما يدل على أهميته في حياة المسلمين. وتظهر أهمية المسجد في إطار تنمية القيم الخلقية الإسلامية في قيامه بالوظائف التالية: 1- نشر العلم وتعليم الأفراد والجماعة التعاليم الدينية وغيرها، مما ينمي لديهم معايير سلوكية إسلامية تحقق سعادة الفرد والمجتمع. 2- إمداد الأفراد بالإطار السلوكي المعياري القائم على التعاليم الإسلامية، مما يمكن للعمل الصالح لديهم، حبا وسلوكا، ويكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، لأن صلاتهم فيه تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وتأمرهم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، كما تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر. 3- تنمية الوازع الداخلي لدى الأفراد والجماعة، ومن ثم دعوتهم إلى ترجمة المبادىء والتعاليم الإسلامية إلى سلوك عملي واقعي. 4- دعم روح الأخوة والتعارف بين المؤمنين مما يؤدي إلى دعم القيم الخلقية الإسلامية وتوحيد السلوك الاجتماعي، ونبذ كل ما يضعف الروح الإيمانية والاجتماعية من قيم سالبة، كالظلم والحسد، واحتقار الغير، والسخرية بالآخرين، والغيبة والنميمة، وغير ذلك من أمراض اجتماعية تضعف البناء الاجتماعي الإسلامي، وتفرق جهده. 5- محاولة تذويب الصراع القيمي بين الأجيال الجديدة والأجيال القديمة، لأن الأفراد الجدد يقتدون بالأفراد القدامى، فالقدوة الصالحة والنماذج السلوكية تبرز جيدا من خلال المسجد، ومن ثم تضعف اتجاهات الصراع القيمي، في ظل القدوة ومبدأ الشورى، والمناقشات الموضوعية في شتى شئون الحياة بين الصغار والكبار. 6- الإرشاد والتوجيه المستمرين تحت رعاية أئمة المساجد الواعين، خاصة للالتزام بالقيم الخلقية الإسلامية، واستشارتهم فيما يجد من شئون الحياة «1» . 7- إن للمسجد دوره الهام والخطير في عملية تنمية القيم الخلقية الإسلامية لدى الأفراد والجماعات، خاصة إذا توافرت له الإمكانيات من قوى بشرية وإمكانيات مادية، وإذا كان دوره في حاضرنا المعاصر قد تراجع- إلى حد ما- لوجود المدارس، ووسائل الإعلام، فإن ذلك لا يعني اختفاء دوره، فدوره قائم، ولذا تجب العناية به، وتطويره بناية وأهدافا، مما يعيقه من القيام بوظيفته وأهدافه، بما يجعله قادرا على خدمة الحياة الإسلامية المعاصرة في إطار أهداف الإسلام.   (1) انظر: عبد الله بن أحمد قادري، دور المسجد في التربية، جدة، دار المجتمع، 1407 هـ/ 1987 م، ص 109- 132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 إن المسجد مؤسسة اجتماعية مثلها مثل باقي المؤسسات بل هو تنظيم من تنظيمات المجتمع الإسلامي، التي استخدمها لتنشئة الأجيال، ولذا فهو يتكامل أو يجب أن يتكامل مع المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية الأخرى، مع ضرورة التركيز على إعداد القائمين عليه إعدادا جيدا بما يهيؤهم للتعامل مع رواد المسجد صغارا وكبارا، وبالقدر نفسه من الأهمية، يجب العناية بالمؤسسات الأخرى في المجتمع، بحيث تتكامل مع وظيفة المسجد، فإذا كان المجتمع يغلب فيه انحراف ما فإن المسجد لن يستطيع أن يؤدي وظيفته كما ينبغي، لأن هذا الانحراف سيحول بين أفراد المجتمع والتأثر بالمسجد وما يقدمه. ولقد اعتبر المسجد منذ أن وجد مؤسسة للصغار والكبار، للرجال والنساء، لكل طوائف المجتمع، وكان مؤسسة تربوية للصغار، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يمنع الصغار عن المسجد، بل كانت له مواقف معينة تؤكد اهتمامه بهم، ومما يروى في هذا المجال: عن أبي قتادة الأنصاري- رضي الله عنه- أنه قال: «رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يؤم الناس وأمامه بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها (ويروى) رفعها» «1» . وكان صلّى الله عليه وسلّم يراعي وجود الأطفال في المسجد، يقول: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه» «2» . وعن أنس- رضي الله عنه- قال: «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه من بكائه» «3» . وعن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: «صليت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار» «4» . إن هذا كله يدل على حضور الصغار المسجد. وهناك أدلة غير هذه كثيرة نكتفي هنا بما ذكرناه، فصلة الناشىء بالمسجد في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم كانت قوية ومقصودة، وإن تنشئته على ذلك تجعله يألفه ويرتبط به، ليكون من رواده فيه مصلحة عظيمة، ولذلك أثره في تنمية القيم الخلقية الإسلامية.   (1) متفق عليه، مصابيح السنة (مرجع سابق) ج 1، ص 336، حديث رقم 699. (2) متفق عليه، المرجع السابق، ص 408، حديث رقم 809. (3) متفق عليه، المرجع السابق، ص 408، حديث رقم 808. (4) أخرجه مسلم، المرجع السابق، ج 4، ص 49، حديث رقم 4512. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 ولكي يؤدي المسجد وظيفته في تنشئة الأجيال المسلمة على القيم الإسلامية نقدم هنا بعض المقترحات، سواء فيما يتصل بالأهداف أو الوسائل، كما يلي: فيما يتصل بالإشراف على المسجد والقائمين عليه: 1- أن يقدم للمسلم كيفية أداء العبادات بطريقة صحيحة. 2- أن يعرّف المسلم بأركان الإسلام وأسسه وأحكامه. 3- أن يعتني بتحفيظ القرآن الكريم وتفسيره. 4- أن يعني بتعليم الأحاديث الشريفة، حفظا وتفسيرا، وكذا العناية بالسيرة النبوية. 5- أن يعتني بتنمية الآداب والأخلاق الإسلامية. 6- أن يعني الإمام بالإجابة على استفسارات رواد المسجد. 7- أن يعني بتزويد المسلمين بآداب المسجد والصلاة واحترام المصلين. 8- أن يعني بتمرين المسلم على ممارسة السلوك الاجتماعي الإسلامي. 9- أن يعني بوسائل جذب الناشئة إلى زيارة المسجد المنتظمة وحضور الصلوات فيه. 10- أن يمرن الناشىء على خدمة المسجد ورواده، مما يساعد على غرس قيم العمل في نفسه. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، فإن هناك مواصفات معينة يجب أن تراعى، وهي: 1- أن يكون المسجد مركز نشاط اجتماعي وثقافي وعلمي، يضم مكتبة جيدة ومتنوعة. 2- أن يقدم المسجد دروسا متنوعة حول ما يتعلق بأمور حياة الناس، ويقدم المعارف المتنوعة. 3- أن يضم مركزا للمعلومات يرجع الناس إليه ليجدوا ما يجيب عن تساؤلاتهم. 4- أن يكون مقرا لتوجيه الشباب لما يتطلبه تكوين الأسرة المسلمة الصالحة، بل يتعاون أهل كل مسجد على تزويج الشباب كل بقدر استطاعته. 5- أن يكون المسجد مركزا إعلاميا يسهم في تقديم ما تتطلبه ظروف الحياة المعاصرة وما يجد في الساحة الإسلامية من أخبار، وتحليلها بعقلية واعية ومتفتحة لكي تواكب الحياة وما يدور فيها. 6- أن يكون المجتمع هو الذي يضرب القدوة الصحيحة في إجابة نداء المؤذن بسرعة واستمرار بحيث يشاهد الناشئة هذا فيتمثلونه. 7- أن يذكر على أسماع الصغير وخاصة من أمه فضائل المساجد، والثناء على المصلين فيها وما أعد الله لهم من ثواب، كل ذلك بهدف غرس حب المسجد في قلبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 8- أن يصطحب الكبير الصغير إلى المسجد، حتى يألفه، ويألف المصلين ولا يستوحش منهم. 9- أن يعامل العاملون بالمسجد والمصلون الصغير معاملة لطيفة، وألّا يغلظوا له القول، فإن الملاطفة والمداعبة تجعله يألف المصلين ويحب أن يتردد على المسجد. 10- تنويع الوسائل المتاحة، لجذب الناشىء إلى المسجد، كنظم الأناشيد وغير ذلك من وسائل «1» . د- المدرسة: وهي مؤسسة وتنظيم اجتماعي، أنشأها المجتمع خاصة لتربية وتعليم صغاره، وكالة عن الكبار المشغولين في مشاغل الحياة، ونيابة عن المجتمع في نقل تراثه الثقافي إلى الصغار، وللمدرسة وظائفها الهامة في المجتمع، إذ يوجد فيها المتخصصون في مجالات العلم والمعرفة لتقوم بتلك الوظائف، ومن ثم فهى تبلور اتجاهات المجتمع وتعكس إطار حياته. وتمتاز المدرسة عن بقية المؤسسات الاجتماعية والوسائط الثقافية بأنها: بيئة تربوية مبسطة للمواد العلمية والثقافية، وأنها بيئة تربوية منقية للثقافة مما قد يتخللها من فساد وانحرافات، وأنها بيئة تربوية موسعة تضم جميع أبناء المجتمع الواحد، وتوسع أفق الناشىء عن طريق تعليمه المباشر من خلال خبراته الشخصية وخبرات الآخرين، وأنها بيئة تربوية جاهزة وموحدة لميول ونزعات التلاميذ وصهرهم في بوتقة ثقافية واحدة مما ييسر التفاهم والتعاون بينهم بعد الخروج إلى معترك الحياة العملية. ثم هي تستكمل ما بدأ في الأسرة لتتمه وتهذبه، وتقوم من الاعوجاج الخلقي عند الناشىء، إذا ما كان قد تعرض لرفقاء السوء واتخذ طريقا خاطئا في سلوكه «2» . وتمتاز المدرسة أيضا باتساق جهدها الذي تبذله مع المؤسسات الأخرى في سبيل تربية النشء ولذا فهي على اتصال دائم بتلك المؤسسات، وتتعاون معها في هذا السبيل. إن دور المدرسة واضح وجلي، ويتمثل في تثقيف الناشئة وتربيتهم، بما تقدمه لهم من خبرات منظمة ومتنوعة وأنشطة مختلفة، ومعلومات تغطي مختلف مجالات المعارف الإنسانية، كل ذلك في إطار فلسفة تربوية واضحة المعالم، تشتق من الإطار العام لحياة المجتمع وأهدافه، وحاجات التلميذ ومطالبه ومتطلبات العصر. وتستطيع المدرسة أن تسهم الإسهام الفعال في بناء شخصية الفرد بما تهيؤه له من مناخ صحي يساعد على   (1) انظر: كافية رمضان وأخرى، مرجع سابق، ص 221، 222 وعبد الله أحمد قادري، مرجع سابق، ص 132- 146 أحمد قادري، مرجع سابق، ص 132- 146. (2) سمير عبد اللطيف هوانة، الأدوار التربوية للمؤسسات الاجتماعية، الفصل الخامس من: محمد عكيلة وآخرون: مدخل إلى مبادىء التربية، الطبعة الأولى، الكويت، دار القبس، 1404 هـ/ 1984 م، ص 135- 137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 النمو المعرفي والانفعالي والجمالي والاجتماعي والعقدي، لا بما تقدمه من معلومات نظرية فقط، بل بالممارسة العملية وما يعينه هذا من تكامل بين المعرفة والممارسة، وهذا يعني أن دور المدرسة في تنمية القيم الإسلامية ليس نظريا وإنما هو نظري تطبيقي وذلك في ضوء الاعتبارات التالية: الاعتبار الأول: أن العملية التربوية تعتبر- في الأساس- عملية خلقية، وتنمي الأفراد عليها، وعلى هذا فإن العملية لا يجب أن تقوم على القيم الثابتة فقط، بل يجب أن تعتني بالقيم النسبية التفضيلية والتي هي اتجاهات تغيير حادثة في نوع الخبرات المقدمة، والمعبرة عن نفسها في سلوك الناشئة والمتعلمين. الاعتبار الثاني: أن هذه القيم يجب أن تتخلل جميع المناهج الدراسية، إذ لا بد أن تسيطر على كل ميادين الدراسة، إذ أن الهدف لتنمية القيم في نفوس الأفراد إنما يمكن في إعادة توجيه الحياة في إطار تكاملي شمولي إيجابي، بحيث يصبح الأفراد أكثر إيجابية في حياتهم. الاعتبار الثالث: أن المدرسة وحدها لا يمكن أن تتم هذا الجهد بدون مشاركة كافة أنظمة المجتمع وهيئاته ومؤسساته وأنظمته وأفراده، وهذه المشاركة التكاملية في تنمية القيم تمكن المدرسة من القيام بواجبها وتحقيق أهدافها كما ينبغي «1» . الاعتبار الرابع: أن المدرسة في قيامها بهذه العملية يجب أن تعتمد على فلسفة تربوية نابعة من المجتمع الإسلامي ذاته، معبرة عن أهدافه، عاكسة لصورة المجتمع وفهمه عن الإنسان، وأهدافه في الحياة. وإذا لم تفعل باءت محاولتها بالفشل، ووقعت في محذور الانعزالية عن الواقع الاجتماعي. إن وظيفة المدرسة في هذا الإطار تشمل كل مكوناتها وأركانها، من مربين، ومناهج وأنشطة، والمدرسة نفسها كأسلوب حياة وكمجتمع تعلم، والمادة التي تقدمها، والطريقة التي تقدم بها هذه المادة وبكلمة جامعة، فإن المدرسة لكي تقوم بتنمية القيم الإسلامية يجب أو ينبغي أن تتحقق بالشروط التالية: 1- توفير الخبرات المتنوعة لتنمية هذه القيم لدى الناشئة، وإتاحة الفرص أمامهم للتعرف عليها   (1) محمد عبد الهادي عفيفي، الأصول الفلسفية للتربية، مرجع سابق، ص 318- 322. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 والانفعال بها والوعي بها، إذ أن المسألة ليست مجرد تقديم للقيم الخلقية واستيعابها نظريا، وإنما كيفية بناء هذه القيم واستدخالها في نفوسهم، ثم إنه إذا لم يكن للفرد أهداف ينفعل بها ويتجه نحوها وينمو في إطارها من خلال المشاركة والممارسة فلا يمكن أن يكون هناك تأثير ما لما يعيشه. إن هذه الخبرات يجب أن تخضع للاختبار القائم على أساس القيمة، إذ أن القيمة أو القيم بعموم تحدد ما هو جيد، ومعنى هذا أن القائمين على أمر المدرسة وتخطيط مناهجها يجب أن يكونوا على وعي تام بأهداف القيم الخلقية الإسلامية وبنسق هذه القيم لأن هذا يساعدهم في اختيار محتوى المنهج وتوجيه السلوك، إذ أن هناك مجموعة من التساؤلات الملحة التي تواجه مخططي هذه الخبرات في المنهج والتي يجب على المدرسة أن تضمّنها في برنامجها التعليمي: - ما المعلومات المرتبطة بالقيمة الخلقية التي ينبغي نقلها للتلاميذ عن طريق المدرسة؟ - كيف يمكن تنظيم هذه المعلومات بطريقة فعالة لتكون جزءا من المنهج؟ - ما العمليات التي سوف تؤكدها المدرسة للتعامل مع المشكلات المتعلقة بالقيم الخلقية؟ - كيف يمكن ترتيب العبارات عن العمليات في المنهج لتساعد في تطوير استراتيجيات تعليمية فعالة؟ «1» . إن الإجابة عن هذه الأسئلة مهمة جدا من قبل المخططين وواضعي المناهج، حيث إنه يحدد نوع الخبرات اللازمة لتنمية القيم الخلقية الإسلامية كما ينبغي أن يكون. 2- الاهتمام بتوفير مواقف ممارسة هذه القيم، وهي مواقف عملية لأنه لا يكفي ترديد المعلومات ولا الوعظ والتلقين، وإنما لا بد من النشاط الواقعي والمواقف الحية التي لا بد أن يعيشها الناشىء في المدرسة، ومعنى هذا أنه بعد تحديد القيم التي ستقدم لا بد من إتاحة الفرصة أمام الناشئة للمشاركة في تحمل المسئولية إزاء المهام والقيم المطلوب الالتزام بها. 3- الاهتمام باتجاهات الناشئة ومشاعرهم، واستخدام القوة الانفعالية والتفكير معا في تنمية القيم الإسلامية، وإشعارهم بأهمية القيم بالنسبة لهم وبالنسبة للجماعة التي ينتمون إليها، وتدريبهم على الاستقلال في الاختيار، ومنحهم مساحة كافية من الحرية للتدريب على الاختيار والممارسة لهذه القيم. 4- الاهتمام بتوفير القدوة الصالحة المتمثلة في المعلم الخيّر الكفء الذي يكون على درجة عالية من المهارة، وعلى وعي وتدريب كافيين لتنمية القيم، ليمكن الناشىء من التفاعل مع المواقف المتغيرة بشكل جيد، ومعنى هذا   (1) جورج بوشامب، نظرية المنهج، ترجمة: ممدوح محمد سليمان وآخران، مراجعة ممدوح محمد سليمان، القاهرة، الدار العربية للنشر، توزيع 1987، ص 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 أن هناك شروطا معينة لا بد من توافرها في المعلم: - أن يكون واعيا بوظيفته وأهميتها في مجال تنمية القيم الخلقية. - أن يكون على علم بتوجيهات الكتاب والسنة في هذا المجال. - أن يكون عالما بما يريد تعليمه وتنميته من قيم في الأفراد. - أن يكون ملتزما بتلك القيم، أي أن يكون قدوة متمثلة فيه الشروط التي سبق تناولها، اقتداء بالرسول صلّى الله عليه وسلّم. - أن يكون عالما متمكنا بتخصصه العلمي، وبالأساليب التي يستطيع عن طريقها تنمية القيم الخلقية من خلال تدريس التخصص. 5- الاهتمام بتنظيم العلاقة القائمة بين المدرسة والمجتمع ومؤسساته، وكذا العلاقة القائمة بين العاملين في المدرسة، إذ يجب أن يسودها جو قيمي موات لأن يتأثر به الناشئة إيجابيا. 6- الاهتمام بالجو الاجتماعي المدرسي القائم على أساس الحب والألفة والتفاهم والتشجيع، إذ أن هذا يعطي المتعلم فرصا مناسبة ليكون على علاقة وطيدة توجيهية وإرشادية مع معلمين وإداريين وعاملين يعرفونه جيدا، وبالتالي يتشرب القيم الإسلامية عن طريق العلاقة الحميمة مع أساتذته ومعلميه. 7- الاهتمام بالأنشطة المدرسية المتنوعة، والتي تعتبر بيئة مناسبة جدا لتنمية القيم الخلقية، إذ يمكن عن طريقها ممارسة تلك القيم، كالشورى والحوار وتبادل الرأي والخبرة، والتعاون، والصدق، والتخطيط وحسن اتخاذ القرار، وتقديم أفكار جديدة، والالتزام بالقرارات والاقتراحات، كما أنها تعمل على تنمية القيم السياسية والإدارية، وقيم التنظيم، والرقابة، وغير ذلك، وتؤدي دورا ملحوظا في تنمية المسئولية وقيمها «1» . 8- الاهتمام بالمكتبة المدرسية، على أن تختار محتوياتها بعناية بالغة من حيث الشكل والمضمون ومراعاة نوعها، وتنظيمها، وكذا الاهتمام بأماكن الرياضة واللعب، وغير ذلك «2» . إن دور المدرسة مهم في مجال تنمية القيم الخلقية الإسلامية ولا بد أن يعلم القائمون عليها هذا وأن يجعلوا منها بيئة تربوية مناسبة تعمل على تنمية هذه القيم، ولكن كما أشرنا، نؤكد أهمية التكامل بين المدرسة ومؤسسات المجتمع، والوسط الاجتماعي العام الذي تترجم عنه المدرسة وتعكس إطاره الثقافي وعلاقاته وقيمه.   (1) راجع: كافية رمضان وأخرى، مرجع سابق، ص 220، 201. (2) راجع: المرجع السابق، ص 212، 214. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 هـ- وسائل الإعلام: تقوم وسائل الإعلام والاتصال بدور بالغ الخطورة والأهمية في حياة الناس بعامة، وفي حياة الناشيء بصفة خاصة، فقد احتلت مركزا بالغ الأهمية لديهم، حتى إنها أصبحت- في كثير من الأحيان- بديلا عن الكتاب من مؤسسات التربية والتعليم والتثقيف. ولأنها تقدم مواد متنوعة ومختلفة فإن تأثيرها في مجال تنمية المفاهيم والقيم والاتجاهات بالغ الأهمية، فهي تنقل إلى الناس معتقدات واتجاهات وقيما، في شكل قصة أو في شكل أنماط سلوكية قد تحظى بالقبول وقد ترفض، ومن خلال وسائل الإعلام هذه يتلقى الناشئة تلك المعتقدات والاتجاهات والقيم، والتي من المفروض أن تكون متوافقة مع ما يرتضيه المجتمع الذي تنتمي إليه وما ترتضيه ثقافته، وأن تعرض المثل الأعلى المنشود في هذا المجتمع أو ذاك، وبمعنى آخر: أن تعكس أهداف المجتمع من الإنسان والحياة. ولأن وسائل الإعلام متنوعة ومتعددة، فإنه يمكن أن ننظر إليها في ضوء وظائفها الأساسية والمتمثلة فيما يلي: 1- إضفاء المكانة: فوسائل الاتصال تلقي الضوء على بعض الحركات والقضايا العامة والأشخاص والمؤسسات، وتؤيدها أو ترفضها مما يضفي عليها مكانة أو يؤثر في مكانها سلبيا. 2- تقويم ثقافة المجتمع ومعاييره: إذ أن لها من القوة في استثارة العمل الاجتماعي المنظم وفقا للمعايير الأخلاقية والمثالية في المجتمع، ولو حدث انحراف ما عن هذه المعايير تقوم تلك الوسائل بالتنبيه عليه، حيث تقوم بإعلام أفراد المجتمع به وبحقائقه وبأساليب مواجهته كي تتفق الأنماط السلوكية للناس مع المعايير الاجتماعية المقبولة. إن هذه الوسائل تفرض ضغطا كبيرا للوقاية من مظاهر الانحراف عن المعايير والقيم، لإعادة تثبيتها ودعمها وتطبيقها، وجعلها في بؤرة الوعي الاجتماعي ولب اهتماماته. 3- تنمية الذوق العام: حيث تقوم بتنمية الإحساس بالجمال في الحياة، وكذا جمال النفس الذي يستطيع الإنسان به أن يرى الوجود جميلا، وكذا تنمية الذوق العام في السلوك العام في الأماكن العامة والالتزام بمعايير المجتمع وقيمه. 4- خدمة المجتمع: وهي في هذا تساعد وتكمل عمل التربية، فهي تعمل على تشكيل الشخصية الإنسانية القادرة على تحقيق التقدم والتنمية، وذلك عن طريق بيان أهمية العمل وتغيير المفاهيم السائدة التي لا تصلح لمسيرة المجتمع، وتقديم المعلومات التي تفيد في هذا المجال، وهي تخدم قضية التغيير الثقافي والاجتماعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 كما أن هذه الوسائل في عملية التطبيع الاجتماعي، عن طريق نقلها لأنماط السلوك المقبولة ومساندتها، وبالتالي يكتسبها الناس صغارا وكبارا ويحتضنونها من خلال تلك الوسائل، وبالتالي تؤثر في تكوين الشخصية، وتساعدها على التكيف للمواقف والخبرات الجديدة «1» . وتساعد عدة عوامل على إحداث التأثير الكبير في الشيء، من هذه العوامل: التكرار، والجاذبية والمشاركة، ولا نريد أن نستفيض في هذا المجال، لأن المقام لا يسمح، ولكن عوامل تأثر النشء بالمواد الإعلامية- وخاصة التليفزيون- يستحق منا التركيز. ويمكن ذكر تلك العوامل فيما يلي: 1- الاستيعاب: ومعناه: امتصاص المواد المبثوثة في وسائل الإعلام لما تنطوي عليه من مغريات فنية وأدبية وإخراجية، وكلما تكررت المادة بصورة أو أخرى زاد الاستيعاب. 2- التقليد: وخاصة بين الصغار، فالصغير يقلد النماذج التي تعرض له، ويتوقف التقليد على بيئة الناشىء، وعلى ردود الفعل لدى أفراد هذه البيئة تجاه ما يقرأونه ويشاهدونه. 3- التقمص: وهو حالة نفسية واجتماعية تتوحد خلالها شخصية المشاهد أو القارىء مع النماذج التي تقدم له من خلال وسائل الإعلام، ويستخدم المتلقي التقمص كوسيلة لإرضاء أو إشباع الحاجات الأساسية «2» . إن أهمية وسائل الإعلام قد غدت واضحة في مجال التربية، والأمر كذلك، فإنها تقوم على قيم معينة، هي قيم المجتمع الذي نعيش فيه، وهي إما أن تساعد على تثبيت هذه القيم ودعمها، وإما أن تعمل ضدها، بحيث تغرس في نفوس الأفراد قيما أصيلة جيدة، أو تخلع منها قيما رديئة وتغرس محلها قيما أخرى جيدة، وهذا يعود بالتأكيد إلى القائمين على أمر هذه الوسائل ومدى فهمهم لثقافة المجتمع ومعاييره وقيمه. وقد تستخدم هذه الوسائل استخداما سيئا يعطل في الإنسان عقله ووجدانه، واهتمامه بالقيم مما يؤدي إلى حالة من الركود والخمول واللامبالاة، أو ما يسمى بعدم الاهتمام أو الاهتمام الظاهري الكاذب بمشكلات المجتمع، فكما أن لها استخداماتها الفعالة، فإن لها استخدامات ضارة أيضا، خاصة إذا ما وجهت توجيها ضد قيم المجتمع الأصيلة، فهي في هذه الحالة تهدم ولا تبني. ومن الملاحظ في حياتنا تسرب ظواهر معينة من خلال وسائل الإعلام، كإشاعة العنف، والهروب من الواقع، والاستغراق في الخيال، والسلبية، والتقليد الأعمى، وغير ذلك وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه، وتؤكده دراسات   (1) راجع كافيه رمضان وأخرى، مرجع سابق، ص 252، 253. (2) راجع عبد اللطيف هوانة، مرجع سابق، ص 126، 127. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 متعددة عن الأثر السلبي لوسائل الإعلام «1» . فهذه الوسائل قد تصبح معوّقا كبيرا- في بعض مواقفها- لتنمية الإنسان وقيمه المنشودة، وفي هذه الحالة لا بد أن نعي أن الإعلام في هذا الوضع يشكل معوّقا وخطرا على القيم، ويكمن هذا في التناقض الأساسي بين القائمين على الإعلام، أو بعضهم وبين الأغلبية الساحقة في المجتمع صاحبة المصلحة الحقيقية في تنمية القيم الإسلامية الدافعة نحو التقدم والتغيير الهادف البناء تجاه أهداف الإسلام «2» . وتزداد خطورة وأهمية وسائل الإعلام في مجال تنمية القيم، وذلك مع ما يمر به المجتمع العربي والإسلامي من ظروف التغير وسرعته ومن انفجار سكاني ومعرفي، وما يعانيه الإنسان من فراغ، واهتزاز في نظم العلاقات الاجتماعية الناتج عن اهتزاز القيم لدى الأفراد والمجتمعات، وما يتطلبه هذا المجتمع من جهود تنموية تدفعه نحو التقدم ليعبر هوة التخلف المادي التي يعاني منها، والتي تتطلب تنمية القيم اللازمة لمساندة هذه الجهود لتحقيق إنسانية الإنسان وتوفير جهده وحفظه وحفظ كرامته. ولكل هذا نقول إن خطورة وأهمية وسائل الإعلام في مجال تنمية القيم الإسلامية المعبرة عن حركة المجتمع الإسلامي واضحة، فهي تقوم بدور رائد وفعال في هذا المجال، ولكي تكون هذه الوسائل أكثر فعالية، فإنه من اللازم عليها: 1- أن تنبثق رسالتها من تصور إسلامي خالص، وبطريقة متكاملة مع بقية الوسائط الأخري، حتى تتضافر الجهود في سبيل تقديم القيم الخلقية الإسلامية الخالصة. 2- أن تخضع لتنظيم وتخطيط متكامل شامل لإيصال القيم الخلقية الإسلامية الخالصة للناس كافة بأسلوب عصري يعتمد على العقل والمنطق، وبكافة الأساليب الممكنة، ولا بد أن يأتي هذا التخطيط على أساس دراسة الواقع وفهمه فهما جيدا ومن ثم تتحدد الأهداف التي تسعى إليها وسائل الإعلام في هذا المجال. 3- أن تستخدم الحكمة في مخاطبة الناس، فتأتيهم من جانب اهتماماتهم وآلامهم اليومية مع انتقاء الكلمة الطيبة التي تفتح أقفال العقول والقلوب، التزاما بالتوجيه القرآني الكريم: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ «3» . فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا   (1) انظر في هذا المجال: نور الدين عبد الجواد، الإعلام والرسالة التربوية، في: ماذا يريد التربويون من الإعلاميين، الجزء الثاني، الرياض، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1404 هـ- 1984 م، ص 205. (2) انظر: محمد سيد محمد، الإعلام والتنمية، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار الفكر العربي، 1405 هـ- 1985 م، ص 279- 289. (3) سورة النحل: 125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «1» . 4- أن تتصدى للقيم والاتجاهات الهابطة التي تقدم بقصد أو عن غير قصد في المادة الإعلامية، بهدف التشكيك في القيم الإسلامية، بل في الإسلام كله، وهنا لا بد من استخدام الحجة والبرهان مع الصراحة والوضوح، وحسن البيان مع الالتزام بالأدب في القول. 5- أن تعمل على إيجاد كوادر إعلامية مسلمة، تقدم المادة الإعلامية، وتبدع من أجل إيصال القيم الإسلامية لكل فرد في المجتمع الإسلامي وبصورة مناسبة ومشوقة، وتستطيع توجيه الناس إلى الإسلام الصحيح للإفادة به على نطاق واسع ومفيد. 6- أن تعمل على تكريس الطاقات المسلمة وتكثيفها، فكرا وثقافة وعلما واقتصادا، وأن تحشدها في سبيل تقديم ما يفيد المسلمين في دنياهم وأخراهم، مع تكييف الدعوة للقيم الإسلامية عن طريق الكلمة المسموعة أو المقروءة أو المرئية، والمعبرة تعبيرا صادقا عن القيم الإسلامية الصحيحة. 7- أن تعمل على توفير القدوة الحسنة إعلاميا والملتزمة بالقيم الإسلامية والصادقة مع نفسها وربها، والموجهة جهودها نحو الخير، المجانبة للكلمة النابية والعبارة الخارجة، وذلك لأن هذه الوسائل تؤثر في الإنسان وخاصة ميله للتقليد والمحاكاة والتي لها تأثير فعال في ميدان الإعلام، وميدان التربية والتعليم على السواء، لذلك يعتمد عليها رجال هذه الميادين كلها بدون استثناء. فرجال الإعلام ينظرون إلى القدوة الحسنة على أنها من وسائل الإعلام، تغني في ذاتها عن بذل الجهود الإعلامية في سبيل دعوة ينشرونها أو فكرة يدعون إليها، أو عقيدة أو سياسة جديدة ينشرونها، ونحو ذلك لذا فإن «القدوة الحسنة هي من أنجح الأساليب والوسائل للاتصال بالناس» «2» . 8- أن تركز باهتمام بالغ على برامج الأطفال بوجه خاص، بحيث تقدم لهم القيم الإسلامية بصورة مبسطة تعتمد على المواقف الحياتية والإسلامية وخصائصها، متفتحة على العصر بأسلوب سهل ميسر، بحيث يساعد على تكوين وتنمية ذاتيتهم الإسلامية العربية فيعتزون بالقيم الإسلامية ويعملون على المحافظة عليها بالقول والسلوك. 9- أن تركز باهتمام على برامج المرأة المسلمة، وتقدم لها كافة ما يهمها، وبصورة تتمكن معها المرأة المسلمة قارئة وغير قارئة من الاستفادة من هذه البرامج، ذلك لأن المرأة هي أخطر عامل مؤثر في تنمية القيم لدى الطفل المسلم.   (1) سورة آل عمران: 159. (2) عبد اللطيف حمزة، الإعلام في صدر الإسلام، الطبعة الثانية، القاهرة، دار الفكر العربي، 1978، ص 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 هذه هي أهم الوسائط التي يناط بها تنمية القيم الإسلامية، وهذه هي الصورة التي ينبغي أن تكون عليها تلك الوسائط لتقوم بوظيفتها، أو تبدأ بأدائها، حاولت توضيحها حتى لا تفقد قيمتها، وحتى لا تقع في تناقضات تفقدها ثقة الناس بها، وحتى لا تصبح عبئا ثقيلا على المجتمع الإسلامي، بحيث تقع في جانب الاستهلاك المرذول بدلا من أن تكون في جانب الإنتاج المطلوب، وبحيث يتكامل بعضها مع بعض وبطريقة شاملة منسقة مع أهداف المجتمع الإسلامي المتشوق بدور حضاري جديد مبني على القيم الإسلامية الصحيحة الدافعة نحو التقدم والتحضر والرقي والتنمية الصحيحة. إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة، بل هو أمر جد صعب وجاد، يحتاج إلى جهد وجهاد للعبور فوق التخلف، لبناء إسلامي صحيح، والدفاع عنه بكل ما يستطاع بطريقة مدروسة ومخططة تخطيطا جيدا. إن الأمر أوسع مما يتصور، وأخطر مما نقدر، ومن حجم هذه الكلمات، إن الجهد المبذول من أجل تقدم المجتمعات العربية الإسلامية لن يكون ذا جدوى إذا لم تواكبه حركة قوية في بناء وتنمية القيم الإسلامية التي بإمكانها أن تحفظ هذا الجهد فلا يضيع وتحفظ الإنسان الذي يبذل هذا الجهد من الضياع والعدم والاغتراب والاستلاب واللامبالاة، ولذا فإن القيمة الحقيقية لتلك الوسائط وهذه الوسائل هي في الالتزام بتلك القيم والمحافظة عليها ورعايتها في أعماق الإنسان الذي تحاول أن تبنيه، وهي في هذا تستجيب استجابة حقيقية لحاجات الإنسان في هذه المجتمعات، وتنسق مع إمكانياته، وقدراته وتفجرها تفجيرا من أجل خيره وخير الإنسانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 السيرة النبوية العطرة الأخلاق ودراسة السيرة: إن لدراسة السيرة العطرة- خاصة فيما يتعلق بالمجال الأخلاقي- أهدافا عديدة يمكن إبراز أهمها فيما يلي: 1- يجد المرء في سيرته صلّى الله عليه وسلّم ما يعينه على فهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. 2- إن الدارس لسيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقف على التطبيق العملي لأحكام الإسلام التي تضمنتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في مجالات الحياة المختلفة. 3- إن الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقتضي معرفة شمائله وأحواله صلّى الله عليه وسلّم في المجالات المختلفة ومن عرف شمائله وأحواله وأحبه واقتدى به فسيهتدي بإذن الله إلى الصراط المستقيم وسينال ما يدخره الله عز وجل له على ذلك. قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب/ 21) . فقد كان صلّى الله عليه وسلّم في هدايته الناس كما وصفه ربه: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (الشورى/ 52- 53) . 4- إن الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم واتباعه دليل على محبة العبد ربه، وسينال العبد محبة الله له، وفي هذا يقول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/ 31) . 5- يقف الدارس لسيرته صلّى الله عليه وسلّم على حقائق معجزاته- دلائل نبوته- مما يقوي ويزيد الإيمان من ناحية، والفهم الجيد لهذه المعجزات في ضوء معرفة هذه الوقائع من ناحية أخرى. 6- إن معرفة ما حفلت به السيرة من مواقف إيمانية عقدية، وقفها الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لإعلاء كلمة الله، تقوي من عزائم المؤمنين السائرين على درب الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتثبتهم للدفاع عن الدين والحق، وتبعث في قلوبهم الطمأنينة. 7- في سيرته صلّى الله عليه وسلّم دروس كثيرة لجميع الناس، ومواساة لهم في كافة أنواع الابتلاءات التي يتعرضون لها، لا سيما الدعاة. 8- إن سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم هي المثل الأعلى للإنسان الكامل في جميع الجوانب. 9- يحصل دارس السيرة على قدر كبير من المعارف الصحيحة في علوم الإسلام المختلفة، من عقيدة وشريعة وأخلاق وتفسير وحديث وسياسة وتربية واجتماع ... الخ. 10- يقف الدارس لسيرته صلّى الله عليه وسلّم على تطور الدعوة الإسلامية، وما كابده الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لإعلاء كلمة الله، وما واجهه هو وأصحابه من مشكلات، وكيفية التصرف في تذليل تلك العقبات، وحل تلك المشكلات. 11- إن معرفة أسباب نزول الآيات القرآنية ومناسبات أقوال كثيرة للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لا تعرف إلا بمعرفة السيرة النبوية، ولهذا أهمية قصوى في الفهم الصحيح للآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. 12- إن علم الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم والسنة، لا يتأتى فهمه ومعرفته إلا في ضوء وقائع السيرة. 13- إن معرفة السيرة على وجهها الصحيح يمكن المسلم من تفنيد الترهات والأباطيل التي يحاول بعض المستشرقين أن يفسروها على غير وجهها الصحيح. 14- في السيرة العطرة ما يساعد المسلمين على الخروج من المحنة التي ابتلى بها كثير منهم في هذه الأيام حيث توضح مواقف السيرة كيف يتآخى المسلمون ويصبرون على الشدائد ويثقون بنصر الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 تمهيد مصادر دراسة السيرة النبوية: القرآن الكريم هو المصدر الأول والأساسي من مصادر دراسة السيرة النبوية المطهرة، ذلك أنه يشتمل على بيان واضح للعقيدة والشريعة والأخلاق ويتضمن وصفا للعديد من الغزوات والأحداث الجليلة التي واجهت الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما أنه يتضمن تصويرا للصراع الفكري والمادي بين الرسول عليه السلام وخصومه، وبين الإسلام ومعانديه. ولا شك في أن القرآن الكريم من المصادر التي لها خصوصية الصدق والدّقة والثبوت المطلق من ناحيتي العقيدة والتاريخ عند المسلمين، كما لا يشك أحد فيه من الناحية التاريخية، وإن حصل بعض الاختلاف بين عموم المسلمين من جهة وبين غيرهم من الجهة الأخرى حول مصدره. ويرد في الكتاب العزيز ذكر لبعض الأحداث التاريخية المهمة في عصر النبوة مثل معركة بدر، التي نجد تفصيلات عنها في سورة الأنفال، ومعركة أحد التي وردت في سورة آل عمران تفصيلات عنها، ومعركة الخندق في سورة الأحزاب، وحنين في سورة التوبة، ونجد آيات عن هذه الغزوات في سور أخرى. كما أن هناك آيات نزلت في مناسبات أخرى من عصر السيرة، كما نجد في بعض الآيات تصويرا دقيقا للصراع الفكري والمادي بين المسلمين واليهود في الحجاز كما يتضح ذلك في سور البقرة والحشر والأحزاب. وإضافة إلى ذلك فإن القرآن الكريم يتناول في بعض آياته مناقشات مع عرب الجاهلية تتضمن استعراض مجالات حياتهم العقدية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، كما يلمّح القرآن الكريم إلى الحضارات القديمة في الجزيرة وما جاورها، مما يعين على فهم أحوال المجتمعات الإنسانية قبل ظهور الإسلام، وعند ظهوره. غير أنه من غير الممكن تحقيق الاستفادة الكاملة من جميع ذلك إلّا بالرجوع إلى كتب التفسير وبشكل خاص التفسير بالمأثور مثل تفسير الطبري وابن كثير وابن الجوزي والحافظ السيوطي في تلخيصه الموسوم «بالدر المنثور في التفسير بالمأثور» ، كما ينبغي الإنتباه إلى ما صنّف في ناسخ القرآن ومنسوخه، وكتب أسباب النزول وغيرها مما له صلة وثيقة بالقرآن وعلومه «1» . والمصدر الثاني للسيرة المطهرة، كتب الحديث وهي متنوعة، منها الكتب المرتبة على المسانيد، ومنها الكتب المرتبة على الموضوعات الفقهية، وهذه الكتب تقدم مادة واسعة، فهي تعنى بالدرجة الأولى بجمع أقوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأفعاله، وتقريراته، وفضائله، وسيرته، ومغازيه، وسراياه، وبعوثه، وتحتوي على تفاصيل أخرى كثيرة متصلة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وهي توضح جذور النظم الإسلامية وكيفية تطبيق التشريعات الأولى. وتمتاز المصادر الحديثية بأنها أوثق رواة وأدق متونا من كتب السيرة المتخصصة، وينطبق هذا الوصف بشكل دقيق   (1) أكرم العمري- السيرة النبوية الصحيحة 1/ 47- 9، مهدي رزق الله أحمد- السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص/ 15- 16، فاروق حماده- مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص/ 34- 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 على الكتب الستة وفي مقدمتها صحيحا البخاري ومسلم. ولا بد من ملاحظة أن السيرة تستقي من كتب أسباب النزول والناسخ والمنسوخ في القرآن، وكتب التفسير وخصوصا تفسير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم الرازي، ذلك أن التفسيرين يسوقان الروايات بالأسانيد مما يخدم توثيق النصوص عن طريق المتابعات والشواهد ومعرفة اختلاف المخارج بالنسبة للمراسيل «1» . وتبين كتب الدلائل صدق معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأقدم من أفردها عن كتب الحديث محمد بن يوسف الفريابي (ت 212 هـ/ 827 م) «2» في كتابه «دلائل النبوة» «3» . أما كتب الشمائل فتتناول أخلاق وآداب وصفات النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأقدم من أفردها أبو البختري وهب الأسدي (ت 200 هـ/ 815 م) «4» . وتأتي كتب السيرة النبوية والمغازي، ضمن المصادر المهمة، وقد ظهر عدد كبير من هذه الكتب خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، ونشير من بين رجال القرن الأول إلى عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيّب، وأبان بن عثمان بن عفان. ومن رجال القرن الثاني إلى ما كتبه موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ومعمر بن راشد، والزهري. أما في القرن الثالث الهجري فقد برز محمد بن عمر الواقدي، وعبد الرزاق بن همّام الصنعاني، وعمر بن شبّة بن عبيد. ولا يمكن أن نغفل المجلدين الأولين من كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد وهما في السيرة النبوية «5» . وتمتاز كتب السيرة المتخصصة بسهولة العرض، وتتابع الأحداث التاريخية واتصالها، ومراعاة التتابع التاريخي في سردها، كما أنها تقدم وصفا مفصلا للأحداث بحكم تخصصها، ومع أن أغلب كتب المغازي والسير الأولى لا يزال مفقودا فإن ما أمكن رصده منها في المصادر المتأخرة يعكس مفردات الهيكل العام للمؤلّف، وأساليب المؤلفين ومستوى الدقة التي يتمتع بها كل منهم. ويعتبر كتاب السيرة النبوية الذي هذّبه ابن هشام عن سيرة ابن إسحاق من أوثق كتب السيرة المتخصصة، وعلى الرغم من موقف علماء مدرسة المدينة من ابن إسحاق، وما ذكره النقّاد المحدثون عنه من تساهل في الإسناد، وقبول مرويات الإخباريين ووجود المناكير والعجائب في رواياته، وما في أصل سيرته من الشّعر المنتحل، فإنه اعتمد عند الحافظ الذهبي حجة في المغازي. وقد قبل من أحاديثه في أمور العقيدة والشريعة ما صرّح فيها بالتحديث ولم يدلس، ما لم يخالف من هو أوثق منه، واعتبرها في مرتبة «الحسن» الذي يحتج به. وقد اطلعت على نسخة فريدة كاملة من السيرة الواسطية، فلم أجد فيها ما يزيد على ما ورد في تهذيب السيرة لابن هشام إلا ما اتصل بالمرويات الخاصة بالعصر الجاهلي، وثبت لدي أنهما يصدران عن مصدر واحد.   (1) أكرم العمري- السيرة الصحيحة 1/ 50- 51. (2) الألباني- فهرست مخطوطات الظاهرية/ 373. (3) أورد العمري في السيرة الصحيحة 1/ 51- 52 ذكرا لأحد عشر كتابا في الدلائل. (4) ذكرت المصادر تسعة كتب في «الشمائل» باستثناء من خرّج الأحاديث ومن شرحها من العلماء، المرجع السابق 1/ 52- 53، وانظر ابن النديم- الفهرست ص/ 272. (تحقيق: رضا تجدد المازندراني، (طهران 1391 هـ/ 1971 م) .. (5) الدوري- بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب ص/ 137- 214. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 أما محمد بن عمر الواقدي، فلم يرد له في الصحيحين رواية واحدة، ورفض النقاد من المحدثين قبول مروياته. وقد ورد في ثنايا كتابه في المغازي الكثير من المرويات بأسانيد فيها رواة لا نجد لهم تراجم في كتب علم الرجال، كما قبل وثائق مزورة، كان الوضع فيها بيّنا واضحا ولعل أبرزها كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يهود مقنى والذي كان الكذب والوضع فيه ظاهرين للعيان. ومع ذلك فإنهم اهتموا بكتاب «المغازي» لغزارة ما فيه من المعلومات، ولتقديمه تفصيلات كثيرة ينفرد بها. وعند الانتقال إلى كتب التاريخ والأنساب فإن الطبري يقدم في كتابه «تاريخ الأمم والملوك» معلومات موسّعة عن السيرة يعتمد فيها بشكل كبير على ما قدمه ابن إسحاق، وإن كان يضيف روايات من مصادر أخرى. أما القسم الأول من كتاب «أنساب الأشراف» للبلاذري، فإنه من المصادر التي تقدم معلومات تمتاز بأهميتها وقدمها في مجال السيرة المطهرة. ويبقى بعد ذلك أن نشير إلى عدد من المؤلفات المتأخرة التي كتبت بعد منتصف القرن الخامس الهجري والتي قام مؤلفوها بجمع معلوماتهم فيها من كتب الحديث وكتب السير الأولى وهذبوها واختصروها. ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى عدد كبير من المؤلفين أمثال ابن عبد البر القرطبي في «الدرر» ، وابن حزم في «جوامع السير» ، وابن سيد الناس في «عيون الأثر» والحافظ الذهبي في «السيرة النبوية» ، والواسطي في «السيرة» ، وابن كثير في قسم السيرة من «البداية والنهاية» ، والدمشقي الشامي في «سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد» . وتأتي المصادر التكميلية، بعد القرآن الكريم، وكتب الحديث، وكتب السيرة المختصة، والمغازي، وكتب الشمائل والدلائل، لكي تكمّل معالم الصورة وتسد بعض الثغرات التي يمكن أن تبقى بعد استيفاء المعلومات الأساسية من المصادر الأصلية. وتتمثل هذه المصادر التكميلية في كتب «معرفة الصحابة والتراجم» ، وكتب «الأدب في صدر الإسلام» ، وخصوصا الشّعر، ثم كتب «الجغرافية التاريخية» التي تعطي الباحث صورة دقيقة عن الإطار المكاني للأحداث. لقد حفظ الله سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم من الضياع والتحريف والمبالغة والتهويل، بأن هيأ لها جهابذة المحدثين ليعنوا بها ويدونوا أصولها الأولى قبل أن تتناولها أقلام المؤرخين ومبالغات القصّاصين وهذه ميزة لمصادر السيرة لم تتوفر لغيرها، حيث إن المحدثين ثقاة مأمونون في الرواية، وهم في الوقت نفسه علماء لهم مناهج واضحة في نقد الروايات، ولهم أسلوبهم الجاد البعيد عن الحشو والمبالغات «1» .   (1) في هذا الموضوع انظر: الدوري- بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، ص/ 30- 46، صبحي الصالح- علوم الحديث ص/ 15- 16، محمد عزت دروزة- سيرة الرسول، مصطفى السباعي- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص/ 293- 4، جواد علي- تاريخ العرب في الإسلام- السيرة ص/ 9- 11، العمري- السيرة النبوية الصحيحة ص 47- 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 بيئة الدعوة: يقع البيت العتيق وما يحيط به من مناطق سكنية وأسواق في واد تشرف عليه الجبال من أغلب النواحي، فمن الشرق يشرف عليه جبل «أبو قبيس» ، ومن الغرب جبل «قعيقعان» ، والجبلان يطوقان المنطقة على شكل هلالين متقابلين ويتركان من الناحية الشرقية منفذا إلى الأبطح وأعالي مكة مما يلي الحجون، أما من الجهة الثانية فالمسفلة حيث تنحدر الأرض مع مجرى السيل القديم، ويعرف الوادي الذي يقوم فيه البيت العتيق باسم البطحاء «1» ، وتحيط بالمسجد الحرام بيوت قريش «البطاح» التي امتازت بالتحضر والغنى والجاه. أما خارج أطراف الجبال فكانت تسكن «قريش الظواهر» وهم من العشائر الفقيرة ولكنها شديدة البأس. وتنتمي قريش إلى كنانة التي كانت تسكن قريبا من مكة، مما يعطي مكة عمقا معنويّا للحماية والدعم. وقد تعززت العلاقات النّسبيّة وصلة القربى والرحم بالمحالفات بين الطرفين، وكان الأحابيش الذين يعيشون عند مشارف مكة حلفاء لقبيلة قريش، تساندهم في حروبهم وتستخدمهم في حراسة قوافل التجارة المكية إلى اليمن والشام وأطراف الجزيرة في طريق العراق، وقد شملت محالفات قريش عددا كبيرا من القبائل العربية التي تقع مواطنها على امتداد طرق التجارة التي يباشرونها. ولما كان الاقتصاد التجاري يعتمد على استتباب الأمن، فقد اعتمدت قريش على مكانتها عند العرب، وتحالفاتها مع القبائل العربية، وما كان يظهره زعماؤها من الحصافة والحلم واللين وبعد النظر في سبيل الوصول إلى غاياتهم في تحقيق الأمن لطرق مواصلاتها التجارية. ومع أن قريشا قد دخلت قبل الإسلام في حروب الفجار الأربع التي كانت مناوشات محدودة، فإنها لم تستطع أن تحرز نصرا في تلك الحروب الصغيرة على الأعراب، وذلك يشير إلى عدم اعتمادها على القوة في تأمين مصالحها، بقدر ما تعتمد على مكانتها التي بوأها لها وجود البيت العتيق الذي يحج إليه العرب من شتّى المناطق والذي كانت تحيط به أصنامهم التي زاد عددها كثيرا حتى تجاوز ثلاثمائة وخمسين صنما، وذلك مما ساعدها على تحقيق الأمن، إضافة إلى ما كانوا يحققونه من مكاسب مادية. لقد قام قصيّ بتوحيد قريش وجمعها في مكة وما حولها، ومكّن لها ونظّم شئونها. وقام أبناؤه بأعمال جليلة أدت إلى ازدهار الحياة في مكة وأبرزت مكانتهم وفضلهم وشرفهم ومكّنت لسيادتهم، فقد تولوا السقاية والرفادة والحجابة واللواء والندوة، وتمكّن هاشم بن عبد مناف بن قصي من عقد الإيلاف وتوسيع نطاق التجارة المكية بنقلها من النطاق الإقليمي إلى آفاق العالم القديم الرحبة، لِإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ «2» . وقام هاشم كذلك بحفر عدد من الآبار وتوفير المياه لسكان مكة وحجاج البيت العتيق على حد سواء. وقد عرف «المطلب» بن عبد مناف بالدعوة إلى مكارم الأخلاق، والأمر بترك الظلم والبغي والعدوان، كما عرف بشدّة التزامه بالنسك. وقد حاز عبد المطلب بن هاشم على مكانة متميّزة في قلوب الناس لكرمه وجوده، واشتهر بحفره بئر زمزم التي وفرت المياه في مكة، فلم تعد هناك حاجة لنقل المياه إلى مكة من خارجها، ومع أن عبد المطلب   (1) جواد علي- المفصل في تاريخ العرب 6/ 10- 25، أكرم العمري- السيرة النبوية الصحيحة 1/ 77- 88. (2) القرآن الكريم، سورة قريش، الآية/ 1- 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 لم يكن أغنى رجال مكة ولا هو زعيمها الوحيد، غير أن صلته المباشرة بشئون البيت العتيق، وقيامه بخدمة حجاج البيت جعلته من أبرز زعماء مكة، فكان هو الذي فاوض أبرهة حين قدم بالأحباش غازيا لمكة بقصد هدم الكعبة: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ «1» . ومع ظهور الإسلام، وبدء نزول الوحي، وقبيل اشتداد مقاومة قريش للدعوة الإسلامية، تولى أبو طالب بن عبد المطلب الرفادة والسقاية بعد وفاة والده، ولم يكن موسرا لينفق من ماله، فاضطر إلى الاقتراض من أخيه العباس ابن عبد المطلب مبلغا كبيرا من المال أنفقه على الحجيج، ولما عجز عن إيفاء القرض تنازل عن السقاية والرفادة إلى أخيه العباس مقابل ذلك. نتبيّن مما تقدّم بأن عشيرة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم كانت تتبوأ مكانة متميّزة في مكة عند ظهور الإسلام، رغم أنهم لم يكونوا من أهل الثراء الواسع، ولعلهم كانوا وسطا في ذلك، ودون أوساط تجار مكة الآخرين. في حين كان الثراء قبيل الإسلام في بني عبد شمس وبني نوفل وبني مخزوم، وقد نازعتهم العشائر القرشية الأخرى السيادة على مكة، وكان هذا النزاع قد بدأ بين أبناء قصي وأدى إلى انقسامهم إلى محورين هما: «المطيّبون» : وهم بنو عبد مناف ومن حالفهم من بني أسد بن عبد العزى وبني زهرة وبني تيم وبني الحارث بن فهر. أما المحور الثاني فهم «الأحلاف» وهو تجمّع يضم بني عبد الدار ومن حالفهم من بني سهم وجمح ومخزوم وعدي. وحصلت منافرات ومنازعات بين زعماء الأسر الكبيرة أحيانا، مثال ذلك ما حصل بين أميّة بن عبد شمس وعمه عبد المطلب بن هاشم. لقد بيّن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن العرب المشركين في جاهليتهم كانوا يعبدون آلهة مزعومة لتقربهم من الله وتشفع لهم عنده، قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ «2» . ولقد اتصلت فيهم هذه الوثنية مع شعائرها وعاداتها واعتقاداتها فترة طويلة، وهم يتشفعون بالأصنام والأوثان: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى «3» . ولقد ترسخت لديهم الوثنية بمرور الزمان لما كانوا عليه من إجلال أسلافهم وتعظيمهم: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ «4» . وهكذا فقد أعماهم التقليد عن نقد تراثهم العقدي وتحكيم العقل، واستتبع الانحراف في العقيدة انحرافا في العبادة والسلوك والشعائر والشرائع. وهكذا جرى تحريف الحنيفية الإبراهيمية، فدخلت الوثنية مناسك الحج، ووضعوا الأصنام حول الكعبة، وجرى الطواف بها مع التعري من الثياب أحيانا «الحمس» . وأصبحت قريش في   (1) القرآن الكريم، سورة الفيل، الآية/ 1. (2) القرآن الكريم، سورة يونس، الآية/ 18. (3) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 19. (4) القرآن الكريم- سورة الزخرف، الآية/ 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 آخر المطاف لا تخرج إلى صعيد عرفات لتقف مع الناس للحج، بل تقف في مزدلفة، متميّزة عن غيرها من بقية القبائل «وكانوا لا يسلئون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة، ولا يغزلون صوفا ولا وبرا، ولا يدخلون بيتا من الشّعر والمدر، وإنما يكتنّون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم، ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحل إذا دخلوا الحرم، وأن يتركوا ثياب الحل ويستبدلوها بثيات الحرم إما شراء وإما عارية وإما هبة، فإن وجدوا ذلك فبها، وإلّا طافوا بالبيت عرايا، وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك. وهكذا فقد شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله مع أنهم كانوا يزعمون بأنهم إنما يسيرون وفق شريعة إبراهيم عليه السلام. أما تصوراتهم عن الله سبحانه وتعالى فقد كان يعتورها القصور والنقص فهم ينحرفون عن الطريق القويم في جملة أمور أساسية في العقيدة، فقد اتخذوا أصناما لهم في كل بيت، يعبدونها ويتمسحون بها عند سفرهم وعند قدومهم ولذلك فإنهم عابوا التوحيد وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ «1» . وروى الشيخان أن عمرو بن عامر الخزاعي كان أول من سيّب السوائب «2» ، وأورد ابن كثير عددا من الأحاديث الصحيحة التي تدل على أن عمرو بن لحيّ كان أول من غيّر دين إبراهيم عليه السلام، فنصب الأوثان، وبحّر البحيرة، وسيّب السائبة، ووصل الوصيلة وحمى الحامي، فاتّبعته العرب فضلوا ضلالا بعيدا «3» . وقد أنكر الله تعالى عليهم ذلك في أكثر من آية فقال عزّ وجلّ: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ «4» . ذلك أنهم يشركون بالله فلا يوحدونه بل إنهم يلحدون في أسمائه سبحانه وصفاته «5» ، فيسمونه بأسماء لا توقيف فيها، أو بما يوهم معنى فاسدا، وينكرون بعض صفاته سبحانه، وينسبون إليه النقائص كالحاجة والولد فزعموا أن الملائكة بناته «6» ، والجن شركاؤه «7» ، وجحدوا القدر، وقالوا- كما في القرآن الكريم على ألسنتهم-: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ «8» . وأنكروا القيامة والبعث والنشور والدار الآخرة والحساب والجنة والنار، رغم إقرارهم بالربوبية وقسمهم   (1) القرآن الكريم- سورة ص، الآية/ 5. (2) البخاري- فتح 17/ 156- 158 (التهذيب 4623- 4624) ، مسلم- الصحيح 4/ 2192 (حديث 2856) . (3) ابن كثير- البداية 2/ 206- 207، ابن هشام- السيرة 1/ 121. (4) القرآن الكريم- سورة النحل، الآية 116، وانظر سور: النحل/ 56، المائدة، الآية/ 103، الأنعام، الآيات 136- 140، وقال ابن عباس- رضي الله عنهما-: «إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام» ، الطبري- تفسير 12/ 155. (5) قال تعالى في ذلك: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ سورة الأعراف، الآية/ 180. (6) قال تعالى في ذلك: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ سورة النحل، الآية/ 57. (7) قال تعالي في ذلك: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ ... سورة الأنعام، الآية/ 100. (8) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 بالله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «1» . وأما عبادتهم الناقصة لله تعالى، وحجهم إلى بيته العتيق، وتوسيطهم الأصنام والأوثان لتقربهم إلى الله زلفى وتقديم القرابين، ونذرهم النذور، فإنه لا يعكس إلّا الرغبة في الحياة السعيدة الرغيدة في الدنيا والحصول على الأموال والثراء، وتحقيق آمال دنيوية أخرى مثل جلب المنفعة، ودفع الشر والإضرار، فهم يعبدون الأصنام لتقربهم من الله تعالى الذي يطمعون منه أن يمنحهم ما يأملون في هذه الحياة التي تنتهي عادة بالهلاك الأبدي الدائم عندهم، الذي ينسبونه إلى الدهر: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ «2» . ويفضح القرآن الكريم إنكارهم للآخرة في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز «3» : وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ «4» . وفي قوله تعالى: وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ «5» . وقد زادوا في شعائر الحج التي جاء بها إبراهيم- عليه السلام-، ونقصوا فيها، وحرّفوها عن مقاصدها فقد كانت قريش كما أسلفنا لا تقف مع الناس في عرفات ولا تفيض معهم منها، وذلك ما وضحه حديث أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- «6» عنهم، وفي أسباب نزول قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «7» . وكانوا يحرّمون العمرة في أشهر الحج ويرون أن ذلك من أفجر الفجور في الأرض. ولم يبق من دين إبراهيم- عليه السلام- إلّا القليل، مثل تعظيم البيت العتيق والطواف به والحج والعمرة، مع ما فيهما من تحريف، والوقوف في عرفات والمزدلفة وإهداء البدن، مع أنهم أدخلوا في هذا ما ليس منه فقد كانت قريش وكنانة إذا أهلوا بالحج أو بالعمرة قالوا: «لبيك اللهم لبيك لا شريك لك، إلّا شريكا هو لك تملكه وما ملك» «8» . فهم يوحدونه بالتلبية، في الوقت الذي يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده. ومما زادوه في عباداتهم المكاء والتصدية في المسجد الحرام وهو التصفيق والصفير. قال تعالى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً «9» ، إضافة إلى ذبحهم على النصب تعظيما للأصنام. ويستسقون بالأنواء، ويقسمون باللّات والعزى. أما أخلاقهم وأعرافهم وعاداتهم، فكثير منها هدمه الإسلام، ومن ذلك ممارسة الكثير من الرذائل من   (1) القرآن الكريم- سورة النحل، الآية/ 38. (2) القرآن الكريم- سورة الجاثية، الآية/ 24. (3) سورة الحج، الآية/ 5، سورة هود، الآية/ 7، سورة الإسراء، الآية/ 49، 98، سورة المؤمنون، الآية/ 37، 82، سورة الصافات، الآية/ 16، سورة الواقعة، الآية/ 47، سورة المطففين، الآية/ 4، سورة الأنعام، الآية/ 29. (4) القرآن الكريم- سورة هود، الآية/ 7. (5) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 29. (6) مسلم- الصحيح 2/ 893 (الحديث 1219) . (7) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 199. (8) ابن هشام- السيرة 1/ 122، البزار- كشف الأستار 2/ 15، الهيثمي- مجمع الزوائد 3/ 223، ورجاله رجال الصحيح. وفي صحيح مسلم من حيث جاء الطويل. (9) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 شرب للخمور، ولعب الميسر، والزواج بغير عدد، وقتل بعضهم للأولاد بسبب الفقر، ووأد البنات خوف العار والفقر، وإثارتهم الحروب لأتفه الأسباب وأخذ الثأر، وقد حكى عنهم الله تعالى كل تلك الرذائل في القرآن الكريم وعابهم عليها ومن ذلك قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ «1» . وقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ «2» . وقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ «3» . وقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ «4» . وقوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «5» . سادت في بعض الأوساط أنواع من الأنكحة، التي لا تختلف عن الدعارة، فقد أورد البخاري وأبو داود بسندهما رواية عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- ذكرت فيها أنواع الأنكحة الفاسدة في الجاهلية «6» . حيث إنها ذكرت تفصيلات عن «نكاح الاستبضاع» ، و «نكاح الرهط» ، و «نكاح ذوات الرايات» ، ويظهر أنهم لم يكونوا يشعرون بالعار من هذه الممارسات «7» . كما أنهم يجمعون بين الأختين، ويتزوجون بزوجات آبائهم إذا ما طلقن أو ماتوا عنهن. ومن خصال الجاهلية تعييرهم بعضهم لبعض بفعل الأمهات والآباء، وافتخارهم بولاية المسجد الحرام «8» ، وازدراؤهم الفقراء والضعفاء «9» ، وقد شاعت فيهم العيافة والطّرق والطيرة والكهانة «10» ، وكانوا يتعوذون بالجن خوفا منهم «11» .   (1) القرآن الكريم- سورة التكوير، الآيات/ 8- 9. (2) القرآن الكريم- سورة الزخرف، الآية/ 17. (3) القرآن الكريم- سورة النحل، الآيات/ 58- 59. (4) القرآن الكريم- سورة الاسراء، الآية/ 31. (5) القرآن الكريم- سورة المائدة، الآية/ 90. (6) البخاري- الفتح 19/ 220- 222 (حديث 5127) ، أبو داود- السنن 2/ 702- 703. (7) البخاري- الفتح 9/ 138 (حديث 2053) ، مسلم- الصحيح 2/ 1080 (حديث 1757) . (8) قال تعالى في ذلك: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ سورة المؤمنون، الآية/ 67. (9) قال تعالى في ذلك: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، القرآن الكريم- سورة الزخرف، الآية/ 31. (10) العمري- السيرة النبوية الصحيحة 1/ 86. والطّرق: الضرب بالحصا الذي يفعله النساء، وقيل هو الخط في الرمل. (11) قال تعالى في ذلك: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً سورة الجن، الآية/ 6، البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 156) ، مسلم- الصحيح 2/ 644، حديث رقم 934. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 مبعث النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: نسبه صلّى الله عليه وسلّم: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان «1» . وأمه آمنة بنت وهب من بني زهرة ويلتقي نسب أمه بنسب أبيه في كلاب بن مرّة «2» . قال تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ «3» . وأورد البخاري الحديث الصحيح، الذي قال فيه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» «4» . وقال صلّى الله عليه وسلّم أيضا في حديث آخر: «بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتّى كنت من القرن الّذي كنت فيه» «5» . صفته صلّى الله عليه وسلّم: كان صلّى الله عليه وسلّم متوسط القامة ليس بالنحيف ولا الجسيم، عريض الصدر، ضخم اليدين والقدمين، مبسوط الكفين ليّنهما، قليل لحم العقبين، يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبّوة وهو شعر مجتمع كالزّرّ. وهو أحسن الناس وجها أبيض اللون بياضا مزهرا، مستدير الوجه مليحه، واسع الفم، طويل شقّ العينين، رجل الشعر، ولم يشب من شعره الأسود إلّا اليسير. وإضافة إلى حسن خلقته وسلامة حواسّه وأعضائه فقد اعتنى بمظهره من النظافة وحسن الهيئة والتطيب بالطيب «6» . أما صفاته الخلقية فقد وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «7» . وأكدت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- على أنه: «كان خلقه القرآن» «8» . إن دراسة سيرته صلّى الله عليه وسلّم تعكس صور التواضع المقترن بالمهابة، والحياء المقترن بالشجاعة، والكرم الصادق البعيد عن حب الظهور، والأمانة المشهورة بين الناس، والصدق في القول والعمل، والزهد في الدنيا عند إقبالها، وعدم التطلع إليها عند إدبارها، والإخلاص لله في كل ما يصدر عنه، مع فصاحة اللسان وثبات الجنان، وقوة العقل وحسن الفهم، والرحمة للكبير والصغير ولين الجانب، ورقة المشاعر وحب الصفح والعفو عن المسيء، والبعد عن الغلظة والجفاء والقسوة، والصبر في مواطن الشدّة، والجرأة في قول الحق.   (1) البخاري- الصحيح 4/ 238، كتاب الفضائل 15/ 36، خليفة بن خياط- الطبقات ص 3، ابن القيم- زاد المعاد 1/ 71. (2) البخاري- فتح 14/ 2230 (كتاب المناقب) . (3) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 124. (4) البخاري- الصحيح 15/ 26. (5) المرجع السابق 6/ 566، (فتح الباري 6/ 574) ، وانظر كذلك: البيهقي- دلائل النبوة 1/ 174- 175. (6) البيهقي- دلائل 1/ 175. (7) القرآن الكريم- سورة القلم، الآية/ 4. (8) مسلم- الصحيح 1/ 746. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 أسماؤه صلّى الله عليه وسلّم: للنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم أسماء كثيرة استخرجها العلماء وشرحوا معانيها وما تدل عليه «1» . وقد ثبت في الصحيحين من حديث جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لي خمسة أسماء: أنا محمّد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الّذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدميّ، وأنا العاقب» «2» . وقال أيضا: «أنا محمّد وأحمد والمقفّى والحاشر ونبيّ التّوبة، ونبيّ الرّحمة» «3» . وأسماؤه صلّى الله عليه وسلّم نوعان: أحدهما خاصّ به لا يشاركه فيه غيره من الرسل مثل الأسماء الخمسة التي وردت في الحديث الصحيح الآنف الذكر كمحمد وأحمد ... ، والنوع الثاني ما يشاركه في معناه غيره من الرسل ولكن له منه كما لهم، كرسول الله، والشاهد، والنذير، ونبي الرحمة. ومن أشهر أسمائه صلّى الله عليه وسلّم محمد. وهو في الأصل اسم مفعول من الحمد. وهو يتضمن الثناء على المحمود ومحبته وإجلاله وتعظيمه. هذا هو حقيقة الحمد وبني على وزن «مفعّل» مثل معظم، ومحبب، ومسوّد، ومبجّل، ونظائرها، لأن هذا البناء موضوع للتكثير، فإن اشتق منه اسم فاعل فمعناه من كثر صدور الفعل منه مرة بعد مرة، كمعلم، ومفهم، ومبيّن، ومخلّص، ومفرّج ونحوها. وإن اشتق منه اسم مفعول فمعناه من كثر تكرر وقوع الفعل عليه مرة بعد أخرى، إما استحقاقا أو وقوعا. فمحمد هو الذي كثر حمد الحامدين له مرة بعد أخرى، أو الذي يستحق أن يحمد مرة بعد أخرى. ويقال: حمّد فهو محمد كما يقال: علّم فهو معلّم. وهذا «علم» وصفة، اجتمع الأمران في حقه صلّى الله عليه وسلّم، وإن كان علما مختصّا في حق كثير ممن تسمى به غيره» «4» . زواج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب: الثابت تاريخيّا أن عبد الله بن عبد المطلب قد تزوج من آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، ولم ترد تفاصيل الزواج من طرق صحيحة، ولكن موضوع الزواج وعلاقات النسب من الموضوعات المستفيضة التي لا تحتاج إلى سند موثق «5» . ولم ير الرسول صلّى الله عليه وسلّم أباه، فقد مات في المدينة عند أخواله بني عدي بن النجار، وقد ذكر الزهري أنه: «بعث عبد المطلب (ولده) عبد الله بن عبد المطلب يمتار له تمرا من يثرب فتوفي عبد الله بها، وولدت آمنة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)   (1) انظر تفاصيل ذلك على سبيل المثال في: ابن القيم- زاد المعاد 1/ 86- 97، وما قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري 6/ 641- 644، والنووي في شرحه صحيح مسلم 15/ 104- 106. (2) البخاري- فتح الباري 6/ 641 (حديث 3532) ، صحيح مسلم بشرح النووي 15/ 104- 105، السيوطي- الرياض الأنيقة في شرح أسماء سيد الخليقة، البيهقي دلائل النبوة 1/ 155- 156. (3) صحيح مسلم بشرح النووي 15/ 105. (4) ابن القيم- جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام/ 83- 84. (5) ابن سعد- الطبقات 1/ 86، 94- 95، الطبراني- المعجم الكبير 3/ 149، الحاكم- المستدرك 2/ 601، أبو نعيم- الدلائل 1/ 161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فكان في حجر عبد المطلب «1» . وقد أشار القرآن الكريم إلى يتمه (صلّى الله عليه وسلّم) فقال تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى «2» . وقد صحت الرواية واشتهرت بأنه قد ولد يتيم الأب «3» . مولده صلّى الله عليه وسلّم: تفيد أوثق الروايات التي ذكرت مولده صلّى الله عليه وسلّم أنه ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل. وقد صح أنّ ذلك التاريخ كان يوم الاثنين «4» . إن القرائن التاريخية التي تتصل بالروايات التي تفيد أن مولده صلّى الله عليه وسلّم عام الفيل قوية، وقد ذهب ابن القيم إلى القول بأنه: «لا خلاف أنه ولد صلّى الله عليه وسلّم بجوف مكة، وأن مولده كان عام الفيل، وكان أمر الفيل تقدمة قدّمها الله لنبيّه وبيته، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب، وكان دينهم خيرا من دين أهل مكة إذ ذاك، لأنهم كانوا عبّاد أوثان، فنصرهم الله على أهل الكتاب نصرا لا صنع للبشر فيه، إرهاصا وتقدمة للنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي خرج من مكة، وتعظيما للبيت الحرام» «5» . وقد صح أن ثويبة مولاة أبي لهب أرضعته، كما ثبت أن عمه حمزة بن عبد المطلب كان أخاه من الرضاعة «6» ، كما صح أن حليمة السعدية أرضعته، وعاش معها في البادية «7» . وقد حدثت معجزة شق صدره صلّى الله عليه وسلّم وغسل قلبه ولأمه مرتين، الأولى عند ما كان طفلا في الرابعة من عمره «8» . وقد روى الإمام مسلم في صحيحه خبر معجزة الشق الأول هذا عن أنس بن مالك: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه جبريل صلّى الله عليه وسلّم وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشقّ عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: «هذا حظّ الشّيطان منك» ، ثمّ غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثمّ أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه- يعني ظئره- فقالوا إنّ محمّدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللّون» . قال أنس: وقد   (1) الصنعاني- مصنف 5/ 317 بإسناد صحيح إلى الزهري مرسلا، وهذا يتفق مع حديث الصحابي قيس بن مخرمة- رضي الله عنه- عن ولادته صلّى الله عليه وسلّم ورد فيه قوله «وتوفي أبوه وأمه حبلى به» / الحاكم- المستدرك 2/ 605. (2) القرآن الكريم- سورة الضحى، الآية/ 6. (3) مسلم- الصحيح 3/ 1392، ابن كثير- السيرة 1/ 260. (4) مسلم- الصحيح 8/ 52، أبو داود- السنن 2/ 808- 9، الإمام أحمد- المسند 5/ 297- 299. أما عن تحديد عام الفيل فهي الأقوى بين الروايات: الحاكم- المستدرك 2/ 603، ابن هشام- السيرة 2/ 155، وذكر خليفة في تاريخه (ص/ 53) بأن ذلك هو «المجتمع عليه» واختلف في تحديد تاريخ يوم ولادته وأوثق ما لدينا رواية ابن إسحاق- سيرة ابن هشام 1/ 171. (5) ابن القيم- زاد المعاد 1/ 76، وانظر القسطلاني- شرح المواهب/ 130. (6) البخاري- الصحيح (فتح 9/ 140، 143) ، صحيح مسلم (بشرح النووي) 10/ 23- 24. (7) ابن هشام- السيرة 1/ 149- 153، ابن حبّان- موارد الظمآن ص/ 512- 513، الطبراني- المعجم الكبير 24/ 212- 215، أبو نعيم- دلائل النبوّة 1/ 193- 196. (8) ابن سعد- الطبقات 1/ 112، أبو نعيم- دلائل 1/ 49، أحمد- المسند 5/ 139، الذهبي- ميزان 4/ 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 كنت أرى أثر المخيط في صدره «1» . ولا شك في أن التطهير من حظ الشيطان هو إرهاص مبكر للنبوّة، وإعداد للعصمة من الشر وعبادة غير الله. فلا يحل في قلبه شيء إلّا التوحيد، وقد دلت أحداث صباه على تحقق ذلك، فلم يرتكب إثما، ولم يسجد لصنم. أما معجزة شق الصدر الثانية فكانت ليلة الإسراء «2» . وتوفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة وهو في السادسة من عمره «3» . وقد ترك يتم النبي صلّى الله عليه وسلّم في نفسه أعمق الأثر فكان قد ولد يتيم الأب، ثم فقد أمه في طفولته، وقد بيّن الزهري أن جده عبد المطلب كفله ورعاه «4» ، غير أن جده ما لبث أن توفّي، بعد أن أوصى ولده أبا طالب برعايته «5» . وكان صلّى الله عليه وسلّم قد بلغ الثامنة، ولا شك في أن أثر ذلك كان كبيرا على أحاسيسه، لما كان يحبوه به جده من العطف والرعاية «6» . وقد وردت روايات تفيد عطف أبي طالب عليه وتعلقه به، ومما يدل على شدة محبة أبي طالب إياه صحبته له في رحلته إلى الشام «7» . ولعل ضيق حال عمه أبي طالب قد دفعه صلّى الله عليه وسلّم إلى العمل لمساعدته فرعى له غنمه، كما رعى لأهل مكة على قراريط «8» . حياة العمل والكدح: عمد محمد صلّى الله عليه وسلّم منذ أن أضحى يعيش في كنف عمه أبي طالب إلى مساعدته، ولا سيّما أن أبا طالب كان في أشد الحاجة للمساعدة لفقره وكثرة عياله، فاشتغل برعي الأغنام في شعاب مكة وفجاجها. وقد ثبت في الحديث الصحيح قيامه بهذا العمل، حيث روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بعث الله نبيّا إلّا رعى الغنم» . فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة» «9» . وفي رعي الغنم ما فيه من تهيئة الله سبحانه وتعالى لنبيه لتلقي الرسالة والقيام بأمر الدعوة. ويورد الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث خلاصة أقوال العلماء في ذلك فيقول: «الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكفلونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصّل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع وغيره، كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها، مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة، ألفوا من ذلك الصبر على   (1) مسلم- الصحيح (كتاب الإيمان- باب الإسراء/ 74، شرح النووي على مسلم 2/ 216، ابن هشام- السيرة 1/ 166. (2) البخاري- الصحيح- كتاب الصلاة- (الفتح 1/ 458، 3/ 492، 6/ 374) ، مسلم- الصحيح 1/ 148. (3) ابن سعد- الطبقات 1/ 116- 117، ابن هشام- السيرة 1/ 155، أبو نعيم- دلائل النبوة 1/ 118. (4) الصنعاني- المصنّف 5/ 318. (5) ابن سعد- الطبقات 1/ 117- 119. (6) البيهقي- دلائل النبوة 2/ 21- 22، ابن سعد 1/ 112- 113، الحاكم- المستدرك 2/ 603- 604، الذهبي- تقريب ص 293. (7) ابن سيد الناس- عيون الأثر ص/ 40، وانظر: الترمذي- جامع 5/ 590، الحاكم- المستدرك 2/ 615، الطبري- تاريخ 2/ 277. (8) البخاري- الصحيح (فتح 4/ 141، 6/ 438) ، مسلم- الصحيح (شرح النووي 14/ 605) . (9) البخاري- الصحيح (فتح الباري 4/ 516 حديث رقم 2262) ، وانظر صحيح مسلم (بشرح النووي) 1/ 5- 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الأمة، وعرفوا اختلاف طباعها، وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادا من غيرها» «1» . حلف الفضول: وشهد محمد صلّى الله عليه وسلّم في شبابه حين بلغ العشرين من عمره حلف الفضول الذي تداعى زعماء قريش لعقده وتواثقوا بينهم ألّا يجدوا بمكة مظلوما إلّا نصروه، ولا صاحب حق مسلوب إلّا أعادوا إليه حقه، وسبب عقد هذا الحلف أن رجلا من زبيد باع سلعة للعاص بن وائل السهمي فمطله في الثمن، فشكا الزبيدي إلى قبائل قريش والأحلاف فلم يلتفتوا إليه، فوقف عند الكعبة وأنشد بأعلى صوته قائلا: يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكّة نائي الدّار والنّفر ومحرم أشعث لمّا يقض عمرته ... يا للرّجال، وبين الحجر والحجر إنّ الحرام لمن تمّت كرامته ... ولا حرام بثوب الفاجر الغدر فأثار هذا الشعر نخوة الزبير بن عبد المطلب (عم الرسول صلّى الله عليه وسلّم) ، فنادى زعماء قريش فاجتمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم، في دار عبد الله بن جدعان، وتم عقد هذا الحلف الذي حضره محمد صلّى الله عليه وسلّم قبل بعثته «2» . وقد أشاد به بعد نبوته فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم» «3» . شهوده صلّى الله عليه وسلّم حلف المطيّبين: لم يثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد شهد حرب الفجار التي حصلت بين قريش وكنانة من جهة، وقيس عيلان من جهة أخرى وهي من الحروب التي حصلت في إطار الأحلاف والأعراف الجاهلية «4» . أما حلف المطيبين فقد ثبت أنه صلّى الله عليه وسلّم قد أخبر عن شهوده وأثنى عليه بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم وأنّي أنكثه» «5» . وقد عقد الحلف في دار عبد الله بن جدعان   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 4/ 516) . (2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 82، ابن الجوزي: المنتظم 2/ 308- 312، المسعودي- مروج الذهب 2/ 276- 277، الغزالي فقه السيرة ص/ 72- 73. (3) البيهقي- دلائل النبوة 2/ 38، انظر: محمد الغزالي- فقه السيرة ص/ 72 حاشية رقم (2) . وسبب تسميته بحلف الفضول أنه كان أحياء لحلف سابق في الجاهلية دعا إليه ثلاثة اسمهم مشتق من الفضل هم: الفضيل بن الحرث الجرهمي، والفضيل بن وداعة القطوري والفضل بن فضاله الجرهمي، ابن الأثير: الكامل ح 1 ص 57. (4) وردت في ذلك رواية أوردها ابن إسحاق والواقدي دون إسناد. ولم يرد في المصادر الصحيحة ما يثبت ذلك. (5) أحمد- المسند 1/ 190- 193، وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح (حديث 1655) ، البخاري- الأدب المفرد رقم/ 567، الحاكم- المستدرك 2/ 219- 220، الطبراني- المعجم 11/ 293. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أيضا بمكة المكرمة، بين بني هاشم وبني أمية وبني زهرة وبني مخزوم «1» . وهو تحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، ورد الفضول على أهلها، وإنما سمي بحلف المطيبين لأنهم أحضروا جفنة فيها طيب فوضعوا أيديهم فيها وتحالفوا، فلما قاموا مسحوا أيديهم بأركان البيت وقد كانت القبائل التي عقدته هي نفس القبائل التي عقدت حلف المطيبين القديم بعد وفاة قصي بن كلاب وتنازع بني عبد مناف وبني عبد الدار على الرفادة والسقاية بمكة «2» . ولا شك في أن العدل قيمة مطلقة وليست نسبية. وأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يظهر اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبدأ العدل قبل بعثته بعقدين من الزمان. فالقيم الإيجابية تستحق الإشادة حتى لو صدرت من أهل الجاهلية. زواجه صلّى الله عليه وسلّم بخديجة بنت خويلد- رضي الله عنها-: ولما سرت أخلاق محمد صلّى الله عليه وسلّم في أرجاء مكة، وعرف القاصي والداني أمانته وصدقه وحسن خلقه رغبت خديجة بنت خويلد في أن يدير لها تجارتها. وكانت خديجة امرأة ذات شرف ومال من خيرة نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وحسبا، فاختارت محمدا صلّى الله عليه وسلّم ليتاجر لها في أموالها. وقد سافر بتجارتها مرتين إلى بلاد الشام وإلى سوق حباشة بتهامة جنوب مكة، فربحت تجارتها ربحا وفيرا بفضل إدارته صلّى الله عليه وسلّم وكان غلامها ميسرة قد صحبه في تلك الرحلات فلما عاد حدثها بما شاهده من أخلاقه وصدقه وأمانته، الأمر الذي رغبها في الزواج منه، فأرسلت إليه من أفصح له عن رغبتها، فأبدى رغبته في الزواج منها وعرض الأمر على أعمامه فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب ودخلا على خويلد بن أسد فخطبها إليه وتزوجها «3» . قريش وبناء البيت العتيق: ذكر بعض المؤرخين أن البيت العتيق انهدم مرتين بعد بناء إبراهيم- عليه السلام- بفعل السيول فبنته العمالقة في المرة الأولى، وجرهم في المرة الثانية «4» . أما الماوردي فيذكر أن «أول من جدد بناء الكعبة من قريش بعد إبراهيم- عليه السلام- قصي بن كلاب وهو جد من أجداد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وسقفها بخشب الروم وجريد النخل» «5» . على أن المهم هنا هو بناء قريش للكعبة وهو البناء الثابت بنص الصحيحين حيث شارك فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم قبيل بعثته. ويعود سبب بناء قريش للكعبة إلى جملة عوامل منها: أنها كانت نحو القامة في الارتفاع أو فوقها بقليل، ولم يكن لها سقف، وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة. وكانت الكسوة تدلّى على جدر الكعبة من الخارج وتشد من أعلى الجدر في بطنها، وكانت البئر التي جعلها إبراهيم- عليه السلام- خزانة داخل الكعبة ليوضع فيها ما يهدى إليها من أموال وحلي، وقد امتدت أيدي اللصوص إلى خزانة الكعبة عدة مرات عبر القرون فسرقوا ما بها من مال وحلي، إضافة إلى أنّ امرأة من قريش ذهبت تجمّر الكعبة فطارت من مجمرتها شرارة فاشتعلت النار في كسوة الكعبة والتهمتها، وكانت   (1) البيهقي- السنن الكبرى 6/ 366، ابن هشام- السيرة 1/ 133. (2) البيهقي- السنن 6/ 367، ابن قتيبة- المعارف/ 604، وانظر هامش (1655) في المسند بتحقيق الشيخ شاكر ح 3 ص 121. (3) ابن هشام- السيرة 1/ 114- 115، الحاكم- المستدرك 3/ 182، ابن سعد- الطبقات الكبرى 1/ 155- 157. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 180، الأزرقي: أخبار مكة 1/ 62، محمد صالح الشيبي- إعلام الأنام بتاريخ بيت الله الحرام، ص/ 125. (5) الماوردي- الأحكام السلطانية ص/ 180، وانظر أيضا حسين باسلامة: تاريخ الكعبة المعظمة ص/ 47- 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الكسوة توضع فوق بعضها البعض، فلما احترقت وهنت جدران الكعبة من كل جانب وتصدعت، ومما زاد الطين بلة أنه أعقب ذلك الحريق سيل جارف غمر الكعبة حتى دخل في جوفها، فجزعت قريش لذلك جزعا شديدا، وخافوا أن تنهدم، وخشوا إن قاموا بهدمها وبنائها أن ينزل عليهم العذاب، وأخذوا ينظرون ويتشاورون في أمر البيت العتيق «1» . خطة البناء والتنفيذ: واستقر رأيهم أخيرا على إعادة بناء الكعبة، وسمعوا أن سفينة رومية تحطمت قرب الشعيبة، ميناء مكة القديم، فركب الوليد بن المغيرة ومعه نفر من زعماء قريش واشتروا خشبها لاستخدامه في سقف الكعبة، واستعانوا بنجار رومي يسمى باقوم «وتعاونوا وترافدوا في النفقة، واختلفوا في بنيان مقدّم البيت، فقال أبو أمية بن المغيرة: يا معشر قريش لا تنافسوا ولا تباغضوا فيطمع فيكم غيركم، ولكن جزّئوا البيت أربعة أجزاء، ثم ربّعوا القبائل فلتكن أرباعا، ثم اقترعوا عند هبل في بطن الكعبة على جوانبها، فطار قدح بني عبد مناف وبني زهرة على الوجه الذي فيه الباب وهو الشرقي، وقدح بني عبد الدار، وبني أسد بن عبد العزى، وبني عديّ على الشق الذي يلي الحجر وهو الشق الشامي. وطار قدح بني سهم، وبني جمح، وبني عامر بن لؤي على ظهر الكعبة وهو الشق الغربي. وطار قدح بني تيم وبني مخزوم وقبائل من قريش ضمّوا معهم على الشق اليماني الذي يلي الصفا وأجياد. وأمروا بالحجارة أن تجمع بين أجياد والضواحي، فكانت قريش تنقل بأنفسها الحجارة تبرّرا وتبركا بالكعبة» «2» وقد شارك محمد صلّى الله عليه وسلّم قومه في نقل الحجارة، وكان عمره حينذاك خمسا وثلاثين سنة «3» . ولما أجمعت قريش على هدم الكعبة، أخرجوا ما كان بها من مال وحلية، وجعلوه عند أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي، وأخرجوا كبير الأصنام هبل، ونصبوه عند المقام. ولما أرادوا الشروع في الهدم ظهرت لهم حية كانت داخل الكعبة وكشّت «4» وفتحت فاها، فهابوها، فقال لهم الوليد بن المغيرة: «يا قوم ألستم تريدون بهدمها الإصلاح؟ قالوا: بلى. قال: فإن الله لا يهلك المصلحين، ولكن لا تدخلوا في عمارة بيت ربكم إلّا من طيّب أموالكم، ولا تدخلوا فيه مالا من ربا، ولا من مال ميسر، ولا مهر بغيّ، ولا مظلمة أحد من الناس، وجنبوه الخبيث من أموالكم، فإن الله لا يقبل إلّا طيبا» ، ففعلوا، ثم وقفوا عند المقام ودعوا الله أن يذهب عنهم تلك الحية، فأقبل طائر كبير فاختطفها وألقى بها في أجياد، فاعتبروا ذلك دليلا على رضا الله عن عملهم «5» . تقدم الوليد بن المغيرة بمعول في يده وبدأ في الهدم بمفرده دون أن يشاركه أحد من قريش خوفا من أن ينزل به العذاب إذا أمسى، ولما أصبح سليما اشتركوا معه في هدم البيت حتى بلغوا حجارة خضرا لا يطيق تحريك الحجر   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 3/ 516، 7/ 180، ابن هشام: السيرة 1/ 117، ابن فهد- إتحاف الورى 1/ 144- 145. (2) ابن فهد: إتحاف الورى 1/ 146- 147، انظر أيضا: الأزرقي- أخبار مكة 1/ 160- 161، المسعودي- مروج الذهب 2/ 280. (3) ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 117، ابن كثير: البداية والنهاية 2/ 298، ابن الجوزي- المنتظم 2/ 328. (4) كشّت أي ضربت باحتكاك جلد بعضها ببعض. (5) الأزرقي- أخبار مكة 1/ 161- 162، ابن فهد- إتحاف الورى 1/ 149- 150، باسلامة- تاريخ الكعبة المعظمة ص/ 61- 62، والسيرة النبوية لابن هشام 1/ 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الواحد منها عدة رجال، فاتخذوا من ذلك أساسا للبناء. ولما جمعوا ما أخرجوه من النفقة وجدوها أقل من أن تبلغ بهم عمارة البيت كله، فتشاوروا في ذلك، واستقر رأيهم على أن يقصروا عن القواعد ويحجّروا ما يقدرون عليه من بناء «1» البيت، ويتركوا بقيته في الحجر عليه جدار مدار يطوف الناس من ورائه، ففعلوا ذلك وبنوا في بطن الكعبة أساسا يبنون عليه من جهة الحجر، وتركوا من ورائه من فناء البيت في الحجر ستة أذرع وشبرا، ثم شرعوا في بنائها، ورفعوا بابها عن الأرض حتى لا تدخلها السيول، ولا يرقى إليها إلا بسلّم ولا يدخلها إلّا من أرادوا، وبنوها بمدماك من حجارة ومدماك من خشب بين الحجارة «2» . وبذلك يتضح أن هذا البنيان للكعبة قد قصر عما كان عليه منذ زمن الخليل- عليه السلام-. وقد أشار النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد البعثة إلى هذا الأمر في الأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري ومسلم، فقد قالت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الحجر أمن البيت هو؟ قال: «نعم» . قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: «إنّ قومك قصّرت بهم النّفقة» ، قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟ قال: «فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا أنّ قومك حديثو عهد بالجاهليّة فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض» «3» . الحكم الأمين: عندما انتهت قريش إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا في رفعه وأراد كل فريق أن يذهب بشرف وضعه في مكانه، وزعمت كل قبيلة أنها أحق بذلك الشرف حتى كاد ينشب بينهم القتال. وظلوا على تلك الحال بضع ليال، ثم تشاوروا فأشار عليهم أبو أمية حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر، وكان أسنّ قريش، بأن يحكّموا أول من يطلع عليهم من باب بني شيبة، فرضوا بذلك فطلع عليهم محمد صلّى الله عليه وسلّم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، قد رضينا بما قضى بيننا، فلما أخبروه الخبر أمر بثوب فوضع فيه الحجر الأسود وطلب أن يتقدم من كل ربع من أرباع قريش رجل وأن يأخذ كل رجل بزاوية من زوايا الثوب، ثم رفعوه فأخذه بيده ووضعه مكانه وشده، وبذلك حسم خلافا خطيرا كاد أن يمزق قريشا. ثم واصلوا البناء وزادوا في ارتفاعها تسعة أذرع وجعلوا لها سقفا مسطحا تحمله ست دعائم في صفين في كل صف ثلاث دعائم. وكان الخشب خمسة عشر مدماكا والحجارة ستة عشر مدماكا وبلغ ارتفاعها من خارج الأرض إلى أعلاها ثمانية عشر ذراعا، وجعلوا ميزابها يسكب في الحجر، وأقاموا داخلها درجة من خشب يصعد بها إلى ظهرها، وزوّقوا سقفها وجدرانها الداخلية، ودعائمها، وصوروا فيها صور الأنبياء، ويبدو أن ذلك كان بتأثير باقوم، ذلك الروميّ البنّاء الذي استعانوا به، فكانت فيها صورة إبراهيم عليه السلام يستقسم بالأزلام، وصور الملائكة، وصور مريم- عليها السلام- وفي حجرها ابنها عيسى- عليه السلام-، وجعلوا لها بابا يفتح ويغلق، ثم ردوا المال والحلية في الجب وعلقوا فيه قرني الكبش ونصبوا هبل على الجب كما كان قبل ذلك، وكسوها حبرات يمانية وردموا الردم الأعلى وصرفوا السيل عن الكعبة» «4» .   (1) معنى هذه العبارة أنهم اقتصروا في النباء على ما يقدرون عليه ووضعوا الأحجار في هذا الجزء الذي اكتفوا به. (2) الأزرقي- أخبار مكة 1/ 162- 163، ابن فهد- إتحاف الورى 1/ 156. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 3/ 513- 514) حديث (1584- 86) ، صحيح مسلم (شرح النووي) 9/ 88- 91. (4) الأزرقي- أخبار مكة 1/ 163- 165، ابن فهد- إتحاف الورى 1/ 156- 160، ابن كثير- البداية والنهاية 2/ 303- 304، المسعودي- مروج الذهب 2/ 278- 279، الشيبي- إعلام الأنام ص/ 136- 138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الصادق الأمين: ولا غرابة أن يشارك محمد صلّى الله عليه وسلّم قومه ذلك العمل الجليل وأن يعرف بينهم بالصادق الأمين فقد نشأ والله سبحانه وتعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية وأنجاسها لما يريده له من كرامته ورسالته، فما إن أصبح رجلا حتى أضحى أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا، وأشهرهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، تنزها وتكرما، حتى لقبه قومه بالأمين، لما جمع الله فيه من الخصال الصالحة «1» . وظهرت أمانة محمد صلّى الله عليه وسلّم أبين الظهور حين اشتغل بالتجارة، فقد روي أنه شارك السائب بن أبي السائب قبل بعثته فلما كان يوم الفتح جاءه السائب فقال له: «مرحبا بأخي وشريكي كان لا يداري ولا يماري» «2» . وفي رواية أبي داود أن السائب قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «بأبي أنت وأمّي كنت شريكي. فنعم الشّريك كنت لا تداري ولا تماري» «3» . هكذا عاش محمد صلّى الله عليه وسلّم بين قومه قبل بعثته نزيه النفس فما حكيت عنه مغامرة لنيل جاه أو مداهنة لاصطياد ثروة بل على العكس بدأت سيرته تومض في أنحاء مكة بما امتاز به على سائر أقرانه، بل على أشراف قومه من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر صائب، ورأي راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، حتى وصلت رجولته إلى القمة، وازدانت تلك الرجولة بمحامد الأدب، والاستقامة والقنوع، وسمو روحه، وصفاء نفسه، فقد صانه الله تعالى من حب العظمة ومن التظاهر والرياء، أو طلب الرياسة عن طريق المداهنة، فإذا أضفنا إلى هذا كرهه الشديد للأصنام التي عكف عليها قومه، وازدراءه للعقائد المحرفة التي تسود عالمه، وإدراكه أن الحق شيء آخر وراء هذه الخرافات والأوهام السائدة.. تبينا السر في استئناسه للجبال والفضاء، واستراحته إلى رعي الغنم في هذه الأنحاء القصية، مكتفيا بالقليل الذي يعود عليه من كسبها «4» . إرهاصات البعثة: لقد عصم الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم من الكفر وجنّبه عبادة الأوثان التي عبدها قومه، فلم يعبدها، ولم يقدم لها القرابين، ولم يكن يأكل مما يذبح على النصب، وكان يستمسك بإرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في حجهم ومناكحهم وبيوعهم «5» ، فكان يطوف بالكعبة المشرفة، وقد طاف معه مولاه زيد بن حارثة مرة، فلمس زيد بعض الأصنام   (1) ابن هشام- السيرة 1/ 112. (2) أحمد- المسند 3/ 425، أبو داود- السنن، حديث رقم (4836) ، ابن ماجه- السنن حديث رقم (2287) ، وقال عنه الحافظ الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 1/ 94، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود 3/ 917 (حديث رقم 4049) . (3) أبو داود- السنن حديث رقم 4836. (4) محمد الغزالي- فقه السيرة ص/ 74- 75. (5) البيهقي- دلائل النبوة 2/ 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 فنهاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد حلف زيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما مسّ منها صنما حتى أكرمه الله بالوحي «1» وكان التعري عند الطواف مألوفا، ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم عصم من ذلك. وقد اشترك مع عمه العباس في نقل الحجارة لما جددت قريش بناء الكعبة، فاقترح عليه عمه العباس أن يرفع إزاره ويجعله على رقبته ليقيه أثر الحجارة ما دام بعيدا عن الناس، فلما فعل ذلك سقط على الأرض مغشيّا عليه، فلما أفاق طلب أن يشدّوا عليه إزاره «2» . وعرف صلّى الله عليه وسلّم بالصدق والأمانة، وصلة الأرحام ومساعدة الضعفاء والبذل في الخير، فكانت قريش تلقبه بالأمين، وصفته خديجة- رضي الله عنها- بقولها: «إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ» «3» . وكان أقرب أصدقاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى نفسه ثلاثة هم أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله- رضي الله عنهم- وثلاثتهم من تجار قريش، وقد اتسموا بالأخلاق العالية، والنظرة السليمة، والبعد عن الرذائل، والتثقف بثقافة حسنة من معرفة الأحساب والأنساب والشعر كما عرفوا بإكرام الضيف والإنفاق في الخير، وهذه الخصال الحميدة قربتهم إلى رسول صلّى الله عليه وسلّم، فكانوا أصدقاء قبل البعثة، وأتباعه الأولين بعدها، فقد هدتهم فطرتهم إلى الإسلام. بشارات الأنبياء بمحمد صلّى الله عليه وسلّم: رغم التحريف الحاصل في نسخ التوراة والإنجيل المتداولة حاليّا، فلا زالت نسخة «توراة السامرة» ، «وإنجيل برنابا» الذي حرمت الكنيسة تداوله في آواخر القرن الخامس الميلادي، تحتوي على نصوص صريحة تبشر بظهوره ونبوته صلّى الله عليه وسلّم. وقد نص إنجيل برنابا على التصريح برسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم مثال ذلك، ما ورد في الإصحاح الحادي والأربعين عن إخراج آدم وحواء من الجنة حيث ورد فيه: «فاحتجب الله، وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس، فلما التفت آدم رأى مكتوبا فوق الباب: لا إله إلّا الله محمد رسول الله» «4» . وقد أيدت المخطوطات التي عثر عليها في منطقة البحر الميت حديثا ما ورد في نصوص إنجيل برنابا المذكورة. وحين تحدث المسيح- عليه السلام- إلى الحواريين عن الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم وبشرهم أنه قادم إلى العالم سأله الحواريون: «يا معلم: من عسى أن يكون ذلك الرجل الذي سيأتي إلى العالم؟» أجاب يسوع بابتهاج قلب: «إنه محمد رسول الله» «5» . ومثل هذه البشارات تتكرر في إنجيل برنابا في مواضع كثيرة. وفي الإصحاح الثاني من إنجيل لوقا «6» قوله: «الحمد لله في الأعالي وعلى الدنيا السلام، وللناس أحمد» وقد   (1) الطبراني- المعجم الكبير 5/ 88. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 474) ، مسلم- الصحيح (شرح النووي 4/ 33- 34) . (3) البخاري- (فتح الباري 1/ 30، ومسلم (حديث 160) ح 1 ص 141 واللفظ لمسلم. (4) انجيل برنابا (مطبوع) الإصحاح 41 الفقرات/ 29- 30. (5) انجيل برنابا 163/ 7. (6) انجيل لوقا 2/ 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 تم تحريف الفقرة الأخيرة عند ترجمتها من النص السرياني إلى العربية «1» . وفي الإصحاح السادس عشر من إنجيل لوقا يرد قول المسيح: «إن لم أنطلق يأتكم الفارقليط» «2» وأما بشارة عيسى ابن مريم- عليهما السلام- قومه ببعثة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم فقد كانت صريحة نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ «3» . وكانت صفات النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وعلاماته قد وردت في كل من التوراة والإنجيل بشكل صريح كما أخبر الله تعالى في الكتاب العزيز بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «4» . ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الأخبار متواترة بمعرفة أهل الكتاب بصفة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم «5» . وقد أخبر الله تعالي بذلك عن أهل الكتاب كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «6» . وعلى الرغم من ثبوت قيام اليهود والنصارى بتحريف التوراة والإنجيل وتعمدهم حذف اسم النبي صلّى الله عليه وسلّم وحذف النصوص الواضحة الدالة على صفاته كما يتضح ذلك من النقول والاقتباسات التي أوردها العلماء المسلمون في مؤلفاتهم أمثال ابن قتيبة، والماوردي، والقرافي، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وغيرهم مما يدل على أن التحريف قد استمر حتى العصور المتأخرة، ومع ذلك فقد بقيت بعض النصوص التي تشير بشكل صريح إلى ذلك فقد نصت التوراة المتداولة بين الأحبار على ظهور النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم في مكة في نص جاء فيه: «جاء الرب من سينا.. ... واشرق لنا من ساعير استعلن من جبل فاران ... ومعه الوف الأطهار في يمينه سنة نار» «7» .   (1) لقد حقق ذلك واكتشف الخطأ في الترجمة الأستاذ عبد الأحد داود، وانظر: حجازي- التوراة السريانية. (2) فارقليط: لفظ سرياني مشتق من «فاران» بمعنى مكة وجبل فاران هو جبل حراء، والقليط بمعنى الجاثم أو المتحنث أو المتعبد وتأتي بمعنى الحامد وأحمد. (3) القرآن الكريم- سورة الصف، الآية/ 6. (4) القرآن الكريم- الأعراف، الآية/ 157. (5) ابن تيمية- الجواب الصحيح 1/ 340. (6) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 89. (7) الإشارة إلى جبل فاران أي جبل حراء في مكة المكرمة، أما الإشارة إلى الأطهار فقد وردت كذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (التوبة/ 108) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 ومما لا شك فيه أن الدلائل على صدق النبوة المحمدية لا تتوقف على هذه البشارات، فدلالات القرآن الكريم من التشريع الباهر، والإعجاز البلاغي، ودلالات السنة النبوية المطهرة الصحيحة على وقوع المعجزات الحسيّة ومشاهدة الألوف من المسلمين لها، ودلالات السيرة النبوية المطهرة، في إيمان النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم ويقينه، وعبادته ومجاهدته، ودعوته وجهاده وعدله وصدقه وإيمان المقربين إليه العارفين به يقطع بصدق البعثة المحمدية «1» . وينقل ابن إسحاق عن رجال من الأنصار قولهم: «إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه، لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم» «2» . ولا شك في أن يهود المدينة كانوا يعرفون أن زمان النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم قد اقترب، وكانوا يزعمون أنه منهم ويتوعدون به العرب وقد بين الله سبحانه وتعالى أنهم يعرفونه بصفاته وإنما أنكروا نبوّته وجحدوها لما تبين لهم أنه من العرب، قال تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «3» . وأورد البخاري في صحيحه «4» ، ومسلم في كتاب الجهاد والسير «5» ما صرح به هرقل ملك الروم حين استلم رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم إليه في قوله: «وقد كنت أعلم أنّه خارج، ولم أكن أظنّ أنّه منكم» «6» . إرهاصات نبوته صلّى الله عليه وسلّم: كانت الرؤيا الصادقة هي أول ما بديء به من الوحي فكان صلّى الله عليه وسلّم لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح «7» . ومن ذلك تسليم الحجر عليه قبل النبوة كما أخبر «8» وقد «حبّب إليه الخلاء، فكان يخلوا بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التعبد- اللّيالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك ... » «9» . حتى نزل عليه الوحي فجأة وهو في الغار «10» .   (1) أكرم العمري- السيرة النبوية الصحيحة 1/ 121. (2) ابن هشام- السيرة 1/ 231، ابن سعد- الطبقات 1/ 158- 159، أبو نعيم- دلائل النبوة 1/ 88. (3) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 89. وعن أسباب النزول: انظر ابن هشام- السيرة 1/ 195، الطبري- التفسير 2/ 75- 6. (4) البخاري- الصحيح (كتاب بدء الوحي) ، 1/ 6. (5) مسلم- صحيح 3/ 1395 (كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل) . (6) البخاري- الصحيح 1/ 6، مسلم- الصحيح 3/ 1395. (7) البخاري- الصحيح 1/ 3، مسلم- الصحيح 1/ 139. (8) مسلم- الصحيح 4/ 1782، الترمذي- سنن 5/ 593. (9) البخاري- الصحيح 1/ 3، وأطرافه في الحديث 3392، 4953، 4955، 4956، 4957، 6982، مسلم- الصحيح 1/ 140. (10) البخاري- الصحيح 1/ 3، مسلم- الصحيح 1/ 140. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 نزول الوحي والبعثة النبوية: بدأ نزول الوحي على محمد صلّى الله عليه وسلّم وعمره أربعون سنة «1» . وقصة بدء نزول الوحي على النبي صلّى الله عليه وسلّم ثابتة بنص الصحيحين من حديث عروة بن الزبير، فعن عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- أنها قالت: «كان أول ما بديء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقاريء. قال فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقاريء. فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقاريء فأخذني فغطّني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «2» . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة: أي خديجة مالي لقد خشيت على نفسي، وأخبرها الخبر. فقالت خديجة: «كلّا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق» . فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى- وهو ابن عم خديجة أخي أبيها- وكان امرءا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب. وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا «3» . ثم لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أو فى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد: إنك رسول الله حقّا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي، غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك» «4» . لقد كان بدء نزول الوحي على النبي صلّى الله عليه وسلّم ونزول صدر سورة «اقرأ» نقطة تحول في تاريخ البشرية، نقلتها من طريق الاعوجاج والظلام إلى طريق الهدى والنور، طريق الله المستقيم المؤدي إلى النجاة في الدنيا والآخرة.   (1) البخاري (فتح الباري) ج 6/ 564، 7/ 162، 227، 10/ 356 (كتاب المناقب) ، مسلم- الصحيح (شرح النووي) 4/ 1824، 1827، ابن هشام- السيرة 1/ 251- 252. (2) سورة العلق/ 1- 5. (3) البخاري (فتح الباري) 1/ 30- 31، كتاب بدء الوحي (حديث رقم 3) ، 8/ 585- 6 كتاب التفسير (حديث رقم 4953) ، مسلم- الصحيح (شرح النووي) 2/ 197- 204. (4) البخاري- الصحيح 8/ 67، (فتح الباري 1/ 22، 8/ 715، 722، 12/ 351- 2) ، مسلم- الصحيح 1/ 139. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ويعلق أحد الباحثين على ذلك بقوله: «لقد تحول خط التاريخ كما لم يتحول من قبل قط، وكما لم يتحول من بعد أيضا. وكان هذا الحدث هو مفرق الطريق. وقامت المعالم في الأرض واضحة عالية لا يطمسها الزمان، ولا تطمسها الأحداث. وقام في الضمير الإنساني تصور للوجود وللحياة وللقيم لم يسبق أن اتضح بمثل هذه الصورة، ولم يجئ بعده تصور في مثل شموله ونصاعته وطلاقته من اعتبارات الأرض جميعا، مع واقعيته وملاءمته للحياة الإنسانية. ولقد استقرت قواعد هذا المنهج الإلهي في الأرض وتبينت خطوطه ومعالمه لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ «1» . لا غموض ولا إبهام. إنما هو الضلال عن علم، والانحراف عن عمد، والالتواء عن قصد. إنه الحادث الفذ في تلك اللحظة الفريدة. الحادث الكوني الذي ابتدأ به عهد في هذه الأرض وانتهى عهد. والذي كان فرقانا في تاريخ البشر لا في تاريخ أمة ولا جيل. والذي سجلته جنبات الوجود كله وهي تتجاوب به، وسجله الضمير الإنساني. وبقي أن يتلفت هذا الضمير اليوم على تلك الذكرى العظيمة ولا ينساها وأن يذكر دائما أنه ميلاد جديد للإنسانية لم يشهده إلا مرة واحدة في الزمان» «2» . أيقن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه رسول الله بعد أن نقشت تلك الآيات من سورة «اقرأ» في صدره، وبعد حديث ورقة بن نوفل له، وازداد يقينه بعد نزول الآيات الأولى من سورة المدثر، فقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري وهو يحدث النبي صلّى الله عليه وسلّم عن فترة الوحي- فقال في حديثه: «بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السّماء فرفعت بصري فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسيّ بين السّماء والأرض، فرعبت منه فرجعت فقلت: زمّلوني. فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ- إلى قوله- وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ «3» فحمي الوحي وتتابع «4» . وهذه الآيات الأولى من سورة المدثر فيها الأمر من الله سبحانه وتعالى لمحمد صلّى الله عليه وسلّم بإنذار البشر «5» ودعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فهي تمثل في حياة محمد صلّى الله عليه وسلّم حدّا فاصلا بين عهدين، عهد ما قبل البعثة الذي يمثل أكثر عمره صلّى الله عليه وسلّم والذي لم يكن فيه مكلفا من الله تعالى بشيء. وعهد ما بعد البعثة الذي يمثل أخطر وأصعب مرحلة في حياته صلّى الله عليه وسلّم لأنها مرحلة تغيير طريق البشرية وهي مرحلة خطيرة عندما نتصورها بكل أبعادها فها هي الأوامر الربانية تأمره صلّى الله عليه وسلّم أن يترك عهد النوم وأن يشمر عن ساعد الجد، ليس لتغيير عقيدة قومه فحسب، بل لتغيير مسار البشرية بأكمله، ونقل تلك البشرية من طريق الهلاك والردى الذي كانت تتردى فيه، إلى طريق النجاة الذي يؤدي إلى سعادة الدنيا والنجاة العظمى في الأخرى. وهذه المهمة، وهذا التكليف الإلهي لم يكن يسيرا بل كانت دونه من الصعوبات والأخطار ما لا يستطيعه أحد سوى محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي اختاره الله تعالى لهذه المهمة الشاقة ونجح فيها- كما يشهد التاريخ- أيما نجاح، ووضع البشرية على الطريق الصحيح وأوضح لها السبيل الحق، وأنار لها الطريق ولم يعد لفرد أو جماعة أو فئة عذر في تنكب طريق الحق والزيغ عن الهدى والنور.   (1) القرآن الكريم- الانفال، الآية/ 42. (2) قارن بمقدمة الأستاذ العقاد لكتابه «عبقرية محمد» ، وانظر صفة تكريم الإنسان. (3) القرآن الكريم- المدثر الآية/ 1- 5. (4) البخاري- فتح الباري 1/ 37 حديث (رقم 4) ، مسلم- الصحيح (شرح النووي) 2/ 206. (5) انظر صفة الإنذار، وصفة التبليغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وقد ثبت أن الوحي قد نزل عليه أول ما نزل يوم الإثنين «1» . كما أن المشهور أن ذلك قد حصل في شهر رمضان. قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ «2» . والوحي إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم نظير الوحي الإلهي إلى الأنبياء السابقين، قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً «3» . وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التنزيل شدّة «4» ، وكان جبينه يتفصّد عرقا في اليوم الشديد البرد، وكان وجهه يتغير ويكرب «5» ، وجسمه يثقل يقول زيد بن ثابت: «فأنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتّى خفت أن ترضّ فخذي» «6» . وكان يركز ذهنه بشدّة لحفظ القرآن، فيحرك به لسانه وشفتيه، فنزلت الآية: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ «7» . كان حرص النبي صلّى الله عليه وسلّم على تبليغ القرآن الكريم يدفعه إلى التعجل في تلقيه والشوق إليه، وقد بيّنت ذلك الآية وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً «8» . ولقد أوضح النبي صلّى الله عليه وسلّم كيف يأتيه الوحي حين قال: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس- وهو أشدّه عليّ- فيفصم عنّي وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول» «9» . وكان الوحي يأتيه في اليقظة كما تدل على ذلك الأحاديث الصحيحة «10» . استغرق نزول الوحي ثلاثا وعشرين سنة، منها ثلاثة عشر عاما بمكة المكرمة وهذا هو المشهور «11» وعشر سنين في المدينة وهو المتفق عليه «12» . إن ظاهرة الوحي معجزة خارقة للسنن الطبيعية حيث تلقى النبي صلّى الله عليه وسلّم كلام الله- القرآن الكريم- بواسطة الملك جبريل (عليه السلام) ، وبالتالى فلا صلة لظاهرة الوحي بالإلهام أو التأمل الباطني، أو الاستشعار   (1) مسلم- الصحيح 8/ 51- 52، أبو داود- السنن 2/ 808- 9. (2) القرآن الكريم- سور البقرة، الآية/ 851. (3) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية 163. (4) مسلم- الصحيح 1/ 330. (5) المرجع السابق 4/ 1817. (6) البخاري- الصحيح 5/ 182. (7) القرآن الكريم- سورة القيامة، الآيات/ 16- 19، وانظر: البخاري- الصحيح 6/ 76، مسلم- الصحيح 1/ 330. (8) القرآن الكريم- سورة طه، الآية/ 114. (9) البخاري- الصحيح 1/ 32، مسلم- الصحيح 4/ 1816- 1817. (10) البخاري- المصدر السابق 1/ 2- 3، مسلم- الصحيح 4/ 1816- 7. (11) البخاري- الصحيح 2/ 238، مسلم- الصحيح 4/ 1825- 6 وكلاهما عن ابن عباس- رضي الله عنهما-، وانظر: الحاكم- المستدرك 3/ 2 عن طريق علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-. (12) ابن سيد الناس- عيون الأثر 1/ 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الداخلي، بل إن الوحي يتم من خارج الذات المحمدية المتلقية له، ودون أن يكون لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي أثر في الصياغة والمعني، وتنحصر مهمته بتلقى الوحي وحفظ الموحى به وتبليغه «1» ، أما بيانه وتفسيره فيتم عن طريق النبي صلّى الله عليه وسلّم بأسلوبه ولفظه كما تدل على ذلك أحاديثه المحفوظة. وهو أسلوب مغاير تماما لأسلوب القرآن الكريم. الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها الفكرية: إن الخطاب الإسلامي موجه للناس كافة بشتى بقاعهم ومختلف أزمانهم وبكل أجناسهم وقومياتهم وألوانهم وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «2» . وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً «3» ، وهذا العموم في الخطاب للبشرية اقتضى أن يقوم الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه بدعوة الآخرين إلى الدخول في الإسلام قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي «4» . وقد حفلت العصور الإسلامية المتعاقبة بنشاط دعوي في أوضاع الحرب والسلام كان له أثره البالغ في تكثير أعداد المسلمين وتوسيع رقعة دار الإسلام. وكان الباعث الرئيسي على الدعوة هو طلب مرضاة الله والحصول على مثوبته ففي الحديث النبوي: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم» «5» . إن موضوع الدعوة هو الإسلام بشموله للعقيدة والشريعة والأخلاق- أو بتعبير معاصر- لجوانب الحياة المتنوعة فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية، ولكن المحور الأساسي هو التوحيد الخالص لله تعالى، وأنه الرب الخالق والمنعم الرازق، وأنه خلق البشر لتحقيق العبودية له وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «6» ، ويتم اختبار طاعتهم في هذه الدنيا ويجازون على أعمالهم في اليوم الآخر، حيث يدخل المؤمنون الجنة والكافرون النار زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ «7» سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ «8» وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ «9» . إن الدخول في الإسلام يبدأ ب «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» ، وبها يعلن الإنسان إخلاصه في العبودية لله وحده، والتزامه باتباع أحكام الإسلام التي جاء بها محمد صلّى الله عليه وسلّم «10» وهكذا يدخل الإنسان مرحلة الوعي الديني.. الوعي بالهدف النبيل من الوجود، والوعي بضرورة الارتقاء الروحي والمادي، والوعي بوسائل   (1) انظر صفة التبليغ. (2) القرآن الكريم- سورة الأنبياء، الآية/ 107. (3) القرآن الكريم- سورة سبأ، الآية/ 28. (4) القرآن الكريم- سورة يوسف، الآية/ 108. (5) البخاري- الصحيح 7/ 544، حديث رقم (4210) مسلم- الصحيح، (كتاب فضائل الصحابة باب 4) رقم 34. (6) القرآن الكريم- سورة الذاريات، الآية/ 56، وانظر صفة العبادة. (7) القرآن الكريم- سورة التغابن، الآية/ 7. (8) القرآن الكريم- سورة الحديد، الآية/ 21، وانظر صفة الفضل. (9) القرآن الكريم- سورة التغابن، الآية/ 10. (10) انظر صفة الاتباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الارتقاء من الاحساس بمعاني الإيمان «1» والتدبر «2» والتفكر «3» والذكر «4» والشكر «5» والعبادات المتنوعة من صلاة «6» وصوم «7» وحج «8» لتوثيق الصلة بالخالق «الصلاة معراج المؤمن» ، ومن الانتصار للحق والعدل والخير والجمال، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «9» ، ومن تمثل القيم الإسلامية في واقع حياته ليكون مثال «الإنسان الصالح» «10» ، ومن العطاء السخي للآخرين «11» عن طريق «العمل الصالح» «12» ، الذي يقربه إلى الله تعالى. إن دائرة العمل الصالح واسعة، وهو يهدف إلى الارتقاء بالحياة الروحية والمادية ومساندة قيم الحق والخير والجمال في الأرض. وهي معاني كبيرة لا يسهل تحقيقها نسبيّا، وإن تحققت في جيل فليس ثمة ما يضمن تحققها في جيل لاحق، فالصعود والهبوط يتعاقبان في تاريخ البشر، وتجديد الدين وإحياء السنن وتوثيق عرى الإيمان يرتبط بالدعوة الإسلامية «13» ، ومدى وعي الدعاة لمضامين الإسلام وشموليته، وقدرتهم على تمثل تعاليمه، وإقناع الآخرين بها. إن القرآن هو أول كتاب باللغة العربية حرّك وعي الإنسان قبل أربعة عشر قرنا، وفتح عقله على مكانه في الكون والحياة، وعرّف بالحقوق والواجبات التي تعمق وعيه الاجتماعي ونظرته الإنسانية، وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يوضح ذلك كله بأقواله وسيرته الشخصية، ونظرا لتمثله القرآن بعمق ووعي خاصين، وتأثيره الكبير في جيله خاصة، فإن الرؤية القرآنية تحولت إلى واقع إنساني معاش، تفاعل مع الوحي الإلهي- قرآنا وسنة، وأثمر ارتقاء عظيما في الوعي الإنساني العام عندما انتشر الإسلام عبر الزمان والمكان. هدفت الدعوة الإسلامية إلى تخفيف معاناة الإنسان في الحياة، والتي يمكن أن تتضاءل بازدياد وعيه في ظل الوحي الإلهي، في حين قد يؤدي ازدياد الوعي إلى زيادة المعاناة عند غياب الإيمان، فقسوة الحياة تشتد عندما تفتقد المعنى، والدين هو الذي يعطيها المعنى، نعني بذلك التحلي بالصبر «14» . وقصدت الدعوة الإسلامية إلى تحرير الإنسان من الأوهام والأساطير والخرافات والشعوذة التي يقوم بها منتفعون يزعمون أنهم وسطاء بين الله والناس. وأحيانا اتخذ الإنسان وسطاء من الحجر والشجر والبشر يناجونهم ويسألونهم، فأعلنت الدعوة الإسلامية أن ذلك محض شرك وأنه لا واسطة بين الله والإنسان «15» ، وفي الحديث   (1) انظر صفة الإيمان. (2) انظر صفة التدبر. (3) انظر صفة التفكر. (4) انظر صفة الذكر. (5) انظر صفة الشكر. (6) انظر صفة إقامة الصلاة. (7) انظر صفة الصوم. (8) انظر صفة الحج والعمرة. (9) انظر صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (10) انظر صفة الصلاح. (11) انظر صفات: الجود- الكرم- السخاء. (12) انظر صفة العمل. (13) انظر صفة الدعوة إلى الله. (14) انظر صفة الصبر. (15) انظر صفة الشرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 «اتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه وبين الله حجاب» «1» مما يفتح بصيرة المؤمن على عاقبة ظلم الإنسان «2» ، ويرسي أساسا للعدل السياسي والاجتماعي. وتحمل الدعوة الإسلامية ميزانا دقيقا للحقوق والواجبات حسب الشريعة، فلا يجوز التفريط فيها أو التخلي عنها، فهي منحة إلهية للبشرية، وقد اقتضى تطبيق تلك التعاليم جهادا وبذلا منذ نزول الوحي حتى استقرت دولة الإسلام، فلولا الجهاد «3» لما قضي على الشرك وطابع الحياة الجاهلية، ولما استقرت معاني العقيدة وقيم الإسلام الاجتماعية ومضامينه الخلقية في نفوس الملايين. وحرصت الدعوة الإسلامية على بناء مجتمع العدل والقوة «4» لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ «5» مما يوضح الأسس اللازمة لبناء مجتمع قوي متحضر يقوم على العدل والقوة، فالكتاب والميزان لإقامة العدل، والحديد لايجاد القوة التي تحمي العدل وتكفل استمراره. والعدل الشامل يمتد إلى المسلم والذمي والكافر، والأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، والرجال والنساء، حيث تتحدد حقوق الجميع وفق موازين العدل دون احتكار أو استغلال أو استئثار أو ظلم إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ «6» . وتنطلق الدعوة الإسلامية من مبدأ المساواة «7» بين البشر دون اعتبار للثروة والجاه، ولا اللون أو العرق «النّاس بنو آدم وآدم من تراب» «8» . ويقتضي ذلك تحقيق تكافؤ الفرص أمام الناس والتزام العدل المطلق بينهم، وهدم النظم الطبقية، إذ لا مكان للعنجهية والصلف والكبرياء والاستعلاء على الناس «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم» «9» . وهذا يفسر تجاوب الأمم المختلفة مع الدعوة الإسلامية ودخولها في دين الله أفواجا. وربما من أجل ذلك كله قال الفيلسوف الألماني هيجل: «يعتبر المبدأ الإسلامي- أو روح التنوير في العالم الشرقي- أول مبدأ يقف في وجه البربرية» «10» . وتعلن الدعوة الإسلامية الشورى «11» أساسا للنظام السياسي والاجتماعي انطلاقا من الآية الكريمة   (1) البخاري- الصحيح 7/ 168، مسلم- الصحيح 4/ 1740. (2) انظر في الصفات السلبية: صفة الظلم. (3) انظر صفة جهاد الأعداء. (4) انظر صفة القوة والشدة. (5) القرآن الكريم- سورة الحديد، الآية/ 25. (6) القرآن الكريم- سورة النحل الآية/ 90. (7) انظر صفة العدل والمساواة. (8) الترمذي- الجامع حديث رقم (3956) ، أحمد- المسند 2/ 361. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 617) : وهو حديث حسن. (9) أبو داود- السنن حديث رقم (4531) ، وانظر صفة تكريم الانسان. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 255) : إسناده حسن. (10) هيجل- محاضرات في فلسفة التأريخ ص/ 250. (11) انظر صفة الشورى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ «1» والآية وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ «2» وقد بيّن عمر- رضي الله عنه- أن الحكم يخص الأمة وأن من يسلبها هذا الأمر يكون غاصبا. «3» . وتوازن الدعوة الإسلامية بين المطالب الروحية والدنيوية، وتنظر إلى عمران الأرض وزينة الحياة وطيباتها نظرة متفائلة، فلا تطالب البشر بالتبتل والحرمان والنأي عن استثمار الطاقات المتنوعة لمصالحهم قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ «4» وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ «5» . فالمطلوب أن يكون العمران والاستثمار في نطاق الإحساس دون الظلم والانحراف عن الفطرة وتسخير القوى نحو الشر والدمار والطغيان ... وهي في دعوتها إلى العمران تربي الأتباع على الإتقان، والإتقان يقابل بمصطلحات العصر (التكنولوجيا) ، والإحسان مرتبة عليا فوق الإسلام والإيمان، وفيها تتفجر الطاقات الإنسانية، وتنفتح على عالم الغيب بتركيز عال: من العبادة والرقابة واليقين «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» «6» . وقد أثمرت هذه الدعوة حضارة مادية رائعة في العصور الإسلامية الذهبية شملت الفكر والعلوم والزراعة والصناعة. وكان من مقاصد الدعوة الإسلامية حفظ النوع الإنساني واستمراره في الوجود، بتشريع الزواج، وتحصين الأسرة «7» ، وتحريم إتلاف النفس البشرية بالقتل أو الانتحار مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً «8» معتبرة تحقيق الأمان الفردي أساسا لتحقيق الأمن الجماعي. وتفتح الدعوة الإسلامية أبواب التوبة «9» أمام العالمين مهما بلغت معاصيهم دون الحاجة إلى الاعتراف أمام وسيط أو كشف مستور للآخرين قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «10» وبذلك تم التأكيد على قيم إيجابية تحارب اليأس «11» والقنوط «12» والتردي والعبثية والإحساس بالضنك في الحياة، وتمحو الصور القاتمة المظلمة الموحية بالاكتئاب والقلق «13» مثل   (1) القرآن الكريم- سورة الشورى/ 38. (2) القرآن الكريم- سورة آل عمران/ 159. (3) الفسوي- المعرفة والتأريخ 1/ 351 بإسناد صحيح. (4) القرآن الكريم- سورة الأعراف، الآية/ 32. (5) القرآن الكريم- سورة القصص، الآية/ 77. (6) البخاري- الصحيح 1/ 18. (7) انظر صفة حفظ الفرج. (8) القرآن الكريم- سورة المائدة، الآية/ 32. (9) انظر صفة التوبة. (10) القرآن الكريم- سورة الزمر، الآية/ 53. (11) انظر صفة اليأس. (12) انظر صفة القنوط. (13) انظر صفة القلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الطّيرة «1» (التشاؤم) والخوف «2» من المستقبل. سأل صحابي النبي صلّى الله عليه وسلّم: منّا رجال يتطيّرون؟ فأجابه: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنّهم» «3» . وتكثر الصور المتفائلة، والمعالم المضيئة، والمعاني الإيجابية الملطفة للحياة والمجمّلة للاجتماع البشري بإشاعة السلام «4» والمحبة بين الناس «5» ، والاهتمام بحسن المنظر والمظهر والنظافة «6» وطيب الرائحة. وأكدت الدعوة الإسلامية على التكافل والتعاون بين الناس ابتداء بصلة الأرحام «7» وانتهاء بالمجتمع، بالحثّ على السخاء، والكرم، والإيثار، ومراعاة حقوق الجيران «8» حيث ينخلع الناس عن أموالهم التي يحبونها استجابة لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «الصّدقة برهان» «9» يعني أنها دليل قاطع على تذوق حلاوة الإيمان. وأعلنت الدعوة الإسلامية حماية الملكية الفردية، وحثّت على عدم دوام تداول الأموال بالاستثمار، ومنعت تبديدها حتى من قبل صاحبها فحجرت عليه إذا كان سفيها لا يدرك عواقب إتلاف الثروة، وحرّمت الربا «10» والاحتكار «11» منعا لانحصار المال بأيد قليلة كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ «12» . وكانت عقيدة الايمان بالقضاء والقدر تحفز روح المغامرة الجهادية والعلمية والتجارية، وتدفع للبذل والتضحية لبناء الأمة وكيانها الحضاري. وقد اهتمت الدعوة الإسلامية بالعلم «13» ، فهو فريضة على كل مسلم، ووعدت بالأجر العظيم على طلبه، وقد وردت كلمة العلم في (624) موضعا من القرآن الكريم، وأعلت مكانة العلماء حتى اعتبرتهم ورثة الأنبياء «14» وأرست قيما ثقافية تضمن استمرار التقدم العلمي. فالعلم حق للجميع، وليس حكرا لفئة معينة مما يؤدي للارتفاع بالمستوى الثقافي لجمهور الأمة. والعلم يجب أن يقترن بالعمل والسلوك، وهو دليل توفيق الله للإنسان «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» «15» ، وفقه الدين يقتضي فهم الحياة، والنظر إلى أحداثها وقضاياها وفق مفاهيم الإسلام الذي انتظم جوانب الحياة المتنوعة، فلا عجب إذا ما تفتحت بصيرة المسلم على جوانب الاجتماع والاقتصاد والحس والذوق وقيم الجمال بصورة أرحب وأعمق وأشمل كلما ازداد بصيرة في دينه.   (1) انظر صفة التطير. (2) انظر صفة الخوف. (3) مسلم- الصحيح 1/ 382 حديث رقم (537) ، أبو داود- السنن 1/ 244- 245. (4) انظر صفة إفشاء السلام، والسلم. (5) انظر صفة المحبة. (6) انظر صفة حسن السمت. (7) انظر صفة صلة الرحم. (8) انظر صفة حق الجوار. (9) مسلم- الصحيح 1/ 203. (10) انظر صفة الربا. (11) انظر صفة الاحتكار. (12) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآية/ 7. (13) انظر صفة العلم. (14) انظر صفة الفقه. (15) جزء من حديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عدد من الصحابة. انظر «جامع الأصول» (9/ 205) و (10/ 164) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 والعلم تترتب عليه مسئولية دينية، فالعالم يسأل عن موقفه العلمي يوم القيامة «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع خصال: ... وعن علمه ماذا عمل فيه» «1» والعالم مسئول عن نشر العلم وعدم كتمانه «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» «2» . والعلم بحر لا ساحل له، ولا يمكن للفرد الإحاطة به، لذلك لا بد من الاستمرار في طلبه دون انقطاع، وقد أثمرت هذه القيم الثقافية حركة فكرية زاهرة حيث صار «التعلم المستمر» و «تراكم المعرفة» و «تجميع العلم» ودراسته بصورة منظمة من أبرز خصائص الحركة الفكرية في عصور الإسلام الذهبية. وكانت الدعوة الإسلامية ترتكز على مفهوم أن العقل وحرية الفكر مناط التكليف، وطالبت أتباعها بالبحث الحر عن الدليل أو البرهان، وأنكرت تقليد الآخرين، فلم يظهر في الإسلام كهنوت يدّعي احتكار فهم الإسلام وحق تفسير نصوصه كما حدث في تاريخ الأديان الأخرى، بل بوسع كل مسلم أن يرجع إلى القرآن والسنة وأن يتضلع في علومهما ويأخذ بعد ذلك عنهما، ويناقش الآخرين في صحة الدليل وطريقة الاستدلال. وأخيرا.. فإن التأمل في المنطلقات الفكرية للدعوة الإسلامية يكشف عن مباديء أساسية تتمثل في تحقيق العبودية لله، والكرامة والحرية والعلم والعدل والمساواة والشورى «3» للإنسان الذي يتجه إليه الخطاب الإسلامي في مطلق الزمان والمكان. مرحلة الدعوة السرية: بدأت الدعوة الإسلامية بمكة المكرمة بشكل سري وتتراوح مدة هذه المرحلة بين ثلاث وأربع سنوات «4» . وكانت مكة تخضع لقريش بعشائرها الأربع عشرة التي كان لكل منها كيانها الخاص مع تحالفها ضمن الإطار العام لقبيلة قريش. وكان من المتوقع أن ينتشر الإسلام في عشيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم في قريش التي ينتمي إليها أخيرا، غير أن انتشار الإسلام لم يرتبط بالعشائرية ولا بالعصبية القبلية. ورغم أن بني هاشم قد تعاطفوا مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم فإن ذلك لم يدفعهم إلى الدخول في الإسلام أكثر من غيرهم. وانتشر الإسلام في هذه المرحلة في سائر عشائر قريش بشكل متوازن وهو أمر يخالف طبيعة الحياة البدوية والنظرة القبلية. ولعل ذلك قد أعان على انتشار الإسلام بين مختلف العشائر دون تحفظات عصبية، ولو دققنا في انتماءات كل من أبي بكر الصديق التيمي، وعثمان بن عفان الأموي، والزبير بن العوام الأسدي، وعلي بن أبي طالب الهاشمي، ومصعب بن عمير الداري،   (1) أبو داود- السنن 3/ 323، وابن ماجه- السنن 1/ 93. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 436) : وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. (2) أبو داود- السنن 3/ 321، والترمذي- الجامع 5/ 29. وقال محقق «جامع الأصول» (/ 12) : وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو كما قال، وله شاهد عند الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو، وصححه ووافقه الذهبي. (3) انظر الصفات الخاصة بهذه الأمور في مواضعها من الموسوعة. (4) المرويات التي أوردها ابن إسحاق والواقدي حددت الفترة بثلاث سنين: ابن سعد- الطبقات 1/ 199، ابن هشام- السيرة النبوية 1/ 262، وحددها البلاذري في أنساب الأشراف (1/ 116) بأربع سنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وعمر بن الخطاب العدوي، وعبد الرحمن بن عوف الزهري، وعثمان بن مظعون الجمحي، لتبين لنا ذلك. وإضافة إلى هؤلاء فقد خرج اعتناق الإسلام عن إطار رجالات قريش، فعبد الله بن مسعود من هذيل، وعتبة بن غزوان من مازن، وعمار بن ياسر من مذحج، وزيد بن حارثة من كلب، والطفيل بن عمرو من دوس، وعبد الله بن قيس من الأشعريين، وهكذا فلم يقتصر اعتناق الإسلام على أفراد ينتمون إلى قريش أو يقيمون في مكة. أول من أسلم: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ «1» : لقد كانت خديجة- رضي الله عنها- أول من آمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم من البشر كما هو واضح من حديث بدء الوحي عند ما بشرته وصدقته فيما أخبرها به وخديجة «مثل طيب للمرأة التي تكمل حياة الرجل العظيم. إن أصحاب الرسالات يحملون قلوبا شديدة الحساسية، ويلقون غبنا بالغا من الواقع الذي يريدون تغييره، ويقاسون جهادا كبيرا في سبيل الخير الذي يريدون فرضه. وهم أحوج ما يكونون إلى من يتعهد حياتهم الخاصة بالإيناس والترفيه، بله الإدراك والمعونة! وكانت خديجة سبّاقة إلى هذه الخصال، وكان لها في حياة محمد صلّى الله عليه وسلّم أثر كريم» «2» ، ولذلك نالت خديجة مكانة عليّة عند ربها (عز وجل) فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «أتى جبريل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السّلام من ربّها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب» «3» . ولما كان علي بن أبي طالب يعيش حينذاك في كنف الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقد تأثر بالنبي، فكان أول من أسلم من الصغار أو من الشباب. وكان في العاشرة من عمره «4» . كما كان من أوائل من أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «5» . أما أول من أسلم من الرجال من خارج بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم باتفاق الجمهور فهو أبو بكر الصديق «6» «وكان أبو بكر رجلا مؤلفا لقومه، محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه ... لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه، ممن يغشاه ويجلس إليه.. فأسلم على يديه.. عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين استجابوا له فأسلموا» «7» .   (1) القرآن الكريم- سورة الواقعة 10- 11. (2) محمد الغزالي- فقه السيرة ص/ 75. (3) البخاري- فتح الباري 7/ 166 (حديث رقم 3820) ، مسلم- الصحيح (شرح النووي) 15/ 199. (4) الترمذي- الجامع 5/ 642، أحمد- المسند ص/ 330- 332، ابن هشام- السيرة 1/ 153. (5) ابن هشام- السيرة 1/ 154. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 4/ 475، 6/ 18، 7/ 207- 208، ابن كثير- السيرة 1/ 434. (7) ابن هشام- السيرة 1/ 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ويذكر أن عبد الله بن مسعود أسلم قبل دخول النبي صلّى الله عليه وسلّم دار الأرقم، وأنه أسلم وهو غلام، وأنه أخذ من فم النبي صلّى الله عليه وسلّم سبعين سورة من القرآن الكريم «1» . ولا شك في تقدم إسلام خباب بن الأرت «2» . وكذلك تقدم إسلام بلال الحبشي وكان رقيقا اشتراه أبو بكر وأعتقه «3» . وثبت أن عمّار بن ياسر أسلم مبكرا «4» . إسلام الجن: ويستدل من القرآن الكريم والسنة الصحيحة أن نفرا من الجن رأوا النبي صلّى الله عليه وسلّم في نخلة عامدا إلى عكاظ فاستمعوا إليه وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فآمنوا ورجعوا إلى قومهم، ولم يرهم الرسول في هذه المرة وإنما أوحي إليه خبرهم وأنزل الله تعالى عليه سورة الجن «5» . مما يدل على أن بعثته صلّى الله عليه وسلّم كانت لعالمي الجن والإنس. بدء الجهر بالدعوة: دامت دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم السرّية زهاء ثلاث سنوات أو أربع سنوات «6» . ولما «نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «7» صعد النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عديّ» - لبطون قريش- حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقي؟» قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» ، فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ «8» » «9» . «ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول صلّى الله عليه وسلّم دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين إذ أن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية، فبدء الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته. كما أن القيام بالدعوة في مكة لا بد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد من مركز ديني خطير فجلبها إلى حظيرة الإسلام لا بد أن يكون له وقع كبير على بقية القبائل.. على أن هذا لا يعني أن رسالة الإسلام كانت في أدوارها الأولى محدودة بقريش، لأن الإسلام، كما يتجلى   (1) أحمد- المسند 1/ 379، ابن سعد- الطبقات 3/ 150- 151، ابن أبي شيبة- المصنف 11/ 510. (2) ابن أبي شيبة 12/ 149 بإسناد صحيح. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 99) ، أحمد- فضائل الصحابة 1/ 182، 231 بأسانيد صحيحة، ابن سعد- الطبقات 3/ 233، الحاكم- المستدرك 3/ 284. (4) البخاري- الصحيح (فتح 7/ 18، 170) ، أحمد- مسند 1/ 112، 404، ابن سعد- الطبقات 4/ 215، وانظر صحيح مسلم 1/ 596. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 2/ 253، 7/ 171، 8/ 669- 670) ، مسلم- الصحيح (شرح النووى) 4/ 167- 168، 171 وأنظر سورة الجن، واسباب النزول. (6) ابن هشام- السيرة 1/ 159. (7) القرآن الكريم- سورة الشعراء، الآية/ 214. (8) القرآن الكريم- سورة المسد، الآيات/ 1- 2. (9) البخاري- فتح الباري 8/ 360، 609 (الاحاديث رقم 4770، 4971) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 من القرآن، اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق رسالته العالمية. والواقع أن كثيرا من الآيات المكيّة كانت تنص على أن القرآن إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ* «1» » «2» . وقد أسلم أبوذر الغفاري في هذه المرحلة «3» ، فقد قدم مكة وكان قد بلغته أخبار ظهور النبي صلّى الله عليه وسلّم فقصد لقاءه، وقد استضافه علي بن أبي طالب، وهيأ له مقابلة الرسول صلّى الله عليه وسلّم واستمع إلى قوله فأسلم، وأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرجوع إلى قومه فيدعوهم حتى يأتيه أمره، غير أنه ذهب إلى المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته بالشهادتين مما أثار زعماء قريش وضربوه حتى أضجعوه، وتمكن العباس بحكمته من إنقاذه منهم. وقد عاد أبو ذر إلى غفار فأسلم نصفهم وأسلم النصف الثاني بعد الهجرة «4» . وفي هذه المرحلة أسلم ضماد، من أزد شنوءة، الذي حدثه الرسول صلّى الله عليه وسلّم ودعاه إلى الإسلام فأسلم «5» . وأسلم في هذه المرحلة أيضا الطفيل بن عمرو الدوسي «6» . وعثمان بن مظعون «7» ، كما أسلم حمزة بن عبد المطلب، وفي هذه الفترة اشتدت جرأة قريش على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «8» .   (1) القرآن الكريم- سورة التكوير، الآية/ 27. (2) عماد الدين خليل- دراسة في السيرة ص/ 66. (3) البخاري- فتح الباري 7/ 174. (4) البخاري- صحيح (فتح الباري 7/ 173) ، مسلم- صحيح 4/ 193- 5. (5) مسلم- الصحيح 2/ 593. (6) ابن كثير- السيرة النبوية 2/ 76. (7) أحمد- المسند 1/ 318، ابن سعد- الطبقات 1/ 174- 175. (8) الطبراني- المعجم الكبير 3/ 152- 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 كتابة التنزيل: كانت الأمة أميّة عند نزول الوحي لم تنتشر بين أفرادها القراءة والكتابة، غير أن هذا لا يعني الانعدام التام للكتابة في جميع الأنحاء، فقد كانت مكة المكرمة منطقة تجارية ولها علاقاتها المستمرة مع اليمن والشام والعراق، ولا شك في أن علاقات التجار وصفقاتهم تقتضي كتابة الاتفاقات والعقود والحسابات وأن تجري المراسلات بينهم وبين نظرائهم الموردين والمستوردين، وعقود القروض والرهون وغير ذلك من المعاملات التجارية. ولقد كان من الثابت انتشار الخط الحميري في اليمن فقد كانت حمير تكتب الخط المسند وهي كتابة تختلف عن الكتابة العربية المعهودة، وقد نقل ابن النديم نموذجا لذلك الخط في خزانة الخليفة المأمون عبد الله بن هارون مما أمر به الخليفة «1» وكذلك الحال في العراق وبلاد الشام حيث انتشرت الكتابة النبطيّة، ثم وضعت الأبجدية العربية لأول مرة في الأنبار والحيرة. إن المشكلة التي تواجه الباحث في موضوع كتابة آيات التنزيل تحتم عليه الفصل بين أصل الخط العربي ونشأته، وبين ما كان يدونه كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وخاصة كتاب الوحي من خطوط. وذلك أن مسألة نشأة الخط العربي وأصوله مسألة خاصة لدينا حولها العديد من النظريات والنصوص، ولا يخرج الحديث عنها عن إطار الفرضيات رغم وفرة النصوص، حيث لا يستطيع أحد الجزم بدقتها خاصة في إطار التناقض في وجهات النظر المتعددة في هذا المجال. أما كتّاب الوحي فلا شك في أنهم باشروا بتدوين آيات الكتاب الحكيم بالخط العربي الذي كان سائدا في مكة المكرمة خلال فترة نزول الوحي، ثم في المدينة بعد الهجرة. وذلك ما يفسر قول ابن النديم «فأول الخطوط العربية، الخط المكي وبعده المدني «2» » ولذلك فإنه عاد فأشار إلى النمطين المذكورين في النص نفسه فقال: «فأما المكي والمدني ففي ألفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع وفي شكله انضجاج (يسير) «3» » «4» وذلك صريح في أن المقصود بالأولية هو بداية الكتابة في رسم المصاحف أو في فترة الدعوة الإسلامية. ومما يدعم هذا الرأى أن ابن النديم قد نص بعد ذلك على رسم صورة البسملة فاتحة لعنوان «خطوط المصاحف» ثم أورد بعد ذلك العنوان مباشرة ذكرا لعدد كبير من الخطوط «5» بدأها «بالمكى والمدني» «6» مما يوحي بمتابعته لتطور خطوط المصاحف في المدينة، ولعل أولهما ما كتبت به صحف التنزيل الكريم، وثانيهما ما كتب به المصحف عند جمعه في عهد الراشدين «7» . وقد روى البلاذري عن أبي بكر بن عبد الله العدوي قال: «دخل الإسلام (مكة)   (1) ابن النديم- الفهرست ص/ 8. (2) المرجع السابق ص/ 9. (3) في الأصل «يصير» ولا معنى لها في الجملة التي انتهت وهى تصحيف. (4) الفهرست ص/ 9. (5) تجاوزت العشرين. (6) الفهرست ص/ 9. (7) انظر الجمع الأول والجمع الثاني في عهدي الصديق وعثمان بن عفان، في الفصل الثالث من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب ... » «1» . لغة القرآن: لقد أكد القرآن الكريم في عدد كبير من المواضع أنه قد أنزل بلسان عربي مبين «2» ؛ قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ «3» ، وقال سبحانه: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا «4» ، ووصفه بأنه: قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ «5» ، وأنه قد فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا «6» ، وكذلك إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ «7» . وبهذا فقد أنزل حُكْماً عَرَبِيًّا «8» ، وأكد الباري سبحانه لرسوله صلّى الله عليه وسلّم وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا «9» ، وهذا التأكيد النصي القاطع يحسم المسألة بشكل ثابت ومستقر بأن القرآن الكريم قد نزل بلغة العرب على عمومها، وذلك ما يسر قراءته على الأحرف السبعة التي نصت عليها كتب القراءات وما هو واضح في أبحاث العلماء المختصين في ذلك. على أن ذلك لا يمكن أن يتعارض مع القول بأنه قد نزل بلغة قريش فقد أخرج أبو داود من طريق كعب الأنصاري أن عمر كتب إلى ابن مسعود «أن القرآن نزل بلسان قريش، فأقريء الناس بلغة قريش لا بلغة هذيل» ، وأما عطف العرب عليه فمن عطف العام على الخاص، لأن قريشا من العرب «10» . وقد أخرج ابن أبي داود في «المصاحف» من طريق آخر عن عمر قال: «إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلسان مضر» . ومضر هو ابن نزار بن معد بن عدنان وإليه تنتهى أنساب قريش وقيس وهذيل وغيرهم «11» . ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم ذلك «أنه نزل أولا بلسان قريش أحد الأحرف السبعة، ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيلا وتيسيرا «12» . وأورد الإمام البخاري في باب نزول القرآن على سبعة أحرف حديثا برواية الزهري عن ابن عباس- رضي الله عتهما- «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرف» «13» . ونقل الزهري رواية عن طريق عروة بن الزبير وسمعها عن طريق المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القارّيّ حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يذكر أنه صلّى خلف هشام بن حكيم فقرأ سورة الفرقان في   (1) البلاذري- فتوح 3/ 580 (رقم 1104) . (2) القرآن الكريم- سورة الشعراء، الآية/ 195، سورة النحل، الآية/ 103. (3) القرآن الكريم- سورة يوسف، الآية/ 2. (4) القرآن الكريم- سورة طه، الآية/ 113. (5) القرآن الكريم- سورة الزمر، الآية/ 28. (6) القرآن الكريم- سورة فصلت، الآية/ 3. (7) القرآن الكريم- سورة الزخرف، الآية/ 3. (8) القرآن الكريم- سورة الرعد، الآية/ 37. (9) القرآن الكريم- سورة الشورى، الآية/ 7. (10) البخاري- (فتح الباري 8/ 625) كتاب فضائل القرآن. (11) المرجع السابق 8/ 625- 6. (12) المرجع السابق 8/ 626. (13) المرجع السابق 8/ 639 (حديث رقم 4991) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» وقد أنكر عمر عليه ذلك وعرضا الأمر على الرسول صلّى الله عليه وسلّم فلما سمع قراءة هشام قال: «كذلك أنزلت» ، كما أقر عمر على قراءته وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأقرأوا ما تيسر منه» «1» . وكان القرآن يحفظ في صدور الرجال، ويكتب على العسب واللخاف «2» . كتّاب الوحي: أما كتّاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد اشتهر زيد بن ثابت بينهم رغم أنه أسلم بعد الهجرة واقتصر في الكتابة لذلك على ما نزل في المدينة ولم يكتب من السور المكية شيئا عند الوحي، وحتى في المدينة فربما غاب زيد فيكتب الوحي غيره. وأول من كتب آيات التنزيل في مكة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح «3» وممن كتب له في الجملة الخلفاء الأربعة، والزبير بن العوام، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، وحنظلة بن الربيع الأسدي، ومعيقب بن أبي فاطمة وعبد الله بن الأرقم الزهري، وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة في آخرين. وكان أبي بن كعب هو أول من كتب له بالمدينة «4» . وروى الإمام أحمد، وأصحاب السنن الثلاثة وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان قال: «كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: «ضعوا هذه في السّورة الّتي يذكر فيها كذا» الحديث «5» . وفي رواية الواقدي عن أشياخه: «إن أول من كتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقدمه المدينة أبيّ بن كعب الأنصاري، وهو آخر من كتب في آخر الكتاب وكتب فلان، فكان أبيّ إذا لم يحضر دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زيد بن ثابت الأنصاري فكتب له، فكان أبيّ وزيد يكتبان الوحي بين يديه، وكتبه إلى من يكاتب من الناس وما يقطع وغير ذلك» «6» . قال الواقدي: وأول من كتب له من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم ارتد ورجع إلى مكة وقال لقريش: أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد، وكان يملّ عليه «الظالمين» فيكتب «الكافرين» يمل عليه «سميع عليم» فيكتب «غفور رحيم» وأشباه ذلك. فأنزل الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ «7» .   (1) البخاري- (فتح الباري 8/ 639- 640- حديث رقم 4992) . (2) البخاري- فتح الباري (باب جمع القرآن) 8/ 627 وورد في رواية ابن عيينة عن الزهري «القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل» ووقع في رواية شعيب «من الرقاع» جمع رقعة وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد، وفي رواية ابن غزيّة «وقطع الأديم» ، وفي رواية ابن أبي داود «والصحف» ، فتح الباري 8/ 631. (3) ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح، فتح الباري 8/ 639، وقول ابن حجر: في الجملة: يعني في مكة والمدينة. (4) البخاري- (فتح الباري 8/ 639) باب: كاتب النبي صلّى الله عليه وسلّم. (5) المرجع السابق 8/ 639. (6) البلاذري- فتوح البلدان 3/ 582 (حديث 1112) . (7) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 93، وانظر عن الرواية: المصدر السابق 3/ 582 (حديث 1112) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فلما كان يوم الفتح أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقتله فكلمه فيه عثمان بن عفان وقال: «أخي من الرضاعة وقد أسلم» فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتركه «1» . وتذكر المصادر الموثقة أن معاوية بن أبي سفيان أسلم عام الفتح «2» ، وأنه كتب للرسول صلّى الله عليه وسلّم أيضا «3» . وقال الواقدي وغيره: وكتب حنظلة بن الربيع بن رباح الأسيدي، من بني تميم، بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرة فسمي حنظلة الكاتب «4» . ويبدو أن الكتابة كانت قليلة في المدينة كما هو الحال في مكة، فيذكر الواقدي أنه «كان الكتّاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلا، وكان بعض اليهود قد علم كتاب (كتابة) العربية، وكان يعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول، وجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون وهم: سعد بن عبادة بن دليم، والمنذر بن عمرو، وأبّي بن كعب، وزيد بن ثابت- وكان يكتب بالعربية والعبرانية- ورافع بن مالك، وأسيد بن حضير، ومعن بن عديّ البلوي حليف الأنصار، وبشير بن سعد، وسعد بن الربيع، وأوس بن خولي، وعبد الله بن أبيّ «المنافق» «5» . وعدد البلاذري من أسماهم «الكملة، وهم الذين جمعوا العوم والرمي إلى الكتابة، فذكر خمسة من كتاب المدينة، في الإسلام مميزا لهم عن اثنين «ممن جمع هذه الأشياء في الجاهلية من أهل يثرب» وهما سويد بن الصامت وحضير الكاتب «6» كما ذكر كاتبا نصرانيّا من أهل الحيرة كان في المدينة، وهو جفينة العبادي، والذي استمر يسكن المدينة حتى نهاية عهد عمر ابن الخطاب «7» . وأورد البلاذري رواية عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت ذكر فيها أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان قد أمره أن يتعلم كتابة العبرانية، فتعلمها، فكان يكتب له إلى يهود، ويقرأ له ما يكتبون إليه به «8» . الدعوة في مكة: نزلت معظم سور القرآن الكريم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مكة. وكانت القضية الكبرى والمحورية التي ركّز عليها القرآن في معظم سوره وآياته المكية هي قضية أن «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له» وهو التوحيد المطلق والخالص لله سبحانه وتعالى وإفراده وحده بالعبادة وعدم صرف شيء منها لغير الله. فالوحدانية المطلقة هي القضية الأساسية التي قامت عليها دعوة الأنبياء عليهم السلام من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم. لقد كانت مهمة الأنبياء جميعا توضيح وبيان توحيد الله «9» سبحانه وتعالى وإفراده وحده بالربوبية والألوهية وأن يوصف بما وصف به نفسه أو وصفه به أنبياؤه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل. وبعد أن يتضح   (1) البلاذري- فتوح البلدان 3/ 582. (2) الاستيعاب 3/ 395، أسد الغابة 4/ 385، البداية والنهاية 8/ 19- 146. (3) البلاذري- فتوح البلدان 3/ 582. (4) المرجع السابق 3/ 582. (5) المرجع السابق 3/ 583 (حديث 1113) . (6) المرجع السابق 3/ 583. (7) المرجع السابق 3/ 583، ويذكر الواقدي بأنه كان ظئرا لسعد بن أبي وقاص وأن عبيد الله بن عمر اتهمه بمشايعة أبي لؤلوة المجوسي على قتل أبيه. (8) المرجع السابق 3/ 583 (حديث 1115) . (9) انظر صفة التوحيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 توحيد الله في العقول، ويسكن في القلوب، وتطمئن به النفوس، عند ذلك يبدأ العمل بتنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى واجتناب نواهيه وتأدية ما فرضه الله على العباد وفق ما جاء به وحيه، أو أمر به رسوله صلّى الله عليه وسلّم ثم يبدأ التنافس بين العباد في الأعمال الصالحة. ولذلك نجد جوهر دعوة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم واضحة جلية في كثير من الآيات والسور التي نزلت بمكة، ومنها على سبيل المثال قول الله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «1» . ويجمل شيخ الإسلام ابن تيمية دعوة النبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «وعامة السور المكية كالأنعام والأعراف ... هي الأصول الكلية التي اتفقت عليها شرائع المرسلين كالأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والصدق والعدل والإخلاص، وتحريم الظلم والفواحش والشرك بالله والقول على الله بلا علم» «2» . شرع النبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم يبين حقيقة أن «لا إله إلّا الله» التي تعني الوحدانية المطلقة لله سبحانه وتعالى وعدم صرف أي شيء من أنواع العبادة لغير الله، «فالإنسان ليس عبدا لكائن في الأرض أو عنصر في السماء، لأن كل شيء في السماء والأرض عبد لله، يعنو لجلاله ويذل في ساحته ويخضع لحكمه، وليس هناك شركاء ولا شفعاء ولا وسطاء، ومن حق كل امرىء أن يهرع إلى ربه رأسا غير مستصحب معه خلقا آخر، كبيرا أو حقيرا. واجب على كل امرىء أن ينكر من أقاموا أنفسهم أو أقامهم غيرهم للتقرب إلى الله زلفى، وأن ينزل بهم إلى مكانهم المحدود سواء كانوا بشرا أو حجارة أو ما سوى ذلك، ويجب أن تبنى جميع الصلات الفردية والجماعية على أساس تفرد الله في ملكوته بهذه الوحدانية التامة. ونتيجة هذه العقيدة أن الحجارة التي يعبدها العرب أصبحت لا تزيد عن الحجارة التي تبنى بها البيوت أو ترصف بها الطرق» «3» . أبعاد تأثير الدعوة على مجتمع مكة: جاء الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم بدعوة، قلبت حياة البشر رأسا على عقب، ولم تكن تلك الدعوة تتناول عقيدتهم وحدها، بل شملت حياتهم في جميع مظاهرها: في السياسة، وفي الاجتماع، وفي المال، وفي البيت. ولم يكن طبعيا ولا مألوفا أن ينكروا ما وجدوا عليه آباءهم وبلادهم طواعية، فكان لا بدّ لهم من التصدي لهذه الدعوة، ومقاومة صاحبها، ليرجع إلى الصف الذي خرج عنه، فيعظّم حرماتهم التي يعظّمون. ولهذا فقد قاومت قريش الدعوة التي نقضت عقيدتها الفاسدة والمنحرفة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي كان يدعو   (1) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآيات/ 151- 153. (2) ابن تيمية- الجواب الصحيح 3/ 360. (3) محمد الغزالي- فقه السيرة ص/ 92- 93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 إلى التوحيد، وينذر بالبعث «1» ، فلا هي راضية بإله غير آلهتها، ولا هي واجدة في البعث والحساب الذي ينذرها به ما تعقله أو ترضاه. ولو أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم قصر دعوته على التوحيد، وتسفيه أحلام القوم، لكفى بذلك إعناتا، ولكنه زيادة على ذلك دعا إلى الإيمان بالبعث، فاستغربوا ذلك، واستبعدوه كل الاستبعاد، وقالوا: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* «2» . لقد سخروا من هذه الفكرة، واستدلّوا بها على ضعف رأي صاحب الدعوة. مشى إليه يوما أبيّ بن خلف بعظم بال، فقال: يا محمّد، أنت تزعم أنّ الله يبعث هذا! ثمّ فتّه بيده، ثمّ نفخه في الرّيح نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فردّ القرآن على ذلك بقوله: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ «3» . صدمت الدعوة إلى التوحيد والبعث دين قريش وعقلها فسخرت لذلك قريش من الداعي، ثم هبت إلى الإيذاء والعدوان. لم يكتف محمد صلّى الله عليه وسلّم بدعوته هذه التي كانت غريبة في رأي القوم، بل زاد عليها أن دعا إلى تحريم الخمر، والزنا، والميسر، والربا. وقريش لا تستغني عن هذه الأربعة، ففيها متعهم، وفيها تفاخرهم، وفيها غناهم وثروتهم. فربا قريش كان في القبائل كلها، والرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم يريد أن يحرم عليها ما تعدّه من طيبات الحياة، ومصادر الثروة، فأنّى لها أن تستطيع على ذلك صبرا؟. لم يكتف الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالتوحيد، والبعث، وتحريم بعض ما طاب لنفوس القوم، بل دعا كذلك إلى أمر غريب عليهم، مستنكر لديهم، ذلك هو حق المساواة، وهم الذين قضوا أعمارهم في التفاخر بالأحساب والأنساب. فما بال محمد صلّى الله عليه وسلّم يخرج عليهم بالمساواة بين السادة والعبيد، ويجعل الناس سواسية كأسنان المشط؟ إنها للكبيرة التي لن ترضى قريش أن تقرّه عليها، قريش التي أنفت أن تسوّى بالناس، فحرّفت لذلك دينها، وأنفت أن تقف على عرفة، وأن تفيض منها كما يقف الناس ويفيضون، وهي تعلم أن ذلك من مشاعر إبراهيم وفرائض الحج. قريش التي ألزمت العرب ألا يطوفوا بالبيت في أثواب جاءوا بها من البدو، فطافوا عراة ... قريش التي كانت تختص بأنواع الامتياز التي جعلتها لنفسها كما تشاء، كيف ترضى للرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يدعو للمساواة المطلقة، وأن يقول لعشيرته: «يا بني هاشم لا يجئني النّاس بأعمالهم وتجيئوني بأنسابكم ... » . بل من الغريب أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وهو في بيت الرياسة من قريش، وفي طليعة الممتازين، رفض في الجاهلية ضروب هذا الامتياز، وسوّى نفسه ببقية الأمة قبل أن يكون رسولا يوحى إليه. إن دخول المستضعفين في دين الإسلام أزعج زعماء قريش وخافوا مغبته فأرسلوا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم يقولون: «اطرد هؤلاء عنك ونحن لا نرى بأسا من اعتناق دينك» فرفض الرسول صلّى الله عليه وسلّم هذا العرض، فبعثوا إليه مرة أخرى   (1) انظر صفة الإنذار. (2) القرآن الكريم- سورة الصافات، الآية/ 16. (3) القرآن الكريم- سورة يس، الآيات/ 78- 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 يقولون له: «إن لم يكن من بقائهم بدّ فليكونوا في مؤخرة الصفوف ونتولى نحن الصدارة» ففكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم في هذا العرض الجديد، إن الصدارة إنما يظفر بها أهل الكفاية وأصحاب السبق في الإيمان والعمل، أيمكن أن تكل المؤمنين إلى إيمانهم، وتتألف هؤلاء الأقوياء بإحلالهم في مكان الصدارة حتى إذا تشرّبت أفئدتهم الإيمان كاملا تركوا هذه العنجهية من تلقاء أنفسهم. وبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه المقابلة نزل الوحي بحسم القضية كلها وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ* وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ «1» . وهكذا ألقت السماء كلمتها إن المبادىء لا يضحّى بها ولو من ناحية الشكل ومن دخل في دين الله فيلخلع عن نفسه أردية الجاهلية كلها، ولا يشعر بأنه أرجح من غيره لامتيازات مبهمة مدّعاة «2» . لم تستطع قريش صبرا على الدعوة إلى المساواة، فبطشت بالعبيد، وقست على المستضعفين الذين وجدوا في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم إنصافا. ولم يكتف النبي بأن عاب أوثانها، وأنذرها ببعث وحساب شديد، وقوّض جاهها وسلطانها، وحرمها شهواتها والاتجار بالربا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا «3» وسوى بينها وبين العبيد المستضعفين، بل قام يطلب لهؤلاء العبيد والفقراء وأبناء السبيل حقّا في أموال الأغنياء: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ «4» يؤخذ منهم قسرا، ويضرب عليهم ضريبة، وما كان أبغض إلى نفوس القوم من ضريبة يؤدونها مفروضة! فلما انتقل الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى كانت تلك الضريبة أول ما عصوا عليه، وارتدوا من أجله. ذلك مجمل من القول يصوّر حالة المجتمع الذي قام فيه محمد صلّى الله عليه وسلّم داعيا إلى الله، وإلى نظام سياسي واقتصادي واجتماعي بغيض إلى القوم. وقد صوّر ذلك القرآن في أبدع إيجاز بهذه الآية: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا «5» . ويجيب القرآن على قولهم هذا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ* وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ* وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ «6» . كما أن النبي محمدا صلّى الله عليه وسلّم ذكّر قومه قريشا بفضل الله عليهم وطالبهم بشجاعة وإصرار بترك آلهتهم   (1) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآيات/ 52- 53. (2) محمد الغزالي- فقه السيرة ص/ 90- 93. (3) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 275. (4) القرآن الكريم- سورة المعارج، الآيات/ 24- 25، وانظر صفة «الزكاة» . (5) القرآن الكريم- سورة القصص، الآية/ 57. (6) القرآن الكريم- سورة القصص، الآيات/ 57- 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وأصنامهم وأن يعبدوا الله وحده ربّ حرمهم الآمن بلفظ واضح جامع: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ «1» . ولقد نقل النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى قومه ما جاء به القرآن الكريم في وصف القيامة ومشاهدها ووصف الجنة وما فيها من نعيم للمؤمنين والنار وما فيها من عذاب مهين للكافرين، فنجد سورا كاملة تتحدث عن ذلك «2» . ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك بقوله: «وأما وصف القيامة الكبرى في الكتاب والسنة، فكثير جدّا، لأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم خاتم الأنبياء وقد بعث بين يدي الساعة فلذلك وصف القيامة بما لم يصفها به غيره» «3» . وقد واصل النبي صلّى الله عليه وسلّم عرض دعوته على قومه، وأخذت الآيات البينات تتنزل عليه من ربه تبين لهم أن تلك الأصنام التي يعبدونها من دون الله لا تضر ولا تنفع، وتنذرهم بأن من يعبدها ويموت على ذلك فمصيره إلى النار وبئس القرار. ولم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يخاطبهم بلسانهم فحسب، بل كان يخاطبهم بتلاوة كلام الله عليهم، ذلك الكلام العربي المبين الذي يهزهم بفصاحته وبلاغته، وكانت كثير من سور القرآن تبتديء بحروف لها وقع غريب تلفت انتباههم وتشدهم ثم يتلوها كلمات لها معان لم يسمعوا بها قط. يتلوها عليهم، كما نزلت عليه من عند ربّه ليخبرهم برسالته ويعلمهم بحالهم وحاله حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ* قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ «4» . ثم يعود ليؤكد لهم بالأسلوب نفسه والطريقة ذاتها أنه رسول الله إليهم وإلى الناس أجمعين لينذرهم ويوضح لهم جوهر دعوته إلى ربه: الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ* الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ* وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «5» . أصبحت قريش بعد كلّ هذا في حيرة من أمر ابنهم هذا الذي أعجزهم بلغتهم وهم سادة لسان العرب. وكان أبو طالب في هذه الفترة قد حدب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أمر الله مظهرا لأمره، لا يرده عنه شيء، فلما رأت قريش أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يعتبهم (أي لا يرضيهم) من شيء وأنكروه عليه   (1) القرآن الكريم- سورة قريش، الآيات 1- 4. (2) منها على سبيل المثال لا الحصر سور: ق، الطور، الرحمن، الواقعة، الحاقة، المعارج، المدثر، القيامة، الإنسان، المرسلات، النبأ، النازعات، عبس، الانفطار، الانشقاق ... وغيرها. (3) ابن تيمية- الجواب الصحيح، ص/ 99. (4) القرآن الكريم- سورة فصلت، الآيات/ 1- 6. (5) القرآن الكريم- سورة إبراهيم، الآيات/ 1- 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه، فلم يسلمه لهم مشى رجال من أشرافهم إلى أبي طالب «1» ، فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا، وضلل آباءنا، ف إما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما هو عليه يظهر دين الله. فذهب الوفد مرة أخرى إلى أبي طالب، فقالوا له: يا أبا طالب: إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك عن ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين ... ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعدوانهم، ولم يطب نفسا بتسليم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهم ولا خذلانه، فدعا أبو طالب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال له: يابن أخي: إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فقال عليه الصلاة والسلام: «يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته» «2» ، ثم استعبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبكى ثم قال، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يابن أخي، فأقبل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: اذهب يابن أخي فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا «3» . ولما فشل المشركون مع أبي طالب في أن يتخلى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عمدوا إلى المستضعفين من المسلمين فأنزلوا بهم من الأذى والاضطهاد والتعذيب الشيء الكثير «4» . ولما ازداد الأذى بالمسلمين أمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة إلى الحبشة لأنها أرض صدق وبها ملك لا يظلم أحدا، فهاجر عدد من الرجال والنساء في السنة الخامسة ثم لحق بهم مهاجرون آخرون بعد بضعة شهور حتى وصلوا إلى ثلاثة وثمانين رجلا مع بعض النساء. وخافت قريش من انتشار الإسلام خارج مكة فأرسلت رجلين إلى النجاشي ملك الحبشة بهدايا قيمة بغية استعادة المهاجرين إلى مكة، فلما طلبا من النجاشي تسليمهم استدعاهم النجاشي وسألهم عن أمرهم فتحدث نيابة عنهم جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه- وعرض في إيجاز جوهر دعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: «أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة   (1) سيرة ابن هشام 1/ 297، وقد ذكر ابن هشام من هؤلاء عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، وأبو البختري، والأسود بن عبد المطلب، وأبو جهل، والوليد بن المغيرة، وغيرهم. (2) سيرة ابن هشام 1/ 299، وتاريخ الطبري 2/ 326، سيرة ابن كثير 1/ 474- 475. (3) سيرة ابن هشام 1/ 299، وقارن بالمراجع العديدة التي ذكرت هناك. (4) ابن تيمية- الجواب الصحيح 1/ 194، البلاذري- أنساب الأشراف 1/ 158- 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 والزكاة والصيام- فعدد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنا به، واتّبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك» ، فرفض النجاشي تسليم المهاجرين لمبعوثي قريش وتعهد بحمايتهم «1» . ثم لجأت قريش إلى ترويج الاتهامات الباطلة لصد الناس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن ذلك أنهم اتهموه بالجنون. وفي ذلك نزل قول الله تعالى: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ «2» . وقد أجابهم الله في سورة القلم ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ «3» ، وحكى ذلك عنهم في قوله وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ «4» . واتهموه بالسحر وفي ذلك نزل قوله تعالى: وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ «5» ، وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً «6» . وقد تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن. فعندما أوشك دخول موسم الحج جمع فريقا من عتاة المعاندين، فقال لهم: «يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضا ... » وعلى الرغم من استبعادهم أنه كاهن أو شاعر أو ساحر إلّا أنهم اتفقوا على أن يقولوا للناس إنه ساحر، لأنه يفرق بين الأقارب، فأنزل الله في الوليد ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ... «7» ثم أخذوا يتلقون الناس يحذرونهم من أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم وشاء الله أن تصدر العرب من ذلك الموسم وقد شاع بينهم أمر الدعوة وأخبار الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها «8» وكان مثل هذه المواقف سببا في إسلام الناس في المواسم. واتهموه بالكذب، وفي ذلك يقول الله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ «9» .   (1) ابن هشام- السيرة 1/ 206- 207، أحمد- المسند 1/ 201- 203، البيهقي- دلائل النبوة 2/ 301- 304، ابن عبد البر- الدرر في اختصار المغازي والسير ص/ 93- 94، الذهبي- السيرة النبوية ص/ 116- 119 وقال الألباني إنّ سنده صحيح، وانظر: محمد الغزالي- فقه السيرة ص/ 115 حاشية رقم (2) . (2) القرآن الكريم- سورة الحجر، الآية/ 6. (3) القرآن الكريم- سورة القلم، الآية/ 2. (4) القرآن الكريم- سورة القلم، الآية/ 51. (5) القرآن الكريم- سورة ص، الآية/ 4. (6) القرآن الكريم- سورة الفرقان، الآية/ 8. (7) القرآن الكريم- سورة المدثر، الآية/ 11. وانظر الآيات التي بعد هذه الآية في صفات الوليد. (8) ابن هشام- السيرة (2/ 334- 337) من رواية ابن إسحاق، ورواه الطبري في تفسيره (14/ 157) من طريق ابن إسحاق أيضا. (9) القرآن الكريم- سورة الفرقان، الآية/ 4. وانظر تفسيرها في زاد المسير (6/ 72- 73) . قال مجاهد في قوله وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ: يعنون اليهود. وقال مقاتل: أشاروا إلى عداس مولى حويطب ويسار غلام عامر بن الحضرمي وحبر مولى لعامر أيضا، وثلاثتهم من أهل الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 واتهموه بالإتيان بالأساطير. قال تعالى: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا «1» . واتهموا المؤمنين بالضلالة.. وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ «2» . أذى المشركين للرسول صلّى الله عليه وسلّم: واجهت قريش الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالسخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي عليه صلّى الله عليه وسلّم وعلى المؤمنين. يقول الله تعالى عن سخريتهم من الذين آمنوا: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ «3» وروى البخاري «4» أن امرأة قالت للرسول صلّى الله عليه وسلّم ساخرة مستهزئة: «إنّي لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا!» فأنزل الله تعالى: وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «5» . وروى البخاري «6» أن أبا جهل قال مستهزئا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» . فنزلت: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ* وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ «7» . وقال الله تعالى عن ضحكهم وغمزهم: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ* وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ* وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ «8» . ومن منطلق الاستعلاء والسخرية، قال المشركون للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء- يعنون صهيبا وبلالا وخبّابا- فاطردهم عنك» . فهمّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك طمعا في إسلامهم وإسلام قومهم، فأنزل الله تعالى وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ «9» . ومر الرسول صلّى الله عليه وسلّم يوما بجماعة من زعماء قريش فهمزوه واستهزؤوا به، فغاظه ذلك، فأنزل الله- عز وجل-   (1) القرآن الكريم- سورة الفرقان، الآية/ 5. قال المفسرون: إن الذي قال هذا هو النضر بن الحارث. انظر: زاد المسير (6/ 63) . (2) القرآن الكريم- سورة المطففين، الآية/ 32. (3) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 53. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 580) . وقد وردت أقوال أخرى في سبب نزول هذه الآيات، منها المقبول ومنها المردود، انظر ابن حجر: الفتح (8/ 581) . (5) القرآن الكريم- سورة الضحى، الآيات/ 1- 3، ونص البخاري: «اشتكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو ... » الحديث. (6) فتح الباري (17/ 185/ ح 4648) . (7) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآيات/ 32- 34. (8) القرآن الكريم- سورة المطففين، الآيات/ 29- 31. (9) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 52. وانظر سبب نزولها في تفسير الطبري (11/ 374- 388) وقد جمع الطبري الآثار الواردة في ذلك، وخرجها وحققها الشيخ شاكر. وما أثبتنا معناه هنا في المتن هو مضمون الأثر رقم (13258) بإسناد صحيح. وقد روى مسلم والنسائي بعضه من حديث سعد بن أبي وقاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* «1» . كما كان المشركون يتواصون بينهم بافتعال ضجة عالية وصياح منكر عند ما يقرأ القرآن، حتى لا يسمع فيفهم فيترك أثرا في عقل نقي وقلب طيب. وفي ذلك قال المولى- عز وجل-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ «2» . لجوء المشركين إلى المطالبة بالمعجزات: وطالبت قريش أن يريهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم معجزات أو مزايا ليست عند البشر العاديين: من ذلك قولهم ... مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً* أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها «3» فرد عليهم الله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ «4» . وقولهم: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ. ولذا قال لهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما جاء في الآية نفسها قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا «5» . وسألوه أن يسيّر لهم جبال مكة، ويقطع لهم الأرض ليزرعوها، ويبعث لهم من مضى من الآباء الموتى أمثال قصي ليسألوه عن صدق محمد، ورد الله عليهم في قوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً «6» ، ولقد كان طلبهم على وجه العناد، لا على وجه طلب الهدى والرشاد. قال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ «7» وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ «8» . وقال تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ... «9» .   (1) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 10. وذكر ذلك ابن إسحاق بلاغا- ابن هشام- السيرة (2/ 42) . ولم يذكر المفسرون سببا معينا لهذه الآية. ومن ذكره منهم رواه من طريق ابن إسحاق، مثل ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (3/ 5) . (2) القرآن الكريم- سورة فصلت، الآية/ 26، انظر زاد المسير (7/ 252) . (3) القرآن الكريم- سورة الفرقان، الآيات/ 7- 8. (4) القرآن الكريم- سورة يونس، الآية/ 15. (5) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآيات/ 90- 93. (6) القرآن الكريم- سورة الرعد، الآية/ 31. وانظر سبب نزولها عند ابن كثير- التفسير (4/ 382) ، والطبري- التفسير (16/ 446- 450/ شاكر) متلا إلى ابن عباس- رضي الله عنهما- ومرسلا إلى مجاهد والضحاك، ابن إسحاق- بدون إسناد: ابن هشام- السيرة (1/ 381) ، الشامي: سبل الهدى (2/ 456- 457) من خبر رواه أبو يعلى وأبو نعيم عن الزبير بن العوام، وفي (2/ 452) حول هذا الخبر من رواية ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي- كما قال. (7) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 109. (8) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 111. (9) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 لجوء قريش إلى المفاوضات: حاولت قريش من خلال أسلوب المساومة الذي اكتسبته وأتقنته من خلال خبرتها الطويلة في التجارة، أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق، وذلك بأن يترك المشركون بعض ماهم عليه، ويترك النبي صلّى الله عليه وسلّم بعض ما هو عليه. قال تعالى وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ «1» . وعند ما قالوا له اعبد آلهتنا يوما ونعبد إلهك يوما، أنزل الله تعالى سورة الكافرون: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ* وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ* وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ* وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ «2» وحسم بذلك هذه المساومة الهزلية. وكانوا قد ساوموا عمه فيه، حين اقترحوا عليه بأن يعطوه عمارة بن الوليد بن المغيرة بدلا عن محمد صلّى الله عليه وسلّم فيأخذوه ويقتلوه «3» . وعند ما اشتكى أبو طالب مرض موته، وبلغ قريشا ثقله، قال بعضهم لبعض: إن حمزة وعمر قد أسلما وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها. فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا فإنا والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا. وعند ما جاء وفدهم إلى أبي طالب، قال لمحمد صلّى الله عليه وسلّم: «يابن أخي هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليعطوك وليأخذوا منك» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم كلمة واحدة يعطونيها يملكون بها العرب وتدين لهم بها العجم» . وفي رواية: «تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية» . ففزعوا لكلمته ولقوله. فقال القوم: كلمة واحدة؟ قال: نعم. فقال أبو جهل: نعم وأبيك عشر كلمات. قال: «تقولون لا إله إلّا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه» . فصفقوا بأيديهم ثم قالوا: يا محمد تريد أن تجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن أمرك لعجب. ثم قال بعضهم لبعض: ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون فانطلقوا وامضوا على دينكم حتى يحكم الله بينكم وبينه. ثم تفرقوا، فأنزل الله فيهم أول سورة «ص» ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ* كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ* وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ* أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ* وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ* ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ* أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ* أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ* أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ «4» .   (1) القرآن الكريم- سورة القلم، الآية/ 9. (2) القرآن الكريم- سورة الكافرون، الآيات/ 1- 6. (3) ابن هشام- السيرة (1/ 330) من رواية ابن إسحق بدون إسناد. (4) القرآن الكريم- سورة ص، الآيات/ 1- 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 لجوء قريش إلى سبّ القرآن ومنزله ومن جاء به: روى البخاري «1» ومسلم «2» والترمذي «3» وغيرهم في قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها أن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «نزلت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مختف بمكة. كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون قراءته سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن وَلا تُخافِتْ بِها عن أصحابك فلا تسمعهم وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا «4» . وروى ابن إسحق «5» أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعض ما يتلو وهو يصلي يسترق السمع فرقا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم ولم يستمع، وإن خفض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوته لم يسمعوا شيئا من قراءته، فأنزل الله تعالى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي فيتفرقوا عنك، وَلا تُخافِتْ بِها فلا يسمع من أراد أن يستمعها ممن يسترق ذلك دونهم لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فيقتنع به وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا. وعند ما كان المسلمون يسبون أصنام الكفار، أخذ المشركون يسبون الله عدوا بغير علم، فأنزل الله: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ «6» . التعاون مع اليهود للتصدي للدين الجديد: أوفدت قريش نفرا منهم إلى المدينة، على رأسهم: النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ليأتوا من اليهود بأسئلة تعجيزية فيطرحونها على الرسول صلّى الله عليه وسلّم. فقالت لهم يهود: سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح. ولكن الله أبطل كيدهم عند ما أنزل الله قرآنا في شأن الإجابة عن أسئلتهم «7» .   (1) فتح الباري (17/ 299- 300/ ح 4722) . والحديث الذي يليه (4723) فيه تفسير عائشة- رضي الله عنها- بأن الآية نزلت في الدعاء، قال ابن حجر: «ورجح النووي وغيره قول ابن عباس- رضي الله عنهما-، كما رجحه الطبري، لكن يحتمل الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة. وقد روى ابن مردويه من حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت. وجاء عند أهل التفسير في ذلك أقوال أخر..» - الفتح (17/ 300) . (2) مسلم- الصحيح (1/ 329/ ح 145) . (4) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ 110. (3) صحيح سنن الترمذي (3/ 70/ 3366- 3367) ، قال الألباني: «صحيح متفق عليه» . (5) السير والمغازي، ص/ 206 بإسناد ضعيف لضعف داود بن الحصين في روايته عن عكرمة- انظر الكامل (3/ 959) ، التهذيب (3/ 181) ، التقريب، ص/ 199. (6) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 108. (7) روى هذه القصة ابن إسحق- بدون إسناد- ابن هشام- السيرة (1/ 371- 372) ، والترمذي صحيح الترمذي (3/ 69/ ح 3361- 3362) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-، وقال الألباني: «صحيح الإسناد» ، وفيها السؤال عن الروح فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 اتباع قريش أسلوب الترغيب للرسول صلّى الله عليه وسلّم: أرادت قريش أن تجرب أسلوب الترغيب، فأرسلت عتبة بن ربيعة، الذي قال للرسول صلّى الله عليه وسلّم: «يابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من المكان في النسب، وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها: إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا. وإن كنت تريد شرفا سوّدناك علينا فلا نقطع أمرا دونك. وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ» . فلما فرغ من قوله تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدر سورة «فصلت» إلى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ «1» وعندها وضع عتبة يده على جنبه وقام كأن الصواعق ستلاحقه، وعاد إلى قريش مخبرا إياهم بأن ما سمع ليس بشعر ولا سحر ولا كهانة، واقترح على قريش أن تدع محمدا وشأنه «2» . وفي رواية البيهقي وابن أبي شيبة وابن حميد من حديث جابر، زادوا: «وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت» . وفي رواية أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: «يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا» . قال: «لم؟» قال: «ليعطوك، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله..» ثم قال عن القرآن الذي سمعه من محمد صلّى الله عليه وسلّم: «ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته» «3» . اتباع قريش لأسلوب الترهيب: كان أبو جهل، إذا سمع عن رجل قد أسلم وله شرف ومنعة، أنّبه وأخزاه، وقال له: «تركت دين أبيك وهو خير منك! لنسفهن حلمك ولنضعفن رأيك ولنضعن شرفك» ، وإن كان تاجرا قال له: «لنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك» ، وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به «4» . أذى المشركين للرسول صلّى الله عليه وسلّم: عند ما لم تثمر كل الأساليب السابقة في صد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عن دينهم، لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء والتصفية الجسدية. لقد استفحل إيذاؤهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم في الفترة العلنية لغضبهم منه حين أضحى يظهر شعائر دينه مثل الصلاة عند الكعبة. فقد روى مسلم «5» عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال أبو جهل: «هل يعفر محمد   (1) القرآن الكريم- سورة فصلت، الآية/ 13. (2) روى هذا الخبر ابن إسحق بإسناد منقطع- ابن هشام- السيرة (1/ 362- 363) . (3) رواه الحاكم في المستدرك موصولا (2/ 506- 507) . (4) ابن إسحق، معلقا- ابن هشام- السيرة (1/ 395) . (5) مسلم- الصحيح، (4/ 2145- 2155/ ح 2797، وانظره مختصرا عند البخاري في الفتح (18/ 380/ ح 4958) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وجهه بين أظهركم؟ قال فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته- أو لأعفرن وجهه في التراب، قال فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي- زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجأهم منه إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» ، قال: فأنزل الله- عز وجل- كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى * إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى* أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى * ... إلى قوله: كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ «1» . وروى البخاري بسنده إلى عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمر عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: رأيت عقبة بن أبي معيط، جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله، وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم؟» «2» . وروى البخاري «3» ومسلم «4» من حديث ابن مسعود، قال: «بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد. فانبعث أشقى القوم «5» فأخذه. فلما سجد النبي صلّى الله عليه وسلّم وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر. لو كان لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والنبي صلّى الله عليه وسلّم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت هي وجويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم. فلما قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم ... فو الذي بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالحق لقد رأيت الذي سمى (أي ذكر أسماءهم بالدعاء عليهم) صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر» . قال ابن حجر «6» وقد أخرج أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس، قال: «لقد ضربوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرة حتى غشي عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادي: ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ فتركوه وأقبلوا على أبي بكر ... » . وحاولت أم جميل- زوجة أبي لهب- أن تعتدي عليه بحجر فحماه الله منها فلم تره- كما روى البيهقي «7» . وكانت تحمل الحطب لتضعه في طريقه صلّى الله عليه وسلّم- كما حكاه القرآن الكريم وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ «8» .   (1) القرآن الكريم- سورة العلق، الآيات/ 6- 19. (2) البخاري- الصحيح- الفتح: (14/ 179/ ح 3678) و (15/ 9- 11/ ح 3856) . (3) البخاري- الصحيح- الفتح (12/ 66/ ح 2934) . (4) مسلم- الصحيح (3/ 1418- 1419/ ح 1794) . (5) هو عقبة بن أبي معيط كما صرح به في الرواية الثانية عند مسلم- الصحيح (3/ 1419/ ح 1794) . (6) فتح الباري (15/ 11/ ح 3856) . (7) الدلائل (2/ 196) بإسناد حسن لغيره لأنه تقوّى بآخر. (8) القرآن الكريم- سورة المسد، الآيتين/ 4، 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وروى أحمد «1» أن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف: «لو قد رأينا محمدا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله» ... وأخبرته ابنته فاطمة بالذي قالوا، فجاءهم وحصبهم بقبضة من تراب، من أصابته منهم قتل يوم بدر كافرا. وروى الإمام أحمد «2» من حديث أنس، أن جبريل- عليه السلام- جاء ذات يوم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس حزينا قد خضب بالدماء، ضربه بعض أهل مكة، فقال له مالك؟ قال: «فعل بي هؤلاء وفعلوا» . فقال له جبريل: أتحبّ أن أريك آية؟ قال: «نعم» ، فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: ادع بتلك الشّجرة، فدعاها، فجاءت حتى قامت بين يديه، فقال مرها فلترجع، فأمرها فرجعت إلى مكانها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حسبي» . ويرى ابن كثير «3» ان غالب ما وقع للرسول صلّى الله عليه وسلّم من أذى، كان بعد وفاة عمه أبي طالب. اضطهاد قريش للمسلمين: ونال أبا بكر- رضي الله عنه- نصيبه من الأذى، حتى فكر في الهجرة إلى الحبشة فرارا بدينه «4» . وقام أبو بكر خطيبا في المسجد الحرام ذات يوم فضربه المشركون ضربا شديدا، وممن ضربه عتبة بن ربيعة حيث جعل يضربه على وجهه بنعلين مخصوفتين حتى ما يعرف وجهه من أنفه. وجاء بنو تميم يتعادون، فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملوه في ثوب إلى منزله، ولا يشكون في موته، وأقسموا لئن مات أبو بكر ليقتلن عتبة بن ربيعة «5» . وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من أوراق النخيل، ثم يدخنه من تحته «6» . وروي أنه عند ما أسلم أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطا، وأقسم ألا يحله إلّا إذا ترك الإسلام، فأقسم عثمان على عدم تركه الإسلام، فلما رأى عمه صلابته في دينه تركه «7» . ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه أجاعته وأخرجته من بيتها، وكان من أنعم الناس عيشا، فتخشف جلده تخشف الحية، وحتى حمله أصحابه على قسيهم، لشدة ما به من الجهد «8» . وعند ما سمع أبوذر الغفاري بخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء ودخل مكة، وأخذ يسأل عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ضربه أهل مكة حتى غشي عليه، وكاد أن يموت، فخلصه العباس- رضي الله عنه- منهم «9» .   (1) المسند (4/ 269/ ح 2672) . (2) الساعاتي- الفتح الرباني (20/ 220) . (3) البداية والنهاية (3/ 148) . (4) انظر الحديث بتمامه من رواية البخاري- الصحيح (فتح الباري 10/ 43- 44/ ح 2297) . (5) ابن كثير- في البداية (3/ 33- 34) . (6) المنصور فوري- رحمة للعالمين (1/ 52) . (7) ابن سعد- الطبقات (3/ 55) من رواية الواقدي. (8) ابن إسحق- السيرة، ص/ 193، بسند معضل. (9) طرف من حديث في قصة إسلام أبي ذر، متفق عليه: البخاري- الصحيح (فتح الباري 14/ 33/ ح 3522) ، مسلم- الصحيح (4/ 1920/ ح 2473) ، (4/ 1923- 24/ ح 2474) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 تعذيب الموالي: بعد أن بذلت قريش كل ما في وسعها من قوة وحيلة في إطفاء أنوار الدعوة المحمدية، وباءت بخيبة مريرة حوّلت ذلك إلى نقمة على المستضعفين من المؤمنين كبلال وعمّار ووالده ياسر وأمه سمية، وصهيب الرومي، وخبّاب ابن الأرت وأبي فهيرة، وأبي فكيه، ومن النساء زنّيرة، والنهدية، وأم عبيس. أمّا بلال فكان مملوكا لأميّة بن خلف الجمحي، وكان يعذبه بإلقائه في الرمضاء على وجهه وظهره، ويضع الصخرة العظيمة على صدره، وذلك إذا حميت الشمس وقت الظهيرة، ويقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، وبلال صابر يردد كلمة: «أحد.. أحد» . وأخيرا استبدله أبو بكر الصديق بعبد مشرك عنده وأعتقه- رضي الله عنهما-. وأمّا عمّار وأمه ووالده ياسر فقد كانوا يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء يعذبونهم بحرّها، فمر بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وهم يعذبون، فقال: «صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنّة» . فمات ياسر تحت العذاب رحمه الله رحمة واسعة. وأمّا سميّة فقد أغلظت القول لأبي جهل فطعنها بحربته في قبلها فماتت شهيدة، فكانت أول شهيد في الإسلام. وشدد أعداء الله العذاب على عمّار ونوّعوا العذاب عليه فمرة بالجرّ ومرة بوضع الصخرة على صدره، وأخرى بالغمس في الماء إلى حد الاختناق ويقولون له لا نتركك حتى تسب محمدا، وتقول في اللات والعزى خيرا، وفعل ما طلبوه منه فتركوه، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم يبكي فقال: «ما وراءك؟» . فقال: شر يا رسول الله، كان الأمر كذا وكذا. فقال له: «كيف تجد قلبك؟» . قال: أجده مطمئنا بالإيمان. فقال: «إن عادوا يا عمّار فعد» . وأنزل الله تعالى قوله من سورة النحل: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً «1» . وأمّا خبّاب فقد أسلم سادس ستة فقد عذبه المشركون عذابا شديدا إذ كانوا يلصقون ظهره بالرمضاء ثم بالحجارة المحماة بالنار ويلوون رأسه. وأمّا عامر بن فهيرة فقد أسلم قديما قبل دخول الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى دار الأرقم، وكان من المستضعفين فعذّب عذابا شديدا، ولم يرده ذلك عن دينه، وكان يرعى غنما لأبي بكر، وكان يروح بها الى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وهما في الغار طوال المدة التي كانا فيها في الغار، وأمّا أبو فكيهة واسمه أبو يسار فكان عبدا لصفوان بن أمية بن خلف الجمحي، أسلم مع بلال فأخذه أميّة بن خلف وربط في رجليه حبلا وأمر فجرّ ثم ألقاه في الرمضاء، ومر به جعل (حشرة معروفة) فقال له أمية: أليس هذا ربك؟. فقال: الله ربي وربك وربّ هذا. فخنقه خنقا شديدا، وكان معه أخوه أبي بن خلف فيقول: زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره ولم يزالوا يعذبونه كذلك حتى أغمي عليه فظنوه مات ثم أفاق فاشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه. وأمّا النساء المؤمنات زنّيرة وأم عبيس ولبيبة والنهدية فقد عذّبن كذلك أشدّ العذاب من قبل مواليهنّ ولم يرجعن عن دينهنّ، فرضي الله عنهن وأرضاهن.   (1) القرآن الكريم- سورة النحل، الآية/ 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 لقد نفس الكفار أغلب أحقادهم على الإسلام ومعتنقيه في أشخاص الموالي، لأنه لم تكن لهم منعة. فكان العذاب أقسى وأفظع. وقد عذر الله المعذّبين فيما يتلفظون به حينما يبلغ الجهد منهم مبلغه. قال سعيد بن جبير لابن عباس: «أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟» قال: «نعم والله، إن كانوا ليضربون أحدهم ويجوعونه ويعطشونه، حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضرب الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له اللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، افتداء منهم مما يبلغون من جهده» «1» . قال ابن كثير «2» : «وفي مثل هذا أنزل الله تعالي: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» «3» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يحث أصحابه دائما على الصبر على الأذى ويخبرهم بأن الله تعالى سوف ينصر دينه. فقد جاء إليه خبّاب بن الأرت يشكو إليه ما يصيبهم من شدة من المشركين وقال له: «يا رسول الله ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمرّ وجهه فقال: «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشقّ باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمّنّ الله هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضر موت ما يخاف إلّا الله» «4» . لقد عرضت قريش المال والجاه، الثروة والملك على الرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم فأجابهم: «ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشّرف فيكم، ولا الملك عليكم ولكنّ الله بعثني إليكم رسولا وأنزل عليّ كتابا، وأمرني أن أكون بشيرا ونذيرا فبلّغتكم رسالات ربّي ف إن تقبلوه فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله حتّى يحكم الله بيني وبينكم» «5» . ولما فشل المشركون في محاولاتهم في التصدي للدعوة الإسلامية، تعاهدوا على مقاطعة بني هاشم فلا يبيعونهم شيئا ولا يبتاعون منهم ولا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم. وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في جوف الكعبة، فاضطر أبو طالب وعشيرته إلى التحصن بالشعب ودام حصارهم زهاء ثلاث سنوات عانوا خلالها أشد المعاناة من الجوع والعوز. حتى تمكن بعض زعماء قريش بزعامة هشام بن عمرو من نقض ما جاء في الصحيفة الظالمة، وانتهت مقاطعة بني هاشم «6» .   (1) رواه ابن إسحق، ابن هشام- السيرة (1/ 396) . (2) البداية والنهاية (3/ 65) . (3) القرآن الكريم- سورة النحل، الآية/ 106. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري) (7/ 202- حديث رقم 3852) . (5) ابن هشام: السيرة 2/ 316. (6) ابن هشام- السيرة 2/ 219- 221، 234- 237، البيهقي- دلائل النبوة 2/ 311- 314، ابن عبد البر- الدرر ص/ 27- 30، البلاذري- أنساب الأشراف 1/ 235- 236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وقامت بين أبي بكر الصديق ومجموعة من مشركي قريش مجادلة حادة حول الحرب القائمة بين الامبراطوريتين الرومية والفارسية بعد نزول الآية الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ «1» . وكان المسلمون يحبون أن ينتصر الروم لأنهم نصاري وكانت عاطفة المشركين مع الفرس لأنهم أهل أوثان مجوس. وقد راهن أبو بكر على انتصار الروم خلال خمس سنوات، وذلك قبل تحريم الإسلام للمراهنات «2» . ولا بد أن فرحة المؤمنين بانتصار الروم كانت كبيرة لما في ذلك من تأييد القرآن وخذلان المشركين فضلا عن انتصار أهل الكتاب على المجوس، وقد أسلم عدد من الناس على أثر ذلك «3» . وينبغي أن نشير إلى أن الصراع بين الدولتين الكبيرتين فارس والروم كان له أثره في التجارة من جهة، ويستلزم استمرار المراقبة للأوضاع خارج الجزيرة وعلى أطرافها لما كان له من آثار على التعامل الخارجي التجاري في بلد يعتمد على التجارة مثل مكة «4» . كما أن نزول الآيات الخاصة بذلك الصراع تشير إلى أهمية متابعة التطورات السياسية التي تجري على أطراف جزيرتهم، كما أن فيها ما يشير إلى وحدة مواقف المؤمنين بالله وتمايزهم أمام الإلحاد والوثنية. وكان الجدل حول هذه المسألة يوضح أحد جوانب الصراع العديدة بين الجانبين «5» . ولقد تصاعد العنف مع مرور الأيام، وأصبح المسلمون يشكلون مجتمعا معزولا عن المجتمع المكي، تحيط بهم النظرات الغاضبة والألسن الشاتمة والأيدي التي تسومهم أصناف العذاب، ولذلك فقد أصبح استقرار المسلمين في مكة أمرا ينطوي على المخاطر الكبيرة، وذلك ما أدى إلى ضرورة التفكير بالهجرة إلى أماكن آمنة يهاجرون إليها فرارا بدينهم ونأيا بأنفسهم عن العذاب، وكانت الحبشة أول المناطق التي فكروا بجدوى الهجرة إليها. الهجرة الأولى إلى الحبشة: نزلت آيات الذكر الحكيم تلمح إلى الهجرة في قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ «6» . ولما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يصيب أصحابه من البلاء وما كان ينالهم من التعذيب والإهانة، وأنه لا يقدر أن يمنع عنهم ما يصيبهم، نصح المسلمين بالخروج إلى أرض الحبشة «7» . وفي تلك الظروف الحرجة كانت هجرة المسلمين إلى الحبشة فرارا بدينهم من بلاد الفتنة إلى بلاد الأمان. ومن الثابت أن المسلمين هاجروا إلى الحبشة   (1) القرآن الكريم- سورة الروم، الآيات/ 1- 5. (2) الترمذي- السنن 5/ 343- 344، الحاكم- المستدرك 2/ 410، الطبراني- المعجم الكبير 12/ 29، الطبري- التفسير 21/ 12، البيهقي- دلائل النبوة 2/ 330. (3) الترمذي- السنن 5/ 344- 345. (4) ابن كثير- التفسير 6/ 305- 306 (ط. الشعب) ، وانظر الطبري- التفسير 21/ 19. (5) ابن كثير- التفسير 3/ 423. (6) القرآن الكريم سورة الزمر، الآية/ 10. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 189، ابن هشام- السيرة 1/ 334، وانظر السير والمغازي ص/ 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 مرتين «1» . وكانت الهجرة الأولي في شهر رجب من سنة خمس من المبعث، وهم أحد عشر رجلا وأربع نسوة خرجوا متسللين سرّا «2» . حتى انتهوا إلى الشعيبة، منهم الراكب والماشي، ووفق الله تعالى للمسلمين ساعة جاءوا الساحل سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار «3» . وقد ثبت من طرق صحيحة «4» ما ورد عن أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها- «5» وكانت ضمن من هاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولي، حيث قالت: «لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منعة من قومه وعمه لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه» «6» . فخرجنا إليها أرسالا حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار آمنّا على ديننا ولم نخش منه ظلما» «7» . وكان عثمان بن عفان أول من خرج مهاجرا ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأورد الإمام البخاري حديثا بسند موصول إلى أنس قال: «أبطأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبرهما، فقدمت امرأة فقالت له: لقد رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط» «8» . وقد سرد ابن إسحاق وغيره أسماء مهاجرة الحبشة وهم عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وأبو حذيفة بن عتبة، ومصعب بن عمير، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة، وسهيل بن بيضاء، وأبو سبرة بن أبي رهم العامري، وحاطب بن عمرو العامري. وأما النسوة فهن رقية بنت النبي صلّى الله عليه وسلّم وسهلة بنت سهل امرأة أبي حذيفة، وأم سلمة بنت أبي أمية، امرأة أبي سلمة، وليلى بنت أبي حثمة امرأة عامر بن ربيعة «9» . وقد عرفت هذه بالهجرة الأولى إلى الحبشة «10» .   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 10/ 43- 44 (حديث 2297) ، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 73. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 187) . (3) المرجع السابق 7/ 187- 188، ابن سعد- الطبقات 1/ 204. (4) البخاري- الصحيح (فتح 7/ 189) ، ابن إسحاق- السيرة ص/ 194، ابن هشام- السيرة 1/ 3 إإ، وأنظر ابن سعد- الطبقات 1/ 204، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 74. (5) ولم تكن قد تزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينذاك. (6) إسناده حسن، ذلك أن رواية يونس بن بكير قد توبعت برواية البكائي، كما أن محمد بن إسحاق بن يسار قد صرح بالتحديث (السيرة ص/ 194) . وقد أورد البخاري الحديث بتقديم «أحد عنده» وتبديل «فألحقوا» بعبارة «فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله» (فتح 7/ 277، حديث 3876) . (7) البخاري- الصحيح (فتح 7/ 189) ، ابن هشام- السيرة النبوية 1/ 334. (8) البخاري- الصحيح (فتح 7/ 227 (رقم 3876) وعقب ابن حجر على ذلك بقوله «وبهذا تظهر النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث عثمان» وأنظر البيهقي- دلائل النبوة 2/ 297. (9) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 227- 8) ، ابن سعد- الطبقات 1/ 204، ابن هشام- السيرة 1/ 430. (10) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 228) ، ابن سعد- الطبقات 1/ 204. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 أراد أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- الالتحاق بالمهاجرين إلى الحبشة في هذه الهجرة الأولى بعد أن اشتد أذى قريش عليه، ويظهر أنه سلك طريقا آخر، إذ تشير الأخبار بأنه سار في طريق اليمن حتى إذا ما بلغ برك الغماد- وهو موضع على خمس ليال من مكة لقيه ابن الدّغنة- وهو سيد قبائل القارة حلفاء بني زهرة القرشية- فقال له أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. فقال له ابن الدّغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فأجاره وأعاده معه إلى مكة حيث أعلن لقريش أنه في جواره، فوافقت قريش على ذلك واشترطت عليه أن تكون عبادته في داره وأن لا يستعلن «1» . وبعد مدة أخذ أبو بكر يجتهد بالقراءة في فناء داره «وكان رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن» فيجتمع إليه ابناء ونساء المشركين يعجبون وينظرون إليه ويستمعون القرآن مما أفزع قريشا ودفعها إلى مطالبة ابن الدّغنة بأن يكفّه عن ذلك، فخيّره ابن الدّغنة بين الإسرار بعبادته، أو أن يردّ عليه جواره، فرد أبو بكر عليه جواره وقال: «إني أردّ عليك جوارك وأرضى بجوار الله» «2» وهكذا بقى أبو بكر بمكة إلى جوار الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم، مستجيرا بالله سبحانه وتعالى يحتمل أذى مشركي قريش، بعد أن كان الرسول قد أذن له بالهجرة إلى الحبشة «3» . قصة الغرانيق الباطلة والهجرة الثانية إلى الحبشة: وبعد هجرة الحبشة الأولى بفترة قليلة، حدث أن صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم في المسجد الحرام، فقرأ سورة النجم وسجد في موضع السجود فسجد معه كل من كان يسمعه من المسلمين والمشركين «4» . وشاع أن قريشا قد أسلمت، وبلغ المسلمين وهم بأرض الحبشة «أن أهل مكة أسلموا فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة فلم يجدوا ما أخبروا به صحيحا فرجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية، وقد ذكرت إحدى الروايات الصحيحة أنهم «كانوا اثنين وثمانين رجلا سوى نسائهم وأبنائهم ... وقيل إن عدة نسائهم كانت ثماني عشرة امرأة» «5» . ولا شك في أن دوافع الهجرة الثانية قد شملت اشتداد البلاء وتعاظم الفتنة والتعذيب الدائم للمستضعفين من المسلمين، والعدوان المستمر على أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم «6» . وقد ذهبت روايات مرسلة صحيحة السند «7» إلى أن الشيطان كان قد ألقى على لسان الرسول صلّى الله عليه وسلّم في قراءته لسورة النجم في صلاته تلك في الحرم عبارة «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهنّ لترتجى» ، وذهبت روايات مرسلة أخرى ضعيفة الأسانيد إلى أن هذه العبارة قد قالها الشيطان، وسمعها المشركون دون المسلمين، فسجد   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 4/ 475- 476) . (2) المرجع السابق 4/ 475- 476. (3) ابن هشام- السيرة النبوية 2/ 372- 374 بإسناد حسن. (4) صحيح البخاري (فتح الباري 2/ 551، 553، 557، 560، 8/ 614) ، مسلم- الصحيح 1/ 405. (5) البخاري- صحيح (فتح الباري 7/ 189) . (6) ابن إسحاق- السير والمغازى ص/ 213. (7) ورد في أسانيدها سعيد بن جبير، وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا العاليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 المشركون بسجود المسلمين «1» . وقد اعترض على هذه القصة عدد كبير من أفاضل العلماء والنقاد «2» . والحق أن هذه القصة تصطدم بنصوص القرآن الكريم «3» . وعصمة النبوة في قضية الوحي «4» ، وتتعارض مع عقيدة التوحيد وهي الأصل في العقيدة الإسلامية. محاولة قريش استرداد المهاجرين المسلمين: بادرت قريش بعد الهجرة الثانية وفشلها في منع المسلمين من الهجرة، ونتيجة تخوفها من انتشار الدعوة الإسلامية، فأرسلت وفدا مؤلفا من عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، ومعهما الهدايا إلى النجاشي وبطارقته، بهدف إعادة من هاجر من المسلمين إلى مكة. وحاول الوفد إقناع البطارقة عن طريق الهدايا، وعن طريق تصوير المهاجرين المسلمين لهم بأنهم «غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وأنهم جاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم..» «5» ، وبيّتوا الأمر مع البطارقة على أن يشيروا على النجاشي بأن يسلمهم إليهم ولا يكلمهم، غير أن النجاشي رأى ضرورة أن يتحرى الأمر بنفسه فدعا المسلمين وطلب منهم توضيح حقيقة دينهم، فانبرى جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه-. وتكلم نيابة عن إخوانه المهاجرين كما سبق وأسلفنا، قائلا: «أيها الملك: كنا قوما على الشرك، نعبد الأوثان ونأكل الميتة، ونسيء الجوار ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، ولا نحل شيئا ولا نحرّمه. فبعث الله إلينا نبيّا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم ونحسن الجوار، ونصلّي ونصوم، ولا نعبد غيره» وحين طلب النجاشي من جعفر أن يقرأ عليه شيئا مما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم، قرأ عليه صدر «سورة مريم» ، فبكى النجاشي ومن معه من أساقفته وقال: «إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين» . وأقسم بألّا يسلمهم لقريش أبدا «6» . ورغم فشل المحاولة فقد أثار عمرو بن العاص في اليوم التالي موقف الإسلام من عيسى ابن مريم ونظرة المسلمين إليه بزعمه، وذكر للنجاشي بأنهم يقولون في عيسى قولا عظيما. فسألهم النجاشي فقال جعفر: نقول فيه «هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول» . فقال النجاشي: «ما عدا عيسى ابن مريم مما   (1) روى هذه القصة ابن سعد في طبقاته 1/ 205- 206، عن طريق الواقدي وهو ضعيف جدّا، والطبري في التفسير وفي إسناده أبو معشر وهو ضعيف، والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 285- 287 وإسناده ضعيف، ولم يروها أحد من أصحاب الكتب الستة والإمام أحمد ولا غيرهم من أصحاب الكتب المعتمدة. (2) نذكر منهم الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 229) ، والقاضي عياض في الشفا (2/ 750 وما بعدها) ، وابن حجر (فتح الباري 18/ 41) ، وللشيخ محمد ناصر الدين الألباني رسالة عنوانها «نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق» خرّج فيها أحاديثها وحكم عليها بالضعف والبطلان وقد فسر الألوسي سبب سجود المشركين بما اعتراهم من خوف ودهشة وهم يستمعون إلى أخبار هلاك من سبقهم من الأمم السابقة. انظر: روح المعاني (17/ 189) الطبعة المنيرية. (3) القرآن الكريم- سورة النجم، الآية/ 23، سورة الحجر، الآية/ 42، سورة ص، الآيات/ 82- 83، سورة النحل، الآية/ 99. (4) ناصر الدين الألباني- نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق، أبو شهبة- السيرة النبوية 1/ 364- 374. (5) ابن إسحاق- السيرة والمغازي/ 213- 217، ابن هشام- السيرة 1/ 289- 93. (6) ابن هشام- السيرة 1/ 289- 293. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 قلت هذا العود» «1» واستقر رأي النجاشي على منح المسلمين الأمان، «فأقاموا في خير دار مع خير جار» «2» . أما القسيسون والرهبان الذين سمعوا قول جعفر واستمعوا إليه وهو يرتل القرآن، فقد ذرفوا الدموع مما عرفوا من الحق فأنزل الله تعالى قوله الكريم: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ* وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ «3» . وعلى الرغم من فشل مبادرة قريش في محاولتها استعادة المهاجرين المسلمين، فإن هذه المحاولة تدل على إدراكها لخطورة الموقف الناجم عن حصول المسلمين على ملجأ يأوون إليه آمنين، وخاصة أن الحبشة تدين بالنصرانية، وقد شاع عن ملكها العدل والإنصاف، كما أنها قريبة من مكة مما كان يشكل خطرا متوقعا على قريش ومصالحها في المستقبل. مكث المسلمون في الحبشة ما شاء الله لهم، ولقد توفي عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان فخطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتزوجها وهي بالحبشة، زوجه إيّاها النجاشي ومهرها أربعة الاف، ثم جهزها من عنده ولم يرسل إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم بشيء، وقد بعثها النجاشي مع شرحبيل بن حسنة «4» . انضم إلى مهاجرة الحبشة أبو موسى الأشعري مع جمع من قومه بلغوا ثلاثة وخمسين رجلا وكانوا قد ركبوا سفينة يريدون الهجرة إلى المدينة حين بلغهم استقرار الوضع فيها لصالح المسلمين فألقتهم الرياح إلى الحبشة فالتحقوا بالمسلمين ومكثوا معهم إلى أن عادوا جميعا إلى المدينة حين افتتح المسلمون خيبر «5» . فعاد بعضهم إلى المدينة بعد هجرة المسلمين إليها وقبل وقعة بدر الكبرى، وكانت عدتهم ثلاثة وثلاثين رجلا وثماني نسوة، وعاد الباقون وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب في العام السابع من الهجرة في أعقاب فتح خيبر «6» . ولم تخل هجرتهم هذه من الصعوبات، ويستفاد من نقاش جرى بين أسماء بنت عميس- إحدى المهاجرات إلى الحبشة- وعمر بن الخطاب أن المهاجرين المسلمين إلى الحبشة رغم ما تحقق لهم من الاستقرار والتخلص من أذى قريش وعذابها فإنهم لاقوا العنت، وتحملوا الغربة والمشاق، وأنهم كانوا يتعرضون أحيانا للخوف والإرهاب. وقد أنصفهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم حين قال لهم: «ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان» «7» . وذلك   (1) ابن هشام- السيرة 1/ 413- 418. (2) المرجع السابق 1/ 289- 293. (3) القرآن الكريم- سورة المائدة، الآيات/ 82- 83، وانظر تفسير الطبري 7/ 3. (4) أحمد- المسند 6/ 427، أبو داود- السنن 2/ 538، 569 بإسناد صحيح، النسائي- السنن 6/ 119، الحاكم- المستدرك 2/ 181. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 6/ 237، 7/ 188، 484، 485، 487) ، صحيح مسلم (بشرح النووي) 16/ 64. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 15/ 36 (ح 3876) ، ابن سعد- الطبقات 1/ 207. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 6/ 237، 7/ 18، 484، 487) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي 16/ 64- 66) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 أسعد مهاجرة الحبشة وأثلج صدورهم. وقد وردت العديد من الدلائل التي تفيد إسلام النجاشي فقد ورد في الأخبار أنه أسلم ولذلك خرج عليه قومه، ولكنه حرص قبل محاربتهم على أن يؤمن للمسلمين سفنا ليغادروا عليها إذا ما تعرض للهزيمة «1» . وأنه كتب كتابا يشهد فيه بإسلامه «2» . وأورد الشيخان أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نعى النجاشي أصحمة في اليوم الذي مات فيه في العام التاسع من الهجرة النبوية، وأنه صلّى بالمسلمين صلاة الغائب عليه «3» . إسلام حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه-: علم حمزة بن عبد المطلب بعد عودته إلى مكة من الصيد- وذلك في السنة السادسة من المبعث- أن أبا جهل قد شتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأساء إليه إساءات بذيئة، فبادر إلى أبي جهل وهو في مجلسه بين قومه فضربه بالقوس على رأسه فشجه شجة منكرة، وقال له: «أتشتمه وأنا على دينه؟» وانشرح صدر حمزة للإسلام وعرفت قريش أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عزّ وامتنع، وأن حمزة سيمنع عنه الأذى، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه «4» . إسلام عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: كان عمر بن الخطاب رجلا قويا مهيبا، وكان يؤذى المسلمين ويشتد عليهم. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو الله أن ينصر دينه به «5» . قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ابن عم عمر وزوج أخته: «والله لقد رأيتني، وأن عمر لموثقي وأخته على الإسلام قبل أن يسلم» «6» . ولم تصح رواية في تعيين وقت إسلام عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وتحديده بشكل دقيق، فقد جعل ابن إسحاق ذلك بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة في هجرتهم الأولى «7» ، ويجعل الواقدي إسلامه في ذي الحجة نهاية السنة السادسة من البعثة النبوية حيث يتراوح عدد المسلمين حينئذ بين أربعين وخمسين، أو ستّا وخمسين منهم عشر أو إحدى عشرة امرأة «8» . وقد أخبرت أم عبد الله بنت أبي حثمة، وهي من مهاجرة الحبشة، أن عمر اطلع استعداداتها وزوجها للهجرة إلى الحبشة، وأنه قد رق لها ولزوجها رغم ما كانوا يلقون منه من البلاء والأذى   (1) ابن هشام- السيرة 1/ 421. (2) مسلم- الصحيح (2/ 657 (ح 951) . (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 6/ 141 حديث 1245) ، ابن حجر- فتح الباري 6/ 228- 230، وانظر مسلم- الصحيح 2/ 657 واللفظ للبخاري. (4) ابن إسحاق- السير والمغازي ص/ 171- 172، ابن سعد- الطبقات 3/ 9، ابن هشام- السيرة 1/ 360- 361، الهيثمي- مجمع الزوائد 9/ 267، الحاكم- المستدرك 3/ 193. (5) أحمد- المسند 6/ 427، أبو داود- السنن 2/ 538، 569، النسائي- السنن 6/ 119. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 15/ 25 (حديث 3867) ، أحمد- فضائل الصحابة 1/ 278. (7) ابن حجر- فتح الباري 7/ 183، ابن هشام- السيرة 1/ 342. (8) ابن سعد- الطبقات 3/ 269- 70، ابن حجر- فتح الباري 7/ 178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 قبل ذلك، وبأنها قد رأت منه رقة لم تكن تراها من قبل، قالت: «ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا» . ويستفاد من الرواية أنها طمعت في إسلامه في حين أظهر زوجها اليأس من ذلك لما كان يرى من غلظته وقسوته على المسلمين قبل ذلك. أما القصة التي توردها بعض المرويات عن أن إسلام أخته وزوجها كان سببا في إسلامه فلم ترد عنها رواية بإسناد صحيح، وهي تتناقض مع ما رواه زوج أخته آنفا بشأن موقف عمر من إسلامهما. وكذلك الحال مع قصة استماعه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يتلو القرآن في صلاته عند الكعبة المشرفة وعمر مستخف بأستارها «1» . ومع ذلك فإن الحافظ ابن حجر أشار إلى أن الباعث على دخوله في الإسلام ما سمع في بيت أخته فاطمة من القرآن الكريم «2» . ولا شك في أن ما يتجلى في الكتاب العزيز من البيان وروعة التصوير لمشاهد القيامة، ووصف الجنة والنار كان له أثر كبير في اجتذاب عمر إلى صفوف المسلمين، كما أن عدم ثبوت الروايات الحديثية هنا لا يعني حتمية عدم حصولها في التاريخ. استجاب الله تعالى لدعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم عمر، فأعز الله به الإسلام والمسلمين، وصلى المسلمون بالبيت العتيق دون أن يتعرض لهم المشركون، وهذا ما أشار إليه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود حين قال: «لقد رأيتنا ما نستطيع أن نصلّي بالبيت العتيق حتى أسلم عمر» و «ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر» ، «إن إسلامه كان نصرا» «3» ، وهو ما عناه حبر الأمة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- حين خاطب عمر- رضي الله عنه- بعد حادثة طعنه، فقد قال له « ... فلما أسلمت كان إسلامك عزّا وأظهر الله بك الإسلام ورسول الله وأصحابه» «4» . ولقد كانت ردّة فعل زعماء المشركين من قريش عنيفة عند سماعهم نبأ إسلام عمر- رضي الله عنه-. وكان عمر- رضي الله عنه- قد تعمد إبلاغهم جميعا عن طريق أكثر الرجال نقلا للأخبار في قريش وهو جميل بن معمر الجمحي، فما أن أعلمه عمر بإسلامه حتى قام يجر رداءه، وعمر خلفه، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: «يا معشر قريش- وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إنّ عمر قد صبأ» ، وعمر خلفه يقول «كذب والله، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله» فثاروا حتى لقد سال بهم الوادي من كثرتهم يريدون قتله لولا أن أجاره العاص بن وائل السهمي «5» . وقد روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمّاه الفاروق أي الذي   (1) أحمد- المسند 1/ 17- 18 بسند صحيح إلى شريح بن عبيد لكنه مرسل ضعيف لأن شريحا لم يدرك عمر الهيثمي- مجمع الزوائد 9/ 62. أما قصته مع أخته فقد أوردها ابن هشام- السيرة 1/ 425 وهي ترد دون إسناد وقد ضعّف الذهبي إسنادها في السيرة ص/ 179، ورواها ابن سعد- الطبقات 3/ 267- 9 بإسناد ضعيف، وأبو نعيم- دلائل النبوة 1/ 241 بإسناد ضعيف جدّا وفي سنده أبو فروة وهو متروك. (2) ابن حجر- فتح الباري 7/ 176. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 41، 137) ، ابن سعد- الطبقات 3/ 270، الطبراني- المعجم الكبير 9/ 181. (4) الطبراني- المعجم الأوسط 1/ 334 بإسناد حسن. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 177) ، ابن اسحاق- السيرة/ 184- 18 إ بإسناد حسن، وابن هشام- السيرة 1/ 298- 9 وقال ابن كثير «هذا إسناد جيد قوي» ، السيرة النبوية 2/ 38- 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 فرق بين الحق والباطل «1» . المقاطعة ودخول المسلمين شعب أبي طالب: ذكر البخاري في صحيحه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد حدد خيف بني كنانه للموضع الذي تقاسمت فيه قريش على الكفر، وتحالفت على مقاطعة بني هاشم «2» غير أنه لم تثبت رواية في تفاصيل حادثة مقاطعة قريش للمسلمين، وفي تفاصيل دخول المسلمين شعب أبي طالب، على الرغم من أن أصل الحادث ثابت «3» ، كما أن ذلك لا يعني عدم وقوع تفاصيل الحادث تاريخيّا «4» ، ولقد وردت الأخبار عن المقاطعة ودخول المسلمين الشعب في مراسيل عروة بن الزبير وتلاميذه الزهري وأبي الأسود «5» . أما عن تاريخ بداية الحصار، فإنه وقع بعد فشل قريش في استعادة المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كثروا وعزّوا بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما-، وأن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا، وأن النجاشي قد منع المسلمين وأمّنهم، وأن الإسلام بدأ يفشو في القبائل؛ أهاجها الأمر واشتد بلاؤهم على المسلمين في مكة، وعزمت قريش على قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأجمع بنو عبد المطلب أمرهم على أن يدخلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شعبهم وأن يحموه، فدخلوا الشعب جميعا مسلمهم وكافرهم، ولم يشذ عن ذلك إلّا أبو لهب بن عبد المطلب فقد انحاز إلى كفار قريش وظاهرهم. أجمع مشركو قريش أمرهم، وائتمروا بينهم على أن لا يجالسوا بني هاشم وبني المطلب، ولا يخالطوهم ولا يبيعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للقتل، وكتبوا في ذلك صحيفة «6» علقوها في جوف الكعبة المشرفة في هلال المحرم سنة سبع من المبعث، وجزم موسى بن عقبة «7» بأن المقاطعة استمرت ثلاث سنين، صمد خلالها المسلمون ومن شايعهم من بني هاشم والمطلب، واشتد عليهم البلاء والجهد والجوع، ولم يكن يأتيهم من الأقوات إلّا خفية «8» . وكان ممن يصلهم حكيم بن حزام، وهشام بن عمرو العامري، وزهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وزمعة بن الأسود، وأبو البحتري بن هشام بن الحارث، وكانت تربطهم ببني هاشم والمطلب صلات   (1) ابن سعد- الطبقات 3/ 270 بأسانيد ضعيفة، ابن الجوزي- تاريخ عمر بن الخطاب ص/ 23، 30، 31، الذهبي السيرة ص/ 179. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري) 7/ 192، 8/ 14، مسلم- الصحيح (بشرح النووي) 9/ 59. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري) 7/ 193. (4) أكرم العمري- السنة الصحيحة 1/ 181. (5) أبو نعيم- دلائل 1/ 357- 362، البيهقي- دلائل النبوّة 2/ 311- 314، ابن عبد البر- الدرر ص/ 27- 30. (6) ابن إسحاق- السير والمغازي ص/ 156- 167، ابن هشام- السيرة 1/ 430 بدون إسناد، نقله ابن حجر في فتح الباري وهي عند البيهقي- دلائل النبوة 2/ 311 موقوفة على الزهري، عروة بن الزبير- المغازي ص/ 114- 116 موقوفة على عروة، ونقلها أبو نعيم- الدلائل 1/ 272- 275، وانظر ابن سعد- الطبقات 1/ 208- 210. (7) ابن حجر- فتح الباري 15/ 38، ابن سعد- الطبقات 1/ 208- 210، الذهبي- السيرة ص/ 221 بأسانيد ضعيفة. (8) ابن سعد- الطبقات 1/ 208- 210. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الأرحام. فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من قريش على ما حدث، وأجمعوا على نقض الصحيفة، وقد أعلمهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأنه لم يبق فيها سوى كلمات الشرك والظلم «1» . وهكذا انتهت المقاطعة، وكان خروج المسلمين من الشعب السنة العاشرة من المبعث «2» . وعلى الرغم من المقاطعة، وما أصاب المسلمين من جرّائها من معاناة فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يتوقف عن الدعوة، فقد كان يخرج في الموسم يتلقى من يقدم إلى مكة للحج ويعرض عليهم الإسلام، كما كان يعرض ذلك على كل من يتصل به من مشركي قريش «3» . وفاة أبي طالب وخديجة- رضي الله عنها-: كانت مصيبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم كبيرة بوفاة عمه أبي طالب بن عبد المطلب، وزوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- في آخر السنة العاشرة من المبعث بعد أن غادر المسلمون شعب أبي طالب «4» . وكان أبو طالب «يحوط النبي صلّى الله عليه وسلّم ويغضب له» «5» . كما كان «ينصره» «6» . وكانت قريش تحترمه، وقد جاء زعماؤها حين حضرته الوفاة فحرضوه على التمسك بدينه، وعدم الدخول في الإسلام. وعرض عليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم الإسلام بإلحاح طالبا منه أن يتلفظ بالشهادتين ليشهد له بها يوم القيامة، وكان رد عمه عليه قوله: «لولا أن تعيّرني بها قريش يقولون إنما حمله عليها الجزع، لأقررت بها عينك» «7» ، فأنزل الله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ «8» . أما ما نقله ابن إسحاق من أن العباس نظر إلى أبي طالب يحرك شفتيه، فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم أسمع» ، فهو خبر لا يصح «9» . لقد فقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوفاة عمه سندا كبيرا، إذ لم يعد بنو هاشم مستعدين بعده لتقديم القدر نفسه من الحماية للرسول صلّى الله عليه وسلّم لما يصيبهم من أضرار مادية ونفسية، كما تبين من حادثة المقاطعة «10» .   (1) ابن حجر- فتح الباري 7/ 192. (2) عروة- المغازي ص/ 167، الذهبي- السيرة ص/ 224، ولم ترد تفصيلات هذه المقاطعة في الصحاح وأشار إليها الإمام البخاري بشكل مقتضب- فتح الباري 15/ 38 (حديث 3882) ، 7/ 242 (حديث 1589) ، (حديث 1590) . (3) ابن هشام- السيرة 1/ 434. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 511، 547، 571، 572، 573، 574) . (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 193) . (6) مسلم- الصحيح 1/ 195. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 506) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي 1/ 213- 216) . (8) القرآن الكريم- سورة القصص، الآية/ 56، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 592) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي 3/ 84- 85) . (9) ابن هشام- السيرة 1/ 417 وانظر فتح الباري 7/ 194. (10) العمري- السنة الصحيحة 1/ 184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 أما خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقد توفيت قبل الهجرة النبوية إلى المدينة بثلاث سنين في عام وفاة أبي طالب نفسه «1» . وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام يسكن النبي صلّى الله عليه وسلّم إليها عند الشدائد «2» وقد وردت آثار كثيرة تدل على فضائلها ومكانتها عند الله ورسوله «3» . ونظرا لتوالي مثل هذه الآلام في هذا العام فقد سمّاه بعض المؤرخين «عام الحزن» «4» ، ولم يرو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمّاه بهذا الاسم «5» . رحلة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف: اشتدت مقاومة قريش للدعوة الإسلامية، ونالت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف وحده- من أجل إيجاد مركز جديد للدعوة- يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه. ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله- عز وجل-. ولكن ثقيفا لم تستجب له، وأغرى زعماؤها وأشرافها صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم، يسبّونه ويصيحون به، واجتمع عليه الناس ورشقوه بالحجارة وألجئوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظل حبلة من عنب، فجلس فيه «6» . وذكرت كتب السيرة أنه صلّى الله عليه وسلّم، لما اطمأن، توجه إلى ربه بالشكوى: «اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي وهواني على النّاس، يا أرحم الرّاحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني؟ أم إلى عدو ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الّذي أشرقت له الظّلمات، وصلح عليه أمر الدّنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلّا بك» «7» . وفي طريق عودته من الطائف، وعند حائط ابني ربيعة، التقى بعداس النصراني فأسلم «8» . وقد ورد في الصحيحين ما يكفى من الدلائل لإثبات رحلته صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف، وأن ما لقيه كان شديدا عليه، وما عرضه عليه الله تعالى من عقوبتهم، ورحمته بهم ورغبته في استبقائهم في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «.. بل أرجو أن يخرج   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 224) . (2) ابن إسحاق- السيرة ص/ 243، ابن هشام- السيرة 2/ 66. (3) ابن إسحاق- السيرة ص/ 243- 244، أحمد- فضائل 2/ 850- 856. (4) المباركفوري- الرحيق المختوم ص/ 133. (5) الألباني- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص/ 8. (6) ابن هشام- السيرة 2/ 70- 72، ابن سعد- الطبقات 1/ 211- 21. (7) ابن هشام- السيرة (2/ 70- 72) وإسناده حسن مرسل ورواه ابن سعد في الطبقات (1/ 211- 212) مختصرا وفي إسناده الواقدي، ورواه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 414- 417) عن طريق موسى بن عقبة عن الزهري، ورواه الإمام أحمد في المسند (4/ 335) كما ذكره السيوطي في الجامع الصغير، وعزاه للطبراني وحسّنه. (8) أرّخ الواقدي الرحلة في شوال سنة عشر من المبعث بعد وفاة أبي طالب وخديجة- رضي الله عنها- وذكر أن مدة إقامته بالطائف عشرة أيام، ابن سعد- الطبقات 1/ 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا» «1» . إسلام نفر من الجن في وادي نخلة: وفي طريق عودته من الطائف، أقام الرسول صلّى الله عليه وسلّم أياما في وادي نخلة القريب من مكة- وخلال فترة إقامته هذه بعث الله إليه نفرا من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم، وأسلموا وعادوا إلى قومهم منذرين ومبشرين كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ «2» . ودخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة عند عودته من الطائف في جوار المطعم بن عدي، الذي تهيأ هو وبنوه لحماية الرسول صلّى الله عليه وسلّم «3» ، وذلك ما أشار إليه حسّان بن ثابت عند رثائه مطعم في قصيدته التي مطلعها: أجرت رسول منهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبّى مهلّ وأحرما فلو سئلت عنه معدّ بأسرها ... وقحطان أو باقي بقيّة جرهما لقالوا هو الموفي بخفرة جاره ... وذمّته يوما إذا ما تذمما «4» . الإسراء والمعراج: لقد كان لفقد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لعمه وزوجته، وما قاساه بعدهما من اشتداد أذى قريش وما أسفرت عنه محاولته إلى الطائف من مشاق ونتائج أليمة، ثم ما لقيه من قريش عند عودته إلى مكة من عنت وصلف بدت آثارها على النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد رأينا كيف أنه توجه إلى الله تعالى شاكيا همومه ومعاناته، ملتمسا النصر، مجددا العزم على المضي قدما في تحمل مسئوليته في نشر الدعوة، مستهينا بكل الصعاب مادام الله راضيا عنه. وقعت حادثة الإسراء والمعراج بعد هذه الغمرة من المآسي والأحزان والشدائد المتلاحقة، فكان ذلك تسرية عن نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم ومواساة له وتكريما وتثبيتا. وقد وقع ذلك في السنة العاشرة من المبعث، بعد وفاة عمه أبي طالب، وقبل هجرته إلى المدينة بأكثر قليلا من السنة «5» .   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 6/ 312- 313) ، مسلم- الصحيح 3/ 1420. (2) القرآن الكريم- سورة الأحقاف، الآيات/ 29- 31، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري 18/ 314 حديث 4921) ، مسلم- الصحيح 1/ 331 (حديث 449) ، وانظر البيهقي- دلائل (255/ 6- 233) ، أبو نعيم- دلائل 2/ 363- 366، ابن حجر- فتح الباري 18/ 315، ابن هشام- السيرة 2/ 73، ابن سعد- الطبقات 1/ 211- 212، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 35. (3) ابن هشام- السيرة 2/ 24، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 151، وانظر ابن سعد- الطبقات 1/ 212. (4) ابن هشام- السيرة 2/ 23- 24، وانظر ابن حجر- فتح الباري 15/ 194 وقد حفظ النبي صلّى الله عليه وسلّم لمطعم بن عدي صنيعه هذا وما سبق من صنيعه في نقض صحيفة المقاطعة وأشاد به، انظر البخاري- الصحيح (فتح الباري 12/ 226- 227، حديث 3139) ، وأخرجه أبو داود في السنن (3/ 61 حديث 3689) . (5) البيهقي- دلائل النبوة 2/ 354، الذهبي- تاريخ الإسلام 1/ 141، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 107، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري 3/ 492، 6/ 374، 7/ 196) ، مسلم- الصحيح 1/ 148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 إن الإسراء والمعراج حادثتان متلازمتان ومترادفتان وهما ثابتتان بنص القرآن الكريم «1» ، والسنة النبوية الصحيحة «2» . فلقد نص الكتاب العزيز على أن معجزة الإسراء قد تمت ليلا حين تم انتقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف بأرض فلسطين: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «3» . أما المعراج، فهو الانتقال بالرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى السماوات، لتصل به إلى سدرة المنتهى وليطلّع بحواسه ودون شك على آيات الله الكبرى، قال الله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى «4» . ولقد صحت الروايات عن قيام الملك جبريل- عليه السلام- بشق صدر الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثانية في هذه المناسبة، وغسله لقلبه صلّى الله عليه وسلّم بماء زمزم، وإفراغه الحكمة والإيمان في صدره «5» . ففي الصحيحين عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان أبو ذر تحدّث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فرج سقف بيتي وأنا بمكّة، فنزل جبريل، ففرج صدري، ثمّ غسله بماء زمزم، ثمّ جاء بطست من ذهب ممتليء حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثمّ أطبقه، ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء الدّنيا ... » «6» مما يؤكد أن هذه العملية قد تمت في ليلة الإسراء وأن ذلك كان إعدادا له لتحمل الرحلة، وهى تظهر في عدم تأثر جسمه صلّى الله عليه وسلّم بشق الصدر وإخراج القلب وغسله، مما يشير إلى تأمينه من جميع المخاطر. إن هذه الأمور الخارقة لقوانين الحياة البشرية والعادة وما جرى التعارف عليه هى أمور وقعت، ويجب التسليم بها وعدم صرفها عن حقيقتها الثابتة، وهي إنفاذ لإرادة الله تعالى وقدرته التي لا يستحيل عليها شيء «7» . وبعد الانتهاء من شق الصدر وغسله ولأمه أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيت المقدس، وهو راكب ظهر البراق «8» . فقد ذكر أنس قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره   (1) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ 1. (2) البخاري- الصحيح (فتح 1/ 458، 3/ 492، 6/ 374، مسلم- الصحيح 1/ 148) . (3) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ 1. (4) القرآن الكريم- سورة النجم، الآيات/ 13- 18. (5) البخاري- الصحيح- كتاب الصلاة، الباب الأول (الفتح 1/ 458) ، كتاب الحج، باب ما جاء في زمزم، (الفتح 3/ 492) ، كتاب الأنبياء، الباب الخامس: ذكر إدريس عليه السلام (الفتح 6/ 374) ، مسلم- الصحيح باب الإسراء 1/ 148. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 458، 3/ 492، 6/ 374) ، مسلم- الصحيح (1/ 148) ووردت روايات أخرى صحيحة تفيد أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان نائما في الحجر، في المسجد الحرام حين شق صدره وغسل قلبه، ويمكن الجمع بين الروايات بأنه كان في بيته ثم جاء به جبريل- عليه السلام- إلى المسجد الحرام لإتمام الإستعدادات للرحلة ثم الإنطلاق من باب المسجد الحرام، (مسلم الصحيح 1/ 150) وانظر أيضا: البخاري- الصحيح (فتح الباري 6/ 302، 7/ 210، 13/ 478) . (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 205) . (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 201- 202) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 عند منتهى طرفه، فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس ... » «1» . وفي بيت المقدس صلّى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ببعض الأنبياء، ووصف هيئاتهم «2» ، ثم عرج إلى السماء السابعة مارّا بما قبلها من السماوات حيث التقى بالأنبياء آدم، ويوسف وإدريس وعيسى ويحيى وهارون وموسى وإبراهيم- عليهم السلام-. وقد رأى خلال هذه الرحلة السماوية الفريدة الجنة ونعيمها ووصف أنهارها وخاصة الكوثر «3» ، كما رأى النار ومن يعذب فيها «4» وسمع صريف أقلام الملائكة الكاتبين «5» ، ورأى البيت المعمور في السماء السابعة وما يدخله من الملائكة «6» ، كما وصف سدرة المنتهى «7» ، ووصف جبريل- عليه السلام- «8» الذي قدم له خمرا ولبنا فاختار اللبن، فقال جبريل هي الفطرة «9» . وفرضت عليه وعلى أمته خمسون صلاة في اليوم والليلة ثم خفضت إلى خمس صلوات «10» ، قبل أن ينزل ثانية إلى بيت المقدس ليعود منه إلى مكة «11» . وفي حين كان البراق هو الوسيلة التي تمت بواسطتها رحلة الإسراء إلى المسجد الأقصى، فإن «المعراج» لم توضح الروايات الصحيحة ماهيته حيث استعملت صيغة (عرج بي) فلم توضح الوسيلة، في حين أوردت بعض الروايات «نصب المعراج» أو «أتي بالمعراج» «12» وفي بعضها «نصب لي المعراج» «13» . وينقل ابن إسحاق الحديث الذي أورده أبو سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم والذي ورد فيه قوله: «لما فرغت مما كان في بيت المقدس، أتي بالمعراج، ولم أر شيئا قطّ أحسن منه، وهو الذي يمدّ إليه ميّتكم عينيه إذا حضر، فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء..» «14» ، وهكذا فلم يكن الصعود إلى السماء قد حصل على البراق كما توهم البعض. ولقد وردت قصة الإسراء والمعراج مفصلة طويلة في كتب المغازي والسيرة والتاريخ وفيها طرق ضعيفة في الأسانيد، متونها تشبه أخبار القصاصين والإخباريين «15» .   (1) رواه أحمد- الفتح الرباني (20/ 251- 2) ، وإسناده صحيح، وانظر: البخاري- صحيح (فتح الباري 9/ 176 حديث 5576) ، مسلم- الصحيح (1/ 145 حديث 162) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 6/ 477) ، مسلم- الصحيح (1/ 151- 157) . (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 201- 202، 8/ 731) . (4) أحمد- المسند 3/ 224، ابو داود- السنن 5/ 194. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 458، 3/ 492، 6/ 347) . (6) مسلم- الصحيح 1/ 146. (7) أحمد- المسند 3/ 128 بإسناد صحيح. (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 610- 11) ، مسلم- الصحيح 1/ 158- 160. (9) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 210- 202، 8/ 391 مسلم- الصحيح 1/ 145، 5/ 150- 151. (10) البخاري- الصحيح (فتح الباري 6/ 374، 7/ 201. (11) ابن هشام- السيرة 1/ 402 برواية ابن إسحاق عن أم هانيء هند بنت أبي طالب وإسناده ضعيف وأخرجه البيهقي في الدلائل (2/ 355- 57) من رواية الترمذي بإسناده إلى شداد بن أوس وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح. (12) ابن هشام- السيرة 1/ 403. (13) ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 122. (14) ابن هشام- السيرة النبوية 1/ 403. (15) مثال ذلك: ما أورده ابن هشام في السيرة 1/ 396- 108، الطبري- تفسير 15/ 6- 14، الحاكم- المستدرك 2/ 571 وانظر عن ذلك: ابن كثير- التفسير 3/ 21، الذهبي- السيرة ص/ 182. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 أعلن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما حصل له في تلك الليلة المباركة وكان مشفقا أن يكذّبه قومه، وقد صدّقه المؤمنون وكذّبه المشركون. يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثلها قط. قال: «فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلّا نبّأتهم به» «1» . ولقد افتتن المشركون بأخبار الإسراء، فمن بين مصفق، وبين واضع يده على رأسه متعجبا، فقد استنكروا أن يذهب الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الشام ثم يعود في ليلة واحدة في الوقت الذي يقتضيهم ذلك فترة شهرين. ورغم ذلك فقد اضطروا للاعتراف بصحة وصفه لمسجد بيت المقدس «2» . وقد صح أن بعض المسلمين قد ارتدّوا «3» ، ذلك أنهم كانوا ضعفاء الإيمان فزلزل الحادث إيمانهم، فكفروا ولم يعودوا إلى حظيرة الإيمان حتى قتلوا «4» . أما أبو بكر الصدّيق- رضي الله عنه- فعندما أخبره بخبر الإسراء والمعراج صدقه دون تردد، قائلا للمشركين: «لئن قال ذلك لقد صدق. فتعجّبوا وقالوا: أو تصدّقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ فقال: وما يعجّبكم من ذلك! فو الله إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوه أو رواحه. ثم أقبل على النبي صلّى الله عليه وسلّم يسأله عن وصفه، وكلما ذكر شيئا قال صدقت. أشهد أنك رسول الله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وأنت يا أبا بكر «الصدّيق» «5» ، فيومئذ سماه «الصديق» . لقد تأول بعض العلماء حادث الإسراء والمعراج فزعموا أنها رؤيا منامية، وذهب بعضهم إلى القول بأنها حصلت بالروح دون الجسد «6» ، وقد ثبت عن طريق ابن عباس- رضي الله عنهما- أنها كانت «رؤيا عين بالروح والجسد يقظة لا بالمنام» وهذا هو رأي جمهور العلماء «7» . أسرى بك الله ليلا إذ ملائكه ... والرسل في المسجد الأقصى على قدم   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 391 حديث 4710) ، مسلم- الصحيح (1/ 156- 157 حديث 170) ، أحمد- الفتح الرباني 20/ 262 من حديث عبد الله بن عباس بإسناد صحيح. (2) أحمد- المسند 1/ 309 بإسناد صحيح، وقد صححه السيوطي في الدر المنثور 4/ 155، والهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 64- 65. (3) ابن هشام- السيرة النبوية 2/ 45، الحاكم- المستدرك 3/ 62- 63، وصححه ووافقه الذهبي. (4) أحمد- المسند 1/ 349 بإسناد صحيح، ابن كثير- التفسير 3/ 15 وفي إسناده هلال بن خبّاب صدوق. (5) الحاكم- المستدرك 3/ 62- 63، 76- 77، وفي إسناده محمد بن كثير الصنعاني صدوق كثير الغلط (التقريب ص/ 504) . (6) الخفاجي- نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض 2/ 265. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 202، وانظر نفي سفيان بن عيينة أن تكون رؤيا منام عن تفسير الطبري 15/ 110، ويقول ابن حجر: إن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي صلّى الله عليه وسلّم وروحه بعد البعث، وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك، إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل» (فتح الباري (15/ 44) ، وانظر ابن القيّم- زاد المعاد 1/ 99، 3/ 34، 40 حيث نص إلى أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 لما خطرت به التفّوا بسيّدهم ... كالشّهب بالبدر أو كالجند بالعلم صلى وراءك منهم كلّ ذي خطر ... ومن يفز بحبيب الله يأتمم جبت السماوات أو ما فوقهن بهم ... على منوّرة درّية اللّجم ركوبة لك من عزّ ومن شرف ... لا في الجياد، ولا في الأينق الرسم مشيئة الخالق الباري، وصنعته ... وقدرة الله فوق الشك والتّهم حتى بلغت سماء لا يطار لها ... على جناح، ولا يسعى على قدم كفاية الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أمر المستهزئين: أقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الإسراء والمعراج على أمر الله تعالى صابرا محتسبا، مؤديا إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التعذيب والأذى والاستهزاء، «وكان عظماء المستهزئين خمسة نفر وكانوا ذوى شرف في قومهم» ، وأورد ابن إسحاق رواية عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير ذكر فيها أسماءهم وهم: الأسود بن المطلب بن أسد من بني أسد، والأسود بن عبد يغوث من بني زهرة، والوليد بن المغيرة من بني مخزوم، والعاص بن وائل بن هشام من بني سهم، والحارث بن الطلاطلة من بني خزاعة. «1» فلما تمادوا في الشر، وأكثروا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم الإستهزاء أنزل الله تعالى قوله فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ* الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ* وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ «2» .   (1) ابن هشام- السيرة 1/ 408- 10. (2) القرآن الكريم- سورة الحجر، الآيات/ 94- 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 عرض الرسول صلّى الله عليه وسلّم نفسه على القبائل: حرص الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الاجتماع بالناس وتبليغهم دعوة الإسلام، وكان يتحرى مواضع اجتماع القبائل وخاصة في موسم الحج وفترات عقد أسواق العرب، حيث كان يلتقي بذوي الشأن من رؤساء القبائل وغيرهم، وكان يطالب الرؤساء بحمايته دون أن يكره أحدا على قبول دعوته «1» . وقد نقل الإمام أحمد رواية ربيعة بن عباد الدؤلي، وكان من شهود العيان الذين رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مواسم الأسواق وهو يباشر الدعوة قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذى المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله- عز وجل-، ووراءه رجل أحول تقد وجنتاه وهو يقول: لا يخرجنكم هذا من دينكم ودين آبائكم» «2» . وكان عليه الصلاة والسلام قد عرض نفسه على كندة «3» وبني كلب «4» وبني حنيفة، وكان ردهم قبيحا «5» ، كما عرض نفسه على بني عامر بن صعصعة «6» ، ومحارب، وفزارة، وغسان، ومرّة، وسليم، وعبس، وبني النضر، وبني البكاء، وعذرة، وربيعة، وبني شيبان، والحضارمة «7» . وكان مما يقوله صلّى الله عليه وسلّم في المواسم: «هل من رجل يحملني إلى قومه ف إنّ قريشا منعوني أن أبلّغ كلام ربّي عزّ وجلّ» «8» . وخاطب صلّى الله عليه وسلّم الناس في سوق ذى المجاز بقوله: «أيّها النّاس قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا» وكان الناس يزدحمون عليه غير أنهم لم يتجاوبوا مع دعوته، ومع ذلك فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يواصل الدعوة فلا يسكت، بل يكرر مقولته «9» . وحين يعرض صلّى الله عليه وسلّم نفسه على القبائل كان يقول: «يا بني فلان، إنّي رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه، وأن تؤمنوا بي وتصدّقوني وتمنعوني حتّى أبيّن عن الله ما بعثني به..» «10» .   (1) عروة- المغازي ص/ 117، البيهقي- الدلائل 2/ 414. (2) أحمد- المسند 3/ 492، الطبراني- المعجم الكبير 5/ 56، الحاكم- المستدرك 1/ 15. (3) ابن هشام- السيرة 2/ 75، ابن إسحاق- السيرة/ 232. (4) المرجع السابق 2/ 75، والحديث في إسناده ضعف. (5) المرجع السابق 2/ 75- 76 ولم يسمّ من حدثه. (6) المرجع السابق 2/ 76 مرسلا. (7) ابن سعد- الطبقات 1/ 216- 217 من حديث الواقدي. (8) أحمد- المسند 3/ 390 بإسناد صحيح، أبو داود- السنن (حديث 4734) ، ابن ماجه- السنن ص/ 73 (حديث 201) ، وانظر أحمد- الفتح 20/ 267 من حديث جابر، الذهبي- السيرة ص/ 282 وهو على شرط البخاري. (9) أحمد- المسند 4/ 63 بإسناد صحيح. (10) المرجع السابق 3/ 492، 4/ 341، الطبراني- الكبير 5/ 56- 63 (الأحاديث 4583- 90) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 اتّصال الرسول صلّى الله عليه وسلّم برهط من الأوس والخزرج ودعوتهم: مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتبع الناس في منازلهم وأسواقهم بعكاظ ومجنّة، وفي مواسم الحج في منى، «حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون عليه بالأصابع «1» . ولقد كان أهل يثرب من الأوس والخزرج أكثر الناس تجاوبا مع دعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم عندما عرض عليهم الإسلام «2» . وكانت الاتصالات الأولى بالأنصار قد تمّت في مواسم الحج والعمرة، وقد عرض الرسول صلّى الله عليه وسلّم الإسلام على سويد بن الصامت، غير أنه لم يعلن إسلامه، كما أنه لم يبعد عنه، وقد استحسن ما سمع من القرآن، ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتله الخزرج في حرب «بعاث» ، وكان رجال من قومه يقولون إنه مات مسلما «3» . ويذكر جابر بن عبد الله الأنصاري مجيء أعداد من الأوس والخزرج إلى الحج، وعلاقتهم بالرسول صلّى الله عليه وسلّم فيقول «فأويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلّا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام» «4» . وكانت الأوس قد سعوا لمحالفة قريش على الخزرج الذين كانوا أكثر منهم عددا، فقدم أبو الحيسر أنس بن رافع في وفد من بني عبد الأشهل لهذا الغرض، فسمع بهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم فجاءهم ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال أحدهم، وهو إياس بن معاذ: «أي قوم! هذا والله خير مما جئتم له، فانتهره أبو الحيسر فصمت، وقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهم، ورجعوا إلى المدينة، وجرت الحرب بين الأوس والخزرج «يوم بعاث» ، ثم مات إياس بن معاذ، وكان قومه يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبّحه حتى مات، فما كانوا يشكّون أنه مات مسلما، فقد استشعر الإسلام في لقائه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك المجلس «5» . ومع أن هذين الرجلين من الأوس كانا قد استشعرا الإسلام، فإن المصادر لم تذكر قيامهما بالدعوة في وسط قومهما، فإن البداية المثمرة للاتصال بالأنصار كانت مع وفد الخزرج في موسم الحج عند عقبة منى، الذين التقاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وجلس معهم وكلمهم ودعاهم إلى الله- عز وجل-، وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن. وقد ذكر ابن إسحاق إسلامهم وقيامهم بالدعوة في المدينة «6» .   (1) أحمد- المسند 3/ 322، 339- 340 وإسناده حسن. (2) ابن هشام- السيرة النبوية 2/ 77- 79 بإسناد حسن، وقال ابن حجر في الإصابة 1/ 146 بإنه من صحيح الحديث. (3) المرجع السابق 2/ 34. (4) أحمد- المسند 3/ 339- 340. (5) ابن هشام- السيرة 2/ 36- 37 بإسناد حسن. (6) المرجع السابق 2/ 37- 39 بإسناد حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 بيعة العقبة الأولى: وفي السنة التالية للقاء النبي صلّى الله عليه وسلّم مع وفد الخزرج جرت بيعة العقبة الأولي، فقد حضر اثنا عشر رجلا عشرة منهم من الخزرج واثنان من الأوس، مما يشير إلى أن نشاط الرجال الذين أسلموا من الخزرج في السنة السابقة قد تركز ضمن قبيلتهم بشكل رئيسي، وإن كانوا قد تمكنوا من اجتذاب رجال من الأوس، وكان ذلك بداية ائتلاف القبيلتين تحت راية الإسلام. وكان الصحابي الجليل عبادة بن الصامت قد شارك في بيعة العقبة الأولي لذلك فإنه من مصادر المعلومات الأساسية والدقيقة عنها، وقد وردت روايته عن البيعة في الصحيحين، كما أوردها ابن إسحاق في السيرة بشكل أوضح وأكمل. قال عبادة بن الصامت: «كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثني عشر رجلا، فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض علينا الحرب: على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف. فإن وفّيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئا، فأمركم إلى الله عز وجل، إن شاء عذّب وإن شاء غفر» «1» . وبعد أن تمّت البيعة، وأراد المبايعون العودة إلى يثرب، بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم الصحابي مصعب بن عمير ليقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين «2» ، وقد أسلم خلق كثير من الأنصار على يده بعون من الصحابي أسعد بن زرارة «3» ، وعندما بلغ عدد المسلمين الأربعين أمهم مصعب، ثم كتب إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يصلي الجمعة بهم «4» . وقبل حلول موسم الحج للسنة الثالثة عشرة من المبعث، عاد مصعب بن عمير إلى مكة ليطلع النبي صلّى الله عليه وسلّم على ما أصابه من نجاح وتوفيق من الله سبحانه وتعالى في مهمته. بيعة العقبة الثانية: وفي العام التالي قدم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم من مسلمي الأوس والخزرج ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان، فبايعوه بيعة العقبة الثانية وهي أن يمنعوه- إذا قدم عليهم- مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأنفسهم. وهذه البيعة هي نقطة التحول الكبرى في تاريخ الدعوة حيث أصبح للإسلام دار يمكن أن يتخذ منها قاعدة للانتشار وهو ما حصل بالفعل، فأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة «5» .   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 66) ، مسلم- الصحيح 3/ 1333، وما أثبتناه من سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن هشام 2/ 433- 434 عن ابن إسحاق بإسناد صحيح لغيره والنص ورد في الصحيحين قريبا من نص ابن هشام وقد ورد حديث عبادة كذلك في النسائي- السنن (كتاب البيعة على الجهاد 7/ 141- 142، الإمام أحمد- المسند 5/ 313، وابن سعد- الطبقات 1/ 219- 220 والمقصود ببيعة النساء المذكورة في النص ما نصت عليه الآية (12) من سورة الممتحنة التي كانت قد نزلت فيما بعد. (2) ابن هشام- السيرة 1/ 438. (3) ابن حجر- فتح الباري 15/ 75، ابن كثير- البداية 3/ 166. (4) ابن هشام السيرة 1/ 438. (5) ابن حجر- فتح الباري: 7/ 261- 262، ابن هشام- السيرة 2/ 277- 284، أحمد- المسند 3/ 322- 323، ابن القيم: زاد المعاد 1/ 100- 101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 يحدثنا الصحابي الجليل كعب بن مالك الأنصاري عن تفاصيل بيعة العقبة الثانية فيقول: «خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعقبة من أوسط أيام التشريق. فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نتسلل تسلل القطا مستخفين. حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا. فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلّا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له: فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج- قال: وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار: الخزرج، خزرجها وأوسها-: إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلّا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلّموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده. قال: فقلنا له لقد سمعنا ما قلت،: فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. قال: فتكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال: «أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» قال: فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق نبيّا لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر. قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أبو الهيثم بن التّيهان، فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالا، وإنا قاطعوها- يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: «بل الدّم الدّم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم منّي، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم» . قال كعب: وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا، ليكونوا على قومهم بما فيهم. فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس» «1» . وبعد هذه البيعة، قام العباس بن عبادة بن نضلة فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والله الذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلنّ على أهل منى غدا بأسيافنا «2» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» فرجعوا إلى رحالهم. وفي صباح اليوم التالي جاءهم جمع من كبار رجال قريش يسألونهم عما بلغهم من بيعتهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم ودعوتهم له بالهجرة، فحلف المشركون من الخزرج والأوس بأنهم لم يفعلوا ذلك، والمسلمون ينظرون إلى بعضهم «3» وبذلك مرت هذه الأزمة بسلام، وعاد الأنصار إلى يثرب وهم ينتظرون هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين بلهف كبير.   (1) ابن هشام- السيرة، 1/ 278- 9، وانظر البخاري- الصحيح (فتح 8/ 57 (حديث 7056) ، مسلم- الصحيح/ 31470 (حديث 1709) ، أحمد- الفتح الرباني 20/ 270، الحاكم- المستدرك 2/ 624- 5، ابن كثير- البداية 3/ 175. (2) ابن هشام- السيرة 2/ 101- 102. (3) المرجع السابق 1/ 439- 43، 447- 8 بإسناد حسن، وقد صححه ابن حبان، انظر: فتح الباري 7/ 221، وأورد ابن هشام رواية عن تثبت قريش من صحة الخبر وإدراكهم بأنهم قد خدعوا، وخروجهم في طلب القوم، وإدراكهم سعد بن عبادة وعودتهم به إلى مكة مغلولا وهم يعذبونه حتى أنقذه الله منهم بجوار جبير بن مطعم والحارث بن حرب له (السيرة 2/ 103- 104) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الهجرة إلى يثرب: لم يكن اختيار يثرب دارا للهجرة مما اقتضته ظروف الدعوة فقط، وإنما كان ذلك بوحي من الله سبحانه وتعالى وقد وردت أحاديث صحيحة تؤكد ذلك، منها قوله صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين في مكة، كما ورد في حديث عائشة- رضي الله عنها-: «إنّي أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين- وهما الحرّتان-» «1» . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت في المنام أنّي أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنّها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب» «2» . ولا شك في أن الابتلاء والاضطهاد كانا من أسباب الهجرة «3» ، كما أن توفير ملاذ آمن للدعوة يهيىء لها المناخ الملائم للعمل الإيجابي كان من أسبابها المهمة، ويتضح ذلك بشكل بارز من نصوص بيعة العقبة الثانية «4» التي بيّنت أن تكذيب قريش للرسول كان وراء الانتقال عن مكة «5» ، فقد «كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله مخافة أن يفتن ... » «6» . وبعبارة أخرى فقد كانت قريش تضطهد من يتّبع الرسول صلّى الله عليه وسلّم من أهل مكة «حتى فتنوهم عن دينهم، ونفوهم من بلادهم، فهم بين مفتون في دينه، وبين معذب في أيديهم، وبين هارب في البلاد فرارا منهم..» «7» . وذكر ابن إسحاق بأنه قد أذن للمسلمين بعد الهجرة بقتال من بغى عليهم «8» ، وقد أكّد ذلك حبر الأمة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- فقال: «كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيقول لهم: «اصبروا فإنى لم أومر بالقتال» حتى هاجر صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله هذه الآية «9» أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ.. الآيات، وهي أول آية أنزلت في القتال «10» . أول المهاجرين: كان مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم أول من هاجر إلى المدينة وكانا يقرئان الناس القرآن كما صرح بذلك الإمام البخاري «11» . في حين وردت روايات أخرى تفيد بأن أول من هاجر هو أبو سلمة بن عبد الأسد وذلك بعد أن آذته قريش على أثر رجوعه من هجرته إلى الحبشة فتوجه إلى يثرب قبل بيعة العقبة بسنة واحدة «12» ، على أنه يمكن الجمع بين الخبرين بحمل الأولوية في حالة مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم على أنها بعد   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 231) ، واللابتان هما: الحرتان، الصحيح (فتح 7/ 234) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 226) ، مسلم الصحيح 4/ 1779. (3) البخاري- الصحيح (فتح الحديث 1889) . (4) ابن هشام- السيرة النبوية 2/ 121. (5) البخاري- فتح الباري (حديث 3901) ، ابن هشام- السيرة 2/ 121. (6) البخاري- فتح الباري (حديث 3900) . (7) ابن هشام- السيرة النبوية 2/ 121. (8) المرجع السابق 2/ 121. (9) القرآن الكريم، سورة الحج، الآيات 39- 41. (10) أحمد بن حنبل- المسند 1/ 262 (حديث 18065) ، ابن الجوزي- زاد المسير 5/ 436، ابن كثير- التفسير 5/ 430. (11) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث 3924، 3925) ، وانظر الفتح 7/ 260 من حديث البراء بن عازب. (12) ابن سعد- الطبقات 1/ 226، ابن هشام- السيرة 2/ 122، الذهبي- السيرة ص/ 313 بإسناد مرسل رواه الزهري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الإذن بالهجرة، وبنيّة الإقامة بها، وليعلّما من أسلم من أهلها، وذلك بأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، في حين كان خروج أبو سلمة من مكة فرارا بدينه وليس بقصد الهجرة إلى المدينة للاستقرار بها «1» . وقد ذكرت المصادر المعتمدة الكثير من المعلومات عن أساليب قريش في محاولتها عرقلة هجرة المسلمين إلى يثرب، وإثارتها للمشاكل في وجه المهاجرين من الإرهاب، وحجز الزوجات والأطفال، وسلب الأموال، أو الاحتيال لإعادة من هاجر منهم، غير أن ذلك لم يعرقل موكب الهجرة، فقد كان المهاجرون على استعداد تام للانخلاع عن الدنيا ومباهجها في سبيل الفرار بدينهم. والمصادر الموثقة تحكي قصص البطولة والفداء في هذا المجال، فقد ذكرت أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها- قصة هجرتها مع زوجها الأول، وكيف أن قريشا انتزعتها وطفلها من زوجها. وكيف أن رحلة العذاب قد استمرت قرابة السنة قبل أن يتاح لها أن تسترجع ابنها وأن تلحق بزوجها، وتعكس القصّة، إلى جانب الإيمان العميق والمعاناة في سبيل العقيدة، إحدى صور المروءة التي عرفها المجتمع العربي قبل الإسلام حين تطوع عثمان بن طلحة بمصاحبة أم سلمة وطفلها والإحسان في معاملتهما بشرف وكرامة وحياء إلى أن أوصلها مشارف يثرب واطمأن على سلامتهما قبل أن يعود إلى مكة «2» . أما صهيب الرومي فقد منعه زعماء قريش من الهجرة بحجة أنه كان قد أتى إلى مكة فقيرا، فقالوا له: «كثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك أبدا» وحين عرض صهيب عليهم أن يجعل لهم المال في مقابل أن يخلّوا سبيله، فإنهم وافقوا على ذلك، وبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ربح صهيب» «3» ، ثم تلا قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ «4» . ويروي عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- خبر هجرته حيث اتعد مع عياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص السهمي، على الالتقاء في سرف على أميال عن مكة، وكيف أن هشام بن العاص قد حبس عنهما، وفتن فافتتن، ثم تحدث عن خبر وصولهما إلى ظاهر المدينة، ونزولهما في بني عمرو بن عوف بقباء، وخروج أبي جهل بن هشام وأخيه الحارث إلى عياش بن أبي ربيعة وإقناعهما إياه بضرورة العودة معهما إلى مكة ليبر بقسم أمه التي نذرت ألا يمس رأسها مشط حتى تراه، وكيف حذره عمر منهما وقوله له «يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم:» ، وعدم استماعه إلى التحذير، أو إلى عرض عمر بمقاسمته ماله الكثير، وقد صدق حدس عمر في الأمر حيث عدوا عليه في بعض الطريق فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن «5» . يقول عمر: «فكنا نقول: ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم» ، فلما قدم   (1) ابن حجر- فتح الباري (حديث 3925) . (2) ابن هشام- السيرة 1/ 469- 70 بإسناد حسن. (3) الحاكم- المستدرك 3/ 389، اورده موصولا وقال: صحيح على شرط مسلم، والطبراني: (الهيثمي- المجمع 6/ 60) ، البيهقي (ابن كثير- البداية 3/ 191) ، وانظر: أحمد وفضائل 2/ 282. (4) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 207، وانظر الطبري- تفسير 4/ 250، ابن كثير- التفسير 1/ 360. (5) ابن هشام- السيرة النبوية 2/ 129- 131، ابن الأثير- أسد الغابة 4/ 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 النبي صلّى الله عليه وسلّم أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم «1» : قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ «2» . قال عمر: «فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاص» . ويظهر أن هشاما قد وجد صعوبة في فهمها إلى أن ألقى الله في قلبه أنها نزلت في أمثاله فلحق برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المدينة» «3» . وقد ثبت أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في قنوته أن ينجي الله الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة «4» . نزل أغلب المهاجرين في بني عمرو بن عوف بقباء في موضع يدعى «العصبة» قبل مقدم المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكانوا يجتمعون للصلاة في مسجد قباء، يؤمهم سالم بن معقل مولى أبي حذيفة- رضي الله عنهما- لكونه أكثر المهاجرين قرآنا «5» .. هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يثرب: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «6» . تآمرت قريش على حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد أن علم المشركون بما تم بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم والأنصار في العقبة الثانية، ورأوا المسلمين يهاجرون إلى يثرب جماعات وأفرادا. وقد أرّخ الزهري لهجرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم فقال: «مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الحج بقية ذي الحجة، والمحرم وصفر، ثم إن المشركين اجتمعوا» «7» - يعني على قتله- وقد تواترت الأخبار بأن خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة كان يوم الاثنين «8» ودخوله المدينة كان يوم الاثنين. عقد زعماء قريش إجتماعا خطيرا في دار الندوة حيث تشاوروا في أضمن الوسائل للتخلص من الرسول صلّى الله عليه وسلّم «9» ، وقد لخّص القرآن الكريم الآراء التي طرحوها في ذلك الاجتماع في قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ   (1) ابن هشام- السيرة 2/ 129- 131. (2) القرآن الكريم- سورة الزمر، الآيات/ 53- 55. (3) الحاكم المستدرك 2/ 435، ابن هشام- السيرة 2/ 131- 132. أما ما روى من إعلان عمر لهجرته على قريش عند البيت العتيق وتهديده لمن تحدثه نفسه أن يلحق به بثكل أمه وترميل زوجته ويتم أولاده فلم يصح، حيث ورد الخبر بإسناد فيه مجاهيل ثلاثة، انظر: ابن الأثير- أسد الغابة 4/ 52، وانظر الألباني- دفاع عن الحديث والسيرة ص/ 143. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الحديث 4560) ، أورد البخاري حديثا آخر بزيادة «.. اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين» . المرجع السابق (حديث/ 2932) . (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 2/ 184، 13/ 167) . (6) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 40. (7) ابن حجر- فتح الباري 7/ 236. (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 236) . (9) ابن حجر- فتح 7/ 236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ «1» . بيّن حبر الأمة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- حصار المشركين لبيت النبي صلّى الله عليه وسلّم ابتغاء قتله، ومبيت علي ابن أبي طالب- رضي الله عنه- في فراشه. كما أورد خبر انتقال النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى غار جبل ثور، وقيام المشركين بقص أثره إلى الغار، ورؤيتهم نسيج العنكبوت على مدخله وتركهم التحري فيه، ولكن هذه الرواية لا تصلح للاحتجاج بها وإن كانت هي «أجود ما روي في قصة نسيج العنكبوت على فم الغار» «2» . وقد ورد، إضافة إلى ذلك، حديث آخر ضعيف جدّا بشأن الشجرة التي نبتت في وجه الغار والحمامتين الوحشيتين اللتين وقعتا بفم الغار، وقد تسربت هذه الأخبار وأمثالها في العديد من كتب الحديث والسيرة «3» . الإذن بالهجرة: وحين أمر الله تعالى رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة إلى يثرب، جاء صلّى الله عليه وسلّم متقنعا إلى منزل أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- في وقت لم يعتد أن يزوره فيه، في نحر الظهر، وهو أشد ما يكون في حرارة النهار، وقد روت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- وقائع ما جرى، فقالت: «فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متقنعا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر» . قالت: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإنّي قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالثّمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحثّ الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين، قالت: ثم لحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شابّ ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحهما عليها حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما «4» - حتى ينعق بها عامر بن فهيره بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. واستأجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- رجلا   (1) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 30، وانظر أحمد- المسند 5/ 87. وقد بينت رواية ضعيفة بسبب الإرسال قصة اجتماع المشركين على باب دار الرسول صلّى الله عليه وسلّم لمراقبته والتهيؤ لقتله، وخروجه إليهم دون أن يروه وذره التراب على رؤوسهم (ابن هشام- السيرة 1/ 483 بسند صحيح إلى محمد بن كعب القرظي) ، ولكنه مرسل. (2) أحمد- المسند 1/ 348 بإسناد ضعيف، وقد حسّنه ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 179، كما حسّنه ابن حجر في فتح الباري 7/ 236، والزرقاني- شرح المواهب 1/ 323، ويرى الألباني أنه لا يصح حديث في العنكبوت والحمامتين، سلسلة الأحاديث الضعيفة 3/ 339. (3) ابن سعد- الطبقات 1/ 229، البزار- المسند 2/ 232، وتسرب الحديث في المعجم الكبير للطبراني 20/ 443، ودلائل النبوة لأبي نعيم 6/ 269- 270، ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 231، والبداية والنهاية لابن كثير 3/ 181، وشرح المواهب اللدنّية للزرقاني 1/ 33. (4) اللبن المرضون هو الذي طرحت منه الرضفة وهي الحجارة المحماة التي تذهب وخامته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 من بني الدّيل وهو من بني عبد ابن عدي هاديا خرّيتا- والخرّيت الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهميّ، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل» «1» . وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة ثم أمر بالهجرة فنزل عليه قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً «2» . وأورد الإمام أحمد في مسنده رواية حسنة تشير إلى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق إلى الغار من بيته حيث حاصره المشركون يريدون قتله، فلبس علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ثوبه ونام في مكانه، واخترق النبي صلّى الله عليه وسلّم حصار المشركين دون أن يروه، بعد أن أوصى عليّا بأن يخبر أبا بكر أن يلحق به فجاء أبو بكر وعلي نائم، وأبو بكر يحسب أنه نبي الله فقال: يا نبي الله، فقال علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه في الغار، قال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله وهو يتضوّر، قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح «3» . ثم كشف عن رأسه، فقالوا: إنك للئيم كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر، وأنت تتضوّر وقد استنكرنا ذلك «4» . أمر أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- عامر بن فهيرة أن يصحبهما في هجرتهما ليخدمهما ويعينهما على الطريق «5» . وحمل أبو بكر. رضي الله عنه- ثروته ليضعها تحت تصرف الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقد ذكرت أسماء بنت أبي بكر أنها كانت خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم «6» . ومكث النبي صلّى الله عليه وسلّم والصديق- رضي الله عنه- في الغار ثلاث ليال، تمكن المشركون خلالها من اقتفاء آثارهم إلى الغار، وقد بكى الصديق خوفا على سلامة النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يرى أقدامهم عند فم الغار وقال: «يا نبي الله: لو أن أحدهم طأطأ بصره رآنا» «7» . فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما» «8» . وإلى هذا اليقين والتوكل الكامل تشير الآية الكريمة: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا «9» .   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 231- 232 (حديث 3905) . وقد أورد البخاري في صحيحه (الفتح 7/ 389) رواية صحيحة أخرى تذكر إن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر- رضي الله عنه- ركبا فانطلقا حتى أتيا الغار وهو بثور. (2) أحمد المسند 3/ 291، الترمذي- السنن 8/ 291، ابن كثير التفسير 5/ 223، الطبري- التفسير 15/ 148- سورة الإسراء- آية 80. (3) أحمد- المسند 1/ 25- 26، 84، وانظر: ابن أبي شيبة- المصنف 14/ 488- 9، النسائي- الخصائص ص/ 134- 135، الطبري- تهذيب الآثار 3/ 237، الحاكم- المستدوك 3/ 5، الخطيب- تاريخ بغداد 13/ 302. (4) أحمد- المسند 5/ 26- 27 ولا تقوى هذه الرواية على معارضة ما في الصحيح ولكن يمكن التوفيق بينهما. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 231- 2 حديث 3905) . (6) الحاكم- المستدرك 3/ 5، البيهقي- دلائل 2/ 480، ابن هشام- السيرة 1/ 488. (7) البخاري- الفتح (الحديث 3922) ، أحمد- المسند 1/ 159. (8) البخاري- الصحيح (فتح، حديث 4663، حديث 3922) ، مسلم- الصحيح 4/ 1843 بإسناد صحيح، عروة- مغازي ص/ 129. (9) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وبعد أن أخفقت قريش في العثور عليهما، أعلنت عن مكافأة لمن يقتلهما أو يأسرهما، وانقطع الطلب عنهما، جاءهما الدليل، عبد الله بن أريقط بعد ثلاث من بقائهما في الغار ومعه الراحلتان، وكان معهما عامر بن فهيرة فانطلق الأربعة متوجهين إلى المدينة. ويبدو أنهما كانا يحسان برصد المشركين لهما، يقول أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-: «أخذ علينا بالرصد فأخرجنا ليلا» «1» . وقد تحدث أبو بكر الصديق عن بداية رحلة الهجرة النبوية فقال: «أسرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق فلا يمر فيه أحد، حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل، لم تأت عليه الشمس بعد، فنزلنا عندها، فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا ينام فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم في ظلها ثم بسطت عليه فروة، ثم قلت: «نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك، فنام» . وهذا أول معجزة وقعت للنبي صلّى الله عليه وسلّم في طريق الهجرة «2» . وذكر أبو بكر خبر قدوم راع مقبل إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أرادوا، وعرف أبو بكر منه أنه رجل من أهل مكة ورضي أن يحلب لهم من شاة له وطلب منه أبو بكر أن ينظف الضرع قبل الحلب، وكره أن يوقظ النبي صلّى الله عليه وسلّم ليشرب، فانتظره حتى استيقظ فشرب ثم أمر بالرحيل «3» . كان الرسول يردف أبا بكر معه على راحلته، وكان إذا سأل أحد أبا بكر عن الرسول يقول: هذا رجل يهديني السبيل فيحسبه السائل دليلا لطريقه، وإنما كان يكنّي عن سبيل الخير «4» . وحصلت المعجزة الثانية حين عصم الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم وحماه من سراقة بن مالك، الذي طلبهم طمعا في جائزة قريش. فقد علم سراقة بخبرهم من رجل من بني مدلج رآهم عن بعد وهم مرتحلون مع الساحل «5» . فاتّبعهم سراقة وهم في جلد من الأرض «6» . وينقل البخاري حديث سراقة حيث يقول: «وقد كنت أرجو أن أردّه على قريش فآخذ المائة الناقة. قال فركبت فرسي على أثره، فبينما فرسي يشتد بي، عثر بي فسقطت عنه، قال فقلت ما هذا؟! قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره. قال فأبيت إلا أن أتبعه. قال فركبت في أثره، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه، قال فقلت ما هذا!، فلما بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي، وذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار قال: فعرفت حين رأيت أنه قد منع مني، وأنه ظاهر قال: فناديت القوم، فقلت أنا سراقة بن مالك بن جعشم انظروني أكلمكم، فو الله لا أريبكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر: «قل له وما تبغي منا؟» فقال له ذلك أبو بكر قال: قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك. قال:   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 255) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 255) ، مسلم- الصحيح 4/ 2309. (3) مسلم- الصحيح- 4/ 2309 من حديث البراء بن عازب، وانظر كذلك البخاري الأحاديث (3917- 18، 3652) وابن عبد البر- الاستيعاب 3/ 240، أحمد- المسند 1/ 154- 155، الحاكم- المستدرك 3/ 8 وصححه عن حديث البخاري. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 3911) ، ابن سعد- الطبقات 1/ 34، أحمد- الفتح الرباني 20/ 290. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 255- 256 حديث 3906) ، مسلم- الصحيح 4/ 309 حديث 2009. (6) مسلم- الصحيح 4/ 2309. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 «اكتب له يا أبا بكر» . فكتب لي كتابا في عظم أو في رقعة أو في خزفة، ثم ألقاه إلي فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت فسكتّ فلم أذكر شيئا مما كان، ثم حكى خبر لقائه برسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد فتح مكة وإسلامه «1» . وقد ذكر سراقة في رواية صحيحة أنه اقترب من الاثنين حتى سمع قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات، كما ذكر أنه عرض عليهما الزاد والمتاع فلم يأخذا منه شيئا، وأن وصيته كانت: أخف عنا «2» . وقد اشتهر في كتب السيرة والحديث خبر نزول الرسول صلّى الله عليه وسلّم وصحبه بخيمة أم معبد بقديد طالبين القرى، فاعتذرت لهم لعدم وجود طعام عندها، إلّا شاة هزيلة لا تدر لبنا فأخذ صلّى الله عليه وسلّم الشاة فمسح ضرعها بيده، ودعا الله، وحلب في إناء حتى علت الرغوة، وشرب الجميع «3» . أما الصحابي قيس بن النعمان السكوني فقد ذكر نزولهما في خيمة أبي معبد وقوله لهم: والله ما لنا شاة، وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:- فما تلك الشاة؟ فأتى بها، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبركة عليها، ثم حلب عسا فسقاه، ثم شربوا. فقال أنت الذي تزعم قريش أنك صابيء؟ قال: إنهم يقولون، قال: أشهد أن ما جئت به حق. ثم قال: أتبعك، قال: لا حتى تسمع أنا قد ظهرنا. فاتّبعه بعد. ولا شك في أن هذا الخبر فيه معجزة حسيّة للرسول صلّى الله عليه وسلّم شاهدها أبو معبد فأسلم «4» . وصول النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة: كان المسلمون في المدينة قد سمعوا بخروج النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى ظاهر المدينة ينتظرونه حتى إذا اشتد الحر عليهم عادوا إلى بيوتهم، فلما كان يوم الاثنين الثاني من ربيع الأول سنة أربع عشرة من المبعث «5» . انتظروه حتى لم يبق لهم ظل يستظلون به، فعادوا وقدم الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقد دخلوا بيوتهم، فبصر به يهودي فناداهم، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهر الحرّة وهم يهللون ويكبرون، وسمعت الرجّة والتكبيرة في بني عمرو بن عوف، فكبر المسلمون فرحا بقدومه وخرجوا وتلقوه وحيّوه بتحية النبوّة «6» . فنزل النبي صلّى الله عليه وسلّم في قباء في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء «7» . ولما عزم النبي صلّى الله عليه وسلّم على أن يدخل المدينة أرسل إلى زعماء بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم «8» . وقدر   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 230- 248 حديث 3906) ، ابن هشام 2/ 152- 154، مسلم- الصحيح 4/ 309- 15 (حديث 2009) ، أحمد- الفتح الرباني 20/ 284. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 238- 239) . (3) طرق هذه الرواية بين ضعيفة وواهية وردت في دلائل النبوة للبيهقي 2/ 493، الطبراني- المعجم الكبير 4/ 56، ابن سعد- الطبقات 1/ 230، البخاري- التاريخ الكبير 20/ 2/ 28 وشك البخاري في انقطاع السند، وفي إسناده عبد الملك بن وهب متروك. (4) البزار- كشف الأستار 2/ 301، ابن حجر- الإصابة 5/ 506 بسند صحيح. (5) الموافق 23 ايلول (سبتمبر) 622 م. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 239، 265 الاحاديث 3906، 3925) ، ابن هشام- السيرة 2/ 156- 7، الحاكم- المستدرك 3/ 11. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 265 حديث 3925) وكان ذلك يوم الاثنين لاثنى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، الحاكم- المستدرك 3/ 8 بإسناد حسن، وصححه ابن حجر وأشار إلى طريقين آخرين له (فتح الباري 7/ 238) . (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 265) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 عدد الذين استقبلوه من المسلمين الأنصار خمسمائة حيث أحاطوا بركب النبي صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه «1» . ومضى الموكب داخل المدينة والجموع تهتف: «جاء نبي الله ... جاء نبي الله» «2» . وقد صعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان في الطرق وهم ينادون: «يا محمد يا رسول الله يا محمد يا رسول الله» «3» . وقال أحد شهود العيان وهو الصحابي البراء بن عازب- رضي الله عنهما-: «ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم» «4» . وتطلع زعماء الأنصار إلى استضافة الرسول صلّى الله عليه وسلّم «5» ، وأقبل النبي صلّى الله عليه وسلّم بناقته حتى نزل إلى جانب دار أبي أيوب الأنصاري، فتساءل: «أيّ بيوت أهلنا أقرب» فقال أبو أيوب: «أنا يا نبي الله، هذه داري، وهذا بابي» فنزل صلّى الله عليه وسلّم في داره «6» . وكانت داره طابقين، قال أبو أيوب: «لما نزل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي نزل في السّفل وأنا وأم أيوب في العلوّ، فقلت له صلّى الله عليه وسلّم: يا نبي الله- بأبي أنت وأمي- إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك، وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلوّ وننزل نحن فنكون في السفل، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا أيّوب: إنّ أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت» . قال أبو أيوب: «فلقد انكسر حبّ لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه شيء يؤذيه» «7» . اقترعت الأنصار على سكنى إخوانهم المهاجرين وآثروهم على أنفسهم «8» فأثنى الله تعالى عليهم ثناء عظيما خلّد ذكرهم وحسّن صنيعهم أبد الدهر، فقال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَ   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 251) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 250) . (3) مسلم- الصحيح 4/ 2311، أما الروآيات التي تفيد استقباله صلّى الله عليه وسلّم بنشيد: طلع البدر علينا..» فلم ترد بها روآية صحيحة، انظر عن ذلك ابن حجر- فتح الباري 7/ 261، 262، ابن القيم- زاد المعاد 3/ 551، الزرقاني- شرح المواهب اللدنيّة 1/ 359، 360. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 260) . (5) ابن هشام- السيرة 1/ 494، موسى بن عاقبة- المغازي 1/ 183، ابن حجر- فتح الباري 3/ 245، 7/ 246، التقريب ص/ 393، ابن كثير- البدآية والنهاية 3/ 200، وانظر ابن سعد- الطبقات 236- 237، وقد ورد في المصادر المذكورة روآية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول فيها للأنصار: «دعوا الناقة فإنها مأمورة» وهي بدون إسناد عند ابن هشام وموسى بن عاقبة، وهي عند الحاكم وابن كثير بسند ضعيف فيه محمد بن سلمان لا يعرف حاله، وعند ابن سعد بسند الواقدي متروك، كما أوردها بسند معضل (1/ 237) . (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 250، 265) . (7) ابن هشام- السيرة 1/ 498- 499 بإسناد صحيح، الحاكم- المستدرك 3/ 460- 461، وقال هذا إسناد صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ابن حجر- فتح الباري 7/ 252، ابن كثير- البدآية والنهاية 3/ 199، وأورد ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 237 بإسناد ضعيف روآية تشير إلى أن مقامه بدار أبي أيوب قد استمر سبعة أشهر. (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 247) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «1» . ولقد أثنى النبي صلّى الله عليه وسلّم على الأنصار ثناء عظيما فقال صلّى الله عليه وسلّم في مناسبة تالية: «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» «2» ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «ولو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم» «3» . بناء المسجد النبوي: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي حيث أدركته الصلاة وكان رجال من المسلمين يقيمون الصلاة في مبرك ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم عند بيت أبي أيوب الأنصاري، وكانت الأرض لسهل وسهيل، وهما غلامان يتيمان من بني النجار، وفيها نخل لهما «4» . كما كانت فيها بعض قبور المشركين، وقد اشتراها النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتولى المسلمون تسويتها وقطع نخيلها ونقل قبورها وحجارتها، فجعلوا صخورها وجذوع نخلها في قبلة المسجد «5» . وقد ساهم النبي صلّى الله عليه وسلّم مع المسلمين من المهاجرين والأنصار في المدينة في بناء المسجد، وكانوا في حالة من السعادة الغامرة والسرور العظيم، وهم يهزجون: «اللهمّ إنّه لا خير إلّا خير الآخره ... فانصر الأنصار والمهاجره» «6» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقدم في العمل من يجيده، وأورد البخاري قوله صلّى الله عليه وسلّم: «قرّبوا اليمامي «7» من الطّين، فإنّه أحسنكم له مسّا، وأشدّكم له سبكا» «8» . وفي رواية صحيحة أخرى: «دعوا الحنفي والطين، فإنه أضبطكم» «9» . وكان عمار بن ياسر من العاملين المجيدين في بناء مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ففي حين كان كل واحد من الصحابة يحمل لبنة واحدة في كل مرة، كان عمار يحمل لبنتين واحدة عنه وأخرى عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فأكرمه النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن مسح على ظهره مبرّكا وقال له: «للناس أجر ولك أجران.. وتقتلك الفئة الباغية» «10» . وقد تم بناء المسجد أول الأمر بالجريد، واستغرق بناؤه إثنى عشر يوما «11» .   (1) القرآن الكريم- سورة الحشر، الأية/ 9. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 112) . (3) المرجع السابق 7/ 110. (4) المرجع السابق 7/ 265. (5) المرجع السابق 7/ 265. (6) المرجع السابق 7/ 265. (7) المقصود هو: الطلق بن علي اليمامي الحنفي انظر ترجمته في الخزرجي- تذهيب 2/ 14 (ترجمة 3210) . (8) ابن حجر- فتح الباري 3/ 112. (9) المرجع السابق 3/ 112، والإصابه 2/ 232، البيهقي- دلائل النبوة (2/ 545) بإسناد صحيح، وابن حبان- الزوائد ص/ 98 (رقم 303) . (10) مسلم- الصحيح 4/ 2236 (حديث 2916) ، وأحمد- المسند 3/ 5، 4/ 319، الحاكم- المستدرك 3/ 389 وهذا الحديث من دلائل النبوّة، فقد قتل عمار في صفين خلال أحداث الفتنة التي جرت بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما-، وقد فصل ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 238- 39) وابن حجر في فتح الباري (3/ 110- 112) في ذلك. (11) البيهقي- دلائل النبوة (2/ 506) بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير، ابن حجر- فتح الباري 7/ 246 نقلا عن الزبير بن بكار. وتشير الرواية الأخيرة إلى أنه قد أعيد بناؤه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وبعد الفراغ من بناء المسجد النبوي بنيت بيوت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم على شاكلة بناء المسجد «1» . وكانت إلى جنب المسجد قصيرة البناء متقاربة «2» . ولم يكن في المسجد النبوي حين بني منبر يخطب الناس عليه، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب وهو مستند إلى جذع عند مصلّاه، ثم اتخذ له كرسيا بدرجتين «3» . وواجه المسلمون المهاجرون من مكة الكثير من المصاعب الصحية الناجمة عن اختلاف المناخ، ذلك أنهم لم يكونوا قد اعتادوا على البرودة القاسية، والرطوبة العالية وقد تفشت بينهم الحمى، وينقل البخاري مرويات عن بعض كبار الصحابة من المهاجرين الذين أصابهم المرض، وكان أبو بكر الصديق ممن أصيب بالحمى «4» . ويذكر عنه أنه إذا أخذته الحمى كان يقول: كل امريء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بعض الصحابة يظهرون السأم من الإقامة في المدينة بسبب ذلك ويشتاقون إلى العودة إلى مكة، وذلك ما كان يشعر به بلال الحبشي- رضي الله عنه- فكان إذا ما انتهت دورة الحمى التي كانت تأخذه ينشد «5» . ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل وحين علم النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك من أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- قال: «اللهمّ حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكّة أو أشدّ، وصحّحها، وبارك لنا في صاعها ومدّها، وانقل حمّاها فاجعلها بالجحفة» «6» . وقال أيضا: «اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم» «7» . لقد صارت الهجرة فرضا واجبا على كل مسلم في تلك المرحلة من أجل نصرة النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعوته ومواساته بالنفس، وتعزيز وتقوية معسكر الإيمان، والابتعاد عن الفتنة من الكافرين، ولقد استمر الحث على الهجرة وبيان فضل المهاجرين بنزول الآيات القرآنية، واستمر معها تدفق المهاجرين من كل مكان. وتتابعت الآيات بالأمر   (1) ابن حجر- فتح الباري 3/ 112- 114، ابن كثير- البداية 3/ 222، ابن سعد- الطبقات 1/ 240. (2) أحمد- الفتح الرباني 21/ 6- 7، ابن كثير- البداية 3/ 241- 2 وقد بنيت في بداية الأمر حجرتان إحداهما لأم المؤمنين سودة بنت زمعة، والأخرى لأم المؤمنين عائشة بنت الصديق وهما أول بيتين بنيا، ونقل البخاري عن الحسن البصري قوله أنه دخل حجرات نساء النبي في خلافة عثمان وأنه كان يتناول سقفها بيده، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 241، الشامي- سبل الهدى 3/ 508. (3) أورد البخاري في صحيحه (فتح الباري: ح 3584، 3585) خبرا عن حنين الجذع، ونقله ابن كثير- البداية 3/ 239- 240، وأورد البيهقي في دلائل النبوة 2/ 559 تعقيب الحسن البصري على ذلك بعد ذكره الحديث عن أنس- رضي الله عنه-. (4) يظهر من وصف المصادر لحالة المرض، والدورات التي تنتابهم فيها الحمى أنها- على الأرجح مرض الملاريا. (5) نقل البخاري في الصحيح «عن- بلال رضي الله عنه- اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء ... » (الفتح الحديث 1889) . (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 262) . (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 269) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 بالهجرة وبيان عظيم أجرها حتى وعد الله تعالى المهاجرين بمنعهم وحمايتهم وتمكينهم من مراغمة أعدائهم والتوسعة عليهم في أرزاقهم قال تعالى: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «1» . وقال تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «2» . وقد شرع الله تعالى الهجرة على المسلمين القادرين عليها ومنعهم من الاستمرار في الإقامة مستضعفين مع المشركين، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً «3» . وتغلب المهاجرون على المشكلات العديدة، واستقروا في دار الهجرة مغلبين متطلبات الدعوة ومصالح العقيدة. ولقد تأخر بعض المسلمين بمكة عن الهجرة تحت ضغوط أزواجهم وأولادهم، فلما هاجروا ووجدوا أن من سبقهم بالهجرة من إخوانهم قد تفقهوا في الدين، تألموا وهمّوا بمعاقبة ذويهم، وكان ذلك سببا في نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «4» . ومما يمكن ملاحظته أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد استبدل اسم يثرب فقد أورد مسلم حديثا عن جابر أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله تعالى سمّى المدينة: طابة» «5» . وروى البخاري بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطّاعون ولا الدّجّال» «6» . وروى أحمد في مسنده بسنده أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سمّى المدينة يثرب فليستغفر الله- عزّ وجلّ- هي طابة، هي طابة» «7» . وقد سماها الله تعالى في كتابه العزيز «المدينة» في مواضع متعددة «8» . لم يعد سكان المدينة، كما كانوا عليه قبل الهجرة، يقتصرون على يهود وأوس وخزرج، فقد استوطنها المهاجرون من قريش وغيرهم من القبائل الأخرى «9» . وحيث إن أساس المجتمع الجديد يستند إلى العقيدة التي   (1) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 100. (2) القرآن الكريم- سورة الحج، الآية/ 58. (3) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 97. (4) القرآن الكريم- سورة التغابن، الآية/ 14. (5) مسلم- الصحيح (2/ 1007 حديث 1385) ، وقد أورده عمر بن شبة في تاريخ المدينة 1/ 164. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 7133) . (7) أحمد- المسند 4/ 285 بسنده إلى البراء بن عازب، وانظر ابن حجر في الفتح، والهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 300، ابن شبة- تاريخ المدينة 1/ 164- 65. (8) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 101، 120، سورة الأحزاب- الآية/ 60، سورة المنافقون- الآية/ 8 كما ورد اللفظ نفسه ليعرف مواضع أخرى في مناطق متعددة من جزيرة العرب ومصر. (9) ابن هشام- السيرة 2/ 115- 144، 342- 346، ابن سعد الطبقات 2/ 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 أصبحت أساس تقسيمات السكان الذين انقسموا بموجب ذلك إلى ثلاث مجموعات متميزة وهم: المؤمنون، والمنافقون، واليهود. تنظيم الأمة بعد الهجرة: أدى تدفق المهاجرين إلى المدينة المنورة إلى حصول العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية، ذلك أن المهاجرين كانوا قد تركوا أهليهم ومعظم أموالهم في مكة، كما أنهم كانوا- في الغالب- خبراء متمرسين في أعمال التجارة، ولم تكن لهم مهارة في الزراعة والصناعة اليدوية الشائعة في المدينة، وشكّل حاجاتهم إلى رأس المال حاجزا دون ممارستهم للتجارة. ولقد أبدى الأنصار توجها واضحا نحو البذل والتعاون مع إخوانهم المهاجرين فقد أعطوهم الأرض والنخل ليعملوا بها بنصف ثمارها، ومنهم من أعطى مثل ذلك منيحة دون مقابل، وقد استغنوا عنها حين فتح الله عليهم خيبر «1» . ولا شك في أن عمل الأنصار هذا يعكس مدى اهتمامهم ورعايتهم وحبهم لإخوانهم المهاجرين، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «2» . وتحدثت الروايات الصحيحة عن صور رائعة من صور الإيثار الذي مارسه الأنصار تجاه إخوانهم المهاجرين «3» . وإلى جانب ذلك فإن انتقال المهاجرين إلى مجتمع جديد زاد من مشاكلهم، وإحساسهم بالوحشة والحنين إلى مكة، كما أن البيئة المناخية الجديدة تختلف عما اعتادوه في ديارهم بمكة، كما تعرّضوا للإصابة ببعض الأمراض. وكانت الحمى من الأمراض الظاهرة التي شاعت بينهم وسببت لهم الكثير من المتاعب وزادت من إحساسهم بالضيق والغربة. وذلك ما أدركه النبي صلّى الله عليه وسلّم حين سأل ربه قائلا: «اللهمّ امض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم» «4» . وذلك يعكس دون أدنى شك أن وضع المهاجرين كان يقتضي علاجا سريعا، وحلّا استثنائيّا عاجلا، وذلك ما يوضح السبب في تشريع نظام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى من الهجرة «5» . فلقد أراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يشرع نظاما يعالج فيه أوضاع المهاجرين الاقتصادية ويشعرهم بأنهم ليسوا عالة على إخوانهم الأنصار.   (1) مسلم- الصحيح (شرح النووي 12/ 99- 101 كتاب الجهاد والسير، باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم) . (2) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآية/ 9، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 3779) . (3) البخاري- الصحيح الأحاديث 3929، 3782، 3794، 3797، وانظر: أحمد- الفتح الرباني 21/ 10، البلاذري- أنساب 1/ 270، الترمذي- السنن 2/ 303- 304. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 269) . (5) حدد ابن عبد البر تاريخ تشريع المؤاخاة بخمسة أشهر بعد الهجرة (الدرر ص/ 96) ، أما ابن سعد (الطبقات 2/ 9) فيجعلها قبل غزوة بدر الكبرى دون تحديد دقيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 نظام المؤاخاة: حصل جدل بين العلماء حول مدى صحة المعلومات التي أوردتها بعض المصادر «1» . عن مؤاخاة جرت في مكة بين بعض المهاجرين من أهل السابقة «2» . ولكن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم قد فنّدا ذلك، وتابعهما الحافظ ابن كثير «3» . ولم تشر كتب السيرة الأولى إلى وقوع المؤاخاة بمكة، كما لم يرد عنها رواية صحيحة. شرع الرسول صلّى الله عليه وسلّم نظام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقد شمل ذلك خمسة وأربعين من المهاجرين ومثلهم من الأنصار «4» ، وترتب على هذا النظام حقوق خاصة بين المتآخيين كالمواساة في مواجهة أعباء الحياة والتوارث بينهما دون ذوي الأرحام «5» . وتصور بعض المرويات الصحيحة عمق التزام الأنصار بنظام المؤاخاة ومدى حرصهم على تنفيذه، كما تصور مدى أنفة وكرم أخلاق المهاجرين وامتناعهم عن استغلال إخوانهم «6» . استمر العمل بنظام المؤاخاة إلى ما بعد غزوة بدر الكبرى حيث ألف المهاجرون جو المدينة، وعرفوا مسالك الرزق فيها، ووثقوا علاقتهم بإخوانهم المسلمين من الأنصار وغيرهم، وأصابوا من غنائم معركة بدر الكبرى ما كفاهم. ولذلك فقد ألغي التوارث في نظام المؤاخاة، وعاد إلى وضعه الطبيعي القائم على أساس صلة الرحم «7» . وقد جاء ذلك الإبطال بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ «8» . غير أن ذلك لا يعني إبطال مؤاخاة المواساة والتعاون والتناصح فقد أورد البخاري في صحيحه خبرا عن المؤاخاة بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي «9» ، كما تورد المصادر مرويات عن مناسبات جرت فيها حالات مؤاخاة أخرى تقتضي المؤازرة والرفقة دون حقوق التوارث، هذا إضافة إلى أن المؤاخاة التي شرعت بين المؤمنين والتي نص   (1) أورد ذلك البلاذري- الأنساب 1/ 270، ابن عبد البر- الدرر في اختصار المغازي والسير ص/ 100، ابن سيد الناس- عيون الأثر 1/ 199، إضافة إلى الحاكم (نقله ابن حجر- فتح الباري 7/ 271) . (2) مؤاخاة أبي بكر وعمر، وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف وعثمان، والزبير وابن مسعود، والنبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي بن أبي طالب، وحمزة وزيد بن ثابت. (3) ابن تيمية- منهاج السنة 4/ 96- 97، ابن القيم- زاد المعاد 2/ 79، ابن كثير- السيرة النبوية 2/ 324. (4) يذكر البلاذري- أنساب 1/ 270: أنه لم يبق من المهاجرين أحد إلّا آخى بينه وبين أنصاري، وانظر ابن سعد- الطبقات 1/ 21 مما يجعل عدد المهاجرين معلوما عند التشريع. (5) البخاري- الصحيح 3/ 119، 6/ 55- 65، 8/ 190- 91، مسلم- الصحيح 4/ 1960، ابن سعد- الطبقات 1/ 9 د، ابن عبد البر- الدرر 96، ابن القيم- زاد المعاد 3/ 79. (6) انظر مثلا قصة مؤاخاة عبد الرحمن بن عوف بسعد بن الربيع الأنصاري وما جرى بينهما: البخاري- الصحيح 5/ 39، النسائي- السنن 6/ 137. (7) ابن سعد- الطبقات 1/ 9، ابن القيم- زاد المعاد 2/ 79. (8) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 75، ويذكر ابن عباس- رضي الله عنهما-: أن نسخ التوارث بالمؤاخاة قد تم حين نزل قوله تعالى وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ (النساء/ 33) ، مسلم- الصحيح 4/ 1960. (9) البخاري- الصحيح 3/ 47، 5/ 88. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 عليها الكتاب العزيز: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... «1» . باقية لم تنسخ، وأن ما نسخ هو التوارث المترتب عليها. مما حصر الموالاة والأخوّة بين المؤمنين دون غيرهم، وقطع الولاية بين المؤمنين والكافرين من المشركين واليهود والنصارى قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «2» . وتعرّض الصحابة من المهاجرين والأنصار إلى امتحان شديد في عقيدتهم حين خيّرهم الله بين الالتزام بمصالحهم الدنيوية وعلاقاتهم النسبية من جهة وبين الالتزام بالعقيدة فقال تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ «3» . وقد نجح صحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا الامتحان العسير، وغلّبوا حب الله ورسوله وآصرة العقيدة على كل ما سوى ذلك، فكان مجتمع المدينة الجديد مجتمعا عقديّا يرتبط بالإسلام ولا يعرف الموالاة إلّا لله ولرسوله وللمؤمنين، ومع ذلك فهو مجتمع مفتوح لمن أراد أن يلتحق به فيؤمن بعقيدته بعد أن يخلع نفسه عن عقيدة الجاهلية وصفاتها ودون أي اعتبار لجنسه أو لونه أو انتمائه السابق.   (1) القرآن الكريم- سورة الحجرات، الآية/ 10. (2) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 23. (3) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 موادعة اليهود: وقد كتبت وثيقة هذه الموادعة في المدينة المنورة أول قدوم النبي صلّى الله عليه وسلّم إليها وقبل معركة بدر الكبرى «1» ، وهي تستهدف تنظيم العلاقة بين الأمة الإسلامية وبين يهود المدينة، وهي تتألف من أربعة وعشرين بندا «2» . ويدل أولها على التزام اليهود بالمساهمة في نفقات الحرب الدفاعية عن المدينة: «وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين» «3» . وقد ركزت الوثيقة في عشرة بنود من صدرها على تنظيم العلاقة بالمتهودين من قبيلتي الأوس والخزرج، مع التركيز على نسبتهم إلى عشائرهم العربية حيث أقرت تحالفهم مع المؤمنين. «وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم نفسه وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته» «4» . وهكذا تعرضت الوثيقة إلى ذكر اليهود من بني النجار، وبني الحارث، وبني ساعدة، وبني جشم، وبني الأوس وبني ثعلبة، وجفنة، وبني الشطيبة، وموالي ثعلبة، فأفردت ليهود كل مجموعة قبلية «5» بندا خاصّا بهم وأعطت لكل مجموعة منهم «مثل ما ليهود بني عوف» الذين ورد ذكرهم في الفقرة الأولى، والتي كفلت لهم حريتهم الدينية وحددت مسئولية الجرائم وحصرتها في مرتكبيها الذين ينبغي أن ينالوا عقوباتهم وإن كانوا من المتعاهدين. ولقد منعت الوثيقة يهود المدينة من الخروج منها إلّا بعد الحصول على إذن من الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «وأنه لا يخرج منهم أحد إلّا بإذن محمد» «6» وذلك حرمهم من القيام بأي نشاط عسكري خارج المدينة قد يؤثر على أمن المدينة وعلاقاتها الاقتصادية. وفي الوقت الذي أكدت الوثيقة على المسئولية الشخصية للجرائم، فإنها ضمنت «النصر للمظلوم» «7» . وأكدت على «أن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم» «8» . غير أن ذلك لا يعني إعفاء اليهود من أعباء المساهمة في نفقات الدفاع عن المدينة. «وأن اليهود ينفقون مع   (1) أبو عبيد القاسم بن سلام- كتاب الأموال رقم «518» حيث قال: «كتبت حدثان مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة قبل أن يظهر الإسلام ويقوى وقبل أن يؤمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب» ، وانظر البلاذري- أنساب 1/ 286، 308، الطبري- تاريخ 2/ 402، ابن هشام- السيرة 1/ 595. (2) نشرت الوثيقة بكاملها في مجموعة الوثائق السياسية لمحمد حميد الله الحيدر آبادي مع مقارنة بين سائر الروايات، وأثبت المحقق الاختلافات (41- 47) . (3) البند (24) من الوثيقة، انظر المصدر السابق. (4) البند (25) من الوثيقة. ويوتغ: أي يهلك. انظر «النهاية» لابن الأثير (وتغ) (5/ 149) . (5) انظر البنود 26- 35 من الوثيقة. (6) البند (36) من الوثيقة. (7) البند (37 ب) من الوثيقة. (8) البند (37 أ) من الوثيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 المؤمنين ما داموا محاربين» «1» . وقد اعتبرت الوثيقة منطقة المدينة حرما آمنا: «وأن يثرب حرام جوفها على أهل هذه الصحيفة» «2» . وتعرض بعض بنود الوثيقة إلى حقوق الجار: «و أن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم» «3» ، وأكدت على «أنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها» «4» . اعترف اليهود بموجب بنود هذه الاتفاقية بوجود سلطة قضائية عليا متمثلة في الرسول صلّى الله عليه وسلّم يرجع إليها سائر المواطنين في المدينة بما فيهم اليهود في حالات الأحداث، أو حصول الشجار والاختلاف بينهم وبين المسلمين: «وأن ما كان بين أهل الصحيفة من حدث، أو اشتجار يخاف فساده، فإن مردّه إلى الله وإلى محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإن الله على أتقى ما في الصحيفة وأبره» «5» . وقد منعت الوثيقة اليهود من إجارة قريش أو نصرها: «وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها» «6» . وكان الهدف من ذلك هو ضمان حرية المسلمين في التعرض لتجارة قريش التي كانت تمر غربي المدينة في طريقها من الشام وإليها. ويمكن اعتبار هذا البند ضمانة لمنع احتمال حصول خلاف حول ذلك مع اليهود في المدينة. وقد امتدت المعاهدة لتشمل «حلفاء» الطرفين إذ اشترطت المعاهدة على كل من الطرفين مصالحة حلفاء الطرف الآخر، باستثناء من حارب في الدين، وذلك لأن المسلمين كانوا في حالة حرب دائمة معهم. ومن الواضح أن المقصود من ذلك هو التأكيد على استثناء قريش من المصالحة «7» . وفي الختام تضمنت الوثيقة مبدأ عاما في تحمل المسئولية الكاملة عن الظلم والجريمة لمرتكبيها بغض النظر عن بنود هذه الاتفاقية، وإعلانا عامّا بالأمن والسلام لمن خرج من المدينة ولمن بقي فيها باستثناء المجرمين: «وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلّا من ظلم وأثم» ، «وأن الله جار لمن برّ واتّقى، ومحمد رسول الله» «8» . إعلان دستور المدينة: «وثيقة التحالف بين المهاجرين والأنصار» : نظّمت وثيقة التحالف هذه العلاقات بين سكان المدينة، ووضّحت التزامات جميع الأطراف داخل المدينة، فقد شملت المعاهدة الخاصة بموادعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم لليهود، كما أوضحت التزامات كل من المهاجرين والأنصار في جانبي الحقوق والواجبات.   (1) البند (38) من الوثيقة. (2) البند (39) من الوثيقة. (3) الفقرة (40) من الوثيقة. (4) الفقرة (41) منها. (5) الفقرة (42) من الوثيقة، ثم ألزمهم بضرورة التحاكم إلى شرع الله ما داموا تحت سلطان الحكومة المسلمة. لما نزل قول الله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ (سورة المائدة، الآية 42) . (6) الفقرة (43) من الوثيقة. (7) الفقرات (44- 46) من الوثيقة. (8) الفقرة (47) من الوثيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وقد استعرضنا آنفا نصوص موادعة اليهود، والتي أعلنت بعض بنودها أن المدينة حرم آمن لا يجوز انتهاكه، وبذلك ضمنت استقرار الأمن، ومنعت الحروب الداخلية فيها، وأصبحت المدينة مركز انطلاق الدعوة، وعاصمة للدولة الإسلامية الناشئة. يتناول القسم الثاني من الوثيقة أو المعاهدة، بنود التحالف بين المهاجرين والأنصار، وبينت الوثيقة في صدرها أطراف التحالف فذكرت «المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم» «1» . وجعلت الوثيقة أطراف التعاقد «أمة واحدة من دون الناس» «2» . وتعرضت تسع فقرات تالية «3» إلى ذكر الكيانات العشائرية. والملاحظ أن المهاجرين اعتبروا كتلة واحدة متميزة في حين نسب الأنصار إلى عشائرهم، وقد اتضح أن القصد من ذلك إبراز فكرة التكافل الإجتماعي، دون التناصر في العصبية والظلم. وبهذا فقد حوّل الرسول صلّى الله عليه وسلّم التوجهات القبلية إلى ما يحقق الأهداف السامية للدعوة الإسلامية. وبما أن التكافل يحتم على القبيلة أن تعين أفرادها، وهو أمر كان سائدا في الجاهلية، فقد أقرته الوثيقة لما فيه من روح تعاون وتضامن وتكافل. وهكذا فقد ورد في أعقاب ذكر المهاجرين والقبائل الأنصارية الأخرى قوله بأنهم: «على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين» «4» . وأكدت الوثيقة على مسئولية المؤمنين الشاملة في التكافل مع كل فرد من أبناء الأمة: «لأن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف من فداء أو عقل» «5» . وإلى جانب ذلك، أكدت الوثيقة على المسئولية الجماعية، فقد أصبحت مسئولية المؤمنين جميعا تحقيق الأمن والاستقرار والعدالة في المدينة: «وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم «6» ، أو إثما، أو عدوانا أو فسادا بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم» «7» . وتبرز في الوثيقة بجلاء روح الإسلام في استعلاء المؤمنين على الكافرين، وأن دم الكافر لا يكافيء دم المؤمن، والتأكيد على الترابط الوثيق بين المؤمنين وموالاتهم بعضهم لبعض: «ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن، وأن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس» «8» .   (1) الفقرة الأولى من الوثيقة- مجموعة الوثائق، محمد حميد الله. (2) الفقرة (2) ، المرجع السابق: (الوثيقة) . (3) الفقرات (3- 11) من الوثيقة. (4) الفقرات (3- 11) من الوثيقة. (5) الفقرة (12) من الوثيقة. (6) طلب عطية دون وجه حق، انظر ابن الأثير- النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 117. (7) الفقرة (13) من الوثيقة. (8) الفقرتان (14- 15) من الوثيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 والفقرة الأخيرة تشير إلى إقرار الوثيقة لمبدأ الجوار الذي كان معروفا قبل الإسلام، فقد أتاحت لكل مسلم أن يجير، وألزمت المجتمع الإسلامي بأن لا يخفر جواره، وحصرت الموالاة بين المؤمنين. غير أن الوثيقة استثنت من بقي على الشرك من قبائل الأوس والخزرج من إجارة قريش وتجارتها، أو الاعتراض على تصدي المسلمين لها، فذكرت بأنه: «لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن» «1» . وقد بينت المعاهدة أن إعلان حالة السلم والحرب هي من اختصاص النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ «سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلّا على سواء وعدل بينهم» «2» . ثم بيّنت الوثيقة عقوبة القتل العمد حيث جاء فيها: «وأنه من اعتبط «3» . مؤمنا قتلا عن بدنة فإنه قود به إلّا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلّا قيام عليه» «4» . وأخيرا فقد أصبح الرسول بموجب هذه الوثيقة هو المرجع الوحيد للفصل في كل خلاف قد يقع بين أطراف التعاقد (المسلمين وحلفائهم) في المدينة: «وأنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد صلّى الله عليه وسلّم» «5» . الجهاد: انتشار الإسلام: 1- الجهاد: قامت دولة الإسلام في المدينة النبوية، وشرع الله سبحانه وتعالى الجهاد، وكانت البداية للدفاع عن النفس، قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ «6» . وقال تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «7» . واخيرا شرع قتال العدو الكافر من أجل التمكين للعقيدة من الانتشار دون عقبات، ومن أجل صرف الفتنة عن الناس ليتمكنوا من اختيار الدين الحق بإرادة حرّة، فقال تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ «8» . ولم تكن العقيدة تفرض بالقوة على سكان المناطق التي يفتحها المجاهدون، فقد كانوا يخيرون باديء ذي بدء بين أن يسلموا، أو يحافظوا على دينهم ويدفعوا الجزية، أو يأذنوا بالحرب. وسمح لمن رغب من أهل الكتاب بالمحافظة على دياناتهم بذلك وقد التزم المقاتلون المسلمون بضوابط الحق والعدل والرحمة، فسجل التاريخ لهم انضباطهم الدقيق، حيث لم ترد أية إشارة إلى قيامهم بالمجازر أو سلب الأموال. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبيّن   (1) الفقرة (20) من الوثيقة. (2) الفقرة (17) من الوثيقة. (3) أي قتله بدون مبرر أو جناية توجب قتله، انظر لسان العرب 7/ 348. (4) الفقرة (21) من الوثيقة. (5) الفقرة (23) من الوثيقة. (6) القرآن الكريم- سورة الحج، الأية/ 39. (7) القرآن الكريم- سورة البقرة، الأية/ 190. (8) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الأية/ 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 للمسلمين ضرورة اقتران النيّة بالجهاد، وأن لا يكون الدافع إلى القتال الحصول على الغنائم، أو الرغبة في الشهرة والمجد الشخصي أو الوطني، فقد سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن رجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» «1» . بل لا بد من إخلاص النية لله، وأن لا يقترن القصد من الجهاد بأي غرض دنيوي لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغي به وجهه «2» . وفي الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تضمّن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادا في سبيله، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة، أو أرجعه إلى مسكنه، الّذي خرج منه، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، والّذي نفس محمّد بيده! ما من كلم- أي جرح- يكلم في سبيل الله إلّا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك، والّذي نفس محمّد بيده، لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي، والّذي نفس محمّد بيده، لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل» «3» . ومن الصعب تقديم النماذج الكثيرة التي توضح أثر هذه التوجيهات النبوية على نفسية المقاتل المسلم، ولكن يمكن اختيار نموذجين لمقاتلين من عامة الجند، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين أثناء القتال في غزوة أحد: «قوموا إلى جنة عرضها السّماوات والأرض» ، فسمعه عمير بن الحمام الأنصاري فقال: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: «نعم» . قال: بخ بخ- كلمة تقال لتعظيم الأمر في الخير- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ؟» ، قال: لا والله يا رسول الله إلّا رجاءة أن أكون من أهلها. قال: «فإنّك من أهلها» . فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل» «4» . فهذا النموذج الأول، وأما الثاني: فقد صح أن أعرابيّا شهد فتح خيبر أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أثناء المعركة أن يقسم له قسما وكان غائبا، فلما حضر أعطوه ما قسم له، فجاء به إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى ههنا- أشار إلى حلقه- بسهم فأدخل الجنة. قال: «إن تصدق الله يصدقك» . قال: فلبثوا قليلا، ثم نهضوا في قتال العدو فأتى به يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فكفنه النبي صلّى الله عليه وسلّم بجبته وصلى عليه ودعا له، فكان مما قال: «اللهمّ هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا، وأنا عليه شهيد» «5» . إن هذه الرواية شاهد قوي على ما يبلغه الإيمان من نفس أعرابي ألف حياة الغزو والسلب والنهب في الجاهلية فإذا به لا يقبل ثمنا لجهاده إلّا الجنة، فكيف يبلغ الإيمان إذا من نفوس الصفوة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟.   (1) البخاري- الصحيح 1/ 222 (ح 123) ، 6/ 28 (ح 2810) ، مسلم- الصحيح 3/ 1513 (ح 1513) . (2) النسائي- السنن 5/ 25، 6/ 25. (3) مسلم- الصحيح 1495/ 3 (ح 1876) . (4) مسلم- الصحيح 3/ 1509- 1510 (ح 1901) . (5) عبد الرزاق الصنعاني- المصنف 5/ 276. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 2- انتشار الإسلام: كان واضحا منذ المرحلة المكية أن الرسالة الإسلامية خطاب للعالمين وليس لقريش ولا للعرب وحدهم، فالآية: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «1» ، هي مما نزل من القرآن في مكة. وقد خطط النبي صلّى الله عليه وسلّم لنشر الإسلام خارج مكة منذ وقت مبكر، فلما أسلم أبو ذر الغفاري- رضي الله عنه- طلب منه الإقامة في بني غفار ودعوتهم إلى الإسلام، ولما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي، طلب منه الإقامة في قبيلته دوس التي كانت تقيم بين الطائف واليمن لنشر الإسلام فيها، ولم تثمر جهود الطفيل إلّا عقب قيام الدولة في المدينة حيث قدم الدوسيون إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم مسلمين عند فتح خيبر. وقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بمحاولة نشر الإسلام في الطائف، ولكن قبيلة ثقيف صدت عن الدعوة بعنف وسخرية، ولم تستجب لدعوة الإسلام إلّا عام تسعة من الهجرة بعد حصارها. ومن المعروف أن جهود نشر الدعوة في مكة ذاتها لم تفلح في إقناع معظم القرشيين طيلة المرحلة المكية وما تلاها وحتى فتح مكة حيث دانت قريش بالإسلام بصورة جماعية ولم يشذ إلّا أفراد قلائل. وعلى الرغم من تأخر إسلام قبيلة قريش في مكة، وثقيف في الطائف وما جاورها، إلّا أن تلك الاستجابة المتأخرة اتسقت وتمثلت في تعاطف شديد وإيمان عميق راسخ وتحولت القبيلتان إلى أشد أنصار الإسلام حماسة وذودا عن حياضه كما ظهر من خلال أحداث الردة حيث التزمت كل منهما بالإسلام وكانتا أشد القبائل بأسا في مواجهة المرتدين، قبل أن تتحولا إلى مادة رئيسية من مواد الإسلام، حاملة لواءه متوغلة في كل صوب في أحداث الفتوحات ونشر دعوة الحق. وكان الإسلام قد انتشر في قبائل الحجاز التي تقطن على طريق (مكة- المدينة) مثل مزينة، وجهينة، وغفار، وبلي، وأشجع، وأسلم، وكعب، في وقت مبكر من قيام الدولة الإسلامية بالمدينة، وخاصة في قبائل خزاعة التي كانت متعاطفة مع المسلمين كما أظهرت أحداث عمرة الحديبية، وربما تكون عشيرة بني المصطلق الحجازية قد أفردت بموقف عدائي من المسلمين حتى خضعت بعد غزوة المريسيع عام 4 هـ «2» . أما بلاد اليمن فقد نجحت الدعوة الإسلامية فيها على نطاق واسع بعد قدوم علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- إليها سنة تسعة من الهجرة، وخاصة إسلام قبيلة همدان الكثيرة العدد، ويبدو أن الانتشار السريع كان عام ثمانية من الهجرة قريبا من فتح مكة. وقد قدمت وفود القبائل اليمانية إلى المدينة للبيعة عام تسعة من الهجرة وهي كندة، والأشعريون، وهمدان، ودوس. وتوضح حركة الردة انتشار الإسلام في قبائل ذي مران، وذي الكلاع، وذي ظليم، وبجيلة، وزبيد، والنخع، وجعفي، والأبناء، والسكون، والسكاسك. وكان انتشار الإسلام في حضرموت التي تقطنها قبيلة كندة محدودا بالقياس إلى انتشاره في رجال كندة القاطنين في اليمن. وأما مناطق نجد فإن انتشار الإسلام فيها قوي بعد غزوة الخندق حيث تعرض الدعاة السابقون في الرجيع وبئر معونة للإبادة من قبل الأعراب. وقد امتد الإسلام بعد ذلك في قبائل بني سليم، وطيء، وهذيل،   (1) القرآن الكريم- سورة الأنبياء، الآية/ 107. (2) الطبري- تاريخ 3/ 131- 132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وتميم، وخاصة بطونها عوف والأبناء والرباب ويهوى، ولكن لم تتح الفرصة لتعميق الإيمان والثقافة الإسلامية في فروع أخرى مهمة منها مثل بني حنظلة، ومقاعس، والبطون «1» . كما أن الإسلام امتد إلى الأقسام الشمالية من شبه الجزيرة العربية حيث أسلمت قبيلة شيبان، وقبيلة بني عذرة «2» . وأما المناطق الشرقية من شبه الجزيرة العربية، فإن أسرعها استجابة هي منطقة البحرين وخاصة جواثا التي تقطنها عبد القيس حيث أقيمت فيها أول جمعة بعد إقامتها في المسجد النبوي بالمدينة. ويمثل إرسال الرسل إلى الملوك والأمراء عام سبعة من الهجرة أول اتصال بين الدولة الإسلامية والقوى الكبرى في العالم- آنذاك- والمتمثلة بالامبراطورية الساسانية (الفرس) والامبراطورية البيزنطية (الروم) ، وكان رد فعل الملك الساساني عنيفا، في حين أظهر هرقل في الشام والمقوقس في مصر تعاطفا شخصيّا، وإن لم يدخلا في الإسلام. ومن الواضح أن الدعوة الإسلامية شقت طريقها في عصر الرسالة بمدى عميق مكنها من الصمود في وجه المرتدين والاستعداد لمواجهة القوى العالمية الخارجية «3» . تأسيس الدولة الإسلامية- حكومة النبي صلّى الله عليه وسلّم: يشير كتاب تنظيم المدينة، أو ما يعرف بالوثيقة التي نظمت علاقة المهاجرين والأنصار، وكذلك كتاب الموادعة الذي ضبط العلاقة بيهود المدينة وحدد التزاماتهم، ومسئولياتهم، وإذعانهم لسلطة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما سبق ذلك من هجرة المسلمين إلى المدينة وانتشار الإسلام فيها، ثم إعلانها حرما آمنا، وتشريع الجهاد والإذن بقتال المشركين إرهاصا بقيام الدولة الإسلامية التي تمثلت مقوماتها في أرض المدينة وما حولها، والامّة وهم المهاجرون والأنصار، ومن التحق بهم فأعلن الإسلام، وهم الغالبية العظمى من السكان، ومن تعاقد وأذعن لسلطة النبي صلّى الله عليه وسلّم من اليهود والمشركين من القبائل العربية التي شملتها الوثيقة. ولم تكن هناك حاجة إلى إعلان قيام السلطة الحاكمة، لأن نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم تقتضي طاعته. وكان المسلمون يتنافسون على تنفيذ أوامر النبي صلّى الله عليه وسلّم وتوجيهاته، وطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم عبادة وفرض، وقد وعى ذلك المسلمون وسارعوا إلى تنفيذه. وكانت بيعتا العقبة الأولى والثانية على الطاعة، كما أن الوثيقة التي نظمت العلاقات بين السكان في المدينة في أعقاب الهجرة قد تضمنت: «بأنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد» «4» . وبذلك أصبح الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما أسلفنا، المرجع الوحيد للفصل في كل ما يقع بين السكان من مشكلات. وهو تحديد واضح لمرجعية السلطة في المدينة بين الجميع مسلمين كانوا أو مشركين أو يهود ومن شملتهم الوثيقة. اعتمد الرسول صلّى الله عليه وسلّم في تنظيم الدولة الإسلامية الناشئة وإدارتها على الصحابة، فاتخذ من كبارهم مستشارين وكان في مقدمتهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما-، كما اتخذ منهم ولاته وعماله على الصدقات.   (1) الطبري- تاريخ 3/ 268، 269. (2) ابن أعتم الكوفي- الفتوح ص/ 45. (3) أكرم العمري- السيرة النبوية الصحيحة 2/ 454- 460. (4) الفقرة (23) من الوثيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وبعد أن توسعت الدولة الإسلامية عيّن الرسول صلّى الله عليه وسلّم الولاة على مكة المكرمة والطائف والبحرين وعمان واليمامة كما عيّن عددا من الولاة على مقاطعات بلاد اليمن. وحيث إن مهمة الوالي تتمثل في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فقد كان ولاته صلّى الله عليه وسلّم من فقهاء الصحابة الكبار، فكان من ولاته عتّاب بن أسيد على مكة المكرمة، وعلي بن أبي طالب على نجران، ومعاذ بن جبل على الجند، وأبو موسى الأشعري على زبيد وما والاها، وخالد بن سعيد بن العاص على صنعاء، وعثمان بن أبي العاص على الطائف، وعمرو بن سعيد بن العاص على خيبر، والمهاجر بن أبي أمية على كندة، والعلاء بن الحضرمي على البحرين، وسليط بن سليط على اليمامة، وعمرو بن العاص على عمان. أما عماله على الصدقات، فقد أرسل أبو هريرة لجمع صدقات البحرين، وأبا عبيدة عامر بن الجراح على صدقات هذيل وكنانة، وعبد الرحمن بن عوف على صدقات كلب، وعباد بن بشر الأشهلي على صدقات سليم ومزينة، والوليد بن عقبة على صدقات بني المصطلق. وكان جمع الصدقات يتم عند تجمع العشائر على المياه في أوائل الربيع، وإلى جانب هؤلاء العمال فقد تولى رؤساء العشائر جمع الصدقات، وكان ذلك يحقق أهدافا إدارية واجتماعية ونفسية، إذ لم يكن دفع الزكاة في البادية من الأمور المستساغة عند الأعراب. ولكن حين يتولى شيخ القبيلة مهام جمعها وتوزيعها فإن ذلك يخفف من الأثر النفسي عليهم، إضافة إلى أن الشيخ يعرف الأغنياء وأصحاب الثروات منهم وكذلك الفقراء. وقد يتولى بعض كبار الصحابة مسئولية جمع الصدقات وتوزيعها حين لا يتوفر في الشيخ القدرة على استيعاب أحكام الزكاة وفقهها. وقد أشارت المصادر الإسلامية إلى «النقباء» في سياق الحديث عن بيعة العقبة الثانية، حيث اختار النبي صلّى الله عليه وسلّم اثني عشر نقيبا، كانوا كفلاء على قومهم، وهم يمثلونهم أمام النبي صلّى الله عليه وسلّم ويبلّغون تعليماته وتوجيهاته إليهم، ويتولون تنفيذ أوامره بينهم. أما «العرفاء» فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يختار لكل قبيلة عريفا، وكان كل من قدم المدينة من الأعراب ينزل على عريفه، أما إذا كان من قبيلة ليس لها عريف فإنه ينزل في الصّفة «1» بمسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث يتم قراهم من قبله صلّى الله عليه وسلّم. واحتاجت الدولة الإسلامية الناشئة إلى عدد كبير من الكتاب، وحيث إن مثل هذا العدد لم يكن متوفرا في باديء الأمر بعد الهجرة مباشرة، فقد سعت حكومة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى إعداد الكتّاب عن طريق توسيع نطاق التعليم، وقد أثمرت تلك الجهود حيث بلغ عدد كتّاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وحدهم قرابة الخمسين، بينهم كتّاب الوحي أمثال: زيد ابن ثابت وأبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وحنظلة بن الربيع، وأبان بن سعيد، وخالد بن سعيد، ومعاوية بن أبي سفيان. ومنهم كتّاب أموال الصدقات أمثال الزبير بن العوام، وجهيم بن الصلت. ومنهم كتاب العقود والعهود والمداينات مثل عبد الله بن الأرقم الزهري، والعلاء بن عقبة «2» . وأسندت الولايات والأعمال وقيادة الجيوش إلى كبار الصحابة من ذوي الفقه والخبرة والقوة والأمانة مما عمل على شيوع الأمن والاستقرار وتثبيت الناس على الإسلام خاصة في المدن الرئيسية.   (1) ابن شبّة- تاريخ المدينة 1/ 286. (2) الخزاعي- تخريج الدلالات السمعية ص/ 159، 173. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وتمكنت الحكومة الإسلامية من حماية المدينة من الهجمات من خارجها، ومن كيد اليهود والمنافقين من داخلها، ووسعت حدود سلطاتها تدريجيا حتى امتد في أواخر عصر النبوة إلى معظم أنحاء جزيرة العرب. وقد بذلت الكثير من الجهود لتنظيم عمليات الدفاع والهجوم، وزيادة أعداد المقاتلين حتى وصل في غزوة تبوك ما يزيد على ثلاثين ألف مقاتل. وكانت التجهيزات تعتمد على جهود الأفراد، وما يقدمه أغنياء المسلمين من أموال لغرض تجهيز الجيش. ونظمت حكومة النبي صلّى الله عليه وسلّم المجتمع الإسلامي، فأقامته على أساس الحب والتكافل الاجتماعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحترام الإنسان، وتطمين حاجاته الروحية والمادية حسب إمكانات الدولة آنذاك. وكانت تقوم بجباية الزكاة عن طريق المصّدقين الذين يرسلون إلى القرى والبوادي، وعن طريق الولاة في المدن، وكانت الأموال المجموعة تنفق على الفقراء من مناطق الجباية، وما فضل منها يرسل إلى المدينة. واعتمدت الحكومة النبوية في مواردها المالية على أغنياء الصحابة الذين يبذلون الكثير من أموالهم في مواجهة حاجات الدولة، كالإنفاق على الجيوش، واستضافة الوافدين من خارج المدينة، وإعانة المحتاجين من المهاجرين، وبقية فقراء المسلمين من أهل الصفة. ولكن الدولة حازت على موارد دائمة عقب غزوة أحد، حيث أوصى الحبر اليهودي مخيريق بأمواله للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وكانت سبع بساتين سخرت إيراداتها لسد نفقات المصالح العامة، فضلا عن نفقات النبي صلّى الله عليه وسلّم وآل بيته. وقد ازدادت الأموال التي حازتها الدولة بعد فتح خيبر وأراضيها الزراعية الغنية. ولا شك في أن الغنائم التي حازها المسلمون في المعارك الكثيرة قد أسهمت في زيادة موارد الدولة، حيث كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يأخذ الخمس من الغنائم. غير أن الغنائم لم تكن تمثل ثروة كبيرة إلّا في غزوات معينة مثل غزوة هوازن. وقد ساعدت تعاليم الإسلام الماليّة على ازدهار الحياة الإقتصادية من تجارة وصناعة وزراعة، وخاصة ما يتعلق من تلك التعاليم بحقوق التملك، وحرية العمل، وسيادة الأمن، وقيم العدل والوعد بالأجر الأخروي للتجار والصناع والزراع إذا ما أخلصوا النية في أعمالهم، وأتقنوا أداءها ونصحوا فيها. وقد ظهر أثر التعاليم الإقتصادية الإسلامية بصورة أكثر جلاء في العصور التي تلت عصر السيرة، حيث إن السنوات العشر الأولى التي مضت على قيام الدولة الإسلامية، لم تكن كافية لتوضيح الآثار الإقتصادية للتعاليم الجديدة بصورة جليّة. ولم تكن القيود الجديدة على النشاط الاقتصادي لتؤثر سلبا على تكون رؤوس الأموال، فالربا الذي حرّم منع تكدس الأموال بأيد قليلة، لكن السماح بتكوين رءوس أموال مشتركة لتمويل العمليات التجارية- مما كانت قريش تعرفه قبل الإسلام- عوض النقص في رءوس الأموال، كما أن تفتيت الثروة يساعد على زيادة القوة الشرائية في المجتمع، مما ينشط الحركة الإقتصادية. وكانت نصوص تحريم الربا، وتحريم الاحتكار، ونظام الميراث، والزكاة والحث على الصدقات تساعد على تفتيت الثروة وتداولها كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ «1» .   (1) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآية/ 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 واهتمت حكومة النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقضاء الذي يهدف إلى تحقيق العدل والإنصاف بين المتخاصمين. وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «1» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقضي بنفسه بين الناس في المدينة فهو أول القضاة في الإسلام. وقد أمره الله تعالى بذلك فقال: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ «2» . وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «3» . ولما انتشر الإسلام خارج المدينة عين الولاة على المدن من أهل الفقه ليقضوا بين الناس في خصوماتهم إلى جانب إدارة المدينة أو الإقليم. وقد قال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضيا» «4» ، كما «أرسل معاذا إلى اليمن قاضيا وقال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بكتاب الله. قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: «فإن لم تجد في سنّة رسول الله ولا في كتاب الله؟» قال: أجتهد برأيي ولا آلوا. فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدره وقال: «الحمد لله الّذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» «5» . ومن آداب مجلس القضاء في عصر السيرة جلوس الخصمين بين يدي القاضي «6» . ومنها أن لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان «7» . وأن يحتج القاضي بإقرار المتهم، وهو شهادة الإنسان على نفسه، فقد قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم إقرار ما عز والغامدية بالزنا «8» . ويعمل بشهادة الشهود العدول، ولا يعذر الشاهد إذا امتنع عن الإدلاء بشهادته وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا «9» ، وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «10» . وقد شدّد النبي صلّى الله عليه وسلّم على شهادة الزور «11» . وقضى: «البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر» الذي ورد في ثنايا حديث شريف «12» . ولم تكن في المدينة خلال عصر السيرة، قوى أمن أو شرطة تفرض النظام وتحقق الأمن، لذلك نصت الوثيقة على أن هذه المهمة يقوم بها جميع المؤمنين، فهم يسعون للضرب على أيدي الجناة، ولا يساعدونهم في الهرب من العدالة «ولو كان ولد أحدهم» . وقد نجحت هذه الخطة، وبعد أن كان الثأر هو القاعدة لتسوية الحسابات قبل الإسلام، فإنه صار حالة استثنائية نادرة، ولم يسجل التاريخ إلّا بضع حالات جرت في ظروف خاصة   (1) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 58. (2) القرآن الكريم- سورة المائدة، الآية/ 48. (3) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 65. (4) الماوردي- أدب القاضي 2/ 254- 258. (5) أحمد- المسند 5/ 236، 242. (6) أبو داود- السنن (عون المعبود 9/ 498- 9) . (7) البخاري- الصحيح- كتاب الأحكام 13، أحمد- المسند 5/ 52، 181. (8) مسلم- الصحيح- كتاب الحدود ص/ 22- 23، الدارمي- السنن- الحدود ص/ 17، ابن ماجه- السنن، حدود ص/ 24. والبخاري في مواضع. (9) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 282. (10) القرآن الكريم- سورة الطلاق، الآية/ 2. (11) البخاري- الصحيح، الاستتابة/ 1، الديات/ 2، الحيل/ 11، مسلم- الصحيح، كتاب الإيمان ص/ 143- 144. (12) البخاري- الصحيح، كتاب الرهن ص 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 مشتبهة. كما لم تسجل في المجتمع المدني سوى حالة اغتصاب واحدة لامرأة تعرضت لها في الغلس قبيل صلاة الفجر، وهي في طريقها إلى المسجد النبوي. وسجلت حادثة تشهير بامرأة مسلمة من قبل صائغ يهودي. وسجلت أربع حوادث زنا اعترف اثنان من مرتكبيها طواعية طلبا للتطهر من الذنب، وأقيم الحد عليهما وعلى الاثنين الآخرين. وسجلت حالة قتل لمسلم في منطقة سكن اليهود، وحادثة قتل أخرى لمسلمة قتلها يهودي برضخ رأسها بالحجارة. ويمكن إضافة حادثة ارتداد أدت إلى مقتل راعي سرح الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهذا هو كل الذي سجلته المصادر من الجرائم والجنايات خلال السنوات العشر التي حكم فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم الدولة الإسلامية الأولى. أما في مجال التعليم، فقد منح الإسلام العلم مكانة عالية مقدّسة حين جعل طلبه فريضة على كل مسلم، واعتبره عبادة «1» . وقد سعت الحكومة النبوية إلى نشر التعليم بين المسلمين، وكانت مشكلة الأمية الشائعة بحاجة إلى علاج سريع، لحاجة الدولة إلى كتّاب للوحي، وكتّاب للعقود، وكتّاب رسائل، لمراسلة الأمراء والملوك الحاكمين في الدول المجاورة، وكذلك كتاب إدارة يستعان بهم في مراسلة الولاة والعمال والقضاة الموظفين في الدولة. وقد صدرت البادرة الأولى عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم نفسه عند ما أمر بعض المتعلمين من المسلمين بتعليم الآخرين، وأمر بعض الأسرى ببدر بتعليم شباب الأنصار الكتابة مقابل مفاداتهم، وأرسل المعلمين- وسط الأخطار- في البوادي للدعوة ولتعليم الناس القرآن وتفقيههم بالدين. وكانت حلقات العلم في المسجد النبوي وبقية المساجد التي شيدت في عصر الرسالة تقوم بعملية التثقيف بصورة يومية، وهي تتسع مع الأيام لتشمل أعدادا كبيرة متزايدة. وكان التعليم يحقق القوة والاستقرار والتماسك في المجتمع الوليد، لأنه ارتبط منذ البدء بالقيم الدينية والأخلاقية. وقد تحددت عدة قيم تخص التعليم منها: استحضار النية الخالصة لله في طلب العلم «2» . وعدم جواز كتم العلم لوجود حق عام للناس في علم العالم «3» . والتعليم حق للجميع وهو مجاني «4» . وقد لوحظ في التعليم اختلاف الاستعداد العقلي عند الناس «5» . وروعيت الحالة النفسية للمتعلمين «6» . وكانت طرق التلقي هي السماع والعرض والمذاكرة والسؤال، ولكن السماع كان أكثر انتشارا، لقلة المواد المكتوبة إلّا ما يتعلق بكتابة القرآن. ومن أشهر المعلمين في عصر السيرة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وهو المعلم الأول- مصعب بن عمير الذي قام بتفقيه أهل المدينة وتعليمهم القرآن قبل الهجرة النبوية «7» ، وعبادة بن الصامت الذي كان يعلم أهل الصفة القراءة   (1) ابن ماجه- السنن 1/ 81 (حديث 244) ، أبو داود- السنن (حديث 3664) . (2) أبو داود- السنن (حديث 3664) . (3) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآيات/ 159، 74، أبو داود- السنن (حديث 3658) . (4) أبو داود- السنن (حديث 3416) ، البيهقي- السنن 6/ 126. (5) الترمذي- سنن 5/ 34. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 163 حديث 70) ، مسلم- الصحيح 4/ 2172. (7) ابن حجر- الإصابة 1/ 124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 والكتابة «1» ، والحكم بن سعيد بن العاص وكان يعلم الكتابة والحكمة «2» ، وعبد الله بن سعيد بن العاص وكان يعلم الكتابة «3» . ومن المعلمين الرواد في المسجد النبوي: سعد بن الربيع الخزرجي، وبشير بن سعد بن ثعلبة، وأبان بن سعيد بن العاص «4» . ومن النساء: الشفاء بنت عبد الله العدوية القرشية وكانت تعلم النساء الكتابة «5» . وكان من ثمار السياسة التعليمية التي اختطها الرسول صلّى الله عليه وسلّم ازدياد عدد الكاتبين حتى بلغ عدد كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وحدهم خمسين كاتبا «6» . وقد تعرضت الوفود التي أرسلها النبي صلّى الله عليه وسلّم لتعليم أبناء القبائل في البوادي للأخطار فقد استشهد معظم المشاركين فيها «7» . وتم إرسال معاذ بن جبل إلى مكة، ثم إلى الجند باليمن، لتعليم الناس القرآن وشرائع الإسلام «8» ، كما تمّ إرسال أبي عبيدة عامر بن الجراح إلى أهل نجران، وأرسل بعده عمرو بن حزم لتفقيههم في الدين والقرآن والسنة «9» . وكانت موضوعات التعليم هي القرآن وعلومه، والحديث، والفقه، واللغة العربية، والتاريخ والأنساب، والشعر، والقصص والحكم والأمثال. وكانت المدينة أهم مراكز العلم في عصر السيرة، ومنها انتشر إلى بقية المدن. خبر الأذان: أورد ابن هشام رواية ابن إسحاق التي جاء فيها: «لما اطمأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين، واجتمع إليه أمر الأنصار، استحكم أمر الإسلام، فقامت الصلاة، وفرضت الزكاة والصيام، وقامت الحدود، وفرض الحلال والحرام وتبوّءوا الإسلام بين أظهرهم، وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوّءوا الدار والإيمان، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينما قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها، بغير دعوة» «10» . وهذا صريح في أن الأذان لم يشرع إلى ما بعد تنظيم المدينة ونشأة الحكومة الإسلامية، وقد نقل ابن   (1) أحمد- المسند 5/ 315. (2) ابن حجر- الاصابة 2/ 102- 103. (3) المرجع السابق 1/ 344. (4) ابن سعد- الطبقات 3/ 531، ابن حجر- الاصابة 1/ 10. (5) ابن حجر- الاصابة 7/ 727، 729. (6) الخزاعي- تخريج الدلالات ص/ 159، 173. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 38، 386- 388) . (8) ابن سعد- الطبقات 7/ 388. (9) أحمد- المسند 3/ 212، ابن سعد- الطبقات 3/ 411- 412. (10) ابن هشام- السيرة النبوية 1/ 508، وقد رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح كما قال الشيخ الألباني- صحيح سنن الترمذي 1/ 61- 62، وقد ورد كذلك في صحيح مسلم بشرح النووي 4/ 75، وانظر: مادة «أذان» في مفتاح كنوز السنّة، وكذلك ابن حجر- فتح الباري 3/ 272. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 هشام خبرا عن رؤيا عبد الله بن زيد الخزرجي الأنصاري النداء بالأذان، وأنه أعلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك «1» ، فطلب إليه أن يعلمه بلال بن رباح، ففعل، وأذن بلال فسمع ذلك عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وهو في بيته، فخرج إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يجر رداءه، وهو يقول: «يا نبي الله، والذي بعثك بالحق، لقد رأيت مثل الذي رأى» «2» . وأورد ابن إسحاق رواية أخرى عن عبيد بن عمير الليثي جاء فيها قوله: «ائتمر (تشاور) النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس، إذ رأى في المنام من يقول له: لا تجعلوا الناقوس، بل أذّنوا للصلاة، فذهب عمر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم الوحي بذلك، فما راع عمر إلّا بلال يؤذن، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم حين أخبره بذلك: «قد سبقك بذلك الوحي» «3» .   (1) ابن هشام- السيرة 1/ 508. (2) المرجع السابق 1/ 509. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 طلائع حركة الجهاد: مرحلة ما بعد الهجرة حتى معركة بدر: وتتمثل هذه المرحلة في الغزوات والسرايا التي قام بها المسلمون وفق مخطط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتهديد اقتصاد مكة، وتأمين الوجود الإسلامي في المدينة عن طريق عقد المحالفات مع القبائل حول المدينة، وإبراز قوة المسلمين أما اليهود والمشركين داخل المدينة، والقبائل العربية خارجها، إضافة إلى تدريب قوات الجهاد على التحمل والطاعة وتنفيذ الأوامر والانضباط وحسن التصرف في حالة حصول مفاجئات إلى جانب التعرف الدقيق على الطرق والمواضع واكتساب الخبرات المتنوعة في فنون القتال. وتشير المصادر إلى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عقد عددا من العهود والمواثيق على النصح والسلم والمناصرة والتعاون في القتال مع عدد من الزعماء، ومن ذلك كتاب الأمان إلى بديل بن ورقاء وبسر بن عمرو الخزاعي وأخيه سروات بن عمرو «1» ، وكتابه إلى أسلم بن خزاعة وفيه الإقرار بالمناصرة «2» ، وكتابه إلى بني غفار وفيه اتفاق على المناصرة المتبادلة ضد من يحاربهم ويحارب المسلمين «3» ، وكتابه إلى نعيم بن مسعود الأشجعي على المحالفة والنصر والنصيحة «4» . غزوة ودّان «الأبواء» : وهي أول غزواته صلّى الله عليه وسلّم، فقد خرج غازيا من المدينة في الثاني عشر من شهر صفر بعد مضي سنة كاملة على قدومه إلى المدينة (سنة 2 هـ) ، حتى بلغ ودان «5» ، وكان يستهدف قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناه بن كنانة. وقد وادعه مخشي بن عمرو الضّمري عن بني ضمرة «ألّا يكثروا عليه ولا يعينوا عليه أحدا» «6» . وقد عاد عليه الصلاة والسلام بقواته إلى المدينة ولم يلق كيدا، «فأقام بها بقية صفر، وصدرا من شهر ربيع الأول» «7» . سريّة عبيدة بن الحارث: وكانت أول راية عقدها النبي صلّى الله عليه وسلّم هي راية سريّة عبيدة بن الحارث الذي بعثه في ستين رجلا من المهاجرين بعد عودته من غزوة ودّان، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرّة، فلقي جمعا عظيما من قريش عليهم عكرمة ابن أبي جهل، فلم يكن بينهم قتال، إذ حصل تناوش وتراشق بالسهام، وكان سعد بن أبي وقاص أول من رمى بسهم في الإسلام في هذه السريّة، ثم انصرف القوم بعضهم عن بعض، وللمسلمين حامية، وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل بن عبد مناف وكانا   (1) ابن الأثير- أسد الغابة 1/ 170، ابن سعد- الطبقات 1/ 272. (2) ابن سعد- الطبقات 1/ 271. (3) المرجع السابق 1/ 274. (4) ابن هشام- السيرة 1/ 299 1/ 274. (5) إحدى القرى الجامعة في منطقة الفرع، تبعد عن المدينة حوالي 24 ميلا. (6) أورد ابن سعد- الطبقات 1/ 275 نص الكتاب. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 279) ، خليفة بن خياط- تاريخ ص/ 56، ابن هشام- السيرة 1/ 590- 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 مسلمين ولكنهما جعلا خروجهما مع الكفار وسيلة للوصول إلى المسلمين «1» . سريّة حمزة إلى سيف البحر: وأرسل الرسول صلّى الله عليه وسلّم سريّة من ثلاثين رجلا جعل عليهم عمه حمزة بن عبد المطلب، إلى سيف البحر ليعترضوا قافلة تجارية لقريش قادمة من الشام فيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل، ولكنهم لم يشتبكوا مع قريش في قتال فقد حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفا للطرفين «2» . غزوة بواط: قاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم غزوة شارك فيها مائتين من الصحابة، استهدفت اعتراض قافلة تجارية لقريش يرأسها أمية ابن خلف ويرعاها مائة رجل من قريش، وفيها ألفان وخمسمائة بعير محملة بأنواع البضائع- وقد وصل النبي صلّى الله عليه وسلّم بقواته إلى بواط، وهي من جبال جهينة من ناحية رضوى، ثم رجع حين لم يعثر على القافلة، ولم يلق حربا «3» . وكان قد استعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون «4» . غزوة العشيرة: وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا لاعتراض قوافلها التجارية، وكان معه مائة وخمسون من أصحابه، فبلغ العشيرة بناحية ينبع، وفاتته العير، ووادع في هذه الغزوة بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، ثم عاد إلى المدينة، ولم يلق حربا «5» . سريّة سعد بن أبي وقاص إلى الخرّار: بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم أن عيرا لقريش في طريقها إلى مكة، وأنها قد أخذت طريق الخرّار «6» ، فانتدب سعد بن أبي وقاص لقيادة سريّة لاعتراضها، يقول سعد: «فخرجت في عشرين رجلا أو إحدى وعشرين «7» على أقدامنا، نكمن بالنهار ونسير بالليل حتى صبحناها صبح خمس، فنجد العير قد مرّت بالأمس، وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ ألّا أجاوز الخرّار، ولولا ذلك لرجوت أن أدركهم» «8» . غزوة بدر الأولى (الصغرى) : أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة المنورة في أعقاب غزوة العشيرة، ونهب بعض الإبل والمواشي،   (1) ابن هشام- السيرة 1/ 591- 2، الواقدي- المغازي 1/ 10 دون إسناد، ابن سعد- الطبقات 2/ 7. (2) الواقدي- المغازي 1/ 9، ابن هشام- السيرة النبوية 1/ 595، ابن سعد- الطبقات 2/ 6. (3) ابن هشام- السيرة 1/ 598، الواقدي- المغازي 1/ 12، ابن سعد- الطبقات 2/ 908. (4) ابن هشام- السيرة 1/ 598. (5) البخاري- الصحيح (الفتح باب غزوة العشيرة، الحديث 3949) ، ابن هشام- السيرة 1/ 598- 99، الواقدي- المغازي 1/ 12، ابن سعد- الطبقات 2/ 9- 10. (6) الخرار- موضع من الجحفة، قريب من خم، الواقدي 1/ 11. (7) جعلهم ابن إسحاق ثمانية، ابن هشام- السيرة 1/ 600. (8) الواقدي- المغازي 1/ 11 بإسناد متصل، ابن هشام- السيرة 1/ 600، ابن سعد- الطبقات 2/ 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطارده مع عدد من الصحابة، إلى أن وصلوا وادي سفوان من نواحي بدر، وتمكن كرز الفهري من الإفلات من حملة المطاردة، وقد تأكد من جرّاء هذا الحادث ضرورة توثيق المسلمين لعلاقاتهم مع القبائل المجاورة للمدينة «1» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد استعمل على المدينة زيد بن حارثة «2» . سريّة عبد الله بن جحش إلى نخلة: أراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يربك قريشا ويضيق عليها في تجارتها، ولذلك فإنه صلّى الله عليه وسلّم لم يقتصر في تعرضه لتجارة قريش على الشام وإليها، وإنما وسّع ذلك ليشمل طرق تجارتها مع اليمن أيضا، ولذلك فقد بعث عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي عند عودته من غزوة بدر الصغرى، وأرسل معه ثمانية من المهاجرين، ليس فيهم أحد من الأنصار، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، «فيمضي لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحدا» . وقد نفذ عبد الله بن جحش توجيهات الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتبين له أنه قد أمره بالتوجه إلى نخلة- بين الطائف ومكة- ليرصد قريشا ويعلم أخبارهم وألّا يستكره أحدا ممن كانوا معه. غير أن أحدا منهم لم يتخلّف عن تنفيذ أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنهم تعرضوا لقافلة تجارية قرشية، فظفروا بها وقتلوا قائدها، وأسروا اثنين من رجالها وعادوا بها وبالأسرى إلى المدينة «3» . وقد أبى النبي صلّى الله عليه وسلّم تسلم الغنيمة وقال لعبد الله بن جحش وأصحابه: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» وظن القوم أنهم هلكوا. استغلت قريش حصول هذه الحادثة في الشهر الحرام، فأثارت ضجة إعلامية كبيرة أعلنت فيها أن المسلمين ينتهكون حرمة الأشهر الحرم، وكان لذلك أثره الخطير على نظرة القبائل العربية والحواضر إلى المسلمين، فالحادثة تمثل خروجا على المألوف، وهي خرق للأعراف التي التزم بها العرب في منع الاقتتال في الأشهر الحرم فترة طويلة قبل الإسلام. ولكن لما كثر الكلام في ذلك، أنزل الله تعالى حكمه في ذلك، قال تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «4» . وعند ذلك تسلم الرسول صلّى الله عليه وسلّم الغنائم، وفادى الأسيرين مع قريش «5» .   (1) ابن هشام- السيرة 1/ 601، الواقدي- مغازي 1/ 12، ابن سعد- الطبقات 2/ 9، وانظر: خليفة بن خياط- تاريخ ص 57. (2) ابن هشام- السيرة 1/ 601 برواية بدون اسناد. (3) خليفة بن خياط- التاريخ ص/ 63، وذكر ابن حجر في الإصابة 2/ 278 أن قصة هذه السرية قد خرجها الطبراني، وانظر: الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 66- 67، ابن هشام- السيرة 1/ 601- 605، ابن كثير- البداية 3/ 274، التفسير 1/ 368- 369. (4) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآيات/ 217- 218. (5) ابن كثير- التفسير 1/ 368- 9. وانظر: ابن هشام- السيرة 1/ 601- 605، من مراسيل عروة بن الزبير، البيهقي- السنن 9/ 12، 58- 59، بسند صحيح إلى عروة، ابن كثير- البداية 1/ 251. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 تحويل القبلة إلى الكعبة: ورد عن عبد الله بن عباس رواية صحيحة الإسناد جاء فيها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتجه في صلاته بمكة قبل الهجرة إلى بيت المقدس تاركا الكعبة المشرفة بينه وبين بيت المقدس «1» . وكذلك كان يفعل المسلمون إذ يتوجهون إلى بيت المقدس، وبيّن سعيد بن المسيّب أن الأنصار كانوا يصلون إلى بيت المقدس قبل الهجرة بثلاث سنوات. وبعد هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة استمر في التوجّه بصلاته نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا «2» . وفي منتصف رجب من السنة الثانية للهجرة أمر الله تعالى نبيه والمسلمين بالتحول في الصلاة نحو الكعبة المشرفة قبلة إبراهيم وإسماعيل.- عليهما السلام- وقد حدد سعيد بن المسيب تاريخ هذا الحادث بشهرين قبل معركة بدر «3» . كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكثر من الدعاء والتضرع يسأل ربه أن يصرف قبلته والمسلمين إلى الكعبة المشرفة، فأنزل الله تعالى قوله: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ «4» . وكانت أول صلاة صلاها النبي صلّى الله عليه وسلّم مستقبلا الكعبة المشرفة والمسجد الحرام صلاة الظهر «5» . أما أهل قباء من المسلمين فقد تأخر وصول الخبر إليهم إلى فجر اليوم التالي وهم يصلون الصبح، فتحولوا عند ذلك «6» . وكان اليهود قبل تحويل القبلة يرون بأن شريعة الإسلام تابعتهم في قبلتهم، ويشيعون كذبا بأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم يأخذ عنهم في التقاليد والطقوس، حتى أنهم قالوا عنه صلّى الله عليه وسلّم: «يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا» «7» . ولذلك فقد كان وقع تغيير القبلة من بيت المقدس وتوجيهها إلى الكعبة المشرفة شديدا على اليهود، وقاموا عند ذلك بدعاية مضادّة واسعة النطاق تساءلوا فيها عن مبررات تحويل القبلة «الحق التي كانوا عليها» بزعمهم، فأنزل الله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «8» . ولما يئس اليهود من محاولتهم الأولى، زعموا بأن البر هو التوجه بالصلاة إلى بيت المقدس، فأنزل الله في ذلك قرآنا: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ   (1) ابن سعد- الطبقات 1/ 243، البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 95- 96) . (2) الطبري- تفسير 2/ 4، وانظر: البخاري (فتح الباري 1/ 96- 97) . (3) خليفة بن خياط- التاريخ ص/ 64، ابن سعد- الطبقات 1/ 242، تفسير الطبري 2/ 3. (4) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 144. (5) وكان ذلك في مسجد بني سلمة، وحين عاد إلى مسجده صلّى الله عليه وسلّم صلى فيه العصر، فتح الباري 1/ 97، وانظر: (الحديث 4486) . (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 97) . (7) الطبري- تفسير 2/ 20. (8) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية 142، وانظر: الطبري- تفسير 2/ 1- 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «1» . وبذلك أفشلت جميع محاولات اليهود الدعائية الواسعة للتشكيك في القبلة. غزوة بدر الكبرى: لم يكن المسلمون قد اشتبكوا مع قريش بشكل حاسم حتى تاريخ هذه الغزوة، وذلك ما أتاح لقريش مواصلة إرسال قوافلها التي كانت تمثل شريان الحياة لاقتصادها، ويلاحظ أن قريشا استشعرت الخطر فأخذت تهيىء لقوافلها حراسات شديدة وكثيفة، وتنوع الطرق التي تسلكها. وكان المسلمون يرصدون تحرك القوافل القرشية وتتجمع لديهم الأخبار عن محتواها وبضاعتها وحراساتها والطرق التي تسلكها. بلغ المسلمين تحرك قافلة تجارية كبيرة من الشام وهي تحمل أموالا عظيمة «2» لقريش يقودها أبو سفيان ويقوم على حراستها بين ثلاثين وأربعين رجلا «3» ، فأرسل الرسول صلّى الله عليه وسلّم بسبس بن عمرو «4» لاستطلاع أخبار القافلة، فلمّا عاد بسبس بخبرها ندب النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه للخروج متعجلا بمن كانوا على استعداد دون أن ينتظر تهيؤ الآخرين ممن أبدى رغبة في الخروج، حرصا منه على ألّا تفوتهم القافلة «5» ، وكلّف عبد الله بن أم مكتوم بالصلاة بالناس في المدينة عند خروجه إلى بدر، ثم أعاد أبا لبابة من الروحاء إلى المدينة وعيّنه أميرا عليها «6» . أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم اثنين من أصحابه «7» إلى بدر طليعة للتعرف على أخبار القافلة، فرجعا إليه بخبرها «8» ، وقد حصل خلاف بين المصادر الصحيحة حول عدد الصحابة الذين رافقوا النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزوته هذه إلى بدر، ففي حين جعلهم البخاري «بضعة عشر وثلاثمائة» «9» ، يذكر مسلم بأنهم ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا «10» ، في حين ذكرت المصادر أسماء ثلاثمائة وأربعين من الصحابة البدريين «11» . غير أن علينا أن نتذكر بأن قوات المسلمين هذه التي صاحبت النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزوته إلى بدر لا تمثل الطاقة العسكرية القصوى للحكومة النبوية، ذلك أنهم إنما   (1) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 177. (2) قدرت قيمة البضائع التي تحملها القافلة بخمسين ألف دينار، انظر: الواقدي- المغازي 1/ 200، البلاذري- أنساب الأشراف 1/ 312. (3) ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 107. (4) ورد الإسم في صحيح مسلم بصيغة التأنيث مصحّفا إلى «بسيسة» ، وصححه ابن حجر في الإصابة 1/ 151. (5) مسلم- الصحيح (شرح النووي 12/ 84 حديث 1157) . (6) الحاكم- المستدرك 3/ 632. ابن كثير، البداية والنهاية 3/ 260. (7) وهما عدي بن الزغباء، وبسبس بن عمرو، انظر ابن سعد- الطبقات 2/ 24. (8) ابن سعد- الطبقات 2/ 24 بإسناد صحيح. (9) فتح الباري 7/ 290- 292. (10) مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 84) وتذكر الرواية وهي عن طريق الزبير بن العوام وقد شهد الموقعة بأن منهم مائة من المهاجرين والباقي من الأنصار، في حين ذكر البراء بن عازب أن المهاجرين كانوا يزيدون على الستين وأن الأنصار يزيدون على أربعين ومائتين (فتح الباري 7/ 290- 292، 324- 326) . (11) مثلا: ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 314، وكذلك كتب الطبقات لابن سعد وخليفة بن خياط العصفري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 خرجوا لاعتراض قافلة تجارية واحتوائها، يدل على ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين: «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلّ الله ينفلكموها» «1» ، ولم يكونوا يعلمون أنهم سوف يواجهون قوات قريش وأحلافها مجتمعة للحرب والتي بلغ تعدادها ألفا «2» ، معهم مائتا فرس يقودونها إلى جانب جمالهم، ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه «3» ، في حين لم يكن مع القوات الإسلامية من الخيل إلا فرسان، وكان معهم سبعون بعيرا يتعاقبون ركوبها «4» . بلغ أبا سفيان خبر مسير النبي صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه من المدينة بقصد اعتراض قافلته واحتوائها، فبادر إلى تحويل مسارها إلى طريق الساحل، في نفس الوقت الذي أرسل فيه إلى قريش يستنفرها لإنقاذ قافلتها وأموالها. وكان وقع ذلك شديدا على قريش، التي اشتاط زعماؤها غضبا لما يرونه من امتهان للكرامة، وتعريض للمصالح الاقتصادية للأخطار إلى جانب ما ينجم عن ذلك من انحطاط لمكانة قريش بين القبائل العربية الأخرى ولذلك فقد سعوا إلى الخروج لمجابهة الأمر بأقصى طاقاتهم القتالية «5» . وأرسل أبو سفيان بعد ذلك إلى زعماء قريش وهم بالجحفة برسالة أخبرهم فيها بنجاته والقافلة، وطلب منهم العودة إلى مكة، وذلك أدّى إلى حصول انقسام حاد في آراء زعماء قريش، فقد أصر أغلبهم على التقدم نحو بدر من أجل تأديب المسلمين وتأمين سلامة طريق التجارة القرشية «6» وإشعار القبائل العربية الأخرى بمدى قوة قريش وسلطانها «7» . وقد انشق بنو زهرة «8» ، ومن كان مع قريش من بني هاشم «9» . وعادوا إلى مكة، أما غالبية قوات قريش وأحلافهم فقد تقدمت حتى وصلت إلى منطقة بدر. بلغت أخبار تجمع قريش وتقدمهم تجاه منطقة بدر إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو في طريقه إلى بدر، فاستشار أصحابه في الأمر «10» ، وأبدى بعض الصحابة عدم ارتياحهم لمسألة المواجهة الحربية مع قريش حيث إنهم لم يتوقعوا المواجهة ولم يستعدوا لها، وحاولوا اقناع الرسول صلّى الله عليه وسلّم بوجهة نظرهم، وقد صور القرآن الكريم موقفهم   (1) ابن هشام- السيرة 2/ 61 بسند صحيح إلى عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-. (2) مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 84) . (3) ابن كثير- البداية 3/ 260. (4) أحمد- المسند 1/ 411، والحاكم- المستدرك 3/ 20. الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 69، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 260، ابن حزم- جوامع السيرة ص 108. (5) ابن حجر- فتح الباري 7/ 283، ابن هشام- السيرة 2/ 298، 311 بأسانيد حسنة. (6) كان عدد بني زهرة في قوات قريش حوالي ثلاثمائة مقاتل، ابن هشام- السيرة 2/ 212. (7) الطبري- تفسير 13/ 579. (8) نصحهم بذلك الأخنس بن شريف في أعقاب وصول أنباء نجاة القافلة، ابن هشام- السيرة 2/ 301، الطبري- تاريخ 2/ 443. (9) كانوا بقيادة طالب بن أبي طالب، وكانت قريش قد اتهمتهم بأن هواهم مع محمد صلّى الله عليه وسلّم، ابن هشام- السيرة 2/ 311- 312. (10) البخاري- الصحيح (حديث 3952) ، مسلم- الصحيح (حديث 1779) ، أحمد- الفتح الربّاني 21/ 29- 30، ابن أبي شيبة- المصنف 14/ 355، ابن كثير- البداية 3/ 262- 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وأحوال الفئة المؤمنة عموما في قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ* يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ* وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ «1» . وقد أجمع قادة المهاجرين على تأييد فكرة التقدم لملاقاة العدو «2» . وبعد ذلك عاد النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشيروا عليّ أيّها النّاس» وكان إنما يقصد الأنصار، لأنهم غالبية جنده، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلّى الله عليه وسلّم خارج المدينة. وقد أدرك الصحابي سعد بن معاذ، وهو حامل لواء الأنصار، مقصد النبي صلّى الله عليه وسلّم من ذلك فنهض قائلا: «والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟» قال صلّى الله عليه وسلّم: «أجل» ، قال: «لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر على بركة الله» «3» . سرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم من مقالة سعد بن معاذ، ونشّطه ذلك، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «سيروا وأبشروا، فإنّ الله تعالى قد وعدني إحدى الطّائفتين. والله لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم» «4» . نظّم النبي صلّى الله عليه وسلّم جنده، بعد أن رأى طاعة الصحابة وشجاعتهم واجتماعهم على القتال، وعقد اللواء الأبيض وسلمه إلى مصعب بن عمير، وأعطى رايتين سوداوين إلى سعد بن معاذ، وعلي بن أبي طالب، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة «5» . وحصل الرسول صلّى الله عليه وسلّم على معلومات كثيرة عن موقع الجيش المكي، ومن به من الأشراف، واستنتج عدد أفراده من معرفته لعدد ما ينحر لهم يوميّا من الجمال وتوجّه صلّى الله عليه وسلّم لقومه قائلا: «هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» «6» . وقد ظهر الخلاف بين زعماء قريش، فقد حاول عتبة بن ربيعة أن يثني قومه عن القتال محذرا من مغبته وخاصة أن بين الفريقين أرحام موصولة، غير أن أبا جهل خطّل رأيه واتهمه بالجبن «7» . أنزل الله تعالى في ليلة بدر على المؤمنين نعاسا أمنهم وأراحهم، ومطرا طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان وربط على قلوبهم وثبّت به أقدامهم، قال تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ   (1) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآيات/ 5- 8. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 3952) ، أحمد- المسند 5/ 259، ابن هشام- السيرة 2/ 305. (3) مسلم- الصحيح 3/ 1404 (حديث 1779) ، ابن كثير- البدآية 3/ 351. (4) ابن كثير- البدآية 3/ 262- 3 بإسناد صحيح، وذكر الحافظ ابن كثير أن له شواهد في وجوه كثيرة إذ رواه البخاري والنسائي والإمام أحمد (فتح الباري- 7/ 287) ، وأحمد- المسند 5/ 259 (حديث 3698) . (5) ابن القيم- زاد المعاد 2/ 85. (6) مسلم- الصحيح 3/ 1404، كما ورد في السيرة النبوية لابن هشام بروآية ابن إسحاق. (7) أحمد- الفتح الرباني 21/ 43، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 76، ابن كثير- البدآية 3/ 295- 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ «1» . وقد وصف الصحابي الجليل علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حال المسلمين في معسكر النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة السابع عشر من رمضان وهي ليلة معركة بدر الكبرى، فقال: «لقد رأيتنا يوم بدر، وما منا إلا نائم، إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح ... ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر ... وبات النبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو ربه ويقول: «اللهمّ إن تهلك هذه الفئة لا تعبد» ، فلما طلع الفجر نادى للصلاة ... فصلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحرّض على القتال» «2» . وصل المسلمون إلى بدر واستطلعوا الموضع قبل وصول قوات قريش، وقد وردت رواية حسنة السند تذكر أن الحباب بن المنذر أشار على النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن: «نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله ونغوّر ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون» «3» ، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد قبل مشورته وفعل بما أشار به الحباب بن المنذر «4» . وفي صباح السابع عشر من شهر رمضان نظّم الرسول صلّى الله عليه وسلّم جيشه على هيئة صفوف «5» ، ثم بني للنبي صلّى الله عليه وسلّم عريش- باقتراح من سعد بن معاذ- ليدير منه المعركة. وأكثر النبي صلّى الله عليه وسلّم من الدعاء، واستغاث بالله تعالى «فما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ... فأنزل الله عزّ وجلّ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ «6» ، فأمده الله بالملائكة» «7» . وقد ثبت أنه صلّى الله عليه وسلّم خرج من مقر قيادته- العريش- وهو يقرأ قول الله عزّ وجلّ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «8» . ويفهم من النصوص الكثيرة والصحيحة الواردة عن أحداث المعركة يوم بدر أن النبي عليه السلام شارك شخصيّا في القتال وكان أقرب الناس إلى خطوط العدو كما كان أشد المؤمنين بأسا «9» . وقد نقل الإمام أحمد بسنده عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قوله: «لما حضر البأس يوم بدر، اتقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان من أشد الناس، ما كان أو لم يكن أحد أقرب من المشركين منه» «10» .   (1) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 11، وانظر: أحمد- الفتح الربّاني 21/ 43. (2) أحمد- الفتح الرباني 21/ 30. (3) ابن حجر- الإصابة 1/ 302 بسند حسن إلى عروة ولكنه مرسل. (4) ابن هشام- السيرة 2/ 312- 313 وإسناده مرسل موقوف على عروة كما في المصدر السابق، والحاكم- المستدرك 3/ 446- 447، قال الذهبي عنه حديث منكر، وفي البداية والنهاية 3/ 293: إسناده منقطع. (5) أحمد- المسند، وهو أسلوب جديد لم تعتد عليه العرب قبل ذلك يقلل من خسائر الجيش ويعوض عن قلة العدد أمام العدو ويمكن القيادة من إحكام السيطرة. انظر: محمود شيت خطاب- الرسول القائد ص 78- 79. (6) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 9. (7) مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 84- 85) . (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 287) . (9) أحمد- المسند 2/ 64 بإسناد صحيح. (10) المرجع السابق 2/ 228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه صبيحة يوم المعركة أنه: «لا يتقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه» «1» ، فدنا المشركون فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» «2» . تقابل الجيشان ودنا بعضهم من بعض، وأخذ أبو جهل يدعو على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم أيّنا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة» فكان ذلك استفتاحه الذي أشارت إليه الآية الكريمة: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ «3» . وبدأ القتال بمبارزات فردية، فقد خرج عتبة بن ربيعة وولداه الوليد وشيبة طالبين المبارزة، ورفضوا مبارزة بعض شباب الأنصار الذين انتدبوا لقتالهم، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم عمه حمزة بن عبد المطلب، وعلى بن أبي طالب، وعبيدة ابن الحارث فبارزوهم وقتلوهم. وفي هؤلاء الستة نزل قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ* وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ* كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ* إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ «4» . مما كان له آثاره على الطرفين المتحاربين. وبدأت قريش بالهجوم. وكانت توجيهات النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم. ولا تسلّوا السّيوف حتّى يغشوكم» «5» . وحرضهم صلّى الله عليه وسلّم على القتال قائلا: «والّذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا غير مدبر إلّا أدخله الله الجنّة» «6» . وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد رمى الحصا في وجوه المشركين وذلك صريح في مشاركته الشخصية في المعركة راجلا في مقدمة المسلمين. ويشير القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «7» . والتقى الجمعان، وكان المسلمون يقاتلونهم وهم يؤملون إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، وكان شعارهم التوحيد «أحد أحد» ، فشدوا على المشركين واستهدفوا زعماءهم، فقتلوا فرعون الأمة أبا جهل عمرو بن   (1) مسلم- الصحيح 3/ 1510 (حديث 1901) . (2) المنذري- مختصر صحيح مسلم 2/ 70 (حديث 1157) . (3) القرآن الكريم- الأنفال، الآية/ 19، وانظر: الطبري- التفسير 13/ 454، والحاكم- المستدرك 2/ 328. (4) القرآن الكريم- سورة الحج، الآيات/ 19- 24، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث: 3966- 3969) . (5) أبو داود- السنن 4/ 49. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 306 الحديث 3985) . (7) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 17، وانظر: الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 84، قال: ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وانظر: ابن هشام- السيرة 1/ 323. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 هشام، وأمية ابن خلف وابنه علي بن أمية وغيرهم كثير «1» . وقد بلغ عدد صرعى المشركين سبعين قتيلا، ومثلهم كان عدد الأسرى «2» . وفر باقي مقاتلة المشركين لا يلوون على شيء. وتركوا أثقالهم وأموالهم في ميدان المعركة، وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بأربعة وعشرين قتيلا من صناديد قريش فقذفوا في بعض آبار بدر «3» . أما شهداء المسلمين فقد دفنوا في أرض المعركة، وكان عددهم أربعة عشر شهيدا «4» ، ولم يرد ما يشير إلى الصلاة عليهم ولم يدفن أحد منهم خارج بدر «5» . وقد ثبت من نصوص القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، ومرويات عدد من الصحابة البدريين أن الله سبحانه وتعالى قد أمدّ الفئة المؤمنة بالنصر، وبأنه أمدهم بالملائكة الذين ثبّتوا الذين آمنوا فقاتلوا معهم، وأنه تعالى ألقى في قلوب الذين كفروا الرعب، قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ «6» . وقال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ* وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ «7» . وأورد البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وغيرهم عددا من الأحاديث الصحيحة التي تشير إلى مشاركة الملائكة في معركة بدر، وقيامهم بضرب المشركين وقتلهم «8» . وقد حصل خلاف بين المسلمين بعد المعركة بشأن الغنائم إذ لم يكن حكمها قد شرع حتى ذلك الوقت. فنزلت سورة الأنفال: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 4/ 480، 7/ 293- 96، 321) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 59- 60) ، وابن كثير- البدآية 3/ 286، والهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 79، وانظر: عن الشعار ابن هشام- السيرة/ 634. (2) مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 86- 87) وقد صرع عدد منهم في مواضع كان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد بينها لأصحابه قبل المعركة ذكرهم بأسمائهم. أحمد- المسند 1/ 232 بإسناد صحيح. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 3976) ، مسلم- الصحيح 4/ 2204 (حديث 2875) ، أحمد- المسند 1/ 232 بإسناد صحيح، ابن هشام- السيرة 1/ 339، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 91 نقلا عن الطبراني، وقال المؤلف: رجاله رجال الصحيح. (4) ابن هشام- السيرة 1/ 428، ابن كثير- البدآية 3/ 327، وزاد ابن حجر عليهم اثنين آخرين، انظر: الإصابة 3/ 328، 608. (5) وهذا هو السنّة في الشهداء. (6) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 12. (7) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآيات/ 123- 126. (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 311- 312، 7/ 312) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 85- 86) ، أحمد- المسند 2/ 194 بإسناد صحيح، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 75- 76، ابن كثير- البدآية 3/ 284. وأشار أكرم العمري في السيرة النبوية الصحيحة إلى أن بعض الكتاب المسلمين يتحاشون الإشارة إلى مشاركة الملائكة ببدر وهو يرى بأن «هذا من مظاهر الهزيمة أمام الفكر المادّي الذي لا يؤمن إلّا بالمحسوسات» في حين أن الإيمان برسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم يقتضي الإيمان بالملائكة (2/ 366) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «1» . وقد قسمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فواق بين المسلمين «2» ، بعد أن أخرج منها الخمس، حيث نزل في ذلك قرآن: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ «3» . وأسهم النبي صلّى الله عليه وسلّم لتسعة من الصحابة لم يشهدوا بدرا بسبب تكليفهم من قبله بأعمال في المدينة، أو لأنهم لم يشاركوا لأعذار مباحة مثل إصابتهم وهم في طريقهم إلى بدر بجروح أو كسور مما حرمهم من فرصة المشاركة ومن هؤلاء الصحابي عثمان بن عفان الذي أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بالبقاء في المدينة للعناية بزوجته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرض موتها «4» . إن اتضاح الحكم الشرعي في شأن الغنائم بعد نزول آيات الأحكام الخاصة بها، وبكيفية توزيعها قد أدى إلى إلغاء الخلاف الذي كان قد حصل حولها، فقد ثاب الناس إلى طاعة الله ورسوله، وقد تم توزيع الغنائم في موضع الصفراء في طريق عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة. أما الأسرى، فقد استشار النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في أمرهم، فأشار عليه عمر بن الخطاب بقتلهم ضمانا لقوة الدولة الإسلامية حيث إنهم يشكلون عامل تحدّ وخطورة، ولأنهم أئمة الكفر وصناديد مكة، وأشار أبو بكر الصديق بأخذ الفدية منهم إذ كان يرى أن في ذلك قوة للمسلمين على الكفار، وكان يأمل أن يهديهم الله تعالى للإسلام. وقد أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم برأي أبي بكر، وقد تباين فداء الأسرى، فمن كان ذا مال أخذ فداؤه، وتتناقص الأموال المأخوذة منهم بعد ذلك تبعا لكفاءتهم المالية وقد حفظت لنا المصادر نماذج منها، فمن ذلك أنه استوفى من العباس بن عبد المطلب مائة أوقية من الذهب فداء عنه، ومن عقيل بن أبي طالب ثمانين أوقية، واستوفى من آخرين أربعين أوقية لكل منهم «5» . ولقد نزل القرآن الكريم بعد ذلك موافقا لرأي عمر، وذلك في قوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. ثمّ قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «6» . أطلق النبي صلّى الله عليه وسلّم سراح عمرو بن أبي سفيان مقابل إطلاق قريش سراح سعد بن النعمان بن أكال الذي   (1) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 1، الطبري- التفسير 13/ 367- 371، ابن هشام- السيرة 1/ 344، الحاكم- المستدرك 2/ 326، أحمد- الفتح الرباني 14/ 72. (2) أي بالتساوي بين المقاتلين المسلمين في بدر، أحمد- المسند (الفتح الرباني 14/ 73) ، ابن حبّان- الموارد ص 410، الحاكم المستدرك 2/ 135. (3) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 41، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح حديث 4003) ، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 302- 303. (4) أحمد- المسند 8/ 101 بإسناد صحيح. (5) مسلم- الصحيح 3/ 1385 حديث 1763. (6) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الايات/ 67- 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أسره أبو سفيان وهو يعتمر بالبيت العتيق «1» . وكان المسلمون يقبلون من بعض الأسرى ما عندهم إذا تعذر دفع ما فرض عليهم من الفداء «2» . وأطلق النبي صلّى الله عليه وسلّم أسر بعض الأسرى الذين لم يقدروا على دفع شيء «3» . أما الأسرى الذين يعرفون القراءة والكتابة، ولم يكن لدى أهليهم أو لديهم مقدرة على الفداء، فقد جعل فداؤهم أن يعلموا أبناء الأنصار القراءة والكتابة، وقد وردت رواية صحيحة الإسناد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة ... » «4» . وفي طريق عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتل اثنين من الأسرى وهما النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط اللذين كانا من أئمة الكفر، يؤذيان المسلمين بمكة ويشتدان في عداوتهما لله ولرسوله، وكان في قتلهما درسا بليغا للطغاة ونهاية حاسمة للجبروت «5» . أما بقية الأسرى فقد استوصى الرسول صلّى الله عليه وسلّم بهم خيرا «6» . وقد أسلم عدد منهم على فترات قبل فتح مكة وبعد ذلك «7» . أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة إلى المدينة ليزفا بشرى النصر، وقد تلقى المسلمون الخبر بسرور بالغ، وقد ذكر أسامة بن زيد أنه لم يصدق الخبر إلى أن رأى الأسرى مقرنين «8» ، وكانت الدهشة تعلو الوجوه إذ لم يصدق الناس في بادىء الأمر أن قريشا قد هزمت، وأن زعماءها قد أصبحوا بين قتيل وأسير، وأن كبرياءها قد تحطمت، وظهرت حقيقة آلهتها الزائفة وعقائدها الباطلة. لقد كانت معركة بدر من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام وقد عرفت في القرآن الكريم بيوم الفرقان لأنها فرّقت بين الحق والباطل، وكان لها أثرها الكبير في إعلاء شأن الإسلام، وانتصار العقيدة السمحاء. ولقد أوضحت الأحاديث النبوية الشريفة مبلغ فضل البدريين وعلو مقامهم. كما كانت أصداء انتصار المسلمين شديدة على أعداء الإسلام من يهود ومشركين، ولم تكد قريش تصدق ما حدث، وحين تأكدت لديها الأخبار، فإنها أقدمت على اتخاذ بعض الإجراءات التي تؤكد عجزها وإسقاط ما في يدها، فقد أمر زعماء مكة بالامتناع عن إقامة العزاء   (1) ابن هشام- السيرة 1/ 357- 358. (2) أحمد- الفتح الرباني 14/ 100، ابن هشام- السيرة 1/ 359. (3) ابن هشام- السيرة 1/ 368- 9. (4) أحمد- المسند 4/ 47 (حديث 2216) وإسناده صحيح. (5) الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 89، السهيلي- الروض الآنف 3/ 53، وانظر: الطبراني- الكبير 11/ 406 (حديث 12154) ، وأورد ابن هشام في السيرة 2/ 327 أن الآية (27) من سورة الفرقان قد نزلت في عقبة بن أبي معيط هذا، وأخرج ذلك الطبري في تفسيره (19/ 6) عن طريق عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-، وانظر: ابن كثير- التفسير 6/ 116 وقال: «وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو في غيره، فإنها عامة في كل ظالم» . (6) الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 86، ونقل عن الطبراني في الكبير والصغير، وقال إسناده حسن. وانظر: ابن هشام- السيرة 2/ 349- 50. (7) السهيلي- الروض الآنف 3/ 125، ابن الأثير- عيون الأثر 1/ 387. (8) ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 304 بإسناد صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 على القتلى أو بكائهم والنياحة عليهم، في محاولة لإظهار التجلد حتى لا يشمت بهم المسلمون، كما تصرفت بعصبية ونزق، فقد تآمر صفوان بن أمية على حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بإرساله عمير بن وهب الجمحي بعد أن تحمل عنه ديونه وإعالة أهله، غير أن عالم الغيب أعلم نبيه ومصطفاه صلّى الله عليه وسلّم بالأمر مما أفشل الخطة، بل وأدى ذلك إلى إسلام عمير بن وهب وعودته إلى مكة داعية للإسلام «1» ، كما منعت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اللحاق بأبيها في المدينة، وحاول بعض فرسان قريش الاعتداء عليها فأرعبوها برماحهم وأكرهوها على العودة إلى مكة «2» . كما أقدموا على أسر أحد المعتمرين خلافا لما كان عليه العرف في احترام الحجاج والمعتمرين وعدم الاعتداء عليهم. وهم وإن كانوا قد نجحوا في مقايضته بعمرو بن أبي سفيان «3» فإن ذلك قد كشف للقبائل العربية الأخرى مدى طغيانهم وعدوانهم وحقارتهم. وأخيرا فقد اشترت قريش اثنين من أسرى الرجيع وهما خبيب وابن الدّثنّة وأقدمت على قتلهما للتشفي من المسلمين «4» . وأورد ابن هشام رواية عن ابن إسحاق قال: «فلما انقضى أمر بدر، أنزل الله عزّ وجلّ فيه من القرآن سورة الأنفال بأسرها» . ومن العدد الكبير من القصائد التي قيلت في بدر والتي عبّرت عن وجهات نظر الطرفين، نذكر قول حسّان ابن ثابت- رضي الله عنه-: لقد علمت قريش يوم بدر ... غداة الأسر والقتل الشديد بأنّا حين تشتجر العوالي ... حماة الحرب يوم أبي الوليد قتلنا ابني ربيعة يوم سارا ... إلينا في مضاعفة الحديد وفرّ بها حكيم يوم جالت ... بنو النجار تخطر كالأسود وولت عند ذاك جموع فهر ... وأسلمها الحويرث من بعيد لقد لاقيتم ذلّا وقتلا ... جهيزا نافذا تحت الوريد   (1) ابن حجر- الإصابة 3/ 26. (2) ابن هشام- السيرة 2/ 654- 655. (3) المرجع السابق 2/ 357- 358. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 308) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وكل القوم قد ولّوا جميعا ... ولم يلووا على الحسب التليد وقال حسّان أيضا: ألا ليت شعري هل أتى أهل مكة ... إبارتنا الكفار في ساعة العسر قتلنا سراة القوم عند مجالنا ... فلم يرجعوا إلا بقاصمة الظهر قتلنا أبا جهل وعتبة قبله ... وشيبة يكبو لليدين وللنحر قتلنا سويدا ثم عتبة بعده ... وطعمة أيضا عند ثائرة القتر فكم قد قتلنا من كريم مرزّء ... له حسب في قومه نابه الذكر تركناهم للعاويات ينبنهم ... ويصلون نارا بعد حامية القعر لعمرك ما حامت فوارس مالك ... وأشياعهم يوم التقينا على بدر النشاط العسكري الإسلامي بين بدر وأحد: ارتفعت معنويات المسلمين كثيرا بعد انتصارهم الكبير في معركة بدر الكبرى، وقد حرص المسلمون على تأديب المعاندين من المشركين في نطاق المدينة وما حولها، فقد أقدم عمير بن عدي الخطمي- رضي الله عنه- على قتل عصماء بنت مروان التي كانت تحرض على النبي صلّى الله عليه وسلّم وتعيب الإسلام «1» ، وحين سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك عما إذا كان عليه شيء؟ قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نصرت الله ورسوله يا عمير» «2» ، ثم قال: «لا ينتطح فيها عنزان» «3» . وقد أسلم نتيجة ذلك عدد من بني خطمة وجهر بالإسلام منهم من كان يستخفي «4» . وقد غزا النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد سبع ليال من عودته إلى المدينة من غزوة بدر، وبلغ ماء الكدر في ديار بني سليم   (1) ابن هشام- 4/ 377- 79، الواقدي- المغازي 1/ 172، ابن سعد- الطبقات 2/ 27. (2) ابن هشام- السيرة 4/ 379 بإسناد ضعيف، وانظر: أبو داود- السنن 4/ 528- 29. (3) أبو داود- السنن- كتاب الحدود، باب الحكم فيمن سبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، 4/ 528- 529 بإسناده متصل ورجاله ثقات، انظر: ابن حجر- بلوغ المرام 2/ 241. (4) ابن هشام- السيرة 4/ 379، ابن سعد- الطبقات 2/ 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الذين قصدهم بغزوته هذه، غير أنه لم يلق حربا فأقام ثلاث ليال على الماء ثم رجع إلى المدينة «1» . وحين قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحارث بن سويد بن صامت، نجم نفاق الشاعر أبي عفك من بني عمرو بن عوف وقال شعرا هجا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال عليه السلام: «من لي بهذا الخبيث؟» ، فخرج إليه الصحابي سالم بن عمير فقتله «2» . غزوة بني قينقاع: أورد الزهري أنها حصلت في السنة الثانية من الهجرة، وذكر الواقدي وابن سعد أنها وقعت يوم السبت للنصف من شوال من السنة الثانية «3» ، واتفق معظم من كتب في مغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسيرته على أنها وقعت بعد معركة بدر، إذ لم يلتزم اليهود بالمعاهدة التي أبرمها الرسول صلّى الله عليه وسلّم معهم، ولم يوفوا بالتزاماتهم التي حددتها، ووقفوا من الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين مواقف عدائية، فأظهروا الغضب والحسد عند ما انتصر المسلمون في بدر، وجاهروا بعداوتهم للمسلمين «4» . وقد جمعهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في سوقهم بالمدينة ونصحهم، ودعاهم إلى الإسلام، وحذّرهم أن يصيبهم ما أصاب قريشا في بدر «5» ، غير أنهم واجهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتحدي والتهديد رغم ما يفترض أن يلتزموا به من الطاعة والمتابعة لبنود المعاهدة التي جعلتهم تحت رئاسته، فقد جابهوه بقولهم: «يا محمد! لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال. إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا» «6» . وهكذا بدأت الأزمة تتفاعل إذ لم يكن في جوابهم ما يشير إلى الالتزام والاحترام، بل على العكس فإنهم قد أظهروا روحا عدائية، وتحديّا واستعلاء واستعدادا للقتال، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم قوله: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ* قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ «7» . واستمر اليهود من بني قينقاع يظهرون الروح العدائية ضد المسلمين، فقد أقدم أحدهم على الاعتداء على كرامة إحدى النساء المسلمات، فقد عقد طرف ثوبها وهي جالسة دون أن تعلم، فلما قامت انكشفت فاستصرخت المسلمين فأغاثها أحدهم وقتل اليهودي، غير أن اليهود تواثبوا على ذلك المسلم وقتلوه، واستصرخ أهل المسلم إخوانهم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع «8» .   (1) ابن هشام- السيرة النبوية 3/ 64. (2) المصدر السابق 4/ 376- 377، ابن حجر- الإصابة 4/ 238، الواقدي- مغازي 1/ 174 وفيه أنه حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ابن سعد- الطبقات. (3) الطبري- تاريخ 2/ 479- 480، الواقدي- المغازي 1/ 176، ابن سعد- الطبقات 2/ 28- 29. (4) ابن حجر- فتح الباري 7/ 332، أبو داود- السنن 3/ 422- 3 (حديث 3001) ، ابن هشام 3/ 71- 72. (5) ابن هشام- السيرة 2/ 294، أبو داود- السنن 3/ 402- 3، وانظر: ابن حجر- فتح الباري 7/ 332. (6) وردت عن طريق ابن إسحاق، انظر: ابن هشام- السيرة 2/ 294- 3 وهي وإن كان ابن حجر قد حسنها في الفتح 7/ 332 فإن في سندها مجهول (التقريب 2/ 205) . (7) القرآن الكريم- آل عمران، الآيات/ 12- 13. (8) ابن هشام- السيرة 3/ 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وهكذا فإن سبب الأزمة كان يكمن في رفضهم التعايش مع المسلمين، وتحديهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتهديدهم أمن المدينة واعتدائهم المباشر على أفراد المجتمع الإسلامي، ورفضهم الانصياع لبنود المعاهدة التي أبرمها الرسول صلّى الله عليه وسلّم معهم. وقد خشي الرسول صلّى الله عليه وسلّم خيانتهم فنبذ إليهم على سواء تنفيذا لأمر الله تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ «1» . أما تفاصيل حصارهم وإجلائهم فإنها ثابتة في المصادر بروايات صحيحة «2» ، ذلك أنهم أظهروا صريح البغضاء والعداء، فعقد النبي صلّى الله عليه وسلّم لواء أبيض لحمزة بن عبد المطلب، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، وخرج بقواته وحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة، وحين اشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم: على أن له أموالهم، وأن لهم النساء والذرّية. فأمر بهم فكتّفوا، ثم كلمه فيهم حليفهم عبد الله بن أبي بن سلول، وألحّ عليه قائلا: «أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود وتحصدهم في غداة واحدة» . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هم لك» وأمر بهم أن يجلوا عن المدينة، وتولى أمر إجلائهم عبادة بن الصامت، فلحقوا بأذرعات، وتولى قبض أموالهم محمد بن مسلمة الأنصاري، فخمّست وقسم الباقي بين الصحابة «3» . وأعلن عبادة بن الصامت براءته من حلفائه اليهود لمحاربتهم المسلمين، ومظاهرة لله ورسوله فقال: «يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود، وأتولى الله ورسوله» . ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى في موالاة عبد الله بن أبي بن سلول لليهود، وبراءة عبادة بن الصامت منهم قرآنا، فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ... «4» . غزوة السويق: أراد أبو سفيان القيام بعمل انتقامي ضد المسلمين، فاصطحب معه مائتي فارس، وتقدم سرّا نحو المدينة، وتخفّى عند بني النضير، وفي أوائل الحجة من السنة الثانية من الهجرة هاجم أبو سفيان بقواته ناحية العريض فقتلوا رجلين من المسلمين وأحرقوا نخلا، وفروا مسرعين عائدين إلى مكة، وقد تخففوا من حمولتهم من الطعام في سبيل التعجيل بالفرار، وضمانا لعدم لحاق المسلمين بهم وطلبا للنجاة. وقد نفر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالمسلمين في أثرهم حين بلغه الخبر حتى وصلوا قرقرة الكدر فلم يلحقوا بهم «5» ، فعادوا بأزوادهم التي رموها وغالبها من السويق   (1) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الأية 58. (2) البخاري- الصحيح 3/ 11 (حديث 4028) ، مسلم- الصحيح 3/ 1387- 8 (حديث 1766) ، ابن هشام- السيرة 3/ 70- 71، الواقدي- المغازي 1/ 176، ابن سعد- الطبقات 2/ 92. (3) الواقدي- المغازي 1/ 176- 177، ابن سعد- الطبقات 2/ 29. (4) القرآن الكريم- سورة المائدة، الآيات 51- 52، وروى الخبر ابن إسحاق بإسناد مرسل يتقوي مع المتابعات والشواهد. انظر: ابن هشام- السيرة 3/ 71- 72، الطبري- التفسير 6/ 275، السيوطي- الدر المنثور 2/ 291. (5) ابن هشام- السيرة 2/ 422- 423 بإسناد صحيح إلى عبد الله بن كعب بن مالك، الطبري- تاريخ 2/ 484، الواقدي- مغازي 1/ 181، ابن سعد- الطبقات 2/ 30، وذكر الحافظ ابن كثير في البداية 3/ 378 بأنها غزوة قرقرة الكدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 فسميت بذلك «1» . وقد وقعت هذه الغزوة في شهر محرم سنة ثلاث للهجرة «2» . غزوة قرقرة الكدر: جمعت قبيلتا غطفان وبنو سليم جموعا على ماء لبني سليم بقرقرة الكدر بهدف التحرك ضد المسلمين بسبب ما لحقهم من آثار سلبية اقتصاديّا من جرّاء جهود المسلمين في التصدي لقريش وإحكامهم الحصار الاقتصادي عليها. ويظهر أن هاتين القبيلتين كانتا تستفيدان من أنشطة الحركة التجارية المكية. وحين بلغت أنباء هذا التجمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاد بنفسه جيشا من مائتي مقاتل وداهمهم على الماء. وقد فر المقاتلون من الجانب المعادي لمجرد سماعهم أنباء قدوم الرسول صلّى الله عليه وسلّم «3» تاركين خلفهم جمالهم التي بلغ تعدادها 500 بعير، فكانت غنيمة للمسلمين، وأقام النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أيام في الموقع- كعادته في غزواته- قبل أن يعود إلى المدينة «4» . سريّة مقتل كعب بن الأشرف: فصّل الإمام البخاري في خبر سريّة قتل ابن الأشرف وفي حادثة قتله «5» ، وينتسب كعب بن الأشرف إلى بني نبهان من قبيلة طيء، كان أبوه قد أصاب دما في الجاهلية، فقدم إلى المدينة وحالف يهود بني النضير وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا «6» . وكان كعب شاعرا، ناصب الإسلام العداء، وقد غاظه انتصار المسلمين على قريش في معركة بدر، فسافر إلى مكة يهجو النبي صلّى الله عليه وسلّم ويحرّض قريشا على الثأر لقتلاهم الذين كان ينوح عليهم ويبكيهم في شعره، ويدعو إلى القضاء على الرسول والمسلمين «7» . ولم يكتف كعب بذلك، بل إنه فضّل عقائد الجاهلية على الإسلام حين سأله أبو سفيان، وأكد أنها أحب إلى الله وأقرب إلى الحق، فأنزل الله بشأنه قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا «8» . وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه عاد بصلافة إلى المدينة، وبادر بالتشبيب بنساء المسلمين بكل وقاحة «9» ، وقد أهدر الرسول صلّى الله عليه وسلّم دمه وأمر بقتله «10» ، فأبدى محمد بن مسلمة الأنصاري استعداده لإنفاذ أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه،   (1) الواقدي- مغازي 1/ 181، ابن سعد- الطبقات 2/ 31. (2) الطبري- تاريخ 2/ 484. (3) ابن هشام- السيرة 2/ 421 وهذه الغزوة هي ليست ما ذكره ابن إسحاق حين خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد سبع ليالي من عودته من بدر إلى بني سليم ولم يلق حربا (3/ 64) ، وانظر: الواقدي- مغازي 1/ 181 وقد أشار الواقدي إلى وجود غلام اسمه يسار مع الجمال جعله المسلمون في سهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الغنيمة فأعتقه النبي صلّى الله عليه وسلّم. (4) ابن سعد- الطبقات 2/ 31. (5) البخاري- الصحيح 5/ 25- 26. (6) ابن هشام- السيرة 3/ 74- 75 بإسناد مرسل، الطبري- تاريخ 2/ 488. (7) أبو داود- السنن 3/ 402، البيهقي- دلائل النبوّة 3/ 197. (8) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 51. (9) ابن هشام- السيرة 2/ 564- 65. (10) ورد ذلك في الصحيحين: البخاري- الفتح (حديث 4037) ، مسلم 3/ 1425 (حديث 1801) ، أبو داود- السنن 3/ 211- 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وأعانه أبو نائلة الأنصاري أخو كعب من الرضاعة، وأعانهما ثلاثة آخرون من الصحابة «1» ، وتم وضع خطة محكمة لتنفيذ العملية واستدرجوا كعبا خارج حصنه ليلا حيث أجهزوا عليه «2» . وقد اشتكى اليهود عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك، فبيّن لهم- عليه السلام- ما بدر من كعب بن الأشرف من عداء وتحريض وهجاء، وفزع اليهود وبقية المشركين مما حدث وخافوا على أنفسهم أن يصيبهم ما أصاب كعبا فدعاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى كتابة معاهدة بينهم فكتبت صحيفة عامة بين الطرفين، جاءت تأكيدا لما في المعاهدة التي كتبها النبي صلّى الله عليه وسلّم بين المسلمين واليهود في المدينة بعد الهجرة والتي عرفت بالصحيفة «3» . وقد ذهب الجمهور إلى أن قتل ابن الأشرف وقع في السنة الثالثة للهجرة في ليلة النصف من شهر ربيع الأول «4» . غزوة ذي أمر: في صفر سنة 3 هـ غزا النبي صلّى الله عليه وسلّم قبيلة غطفان التي تجمعت في ذي أمر من أرض نجد بهدف محاربة المسلمين، غير أنهم سرعان ما تهاربوا حين علموا بتوجه الرسول صلّى الله عليه وسلّم ناحيتهم «5» . وكان عدد جيش المسلمين أربعمائة وخمسين رجلا، ولم يقع قتال، وأقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بقواته على ماء ذي أمر طيلة شهر صفر ثم قفل عائدا إلى المدينة «6» . غزوة بحران: غزا النبي صلّى الله عليه وسلّم بحران من ناحية الفرع بقوة بلغ تعدادها (300) مقاتل مستهدفا بني سليم الذين كانوا يؤمّنون الطريق التجارية لقريش بين مكة المكرمة وبلاد الشام، وذلك في جمادى الأولى سنة 3 هـ «7» . ويبدو أنه لم يلق كيدا، ولم يقع قتال «8» . وعاد عليه السلام بقواته بعد عشرة أيام «9» .   (1) أبو داود- السنن 3/ 211- 212 كتاب الجهاد، البيهقي- دلائل النبوة 3/ 187- 200، ابن سعد- الطبقات 2/ 32- 34، الواقدي 1/ 184- 193، ابن هشام- السيرة 3/ 81- 84. (2) البخاري- الصحيح 5/ 25- 26، ابن هشام- السيرة 3/ 81- 84 مع بعض الإختلاف غير أن المضمون واحد. (3) أبو داود- السنن 3/ 402، البيهقي- دلائل 2/ 462. (4) ابن هشام 3/ 66، الواقدي- مغازي 1/ 181، وانظر: الطبري- تاريخ 2/ 484. (5) ابن هشام- السيرة 2/ 425، وقد ذكر الواقدي في مغازيه 1/ 194، وتلميذه ابن سعد في طبقاته 2/ 34 بأن المجتمعين على ماء ذي أمرهم من بني ثعلبة بن محارب من غطفان. وخالف ابن إسحاق في تاريخها فجعله الخميس 12 ربيع الأول سنة 3 هـ. (6) انفرد الواقدي في مغازيه، وتابعه تلميذه ابن سعد بإيراد قصة محاولة دعثور المحاربي الفتك برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأورد القصة ضمن هذه الغزوة خلاف ما ورد في الصحيحين عن وقوعها في غزوة ذي الرقاع (المغازي 1/ 93) . (7) ابن هشام- السيرة 2/ 425، الواقدي- المغازي 1/ 196، ابن سعد- الطبقات 2/ 35. (8) ابن هشام- السيرة 2/ 425. (9) ابن كثير- البداية 4/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 سريّة القردة: أرادت قريش حماية تجارتها من الأخطار التي تتعرض لها عند سلوكها أحد الطريقين- الساحلي والداخلي- بين مكة وبلاد الشام، وخصوصا بعد أن ازدادت العمليات العسكرية الإسلامية شدة وتأثيرا بعد معركة بدر الكبرى وما يتعرض له حلفاء قريش من غزوات مما جعل الطريق تحت رحمة المسلمين «1» . ولهذا فقد فكر تجار قريش في إرسال تجارتهم عبر الطريق المتجهة إلى نجد فالعراق من أجل التخلص من الحصار الاقتصادي الإسلامي، فخرج أبو سفيان على رأس قافلة شارك في تمويلها عدد كبير من تجار قريش، وهي تحمل كميات كبيرة من الفضة إضافة إلى البضائع الأخرى، وقد استأجروا دليلا من بني بكر بن وائل «2» . وحين علم النبي صلّى الله عليه وسلّم بخبر القافلة، أرسل زيد بن حارثة على رأس مائة من المسلمين في أثرهم، فلحقوا بهم على ماء بنجد يسمى القردة، فأصاب القافلة وحمولتها الثمينة، بعد أن فر الرجال. وقد تم ذلك بعد مرور ستة شهور من غزوة بدر الكبرى «3» . وقد بلغت قيمة الغنائم مائة ألف درهم، مما عرض تجارة قريش لضربة عنيفة «4» ، كما أن نجاح المسلمين في عرقلة طريق العراق أمام تجارة قريش أدى إلى إحكام الحصار التجاري عليها مما دعاها إلى التفكير الجاد في ضرورة القيام بعمل عسكري ضد المسلمين دفعا للأخطار التي تتعرض لها تجارتها، وتأمينا لطرقها، ومحاولة استعادة مكانتها وسمعتها التي تردت في أعقاب هزيمتها في معركة بدر الكبرى. غزوة أحد: تعود أسباب هذه المعركة إلى جملة من الأسباب المتداخلة، أبرزها رغبة قريش في الانتقام من المسلمين لقتلاها يوم بدر حيث كانت قد فقدت صناديد رجالها ولحق بها عار الهزيمة المنكرة إضافة إلى ما فقدته من أموالها التي غنمت، ومكانتها التي تهاوت وسمعتها التي مرغت في الوحل «5» . يضاف إلى ذلك ما كان يشعر به زعماء قريش من أخطار تهددهم وتجارتهم التي كادت أن تتوقف مع بلاد الشام بعد أن تحكم المسلمون في كافة طرق التجارة الداخلية والساحلية، وخاصة بعد أن فقدوا أملهم الأخير في سلوك طريق العراق، وما جرى في سريّة القردة حين غنم المسلمون تجارتهم وعيرهم وقطعوا عليهم آخر طريق كانوا يؤملونه لاستمرار سير تجارتهم «6» . هذا إلى جانب تعنت قريش وإصرارها على دين الآباء والأجداد ومقاومتها التوحيد، وحقدها التاريخي على الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين الذين أفلتوا من قبضتها، فأصبحوا لها ندّا يناصبونها العداء ويقطعون عليها سبل حياتها. كانت استعدادات قريش لحرب المسلمين قد بدأت مبكرة في أعقاب هزيمتها في بدر، فقد رصدوا أموال   (1) ابن هشام- السيرة 2/ 429- 430. (2) المرجع السابق 2/ 430، ابن كثير- البداية 4/ 4، وذكر الواقدي في مغازيه أن قائد القافلة لقريش كان صفوان بن أمية. انظر: البداية والنهاية لإبن كثير 4/ 5. (3) الواقدي- المغازي 1/ 197، ابن سعد- الطبقات 2/ 36. (4) ابن سعد- الطبقات 2/ 36 بدون إسناد. (5) ابن إسحاق- السيرة ص/ 322، ابن هشام- السيرة 3/ 86، الواقدي 1/ 199، ابن سعد- الطبقات 2/ 37. (6) انظر مصادر سرية القردة فيما سبق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 تجارتهم التي تمكن أبو سفيان من الإفلات بها قبيل معركة بدر مع أرباحها لتجهيز جيش الثأر «1» ، وجمعت ثلاثة آلاف مقاتل من أبنائها وحلفائها من كنانة وأهل تهامة «2» ، بينهم مائتا فارس وسبعمائة دارع «3» ، وجعلت على قيادة الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل «4» ، وصاحب الجيش عدد من نساء قريش لغرض إثارة الحماس ومنع المقاتلين من التفكير بالفرار خشية العار «5» . بلغت أنباء تقدم قوات قريش إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم «6» ، فشاور أصحابه في الموضع الذي يرونه لمواجهة جيش المشركين «7» ، وحيث إن المدينة كانت قد شبكت بالبنيان فهي كالحصن «8» . فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يرى البقاء والتحصّن فيها، وقال: «إنّا في جنّة حصينة» «9» ، وقد أبدى بعض أصحابه من الأنصار كراهة القتال في طرق المدينة وقالوا: «وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه، فابرز إلى القوم» «10» . انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلبس لامته. وتلاوم القوم وقالوا: «عرض نبي الله صلّى الله عليه وسلّم بأمر وعرّضتم بغيره، فاذهب يا حمزة فقل لنبي الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرنا لأمرك تبع» . فأتى حمزة فقال له: «يا رسول الله إن القوم قد تلاوموا فقالوا: أمرنا لأمرك تبع» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليس لنبيّ إذا لبس لامته أن يضعها حتّى يناجز» «11» . لبس النبي صلّى الله عليه وسلّم درعين، رغم علمه بأن الله تعالى يعصمه من القتل تعويدا للأمة على الأخذ بالأسباب المادية ثم التوكل على الله «12» . وعقد صلّى الله عليه وسلّم راية سوداء وثلاثة ألوية أحدها للمهاجرين والثاني للأوس من الأنصار والثالث للخزرج منهم «13» . وانتظمت قوات المسلمين التي قدرت بألف مقاتل بما فيهم المنافقون المتظاهرون بالإسلام ومعهم فرسان فقط ومائة دارع تحت قيادة النبي صلّى الله عليه وسلّم وتحركت تاركة المدينة من الجانب الغربي من الحرة   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 1، الواقدي- المغازي 1/ 200، ابن إسحاق- السيرة ص/ 322. (2) ابن هشام- السيرة 3/ 84، الواقدي- مغازي 1/ 101. (3) ابن هشام- السيرة 3/ 87، الطبري- تاريخ 3/ 502 من رواية الواقدي. (4) ابن هشام- السيرة 3/ 8- 12، الطبري- تاريخ 3/ 504. (5) ابن هشام- السيرة 3/ 87 برواية ابن إسحاق دون إسناد، الطبري- تاريخ 3/ 504، الواقدي- مغازي 1/ 201، ابن سعد- الطبقات 2/ 37. (6) عن رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم وتفسيرها انظر: البخاري- الصحيح [فتح الباري (حديث 3622) ] ، مسلم- الصحيح 4/ 1779- 1780 (حديث 2272) ، أحمد- الفتح الرباني 21/ 50، ابن سعد- الطبقات 2/ 245. (7) الطبري- التفسير 7/ 272، التاريخ 3/ 11. (8) الصنعاني- المصنف 5/ 363. (9) أحمد- المسند 3/ 351، الفتح الرباني 21/ 51- 52، الطبري- تفسير 7/ 372 بإسناد حسن إلى قتادة، وقد جاء بطرق عديدة وبمجموع الطرق يصح الحديث، وانظر: البيهقي- دلائل النبوة 3/ 204، 308، الصنعاني- المصنف 5/ 364- 65، الحاكم- المستدرك 2/ 128- 129، 296- 97، ابن سعد- الطبقات 2/ 38. (10) الطبري- تفسير 7/ 372. (11) انظر الهامش (4) أعلاه. (12) الحاكم- المستدرك 3/ 25. (13) خليفة بن خياط- تاريخ ص/ 67، الواقدي- المغازي 1/ 33، ابن عبد البر- الاستيعاب 3/ 540، وحمل مصعب بن عمير لواء المهاجرين، وأسيد بن حضير لواء الأوس، والحباب بن المنذر لواء الخزرج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الشرقية «1» . وقد انسحب من جيش المسلمين المنافق عبد الله بن أبيّ بن سلول وثلاثمائة من أتباعه المنافقين، بدعوى أنه لن يقع قتال مع المشركين، ومعترضا على قرار الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالخروج من المدينة لملاقاة المشركين بقوله «أطاع الولدان ومن لا رأي له، أطاعهم وعصاني، علام نقتل أنفسنا» «2» . وقد انقسم الصحابة في مسألة قتال هؤلاء المنافقين «3» ، فأنزل الله تعالى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا «4» . وقد حاول الصحابي عبد الله بن عمرو بن حرام تدارك الأمر فلحق بالمنافقين المنسحبين، وحاول إقناعهم بضرورة نصرة نبيهم وقومهم، غير أنهم أصروا على موقفهم، وقالوا له: «لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم» ، وبعد أن يئس عبد الله منهم سأل الله أن يبعدهم، وأن يغني الله نبيه عنهم «5» ، وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ* وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ «6» . وكاد بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وهما طائفتان من المسلمين، أن يتخاذلا وينسحبا مع المنافقين، وفكروا جديّا في التراجع إلى المدينة، لولا أن الله تعالى أنقذهم وثبّت قلوبهم مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومع إخوانهم المؤمنين «7» ، وفيهم قال تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «8» . عسكر الجيش الإسلامي في منطقة الشيخين حيث استعرض الرسول صلّى الله عليه وسلّم المتطوعين من صغار السن فرد منهم أربعة عشر صبيّا «9» ، ثم تقدم الجيش بعد ذلك إلى ميدان أحد حيث اتخذ مواقعه وفق الخطة المحكمة التي وضعها الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد نظّم صلّى الله عليه وسلّم صفوف جيشه بحيث أنه حمى ظهر المسلمين بالجبل وهم يستقبلون عدوهم «10» ، وجعل خمسين من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير فوق تل عينين المقابل لجبل أحد بقصد منع المشركين من تطويق   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 8- 12. (2) البخاري- الصحيح (حديث 4050) ، ابن هشام- السيرة 2/ 92، الواقدي- مغازي 1/ 219، ابن سعد- الطبقات 2/ 39، البيهقي- دلائل 3/ 208. (3) البخاري- الصحيح (فتح حديث 4050) ، الطبري- تفسير 9/ 7- 9. (4) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 88. (5) ابن هشام- السيرة 3/ 9. (6) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآيات/ 166- 167. (7) البخاري- الصحيح (حديث 4051) ، مسلم- الصحيح 4/ 1948 (حديث 2505) ، ابن هشام- السيرة 3/ 154، الطبري- تفسير 7/ 166، البيهقي- دلائل النبوة 3/ 220- 22. (8) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 122. (9) البخاري- فتح الباري 5/ 276، مسلم الصحيح 2/ 142. (10) البخاري- الصحيح (حديث 3039) ، أحمد- المسند 4/ 209. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 المسلمين، وأمر الرماة بالثبات في مواقعهم مهما حصل، وقال لهم: «إن رأيتمونا تخطّفنا الطّير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتّى أرسل لكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا مكانكم» «1» . وهكذا فقد سيطر المسلمون على المرتفعات تاركين الوادي لجيش المشركين الذي تقدم ليواجه المسلمين «2» . وقاتل المسلمون عند لقاء العدو، تحت شعار: أمت، أمت، واستماتوا في قتال بطولي ملحمي سجل فيه صناديد الإسلام صورا رائعة في البطولة والبسالة «3» ، وسجل التاريخ روائع بطولات حمزة بن عبد المطلب، ومصعب ابن عمير وأبي دجانة، وأبي طلحة الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وأمثالهم كثير «4» ، وحقق المسلمون الانتصار في الجولة الأولى من المعركة «5» . وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ... «6» . الآية. ولما رأى الرماة الهزيمة التي حلت بقريش وأحلافها تنادوا: «الغنيمة الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون» فقال لهم أميرهم عبد الله بن جبير: «أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟» قالوا: «والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة» ، وهرعوا إلى جمع الغنائم تاركين مواضعهم الحصينة الخطيرة، عاصين أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، باستثناء أميرهم عبد الله بن جبير «7» . وكانت فرصة مواتية للمشركين الذين التف خيّالتهم حول المسلمين، واستفاد من ذلك مقاتلة المشركين فعادوا إلى ميدان القتال ثانية، حيث استطاعوا أن يشكّلوا طوقا حول قوات المسلمين «8» . وفقد المسلمون مواقعهم الأولى، وبدأو يقاتلون دون تخطيط ولم يعودوا يميّز بعضهم بعضا «9» . ولم ينفع بأس المسلمين وحرارة قتالهم ما داموا لا يقاتلون وفق خطة تستهدف أمرا واضحا، وتساقطوا في ميدان المعركة شهداء أبرارا، بعد أن انقطع اتصالهم بالرسول القائد صلّى الله عليه وسلّم، وشاع في ميدان المعركة أنه قد استشهد «10» . وفر   (1) البخاري- الصحيح [فتح الباري 6/ 162 (حديث 3039) ] ، أحمد- المسند 4/ 209، الحاكم- المستدرك 2/ 296، الواقدي- المغازي 1/ 219- 220، ابن سعد- الطبقات 2/ 39- 40. (2) البخاري- الصحيح [فتح 6/ 162 (حديث 3039) ] . (3) مسلم- الصحيح 4/ 1917 (حديث 2470) ، أحمد- المسند 3/ 123، 4/ 46، الحاكم- المستدرك 2/ 107- 108، 3/ 230، الدارمي- السنن 2/ 219. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 367) ، مسلم- الصحيح 2/ 284، أحمد- الفتح الرباني 21/ 6059، الواقدي- المغازي 1/ 301، خليفة بن خياط- التاريخ ص/ 67. (5) البخاري- الصحيح [فتح الباري 6/ 162، 375 (حديث 3043) ] ، الطبري- تفسير 7/ 281- 288، ابن كثير- التفسير 2/ 114- 115 من رواية الإمام أحمد (انظر: المسند 1/ 287- 8) ، الحاكم- المستدرك 2/ 296. (6) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 152. (7) ابن كثير- البداية والنهاية، وانظر: الطبري- التفسير 7/ 281- 282. (8) ابن هشام- السيرة 2/ 112. (9) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4065) ، الحاكم- المستدرك 3/ 202، أحمد- المسند 4/ 209- 211، ابن هشام 3/ 127. (10) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 361) ، ابن هشام- السيرة 3/ 112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 جمع من المسلمين من ميدان المعركة، وجلس بعضهم إلى جانب ميدان المعركة دون قتال «1» ، وآثر آخرون الشهادة بعد أن تصوروا أنهم قد فقدوا نبيّهم! ومن هؤلاء أنس بن النضر الذي كان يأسف لعدم شهوده بدرا والذي قال في ذلك: «والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليرين الله كيف أصنع» ، فلما رأى بعض المسلمين جلوسا تائهين محتارين في أحد صاح: «واها، لريح الجنة أجد دون أحد» وقاتل بشجاعة نادرة حتى استشهد. وقد وجد في جسده بضع وثمانون أثرا بين ضربة سيف وطعنة رمح ورمية نبل «2» ، ونزل فيه وفي أمثاله قول الله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا «3» . أما أولئك النفر الذين فرّوا لا يلوون على شيء رغم دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم بالصمود والثبات فقد نزل فيهم قوله تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «4» . ولقد حكى القرآن الكريم خبر فرار هذه المجموعة من الصحابة الذين ترخصوا في الفرار بعد سماعهم نبأ مقتل النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي شاع في ساحة المعركة، وكان أول من علم بنجاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأنه حي هو الصحابي كعب بن مالك الذي رفع صوته بالبشرى فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بالسكوت حتى لا يفطن المشركون إلى ذلك «5» . وقد نص القرآن الكريم على أن الله تعالى قد عفا عن تلك الفئة التي فرت، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ «6» . ويبدو أن بعض مقاتلة المشركين قد انتبهوا إلى وجود الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع تسعة من أصحابه، سبعة منهم من الأنصار فهاجموهم، واستبسل الأنصار واستشهدوا واحدا بعد الآخر «7» ، ثم قاتل عنه طلحة بن عبيد الله حتى أثخن وأصيب بسهم شلّت يمينه «8» ، وقاتل سعد بن أبي وقاص بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان يناوله النبال ويقول له: «إرم يا سعد، فداك أبي وأمّي» «9» ، كما قاتل بين يديه أبو طلحة الأنصاري الذي كان من أمهر الرماة، وهو الذي قال عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لصوت أبي طلحة في الجيش أشدّ على المشركين من فئة» «10» .   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 33، الطبري- التفسير 7/ 256. (2) ابن المبارك- كتاب الجهاد ص/ 63، البخاري- الصحيح (فتح الباري 6/ 21، 7/ 274، 8/ 517) . (3) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 23. (4) القرآن الكريم- سورة آل عمران الآية 153، وانظر: تفسيرها عند الطبري- تفسير 7/ 301- 302. (5) الحاكم- المستدرك 3/ 201، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 112. (6) القرآن الكريم- آل عمران، الآية/ 155، وانظر: ابن الجوزي- زاد المسير 1/ 483. (7) مسلم- الصحيح 3/ 1415 (حديث 1789) . (8) البخاري- الصحيح [فتح الباري 7/ 359 (حديث 3724) ] . (9) المرجع السابق 7/ 358 (حديث 3724) . (10) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 361) ، أحمد- المسند (الفتح الرباني 22/ 589 بإسناد رجاله ثقات، الواقدي- مغازي 1/ 243 باختلاف في نص الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وعلى الرغم من استبسال الصحابة في الدفاع عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقد أصيب إصابات عديدة فقد كسرت رباعيته، وشجّ في وجهه، فأخذ يمسح الدم عن وجهه الكريم وهو يقول: «كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم وهو يدعوهم إلى الإسلام؟» «1» . فأنزل الله تعالى في ذلك: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «2» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما طمع في إسلامهم: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» «3» . وبرزت مواقف بطولية شامخة لها دلالاتها الإيمانية تمثّلت في استشهاد عدد من المهاجرين والأنصار، وكان حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلّى الله عليه وسلّم من الذين استشهدوا في ذلك اليوم، قتله وحشيّ غلام جبير بن مطعم «4» . كما استشهد أيضا عبد الله بن جحش، وعمرو بن الجموح وحنظلة بن أبي عامر، وثابت بن وقش «5» . وساهمت النساء المسلمات في جيش المسلمين، يسقين العطشى ويداوين الجرحى، ويحاربن عند الضرورة «6» . وقد استمر القتال بين الطرفين حتى أجهدا، وانسحب النبي صلّى الله عليه وسلّم بمن معه ومن لحق به من أصحابه إلى أحد شعاب جبل أحد «7» ، وكان المسلمون في حالة من الألم والخوف والغم لما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أصابهم رغم نجاحهم في رد المشركين «8» . فأنزل الله عليهم النعاس فناموا يسيرا ثم أفاقوا آمنين مطمئنين «9» ، قال تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ «10» . وقد أجمع المفسرون على أن الطائفة التي قد أهمتهم أنفسهم هم المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول وبعض من بقي منهم مع الجيش الإسلامي «11» .   (1) مسلم- الصحيح 2/ 149، البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 365) معلقا، ابن هشام- سيرة 3/ 29. (2) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 128. (3) مسلم- الصحيح 3/ 1417 (حديث 1791) . (4) ابن هشام، السيرة 3/ 129. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 354) ، مسلم- الصحيح 2/ 154، الحاكم- المستدرك 3/ 199، ابن المبارك- كتاب الجهاد ص/ 69، ابن هشام- السيرة 3/ 44، وانظر: أحمد- المسند 5/ 299، الهيثمي- مجمع الزوائد 9/ 315، أبو داود- السنن 2/ 19. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 6/ 78، 7/ 366) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 189) وممن شاركن أم عمارة، وحمنة بنت جحش، وأم سليط، وأم سليم، وأم المؤمنين عائشة. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 358، مسلم- الصحيح 2/ 321. (8) لم يصح قتال الملائكة في أحد ذلك أن الله تعالى قد علّق وعده بأن يمدّهم بالملائكة لنصرهم إذا ما تحققت ثلاثة أمور وردت في قوله تعالى: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (آل عمران- الآية/ 125) وحيث إن هذه الأمور لم تتحقق فإن الإمداد لم يحصل، وانظر: الطبري- التفسير 7/ 137- 190. (9) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 365) . (10) آل عمران، الآية/ 154. (11) الطبري- التفسير 7/ 323، ابن كثير- التفسير 1/ 418. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 أما قريش فإنها يئست من تحقيق نصر حاسم، وأجهد رجالها من طول المعركة، ومن صمود المسلمين وجلدهم، وخاصة بعد أن اطمأنوا وأنزل الله عليهم الأمنة والصمود فالتفوا حول النبي صلّى الله عليه وسلّم ولذلك فقد كفّوا عن مطاردة المسلمين وعن محاولة اختراق قوتهم «1» . ولم يملك أبو سفيان إلّا أن يأمر بالانسحاب باتجاه مكة بعد أن توعد المسلمين بحرب أخرى في السنة القادمة فوافق النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك «2» . وقد ثبت أن أبا سفيان خاطب المسلمين من بعد فقال: أفي القوم محمد؟» ، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجيبوه» ، فقال: «أفي القوم ابن أبي قحافة؟» ، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجيبوه» ، فقال: «أفي القوم ابن الخطّاب؟» ، ثم قال: «إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا» . فلم يملك عمر نفسه فقال: «كذبت يا عدو الله أبقى الله عليك ما يخزيك» . قال أبو سفيان: «أعل هبل» . فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» . قالوا: «ما نقول؟» . قال: «قولوا: الله أعلى وأجلّ» . قال أبو سفيان: «لنا العزّى ولا عزّى لكم» . فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» . قالوا: «ما نقول؟» . قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» . قال أبو سفيان: «يوم بيوم والحرب سجال. وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني» . قال عمر: «لا سواء قتلانا إلى الجنة وقتلاكم إلى النار» «3» . والواقع فأن السكوت عن استفسارات أبي سفيان وعدم إجابتها بأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما كانت تصغيرا لشأنه واحتقارا لكفره، فلما انتشى وملأ الكبر قلبه، بادر المسلمون إلى إخباره بحقيقة الأمر وردوا عليه بكل إيمان وشجاعة. انسحبت قريش من أرض المعركة، وامتطت إبلها مكتفية بما حققت من نصر مكّنها من الانتقام، ودون أن تتطلع إلى نصر حاسم ضد المسلمين المعتصمين في شعاب أحد، بغية القضاء عليهم أو إلى غزو قاعدتهم المدينة «4» . وبعد أن غادرت قريش، أمر الرسول بدفن شهداء المسلمين وكانوا سبعين شهيدا «5» ، ولم يؤسر أحد من المسلمين، في حين بلغ عدد قتلى قريش اثنين وعشرين رجلا «6» . جمع الرسول صلّى الله عليه وسلّم بين الرجلين من الشهداء في ثوب واحد، وقدم عند الدفن أحفظهم لكتاب الله، وأمر أن يدفنوا في دمائهم فلم يغسلوا ولم يصلّ عليهم وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» . ودفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد، وأمر أن يدفنوا حيث صرعوا «7» . وقد جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بعد دفن الشهداء وجعلهم صفّا وأثنى على ربه ودعاه أن يمنحهم نعيم الدنيا وحسن ثواب الآخرة وأن يقتل الكفرة المكذبين «8» .   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 2/ 349) ، أحمد- المسند 4/ 211، 6/ 181. (2) ابن هشام- السيرة 3/ 49، الواقدي- المغازي 1/ 297. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 349) ، أحمد- المسند 4/ 211، 6/ 181 بإسناد حسن. (4) ابن هشام- السيرة النبوية 3/ 136- 137، الواقدي- المغازي 1/ 298، البيهقي- دلائل النبوة 3/ 282. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4043) ، ابن هشام- السيرة 3/ 179، الواقدي- المغازي 1/ 200. (6) ابن هشام- السيرة 3/ 182، الواقدي- المغازي 1/ 307، أما عند ابن سعد- (الطبقات 2/ 42) فإن عددهم ثلاثة وعشرون. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 3/ 209- حديث 4079) ، أبو داود- السنن 2/ 174. (8) أحمد- المسند 3/ 424، الحاكم- المستدرك 3/ 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ولقد نزلت في موضوع غزوة أحد ومعركتها ثمان وخمسون آية من سورة آل عمران تبدأ بذكر المراحل الأولى للمعركة في قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ «1» . ونزلت آيات القرآن تمسح جراحات المسلمين وآلامهم وتعطيهم جرعات كبيرة من التربية الإيمانية، وهي تسجل مشاهد متعددة من هذه الغزوة والدرس، منها قوله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «2» . ومنها: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ «3» . ومنها قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «4» . وقوله: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ «5» . وقوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ «6» . وقوله تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ «7» . وقوله: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا «8» . وقوله تعالى: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ «9» . وتقدم في النهاية تعليقا جامعا على نتائج المعركة والحكمة التي أرادها الله من جرّائها، في قوله تعالى: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ «10» . واجه المسلمون عند عودتهم إلى المدينة اليهود الشامتين، والمنافقين المرجفين، وكانوا يواجهون في أطرافها الأعراب المشركين الذين تطلعوا بشراهة إلى ثمار المدينة وخيراتها. لقد كان التحرك السريع والدقيق من أجل استعادة مواقع المسلمين ومكانتهم ضروريّا للردّ على كل الأخطار والاحتمالات السلبية. ومن هذا المنطلق كان أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه أن يخرجوا- رغم كل ما أصابهم-   (1) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 121. (2) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 139. (3) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 140. (4) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 142. (5) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 140. (6) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 143. (7) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 144. (8) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 145. (9) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 104. (10) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 لمطاردة جيش قريش إلى حمراء الأسد في غزوة اقتصرت على من شهد أحدا دون غيرهم «1» . غزوة حمراء الأسد: استجاب المسلمون الذين شاركوا في غزوة أحد فخرجوا في اليوم التالي، وهو الثامن من شوال سنة 3 هـ، مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى حمراء الأسد على ما بهم من خوف وإرهاق وقروح، وقالوا سمعا وطاعة وأذن النبي لجابر بن عبد الله بالمسير معه مع أنه لم يشهد أحدا، إذ كان أبوه قد خلّفه على بناته «2» ، وتقدم المسلمون حتى بلغوا حمراء الأسد، وكان عددهم حينذاك ستمائة وثلاثين مقاتلا «3» . وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأسلم، فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يلحق بأبي سفيان ويخذّله، فلحقه بالروحاء- ولم يعلمه بإسلامه- فخذّله إذ أخبره بخروج النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين خلفهم إلى حمراء الأسد، ونصحه وقريش بالعودة إلى مكة على عجل «4» . ولقد أثنى الله تعالى على مبادرة أصحاب النبي بالخروج معه في هذه الغزوة فقال تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ «5» . وأقدم أبو سفيان على محاولة تخذيل المسلمين عن ملاحقتهم فأرسل مع ركب من عبد القيس رسالة إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ورد فيها: «إنّا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم» وحين سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ «6» . وأنزل الله تعالى في ذلك قوله: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ* إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «7» . أقام النبي صلّى الله عليه وسلّم في حمراء الأسد ثلاثة أيام «8» ، وقد أسروا في طريق عودتهم كلا من معاوية بن المغيرة وأبا عزّة   (1) البخاري- الصحيح (الحديث 4077) ، مسلم- الصحيح (حديث 2418) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 373) . (3) خرج معبد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه ... فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال: ويحك! ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى أرى نواصي الخيل ... (ابن هشام- السيرة 3/ 101) . (4) ابن هشام- السيرة 2/ 102. (5) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 172، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 2418) ، مسلم- الصحيح 4/ 1881 (حديث 2418) . (6) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 173. (7) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 173- 175، وانظر: الطبري- تفسير 7/ 399- 415. (8) ابن هشام- السيرة 3/ 101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 الجمحي الشاعر الذي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد منّ عليه فأطلقه من أسره ببدر دون فداء واشترط عليه بألّا يحارب المسلمين. وقد حاول الاعتذار غير أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حسم الموقف فأمر الزبير بضرب عنقه «1» . لقد حققت غزوة حمراء الأسد أهدافها المرجّوة فقد أظهرت قدرة المسلمين- وهم في أحلك الظروف- على التصدي لخصومهم. كما أنها بيّنت أنهم إذا كانوا قادرين على متابعة التحرك العسكري خارج المدينة بقسم من قواتهم فإنهم لا شك أقدر على مواجهة أعدائهم داخل المدينة من اليهود والمنافقين وبقايا المشركين. وحفلت كتب السيرة بالكثير من الشعر الصحيح والمنحول في تبيان وجهتي النظر المتصارعتين في معركة أحد ومن ذلك قول شاعر النبي صلّى الله عليه وسلّم حسّان بن ثابت الأنصاري في التعريض بزعماء قريش في هذه المناسبة «2» : سقتم كنانة جهلا من سفاهتكم ... إلى الرّسول فجند الله مخزيها أوردتموها حياض الموت ضاحية ... فالنار موعدها والقتل لاقيها جمّعتموها أحابيشا بلا حسب ... أئمّة الكفر غرّتكم طواعيها ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت ... أهل القليب ومن ألقينه فيها كم من أسير فككناه بلا ثمن ... وجزّ ناصية كنّا مواليها وقال حسان في قصيدة أخري يرد فيها على ابن الزبعري: «3» أشاقك من أمّ الوليد ربوع ... بلاقع ما من أهلهنّ جميع عفاهنّ صيفيّ الريّاح وواكف ... من الدلو رجّاف السّحاب هموع فلم يبق إلّا موقد النّار حوله ... رواكد أمثال الحمام كنوع فدع ذكر دار بددت بين أهلها ... نوى لمتينات الحبال قطوع وقل إن يكن يوم بأحد يعدّه ... سفيه فإنّ الحقّ سوف يشيع فقد صابرت فيه بنو الأوس كلهم ... وكان لهم ذكر هناك رفيع   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 6133) ، ابن هشام- السيرة 3/ 152 بلاغا عن ابن المسيّب. (2) ابن هشام- السيرة 3/ 132. (3) المرجع السابق 3/ 142- 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وحامى بنو النّجار فيه وصابروا ... وما كان منهم في اللّقاء جزوع أمام رسول الله لا يخذلونه ... لهم ناصر من ربّهم وشفيع وفوا إذ كفرتم باخسين بربّكم ... ولا يستوي عبد وفي ومضيع يكفّ رسول الله حيث تنصّبت ... على القوم مما قد يثرن نقوع أولئك قوم سادة من فروعكم ... وفي كلّ قوم سادة وفروع فلا تذكروا قتلى وحمزة فيهم ... قتيل ثوى لله وهو مطيع فإن جنان الخلد منزلة له ... وأمر الذي يقضي الأمور سريع وقتلاكم في النار أفضل رزقهم ... حميم معا في جوفها وضريع وقال عمرو بن العاص من قصيدة له طويلة «1» : ينزو شرّها بالرّضف نزوا ... وتناولت شهباء تلحو الناس بالضرّاء لحوا أيقنت أنّ الموت حقّ، والحياة تكون لغوا ... حمّلت أثوابي على عتد يبذّ الخيل رهوا سلس إذا نكّبن في البيداء يعلو الطرف علوا ... وإذا تنزّل ماؤه من عطفه يزداد زهوا شنح نساه صابط للخيل إرخاء وعدوا   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 146- 147. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 ففدى لهم أمّي غداة الرّوع إذ يمشون قطوا سيرا إلى كبش الكتيبة إذ جلته الشمس جلوا قال ابن إسحاق: فأجابه كعب بن مالك «1» : أبلغ قريشا وخير القول أصدقه ... والصدق عند ذوي الألباب مقبول إن قد قتلنا بقتلانا سراتكم ... أهل اللّواء ففيما يكثر القيل ويوم بدر لقيناكم لنا مدد ... فيه مع النّصر ميكال وجبريل إن تقتلونا فدين الحقّ فطرتنا ... والقتل في الحقّ عند الله تفضيل وإن تروا أمرنا في رأيكم سفها ... فرأي من خالف الإسلام تضليل إنّا بنو الحرب نمريها وننتجها ... وعندنا لذوي الأضغان تنكيل وقال حسّان يذكر عدّة أصحاب اللواء يوم أحد: منع النّوم بالعشاء الهموم ... وخيال إذا تغور النّجوم من حبيب أضاف قلبك منه ... سقم فهو داخل مكتوم يالقومي هل يقتل المرء مثلي ... واهن البطش والعظام سئوم لو يدبّ الحوليّ من ولد الذ ... ر عليها لأندبتها الكلوم شأنها العطر والفراش ويعلو ... ها لجين ولؤلؤ منظوم لم تفتها شمس النهار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 147- 149. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 لا تسبّنّني فلست بسبّي ... إنّ سبّي من الرّجال الكريم ما أبالي أنبّ بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم ولي البأس منكم إذ رحلتم ... أسرة من بني قصي صميم تسعة تحمل اللواء وطارت ... في رعاع من القنا مخزوم وأقاموا حتّى أبيحوا جميعا ... في مقام وكلهم مذموم بدم عاتك وكان حفاظا ... أن يقيموا إن الكريم كريم وقريش تفرّ منا لواذا ... أن يقيموا وخفّ منها الحلوم لم تطق حمله العواتق منهم ... إنما يحمل اللواء النّجوم «1» وقال كعب بن مالك في يوم أحد: سائل قريشا غداة السّفح من أحد ... ماذا لقينا وما لاقوا من الهرب كنا الأسود وكانوا النّمر إذ زحفوا ... ما إن نراقب من آل ولا نسب فكم تركنا بها من سيّد بطل ... حامي الذمار كريم الجدّ والحسب فينا الرّسول شهاب ثم يتبعه ... نور مضيء له فضل على الشّهب الحق منطقه والعدل سيرته ... فمن يجبه إليه ينج من تبب نجد المقدّم، ماضي الهمّ معتزم ... حين القلوب علي رجف من الرّعب يمضي ويذمرنا من غير معصية ... كأنه البدر لم يطبع على الكذب بدا لنا فاتّبعناه نصدّقه ... وكذّبوه فكنّا أسعد العرب جالوا وجلنا فما فاءوا وما رجعوا ... ونحن نثفنهم لم نأل في الطّلب ليسا سواء وشتّى بين أمرهما ... حزب الإله وأهل الشّرك والنّصب   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 149- 150، قال ابن هشام عن هذه القصيدة بأنها أحسن ما قيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 سريّة أبي سلمة لتأديب بني أسد: بلغت النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبار الاستعدادات التي قام بها بنو أسد بن خزيمة بقيادة طليحة الأسدي من أجل غزو المدينة طمعا في خيراتها وانتصارا لشركهم، ومظاهرة لقريش في عدوانها على المسلمين. وقد سارع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى تشكيل سريّة من مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار، وأمّر عليهم أبا سلمة بن عبد الأسد، أرسلهم إلى ديار بني أسد، فباغتوهم على ماء لهم في ديارهم، غير أنّ بني أسد سرعان ما تفرقوا تاركين ماشيتهم وإبلهم غنيمة للمسلمين من هول المباغتة «1» . سريّة عبد الله بن أنيس: كان خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي قد جمّع المقاتلة من هذيل وغيرها في عرفات، وكان يتهيأ لغزو المسلمين في المدينة مظاهرة لقريش، وتقربا إليها، ودفاعا عن عقائدهم الفاسدة، وطمعا في خيرات المدينة «2» ، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصحابي عبد الله بن أنيس الجهني إليه بعد أن كلّفه بمهمة قتله، فقتله في وادي عرنة وهو يرتاد بماشيته هناك وكان عبد الله قد غادر المدينة في الخامس من محرم. على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة، وعاد إليها بعد أن أنجز مهمته يوم السبت لسبع بقين من محرم. «3» وقد هش في وجهه النبي صلّى الله عليه وسلّم حين عاد وقال له: «أفلح الوجه ... » ثم أدخله بيته، وأعطاه عصا ليتكيء عليها- آية بينه وبين الرسول صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة «4» . سريّة الرجيع: اختلفت مرويات سريّة الرجيع فيما بينها كثيرا حول السبب الذي من أجله بعث بها النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي الوقت الذي يورد البخاري بأنه إنما بعث بالسريّة عينا لتجمع المعلومات عن العدو «5» ، فإن مرويات أخرى بأسانيد صحيحة ورد فيها أنه قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رهط من قبيلتي عضل والقارة المضريتين إلى المدينة وقالوا: «إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الإسلام» «6» .   (1) الواقدي- مغازي 1/ 340، ابن سعد- الطبقات 2/ 50 دون إسناد، ابن هشام- السيرة 4/ 344، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 70 وكان تاريخ هذه السرية في أول محرم من نهاية السنة الثالثة من الهجرة. (2) ابن سعد- الطبقات 2/ 50، ابن القيم- زاد المعاد 2/ 121. (3) ابن سعد- الطبقات 2/ 50، ابن هشام- السيرة 4/ 354- 355 بإسناد منقطع وقد وصلها البيهقي في السنن- كتاب صلاة الخوف وإسنادها حسن، وفي دلائل النبوة (4/ 42- 43) ، وانظر: أحمد- المسند 3/ 496، أبو داود- السنن 2/ 41- 42 كتاب الصلاة (حديث 2249) ابن حجر- فتح الباري- غزوة الرجيع، الواقدي- المغازي 2/ 531. (4) فصّل الرواية ابن إسحاق في السيرة (ابن هشام 4/ 354- 5) وقد وردت في عدد من المصادر كسنن البيهقي وأبي داود ودلائل البيهقي، وأحمد في المسند 3/ 496 وكذلك مغازي الواقدي وطبقات ابن سعد، انظر: الهامش السابق. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4086) ، رواه أحمد- المسند (الرباني 21/ 60- 62) بمثل سياق البخاري. (6) ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة 3/ 241- 260) بإسناد موقوف على عاصم بن عمر بن قتادة، الواقدي- مغازي 1/ 354- 363، ابن سعد- طبقات 2/ 55- 56 بإسناد صحيح، وفي مغازي عروة بن الزبير (ص 175) ورد سبب إرسال السرية وهو عين ما أورده البخاري في صحيحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 والراجح أن قبيلة هذيل قد سعت للثأر من المسلمين لسفيان الهذلي فلجأت إلى الخديعة والغدر، وقد جزم الواقدي «1» بأن السبب هو أن بني لحيان وهم حي من هذيل، مشت إلى عضل والقارة وجعلت لهم جعلا ليخرجوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويطلبوا منه أن يخرج معهم من يدعوهم إلى الإسلام، ويفقههم في الدين، فيكمنوا لهم ويأسروهم ويصيبوا بهم ثمنا في مكة «2» . وهكذا بعث الرسول صلّى الله عليه وسلّم هذه السريّة التي تتألف من عشرة من الصحابة «3» . وجعل عليهم عاصم بن ثابت ابن الأقلح أميرا، حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة أغار عليهم بنو لحيان- وهم قريب من مائتي مقاتل- فألجئوهم إلى تل مرتفع بعد أن أحاطوا بهم من كل جانب، ثم أعطوهم الأمان من القتل، ولكن قائد السريّة أعلن رفضه أن ينزل في ذمة كافر، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة من أفراد السريّة بالنبال، ثم أعطى الأعراب الأمان من جديد للثلاثة الباقين، فقبلوا غير أنهم سرعان ما غدروا بهم بعد ما تمكّنوا منهم وقد قاومهم عبد الله بن طارق فقتلوه، واقتادوا الاثنين إلى مكة- وهما خبيب وزيد بن الدثنّة فباعوهما لقريش «4» وكان ذلك في صفر سنة 4 هـ «5» . فأما خبيب فقد اشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل فقتلوه بالحارث الذي كان خبيب قتله في بدر. ولما أخرجوا خبيبا من الحرم ليقتلوه صلى ركعتين قبل أن يقتل فكان أول من سن ذلك ثم دعا ربه قائلا: «اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا» ، ثم تمثّل بشعر قال فيه: ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شقّ كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع «6» وأما ثانيهما- وهو زيد بن الدثنّة فقد اشتراه صفوان بن أميّة وقتله ثأرا لأبيه أميّة بن خلف الذي كان قد قتل ببدر. وقد سأله أبو سفيان قبل قتله: «أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي» «7» .   (1) الواقدي- مغازي 1/ 354- 355. (2) يمكن التوفيق بين رواية البخاري وما ورد في كتب السيرة والمغازي بأن يكون الرسول قد قرر إرسالهم عينا للمسلمين ووافق ذلك قدوم الرهط من عضل والقارة فكلف أعضاء السرية بذلك الواجب في طريقهم لإنفاذ مهمتهم مما يوفر لهم الغطاء والحماية. وانظر: عرجون- محمد رسول الله 4/ 41. (3) في رواية البخاري- الصحيح 5/ 40- 41 (حديث 4086) ورد أنهم عشرة من الصحابة، وقال ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة 3/ 165- 167) أنهم ستة، في حين جعلهم موسى بن عقبة سبعة. (4) ابن هشام- السيرة 3/ 165- 167، الواقدي- مغازي 1/ 357. (5) ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 176. (6) البخاري- الصحيح 5/ 40- 41، أحمد- المسند 2/ 310، ابن هشام- السيرة 3/ 165- 167، وقد أورد ابن حجر زيادة في القصيدة إذ جعلها ثمانية أبيات. (7) ابن هشام- السيرة 3/ 245، ابن سعد- الطبقات 2/ 56 مرسلا عن ابن إسحاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وقد عرفت هذه الحادثة المفجعة بالرجيع نسبة إلى ماء الرجيع الذي حصلت عنده. وقد أنزل الله سبحانه في أفراد هذه السريّة قوله تعالى «1» : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ «2» . وكان المنافقون قد تظاهروا بالتوجع لقتلى سريّة الرجيع وقالوا ويحهم- لا هم أقاموا في أهلهم ولا هم أدّوا رسالة صاحبهم فأنزل الله تعالى فيهم قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ «3» . سريّة بئر معونة: لم تتوقف وفود الصحابة عن الخروج من المدينة لدعوة الأعراب إلى الإسلام إذ لا بد من تبليغ الدعوة الإسلامية مهما غلت التضحيات؛ ففي الشهر نفسه الذي أرسل فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم سرّية الرجيع، أرسل صلّى الله عليه وسلّم سريّة أخرى إلى بئر معونة «4» ، وذلك أن أبا براء عامر بن مالك المعروف بملاعب الأسنّة قدم إلى المدينة، ودعاه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد ووعد بإجارة وفد من الدعاة يرسلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم لدعوة الأعراب من أهل نجد. وقد ثبت في الصحيح أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أرسل إلى نجد سبعين من خيار الصحابة- رضي الله عنهم- ممن عرفوا بالقرّاء «5» ، وقد أمّر عليهم المنذر بن عمرو الخزرجي «6» . فلما وصلوا بئر معونة وحرّة بني سليم من أرض عامر بن الطفيل، بعثوا حرام بن ملحان بكتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى ابن الطفيل الذي غدر بهم فأمر بقتل رسولهم إليه الذي طعن في ظهره برمح فصاح: «الله أكبر فزت ورب الكعبة» وقد استنفر ابن الطفيل قومه من بني عامر إلى قتل السريّة فامتنعوا لأجل الجوار الذي سبق من أبي براء، فاستنفر عدو الله بني سليم فأجابته عشائر عصيّة ورعل وذكوان، وخاضوا مع المسلمين معركة ضارية استشهد فيها القرّاء جميعا عدا عمرو بن أميّة الضمري الذي كان قد تأخر عن إخوانه «7» . وقد عاد عمرو بن أميّة بالخبر الأليم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة وقد فتك وهو في طريقه إلى المدينة   (1) ابن كثير- البداية 4/ 76، واصلا منقطع ابن هشام في السيرة 3/ 248. (2) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 207. (3) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 204. (4) ابن إسحاق- ابن هشام- السيرة 3/ 174، الواقدي- المغازي 1/ 346، ابن سعد- الطبقات 2/ 51. (5) البخاري- الصحيح 5/ 41- 44 (حديث 4090) ، وجعلهم ابن إسحاق أربعين صحابيّا. (6) خليفة بن خياط- تاريخ 2/ 174، الطبري- تاريخ 2/ 30- 1، وانظر: ابن هشام- السيرة 3/ 174. وفي الوقت الذي يذكر البخاري سببا آخر لإرسالهم وهو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد أرسلهم مددا لبطون من بني سليم (الفتح- الحديث 4090) ، ابن سعد- الطبقات 3/ 53 بإسناد صحيح، فإن مسلم يذكر في صحيحه (3/ 1511- حديث 677) بأن سبب إرسالهم إنما هو للدعوة وتعليم الأعراب القرآن والسنّة بناء على طلبهم. (7) أشارت الروايات العديدة إلى أن كعب بن زيد بن النجار ترك في أرض المعركة وبه جراحات كثيرة وبه رمق فعاش وشفي وعاش حتى استشهد في غزوة الخندق. البخاري- الصحيح (الأحاديث 4088- 4096) ، مسلم- الصحيح 3/ 1511 (حديث 677) ، أحمد- المسند: الفتح الرباني 12/ 63- 65، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 126، ابن سعد- 2/ 51- 54، ابن هشام- السيرة 3/ 260- 267. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 برجلين من بني كلاب وهو يرى أنه قد أصاب ثأر أصحابه، ولكن تبين أن معهما عهدا من النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو لم يعلم به مما دفع الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الالتزام بدفع ديتهما. وقد تألّم الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون كثيرا لفاجعتي بئر معونة والرجيع، وأخذ عليه السلام يقنت في صلاة الفجر ثلاثين يوما وهو يدعو على من قتل أصحابه «1» في هاتين السريّتين من رجال عشائر رعل وذكوان ولحيان وعصيّة «2» . غزوة بني النضير: قدمت المصادر الحديثة والتاريخية معلومات متنوعة عن تاريخ هذه الغزوة وأسبابها ففي حين روى الزهري أنها وقعت في سنة 2 هـ «3» ، ووردت رواية ثانية مرسلة عن عروة بن الزبير أنها كانت على رأس ستة أشهر من معركة بدر الكبرى «4» ، في حين وردت رواية أخرى عن عروة أنها كانت في محرم من السنة الثالثة للهجرة «5» . وهذا موافق لما ورد عن طريق موسى بن عقبة «6» ، في حين ذكر محمد بن إسحاق أنها كانت سنة 4 هـ، وهذا يتفق مع ما أورده الواقدي وابن سعد «7» ، ومع ما ذكره هشام كذلك «8» . وقطع ابن القيم بوهم الزهري ولم يشك في أنها وقعت بعد معركة أحد كما ذهب أغلب من كتب في السيرة والمغازي «9» . ورغم توثيق ابن حجر لمرويات الزهري، فإنه يرى بضرورة الأخذ بقول ابن إسحق في هذه المناسبة لأن بئر معونة كانت بعد معركة أحد بالاتفاق «10» . أما عن سبب الغزوة فتؤكد المصادر على المحاولتين اللتين قام بهما يهود بني النضير لقتل النبي صلّى الله عليه وسلّم، أولاهما بعد معركة بدر الكبرى بمواطأة ودعم من قريش لاستدراج النبي صلّى الله عليه وسلّم وقتله غيلة بالخناجر من قبل ثلاثة من أحبارهم «11» . أما الثانية ففي أعقاب مأساة سريّة الرجيع، وإقدام عمرو بن أميّة الضمري على قتل رجلين معاهدين خطأ، فقد استعان النبي صلّى الله عليه وسلّم بيهود من أجل جمع الدية، وقد همّ اليهود بقتله غيلة بإلقاء حجر عليه وهو جالس إلى جدار لهم،   (1) كان القراء السبعون أهل سرية الرجيع من خيار المسلمين تواترت الروايات على أنهم كانوا يحتطبون بالنهار وبيبعون حطبهم ويتصدقون به على أهل الصفة ويصلون بالليل ويتدارسون القرآن، انظر: البخاري- الصحيح 5/ 41- 44، ابن حجر- فتح الباري 7/ 386- 388. (2) انظر البخاري- الصحيح (حديث 4093) حول كرامة ظهرت لعامر بن فهيرة، مسلم 3/ 1511 (حديث 677) . (3) الصنعاني- المصنف 5/ 357، أبو داود- السنن 2/ 139- 140، الحاكم- المستدرك 2/ 384. (4) الصنعاني- المصنف 5/ 357. (5) البيهقي- دلائل النبوة 3/ 446- 450، أبو نعيم- دلائل النبوة 3/ 176- 177. (6) انظر الهامش السابق. (7) الواقدي- المغازي 1/ 363، ابن سعد- الطبقات 3/ 57، وهما بدون إسناد وورد فيهما أنها كانت في شهر ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين شهرا من الهجرة. (8) ابن هشام- السيرة 3/ 683 وذكر أنها وقعت في ربيع الأول وقد تابع جل كتاب السيرة ما أورده ابن إسحاق في تحديده لتاريخ الغزوة. (9) ابن القيم- زاد المعاد 2/ 110. (10) ابن حجر- فتح الباري 6/ 388- 389. (11) الصنعاني- المصنف 5/ 359- 60، ابن حجر- فتح الباري 7/ 331، أبو داود- السنن 2/ 139- 140، الحاكم- المستدرك 2/ 483. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فأعلمه الوحي بذلك فانصرف عنهم بسرعة راجعا إلى المدينة حيث أمر بحصارهم «1» . وقد انفرد موسى ابن عقبة بالقول بأن بني النضير كانوا «قد دسّوا إلى قريش وحضّوهم على قتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودلّوهم على العورة» وذلك عندما نزلوا بأحد لقتال الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين «2» . وعند تدقيق الأخبار فإن بالإمكان التعرف على مدى حقد يهود بني النضير على الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين، فقد تواطئوا مع أبي سفيان وفرسانه حين كمنوا عندهم في غزوة السويق قبل الاعتداء على أطراف المدينة، وكان كعب بن الأشرف قد أعلن مجاهرته بعداوة المسلمين فهجاهم وحرّض قريشا عليهم وشبب بنسائهم، إلى جانب محاولتهم قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم غيلة في المناسبتين المذكورتين آنفا، وذلك ما يكمن وراء قرار النبي صلّى الله عليه وسلّم الحكيم والحازم بضرورة طردهم من منطقة المدينة حيث إنه وضع بذاك حدّا لممارستهم الإجرامية المتكررة. إنذار بني النضير بالجلاء وحصارهم: سجلت معظم كتب السيرة النبوية خبر إنذار النبي صلّى الله عليه وسلّم لبني النضير بالجلاء خلال عشرة أيام دون أسانيد «3» ، كما سجلت موقف المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول وتحريضهم لليهود على التمرد وعدم الجلاء ووعدهم بالنصر بروايات ضعيفة لا تصلح للاحتجاج بها «4» ، ولكن يكفي لثبوته ما ورد في سورة الحشر «5» التي ثبت أنها نزلت في بني النضير «6» . أما عن الحصار فقد صح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد حاصرهم وطالبهم بأن يعاهدوه كشرط لتأمينهم فقال صلّى الله عليه وسلّم لهم: «إنكم لا تأمنون عندي إلّا بعهد تعاهدوني عليه، فأبوا أن يعطوه عهدا، فقاتلهم يومهم ذلك هو والمسلمون، ثم غدا الغد على بني قريظة بالخيل والكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه، فانصرف عنهم وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلّت الإبل إلّا الحلقة- السلاح- فجاءت بنو النضير واحتملوا ما أقلّت الإبل من أمتعتهم، وأبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتهم فيهدمونها، فيحملون ما وافقهم من خشبها» «7» . وفي ذلك يقول عزّ وجلّ: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ   (1) ابن إسحاق- السيرة 3/ 191. (2) البيهقي- دلائل النبوة 3/ 180. (3) الواقدي- مغازي 1/ 363- 370، ابن هشام- السيرة 3/ 682، ابن سعد- الطبقات 3/ 57- 58، البيهقي- دلائل النبوة 3/ 466- 448، الطبري- تاريخ 3/ 334- 335، ابن سيد الناس- عيون الأثر 3/ 48، ابن كثير- البدآية والنهاية 3/ 45. (4) ابن سيد الناس- عيون الأثر 2/ 49. (5) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآيات/ 11- 12. (6) الطبري- التفسير 28/ 46، ابن هشام- السيرة 3/ 272- 3، وانظر فتح الباري 7/ 331، وفي آية الحشر ونزولها في بني النضير انظر: البخاري- الصحيح الحديث (4028) ، عبد الرزاق الصنعاني- المصنف 5/ 358- 61، أبو داود- السنن 3/ 404- 7، البيهقي- دلائل 3/ 446- 8. (7) الصنعاني- المصنف 5/ 358- 61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ «1» . وقد ثبت بنص القرآن الكريم «2» والحديث النبوي الشريف «3» أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بتحريق وقطع بعض نخل بني النضير خلال الحصار، قال تعالى: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ «4» . وقد خرج يهود بني النضير إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام «5» ، وقد أسلم منهم اثنان ولذلك فإنهما أحرزا أموالهما «6» . أما باقي أموالهم وبساتينهم فكانت نفلا للرسول صلّى الله عليه وسلّم «7» ، كان ينفق على أهله منها نفقة سنة، ويجعل الفاضل عدّة في سبيل الله «8» . أما أرضهم فقد قسمها بين المهاجرين خاصّة، وأعطى اثنين من الأنصار لفقرهما «9» . لم يتوقف حقد يهود بني النضير وكيدهم للإسلام بإجلائهم وتخليص المدينة وما حولها من شرورهم، فقد ثبت أنهم ساهموا في التحريض على تجميع الأحزاب في مواجهة الإسلام والكيد له فكانت غزوة الخندق «10» . غزوة بدر الموعد: تنفيذا للموعد الذي كان أبو سفيان قد اقترحه في أعقاب معركة أحد، والتزام الرسول صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فقد خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من المدينة على رأس جيش من أصحابه قوامه ألف وخمسمائة مقاتل بينهم عشرة من الخيّالة وذلك في ذي القعدة سنة 4 هـ، وحمل لواء الجيش علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فوصلوا بدرا فأقاموا فيها ثمانية أيام بانتظار وصول قوات المشركين من قريش بقيادة أبي سفيان بحسب الموعد بين الطرفين، غير أن أحدا من المشركين لم يصل إلى بدر، وكان أبو سفيان قد جمّع قوات قريش وحلفائها التي تألفت من ألفي مقاتل معهم خمسون فرسا، فلما وصلوا إلى مر الظهران، نزلوا على مياه مجنّة على بعد أربعين ميلا من مكة، ثم عاد بهم أبو سفيان إلى مكة بحجة أن   (1) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآية 2. (2) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآية/ 5. (3) البخاري- الصحيح 3/ 11، 143، أبو داود- السنن 3/ 36، الترمذي- السنن (تحفة الأحوذي 5/ 157- 158) ، ابن ماجه- السنن 3/ 948- 949. (4) سورة الحشر- الآية/ 5. (5) عبد الرزاق الصنعاني- المصنف 5/ 358- 361 بإسناد صحيح، ابن هشام- السيرة 3/ 269، برواية ابن إسحاق معلّقا. (6) وهما يامين بن عمر بن كعب، وأبو سعد بن وهب، انظر: ابن هشام- السيرة 3/ 270. (7) كما ورد بنص القرآن في قوله تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ... الآية، ونزول سورة الحشر في بني النضير، وانظر: البخاري- الصحيح (الأحاديث 4882- 4883) ، مسلم- الصحيح 3/ 1388- 1390 (الأحاديث 1768- 1769) . (8) البخاري- الصحيح (حديث 4885) . (9) وهما سهل بن حنيف وأبو دجانة، انظر: الصنعاني 5/ 358- 61، أبو داود 3/ 403- 404 (حديث 3004) ولم يصرح باسميهما، وابن إسحاق بإسناد منقطع، ابن هشام- السيرة 3/ 270. (10) يرد ذكر مقتل سلام بن أبي الحقيق في غزوة خيبر لأنه حرّض الأحزاب. وقد أورد ابن هشام في السيرة أسماء اليهود الذين ساهموا في ذلك التحريض، بإسناد منقطع، وانظر: الصنعاني- المصنف 5/ 368- 373، ابن سعد- الطبقات 3/ 65- 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 ذلك العام كان عام جدب. وكان لإخلاف قريش موعدهم مع الرسول والمسلمين صدى واسع بين القبائل العربية، وأثر كبير في الارتفاع بمكانة المسلمين واستعادتهم لهيبتهم التي كانت قد انتكست بعد معركة أحد «1» . سريّة أبي عبيدة إلى نجد: واصل الرسول صلّى الله عليه وسلّم إرسال سراياه إلى أنحاء مختلفة من نجد والحجاز، ومن ذلك إرساله سريّة أبي عبيدة عامر ابن الجراح إلى قبيلتي طيء وبني أسد في نجد فنذروا به، فرجع أبو عبيدة ولم يلق كيدا «2» . سرايا المسلمين الأخرى بعد بدر الموعد: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم عمر بن الخطاب على رأس سريّة إلى قبيلة القارة، فتهاربوا واعتصموا بالجبال فعاد بأصحابه ولم يلق كيدا «3» . وبعث بلال بن مالك المزني على رأس سريّة من المسلمين إلى بني مالك بن كنانة، فنذروا به فلم يصب من دارهم إلّا فرسا واحدا «4» . وبعث بشير بن سويد الجهني إلى بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة، فاعتصموا في غيضة، فأحرقهم، فلامه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «5» . غزوة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى بني لحيان: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد وجه السرايا المذكورة آنفا، وهو غاز إلى بني لحيان، ثم أتى عسفان من وجهه ذلك، وبعث بعدد من السرايا تحت قيادة بعض كبار الصحابة فقد بعث عمر بن الخطاب إلى تربة وبعث محمد بن مسلمة إلى القرطاء من بني كلاب، بشير بن سعد الخزرجي إلى فدك، وغالب بن عبد الله الليثي إلى بني مرة في فدك؛ وغالب بن عبد الله الكلبي إلى بني الملوّح بالكديد وفي السنة التالية وهي سنة 6 هـ بعث بشير بن سعد إلى خيبر، وكعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح، وعبد الرحمن بن عوف إلى كلب، وعلى بن أبي طالب إلى فدك، وعثمان بن عفان إلى الهدى، وعبد الله بن رواحة إلى خيبر، دعما لعلي بن أبي طالب الذي فتح الله عليه فدك «6» . غزوة دومة الجندل: لم ترد أخبار غزوة دومة الجندل في الصحيحين، بل في كتب المغازي والسير التي اتفقت على أنها كانت في   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 292، الواقدي- مغازي 1/ 384، ابن سعد- الطبقات 2/ 59، ابن القيم- زاد المعاد 2/ 120، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 87. (2) خليفة بن خياط- تاريخ 77/ 78. (3) خليفة بن خياط- تاريخ ص/ 77. (4) المرجع السابق ص/ 78. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، ابن هشام- السيرة 3/ 387، الواقدي- المفازي 2/ 535، ابن سعد- الطبقات 78/ 2- 7، 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا من الهجرة النبوية «1» . ويرجع الواقدي سببها إلى أنه قد بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن بدومة الجندل جمعا كثيرا من الناس وأنهم يظلمون من مرّ بهم من تجار الميرة والمتاع المتنقلين بين المدن- وكان بدومة الجندل سوق عظيم وتجارة رائجة، وأنه قد ضوى إليهم قوم من العرب كثير، وأنهم يريدون التوجه إلى المدينة طمعا في أموالها «2» ، فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس وخرج في ألف من المسلمين، ومعهم دليل من بني عذرة، وقبل وصولهم دومة الجندل هجموا علي ماشيتهم ورعائهم، فأصابوا قسما منها، وهرب من هرب، فبلغ الخبر دومة الجندل، فتهاربوا إذ لم يجد المسلمون أحدا فيها عند وصولهم، فأقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمسلمين فيها أياما، وبعث بالسرايا من هناك إلى مختلف الأنحاء وكانت ترجع بالإبل فقط، إلّا سريّة محمد بن مسلمة الذي أسر رجلا منهم وعرض عليه الإسلام فأسلم. وعاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالمسلمين إلى المدينة «3» . غزوة المريسيع (بني المصطلق) : ساهم بنو المصطلق- وهم من خزاعة الأزدية اليمانية «4» مع قوات المشركين التي قادتها قريش ضد المسلمين في معركة أحد «5» . وقد تجرّأ بنو المصطلق فيمن تجرّأ من الأعراب على المسلمين، فأخذ زعيمهم الحارث بن أبي ضرار في جمع السلاح والرجال وتأليب القبائل المجاورة للقيام بهجوم على المدينة «6» . وحين علم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بذلك، أرسل عينا جاءه بتأكيد نيّتهم في ذلك «7» . وفي يوم الاثنين الثاني من شعبان سنة 5 هـ خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من المدينة «8» ، في سبعمائة مقاتل وثلاثين فرسا، وتوجه نحو بني المصطلق «9» . وحيث إنهم كانوا ممن بلغتهم دعوة الإسلام، وكانوا قد شاركوا في غزوة أحد ضمن جيش المشركين ضد المسلمين، كما أنهم كانوا يجمعون الجموع ويستعدون لحرب المسلمين، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أغار   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 297- 298، الواقدي- المغازي 1/ 402، ابن سعد- الطبقات 2/ 62. (2) الواقدي- المغازي 1/ 402- 404، ابن سعد- الطبقات 2/ 62- 63، وقد أضاف الواقدي سببا آخر وهو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يقترب بتحركاته العسكرية من حدود الشام لكي يفزع الروم (المغازي 1/ 403) ، وانظر ابن هشام- السيرة 3/ 297- 298. (3) الواقدي- المغازي 1/ 402- 404، ابن سعد- الطبقات 2/ 62- 63 معلقا. (4) خليفة بن خياط- الطبقات ص 76، 107، ابن هشام- السيرة 1/ 136 وكانوا يسكنون قديدا وعسفان بين مكة والمدينة (الحربي- المناسك 458- 460) ، القلقشندي- قلائد الجمان ص 93، النويري- نهاية الأرب 2/ 332. (5) ابن هشام- السيرة 2/ 61، الواقدي- مغازي 1/ 200. (6) ابن سعد- الطبقات 2/ 63 بإسناد جمعي. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، وانظر: البيهقي- السنن 9/ 54، ودلائل النبوة 4/ 44، الواقدي- 1/ 404، ابن كثير- البداية 3/ 242، 4/ 156. وكذلك ابن هشام- السيرة 3/ 401. (8) ابن كثير- البداية 3/ 242، 4/ 156 وهذا هو الراجح حكاه موسى بن عقبة عن الزهري وعن عروة، وتابعه أبو معشر والواقدي وابن سعد انظر ابن حجر فتح الباري 7/ 430، مغازي 1/ 404، ابن سعد- الطبقات 2/ 63، البيهقي- السنن 9/ 54، ابن القيم- زاد المعاد 3/ 125، الذهبي- تاريخ الإسلام 2/ 275. (9) الذهبي- تاريخ الإسلام (المغازي) 1/ 230، الواقدي- مغازي 1/ 404. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 عليهم وهم غارّون، وكانت أنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم وغنم أموالهم «1» . ولم تتفق الروايات في عدد القتلى ومقدار السبي والأموال سوى ما ذكره ابن إسحاق من عتق «مائة أهل بيت من بني المصطلق» «2» ، في حين يذكر الواقدي بأنه قد قتل عشرة من بني المصطلق وأسر سائرهم «فما أفلت منهم إنسان» «3» . وعاد النبي صلّى الله عليه وسلّم من هذه الغزوة إلى المدينة هلال رمضان، بعد أن غاب عنها ثمانية وعشرين يوما «4» . وفي هذه الغزوة كشف المنافقون عن مدى حقدهم على الإسلام والمسلمين، فقد ازدادوا غيظا بالنصر الذي تحقق على بني المصطلق، وسعوا في بادىء الأمر إلى إثارة العصبية القبلية بين المهاجرين والأنصار «5» . فلما فشلت المحاولة، عمل عبد الله بن أبي بن سلول على عرقلة جهود الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الدعوة، وعلى منع الأموال من أن تدفع لأجل ذلك بغية أن ينفض الناس من حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتوعد بإخراجه ذليلا من المدينة عند العودة إلى المدينة «6» . وحين استدعى النبي صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه المنافقين حين علم بما قالوا، واستفسر منهم عن الأمر، فإنهم أنكروا ذلك وحلفوا بأنهم ما قالوا شيئا، ثم أنزل الله تعالى سورة المنافقين وفيها تكذيب لهم «7» ، وفضح لأيمانهم الكاذبة «8» وتأكيد وتصديق لما نقله الصحابي زيد بن أرقم، وذلك في قوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ* يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ «9» . ولقد ضعف مركز عبد الله بن أبي بن سلول في قومه بعد هذه الحادثة، فقد أصبحوا يعنفونه ويلومونه كلما أخطأ، واحتقره المسلمون، وفقد مكانته «10» ، حتى إن ابنه عبد الله استأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قتله، فنهاه الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك وأمره بأن يبره ويحسن صحبته «11» . وقد أقدم مع شدة برّه بأبيه وهيبته له، على منعه من دخول المدينة   (1) البخاري- الصحيح 3/ 129، مسلم- الصحيح 5/ 139. (2) ابن إسحاق- السيرة 1/ 336245، ابن هشام- السيرة 2/ 293- 4، 645. (3) الواقدي- المغازي 1/ 140، ابن سعد- الطبقات 2/ 64 ويذكر الواقدي أن الغنائم كانت ألفي بعير وخمسة آلاف شاة، وأن السبي كان مائتي أهل بيت. وأورد الزرقاني رواية له أن السبي أكثر من سبعمائة (شرح المواهب اللدنية 3/ 245) . (4) الواقدي- مغازي 1/ 404. (5) البخاري- الصحيح 4/ 146، 6/ 128، مسلم- الصحيح 8/ 19. (6) سمع ذلك الصحابي زيد بن أرقم فنقله إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إما عن طريق عمه سعد بن عبادة، أو عمر بن الخطاب، انظر في ذلك: الإمام أحمد- المسند 3/ 392- 393 بإسناد صحيح، فتح الباري 8/ 649، الترمذي- السنن 5/ 90. (7) القرآن الكريم- سورة المنافقون، الآية/ 1. (8) القرآن الكريم- سورة المنافقون، الآية/ 2. (9) القرآن الكريم- سورة المنافقون، الآية/ 7- 8. (10) ابن هشام- السيرة 2/ 290- 293 ويؤيد ذلك أحد المراسيل الجيدة لعروة بن الزبير (فتح الباري 8/ 649) وأصله في الصحيحين البخاري- الفتح 6/ 127، مسلم- الصحيح 8/ 119. (11) الهيثمي- مجمع الزوائد 9/ 318. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 حتى يأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدخولها «1» . استغل المنافقون بعد ذلك حادثة حصلت لأم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- في طريق العودة من غزوة بني المصطلق فقد نزلت من هودجها لبعض شأنها، فلما عادت افتقدت عقدا لها فرجعت تبحث عنه، وحمل الرجال الهودج ووضعوه على البعير وهم يحسبون أنها فيه، وحين عادت افتقدت الركب فمكثت مكانها تنتظر أن يعودوا إليها بعد أن يكتشفوا غيابها، وصادف أن مرّ بها أحد أفاضل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو صفوان بن المعطل السلمي، فحملها على بعيره وأوصلها إلى المدينة بعد وصول الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فاستغل المنافقون هذا الحادث ونسجوا حوله الإشاعات الباطلة وتولى ذلك عبد الله بن أبي بن سلول، وأغرى بالكلام ثلاثة من المسلمين هم مسطح بن أثاثة، وحسّان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، فاتّهمت أم المؤمنين عائشة بالإفك. وقد أوذي النبي صلّى الله عليه وسلّم بما كان يسمع من دعايات المنافقين، وصرّح بذلك للمسلمين في المسجد حيث أعلن ثقته التامة بزوجته وبالصحابي ابن المعطل السلمي، وحين أبدى سعد بن معاذ استعداده لقتل من تسبب في ذلك إن كان من الأوس، أظهر سعد بن عبادة معارضته بسبب كون عبد الله بن أبي بن سلول من قبيلة الخزرج، ولولا تدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم وتهدئته الصحابة من الفريقين لوقعت الفتنة بين الأوس والخزرج «2» . ومرضت عائشة بتأثير تلك الإشاعات الكاذبة، فاستأذنت النبي صلّى الله عليه وسلّم في الانتقال إلى بيت أبيها، وانقطع الوحي شهرا عانى الرسول صلّى الله عليه وسلّم خلاله كثيرا، حيث طعنه المنافقون في عرضه وآذوه في زوجته، ثم نزل الوحي موضحا: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ «3» . وتوالت الآيات بعد ذلك تكشف مواقف الناس من هذه الفرية، وتعلن بجلاء ووضوح براءة أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- التي أكرمها الله سبحانه فمنحها الجائزة والتعويض المناسب لمحنتها وصبرها وحسن توكلها عليه سبحانه، إذ نزل في براءتها آيات من القرآن يتعبّد بها المسلمون أبد الدهر، كما علّم المؤمنين آداب التعامل مع هذه المسائل الحسّاسة، وآداب التعامل مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك «4» . لقد كادت حادثة الإفك أن تحقق للمنافقين ما كانوا يسعون إلى تحقيقه من هدم وحدة المسلمين وزعزعة عقيدتهم في النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإشعال نار الفتنة بين المسلمين، ولكن الله سلّم فقد تمكّن الرسول القائد صلّى الله عليه وسلّم من قيادة الأمة بكفاءة وهو في تلك الظروف الحالكة لتجتاز الامتحان الصعب، ويصل بها بأمان إلى شاطىء السلامة.   (1) ابن هشام- السيرة 2/ 293، الترمذي- السنن 5/ 90. (2) الهيثمي- مجمع الزوائد 9/ 230، السيوطي- الدر 5/ 27. (3) القرآن الكريم- سورة النور، الآية 11، وانظر: البخاري- الصحيح 9/ 89، مسلم- الصحيح 8/ 112- 118، الطبري- التفسير 18/ 89. (4) انظر: سورة النور، الآيات 12، 16، 22، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 7370) ، مسلم- الصحيح 4/ 2129 (حديث 2770) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 ومن نتائج هذه الغزوة، زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم من جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بعد أن كانت قد كاتبت في عتق نفسها ممن وقعت في سهمه، وقد ذكرت للنبي صلّى الله عليه وسلّم مكانها في قومها فقضى عنها كتابها وتزوجها «1» . وقد أطلق الصحابة بسبب هذا الزواج سائر السبي وقالوا: «أصهار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ، فأعتق مائة أهل بيت «فما كانت امرأة أعظم بركة على قومها منها» «2» . وقد أسلم أبوها وقومه «3» . وكان لزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم من جويرية وإطلاق الأسرى أكبر الأثر في تجميع قلوبهم على الهدى ومشاركتهم الجادّة في الجهاد للذود عن الإسلام «4» . غزوة الخندق (الأحزاب) : كانت تحركات المسلمين المتواصلة في مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية، وتحديهم المستمر لقريش، وتهديدهم لطرق تجارتها، وكذلك إجلاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم بني قينقاع وبني النضير عن المدينة، قد هيأت الظروف لتحالف المشركين مع يهود بني قريظة بهدف اجتثاث المسلمين من قاعدتهم المدينة. ولقد عمد بنو قريظة إلى التظاهر باحترام الحلف المبرم بينهم وبين المسلمين متسترين على مشاعرهم الحاقدة ورغبتهم العارمة في الانتقام. جرت غزوة الأحزاب للمدينة في شوال سنة خمس من الهجرة «5» . وليس هناك ما يدعو للبحث عن أسبابها فهي حلقة من سلسلة صراع متواصلة، ويمكن ملاحظة أنها جاءت على أثر فشل قريش في محاولتها تأمين طرق تجارتها مع بلاد الشام إذ أنه على الرغم من خسائر المسلمين الكبيرة في معركة أحد، فإنها لم تكن حاسمة ولم تؤمّن الطريق التجاري بين مكة والشام «6» . كما أن ازدياد وعنف النشاط الإسلامي في الغزوات والسرايا العديدة التي جرت بعد معركة أحد، عمل على إنهاء الأثر السلبي لهذه المعركة سواء في المدينة أو في البوادي «7» . ولذلك فإن قريشا عادت من جديد إلى التفكير بإعداد حملة عسكرية ضخمة تأمل أن تحسم بها الأمور، وتقضي نهائيّا على الوجود   (1) ابن هشام- السيرة 2/ 294، 645 بإسناد حسن. (2) أبو داود- السنن 2/ 347، وقد ذكر خليفة بن خياط خبرا مرسلا عن قدوم والدها الحارث إلى المدينة وتخيير الرسول لها واختيارها البقاء مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (تاريخ ص 80) . (3) أحمد- المسند 4/ 279. (4) الهيثمي- مجمع الزوائد 7/ 108، الطبري- تفسير 26/ 124، وانظر: ابن هشام- السيرة 2/ 296. (5) وهذا قول الجمهور ومنهم ابن إسحاق والواقدي ومن تابعهم (ابن كثير- البداية 4/ 93، الواقدي- مغازي 2/ 440) ، ونقل عن الزهري ومالك بن أنس وموسى بن عقبة أنها جرت سنة أربع (البخاري- الصحيح 5/ 44) حيث أنه نقل رواية موسى بن عقبة، وانظر ابن كثير- البداية 4/ 93، ويمكن التوفيق بين القولين إذا ما لا حظنا بداية تاريخ كل فئة إذ اعتاد البعض احتساب سنوات الهجرة من المحرم وإلغاء ما سبق ذلك من أشهر إلى ربيع الأول. (6) ابن هشام- السيرة 3/ 214 بإسناد صحيح إلى عروة. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 393) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 الإسلامي، وبالتالي على الأخطار التي تهدد مصالحها «1» . غير أن زعماء قريش كانوا يدركون أن قوة المسلمين قد تنامت كثيرا، وأن قوتهم الذاتية لم تعد وحدها قادرة على تحقيق الهدف المنشود، ولذلك فإنهم سعوا إلى عقد محالفات عديدة من أجل تجميع القوى الحاقدة والقادرة على تحقيق ما يأملون. وقد واتتهم الفرصة حينما اتصل بهم زعماء يهود بني النضير الموتورين من مقر إقامتهم الجديد في خيبر، داعين قريشا إلى حرب المسلمين. وقد وفد منهم إلى مكة سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب من زعماء بني النضير، فتعاقدوا مع قريش على المشاركة في قتال المسلمين، بعد أن شهدوا أنّ الشرك خير من الإسلام وقد نزلت في حقهم الآية الكريمة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا «2» ، ثم خرجوا من مكة إلى نجد فحالفوا غطفان على حرب المسلمين، بعد أن وعدوهم بنصف تمر خيبر «3» . أما قريش فقد نجحت في تجميع حلفائها من بني سليم وكنانة وأهل تهامة والأحابيش «4» . تحركت قوات «الأحزاب» نحو المدينة، فنزلت قريش وأحلافها «بمجمع الأسيال» ، بين الجرف وزغابة، ونزلت غطفان ومعها بنو أسد «بذنب نقمي» إلى جانب أحد «5» . وقد بدأ الرسول صلّى الله عليه وسلّم باستشارة أصحابه فيما ينبغي عمله لمواجهة الخطر الداهم، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق شمال المدينة بين حرتي «واقم والوبرة» ، والاعتماد في الجهات الأخرى من المدينة على حصانتها وعلى ما يحيط بها من الحرّات التي يصعب اختراقها «6» . ولم يعترض أحد على الاقتراح الذي كان يهيء حاجزا يمنع الالتحام المباشر مع قوات الأحزاب، كما يمنعها من اقتحام المدينة «7» ، وفي الوقت نفسه يوفر للمسلمين فرصة جيّدة للدفاع، ولتكبيد الغزاة الكثير من الخسائر البشرية، وذلك بالتصدي لهم عند محاولة اقتحام الخندق، وبرشقهم بالسهام من وراء التحصينات. تولى المسلمون مهمة حفر الخندق، ورغم طوله الذي بلغ خمسة آلاف ذراع، بعرض تسعة أذرع وعمق سبعة إلى عشرة أذرع، وبرودة الجو، وقلة التموين التي تسببت في مجاعة أصابت المدينة «8» ، فقد تم إنجاز الحفر بسرعة مذهلة، لم تتجاوز ستة أيام، وكان لمشاركة الرسول صلّى الله عليه وسلّم الفعلية في مراحل العمل المختلفة أثر كبير في الروح   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 393) من رواية موسى بن عقبة دون إسناد. (2) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 51، واورد الطبري آراء العلماء في سبب نزول الآية، وخلص إلى القول بأن أولى الأقوال بالصحة قول من قال بأن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن جماعة من أهل الكتاب من يهود. وجائز أنهم الذين سماهم ابن عباس، أو أن يكون حييّا وآخر معه إما كعبا وإما غيره (تفسير الطبري 8/ 469- 471) ، وذكر آخرون أنه كعب بن الأشرف وقد سبقت الإشارة إليه آنفا. (3) الواقدي- مغازي 2/ 443، ابن كثير- التفسير 1/ 513. (4) البيهقي- دلائل النبوة 3/ 399، ابن حجر- فتح الباري 7/ 393، ابن هشام- السيرة 2/ 219- 220. (5) وذكر السيوطي أسماء القبائل النجدية التي شاركت في هذا التجمع وهم غطفان وبنو سليم وبنو أسد وفزارة وأشجع وبنو مرة. انظر: الخصائص الكبرى 1/ 565. (6) ابن حجر- فتح الباري 7/ 393، وانظر: الواقدي- مغازي 2/ 445 بدون إسناد، ابن هشام- السيرة 2/ 224. (7) ابن سعد- الطبقات 2/ 66- 67. (8) ابن سعد- الطبقات 2/ 66- 67، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 130، الطبري- تفسير 21/ 33، ابن حجر- فتح الباري 7/ 397. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 الإيمانية العالية التي سيطرت على المسلمين في موقع العمل مما مكّنهم من إنجاز متطلبات خطة الدفاع، والاستعداد قبل وصول طلائع قوات الأحزاب «1» . وكان المسلمون يرددون الأهازيج والرجز ويردد معهم النبي القائد صلّى الله عليه وسلّم مشاركة لهم وتواضعا، وروى البخاري قوله صلّى الله عليه وسلّم معهم: «اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لا قينا إنّ الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا» وكان عليه الصلاة السلام يمد صوته الكريم بآخرها «2» ، أما المسلمون فكانوا يرتجزون: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الإسلام ما بقينا أبدا «3» وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يجيبهم بقوله: «اللهمّ إنّه لا خير إلّا خير الآخره، ... فبارك في الأنصار والمهاجره» «4» . وحصلت خلال مرحلة حفر الخندق ثلاث معجزات حسّية للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهي تكثير الطعام الذي أعدّه الصحابي جابر بن عبد الله للرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد أن باركه صلّى الله عليه وسلّم، فقد أكل منه ألف صحابي حتى شبعوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وتركوا الكثير «5» . ومن معجزاته إخباره لعمار بن ياسر وهو يعمل معهم بأمر غيبي يتعلّق بقتله- رضي الله عنه- «6» . وقيامه صلّى الله عليه وسلّم بتفتيت صخرة عظيمة عجز الصحابة عن كسرها، فقد ضربها ثلاث ضربات وفتتها ومع كل ضربة كان صلّى الله عليه وسلّم يعلن عن تسلّمه لمفاتيح أقاليم كل من الشام، وفارس، واليمن، وهي بشارة تنبىء عن اتساع الفتوحات الإسلامية والإخبار عنها في وقت كان المسلمون فيه محصورين في المدينة، يواجهون المشاق والخوف والجوع والبرد القارص «7» . وكان جواب المؤمنين كما حكى القرآن الكريم قولهم: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً «8» .   (1) البخاري- الصحيح 5/ 45- 47، فتح الباري 7/ 395، وانظر: مسلم- الصحيح 3/ 1430. (2) البخاري- الصحيح 5/ 47، فتح الباري 7/ 399. (3) المرجع السابق (فتح الباري 7/ 392- 393) . (4) المرجع السابق- الصحيح 5/ 45، وفيه الجهاد بدل الإسلام. انظر الهامش السابق، (فتح 7/ 393) . (5) البخاري- الصحيح 5/ 46، مسلم- الصحيح 3/ 1610. (6) وكان قتله- رضي الله عنه- في صفين انظر: مسلم- الصحيح 4/ 2235. (7) أحمد- المسند 4/ 303، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 131، ابن حجر- فتح 7/ 397، الطبراني- المعجم الكبير 11/ 376. (8) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 أما المنافقون فإنهم سخروا من هذه البشارة، وهذا الموقف منهم يتسم بالجبن والإرجاف وتخذيل المؤمنين. وقد صوّر القرآن الكريم موقف المنافقين بشكل دقيق، قال تعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً «1» . وقوله تعالى: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً «2» . وقوله تعالى: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا «3» . وبالرغم من كل تخذيل المنافقين وإرجافهم، وظروف المجاعة، وشدّة البرد، فقد مضى المسلمون في تنفيذ مهامهم واستعداداتهم، وإكمال خطة الدفاع عن المدينة. وحين انتهى حفر الخندق، وضع الرسول صلّى الله عليه وسلّم النساء والأطفال في حصن فارع، وهو لبني حارثة، وكان أقوى حصون المسلمين «4» . ثم رتّب صلّى الله عليه وسلّم المسلمين للدفاع، فأسند ظهر الجيش إلى جبل سلع داخل المدينة، ووجوههم إلى الخندق الفاصل بينهم وبين المشركين الذين نزلوا «رومه» بين الجرف والغابة ونقمى «5» . وكان تفوق عدد قوات المشركين كبيرا، فقد بلغ عددهم عشرة آلاف مقاتل في مقابل ثلاثة آلاف من المسلمين «6» . وإزاء ذلك رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصالح قبيلة غطفان في مقابل أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة لتلك السنة، غير أن زعيمي الأوس والخزرج سألا النبي صلّى الله عليه وسلّم: أهو وحي من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك وهواك؟ فرأينا تبع لرأيك وهواك. فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا، فو الله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا ثمرة إلّا شراء أو قرى» فقطع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المفاوضة مع زعماء قبيلة غطفان «7» . واشتد تأزم الوضع على المسلمين حين بلغهم أن حلفاءهم يهود بني قريظة قد نقضوا العهد وغدروا بهم وكانوا يسكنون العوالي في جنوب شرق المدينة مما يمكنهم من طعن المسلمين من الخلف. وقد أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم الزبير ابن العوام للاستطلاع في أول الأمر، ثم أرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فوجداهما قد نقضوا العهد ومزقوا الصحيفة، إلّا بني سعفة منهم، فإنهم خرجوا إلى المسلمين من حصونهم معلنين التزامهم ووفاءهم بالعهد «8» . وبعد   (1) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 12. (2) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 19. (3) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 20. (4) مسلم- الصحيح 4/ 1879، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 133، الطبري- تاريخ 2/ 570- 571. (5) الطبري- تفسير 21/ 129- 130. (6) ابن هشام- السيرة 2/ 215، 220، الطبري- تفسير 21/ 130، ابن حجر- فتح الباري 7/ 393، ابن سعد- الطبقات 2/ 66، ابن الجوزي- الوفا ص 292. (7) الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 132، ابن هشام- السيرة 3/ 310- 311، وانظر: ابن سعد- الطبقات 2/ 73. (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 80) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 أن أعلن نقض اليهود للعهد، وشاع الخبر بين المسلمين خافوا على ذراريهم من اليهود «1» . ووصف القرآن الكريم حالة المسلمين بقوله تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً «2» . والآية تشير إلى قوات الأحزاب وبني قريظة، كما تعكس حال المنافقين الذين ظنوا بالله الظنون، أما المؤمنون فقد أصابهم البلاء وزلزوا زلزالا شديدا غير أن الإيمان العميق والتربية النبوية، جعلتهم يصمدون أمام سائر تلك الأخطار. فبادروا إلى تسيير دوريات لحراسة المدينة تطوف فيها على الدوام وتظهر التكبير لإشعار بني قريظة بوجودهم واستعدادهم ويقظتهم «3» . أما الأحزاب فقد فوجئوا بالخندق واحتاروا في كيفية اجتيازه، وكانوا كلما همّوا باقتحامه واجهوا سيلا من سهام المسلمين، واشتد الحصار وتواصل طيلة أربع وعشرين ليلة «4» ، وكانت هجمات المشركين متواصلة حتى إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين أخّروا صلاة العصر في أحد الأيام إلى ما بعد المغرب «5» بسبب ذلك. ورغم طول وشدة الحصار فقد كانت خسائر الطرفين محدودة فقد استشهد ثمانية من المسلمين «6» . وقتل أربعة من المشركين «7» . وحيث إن أهداف المشاركين في قوات الأحزاب من المشركين لم تكن واحدة، فقد نجم عن طول فترة الحصار حصول ضعف حاد في معنويات المشاركين في الحرب. وقد وردت في كتب السير والمغازي مرويات لا تثبت من الناحية الحديثية عن دور نعيم بن مسعود الغطفاني في تخذيل الأحزاب وشق صفوفهم، وإلقاء الشكوك بينهم، وخداعه لهم وهي على كل حال، لا تتنافي- إن تأكد حصولها- مع قواعد السياسة الشرعية ذلك أن الحرب خدعة «8» . وقد ثبت أن الله تعالى قد نصر المسلمين بالريح والملائكة «9» ، وذلك ما نص عليه الكتاب العزيز في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ   (1) ابن كثير- البدآية 4/ 103. (2) القرآن الكريم- الأحزاب، الآيات/ 10- 11. (3) ذكر ابن سعد- الطبقات 2/ 67 أن الصحابي مسلمة بن أسلم الأوسي كان يقود مائتي رجل، وزيد بن حارثة كان يقود ثلاثمائة رجل كانوا يدورون بالمدينة ويحرسونها. (4) ابن سعد- الطبقات 2/ 73، الطبري- تفسير 21/ 128، ابن حجر- فتح الباري 7/ 393. (5) ابن حجر- فتح الباري 2/ 68، 5/ 92. (6) من روآية ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة 3/ 253) معلّقا، الواقدي- المغازي 2/ 495- 496، وقد ذكرا الأسماء والانتماء والعدد، وانظر: ابن سعد- الطبقات 2/ 70. (7) ابن هشام- السيرة 2/ 224، ابن سعد- الطبقات 2/ 68، وانظر: الطبري- تاريخ 3/ 48. (8) ابن هشام- السيرة 2/ 229- 230، الواقدي- المغازي 2/ 481- 2، ابن كثير- البدآية 4/ 113. (9) ابن سعد- الطبقات 2/ 71، البيهقي- دلائل النبوة 3/ 406. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً «1» . واشتدت الرياح الباردة العاصفة العاتية، فاقتلعت خيام المشركين، وأطفأت نيرانهم، وقلبت قدورهم، ودفنت رحالهم، وكان لذلك مع طول فترة الحصار وعدم جدوى الانتظار عوامل أسهمت في انهيار معنويات الأحزاب «2» . وحين انتدب الرسول صلّى الله عليه وسلّم حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبر الأحزاب، فإنه عاد وأخبره بتفرق الناس عن أبي سفيان، وأنه لم يبق معه إلّا عصبة قليلة «3» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يديم الدعاء خلال الحصار فيقول: «اللهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهمّ اهزمهم وزلزلهم» «4» . واستجاب الله سبحانه لدعاء نبيه فأعزّ جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، وتنفس المسلمون الصعداء: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً «5» . لقد بذلت قريش ومن حالفها أقصى طاقاتهم من أجل القضاء على الدعوة الإسلامية واستئصال شأفة المسلمين، ولكن الله تعالى ردهم خائبين. وقد ترتّب على ذلك الفشل آثار خطيرة تمثلت في تغير ميزان القوى لصالح المسلمين، وذلك ما عبّر عنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم» «6» . وذلك يعكس التغير الجذري في سياسة الدولة الإسلامية من اتباع سياسة الدفاع عن المدينة، إلى مرحلة الهجوم والتهديد، وذلك يشير بوضوح إلى أن مناطق الصراع قد انتقلت في أعقاب هذه الغزوة إلى مناطق أخرى مثل مكة وما حولها، وتبوك، وغيرهما بعيدا عن المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية. غزوة بني قريظة: كان نقض بني قريظة لوثيقة العهد التي أبرموها مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند حصار قوات الأحزاب للمدينة في غزوة الخندق وإصرارهم على خيانة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين، وتعريضهم أمن وسلامة المسلمين ودولتهم للخطر، السبب في هذه الغزوة، فقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم بقتالهم بعد انسحاب الأحزاب وانتهاء الحصار والخطر وعودته بالمسلمين من الخندق ووضعهم السلاح «7» . وقد وقعت الغزوة في أول ذي الحجة سنة 5 هـ «8» . حيث أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بالتوجه إلى ديار بني قريظة ومحاصرتهم، وبأن الله سبحانه وتعالى قد أرسل جبريل- عليه السلام-   (1) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 9. (2) مسلم- الصحيح 3/ 1414- 1415 (حديث 1788) . (3) المرجع السابق 3/ 1415، ابن هشام- السيرة 2/ 230، الحاكم- المستدرك 3/ 31، الهيثمي- كشف الأستار 2/ 335، مجمع الزوائد 6/ 136. (4) مسلم- الصحيح 3/ 1363 (حديث 1742) . (5) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 25. (6) البخاري- الصحيح 5/ 48 (الأحاديث 4109، 4110) وشرحه ابن حجر، ورواه ابن إسحاق بلاغا، ابن هشام- السيرة 3/ 352. (7) البخاري- الصحيح 3/ 306، مسلم- الصحيح 7/ 138. (8) ابن سعد- الطبقات 3/ 74، ابن هشام- السيرة 3/ 715، الطبري- تاريخ 3/ 593، ابن سيد الناس- عيون الأثر 3/ 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 ليزلزل حصونهم ويلقي في قلوبهم الرعب «1» ، وطلب إليهم: «ألّا يصلّينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة» «2» . كما خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه إلى بني قريظة واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم «3» ، وبعث عليّا على المقدمة برايته «4» . وكان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف رجل معهم ستة وثلاثون فرسا «5» . واختلفت المصادر في تحديد مدة حصار بني قريظة، وأقوى الأدلة تبين أنه كان خمسا وعشرين ليلة «6» . أراد بنو قريظة، بعد أن اشتد عليهم الحصار، أن يستسلموا وينزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستشاروا الصحابي أبا لبابة بن عبد المنذر، وكان حليفا لهم، فأشار عليهم بأن ذلك يعني ذبحهم «7» . ونزل يهود بني قريظة على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس أملا في أن يرأف بهم بسبب الحلف القديم بينهم وبين الأوس. وقد قضى سعد فيهم أن «تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسّم أموالهم» ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «قضيت بحكم الله» «8» . وقد نفذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حكم الله فيهم، وكانوا أربعمائة مقاتل «9» . ولم يقتل من نسائهم إلّا امرأة واحدة كانت قد قتلت أحد الصحابة حين ألقت عليه رحى من أعلى الحصن، أما الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم فقد أطلق سراحهم «10» . ثم شرع النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك في تقسيم أموالهم وذراريهم بين المسلمين «11» . وإلى ذلك يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً «12» . الغزوات والسرايا والبعوث بعد غزوة بني قريظة حتى الحديبية: بعد ما حقق المسلمون ما حققوه من نجاح في صد الأحزاب وإفشال خططهم، وردهم كيد يهود بني قريظة في نحورهم، فباشروا نشاطا واسع النطاق ضد خصومهم على كافة الجبهات، فقد ضيّقوا الخناق الاقتصادي على قريش من جديد كما نفذوا العديد من السرايا لمعاقبة المشاركين في الأحزاب من جهة أو للثأر من   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري- 3/ 134- 144) . (2) المرجع السابق 3/ 34، ووردت في رواية مسلم (الصحيح 5/ 163) الظهر بدلا من العصر وقد جمع العلماء بين الروايتين (ابن حجر- فتح الباري 7/ 408- 409) . (3) ابن هشام- السيرة 3/ 716- 717. (4) المرجع السابق 3/ 717، ابن حجر- فتح 7/ 413. (5) ابن سعد- الطبقات 3/ 74، ابن سيد الناس- عيون الأثر 3/ 68 دون إسناد. (6) ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 193، الطبري- تاريخ 2/ 583. (7) وقد ندم أبو لبابة على ذلك وربط نفسه إلى إحدى سواري المسجد النبوي حتى قبلت توبته (أحمد- الفتح الرباني 21/ 81- 83) . (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري- 2/ 120، 3/ 24- 25) ، مسلم- الصحيح 5/ 160- 161. (9) أحمد- المسند 3/ 350، وفصل ابن حجر (فتح 7/ 414) في اختلاف المرويات بشأن عددهم والتي تراوحت بين 400- 900 وقد نجا ثلاثة منهم اعتنقوا الإسلام، كما نجا بنو سعفه منهم بسبب التزامهم بالعهد في غزوة الخندق. (10) ابن سعد- الطبقات 2/ 76- 7، ابن هشام- السيرة 3/ 724. (11) البخاري- الصحيح 3/ 11، مسلم- الصحيح 5/ 159. (12) سورة الأحزاب، الآية/ 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 القبائل التي كانت قد غدرت بالدعاة أو ناصبت الإسلام العداء وقد تمثّل النشاط العسكري الإسلامي خلال هذه الفترة في ما يلي: سريّة ابن عتيك لقتل ابن أبي الحقيق: وكان سلام بن أبي الحقيق ممن ألّب الأحزاب ضد المسلمين، وكان يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويعين عليه «1» . وقد رغبت الخزرج في قتله مساواة للأوس في قتلهم لابن الأشرف، وحين استأذنوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم في ذلك أذن لهم ونهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة «2» . وخرج إليه خمسة من الخزرج أمّر الرسول صلّى الله عليه وسلّم عليهم عبد الله بن عتيك الذي تمكّن بمفرده من دخول الحصن، ومن قتله دون أن يؤذي أحدا من ولده أو نسائه، وحينما عادوا ورآهم النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أفلحت الوجوه» «3» . وقد خرجت هذه السريّة في أعقاب غزوة بني قريظة «4» . سريّة محمد بن مسلمة إلى بني القرطاء: أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم سريّة من ثلاثين من أصحابه عليهم محمد بن مسلمة لشن الغارة على بني القرطاء من قبيلة بكر بن كلاب، وذلك في العاشر من محرم سنة 6 هـ «5» ، وقد داهموهم على حين غرّة فقتلوا منهم عشرة، وفر الباقون وغنم المسلمون إبلهم وماشيتهم «6» . وفي طريق عودتهم أسروا ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة وهم لا يعرفونه فقدموا به المدينة، وربطوه بسارية من سواري المسجد. وقد اطّلع عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وكلمه، ثم أمر بإطلاق سراحه في اليوم التالي. وقد تأثر بالجو العام السائد بين المسلمين وأخلاقهم الفاضلة، ومعاملتهم الكريمة، لذلك فإنه بادر إلى إعلان إسلامه، وذكر للرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أن وجهه أصبح أحب الوجوه إليه، وأن دينه أصبح أحب الدين كله إليه، وأن بلده أصبحت أحب البلاد كلها إليه» ، واستأذن في أداء العمرة، فأذن له الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد أن بشّره. وفي مكة عيّره أحد معارفه من قريش بأنه صبأ، فكان جوابه: «لا ولكني أسلمت، وأقسم ألا يأتيهم من اليمامة حبة واحدة حتى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» «7» . وورد في الصحيحين «8» أنه قد أبر بقسمه مما دفع وجوه مكة إلى أن يكتبوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة ليخلي لهم حمل الطعام «9» .   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4039) . (2) ابن هشام- السيرة، من رواية ابن إسحاق بإسناد مرسل موقوف على عبد الله بن كعب (3/ 380) . (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4039) . (4) الواقدي- المغازي 1/ 391- 395، ابن سعد- الطبقات 2/ 92، البيهقي- السنن 9/ 80، الصنعاني- المصنّف 5/ 41. (5) الواقدي- المغازي 2/ 534، ابن كثير- البداية 4/ 168، الذهبي- تاريخ الإسلام (المغازي) ص 351. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4372) ، مسلم- الصحيح 3/ 1386 (حديث 1764) ، أحمد- الفتح الرباني 21/ 88- 90، أبو داود- السنن (كتاب الجهاد 3/ 129) ، ابن شبّة- تاريخ المدينة 2/ 433- 9 بإسناد البخاري ولفظه. (7) انظر المصادر في الهامش السابق. (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث 5393- 5398) ، مسلم- الصحيح 3/ 1386 (حديث 1764) . (9) وزاد ابن هشام على سيرة ابن إسحاق قوله: فأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك (2/ 381) معلّقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 غزوة بني لحيان: خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم في مائتين من الصحابة في ربيع الأول سنة 6 هـ لينتقم لأصحاب الرجيع من بني لحيان، ولم يعلن وجهته، واتبع أسلوب التعمية، وقد سمعت به بنو لحيان فهربوا إلى رءوس الجبال فلم يقدر على أحد منهم «1» . فتقدم إلى عسفان القريبة من مكة، وبعث بعض فرسانه إلى «كراع الغميم» لتسمع به قريش، ويداخلهم الرعب، ويريهم من نفسه والمسلمين قوة «2» . وفي عسفان واجههم جمع من المشركين، وحين صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه الظهر، تلاوم المشركون لعدم هجومهم على المسلمين وهم يؤدون الصلاة، ثم انتظروا الصلاة التالية، فنزل جبريل- عليه السلام- بآية صلاة الخوف على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى العصر بأصحابه وفق أحكامها، وكانت أول صلاة خوف صلّاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «3» . سريّة عكاشة إلى الغمر: وفي ربيع الأول سنة 6 هـ انتدب النبي صلّى الله عليه وسلّم عكاشة بن محصن في أربعين رجلا من أصحابه إلى بني أسد في ماء الغمر، ورغم أنهم أسرعوا، فقد نذر بهم بنو أسد فهربوا، ونزلت السريّة على مياههم وأصابت الطلائع من دلّهم على بعض ماشيتهم، ووجدوا مائتي بعير فغنموها وساقوها إلى المدينة «4» . سريّة محمد بن مسلمة إلى ذي القصّة «5» : وفي ربيع الآخر سنة 6 هـ بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم الصحابي محمد بن مسلمة في عشرة من الصحابة إلى بني ثعلبة وعوال، فكمن لهم القوم حتى ناموا، فقتلوهم كلهم وسقط محمد بن مسلمة بين أصحابه جريحا فظنوه ميّتا. وقد هيأ الله له بعد ذلك أحد المسلمين الذي أنقذه وأطعمه وسقاه وحمله إلى المدينة، فبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا عبيدة عامر بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارع القوم فلم يجدوا أحدا، ووجدوا نعما وشاء فساقوها غنيمة ورجعوا إلى المدينة «6» . سريّة زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم: وفي ربيع الآخر سنة 6 هـ بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم سريّة عليها زيد بن حارثة، فورد الجموم، فأصابوا من دلّهم على محلة لبني سليم أصابوا بها نعما وشاء وأسرى عادوا بهم إلى المدينة «7» .   (1) الواقدي- مغازي 2/ 535، ابن سعد- الطبقات 2/ 79. (2) الواقدي- مغازي 2/ 535- 537، ابن سعد- الطبقات 2/ 78- 80. (3) ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 94، وقد فصل آخرون في بيان الوقت الذي فرضت فيه صلاة الخوف وكيفيتها، انظر: الطبري- تفسير 9/ 127- 162، وهناك من رجح أنها قد فرضت في غزوة الحديبية، انظر ذلك في غزوة الحديبية أدناه. (4) ابن سعد- الطبقات 2/ 85 بدون إسناد، وانظر: خليفة بن خياط- تاريخ ص/ 85. (5) موضع على الطريق من المدينة إلى الشام، لا يبعد كثيرا عن المدينة وهو منزل ثعلبة وعوال. (6) الواقدي- مغازي 3/ 551، ابن سعد- الطبقات 2/ 85. (7) ابن سعد- الطبقات 2/ 86 بدون إسناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 سريّة زيد بن حارثة إلى العيص: وفي جمادى الأولى سنة 6 هـ بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم زيدا في مائة وسبعين راكبا من الصحابة ليتعرضوا لقافلة تجارية قرشية قادمة من بلاد الشام، فتمكنوا من احتوائها وما فيها، وغنموا فيها فضة كثيرة كانت لصفوان بن أميّة، وأسروا عددا ممن كان مع القافلة، منهم أبو العاص بن الربيع الذي استجار بزوجته زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجارته، وقبل الرسول صلّى الله عليه وسلّم إجارتها ورد عليه ما أخذ منه «1» . وعاد أبو العاص إلى مكة حيث رد ما كان معه من أموال القوم وأماناتهم، ثم أعلن إسلامه في مكة، وهاجر إلى المدينة فرد عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم زوجته زينب على نكاحها الأول «2» . سريّة زيد بن حارثة إلى الطّرف «3» : وفي جمادى الآخرة سنة 6 هـ بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم زيدا في خمسة عشر رجلا إلى بني ثعلبة بالطرف، فهرب القوم وكان بلغهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد سار إليهم، وأصابت السريّة نعما وشاء غنيمة، وعادوا إلى المدينة سالمين «4» . سريّة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل: وفي شعبان سنة 6 هـ بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم الصحابي عبد الرحمن بن عوف على رأس سريّة إلى قبيلة كلب بدومة الجندل، وأمره أن يقاتل من كفر بالله، وبألّا يغل ولا يغدر ولا يقتل وليدا. ويذكر ابن سعد أنه قد جاءهم فمكث فيهم ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم رئيسهم الأصبغ بن عمرو الكلبي- وكان نصرانيّا- وأسلم معه خلق كثير من قومه، وأقام من أقام على إعطاء الجزية، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وقدم بها المدينة «5» . سريّة علي بن أبي طالب إلى فدك: بعثها النبي صلّى الله عليه وسلّم في شعبان سنة 6 هـ وهي تتألف من مائة رجل، جعل عليهم علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-. وقد وجهها النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى بني عبد الله بن سعد بن بكر عندما بلغه أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا به يهود خيبر. وكانت السريّة تكمن في النهار وتسير في الليل، وأصاب علي في طريقه عينا أقر له أنه أرسل إلى خيبر ليعرض عليهم نصرهم مقابل تمر خيبر لعام، وقد أمنه علي فدلّهم على مكان اجتماعهم، فأغار المسلمون عليهم فغنموا منهم ألفي شاة وخمسمائة بعير، وهرب بنو عبد الله بن سعد بما معهم من ظعن «6» . وإلى جانب هذه السرايا تذكر المصادر الخاصة بالمغازي والسير معلومات متضاربة عن «سرية زيد بن   (1) ابن سعد- الطبقات 2/ 86 معلّقا. (2) ابن هشام- السيرة 2/ 368، عن ابن إسحاق بإسناد متصل وفيه ابن الحصين. (3) ماء قريب من المراض دون النخيل على مسافة قريبة من المدينة، انظر: ابن سعد- الطبقات 2/ 87، ياقوت- معجم 4/ 31. (4) الواقدي- مغازي 2/ 555، ابن سعد- الطبقات 2/ 87. (5) الواقدي- المغازي 2/ 560 بإسناد متصل، ابن سعد 2/ 89 معلّقا، كما أورده ابن إسحاق بإسناد منقطع على أنها سرية دومة الجندل، ابن هشام- السيرة 4/ 369. (6) الواقدي- المغازي 2/ 562- 564، ابن سعد- الطبقات 2/ 89- 90. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 ثابت إلى بني فزارة» «1» ، وسريّة عبد الله بن رواحة إلى اليسير بن رزّام اليهودي «2» ، وسريّة عمرو بن أمية الضّمري لقتل أبي سفيان «3» . ولم يرد عن هذه السرايا مرويات في الصحيحين، والتناقض والتضارب كبير في مرويات كتب المغازي والسير بشأنها. سريّة كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين: قدم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم جماعة من قبيلتي عكل والعرينة في شوال سنة 6 هـ، وتكلموا بالإسلام، فقالوا يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمر لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بذود وراع.. فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرّة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا الراعي واستاقوا الذود، فبلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم الخبر فبعث الطلب تحت إمرة كرز بن جابر الفهري في آثارهم فقبضوا عليهم، فأمر بهم فسمروا ... وقطعت أيديهم وأرجلهم وتركوا في ناحية الحرّة حتى ماتوا «4» . وقال الجمهور نزل فيهم قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ «5» . سريّة الخبط (سيف البحر) : بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا عبيدة عامر بن الجرّاح في ثلاثمائة راكب نحو ساحل البحر الأحمر ليرصدوا عيرا لقريش، فنفدت أزوادهم، وأصابهم الجوع حتى أكلوا الخبط، ثم نحروا من إبلهم فنهاهم أبو عبيدة لحاجتهم إليها إذا لقوا عدوهم، وألقى إليهم البحر بحوت عظيم أكلوا منه نصف شهر وحملوا بعضا منه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأكل منه «6» . ولم يلق المسلمون كيدا، وعادوا إلى المدينة سالمين. وقد وردت مرويات أخرى في المغازي وكتب السير تفيد بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أرسلهم إلى حي من أحياء قبيلة جهينة «7» . وقال ابن حجر بأن ذلك لا يغاير ظاهره ما في الصحيح لأنه   (1) ابن سعد- الطبقات 2/ 89 معلّقا، وانظر: الواقدي- المغازي 2/ 564، الطبري- تاريخ 2/ 643 وأورد ذلك الإمام مسلم في الصحيح 3/ 1375- 76 (حديث 1755) ، الإمام أحمد (عنه ابن كثير في البداية 4/ 264) ، والبيهقي- دلائل النبوة 4/ 290، ورواية ثانية في الطبري- تاريخ 2/ 643- 644 رواية مغايرة يرد فيها أن أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- كان أميرا لسرية إلى بني فزارة علما بأن رواية أهل المغازي مضطربة من ناحية المتن ومناقضة لأوامر النبي صلّى الله عليه وسلّم بشأن الأسرى. (2) رواه ابن إسحاق وابن سعد معلّقا 2/ 92، والبيهقي- دلائل النبوة 4/ 293- 4، وأبو نعيم- الدلائل 2/ 516- 517، وابن كثير في البداية 4/ 274 ويلاحظ في المرويات تناقض كبير في اسم أمير السرية وفي اسم اليهودي المذكور. (3) ابن سعد- الطبقات 2/ 93- 94 معلّقا، والبيهقي في السنن بإسناد فيه الواقدي والطبري- تاريخ 2/ 542 بإسناد فيه ابن إسحاق، وفيه مجهول لم يترجم له أحد، وهو جعفر بن الفضل. (4) البخاري- الصحيح (الفتح- الأحاديث 4192، 5685، 5686، 6805) ، مسلم- الصحيح 3/ 1296- 8 (حديث 1671) ، كما أورد خبرها الجماعة وأهل المغازي والسير، وانظر الطبري- التفسير 10/ 244- 253. (5) القرآن الكريم- سورة المائدة، الآية/ 33، وانظر: الطبري- تفسير 10/ 242- 44، الشامي- سبل الهدى والرشاد 6/ 181- 190. (6) أورده الإمام البخاري في صحيحه من طرق متعددة (الأحاديث 4360- 4362) ، وكذلك فعل الإمام مسلم 3/ 1535- 1537 (حديث 1935) ، ابن القيم- زاد 2/ 158. (7) الواقدي- مغازي 2/ 774. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 يمكن الجمع بين كونهم ذهبوا يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيّا لجهينة «1» ، ومما يقوي ذلك ما أورده الإمام مسلم في الصحيح أن البعث كان إلى أرض جهينة «2» . غزوة الحديبية «3» : وفي يوم الاثنين الأول من ذي القعدة سنة 6 هـ «4» ، خرج الرسول صلّى الله عليه وسلّم من المدينة متوجها بأصحابه إلى مكة لأداء العمرة «5» . وقد كشف بذلك عن حقيقة النظرة الإسلامية إلى البيت العتيق، والمشاعر الإسلامية نحوه وتعظيمهم لشعائر الله في حجه وعمرته. وكان ذلك في الوقت نفسه إظهارا لخطل دعاية قريش المعادية التي حاولت عبر فترة الصراع أن تبثها بين بطون القبائل والتي أرادت أن تظهر أنّ المسلمين لا يعترفون بمكانة البيت العتيق وحرمته. على أن هذا التوجه نحو أداء العمرة من قبل الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين، وخططهم في الوصول إلى مكة ودخولها لأداء النسك قد أحرج قريشا إلى درجة كبيرة وخصوصا أن ذلك يأتي في أعقاب فشل غزوة الأحزاب وانهيار التحالفات القرشية مع القبائل الأخرى ومع يهود. وهي تبرز بوضوح وجلاء قوة المسلمين واستعلائهم في نظر العرب، في نفس الوقت الذي تخطّل فيه جميع الدعايات القرشية المعادية للمسلمين وأوقعت قريشا في الحرج الشديد، فهي إما أن تسمح للمسلمين وعلى رأسهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالعمرة، فيتحقق العرب من ضعفها وكذب دعاياتها، وإما أن تعارض ذلك، فتصد الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين عن دخول مكة وأداء العمرة، وبذلك ينكشف زيف ادعائها بالحرص على البيت العتيق وحرمته، ويتحدث العرب عن صد قريش لمن قصدوا تعظيمه وتكريمه والحج إليه، وكانت جميع هذه المعاني ماثلة أمام زعماء قريش حين واجهوا هذا الحدث الكبير. أما النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد كان قد أعد للأمر عدته، وأدخل في اعتباره أن تقدم قريش على صده وأصحابه عن الوصول إلى مكة وأداء العمرة، بل حتى مقاتلته ومن معه، ولذلك عزم على الخروج بأكبر عدد ممكن من المسلمين، ولذلك فإنه استنفر المسلمين من أهل البادية، غير أنهم أبطئوا عليه وتعلل بعضهم بأعذار شتى كشفها القرآن الكريم: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً* بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ   (1) ابن حجر- فتح الباري 8/ 97. (2) مسلم- الصحيح/ 1537 (حديث 1935) . (3) موضع فيه بئر يقع على مشارف مكة الشمالية الغربية وعلى مسافة تزيد على عشرين كيلا من المسجد الحرام. وجعلها ابن هشام: «أمر الحديبية» على اعتبار أن الأصل في ذلك الخروج للعمرة وليس للغزو، وقد سميت بالغزوة بها لأن قريشا منعت المسلمين من دخول مكة وهم في الحديبية (السيرة 3/ 427) . (4) أجمع أهل العلم على تاريخها بلا خلاف. وقد رواه الزهري وموسى بن عاقبة وقتادة، كما في دلائل النبوة للبيهقي 3/ 91، وانظر: النووي- المجموع 7/ 78. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4179) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً «1» . وهكذا فقد خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه من المهاجرين والأنصار وبلغ عددهم ألفا وأربعمائة رجل «2» ، حملوا معهم سلاحهم توقعا لشر قريش «3» . وكانوا مستعدين للقتال «4» . صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون بذي الحليفة، وأهلّوا معه محرمين بالعمرة «5» ، وساقوا الهدي معهم سبعين بدنة «6» ، وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصحابي بسر بن سفيان الخزاعي عينا إلى مكة ليأتيه بأخبار قريش وردود فعلها «7» . وأرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد وصوله الروحاء سريّة جعل عليها أبا قتادة الأنصاري- ولم يكن محرما بالعمرة- في جمع من الصحابة إلى ساحل البحر الأحمر بعد أن علم بوجود تجمع للمشركين في «غيقة» ، وخشية أن يباغتوا المسلمين، فلم يلقوا كيدا ويظهر أنهم أخذوا طريق الساحل لتأمينه، إذ لم يلتحقوا بركب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلّا في «السقيا» «8» . وحين وصل المسلمون عسفان «9» جاءهم بسر بن سفيان الخزاعي بأخبار استعدادات قريش وتجميعها الجموع لصد المسلمين عن دخول مكة، وإرسالها طلائع من الفرسان إلى «كراع الغميم» «10» . وحين استشار الرسول صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في الأمر «11» ، أشار عليه أبو بكر الصديق بالتوجه إلى مكة لأداء العمرة والطواف بالبيت وقال: «فمن صدنا عنه قاتلناه» «12» ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «امضوا على اسم الله» «13» . وقد صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه في عسفان صلاة الخوف «14» ، ثم سلك بهم طريقا وعرة عبر ثنية المرار إلى الحديبية متجنبا الاصطدام بخيالة قريش   (1) القرآن الكريم- سورة الفتح، الايات/ 11- 12، وذكر مجاهد بأن المراد بالآية أعراب المدينة: مزينة، وجهينة، الطبري- تفسير 26/ 77، بإسناد حسن إلى مجاهد، غير أنه مرسل. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 3576، 4151، 4154) ، مسلم- الصحيح، كتاب الإمارة ص 73، 75، يحيى بن معين- التاريخ 1/ 321، البيهقي- دلائل النبوة 2/ 214. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4179) . (4) وانفرد الواقدي بالقول بأنهم لم يكونوا يحملون السلاح، المغازي 2/ 573. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 1694- 1965) وهذا يدل على أن ميقات ذي الحليفة كان قد جرى تحديده قبل غزوة الحديبية. (6) أحمد- المسند 4/ 323، ابن هشام- السيرة 3/ 308. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4179) ، أحمد- المسند 4/ 323، ابن هشام- السيرة 3/ 308. (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث 1821- 1824) ، والسقيا موضع يبعد 180 كيلا من المدينة في الطريق إلى مكة. (9) موضع على طريق المدينة- مكة، يبعد 80 كيلا عن مكة. (10) واد بين عسفان ومكة قريب إلى عسفان، يبعد عنها 16 كيلا عن مكة، انظر: البلادي- معجم المعالم الجغرافية في السيرة، ص/ 264. (11) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث 4178- 4179) ، أحمد- المسند 4/ 323. (12) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4179) . (13) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4179) ، أبو داود- السنن 2/ 28 (حديث 1236) ، النسائي- السنن (حديث 1550- 1551) ، ابن كثير- التفسير 1/ 548. (14) مسلم- الصحيح 4/ 2144 (حديث 2780) ، البيهقي- السنن الكبرى 3/ 257، ابن كثير- التفسير 1/ 548، وهذا على رأي من أخر غزوة ذات الرقاع إلى ما بعد فتح خيبر، وهو الصحيح، وخلافا لما ذكره ابن إسحاق وابن هشام والواقدي (السيرة 3/ 203، المغازي 1/ 396) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 والقتال «1» . وقد عجل خالد بن الوليد- وكان يقود فرسان قريش- بالعودة إلى مكة حين علم بذلك، وخرجت قريش فعسكرت على طريق المسلمين «ببلدح» «2» حيث سبقوا المسلمين إلى الماء «3» . وتقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمسلمين حتى إذا اقتربوا من الحديبية بركت ناقته فقالوا: «خلأت القصواء» فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» . ثم قال: «والّذي نفسي بيده، لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» «4» . عدل الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن الطريق المتجه إلى مكة، وسار بأصحابه حتى نزل بأقصى الحديبية على بئر قليل الماء، فلما اشتكى المسلمون العطش، انتزع صلّى الله عليه وسلّم سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيها، فما زالت تجيش بالماء حتى صدروا عنه وكان ذلك من معجزاته صلّى الله عليه وسلّم «5» . عمل الرسول صلّى الله عليه وسلّم على إبلاغ رسالة واضحة لزعماء قريش تضمنت أنه لم يأت لحربهم أو حرب غيرهم، وإنما جاء بقصد الاعتمار وتعظيم البيت العتيق وتكريمه وزيارته والطواف به «6» . وقد بيّن الرسول هذه الوجهة لعدد من الرجال المحايدين أحيانا، وبواسطة رسل أرسلهم لهذا الغرض كذلك. وحين وفد عليه بديل بن ورقاء الخزاعي وبيّن له أن قريشا تعتزم صدّ المسلمين عن دخول مكة، أوضح له النبي صلّى الله عليه وسلّم سبب قدومه وأصحابه، وأظهر التوجّع لما أصاب قريشا من عنادها وحربها، وقد نقل بديل الخزاعي ذلك لقريش فاتهموه وخاطبوه بما يكره، وقالوا: «إن كان إنما جاء لذلك فلا والله لا يدخلها عنوة أبدا، ولا تتحدث بذلك العرب» «7» . ثم أرسل خراش بن أميّة الخزاعي- وهو يقصد بيان موقفه أمام الناس جميعا- فعقروا جمله وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش «8» . وأراد أن يرسل عمر بن الخطاب فبيّن عمر شديد عداوته لقريش وعلمها بذلك وبأن قومه من بني عدي يناصبونه العداء ولا يحمونه «9» ، فعدل النبي صلّى الله عليه وسلّم عنه إلى عثمان بن عفان الذي دخل مكة في جوار أبان بن سعيد بن العاص، وأبلغ قريشا رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم «10» ، وحين سمح زعماء قريش لعثمان بالطواف بالبيت العتيق فإنه أبى أن يسبق النبي صلّى الله عليه وسلّم بالطواف   (1) مسلم- الصحيح- كتاب صفات المنافقين، ص/ 12. (2) وهو أحد وديان مكة المكرمة، أعلاه عند وادي العشر وأوسطه منطقة الزاهر، ومصبّه في مر الظهران شمال الحديبية، انظر: البلادي- معجم المعالم الجغرافية ص/ 49. (3) البيهقي- دلائل النبوة 2/ 219- 220، الواقدي- المغازي 2/ 582، ابن سعد- الطبقات 2/ 95. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 5/ 329- حديث 2731) . (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 5/ 331- حديث 2732) ، وفي رواية صحيحة أخرى أنه صلّى الله عليه وسلّم دعا بماء فتمضمض ومج في البئر (البخاري- الصحيح، فتح الباري- حديث 2577) ويمكن الجمع بين الحديثين. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث 2731، 2732) . (7) أحمد- المسند 4/ 324، وابن إسحاق بإسناد حسن، سيرة ابن هشام 3/ 308. (8) أحمد- المسند 4/ 324، الفتح الرباني 21/ 101- 104، ابن سعد- الطبقات 2/ 96- 97. (9) أحمد- المسند 4/ 324، ابن هشام- السيرة 3/ 308 بإسناد حسن. (10) أحمد- المسند 4/ 324. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 بالبيت، وقد أخرت قريش عودته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحسب المسلمون أنها قتلته «1» ، وبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن عثمان قد قتل «2» فدعا أصحابه إلى البيعة تحت شجرة سمرة، فبايعوه جميعا على الموت «3» سوى الجد بن قيس وكان من المنافقين «4» ، وكان أول من بايع من الصحابة أبو سنان عبد الله بن وهب الأسدي «5» وتابعه الصحابة يبايعون النبي صلّى الله عليه وسلّم على بيعته فأثنى عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: «أنتم خير أهل الأرض» «6» وقال صلّى الله عليه وسلّم أيضا: «لا يدخل النّار إن شاء الله من أصحاب الشّجرة أحد الّذين بايعوا تحتها» «7» . ولما كان عثمان بن عفان قد حبس في مكة، فقد أشار النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يده اليمنى وقال: «هذه يد عثمان» ، فضرب بها على يده، وقال: «هذه لعثمان» «8» وبذلك فقد عدّ عثمان بن عفان- رضي الله عنه- في المبايعين تحت الشجرة. وقبل أن تتطور الأمور وتتأزم، عاد عثمان إلى معسكر المسلمين بعد بيعة الرضوان هذه مباشرة. وقد عرفت البيعة بذلك لأن الله تعالى أخبر أنه رضي عن المبايعين فيها فقال جل جلاله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً* وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً «9» . أرسلت قريش عددا من المبعوثين للتفاوض مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد سفارة بديل بن ورقاء، فقد أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي، وقبل أن يباشر عروة ما عهدت به إليه قريش، ورغبة منه في منع تكرار ما حصل مع بديل قبله من تعنيف وسوء المقالة، وضح لهم موقفه منهم وأقروا له بأنه غير متهم لديهم، ثم أوضح لهم أن ما عرضه عليهم محمد صلّى الله عليه وسلّم هو أمر رشد دعاهم إلى قبوله، فوافقوا على رأيه، وعندما وصل عروة إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قال له مثل ما قال لبديل فأجابه عروة: «أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله   (1) أحمد- المسند 4/ 324 باسناد حسن وقد تقدم. (2) أحمد- المسند 4/ 324. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4169) ، مسلم- الصحيح- كتاب الإمارة (ص/ 81) ، وفي رواية صحيحة أخرى كانت البيعة على الصبر وعدم الفرار، البخاري- الصحيح (حديث 4169) ، مسلم- الصحيح (3/ 1483، حديث 1856) ، ولا تعارض في ذلك لأن المبايعة على الموت تعني الصبر وعدم التولي، انظر ابن حجر- فتح الباري (شرح الحديث 4169 ج 6/ 118) . (4) مسلم- الصحيح 3/ 1483 (حديث 1856) وانظر كتاب الإمارة (ص/ 69) من حديث الصحابي جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- وهو من الذين بايعوا تحت الشجرة. (5) ابن حجر- الإصابة ط/ 95- 96 من حديث الشعبي، وقال: وأخرجه ابن منده من طريق عاصم عن ذر بن حبيش، وصححهما. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4154) . (7) مسلم- الصحيح- كتاب فضائل الصحابة 4/ 1942 حديث 2496) . (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 3698) . (9) القرآن الكريم- سورة الفتح، الآيات 18- 19، وانظر الطبري- التفسير 26/ 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 قبلك؟ «1» .. ولاحظ عروة مبلغ تعظيم المسلمين للرسول صلّى الله عليه وسلّم وحبهم له وتفانيهم في طاعته، فلما رجع إلى مكة، قال لقريش: «أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط، يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمدا» «2» . وبعثت قريش بعد ذلك سيد الأحابيش، الحليس بن علقمة الكناني، فلما اقترب من معسكر المسلمين ورآه النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ هذا من قوم يتألّهون فابعثوا الهدي في وجهه حتّى يراه» «3» ، كما أمر المسلمين أن يلبّوا، فلما رأى الحليس الهدي في قلائده، وسمع تلبية المسلمين عاد أدراجه قبل أن يصل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك إعظاما لما رأى، وقال لقريش: «رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت» «4» ، فكان جوابهم عليه أن طلبوا منه السكوت واتهموه بالجهل «5» ، وقد أنكر الحليس عليهم موقفهم وقال: «يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، أيصدّ عن بيت الله من جاءه معظما له؟! والذي نفس الحليس بيده لتخلنّ بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد» ، فقالوا له: «كف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به» «6» . أرسل زعماء قريش مكرز بن حفص الذي وصفه النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه «رجل فاجر» ، ثم أعقبوه بسهيل بن عمرو، فتفاءل النبي صلّى الله عليه وسلّم بقدومه قائلا لأصحابه: «لقد سهّل لكم أمركم» «7» ، وقال صلّى الله عليه وسلّم «قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل» «8» ، وكانت قريش قد ألزمت سهيل بن عمرو أن «لا يكون في صلحه (محمدا) إلّا أن يرجع عنا عامه هذا، فو الله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا» ، فلما انتهى إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم تكلم فأطال الكلام، وتراجعا، ثم جرى بينهما الصلح «9» . بدأ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يملي شروط الصلح، وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه- هو كاتب الصحيفة «10» ، وأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم إعطاء عقد الصلح صبغة إسلامية فبدأه بالبسملة، فاعترض سهيل قائلا: «ما (الرحمن) فو الله ما أدري ما هو ولكن اكتب (باسمك اللهم) كما كنت تكتب» ، ورفض المسلمون ذلك، ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم وافق على اعتراض سهيل، ثم اعترض سهيل على عبارة «محمد رسول الله» التي وردت في صدر الصحيفة قائلا: «والله لو كنا   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الاحاديث 2731- 2732) ، أحمد- المسند 4/ 324 باسناد حسن. (2) مصادر الهامش السابق. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 2731) . (4) المرجع السابق (الحديث 2732) . (5) ورد في الرواية الصحيحة قولهم له: «اجلس، إنما أنت أعرابي لا علم لك» ، مع أنهم كانوا قد أوفدوه ليفاوض نيابة عنهم. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث 2731، 2732) . (7) المرجع السابق (الأحاديث 2731- 2732) . (8) المرجع السابق نفسه، وانظر ابن هشام- السيرة 3/ 439 من حديث برواية ابن إسحاق وبإسناد حسن. (9) البخاري- الصحيح (الأحاديث 2731- 2) ، ابن هشام- السيرة 3/ 439. (10) صرح بهذه التسمية الشيخان (البخاري- الصحيح حديث 2698- 2699، مسلم- الصحيح 3/ 1410 حديث 1783) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب «محمد بن عبد الله» فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» ، وحين أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يثبت في صحيفة الصلح عبارة «على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به» إعترض سهيل قائلا: «والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة (قهرا) ، ولكن ذلك في العام المقبل، فنخرج عنها فتدخلها في أصحابك، فأقمت فيها ثلاثا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب» ، فوافق النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك «1» ، ثم قال سهيل: «وعلى أن لا يأتيك منا رجل- وإن كان على دينك- إلّا رددته إلينا» فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» ، فقال سهيل: «والله إذا لن أصالحك على شيء أبدا» ، وقد حاول النبي صلّى الله عليه وسلّم استثناء أبا جندل من الشرط غير أن سهيلا أصر على موقفه رغم موافقة مكرز بن حفص على طلب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلم يجد النبي صلّى الله عليه وسلّم إزاء إصرار سهيل بدّا من إعادته إليه «2» . وقد تم الاتفاق في الصلح بعد ذلك «على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض. وعلى أنه من أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أصحابه بغير إذن وليه رده عليهم، ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يردّوه عليه. وأن بيننا عيبة مكفوفة (صدور نقية) وأنه لا إسلال ولا إغلال (ولا سرقة ولا خيانة) . وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.. «3» ، وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة. وإنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك، وأقمت فيهم ثلاثة معك سلاح الراكب، لا تدخلها بغير السيوف في القرب» (أغمادها) . «4» ولقد تذمر كثير من الصحابة من أغلب شروط هذا الصلح، وخصوصا من التعديلات التي أحدثها سهيل ابن عمرو فيها وأصر عليها، فقد امتنع علي بن أبي طالب عن محو عبارة «رسول الله» التي كانت قد وردت في ديباجة العقد في بادىء الأمر «5» ، وغضب المسلمون لشرط رد المسلمين لإخوانهم الذين يفرون من مكة إلى   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الحديثان 2731- 2732) . (2) المرجع السابق نفسه، مسلم- الصحيح 3/ 1410 حديث 1783، عبد الرزاق الصنعاني- المصنف 5/ 343. (3) ورد في ثنايا الرواية عن الصلح بعد هذا الموضع من المتن قوله: «فتواثبت خزاعة فقالوا نحن مع عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعهده، وتواثبت بكر فقالوا نحن مع عقد قريش وعهدهم» . ولا شك أن هذا قد حصل في وقت لاحق، بناء على ما ورد في العقد وهو ليس جزءا منه، انظر أحمد- المسند 4/ 325. (4) أحمد- المسند 4/ 325، ابن هشام- السيرة 3/ 308 بإسناد حسن. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 2699، 4251، 2698، وقد حصل التباس في تحديد الشخص الذي تولّى الكتابة عند امتناع علي- رضي الله عنه- عن ذلك، أورد الامام مسلم في صحيحه أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي رضي الله عنه: «أرني مكانها» فأراه مكانها فمحاها- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 المعسكر الإسلامي بغير إذن أوليائهم، وسألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا رسول الله تكتب هذا؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «نعم.. إنّه من ذهب إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا» «1» . ولقد ظهر الغضب الشديد على عمر بن الخطاب بسبب ما تضمنته شروط الصلح التي تصور أنها مهينة وأنها لا تعكس موقفا صلبا في الدفاع عن الحق، ولنستمع من عمر- رضي الله عنه- إلى ردة فعله حينذاك، قال: «فأتيت نبي الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ألست نبي الله حقّا؟، قال: «بلى» . قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: «بلى» ، قلت: فلم نعط الدنية في ديننا إذا؟ قال: «إنّى رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري» ، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى. أفأخبرتك أنّك تأتيه العام؟» قلت: لا، قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به» «2» . ولما أعاد عمر- رضي الله عنه- الكلام مع أبي بكر- رضي الله عنه- بمثل ما كلم النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال له أبو بكر: «يا عمر: إنه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولن يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فو الله إنه على الحق» «3» . ولم يكن المسلمون يشكّون في أنهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت العتيق كما سبق وأعلمهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما جرى صلح الحديبية على الشروط التي تضمنها، فإنهم تألموا وساورت بعضهم الشكوك «حتى كادوا أن يهلكوا» وخصوصا حين أعيد أخوهم أبو جندل وهو يستنجد بهم قائلا: يا معشر المسلمين: أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني عن ديني» والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا أبا جندل اصبر واحتسب فإنّ الله- عزّ وجلّ- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا» «4» . وكان عمر يمشي بجانب أبي جندل يغريه بأبيه ويقرب إليه سيفه ولكن أبا جندل لم يفعل، فأعيد إلى المشركين «5» . ولم تكف قريش عن التحرش بالمسلمين خلال مرحلة المفاوضات وكتابة وثيقة الصلح بل حتى بعد إنجاز   - رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكتب مكانها «ابن عبد الله» ، ولا يستدل من ذلك على معرفته صلّى الله عليه وسلّم القراءة والكتابة فإن معرفة رسم هاتين الكلمتين ومحوه لهما أو معرفته رسم اسمه صلّى الله عليه وسلّم مما يتكرر كتابته أمامه كثيرا من قبل كتابه، لا يخرجه عن كونه أميّا كما وصفه القرآن الكريم، وذهب الجمهور إلى أن المقصود من قوله «كتب» بمعنى أمر بالكتابة انظر ابن حجر- فتح الباري 7/ 504 (حديث 4251) . (1) مسلم- الصحيح- كتاب الجهاد ص/ 93، (3/ 1411- حديث 1084) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 2731- 2732، 3182) ، مسلم- الصحيح 3/ 1412، حديث 1785، أحمد- المسند 4/ 325 باسناد حسن. (3) البخاري- الصحيح الأحاديث 2731، 2732، 3182، وفي مسند أحمد 4/ 325 بإسناد حسن حيث صرح ابن إسحاق بالتحديث (ابن هشام- السيرة 3/ 308) وفيه أن عمر- رضي الله عنه- تكلم أولا مع أبي بكر- رضي الله عنه- ثم أعاد الكلام مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفيه قوله: يا عمر الزم غرزه (أي تمسك بأمره) حيث كان فإني أشهد أنه رسول الله قال عمر: وأنا أشهد» ... كما نقل قول عمر- رضي الله عنه-: «ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا، ويرى ابن حجر أن «جميع ما صدر منه كان معذورا فيه بل هو مأجور لأنه مجتهد» فتح الباري 5/ 346- 7. (4) أحمد- المسند 4/ 325. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 ذلك؛ وربما كان ذلك من أساليب الضغط على المسلمين خلال مرحلة المفاوضات، وقد تكون التحرشات المتأخرة بسبب طيش شبابها وتهورهم، غير أن الملاحظ هو أن المسلمين قد احتملوا تلك التحرشات بصبر وجلد، وانضباط دقيق، مع يقظة تامة واستعداد، وعند ما حاولت مجموعة كبيرة من رجال قريش قاربت ثمانين رجلّا الاستيلاء على معسكر المسلمين بشكل مباغت، سارع المسلمون بتطويقهم وأسرهم، ثم عفا الرسول صلّى الله عليه وسلّم عنهم فأطلق سراحهم «1» ، ثم أسر المسلمون بعد ذلك ثلاثين شابّا من قريش اعتدوا على معسكرهم، وأطلق النبي صلّى الله عليه وسلّم سراحهم «2» . كما عفا صلّى الله عليه وسلّم عن سبعين آخرين أسروا بعد إبرام الصلح، وعن أربعة آخرين كانوا يقعون بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد عقد الصلح واختلاط المسلمين بالمشركين «3» ، وفي ذلك نزل قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ «4» . وحينما تم الصلح وأبرم العقد، أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم من معه من المسلمين أن ينحروا الهدي ويحلقوا رءوسهم، وكرر ذلك ثلاث مرات فلم يقم أحد منهم بالاستجابة لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك ما يعكس الحالة النفسية الانفعالية التي قاسى منها المسلمون حينذاك بسبب استفزازات قريش المتكررة إضافة إلى تصورهم الخاطيء في أن شروط الصلح قد تضمنت إجحافا بهم، وكأنهم كانوا يأملون الرجوع عن الصلح. قام النبي صلّى الله عليه وسلّم بمشورة من أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها- بذبح الهدي وحلق رأسه، فتابعه المسلمون عند ذلك، «فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا» «5» فدعا لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم «6» وبذلك تحلل النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن معه من المسلمين من عمرتهم، وشرع التحلل للمحصر وأنه لا يلزمه القضاء «7» . وبعد أن أقام المسلمون في الحديبية عشرين يوما «8» عاد بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وكانت غيبتهم هذه عنها قد امتدت شهرا ونصف الشهر «9» . وفي طريق عودة المسلمين من الحديبية تكررت معجزة النبي صلّى الله عليه وسلّم في تكثير الطعام والماء «10» ، وأنزلت سورة   (1) مسلم- الصحيح، كتاب الجهاد ص/ 33. (2) أحمد- المسند 4/ 86 بسند صحيح. (3) مسلم- الصحيح- كتاب الجهاد (ص/ 132) حديث 1807. (4) القرآن الكريم- سورة الفتح، الآية/ 24. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الاحاديث 2731، 2732) ، أحمد- المسند 4/ 326. (6) أحمد- المسند 2/ 34 باسناد صحيح. (7) البخاري- الصحيح (حديث 2701) ، مسلم- الصحيح، كتاب الجهاد والسير ص/ 97، أبو داود- السنن- كتاب المناسك (م 1749) ، الحاكم- المستدرك 1/ 467. (8) وقيل سبعة عشر يوما، انظر الواقدي- مغازي 2/ 616، ابن سعد- الطبقات 2/ 98. (9) ابن سيد الناس- عيون الأثر 2/ 123. (10) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4152) ، مسلم- الصحيح 3/ 1354 (حديث 1785) ، أحمد- المسند 3/ 417- 418، البيهقي- دلائل النبوة 2/ 222- 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الفتح، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم واقفا براحلته «بكراع الغمام» ، فأسرع الناس إليه، فقرأ عليهم قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً «1» . فقال رجل: يا رسول الله أفتح هو؟ قال: «نعم والّذي نفسي بيده إنّه لفتح» «2» ، وأورد البخاري برواية صحيحة» أن أصحابه قالوا: هنيئا مريئا فما لنا؟ فأنزل الله تعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً «4» ، فانقلبت كآبة المسلمين وحزنهم إلى فرح وحبور، وأدركوا أنهم لا يمكنهم أن يحيطوا بالأسباب والنتائج، وأن الخير كله هو في التسليم لأمر الله ورسوله. ولقد أتاحت الهدنة المبرمة بين الطرفين للمسلمين فرصة التفرغ لتصفية آخر معاقل يهود في خيبر والتي كانت بؤرة تحريض ومكر ضد الدعوة الإسلامية، كما أتاحت لهم فرصة التفرغ لنشر الإسلام في بطون القبائل، وذلك ما عمل على التعجيل بنشر عقيدة التوحيد على نطاق واسع وهذا ما عناه الزهري في قوله عن صلح الحديبية: «فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضا، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلّم أحد بالإسلام بعقل إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك» «5» وقد ساق ابن هشام في السيرة الدليل على صحة قول الزهري ودقته فقال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج في عام الفتح بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف» «6» . فترة ما بين الحديبية وفتح مكة: ما إن عاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون إلى المدينة، حتى جاءه أبو بصير مسلما فارّا من قريش. وقد أرسلت قريش اثنين من رجالها مطالبة النبي صلّى الله عليه وسلّم بتنفيذ بنود صلح الحديبية بشأنه، فسلمه النبي صلّى الله عليه وسلّم إليهما، غير أن أبا بصير سرعان ما تمكن من قتل أحد الرجلين وهم في طريق العودة إلى مكة، وفر ثانيهما إلى المدينة وخلفه أبو بصير، فلما انتهى إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال أبو بصير: «قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم نجّاني الله منهم» . فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ويل أمّه، مسعر حرب لو كان له أحد» !. فلما سمع أبو بصير مقالة النبي صلّى الله عليه وسلّم عرف أنه سيرده ثانية إلى   (1) القرآن الكريم- سورة الفتح، الآية/ 1، البخاري- الصحيح (فتح الباري: حديث 4172) ، وفيه أوضح قتادة رواية عن أنس- رضي الله عنه- أن تفسيره الفتح بالحديبية مأخوذ عن أنس. (2) أبو داود- سنن، كتاب الجهاد (م 2736) ، أحمد- المسند 3/ 420. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4172) . (4) القرآن الكريم- سورة الفتح، الآية/ 5. (5) ابن هشام- السيرة 3/ 322. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 قريش، فخرج من المدينة وحده حتى أتى سيف البحر «1» . فهم المسلمون المستضعفون بمكة من مقالة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بصير أنه بحاجة إلى أن يدعمه إخوانه من مسلمي مكة، فأخذوا يتسللون من مكة فرارا إلى أبي بصير عند سيف البحر، وكان من بين من لحق به أبو جندل بن سهيل بن عمرو وآخرون، حتى اجتمعت معه عصبة كبيرة، تسببت في نكبة كبيرة لتجارة قريش إلى الشام، فقد تعرضوا لقوافل قريش التجارية، يقتلون رجالها وحراسها ويستولون على أموالها وعيرها، فاضطرت قريش إلى التنازل عن البند الخاص بإعادة المسلمين الفارّين من قريش إلى ذويهم، وكتبت تستنجد بالنبي صلّى الله عليه وسلّم «تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم إليهم» وهم بناحية العيص، فاستجابوا وقدموا عليه صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة «2» . وبعد هذا الحدث وبعد أن تنازلت قريش عن شرط إعادة المسلمين من قريش إلى ذويهم جاء إسلام خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وهذا عزز معسكر المسلمين وقدراته، وخذّل قريشا وأحرجهم. ولقد اقتصر الرسول صلّى الله عليه وسلّم في البداية على رد المسلمين الفارّين من الرجال بموجب بنود الصلح، أما النساء فلم يردّهن، ويرجع السبب في ذلك إما لعدم دخولهن في بنود العهد أصلا «3» ، أو لأن القرآن قد نسخ ما ورد بحقهن في العقد في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «4» . استمرت هدنة الحديبية نحو السبعة عشر أو الثمانية عشر شهرا، قبل أن تنقض قريش الهدنة حيث أعانت حلفاءها بني بكر ضد خزاعة حلفاء المسلمين على ماء الوتير قرب مكة، مما كان سببا في إبطال المعاهدة ومهد لفتح مكة. رسائل النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الملوك والأمراء: لقد كان صلح الحديبية فتحا كبيرا للإسلام، ذلك أنه أتاح الفرصة لتوسيع نطاق الدعوة إلى الله- عز وجل- داخل جزيرة العرب وخارجها، فقد وردت رواية صحيحة «5» ، تضمنت نص كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي بعثه   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 5/ 332 حديث 2731، 2732) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 5/ 332، حديث 2732) ، البيهقي- السنن 9/ 227، وقد وردت روايات متعددة حول عددهم فقد ساقه البيهقي من رواية الزهري مرسلا، ويذكر أنهم كانوا ثلاثمائة رجل في حين وردت روايات أخرى تجعلهم بين 60- 70 رجلا، وفي دلائل النبوة أن أبا بصير توفي قبل أن يقدموا المدينة، وأن أبا جندل قدم بالرجال بعد أن دفنه (2/ 343- 4) . (3) وقد ورد في نصوص البخاري: «وعلى أنه لا يأتيك منا رجل» انظر (فتح الباري الاحاديث 2711، 2712) ، وقد ورد أيضا نصّا آخر: «وعلى أنه لا يأتيك منا أحد» (فتح الباري 6/ 240) . (4) القرآن الكريم- سورة الممتحنة، الآية/ 10. (5) حديث أبي سفيان الطويل في صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم والذي ورد في الصحيحين: البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 32- الأحاديث 2940- 2941) ، مسلم- الصحيح 3/ 1393- 1397، حديث 1773) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 مع دحية الكلبي إلى هرقل- عظيم الروم «1» وذلك في مدّة هدنة الحديبية، وهو كما يلي: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتّبع الهدى: أمّا بعد، فإنّى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّما عليك إثم الأريسيّين قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «2» . «3» . ولقد تسلم هرقل رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم ودقق في الأمر كما في الحديث الطويل المشهور بين أبي سفيان وهرقل المروي في الصحيحين حين سأله عن جميع أحوال النبي، وقال بعد ذلك لأبي سفيان: «إن كان ما تقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه» «4» . وأرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم بكتاب إلى كسرى ملك الإمبراطورية الفارسية، مع عبد الله بن حذافة السهمي، «أمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين «5» ، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فدعا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يمزّقوا كلّ ممزّق» «6» .   (1) دفعه دحية الكلبي إلى عظيم بصري فدفعه إلى هرقل. (2) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ 64. (3) استشكل عدد من الحفاظ المتأخرين ورود هذه الآية في الخطاب الذي ثبت أنه أرسل آخر العام السادس الهجري خلال هدنة الحديبية- وذلك لأنهم قالوا إنها إنما نزلت في السنة التاسعة بمناسبة قدوم وفد نجران، في حين وردت روايات أخرى تشير إلى أنها نزلت في يهود المدينة، ولعل في إيراد الشيخين لها في هذا الموضع ما يشير إلى ترجيهما لنزولها قبل تاريخ الرسالة، وقد وردت تفصيلات عن تتمة الخبر في موارد الظمآن لابن حبان (حديث 1628) بإسناد صحيح، وفي كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص/ 255) بإسناد صحيح، وانظر مسلم (شرح النووي 12/ 107، كتاب الجهاد/ 5، كتب النبي صلّى الله عليه وسلّم) . (4) مسلم- الصحيح 3/ 1393- 7، (حديث 1773) . (5) وهو ملك البحرين المنذر بن ساوى كما في شرح المواهب اللدنية للزرقاني (3/ 341) ، ولم يرد في صحيح البخاري اسم عظيم البحرين (فتح 8/ 128) . (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 26/ ح/ 4424) وقد ثبت أن الملك كسرى أبرويز بن هرمز هو الذي تسلم رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومزقها، قد مات في مارس 628 م بمؤامرة دبرها له ولده شيرويه، وذلك يطابق ما أوردته النصوص من أن موته كان بعد ذلك ببضعة أشهر. الرواية مطولة في الطبري- تاريخ 2/ 655- 657، وانظر ابن سعد- الطبقات 1/ 260، وقد حصل اختلاف كبير بين المصادر بشأن تاريخ الرسالة إلّا أن المعوّل عليه هو ما ذكره ابن القيم: أن إرسالها قد جرى في محرم سنة 7 هـ (زاد المعاد 1/ 30) ، وأما في تاريخ خليفة ابن خياط ص/ 79، والواقدي (السيرة لابن هشام 4/ 279) ، والطبري- تاريخ 2/ 288) ، فقد جعلوها سنة 6 هـ، ولم يحدد البخاري تاريخا للرسالة. وإنما مر بذكرها بعد حديثه عن غزوة تبوك دون مراعاة لعنصر الزمن مما يشير إلى أنه أراد الإشعار بها، وذلك ما ذهب إليه ابن حجر (فتح 1/ 39، 8/ 129) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 أما نص الرسالة فقد ورد في التاريخ للطبري «1» والأموال لأبي عبيدة القاسم بن سلام «2» ، كما أورده ابن طولون في إعلامه «3» ونص الكتاب كما أورده الطبري كالتالي: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتّبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، إلى النّاس كافة، لينذر من كان حيّا، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس» «4» . أما كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى النجاشي ملك الحبشة فقد ثبت أنه أرسله مع عمرو بن أمية الضمري، وأورد الإمام مسلم خبر إرسال الكتاب، وأوضح أن النجاشي المقصود ليس النجاشي الذي أسلم «5» ، وأورد أبو داود في سننه قطعة من كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى النجاشي «6» . ونقل الزيلعي وابن طولون وغيرهما نص كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى النجاشي برواية الواقدى «7» ، وقد جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله، إلى النّجاشيّ ملك الحبشة، أسلم أنت، فإنّي أحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن، وأشهد أنّ عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطّيّبة الحصينة فحملت به، فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده، وإنّي أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة عن طاعته، وأن تتّبعني وتؤمن بالّذي جاءني فإنّي رسول الله، وإنّي أدعوك وجنودك إلى الله- عزّ وجلّ-، وقد بلّغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسّلام على من اتّبع الهدى» «8» .   (1) الطبري- تاريخ الرسل والملوك 2/ 654- 5 وروايته بإسناد مرسل. (2) أبو عبيد- الأموال 253 بإسناد مرسل. (3) ابن طولون- إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين ص/ 61- 2. (4) تاريخ 2/ 654- 655 واورد الطبري بعدها نص الرسالة برواية ابن إسحاق وقد جاء فيها بعد التشهد عبارة، «وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيّا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك» (2/ 654- 5) . (5) مسلم- الصحيح 3/ 1397 حديث 1774، وعن حامل الرسالة انظر أسد الغابة 4/ 193- 4، ابن سعد- الطبقات 2/ 258. (6) أبو داود- السنن 4/ 490 كتاب الملاحم- النهي عن تهييج الحبشة (حديث 4309) ، ولم يثبت نص الكتاب فقد أورده ابن إسحاق دون إسناد (مسلم- الصحيح 3/ 1397) (حديث 1774) وذكرت المصادر عددا من النصوص الاخرى التي لا تثبت عند المحدثين إذ وردت دون أسانيد صحيحة. (7) الزيلعي- نصب الراية لأحاديث الهداية 4/ 421، ابن طولون- إعلام السائلين ص 50- 1 ونقل عن ابن المديني نصوص جواب النجاشي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، انظر ابن طولون- إعلام السائلين ص/ 50، الزيلعي- نصب الراية 4/ 421، الطبري- تاريخ 2/ 653، ابن سيد الناس- عيون الأثر 2/ 264- 265. ومع أن إسلام النجاشي وصلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة الغائب عليه عند وفاته سنة 9 هـ هي من الأمور الثابتة والصحيحة، فإن حال الكتاب الذي أرسله لم يثبت من طريق صحيح (حميد الله الحيدر آبادي- مجموعة الوثائق- الأرقام 23، 24) . (8) الزيلعي- نصب الراية 4/ 421. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 أما كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المقوقس حاكم مصر «1» وكذلك رد المقوقس إليه «2» فلم تثبت من طرق صحيحة، ولا يعني ذلك نفي إرسال الكتاب إليه، كما أن ذلك لا يعني الطعن بصحة النصوص من الناحية التاريخية فربما تكون صحيحة من حيث الشكل والمضمون غير أنها لا يمكن أن يحتج بها في السياسة الشرعية وذلك يسري على معظم وثائق العهد النبوي الأخرى إذ لا مجال لتصحيحها من الناحية الحديثية ولم تعن الكتب الستة بتخريجها مع بعض الاستثناءات، رغم أن الكثير منها يمكن أن يكون صحيحا من الناحية التاريخية «3» ، فلقد أورد محمد بن سعد في طبقاته «4» أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث إلى المقوقس، جريج بن مينا ملك الإسكندرية وعظيم القبط، كتابا مع حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، وأنه قال خيرا وقارب الأمر، غير أنه لم يسلم وأهدى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عدة هدايا كان بينها ماريّة القبطية، وأنه لما ورد جواب المقوقس إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ضنّ الخبيث بملكه، ولا بقاء لملكه» «5» . وأورد الطبري رواية أسندها إلى ابن إسحاق جاء فيها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث شجاع بن وهب، أخا بني أسد ابن خزيمة، برسالة إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق «6» ، حين عودته والمسلمين من الحديبية، وقد تضمن نص الرسالة التي أسندها الطبري إلى محمد بن عمر الواقدي قوله: «سلام على من اتّبع الهدى، وآمن به، إنّي أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقي لك ملكك» . «7» وقد أظهر الحارث الغساني رفض الإسلام، والامتعاض من محتويات الرسالة، وحشد قواته لغزو المدينة، غير أن هرقل تدخل في الأمر ودعاه إلى إيلياء «8» .   (1) أوردت بعض المصادر التاريخية وكذلك كتب السيرة كتابين نسبوهما إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، غير أنهما لم يثبتا من طريق صحيحة. (2) ذكرت بعض المصادر كتابين رد بهما المقوقس على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهما لم يثبتا أيضا من طريق صحيحة. (3) أكرم العمري- السيرة النبوية الصحيحة 2/ 459. (4) الطبقات الكبرى 1/ 260- 261. (5) المصدر السابق 1/ 260- 61 برواية الواقدي، وابن هشام- السيرة 1/ 247، وانظر: ابن حجر- الإصابة 3001، 3/ 335، 4/ 405، ابن كثير- البداية 5/ 340. وقد أورد الزيلعي- نصب الراية 4/ 424 نصوص الرسائل المتبادلة بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمقوقس وكذلك ابن طولون- إعلام السائلين ص/ 77- 81. وقد عثر المستشرق الفرنسي (ymelehtraB) في منطقة أخميم في صعيد مصر عام 1850 م على رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المقوقس مكتوبة على جلد قديم، وقد نشرها في المجلة الآسيوية 1854 م وقد وثق بها كل من المستشرقين بلين، ونولدكه. ونشر الدكتور عون الشريف قاسم الرسالة في كتابه «دبلوماسية محمد» ص/ 80- 86، ومن الجدير بالذكر أن أقدم نص لرسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المقوقس قد أوردها ابن عبد الحكم في فتوح مصر ص/ 46 ونقلها القسطلاني في المواهب اللدنية 1/ 292- 293. (6) وهو من أمراء الغساسنة وكانت إقامته على ما يظهر من النص في دمشق، الطبري- تاريخ 2/ 652. (7) الطبري- تاريخ 2/ 652، والسند الأول من طريق ابن إسحاق، والثاني من طريق الواقدي وكلاهما ضعيف. (8) ابن سعد- الطبقات 3/ 356، والراجح أن هذه الرسالة قد وصلت الحارث في الوقت نفسه الذي تسلم فيه هرقل رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم التي وجهها له مع دحية الكلبي، وبقية القصة أوردها ابن سيد الناس- عيون الاثر 2/ 270- 71، من رواية الواقدي أيضا وفيها نص الرسالة، وأورد ابن هشام- السيرة 4/ 339 خبر إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم لشجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني بإسناد ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وكتب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى هوذة بن علي الحنفي «1» كتابا أرسله مع سليط بن عمرو العامري، مقدمه من الحديبية، وقد اشترط هوذة الحنفي على الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد قراءته رسالته إليه أن يجعل له بعض الأمر معه، فرفض النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقبل ذلك» . وكتب النبي صلّى الله عليه وسلّم كتابا إلى المنذر بن ساوى العبدي، أمير البحرين، مع أبي العلاء الحضرمي «3» بعد انصرافه من الحديبية، ونقلت المصادر التاريخية أن المنذر قد استجاب لكتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم، وأسلم معه جميع العرب بالبحرين، فأما أهل البلاد من اليهود والنصارى والمجوس فإنهم صالحوا العلاء والمنذر على الجزية من كل حالم دينار «4» ، ونقل أبو عبيد القاسم بن سلام نص كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المنذر بن ساوى برواية عروة بن الزبير، وجاء فيه: «سلام أنت، فإنّي أحمد إليك الله الّذي لا إله إلا هو، أمّا بعد: فإنّ من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الّذي له ذمّة الله وذمّة الرّسول، فمن أحبّ ذلك من المجوس فإنّه آمن ومن أبى فإنّ الجزية عليه» «5» . وفي ذي القعدة سنة ثمان من الهجرة بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص بكتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندى الأزديين بعمان «6» . وقد جاء فيه: «من محمّد النّبيّ رسول الله لعباد الله الأسبذيّين ملوك عمان، وأسد عمان «7» ، ومن كان منهم بالبحرين إنّهم إن آمنوا وأقاموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا حقّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ونسكوا نسك المؤمنين، فإنّهم آمنون وأنّ لهم ما أسلموا عليه، غير أنّ مال بيت النّار ثنيا لله ورسوله، وأنّ عشور التّمر صدقة، ونصف عشور الحبّ، وأنّ للمسلمين نصرهم ونصحهم، وأنّ لهم على المسلمين مثل ذلك، وأنّ لهم أرحاءهم يطحنون بها ما شاءوا» «8» .   (1) وكان صاحب اليمامة، ومات بعد فتح مكة بقليل، الزيلعي- نصب الراية 4/ 425. (2) ذكر ابن سعد الخبر في طبقاته (1/ 262) دون أن يذكر نصوص الرسائل المتبادلة، وانظر ابن سيد الناس- عيون الأثر 2/ 269- 270، الزيلعي- نصب الراية 4/ 425، ابن طولون- إعلام السائلين ص/ 105- 107. (3) أوردها ابن سيد الناس- عيون الأثر 2/ 266- 267، أبو عبيد القاسم- الأموال ص/ 30 من رواية عروة بن الزبير مرسلا، وأرخه قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي في السنة الثامنة للهجرة، ابن طولون- إعلام السائلين ص/ 56- 57 كما أورد ابن سعد في الطبقات 1/ 263، طرفا منها، وانظر الزيلعي نصب الراية 14/ 420، القلقشندي- صبح الأعشى 6/ 368، ابن الأثير- الكامل في التاريخ 2/ 265. (4) ابن الأثير- الكامل 2/ 146- 147، ولم يورد نص رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم إليه ولا جوابه وكذلك فعل ابن سيد الناس- عيون 2/ 266- 267، وهناك روايات أخرى تشير إلى رسالة الرسول صلّى الله عليه وسلّم الأولى إلى المنذر، ولكنها مؤرخة في رجب سنة 9 هـ منصرفه من تبوك انظر ابن طولون- إعلام السائلين ص/ 58 من رواية الواقدي، وذكر ذلك الزيلعي- تخريج أحاديث الهداية 4/ 419- 420. (5) أبو عبيد- الأموال ص/ 28. (6) ابن طولون- إعلام السائلين ص/ 58، الزيلعي- تخريج أحاديث الهداية 4/ 419- 420، القلقشندي- صح 6/ 376. (7) أشد عمان: قبيلة، يقال لها أزد وأسد (بالزاي والسين) . (8) أبو عبيد- الأموال ص/ 28- 29، وانظر النص في البلاذري- فتوح ص/ 1/ 96 من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-، ونص فيه: «ولم تمجّسوا أولادكم، فلكم ما أسلمتم عليه، غير أن بيت النار لله ورسوله، فإن أبيتم فعليكم الجزية» والمقصود هو أنّ خزائن بيوت النار التي ألغاها الإسلام تصبح فيئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وأوردت المصادر بعد ذلك عددا كبيرا من المرويات عن رسائل أخرى لم تثبت من الناحية الحديثية منها كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ إلى كل من أهل دما «1» ، ورعية السّحيمي «2» ، ومسيلمة الكذاب «3» ، وعظيم بصري «4» ، وبكر بن وائل «5» ، وبني عمرو بن حمير «6» ، وجبلة بن الأيهم «7» ، وذي الكلاع بن ناكور، وذي عمرو «8» ، ومعد يكرب بن أبرهة «9» ، وأسقف بني الحارث، وأساقفة نجران «10» ، وصاحب أيلة «11» ، وابن ظبيان الأزدي الغامدي «12» ، وزعماء حمير «13» ، ونفاثة بن فروة الدئيلي ملك السماوة «14» . ومن الممكن أن تكون هذه الرسائل صحيحة من الناحية التاريخية، ولكنها تبقى دون الاحتجاج بها في موضوعات العقيدة والشريعة، وإلى جانب ذلك فإن هذه الرسائل في مجموعها تؤكد على عالمية الإسلام وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قام بالتبليغ على أوسع نطاق. غزوة ذي قرد: وقعت هذه الغزوة قبل غزوة خيبر بثلاث ليال «15» ، فقد أغار عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري على لقاح «16» لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانت ترعى بذي قرد، فأخذها بعد أن قتل راعيها، وحين علم سلمة بن الأكوع بما حدث فإنه أنذر إخوانه المسلمين وبادر بعد ذلك فلحق بعبد الرحمن الفزاري ورجاله، وأخذ يرميهم بنبله حتى استنقذ اللقاح من أيديهم وتهاربوا عنه حين وصله النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون، وقد أردف النبي صلّى الله عليه وسلّم سلمة بن الأكوع   (1) ابن طولون- إعلام السائلين ص/ 97- 98، ابن الأثير- الكامل 2/ 225، وعن موضع دما وهي من قرى البحرين، انظر: معجم البلدان 2/ 461. (2) ابن حجر- الإصابة 1/ 516، ابن طولون- إعلام السائلين ص/ 99- 101، وانظر أحمد- المسند 5/ 585. (3) ابن سعد- الطبقات 1/ 273. (4) الواقدي- المغازي 2/ 755- 756. (5) ابن حبان- موارد الظمآن، رقم (1626) . بسنده إلى أنس بن مالك، ابن طولون- إعلام ص/ 132، الزيلعي- نصب الراية 4/ 419. (6) ابن سعد- الطبقات 1/ 265 من رواية الواقدي. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق 1/ 265- 266. (9) المرجع السابق 1/ 266. (10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (11) المرجع السابق 1/ 277- 278. (12) المرجع السابق 1/ 280. (13) المرجع السابق 1/ 282 من حديث الزهري. (14) المرجع السابق 1/ 284. (15) حدد تاريخها الإمام البخاري عند ترجمته لهذه الغزوة وقد رجح ابن حجر في الفتح 7/ 460 (حديث 460) ، وابن كثير في البداية والنهاية 4/ 173 ذلك. (16) جمع لقحه وهي النياق ذات اللبن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 خلفه على راحلته تكريما له حتى دخلوا المدينة. «1» سرية أبان بن سعيد بن العاص: لم تحدد المصادر الجهة التي وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه السرية إليها في نجد، كما لم يرد ما يوضح عدد المشاركين فيها، أو نتائجها، وقد عادت السرية على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو بخيبر بعد أن تم فتحها «2» . غزوة خيبر: كان إجلاء بني النضير عن المدينة ونزول زعمائهم في خيبر حاسما في بلورة موقف معاد ليهود خيبر تجاه المسلمين، وهو أمر لم يكن ظاهرا قبل ذلك «3» ، وحين نزل سلّام بن أبي الحقيق وابن أخيه كنانة بن الربيع، وحيي بن أخطب خيبر فقد دان لهم أهلها بالولاء والطاعة «4» ، وكان لذلك أثره في تصدي يهود خيبر للصراع ضد الإسلام والمسلمين، حيث جرهم قادتهم الجدد إلى التصدي للإسلام بغية الانتقام وبدافع حقدهم الدفين على المسلمين، ورغبتهم العارمة في استعادة ديارهم ومواقعهم ومصالحهم في المدينة ولذلك فقد أجلوا منها. وهكذا فقد قام يهود خيبر وزعماؤهم الجدد بدور بارز في تجميع الأحزاب وحشدهم ضد المسلمين، بل إنهم أنفقوا أموالهم، واستغلوا علاقاتهم مع يهود بني قريظة من أجل نصرة الأحزاب. وطعن المسلمين في ظهورهم «5» ، وهكذا أصبحت خيبر مصدر خطر كبير على المسلمين ودولتهم النامية. تفرغ المسلمون بعد صلح الحديبية لتصفية خطر يهود خيبر الذي أصبح يهدد أمن المسلمين، ولقد تضمنت سورة الفتح التي نزلت بعد الحديبية وعدا إلهيّا بفتح خيبر وحيازة أموالها غنيمة، قال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً* وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً* وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً* وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً «6» .   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 4/ 173، حديث 4194) ، مسلم- الصحيح 3/ 1432- 1441، (حديث 1806) ، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 173. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 498- 9، حديث 4238) . (3) ينقل ابن هشام في السيرة (3/ 272) ما يفيد بأن حادثة إجلاء بني النضير عن المدينة لم يكن كافيا لكسر شوكتهم فقد غادروا المدينة ومعهم النساء والأولاد والأموال بل وحتى القيان، وأنهم خرجوا في تظاهرة اعتداد بالنفس غريبة، فقد «كانت العازفات خلفهم يضر بن بالدفوف ويزمرن بالمزامير وهم يغادرون بخيلاء وفخر واعتداد بالنفس لم يحصل مثله في حي من الناس في زمانهم» . (4) المرجع السابق 3/ 273. (5) ابن هشام- السيرة 3/ 253- 255، وكان ذلك سببا في العقوبة الرادعة التي أنزلت ببني قريظة بعد فشل غزوة الأحزاب، وكذلك في إرسال سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلام بن أبي الحقيق (البخاري- الصحيح، فتح الباري- كتاب المغازي 7/ 1340) . (6) القرآن الكريم- سورة الفتح، الآيات/ 18- 21. وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن الإشارة في قوله تعالى: وعجّل لكم هذه تعني فتح خيبر، انظر ابن كثير- التفسير 7/ 322 وهو قول مجاهد، وانظر ما أورده ابن حجر- فتح الباري 7/ 464 برواية ابن إسحاق عن المسور، ومروان وقولهما: «يعني خيبر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وقد كانت غزوة خيبر في المحرم من السنة السابعة للهجرة على أرجح الأقوال «1» رغم الخلاف بين مؤلفي كتب السيرة والمغازي حول ذلك «2» . وقاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم جيش المسلمين وكان عدده ألفا وأربعمائة مقاتل فيهم مائتا فارس، ولم يغب عن المشاركة في غزوة خيبر أحد من أصحاب بيعة الرضوان في الحديبية سوى جابر بن عبد الله «3» وكانت الروح المعنوية للمسلمين عالية، وكانوا يلهجون بالتهليل والتكبير لله تعالى بأصوات مرتفعة، مما يشعر بمدى إيمانهم وتوكلهم على الله، وثقتهم بالنصر منه سبحانه، وقد طلب منهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يرفقوا بأنفسهم فقال: «إنّكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم» » ، وقد سلك المسلمون طريق ثنية الوداع فزغابة، ونقمي، فالمستناخ، فعصر، فالصهباء، فالخرصة، وحين وصلوا منطقة خيبر سلكوا بين الشق والنطاة، ثم المنزلة، ثم الرجيع التي تقع شمال شرق خيبر حيث عسكروا فيها «5» ، ويبدو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قصد من ذلك أن يعزل خيبر عن المنطقة الشمالية، كما يعزلها عن حلفائها من غطفان. نزل المسلمون بساحة يهود خيبر قبل بزوغ الفجر، وصلوا الصبح مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم باشروا الهجوم مع شروق الشمس «6» ، وقد فوجيء الفلاحون من يهود بالمسلمين حين كانوا في طريقهم إلى أشغالهم، فصاحوا: «محمد والخميس!» ، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الله أكبر خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» «7» . وقد تهارب اليهود إلى حصونهم وأغلقوها دونهم فحاصرهم المسلمون، وحاولت قبيلة غطفان نجدة حلفائها اليهود، ولكنهم لم يشتركوا في القتال خوفا من أن يهاجم المسلمون ديارهم «8» .   (1) قال بذلك ابن إسحاق، انظر سيرة ابن هشام 2/ 130، الواقدي- مغازي رسول الله 2/ 634، ابن حجر- فتح الباري 7/ 464. (2) يكمن مرد الخلاف في الأصل إلى الاختلاف في تحديد بداية السنة الهجرية الأولى فقد احتسب بعضهم الأشهر بين محرم وربيع الأول وهو شهر الهجرة مما نجم عن احتساب إضافة سنة واحدة كاملة الى تواريخ الحوادث بسبب أن السنة الهلالية الشرعية تبدأ من المحرم، ومنهم من امتنع عن ذلك واهملها معتبرا ربيع الأول بداية التقويم، وبذلك فإنه أسقط تسعة أشهر من تاريخ الحوادث، وفي هذه المناسبة ذهب كل من الزهري ومالك إلى أن خيبر وقعت في المحرم من السنة السادسة (ابن عساكر- تاريخ دمشق 1/ 33) في حين ذهب محمد بن سعد إلى أنها وقعت في جمادى الأولى سنة 7 هـ (الطبقات 2/ 106) في حين اعتبرها شيخه الواقدي في صفر أو ربيع الأول السنة السابعة (المغازي 2/ 634) . (3) أبو داود- السنن، كتاب الخراج والفيء والأمارة 3/ 413، الحاكم- المستدرك، 2/ 131، وكان غياب جابر بعذر مشروع (ابن هشام- السيرة النبوية 3/ 467) . (4) البخاري- الصحيح، كتاب المغازي- باب غزوة خيبر 7/ 470 (حديث 4205) . (5) الواقدي- مغازي 2/ 639. (6) الواقدي- مغازي 2/ 639، ابن هشام- سيرة 3/ 438. (7) البخاري- الصحيح، كتاب الصلاة 1/ 478، (حديث 610) ، مسلم- الصحيح 3/ 1426- 1427، حديث 1365) . (8) ذكر ابن إسحاق أنهم تجمعوا وساروا نحو خيبر وبعد أن قطعوا مرحلة، سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم فرجعوا وخلوا بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبين خيبر (ابن هشام- السيرة 3/ 438) ، ويقرر الواقدي وصول غطفان إلى حصون خيبر وينفرد بالقول أنهم رفضوا عرضا من النبي صلّى الله عليه وسلّم بمنحهم تمر خيبر لذلك الموسم مقابل إنسحابهم، ولا يصح الاعتماد على هذه المعلومات لضعف الواقدي وعدم ورود ذلك من طرق أخرى (الواقدي- مغازي 3/ 650) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 بدأ المسلمون حصارهم لحصون خيبر، وحمل أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- الراية خلال اليومين الأولين من حصار حصن ناعم، ولقي المسلمون مقاومة عنيفة وأصابتهم شدة وجهد، ولم يتمكنوا من فتح الحصن خلال تلك الفترة فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي دافع اللّواء غدا إلى رجل يحبّه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، ولا يرجع حتّى يفتح له» «1» ، فطابت نفوس المسلمين، فلما صلّى فجر اليوم الثالث دعا علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ودفع إليه اللواء فحمله فتم فتح الحصن على يديه «2» ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أوصى عليّا بأن يبدأ بدعوة يهود إلى الإسلام وبأن يقاتلهم إذا رفضوا ذلك «حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله» «3» ، وقد استشهد في حصار حصن ناعم محمود بن مسلمة الأنصاري الذي ألقى عليه مرحب اليهودي رحى من أعلى الحصن، وقد بارزه عليّ بعد ذلك فقتله، وكان لذلك أثره السلبي في هبوط معنويات اليهود، فقد كان مرحب من أبطالهم المعدودين «4» . وواصل اليهود في حصن الناعم مقاومتهم الحصار الإسلامي الذي استمر لمدة عشرة أيام «5» . توجه المسلمون بعد فتح حصن الناعم إلى حصار حصن الصعب بن معاذ في منطقة النطاة، وقد تحصن فيه خمسمائة مقاتل من اليهود ومعهم المؤن والطعام والمتاع، وقد أبلى المسلمون، وحامل رايتهم الحباب بن المنذر، بلاء حسنا وأحكموا الحصار، واستمرت مقاومة اليهود ثلاثة أيام قبل أن يفتح الله بالنصر للمسلمين، وقد غنموا منه الكثير من الطعام والمتاع «6» . وكان حصن قلعة الزبير آخر حصون منطقة النطاة، وأكثرها حصانة، وقد تجمع فيه إضافة إلى من كان فيه أصلا، أولئك الذين فروا من حصني ناعم والصعب وبقية حصون اليهود القريبة، وحاصرهم المسلمون، وقطعوا عن الحصن مجرى الماء واضطروهم إلى الخروج من الحصن للقتال، وأصابوا منهم عشرة من مقاتليهم، قبل أن يتم فتح الحصن بعد ثلاثة أيام من الحصار «7» .   (1) أحمد- المسند 5/ 353. (2) أحمد- المسند 5/ 353، الحاكم- المستدرك 3/ 37، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 150، وأصل الرواية ورد في صحيح مسلم 4/ 1872 (الاحاديث 2405- 2407) وليس فيه خبر حمل أبي بكر الراية، ووردت عدة روايات ضعيفة أخرى فيها أن عمر- رضي الله عنه- هو حامل الراية، وبأنه قد تعاقب مع أبي بكر- رضي الله عنه- عليها. (3) مسلم- الصحيح، كتاب الفضائل 4/ 1872، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 177. (4) مسلم- الصحيح 3/ 1433 (حديث 1807) ، وانظر ابن هشام- السيرة 3/ 438، الواقدي- مغازي 2/ 645 وقد وردت عدة روايات تفيد أن عليا تترس بأحد أبواب الحصن بعد أن أسقط ترسه بعد مبارزته لأحد أبطال اليهود وكلها روايات ضعيفة وإهمالها وعدم إعتبارها لا ينفي عن علي- رضي الله عنه- قوته وشجاعته وجهاده وصلابته ويكفيه ما قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم عنه وما ورد في فضائله بالمرويات الصحيحة. انظر الساعاتي- الفتح الرباني 21/ 120، ابن هشام السيرة 3/ 446، ابن كثير- السيرة 3/ 359، ابن حجر الإصابة 2/ 509، البيهقي- دلائل 4/ 212، الشامي السيرة 5/ 201. (5) الواقدي- المغازي 2/ 657، وانظر البيهقي- دلائل 4/ 212. (6) الواقدي- المغازي 2/ 659- 663. (7) الواقدي- المغازي 2/ 663- 670، الشامي- سبل 5/ 202- 206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 انتقل المسلمون بعد ذلك من معسكرهم في الرجيع، وعسكروا في منطقة المنزلة بعد أن تخلصوا من أهل النطاة الذين كانوا أشد وأشرس اليهود، وقد ارتفعت معنويات المسلمين كثيرا بسبب انتصاراتهم المتكررة على عدوهم وحيازتهم طعامه ومتاعه، في الوقت الذي انحطت فيه معنويات يهود خيبر الآخرين، إضافة إلى ما أصابهم من رعب وقنوط وهم يشاهدون حصون منطقة النطاة وهي تتهاوى تحت ضربات المسلمين وحصارهم. وتوجه المسلمون لفتح منطقة الشق التي تحتوي على عدد من حصون اليهود أهمها حصن أبيّ، وحصن النزار، وبعد مبارزات فردية هجم المسلمون على حصن أبّي فاقتحموه وحازوا ما فيه من طعام ومتاع، وتمكن بعض مقاتلة اليهود من الانتقال إلى حصن نزار، فدعموا مقاومته بوجه الهجوم الإسلامي، وقاتلوا بالنبال والحجارة، غير أنهم سرعان ما تهاوت مقاومتهم، وكتب الله النصر للمسلمين، وفتح الحصن، وفر من تمكن من مقاتلته إلى منطقة الكتيبة حيث تحصنوا في حصن القموص المنيع، كما التحق بعضهم بمن كان في حصني الوطيح والسلالم. وقد حاصرهم المسلمون أربعة عشر يوما، حتى طلبوا الصلح دون أن يحصل قتال «1» ، وكان القتال عند حصن نزار في منطقة الشق هو آخر قتال ليهود خيبر، فقد انهارت بعد ذلك مقاومتهم، فاقتصروا على التحصن في قلاعهم وآطامهم وحصونهم وكانوا دائما ينزلون على الصلح «2» والثابت أن يهود حصن القموص سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم الصلح ثم نكثوا العهد فحاز أموالهم «3» ، وتواترت الروايات الصحيحة على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد فتح خيبر عنوة فقد غلب على الأرض والنخل وألجأهم إلى حصونهم التي قاتلهم عليها أو صالحهم فنكثوا العهد «4» . ولقد أيقن يهود حصني الوطيح والسلالم بعدم جدوى المقاومة بعد أن سقطت حصونهم الشمالية المنيعة: النطاة والشق والقموص، ولذلك فإنهم سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يسيّرهم وأن يحقن دماءهم، وقد وافق النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك «5» . وبذلك فقد سقطت سائر منطقة خيبر أرضها وزروعها ومياهها وحصونها بيد المسلمين «6» .   (1) الواقدي- المغازي 658- 671. (2) انفرد الواقدي بتقديم صورة واضحة عن أحداث فتح منطقة خيبر ووادي القرى وفدك وما جاورها، ومع أنه ضعيف عند المحدثين والنقاد، فإنه إخباري غزير المعلومات، وما يقدمه في هذا المجال هو مما يتساهل فيه من الأخبار. (3) وكان صلحهم على أن للمسلمين ما كان عندهم من ذهب وفضة وسلاح ودروع «الصفراء والبيضاء والحلقة» ، وأن لهم ما حملت ركابهم، على ألّا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد، فغيبوا مسكا لحيي بن أخطب، وحين سئلوا عنه أنكروا وجوده وادعوا أنه إنما أذهبته الحروب والنفقات، فوجد المسلمون المسك عندهم مما أسقط ذمتهم وعهدهم (ابو داود- السنن 3/ 408) . (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 3/ 32 حديث 1365) ، مسلم الصحيح 3/ 1427 (حديث 1365) ، أبو داود- السنن 3/ 408- 410، كتاب الخراج (حديث 3009) بإسناد صحيح وقد جزم ابن القيم في زاد المعاد 3/ 352- 354 أنها فتحت عنوة، وبه قال ابن عبد البر- الدرر ص/ 214. (5) ابن هشام- السيرة 3/ 449. (6) لقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أبقى يهود خيبر فيها على أن يعملوا في زراعتها وينفقوا عليها من أموالهم ولهم نصف ثمارها على أن للمسلمين حق إخراجهم منها متى ما أرادوا ذلك، وكان هذا الاتفاق بمبادرة من يهود أنفسهم انظر: البخاري- الصحيح (باب معاملة النبي صلّى الله عليه وسلّم أهل خيبر) 7/ 496، مسلم- الصحيح- كتاب المساقاة 3/ 1186- 1187، أبو داود- السنن، كتاب البيوع 3/ 697. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 ولما فرغ المسلمون من فتح خيبر، بلغت يهود فدك أخبارهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فبعثوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يطلبون الصلح على أن يحقن دماءهم ويسيرهم، ويتنازلوا في المقابل عن أموالهم له، وقد وافق النبي صلّى الله عليه وسلّم على طلبهم «1» ، وبذلك كانت فدك خالصة للرسول صلّى الله عليه وسلّم. «2» حاصر المسلمون بعد ذلك وادي القرى فاستسلمت، وغنم المسلمون منها أموالا كثيرة وتركوا الأرض والنخل بيد يهود وعاملوهم عليها مثل خيبر «3» ، وكذلك الحال مع تيماء التي صالحت وعومل أهلها في زراعة أرضهم على مثل معاملة خيبر ووادي القرى «4» . استشهد من المسلمين خلال هذه المعارك عشرون رجلا «5» ، في حين بلغ عدد قتلى يهود في معارك خيبر ثلاثة وتسعين رجلا «6» ، وذلك من خذلان الله تعالى ليهود، حيث كانوا يقاتلون من خلف حصونهم وهم يدافعون عنها، في حين كان المسلمون في حالة هجوم وهم بدون حواجز أو سواتر سوى عصمة الله تعالى. أحدث فتح خيبر وفدك ووادى القرى وتيماء دويّا هائلا في الجزيرة العربية بين مختلف القبائل، وقد أصيبت قريش بالغيظ والكآبة إذ لم تكن تتوقع ذلك، وهي تعلم مدى حصانة قلاع يهود خيبر، وكثرة مقاتلتهم، ووفرة سلاحهم ومتاعهم ومئونتهم «7» ، أما القبائل العربية الأخرى المناصرة لقريش فقد أدهشها خبر هزيمة يهود خيبر، وخذّلها انتصار المسلمين الساحق، ولذلك فإنها جنحت إلى مسالمة المسلمين وموادعتهم بعد أن أدركت عدم جدوى استمرارها في عدائهم، مما فتح الباب واسعا لنشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، بعد أن تعززت مكانة المسلمين في أعين أعدائهم إلى جانب ما تحقق لهم من خير وتعزيز لوضعهم الاقتصادي. وقد نزلت آية من الذكر الحكيم، أوضحت بأن غنائم خيبر هي خاصة بمن شهد الحديبية من المسلمين   (1) أبو داود- السنن 3/ 414 كتاب الخراج (حديث 3016) ، المنذري- مختصر سنن أبي داود 4/ 239، أبو يوسف- الخراج ص/ 50. (2) حيث أنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وهي الفيء الذي نصت عليه الآية/ 6 من سورة الحشر. (3) خليفة بن خياط- التاريخ ص/ 85 وهي مجموعة قرى في واد كثير الزراعة إلى الشمال من خيبر بينها وبين تيماء، وانظر ابن القيم- زاد المعاد 1/ 405. (4) ابن القيم- زاد المعاد 1/ 405. (5) أورد ابن هشام في السيرة 20/ 804- 805 قائمة بأسماء الشهداء في خيبر، أما الواقدي فقد ذكر أنهم خمسة عشر شهيدا (المغازي 2/ 700) . (6) الواقدي- المغازي 2/ 699، وقد سبيت نساؤهم، وكانت أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب- رضي الله عنها- أصلا ضمن سبي خيبر وقعت في سهم دحية الكلبي، فاشتراها النبي صلّى الله عليه وسلّم وأعتقها ثم تزوجها في طريق العودة إلى المدينة (البخاري- الصحيح) فتح الباري حديث 4211) ، وعنده أنه اصطفاها لنفسه، وانظر مسلم- الصحيح 2/ 1045- 1046 (حديث 1365) ، الحاكم- المستدرك 4/ 28. (7) أحمد- المسند 3/ 138، الهيثمي- موارد الظمآن ص/ 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 لا يشاركهم فيها أحد، قال تعالى: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا «1» . غزوة ذات الرقاع: جزم الإمام البخاري بأنها حصلت بعد غزوة خيبر «2» وكانت وجهة الغزوة بلاد غطفان القريبة من خيبر شمال المدينة، ولم يقع في هذه الغزوة قتال بين المسلمين وغطفان، ولكن أخاف بعضهم بعضا، فصلى المسلمون صلاة الخوف بمنطقة نخل التي تبعد يومين عن المدينة «3» ، وقد حصلت في هذه الغزوة بعض الأحداث التي كانت لها دلالاتها الكبيرة، منها قصة الأعرابي الذي تسلل إلى معسكر المسلمين وهم في طريق عودتهم إلى المدينة، في وقت القيلولة وقد نزل النبي صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة علق عليها سيفه، فاخترطه الأعرابي والنبي نائم فاستيقظ، فقال له الأعرابي من يمنعك مني؟ فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الله» «4» ، فسقط السيف من يده ولم يعاقبه النبي، ونزلت الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «5» . السرايا بين غزوة خيبر و عمرة القضاء: كان أول تلك السرايا، هي سرية عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- الذي بعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم في ثلاثين راكبا إلى تربة القريبة من الطائف، وحينما علمت بطون هوازن الساكنة في تربة بذلك هربوا، فرجع عمر بأصحابه إلى المدينة، وكان ذلك في شعبان السنة السابعة من الهجرة. «6» وفي الوقت نفسه كان أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- قد تولى أمر سرية بعثها النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى بني فزارة   (1) القرآن الكريم- سورة الفتح، الآية/ 15، وانظر الطبري- تفسير 26/ 50، وقد قسم الرسول صلّى الله عليه وسلّم خيبر إلى قسمين قسم وزعه على الفاتحين وقسم جعله لما ينزل به من نوائب ووفود، وقسمت حصة المقاتلة على أساس أن للفارس سهمين وأن للراجل سهما واحدا (أبو داود- السنن 3/ 413، الحاكم- المستدرك 2/ 131) وقد ثبت أن مهاجرة الحبشة عادوا خلال هذا الوقت إلى المدينة، وتوجهوا إلى خيبر حين علموا بأمر غزوة النبي صلّى الله عليه وسلّم إليها، غير أنهم وصلوا إليها بعد الفتح وكان عددهم يتراوح بين 52- 53 بقيادة جعفر بن أبي طالب، فأعطاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم من الغنائم ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح سواهم (البخاري- الصحيح- كتاب فرض الخمس 6/ 237، مسلم- الصحيح كتاب فضائل الصحابة 4/ 1946) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4128) وكذلك عند أبي معشر مما ذكره ابن حجر، وهو الراجح عند ابن حجر أيضا. وذهب ابن إسحاق أنها سنة 4 هـ بعد الخندق (ابن هشام- السيرة 3/ 282) ، وعند الواقدي وابن سعد أنها كانت في أول السنة الخامسة من الهجرة (مغازي 1/ 395، الطبقات 2/ 61) . (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 416- 421) . (4) المرجع السابق (فتح الباري- الأحاديث: 4135- 4136) وفيه تصريح باسم الأعرابي. (5) القرآن الكريم- سورة المائدة، الآية/ 11، وانظر ابن كثير- التفسير 3/ 58- 59، من رواية عبد الرزاق بسنده عن طريق معمر إلى جابر، والطبري- تفسير 10/ 106، ابن هشام- السيرة 3/ 287- 288 بإسناد متصل، وانظر ابن حجر الفتح 7/ 417. (6) الواقدي- مغازي- رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 2/ 722، ابن سعد- الطبقات 2/ 117 معلقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 من أرض نجد، فشن عليهم الغارة فقتل منهم وسبى «1» . وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم بشير بن سعد على رأس سرية من ثلاثين رجلا إلى بني مرّة بفدك، فاستاق أنعامهم بينما كانوا في بواديهم، وقد لحقوا بالسرية فقتلوا من لم يتجنبهم، وقاتل بشير بن سعد ببسالة حتى سقط فحسبوه ميتا ورجعوا بأنعامهم، فانحاز بشير بعد ذلك إلى فدك وأقام بها أياما حتى ضمدت جراحه ورجع إلى المدينة، ونقل خبر مصابهم علبة بن زيد الحارثي» . وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم غالب بن عبد الله في مائة وثلاثين راكبا بينهم أسامة بن زيد، إلى الحرقة من جهينة، فصبحوا القوم، وهزموهم قال أسامة: «ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله؟» قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذا، قال: «أقتلته بعد أن قال لا إله إلّا الله؟» فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» «3» . وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم بشير بن سعد على رأس سرية من ثلاثمائة رجل وعقد له اللواء في شوال سنة 7 هـ بعد أن بلغه أن عيينة بن حصن قد واعد جمعا من غطفان بالجناب قرب خيبر ليكونوا معا في الزحف على المدينة، وقد هاجمت السرية ديارهم وأصابت غنائم كثيرة من الأنعام، غير أنهم تهاربوا ولم يأسروا منهم إلّا رجلين قدم بهما بشير إلى المدينة فأسلما فأطلق النبي صلّى الله عليه وسلّم أسرهما «4» . عمرة القضاء: خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم ومعه ألفان من المسلمين سوى النساء والصبيان، منهم الذين شهدوا الحديبية، في ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة «5» ، ميمّمين نحو مكة المكرمة لأداء العمرة، حسب شروط معاهدة الحديبية «6» ، حيث كانوا تعاقدوا على أن يدخل هو ومن معه من المسلمين مكة المكرمة لأداء العمرة وأن تترك لهم قريش مكة ثلاثة أيام وألا يدخلوا معهم سلاحا إلّا السيوف في الغمد «7» . وقد أشارت رواية عن موسى بن عقبة أن المسلمين   (1) مسلم- الصحيح 3/ 1375- 1376 (حديث 1775) ، وانظر ابن سعد- الطبقات 2/ 117- 118. (2) الواقدي- مغازي 2/ 723، ابن سعد الطبقات 2/ 118- 119. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 6872) واللفظ للبخاري، مسلم- الصحيح 1/ 96- 97، الأحاديث 185- 159، أورده عن غير طريق أسامة في الصحيح 1/ 97 (حديث 160) ، ابن إسحاق (انظر ابن كثير البداية 4/ 248 بإسناد حسن، الواقدي- مغازي 2/ 724، ابن سعد 2/ 199. (4) ابن سعد- الطبقات 2/ 120، الواقدي- مغازي 2/ 727- 729. (5) ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 219، ابن حجر- فتح 7/ 500، البيهقي- دلائل النبوة 4/ 313- 314. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 449) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 صحبوا معهم أسلحتهم وذلك خشية من غدر قريش «1» ، وأنهم أبقوها خارج حدود الحرم في ياجج «2» ، وتركوا عليها مجموعة من المسلمين لحراستها «3» ، ودخلوا مكة بسلاح الراكب والسيوف في غمدها وفقا لشروط الصلح. دخل الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون مكة في موكب مهيب وهم يلهجون بالتكبير والتلبية، وأورد الترمذي رواية حسنة غريبة جاء فيها أن عبد الله بن رواحة كان يمشي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ينشد: خلّوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله «4» . طاف المسلمون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم بالبيت العتيق وأظهروا القوة والجلد في طوافهم وسعيهم كما أمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم «5» ، ردّا على إشاعة قريش عنهم بأنهم ضعفاء «قد وهنتهم حمّى يثرب» فقد أرملوا وسارعوا بالعدو في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، كما هرولوا في السعي ليظهروا للمشركين مدى قوتهم وجلدهم. «6» وكانت قريش قد خرجت من مكة وتجمعت على جبل قعيقعان المواجه للركنين الأسود واليماني من البيت العتيق ينظرون إلى المسلمين في طوافهم وسعيهم ويتعجبون من قوتهم ويلومون بعضهم بعضا بشأن الزعم بأن حمى المدينة قد أوهنتهم «7» . وبعد أن أدى النبي صلّى الله عليه وسلّم مناسك العمرة هو ومن معه، وجه جماعة من أصحابه إلى موضع سلاحهم في ياجج ليتيحوا الفرصة لإخوانهم الذين كانوا يحرسون السلاح لأداء نسكهم وقضاء عمرتهم، ففعلوا «8» ، ثم دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم الكعبة المشرفة ومكث فيها إلى الظهر، وأورد ابن سعد رواية غير صحيحة جاء فيها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بلالا فأذن على ظهر الكعبة «9» . ولما انقضت الأيام الثلاثة على إقامة النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين في مكة، جاء المشركون من قريش إلى علي بن أبي طالب وقالوا له: «قل لصاحبك: اخرج عنا فقد مضى الأجل» ، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة في اليوم الرابع ونزل   (1) نقله ابن حجر في فتح الباري 7/ 449- 500، وكذلك البيهقي- دلائل 4/ 314 بإسناد مرسل من حديث موسى بن عقبة عن الزهري، ابن سعد- الطبقات 2/ 121 معلقا. (2) موضع يقع على ثمانية أميال من مكة، ياقوت- معجم 5/ 424. (3) ابن سعد- الطبقات 2/ 122. (4) فتح الباري 7/ 502 وقال الترمذي: حديث حسن غريب. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 508- 509) ، مسلم- الصحيح 2/ 923 (حديث 1266) . (6) أحمد- المسند 4/ 239، رقم (3536) ، وانظر الهامش السابق. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 508- 509، حديث 4256، 4257) ، مسلم- الصحيح 2/ 923 (حديث 1266) ، أحمد- المسند 4/ 239. (8) ابن سعد- الطبقات 2/ 122. (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 بسرف فأقام بها إلى أن تتامّ الناس، ثم انصرف بهم إلى المدينة «1» ، وقد نزل في عمرة القضاء هذه قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً «2» . وقد اتضحت في عمرة القضاء هذه جملة أحكام منها حكم من نوى العمرة وأهل بها وصد عن الوصول إلى البيت العتيق، ومنها ما يتعلق بأحكام الرضاعة كما في قصة عمارة بن حمزة بن عبد المطلب، ومنها تقديم الخالة في الحضانة على سائر الأقارب بعد الوالدين «3» . السرايا والأحداث بين عمرة القضاء وغزوة فتح مكة: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد عودته من عمرة القضاء سرية من خمسين فارسا إلى بني سليم جعل عليها ابن أبي العرجاء السلمي، فلما فصلوا من المدينة، خرج عين لبني سليم كان معهم إلى قومه فحذرهم، فجمّعوا واستعدوا للقتال؛ وحين وصلت السرية، ودعوا إلى الإسلام رفضوا واستكبروا وأحدقوا بالسرية فقتلوا عامة من فيها وأصيب ابن أبي العرجاء وسقط بين القتلى ثم تحامل ومن عاد إليه من بقايا سريته حتى بلغوا المدينة في شهر صفر سنة 8 هـ «4» . وفي الأول من شهر صفر من السنة الثامنة للهجرة خرج عمرو بن العاص عامدا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليسلم، فلقيه خالد بن الوليد وهو في الطريق إلى المدينة، يريد ما يريد عمرو، فقدما سويا على الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبايعاه على الإسلام «5» . وفي صفر من السنة الثامنة للهجرة، بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية من بضعة عشر رجلا جعل عليهم غالب بن عبد الله، وجههم إلى بني الملوّح وهم بالكديد «6» ، وقد كمنت السرية بعد وصولها الموضع وفي السحر شنّوا الغارة   (1) البخاري- الصحيح، فتح الباري 7/ 499 (حديث 4251) ، وكان ذلك في ذي الحجة انظر: ابن سعد- الطبقات 2/ 122، ابن هشام- السيرة 4/ 22- 23. في سرف تزوج صلّى الله عليه وسلّم بأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث العامرية: البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4259) ، ابن القيم- زاد المعاد (3/ 372- 4) ، أبو داود- السنن 2/ 425، البيهقي- دلائل (4/ 332- 6) ، مسلم- الصحيح (2/ 1032 حديث 1411) . (2) القرآن الكريم- سورة الفتح، الآية/ 27. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 505- حديث 4251) ، أبو داود- السنن، 2/ 709- 710، كتاب الطلاق (حديث 2278) ، ابن القيم- زاد المعاد 3/ 375- 376. (4) الواقدي- مغازي 2/ 741 بإسناده إلى الزهري، ابن سعد- الطبقات 2/ 123 معلقا، البيهقي- دلائل 4/ 341 من مراسيل موسى بن عقبة عن الزهري. (5) أورد الإمام أحمد قصة إسلام عمرو بن العاص في الفتح الرباني 21/ 133- 136 من رواية ابن إسحاق بإسناد حسن، وكذلك فعل ابن هشام في السيرة (3/ 384- 86) برواية ابن إسحاق أيضا وبإسناد حسن كما فعل الإمام أحمد وأورده الواقدي في مغازيه (2/ 741/ 50) بتفاصيل أكثر، وفيه قصة إسلام خالد بن الوليد أيضا. وانظر في ذلك ابن سعد- الطبقات 4/ 252. (6) موضع يقع بين عسفان والكديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 على الأعداء واستاقوا الأنعام وعادوا بها، وقد عصمهم الله من عدوهم الذي حاول اللحاق بهم «1» . وفي صفر من السنة الثامنة للهجرة- أيضا، هيأ النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية من مائتي رجل ليرسلهم إلى فدك للانتقام من قتلة أصحاب بشير بن سعد، وكانت تحت إمرة غالب بن عبد الله الليثي «2» ، وقد أصابوا منهم غنائم وقتلوا منهم قتلى «3» . وفي ربيع الأول من العام الثامن للهجرة عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى كعب بن عمير بأن يقود سرية تتألف من خمسة عشر رجلا إلى ذات أطلاح من أرض الشام شمال وادي القرى. وقد أنذر القوم بالسريّة فجاءوهم على الخيول وأحدقوا بهم وقتلوهم إلّا رجلا واحدا من المسلمين أفلت منهم وعاد إلى المدينة، وأعلم النبي صلّى الله عليه وسلّم بما حدث «4» . وفي ربيع الأول من العام الثامن للهجرة بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية من أربعة وعشرين رجلا بإمرة شجاع بن وهب إلى جمع من هوازن «بالسيّ» من أرض بني عامر ناحية «ركبة» فأغاروا عليهم، فأصابوا نعما كثيرا وشاء وسبيا وعادوا بعد خمس عشرة ليلة، وجاء في أثرهم وفد القوم إلى المدينة وأعلنوا إسلامهم فرد المسلمون السبي «5» . ولم تذكر المصادر تاريخا معينا لسريّة زيد بن حارثة التي بعثها النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى مدين «6» وقد أصابوا سبيا من أهل ميناء على ساحل البحر الأحمر، ولما عادت السرية وبيع السبي جرى التفريق بين الأمهات والأولاد «7» ، فلما علم النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك قال: «لا تبيعوهم إلّا جميعا» «8» .   (1) أحمد- المسند (الفتح الرباني 21/ 128) بإسناد ابن إسحاق وقال الساعاتي: «سنده جيد» ، ورواه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 4/ 341- 43، وابن سعد- الطبقات 2/ 124، أبو داود- السنن 3/ 128- 129، حيث أورد قصة أسر الحارث بن مالك الذي اوثقوه وتركوه إلى أن أنجزوا أمر الرسول في الغارة ثم عادوا فاصطحبوه إلى المدينة (حديث 2678) ، وكذلك الواقدي- مغازي 2/ 750- 752. (2) عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم بأمر السرية في بداية تشكيلها إلى الصحابي الزبير بن العوام- رضي الله عنه-، غير أنه عاد وعهد بإمرتها إلى غالب بن عبد الله بعد عودته من سرية الكديد (ابن سعد- الطبقات 2/ 126) . (3) الواقدي- مغازي 2/ 723- 726، ابن سعد- الطبقات 2/ 126. (4) الواقدي- مغازي 2/ 752- 753، ابن سعد- الطبقات 2/ 127- 128، ابن إسحاق مختصرا، ابن هشام 4/ 356- 357 معلّقا، وقد هم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبعث إليهم، سرية لمعاقبتهم والانتقام منهم غير أن معلومات بلغته تضمنت أنهم رحلوا عن ديارهم، فتركهم. (نفس المصادر المذكورة آنفا) . (5) البخاري- الصحيح (الفتح حديث 3134) ، (حديث 4338) ، مسلم- الصحيح 3/ 1368 (حديث 1749) ، الواقدي 2/ 753- 754 ولم يذكر اشتراك عبد الله بن عمر فيها كما لم يذكر ما أصاب المشاركين في السرية من الغنيمة، وانظر ابن سعد 2/ 127 من رواية الواقدي، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 267. (6) حيث أن سرية مؤتة قد أرسلت في جمادى الأولى سنة ثمان الهجرية فمن المتوقع أن يكون تاريخ إرسال سرية زيد هذه في ربيع الآخر من ذلك العام حيث أن زيد بن حارثة استشهد في مؤته كما هو ثابت في المصادر. (7) ابن حجر- فتح الباري (شرح الحديث 4338) ، الطبري- تاريخ 3/ 34، الواقدي- مغازي 2/ 777، ابن سعد- الطبقات 20/ 132. (8) رواه ابن هشام في السيرة 4/ 375- 6، وعن أحاديث التفريق هذه انظر: ابن حجر- الاصابة 2/ 206، عبد الرزاق الصنعاني- المصنف 8/ 307، الألباني- صحيح سنن الترمذي 2/ 24- 25، أبو داود- السنن 3/ 144- 145 (حديث 2696) ، الدارمي- السنن ص/ 327، البيهقي- السنن 9/ 126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 سرية مؤتة: أعد النبي صلّى الله عليه وسلّم جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل وبعثه إلى تخوم بلاد الشام في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة بعد عودته بمن اعتمر معه من المسلمين عمرة القضاء بخمسة أشهر «1» ، وقد انفرد الواقدي، بالقول بأن شرحبيل بن عمرو الغسّاني قد اعتدى على مبعوث النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى ملك بصرى حين حمل له رسالته وهو الحارث بن عمير الأزدي وقتله صبرا رغم أن العرف الجاري هو أن الرسل لا تقتل «2» . مما أغضب النبي صلّى الله عليه وسلّم ودفعه إلى إرسال الجيش إلى مؤتة وقد اتخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه السرية إجراء احتياطيّا للمرة الأولى، حيث ولّى عددا من الأمراء بالترتيب، مما دلل على جواز تعليق الإمارة بشرط. فقد عين زيد بن حارثة أميرا على الجيش، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبد الله بن أبي رواحة «3» . والراجح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد توقع أن تحف بالسرية الأخطار بسبب بعد المسافة، وجهلهم بالمنطقة التي وجهوا إليها، وعدم حصول تجربة سابقة في الاحتكاك بقوات الإمبراطورية البيزنطية وحلفائها من القبائل العربية في بلاد الشام» . ودّع المسلمون في المدينة إخوانهم المشاركين في الجيش، والأمراء الذين اختارهم النبي صلّى الله عليه وسلّم لهذه المهمة، وسألوا الله أن يوفقهم ويدفع عنهم ويردهم صالحين «5» ، وتحرك الجيش حتى وصل إلى معان من أرض الشام وأناخ فيها، وبلغ المسلمون أن هرقل قد نزل بأرض البلقاء في مائتي ألف مقاتل نصفهم من الروم ونصفهم من نصارى العرب من قبائل لخم وجذام وقضاعة «6» . تشاور المسلمون وهم في معان طوال ليلتين، فاقترح بعضهم مكاتبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وإعلامه بعدد جيش العدو وما توفر لديهم من معلومات عن قوته لكي يرسل إليهم مددا أو يأمرهم بأمره، ومال بعضهم إلى التريث وعدم الاندفاع في مناجزة العدو حتى يأتيهم من النبي صلّى الله عليه وسلّم ما ينير لهم سبيلهم، غير أن عبد الله بن أبي رواحة   (1) ابن إسحاق بإسناد حسن الى عروة الذي أرسله، ابن هشام- السيرة 3/ 427، ابن سعد- الطبقات 2/ 128، ابن حجر- فتح الباري (7/ 510- كتاب المغازي- غزوة مؤتة) . (2) الواقدي- المغازي 2/ 755- 6، ابن سعد- الطبقات 2/ 17، ابن حجر- الإصابة 1/ 589، فتح الباري- 7/ 511. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 513 حديث 4261) . (4) زاد الواقدي (المغازي 2/ 756 باسناد ضعيف، وابن سعد- الطبقات 2/ 128 معلقا، وفيه: «فإن أصيب عبد الله بن رواحة فليتريض المسلمون بينهم رجلا فيجعلوه عليهم» . (5) ابن إسحاق بإسناد حسن إلى عروة: ابن هشام- السيرة 3/ 430 وورد في الرواية كيف بكى عبد الله بن رواحة في هذه المناسبة وهو يستذكر قول الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (سورة مريم الآية/ 71) ، ثم تمثله شعرا سأل الله فيه المغفرة والشهادة جاء فيه قوله: لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربه ذات فرغ تقذف الزبدا (6) ابن هشام- السيرة 3/ 432- 5، ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 220- 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 انبرى يخاطب الجيش مشجعا على قتال العدو قائلا: «يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ولا نقاتلهم إلّا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة» فقال الناس «قد والله صدق ابن أبي رواحة» وأحدثت عباراته الإيمانية الواثقة بقضاء الله وقدره أثرها في نفوس المسلمين «1» . أصدر زيد بن حارثة أمره لقواته بالتقدم نحو قوات العدو متخذا من قرية مؤتة مقرّا لقواته التي عبأها فجعل على ميمنته قطبة بن قتادة العذري، وعلى الميسرة عبادة بن مالك الأنصاري، والتقى الجيشان غير المتكافئين في عددهم وعدتهم، وكانت ملحمة بطولية خالدة سجل فيها المجاهدون وقادتهم الثلاثة بطولات وجرأة وثباتا نادرا غير أنها انتهت باستشهاد القادة واحدا تلو الآخر «2» ، واختار المسلمون- حسب توجيه النبي صلّى الله عليه وسلّم قائدا بديلا، هو خالد بن الوليد الذي كان يدرك خطورة الوضع، فأعاد تنظيم الجيش، وأوهم العدو بوصول الإمدادات مما مكنه من اهتبال الفرصة للقيام بانسحاب منظم لم يخسر فيه إلا عددا محدودا من قواته، وبذلك أنقذ الجيش الإسلامي من خطر الإبادة الكاملة أمام جموع العدو الهائلة «3» ، ويعتبر هذا الإنجاز فتحا كبيرا عند مقارنة خسارة المسلمين المحدودة بما يقابلها من خسائر الروم الذين أثخنت قواتهم بأعداد كبيرة من القتلى والجرحى. ولا شك في أن بسالة المقاتل المسلم وشجاعته النادرة وحرصه على الموت في سبيل الله، إلى جانب عبقرية خالد العسكرية ونظراته الثاقبة، وقدرته على المناورة، وذكائه، وفطنته قد مكنت المسلمين من التخلص من مأزقهم أمام الجيش البيزنطي. وقد ظهرت معجزة للرسول صلّى الله عليه وسلّم في أمر هذه السرية فقد نعى للمسلمين في المدينة زيدا وجعفرا وابن أبي رواحة، قبل أن يصل إليه خبرهم، وحزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما وقع للسرية وذرفت عيناه الدموع. ثم أخبرهم باستلام خالد للراية، وبشرهم بالفتح على يديه وأسماه سيف الله «4» ، وبعد ذلك قدم من أخبرهم بأخبار السرية، ولم يزد عما أخبرهم به النبي صلّى الله عليه وسلّم «5» ، وكان لشهداء مؤتة مكانة عظيمة عند الله لذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما يسرّني أو قال ما يسرّهم أنّهم عندنا» «6» .   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 435- 442. (2) المرجع السابق 3/ 442- 447، ولم يسند ابن إسحاق من قصة الوقعة سوى خبر عقر جعفر بن أبي طالب لفرسه ونزوله للمعركة راجلا، وخبرين أولهما عن تردد عبد الله بن رواحة وثانيهما عن تصميمه وإقدامه وهي بأسانيد حسنة فيها ذكر لصحابي مجهول. (3) المرجع السابق 3/ 447، ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 222. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 512 حديث 6262، 6263) . (5) جاء بأخبار الغزوة إلى المدينة يعلى بن أمية، كما في رواية موسى بن عقبة: انظر ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 275، ابن حجر- فتح 7/ 512 في شرح الحديث (6262) ، وأورد ابن حجر كذلك رواية أخرى تجعله (عامر الاشعري) وهي من رواية الطبراني. عنده. (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري- 6/ 135 حديث 3063) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 سرية ذات السلاسل: بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد عودة سرية مؤتة إلى المدينة في جمادى الآخرة سنة ثمان للهجرة «1» ، أن قضاعة التي اشتركت في القتال إلى جانب الروم في مؤتة بدأت تتجمع مرة أخرى، وتريد الاقتراب من المدينة لتهديدها، فجهز النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية من ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار عهد بأمرها إلى عمرو بن العاص بهدف أن يقضي على خطر قضاعة في مهده. وأمره أن يستعين ببعض فروع قضاعة وخاصة من أخواله من بلي، إلى جانب عذرة وبلقين ومحاولة استئلافهم. وقد تقدمت السرية حتى وصلت ماء السلسل بأرض جذام، فبلغ عمرو بن العاص ضخامة الجموع التي جمعتها قضاعة لمواجهتهم فسارع بإرسال رافع بن مكيث الجهني إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يستمده، فأمده بمائتين من المهاجرين والأنصار بينهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- جعل عليهم أبا عبيدة بن الجراح. وطلب إلى عمرو بن العاص وأبي عبيدة بن الجراح أن يتطاوعا «2» . توغلت السرية في بلاد قضاعة التي بلغها الخبر فهربت جموعها وتفرقت «3» ، وقد مكنت حملة هذه السرية الناجحة المسلمين من استعادة هيبتهم في التخوم الشمالية للجزيرة بعد أن كانت قد تزعزعت في أعقاب سرية مؤتة «4» . وفي أعقاب سرية ذات السلاسل، تحدثت المصادر التي تعنى بالسيرة والتاريخ عن سريتين أخريين قبل فتح مكة، أولهما سرية ابن حدرد إلى الغابة حيث كان رفاعة بن قيس قد جمّع الجموع فيها يريد أن يقاتل الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين، فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن حدرد الأسلمي ورجلين من المسلمين ليخرجوا إليه، وقد أمكنهم الله منه فهرب قومه عنه، واستاقت السريّة الكثير من السبي والغنائم التي عادوا بها إلى   (1) ابن سعد- الطبقات 2/ 132 بدون اسناد. (2) أحمد- المسند: الفتح الرباني 21/ 140 بإسناد صحيح، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري كتاب الفضائل، حديث 2384) بدون التفاصيل، الواقدي- مغازي 2/ 769- 771، وابن سعد- الطبقات 2/ 131) . (3) ابن سعد- الطبقات 2/ 131. (4) أورد أبو داود في السنن (كتاب الطهارة- باب: إذا خاف البرد تيمم رقم/ 344- 335) خبر احتلام عمرو بن العاص في ليلة باردة في طريق العودة من هذه السرية وتيممه وعدم اغتساله للجنابة، وشكوى المسلمين ذلك إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد عودتهم، وبيان عمرو دوافعه في ذلك وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أعجبه ذلك: وانظر البيهقي- دلائل 4/ 402، السنن 1/ 225- 6، ابن القيم- زاد المعاد 3/ 388، وقال عنه: «وسنده قوي» . وعلقه البخاري في الصحيح 1/ 385، ونقل الهيثمي في الموارد ص/ 202 أن الحافظ ابن حجر وابن حبان قد صححاه، وكذلك فعل الحاكم- المستدرك 1/ 177، وأحمد- المسند 4/ 203، وانظر ابن كثير- التفسير 2/ 235. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 المدينة «1» . أما السرية الثانية، فهي سرية أبي قتادة إلى بطن أضم «2» وكانت في أول رمضان سنة ثمان من الهجرة «3» وذكر الواقدي أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما أراد غزو مكة بعث أبا قتادة في ثمانية نفر إلى بطن أضم ليظن الظانّ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متوجه إلى تلك الناحية، ولتذهب بذلك الأخبار «4» . وقد شارك في السرية محلّم بن جثامة بن قيس، حتى إذا كانوا ببطن أضم مر بهم عامر بن الأخبط الأشجعي فحياهم بتحية الإسلام فأمسكوا عنه، ولكن محلّما سرعان ما حمل عليه فقتله لشيء كان بينهما وسلب بعيره ومتاعه «5» ، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً «6» .   (1) ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 249- 50 برواية ابن إسحاق وإسناده ضعيف، ورواه ابن هشام- السيرة 4/ 367- 369 عن ابن إسحاق مرسلا، أحمد- المسند 6/ 11- 12 من غير طريق ابن إسحاق، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: وفيه رواه لم يسمّ وبقية رجاله ثقات» (6/ 207) ، والواقدي- مغازي 2/ 777، البيهقي- دلائل النبوة 4/ 303- 304، ونقل الطبري في تاريخه (3/ 34) أنها كانت في شعبان سنة ثمان للهجرة وأن أميرها كان أبو قتادة. (2) ماء على طريق مكة- اليمامة عند السمينة، ياقوت- معجم 1/ 281، وحدد ابن سعد في (الطبقات 3/ 179) المسافة بينها وبين المدينة بثلاثة برد. (3) الواقدي- مغازي 2/ 797 بإسناد متصل، ابن سعد- الطبقات 2/ 133. (4) الواقدي- مغازي 2/ 796- 797. (5) المرجع السابق 2/ 797 بإسناد متصل، وجعل أمير السرية أبا قتادة بن ربعي الأنصاري، وانظر الطبري- التفسير 9/ 72، ابن سعد- الطبقات 2/ 133. (6) القرآن الكريم- سورة النساء، الاية/ 94، وانظر ابن هشام- السيرة، من رواية ابن إسحاق بإسناد حسن (4/ 363- 4) ، الواقدي- المغازي 2/ 797 بإسناد متصل، وابن سعد- الطبقات 3/ 133 معلقا، والطبري- تفسير 9/ 72. وذكر المحدثون أكثر من سبب في نزول هذه الآية، انظر البخاري- الصحيح (الفتح حديث 4591) ، أحمد- المسند 4/ 153 بإسناد صحيح، الترمذي- السنن، تحفة الأحوذي 8/ 386، بإسناد حسن، الحاكم- المستدرك 2/ 235 وصححه، وانظر كذلك «الألباني- صحيح الترمذي 3/ 40، حديث 2426» وصححه، وروى البزار بسنده إلى عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- أنها نزلت في المقداد بن الأسود. (ابن كثير- التفسير 2/ 338) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 غزوة فتح مكة: التزمت قريش بشروط صلح الحديبية حوالي السنة ونصف السنة، ثم وقعت في خطأ كبير حين أعانت حلفاءها بني بكر على خزاعة حلفاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين، حين وثبوا عليهم ليلا على ماء بأرض خزاعة يعرف بالوتير. وقد أعانت قريش بكرا بالخيل والسلاح والرجال «1» ؛ وقالوا: «ما يعلم بنا محمد، وهذا الليل وما يرانا أحد» ، فعلوا ذلك للضغن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «2» . وقد استنجدت خزاعة بالمسلمين، وقدم عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة يستنصر الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأنشد في ذلك أبياتا من الشعر أمامه، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم. «نصرت يا عمرو بن سالم» ، ثم مرت بهم سحابة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذه السّحابة لتستهلّ بنصر بني كعب» «3» . وليس هناك من شك في أن انتصار قريش لحلفائها ودعمها لهم على حلفاء المسلمين، هو نقض صريح لبنود صلح الحديبية أدركت قريش أخطاره، وندمت على فعلها له، ولذلك فإنها بادرت إلى إرسال أبي سفيان إلى المدينة بهدف تجديد المعاهدة، وتشير بعض الروايات إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسل إلى قريش «4» يخيّرهم بين دفع دية قتلى خزاعة، أو البراءة من حلف بني بكر، أو القتال، فاختارت الحرب، ثم ندمت فبادرت إلى إرسال أبي سفيان كما أسلفنا، لكنه عاد خائبا «5» ، فقد فشل في الحصول على أي وعد بتجديد المعاهدة التي تضمنت بنود صلح الحديبية «6» . أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بالتجهز والاستعداد للغزو غير أنه لم يسمّ وجهته، وحرص على ضمان السرية التامة   (1) أوضح موسى بن عقبة أ: ن من بين أشراف قريش الذين أعانوا بكرا على خزاعة: صفوان بن أمية، وشيبة بن عثمان، وسهيل بن عمرو، وأن الإعانة كانت بالسلاح والرقيق. ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 313، من رواية موسى دون إسناد، وانظر ابن حجر- فتح الباري 8/ 6. (2) ألجأت بكر خزاعة أثناء الحرب إلى منطقة الحرم وواصلت حربهم فيه كما ذكر ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة 2/ 389) بدون إسناد، وبلغ عدد قتلى خزاعة عشرين قتيلا، الواقدي مغازي 2/ 784 بإسناد ضعيف. (3) رواه ابن إسحاق بإسناد حسن لذاته وصرح بالتحديث، ورجاله رجال الصحيح، ما عدا ابن إسحاق انظر: ابن كثير- البداية 4/ 278- 309- 310، وله شاهدان ضعيفان أولهما في المعجم الصغير للطبراني 2/ 73، وثانيهما أورده أبو يعلى في مسنده 4/ 400، وقد روى البزار- كشف الأستار ص/ 342 القصيدة التي أنشدها عمرو بن سالم الخزاعي أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدم مستنجدا مطالبا بتنفيذ بنود الحلف. ورواه ابن أبي شيبة مرسلا، الصنعاني- المصنف 5/ 374 مختصرا بإسناد صحيح وفيه اختلاف يسير في ألفاظه مع إسقاطه للشعر، وانظر الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 162. (4) ابن حجر- المطالب العالية 4/ 234، بإسناد صحيح، فتح الباري 8/ 6 (حديث 4280) ، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 281، الواقدي- المغازي 2/ 786- 7 وعنده أن اسم مبعوث النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى قريش هو حمزة. (5) ابن حجر- فتح الباري 8/ 6 عن مرسل عكرمة عن ابن أبي شيبة، وابن إسحق معلقا، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 312. (6) فقد ردّه أبو بكر وعمر وعلي وفاطمة، وأغلظ عليه عمر في الرد، وأبت ابنته أم المؤمنين أم حبيبة أن تسمح له بالجلوس على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالت له: «إنك رجل مشرك نجس» ، وحين كلم النبي صلّى الله عليه وسلّم فإنه لم يجبه بشيء. ابن كثير- البداية 4/ 313- 14، البيهقي- دلائل النبوة 5/ 9/ 11، السنن الكبرى 9/ 120، الصنعاني- المصنف 5/ 375. بإسناد صحيح، وهو جزء من رواية ابن إسحاق الطويلة في فتح مكة، ابن هشام- السيرة 2/ 389، بدون إسناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 في هذا المجال، وسأل ربه قائلا: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتّى نبغتها في بلادها» «1» . بدأت الاستعدادات لحشد القوة الإسلامية القصوى المستطاعة، وكان لا بد من أن يعلم النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بأنه سائر إلى مكة، ثم استنفر القبائل التي تقطن قرب المدينة: سليما وأشجع ومزينة وأسلم وغفارا، فمنهم من التحق بالجيش الإسلامي في المدينة، ومنهم من التحق بالمسلمين في الطريق إلى مكة «2» ، وقد ارتفعت معنويات المسلمين كثيرا، وكان حسان بن ثابت يلقي شعره الذي يذكر فيه بمصاب خزاعة، ونقض المشركين للعهد، ويحرض المسلمين على القتال «3» ، وبلغ عدد جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل «4» ، وأوعب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المهاجرون والأنصار فلم يتخلف عنه منهم أحد» «5» ، وهذا يدل على مدى تعاظم قوات المسلمين خلال فترة السنة ونصف التي أعقبت صلح الحديبية «6» ، ورغم ذلك فقد التزم الجميع بالسرية التامة وحجبت الأخبار تماما عن قريش «7» مما يعكس مدى الضبط والربط والالتزام الدقيق بأوامر القيادة، والتقويم السليم للمصلحة الإسلامية العليا. وكان الاستثناء الوحيد في هذا المجال المحاولة الفاشلة التي أقدم عليها الصحابي البدري حاطب ابن أبي بلتعة حين أرسل مع امرأة كتابا إلى قريش يخبرهم فيه بأمر الغزوة» . وهنا تظهر إحدى معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد أمر ثلاثة من الصحابة «9» بأن يقتفوا أثر المرأة وقال لهم: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها» «10» ، وقد نفذ الصحابة أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم فأمسكوا بالمرأة في الموضع المحدد وطالبوها بالكتاب فأنكرت أمره في باديء الأمر، ولكنهم هددوها بالقيام بتفتيشها، فسلمته لهم، وحينما رجعوا بالكتاب والمرأة أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم في طلب حاطب وسأله عن أمر الكتاب فلم ينكر وقال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا رسول   (1) ابن كثير- البداية 4/ 283 بإسناد صحيح عن طريق محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها-، وأورده ابن هشام- السيرة 2/ 389 بإسناد حسن من حديث الزهري عن عروة عن المسور. (2) ابن سعد- الطبقات 2/ 397 بدون إسناد، وابن إسحاق (ابن هشام- السيرة 2/ 399) بإسناد حسن لذاته، الواقدي- مغازي 2/ 801. (3) ابن كثير- البداية 4/ 283، ابن هشام- السيرة 2/ 389. (4) ابن سعد- الطبقات 2/ 397 بدون إسناد، ومن رواية البخاري- الصحيح (الفتح حديث 4276) ، الواقدي- المغازي 2/ 801. (5) ابن إسحاق، أورده ابن هشام- السيرة 2/ 399 بإسناد حسن لذاته. (6) انظر تعليق ابن هشام على تقويم الزهري لأهمية صلح الحديبية ابن هشام- السيرة 3/ 322، والعمري- السيرة النبوية الصحيحة 2/ 474. (7) ابن حجر- المطالب العالية 4/ 244. (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4274) ، مسلم- الصحيح 4/ 1941- 2 (حديث 2494) ، الواقدي- المغازي 2/ 798- 9. (9) وهم: علي والزبير والمقداد- رضي الله عنهم-. (10) البخاري- الصحيح 4/ 72، 579- 599، مسلم- الصحيح 2/ 170. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الله، لا تعجل عليّ، إني كنت: امرأ ملصقا في قريش حليفا، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام» فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّه قد صدقكم» . فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: «يا رسول الله: دعني أضرب عنق هذا المنافق» ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه قد شهد بدرا، وما يدريك لعلّ الله اطّلع على من شهد بدرا وقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» «1» ، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ «2» . فدمعت عينا عمر وقال: «الله ورسوله أعلم» «3» . بدأت قوات الفتح مسيرتها المظفرة من المدينة في العاشر من رمضان سنة ثمان من الهجرة «4» ، بعد أن استخلف النبي صلّى الله عليه وسلّم على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري «5» ، وكانوا صياما فواصلوا الصوم حتى بلغوا كديدا فأفطر النبي صلّى الله عليه وسلّم وأفطر الجيش «6» ، وقد وصل المسلمون إلى مرّ الظهران وعسكروا هناك دون أن تصل قريشا أية أخبار عن تحركهم مما يدل على نجاح المسلمين في تعمية الأخبار «7» وفي الطريق إلى مكة، قدم بعض زعماء قريش إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأعلنوا إسلامهم، منهم ابن عم أبيه وأخوه من الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب «8» ،   (1) البخاري- الصحيح 4/ 72 (حديث 4274) ، مسلم- الصحيح 2/ 170، 4/ 1921- 1922 (حديث 2494) ، ابن هشام- السيرة 2/ 399، الواقدي- مغازي 2/ 798- 799، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 333 من حديث البيهقي. (2) القرآن الكريم- سورة الممتحنة، الآية/ 1، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4274) ، مسلم- الصحيح 4/ 1941- 1942 (حديث 2494) . (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 3983) . (4) مسلم- شرح النووي 3/ 176 (حديث 113- 114) . (5) ابن هشام- السيرة 2/ 399، ابن حجر- المطالب العالية 4/ 248، الحاكم- المستدرك 3/ 44، وانفرد ابن سعد- الطبقات 2/ 135 بأنه عبد الله بن أم كلثوم، معلقا. (6) البخاري- الصحيح 5/ 185، فتح الباري 4/ 180- 181 (حديث 4275) ، مسلم- الصحيح 2/ 784 (حديث 1113) وفي رواية ثانية عند مسلم: أن الإفطار كان بكراع الغميم (الصحيح حديث 1114) والموضعان متقاربان. (7) صحيح مسلم- شرح النووي 3/ 176 وقد وردت روايات صحيحة بخروج بعض زعماء قريش يتحسسون الأخبار وإلى أنهم رأوا نيران المسلمين وتعجبوا من كثرة الجيش وأن أحدهم قد ظن أنهم خزاعة، ابن حجر- المطالب 4/ 244- 248. (8) كان أبو سفيان بن الحارث من أشد وألد خصوم الإسلام فقد استمر في مقاومته للرسول والإسلام طوال عشرين سنة وشارك في أغلب الحروب مع قوات المشركين وكان يهجو المسلمين. ولكنه أسلم وحسن إسلامه وجاهد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكانت له مواقف بطولية وصمود مشهود مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في يوم حنين، الحاكم- المستدرك 3/ 43- 45، ابن هشام- السيرة 2/ 400، الطبري- تاريخ 3/ 50، البيهقي- دلائل النبوة 5/ 27- 8، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 164- 167، ونقل مسلم في صحيحه 2/ 395- قصيدته التي قالها في إسلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وكان قد لقيه بالأبواء فأسلم على يديه، وأسلم عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة «1» ، وكان قبل ذلك شديد العداوة للمسلمين أيضا، وكان إسلامه حين التقى النبي صلّى الله عليه وسلّم بين السقيا والعرج. ولقى الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الجحفة عمه العباس ابن عبد المطلب مهاجرا بعياله يريد المدينة «2» ، وكان العباس قد أسلم قبيل غزوة خيبر «3» . خرج ثلاثة من زعماء قريش من مكة ليتحسسوا الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين وهم أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن جزام، وبديل بن ورقاء، ولم تكن الأخبار قد وصلت مسامع قريش عن خروج المسلمين وتقدمهم ووصولهم إلى مرّ الظهران، ولكنهم كانوا يتوقعون أمرا بسبب فشل سفارة أبي سفيان إلى المدينة ومسعاه عند الرسول صلّى الله عليه وسلّم في تجديد معاهدة الصلح، وكان الزعماء القرشيون الثلاثة قد أبصروا جيشا كثيفا يعسكر في المنطقة ولا حظوا كثرة نيران معسكره، وكان أبو سفيان ورفيقاه يتناقشون في أمر هذا الجيش، فقد ظن بديل بن ورقاء أنها جموع خزاعة، وعارضه أبو سفيان في ذلك، فمر بهم العباس بن عبد المطلب وأخبرهم بأنه جيش المسلمين، وحين سألوه عن رأيه طلب من أبي سفيان أن يمضي معه وبجواره إلى معسكر المسلمين، رغبة من العباس فيما يبدو في أن يصون مكة ويمنع الدماء والقتال، فوافقه أبو سفيان، ولما دخل أبو سفيان معسكر المسلمين أراد عمر قتله واستأذن الرسول صلّى الله عليه وسلّم في ذلك فصرفه عنه، وأدخل العباس أبا سفيان على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فدعاه إلى الإسلام، وأمضى معه في ذلك شطرا من الليل، فتلطف في الكلام غير أنه تردد في إعلان إسلامه، ولكنه بعد أن أمضى ما بقي من ليلته تلك مع العباس عاد في صباح اليوم التالي فحضر مجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم وأسلم «4» . أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يطلع أبا سفيان على قوة المسلمين وعددهم وعدتهم وتنظيمهم، فأمر عمه العباس أن يقف مع أبي سفيان عند مضيق الجبل بمر الظهران، ومر جيش المسلمين أمامه وأدرك بأنهم أصبحوا قوة غالبة   (1) وهو أخو أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنه- لأبيها وقد حسن إسلامه وجاهد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم واشترك في حصار الطائف واستشهد خلال ذلك، انظر ابن عبد البر- الاستيعاب 2/ 263. (2) ابن هشام- السيرة 2/ 400 وهو من مراسيل الزهري. (3) أحمد- المسند، الفتح 21/ 122، الصنعاني، المصنف 5/ 466، وأخرجه النسائي، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 217. وقد وردت روايات ضعيفة تبين إسلامه قبل غزوة بدر الكبرى، ابن سعد- الطبقات 4/ 10- 11، بل إن إحدى الروايات جعلت إسلامه قبل الهجرة إلى المدينة، ابن سعد- الطبقات 2/ 31 بإسناد منقطع وفيه الواقدي، ومع التأكيد على ما قدمه الصحابي الجليل العباس بن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم من خدمات جليلة للإسلام قبل إسلامه وبعد ذلك حيث كان عينا للرسول صلّى الله عليه وسلّم على قريش وملاذا للمستضعفين من المسلمين في مكة قبل أن يسلم، فإن أسره في معركة بدر مع المشركين ومطالبة النبي صلّى الله عليه وسلّم إياه بأن يفتدي نفسه من الأسر تقطع بعدم دخوله الإسلام حتى ذلك الوقت. ويترجح أنه كتم إسلامه في الفترة التي أعقبت غزوة خيبر لمقتضيات مصلحة المسلمين. (4) ابن حجر- المطالب العالية 4/ 244، قال ابن حجر وهو حديث صحيح، وقد أسلم بديل الخزاعي وحكيم بن حزام حال وصولهما النبي صلّى الله عليه وسلّم- الواقدي- مغازي 2/ 815، ابن سعد- الطبقات 2/ 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 لا تستطيع قريش مواجهتهم، حتى إذا مرت به كتيبة المهاجرين والأنصار وفيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال أبو سفيان للعباس: «والله لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما» ، فقال له العباس: «ويحك يا أبا سفيان، إنها النبوّة» ، قال: «فنعم إذا» «1» . وطلب العباس من النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل لأبي سفيان شيئا يفخر به- وهو يعرف أنه يحب الفخر- فوافق على ذلك وقال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن» «2» . وحين مرت كتيبة الأنصار بأبي سفيان عند المضيق بمر الظهران، قال سعد بن عبادة حامل رايتهم: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة» «3» فتأثر أبو سفيان من ذلك واشتكى إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم من مقالة سعد، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «كذب «4» سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة» «5» ، وأخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم راية الأنصار من سعد بن عبادة ودفعها إلى ابنه قيس، ولكن سعدا كلم النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك ملتمسا أن يصرف ابنه عن الموضع الذي هو فيه، مخافة أن يقع في خطأ، فأخذها منه «6» . ويقدم محمد بن عمر الواقدي تفصيلات دقيقة عن تشكيلات الجيش الإسلامي وأعداد المهاجرين والأنصار وكل من القبائل المشاركة، وأسماء المبعوثين الذين أرسلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى القبائل لاستنفارها، وتوزيع الرايات والألوية على أمراء الكتائب «7» . عاد أبو سفيان إلى مكة بعد أن رأى مبلغ قوة المسلمين وكثرتهم واستعدادهم وعدتهم وبسالتهم، وحين دخل مكة صرخ في قومه محذرا أنه لا قبل لهم بما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم من قوات ونهاهم عن المقاومة، ووجههم إلى   (1) ابن حجر- المطالب العالية 4/ 244، الطحاوي- شرح معاني الآثار 3/ 322. (2) حديث صحيح من رواية إسحاق بن راهويه أورده ابن حجر في المطالب العالية (حديث 4362) وقال هذا حديث صحيح، ورواه ابن إسحاق في السيرة بإسناد حسن (ابن هشام 4/ 62- 67 وسياقهما واسع بالمقارنة مع ما أورده الإمام البخاري في الصحيح (فتح الباري حديث 4280) ، وقال ابن حجر في ترجمته لحكيم بن حزام: «وثبت في السيرة وفي الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن» (الإصابة/ 3491) . وأورد الحافظ ابن كثير حديث ابن إسحاق الذي فيه «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» وقال: زاد عروة «ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن» ، البداية والنهاية 5/ 323. (3) البخاري- الصحيح 5/ 186 (حديث 4280) . (4) كانت تستعمل بمعنى أخطأ. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4280) . (6) ابن حجر- مختصر زوائد البزار، ص/ 248 وصححه، وانظر فتح الباري- شرح حديث (4280) وقال ابن حجر فيه أن إسناده على شرط البخاري، وقد دفع النبي صلّى الله عليه وسلّم الراية إلى الزبير بن العوام- رضي الله عنه- وأن الزبير دخل مكة بلوائين: ابن حجر- المطالب العالية 4/ 241، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 169، والثابت في الصحيح أن راية الرسول صلّى الله عليه وسلّم كانت مع الزبير بن العوام (البخاري- الصحيح- فتح الباري، حديث 2480) ، وجزم موسى بن عقبة في المغازي عن طريق الزهري أنه قد دفعها إلى الزبير، ابن حجر- فتح الباري (شرح الحديث 2480) وانظر ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 323- 328. (7) الواقدي- مغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (2/ 799- 801، وهو متروك عند المحدثين فيما يختص بالمسائل المتصلة بالسياسة الشرعية، ولكن هذه المعلومات تاريخية عامة ولا ضرر من قبولها، إذا أسندت بطرق أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 ما يحقق أمنهم مما قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «1» . قرر النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في مر الظهران الزحف على مكة فعبأ الجيش وقسمه إلى مجنبتين وقلب من الفرسان، وجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، والزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وأبا عبيدة عامر بن الجراح على الرجالة «2» ، وكانت رايته سوداء ولواؤه أبيض «3» . لم يرتدع المشركون المعاندون ورءوس الكفر من قريش عن غيهم حتى بعد أن أحدقت بهم قوات المسلمين، فقد عولوا على تجميع قوات من قبائل شتى من حلفائهم لكي يدفعوهم لحرب المسلمين بقصد منعهم من دخول مكة، وكانوا مهيّئين للالتحاق بتلك القوات إذا حققت ما يؤملون، أما في حالة الفشل فإنهم يعطون ما طلب أبو سفيان منهم من الصلح. وقاد جموع أحلاف قريش التي تجمعت في الخندمة «4» صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو «5» . أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم قواته بدخول مكة لفتحها وقتال المقاومين، فتقدم المسلمون حتى وصلوا إلى الصفا ما يعرض لهم أحد يقاومهم إلّا قتلوه «6» . دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة من أعلاها من جهة كداء «7» ، في حين دخل خالد بن الوليد بقواته من أسفلها «8» ، وكانت مقاومة المشركين يسيرة، وكانت أعنف المواجهات قد حصلت عند جبل الخندمة حين التحمت قوات خالد بالمشركين فاستشهد اثنان من فرسان المسلمين على أصح الروايات «9» ، في حين قتل من المشركين اثنا عشر رجلا «10» ، وكان هذا القتال الذي جرى في مكة بسبب عدم احترام المقاومين للأمان الذي أعلنه النبي صلّى الله عليه وسلّم لأهل مكة، وقد توجع أبو سفيان بسبب كثرة القتلى وخاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم قائلا: «يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد   (1) حديث «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن..» من رواية إسحاق بن راهويه، وهو صحيح وقد مر ذكره آنفا. (2) مسلم- الصحيح 3/ 1406 (حديث 1780) ، ابن هشام- السيرة 2/ 407. (3) ابن ماجه- السنن 2/ 941 بإسناد حسن، الألباني- صحيح سنن ابن ماجه 2/ 123 رقم (2274، 2818) ، وانظر كذلك النسائي- السنن 5/ 300. (4) أحد جبال مكة. (5) ابن هشام- السيرة 2/ 407. (6) مسلم- الصحيح 3/ 1405 (حديث 1780) . (7) البخاري- الصحيح 5/ 189 (حديث 4290- 4291) . (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 10) . (9) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4280) ، وفي رواية ابن إسحاق ثلاثة (ابن هشام- السيرة 2/ 407) ، والعمدة على ما أورده البخاري فقد نص على اثنين من الشهداء بين المسلمين. (10) ابن هشام- السيرة 2/ 407، الحاكم المستدرك 3/ 241، ونقل البيهقي في السنن الكبرى (9/ 120) من مراسيل موسى بن عقبة أنهم قريب من عشرين رجلا بالإضافة إلى ثلاثة أو أربعة من هذيل وذكر الواقدي أنهم أربعة وعشرون من قريش وأربعة من هذيل (المغازي 2/ 827- 829) ، ابن سعد- الطبقات 2/ 126، وجعلهم الطبراني سبعين رجلا وهو ما نقل عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 331) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 اليوم» .» ولقد أهدر النبي صلّى الله عليه وسلّم دماء أربعة رجال وامرأتين بسبب ما كانوا قد ألحقوه من أذى شديد وتنكيل بالمسلمين فكان في إهدار دمائهم عبرة للطغاة والمستهترين، ولكل من تسول له نفسه الظلم والطغيان «2» . وأباح النبي صلّى الله عليه وسلّم لخزاعة أن تثأر من بني بكر في اليوم الأول من فتح مكة حتى العصر وذلك لما كان منهم بالوتير «3» ، وعند ما دخل العصر أمر بكف السلاح عن بني بكر، وبيّن حرمة مكة «4» . أعلن النبي صلّى الله عليه وسلّم العفو العام عن عامة أهل مكة حيث اجتمعوا إليه قرب الكعبة المشرفة ينتظرون حكمه فيهم فقال لهم: «ماذا تظنّون أنّي فاعل بكم؟» ،: فقالوا «خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم» فقال لهم: «لا تثريب عليكم يغفر الله لكم» ، وفي: رواية «اذهبوا فأنتم الطّلقاء» «5» . وقد نزل قول الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ «6» . لم يدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة دخول الفاتحين، بل إنه دخل خاشعا لله تعالى وهو يقرأ سورة الفتح ويرجّع في قراءتها وهو على راحلته «7» ، وقد دخل المسجد الحرام وطاف بالكعبة المشرفة فاستلم الركن بمحجنه كراهة أن يزاحم الطائفين ولكي يعلّم أبناء الأمة آداب الطواف، وأعلن صلّى الله عليه وسلّم حرمة مكة وبأنها لا تغزى بعد الفتح «8» ، ورفع من مكانة قريش وأمر بألّا يقتل قرشي صبرا بعد الفتح وإلى يوم القيامة «9» . وقد أمر صلّى الله عليه وسلّم بتحطيم الأصنام والأوثان، وشارك صلّى الله عليه وسلّم بنفسه في ذلك وهو يقرأ قول الله تعالى: قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ «10» . وقوله تعالى: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً «11» .   (1) مسلم- الصحيح 2/ 95- 96. (2) البخاري- الصحيح 5/ 188، مسلم- الصحيح 1/ 570، ابن هشام- السيرة 2/ 410، البيهقي- السنن 9/ 120، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 299، كما نقله السيوطي عن النسائي وزهر الربا 7/ 105) . (3) أحمد- الفتح الرباني 21/ 159، المسند 4/ 32. (4) أحمد- الفتح الرباني 21/ 159، المسند 4/ 2، 3 وقد قتلت خزاعة في اليوم الثاني من أيام الفتح رجلا في مزدلفة تطلبه بثأر، فظهر على النبي صلّى الله عليه وسلّم الغضب الشديد ودفع دية القتيل البكري، وبين أن من قتل بعد ذلك قتيلا فأهل القتيل بالخيار بين القصاص والدية. وانظر حديث شريح في حرمة مكة، رواه البخاري في الصحيح (الفتح حديث 4295) ، مسلم 2/ 987- 988 (حديث 1354) . (5) القاسم بن سلام- الأموال/ 143، ابن سعد 2/ 141- 142. (6) القرآن الكريم- سورة النحل، الآية/ 126. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4280) . (8) الترمذي- السنن 3/ 83، وقال عنه: إنه حسن صحيح، أحمد- المسند 4/ 412. (9) مسلم- الصحيح 2/ 97 (حديث 1782) ، أحمد- المسند 3/ 412، بإسناد صحيح. (10) القرآن الكريم- سورة سبأ، الآية/ 49. (11) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ 81 وقد ورد في رواية البخاري الآية (49) من سورة سبأ ولم ترد الثانية (حديث 4287) وفي مسلم- الصحيح 3/ 2408 (حديث 1781) وردت الأولى والثانية، وفي روايتين أخريين له أورد الآية من سورة الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وقد تم تحطيم الأصنام جميعا، وكان عددها ثلاثمائة وستين صنما «1» . وكانت قد علقت في جدران الكعبة الداخلية صورا لإبراهيم وإسماعيل وإسحق وهم يستقسمون بالأزلام فقال صلّى الله عليه وسلّم: «قاتلهم الله ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام» «2» . ووردت رواية أخرى تذكر وجود صورة مريم معلقة داخل الكعبة «3» فغطيت جميع الصور بالزعفران وتم إزالتها من جوف الكعبة قبل أن يدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها «4» ، ووجد فيها حمامة من عيدان فكسّرها ورمى بها خارج الكعبة «5» ، وعند ما طهرت الكعبة دخلها النبي صلّى الله عليه وسلّم وصلى بها «6» . وحين خرج صلّى الله عليه وسلّم من الكعبة دعا عثمان ابن طلحة فأعطاه مفتاح الكعبة فأبقى الحجابة في أيدي بني شيبة كما كانت في الجاهلية «7» ، ثم استلم الحجر الأسود وطاف بالبيت من غير إحرام مهللا مكبرا شاكرا ذاكرا حامدا «8» . أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بلالا الحبشي أن يؤذن، فصعد إلى ظهر الكعبة وأذن عليها «9» ، وبعد تطهير البيت العتيق من الأصنام عاد البيت كما أراه الله تعالى مركزا للتوحيد الخالص، وكان ذلك أكبر ضربة للوثنية في جزيرة العرب حيث كانت الكعبة من أعظم مراكزها، وإتماما لهذا الهدف الأساسي، فإنه ما أن تم فتح مكة وجرى تطهير الكعبة، حتى بادر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى إرسال بعض أصحابه لهدم ما تبقى من مراكز الوثنية، فقد وجّه خالد بن الوليد إلى نخلة من ديار ثقيف لهدم «العزّى» التي كانت قبائل مضر وقريش وكنانة تعبدها وتعظمها، فهدمها، وكان ذلك في الخامس والعشرين من شهر رمضان «10» ، وأرسل سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا إلى «مناة»   (1) البخاري- الصحيح 5/ 188، حديث 4287، مسلم- الصحيح 3/ 1408 (حديث 1781) . (2) البخاري- الصحيح 5/ 188، احمد- المسند 1/ 365، وأورد البخاري رواية أخرى جاء فيها قوله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا إبراهيم مصور فما له يستقسم» (حديث 3351) . (3) البخاري- الصحيح (حديث 3351) . (4) المرجع السابق 5/ 188. (5) الذهبي- المغازي ص/ 552 من رواية لابن إسحاق بإسناد حسن. (6) البخاري- الصحيح 5/ 222 (حديث 4400) وقد أورد الإمام البخاري في هذه الرواية الصحيحة تفاصيل دقيقة عن المكان الذي صلّى فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم في جوف الكعبة، كما أورد تفصيلات عن بناء الكعبة والأعمدة الداخلية. (7) الصنعاني- المصنف 5/ 83- 85 الأحاديث 9073، 9074، 9076، وانظر ابن حجر- فتح الباري- شرح حديث (4289) . (8) البخاري- الصحيح 3/ 21 (حديث 4286) ، مسلم- الصحيح 2/ 990 (حديث 1358) وفيه أنه كان يلبس المغفر منذ دخل مكة، ثم نزعه عن رأسه ولبس عمامة سوداء. (9) الذهبي- المغازي ص/ 555 بإسناد حسن، البيهقي- دلائل النبوة 5/ 78 بإسناد صحيح، ابن سعد- الطبقات 3/ 234- 235، الواقدي- مغازي 2/ 846 ونقل الواقدي تعليقات بعض وجهاء قريش على صعود بلال على ظهر الكعبة وهي تعكس الامتعاض والتمييز العنصري المخالف للإسلام بطبيعة الحال. ولم يكونوا قد أسلموا بعد. (10) ابن هشام- السيرة 4/ 112 برواية ابن إسحاق، وفيه أن سدنتها وحجابها كانوا من بني شيبان وبني سليم حلفاء بني هاشم، وانظر الواقدي- المغازي 2/ 873، ابن سعد- الطبقات 2/ 145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 بالمشلل من ناحية قديد، وكانت من الأصنام التي تعظمها قبائل العرب وخصوصا الأوس والخزرج قبل الإسلام فهدمها وذلك لست بقين من رمضان «1» . كما أرسل عمرو بن العاص إلى «سواع» صنم هذيل فهدمه، وأرسل الطفيل بن عمرو الدوسي لإحراق (ذي الكفّين) صنم عمرو بن حممة فأنجز الطفيل مهمته «2» . مما أزال أكبر مراكز الوثنية التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «3» . اجتمع الناس لمبايعة النبي صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة لله ورسوله «4» ، فلما فرغ من بيعة الرجال، بايع النساء وأورد الطبري في تاريخه تفصيلات بيعة النساء، وهي لم ترد عن طريق صحيحه، وقد تضمنت «ألّا يشركن بالله تعالى ولا يسرقن ولا يزنين ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصين الرسول في معروف» «5» . ولقد خشي بعض الأنصار أن يكون الأمان الذي منحه الرسول صلّى الله عليه وسلّم لقريش وتسامحه معهم دليلا على رغبته في قريته ورغبته في المقام بين أبناء عشيرته، فأخبره الوحي بما قالوا فخاطبهم قائلا: «إنّي عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم» ، فاعتذروا إليه فقبل اعتذارهم «6» . خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد فتح مكة عدة خطب وردت بمرويات صحيحة ومتواترة، أولها كانت خطبته يوم الفتح على باب الكعبة بيّن فيها دية الخطأ شبه العمد في القتل، وألغى مآثر الجاهلية وثاراتها مستثنيا منها سقاية الحاج وسدانة البيت العتيق «7» . وفي الخطبة الثانية أبطل أحلاف الجاهلية وبأنه «لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة، والمؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، يرد سراياهم على قعيدهم» ، كما بين صلّى الله عليه وسلّم فيها أنه: «لا يقتل مؤمن بكافر، دية الكافر نصف دية المسلم» ، وأنه «لا جلب ولا   (1) ابن سعد- الطبقات 2/ 146، هشام ابن محمد الكلبي- الأصنام ص/ 15. (2) ابن سعد- الطبقات 2/ 146 معلقا، ابن هشام- السيرة 1/ 385 بدون إسناد. (3) القرآن الكريم- سورة النجم، الآية/ 19- 20. (4) بايع النبي صلّى الله عليه وسلّم المسلمين بعد الفتح على الإسلام والإيمان والجهاد، انظر: البخاري- الصحيح 5/ 72، 193، مسلم- الصحيح 2/ 140. (5) الطبري- تاريخ 3/ 61- 62 بلاغا، وذكر الطبري تفصيلات عن مناقشة هند بنت عتبة ومداخلاتها في أثناء البيعة وبأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر عمر بأن يأخذ له البيعة عليهن، وقد ثبت في الصحيح أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يبايع النساء بالكلام بالآية ولا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً ... سورة الممتحنة (الآية/ 12، وأنه ما مست يده الكريمة امرأة أجنبية عنه (البخاري- الصحيح- فتح الباري حديث 2588) ، مسلم- الصحيح (حديث 1866) . (6) مسلم- الصحيح 3/ 1406 حديث 1780، وأورد الإمام البخاري أن أسامة بن زيد- رضي الله عنه- سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم إن كان سينزل في بيته، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟» ، ولذلك فقد أقام صلّى الله عليه وسلّم في قبة ضربت له في الحجون (البخاري- الصحيح 5/ 187) ، (مسلم- الصحيح 1/ 567) . (7) أحمد- المسند 3/ 410 بإسناد حسن لذاته، أبو داود- السنن (2/ 492) بإسناد صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 جنب ولا تؤخذ صدقاتهم إلّا في دورهم» «1» . أما في الخطبة الثالثة فقد أعلن صلّى الله عليه وسلّم تحريم مكة وتحريم صيدها وخلالها ولقطتها والقتال فيها، وقال إن الله قد أحلها له ساعة من نهار وهو وقت الفتح، وبين أنه لا هجرة بعد الفتح ولكن يبقى الجهاد والنية «2» . وأوضح صلّى الله عليه وسلّم في خطبته الرابعة: أن وليّ المقتول بالخيار بين قبول الدية أو القصاص «3» . وفي فتح مكة نزل قول الله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً «4» . ولقد كان من أبرز نتائج فتح مكة مبادرة قبائل العرب إلى قبول الإسلام بعد أن تيقنوا من نتيجة الصراع بين المسلمين وقريش، وقد أورد الإمام البخاري رواية من حديث عمرو بن سلمة جاء فيها: أن العرب كانت «تلوّم بإسلامها الفتح، يقولون: انظروا فإن ظهر عليهم فهو صادق وهو نبي، فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم» » ، ويرى ابن إسحاق أن العرب كانت «تربّص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس وهاديهم، وأهل البيت الحرام، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخلافه، فلما افتتحت مكة ودانت له قريش، ودوخها الإسلام، وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا عداوته، فدخلوا في دين الله، كما قال عز وجل أفواجا يضربون إليه من كل وجه» «6» . ومن نتائج فتح مكة المكرمة تحول مركز ثقل معسكر الشرك إلى الطائف حيث سارعت كل من قبيلتي هوازن وثقيف إلى التصدي للإسلام وقيادة معسكر الشرك المعادي له. وإضافة إلى ما تحقق في فتح مكة من اتساع رقعة ديار الإسلام، وتسارع وتيرة دخول العرب في الإسلام، وإنهاء مقاومة قريش وحلفائها، وتحولهم إلى قوة إيجابية دافعة لنشر العقيدة الإسلامية والتصدي لخصومها ودفع الخطر عنها، فقد اتضحت بعض الأحكام الشرعية المهمة من جراء فتح مكة وخلال أحداث غزوتها، من ذلك جواز الصيام والإفطار في نهار رمضان للمسافر في غير معصية «7» .   (1) أخرج مسلم أوله في الصحيح 4/ 1961 (حديث 2530) ، وأخرجه الإمام أحمد كاملا في الفتح الرباني (21/ 160- 1) ، كما صححه الإمام الترمذي، وقال الساعاتي: «حديث صحيح» . (2) ولهذا فقد بايع النبي صلّى الله عليه وسلّم المسلمين بعد الفتح في مكة المكرمة وغيرها على الإسلام والإيمان والجهاد. (3) البخاري- الصحيح 1/ 38 (حديث 6880) ، مسلم 3/ 1487- 1488 (حديث 1864) . (4) القرآن الكريم- سورة النصر، وانظر البخاري- الصحيح 5/ 189 (حديث 4294) . وأصل تلوّم تتلوّم ومعناها: تنتظر. انظر فتح الباري (7/ 617) . (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4302) ، ابن سعد- الطبقات 2/ 70. (6) ابن هشام- سيرة 2/ 560. (7) مسلم- الصحيح 1/ 451. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 كما اتضحت بعض الأحكام المتعلقة بإمامة الصلاة «1» وتحديد مدة قصر الصلاة للمسافر «2» ، وتأكيد صلاة سنة الضحى وعدد ركعاتها «3» ، وكان في إقرار الرسول صلّى الله عليه وسلّم لجوار أم هاني «4» إقرارا لأمان النساء «5» ، وقد أبيحت المتعة يوم الفتح ثم حرمت بعد ذلك تحريما أبديا إلى يوم القيامة «6» ، كما توضحت الأحكام الخاصة بنكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله «7» ، وكذلك حكم «الولد للفراش» «8» ، ومنها حق الزوجة في الإنفاق على نفسها وعيالها من مال زوجها بالمعروف دون علمه إذا امتنع عن النفقة «9» ، ومنها تحريم بيع الخمر والميتة والأصنام والأوثان «10» ، ومن ذلك تحريم الشفاعة في حد من حدود الله «11» ، ومنها منع صبغ الشيب بالسواد وبيان حكم خضابه بالحناء «12» ، والنهي عن قتل المرأة مادامت لا تقاتل «13» ، وعدم جواز الوصية بأكثر من ثلث المال «14» ، ومنها جواز دخول مكة بغير إحرام «15» .   (1) البخاري- الصحيح 5/ 191. (2) المرجع السابق 5/ 190. (3) المرجع السابق 5/ 189، مسلم- الصحيح 1/ 289. (4) البخاري- الصحيح 4/ 122. (5) أبو داود- عون المعبود 7/ 44. (6) مسلم- الصحيح بشرح النووي 3/ 553، وانظر الصحيح 1/ 586، 587. (7) مالك- الموطأ (شرح الزرقاني 3/ 156، 157) . (8) البخاري- الصحيح 8/ 191. (9) مسلم- الصحيح 2/ 60. (10) البخاري- الصحيح 3/ 110، مسلم- الصحيح 1/ 690، 689. (11) البخاري- الصحيح 5/ 192، مسلم- الصحيح 2/ 47. (12) مسلم- الصحيح 2/ 244. (13) البخاري- الصحيح، فتح (حديث 3014- 3015) ، مسلم- الصحيح (حديث 1744) ، أحمد- المسند 2/ 115. (14) البخاري- الصحيح، الفتح الأحاديث 2743، 2744) ، الترمذي- السنن 3/ 291. (15) البخاري- الصحيح، فتح الباري (حديث 4286) ، مسلم- الصحيح (حديث 1358) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة: وخلال إقامته في مكة المكرمة بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد على رأس سرية كبيرة من المهاجرين والأنصار وغيرهم من بني سليم بلغ عددهم ثلاثمائة وخمسين رجلا فيهم عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر إلى بني جذيمة «1» ، وذلك في شوال سنة ثمان من الهجرة، داعيا لهم إلى الإسلام «2» ، فلما وصلت السرية وعرض خالد عليهم الإسلام لم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فقتل منهم وأسر، ثم دفع بعد ذلك إلى كل رجل من السرية أسيرا، ثم أمرهم ذات يوم بقتل أسراهم فأبى ذلك جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عمر حيث قال: «والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره» ، وجرت ملاحاة بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد بسبب ذلك حتى كاد أن يقع بينهما شر «3» فلما قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم وأخبروه بما جرى وما فعل خالد، رفع النبي صلّى الله عليه وسلّم يديه إلى السماء وقال: «اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد» ، كررها مرتين «4» كما أنكر صلّى الله عليه وسلّم على خالد ما فعله من شتم عبد الرحمن بن عوف وقال: «لا تسبّوا أحدا من أصحابي، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» «5» . وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى بني جذيمة لإصلاح ما أحدثه خالد في تأوله الأمر واجتهاده الخاطيء فيها «6» ، فودى لهم قتلاهم وزادهم فيها تطييبا لنفوسهم وبراءة من دمائهم «7» .   (1) وكانوا يقيمون في يلملم، قال ابن سعد إنهم بأسفل مكة على ليلة منها ناحية يلملم (الطبقات 2/ 147) ، وذكر أن «يلملم» جبل من الطائف على ليلتين أو ثلاث، وقيل هو واد، ويمكن الجمع بينهما فيكون جبل يشرف على واد، انظر ياقوت- معجم البلدان 8/ 514. وبلادهم تبعد ثمانين كيلا إلى الجنوب من مكة. (2) البخاري- الصحيح 5/ 131، ابن كثير- التفسير 4/ 306. (3) البخاري- الصحيح 5/ 131، وعن تفصيلات حول الملاحاة وأسبابها، انظر مسلم- الصحيح 4/ 1967- 1968 (حديث رقم 2541) . (4) البخاري- الصحيح 5/ 131 (حديث 4339) ، أحمد- الفتح الرباني 21/ 166- 167 بإسناد ولفظ البخاري وأوردت المصادر المختصة بالسيرة قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لبعض رجال السرية الذين اشتركوا في قتل أحد فتيان بني جذيمة بعد أن سمع قصته مع قاتليه والفتاة التي كان يحبها فماتت كمدا عليه قال: «أما كان فيكم رجل رحيم» ، أوردها النسائي بإسناده إلى ابن عباس وكذلك من حديث ابن عيينه (البيهقي- دلائل النبوة 5/ 116- 118) ، وكلاهما بإسناد صحيح كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح في شرحه الحديث (4339) ، وابن حبّان في صحيحه (موارد الظمآن ص/ 159- 160، الأحاديث 6696- 6697) وانظر مجمع الزوائد 6/ 210. (5) مسلم- الصحيح 4/ 1967- 8 (حديث 2541) . (6) لا شك في أنه كان اجتهادا من خالد بن الوليد- رضي الله عنه- أخطأ فيه، ولذلك لم يعاقبه النبي صلّى الله عليه وسلّم، انظر في ذلك كلام الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث (3439) في فتح الباري 8/ 57. (7) ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة 2/ 430) بإسناد منقطع، فهو من مراسيل محمد الباقر الذي ولد بعد عام 40 هـ (ابن حجر- التهذيب 90/ 351) ، وفي سنده حكيم بن حكيم وفيه كلام- وانظر ابن سعد- الطبقات 2/ 147- 8 معلّقا مختصرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 غزوة حنين: تحركت قوات هوازن وثقيف في أعقاب فتح مكة يريدون قتال المسلمين، فنزلوا حنينا، وقد أرادوها موقعة حاسمة فحشدوا كل ما لديهم من القوات «1» والأموال والنساء والأبناء حتى يستقتلوا فلا يفكر أحد منهم في الفرار ويترك أهله وماله. واستنفروا معهم غطفان وغيرها «2» . وكان يقود الجموع مالك بن عوف النصري- الذي اجتمع إليه بنو نصر قومه، وبنو جشم، وبنو سعد بن بكر، وقليل من بني هلال، وعدد من بني عوف بن عامر، وعمرو بن عامر، وتخلف من هوازن كعب وكلاب، أما ثقيف فقد التحقت بهم كلها مع أحلافها بالإضافة إلى بني مالك «3» وقد بلغ تعداد قوات المشركين هذه عشرين ألف مقاتل «4» ، وقد رتب مالك بن عوف قواته في صفوف حسنة، جعل الخيالة في المقدمة ثم الرجالة، وخلفهم حشد النساء والأولاد والأنعام والأثقال «5» . بلغت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبار التحشدات التي جمعتها قوى الشرك لمواجهة الإسلام، وأراد جمع المعلومات الدقيقة عنهم، ولذلك فإنه بادر بإرسال عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي للتعرف على أمرهم، فارتحل إليهم ومكث فيهم يوما أو يومين قبل أن يعود بأخبارهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم «6» ، وبعد جمع المعلومات العسكرية المطلوبة عن المشركين بدأ النبي صلّى الله عليه وسلّم بالاستعدادات المطلوبة لمواجهتهم فاستعار مائة درع من صفوان بن أمية «7» ، واستدان أربعين ألف درهم من حويطب بن عبد العزى» ، وقبل عون نوفل بن الحارث بن عبد المطلب له بثلاثة آلاف رمح «9» . كان جيش الفتح في مكة مستعدا إذ لم يلق مقاومة تذكر في فتح مكة، كما أن إقامته في مكة بعد الفتح مدة خمسة عشر يوما قد منحته الكثير من الراحة واستعادة النشاط، إضافة إلى ما تحقق له من ارتفاع في الروح المعنوية بما منحه الله من نصر، ولذلك فإنه كان مهيأ لمواجهة عدوان المشركين، وقد تحرك جيش المسلمين بناء على أمر قائده النبي صلّى الله عليه وسلّم في اليوم الخامس من شوال سنة 8 هـ ميمما نحو تجمعات المشركين في حنين «10» ، وقد ثبت في الصحيحين مشاركة أبناء مكة في غزوة حنين في صفوف المسلمين «11» ، فقد شارك ألفا مقاتل من أهل مكة، فبلغ عدد قوات   (1) البخاري- الصحيح 5/ 130- 131، مسلم- الصحيح 2/ 735. (2) مصادر الهامش السابق، وانظر الطبري- تاريخ 3/ 70. (3) ابن إسحاق- المغازي ص/ 571، الحاكم- المستدرك 3/ 48، ابن هشام- السيرة 54/ 414. (4) الواقدي- المغازي 3/ 893. (5) مسلم- الصحيح 2/ 736 (حديث 1059) . (6) الذهبي- المغازي ص/ 571- 72، الحاكم- المستدرك 3/ 48. (7) الحاكم- المستدرك 3/ 48- 49، البيهقي- السنن 6/ 89- 90. (8) ابن عبد البر- الاستيعاب 1/ 385. (9) المرجع السابق 3/ 537. (10) ابن هشام- السيرة 2/ 437، البيهقي- السنن 3/ 151، النسائي- السنن 3/ 100، ابن حجر- فتح الباري 2/ 562. (11) خليفة بن خياط- تاريخ ص/ 88، ابن سعد- الطبقات 2/ 154- 55، الحاكم- المستدرك 2/ 121، وانظر ابن هشام- السيرة 2/ 440. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الجيش الإسلامي اثنى عشر ألف مقاتل، وهو أكبر جيش للمسلمين يخرج للقتال في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى هذه الغزوة «1» ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم حريصا على تأمين قواته لذلك فقد اهتم بحراسة الجيش ومراقبة تحركات العدو «2» . ولقد كان لوجود «الطلقاء» من أبناء مكة الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام آثاره السلبية فقد رأى بعضهم أثناء تقدم الجيش الإسلامي نحو حنين شجرة تعرف بذات أنواط يعلق عليها المشركون أسلحتهم فطالبوا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل لهم مثلها، فانتهرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم قائلا: «سبحان الله، كما قال قوم موسى: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ «3» ، والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من قبلكم» «4» . ومن تلك الآثار السلبية، ما أصاب بعض المسلمين من غرور وإعجاب بكثرتهم، فقال أحدهم: «لن نغلب من قلة» ، وقد أصاب هذا الشعور آخرين منهم مما استحقوا معاقبة الله لهم فأذاقهم مرارة الهزيمة في المواجهة الأولى في حنين، وعاقبهم وبيّن لهم أن النصر هو من عند الله، وبأن شعورهم بالزهو لكثرتهم كان سببا في ذلك الدرس القاسي، ولقد انتبه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى ذلك الانحراف، فأكد لهم أن النصر من عند الله، وأنه يفتقر لربه ويدعوه وحده فقال صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ بك أحول، وبك أجول، وبك أقاتل» ، كما قص على أصحابه قصة النبي الذي أعجب بكثر أمته فابتلاهم الله بالموت، فكان إدبارهم في المواجهة الأولى والأهوال التي واجهوها قد أرجعتهم إلى التصور الصحيح وإفراد التوكل على الله سبحانه «5» . ولعل من المناسب أن نشير إلى تصرفات بعض الأعراب والطلقاء الذين لم تكن تهمهم نتائج الصراع ومدلولاته بقدر ما كان يعنيهم الحصول على الغنائم «6» ، وكذلك بعض زعماء قريش الذين كانوا يقفون في مؤخرة جيش المسلمين يراقبون تطور المعركة وينتظرون معرفة المنتصر فيها «7» . كانت قوات المشركين قد سبقت المسلمين إلى وادي حنين، فاختاروا مواقعهم، ووزعوا قواتهم، وأحكموا خطتهم التي اعتمدت على الاستفادة من طبوغرافية الموقع وثناياه وأشجاره وانحدار طريق المسلمين إليهم، وعلى المفاجأة ومباغتة المقاتلة المسلمين بالنبال بهدف إبادتهم، وكانت معنوياتهم عالية بسبب كثرتهم وشجاعتهم   (1) الواقدي- المغازي 3/ 890، الهيثمي- كشف الأستار 2/ 346- 347، ابن إسحاق: ابن هشام- السيرة 4/ 124، البيهقي- دلائل 5/ 123. (2) أبو داود- السنن 1/ 210، 2/ 9، وانظر ابن حجر- الإصابة 1/ 86. (3) القرآن الكريم- سورة الأعراف، الآية/ 138. (4) الترمذي- السنن 3/ 321- 322، النسائي- السنن الكبرى (تحفة الاشراف (11/ 112، حديث 15516) ، أحمد المسند 5/ 218، ابن كثير- التفسير 2/ 243. (5) ذكر القرآن الكريم ذلك صراحة: انظر سورة التوبة، الآية/ 25، وما بعدها، وانظر الدارمي- السنن 5/ 135، أحمد- المسند 4/ 333. (6) البخاري- الصحيح 4/ 25، مسلم- الصحيح 3/ 1401. (7) ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 368 من رواية موسى بن عقبة عن الزهري مرسلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وخبراتهم القتالية «1» . وعلى الجانب الإسلامي، عبأ النبي صلّى الله عليه وسلّم جيشه بالسّحر وعقد الألوية والرايات ورتب الجند على هيئة صفوف منتظمة، واستقبل بجيشه وادي حنين «2» ، وانحدروا مع بزوغ الفجر تتقدمهم على المجنبات الخيالة بقيادة خالد بن الوليد «3» ، وكان المقاتلة من بني سليم في طليعة القوات الإسلامية منذ خروجها من مكة «4» . اندفع المسلمون نحو جموع هوازن، فانكشفوا، فانكب المسلمون على ما تركوه من الغنائم، وبينما هم منشغلون بذلك، نفذت هوازن الخطوة الثانية من خطتها إذ سرعان ما عادت قواتها لتستقبل المسلمين، في الوقت الذي ظهرت قواتها الكامنة فأمطرتهم بوابل عنيف من السهام من الجانبين «ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما كانوا يخطئون» «5» ، وفوجيء المسلمون وتساقط شهداؤهم «6» وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فولوا مدبرين لا يلوون على شيء، حيث انكشفت خيالة المسلمين في البداية ثم اتبعهم المشاة، ثم بقية الجيش، واستمر القتال في هذه الجولة من الفجر إلى الليل ثم استمرت طوال ذلك الليل، وتقدم المصادر الموثقة معلومات مفصلة عن الصعوبات التي واجهها المسلمون من الحر الشديد، والأرض الرملية، وارتفاع الغبار في وجوههم مما حد من قدرتهم على الرؤية «7» . وكان ذلك درسا قاسيا عاقب الله تعالى به أولئك الذين أصابهم العجب والزهو ووصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ «8» . أما النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد ثبت وصمدت معه فئة قليلة من الصحابة، وكان يركب بغلته «9» ، وينظر إلى إدبار المسلمين ويدعوهم إلى الثبات، وهو يدفع بغلته نحو العدو وهو يردد: «أنا النّبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب» ، ومعه العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يمسكان بعنان بغلته لئلا تسرع به بين جموع العدو، وقد تراجع قليل من المسلمين يسيرا في الوقت الذي ابتعد معظمهم مدبرين ولم يصمد معه سوى عشرة أو اثني عشر من الصحابة فيهم العباس وأبو سفيان بن الحارث وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي   (1) ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 330، الواقدي- المغازي 3/ 893، وانظر ابن هشام السيرة- 2/ 442، أحمد- المسند 3/ 376. (2) الواقدي- المغازي 3/ 895- 7. (3) البخاري- الصحيح 5/ 130- 131، مسلم- الصحيح 2/ 735. (4) الواقدي- المغازي 3/ 896- 897. (5) البخاري- الصحيح 4/ 35 (حديث 4317) ، مسلم- الصحيح 3/ 1400- 1401 (حديث 1776) . (6) البخاري- الصحيح (الفتح حديث 4315) ، مسلم- الصحيح 3/ 1398 (حديث 1775) . (7) أحمد- المسند 5/ 286، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 182. (8) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 25. (9) مسلم- الصحيح 3/ 1398- 1400، القسطلاني- المواهب اللدنية 1/ 163، الواقدي- المغازي 3/ 895- 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 طالب- رضي الله عنهم) «1» . وطلب الرسول صلّى الله عليه وسلّم من عمه العباس وكان جهوري الصوت أن ينادي الناس بالثبات وخص منهم أصحاب بيعة الرضوان فأسرعوا إليه عجلين، ثم نادى الأنصار ثم بني الحارث بن الخزرج فتلاحقوا نحوه حتى أصبحوا بين ثمانين ومائة مقاتل، عادوا إلى قتال هوازن وحلفائها، وكانت جولة جديدة أخلصوا فيها النية وحسن التوجه إلى الله وأظهروا فيها من الشجاعة وصدق العزيمة والثبات ما مكنهم من الصمود بوجه المشركين «2» ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو ربه ويسأله النصر، وهو يقول: «أنا النّبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب اللهمّ نزّل نصرك» «3» . وحين غشيه الأعداء ترجل عن بغلته وقاتل، وكان الصحابة إذا اشتد البأس والتحم القتال يتقون به لشجاعته وثباته «4» . وعند ما رأى من فر من المسلمين موقفه وثباته وسمعوا صوت العباس يناديهم عادوا إلى المعركة والتحقوا بقوات الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهم ينادون: لبّيك لبّيك! حتى إن بعضهم لم ينتظر حتى يتمكن من أن يلوي عنان بعيره ليعود به، فهو يتركه ويأخذ درعه وسيفه ورمحه ويعود راكضا حتى ينتهي إلى موقع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيجالد المشركين «5» . واشتد القتال وتكاتفت قوى الإيمان والخير فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هذا حين حمي الوطيس» «6» . وأخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم قبضة من تراب وحصيات من الأرض فرمى بهما وجوه الكفار وهو يقول: «شاهت الوجوه» «7» ؛ فما كان منهم أحد إلّا ملئت عينه ترابا من تلك القبضة فولوا مدبرين، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «انهزموا وربّ محمّد» كررها مرتين «8» . وهكذا لم تصمد قوات المشركين طويلا في الجولة الثانية حين صدق المسلمون ما عاهدوا الله عليه، وأجرى الله تعالى على يد نبيه المعجزة الواضحة، وإلى ذلك يشير القرآن الكريم من قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ* ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ   (1) مسلم- الصحيح 3/ 1398- 1400، الحاكم- المستدرك 3/ 255، أبو يعلى- المسند 3/ 338 (رقم 303) ، ابن هشام- السيرة 2/ 442. (2) مسلم- الصحيح 3/ 1398- 1400، ابن هشام- السيرة 2/ 444- 5، الصنعاني- المصنّف 5/ 380- 81، ابن سعد- الطبقات 4/ 18. (3) مسلم- الصحيح 3 (1401) . (4) البخاري- الصحيح 4/ 35- 53، مسلم- الصحيح 3/ 1400- 1401 (حديث 1776) ، النووي- شرح صحيح مسلم 4/ 401- 402. (5) مسلم- الصحيح 3/ 1398- 1400، ابن هشام- السيرة 2/ 444- 445. (6) مسلم- الصحيح 3/ 1398- 1400. (7) المرجع السابق 3/ 1401- 1402. (8) المرجع السابق 3/ 1402. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . انهارت قوى الشرك، وفرت من ميدان المعركة بشكل غير منظم مخلفة وراءها أعدادا كثيرة من القتلى وكمية كبيرة من الغنائم، كما خلفت شراذم من قواتها تمكن المسلمون من القضاء عليهم بسهولة، وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بتعقب المشركين المهزومين وقتلهم حتى يمنع إمكانية تجمعهم ثانية واحتمال عودتهم إلى القتال فكانت خسائر المشركين في القتلى خلال هزيمتهم أعظم من خسارتهم خلال المعركة. وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قتل النساء والأجراء وكل من لا يحمل السلاح، كما نهى عن قتل الأولاد والذرارى حين بلغه أن بعضهم قد قتل خلال المعركة، وقال له أحد المسلمين: «إنما هم أولاد المشركين» ، فأجاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أو هل خياركم إلّا أولاد المشركين؟، والّذي نفس محمّد بيده ما من نسمة تولد إلّا على الفطرة حتّى يعرب عنها لسانها» «2» . وكان سبي حنين كثيرا، فقد بلغ ستة آلاف من النساء والأبناء «3» ، أما الغنائم فقد بلغت أربعة آلاف أوقية فضة «4» ، أما الإبل فكانت أربعة وعشرين ألفا» ، أما الأغنام فكانت أكثر من أربعين ألف شاة «6» ، وقد حبس الرسول صلّى الله عليه وسلّم هذا السبي والغنائم بالجعرانة ليتصرف فيها بعد الفراغ من أمر الطائف «7» . لم تكن خسائر المسلمين كبيرة خلافا للتوقعات من خلال المعلومات العامة عن إصابات المسلمين في الجولة الأولى وفرار الكثير منهم، بل إنها كانت طفيفة جدا إذا ما أدخلنا قوة المشركين واستعداداتهم وخططهم في الاعتبار وذلك من فضل الله وحفظه ورحمته بالمسلمين، فقد استشهد منهم أربعة شهداء «8» ، وجرح عدد منهم، أشارت المصادر من بينهم إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن أبي أوفى وخالد بن الوليد «9» ، ومما يؤكد صحة هذه الأرقام بالإضافة إلى ورودها في مرويات صحيحة، قيام المسلمين بعد الجولة الثانية بمطاردة المشركين إلى مسافات بعيدة، كما أنهم توجهوا إلى حصار الطائف بعد انتهاء معركة حنين مباشرة. تفرق من نجا من مقاتلة المشركين في الجبال والوديان بعد هزيمتهم في معركة حنين، ولجأت مجموعة كبيرة   (1) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ 26- 27. (2) أحمد- المسند 3/ 435. (3) الصنعاني- المصنف 5/ 381، ابن سعد- الطبقات 2/ 155 من رواية الزهري عن ابن المسيب مرسلا، الطبري- تاريخ 3/ 82، الذهبي- المغازي ص/ 606. (4) ابن سعد- الطبقات 2/ 152. (5) المرجع السابق 2/ 152 وكان معهم خيل وأبقار وحمير وبغال غير أن المصادر لم تذكر عددها. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) أخرجه البزار كما في كشف الأستار للهيثمي 2/ 353، قال الحافظ ابن حجر: «إسناده حسن» ، انظر، الإصابة 1/ 145. (8) هم: أبو عامر الأسلمي، وأيمن بن عبيد، ويزيد بن زمعة بن الأسود، وسراقة بن الحارث، انظر: البخاري- الصحيح 5/ 126، الحميدي- المسند 2/ 398، الهيثمي- كشف الأستار 2/ 346، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر، فتح الباري 8/ 42. (9) البخاري- الصحيح 5/ 126 (حديث 4314) ، الهيثمي- كشف الأستار 2/ 346، البزار- مختصر الزوائد ص/ 49- 50 (رقم 816) ، الحميدي- المسند 2/ 398 بإسناد صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 منهم إلى أوطاس «1» ، وعسكرت مجموعة أخرى منهم في نخلة «2» ، أما غالبية من انهزم من ثقيف فقد تبعوا قائدهم مالك بن عوف النصري إلى حصونهم بالطائف، وقد لا حق مقاتلة المسلمين الفارين حسب توجيهات النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث بعث أبا عامر عبيد بن سليم بن حضار الأسلمي على رأس قوة من المسلمين إلى أوطاس فقاتلهم وقتل دريد ابن الصمة «3» ، وقد أصيب أبو عامر الأسلمي بسهم وهو يقاتلهم فاستخلف أبا موسى الأشعري في القيادة وطلب منه أن يبلغ سلامه للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأن يطلب منه الاستغفار له «4» ، قبل أن يستشهد، وأكمل المسلمون بقيادة الأشعري المهمة وهزموا الأعداء بعد أن قتل في أوطاس من المشركين من بني مالك ثلاثمائة قتيل بينهم دريد بن الصمة «5» ، كما قتل خلق كثير من بني نصر بن معاوية من قبيلة رئاب. «6» وهكذا فإنه ليس بالإمكان إعطاء رقم دقيق لعدد قتلى المشركين الإجمالي في معركة حنين فقد كان عدد قتلى بني مالك من ثقيف في الجولة الثانية من حنين قد بلغ اثنين وسبعين قتيلا وقتل من الأحلاف قتيلان، وقتل بأوطاس كما أسلفنا ثلاثمائة من بني مالك، وتشير المصادر إلى أنه قتل خلق كثير من فروع هوازن الأخرى وخاصة من بني نصر بن معاوية وغيرهم ممن قتلوا أثناء فرارهم إلى نخلة من حنين. وتشير مرويات مرسلة إلى أن الشيماء أخت الرسول صلّى الله عليه وسلّم من الرضاعة، ومرضعته حليمة السعدية قد التقتا الرسول صلّى الله عليه وسلّم فأكرمهما. «7» غزوة الطائف: تجمعت قوات المسلمين في أعقاب النصر المظفر الذي كتبه الله لهم في معركة حنين، وتوجهوا بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف بهدف القضاء على قوات ثقيف التي فرت من حنين، وكانت فلول ثقيف بقيادة مالك بن عوف قد لجأت إلى حصونها المنيعة في الطائف وجمعت ما يكفيها من المؤن الغذائية لعام كامل، وأغلقت أبوابها واتخذت كافة الإجراءات والاستعدادات التي تمكنها من مواجهة حصار طويل وواصلت ترميم الحصون وتدعيمها إلى حين وصول طلائع المسلمين المتجهة نحوهم «8» .   (1) واد بين حنين والطائف، معجم البلدان 1/ 281. (2) موضع بين حنين وسبواحة (تعليق حمد الجاسر على كتاب المناسك للحربي) . (3) البخاري- الصحيح 5/ 128، وفيه أن الذي قتله هو الزبير بن العوام، الهيثمي- كشف الأستار 2/ 346، وحسّنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 8/ 42. (4) البخاري- الصحيح 4/ 28، 5/ 128، 8/ 69، مسلم الصحيح 4/ 1943، وفيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد دعا له، (حديث 2498) . (5) ابن إسحاق- سيرة ابن هشام 2/ 453- 54، الواقدي- المغازي 3/ 916، ابن سعد- الطبقات 2/ 152. (6) ابن هشام- السيرة 2/ 454، وجعلهم الواقدي في المغازي 3/ 916 «بني رباب» ، عوضا عن «رئاب» ، ولم يرد الخبر في مرويات حديثية صحيحة. (7) ابن إسحاق- سيرة ابن هشام 2/ 458، البيهقي- دلائل النبوة 3/ 56، الطبري- جامع البيان 10/، 101 وعن لقاء حليمة السعدية، انظر البخاري- الأدب المفرد ص/ 440، أبو داود- السنن 2/ 630، الحاكم- المستدرك 3/ 618، 4/ 164، ابن كثير- البداية 4/ 364. (8) ابن هشام- السيرة 4/ 170- 171، ابن سعد- الطبقات 2/ 158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وصل الجيش الإسلامي إلى الطائف في حدود نهاية الأسبوع الثالث من شهر شوال، فباشروا إحكام الحصار حول حصون العدو مدة أسبوعين، وكان نزولهم أول الأمر قريبا من حصون العدو وعلى مرمى سهامهم مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء وجرح عدد آخر منهم، ثم تحول المسلمون وعسكروا في الموضع الذي بنى فيه المسجد «1» ، وكان القتال تراشقا بالسهام في أول الأمر، ثم استخدم المسلمون «الدبابة» بهدف الوصول إلى الأسوار وثقبها آمنين من السهام، ولكن ثقيفا فطنت للأمر فألقت عليهم قطع حديد محمّاة أحرقت الدبابة وحين خرج المقاتلون المسلمون منها، ضربوهم بالسهام فقتلوا بعضهم.. واستخدم المسلمون المنجنيق لرمي التحصينات بالحجارة بهدف هدمها وإيقاع إصابات في قوات العدو في الوقت نفسه، غير أن قلة هذه الآلات وعدم وجود خبراء في استعمالها وإجادة التهديف بها جعل أثرها محدودا. «2» ولذلك فقد وجد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أفضل وسيلة للضغط على ثقيف هي في تهديد مواردها الاقتصادية الحيوية المتمثلة في بساتينها، فأمر صلّى الله عليه وسلّم بتحريق بساتين الأعناب والنخيل في ضواحي الطائف، مما كان له أثره الكبير في كسر معنوياتهم، فناشدوا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يدعها لله وللرحم، فاستجاب لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد أن تحقق الهدف المنشود «3» . ونادى منادي النبي صلّى الله عليه وسلّم عبيد الطائف قائلا: أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر» ، فنزل إليهم ثلاثة وعشرون عبدا، منهم أبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي، فأسلموا، فأعتقهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولم يعدهم إلى ثقيف بعد إسلامهم «4» . غير أن كل ذلك لم يؤثر كثيرا في عناد ثقيف التي صمدت بوجه الحصار، ورغم ما واجهته من وابل السهام التي أمطرها بها المسلمون لينالوا بها درجة من الجنة وعدهم بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد تمكنت ثقيف من إيقاع إصابات شديدة بالمسلمين فقد كثرت الجراحات بينهم واستشهد منهم اثنا عشر شهيدا، وكل ذلك مقابل ثلاثة قتلى في صفوف ثقيف التي كانت ممتنعة بالحصون والأسوار العالية «5» . أورد الإمام البخاري رواية صحيحة تدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يستهدف من غزو الطائف وحصارها تحقيق فتحها، وإنما أراد أن يكسر شوكة ثقيف، ويجعل للمسلمين اليد العليا عليهم في وصولهم إليها ومحاصرتها في عقر دارها حيث عرفها أن بلادها- الطائف- هي في قبضة المسلمين وأنهم سيدخلونها متى شاءوا ذلك، «6» ويظهر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يرغب في أن يشق على المسلمين ويكثر من تقديم الشهداء منهم لفتح بلدة صغيرة حصينة تحيط بها ديار الإسلام من كل صوب، إذ لم يكن لثقيف رغم عنادها وصمودها إلا الإسلام أو الاستسلام،   (1) مسلم- الصحيح 2/ 736، أحمد- المسند 3/ 157، وانظر رأي الحافظ ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 356، ابن هشام- السيرة 2/ 478. (2) ابن هشام- السيرة 2/ 478- 483 برواية ابن إسحاق. (3) البيهقي- السنن الكبرى 9/ 84، الشافعي- كتاب الأم 7/ 323. (4) البخاري- الصحيح 5/ 129، أحمد- المسند 1/ 236، ابن حجر- فتح الباري 8/ 46، الصنعاني- المصنّف 5/ 301، ابن سعد- الطبقات 2/ 158- 159، وانظر ابن هشام- السيرة 2/ 485. (5) البخاري- الصحيح 8/ 20، ابن هشام- السيرة 2/ 486- 487، الواقدي- المغازي 3/ 929- 30. (6) البخاري- الصحيح 5/ 128، 9/ 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وإضافة إلى ذلك فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يدرك أن ثقيفا إذا تحولت إلى الإسلام فإنها ستكون مادة له وقوة ومنعة فهم أهل شجاعة وفطنة وذكاء وكان يطمع في إسلامهم ويدعو لهم بالهداية. اقترح النبي صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه فك الحصار، فلما رأى حرصهم على القتال سمح لهم بذلك حتى اقتنعوا بعدم جدوى ذلك، فلما أعاد عليهم فكرة فك الحصار ثانية أظهروا الرضا بقراره الحكيم ونفذوه وعادوا مرة أخرى إلى الجعرانة حيث خلفوا غنائم حنين قبل أن يتوجهوا إلى الطائف «1» ، وكان النبي قد أخر قسمتها، كما أنه لم يتعجل في قسمتها بعد عودته مع الجيش سوى شيء قليل من الفضة قسمه عند وصوله «2» ، ثم انتظر بضع عشر ليلة مؤملا قدوم هوازن وإسلامها ولكنه، حين أبطأت عليه، بادر إلى تقسيم الغنائم «3» ، حيث قسمها صلّى الله عليه وسلّم بصورة خفيت حكمتها على بعض الصحابة آنذاك، حيث حظي بهذه الغنائم الطلقاء والأعراب تأليفا لقلوبهم لقرب عهدهم بالإسلام، فأعطى مائة من الإبل لأحد زعماء غطفان، ومثلها لأحد زعماء تميم ولستة آخرين من زعماء قريش. وقسم أيضا لاثنين وخمسين رجلا ذكرتهم المصادر من المؤلفة قلوبهم «4» ، وقد استمالت هذه القسمة قلوب الزعماء وأتباعهم فاظهروا الرضا بها وزادهم ذلك رغبة في الإسلام، ثم حسن إسلامهم فأبلوا في الإسلام بلاء حسنا وبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله «5» . وذلك ما عناه أنس بن مالك- رضي الله عنه- بقوله: «إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلّا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها» «6» . ولقد أوضح النبي صلّى الله عليه وسلّم الحكمة من وراء تقسيمه الغنائم على تلك الصورة التي كان لها أثر سلبيّ على مشاعر بعض المسلمين الذين لم تشملهم القسمة فقال صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لأعطي الرّجل وأدع الرّجل، والّذي أدع أحبّ إليّ من الّذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير» . وقال: «إنّي لأعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألّفهم» وحين بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الأنصار قد وجدوا في أنفسهم بسبب قسمة الغنائم هذه، وأن بعضهم قال: «يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم» ، وقالوا: «إذا كانت الشدة فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا» «7» ، وقد وردت روايات صحيحة تضمنت كيف أوضح لهم   (1) البخاري- الصحيح 5/ 128- 9/ 113. (2) الحاكم- المستدرك 2/ 121. (3) البخاري- الصحيح- فتح 8/ 32. (4) ابن هشام- السيرة 2/ 494- 496، الزرقاني- شرح المواهب اللدنية 3/ 37، ابن حجر- فتح الباري 8/ 48. (5) ابن عبد البر- الاستيعاب 1/ 103، وانظر: ابن سعد- الطبقات 7/ 37، ابن حجر- الإصابة 1/ 58، ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 248. (6) مسلم- الصحيح 4/ 1806، وانظر البخاري- الصحيح 2/ 104، 4/ 73، 8/ 79، ابن حجر- فتح الباري 3/ 336. (7) نقل ابن هشام أنه لما أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أعطى في قريش وقبائل العرب، ولم يعط الأنصار شيئا، قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك في قصيدة أوردها (السيرة 3/ 497) ورد فيها قوله: وأت الرسول وقل يا خير مؤتمن ... قدام قوم هم آووا وهم نصروا علام تدعى سليما وهي نازحة ... للمؤمنين إذا ما عدّل البشر سماهم الله أنصارا بنصرهم ... دين الهدي وعوان الحرب تستعر وهي قصيدة تقع في ثلاثة عشر بيتا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 النبي صلّى الله عليه وسلّم الحكمة من التوزيع، وأنه إنما وكلهم إلى إيمانهم «1» ، وأورد ابن إسحاق رواية نص فيها على التحديث عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع الأنصار ثم أتاهم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم، وجدة عليّ في أنفسكم، ألم آتكم ضلّالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله وأعداء فألّف الله بين قلوبكم! قالوا: بلى، الله ورسوله أمنّ وأفضل..» ثم قال صلّى الله عليه وسلّم: «أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدّنيا تألّفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب النّاس بالشّاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فو الّذي نفس محمّد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك النّاس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، اللهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» «2» ، قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا، ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتفرقوا «3» ، وهكذا فلم يكن يهمهم المال، ولذلك فإنهم ما إن عرفوا سبب منع الأعطيات عنهم ووضحت لهم الحكمة في توزيعه صلّى الله عليه وسلّم للغنائم حتى أعلنوا رضاهم، وأسعدهم كثيرا اعتماد النبي صلّى الله عليه وسلّم على إخلاصهم لعقيدتهم، وأنه وكلهم إلى إيمانهم فكانوا عند حسن الظن بهم. وتحدثت المصادر عن نماذج من جفاء وغلظة الأعراب وتصرفاتهم الصلفة وغير المنضبطة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أثناء توزيعه الغنائم، كما تحدثت عن قوة تحمله صلّى الله عليه وسلّم وصبره الكبير على جفاء الأعراب وطمعهم في الأموال وحرصهم على المكاسب، وإدراكه لأحوالهم وما جبلوا عليه من قساوة وفظاظة وأنانية، وقد طمأنهم على مصالحهم وعاملهم على قدر عقولهم وكان بهم رحيما ولهم مربيا ومصلحا «4» . وبعد قسمة الغنائم قدم وفد من هوازن يعلن إسلامهم ويلتمس من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رد أموالهم وذراريهم عليهم، فخيرهم بين الأموال والسبي فاختاروا السبي، فجمع النبي صلّى الله عليه وسلّم المسلمين وخطب فيهم، وقال إنه يريد أن يرد السبي لهوازن «فمن أحبّ منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحبّ أن يكون على حظّه حتّى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفيء الله علينا فليفعل» ، ورغم أن المسلمين نادوا: «طيبنا يا رسول الله لهم» ، فإنه صلّى الله عليه وسلّم قال لهم: «إنّا لا ندري من أذن منكم فيه ممّن لم يأذن، فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» ، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا» «5» . ولقد كان إسلام هوازن نصرا آخر كتبه الله للمسلمين سرّ به النبي صلّى الله عليه وسلّم فسألهم عن زعيمهم مالك بن   (1) البخاري- الصحيح 4/ 74، 145، 5/ 26، 28، 130، 7/ 133، 8/ 130، 9/ 106 (الأحاديث 4331، 4332، 4433، 4334، 4337، مسلم- الصحيح 2/ 733- 736 (حديث 1059) . (2) ابن هشام- السيرة 3/ 498- 499. (3) المرجع السابق 3/ 500. (4) القرآن الكريم- الآيات/ 97- 98. (5) البخاري- الصحيح 3/ 87، 156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 عوف ووعدهم برد أهله وأمواله عليه وبإكرامه بمائة من الإبل إن قدم عليه مسلما، فأسلم وحسن إسلامه وقاتل المشركين في الطائف وضيق عليهم، وقد أسلم بعد ذلك بعض زعماء ثقيف أمثال عروة بن مسعود الثقفي الذي لحق بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في طريق المدينة فأسلم على يديه وعاد إلى الطائف يدعو إلى الإسلام، ويؤذن من على سطح منزله فرماه بعض المشركين فأصابه، ودفن بناء على وصيته مع شهداء المسلمين أثناء حصار الطائف «1» . أما غالبية قبيلة ثقيف فقد تأخر إسلامهم إلى ما بعد عودة النبي صلّى الله عليه وسلّم من غزوة تبوك وسنعرض لذلك في حينه إن شاء الله. وقد استنبطت من غزوة حنين والطائف جملة أحكام منها ما يتعلق بأحكام المسبيات المتزوجات» ، والنهي عن قتل من لا يشترك في القتال من جبهة المشركين من النساء والأطفال والشيوخ والأجراء «3» ، وإقامة الحد في دار الحرب «4» ، وجواز إعطاء الغنائم للمؤلفة قلوبهم. وجواز قطع وتحريق أشجار وبساتين الكفار إذا كان في ذلك إضعاف لهم، كما شرعت العمرة من الجعرانة «5» . تنظيم استيفاء الصدقات والجزية: شرع الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد عودته إلى المدينة في أواخر ذي القعدة في تنظيم الإدارة والجباية، وكان صلّى الله عليه وسلّم قد استخلف عتاب بن أسيد على مكة حين انتهى من أداء العمرة، وخلف معه معاذ بن جبل يفقّه الناس ويعلمهم القرآن، وكان رزق عتاب ثلاثين درهما في الشهر «6» . وفي مطلع المحرم من العام التاسع وجّه الرسول صلّى الله عليه وسلّم عماله على المناطق المختلفة. فبعث: بريدة بن الحصيب إلى أسلم وغفار وعباد بن بشر الأشهلي إلى سليم ومزينة، ورافع بن مكيث إلى جهينة، وعمرو بن العاص إلى فزارة، والضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب، وبسر بن سفيان الكعبي إلى بني كعب، وابن اللّتبيّة الأزدى إلى بني ذبيان، ورجلا من بني سعد بن هذيم إلى بني هذيم «7» ، والمهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء، وزياد بن لبيد إلى حضرموت، وعدي بن حاتم الطائي إلى طيء وأسد، ومالك بن نويرة إلى بني حنظلة، والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم إلى بني سعد «8» ، والعلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وعلي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقتهم، ويقدم عليه بجزيتهم «9» .   (1) ابن هشام- السيرة 2/ 537- 8، ابن كثير- البداية والنهاية 5/ 29. (2) أحمد- المسند 3/ 488. (3) أحمد- المسند 3/ 488، الحاكم- المستدرك 2/ 123، البيهقي- السنن 9/ 130. (4) أبو داود- السنن 12/ 196- 197، أحمد- المسند 4/ 350، الدارقطني- السنن 3/ 157- 158. (5) مسلم- الصحيح 4/ 1806. (6) ابن حجر- الإصابة 2/ 451، البخاري- التاريخ الكبير 7/ 54، خليفة بن خياط- التاريخ ص/ 88. (7) الواقدي- المغازي 3/ 973، ابن سعد- الطبقات 2/ 160. (8) ابن هشام- السيرة 4/ 328. (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 السرايا والأحداث حتى غزوة تبوك: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد بعث الطفيل بن عمرو من مقرّه في حنين وقبل أن يسير إلى الطائف، وأمره بأن يهدم «ذي الكفّين» صنم عمرو بن حممة الدوسي، ثم يستمد قومه ويوافيه مع المدد إلى الطائف، وقد نفذ الطفيل بن عمرو أوامر النبي صلّى الله عليه وسلّم فهدم «ذي الكفين» وحرقه وقاد أربعمائة من قومه ومعهم دبابة ومنجنيق مددا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوصلوا إليه بعد مقدمه الطائف بأربعة أيام «1» . إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني الشاعر: كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد أهدر دم كعب بن زهير في أعقاب هجوه لأخيه بجير بقصيدة عرّض فيها بالرسول صلّى الله عليه وسلّم وبأبي بكر (رضي الله عنه) «2» ، فكتب إليه أخوه محذرا وأغراه بالقدوم وقد سمع كعب نصيحة أخيه بجير التي ضمنها قصيدته التي جاء فيها قوله: إلى الله لا العزى ولا اللات وحده ... فتنجو إذا كان النجاء وتسلم فأسلم وقدم على النبي صلّى الله عليه وسلّم فأمنه، فأنشده قصيدته المشهورة «بانت سعاد» التي ألقاها في المسجد على مسامع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وهي قصيدة طويلة نقل منها ابن هشام أكثر من خمسين بيتا فيها اعتذار وإقرار بالخطأ ومديح ودفاع عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ودينه ورد فيها قوله: نبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك ... نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم ... أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل وقد سر النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك، وحين بلغ قوله: إن الرسول لنور يستضاء به ... مهنّد من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا أشار النبي صلّى الله عليه وسلّم بكمه إلى الناس ليأتوا ويسمعوا منه، ورمى على كعب بردة كانت عليه «3» ، ولا شك في أن إسلام شاعر فذ موهوب من الشعراء المخضرمين المرموقين، وتصديه لمدح النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه والإسلام كان له أثره الكبير في المجتمع القبلي في الدعوة للإسلام، والدعاية له، والرد على مناوئيه وخصومه.   (1) ابن هشام- السيرة 2/ 385 بدون إسناد. (2) ابن هشام- السيرة 4/ 201، الذهبي- المغازي ص/ 618- 21، البيهقي- دلائل النبوة 5/ 207. (3) ابن هشام- المصدر السابق، وانظر 3/ 503. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 سرية عبد الله بن حذافة السهمي: وردت روايات صحيحة «1» تفيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استعمل رجلا من أصحابه، يرجح أن يكون عبد الله بن حذافة السهمي «2» ، على سرية وأمرهم أن يطيعوه، فأغضبوه في شيء، فأمرهم فأوقدوا نارا، ثم ذكرهم بأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم بالسمع والطاعة له، وأمرهم أن يدخلوا النار التي أوقدوها، فامتنعوا وقالوا: «إنما فررنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من النار» وحين علم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالأمر قال «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنّما الطّاعة في المعروف» . وقد روى الشيخان أن الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «3» قد نزلت فيه عندما أرسله النبي صلّى الله عليه وسلّم في السرية «4» . غزوة تبوك: «جيش العسرة» : «5» أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بجهاد أهل الكتاب، كما أمرهم بجهاد المشركين، وخلافا لما حصل مع المشركين الذين لا يقبل منهم إلا الدخول في الإسلام أو أن يأذنوا بقتال، فإن أهل الكتاب لهم حق الاحتفاظ بدينهم إذا ما اعترفوا بالسيادة لدولة الإسلام وأدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون. قال تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «6» . ولذلك فليس هناك ما يدعو إلى البحث عن الأسباب المباشرة لهذه الغزوة، كما حاول بعض المؤرخين المسلمين حين ذكروا أن هرقل قد جمع الجموع «7» ، أو كما ذكر آخرون أنه قد قصد منها أخذ الثأر لقتلى المسلمين في مؤتة عامة وجعفر بن أبي طالب خاصة «8» ، أو ادعاء العض أنها ناجمة عن مشورة يهود «9» .   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 7145) ، مسلم- الصحيح 3/ 1469، كتاب الإمارة، (الحديث 1840) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4584) ، مسلم- الصحيح 3/ 1465، (الحديث 1834) ، أحمد- المسند 3/ 67، وانظر صحيح سنن ابن ماجه للألباني 2/ 142 (حديث 2863) والحاكم- المستدرك 3/ 630- 1. (3) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 59. (4) خالف ذلك الحافظ ابن كثير (التفسير 2/ 303) والطبري (التفسير 8/ 498- 9) وقالا إنها إنما نزلت في خالد بن الوليد، وقالا إن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء، وذكر الواقدي في المغازي (3/ 983) وتابعه ابن سعد في الطبقات (2/ 163) أنها نزلت في علقمة بن محرز حين بعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم في سرية لرد الأحباش عن جدة. (5) وردت «العسرة» تسمية للغزوة في القرآن الكريم سورة التوبة، الآية (29) ، وعنون البخاري لها «باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة» ، وأورد مسلم في صحيحه أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو الذي سماها تبوك (الصحيح- كتاب الفضائل 7/ 60- 61) . (6) القرآن الكريم- سورة التوبة (29) . (7) ابن سعد- الطبقات 2/ 165. (8) اليعقوبي- التاريخ 2/ 67. (9) ابن كثير- التفسير 5/ 210- 211. وانظر ابن عساكر- تاريخ دمشق 1/ 167- 168، والخبر في ذلك مرسل وضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وهكذا فقد كانت غزوة تبوك استجابة إيمانية لفريضة الجهاد حيث كان الروم أقرب الناس إلى ديار الإسلام ولذلك فإنهم أولى الناس بالدعوة. «1» وقد قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ «2» ، وهكذا، فبعد القضاء على الوثنية في جزيرة العرب، وإجلاء يهود من المدينة وغيرها، كان على المسلمين أن يقاتلوا أهل الكتاب من النصارى الذين كانوا يقطنون على المشارف الشمالية الغربية من جزيرة العرب، حيث كانت المنطقة التي توجه إليها الرسول في هذه الغزوة من ديار قضاعة وهي خاضعة لسلطان الإمبراطورية البيزنطية (الروم) . ولقد دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم الصحابة إلى الإنفاق على هذه الغزوة نظرا لكثرة المشاركين فيها، وبعد المسافة التي كان على الجيش أن يقطعها، ووعد المنفقين بعظيم الأجر من الله سبحانه وتعالى، فسارع أغلب الصحابة إلى المشاركة في توفير الأموال المطلوبة كل حسب مقدرته، وكان عثمان بن عفان أكثر المنفقين على جيش العسرة استجابة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «من جهّز جيش العسرة فله الجنّة» ، وتواترت الأخبار الصحيحة بأن عثمان بن عفان قد تحمل نفقات جيش العسرة، فلقد سارع بتقديم ألف دينار في بداية الاستعدادات صبها في حجر النبي صلّى الله عليه وسلّم «3» كما قدم أموالا أخرى تتمثل في الجمال والعدد التي يحتاج إليها في نقل الجيش والحرب «4» . وساهم عبد الرحمن بن عوف في تحمل قسط من نفقات الجيش حين قدم نصف أمواله حينذاك وبلغت مساهمته في حدود ألفي درهم «5» . كما قدم عمر بن الخطاب مائة أوقية «6» ، ولا شك في أن عددا آخر من الصحابة قد ساهموا في تغطية بقية النفقات كل على قدر طاقته، والدليل على ذلك أن فقراء المسلمين قدموا ما قدروا عليه من النفقة، رغم بساطته وقلته، على استحياء منهم فقد جاء أحدهم بصاع من تمر، وجاء آخر بنصف صاع منه، مما عرضهم لسخرية ولمز المنافقين، فأنزل الله تعالى قوله الكريم: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «7» . ولا شك في أن المنافقين كانوا يتهمون أغنياء المسلمين بالرياء، في نفس الوقت الذي يسخرون فيه من صدقة الفقراء، وكان علبة بن زيد، وهو من البكائين، واحدا من سبعة رجال من المسلمين الذين أرادوا المشاركة في الغزوة وطلبوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجد لهم ما يحملهم عليه، فلم يجد فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألّا يجدوا   (1) يقول الحافظ ابن حجر «فعزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قتال الروم، لأنهم أقرب الناس إليه وأولى الناس بالدعوة لقربهم إلى الإسلام وأهله» (البداية والنهاية 2/ 5) . (2) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 123، وانظر الطبري- التفسير 11/ 71. (3) البخاري- الصحيح 4/ 11 (كتاب الوصايا) ، فتح الباري 5/ 306، أحمد- المسند 5/ 53. (4) الترمذي- السنن 13/ 153- 154، الحاكم- المستدرك 3/ 102. (5) الطبري- التفسير 10/ 191- 196. (6) ابن عساكر- تاريخ دمشق 1/ 408- 409، وانظر الترمذي- السنن 9/ 277. (7) القرآن الكريم- سورة التوبة، آية (79) ، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4668) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 ما ينفقون وقد أنزل الله سبحانه وتعالى فيهم وفي أمثالهم قوله: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ «1» . أعلن النبي صلّى الله عليه وسلّم النفير العام فأمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وقد انفرد الواقدي بذكر خبر إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى القبائل يستنفرها بالخروج مع الجيش الإسلامي من المدينة إلى تبوك وقد أشار القرآن الكريم إلى إعلان النفير فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ «2» . وكان النفير المعلن أمرا واجبا على الجميع تنفيذه والالتزام به؛ فقد طالبهم القرآن الكريم أن ينفروا شبابا وشيوخا أغنياء وفقراء وأن يكون جهادهم جميعا بالأموال والأنفس، فقال تعالى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «3» . وقد أورد ابن هشام مروية لابن إسحاق جمع فيها معلومات أخذها من عدة مصادر، جاء فيها: «أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمان من عسرة الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه، وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ «4» ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلما يخرج في غزوة إلا كنّى عنها ويخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له، إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بيّنها للناس، لبعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز، وأخبرهم أنه يريد الروم» «5» . ولقد نجم النفاق في المدينة واستعلن بشأن هذه الغزوة، «وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكّا في الحق، وإرجافا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ، فأنزل الله تعالى فيهم: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ «7» .   (1) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ 91- 92. (2) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 38. (3) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 41. (4) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 42، الطبري- تفسير 14/ 272 بإسناد حسن الى قتادة ولكنه مرسل. (5) «وقد ذكر لنا الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا» ، ابن هشام- السيرة 3/ 516. (6) ابن هشام- السيرة 3/ 517. (7) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية 81- 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 وحين عرض النبي صلّى الله عليه وسلّم على الجد بن قيس أحد بني سلمة المشاركة في جهاد الروم، اعتذر عن ذلك تحت ستار الخوف من الفتنة بسبب شدة ولعه بالنساء وقال: «وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر» ، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: قد أذنت لك» ، وفيه نزلت الآية: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ. «1» وكما اعتذر الجد بن قيس كذبا ونفاقا، فقد بادر عدد من المنافقين إلى تقديم أعذار كاذبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم لكي يأذن لهم بالتخلف عن الغزوة، ولذلك نزلت الآية. عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ. «2» لم يقتصر النفاق على من نافق من أهل المدينة بل إنه امتد إلى البادية حولها، قال تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ «3» . وحيث إن المنافقين من الأعراب، وهم أقسى قلوبا وأكثر جفوة وأقل علما بالأحكام والسنن، فإنهم أشد كفرا ونفاقا من منافقي أهل المدينة، كما وصفهم القرآن الكريم. الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ. «4» لقد كانت غزوة تبوك منذ بداية الإعداد لها مناسبة للتمييز بين المؤمنين والمنافقين، وضحت فيها الحواجز بين الطرفين ولم يعد هناك أي مجال للتستّر على المنافقين أو مجاملتهم بل أصبحت مجابهتهم أمرا ملحا بعد أن عملوا كل ما في وسعهم لمجابهة الرسول والدعوة، وتثبيط المسلمين عن الاستجابة للنفير الذي أعلنه الله تعالى والرسول صلّى الله عليه وسلّم والذي نزل به القرآن الكريم، بل أصبح الكشف عن نفاق المنافقين، وإيقافهم عند حدهم واجبا شرعيا. فحين بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أعدادا من المنافقين كانوا يجتمعون في بيت سويلهم اليهودي يثبطون الناس عن الغزوة، أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم إليهم من أحرق عليهم بيت سويلم «5» ، وحين ابتنى المنافقون مسجدا لهم ليجتمعوا فيه مكايدة للمسلمين وتفريقا لاجتماعهم ووحدتهم وطلبوا من النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصلي فيه، نهاه الله تعالى عن ذلك وسماه (مسجدا ضرارا) فقال جل شأنه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ   (1) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 49. (2) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 43. (3) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 101. (4) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 97، الطبري- تفسير 11/ 3. (5) ابن هشام- السيرة 4/ 217- 218 بإسناد منقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «1» . وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إليه، فلم يعذرهم الله تعالى «2» . وهكذا فقد تخلف عن هذه الغزوة كثير من الأعراب والمنافقين، وعدد قليل من الصحابة من أهل الأعذار، وثلاثة من الصحابة تخلفوا دون أن يكون لهم عذر «3» . سارع المؤمنون إلى الالتحاق بهذه الغزوة التي كشف النبي صلّى الله عليه وسلّم عن وجهتها كما أسلفنا لكي يستعدوا لذلك، ولم يهابوا المشاق التي تنتظرهم بسبب بعد المسافة والحر الشديد وقلة المئونة، كما لم تفتنهم طيبات الحياة الدنيا ورغد العيش والأمن الذي يوفره لهم البقاء في المدينة. ولما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بجيشه من المدينة ضرب معسكره بالجرف عند ثنية الوداع لكي يتلاحق أفراد الجيش به «4» ، واستعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري «5» ، وخلف على أهله علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث أمره بالإقامة فيهم. وقد أرجف به المنافقون وقالوا «ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه» ، وأخذ عليّ سلاحه وخرج من المدينة حتى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو نازل بالجرف، فأخبره بما قاله المنافقون عنه «6» ، وقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟، وقد كذّب النبي صلّى الله عليه وسلّم مقولة المنافقين وقال لعلي: «ولكنّي خلّفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا إنّه لا نبيّ بعدي» «7» ، فرجع علي إلى المدينة. وأورد ابن إسحاق خبرا مرسلا «8» ذكر فيه أن عبد الله بن أبي بن سلول ضرب معسكرا خاصا به أفرده عن معسكر النبي صلّى الله عليه وسلّم وجعله «على حدة، عسكره أسفل منه نحو ذباب» «9» ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين، فلما سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تخلف عنه عبد الله بن أبي،   (1) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات 107- 108، الطبري- التفسير 14/ 468- 475. (2) من مرويات ابن إسحاق بدون إسناد، ابن هشام- السيرة 3/ 518. (3) وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وسوف يرد تفصيل أمرهم بعد اكتمال الحديث عن الغزوة وعودة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة. (4) البخاري- الصحيح (الفتح حديث 4416) ، مسلم- الصحيح 1870- 1871 (حديث 2404) . (5) ابن هشام- السيرة 3/ 519، كما أورد خبرا نقله عن الدراوردي أنه استعمل على المدينة مخرجه إلى تبوك سباع بن عرفطة. (6) وردت مرسلة في ابن هشام- السيرة 3/ 519- 520. (7) وردت الحادثة، في البخاري- الصحيح 5/ 7، وفي مواضع أخرى منه، كما أوردها مسلم في صحيحه 7/ 120- 121 مع بعض التعديل لبعض المفردات، فقد جاء فيه: «أما ترضى» بدلا من «أفلا» ، وأسقط اسم علي من وسط الحديث، وانظر أحمد- فضائل الصحابة. (8) ابن هشام- السيرة 3/ 519. والحديث أورده الإمام أحمد في كتابه «فضائل الصحابة» بطرق صحيحة عديدة أثناء تعرضه لفضائل الصحابي علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) (فضائل 2/ 594 رقم 1010) . (9) جبل قرب المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب» «1» . أما عن عدد جيش المسلمين في غزوة تبوك فالراجح أنه كان أكثر من ثلاثين ألف مقاتل «2» ، وكان معهم عشرة آلاف فرس «3» ، وقد سلك الجيش طريق الشام «4» وفي الطريق إلى تبوك لحق بالجيش أبو خيثمة مالك بن قيس وكان من الأنصار بعد أن كان تخلف بالمدينة «5» ، كما لحق به أبوذر رضي الله عنه وهو لم يتخلف وإنما أبطأ به بعيره، مما دعاه إلى أن يأخذ متاعه فيحمله على ظهره، ويتبع أثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ماشيا «6» . وأورد الواقدي وغيره من أهل السير والمغازي مرويات عن جملة معجزات حصلت خلال غزوة تبوك ولكنها كلها ضعيفة «7» وأورد ابن إسحاق خبرا مرسلا عن تخذيل المنافقين للمسلمين أثناء الغزوة والجيش في طريقه إلى تبوك. وأورد الطبري في تفسيره «8» آثارا متعددة في سبب نزول قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ «9» . ومن ذلك أثر صحيح عن عبد الله بن عمر جاء فيه أن رجلا من المنافقين ذكر القراء بسوء فرد عليه رجل   (1) على الرغم من ضعف الرواية وتفرد ابن إسحاق بإيرادها دون سند، فإن تصرفات عبد الله بن أبي زعيم المنافقين هذه قد تكون السبب في منع النبي صلّى الله عليه وسلّم من الصلاة عليه عند موته بعد رجوع النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين من تبوك. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 113- مسلم- الصحيح 8/ 112 (حديث 2769) ، ابن حجر فتح الباري 8/ 118، وما ورد لا يتعارض مع ما أورده ابن إسحاق والواقدي. (3) الواقدي- المغازي 3/ 996 برواية زيد بن ثابت، ابن سعد- الطبقات 2/ 166. (4) تفصيلات قصته أوردها الطبراني (فتح الباري 8/ 119) كما أوردها ابن هشام برواية ابن إسحاق دون إسناد في سيرته 3/ 520- 521 كما أوردها الحافظ ابن كثير في البداية 5/ 7- 8 وقد أخرج قسما منها الإمام مسلم في صحيحه 8/ 107، والإمام أحمد في المسند 6/ 387- 388، كما أورده الواقدي- المغازي 3/ 998- 999 وجعله عبد الله بن خيثمة السالمي خلافا لما ورد برواية الزهري وابن إسحاق. (5) الحاكم- المستدرك 3/ 50- 51، والذهبي- ميزان 1/ 306، ابن كثير- البداية 5/ 10- 11، وأورد ابن هشام في السيرة حيث ساق خبر إبطاء بعيره والتحاقه مع خبر وفاته بالربذة، ثم خبر وصول ركب عبد الله بن مسعود مع رهط من أهل العراق، وترحمه عليه وذكره لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم عن مسيره من تبوك (السيرة 3/ 524) . (6) من ذلك ما ورد في مغازي الواقدي 3/ 1008- 1015 عن الأفعى التي اعترضت طريق المسلمين، ومعجزة الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلّى الله عليه وسلّم (المغازي 3/ 1040- 42) ، ومعجزة تكثير الطعام في تبوك (المغازي- 3/ 1017- 1018) ، ومعجزة نزول المطر بدعائه صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك (السيوطي- الخصائص الكبرى 2/ 106) ، ومعجزة لقاء النبي صلّى الله عليه وسلّم مع إلياس- عليه السلام- (الخصائص 2/ 109) ، ومع أن معجزات كثيرة قد وقعت للرسول صلّى الله عليه وسلّم وردت بطرق صحيحة ولا شك في حصولها ولا يمكن التشكيك فيها ولا مجال مطلقا لإنكار أي منها، فإن ما أشرنا إليه آنفا وقع مثلها في غير هذا الموضع وبأسانيد صحيحة. لكنها هنا ضعيفة الأسانيد. (7) ابن هشام- السيرة 3/ 524. (8) الطبري- التفسير 14/ 333 (رقم 16912) بإسناد صحيح. (9) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ 65- 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وكذبه وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فنزل القرآن في ذلك. قال ابن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنّا نخوض ونلعب «1» . وصل المسلمون إلى تبوك، وأوردت المصادر نص خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين عند ذلك «2» ، ولم يقع قتال مع الروم ولا مع القبائل العربية المتنصرة التي كانت تحت سيادتهم، ومكث النبي صلّى الله عليه وسلّم بجيشه عشرين ليلة في تبوك قبل أن يعود به إلى المدينة «3» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أعطى اللواء الأعظم لأبي بكر الصديق- رضي الله عنه-، والراية العظمى للزبير بن العوام، وجعل أسيد بن حضير على راية الأوس، والحباب بن المنذر على راية الخزرج، كما أمر بطون الأنصار أن يتخذوا الألوية والرايات وكذلك الحال مع القبائل العربية الأخرى «4» . ومن تبوك أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية من أربعمائة وعشرين مقاتلا شارك فيها عدد من الصحابة عهد بها إلى خالد ابن الوليد، وجهها إلى دومة الجندل، وتم أسر ملكها أكيدر بن عبد الملك الكندي وهو في البادية يتصيد، وصالحه النبي صلّى الله عليه وسلّم على الجزية «5» . وكانت غنائم هذه السرية ثمانمائة من السبي وألف بعير وأربعمائة درع ومثلها من الرماح «6» ، وقد وردت عدد من المرويات الصحيحة عن هدية أكيدر إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأنها شملت عددا من الحلل «7» .   (1) الطبري- التفسير 14/ 333، واصح ما روى في تفسير الآية (66) ، من التوبة هو أن الذي عفى عنه هو مخشي بن حمير الأشجعي الذي أنكر بعض ما سمع وعن ذلك انظر: الطبري- التفسير 14/ 336- 7، ابن كثير- التفسير 4/ 112 السيوطي- الدار المنثور 3/ 254. وأورد ابن هشام في السيرة 3/ 524- 25 رواية ابن إسحاق في أمر هؤلاء المنافقين، وقال: إنهم إنما كانوا يشيرون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الطريق إلى تبوك، وذكر أن أحدهم قال لبعضهم: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا! والله لكأنا بكم مقرنين بالحبال إرجافا وترهيبا للمؤمنين، فقال مخشي بن حمير: «والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وأنّا نتفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه» ، وذكر تمام الخبر. والتّفلّت هو التخلص من الشيء فجأة من غير تمكث (النهاية 3/ 467) . (2) لم تثبت هذه الخطبة من طريق صحيح رغم أن فقراتها مأخوذة من أحاديث أخرى بعضها صحيح وبعضها حسن، وقد أخرج الإمام أحمد في المسند 3/ 37 نص خطبة أخرى قصيرة في إسنادها مجهول، وكذلك فعل القاسم بن سلام في الأموال (ص/ 255- 256) ، كما أخرج الحافظ ابن كثير نص خطبة طويلة (البداية والنهاية 5/ 13- 14) في إسنادها أحد المتروكين. وقد رجح الدكتور العمري أن يكون بعض الرواة قد لفق هذه الخطبة من بعض الأحاديث الصحيحة المعروفة. (3) موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ص/ 145 بإسناد صحيح. (4) الواقدي- مغازي رسول الله، 2/ 992، ابن سعد- الطبقات، 3/ 169، ابن عساكر- تاريخ دمشق 1/ 416. (5) ابن كثير- البداية 5/ 17، من مراسيل عروة وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، ابن حجر- الإصابة (412- 415، السيوطي- الخصائص الكبرى 2/ 112- 113 وكلاهما عن طريق ابن إسحاق ضعيف مدلس، ابن هشام- السيرة 3/ 526 بإسناد حسن حيث صرح ابن إسحاق بالسماع والرواية عن عاصم عن قتادة عن أنس بن مالك. (6) ابن كثير- البداية 5/ 17، من مراسيل عروة بن الزبير. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الحديث 3802) ، مسلم- الصحيح 4/ 1916- 1817 (الأحاديث 2468- 2469) . وقد أوردها ابن حجر في الفتح عند شرح حديث البخاري المذكور آنفا، والذهبي في المغازي ص/ 646، وانظر كذلك البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث 2612، 2614، 2619) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وفي تبوك وصلت النبي صلّى الله عليه وسلّم هدية من ملك أيلة في أرض فلسطين وهي بغلة بيضاء، وكساء من البرد، وقد صالح على دفع الجزية للمسلمين» . وأورد الإمام أحمد «2» مرويات تشير إلى حصول مراسلة بين النبي صلّى الله عليه وسلّم- وهو في تبوك- وبين هرقل ملك الروم، وأن الأخير أرسل رسولا من قبيلة تنوخ العربية ليتعرف له على بعض علامات النبوة عند النبي صلّى الله عليه وسلّم «3» . في طريق العودة إلى المدينة: مر المسلمون في طريق عودتهم من تبوك بالحجر وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى المسلمين عن دخول مساكن ثمود خشية أن يصيبهم ما أصابهم، «إلّا أن تكونوا باكين» ، وأنه قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادي «4» ، كما وردت رواية حسنة، ورد فيها أنه نهى الجيش عن شرب ماء الحجر أو الوضوء منه أو أن يعلفوا إبلهم بما عجنوه بماء بئر الحجر «5» . وحين اشتكى المسلمون ما أصاب إبلهم من التعب والجهد دعا الله سبحانه وتعالى قائلا: «اللهمّ احمل عليها في سبيلك إنّك تحمل على القويّ والضّعيف، وعلى الرطب واليابس، في البرّ والبحر» . وإن الله تعالى- جل شأنه- استجاب لدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فنشطت الإبل حتى وصلت بهم المدينة دون أن يشتكي أحد منها «6» . وحاول جماعة من المنافقين المشاركين في الجيش وهم ملثمون حتى لا يعرفوا أن ينفروا دابة النبي صلّى الله عليه وسلّم لتطرحه من رأس عقبة في الطريق مع عتمة الليل، فعلم بمؤامرتهم وفطن لهم وأمر بإبعادهم بعد أن عصمه الله   (1) البخاري- الصحيح 6/ 77 (كتاب الجزية- الحديث 3161) ، مسلم- الصحيح 7/ 61 (كتاب الفضائل) ، وذكر ابن إسحاق أن أهل جرباء وأذرح قد أعطوا الجزية أيضا، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كتب لهم كتابا فهو عندهم (ابن هشام- السيرة 3/ 525) معلقا، ونقل ابن هشام في سيرته كذلك نص كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ل «يوحنا بن رؤية» صاحب أيلة: (3/ 525) . (2) أحمد- المسند 1/ 203، 3/ 442، 4/ 74، 5/ 292، بإسناد فيه سعيد بن أبي راشد وهو مقبول وقد تفرد به. وقال ابن كثير عن ذلك: هذا حديث غريب، وإسناده لا بأس به، تفرد به الإمام أحمد. (البداية والنهاية 5/ 19) . (3) كان دحية الكلبي قد حمل رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل في أول السنة السابعة من الهجرة، فإذا صح هذا الخبر، فإن إرسال دحية الكلبي يكون للمرة الثانية، وقد أورد الإمام أحمد تفصيلات عن وصول الرجل التنوخي إلى تبوك وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم عرض عليه الإسلام فامتنع بحجة أنه مكلف برسالة هرقل، ونقل التنوخي عن النبي ذكره لكتبه التي أرسلها إلى الملوك وكيف رد النبي صلّى الله عليه وسلّم على سؤال هرقل عن رسالته قال: «تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، فأين النار؟، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله أين اللّيل إذا جاء النّهار؟» ، كما ذكر الرجل التنوخي اعتذار النبي صلّى الله عليه وسلّم له بأنهم في سفر وإلّا لمنحه جائزة، وأن عثمان ابن عفان قدم الجائزة نيابة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهي «حلة صفورية» . ويذكر التنوخي بعد ذلك بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أنزله ضيفا على أحد أصحابه من الأنصار، فلما قام من المجلس ناداه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فلما وصل التنوخي إليه حل النبي صلّى الله عليه وسلّم حبوته عن ظهره وقال: «ههنا إمض كما أمرت له» ، قال التنوخي: فجلت في ظهره فإذا أنا بخاتم النبوة في موضع غضون الكتف مثل الحجمة الضخمة» أحمد- (المسند 3/ 442) . (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 125) ، أحمد- المسند 4/ 231. (5) ابن كثير- البداية والنهاية 5/ 11. (6) أحمد- المسند 6/ 20، موارد الظمآن في زوائد ابن حبّان ص/ 418، بإسناد حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 تعالى من أذاهم «1» . ولما اقترب الجيش الإسلامي من المدينة خرج الصبيان إلى ثنية الوداع لاستقباله «2» ، ومعهم النساء والولائد وهم يرددون «3» : طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع كان أول ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم عند دخوله المدينة أن صلّى في مسجده الشريف ركعتين، ثم جلس للناس فجاءه المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا بشتى الأعذار فقبل منهم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى «4» . وقد أصبح الموقف جديّا من المنافقين بعد الرجوع من غزوة تبوك، فقد امتنع النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الصلاة في مسجد الضرار الذي كانوا بنوه قبل الغزوة، وأمر بتحريقه «5» ، كما امتنع عن الصلاة على أمواتهم فقد منعه الله من ذلك فنزل قوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ «6» . وقد نهى الله تعالى عن قبول أعذار المنافقين، فقال في محكم التنزيل: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «7» . وقد أمر الله تعالى بعدم تصديقهم وبالإعراض عنهم ووصفهم بأنهم رجس فقال تعالى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ «8» . المتخلفون عن غزوة تبوك: كان عدد المتخلفين كبيرا، ولما كان عدد أفراد الجيش كبيرا فقد ظن المتخلفون أن أحدا لا يفطن إلى غيابهم   (1) أحمد- المسند 5/ 390- 91، البيهقي- السنن 9/ 32- 3. (2) البخاري- الصحيح 6/ 8 (كتاب المغازي) . (3) أورد ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح الحديثين (4426- 4427) . (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الحديث 4418) ، مسلم 4/ 2123- حديث (2769) . (5) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ 107- 108، وانظر الطبري- التفسير 11/ 23- 24. وأورد ابن إسحاق خبرا عن إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم لاثنين من الصحابة، هما مالك بن الدخشم ومعن بن عدي إلى مسجد الضرار لهدمه وتحريقه وأنهما نفذا أوامره صلّى الله عليه وسلّم، كما قدم قائمة بالاثنى عشر منافقا الذين قاموا بتأسيسه (ابن هشام- السيرة 3/ 530 والرواية مرسلة الإسناد. (6) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 84، البخاري- الصحيح (فتح الباري 3/ 214، 8/ 333) . (7) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 94. (8) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ 95- 96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وكان الصحابة الأنصار الثلاثة: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي أبرز وأشهر المتخلفين وهم من المشهود لهم بالبلاء في الإسلام وبحسن إيمانهم «1» . وإلى جانب هؤلاء، فقد تخلف بضعة وثمانون رجلا آخرين «2» ، ذكر الواقدي أنهم من منافقي الأنصار كما ذكر أن المعذّرين من الأعراب كانوا اثنين وثمانين آخرين، وهم من بني غفار وغيرهم، أما عبد الله بن أبي بن سلول ومن أطاعه من قومه فكانوا يشكلون مجموعة كبيرة أخرى وهم غير من مر ذكرهم «3» . ولقد أقر الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا بأنهم لا عذر لهم في تخلفهم عن الغزوة، ونهى النبي صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن الكلام معهم، وأمروا باعتزال نسائهم «4» ، فاجتنبهم الناس خمسين ليلة، وضاقت بهم الأرض بما رحبت «5» واستمرت المقاطعة حتى نزل القرآن يعلن قبول توبتهم في قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «6» . حققت غزوة تبوك، رغم خلوها من المعارك، أهدافها في ترصين وترسيخ حكم الإسلام الذي امتد من خلالها ومن جراء ما ارتبط بها من اتفاقات ونتائج ليشمل الأطراف الشمالية من شبه جزيرة العرب وليضع المسلمين على أعتاب الفتوحات، ومهدت بذلك للفتوحات في كل من العراق وبلاد الشام على حد سواء، ومع أن جيش أسامة ابن زيد لم يقدر له أن يتحرك نحو الحدود الشمالية إلّا في أيام خلافة أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-، فإن قيام الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالأمر بتجهيزه وتحديد وجهته قبيل وفاته كان مؤشرا واضحا لوجهة نشر الدعوة وحركة الفتوحات الإسلامية. توحيد الجزيرة العربية تحت حكم الرسول صلّى الله عليه وسلّم: تأثر موقف القبائل العربية من الرسول والدعوة الإسلامية بمؤثرات متداخلة، كان من أبرزها موقف قريش وأحلافها، ولعل بعضها كان يحسب لبني الأصفر- الروم- حسابا، وخاصة تلك القبائل التي سكنت في أطراف   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4418) ، مسلم- الصحيح 4/ 2120- 8 (حديث 2769) ، ابن حجر الإصابة 4/ 396، 604. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 114) ، الطبري- التفسير 11/ 58 وهو من مراسيل الزهري. (3) البخاري- الصحيح (فتح 8/ 114) . (4) أصدر النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر اعتزالهم للنساء بعد مرور أربعين يوما من عودته إلى المدينة ومقاطعة المسلمين لهم، وقد نفذوا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، واستأذنته زوجة هلال بن أمية في خدمته ذلك أنه شيخ كبير ضائع لا خادم له، فأذن لها واشترط عليها أن لا يقربها. ابن هشام- السيرة 3/ 535. (5) حاول ملك الغساسنة النصراني أن يستغل الحالة التي كان عليها كعب بن مالك فكتب له رسالة مع أحد الأنباط دعاه فيها إلى الالتحاق به لمواساته، وقد أدرك كعب أن ذلك ابتلاء وامتحان من الله تعالى فقال: «قد بلغ بي ما وقعت منه أن طمع فيّ رجل من أهل الشرك» فأحرق الرسالة. ابن هشام- السيرة 3/ 535. (6) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 118، وانظر في ذلك البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 113/ 116) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 الجزيرة الشمالية قريبا من تخوم الروم، فلما كان فتح مكة وما تبع ذلك من إسلام قريش وكسر شوكة هوازن في موقعة حنين، وإذلال ثقيف ومحاصرتها سقط الحاجز الأساسي الأول فبادر كل قوم بإسلامهم، ثم كانت غزوة تبوك وامتداد سلطان المسلمين إلى خطوط التماس مع الروم وعقد المحالفات مع أيلة وأذرح وغيرهما، وتسوية الأمور مع دومة الجندل بالصلح، ثم مصالحة نصارى نجران في الأطراف الجنوبية على أن يدفعوا الجزية، فلم يعد أمام القبائل العربية إلّا المبادرة الشاملة إلى اعتناق الإسلام والالتحاق بركب النبوة بالسمع والطاعة، ونظرا لكثرة وفود القبائل العربية التي قدمت إلى المدينة من أنحاء الجزيرة العربية بعد عودة النبي صلّى الله عليه وسلّم من غزوة تبوك لتعلن إسلامها هي ومن وراءها، فقد سمّي العام التاسع للهجرة في المصادر الإسلامية بعام الوفود، ويعد كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد من أهم المصادر وأشملها في تقديم المعلومات المبوبة عن أخبار هذه الوفود كما أشار الحافظ ابن حجر «1» . عام الوفود: أشارت المصادر الحديثية والتاريخية إلى قدوم بعض الوفود إلى المدينة في تاريخ مبكر عن السنة التاسعة، ولعل ذلك ما أدى إلى الاختلاف في تحديد عدد الوفود بين ما يزيد على ستين وفدا عند البعض، وليرتفع فيبلغ أكثر من مائة وفد عند آخرين،؟ ولعل البعض قد اقتصر على ذكر المشهور منهم «2» ، فقد أورد محمد بن إسحاق أنه «لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة المكرمة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه» «3» . كان أول الوفود قدوما إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد رجوعه من تبوك هو وفد قبيلة ثقيف. وقد سبق أن أشرنا إلى إسلام عروة بن مسعود الثقفي على يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبيل وصوله المدينة، عند عودته من مكة بعد الفتح، وذكرنا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمره أن يرجع إلى قومه بالإسلام، وقد فعل ذلك فأظهر لهم دينه، ودعاهم إلى الإسلام، غير   (1) عند تدقيق النسخة المطبوعة الأولى (طبعة لايدن) من كتاب الطبقات وكذلك الطبعات الأخرى في القاهرة وبيروت والتي كانت عيالا على الطبعة الأولى، يتبين أن النقص لا يقتصر على إغفال محمد بن سعد لذكر وفد هوازن كما صرح بذلك الحافظ ابن كثير، وإنما يدفع إلى التصور أن الإغفال شامل لأغلب الوفود، وكان ذلك مثيرا للتساؤل، ودافعا إلى البحث والتقصي، ولم يكن يخطر ببال أحد أن جميع الطبعات التي حفل بها الكتاب ناقصة مبتسرة، ويعتورها نقص كبير، خاصة وقد مضى على طبع أولها ما يزيد على قرن كامل، واطلع عليها أجيال من العلماء، وأصبح موضوع الشك في حصول النقص فيها أمرا بعيد الاحتمال، ولكن ذلك قد تحقق، وإذا بنا نجد نقصا كبيرا في المطبوع شمل الطبقة الرابعة وهي طبقة «من أسلم عند فتح مكة وما بعد ذلك» من الصحابة، والطبقة الخامسة وهي تختص بصغار الصحابة «الذين توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم عنهم وهم صغار السن» ،. ويتزايد النقص لنكتشف أن ما هو مطبوع من الطبقة الثالثة يعتوره الكثير من النقص أيضا، فقد سقط منه في موضعين، ما يعادل القسم المطبوع منه، والمعلومات التي سقطت غاية في الأهمية، إلى جانب نقص وسقط مخل حاصل في مواضع كثيرة من المطبوع، وذلك لا يشمل قطعا النقص الواقع في طبقة النساء وطبقات التابعين. وقد استخرت الله سبحانه وتعالى في تدقيق كامل الكتاب وتخريج نصوصه وترجمة ما فيه من أعلام متونا وأسانيد وإخراجه في طبعة موحدة، فاطمأن قلبي وانشرح صدري إلى ذلك خدمة للعلم وتيسيرا للعلماء وطلاب الحديث النبوي الشريف، ومن الله العون وعليه سبحانه التكلان. (2) ابن هشام- السيرة 3/ 599. (3) ابن كثير- البداية والنهاية 5/ 46- 47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 أنهم اجتمعوا عليه فرموه بسهامهم وهو يؤذن في أعلى داره فقتلوه، ثم ائتمر زعماء ثقيف فيما بينهم فوجدوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من قبائل العرب وقد بايعت وأسلمت» فأجمعوا على أن يرسلوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وفدا، ففعلوا وقد حاول الوفد بعد وصوله المدينة تأجيل هدم اللات «الطاغية» بعض الوقت غير أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رفض ذلك، وأصر على أن يبعث المغيرة ابن شعبة وأبا سفيان بن حرب لهدمها، كما أنه أمّر عليهم عثمان بن أبي العاص وكان أحرصهم على تعلم القرآن والتفقه في الدين «1» . وبالإضافة إلى أخبار وفد ثقيف الذي كان برئاسة عبد ياليل بن عمرو بن عمير، أورد ابن إسحاق معلومات مبوّبة عن ستة عشر وفدا تضمنت تفصيلات عن رؤساء وفود ورجالها وأخبار قدومهم وإقامتهم، وحوارهم، والأشعار التي قيلت، وما انتهى إليه أمرهم، والآيات التي نزلت في أمرهم إن كان ذلك قد حصل. وقد استقصى ابن سعد في جمع المعلومات عن الوفود، كما فصل كثيرا وقدم ترجمات وافية عن رجال الوفود، ومن كانت له صحبة منهم، وما ورد عن طريقهم من آثار. ولا تخلوا أسانيد ابن سعد أحيانا من المطاعن، كما أن فيها أسانيد من الثقاة أيضا، ولا شك في أن الأخبار التي أوردها المؤرخون ليست ثابتة بالنقل الصحيح المعتمد وفق أساليب المحدثين، رغم أن عددا كبيرا من المرويات عن تلك الوفود ثابتة وصحيحة، فمثلا: أشارت سورة الحجرات إلى ما صدر عن بعض رجال وفد تميم من أعمال تتسم بعدم العقلانية «2» ، كما أورد الإمام البخاري معلومات عن وفد قبيلة تميم وقدومه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم «3» ، وتعززت أخبار هذا الوفد بمعلومات إضافية وردت في مصادر تاريخية إلى جانب ما ورد عنها في كتب السير والمغازي «4» . وإضافة إلى معلوماته عن وفد تميم يقدم الإمام البخاري معلومات عن وفود أخرى مثل: عبد القيس «5» ، وبني حنيفة «6» ، ووفد نجران «7» ، ووفد الأشعريين «8» ، وأهل اليمن «9» ، ووفد دوس 1» ، ووفد بني عامر «11» .   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 599. (2) حكت آيات من سورة الحجرات بعض ما صدر من أفراد وفد تميم من تصرفات تتسم بالبداوة وجفاء الطبع وقلّة الذوق، كالمناداة على النبي صلّى الله عليه وسلّم من وراء الحجرات وبصوت مرتفع بدلا من أن يستأذنوا ويسلموا عليه صلّى الله عليه وسلّم. انظر في ذلك الطبري- التفسير 26/ 122. (3) الطبري- الصحيح (فتح الباري 8/ 83- 102) . (4) ابن كثير- البداية 5/ 40- 98 مثلا. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4368- 9) ، مسلم- الصحيح 1/ 46- 5 (الأحاديث 17- 18) . (6) البخاري، المصدر السابق (حديث 4373) . (7) المرجع السابق (حديث 4380، 4381) ، مسلم- الصحيح 4/ 1822، (حديث 2420) . (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 3136) . (9) المرجع السابق (الفتح حديث 2714، 2715) مسلم- الصحيح 1/ 75 (حديث 56) . (10) البخاري- الصحيح (فتح، حديث 4392) ، مسلم- الصحيح 4/ 1957، (حديث 2524) ، أحمد- المسند 13/ 39 (حديث 7313) . (11) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4091) ، أحمد- المسند 4/ 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وقد أورد الإمام مسلم أخبارا عن أغلب الوفود المذكورة آنفا «1» ، كما أوردت بقية الكتب الستة معلومات أوسع شملت عددا كبيرا من الوفود «2» .. وذلك كله يقطع بقدوم الوفود في العام التاسع إلى المدينة لإعلان إسلام قبائلهم وانضمامهم إلى دولة الإسلام وخضوعهم لها، حتى توحدت جزيرة العرب عامة تحت حكم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتبقى مسألة الحاجة الماسة إلى نقد تاريخي لمتون الأخبار المفصلة التي وصلتنا عن الوفود، كما تحتاج القصائد المطولة التي ملئت بها الكتب التاريخية وكتب السيرة والمغازي إلى النقد الأدبي الدقيق، والتأكد من صحة نسبتها. إن من الثابت تاريخيا سيادة الإسلام على كافة أنحاء الجزيرة العربية في العام التاسع، حيث تمت الوحدة السياسية لجميع أصقاعها تحت رايته، فلقد تمكن النبي صلّى الله عليه وسلّم من تحقيق الوحدة السياسية للجزيرة في أقل من عشر سنوات رغم جميع العراقيل والنزعات القبلية والجاهلية والمشكلات المتنوعة، وقوة الروح الفردية والأنانية الشخصية. وما حققه الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن رسوما لوحدة صورية شكلية، بل مثّل امتزاجا فريدا لسلوك الإنسان وروحه وعقله مما هيأ الأساس المتين لامتداد وتطور الدولة الإسلامية التي استمرت في عطائها خلال القرون التالية. الأحداث والبعوث والسرايا حتى وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم: حج أبي بكر بالناس: ذكرنا آنفا عمرة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد الفراغ من حصار الطائف حيث أهلّ بالعمرة من الجعرانة، ثم عاد بالجيش إلى المدينة، وقد حج المسلمون والمشركون معا عام الفتح، ثم أمّر أبا بكر (رضي الله عنه) على الحج في العام التاسع الهجري، فخرج في ذي الحجة إلى مكة ومعه عدد كبير من الصحابة «3» ، وساقوا معهم الهدي «4» . نزلت سورة براءة بعد ارتحال ركب الحج من المدينة، فبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ليعلنها على الناس في يوم النحر بمنى «5» ، وقد التقى أمير الحج وعلي في الطريق، وبعد أن اطمأن الصدّيق إلى   (1) ورد فيها معلومات واسعة عن الوفود مثل عبد القيس، بني حنيفة، وفد نجران، وفد الأشعريين، وفد الحميريين، وفد بني عامر، وفد بني سعد بن بكر، وفد دوس، وفود فروة بن مسيك المرادي، وفد كندة، رسول ملوك حمير، قدوم جرير بن عبد الله البجلي، وفد حضرموت، وفد بني المنتفق، وفد صداء، وفد عبد الرحمن بن أبي عقيل مع قومه، وفد بكر، وفادة طارق عبد الله وقومه ... مثلا. (2) وفد عبد القيس، مسلم- الصحيح 1/ 46- 50 (حديث 17- 18) ، وفد نجران (الصحيح 4/ 1822 (حديث 2420) ، قصة الطفيل بن عمر ووفد دوس، مسلم- الصحيح 4/ 1957 (حديث 2524) . (3) ابن سعد- الطبقات الكبرى 2/ 168 بإسناد صحيح وبلغ عدد الصحابة الذين رافقوا أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- في هذه الحجة ثلاثمائة صحابي (ابن حجر- فتح الباري 8/ 82) برواية الواقدي، ضعيف. (4) انفرد الواقدي بذكر ذلك وقال إنهم ساقوا معهم عشرين بدنة. ابن حجر- فتح الباري 8/ 82. (5) أورد ابن إسحاق حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤدّي عنّي إلّا رجل من أهل بيتي» وإسناده حسن، ولكنه مرسل من محمد بن علي الباقر (ابن هشام- السيرة 4/ 203) ، وانظر كذلك: الطبري- التفسير 10/ 65، وله شاهد يتقوى به انظر أحمد- الفتح الرباني 21/ 212 عن أنس، ابن كثير- البداية والنهاية 5/ 37- 38، واستعرض البغوي أقوال العلماء في سبب إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب في هذه المهمة وقال: إن العرب قد تعارفوا فيما بينهم على ألا يتولى عقد العهود ونقضها إلا سيدهم أأو رجل من رهطه، ولذلك فإنه صلّى الله عليه وسلّم بعث عليّا دفعا للعلة ومنعا لهم من إنكار إلغاء العهد بسبب تبليغه إياهم خلاف ما جرت عليه عاداتهم وتقاليدهم. (التفسير 3/ 49 (بهامش تفسير الخازن) ، ونقله عنه الساعاتي في الفتح الرباني (21/ 212) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 طبيعة مهمته مضيا سويّا إلى مكة «1» ، وقد ذكر علي بن أبي طالب أنه مكلف بتبليغ المسلمين صدر سورة براءة، وأنه بعث في أربع: «لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فعهده إلى مدته، ولا يحج بعد العام مشرك» «2» . وكان قد عهد إلى رهط من الصحابة بمساعدة علي بن أبي طالب في إنجاز مهمته، منهم أبو هريرة والطفيل ابن عمرو الدوسي «3» . إن نزول صدر سورة براءة يمثل مفاصلة نهائية مع الوثنية وأتباعها، حيث منعت حجهم وأعلنت الحرب عليهم، قال تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ* وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «4» . وقد أمهل المعاهدين لأجل معلوم منهم إلى انتهاء مدتهم، فقال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ «5» . كما أمهل من لا عهد له من المشركين إلى انسلاخ الأشهر الحرم، حيث يصبحون بعدها في حالة حرب مع المسلمين، قال تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «6» . وكان من نتائج ذلك أن بدأت حملة توعية واسعة النطاق في المناطق النائية التي تحتاج إلى ذلك، فقد ثبت في الصحيحين إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن كلا منهما إلى جهة «7» ، وأوصاهما بقوله   (1) ابن هشام- السيرة 4/ 203 برواية ابن إسحاق بإسناد حسن لكنه مرسل. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4363) ، مسلم الصحيح 2/ 982 (حديث 1347) واقتصرا على ذكر منع حج المشركين، ومنع العري في طواف البيت العتيق، أما الإمام أحمد فقد أورده كاملا بإسناد صحيح (الفتح الرباني 21/ 211) ، الترمذي- السنن 4/ 116، ابن كثير- البداية 5/ 38، الطبري- التفسير (14/ 95- 102) . (3) الترمذي- السنن 4/ 116، الطبري- التفسير 10/ 63- 64. (4) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات 1- 3. (5) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 4. (6) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 5. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث 4341- 4345) ، مسلم- الصحيح 3/ 1587 (حديث 1733) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 «يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا وتطاوعا» «1» ، وبعث صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد إلى اليمن أيضا ثم استبدله بعلي بن أبي طالب، وكان من مهامه أن يستوفي الأخماس، وقد نجح علي في مهمته، وقد أسلمت همدان على يديه «2» . وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية من مائة وخمسين راكبا عليهم جرير بن عبد الله البجلي فكسروا الصنم ذا الخلصة في الكعبة اليمانية وقتلوا من كان عنده، فدعا لهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم «3» . حجة الوداع: أعلن النبي صلّى الله عليه وسلّم عزمه على أداء فريضة الحج- وهي الحجة الوحيدة التي أداها بعد هجرته إلى المدينة «4» - فقدم المدينة عدد كبير من المسلمين وفدوا من مختلف أنحاء جزيرة العرب للحج معه، والاقتداء بهديه، وقد خرج من المدينة في الخامس والعشرين من ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة «5» . وقد جاءت حجته صلّى الله عليه وسلّم حافلة بالأحكام والمناسك والوصايا، أفرد لها العلماء كتبا خاصة بها «6» ، واستنبطوا منها الكثير من أحكام المناسك مما تزخر به كتب الفقه والحديث وشروحه «7» ، وقد تعلم المسلمون مناسك الحج من الرسول صلّى الله عليه وسلّم مباشرة بناء على توجيهه الكريم حين قال لهم: «خذوا عنّي مناسككم» . ولما وقف صلّى الله عليه وسلّم في عرفات نزلت عليه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «8» . وكان مما قاله صلّى الله عليه وسلّم في خطبة حجة الوداع التي ألقاها على الحجاج في عرفات: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وإنّكم ستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلّغت فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، وإنّ كلّ ربا موضوع، وأوّل ربا أضع، ربا عبّاس بن عبد المطّلب فإنّه موضوع كلّه. وإنّ كلّ دم في الجاهليّة موضوع، وإنّ أوّل دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب.   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4347) ، وذكر ابن كثير أنه قد «أخرجه بقية الجماعة من طرق متعددة» . البداية والنهاية 5/ 113. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4349) ، مسلم الصحيح 2/ 888 (حديث 1218) ، أحمد- المسند 3/ 86، أبو داود- السنن 14/ 11- 12 (حديث 3582) . (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث 4355- 57) ، مسلم- الصحيح 4/ 1926 (حديث 2476) ، واليمانية نسبة إلى موقعها، وقد تعرف أحيانا بالشامية باعتبار أن بابها يواجه بلاد الشام، أو الشمال. (4) مسلم- الصحيح 2/ 1887 (الحديث 1218) . (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 104) . ابن هشام- السيرة 4/ 272 برواية ابن إسحاق، بإسناد حسن، ابن كثير- البداية والنهاية 5/ 125 بإسناد جيد. (6) انظر مثلا ابن كثير- البداية 5/ 223- 233. (7) ابن القيم- زاد المعاد 2/ 101- 324، وانظر مسلم- الصحيح بشرح النووي 8/ 170. (8) القرآن الكريم- سورة المائدة، الآية/ 3، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4407) ، ابن كثير- البداية والنهاية 5/ 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 أيّها النّاس: اتّقوا الله في النّساء فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، وإن لكم عليهنّ ألّا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وإنّي قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعد إن اعتصمتم به، كتاب الله. وأنتم تسألون عنّي فما أنتم قائلون؟» ، قالوا نشهد أنّك قد بلّغت رسالات ربّك، وأدّيت، ونصحت لأمّتك، وقضيت الّذي عليك، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اشهد» «1» . وقد ألقى الرسول صلّى الله عليه وسلّم خطبا أخرى في مزدلفة ومنى، فأكد في عرفات أن عرفة كلها موقف، وقال حين وقف في قزح صبيحة المزدلفة: «هذا الموقف وكلّ المزدلفة موقف» «2» . ثم لما نحر بالمنحر في منى، قال: «هذا المنحر وكلّ منى منحر» . وقال في إحدى خطبه في منى: «لا ترجعوا من بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» «3» . وهكذا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحج، وقد أرى المسلمين مناسكهم، وأعلمهم ما فرض الله عليهم في حجهم، من الموقف ورمي الجمار، وطواف بالبيت، وما أحل لهم من حجهم، وما حرم عليهم، فكانت حجة البلاغ، وحجة الوداع، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يحج بعدها «4» . وقد وافى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- عند عودته من اليمن، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحج، فحج معه «5» ، وقد اشتكى بعض الجند عليّا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه اشتد في معاملتهم، وأنه استرجع منهم حللا كان نائبه على اليمن قد وزعها عليهم، فأوضح لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في غدير خم قرب الجحفة مكانة عليّ وفضله لينتهوا عن الشكوى «6» . وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» «7» .   (1) مسلم- الصحيح بشرح النووي 8/ 170، وهو أهم المرويات الصحيحة التي وردت فيها أحكام حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم ووصاياه فيها وهو حديث جابر- رضي الله عنه- الذي رواه مسلم وتفرد به، ولم يرد في صحيح البخاري، ورواه أبو داود، ونقل النووي قول القاضي عياض: «وتكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءا كبيرا وخرّج فيه من الفقه مائة ونيفا وخمسين نوعا، ولو تقصى لزيد على هذا القدر قريبا منه ... » ، وانظر تخريجه في كتاب «حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم» للألباني ص/ 38- 41، ووردت بعض الخطبة في صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 108، ورواه أئمة الحديث في كتبهم مقطعا في أبواب متفرقة متعددة من طرق صحيحة، وانظر أحمد- الفتح الرباني 21/ 280- 1، البيهقي- دلائل 5/ 449، الحاكم- المستدرك 1/ 93، البزار- كشف الأستار (رقم 1524) . (2) ابن هشام- السيرة 4/ 605- 606. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 107 حديث 4403) ، مسلم- الصحيح 1/ 82 (حديث 65- 66) ، احمد- الفتح الرباني 12/ 210- 212، ابن القيم- زاد المعاد 2/ 101- 311. (4) ابن هشام- السيرة 4/ 606 برواية ابن إسحاق. (5) المرجع السابق 4/ 602- 603، وأورد ابن كثير- البداية 5/ 209 رواية قوية جيدة الإسناد. (6) ابن كثير- البداية 5/ 212. (7) أحمد- فضائل الصحابة 2/ 594 (رقم 1010) بإسناد صحيح، المسند 4/ 164، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، كما في تحفة الأشراف (3/ 13) من طريق يحيى بن آدم، والنسائي- الخصائص (ص/ 20) وابن ماجه 1/ 44، وانظر المسند أيضا 5/ 419، (بإسناد صحيح الحاكم المستدرك 3/ 110، والترمذي 5/ 63، وأحمد 5/ 347 عن ابن عباس. وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن بريدة، وجابر، وأبي هريرة (المطالب العالية 4/ 59- 60) ، وعقد الهيثمي في مجمعه (9/ 103) بابا في ذلك ذكر فيه طرقا كثيرة جدّا غير ما أسلفنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين: عاد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة بعد أن أدى حجة الوداع مع من صحبه من المسلمين ومن شهده معه من أهل الموقف، فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة من السنة العاشرة، والمحرم وصفر من السنة الحادية عشرة، وضرب على الناس بعثا إلى الشام، وأمّر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه «1» ، وأمره أن يوطيء الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس «2» ، وأوعب مع أسامة بن زيد المهاجرين والأنصار وفيهم أبو بكر وعمر «3» ، وكان أسامة بن زيد شابّا في الثامنة عشرة من عمره، فتكلم البعض في تأميره وهو مولى وصغير السّن، فلم يقبل النبي صلّى الله عليه وسلّم اعتراض أحد على إمارة أسامة بن زيد وأوصى به خيرا» . ولم يقدر لهذا البعث أن يخرج في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد عقد النبي صلّى الله عليه وسلّم اللواء لأسامة الذي خرج به إلى الجرف وعسكر فيه بانتظار استكمال التجهيز والتحاق الجند وتكاملهم «5» ، غير أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرض بعد ذلك بيومين واستغرق مرضه عشرة أيام ثم توفي صلّى الله عليه وسلّم مما أخر خروج الجيش إلى ما بعد بيعة الصديق- رضي الله عنه- «6» . وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم: قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «7» . اشتكى النبي صلّى الله عليه وسلّم من سم أصابه منذ العام السابع الهجري، فقد تناول بعد فتح خيبر قطعة لحم من شاة مسمومة مشوية قدمتها له زوجة سلام بن مشكم اليهودية «8» ، ورغم أنه صلّى الله عليه وسلّم كان قد لفظ اللقمة ولم يبتلعها، فإن نوعية وكثافة السم الذي احتوته قد أثر عليه «9» ، أما مرضه الأخير فكان قد ألم به أول ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة وبعد شهرين ونصف من عودته إلى المدينة من حجة الوداع، حين شعر صلّى الله عليه وسلّم بالمرض وهو في بيت أم المؤمنين ميمونة «10» ، وطلب من زوجاته أن يمرّض في بيت أم المؤمنين عائشة «11» ، واستغرق مرضه عشرة أيام «12» . وكانت عائشة- رضي الله عنها- تقرأ بالمعوذتين والأدعية المأثورة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتمسحه بيده رجاء البركة «13» .   (1) أحمد- الفتح الرباني 21/ 220- 223، الواقدي- مغازي 3/ 1117- 1118، ابن سعد- الطبقات 2/ 248. (2) ابن هشام- السيرة 4/ 606 برواية ابن إسحاق مرسلا. (3) أحمد- الفتح 21/ 220- 221. (4) المرجع السابق 21/ 221- 223، وانظر ابن حجر- فتح الباري 8/ 152. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 152 حديث 4469) . (6) المرجع السابق 8/ 152 (حديث 4469) وقد انفرد الواقدي بذكر عدد هذا الجيش (المغازي 3/ 1120- 1123) . (7) القرآن الكريم- سورة الزمر، الآية/ 30. (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 138) . (9) المرجع السابق 8/ 138. (10) ابن حجر- فتح الباري 8/ 129. (11) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 141 حديث 4442، 4450) ، أحمد- الفتح الرباني 21/ 226 بإسناد صحيح. (12) ابن حجر- فتح الباري 8/ 129. (13) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 138 حديث 4429، 4451) ، مسلم- الصحيح 4/ 1721- 1724، (الأحاديث 1291- 2192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وفي اليوم الخامس من مرضه صلّى الله عليه وسلّم اشتدت عليه الحمى فطلب أن يصبّوا عليه الماء، حتى يخرج للناس فيعهد إليهم، وبعد أن استحم أحس بخفة، فعصب رأسه ودخل المسجد فصعد المنبر وخطب فنهى عن اتخاذ قبره وثنا يعبد «1» ، ولعن اليهود والنصارى لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد «2» ، وعرض نفسه للقصاص، وأوصى بالأنصار خيرا، وفي نهاية خطبته قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ عبدا خيّره الله بين الدّنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله» . «3» وقد اشتد بكاء أبي بكر (رضي الله عنه) فعجب الناس من ذلك، فكان المخير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أبو بكر أعلمهم بذلك، وأثنى النبي على أبي بكر صحبته، وما أنفق في سبيل الله ونصرة الإسلام فقال: «لو كنت متّخذا خليلا عند ربّي لاتّخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته» ، وأمر صلّى الله عليه وسلّم بألا يبقى في المسجد باب إلّا سدّ، إلا باب أبي بكر. «4» وقبل وفاته صلّى الله عليه وسلّم بأربعة أيام أوصى بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، كما أمر صلّى الله عليه وسلّم بإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم «5» ، وحين اشتد وجعه ذلك اليوم قال للصحابة الذين كانوا معه: «هلمّوا اكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده» فاختلفوا وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : «قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا عنّي» . «6» وفي اليوم التالي أثر عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أحسنوا الظّنّ بالله عزّ وجلّ» . «7» وقد أثقله بعد ذلك المرض، ومنعه من الخروج للصلاة بالناس، فقال: «مروا أبا بكر أن يصلّي بالنّاس» ، وقد راجعته عائشة- رضي الله عنها- فقالت: «إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن» فأصرّ صلّى الله عليه وسلّم على ذلك، فمضى أبو بكر يصلي بهم «8» ، وحين شعر النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك بتحسن، وخرج لصلاة الظهر وهو يتوكأ على رجلين رآه أبو بكر فأراد أن يتأخر، فأومأ إليه ألّا يتأخر، فأجلسه بجانبه، فجعل أبو بكر- رضي الله   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث 425، 436، 437) مسلم 10/ 4756 (حديث 529، 532) ، مالك- الموطأ ص/ 360. (2) مالك- الموطأ ص/ 365، البيهقي- دلائل النبوة (7/ 169- 180) . (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث 4431- 4432) ، مسلم 3/ 1257- 59، (الحديث 1637) . (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري الحديث 4432) مسلم- الصحيح (الحديث 1637) . (5) الذهبي- السيرة ص/ 557، ابن ماجه- صحيح ابن ماجه للألباني 1/ 271، كتاب الجنائز (حديث 1625) وقال: صحيح، وصححه الهيثمي- مجمع الزوائد 4/ 237. (6) هناك قرائن تشير إلى أن أمره صلّى الله عليه وسلّم بإحضار أدوات الكتابة لم تكن على الوجوب وإنما فيه تخيير، فلما قال عمر مقولته لم يكرر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك، ولو كان الأمر لازما لأوصاهم به، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 132) . (7) الذهبي- السيرة ص/ 557 وقال إنه حديث صحيح من العوالي. (8) أحمد- الفتح الرباني 21/ 226- 227 من طريق ابن إسحاق ورجاله ثقات، أبو داود- السنن، 5/ 47- 48، ابن كثير- البداية 5/ 232- 233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 عنه- صلي وهو قائم بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والناس يصلون بصلاة أبي بكر «1» . أعتق النبي صلّى الله عليه وسلّم في اليوم السابق لوفاته غلمانه، وتصدق بما كان معه من دنانير، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا نورث وما تركنا صدقة» «2» . أطل الرسول صلّى الله عليه وسلّم فجر يوم وفاته على المسلمين وهم يستوون لصلاة الصبح حيث كشف ستر حجرته ونظر إليهم وتبسم، وهمّ المسلمون أن يفتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتأخر أبو بكر عن موضع الإمام ملتحقا بالصف الأول، غير أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أشار إليهم بيده الكريمة: أن أتمّوا صلاتكم، ثم دخل حجرة عائشة، وأرخى الستر. «3» ودخلت عليه فاطمة الزهراء- رضي الله عنها- عند الضحى فقالت: «واكرب أباه» . فقال لها صلّى الله عليه وسلّم: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» «4» . ثم دعاها فسارّها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارّها بشيء فضحكت، فأخبرت بعد وفاته أنه أخبرها بموته فبكت ثم أخبرها بأنها أول أهله لحاقا به فضحكت «5» ، والحديث من دلائل نبوته صلّى الله عليه وسلّم لأن ما أخبرها به قد كان. وكان آخر ما تكلم به صلّى الله عليه وسلّم قوله وهو يستند إلى صدر أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-: «مع الّذين أنعمت عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، اللهمّ اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرّفيق الأعلى، اللهمّ في الرّفيق الأعلى» كررها ثلاثا «6» . ثم مالت يده، ولحق بالرفيق الأعلى «7» . وكانت وفاته صلّى الله عليه وسلّم حين اشتد الضحى من يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول عام إحدى عشرة للهجرة «8» وقد نادت فاطمة الزهراء: «يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه إلى جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه: إلى جبريل ننعاه» «9» . ولم يصدق عمر بن الخطاب نبأ وفاته صلّى الله عليه وسلّم وتهدد من يقول ذلك «10» . أما أبو بكر فقد جاء من بيته بالسنح، ودخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم وكشف عن وجهه وقبله وبكى. ثم خرج إلى الناس وهم بين مصدق ومنكر، فقال: «أما   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 141، أحمد- المسند (الفتح الرباني 21/ 231) ، ابن كثير- البداية 5/ 229- 230، وانظر كذلك مسلم- الصحيح 1/ 313- 4 (حديث 418) . (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث 6726- 6728، 6730) ، وانظر ابن سعد- الطبقات 2/ 237- 8، 316- 317، من عدة طرق يتقوى بعضها ببعض ولها شاهد من حديث البخاري أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يترك عند موته عبدا ولا أمة. (3) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4448) . (4) المرجع السابق (فتح الباري 8/ 149 حديث 4462) . (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 208 الاحاديث 4433- 4) ، مسلم- الصحيح 4/ 1904 (حديث 2450) . (6) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 136 حديث 4449) ، ابن هشام- السيرة 3/ 329 بإسناد صحيح. (7) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 142 حديث 4463) ، مسلم- الصحيح 4/ 1894 (حديث 2444) . (8) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 150 حديث 4466) ، وانظر ابن حجر- الفتح 8/ 129. (9) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 149) حديث 4462. (10) أحمد- الفتح الرباني 21/ 241- 242، ابن سعد- الطبقات 2/ 266، الصنعاني- المصنف 5/ 433- 434. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 بعد. من كان يعبد محمدّا فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، ثم تلا قول الله تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ «1» . هدأ الناس واطمأنت نفوسهم إلى قضاء الله تعالى وكأنهم لم يكونوا قد سمعوا الآية من قبل «2» . وفي يوم الثلاثاء، التالي ليوم وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم تم غسله وهو في ثيابه، شارك في غسله عمه العباس وولداه الفضل وقثم إلى جانب ابن عمه وصهره علي بن أبي طالب، كما شارك في ذلك شقران مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأسامة بن زيد وأوس ابن خولي «3» ، وتم تكفينه في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة «4» . صلى المسلمون على النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسالا أرسالا، لا يؤمهم أحد» ، وحفروا له قبرا في حجرة عائشة (رضي الله عنها) ، ودفنوه ليلة الأربعاء «6» . قال حسان بن ثابت عددا من المراثي في الرسول صلّى الله عليه وسلّم، منها قوله «7» : بطيبة رسم للرسول ومعهد ... منير وقد تعفو الرسوم وتهمد ولا تمتحي الآيات من دار حرمة ... بها منبر الهادي الذي كان يصعد وواضح آثار وباقي معالم ... وربع له فيه يصلّى ومسجد بها حجرات كان ينزل وسطها ... من الله نور يستضاء ويوقد ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت ... عيون ومثلاها من الجفن تسعد فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ... بلاد ثوى فيها الرشيد المسدّد   (1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 145 الأحاديث 4452- 4454) ، والآية/ 144 من سورة آل عمران. (2) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 145) . (3) ابن هشام- السيرة 4/ 662- 663. (4) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 1264) ، مسلم- الصحيح 2/ 649- 650 (حديث 941) . (5) أحمد- الفتح الرباني 21/ 253- 4 وقال الهيثمي وقد رواه في مجمع الزوائد: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح» ، ابن سعد- الطبقات 2/ 288- 292 من عدة طرق وقال ابن كثير عن صلاة المسلمين فرادى بأنه «أمر مجمع عليه لا خلاف فيه» (البداية 5/ 299) . (6) ابن إسحاق بإسناد حسن، سيرة ابن هشام 4/ 664. (7) ابن هشام- السيرة (برواية ابن إسحاق) 4/ 666- 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وهل عدلت يوما رزيّة هالك ... رزيّة يوم مات فيه محمد وما فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد أعف وأوفى ذمّة بعد ذمة ... وأقرب منه نائلا لا ينكّد وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى ... وأكرم جدا أبطحيّا يسوّد وقال في قصيدة أخرى: «1» تالله ما حملت أنثى ولا مضعت ... مثل الرسول نبيّ الأمة الهادي ولا برا الله خلقا من بريته ... أوفى بذمة جاد أو بميعاد من الذي كان فينا يستضاء به ... مبارك الأمر ذو عدل وإرشاد يا أفضل الناس إني كنت في نهر ... أصبحت منه كمثل المفرد الصادي   (1) ابن هشام- السيرة 4/ 671. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 ما خلّف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أ- زوجاته أمهات المؤمنين: تزوج النبي صلّى الله عليه وسلّم في شبابه خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- كما سبق أن ذكرنا في ثنايا سيرته العطرة، ولم يتزوج عليها حتى توفيت بعد أن مكثت عنده أربعا وعشرين سنة وأشهرا، وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا ذكرها أثنى فأحسن الثناء عليها والاستغفار لها «1» . وقد تزوج صلّى الله عليه وسلّم في مكة قبل الهجرة سودة بنت زمعة- رضي الله عنها- على أثر وفاة أم المؤمنين خديجة- رضي الله عنها-، وكانت سودة ثيبا كبيرة السن، توفي عنها زوجها السكران بن عمر بعد عودتهما من هجرتهما إلى الحبشة «2» ، فخطبها الرسول صلّى الله عليه وسلّم من أبيها، وملكها «3» . وإلى جانب حاجته صلّى الله عليه وسلّم إلى الزوجة فإن زواجه من سودة- رضي الله عنها- كان تطييبا لخاطرها بفقدها زوجها المسلم المهاجر، ولغرض تهيئة من يرفق بأولاده الصغار من خديجة- رضي الله عنها- «4» . وقد هاجرت أم المؤمنين سودة بنت زمعة إلى المدينة في أعقاب هجرته عليه السلام. وقد بنى لها النبي صلّى الله عليه وسلّم بيتها الملاصق لمسجده صلّى الله عليه وسلّم وهو أحد البيتين اللذين بنيا مع بناء المسجد بعد الهجرة «5» . أما أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما- فقد أورد الشيخان وابن حبان عنها قالت: تزوجني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا بنت ست سنين «6» . ويفهم من رواية أوردها الطبراني بإسناد حسن عنها- رضي الله عنها- بأنها هاجرت مع بقية الأسرة، وأنهم سلكوا في مسالك صعبة «7» . وقد تزوجها صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة وهي البكر الوحيدة بين نسائه «8» . وفي المدينة تزوج صلّى الله عليه وسلّم أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- «9» ، وكانت تحت   (1) محمد بن الحسن بن زبالة- أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ص/ 35- 50، ابن سعد- الطبقات 8/ 141- 150، البيهقي- دلائل النبوة 7/ 288، أبو عبيدة- تسمية أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ص/ 77، ابن حبيب- المحبّر ص/ 98، الشامي- سبل الهدى 11/ 155- 163. (2) ابن سعد- الطبقات 8/ 53، ابن هشام- السيرة 2/ 9، ابن عبد البر- الاستيعاب 2/ 125. (3) ابن سعد- الطبقات 8/ 52- 53، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 149، الشامي- سبل الهدى 11/ 198- 200. (4) أحمد- المسند 6/ 211، ابن حجر- فتح الباري 7/ 225، وانظر العمري- السنة الصحيحة 2/ 650. (5) البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 265) ، مسلم- الصحيح 2/ 1085 (الأحاديث: 1463- 1464) ، 4/ 2316، أبو داود- السنن 2/ 601- 602، الترمذي- السنن 5/ 249. (6) وأورد مسلم والنسائي عنها «وأنا ابنة سبع وبنى بي وأنا ابنة تسع» ،. انظر: البخاري- الصحيح 8/ 75- 76، مسلم- الصحيح 4/ 1890 (حديث 2438) . (7) الهيثمي- مجمع الزوائد 9/ 228، الشامي- سبل 11/ 165. (8) البخاري- الصحيح (حديث 5077) ، الشامي- سبل الهدى 11/ 164- 182. (9) ابن زبالة- أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ص/ 57- 59، الشامي- سبل الهدى 11/ 184- 186، البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 5122) ، ابن حجر- الإصابة 1/ 456. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 خنيس بن حذافة السهمي الذي هاجر معها إلى المدينة وتوفي من جراحات أصابته في بدر «1» . وقد تزوجها النبي صلّى الله عليه وسلّم في السنة الثانية من الهجرة «2» . وتزوج صلّى الله عليه وسلّم أم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية «3» ، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث، ولما خطبها النبي صلّى الله عليه وسلّم جعلت أمرها إليه فتزوجها وأشهد وأصدقها اثنى عشر أوقية وكساء «4» . وهي أم المساكين سميت بذلك لكثرة إطعامها المساكين «5» ، وتوفيت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حي، وقد مكثت عنده ثمانية أشهر ودفنت بالبقيع «6» . أما أم المؤمنين أم سلمة بنت أبي أميّة- رضي الله عنها-، فقد هاجرت مع زوجها الأول أبي سلمة بن عبد الأسد- رضي الله عنه- إلى الحبشة الهجرتين فكانا أول من هاجر إلى الحبشة وكانت أول مهاجرة من المسلمات «7» ، فلما شرعت الهجرة إلى يثرب كانت أم سلمة «أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة» «8» ، وقد شهد أبو سلمة بدرا وأحدا ورمي بسهم في عضده، برأ منه، ثم انقض عليه فمات في جمادى الآخرة سنة 4 هـ «9» ، وبعد أن اعتدّت- رضي الله عنها- تزوجها النبي صلّى الله عليه وسلّم في أواخر شوال من السنة الرابعة «10» . وقد كانت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم حين خرج إلى مكة وتصالح مع قريش في الحديبية وكان لرأيها أثره في متابعة المسلمين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ما ترددوا في النحر والحلق «11» . - أما أم المؤمنين جويرية بنت الحارث- رضي الله عنها- فكانت قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم عند مسافع بن صفوان، وقد قتل كافرا يوم المريسيع في غزوة بني المصطلق «12» ، ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها على تسع أواق، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تستعينه على كتابتها فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لا يخفى عليك فأعنّي على كتابتي قال صلّى الله عليه وسلّم: «أو خير من ذلك، أؤدّي عنك كتابتك وأتزوّجك» ، فقالت نعم «13» ، ففعل، فبلغ الناس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد تزوجها، فقالوا: أصهار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) ابن حجر- الإصابة 1/ 456، ابن عبد البر- الاستيعاب 1/ 438. (2) ابن سعد- الطبقات 8/ 81- 82، أحمد- الفتح 22/ 130. (3) ابن زبالة- أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ص/ 60، ابن حبيب- المحبّر ص/ 105- 9. (4) الشامي- سبل الهدى 11/ 205. (5) ابن هشام- السيرة 4/ 391، ابن سعد- الطبقات 8/ 115. (6) ابن سعد- الطبقات 8/ 115- 116. (7) ابن زبالة- أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ص/ 62. (8) مسلم- الصحيح 2/ 632- 350، حديث 918- 919، الألباني- صحيح الترمذي 1/ 288، ابن سعد- الطبقات 8/ 89، الشامي- سبل الهدى 11/ 187. (9) الشامي- سبل الهدى 11/ 187، وانظر ابن زبالة- أزواج ص/ 62- 3، مسلم- الصحيح 2/ 631. (10) الشامي- سبل الهدى 11/ 188، وانظر ابن سعد- الطبقات./ 87. (11) الشامي- سبل الهدى 11/ 191. (12) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث (254) ، مسلم- الصحيح 3/ 1356، حديث 1730. (13) ابن هشام- السيرة 3/ 408- 409. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 يسترقون! فأعتقوا ما بأيديهم من بني المصطلق، فكان ذلك من خيرها على قومها «1» . - وتزوج النبي صلّى الله عليه وسلّم ابنة عمته زينب بنت جحش في السنة الرابعة من الهجرة «2» ، وكانت قبله تحت زيد «مولاه زوجها له النبي صلّى الله عليه وسلّم «3» ، ولما أخفق الزواج حاول النبي صلّى الله عليه وسلّم إصلاح ذات بينهما دون جدوى، ثم نزل أمر الله تعالى له يأمره بالزواج منها لحكمة ارادها الله تعالى في إبطال عادة التبني الجاهلية، وما يترتب عليها من علاقات، وقد أنزل الله في ذلك قوله تعالى وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً «4» .. ولذلك فإنها كانت تفخر على بقية نسائه بأنها بنت عمته وبأن الله تعالى قد زوجها له من فوق سبع سماواته «5» . وبسببها نزلت آية الحجاب «6» . في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً» . ووردت عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- رواية صحيحة قالت فيها: «كانت زينب بنت جحش «8» هي التي تساميني من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنزلة عند النبي صلّى الله عليه وسلّم وما رأيت امرأة قط خيرا من زينب في الدين، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة» «9» . أما أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان- رضي الله عنها- فقد كانت عند عبيد الله بن جحش وولدت له حبيبة، وقد هاجرت مع زوجها إلى الحبشة في الهجرة الثانية، غير أنه ما لبث أن ارتد وتنصر ومات على النصرانية وبقيت أم حبيبة. رضي الله عنها- على دين الإسلام، فأتم الله تعالى لها الإسلام والهجرة وتزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ بعث عليه السلام إلى النجاشي فزوجه إياها وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة «10» . وقيل لأبي سفيان يومئذ وهو مشرك يحارب النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن محمدا قد نكح ابنتك، قال ذاك   (1) ابن هشام- السيرة 3/ 409. (2) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 37، البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4787) . (3) البخاري- الصحيح (الحديث 7420) . (4) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 37. (5) ابن زبالة- أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ص/ 69، البخاري- الصحيح، حديث (7420) . (6) البخاري- الصحيح، حديث (4791) . (7) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 53. (8) انظر ترجمتها وأخبارها في «جامع الأصول» (12/ 251) بتحقيق محمود الأرناؤوط، طبع دار ابن الأثير ببيروت.. (9) مسلم- الصحيح، الحديث (2424) . (10) أحمد- الفتح الرباني 22/ 133، ابن هشام- السيرة 4/ 389، ابن سعد- الطبقات 8/ 96- 99، وانظر: ابن زبالة- أزواج ص/ 71- 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 الفحل لا يقرع أنفه» «1» . ومما يؤثر عنها أنها رغبت بفراش النبي صلّى الله عليه وسلّم حين أراد أبو سفيان أن يجلس عليه عندها فطوته دونه وحتى سألها أبوها عن ذلك قالت: «بل هو فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنت امرؤ نجس مشرك» «2» . وقد نزل بسبب زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم منها قوله تعالى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «3» . وتزوج النبي صلّى الله عليه وسلّم أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وكانت قبله تحت أبي رهم بن عبد العزى القرشي، وقد خطبها النبي صلّى الله عليه وسلّم في عمرة القضاء بمكة فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، فأنكحها له العباس وهو محرم سنة ثمان، فلما رجع من مكة بنى بها بسرف على بضعة أميال من مكة، وروى الطبراني برجال ثقات عن الزهري رحمه الله أن ميمونة بنت الحارث هي التي وهبت نفسها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونزل فيها قوله تعالى:.. وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ... «4» . أما أم المؤمنين صفية بنت حيي (رضي الله عنها) فقد كانت عند كنانة بن أبي الحقيق الذي قتل يوم خيبر وقد اصطفى النبي صلّى الله عليه وسلّم صفية من النفل وتزوجها بأن جعل عتقها صداقها «5» . وروى البزار بسند جيد عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يولم على أحد من نسائه إلا صفية «6» . ووردت جملة مرويات تفيد أنه صلّى الله عليه وسلّم كانت له أربع ولائد: مارية القبطية، وريحانة القرظية، وثالثة وهبتها له أم المؤمنين زينب بنت جحش بعد أن رضي عنها إثر مخاصمتها أم المؤمنين صفية، ورابعة أصابها في السبي وكانت جميلة نفيسة «7» . وعقد الشامي في سيرته بابا خاصّا أفرده «في ذكر من عقد عليها ولم يدخل بها صلّى الله عليه وسلّم» «8» عدد فيها   (1) الحاكم- المستدرك 4/ 20، الهيثمي- مجمع الزوائد 9/ 252، أي: أنه كفء كريم لا يرد. (2) أورد ذلك ابن الجوزي في صفة الصفوة عن طريق الزهري، وانظر: الشامي- سبل الهدى 11/ 195- 196. (3) القرآن الكريم- سورة الممتحنة، الآية/ 7. (4) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 50، وعن زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم منها انظر: ابن زبالة- أزواج ص/ 75- 6، ابن عبد البر- الاستيعاب 4/ 407. (5) مسلم- الصحيح، 2/ 1046، أحمد- المسند 6/ 834، برواية أبي يعلى عن طريق أنس. (6) أورد ابن سعد في طبقاته (8/ 100) رواية مرسلة ذكر فيها أن عائشة وحفصة (رضي الله عنهما) كانتا تنالان من صفية وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم علمها أن ترد عليهن بأن أباها هارون صلّى الله عليه وسلّم وعمها موسى صلّى الله عليه وسلّم وزوجها محمد صلّى الله عليه وسلّم. ونقل الشامي في سبل الهدى (11/ 216) خبرا عن غضب النبي صلّى الله عليه وسلّم. (7) كان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد خاصم زينب بنت جحش وقاطعها قرابة ثلاثة أشهر بسبب أنها عرّفتها «باليهودية» في حضرته صلّى الله عليه وسلّم، وقد ورد ذلك في رواية البزار والضياء المقدسي في صحيحه عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-، والبزار بسند جيد عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-، (الهيثمي- مجمع الزوائد 4/ 334) ، ومنها ما أورده ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى (ابن سعد- الطبقات 4/ 334) ، الشامي- سبل الهدى 11/ 219- 220. (8) الشامي- سبل الهدى 11/ 220- 233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 أسماء ست وعشرين من النساء اللاتي ذكرت المرويات المتنوعة، وبعضها صحيح، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد عقد عليهن النكاح ثم فارقهن مبينا أسباب ذلك، ذكر البخاري منهن ابنة الجون التي تعوذت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أدخلت عليه «1» ، وروى الإمام أحمد وابن أبي خيثمة، خبر الغفارية التي تزوجها النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما أدخلت إليه وجد في كشحها بياضا ففارقها ولم يأخذ مما آتاها شيئا «2» . وروى البخاري عن أبي أسيد خبر زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم من أميمة بنت شراحيل ومفارقة النبي صلّى الله عليه وسلّم لها بسبب ذلك «3» . ولقد اجتمعت أمهات المؤمنين عند النبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته بالمدينة فكان لكل واحدة منهن حجرة صغيرة يدخل إليها من فناء صغير يفضي إلى المسجد من جهته الشرقية ولا شك في أن هذا العدد من الزوجات كان من خصائص النبي صلّى الله عليه وسلّم. أولاده صلّى الله عليه وسلّم: أولهم القاسم، ثم زينب، ثم رقية، وأم كلثوم، وفاطمة، ثم عبد الله. وهؤلاء كلهم من خديجة، ولم يولد له من زوجة غيرها، ثم ولد له إبراهيم بالمدينة من سريته مارية سنة ثمان من الهجرة ومات قبل الفطام، وكل أولاده توفي قبله إلا فاطمة فإنها تأخرت بعده بستة أشهر. أعمامه وعماته صلّى الله عليه وسلّم: منهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، والعباس، وأبو طالب، وأبو لهب، والزبير، وعبد الكعبة، والمقوّم، وضرار، وقثم، والمغيرة، والعيداق، وزاد بعضهم العوام ولم يسلم منهم غير حمزة والعباس. وأما عماته فصفية أم الزبير بن العوام، وعاتكة، وبرّة، وأروى، وأميمة، وأم حكيم البيضاء. أسلم منهن صفية، واختلف في إسلام عاتكة وصحح بعضهم إسلام أروى. كتابه صلّى الله عليه وسلّم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وعامر بن فهيرة، وعمرو بن العاص، وأبيّ بن كعب، وعبد الله بن الأرقم، وثابت بن قيس بن شماس، وحنظلة بن الربيع الأسدي، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وخالد بن سعد بن العاص، وقيل إنه أول من كتب له صلّى الله عليه وسلّم- ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وكان ألزمهم لهذا الشأن وأخصهم به. كتبه صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل الإسلام في الشرائع: فمنها كتابه في الصدقات الذي كان عند أبي بكر- وكتبه أبو بكر لأنس بن مالك لما وجهه إلى البحرين- ومنها كتابه إلى أهل اليمن وهو الكتاب الذي رواه أبو بكر بن عمرو بن حزم، ورواه الحاكم في صحيحه والنسائي وغيرهما وهو كتاب عظيم فيه أنواع من الفقه، ومنها كتابه إلى بني زهير، وكتاب كان عند عمر بن الخطاب في نصب الزكاة وغيرها.   (1) البخاري- الصحيح، حديث (5255) . (2) الشامي- سبل الهدى 11/ 223. (3) المرجع السابق 11/ 224. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 كتبه صلّى الله عليه وسلّم ورسله إلى الملوك: لما رجع صلّى الله عليه وسلّم من الحديبية كتب إلى ملوك الأرض وأرسل إليهم رسله فكتب إلى ملك الروم. فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلّا إذا كان مختوما، فاتخذ خاتما من فضة ونقش عليه ثلاثة أسطر: «محمد» سطر، و «رسول» سطر، و «الله» سطر. وختم به الكتب إلى الملوك. وبعث بها ستة نفر في يوم واحد في المحرم من سنة سبع. فأولهم عمرو بن أمية الضمري بعثه إلى النجاشي- واسمه أصحمة وتفسيره بالعربية عطية- وقد روى أنه عظم كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم أسلم وشهد شهادة الحق وكان من أعلم الناس بالإنجيل. وأنه صلى عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة، هكذا قال جماعة منهم الواقدي وابن سعد، وليس كما قال هؤلاء فإن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس هو الذي كتب إليه وهذا الثاني لا يعرف إسلامه بخلاف الأول فإنه مات مسلما، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث قتادة عن أنس قال: كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال محمد بن حزم: إن هذا النجاشي الذي بعث إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن أمية الضمري لم يسلم، والأول هو اختيار ابن سعد وغيره. والظاهر قول ابن حزم. وبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم- واسمه هرقل وهمّ بالإسلام وكاد ولم يفعل. وقد روى ابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من ينطلق بصحيفتي إلى قيصر وله الجنة؟» فقال رجل من القوم: وإن لم يقبل؟ قال: «وإن لم، يقبل» فوافق قيصر وهو يأتي بيت المقدس فرمى بالكتاب على البساط وتنحى فنادى قيصر من صاحب الكتاب فهو آمن! قال أنا. قال: فإذا قدمت فأتني، فلما قدم أتاه فأمر قيصر بأبواب قصره فغلقت، ثم أمر مناديا ينادي: ألا إن قيصر قد اتبع محمدا وترك النصرانية فأقبل جنده وقد تسلحوا فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد ترى أني خائف على مملكتي! ثم أمر مناديه فنادى: ألا إن قيصر قد رضي عنكم وكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إني مسلم وبعث إليه بدنانير، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كذب عدو الله ليس بمسلم وهو على النصرانية» وقسم الدنانير. وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى- واسمه أبرويز بن هرمز بن أنوشروان- فمزق كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم! فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم مزق ملكه» فمزق ملكه وملك قومه. وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس- واسمه جريج بن مينا ملك الإسكندرية عظيم القبط- فقال خيرا وقارب الأمر ولم يسلم وأهدى للنبي صلّى الله عليه وسلّم مارية وأختيها سيرين وقيسرى، فتسرى مارية، ووهب سيرين لحسان بن ثابت، وأهدى له جارية أخرى وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من قباطي مصر وبغلة شهباء هي دلدل وحمارا أشهب- وهو عفير- وغلاما خصيّا يقال له مابور- وقيل هو ابن عم مارية- وفرسا- وهو اللزاز- وقدحا من زجاج وعسلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء، وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة ابن علي الحنفي باليمامة فأكرمه، وقيل بعثه ابن هوذة إلى ثمامة بن أثال الحنفي فلم يسلم هوذة وأسلم ثمامة بعد ذلك. فهؤلاء الستة قيل هم الذين بعثهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يوم واحد، وبعث عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان إلى جيفر وعبد ابني الجلندي الأزديين بعمان فأسلما وصدقا وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم، فلم يزل فيما بينهم حتى بلغته وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين قبل منصرفه من الجعرانة، وقيل قبل الفتح فأسلم وصدق. وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري باليمن، فقال: سأنظر في أمري. وبعث أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن عند انصرافه من تبوك، وقيل سنة عشر من ربيع الأول داعيين إلى الإسلام فأسلم عامة أهلها طوعا من غير قتال ثم بعث بعد ذلك عليّ بن أبي طالب إليهم وعند عودته وافى النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة في حجة الوداع. وبعث جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع الحميري وذي عمرو يدعوهما إلى الإسلام فأسلما وتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجرير عندهم، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى مسيلمة الكذاب بكتاب وكتب إليه بكتاب آخر مع السائب بن العوام أخي الزبير فلم يسلم، وبعث إلى فروة بن عمرو الجذامي يدعوه إلى الإسلام، وقيل لم يبعث إليه، وكان فروة عاملا لقيصر بمعان فأسلم وكتب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بإسلامه. وبعث إليه هدية مع مسعود بن سعد- وهي بغلة شهباء يقال لها فضة- وفرس يقال له الضرب، وحمار يقال له يعفور. وبعث أثوابا وقباء سندس مخوص بالذهب فقبل هديته ووهب لمسعود بن سعد اثنتي عشرة أوقية ونشا. وبعث عياش بن أبي ربيعة المخزومي بكتاب إلى الحارث ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير. مؤذّنوه صلّى الله عليه وسلّم: كانوا أربعة اثنان بالمدينة، بلال بن رباح، وهو أول من أذن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعمرو بن أم مكتوم القرشي العامري الأعمى وبقباء سعد القرط، مولى عمار بن ياسر، وبمكة أبو محذورة واسمه أوس بن مغيرة الجمحي. وكان أبو محذورة يرجّع الأذان ويثني الإقامة وبلال لا يرجع ويفرد الإقامة. أمراؤه صلّى الله عليه وسلّم: منهم باذان بن ساسان أمّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أهل اليمن كلّها بعد كسرى وأول من أسلم من ملوك العجم، ثم أمّر بعد موت باذان ابنه شهر بن باذان على صنعاء وأعمالها، ثم قتل شهر فأمر خالد بن سعيد بن العاص. وولى المهاجر بن أبي أمية المخزومي كندة والصدف فتوفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يسر إليها فبعثه أبو بكر لقتال ناس من المرتدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وولى زياد بن أمية الأنصاري حضر موت. وولى أبا موسى الأشعري زبيد وعدن وزمع والساحل، وولى معاذ ابن جبل الجند، وولى أبا سفيان صخر بن حرب نجران، وولى ابنه يزيد تيما، وولى عتاب بن أسيد مكة وإقامة الموسم بالحج بالمسلمين سنة ثمان، وله دون العشرين سنة، وولى علي بن أبي طالب الأخماس باليمن والقضاء بها. وولى عمرو بن العاص عمان وأعمالها، وولى الصدقات جماعة كثيرة لأنه كان لكل قبيلة وآل رجل يقبض صدقاتها، وولى أبا بكر إقامة الحج سنة تسع وبعث في أثره عليّا يقرأ على الناس سورة براءة. حرسه صلّى الله عليه وسلّم: فمنهم سعد بن معاذ حرسه يوم بدر حين نام في العريش، ومحمد بن مسلمة حرسه يوم أحد، والزبير بن العوام حرسه يوم الخندق. ومنهم عباد بن بشر وهو الذي كان على حرسه. وحرسه جماعة آخرون غير هؤلاء، فلما نزل قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ استغنى عن الحرس. شعراؤه صلّى الله عليه وسلّم: كان من شعرائه الذين يذبون عن الإسلام كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت- وكان أشدهم على الكفار حسانا- وكان كعب يعيرهم بالكفر والشرك، وكان خطيبه ثابت بن قيس بن شماس. سلاحه وأثاثه صلّى الله عليه وسلّم: كان له تسعة أسياف منها ذو الفقار- وكان لا يكاد يفارقه، وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وذؤابته وبكراته ونعله من فضة، وسبعة أدرع، وست قسيّ، وترس يقال له الفتق، وترس يقال له الزلوق، وخمسة أرماح، وحربة يقال لها النبعة، وأخرى كبيرة تدعى البيضاء، وأخرى صغيرة شبه العكاز يمشي بها بين يديه في الأعياد وتركز أمامه فيتخذها سترة يصلي إليها، وكان يمشي بها أحيانا. وكان له مغفر من حديد يقال له الموشح ومغفر آخر يقال له المسبوغ، وكان له ثلاث جبات يلبسها في الحرب، قيل فيها جبة سندس أخضر، وكان له راية سوداء. وفي سنن أبي داود عن رجل من الصحابة قال: رأيت راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صفراء. وكان له ألوية بيضاء، وربما جعل فيها الأسود، وكان له فسطاط يسمى الكن، ومحجن يمشي به ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره. وكان له قدح مضبب بسلسلة فضة، وقدح من قوارير، ومدهن، وربعة فيها المرآة والمشط والمقراضان والسواك، وسرير قوائمه من ساج، وفراش من أدم حشوه ليف. وكان له مائة شاة وكان لا يريد أن تزيد كلما ولد له الراعي بهمة ذبح مكانها شاة وغنم يوم بدر جملا مهريّا لأبي جهل في أنفه برة من فضة فأهداه يوم الحديبية ليغيظ بن المشركين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 شمائل الرسول صلّى الله عليه وسلّم الصفات الخلقيّة لسيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم ممّا لا شكّ فيه أنّ الأنبياء والرّسل عليهم الصّلاة والسّلام يمثّلون الكمال الإنسانيّ في أرقى صوره فهم في غاية الكمال في خلقهم وخلقهم، أطهر البشر قلوبا، وأزكاهم أخلاقا، وأجودهم قريحة، اختارهم الله واصطفاهم لنفسه واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ «1» . فلم يكن بدعا من الأنبياء أن يكون كلّ ما عليه نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم من الخلق والتّكوين مسترعيا للأنظار؛ فكما هو قمّة الكمال والجمال في خلقه، كذلك هو قمّة الجمال والكمال في خلقه، ولا شكّ أنّ ذلك التناسق والجمال الجسميّ له أثره الكبير في الدّعوة والاستجابة لها «2» ، فكم من رجل دخل في الإسلام بمجرّد رؤيته رسول الهدى صلّى الله عليه وسلّم ومشاهدة نور وجهه الشّريف؟. فهذا عبد الله بن سلام حبر يهود وأعلمهم بالتّوراة يقول: «لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة انجفل «3» النّاس إليه، وقيل قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ثلاث مرّات- فجئت في النّاس لأنظر إليه فلمّا تأمّلت وجهه واستثبتّه «4» عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب..» «5» ، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. فرسولنا صلّى الله عليه وسلّم كان أحسن النّاس وأجمل النّاس، لم يصفه واصف قطّ إلّا شبّهه بالقمر ليلة البدر، ولقد كان يقول قائلهم: لربّما نظرنا إلى القمر ليلة البدر فنقول: هو أحسن في أعيننا من القمر، أحسن النّاس وجها، وأنورهم لونا، يتلألأ تلألؤ الكوكب، ولقد وصفه أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- فقال: أمين مصطفى للخير يدعو ... كضوء البدر زايله «6» الظّلام وكان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- كثيرا ما ينشد قول زهير بن أبي سلمى حين يقول لهرم بن سنان:   (1) سورة الأنعام: آية (124) . (2) خاتم النبيين- للشيخ محمد أبو زهرة (11/ 319، 320) باختصار وتصرف. (3) انجفل: أسرع. (4) استثبته: استثبت الشيء. إذا تحققته وتبينته. قاله ابن الأثير في جامع الأصول (9/ 551) . (5) رواه الترمذي برقم (2485) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه برقم (1334) والدارمي برقم (1468) ، والحاكم (3/ 13) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (6) زايله: أي بارحه وفارقه. والمزايلة المفارقة. انظر لسان العرب (11/ 317) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المضيء لليلة البدر «1» فيقول عمر- رضي الله عنه- ومن سمع ذلك: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كذلك ولم يكن كذلك غيره. وكذلك قالت عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب، بعد ما سار من مكّة مهاجرا فجزعت عليه بنو هاشم فانبعثت تقول: عينيّ جودا بالدّموع السّواجم «2» ... على المرتضى كالبدر من آل هاشم على المرتضى للبرّ والعدل والتّقى ... وللدّين والدّنيا بهيم «3» المعالم على الصّادق الميمون ذي الحلم والنّهى ... وذي الفضل والدّاعي لخير التّراحم فشبّهته بالبدر ونعتته بهذا النّعت وإنّها لعلى دين قومها. فهذه نماذج- وهي قلّ من كثر- لما وصفه به الواصفون، ممّا يدلّ على جماله وبهائه وملاحته صلّى الله عليه وسلّم. صفة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: وردت أحاديث جامعة شاملة تضمّنت صفات خلقيّة عديدة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما وردت أحاديث أخرى تقتصر على صفة معيّنة أو أكثر ولكنّها لا تصل إلى درجة الشّمول والجمع. وصف جامع: وردت بعض الأحاديث والآثار الّتي تتضمّن وصفا شاملا للرّسول صلّى الله عليه وسلّم نذكر منها مايلي: 1- حديث أمّ معبد: عن حبيش بن خالد «4» رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أخرج من مكّة مهاجرا إلى المدينة، هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهما اللّيثي: عبد الله بن أريقط- رضي الله عنهم- مرّوا على خيمتي أمّ معبد الخزاعيّة- وكانت برزة «5» جلدة تحتبي بفناء القبّة، ثمّ تسقي وتطعم فسألوها لحما، وتمرا،   (1) ديوان زهير بن أبي سلمى (ص 95) . (2) السواجم: انسجم الدمع: أي انصب وسال. انظر لسان العرب (12/ 280- 281) . (3) بهيم المعالم: أي ليس فيه شيء من الأمراض والعاهات مثل العمى والعور والعرج وغير ذلك من صنوف العاهات. انظر لسان العرب (12/ 59) . (4) هو أخو أم معبد واسمها عاتكة بنت خالد. (5) برزة: قال ابن الأثير: يقال امرأة برزة إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب وهي مع ذلك عفيقة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم من البروز وهو الظهور والخروج. النهاية (1/ 117) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين «1» مسنتين «2» . فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى شاة في كسر الخيمة «3» ، فقال: «ما هذه الشّاة يا أمّ معبد؟» ، قالت: شاة خلّفها الجهد عن الغنم. قال: «أبها من لبن؟» ، قالت: هي والله أجهد من ذلك. قال: «أتأذنين لي أن أحلبها؟» . قالت: بأبي وأمّي! إن رأيت بها حلبا فاحلبها. فدعا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمسح بيده ضرعها، وسمّى الله تعالى، ودعا لها في شاتها، فتفاجّت «4» عليه ودرّت واجترّت. ودعا بإناء يربض «5» الرّهط، فحلب فيه ثجّا «6» حتّى علاه البهاء» ، ثمّ سقاها حتّى رويت، وسقى أصحابه حتّى رووا، ثمّ شرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخرهم، ثمّ أراضوا «8» عللا بعد نهل «9» ، ثمّ حلب فيه ثانيا بعد بدء حتّى ملأ الإناء، ثمّ غادره عندها، ثمّ بايعها، وارتحلوا عنها. فقلّما لبثت حتّى جاءها زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن «10» هزلا ضحا «11» مخّهنّ قليل. فلمّا رأى أبو معبد اللّبن عجب وقال: من أين لك هذا اللّبن يا أمّ معبد، والشّاء عازب حيال «12» ، ولا حلوب في البيت؟. فقالت: لا والله إلّا أنّه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أمّ معبد.   (1) مرملين: أي نفذ زادهم. النهاية (2/ 265) . (2) مسنتين: أي مجدبين، أصابتهم السّنة وهي القحط والجدب. النهاية (2/ 407) . (3) كسر الخيمة: أي جانبها وتفتح الكاف وتكسر. النهاية (4/ 172) . (4) فتفاجت عليه: أي فتحت ما بين رجليها للحلب، والتفاج المبالغة في تفريج ما بين الرجلين. النهاية (3/ 412) . (5) يربض الرهط: أي يرويهم، يثقلهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض. والرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة. البداية والنهاية (2/ 184، 283) . (6) ثجا: أي لبنا سائلا كثيرا. النهاية (1/ 207) . (7) حتى علاه البهاء: قال ابن قتيبة: يريد علا الإناء بهاء اللبن وهو وبيص رغوته يريد أنه ملأها. دلائل النبوة (1/ 282) . (8) ثم أراضوا: قال ابن قتيبة: يريد أنهم شربوا حتى رووا فنقعوا بالري. دلائل النبوة (1/ 282) . (9) عللا بعد نهل: المعنى ارتووا من الشرب مرة بعد مرة، فالنهل الشرب الأول، والعلل الشرب الثاني. منال الطالب ص 180. (10) يتساوكن هزلا: يقال تساوكت الإبل إذا اضطربت أعناقها من الهزال. أراد أنها تتمايل من ضعفها. النهاية (2/ 425) . ويروى تشاركن هزلا أي عمهن الهزال، منال الطالب (181) . (11) ضحا. قال ابن الأثير: وقوع هذه الكلمة بين صفات الغنم بعيد، وكان يغلب على الظن أنها تصحيف ومن الرواة من أسقطها من الحديث، ثم وجدت الحافظ أبا أحمد العسال قد روى «يتتاركن هزلا مخاخهن قليل» ولا أظن الصحيح إلا كما رواه، والمخاخ جمع مخ فيكون قد تصحف «مخا» ب «ضحا» ويدل عليه أنه في أكثر النسخ مكتوب بالألف، وقد وصف المخاخ وهو جمع ب «قليل» وهو مفرد لأنه أراد أنها شيء قليل، ومما يبطل «ضحا» أنهم كانوا عندها في القائلة لا في وقت الضحى. انظر منال الطالب ص 182. (12) عازب حيال: أي بعيدة المرعى لا تأوى إلى المنزل في الليل. و (الحيال) : جمع حائل وهي التي لم تحمل. النهاية (3/ 227) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة «1» ، أبلج «2» الوجه، حسن الخلق، لم تعبه نحلة «3» ، ولم تزر به، صعلة «4» ، وسيم «5» قسيم «6» ، في عينه دعج «7» ، وفي أشفاره غطف «8» ، وفي صوته صهل «9» ، وفي عنقه سطع «10» ، وفي لحيته كثاثة «11» أزجّ «12» أقرن «13» إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلّم سما وعلاه البهاء، أجمل النّاس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب. حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هزر «14» ، كأنّ منطقه خرزات نظم ينحدرن. ربعة لا يأس «15» من طول، ولا تقتحمه «16» عين من قصر، غصن بين   (1) ظاهر الوضاءة: ظاهر الحسن والجمال والنظافة. لسان العرب (1/ 195) . (2) أبلج الوجه: الأبلج: الأبيض الحسن الواسع الوجه. والمعنى: مشرق الوجه مضيئه. والبلج أيضا تباعد ما بين الحاجبين أي عدم التقائهما. ولم ترد أم معبد بلج الحاجب لأنها وصفته بالقرن والقرن هو التقاء الحاجبين. وقد صرح في غير حديث أم معبد بالبلج وهو عدم التقاء الحاجبين. والجمع بين وصفه بالبلج والقرن: هو أنه صلّى الله عليه وسلّم من شدة إضاءة وجهه لا يظهر الالتقاء الذي بين حاجبيه لخفته. النهاية (1/ 151، 4/ 54) ، لسان العرب (2/ 215) . (3) لم تعبه نحلة: أي دقة وهزال. النهاية (5/ 29) . (4) صعلة: هي صغر الرأس، وهي أيضا الدقة والنحول في البدن. البداية والنهاية (3/ 32) . ويروى صقلة وهي ضمور الخصر وقلة لحمه. (5) وسيم: الوسيم: الثابت الحسن. وفلان وسيم أي: حسن الوجه وسيما. انظر لسان العرب (12/ 637) . (6) قسيم: القسامة: الجمال والحسن، ورجل مقسم الوجه: أي جميل كله. انظر لسان العرب (12/ 482) . (7) في عينه دعج: الدعج والدعجة: السواد في العين وغيرها. والمراد أن سواد عينيه كان شديد السواد وقيل: الدعج: شدة سواد العين في شدة بياضها. النهاية (2/ 119) . لسان العرب (2/ 271) . (8) وفي أشفاره غطف: الأشفار جمع شفر بالضم، وقد يفتح وهو العين الذي ينبت عليه الشعر. والغطف: هو أن يطول شعر الأجفان ثم ينعطف. النهاية (2/ 484، 3/ 373)) . (9) صهل: الصهل: حدة الصوت مع بَحَحٍ. النهاية (3/ 337) ، ولسان العرب (11/ 387) ، ويروى صحل وهو صوت فيه بحة وغلظ. (10) في عنقه سطع: أي ارتفاع وطول. النهاية (2/ 365) . (11) وفي لحيته كثاثة: قال ابن منظور: في صفته صلّى الله عليه وسلّم أنه كان كث اللحية. أراد كثرة أصولها وشعرها، وأنها ليست بدقيقة، ولا طويلة، وفيها كثافة. لسان العرب (2/ 179) ، النهاية (4/ 152) . (12) أزج: الزجج: تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد. قاله ابن الأثير في النهاية (2/ 296) . وقال ابن منظور: الزجج: رقة محط الحاجبين ودقتهما وطولهما وسبوغهما واستقواسهما. وقيل: الزجج: دقة في الحاجبين وطول. انظر لسان العرب (2/ 287) . (13) أقرن: القرن: بالتحريك: اقتران الحاجبين بحيث يلتقي طرفاهما. النهاية (4/ 54) . (14) لا نزر ولا هزر: النزر: القليل. أي ليس بقليل فيدل على عي، ولا كثير فاسد. (النهاية (5/ 40) ، وفي رواية ولا هذر، والهذر الكلام الكثير غير المفيد. (15) لا يأس من طول: أي ليس بالطويل الذي يؤيس مباريه عن مطاولته. (دلائل النبوة 1/ 284) نقلا عن ابن قتيبة، والنهاية (5/ 291) . (16) ولا تقتحمه عين من قصر: أي لا تتجاوزه إلى غيره احتقارا له. وكل شيء ازدريته فقد اقتحمته. النهاية (4/ 19) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 غصنين فهو أنضر الثّلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود «1» محشود «2» ، لا عابس «3» ولا مفنّد «4» صلّى الله عليه وسلّم. فقال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الّذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكّة، ولقد هممت أن أصحبه. ولأفعلنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلا «5» . 2- حديث هند بن أبي هالة التّميميّ في صفة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنهما-: سألت خالي هند بن أبي هالة التّميميّ عن حلية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان وصّافا له، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا لعلّي أتعلّق به فقال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخما مفخّما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع «6» ، وأقصر من المشذّب «7» عظيم الهامة «8» ، رجل الشّعر «9» ، إن انفرقت عقيصته فرق وإلّا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا وفّره «10» ، أزهر   (1) محفود: المحفود الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته. النهاية (1/ 406) . (2) محشود: أي أن أصحابه يخدمونه ويجتمعون إليه. النهاية (1/ 388) . (3) لا عابس: العابس: الكريه الملقى الجهم المحيا. النهاية (3/ 171) . (4) ولا مفند: المفند هو الذي لا فائدة في كلامه لكبر أصابه. النهاية (3/ 475) . (5) حديث أم معبد رواه ابن إسحاق في السيرة. انظر سيرة ابن هشام (2/ 129) . وابن سعد في الطبقات (1/ 230) . والحاكم في المستدرك (3/ 9- 11) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة (283- 287) . والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 276- 280) . ورواه كذلك الطبراني وابن عساكر في تاريخ دمشق. انظر تهذيب تاريخ دمشق (1/ 326) . وابن عبد البر في كتابه الاستيعاب. انظر هامش الإصابة (4/ 495) . قال الحافظ ابن كثير: وقصتها (أم معبد) مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا. انظر النهاية (3/ 188) . وقال الحافظ ابن حجر: أم معبد: الخزاعية التي نزل عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم لما هاجر، مشهورة بكنيتها واسمها عاتكة بنت خالد. انظر الإصابة (4/ 497) . قال محققا كتاب زاد المعاد عبد القادر وشعيب الأرناؤوط: حديث حسن. انظر حاشية زاد المعاد (3/ 57) . (6) المربوع: المعتدل القامة، وسطا بين الطويل والقصير. (7) المشذب: الطويل البائن الطول، مع نقص في لحمه، والمراد أنه ليس بنحيف طويل، بل طوله وعرضه متناسبان على أتم صفة. (8) الهامة: الرأس، وعظم الرأس دليل على وفور العقل. (9) الشعر الرجل: الذي ليس شديد الجعودة، ولا شديد السبوطة بل بينهما. (10) العقيصة: الشعر المجموع كهيئة المضفور، من العقص: العطف واللى وقيل: هي الخصلة من الشعر اذا عقصت. والانفراق: الفصل بين الشيئين، أي كان لا يفرق شعره إلا أن ينفرق هو لنفسه، ووفّره: إذا أعفاه عن الفرق، يعني أن شعره إذا فرقه تجاوز شحمة أذنيه، وإذا ترك فرقه لم يجاوزها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 اللّون» واسع الجبينين «2» أزجّ الحواجب «3» سوابغ في غير قرن «4» بينهما عرق يدرّه الغضب «5» أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمّله أشمّ «6» كثّ اللّحية «7» سهل الخدّين «8» ضليع الفم «9» ، أشنب «10» ، مفلّج الأسنان «11» دقيق المسربة «12» كأنّ عنقه جيد دمية «13» في صفاء الفضّة، معتدل الخلق «14» ، بادنا متماسكا «15» ، سواء البطن والصّدر، عريض الصّدر «16» ، بعيد ما بين المنكبين «17» ضخم الكراديس «18» ، أنور المتجرّد «19» موصول ما بين اللّبّة والسّرّة- بشعر يجري كالخطّ «20» ، عاري الثّديين والبطن ممّا سوى ذلك «21» أشعر الذّراعين والمنكبين وأعالي الصّدر، طويل   (1) اللون الأزهر: الأبيض المضيء المستنير. (2) الجبينان: ما عن جانبي الجبهة من مقدم الرأس. (3) الزجج: دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع تقوس خلقة، وقد تفعله النساء تكلفا، وقد نهى عنه. (4) القرن: أن يلتقي طرفاهما مما يلي أعلى الأنف، وهو غير محمود عند العرب، والمراد أن حاجبيه قد سبغا وامتدا حتى كادا يلتقيان ولم يلتقيا. والسوابغ جمع سابغ: وهو التام الطويل. (5) يدره الغضب: يحركه ويظهره، كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما. (6) العرنين: الأنف، والقنا: طول الأنف ودقة أرنبته مع ارتفاع في وسط قصبته، والشمم: ارتفاع رأس الأنف وإشراف الأرنبة قليلا، واستواء أعلى القصبة، والمراد أنه كان يحسب لحسن قناه قبل التأمل أشم، فليس قناه بفاحش مفرط، بل يميل يسيرا إلى الشمم. (7) الشعر الكث: الكثيف المتراكب من غير طول ولارقة. (8) سهل الخدين: أي ليس في خديه نتوّ وارتفاع، وقيل أراد أن خديه أسيلان، قليلا اللحم، رقيقا الجلد. (9) الضليع الفم: العظيم الواسع. (10) الشنب: رقة الأسنان ودقتها، وتحدد أطرافها. (11) الفلج: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات. (12) المسربة بضم الراء: ما دق من شعر الصدر، سائلا إلى السرة. (13) الجيد: العنق، وإنما ذكرهما لئلا يتكرر لفظ واحد، والدمية: الصورة المصورة في جدار أو غيره. (14) اعتدال الخلق: تناسب الأعضاء والأطراف، وألا تكون متباينة مختلفة في الدقة والغلظ، والصغر والكبر، والطول والقصر. (15) البادن: الضخم التام اللحم، والمتماسك: الذي لحمه ليس بمسترخ ولا متهدل. (16) سواء البطن والصدر: أي متساويهما، يعني أن بطنه غير خارج فهو مساو لصدره، وصدره عريض فهو مساو لبطنه. (17) المنكبان: أعلى الكتفين، وبعد ما بينهما يدل على سعة الصدر والظهر. (18) الكراديس: جمع كردوس وهو رأس كل عظم كبير، وملتقى كل عظمين ضخمين، كالمنكبين والمرفقين، والوركين والركبتين، ويريد به ضخامة الأعضاء وغلظها. (19) المتجرد والمجرد: ما كشف عنه الثوب من البدن، يعني أنه كان مشرق الجسد نير اللون. (20) الأشعر: الذي عليه الشعر من البدن، واللّبة: الوهدة التي في أعلى الصدر، وفي أسفل الحلق بين الترقوتين. (21) عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك: أي أن ثدييه وبطنه ليس عليها شعر سوى المسربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 الزّندين «1» ، رحب الرّاحة «2» ، سبط القصب، شثن الكفّين والقدمين «3» ، سائل الأطراف، خمصان الأخمصين «4» مسيح القدمين ينبو عنهما الماء «5» إذا زال زال قلعا «6» يخطو تكفّؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية «7» إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب «8» ، وإذا التفت التفت جميعا «9» خافض الطّرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السّماء، جلّ نظره الملاحظة «10» يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسّلام «11» قلت: صف لي منطقه. قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحة، طويل السّكت لا يتكلّم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلّم بجوامع الكلم، فصلا لا فضول ولا تقصير1» ، دمثا ليس   (1) الزندان: العظمان اللذان يليان الكف من الذراع، رأس أحدهما يلي الإبهام، ورأس الآخر يلي الخنصر. (2) الراحة: الكف، ورحبها: سعتها وهو دليل الجود، كما أن ضيقها وصغرها دليل البخل. (3) الشثن: الغليظ الأطراف والأصابع وكونها سائلة، أي ليست بمنعقدة ولا متجعدة، فهي مع غلظها سهلة سبطة، والقصب: جمع القصبة وهي كل عظم أجوف فيه مخ، والسبط: الممتد في استواء، ليس فيه تعقد ولا نتوء، ويوصف به الشعر والأعضاء والجلد. (4) الأخمص من القدم الموضع الذي لا يصل إلى الأرض منها عند الوطء، والخمصان المبالغ منه، أي أن ذلك الموضع من رجله شديد التجافي عن الأرض. (5) مسيح القدمين: أي أن ظاهرهما ممسوح غير منعقد، فإذا صب عليهما الماء مر سريعا لملاستهما فينبو عنهما الماء ولا يقف. (6) قلعا، ويروى قلعا، ويروى قلعا: والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، أراد أنه كان يستعمل التثبت ولا يبين منه في هذه الحال استعجال ومبادرة شديدة، وقد جاءت صفته في حديث آخر «إذا مشى تقلع» أراد به قوة مشيه، وأنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا قويّا، لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطوه فإن ذلك من مشي النساء ويوصفن به. (7) التكفؤ: تمايل الماشي إلى قدام، والأصل في التكفؤ إذا كان مهموزا أن يكون بضم الفاء وإذا كان معتلا (أي بتسهيل الهمزة) فيكون بكسرها. أفاده ابن الأثير في منال الطالب، والهون: المشي في رفق ولين غير مختال ولا معجب، والذريع: السريع أي أنه كان واسع الخطو فيسرع مشيه. (8) الصبب: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل على سرعة مشيه لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه. (9) وإذا التفت التفت جميعا: أي لم يكن يلوي عنقه ورأسه إذا أراد أن يلتفت إلى ورائه، فعل الطائش العجل، إنما يدير بدنه كله وينظر، وقيل أراد أنه كان لا يسارق النظر. (10) الطرف: العين، خفض الطرف: ضد رفعه، وهو الغض منه والإطراق، جل الشيء: معظمه وأكثره، الملاحظة: أن ينظر الرجل بلحظ عينه وهو شقها الذي يلي الصدغ والأذن، ولا يحدق إلى الشيء تحديقا، و «نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء» ، تفسير لخفض الطرف والملاحظة. (11) يسوق أصحابه: أي يقدمهم أمامه، ويمشي وراءهم. (12) تواصل أحزانه، ودوام فكره، وعدم راحته: لاهتمامه بأمر الدين والقيام بما بعث به وكلف تبليغه وخوفه من أمور الآخرة. والسكت: السكوت، والأشداق: جمع شدق وهو جانب الفم وإنما يتكلم الرجل بأشداقه لرحبها وسعتها، والعرب تمتدح بذلك. وجوامع الكلم: هي القليلة الألفاظ الكثيرة المعاني، والقول الفصل: هو البين الظاهر المحكم الذي لا يعاب قائله، والفضول من الكلام: ما زاد عن الحاجة وفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 بالجافي ولا المهين «1» ، يعظّم النّعمة وإن دقّت ولا يذمّ منها شيئا، غير أنّه لم يكن يذمّ ذواقا ولا يمدحه «2» ، ولا تغضبه الدّنيا ولا ما كان منها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتّى ينتصر له «3» ، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار، أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث اتّصل بها فيضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى «4» ، فإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه «5» ، جلّ ضحكه التّبسّم ويفترّ عن مثل حبّ الغمام «6» . قال الحسن: فكتمتها الحسن زمانا، ثمّ حدّثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله عمّا سألته ووجدته قد سأل أباه- يعني عليّا كرّم الله وجهه- عن مدخله ومخرجه وشكله «7» فلم يدع منها شيئا، فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله عزّ وجلّ، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثمّ جزّأ جزءه بينه وبين النّاس، فيردّ ذلك على العامّة بالخاصّة، ولا يدّخر عنهم شيئا «8» . وذكر دخول أصحابه عليه فقال: يدخلون روّادا ولا يفترقون إلّا عن ذواق، ويخرجون أدلّة «9» ، وذكر مجلسه فقال: مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تثنى فلتاته «10» ، إذا   (1) الدمث: السهل اللين الخلق، والجافي: المعرض المتباعد عن الناس، والمهين: بضم الميم من الإهانة وهي الإذلال والاطراح، أي لا يهين أحدا من أصحابه أو من الناس، وبفتح الميم من المهانة وهي الحقارة والصغر. (2) يعظم النعمة: لا يستصغر شيئا أوتيه وإن كان صغيرا، دق الشيء: إذا صغر مقداره، والذواق: اسم ما يذاق باللسان أي لا يصف الطعام بطيب ولا بشاعة. (3) «إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد» أي إذا نيل من الحق أو أهمل أو تعرض للقدح فيه تنكر عليهم وخالف عادته معهم حتى لا يكاد يعرفه أحد منهم، ولا يثبت لغضبه شيء حتى ينتصر للحق، والتعاطي: الأخذ والتناول. (4) وإذا تحدث اتصل بها: أي أنه كان يشير بكفه إلى حديثه، وجمله فيضرب بباطن راحته.. إلخ تفسير لها. (5) أشاح: بالغ في الإعراض وجدّ فيه، أي: إذا غضب لم يكن ينتقم ويؤاخذ، بل يقنع بالإعراض عمن أغضبه، وغض الطرف عند الفرح: دليل على نفي البطر والأشر. (6) التبسم: أقل الضحك وأدناه، يفتر: أي يكشف عند التبسم عن أسنانه، من غير قهقهة، والغمام: السحاب، وحبه: البرد. (7) الشكل هنا: السيرة والطريقة. (8) أوى: رجع، التجزئة: القسمة، والجزء المختص بالله تعالى: هو اشتغاله بعبادته ومناجاته في ليله ونهاره، والجزء المختص بأهله: هو الوقت الذي يصحبهم ويعاشرهم فيه، الجزء المختص بنفسه، هو الذي لا يتعبد فيه ولا يعاشر أهله فقسمه بقسمين بينه وبين الناس «فيرد ذلك على العامة بالخاصة» أراد أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت فكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه، فكأنه أوصل الفوائد إلى العامة بالخاصة، وقيل إن الباء في «الخاصة» بمعنى من أي يجعل وقت العامة بعد وقت الخاصة وبدلا منهم. (9) الرواد جمع رائد: وهو الذي يتقدم القوم يكشف لهم حال الماء والمرعى قبل وصولهم، ويخرجون أدلة جمع دليل: أي يدلون الناس بما قد علموه منه وعرفوه، يريد أنهم يخرجون من عنده فقهاء، ويروى أدلة جمع دليل: يريد يخرجون من عنده متواضعين متعظين بما سمعوا، «ولا يفترقون إلا عند ذواق» ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير، أي لا يتفرقون إلا عن علم يتعلمونه، يقوم لهم مقام الطعام والشراب، لأنه يحفظ الأرواح كما يحفظان الأجسام. (10) لا تؤبن: لا تقذف ولا ترمي بعيب، والحرم جمع حرمة وهي المرأة وما يلزم الإنسان حفظه وصونه. لا تثنى فلتاته: أي لا يتحدّث عن مجلسه بهفوة أو زلة إن حدثت فيه من بعض القوم، الفلتات جمع فلتة: وهي هنا الزلة والسقطة، وقيل معناه: أنه لم تكن فيه فلتات فتثنى أي تذاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رءوسهم الطّير، فإذا سكت تكلّموا، كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق، ولا فحّاش ولا غيّاب ولا مدّاح ولا يقبل الثّناء إلّا من مكافيء «1» . 3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان كأنّ الشّمس تجري في جبهته «2» . وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّما الأرض تطوى «3» له، إنّا لنجهد أنفسنا «4» وإنّه لغير مكترث «5» » «6» . 4- وعن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ليلة إضحيان «7» وعليه حلّة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر «8» . 5- وعن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر، قال: قلت للرّبيّع بنت معوّذ: صفي لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت   (1) الإطراق: خفض الرأس وإدامة النظر إلى الأرض بين يديه كأنما على رءوسهم الطير: أراد وصفهم بالسكون والثبات في المجلس لأن الطير لا تسقط إلا على ساكن، والبشر: طلاقة الوجه وبشاشته، والفظ: السيء الخلق، والسخاب: من السخب وهو الضجة واضطراب الأصوات، والفحاش والعياب: مبالغة من الفحش في القول وعيب الناس والوقيعة فيهم. لا يقبل الثناء إلا من مكافيء: أراد أنه كان إذا ابتديء بثناء ومدح كره ذلك، وإذا اصطنع معروفا فأثنى عليه مثن وشكر له قبل ثناءه، وقيل: المعنى أنه لا يقبل الثناء عليه ممن لا يعرف حقيقة إسلامه، ولا يكون من المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وقيل: إنه لا يقبل الثناء إلا من مقارب غير مجاوز حد مثله، ولا مقصر عما رفعه الله إليه، والمكافأة: المجازاة على الشيء، والتكافؤ: التساوي. (الحديث وشرحه في منال الطالب لابن الأثير تحقيق د. محمود الطناحي: ص 197- ص 217- مطبعة المدني بالقاهرة نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة 1979) . (2) وفي رواية البيهقي في دلائل النبوة: «كأن الشمس تجري في وجهه» . قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الطيبي: شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلّى الله عليه وسلّم، وفيه عكس التشبيه للمبالغة، قال: ويحتمل أن يكون من باب تناهى التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للشمس. انظر فتح الباري (6/ 662) . (3) تطوى له الأرض: أي تقطع مسافتها بسهولة ويسر وسرعة. انظر البداية والنهاية لابن الأثير (3/ 146) بتصرف. (4) إنا لنجهد أنفسنا: أي نحمل عليها في السير، يقال جهد الرجل في الشيء: أي جد فيه وبالغ. انظر البداية والنهاية لابن الأثير (1/ 319) . (5) وإنه لغير مكترث: أي غير مبال. (6) رواه الترمذي برقم (3648) ، والإمام أحمد في المسند (2/ 350، 380) وقال أحمد شاكر إسناده صحيح. انظر ترتيب المسند (16/ 248) برقم (8588) ، ورواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 290) . (7) إضحيان: قال ابن الأثير: يقال: ليلة إضحيان، وإضحيانة، أي مضيئة مقمرة، النهاية 3/ 78. (8) رواه الترمذي برقم (2811) وقال: حديث حسن غريب، ورواه الدارمي (1/ 33) . ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 186) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. رواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 196) بهذا اللفظ وفي آخره: « ... فلهو كان في عيني أحسن من القمر» ، وفي لفظ آخر عن جابر بن سمرة « ... فجعلت أماثل بينه وبين القمر» . وأيضا صححه الألباني. انظر مختصر شمائل الترمذي له: ص (27) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 يا بنيّ لو رأيته رأيت الشّمس طالعة «1» . صفة لون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أزهر اللّون وهو الأبيض المستنير النّاصع البياض وهو أحسن الألوان، فلم يكن بالأبيض الأمهق الشّديد البياض «2» ، ولم يكن بالآدم الشّديد السّمرة وكان بياضه صلّى الله عليه وسلّم مشربا بحمرة. حتّى كان الصّحابة رضي الله عنهم كثيرا ما يتمثّلون بنعت عمّه أبي طالب إيّاه في لونه حيث يقول: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال «3» اليتامى عصمة للأرامل ويقول كلّ من سمع ذلك: هكذا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وهذه طائفة مختارة من وصف الواصفين ونعت النّاعتين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّن حضره وعاصره تؤكّد وتؤيّد ما ذكر: - عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن: قال: سمعت أنس بن مالك- رضي الله عنه- يصف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ربعة «4» من القوم، ليس بالطّويل ولا بالقصير، أزهر «5» اللّون، ليس بأبيض أمهق ولا آدم «6» . ليس بجعد «7» قطط «8» ولا سبط «9» رجل «10» . - عن الجريريّ عن أبي الطّفيل- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما على وجه الأرض رجل رآه   (1) رواه الدارمي (1/ 33) واللفظ له، والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 200) بلفظ « ... قالت: يا بني لو رأيته لقلت الشمس طالعة» . قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 280) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله وثقوا. (2) الأمهق هو اللون الذي لا يخالطه شيء من الحمرة وليس بنيّر، وذلك كلون الجص (انظر منال الطالب ص 223) . (3) ثمال اليتامى: أي الملجأ والغياث والمطعم في الشدة. انظر لسان العرب (11/ 94) . (4) ربعة: بفتح الراء وسكون الباء أي كان متوسطا بين الطول والقصر. (5) أزهر اللون: هو الأبيض المستنير وهو أحسن الألوان، والزهرة: البياض النير. (6) ولا آدم: الأدمة في الناس السمرة الشديدة. (7) ليس بجعد: الجعد بفتح وسكون: الشعر فيه التواء وانقباض. (8) القطط: بفتحتين على الأشهر ويجوز كسر ثانيه: الشديد الجعودة. (9) ولا سبط رجل: السبط بفتح فكسر: الشعر المسترسل الذي ليس فيه تعقد ولا نتوء أصلا، ورجل: بفتح فكسر ومنهم من يسكن الجيم: أي متسرح. (فالحاصل أن شعره صلّى الله عليه وسلّم لم يكن شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما) . (10) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3547) ، ورواه مسلم برقم (2347) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 غيري. قال: فقلت له: فكيف رأيته؟ قال: كان أبيض مليحا مقصّدا «1» » «2» . - عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبيض مشربا بياضه بحمرة» «3» . - عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبيض، كأنّما صيغ من فضّة» » . - عن محرّش الكعبيّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر ثمّ رجع فأصبح بها كبائت فنظرت إلى ظهره كأنّه سبيكة فضّة «5» » «6» . - عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّها تمثّلت بهذا البيت وأبو بكر- رضي الله عنه- يقضي: «7» وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ربيع اليتامى عصمة للأرامل «8» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: ذاك والله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «9» . - عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ربعة ليس بالطّويل ولا بالقصير حسن   (1) مقصدا: هو الذي ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير. وقال شمر: هو نحو الرّبعة. والقصد بمعناه. و (ملح) الشيء، من باب ظرف أي حسن فهو مليح. (2) رواه مسلم برقم (2340/ 99) . (3) رواه الترمذي مطولا برقم (3638) ، ورواه الإمام أحمد في المسند (1/ 96، 116، 117، 134) ، وابن سعد في الطبقات (1/ 410- 412) ، والحاكم في المستدرك (2/ 606) مطولا وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه الألفاظ ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي في دلائل النبوة (11/ 206) ، وأبو داود الطيالسي بلفظ: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشربا وجهه حمرة» . وصحح الحديث كذلك الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4497) . (4) تفرد به الترمذي في الشمائل المحمدية (ص 27) ، وحسنه الألباني. انظر صحيح الجامع برقم (4495) . (5) سبيكة فضة: سبك الذهب والفضة بمعنى ذوبه وأفرغه في قالب، والسبيكة: القطعة المذوبة منه. انظر لسان العرب (10/ 438) والمراد تشبيهه صلّى الله عليه وسلّم- كما في رواية النسائي- أو تشبيه ظهره الشريف بالقطعة من الفضة في البياض والصفاء. (6) أبو داود مختصرا برقم (1996) . ورواه النسائي (5/ 199، 200) بلفظ «أن النبي خرج من الجعرانة ليلا كأنه سبيكة فضة فاعتمر ثم أصبح بها كبائت» ، ورواه الإمام أحمد (3/ 426) ، (4/ 69) ، (5/ 380) واللفظ له. ورواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 207) . وصححه الألباني- انظر صحيح سنن أبي داود برقم (1758) . (7) يقضي. أي في حالة الاحتضار. (8) والبيت قاله أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة يمدح فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. انظر السيرة النبوية لابن هشام (1/ 291- 299) . (9) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 7) ، قال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات. انظر مجمع الزوائد (8/ 272) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 الجسم أسمر اللّون «1» ، وكان شعره ليس بجعد ولا سبط إذا مشى يتكفّأ «2» » «3» . - وقال ابن أبي خيثمة- رحمه الله- في صفته صلّى الله عليه وسلّم: «كان أزهر اللّون. والأزهر: الأبيض النّاصع البياض الّذي لا تشوبه حمرة ولا صفرة ولا شيء من الألوان ... » ، وقد نعته بعض من نعته بأنّه كان مشرب حمرة، وقد صدق من نعته بذلك ولكن إنّما كان المشرب منه حمرة ما ضحا للشّمس والرّياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثّياب فهو الأبيض الأزهر لا يشكّ فيه أحد ممّن وصفه بأنّه أبيض أزهر، فعنى ما تحت الثّياب فقد أصاب، ومن نعت ما ضحا للشّمس والرياح بأنّه أزهر مشرب حمرة فقد أصاب. ولونه الّذي لا يشكّ فيه: الأبيض الأزهر وإنّما الحمرة من قبل الشّمس والرّياح «4» . صفة وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأعضائه: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس وجها فكان وجهه كالقمر والشّمس مستديرا. وكان- صلوات الله وسلامه عليه- عظيم العينين. أهدب الأشفار، مشرب العينين حمرة، أشكل أسود الحدقة، أدعج، أكحل العينين، دقيق الحاجبين، سابغهما، أزجّ، أقرن، أبلج واسع الجبين، أغرّ، أجلى كأنّه يتلألأ، وكان العرق في وجهه كاللّؤلؤ، وكان أسيل «5» الخدّين سهلهما، أقنى «6» الأنف، ضليع الفم، حسن الثّغر، برّاق الثّنايا، إذا ضحك كاد يتلألأ. وفيما يلي باقة عطرة من وصف الواصفين لرسول الهدى صلّى الله عليه وسلّم ممّن حضره وشاهده تدلّل على ما ذكرناه. - عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس وجها وأحسنه خلقا «7»   (1) أسمر اللون: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرحه لحديث أنس المتفق عليه: « ... كان أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم» قال: المراد أنه صلّى الله عليه وسلّم ليس بالأبيض الشديد البياض ولا بالآدم الشديد الأدمة، وإنما يخالط بياضه حمرة، والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر. ولهذا جاء في حديث أنس: « ... أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أسمر..» إلى أن قال- رحمه الله-: وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة: الحمرة التي تخالط البياض وأن المراد بالبياض المثبت: ما يخالطه الحمرة، والمنفي: ما لا يخالطه وهو الذي تكره العرب لونه وتسميه أمهق. انظر فتح الباري (6/ 658) . (2) إذا مشى يتكفأ: أي يتمايل إلى قدام، وقيل أن يرفع القدم من الأرض ثم يضعها ولا يمسح قدمه على الأرض كمشي المتبختر، كأنما ينحط من صبب أي يرفع رجله من قوة وجلادة والأشبه أن يتكفأ بمعنى صب الشيء دفعة. انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري (5/ 443) . (3) رواه الترمذي برقم (1754) ، وقال: حديث صحيح، وأصل الحديث في البخاري ومسلم. رواه البخاري. انظر الفتح 10 (5906) ، ومسلم برقم (2338) . (4) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 299) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق. انظر تهذيب تاريخ دمشق (1/ 333) وغيرهم. (5) أسيل الخد أي قليل اللحم من غير نتوء (منال الطالب 223) . (6) أقنى. قال في النهاية: القنا في الأنف: طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه. (النهاية 4/ 116) . (7) وأحسنه خلقا: قال القاضي: ضبطناه خلقا، بفتح الخاء وإسكان اللام هنا، لأن مراده صفات جسمه. قال: أما في حديث أنس فرويناه بالضم لأنه إنما أخبر عن حسن معاشرته. وأما قوله: وأحسنه، فقال أبو حاتم وغيره: هكذا تقول العرب: وأحسنه يريدون وأحسنهم ولكن لا يتكلمون به. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 92) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 ليس بالطّويل الذّاهب ولا بالقصير» «1» . - وعن أبي إسحاق قال: سئل البراء: «أكان وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل السّيف «2» ؟. قال: لا، بل مثل القمر» «3» . - وسأل رجل جابر بن سمرة- رضي الله عنهما-: «أكان وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل السّيف؟ قال: لا، بل كان مثل الشّمس والقمر وكان مستديرا» «4» . - وعن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... عظيم العينين أهدب الأشفار مشربا بحمرة» «5» .- وعن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في نعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: « ... كان أسود الحدقة «6» أهدب الأشفار «7» » «8» . - وفي حديث يزيد الفارسيّ في رؤيته المناميّة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم والّتي قصّها على ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وأقرّه عليها، جاء في الوصف: « ... رأيت رجلا ... حسن المضحك أكحل «9» العينين، جميل، دوائر الوجه ... » «10» . - وعن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبيض اللّون   (1) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3549) . ورواه مسلم برقم (2337/ 93) . (2) قوله مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول، فرد عليه البراء فقال: «بل مثل القمر» أي في التدوير. ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال فقال: بل فوق ذلك، وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان. وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة «أن رجلا قال له: أكان وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا» . وإنما قال «مستديرا» للتنبيه على أنه جمع بين الصفتين، لأن قوله «مثل السيف» يحتمل أن يريد به الطول واللمعان فرده المسئول ردا بليغا. ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبا الإشراق، والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرهما، أتى بقوله «وكان مستديرا» إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معا: الحسن والاستدارة. انظر فتح الباري 6 (662) . (3) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3552) . (4) رواه مسلم برقم (2344/ 109) . (5) رواه الإمام أحمد في مسنده مطولا (1/ 89، 101) . وقال عنه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. انظر ترتيب المسند (2/ 80، 81) برقم (684) . (6) الحدقة: هي السواد المستدير وسط العين. وقيل: هي في الظاهر سواد العين، وفي الباطن خرزتها. انظر لسان العرب (10/ 39) . (7) أهدب الأشفار: أي طويل الأشفار وهو الذي شعر أجفانه كثير مستطيل. وأشفار العين: هي منابت الشعر المحيط بالعين. انظر جامع الأصول (11/ 226) ، ولسان العرب (4/ 418، 419) . (8) رواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 212، 213) ، وصححه الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4497) . (9) أكحل العينين: الكحل بفتحتين سواد يكون في مغارز الأجفان خلقة. قاله ابن الأثير. انظر جامع الأصول (11/ 233) ، ولسان العرب (11/ 584) . (10) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 361، 362) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 417) . وقال الحافظ ابن حجر عن الحديث: أخرجه أحمد وسنده حسن. انظر فتح الباري (6/ 658) . وقال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال ثقات. انظر مجمع الزوائد (8/ 272) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 مشربا حمرة، أدعج العين «1» .. سهل الخدّ» «2» . - عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «كان مفاضّ «3» الجبين أهدب الأشفار» «4» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- في وصفه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أحسن الصّفة وأجملها كان ربعة إلى الطّول أقرب أسيل «5» الخدّين ... إذا ضحك كاد يتلألأ في الجدر لم أر قبله ولا بعده مثله» «6» . - عن سماك بن حرب؛ قال: سمعت جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ضليع الفم أشكل العين. منهوس العقبين. قال: قلت لسماك: ما ضليع الفم «7» ؟ قال: عظيم الفم. قال: قلت: ما أشكل العين «8» ؟ قال: طويل شقّ العين، قال: قلت: ما منهوس العقب «9» ؟ قال: قليل لحم العقب» 1» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-: في صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسن الثّغر «11» » «12» .   (1) أدعج العين: الشديد سواد العينين. قال الأصمعي: الدعجة هي: السواد. انظر لسان العرب (2/ 271) . (2) رواه ابن سعد في الطبقات (1/ 410) ، والبيهقي في الدلائل من طرق (1/ 212، 213) ، (1/ 269، 273) . وإسناده حسن، لكثرة طرقه وشواهده. (3) مفاض الجبين: أي واسع الجبين. (4) رواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 214) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق. انظر تهذيب تاريخ دمشق (1/ 336) وهذا قطعة منه. قال الحافظ ابن كثير: هذا إسناد حسن ولم يخرجوه. انظر الشمائل لابن كثير (26) ، (31) . وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه يعقوب بن سفيان والبزار بإسناد قوي. انظر فتح الباري (6/ 658) . (5) أسيل الخدين: أسيل الخد هو الخد المستوي الذي لا يفوت بعض لحمه بعضا. وقيل سائل الخدين غير مرتفع الوجنتين انظر جمع الوسائل. شرح شمائل الترمذي (1/ 45) . وقال ابن الأثير: الإسالة في الخد هي الاستطالة وأن لا يكون مرتفعا. انظر جامع الأصول (11/ 226) . (6) رواه البيهقي في الدلائل (1/ 275) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق. انظر تهذيب تاريخ دمشق (1/ 319) . ورواه الذهلي في الذهليات واللفظ له كما في شمائل ابن كثير (ص 35) . قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن- انظر فتح الباري (6/ 657) . وقد ذكر هناك الزهريات بدلا من الذهليات. والجدر: جمع جدار وهو الحائط، أي يشرق نوره عليها إشراقا كالشمس. (7) ما ضليع الفم: عظيم الفم قال النووي: كذلك قاله الأكثرون وهو الأظهر. قالوا: والعرب تمدح بذلك وتذم بصغر الفم. وهو معنى قول ثعلب في ضليع الفم: واسع الفم. وقال شمر: عظيم الأسنان. (8) ما أشكل العين: طويل شق العين قال النووي: قال القاضي: هذا وهم من سماك باتفاق العلماء. وغلط ظاهر، وصوابه ما اتفق عليه العلماء ونقله أبو عبيد وجميع أصحاب الغريب: أن الشكلة حمرة في بياض العينين وهو محمود، والشهلة حمرة في سواد العينين، انظر شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 93. (9) ما منهوس العقب: قال النووي: هكذا ضبطه الجمهور: منهوس. وقال صاحب التحرير وابن الأثير: روي بالمهملة والمعجمة. وهما متقاربان ومعناه قليل لحم العقب، كما قال. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 93) . (10) رواه مسلم برقم (2339) . (11) الثغر: قال ابن منظور: الثغر الفم. وقيل: هو اسم الأسنان كلها ما دامت في منابتها قبل أن تسقط. وقيل: هي الأسنان كلها كن في منابتها أو لم يكن. وقيل: هو مقدم الأسنان. انظر لسان العرب (4/ 103) . (12) رواه البيهقي في الدلائل (1/ 217) وكذلك البزار، وهذا قطعة منه. قال الحافظ ابن كثير: إسناده حسن انظر الشمائل لابن كثير (ص 26) . وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه يعقوب بن سفيان والبزار بإسناد قوي. انظر فتح الباري (6/ 658) . وقال الحافظ الهيثمي: رواه البزار ورجاله وثقوا. انظر مجمع الزوائد (8/ 280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 صفة رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصفة لحيته صلّى الله عليه وسلّم: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عظيم الرّأس، ذا لحية عظيمة حسنة كثيرة الشّعر سوداء، كادت تملأ نحره إذا تكلّم في نفسه عرف ذلك من خلفه باضطرابها لعظمتها. وهذه أحاديث في وصف ذلك ممّن شاهده ورآه تؤكّد ما ذكرناه. - عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في صفة رسول الله قال: «لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطّويل، ولا بالقصير، ضخم الرّأس» «1» . - وعن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبيض مشربا حمرة ضخم الهامة «2» » «3» . - وعن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عظيم اللّحية» «4» . - وعن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثّ «5» اللّحية» «6» . - وعن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير شعر اللّحية» «7» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- في وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسود اللّحية» «8» .   (1) رواه الترمذي واللفظ له برقم (3637) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ «عظيم الرأس» (1/ 117) . والحاكم في المستدرك (2/ 606) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) الهامة: قال ابن منظور في اللسان: قال الجوهري: الهامة الرأس والجمع هام. وقيل الهامة ما بين حرفي الرأس. انظر لسان العرب (12/ 624) . (3) ورواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 116) . ورواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 217) . وحسنه الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4496) . (4) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 116) . والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 216) . وهذا قطعة منه. وحسنه الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4696) . (5) كث اللحية: قال ابن منظور: وفي صفته صلّى الله عليه وسلّم: أنه كان كث اللحية: أراد كثرة أصولها وشعرها، وأنها ليست بدقيقة، ولا طويلة وفيها كثافة. انظر لسان العرب (2/ 179) ، النهاية (4/ 152) . (6) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 89، 101) . وهذا قطعة منه. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. انظر ترتيب المسند (2/ 81) رقم (684) ورواه النسائي من رواية البراء ابن عازب (8/ 183) . (7) رواه مسلم برقم (2344/ 109) . وهذه قطعة منه. (8) رواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 217) وكذلك البزار، وهذا قطعة منه. قال الحافظ ابن كثير: إسناده حسن انظر الشمائل لابن كثير (ص 26) . وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه يعقوب بن سفيان والبزار بإسناد قوي. انظر فتح الباري (6/ 658) . وقال الحافظ الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقاة. انظر مجمع الزوائد (8/ 280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 - وفي حديث يزيد الفارسيّ في رؤيته المناميّة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتّي قصّها على ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وأقرّه عليها، جاء فيه: « ... رأيت رجلا حسن المضحك جميل دوائر الوجه قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه حتّى كادت تملأ نحره» «1» . - وعن أبي معمر قال: قلت لخبّاب بن الأرتّ: أكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في الظّهر والعصر؛ قال: نعم. قال: قلت: بأيّ شيء كنتم تعلمون قراءته؟ قال: باضطراب لحيته» «2» . صفة شعر رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل الشّعر حسنه، فلم يكن شعره شديد الجعودة ولا شديد السّبوطة بل بينهما. شديد السّواد، يبلغ إلى أنصاف أذنيه وتارة شحمة أذنيه وتارة بين أذنيه وعاتقه وتارة يضرب منكبيه، وكان أوّل أمره قد سدل ناصيته بين عينيه ثمّ فرقه بعد ذلك فجعله فرقتين، وكان ربّما جعله غدائر أربعا يخرج الأذن اليمنى من بين غديرتين يكتنفانها، ويخرج الأذن اليسرى من بين غديرتين يكتنفانها، وتخرج الأذنان ببياضهما من بين تلك الغدائر كأنّها توقّد الكواكب الدّرّيّة من سواد شعره. وبهذا الّذي ذكرناه جاءت أوصاف الصّحب الكرام لشعر سيّد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم، فدونك إيّاها: - عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل الشّعر ليس بالسّبط ولا بالجعد القطط» «3» . - عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شديد سواد الشّعر» «4» . - وعن أبي الطّفيل- رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة فما أنسى بياض وجهه مع شدّة سواد شعره» «5» . - وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: قال: «كان شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أنصاف أذنيه» «6» .   (1) تقدم تخريجه. (2) رواه البخاري. انظر الفتح 2 (761) . (3) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3547) . ورواه مسلم برقم (2347) . (4) رواه البيهقي في دلائل النبوة بسياق طويل (1/ 275) . وهذا موضع الشاهد. وابن عساكر في تاريخ دمشق. انظر تهذيب تاريخ دمشق (1/ 319) . ورواه الذهلي في الذهليات. قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن. انظر فتح الباري (6/ 657) . وحسنه أيضا الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4509) . (5) قال الحافظ الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. انظر مجمع الزوائد (8/ 280) . والحديث أصله في مسلم برقم (2340) . (6) رواه مسلم برقم (2338) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 - عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا مربوعا له شعر يبلغ شحمة «1» أذنيه، عليه حلّة حمراء ما رأيت شيئا قطّ أحسن منه صلّى الله عليه وسلّم» «2» ، وفي لفظ للبخاريّ: «له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه» . - عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: «ما رأيت من ذي لمّة «3» أحسن في حلّة حمراء من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شعره يضرب منكبيه» «4» . - عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «كان شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شعرا رجلا، ليس بالجعد ولا السّبط، بين أذنيه وعاتقه «5» » «6» . - عن ابن العبّاس- رضي الله عنهما- قال: «كان أهل الكتاب يسدلون «7» أشعارهم، وكان المشركون يفرقون «8»   (1) شحمة أذنيه: قال النووي: شحمة الأذن هو اللين منها في أسفلها وهو معلق القرط منها. انظر شرح مسلم للنووي (15/ 91) . (2) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3551) . ورواه مسلم برقم (2337) . (3) اللمة: قال ابن الأثير: الشعر الذي ألم بالمنكبين، أي: قاربهما. انظر جامع الأصول (11/ 233) . (4) رواه البخاري. انظر الفتح 10 (5901) ولفظه «أن جمّته لتضرب قريبا من منكبيه» . ورواه مسلم برقم (2337/ 92) . (5) عاتقه: قال النووي رحمه الله: العاتق ما بين المنكب والعنق. انظر شرح النووي علي صحيح مسلم ج 15 ص 91. (6) رواه البخاري. انظر الفتح 10 (5905) . ورواه مسلم برقم (2338) . تنبيه: جاءت الروايات تفيد أن شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إلى أنصاف أذنيه وأحيانا يبلغ شحمة أذنيه وأحيانا بين أذنيه وعاتقه وأحيانا يضرب منكبيه ولا منافاة بين هذه الأحوال. وقد جمع العلماء رحمهم الله بين هذه الروايات بعدة أوجه: 1- قال القاضي عياض: والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه وهو الذي بين أذنيه وعاتقه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه. 2- قال القاضي عياض: إن ذلك لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصيرها- أي الجمة- بلغت المنكب وإذا قصرها كانت إلى أنصاف الأذنين فكان يقصر ويطول بحسب ذلك. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 91) . وقد قال بهذا الجمع غير واحد من العلماء، منهم ابن كثير. انظر الشمائل (ص 37) وابن بطال وابن حجر. انظر فتح الباري (10/ 370) . (7) يسدلون: قال النووي: قال أهل اللغة: يقال سدل يسدل. قال القاضي: سدل الشعر إرساله. قال: والمراد به هنا، عند العلماء، إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة. يقال: سدل شعره وثوبه إذا أرسله ولم يضم جوانبه. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 90) . (8) يفرقون: قال ابن الأثير: مفرق الرأس وسطه، وفرق الشعر «جعله فرقتين» انظر جامع الأصول (11/ 236) . فائدة: قال النووي رحمه الله: الظاهر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجع إلى فرق الشعر بوحي لقوله (إنه كان يوافق أهل الكتاب فيما لم يؤمر به) وعلى هذا فيكون السدل منسوخا ولا يجوز فعله ولا اتخاذ الناصية والجمة. ويحتمل أن رجوعه صلّى الله عليه وسلّم إلى الفرق باجتهاد منه في مخالفة أهل الكتاب لا بوحي. وعلى هذا يكون الفرق مستحبا. ولهذا اختلف السلف فيه. ففرق منهم جماعة، واتخذ اللمة آخرون. وقد جاء في الحديث «أنه كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم لمة فإن انفرقت فرقها وإلا تركها» . قال مالك: فرق الرجل أحب إلي. قال النووي: والحاصل أن الصحيح المختار جواز السدل والفرق وأن الفرق أفضل والله أعلم. انتهى كلام النووي (بتصرف) وقد عزا أكثره للقاضي عياض. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 90) . وفتح الباري (10/ 375) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 رءوسهم، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، فسدل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناصيته «1» ثمّ فرق بعد» «2» . - عن أمّ هانيء- رضي الله عنها- قالت: «قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكّة «3» وله أربع غدائر «4» » «5» . وفي رواية لها، قالت: «رأيت في رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضفائر أربعا» «6» . ذكر شيب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخضابه: كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رأسه ولحيته قليل من الشّيب، وكان أكثر شيب رأسه في فودى رأسه والفودان حرفا الفرق- وأكثر شيب لحيته في عنفقته «7» فوق الذّقن، وكان شيبه كأنّه خيوط الفضّة يتلألأ بين ظهري سواد الشّعر الّذي معه. وإذا مسّ ذلك الشّيب الصّفرة- وكثيرا ما يفعل ذلك- صار كأنّه خيوط الذّهب يتلألأ بين ظهري سواد الشّعر الّذي معه صلوات الله وسلامه عليه. وبنحو ما قلناه وردت الأحاديث والأخبار، وهذه نماذج منها: - عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، قال ربيعة: فرأيت شعرا من شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو أحمر فسألت فقيل: من الطّيب» » . - عن محمّد بن سيرين؛ قال: سألت أنس بن مالك: أخضب «9» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: إنّه لم ير من الشّيب إلّا قليلا. «10» .   (1) ناصيته: قال ابن الأثير: الناصية هي شعر مقدم الرأس. انظر جامع الأصول (11/ 237) . (2) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3558) . ورواه مسلم واللفظ له برقم (2336) . (3) وذلك في فتح مكة. وأم هانئ أسلمت يوم الفتح. (4) غدائر: جمع غديرة، والضفائر: جمع ضفيرة. وكل من الضفيرة والغديرة بمعنى الذؤابة: وهي الخصلة من الشعر إذا كانت مرسلة. فإن كانت ملوية فعقيصة. انظر جامع الأصول (11/ 236) ، ولسان العرب (4/ 490) ، (5/ 10) ، (7/ 56) . (5) رواه الترمذي برقم (1781) ، وقال: حديث حسن. وأبو داود برقم (4191) . وابن ماجه برقم (3631) . والإمام أحمد (6/ 341) . وابن سعد في الطبقات (1/ 429) وقال عنه الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات. انظر فتح الباري (6/ 662) . (6) هذه الرواية عند الإمام أحمد (6/ 425) ، وابن سعد في الطبقات (1/ 429) . (7) العنفقة: الشعر الذي في الشفة السفلى، وقيل: الشعر الذي بينها وبين الذقن. وأصل العنفقة: خفة الشيء وقلته. أفاده ابن الأثير في النهاية (3/ 309) . (8) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3547) . ورواه مسلم برقم (2347) عدا قول ربيعة. (9) أخضب: الخضاب ما يخضب به من حناء وكتم ونحوه. وخضب الشيء يخضبه خضبا: غير لونه بحمرة أو صفرة أو غيرهما. انظر لسان العرب (1/ 357) . (10) رواه البخاري. انظر الفتح 10 (5894) . ورواه مسلم- واللفظ له- برقم (2341/ 102) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 - عن ثابت قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: «لو شئت أن أعدّ شمطات «1» كنّ في رأسه فعلت. وقال: لم يختضب؛ وقد اختضب أبو بكر بالحنّاء والكتم «2» . واختضب عمر بالحنّاء بحتا «3» » «4» . - عن قتادة قال: «سألت أنسا: هل خضب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، إنّما كان شيء في صدغيه «5» » «6» ، «7» . - عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يختضب، إنّما كان البياض في عنفقته «8» وفي الصّدغين وفي الرّأس نبذ «9» » «10» . - عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد شمط «11» مقدّم رأسه ولحيته، وكان إذا ادّهن ومشط لم يتبيّن وإذا شعث «12» رأسه تبيّن» «13» . - عن إياد بن أبي رمثة- رضي الله عنهما- قال: «انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا رأيته قال لي: هل تدري من هذا؟ قلت: لا. قال: إنّ هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاقشعررت حين قال ذلك، وكنت أظنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،   (1) شمطات: قال ابن الأثير: الشمط هو الشيب يخالطه السواد. انظر جامع الأصول (11/ 239) ، وقال النووي اتفق العلماء على أن المراد بالشمط هنا ابتداء الشيب. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 95. (2) الكتم: نبات يصبغ به الشعر يكثر بياضه أو حمرته إلى الدهمة. (3) بحتا: أي خالصا لم يخلط بغيره. (4) رواه مسلم برقم (2341/ 103) . (5) صدغيه: الصدغ بضم المهملة وإسكان الدال بعدها معجمة: ما بين الأذن والعين ويقال ذلك أيضا لما انحدر من الرأس إلى مركب اللحيين. انظر لسان العرب (8/ 439) . والنهاية (3/ 17) . وفتح الباري (6/ 661) . (6) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3550) . (7) قال الحافظ ابن حجر: وجه الجمع بين هذا الحديث والحديث السابق الذي يفيد أن الشعر الأبيض كان في عنفقته، هو حديث أنس عند مسلم « ... إنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ» . انظر فتح الباري (6/ 661) بتصرف يسير. (8) قال ابن حجر رحمه الله: وعرف من مجموع الأحاديث أن الذي شاب من عنفقته أكثر مما شاب من غيرها. انظر فتح الباري (6/ 661) . (9) نبذ: قال النووي رحمه الله: ضبطوه بوجهين أحدهما ضم النون وفتح الباء، والثاني فتح النون وإسكان الباء. وبه جزم القاضي ومعناه شعرات متفرقة. انظر شرح مسلم للنووي (15/ 96) . (10) رواه مسلم برقم (2341/ 104) . (11) قد شمط: قال النووي: اتفق العلماء على أن المراد بالشمط هنا: ابتداء الشيب. يقال منه شمط وأشمط. انظر شرح مسلم للنووي (15/ 95) .. وقال ابن الأثير: الشمط هو الشيب يخالطه السواد. انظر جامع الأصول (11/ 240) . (12) إذا شعث: قال ابن الأثير: الشعث: بعد العهد بالغسل وتسريح الشعر. انظر جامع الأصول (11/ 240) . (13) رواه مسلم برقم (2344/ 109) . والإمام أحمد في مسنده (5/ 104) واللفظ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 شيئا لا يشبه النّاس، فإذا هو بشر ذو وفرة «1» بها ردع «2» من حنّاء، وعليه بردان أخضران» «3» . - عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يلبس النّعال السّبتيّة «4» ويصفّر لحيته بالورس «5» والزّعفران «6» ، وكان ابن عمر يفعل ذلك» «7» . - عن عبد الله بن عقيل، قال: قدم أنس بن مالك المدينة وعمر بن عبد العزيز وال عليها، فبعث إليه عمر، وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنّي رأيت شعرا من شعره قد لوّن «8» قال أنس: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان قد متّع بالسّواد، ولو عددت ما أقبل عليّ من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهنّ على إحدى عشرة شيبة، وإنّما هذا الّذي لوّن من الطّيب الّذي كان يطيّب به شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هو الّذي غيّر لونه» «9» . فائدة: يلحظ ممّا تقدّم من الأحاديث أنّ منها ما يدلّ على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد خضب، مثل حديث أبي رمثة وحديث ابن عمر- رضي الله عنهم- ومنها ما ينفي ذلك مثل حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه-. ومن الأحاديث أيضا ما حدّد عدد شيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل حديث أنس الآنف الذّكر فإنّه حدّد الشّيب بإحدى عشرة شيبة، بينما وردت أحاديث أخر دلّت على أنّ الشّيب أزيد من هذا العدد، مثل حديث ابن عمر. وقد جمع العلماء رحمهم الله بين هذه الأحاديث ورجّحوا ما يأتي: أ- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد خضب. قال ابن كثير- رحمه الله-: ونفي أنس للخضاب معارض بما تقدّم عن غيره من إثباته، والقاعدة المقرّرة أنّ   (1) ذو وفرة: الوفرة: شعر الرأس إذا كان إلى شحمة الأذن. (2) ردع: الردع: أثر الصبغ على الجسم وغيره. أفاد ذلك ابن الأثير. انظر جامع الأصول (4/ 740) . (3) رواه أبو داود برقم (4206) مختصرا. ورواه النسائي (8/ 140) . والإمام أحمد (2/ 226، 227) . ورواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 237) واللفظ له. وصححه الألباني. انظر صحيح سنن أبي داود برقم (3543) . (4) السبتية: قال ابن الأثير: السبتية: جلود بقر مدبوغة بالقرظ، سميت سبتية لأن شعرها قد سبت عنها وحلق، وقيل لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت. انظر جامع الأصول (4/ 736، 737) . (5) الورس: بفتح فسكون: نبت أصفر باليمن يصبغ به. (6) الزعفران: نبات زهره أحمر إلى الصفرة وهو من الطيب. (7) رواه أبو داود برقم (4210) ، والنسائي (8/ 140) . قال محقق كتاب جامع الأصول: إسناده حسن. انظر جامع الأصول (4/ 736) . (8) ربما كانت هذه رؤيا منامية من خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه-. (9) رواه الحاكم في المستدرك (2/ 607) وقال: هذا حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ورواه أيضا البيهقي في دلائل النبوة واللفظ له برقم (1/ 239) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 الإثبات مقدّم على النّفي، لأنّ المثبت معه زيادة علم ليست مع النّافي «1» . ب- أنّ إثبات غير أنس من الصّحابة لأزيد ممّا ذكر من الشّيب مقدّم لا سيّما ما جاء عن ابن عمر الّذي يظنّ أنّه تلقّى ذلك عن أخته أمّ المؤمنين حفصة؛ ذلك أنّ اطّلاعها أتمّ من اطّلاع أنس، لأنّها ربّما فلّت رأسه الكريم عليه الصّلاة والسّلام «2» . صفات أخرى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: جاءت أحاديث وآثار تصف وتنعت أعضاء جسميّة أخرى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم- غير الّتي مرّ ذكرها- كخاتم نبوّته، ومنكبه، وذراعيه، وكفّيه، وساقيه، وقدميه. وهذه مجموعة من تلك الأحاديث تصف ما ذكرنا من هذه الأعضاء. خاتم النبوة: عن عاصم عن عبد الله بن سرجس- رضي الله عنه-: قال: «رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأكلت معه خبزا ولحما، أو قال: ثريدا. قال: فقلت: استغفر لك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم. ولك. ثمّ تلا هذه الآية: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (محمد/ 19) . قال: ثمّ درت خلفه فنظرت إلى خاتم النّبوّة بين كتفيه. عند ناغض كتفه «3» اليسرى جمعا «4» عليه خيلان «5» كأمثال الثّاليل «6» » «7» . - عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: « ... كان وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل الشّمس والقمر مستديرا، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة» الحمامة يشبه جسده» «9» .   (1) انظر الشمائل لابن كثير (ص 42) . (2) أفاد ذلك ابن كثير. انظر الشمائل (ص 42) . (3) ناغض كتفه: قال الجمهور: الناغض أعلى الكتف. وقيل: العظم الرقيق الذي على طرفه. وقيل: ما يظهر منه عند التحرك. سمي ناغضا لتحركه. (4) جمعا: معناه أنه كجمع الكف وهو صورته بعد تجمع الأصابع وتضامها. (5) خيلان: جمع خال. وهو الشامة في الجسد. (6) الثآليل: جمع ثؤلول وهي حبيبات تعلو الجسد. قال القاضي عياض: وهذه الروايات متقاربة متفقة على أنها شاخص في جسده قدر بيضة الحمامة. وهو نحو بيضة الحجلة وزر الحجلة. وأما رواية جمع الكف فظاهرها المخالفة، فتؤول على وفق الروايات الكثيرة. ويكون معناه على هيئة جمع الكف لكنه أصغر منه في قدر بيضة الحمامة. أورد جميع ذلك النووي في شرحه على صحيح مسلم (15/ 98، 99) . (7) رواه مسلم برقم (2346) . (8) بيضة الحمامة: هي بيضتها المعروفة. (9) رواه مسلم برقم (2344/ 109) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 المنكبان: - عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعيد ما بين المنكبين» «1» . الذّراعان: - عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في نعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان شبح «2» الذّراعين» «3» . الكفّان: - عن أنس- رضي الله عنه- قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضخم اليدين. حسن الوجه لم أر بعده ولا قبله مثله وكان بسط «4» الكفّين» «5» . - عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شثن «6» الكفّين ... والكراديس «7» طويل المسربة «8» » «9» . - عن أنس- رضي الله عنه-: قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أزهر اللّون «10» كأنّ عرقه اللّؤلؤ «11» ، إذا   (1) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3551) ، ومسلم برقم (2337) . (2) شبح الذراعين: قال ابن الأثير رحمه الله: أي طويلهما وقيل: عريضهما. انظر النهاية (2/ 439) . والشبح بسكون الباء. انظر لسان العرب (2/ 9494) . (3) رواه الإمام أحمد- وهذا قطعة منه- في مسنده (2/ 328، 448) . وابن سعد في الطبقات (1/ 414) . والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 244) . وحسنه الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4692) . (4) بسط الكفين: البسطة الزيادة والسعة. قاله ابن منظور. انظر لسان العرب (7/ 260) . (5) رواه البخاري. انظر الفتح 10 (5907) . (6) شثن الكفين: بفتح المعجمة وسكون المثلثة وبكسرها بعدها نون: أي غليظ الأصابع والراحة. قاله ابن حجر. وقال ابن الأثير (شثن الكف) : غليظ الكف. وقال أيضا: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر. ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضتهم وأصبر لهم على المراس. ويذم في النساء. انظر فتح الباري (10/ 371) . والنهاية (2/ 44) . ولسان العرب (13/ 232) . جامع الأصول (11/ 227) . (7) الكراديس: قال ابن الأثير: كل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس والجمع الكراديس نحو الركبتين والمنكبين والوركين. انظر جامع الأصول (11/ 228) . (8) طويل المسربة: بفتح الميم وسكون السين وضم الراء: قال ابن الأثير: الشعر النابت على وسط الصدر نازلا إلى آخر البطن. انظر جامع الأصول (11/ 227) . تحفة الأحوذي (10/ 117) . (9) رواه الترمذي برقم (3637) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 96، 166، 117، 134) . وصحح إسناده أحمد شاكر في ترتيبه على المسند (2/ 106، 107) ، رقم (746) . ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 411) . والحاكم في المستدرك (2/ 606) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (10) أزهر اللون: هو الأبيض المستنير. وهو أحسن الألوان. (11) كأن عرقه اللؤلؤ: أي في الصفاء والبياض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 مشى تكفّأ «1» ، ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين «2» من كفّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «3» . الساقان: - عن سراقة بن مالك- رضي الله عنه- قال: «أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا دنوت منه وهو على ناقته جعلت أنظر إلى ساقه كأنّها جمّارة «4» » «5» . - عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- قال: «دفعت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بالأبطح في قبّة كان بالهاجرة، فخرج بلال فنادى بالصّلاة، ثمّ دخل فأخرج فضل وضوء «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوقع النّاس عليه يأخذون منه، ثمّ دخل فأخرج العنزة «7» ، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كأنّي أنظر إلى وبيص «8» ساقيه، فركز العنزة ثمّ صلّى الظّهر ركعتين، والعصر ركعتين، يمرّ بين يديه الحمار والمرأة» «9» . - عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يضحك إلّا تبسّما وكان في ساقيه   (1) إذا مشى تكفأ. قال النووي رحمه الله: هو بالهمز. وقد يترك همزه. وزعم كثيرون أن أكثر ما يروى بلا همز. وليس كما قالوا. قال شمر: أي مال يمينا وشمالا، كما تكفأ السفينة. قال الأزهري: هذا خطأ لأن هذا صفة المختال. وإنما معناه أن يميل إلى سمته وقصد مشيه. كما قال في الرواية الأخرى: كأنما ينحط في صبب. قال القاضي: لا بعد فيما قاله شمر إذا كان خلقة وجبلة والمذموم منه ما كان مستعملا مقصودا- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 86) ، ولسان العرب (1/ 141، 142) . (2) وصف أنس وغيره كفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالشثن وهو الغلظ، بينما هنا جاء وصف كفيه بالليونة والجمع بينهما. أنّ المراد باللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن وقوته. جمع هذا غير واحد من العلماء. انظر تحفة الأحوذي (10/ 116) . (3) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3561) . ومسلم برقم (2330/ 82) واللفظ له. (4) جمارة: الجمارة قلب النخلة وشحمتها. انظر النهاية لابن الأثير (1/ 294) . وقول الصحابي: «كأنها جمارة» يعني من شدة بياضها كأنها جمارة طلع النخل. (5) رواه ابن إسحاق في السيرة. انظر السيرة لابن هشام (2/ 135) . وهو مقتطف من حديث الهجرة الطويل وأصله في البخاري 7 (3906) عند ما ساخت يدا فرس سراقة في الأرض، وكتب له صلّى الله عليه وسلّم كتابا ووعده عدة. فجاء هذه المرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقابله وذلك بالجعرانة بعد غزوة حنين. قال سراقة فقلت: يا رسول الله هذا كتابك. فقال: يوم وفاء وبر ادن فأسلمت ... » . ورواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 207) . وقد تابع ابن إسحاق في روايته عن الزهري موسى بن عقبة. (6) الوضوء بفتح الواو هو الماء الذي استعمل في الوضوء. (7) العنزة. قال في النهاية: العنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا، وفيها سنان مثل سنان الرمح (3/ 308) . (8) وبيص ساقيه: قال ابن الأثير رحمه الله: الوبيص: البريق وقد وبص الشيء يبص وبيصا. انظر النهاية (5/ 146) . (9) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3566) . ورواه مسلم برقم (503) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 حموشة «1» » «2» . القدمان: - عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضخم القدمين ... » «3» . - وعنه- رضي الله عنه- قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شثن القدمين ... » «4» . - عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهوس «5» العقبين» «6» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-: في صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: « ... كان يطأ بقدميه جميعا ليس له أخمص «7» » «8» .   (1) حموشة: دقة، قال ابن الأثير: رجل أحمش الساقين: دقيقهما. انظر جامع الأصول (11/ 233) . ولسان العرب (6/ 288) . قال ابن كثير: أي لم يكونا ضخمين. انظر الشمائل لابن كثير (ص 43) . (2) رواه الترمذي برقم (3645) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب ورواه كذلك في الشمائل. انظر الشمائل (ص 189) . ورواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 97، 105) وأيضا صححه الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4737) . (3) رواه البخاري. انظر الفتح 10 (5907) وهذا محل الشاهد فقط. (4) رواه البخاري. انظر الفتح 10 (5910) وهذا محل الشاهد فقط. (5) منهوس العقبين: أي قليل لحم العقبين. والعقب هو مؤخر القدم. قال ابن كثير رحمه الله تعقيبا على أنه صلّى الله عليه وسلّم قليل لحم العقب: وهذا أنسب وأحسن في حق الرجال. انظر الشمائل لابن كثير (ص 44) . (6) رواه مسلم برقم (2339) . (7) الأخمص: ما دخل من باطن القدم فلم يصب الأرض. انظر لسان العرب (7/ 30) . (8) رواه البيهقي في الدلائل (1/ 275) وهذا موضع الشاهد. وابن عساكر في تاريخ دمشق. انظر تهذيب تاريخ دمشق (1/ 319) . قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن. انظر فتح الباري (6/ 657) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 الكمالات والخصائص الّتي انفرد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولا: الكمالات: ذكر الماورديّ- رحمه الله- في ذكر خصائص الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وفضائله وشرف أخلاقه وشمائله المؤيّدة لنبوّته والمبرهنة على عموم رسالته: فالكمال المعتبر في البشر يكون من أربعة أوجه: كمال الخلق وكمال الخلق وفضائل الأقوال وفضائل الأعمال. الوجه الأول: كمال الخلق: كمال خلقه؟ بعد اعتدال صورته يكون بأربعة أوصاف: الوصف الأول: السّكينة الباعثة على الهيبة والتّعظيم الدّاعية إلى التّقديم والتّسليم. وكان أعظم مهيب في النّفوس حتّى ارتاعت رسل كسرى من هيبته حين أتوه مع اعتيادهم لصولة الأكاسرة ومكاثرة الملوك الجبابرة. فكان صلّى الله عليه وسلّم في نفوسهم أهيب وفي أعينهم أعظم، وإن لم يتعاظم بأبّهة ولم يتطاول بسطوة، بل كان بالتّواضع موصوفا وبالوطأة- أي السّهولة- معروفا. الوصف الثاني: في الطّلاقة الموجبة للإخلاص والمحبّة الباعثة على المصافاة والمودّة. وقد كان صلوات الله عليه محبوبا استحكمت محبّة طلاقته في النّفوس حتّى لم يقله «1» مصاحب ولم يتباعد منه مقارب وكان أحبّ إلى أصحابه من الآباء والأبناء وشرب الماء البارد على الظّمأ. الوصف الثالث: حسن القبول الجالب لممايلة القلوب حتّى تسرع إلى طاعته وتذعن بموافقته، وقد كان قبول منظره صلّى الله عليه وسلّم مستوليا على القلوب ولذلك استحكمت مصاحبته في النّفوس حتّى لم ينفر منه معاند ولا استوحش منه مباعد، إلّا من ساقه الحسد إلى شقوته وقاده الحرمان إلى مخالفته.   (1) لم يقله: أي لم يبغضه أو يجافه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 الوصف الرابع: ميل النّفوس إلى متابعته وانقيادها لموافقته وثباته على شدائده ومصابرته، فما شذّ عنه معها من أخلص ولا ندّ عنه فيها إلّا من حرم الخير كلّه. وهذه الأربعة من دواعي السّعادة وقوانين الرّسالة قد تكاملت فيه فكمل لما يوازيها واستحقّ ما يقتضيها. الوجه الثاني: كمال الخلق: أمّا كمال أخلاقه صلّى الله عليه وسلّم فيكون بستّ خصال: الخصلة الأولى: رجاحة عقله وصدق فراسته، وقد دلّ على وفور ذلك فيه صحّة رأيه وصواب تدبيره وحسن تألّفه النّاس وأنّه ما استغفل في مكيدة ولا استعجز في شديدة بل كان يلحظ الإعجاز في المباديء فيكشف عيوبها ويحلّ خطوبها وهذا لا ينتظم إلّا بأصدق حدس وأوضح رؤية. الخصلة الثانية: ثباته في الشّدائد وهو مطلوب، وصبره على البأساء والضّرّاء، وهو مكروب ومحروب «1» ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة لا يخور في شديدة ولا يستكين لعظيمة وقد لقي بمكّة من قريش ما يشيب النّواصي ويهدّ الصّياصي وهو مع الضّعف يصابر صبر المستعلي ويثبت ثبات المستولي» . الخصلة الثالثة: زهده في الدّنيا وإعراضه عنها وقناعته منها فلم يمل إلى غضارتها ولم يله لحلاوتها وقد ملك من أقصى الحجاز إلى عذار العراق ومن أقصى اليمن إلى شحر عمان. وهو أزهد النّاس فيما يقتنى ويدّخر وأعرضهم عمّا يستفاد ويحتكر، لم يخلّف عينا ولا دينا ولا حفر نهرا ولا شيّد قصرا ولم يورّث ولده وأهله متاعا ولا مالا ليصرفهم عن الرّغبة في الدّنيا كما صرف نفسه عنها فيكونوا على مثل حاله في الزّهد فيها. وحقيق بمن كان في الدّنيا بهذه الزّهادة أن لا يتّهم بطلبها أو يكذب على الله تعالى في ادّعاء الآخرة ويقنع في العاجل وقد سلب الآجل بالميسور النّزر ويرض بالعيش الكدر.   (1) الضمير «هو» يعود للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمحروب من فقد ماله، وصار به الإسلام من فقد دينه، والمقصود هو الأول. (2) المستولي أي الممسك بمقاليد الأمور المسيطر عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 الخصلة الرابعة: تواضعه للنّاس وهم أتباع، وخفض جناحه لهم وهو مطاع، يمشي في الأسواق ويجلس على التّراب ويمتزج بأصحابه وجلسائه فلا يتميّز عنهم إلّا بإطراقه وحيائه، فصار بالتّواضع متميّزا، وبالتّذلّل متعزّزا. ولقد دخل عليه بعض الأعراب فارتاع من هيبته فقال خفّض عليك فإنّما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكّة وهذا من شرف أخلاقه وكريم شيمه فهي غريزة فطر عليها وجبلّة طبع بها لم تندر فتعدّ، ولم تحصر فتحدّ. الخصلة الخامسة: حلمه ووقاره عن طيش يهزّه أو خرق يستفزّه فقد كان أحلم في النّفار من كلّ حليم وأسلم في الخصام من كلّ سليم. وقد مني بجفوة الأعراب فلم يوجد منه نادرة ولم يحفظ عليه بادرة، ولا حليم غيره إلّا ذو عثرة ولا وقور سواه إلّا ذو هفوة، فإنّ الله تعالى عصمه من نزع الهوى وطيش القدرة «1» ليكون بأمّته رءوفا وعلى الخلق عطوفا لقد تناولته قريش بكلّ كبيرة وقصدته بكلّ جريرة وهو صبور عليهم ومعرض عنهم. وما تفرّد بذلك سفهاؤهم عن حلمائهم ولا أراذلهم دون عظمائهم، بل تمالأ عليه الجلّة والدّون، فكلّما كانوا عليه ألحّ، كان عنهم أعرض وأصفح، حتّى قدر فعفا، وأمكنه الله منهم فغفر. وقال لهم حين ظفر بهم عام الفتح وقد اجتمعوا إليه: ما ظنّكم بي قالوا ابن عمّ كريم، فإن تعف فذاك الظّنّ بك وإن تنتقم فقد أسأنا، فقال: بل أقول كما قال يوسف لإخوته لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. وقال: اللهمّ قد أذقت أوّل قريش نكالا فأذق آخرهم نوالا وأتته هند بنت عتبة، وقد بقرت بطن عمّه حمزة، ولاكت كبده فصفح عنها وبايعها. فإن قيل: فقد ضرب رقاب بني قريظة صبرا في يوم واحد وهم نحو سبعمائة، فأين موضع العفو والصّفح قيل: إنّما فعل ذلك في حقوق الله تعالى. وقد كانت بنو قريظة رضوا بتحكيم سعد بن معاذ عليهم فحكم أنّ من جرت عليه الموسى «2» قتل ومن لم تجر عليه استرقّ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة «3» ، فلم يجز أن يعفو عن حقّ وجب لله تعالى عليهم وإنّما يختصّ عفوه بحقّ نفسه.   (1) النفار أو المنافرة. (2) جرت عليه الموسى: أي بلغ مبلغ الرجال. (3) يعني من فوق سبع سموات. انظر النهاية (2/ 251) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الخصلة السادسة: حفظه للعهد ووفاؤه بالوعد فإنّه ما نقض لمحافظ عهدا، ولا أخلف لمراقب وعدا، يرى الغدر من كبائر الذّنوب، والإخلاف من مساوىء الشّيم فيلتزم فيهما الأغلظ ويرتكب فيهما الأصعب حفظا لعهده ووفاء بوعده حتّى يبتدىء معاهدوه بنقضه فيجعل الله تعالى له مخرجا كفعل اليهود من بني قريظة وبني النّضير وكفعل قريش بصلح الحديبية إذ جعل الله تعالى له في نكثهم الخيرة. فهذه ستّ خصال تكاملت في خلقه، فضّله الله تعالى على جميع خلقه. الوجه الثالث: فضائل الأقوال: في فضائل أقواله صلّى الله عليه وسلّم خصال عديدة، منها: الخصلة الأولى: ما أوتي من الحكمة البالغة، وأعطي من العلوم الجمّة الباهرة، وهو أمّي من أمّة أمّيّة لم يقرأ كتابا ولا درس علما ولا صحب عالما ولا معلّما فأتى بما بهر العقول وأذهل الفطن من إتقان ما أبان وإحكام ما أظهر ولم يتعثّر فيه بزلل في قول أو عمل. وقد شرع من تقدّم من حكماء الفلاسفة سننا حملوا النّاس على التّديّن بها حين علموا أنّه لا صلاح للعالم إلّا بدين ينقادون له ويعملون به فما راق لها أثر ولا فاق لها خبر. الخصلة الثانية: حفظه لما أطلعه الله تعالى عليه من قصص الأنبياء مع الأمم وأخبار العالم في الزّمن الأقدم حتّى لم يعزب عنه منها صغير ولا كبير ولا شذّ عنه منها قليل ولا كثير. وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه، وما ذاك إلّا من ذهن صحيح وصدر فسيح وقلب شريح، وهذه الثّلاثة آلة ما استودع من الرّسالة وحمّل من أعباء النّبوّة فجدير أن يكون بها مبعوثا وعلى القيام بها محثوثا. الخصلة الثالثة: إحكامه لما شرع بأظهر دليل وبيانه بأوضح تعليل حتّى لم يخرج منه ما يوجبه معقول «1» ولا دخل فيه ما تدفعه العقول. ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصارا، لأنّه نبّه بالقليل على الكثير فكفّ عن الإطالة وكشف عن الجهالة وما تيسّر ذلك إلّا وهو عليه معان وإليه مقاد.   (1) معقول هنا بمعنى العقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 الخصلة الرابعة: ما أمر به من محاسن الأخلاق ودعا إليه من مستحسن الآداب وحثّ عليه من صلة الأرحام وندب إليه من التّعطّف على الضّعفاء والأيتام. ثمّ ما نهى عنه من التّباغض والتّحاسد وكفّ عنه من التّقاطع والتّباعد لتكون الفضائل فيهم أكثر ومحاسن الأخلاق بينهم أنشر، ومستحسن الآداب عليهم أظهر وتكون إلى الخير أسرع ومن الشّرّ أمنع. فيتحقّق فيهم قول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فلزموا أمره واتّقوا زواجره فتكامل بهم صلاح دينهم ودنياهم حتّى عزّ بهم الإسلام بعد ضعفه وذلّ بهم الشّرك بعد عزّه فصاروا أئمّة أبرارا وقادة أخيارا. الخصلة الخامسة: وضوح جوابه إذا سئل وظهور حجاجه إذا جادل لا يحصره عيّ، ولا يقطعه عجز ولا يعارضه خصم في جدال إلّا كان جوابه أوضح وحجاجه أرجح. الخصلة السادسة: أنّه محفوظ اللّسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبا وللصّدق مجانبا، فإنّه لم يزل مشهورا بالصّدق في خبره كان فاشيا وكثيرا حتّى صار بالصّدق مرقوما، وبالأمانة موسوما. وكانت قريش بأسرها تتيقّن صدقه قبل الإسلام فجهروا بتكذيبه في استدعائهم إليه فمنهم من كذّبه حسدا ومنهم من كذّبه عنادا ومنهم من كذّبه استبعاد أن يكون نبيّا أو رسولا. ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرّسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرّسالة، ومن لزم الصّدق في صغره كان له في الكبر ألزم ومن عصم منه في حقّ نفسه كان في حقوق الله تعالى أعصم وحسبك بهذا دفعا لجاحد وردّا لمعاند. الخصلة السّابعة: تحرير كلامه في التّوخّي به إبّان حاجته والاقتصار منه على قدر كفايته فلا يسترسل فيه هذرا ولا يحجم عنه حصرا وهو فيما عدا حالتي الحاجة والكفاية أجمل النّاس صمتا وأحسنهم سمتا. ولذلك حفظ كلامه حتّى لم يختلّ وظهر رونقه حتّى لم يعتلّ واستعذبته الأفواه حتّى بقي محفوظا في القلوب مدوّنا في الكتب فلن يسلم الاكثار من الزّلل ولا الهذر من الملل. الخصلة الثّامنة: أنّه أفصح النّاس لسانا وأوضحهم بيانا وأوجزهم كلاما وأجزلهم ألفاظا وأصحّهم معاني، لا يظهر فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 هجنة التّكلّف ولا يتخلّله فيهقة التّعسّف. وقد دوّن كثير من جوامع كلمه ومن كلامه الّذي لا يشاكل في فصاحته وبلاغته ومع ذلك فلا يأتي عليه إحصاء ولا يبلغه استقصاء. ولو مزج كلامه بغيره لتميّز بأسلوبه ولظهر فيه آثار التّنافر فلم يلتبس حقّه من باطله ولبان صدقه من كذبه هذا ولم يكن متعاطيا للبلاغة ولا مخالطا لأهلها من خطباء أو شعراء أو فصحاء وإنّما هو من غرائز طبعه وبداية جبلّته وما ذاك إلّا لغاية تراد وحادثة تشاد. الوجه الرابع: فضائل الأعمال: وأمّا في فضائل أفعاله صلّى الله عليه وسلّم فمختبر بثمان خصال: الخصلة الأولى: حسن سيرته، وصحّة سياسته في دين نقل به الأمّة عن مألوف، وصرفهم به عن معروف إلى غير معروف، فأذعنت به النّفوس طوعا، وانقادت خوفا وطمعا. وحسبك بما استقرّت قواعده على الأبد حتّى انتقل عن سلف إلى خلف يزاد فيهم حلاوته، ويشتدّ فيهم جدّته، ويرونه نظاما لإعصار تنقلب صروفها، ويختلف مألوفها أن يكون لمن قام به برهانا ولمن ارتاب به بيانا. الخصلة الثّانية: أن جمع بين رغبة من استمال ورهبة من استطاع حتّى اجتمع الفريقان على نصرته، وقاموا بحقوق دعوته رغبا في عاجل وآجل، ورهبا من زائل ونازل، لاختلاف الشّيم والطّباع في الانقياد الّذي لا ينتظم بأحدهما، ولا يستديم إلّا بهما، فلذلك صار الدّين بهما مستقرّا، والصّلاح بهما مستمرّا. الخصلة الثّالثة: أنّه عدل فيما شرعه من الدّين عن الغلوّ والتّقصير إلى التّوسّط، وخير الأمور أوساطها، وليس لما جاوز العدل حظّ من رشد، ولا نصيب من سداد. الخصلة الرّابعة: أنّه لم يمل بأصحابه إلى الدّنيا ولا إلى رفضها، وأمدّهم فيها بالاعتدال، وقال: «خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه» . وهذا صحيح؛ لأنّ الانقطاع إلى أحدهما اختلال، والجمع بينهما اعتدال. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «نعم المطيّة الدّنيا فارتحلوها تبلّغكم الآخرة» ، وإنّما كان كذلك لأنّ منها يتزوّد لآخرته. ويستكثر فيهما من طاعته وأنّه لا يخلو تاركها من أن يكون محروما مضاعا أو مرحوما مراعى وهو في الأوّل كلّ وفي الثّاني مستذلّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 الخصلة الخامسة: تصدّيه لمعالم الدّين ونوازل الأحكام حتّى أوضح للأمّة ما كلّفوه من العبادات، وبيّن لهم ما يحلّ وما يحرم من مباحات ومحظورات، وفصّل لهم ما يجوز ويمتنع من عقود ومناكح ومعاملات. حتّى احتاج أهل الكتاب في كثير من معاملاتهم ومواريثهم لشرعه ولم يحتج شرعه إلى شرع غيره ثمّ مهّد لشرعه أصولا تدلّ على الحوادث المغفلة ويستنبط لها الأحكام المعلّلة فأغنى عن نصّ بعد ارتفاعه وعن التباس بعد إغفاله ثمّ أمر الشّاهد أن يبلّغ الغائب ليعلم بإنذاره ويحتجّ بإظهاره فقال صلّى الله عليه وسلّم: «بلّغوا عنّي ولا تكذبوا عليّ فربّ مبلّغ أوعى من سامع وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» . فأحكم ما شرع من نصّ أو تنبيه وعمّ بما أمر من حاضر وبعيد حتّى صار لما تحمّله من الشّرع مؤدّيا ولما تقلّده من حقوق الأمّة موفّيا لئلّا يكون في حقوق الله زلل وذلك في برهة من زمانه لم يستوف تطاول الاستيعاب حتّى أوجز وأنجز وما ذلك إلّا بديع معجز. الخصلة السّادسة: انتصابه لجهاد الأعداء وقد أحاطوا بجهاته وأحدقوا بجنباته وهو في قطب مهجور، وعدد محقور فزاد به من قلّ وعزّ به من ذلّ وصار بإثخانه في الأعداء محذورا وبالرّعب منه منصورا فجمع بين التّصدّي لشرع الدّين حتّى ظهر وانتشر وبين الانتصاب لجهاد العدوّ حتّى قهر وانتصر والجمع بينهما معوز إلّا لمن أمدّه الله بمعونته وأيّده بلطفه والمعوز معجز. الخصلة السّابعة: ما خصّ به من الشّجاعة في حروبه والنّجدة في مصابرة عدوّه فإنّه لم يشهد حربا في فزع إلّا صابر حتّى انجلت عن ظفر أو دفاع وهو في موقفه لم يزل عنه هربا ولا حاز فيه رغبا. بل ثبت بقلب آمن وجأش ساكن قد ولّى عنه أصحابه يوم حنين حتّى بقي بإزاء جمع كثير وجمّ غفير في تسعة من أهل بيته وأصحابه على بغلة مسبوقة إن طلبت غير مستعدّة لهرب ولا طلب وهو ينادي أصحابه ويظهر نفسه ويقول إليّ عباد الله «أنا النّبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب» فعادوا أشذاذا وأرسالا وهوازن تراه وتحجم عنه فما هاب حرب من كاثره ولا انكفأ عن مصاولة من صابره. وقد عضّده الله تعالى بأنجاد وأنجاد فانحازوا وصبر حتّى أمدّه الله بنصره وما لهذه الشّجاعة من عديل ولقد طرق المدينة فزغ فانطلق النّاس فتلقّوه نحو الصّوت فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد سبقهم إليه فتلقّوه عائدا على فرس عري لأبي طلحة الأنصاريّ وعليه السّيف فجعل يقول: أيّها النّاس لم تراعوا لم تراعوا ثمّ قال لأبي طلحة إنّا وجدنا بحرا وكان الفرس يبطىء فما سبقه فرس بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وما ذاك إلّا عن ثقة من أنّ الله تعالى سينصره وأنّ دينه سيظهره تحقيقا لقوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ* (التوبة/ 33) وتصديقا لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها» وكفى بهذا قياما بحقّه وشاهدا على صدقه. الخصلة الثّامنة: ما منح من السّخاء والجود حتّى جاد بكلّ موجود وآثر بكلّ مطلوب ومحبوب ومات ودرعه مرهونة عند يهوديّ على آصع من شعير لطعام أهله. وقد ملك جزيرة العرب وكان فيها ملوك وأقيال لهم خزائن وأموال يقتنونها ذخرا ويتباهون بها فخرا ويستمتعون بها أشرا وبطرا وقد حاز ملك جميعهم فما اقتنى دينارا ولا درهما، لا يأكل إلّا الخشن ولا يلبس إلّا الخشن. ويعطي الجزل الخطير، ويصل الجمّ الغفير، ويتجرّع مرارة الإقلال، ويصبر على سغب الاختلال، وكان يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك دينا أو ضياعا فعليّ ومن ترك مالا فلورثته فهل مثل هذا الكرم والجود كرم وجود؟ أم هل لمثل هذا الإعراض والزّهادة إعراض وزهد؟ هيهات. هل يدرك شأو من هذه شذور من فضائله ويسير من محاسنه التي لا يحصى لها عدد ولا يدرك لها أمد، ولم تكمل في غيره فيساويه. ولا كذّب بها ضدّ يناويه ولقد جهد كلّ منافق ومعاند وكلّ زنديق وملحد أن يزري عليه في قول أو فعل أو يظفر بهفوة في جدّ أو هزل فلم يجد إليه سبيلا وقد جهد جهده وجمع كيده. فأيّ فضل أعظم من فضل شاهده الحسدة والأعداء فلم يجدوا فيه مغمزا لثالب أو قادح ولا مطعنا لجارح أو فاضح فهو كما قال الشّاعر: شهد الأنام بفضله حتّى العدا ... والفضل ما شهدت به الأعداء وبالجملة فآية أخلاقه صلوات الله عليه آية كبرى وعلم من أعلام نبوّته العظمى، وقد أجملها بعضهم بقوله وآية أخرى لا يعرفها إلّا الخاصّة، ومتى ذكرت الخاصّة فالعامّة في ذلك مثل الخاصّة. وهي الأخلاق والأفعال الّتي لم تجتمع لبشر قطّ قبله ولا تجتمع لبشر بعده، وذلك أنّا لم نر ولم نسمع لأحد قطّ كصبره ولا كحلمه ولا كوفائه ولا كزهده ولا كجوده ولا كنجدته ولا كصدق لهجته ولا ككرم عشرته ولا كتواضعه ولا كحفظه ولا كصمته إذا صمت ولا كقوله إذا قال ولا كعجيب منشئه ولا كعفوه ولا كدوام طريقته وقلّة امتنانه. ولم تجد شجاعا قطّ إلّا وقد جال جولة وفرّ فرّة وانحاز مرّة ولا يستطيع منافق ولا زنديق ولا دهريّ أن يحدّث أنّه صلّى الله عليه وسلّم جال جولة قطّ ولا فرّ فرّة قطّ ولا حام عن غزوة ولا هاب حربا من مكاثرة. وذلك من أعجب ما آتاه الله نبيّا قطّ مع سائر ما جاء به من الآيات ومن ضروب البرهانات إذ أعداؤه جمّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 غفير وجمعهم كثير فخصمهم حين جادلوه وصابرهم حين عاندوه وكابد من الشّدائد ما لم يثبت عليها إلّا كلّ معصوم ولم يسلم منها إلّا منصور إلى أن علت كلمته وظهرت دعوته. وكلّ هذه آيات تنذر بالحقّ وتلائم الصّدق، لأنّ الله لا يهدي كيد الخائنين ولا يصلح عمل المفسدين، انتهى كلامه. ثانيا: الخصائص: توطئة: وردت الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة تصرّح بعلوّ منزلة نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم وأنّه أعلى النّاس قدرا، وأعظمهم محلّا وأكملهم محاسن وفضلا وأنّ الله تبارك وتعالى قد أكرمه بخصائص لم يعطها غيره من الأنبياء والمرسلين- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- والبشر. الخصائص لغة: قال صاحب القاموس: (خصّه) بالشيء، خصّا وخصوصا وخصوصيّة: فضّله «1» . وقال في لسان العرب: خصّه بالشّيء يخصّه خصّا.. واختصّه: أفرده به دون غيره ويقال: اختصّ فلان بالأمر وتخصّص له إذا انفرد «2» . واصطلاحا: هي ما اختصّ الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وفضّله به على سائر الأنبياء والرّسل عليهم الصّلاة والسّلام وكذلك سائر البشر. موارد الخصائص: أولى العلماء رحمهم الله موضوع الخصائص النّبوية عناية كبرى قديما وحديثا فتناولوه بحثا وتأليفا فذكروا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خصائص كثيرة انفرد بها عن إخوانه الأنبياء والمرسلين كما ذكروا له خصائص أخرى انفرد بها عن أمّته. فمن العلماء رحمهم الله من صنّف تصانيف خاصّة بهذا الموضوع كصنيع الإمام العزّ بن عبد السّلام في كتاب «بداية السّول في تفضيل الرّسول» . والإمام ابن الملقّن في كتابه «خصائص أفضل المخلوقين» . والإمام جلال الدّين السّيوطيّ في كتابه «الخصائص الكبرى» ... وغير ذلك. ومن العلماء رحمهم الله من أدرج موضوع الخصائص ضمن موضوعات أخرى كصنيع الإمام أبي نعيم   (1) القاموس (2/ 300) . (2) لسان العرب (7/ 24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 الأصبهانيّ في كتابه «دلائل النّبوّة» . والإمام البيهقيّ في كتابه «دلائل النّبوّة» . والإمام القاضي عياض في كتابه «الشّفا بتعريف حقوق المصطفى» . والإمام النّوويّ في كتابه «تهذيب الأسماء واللّغات» ، والإمام ابن الجوزيّ في كتابه «الوفا بأحوال المصطفى» . والإمام ابن كثير في كتابيه «البداية والنّهاية» و «الفصول في سيرة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم» ... وغير ذلك. بالإضافة إلى ما ورد مفرّقا على أبواب مختلفة بمناسبات شتّى في مدوّنات الحديث والتّفسير والسّير وغيرها من دواوين الإسلام. فوائد معرفة الخصائص: فمن ذلك الوقوف على ما انفرد به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم عن غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم الصّلاة والسّلام وما أكرمه الله به من المنح والهبات تشريفا له وتعظيما وتكريما ممّا يدلّ على جليل منزلته عند ربّه. فمعرفة ذلك تجعل المسلم يزداد إيمانا مع إيمانه ومحبّة وتبجيلا لنبيّه وشوقا له ويقينا به. وتدعو غير المسلم لدراسة أحوال هذا النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم ومن ثمّ الإيمان والتّصديق به وبما جاء به إن كان من المنصفين. ويضمّ إلى ذلك فوائد ذكر ما اختصّ به عن أمّته من الأحكام. فمنها: تمييز تلك الخصائص ومعرفتها وثمرة ذلك بيان تفرّده واختصاصه بها وأنّ غيره ليس له أن يتأسّى به فيها. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند ذكره لفوائد حديث «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الوصال» قالوا: «إنّك تواصل ... » قال فيه ثبوت خصائصه صلّى الله عليه وسلّم وأنّ عموم قوله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ «1» مخصوص «2» . بم تثبت الخصائص؟ نصّ جمع من أهل العلم أنّ الخصائص لا تثبت إلّا بدليل صحيح «3» . وتمشّيا مع هذه القاعدة فقد تركنا كثيرا ممّا ذكره بعض أهل العلم وتساهلوا في إيراده على أنّه ممّا اختصّ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الأنبياء والمرسلين- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- أو اختصّ به عن أمّته ولم يقم على ذلك دليل صحيح، واكتفينا بانتقاء طائفة عطرة من هذه الخصائص ممّا ساندها الدّليل الشّرعيّ الصّحيح.   (1) سورة الأحزاب: آية (21) . (2) فتح الباري (4/ 242) . (3) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (1/ 386) نقلا عن العراقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 أقسام الخصائص: يتبيّن ممّا سبق أنّ الخصائص من حيث الأصل تنقسم إلى قسمين: القسم الأوّل: خصائص اختصّ بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دون غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم الصّلاة والسّلام. القسم الثّاني: ما اختصّ به صلّى الله عليه وسلّم من الخصائص والأحكام دون أمّته. وقد يشاركه في بعضها الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام. القسم الأوّل الخصائص التي انفرد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بقية الأنبياء والمرسلين- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- اختصّ الله تبارك وتعالى عبده ورسوله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم دون غيره من الأنبياء عليهم السّلام بخصائص كثيرة تشريفا له وتكريما ممّا يدلّ على جليل رتبته وشرف منزلته عند ربّه. ففي الدّنيا آتاه القرآن العظيم المعجزة المحفوظة الخالدة، ونصره بالرّعب، وأرسله إلى الخلق كافّة وختم به النّبيّين ... إلى غير ذلك من الخصائص ممّا سيأتي مفصّلا بإذن الله. وفي الآخرة أكرمه بالشّفاعة العظمى والوسيلة والفضيلة والحوض وسيادة ولد آدم إلى غير ذلك ممّا سيأتي. وأكرمه بخصائص في أمّته لم تعطها غيرها من الأمم. ففي الدّنيا أحلّ لها الغنائم وجعل لها الأرض طهورا ومسجدا وجعلها خير الأمم، إلى غير ذلك ممّا سيأتي. وفي الآخرة بأن جعلها شاهدة للأنبياء على أممهم، وجعلها أوّل الأمم دخولا الجنّة إلى غير ذلك ممّا سيأتي. وقد قسّم العلماء- رحمهم الله- الخصائص الّتي انفرد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بقيّة الأنبياء والمرسلين عليهم الصّلاة والسّلام إلى عدّة أنواع: النّوع الأوّل: ما اختصّ به في ذاته في الدّنيا. النّوع الثّاني: ما اختصّ به في ذاته في الآخرة. النّوع الثّالث: ما اختصّ به في أمّته في الدّنيا. النّوع الرّابع: ما اختصّ به في أمّته في الآخرة «1» .   (1) انظر الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 314) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 النوع الأول: ما اختص به من الخصائص لذاته في الدنيا: اختصّ الله تبارك وتعالى نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم دون غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم الصّلاة والسّلام بخصائص في الدّنيا لذاته منها ما يلي: 1- عهد وميثاق: أخذ الله- عزّ وجلّ- العهد والميثاق «1» على جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم إلى عيسى عليهما السّلام لما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة وبلغ أيّ مبلغ ثمّ بعث محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم ليؤمننّ به ولينصرنّه ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنّبوّة من اتّباعه ونصرته، كما أمرهم أن يأخذوا هذا الميثاق على أممهم لئن بعث محمّد صلّى الله عليه وسلّم وهم أحياء ليؤمننّ به ولينصرّنّه «2» . قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ «3» . قال عليّ بن أبي طالب وابن عبّاس- رضي الله عنهم-: «ما بعث الله نبيّا من الأنبياء إلّا أخذ عليه ميثاق لئن بعث الله محمّدا وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمّته لئن بعث محمّد وهم أحياء ليؤمننّ به ولينصرنّه» . وقال هذا القول غير واحد من أئمّة التّفسير «4» . وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: «أنّ عمر بن الخطّاب أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فغضب فقال: «أمتهوّكون «5» فيها يا ابن الخطّاب؟ والّذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذّبوا به أو بباطل فتصدّقوا به، والّذي نفسي بيده لو أنّ موسى صلّى الله عليه وسلّم كان حيّا ما وسعه إلّا أن يتّبعني» «6» . قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: «فالرّسول محمّد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدّين، هو الإمام الأعظم الّذي لو وجد في أيّ عصر لكان هو الواجب الطّاعة المقدّم على الأنبياء كلّهم، ولهذا   (1) انظر: الوفا في أحوال المصطفى لابن الجوزي (2/ 6) . وشمائل الرسول لابن كثير (545) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (1/ 16) . (2) تفسير ابن كثير (1/ 386) بتصرف. (3) سورة آل عمران: الآية (81) . (4) انظر تفسير ابن جرير الطبري (2/ 236) ، وتفسير ابن كثير (1/ 386) ، وتفسير البغوي (1/ 322) . (5) أمتهوكون: التهوك كالتهور، وهو الوقوع في الأمر بغير روية. والمتهوك: الذي يقع في كل أمر، وقيل: هو التحير. انظر النهاية في غريب الحديث لابن الاثير (5/ 282) . (6) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 387) ، والدارمي برقم (441) ، وحسنه الألباني- انظر مشكاة المصابيح (1/ 63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 كان إمامهم ليلة الإسراء لمّا اجتمعوا ببيت المقدس ... » «1» . 2- رسالة عامة «2» : كان الأنبياء والرّسل السّابقون- عليهم الصّلاة والسّلام- يرسلون إلى أقوامهم خاصّة كما قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ* «3» . وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً* «4» . وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً* «5» . وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ* «6» ، وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً* «7» . وأمّا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، فرسالته عامّة لجميع النّاس عربهم وعجمهم وإنسهم وجنّهم، وهذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم. قال العزّ بن عبد السّلام- رحمه الله-: «ومن خصائصه: أنّ الله تعالى أرسل كلّ نبيّ إلى قومه خاصّة، وأرسل نبيّنا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم إلى الجنّ والإنس، ولكلّ نبيّ من الأنبياء ثواب تبليغه إلى أمّته. ولنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ثواب التّبليغ إلى كلّ من أرسل إليه، تارة لمباشرة البلاغ، وتارة بالنّسبة إليه، ولذلك تمنّن عليه بقوله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً «8» . ووجه التّمنّن: أنّه لو بعث في كلّ قرية نذيرا لما حصل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا أجر إنذاره لأهل قريته «9» . وقد جاءت الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة تشير إلى هذه الخصوصيّة: - قال الله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً «10» . - وقال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «11» . - وقال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «12» . - وقال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً «13» .   (1) انظر تفسير ابن كثير (1/ 386) . (2) انظر الفصول (ص 285، 286) ، وخصائص أفضل المخلوقين (ص 400) ، والخصائص الكبرى (2/ 319، 320) . (3) سورة الأعراف: الآية (59) . (4) سورة الأعراف: الآية (65) . (5) سورة الأعراف: الآية (73) . (6) سورة الأعراف: الآية (80) . (7) سورة الأعراف: الآية (85) . (8) سورة الفرقان: الآية (51) . (9) بداية السول في تفضيل الرسول (ص 46، 47) . (10) سورة سبأ: آية (28) . (11) سورة الأنبياء: الآية (107) . (12) سورة الأعراف: الآية (158) . (13) سورة الفرقان: الآية (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 - وقال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ «1» . وعن جابر- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى النّاس عامّة «2» . وفي رواية: « ... كان كلّ نبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى كلّ أحمر وأسود» » «4» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «والّذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصرانيّ ثمّ يموت ولم يؤمن بالّذي أرسلت به إلّا كان من أصحاب النّار» «5» . - وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-؛ قال «إنّ الله فضّل محمّدا صلّى الله عليه وسلّم على الأنبياء وعلى أهل السّماء» . فقالوا: يا ابن عبّاس بن فضّله على أهل السّماء؟ قال: إنّ الله قال لأهل السّماء: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ «6» الآية. وقال الله لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «7» . قالوا: فما فضله على الأنبياء؟ قال: قال الله- عزّ وجلّ-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ «8» الآية. وقال الله عزّ وجلّ لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ «9» . فأرسله إلى الجنّ والإنس» «10» . 3- نبوة خاتمة: «11» من رحمة الله تعالى بعباده إرسال محمّد صلّى الله عليه وسلّم إليهم، ومن تشريفه له ختم الأنبياء والمرسلين به وإكمال الدّين الحنيف له. وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم في السّنّة المتواترة عنه أنّه لا نبيّ بعده ليعلم العباد أنّ   (1) سورة الأحقاف: الآية (29) . (2) رواه البخاري، واللفظ له- انظر الفتح (1/ 553) ، ومسلم برقم (521) . (3) أحمر وأسود: أراد بذلك جميع العالم. فالأسود وهم الحبوش والزنوج وغيرهم. والأحمر هو الأبيض، والعرب تسمي الأبيض أحمر. أفاده ابن الاثير- انظر جامع الأصول (8/ 529، 530) . (4) رواه مسلم برقم (521) . (5) رواه مسلم برقم (153) . (6) سورة الأنبياء: الآية (29) . (7) سورة الفتح: الآية (1، 2) . (8) سورة إبراهيم: الآية (4) . (9) سورة سبأ: الآية (28) . (10) رواه الدارمي (1/ 29، 30) برقم (47) ، ورواه أيضا ابن أبي حاتم- انظر تفسير ابن كثير (3/ 547) . قال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير الحكم بن أبان وهو ثقة. ورواه أبو يعلي باختصار شديد- انظر مجمع الزوائد (8/ 255) . (11) انظر الخصائص للسيوطي (2/ 318) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 كلّ من ادّعى هذا المقام بعده فهو كذّاب أفّاك دجّال. قال الله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ «1» النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً «2» . وممّا يدلّ على هذه الخصوصيّة من السّنّة ما يأتي: - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلّا موضع لبنة «3» من زاوية فجعل النّاس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلّا وضعت هذه اللّبنة؟ فأنا اللّبنة وأنا خاتم النّبيّين» «4» . وزاد مسلم في حديثه؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأنا موضع اللّبنة جئت فختمت الأنبياء «5» . - وعن أبي هريرة رضي الله عنه- في قصّة العرض على الله تبارك وتعالى يوم القيامة، وفزع النّاس إلى الأنبياء عليهم السّلام- قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنا سيّد ولد آدم ... فيقول عيسى ... اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا محمّد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء ... » «6» . - وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فضّلت على الأنبياء بستّ: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرّعب، وأحلّت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافّة، وختم بي النّبيّون» . «7» - وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّسالة والنّبوّة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبيّ. قال فشقّ ذلك على النّاس، قال: ولكن المبشّرات. قالوا: يا رسول الله وما المبشّرات؟ قال: «رؤيا الرّجل المسلم وهي جزء من أجزاء النّبوّة» «8» . - وعن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه- رضي الله عنهما-؛ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لي أسماء: أنا محمّد،   (1) خاتم وخاتم: لغتان بفتح التاء وكسرها مثل طابع، وقد قرىء بهما. والمعنى على فتح التاء: أنهم ختموا به، فهو كالخاتم والطابع لهم، والمعنى على كسر التاء، أنه ختمهم أي جاء آخرهم. انظر تفسير القرطبي (14/ 196) بتصرف. (2) سورة الأحزاب: الآية (40) . (3) اللبنة: بفتح اللام وكسر الباء بعدها نون، وبكسر اللام وسكون الباء أيضا هي: القطعة من الطين تعجن وتجبل وتعد للبناء، ويقال لها ما لم تحرق لبنة، فإذا أحرقت فهي آجرة. (4) رواه البخاري- الفتح 6 (3535) ، ومسلم برقم (2286) . (5) رواه مسلم برقم (2287) . (6) رواه البخاري- الفتح 8 (4712) ، ومسلم برقم (194) . (7) رواه مسلم برقم (523) . (8) رواه الترمذي برقم (2272) وقال: حسن صحيح، والإمام أحمد في مسنده (3/ 267) ، والحاكم في المستدرك (4/ 391) وقال: صحيح الإسناد علي شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأيضا صححه الألباني- انظر صحيح الجامع برقم (1627) ، والحديث أصله في الصحيحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وأنا أحمد، وأنا الماحي الّذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدميّ، وأنا العاقب الّذي ليس بعده أحد» «1» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ، وأنّه لا نبيّ بعدي، وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون» قالوا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال «أوفوا ببيعة الأوّل فالأوّل، ثمّ أعطوهم حقّهم، واسألوا الله الّذي لكم، فإنّ الله سائلهم عمّا استرعاهم» «2» . 4- رحمة مهداة: «3» أرسل الله- تبارك وتعالى- رسوله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم رحمة للخلائق عامّة مؤمنهم وكافرهم وإنسهم وجنّهم، وجعله رءوفا رحيما بالمؤمنين خاصّة فمن قبل الرّحمة وشكر هذه النّعمة «4» سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردّها وجحدها خسر الدّنيا والآخرة. ويؤيّد هذه الخصوصيّة قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «5» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-: قال: قيل: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ادع الله على المشركين. قال: «إنّي لم أبعث لعّانا وإنّما بعثت رحمة» «6» . - وعنه- رضي الله عنه-: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس إنّما أنا رحمة مهداة» «7» . - وعن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمّي لنا نفسه أسماء، فقال: «أنا محمّد، وأحمد، والمقفّى «8» والحاشر، ونبيّ التّوبة، ونبيّ الرّحمة» «9» . - وعن سلمان- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم « ... أيّما رجل من أمّتي سببته سبّة أو لعنته لعنة   (1) رواه البخاري- الفتح (6/ 3532) إلى قوله «وأنا العاقب» . ومسلم برقم (125/ 2354) . واللفظ له. (2) رواه البخاري- الفتح 6 (3455) ، ورواه مسلم برقم (1842) . (3) انظر بداية السول في تفضيل الرسول (ص 65، 66) ، والخصائص الكبرى (2/ 322) . (4) قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ سورة إبراهيم: آية (28، 29) . قال عمر وابن عباس- رضي الله عنهم، في قوله تعالى: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قالا: النعمة: محمد، والذين بدلوا نعمة الله كفرا: كفار قريش. انظر تفسير ابن جرير (13/ 145- 147) . وتفسير البغوي (3/ 35) . والشمائل لابن كثير (559) . (5) سورة الأنبياء: الآية (107) . (6) رواه مسلم برقم (2599) . (7) رواه الحاكم في المستدرك (1/ 35) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي. وقال الحافظ الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط ورجال البزار رجال الصحيح. قلت: ولفظ الحديث عندهم هكذا: عن أبي هريرة.. «إنما بعثت رحمة مهداة» . انظر مجمع الزوائد (8/ 257) . (8) المقفى: قال ابن الأثير: هو المولي الذاهب. يعني أنه آخر الأنبياء المتبع لهم. فإذا قفى فلا نبي بعده- انظر النهاية (4/ 94) . (9) رواه مسلم برقم (2355) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 في غضبي فإنّما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنّما بعثني رحمة للعالمين فأجعلها عليهم صلاة يوم القيامة» «1» . - قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ: «كان محمّد صلّى الله عليه وسلّم رحمة لجميع النّاس فمن تبعه كان له رحمة في الدّنيا والآخرة، ومن لم يتبعه عوفي ممّا كان يبتلى به سائر الأمم من الخسف والمسخ والقذف» «2» . - وقال بعض العلماء في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ: لجميع الخلق للمؤمن رحمة بالهداية ورحمة للمنافق بالأمان من القتل ورحمة للكافر بتأخير العذاب «3» . - وأمّا كونه صلّى الله عليه وسلّم رحمة لأهل الإيمان خاصّة، فقد قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «4» . وقال تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «5» . 5- أمنة لأصحابه: «6» أكرم الله- تبارك وتعالى- نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فجعل وجوده بين أصحابه أمنة لهم من العذاب، بخلاف ما حصل لبعض الأمم السّابقة حيث عذّبوا في حياة أنبيائهم. وكان صلّى الله عليه وسلّم أمنة لأصحابه كذلك من الفتن والحروب وارتداد من ارتدّ من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك ممّا أنذر به صريحا ووقع بعد وفاته. قال العزّ بن عبد السّلام- رحمه الله-: « ... ومن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم أنّ الله تعالى أرسله (رحمة للعالمين) فأمهل عصاة أمّته ولم يعاجلهم إبقاء عليهم بخلاف من تقدّمه من الأنبياء فإنّهم لمّا كذّبوا عوجل مكذّبهم» » . وقد جاء النّصّ على هذه الخصوصيّة من القرآن الكريم والسّنّة المطهّرة وآثار السّلف الصّالح، فمن ذلك ما روى البخاريّ ومسلم «8» من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال: قال أبو جهل: اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم «9» . فنزلت وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ   (1) رواه أبو داود برقم (4659) واللفظ له، والامام أحمد (5/ 437) . والحديث أصله في مسلم برقم (2601) . (2) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما. انظر تفسير ابن جرير (17/ 83) ، وتفسير القرطبي (11/ 350) ، وتفسير ابن كثير (3/ 211، 212) . (3) انظر الشفا للقاضي عياض (1/ 57) . (4) سورة التوبة: الآية (128) . (5) سورة التوبة: الآية (61) . (6) انظر الخصائص الكبرى (2/ 322) . (7) غاية السول (ص 65، 66) . (8) البخاري- الفتح 8 (4648) واللفظ له، ومسلم برقم (2796) . (9) سورة الأنفال: الآية (32) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «1» . وعن أبي موسى- رضي الله عنه-: قال: صلّينا المغرب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قلنا؛ لو جلسنا حتّى نصلّي معه العشاء. قال: فجلسنا فخرج علينا فقال: «ما زلتم ههنا؟» قلنا: يا رسول الله! صلّينا معك المغرب، ثمّ قلنا نجلس حتّى نصلّي معك العشاء. قال: «أحسنتم أو أصبتم» . قال فرفع رأسه إلى السّماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السّماء فقال: «النّجوم أمنة للسّماء «2» فإذا ذهبت النّجوم أتى السّماء ما توعد. وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمّتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمّتي «3» ما يوعدون «4» . - وقال صلّى الله عليه وسلّم- كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- في صلاة الكسوف: « ... ربّ ألم تعدني أن لا تعذّبهم وأنا فيهم؟ ألم تعدني أن لا تعذّبهم وهم يستغفرون؟» «5» . وفي رواية « ... لم تعدني هذا وأنا فيهم، لم تعدني هذا ونحن نستغفرك» «6» . - وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «إنّ الله جعل في هذه الأمّة أمانين لا يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ماداما بين أظهرهم فأمان قبضه الله إليه وأمان بقي فيكم قوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «7» . 6- القسم بحياته: «8» أقسم الله تبارك وتعالى بأشياء كثيرة من مخلوقاته «9» الدّالّة على كماله وعظمته ليؤكّد المعنى في نفوس   (1) سورة الأنفال: الآية (33، 34) . (2) أمنة للسماء: قال العلماء: الأمنة والأمن والأمان بمعنى، ومعنى الحديث: أن النجوم مادامت باقية فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت يوم القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت. (3) فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون: معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وغير ذلك. وهذه كلها من معجزاته صلّى الله عليه وسلّم. شرح الجمل السابقة النووي في شرحه على صحيح مسلم (16/ 83) . (4) رواه مسلم برقم (2531) . (5) رواه أبو داود برقم (1194) واللفظ له. والنسائي بمعناه (3/ 138، 149) ، وصححه الألباني- انظر صحيح سنن أبي داود برقم (1055) . (6) رواه النسائي (3/ 183) ، ورواه الإمام أحمد في مسنده بمعناه (2/ 159) ، وصحح إسناده أحمد شاكر في ترتيبه على المسند برقم (6483) ورقم (6763) . (7) رواه ابن أبي حاتم وابن جرير بمعناه- انظر تفسير ابن جرير (9/ 154) ، وتفسير ابن كثير (2/ 317) . (8) انظر الخصائص للسيوطي (2/ 322) . (9) للخالق سبحانه أن يقسم بما يشاء من مخلوقاته، أما المخلوق فلا يجوز له القسم والحلف إلا بالله تعالى وأسمائه وصفاته والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله صلّى الله عليه وسلّم «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» . رواه البخاري- الفتح 11 (6646) . ومسلم برقم (3/ 1646) . قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: قال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده- انظر الفتح (11/ 540) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 المخاطبين، فأقسم تعالى بالشّمس والقمر والفجر والسّماء وغير ذلك. بينما نجده سبحانه وتعالى لم يقسم بأحد من البشر إلّا بالرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول جلّ شأنه لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ «1» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمّد صلّى الله عليه وسلّم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال الله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. يقول: وحياتك وعمرك وبقائك في الدّنيا «2» . وقال العزّ بن عبد السّلام- رحمه الله-: «ومن خصائصه أنّ الله تعالى أقسم بحياته صلّى الله عليه وسلّم. فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. والإقسام بحياة المقسم بحياته يدلّ على شرف حياته وعزّتها عند المقسم بها، وأنّ حياته صلّى الله عليه وسلّم لجديرة أن يقسم بها لما فيها من البركة العامّة والخاصّة، ولم يثبت هذا لغيره صلّى الله عليه وسلّم «3» . 7- نداؤه بوصف النبوة والرسالة: «4» خاطب الله- عزّ وجلّ- رسوله صلّى الله عليه وسلّم في القرآن الكريم بالنّبوّة والرّسالة ولم يناده باسمه زيادة في التّشريف والتّكريم أمّا سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصّلاة والسّلام فخوطبوا بأسمائهم. قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ «5» . قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ «6» . وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «7» . إلى غير ذلك من الآيات. بينما قال تعالى لأنبيائه: - يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ* «8» . - يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ «9» .   (1) سورة الحجر: الآية (72) . (2) رواه ابن جرير (14/ 30) . وانظر تفسير ابن كثير (2/ 575) . (3) بداية السول: (ص 37) . (4) انظر الوفا بأحوال المصطفى ص (362، 363) والخصائص الكبرى (2/ 324) ، بداية السول ص (37، 38) . (5) سورة المائدة: الآية (41) . (6) سورة المائدة: الآية (67) . (7) سورة الأنفال: الآية (64) . (8) سورة البقرة: الآية (35) . (9) سورة هود: الآية (48) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 - يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ «1» . - يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا «2» . - يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ ... «3» في آيات كثيرة ... قال العزّ بن عبد السّلام- رحمه الله-: «ولا يخفى على أحد أنّ السّيّد إذا دعى أحد عبيده بأفضل ما وجد فيهم من الأوصاف العليّة والأخلاق السّنيّة، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام لا يشعر بوصف من الأوصاف ولا بخلق من الأخلاق، أنّ منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعزّ عليه وأقرب إليه ممّن دعاه باسمه العلم. وهذا معلوم بالعرف أنّ من دعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه» «4» . قال ابن الجوزيّ- رحمه الله- «5» «ولمّا ذكر اسمه للتّعريف قرنه بذكر الرّسالة، فقال تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ «6» . مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ «7» . وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ «8» . ولمّا ذكره مع الخليل، ذكر الخليل باسمه وذكره باللّقب، فقال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ «9» . 8- نهي المؤمنين عن مناداته باسمه: «10» أدّب الله- عزّ وجلّ- عباده المؤمنين في مخاطبة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم والكلام معه تشريفا وتعظيما وتقديرا له، فأمرهم أن لا يخاطبوه باسمه بل يخاطبوه: يا رسول الله، يا نبيّ الله، وإذا كان الله تبارك وتعالى خاطبه في كتابه العزيز بالنّبوّة والرّسالة ولم يناده باسمه زيادة في التّشريف والتّكريم كما مرّ ذكره. فمن باب أولى وأحرى أهل الإيمان. واختصّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك بخلاف سائر الأنبياء والمرسلين فإنّ أممهم كانت تخاطبهم بأسمائهم. قال الله- جلّ ذكره-: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «11» .   (1) سورة الأعراف: الآية (144) . (2) سورة الصافات: الآية (104- 105) . (3) سورة المائدة: الآية (110) . (4) بداية السول (ص 38) . (5) انظر الوفا في أحوال المصطفى ص (363) . (6) سورة آل عمران: الآية (144) . (7) سورة الفتح: الآية (29) . (8) سورة محمد: الآية (2) . (9) سورة آل عمران: الآية (68) . (10) انظر الوفا (2/ 7، 8) ، والخصائص (2/ 324) . (11) سورة النور: الآية (63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 قال ابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبير: «كانوا يقولون: يا محمّد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك إعظاما لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وأمرهم أن يقولوا: يا نبيّ الله، يا رسول الله» » . وقال قتادة- في تفسير الآية السّابقة-: أمر الله تعالى أن يهاب نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وأن يبجّل وأن يعظّم وأن يسوّد «2» . بخلاف ما خاطبت به الأمم السّابقة أنبياءها، فقال تعالى- حكاية عنهم-: - قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ ... «3» . - قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ «4» . - إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ ... «5» . 9- كلم جامع: «6» فضّل الله- عزّ وجلّ- نبيّه صلّى الله عليه وسلّم على غيره من الأنبياء عليهم السّلام بأن أعطاه جوامع الكلم، فكان صلّى الله عليه وسلّم يتكلّم بالقول الموجز القليل اللّفظ الكثير المعاني «7» أعطاه مفاتيح الكلام وهو ما يسّره له من البلاغة والفصاحة، والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات والألفاظ الّتي أغلقت على غيره وتعذّرت عليه «8» . قال العزّ بن عبد السّلام- رحمه الله-: «ومن خصائصه أنّه بعث بجوامع الكلم، واختصر له الحديث اختصارا، وفاق العرب في فصاحته وبلاغته» «9» . وممّا جاء في السّنّة دالّا على هذه الخاصّيّة: - عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فضّلت على الأنبياء بستّ: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرّعب، وأحلّت لي المغانم وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافّة، وختم   (1) انظر تفسير ابن جرير (18/ 134) ، وتفسير ابن كثير (3/ 318) . (2) اخرجه ابن جرير وغيره. انظر تفسير ابن جرير (18/ 134) ، وتفسير ابن كثير (3/ 318) . (3) سورة الأعراف: الآية (134) . (4) سورة الأعراف: الآية (138) . (5) سورة المائدة: الآية (112) . (6) انظر الوفا (2/ 14) ، والشمائل لابن كثير (605) ، والخصائص (2/ 331، 333) . (7) قاله الحافظ ابن حجر- انظر فتح الباري (13/ 261) ، ومن قبله قاله الزهري رحمه الله- انظر الفتح (12/ 418) ، وابن الأثير- انظر جامع الأصول (8/ 531) . (8) قاله ابن منظور في لسان العرب (2/ 537) . (9) غاية السول في تفضيل الرسول (ص 47) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 بي النّبيّون» «1» . - وعن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت فواتح الكلم «2» وجوامعه وخواتمه «3» » «4» . قال الحافظ ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله-: فجوامع الكلم الّتي خصّ بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نوعان: أحدهما: ما هو في القرآن كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ «5» . قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «لم تترك هذه الآية خيرا إلّا أمرت به ولا شرّا إلّا نهت عنه» . الثّاني: ما هو في كلامه صلّى الله عليه وسلّم وهو منتشر موجود في السّنن المأثورة عنه «6» .. أ. هـ. ومن ذلك قوله «7» : «إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امريء ما نوى» . قال الشّافعيّ- رحمه الله-: هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين بابا من الفقه» «8» . قال القاضي عياض- رحمه الله-: «وأمّا كلامه المعتاد، وفصاحته المعلومة، وجوامع كلمه وحكمه المأثورة فقد ألّف النّاس فيها الدّواوين، وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب ومنها ما لا يوازى فصاحة، ولا يباري بلاغة. وذكر- رحمه الله- أمثلة كثيرة من أقوال الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم. فمن ذلك قوله: «اتّق الله حيثما كنت وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها وخالق النّاس بخلق حسن» «9» . وقوله: «الدّين النّصيحة» قلنا لمن يا رسول الله؟ قال «لله عزّ وجلّ ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين   (1) رواه مسلم برقم (523) . (2) فواتح الكلم: قال ابن منظور: « ... وفي الحديث: أوتيت مفاتيح الكلم، وفي رواية: مفاتح، هما جمع مفتاح ومفتح، وهما في الأصل مما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها ... ومن كان في يده مفاتيح شيء مخزون سهل عليه الوصول إليه، لسان العرب (2/ 537) . (3) خواتمه: حسن الوقف ورعاية الفواصل. (4) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 408، 437) عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأبو يعلي في مسنده (4/ 1737) عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه-، وصحح الحديث الألباني بشواهده- انظر صحيح الجامع الصغير برقم (1069) وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1483) . (5) سورة النحل: الآية (90) . (6) انظر كتاب «جامع العلوم والحكم» لابن رجب الحنبلي (ص 3) . (7) رواه البخاري- الفتح 1 (1) . ومسلم بلفظ «إنما الأعمال بالنية..» برقم (1907) . (8) جامع العلوم والحكم (ص 5) . (9) رواه الترمذي برقم (1987) وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد (5/ 153، 158، 228، 236) ، والدارمي برقم (2794) ، الحاكم في المستدرك (1/ 54) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 وعامّتهم» «1» . وقوله: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» «2» ... إلى غير ذلك ممّا روته الكافّة عن الكافّة من مقاماته ومحاضراته وخطبه وأدعيته ومخاطباته وعهوده ممّا لا خلاف أنّه نزل من ذلك مرتبة لا يقاس بها غيره وحاز فيها سبقا لا يقدر قدره «3» . 10- نصر بالرعب: «4» اختصّ نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، بأنّ الله عزّ وجلّ نصره بالرّعب، وهو الفزع والخوف، فكان سبحانه يلقيه في قلوب أعداء رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا كان بينه وبينهم مسيرة شهر «5» أو شهرين هابوه وفزعوا منه، فلا يقدمون على لقائه «6» . قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: وهذه الخصوصيّة حاصلة له على الإطلاق حتّى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمّته من بعده؟ فيه احتمال «7» . وممّا ورد في السّنّة مؤيّدا لهذا المعنى: عن جابر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا. فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى النّاس عامّة» «8» . - وعن أبي أمامة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فضّلت بأربع: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أتى الصّلاة فلم يجد ما يصلّي عليه وجد الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى النّاس كافة، ونصرت بالرّعب من مسيرة شهرين يسير بين يديّ، وأحلّت لي الغنائم» «9» .   (1) رواه مسلم برقم (55) . (2) رواه الترمذي برقم (2518) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والإمام أحمد (1/ 200) ، والنسائي (8/ 327، 328) ، وابن حبان (512) ، والحاكم (2/ 13) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (3) الشفا للقاضي عياض (1/ 173- 176) بتصرف. (4) انظر الفصول لابن كثير (ص 281، 282) ، وخصائص أفضل المخلوقين لابن الملقن (ص 399) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 331) . (5) ورد التقييد بمسيرة شهر في الصحيحين وبمسيرة شهرين في غيرهما ولا تعارض بينهما لأن الإخبار بالقليل لا ينافي الكثير- انظر السراج المنير شرح الجامع الصغير (3/ 23، 24) . (6) قاله ابن الأثير الجزري- انظر جامع الأصول (8/ 531) بتصرف يسيير. (7) انظر فتح الباري (1/ 521) . (8) رواه البخاري- الفتح 1 (335) واللفظ له، ومسلم برقم (521) . (9) رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 212) ، وصححه الألباني- انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4096) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 - وعن السّائب بن يزيد رضي الله عنه؛ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فضّلت على الأنبياء بخمس: بعثت إلى النّاس كافّة، وادّخرت شفاعتي لأمّتي، ونصرت بالرّعب شهرا أمامي، وشهرا خلفي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي» «1» . - وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فضّلت على الأنبياء بستّ «2» . أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرّعب، وأحلّت لي المغانم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافّة، وختم بي النّبيّون» «3» . - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام غزوة تبوك قام من اللّيل يصلّي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتّى إذا صلّى انصرف إليهم فقال لهم «لقد أعطيت اللّيلة خمسا ما أعطيهنّ أحد قبلي. أمّا أنا فأرسلت إلى النّاس كلّهم عامّة وكان من قبلي إنّما يرسل إلى قومه، ونصرت على العدوّ بالرّعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لملىء منه رعبا، وأحلّت لي الغنائم آكلها وكان من قبلي يعظّمون أكلها كانوا يحرّقونها، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصّلاة تمسّحت وصلّيت وكان من قبلي يعظّمون ذلك إنّما كانوا يصلّون في كنائسهم وبيعهم، والخامسة هي ما هي قيل لي سل فإنّ كلّ نبيّ قد سأل فأخّرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلّا الله» «4» . 11- مفاتيح خزائن الأرض بيده: «5» أكرم الله عبده ورسوله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم واختصّه على غيره من الأنبياء بأن أعطاه مفاتيح خزائن الأرض وهي ما سهّل الله تعالى له ولأمّته من بعده من افتتاح البلاد المتعذّرات والحصول على كنوزها وذخائرها ومغانمها واستخراج الممتنعات من الأرض كمعادن الذّهب والفضّة وغيرها» ويحتمل أعمّ من ذلك. والله أعلم «7» . وممّا يؤيّد هذه الخصوصيّة: - عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرّعب، فبينا أنا   (1) رواه الطبراني في معجمه الكبير برقم (6674) ، وصححه الألباني بشواهده- انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4097) . (2) قال الطيبي رحمه الله: لا منافاة بين قوله صلّى الله عليه وسلّم في الروايات (ست) ، و (خمس) ، و (أربع) : لأن ذكر الأعداد لا يدل على الحصر، وقد يكون أعلم في وقت بأربع ثم بأكثر- انظر عمدة القاري (4/ 8) ، وفيض القدير (4/ 439) . (3) رواه مسلم برقم (523) . (4) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 222) ، قال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات- انظر مجمع الزوائد (10/ 367) . (5) انظر الخصائص للسيوطي (2/ 331) . (6) بنحوه قال الخطابي- انظر فتح الباري (2/ 442) ، وابن الأثير- انظر جامع الأصول (8/ 532) . (7) نقله الحافظ ابن حجر عن بعض العلماء- انظر الفتح (12/ 442) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 نائم أوتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي» . قال أبو هريرة: وقد ذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنتم تنتثلونها «1» » «2» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا عليّ وأهمّاني، فأوحي إليّ أن أنفخهما فنفختهما فطارا، فأوّلتهما الكذّابين اللّذين أنا بينهما: صاحب صنعاء وصاحب اليمامة «3» » «4» . - عن عقبة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج يوما فصلّى على أهل أحد صلاته على الميّت، ثمّ انصرف على المنبر فقال «إنّي فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإنّي والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإنّي أعطيت مفاتيح خزائن الأرض- أو مفاتيح الأرض- وإنّي والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها» «5» . 12- ذنوب مغفورة: «6» اختصّ الله تعالى عبده ورسوله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم تشريفا له وتكريما بأن غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وأخبره بهذه المغفرة وهو حيّ صحيح يمشي على الأرض. قال العزّ بن عبد السّلام: «من خصائصه أنّه أخبره الله بالمغفرة ولم ينقل أنّه أخبر أحدا من الأنبياء بمثل ذلك، بل الظّاهر أنّه لم يخبرهم بدليل قولهم في الموقف: نفسي نفسي «7» . وقال ابن كثير في قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «8» : هذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم الّتي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... » «9» . وبهذا المعنى وردت الآيات والأحاديث: فقال الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ   (1) وأنتم تنتثلونها: بوزن تفتعلونها- من النثل بالنون والمثلاثة- تقول: نثلت البئر إذا استخرجت ترابها. ونثل كنانته نثلا: استخرج ما فيها من النبل. والمقصود بها في الحديث (وأنتم تنتثلونها) : يعني الأموال وما فتح عليهم من زهرة الدنيا- انظر فتح الباري (6/ 149، 150) ، ولسان العرب (11/ 645) . (2) رواه البخاري- الفتح 6 (2977) ، ومسلم برقم (6/ 523) . (3) صاحب صنعاء: الأسود العنسي، وصاحب اليمامة: مسيلمة الكذاب. (4) رواه البخاري- الفتح 12 (7037) ، ومسلم برقم (22/ 2274) . (5) رواه البخاري- الفتح 11 (6590) ، ومسلم برقم (2296) . (6) انظر الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 336) . (7) انظر بدآية السول (ص 35) . (8) سورة الفتح: آية (1- 2) . (9) انظر تفسير ابن كثير (4/ 198) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً «1» . وقال تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ* وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ «2» . وفي حديث أنس- رضي الله عنه-؛ في الشّفاعة، وفيه: «فيأتون عيسى، فيقول: لست هناكم «3» ولكن ائتوا محمّدا عبدا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ... » «4» . وفي حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ في الشّفاعة أيضا، وفيه: « ... فيأتون عيسى فيقول ... اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا محمّد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ... » «5» . - وعن عائشة- رضي الله عنها-؛ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبدا شكورا» . فلمّا كثر لحمه صلّى جالسا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثمّ ركع» «6» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «فضّلت على الأنبياء بستّ لم يعطهنّ أحد كان قبلي: غفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، وأحلّت لي الغنائم، وجعلت أمّتي خير الأمم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأعطيت الكوثر، ونصرت بالرّعب، والّذي نفسي بيده إنّ صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه» «7» . - وعن حذيفة- رضي الله عنه-؛ قال: غاب عنّا رسول الله فلم يخرج حتّى ظننّا أنّه لن يخرج فلمّا خرج سجد سجدة حتّى ظننّا أنّ نفسه قد قبضت فيها، فلمّا رفع رأسه قال: «إنّ ربّي تبارك وتعالى استشارني في أمّتي ماذا أفعل بهم فقلت ما شئت أي ربّ هم خلقك وعبادك فاستشارني الثّانية فقلت له كذلك فقال لا نخزيك في أمّتك يا محمّد وبشّرني أنّ أوّل من يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفا مع كلّ ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب ثمّ أرسل إليّ فقال: ادع تجب وسل تعطه. فقلت لرسوله: أو معطيّ ربّي سؤلي؟ فقال ما أرسلني إليك إلّا ليعطيك.   (1) سورة الفتح: آية (1- 2) . (2) سورة الشرح: آية (1- 4) . (3) لست هناكم: أي لست أهلا لذلك- قاله النووي في شرحه على صحيح مسلم (3/ 55) . (4) رواه البخاري- الفتح 13 (7410) ، ومسلم برقم (193) . (5) رواه البخاري- الفتح 8 (4712) ، ومسلم برقم (194) . (6) رواه البخاري- الفتح 8 (4837) ، ومسلم برقم (2820) . (7) رواه البزار. قال الحافظ الهيثمي: إسناده جيد- انظر مجمع الزوائد (8/ 269) ، وجوّد إسناده كذلك الحافظ السيوطي في الخصائص الكبري (2/ 336) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 ولقد أعطاني ربّي عزّ وجلّ ولا فخر وغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر وأنا أمشي حيّا صحيحا وأعطاني أن لا تجوع أمّتي ولا تغلب وأعطاني الكوثر فهو نهر في الجنّة يسيل في حوضي وأعطاني العزّ والنّصر والرّعب يسعى بين يدي أمّتي شهرا وأعطاني أنّي أوّل الأنبياء أدخل الجنّة وطيّب لي ولأمّتي الغنيمة وأحلّ لنا كثيرا ممّا شدّد على من قبلنا ولم يجعل علينا من حرج» «1» . 13- كتاب خالد محفوظ: «2» أعطى الله- تبارك وتعالى- كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام من الآيات والمعجزات الدّالّة على صدقه وصحّة ما جاء به عن ربّه ما فيه كفاية وحجّة لقومه الّذين بعث إليهم، وهذه المعجزات كانت وقتيّة انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلّا الخبر عنها. وأمّا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فكانت معجزته العظمى الّتي اختصّ بها دون غيره هي القرآن العظيم. الحجّة المستمرّة الدّائمة القائمة في زمانه وبعده إلى يوم القيامة. كتاب خالد لا ينضب معينه ولا تنقضي عجائبه ولا تنتهي فوائده محفوظ بحفظ الله من التّغيير والتّبديل والتّحريف. قال العزّ بن عبد السّلام- رحمه الله-: «ومن خصائصه أنّ معجزة كلّ نبيّ تصرّمت وانقرضت ومعجزة سيّد الأوّلين والآخرين وهي القرآن العظيم باقية إلى يوم الدّين» «3» . وقال: ... ومنها حفظ كتابه، فلو اجتمع الأوّلون والآخرون على أن يزيدوا فيه كلمة أو ينقصوا منه لعجزوا عن ذلك، ولا يخفى ما وقع من التّبديل في التّوراة والإنجيل» «4» . ومن أدلّة هذه الخصوصيّة: قول الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «5» . وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ «6» . وقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً «7» .   (1) رواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 393) . قال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن- انظر مجمع الزوائد (10/ 68، 69) . (2) انظر الفصول: (ص 287) ، وخصائص أفضل المخلوقين (ص 398) ، والخصائص الكبرى (2/ 315- 318) . (3) غاية السول في تفضيل الرسول (ص 39) . (4) نفس المرجع السابق (ص 70) . (5) سورة الحجر: آية رقم (9) . (6) سورة فصلت: آية (41، 42) . (7) سورة الإسراء: آية (88) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه؛ قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما من الأنبياء نبيّ إلّا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» «1» . ووجه الدّلالة في الحديث يبيّنه الحافظ ابن حجر بقوله: رتّب صلّى الله عليه وسلّم هذا الكلام (فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة) على ما تقدّم من معجزة القرآن المستمرّة لكثرة فائدته وعموم نفعه، لاشتماله على الدّعوة والحجّة والإخبار بما سيكون، فعمّ نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد، فحسن ترتيب الرّجوى المذكورة على ذلك وهذه الرّجوى قد تحقّقت، فإنّه أكثر الأنبياء تبعا» «2» . - وعن الحسن البصريّ رحمه الله في قوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ قال «حفظه الله تعالى من الشّيطان فلا يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقّا» «3» . - وعن يحيى بن أكثم قال: دخل يهوديّ على المأمون فتكلّم فأحسن الكلام، فدعاه المأمون إلى الإسلام، فأبى، فلمّا كان بعد سنة جاءنا مسلما، فتكلّم على الفقه فأحسن الكلام، فقال له المأمون: ما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان فعمدت إلى التّوراة. فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة، فاشتريت منّي، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتريت منّي. وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الورّاقين فتصفّحوها، فلمّا أن وجدوا فيها الزّيادة والنّقصان رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أنّ هذا الكتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي. قال يحيى بن أكثم: فحججت تلك السّنة فلقيت سفيان بن عيينة، فذكرت له الحديث، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله تعالى. قلت: في أيّ موضع؟ قال: في قوله تعالى في التّوراة والإنجيل بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ «4» فجعل حفظه إليهم فضاع وقال إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «5» فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع «6» . 14- إسراء ومعراج: وممّا اختصّ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن غيره من الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام معجزة الإسراء «7» والمعراج.   (1) رواه البخاري- الفتح (8/ 4981) ، ومسلم برقم (152) . (2) فتح الباري (8/ 623) بتصرف يسير. (3) قال السيوطي في الخصائص: أخرجه البيهقي. انظر الخصائص (2/ 316) قلت: ورواه ابن جرير عن السدي بمعناه- انظر تفسير ابن جرير (24/ 79) . (4) سورة المائدة: آية (44) . (5) سورة الحجر: آية (9) . (6) قال السيوطي: أخرجه البيهقي- انظر الخصائص الكبرى (2/ 316) . (7) انظر الشفا للقاضي عياض (1/ 343) ، والفصول لابن كثير (ص 287) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (1/ 252) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 فقد أسري به صلّى الله عليه وسلّم ببدنه وروحه يقظة من المسجد الحرام بمكّة المكرّمة إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس بإيلياء في جنح اللّيل، ثمّ عرج به إلى سدرة المنتهى ثمّ إلى حيث شاء الله عزّ وجلّ ورجع مكّة من ليلته. وأكرم صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآية العظيمة بكرامات كثيرة، منها: تكليمه ربّه عزّ وجلّ، وفرض الصّلوات عليه، وما رأى من آيات ربّه الكبرى، وإمامته للأنبياء في بيت المقدس. فدلّ ذلك على أنّه هو الإمام الأعظم والرّئيس المقدّم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين» . وقد ثبت الإسراء بالقرآن، كما ثبت المعراج بالمتواتر من الحديث، وإليه أشار القرآن. قال الله تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «2» . وقال تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى * ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى «3» . - وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ مالك بن صعصعة حدّثه: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثهم عن ليلة أسري به قال: «بينما أنا في الحطيم- وربّما قال في الحجر- مضطجعا، إذ أتاني آت- قال وسمعته يقول: فشقّ ما بين هذه إلى هذه. فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته- وسمعته يقول من قصّه إلى شعرته فاستخرج قلبي، ثمّ أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثمّ حشي، ثمّ أعيد، ثمّ أتيت بدابّة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم- يضع خطوه عند أقصى طرفه- فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتّى أتى السّماء الدّنيا فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلّم عليه. فسلّمت عليه، فردّ السّلام ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الثّانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة. قال: هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما فسلّمت، فردّا، ثمّ قالا: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح، ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال:   (1) انظر تفسير ابن كثير (3/ 3) بتصرف. (2) سورة الإسراء: آية (1) . (3) سورة النجم: آية (3- 18) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلمّا خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي إلى السّماء الرّابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلمّا خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلمّا خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء السّادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلمّا خلصت فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. فلمّا تجاوزت بكى. قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنّ غلاما بعث بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّن يدخلها من أمّتي. ثمّ صعد بي إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلمّا خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ رفعت لي سدرة المنتهى. فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران. فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أمّا الباطنان فنهران في الجنّة. وأمّا الظّاهران فالنّيل والفرات. ثمّ رفع لي البيت المعمور، ثمّ أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللّبن، فقال: هي الفطرة الّتي أنت عليها وأمّتك. ثمّ فرضت عليّ الصّلاة خمسين صلاة كلّ يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يوم. وإنّي والله قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فرجعت، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بعشر صلوات كلّ يوم. فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كلّ يوم. فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم. وإنّي قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك. قال: سألت ربّي حتّى استحييت، ولكن أرضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وأسلّم. قال: فلمّا جاوزت نادى مناد. أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي» «1» . ودليل إمامته بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام: - عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقد رأيتني في الحجر. وقريش تسألني عن مسراي. فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها. فكربت كربة ما كربت مثله. قال فرفعه الله لي أنظر إليه. ما يسألوني عن شيء إلّا أنبأتهم به. وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء. فإذا موسى قائم يصلّي. فإذا رجل ضرب جعد كأنّه من رجال شنوءة. وإذا عيسى ابن مريم عليه السّلام قائم يصلّي. أقرب النّاس به شبها عروة بن مسعود الثّقفيّ. وإذا إبراهيم عليه السّلام قائم يصلّي. أشبه النّاس به صاحبكم- يعني نفسه- فحانت الصّلاة فأممتهم. فلمّا فرغت من الصّلاة قال قائل: يا محمّد! هذا مالك صاحب النّار فسلّم عليه. فالتفتّ إليه فبدأني بالسّلام» «2» . النوع الثاني: ما اختصّ به صلّى الله عليه وسلّم لذاته في الآخرة: اختصّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخصائص لذاته في الآخرة لم يعطها غيره من الأنبياء عليهم السّلام. ممّا يدلّ على منزلته وعظيم قدره عند ربّه تبارك وتعالى. ومن ذلك الوسيلة، والفضيلة، والحوض والكوثر، واللّواء .... وغير ذلك ممّا سيأتي. 1- وسيلة وفضيلة: «3» الوسيلة أعلى درجة في الجنّة لا ينالها إلّا عبد واحد من عباد الله. وهو رسولنا صلّى الله عليه وسلّم. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «الوسيلة» علم على أعلى منزلة في الجنّة وهي منزلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وداره في الجنّة، وهي أقرب أمكنة الجنّة إلى العرش» «4» . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «الفضيلة» أي المرتبة الزّائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة «5» . فمنزلة الوسيلة والفضيلة خاصّة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يشاركه فيهما غيره. وممّا يؤيّد هذه الخصوصيّة: - عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته. حلّت   (1) رواه البخاري- الفتح 7 (3887) ، ورواه مسلم برقم (164) . (2) رواه مسلم برقم (172) . (3) انظر بداية السول (52) ، والخصائص (2/ 390) . (4) انظر تفسير ابن كثير (2/ 55) . (5) انظر فتح الباري (2/ 113) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 له شفاعتي يوم القيامة» «1» . - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-؛ أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول. ثمّ صلّوا عليّ، فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا، ثمّ سلوا الله لي الوسيلة، فإنّها منزلة في الجنّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة» «2» . - وعن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الوسيلة درجة عند الله، ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة» «3» . - وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوا الله لي الوسيلة، فإنّه لا يسألها لي عبد في الدّنيا، إلّا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» «4» . - وعن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه-؛ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله رفعني يوم القيامة في أعلى غرفة من جنّات النّعيم ليس فوقي إلّا حملة العرش» «5» . 2- مقام محمود: لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة، تشريفات وتكريمات لا يشركه ولا يساويه فيها أحد الأنبياء فمن دونهم. ومن ذلك المقام المحمود، الّذي يقومه صلّى الله عليه وسلّم فيحمده الخالق عزّ وجلّ والخلائق من بعده. قال تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «6» . وقد تعدّدت أقوال المفسّرين في معنى «المقام المحمود» «7» .   (1) رواه البخاري- الفتح 2 (614) . (2) رواه مسلم برقم (384) . (3) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 83) ، وصحح الحديث الألباني- انظر صحيح الجامع الصغير برقم (7028) . (4) رواه الطبراني في الأوسط، وابن أبي شيبة. قال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الوليد بن عبد الملك الحراني وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات، قلت: وهذا من روايته عن موسى بن أعين وهو ثقه. مجمع الزوائد (1/ 333) ، وصحح الحديث أيضا الألباني- انظر صحيح الجامع برقم (3531) . (5) قال السيوطي في الخصائص (2/ 390) : أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرد على الجهمية. (6) سورة الإسراء آية (79) . (7) فمن ذلك أنه صلّى الله عليه وسلّم:* أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع. قاله قتادة.* إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة. أورده الماوردي والقرطبي في تفسيرهما.* أنه يكون يوم القيامة بين الجبار جل جلاله وجبريل عليه السلام. قال ابن حجر: أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد ابن أبي هلال أحد صغار التابعين- انظر الفتح (11/ 435) .* ثناؤه على ربه- عز وجل-. انظر في ذلك كله تفسير ابن جرير (15/ 97- 100) ، وتفسير ابن كثير (3/ 58- 59) ، وفتح الباري (11/ 434- 435) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد ذكر أقوال المفسرين «ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامة، فإن إعطاءه لواء الحمد وثناءه على ربه وكلامه بين يديه، وقيامه أقرب من جبريل، كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضى بين الخلق- انظر فتح الباري (11/ 435) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله-: قال أكثر أهل العلم ذلك هو المقام الّذي يقومه صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة للشّفاعة للنّاس ليريحهم ربّهم من عظيم ما هم فيه من شدّة ذلك اليوم» «1» . وقال ابن بطّال- رحمه الله-: « ... والجمهور على أنّ المراد بالمقام المحمود الشّفاعة وبالغ الواحدي فنقل فيه الإجماع» «2» . وقال ابن حجر- رحمه الله- بعد أن ذكر طرفا من أقوال أئمّة التّفسير: «والرّاجح أنّ المراد بالمقام المحمود الشّفاعة» «3» . - وعن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما-: رفعه، في قوله عزّ وجلّ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «4» قال: «يجمع النّاس في صعيد واحد يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا سكوتا لا تتكلّم نفس إلّا بإذنه، قال: فينادى: محمّد فأقول لبيّك وسعديك والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك، المهديّ من هديت، وعبدك بين يديك، ولك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك، تباركت وتعاليت، سبحان ربّ البيت» فذلك المقام المحمود الّذي قال الله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «5» . - وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «المقام المحمود: مقام الشّفاعة» «6» . وقد جاء ذكر المقام المحمود في بعض الأحاديث والآثار صريحا بالاسم، وفي بعضها الآخر تلميحا وذلك عند ذكر الشّفاعة العظمى أو غيرها من معاني المقام المحمود الّتي مرّت، وسيأتي اكثرها مفصّلا في مباحث بإذن الله، فممّا جاء صريحا: - عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته، حلّت له شفاعتي يوم القيامة» «7» . - وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتّى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثمّ بموسى ثمّ بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيشفع ليقضى بين   (1) انظر تفسير ابن جرير (15/ 97) . (2) نقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/ 434) . (3) انظر فتح الباري (11/ 435) . (4) سورة الإسراء: آية (79) . (5) رواه الحاكم في المستدرك (2/ 363) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ورواه ابن جرير في تفسيره (15/ 98) . قال الحافظ ابن حجر: رواه النسائي بإسناد صحيح من حديث حذيفة. انظر الفتح (8/ 251) . وقال الحافظ ابن حجر في موضع آخر « ... ففي النسائي ومصنف عبد الرزاق ومعجم الطبراني من حديث حذيفة رفعه قال: « ... فذكره» إلى أن قال: قال ابن منده في كتاب الإيمان: هذا حديث مجمع على صحة إسناده وثقة رواته- انظر الفتح (11/ 445) . (6) رواه ابن جرير الطبري- انظر التفسير (15/ 97) . وأورده ابن كثير في تفسيره (3/ 58) وهو قول مجاهد والحسن البصري وغيرهم. (7) رواه البخاري- الفتح 8 (4719) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 الخلق، فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلّهم» «1» . - وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-؛ قال: «إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثا «2» . كلّ أمّة تتبع نبيّها يقولون: يا فلان اشفع حتّى تنتهي الشّفاعة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود» «3» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- في قوله تعالى-: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً: سئل عنها، قال: هي الشّفاعة» «4» . - وعن كعب بن مالك- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يبعث النّاس يوم القيامة فأكون أنا وأمّتي على تلّ ويكسوني ربّي حلّة خضراء ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود» «5» . 3- شفاعة عظمى وشفاعات: «6» يجمع الله- عزّ وجلّ- الأوّلين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، وتدنو منهم الشّمس وقد تضاعف حرّها وتبدّلت عمّا كانت عليه من خفّة أمرها ويعرق النّاس حتّى يذهب عرقهم في الأرض سبعين باعا ويلجمهم ويبلغ آذانهم «7» في يوم مقداره خمسين ألف سنة، قياما على أقدامهم شاخصة أبصارهم منفطرة قلوبهم لا يكلّمون ولا ينظر في أمورهم. فإذا بلغ الكرب والجهد منهم ما لا طاقة لهم به كلّم بعضهم بعضا في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقّهم، فلم يتعلّقوا بنبيّ إلّا دفعهم، قال: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري حتّى ينتهوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينطلق. فيشفع حتّى يقضي الله تبارك وتعالى بين الخلق. وستأتي وقائع ذلك المشهد العظيم مفصّلة في الأحاديث، وبالله التّوفيق.   (1) رواه البخاري- الفتح 3 (1475) . (2) جثا: أي جماعات جمع جثوة كخطوة وخطا. وتروى هذه اللفظة جثى بتشديد الياء: جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبتيه- انظر النهاية لابن الأثير (1/ 239) ، ولسان العرب (14/ 131- 132) ، وفتح الباري (8/ 252) . (3) رواه البخاري- الفتح 8 (4718) . (4) رواه الترمذي برقم (3137) وقال: هذا حديث حسن، ورواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 444، 478) ، وابن جرير في تفسيره (15/ 98) . (5) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 456) وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 51) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وقال الهيثمي في موضع آخر (10/ 377) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأحد إسنادي الكبير رجاله رجال الصحيح. ورواه كذلك الحاكم في المستدرك (2/ 363) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (6) الشفاعة: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره.. وشفع إليه: في معنى طلب إليه. والشافع: الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب. يقال: تشفعت بفلان إلى فلان فشفعني فيه واسم الطالب شفيع- انظر لسان العرب (8/ 184) . وقال ابن حجر: الاستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الأدنى إلى الأعلى ليستعين به على ما يرومه- انظر الفتح (11/ 441) . والشفاعة ملك لله عز وجل ولا تسأل إلا منه ولا تكون إلا من بعد إذنه تبارك وتعالى سواء في ذلك شفاعة نبينا صلّى الله عليه وسلّم وشفاعة من دونه، وذلك الإذن يتعلق بالشافع والمشفوع فيه، وبوقت الشفاعة، فليس يشفع إلا من أذن الله له في الشفاعة. وليس له أن يشفع إلا بعد أن يأذن الله له، وليس له أن يشفع إلا فيمن أذن الله تعالى له أن يشفع فيه. (7) كما صح بذلك الخبر- انظر البخاري- الفتح (11/ 6532) ، ومسلم برقم (2863) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وبعد هذه الشّفاعة يكون له ولغيره شفاعات أخرى سنبيّنها- إن شاء الله تعالى- فهذه هي الشّفاعة العظمى وهي الشّفاعة الأولى لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، وهي المقام المحمود. قال الحافظ ابن حجر: والمقام المحمود هو الشّفاعة العظمى. الّتي اختصّ بها، وهي إراحة أهل الموقف من أهوال القضاء بينهم، والفراغ من حسابهم «1» . وقد جاءت الأحاديث النّبويّة مثبتة لهذه الشّفاعة العظمى؛ فمن ذلك: - عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلحم. فرفع إليه الذّراع- وكانت تعجبه- فنهش منها نهشة ثمّ قال: أنا سيّد النّاس يوم القيامة، وهل تدرون ممّ ذلك؟ يجمع النّاس- الأوّلين والآخرين- في صعيد واحد- يسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون. فيقول النّاس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السّلام فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح إنّك أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وقد سمّاك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي عزّ وجلّ قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قد كنت كذبت ثلاث كذبات، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضّلك الله برسالته وبكلامه على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلّمت النّاس في المهد صبيّا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر ذنبا- نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا محمّد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى   (1) انظر فتح الباري (3/ 398) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق، فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربّي عزّ وجلّ، ثمّ يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي. ثمّ يقال: يا محمّد، ارفع رأسك سل تعطه، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: أمّتي «1» يا ربّ، أمّتي يا ربّ، فيقال: يا محمّد، أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنّة، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة كما بين مكّة وحمير، أو كما بين مكّة وبصرى «2» . - عن أنس- رضي الله عنه-؛ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: يحبس المؤمنون يوم القيامة حتّى يهمّوا» بذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربّنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو النّاس، خلقك الله بيده وأسكنك جنّته، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، لتشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيقول لست هناكم، قال: ويذكر خطيئته الّتي أصاب أكله من الشّجرة وقد نهي عنها، ولكن ائتوا نوحا أوّل نبيّ بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا، فيقول لست هناكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب وسؤاله ربّه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرّحمن. قال: فيأتون إبراهيم، فيقول: إنّي لست هناكم، ويذكر ثلاث كذبات كذبهنّ ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التّوراة وكلّمه وقرّبه نجيّا، قال فيأتون موسى فيقول إنّي لست هناكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب قتله النّفس، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته، قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. فيأتوني فأستأذن على ربّي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول ارفع محمّد وقل يسمع واشفع تشفّع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربّي بثناء وتحميد يعلّمنيه، فيحدّ لي حدّا فأخرج فأدخلهم الجنّة. قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأخرج فأخرجهم من النّار، وأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود فأستأذن على ربّي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقول: ارفع يا محمّد وقل يسمع واشفع تشفّع وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربّي بثناء وتحميد يعلّمنيه. قال: ثمّ أشفع فيحدّ لي حدّا فأخرج فأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود الثّالثة فأستأذن على ربّي في داره فيؤذن لي   (1) الشفاعة في أمته وغيرها من الشفاعات تأتي بعد الشفاعة العظمى الأولى وهي إراحة الخلائق من هول الموقف والفصل بين العباد وبعد وضع الصراط والمرور عليه وحساب الناس، فيشفع في تعجيل من لا حساب عليه من أمته إلى الجنة، ثم يشفع فيمن وجب عليه العذاب ودخل منهم النار، ثم فيمن قال لا إله إلا الله- انظر الشفا (1/ 431) ، وشرح النووي على صحيح مسلم (3/ 57، 58) ، والفتح (11/ 446) . (2) رواه البخاري- الفتح 8 (4712) ، ومسلم برقم (194) . (3) يهموا: هذا لفظ البخاري- ولفظ مسلم (فيهتمون) وفي رواية (فيلهمون) . قال النووي رحمه الله: معنى اللفظتين متقارب فمعنى الأولى أنهم يعتنون بسؤال الشفاعة وزوال الكرب الذي هم فيه، ومعني الثانية أن الله تعالى يلهمهم سؤال ذلك. والإلهام أن يلقي الله تعالى في النفس أمرا يحمل على فعل الشيء أو تركه- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقول: ارفع محمّد وقل يسمع واشفع تشفّع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربّي بثناء وتحميد يعلّمنيه، قال: ثمّ أشفع فيحدّ لي حدّا فأخرج فأدخلهم الجنّة. قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النّار وأدخلهم الجنّة حتّى ما يبقى في النّار إلّا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود. ثمّ تلا الآية عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «1» . قال: وهذا المقام الّذي وعده نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم «2» . - وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتّى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثمّ بموسى «3» ثمّ بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلّهم «4» . هذا، ولرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شفاعات أخرى غير الشّفاعة العظمى، منها ما اختصّ بها وحده، ومنها ما شاركه فيها غيره ممّن أذن الله تعالى له من الملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وغيرهم. فنسرد شفاعته «5» صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ نقتصر في ذكر الأدلّة على ما اختصّ به منها دون غيره: 1- الشّفاعة في استفتاح باب الجنّة. 2- الشّفاعة في تقديم من لا حساب عليهم في دخول الجنّة. 3- الشّفاعة فيمن استحقّ النّار من الموحّدين أن لا يدخلها. 4- الشّفاعة في إخراج عصاة الموحّدين من النّار. 5- الشّفاعة في رفع درجات ناس في الجنّة.   (1) قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: والراجح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة. لكن الشفاعة التي وردت في الأحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان: الأول العامة في فصل القضاء، والثاني الشفاعة في إخراج المذنبين من النار. ثم ذكر أقوالا أخرى في تفسير المقام المحمود ... إلى أن قال: ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامة. فإن إعطاءه لواء الحمد وثناءه على ربه ... كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضى بين الخلق. وأما شفاعته في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك- انظر فتح الباري (11/ 435) . (2) رواه البخاري- الفتح 13 (7440) ، ومسلم برقم (193) . (3) قوله (بآدم ثم بموسى) : قال الحافظ ابن حجر: هذا فيه اختصار وسيأتي في الرقاق- أي في كتاب الرقاق- في حديث الشفاعة الطويل ذكر من يقصدونه بين آدم وموسى وبين موسى ومحمد صلّى الله عليه وسلّم- انظر فتح الباري (3/ 397) وقد مر ذلك قريبا. (4) رواه البخاري- الفتح 3 (1475) . (5) انظر في ذلك فتح الباري (11/ 436) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 378) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 6- الشّفاعة في تخفيف العذاب عن عمّه أبي طالب. فالّذي اختصّ به صلّى الله عليه وسلّم من هذه الشّفاعات دون غيره هو: 1- شفاعته في استفتاح باب الجنة: ينتقل النّاس في عرصات القيامة من كرب إلى كرب فأهوال قبل فصل القضاء فشفاعة عظمى ثمّ يحاسب النّاس، وعند ذلك ينصب الميزان، وتطاير الصّحف ويكون التّمييز بين المؤمنين والمنافقين ثمّ يؤذن في نصب الصّراط والمرور عليه ويوقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصصة بينهم، فإذا انتهى ذلك كلّه يقوم المؤمنون وتقرّب لهم الجنّة فيطلبون من يكرم على مولاه ليشفع لهم في استفتاح باب الجنّة، فيأتون آدم فإبراهيم فموسى فعيسى عليهم السّلام وكلّ منهم يعتذر عن هذا المقام العظيم، فيأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيشفع لهم إلى الله تبارك وتعالى، على ما ورد تفصيله في الأحاديث. - فعن أبي هريرة وحذيفة- رضي الله عنهما-؛ قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجمع الله تبارك وتعالى النّاس. فيقوم المؤمنون حتّى تزلف «1» لهم الجنّة، فيأتون آدم، فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنّة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلّا خطيئة أبيكم آدم! لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك. إنّما كنت خليلا من وراء وراء «2» ، اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليما، فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه. فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، فيقوم فيؤذن له. وترسل الأمانة والرّحم «3» فتقومان جنبتي الصّراط «4» يمينا وشمالا. فيمرّ أوّلكم كالبرق؟ قال: قلت بأبي أنت وأمّي! أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟ ثمّ كمرّ الرّيح، ثمّ كمرّ الطّير وشدّ الرجال «5» . تجري بهم أعمالهم «6» . ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلّا زحفا. قال وفي حافّتي الصّراط «7» كلاليب   (1) تزلف: أي تقرب- كما قال الله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ* أي قريب. (2) من وراء وراء: قال النووي: قال صاحب التحرير: هذه كلمة تذكر على سبيل التواضع أي لست بتلك الدرجة الرفيعة- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 71) . (3) وترسل الأمانة والرحم: إرسال الأمانة والرحم لعظم أمرهما وكبير موقعهما، فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى. (4) جنبتي الصراط: معناهما جانباه. ناحيتاه اليمنى واليسرى. (5) وشد الرجال: الشد هو العدو البالغ والجري. (6) تجري بهم أعمالهم: هو تفسير لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيمر أولكم كالبرق ثم كمر الريح» إلى آخره. (7) حافتي الصراط: هما جانباه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 معلّقة مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج ومكدوس «1» في النّار» . والّذي نفس أبي هريرة بيده! إنّ قعر جهنّم لسبعون خريفا» «2» . - وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يزال الرّجل يسأل النّاس حتّى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، وقال: إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتّى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك، استغاثوا بآدم ثمّ بموسى، ثمّ بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلّهم» «3» . ففي هذا الحديث الجمع بين ذكر الشّفاعتين الأولى في فصل القضاء والثّانية في استفتاح باب الجنّة وسمّي ذلك كلّه «المقام المحمود» «4» . - وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آتي باب الجنّة يوم القيامة، فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمّد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك» «5» . 2- شفاعته في تقديم من لا حساب عليهم في دخول الجنة: وممّا اختصّ به رسولنا صلّى الله عليه وسلّم من الشّفاعات أنّه يشفع في تعجيل دخول الجنّة لمن لا حساب عليهم من أمّته. وهذا من عظيم قدره صلّى الله عليه وسلّم ورفعة منزلته عند ربّه تبارك وتعالى. وقد جاءت الأحاديث النّبويّة تنصّ على هذه الشّفاعة: - ففي حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- الطّويل في الشّفاعة: « ... يا محمّد ارفع رأسك سل تعطه، واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمّتي يا ربّ، أمّتي يا ربّ، فيقول: يا محمّد، أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنّة، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب» «6» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «سألت ربّي عزّ وجلّ فوعدني أن يدخل من أمّتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كلّ ألف سبعين ألفا، فقلت أي ربّ، إن لم   (1) ومكدوس: قال في النهاية: أي مدفوع. وتكدّس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط. انظر النهاية (4/ 155) . (2) رواه مسلم برقم (195) . (3) رواه البخاري- الفتح 3 (1474) . (4) انظر كتاب معارج القبول للشيخ حافظ حكمي (2/ 314) . (5) رواه مسلم برقم (197) . (6) رواه البخاري- الفتح 8 (4712) ، ومسلم برقم (194) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 يكن هؤلاء مهاجري أمّتي. قال: إذن أكملهم لك من الأعراب» «1» . - وعن أبي أمامة- رضي الله عنه-؛ قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله عزّ وجلّ وعدني أن يدخل من أمّتي الجنّة سبعين ألفا بغير حساب. فقال يزيد بن الأخنس السّلميّ: والله ما أولئك إلّا كالذّباب الأصهب في الذبّان. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان ربّي عزّ وجلّ قد وعدني سبعين ألفا مع كلّ ألف سبعون ألفا وزادني ثلاث حثيات ... » «2» . 3- شفاعته في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب: كان أبو طالب يحوط ابن أخيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وينصره ويقوم في صفّه ويبالغ في إكرامه والذّبّ عنه، ويحبّه حبّا شديدا طبعيّا لا شرعيّا، فلمّا حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الإيمان والدّخول في الإسلام، فسبق القدر فيه فاستمرّ على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة البالغة. ونظرا لما قام به من أعمال جليلة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جوزي على ذلك بتخفيف العذاب خصوصيّة له من عموم الكفّار الّذين لا تنفعهم شفاعة الشّافعين. وذلك إكراما وتطييبا لقلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. - قال الحافظ ابن حجر ما معناه: الشّفاعة لأبي طالب معدودة في خصائص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «3» . وقد وردت الأحاديث تنصّ على هذه الشّفاعة: - فعن العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه-؛ أنّه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنّه كان يحوطك «4» ويغضب لك؟ قال: «نعم، هو في ضحضاح «5» من نار، ولولا أنا لكان في الدّرك «6» الأسفل من النّار» «7» .   (1) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 359) ، قال الحافظ ابن حجر: وسنده جيد- انظر فتح الباري (11/ 418) ، وقال الحافظ الهيثمي: رواه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح- انظر مجمع الزوائد (10/ 404) . (2) رواه الترمذي مختصرا برقم (2437) وقال: هذا حديث حسن غريب، ورواه ابن ماجة مختصرا برقم (4286) . ورواه الإمام أحمد في مسنده. وهذا قطعة منه (5/ 250) . قال الحافظ ابن كثير: إسناده حسن- انظر تفسير ابن كثير (1/ 402) . وقال الحافظ الهيثمي عن الحديث: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وعند الترمذي وابن ماجه بعضه- انظر مجمع الزوائد (10/ 362، 363) . (3) انظر فتح الباري (11/ 439) . (4) يحوطك: قال أهل اللغة: يقال حاطه يحوطه حوطا وحياطة، إذا صانه وحفظه وذب عنه وتوفر على مصالحه- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 84) . (5) ضحضاح: ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، واستعير في النار- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 84) . (6) الدرك: بفتح الراء وإسكانها لغتان فصيحتان. والدرك الأسفل: قعر جهنم وأقصى أسفلها. ولجهنم أدراك فكل طبقة من أطباقها تسمى دركا- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 85) وعزا ذلك المعنى إلى جماهير المفسرين وأهل اللغة والمعاني والغريب. (7) رواه مسلم برقم (209) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 - وعنه- رضي الله عنه-؛ قال: قلت: يا رسول الله، إنّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال: «نعم، وجدته في غمرات «1» من النّار فأخرجته إلى ضحضاح «2» » . - وعن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-؛ أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذكر عنده عمّه أبو طالب فقال: لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة. فيجعل في ضحضاح من النّار يبلغ كعبيه يغلي منه أمّ دماغه» «3» . - وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أهون أهل النّار عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» «4» . 4- دعوة مستجابة: أعطى الله- تبارك وتعالى- كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام دعوة أعلمهم أنّها تستجاب لهم ويبلغ فيها مرغوبهم، وإلّا فكم لكلّ نبيّ منهم من دعوة مستجابة ولنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم منها ما لا يعدّ، لكنّ حالهم عند الدّعاء بها بين الرّجاء والخوف، وضمنت لهم إجابة دعوة فيما شاؤوا يدعون بها على يقين من الإجابة. فنالها كلّ نبيّ من الأنبياء في الدّنيا. وأمّا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فادّخرها شفاعة لأمّته يوم الفاقة وخاتمة المحن وعظيم السّؤال والرّغبة، فجزاه الله أحسن ما جزى نبيّا عن أمّته. وما فعله صلّى الله عليه وسلّم فهو من كمال شفقته على أمّته ورأفته بهم واعتنائه بالنّظر في مصالحهم «5» . لأنّه جعل الدّعوة فيما ينبغي وجعلها للمذنبين من أمّته لكونهم أحوج إليها من الطّائعين «6» فهذه الدّعوة المدّخرة لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم لا يشاركه فيها غيره من الأنبياء عليهم السّلام. والّذي يبدو أنّ هذه الدّعوة المستجابة هي الشّفاعة المعطاة لنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم على ما سبق تفصيله في المبحث الماضي. غير أنّنا نورد بعض الأحاديث الّتي تسند هذا المعنى. - فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة. فتعجّل كلّ نبيّ دعوته. وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة، فهي نائلة، إن شاء الله، من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا» » .   (1) غمرات: فتح الغين والميم واحدتها غمرة بإسكان الميم وهي المعظم من الشيء. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 84) . (2) رواه مسلم برقم (210/ 358) . (3) رواه البخاري- الفتح 11 (6564) واللفظ له، ورواه مسلم برقم (210) . (4) رواه مسلم برقم (212) . (5) قاله النووي- انظر شرحه على صحيح مسلم (3/ 75) . ونقله عنه أيضا ابن حجر في فتح الباري (11/ 100) . (6) قاله ابن الجوزي- انظر فتح الباري (11/ 100) . (7) رواه البخاري- انظر الفتح 11 (6304) ، ومسلم برقم (199) واللفظ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 - وعن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عام غزوة تبوك، قام من اللّيل يصلّي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتّى إذا صلّى انصرف إليهم فقال لهم: «لقد أعطيت اللّيلة خمسا ما أعطيهنّ أحد قبلي ... » وفيه: «قيل لي سل فإنّ كلّ نبيّ قد سأل فأخّرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلّا الله» «1» . النوع الثالث: ما اختص به صلّى الله عليه وسلّم في أمته في الدنيا: فضّل الله- عزّ وجلّ- هذه الأمّة على سائر الأمم واختصّها بكرامات كثيرة في الدّنيا ليست لغيرها وذلك إكراما وتشريفا لنبيّها صلّى الله عليه وسلّم سيّد الأوّلين والآخرين. وإنّما نالت هذه الأمّة ما نالته من تكريم وتشريف باتّباعها لرسولها محمّد صلّى الله عليه وسلّم والسّير على سنّته والعمل بشريعته. ومن هذه الخصائص، أنّها خير الأمم، وأحلّت لها الغنائم، وجعلت لها الأرض مسجدا وطهورا، وصفوفها في الصّلاة كصفوف الملائكة. إلى غير ذلك ممّا سيأتي معنا بإذن الله. خير الأمم: «2» شرّف- الله تعالى- هذه الأمّة ورفع ذكرها واصطفاها على غيرها فجعلها خير الأمم وأكرمها عليه، فقال عزّ من قائل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «3» . وإنّما حازت هذه الأمّة قصب السّبق إلى الخيرات بنبيّها محمّد صلوات الله وسلامه عليه، فإنّه أشرف خلق الله، وأكرم الرّسل على الله، بعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبيّ قبله ولا رسول من الرّسل، فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه. وقد وردت الآيات والأحاديث والآثار تؤيّد هذا المعنى: - قال الله تعالى: هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «4» . - وقال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «5» . - عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه؛ أنّه سمع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول في قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. قال: «إنّكم تتمّون سبعين أمّة أنتم خيرها وأكرمها على الله» «6» .   (1) تقدم تخريجه. (2) انظر الخصائص للسيوطي (2/ 361) . (3) سورة آل عمران: آية رقم (110) . (4) سورة الحج: آية رقم (78) . (5) سورة البقرة: آية رقم (143) . (6) رواه الترمذي برقم (3001) وقال: حديث حسن. ورواه الإمام أحمد في مسنده (5/ ص 3) . وابن ماجه برقم (4288) ، والحاكم في المستدرك (4/ 84) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. قال الحافظ ابن كثير: وهو حديث مشهور. انظر تفسير ابن كثير (1/ 399) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فضّلت على الأنبياء بستّ لم يعطهنّ أحد كان قبلي ... وفيه «وجعلت أمّتي خير الأمم ... » «1» . - عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، فقلنا: يا رسول الله ما هو؟ قال: نصرت بالرّعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسمّيت أحمد، وجعل التّراب لي طهورا، وجعلت أمّتي خير الأمم» «2» . - وعن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول: يا عيسى إنّي باعث من بعدك أمّة إن أصابهم ما يحبّون حمدوا الله وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم. قال: يا ربّ، كيف هذا لهم ولا حلم ولا علم، قال: أعطيهم من حلمي وعلمي» «3» . ومن الآثار: - قال قتادة في قوله تعالى: أَخَذَ الْأَلْواحَ «4» قال «5» : «ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة خير أمّة أخرجت للنّاس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر اجعلهم أمّتي. قال: تلك أمّة أحمد. قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة هم الآخرون أي الآخرون في الخلق سابقون في دخول الجنّة ربّ اجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد. قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة أنا جيلهم في صدورهم يقرءونها وكان من قبلهم يقرءون كتابهم نظرا حتّى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه وإنّ الله أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم، قال: ربّ اجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد. قال ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة يؤمنون بالكتاب الأوّل وبالكتاب الآخر ويقاتلون الضّلالة حتّى يقاتلون الأعور الكذّاب، فاجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد، قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة صدقاتهم يأكلونها في   (1) قال الحافظ الهيثمي: رواه البزار وإسناده جيد، انظر مجمع الزوائد (8/ 269) ، وجوّد إسناده كذلك الحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى (2/ 336) . (2) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 98) ، وقال الحافظ ابن كثير: تفرد به أحمد من هذا الوجه وإسناده حسن. انظر تفسير ابن كثير (1/ 400) ، وقال الحافظ ابن حجر: اسناده حسن. انظر فتح الباري (1/ 522) ، وحسن الحديث كذلك الحافظ الهيثمي. انظر مجمع الزوائد (1/ 261) . (3) رواه الإمام أحمد في مسنده (6/ 450) . وقال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن سوار وأبي حلبس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان. انظر مجمع الزوائد (10/ 68، 67) . وحسّن إسناده كذلك شعيب وعبد القادر الأرنؤوط. انظر تعليقهما على كتاب زاد المعاد (1/ 46) . (4) الآية الكريمة من سورة الأعراف رقم (154) وتكملتها: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ. (5) أي موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 بطونهم يؤجرون عليها وكان من قبلهم إذا تصدّق بصدقة فقبلت منه بعث الله نارا فأكلتها وإن ردّت عليه تركت فتأكلها السّباع والطّير وإنّ الله أخذ صدقاتهم من غنيّهم لفقيرهم، قال: ربّ فاجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد. قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة إذا همّ أحدهم بحسنة ثمّ لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة، ربّ اجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد، قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة هم المشفوعون والمشفوع لهم فاجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد. قال قتادة فذكر لنا أنّ نبيّ الله موسى نبذ الألواح وقال: اللهمّ اجعلني من أمّة أحمد» «1» . - وعن الرّبيع بن خثيم- رحمه الله-؛ قال: «لم تكن أمّة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمّة فمن ثمّ قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «2» » «3» . حل الغنائم: كانت الأمم فيمن قبلنا على ضربين «4» فمنهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم غنائم، ومنهم من أذن له فيه فكانوا يغزون ويجاهدون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم، لكن لا يتصرّفون فيها بل يجمعونها، وعلامة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النّار من السّماء فتأكلها، وعلامة عدم قبوله أن لا تنزل، ومن أسباب عدم القبول أن يقع فيهم الغلول، وقد منّ الله تعالى على هذه الأمّة ورحمها وجبر عجزها وضعفها لشرف نبيّها عنده، فأحلّ لهم الغنائم وستر عليهم الغلول، فطوى عنهم فضيحة أمر عدم القبول، فلله الحمد على نعمه تترى وآلائه لا تحصى. - قال الله تعالى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «5» . قال جمهور المفسّرين: إنّ المراد في قوله تعالى لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ: يعني في أمّ الكتاب الأوّل، إنّ الغنائم حلال لهذه الأمّة «6» . وهذه جملة من الأحاديث النّبويّة تنصّ على هذه الخصوصيّة: - عن جابر- رضي الله عنه-؛ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي؛ نصرت بالرّعب   (1) الأثر أخرجه ابن جرير في التفسير (9/ 45) ، وأورده ابن كثير في تفسيره (2/ 259) . (2) السورة آل عمران: آية (110) . (3) لأثر رواه ابن جرير في التفسير (4/ 30) ، قال السيوطي في الخصائص: أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب. انظر الخصائص (2/ 362) . (4) هذا التقسيم قاله الإمام الخطابي. انظر فتح الباري (1/ 522) . (5) سورة الأنفال: آية رقم (68، 69) . (6) انظر تفسير ابن جرير (10/ 32، 33) ، وتفسير ابن كثير (2/ 339) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم، ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى النّاس عامّة» «1» . - عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غزا نبيّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع «2» امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولمّا يبن. ولا آخر قد بنى بنيانا، ولمّا يرفع سقفها. ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات «3» ، وهو منتظر ولادها «4» : قال: فغزا. فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشّمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهمّ احبسها عليّ شيئا «5» ، فحبست عليه حتّى فتح الله عليه. قال: فجمعوا ما غنموا. فأقبلت النّار «6» لتأكله. فأبت أن تطعمه. فقال: فيكم غلول. فليبايعني من كلّ قبيلة رجل. فبايعوه. فلصقت يد رجل بيده. فقال: فيكم الغلول. فلتبايعني قبيلتك. فبايعته. قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة. فقال: فيكم الغلول. أنتم غللتم. قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة «7» من ذهب. قال: فوضعوه في المال وهو بالصّعيد «8» . فأقبلت النّار فأكلته. فلم تحلّ الغنائم لأحد من قبلنا. ذلك بأنّ الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا «9» ، فطيّبها «10» لنا» «11» . - عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم تحلّ الغنائم لأحد سود «12» الرّءوس من قبلكم، كانت تنزل نار من السّماء فتأكلها، قال سليمان الأعمش «13» : فمن يقول هذا إلّا أبو هريرة الآن، فلمّا كان يوم بدر وقعوا في الغنائم قبل أن تحلّ لهم، فأنزل الله تعالى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «14» .1» . - عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- عام غزوة تبوك- قام من اللّيل يصلّي   (1) رواه البخاري واللفظ له. انظر فتح الباري 1 (335) ورواه مسلم برقم (521) . (2) بضع بضم الباء: هو فرج المرأة. أي ملك فرجها بالنكاح. (3) خلفات: جمع خلفة ككلمة وكلمات. وهي الحامل من الإبل. (4) ولادها: أي نتاجها. وقال النووي: وفي هذا الحديث أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلى أولي الحزم وفراغ البال لها. ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها. لأن ذلك يضعف عزمه، ويفوت كمال بذله وسعيه. (5) اللهم احبسها: قال القاضي: اختلف في حبس الشمس المذكور هنا. فقيل: ردت على أدراجها. وقيل: وقفت ولم ترد. وقيل أبطيء بحركتها. (6) فأقبلت النار: أي من جانب السماء لتأكله، كما هو السنة في الأمم الماضية، لغنائمهم وقرابينهم المتقبلة. (7) فأخرجو له مثل رأس بقرة: أي كقدره أو كصورته من ذهب كانوا غلوه أو أخفوه. (8) بالصعيد: يعني وجه الأرض. (9) قوله « ... رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا» : كما في رواية البخاري قال الحافظ ابن حجر: « ... وفيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة. وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر ... » . انظر فتح الباري (6/ 258) . (10) فطيبها: أي جعلها لنا حلالا بحتا، ورفع عنا محقها بالنار تكرمة لنا. (11) رواه البخاري. انظر الفتح (6/ 3124) ، ورواه مسلم برقم (1747) . واللفظ له. (12) سود الرءوس: المراد بهم بنو آدم لأن رءوسهم سود. (13) سليمان الأعمش: أحد رواة الحديث وهو أحد الأئمة الحفاظ. (14) سورة الأنفال: آية رقم (68) . (15) رواه الترمذي برقم (3085) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 252) وصححه كذلك الألباني. انظر صحيح الجامع برقم (5072) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتّى إذا صلّى، انصرف إليهم فقال لهم: «لقد أعطيت اللّيلة خمسا ما أعطيهنّ أحد قبلي ... » وفيه «وأحلّت لي الغنائم آكلها وكان من قبلي يعظمون أكلها كانوا يحرقونها» «1» . الأرض مسجدا وطهورا: اختصّ الله تبارك وتعالى هذه الأمّة من بين سائر الأمم فجعل لها الأرض مسجدا وطهورا فأيّما رجل منها أدركته الصّلاة فلم يجد ماء ولا مسجدا فعنده طهوره ومسجده يتيمّم ويصلّي بخلاف الأمم قبلنا فإنّ الصّلاة أبيحت لهم في أماكن مخصوصة كالبيع والصّوامع. وقد وردت الأحاديث تبيّن هذا المعنى: - عن جابر- رضي الله عنه-؛ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي؛ نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم، ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى النّاس عامّة» «2» . - عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- عام غزوة تبوك- قام من اللّيل يصلّي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتّى إذا صلّى، انصرف إليهم فقال لهم: «لقد أعطيت اللّيلة خمسا ما أعطيهنّ أحد قبلي ... » وفيه «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصّلاة تمسّحت وصلّيت وكان من قبلي يعظّمون ذلك إنّما كانوا يصلّون في كنائسهم وبيعهم» «3» . - عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، فقلنا: يا رسول الله ما هو؟ قال: نصرت بالرّعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسمّيت أحمد، وجعل التّراب لي طهورا، وجعلت أمّتي خير الأمم» «4» . آصار «5» وأغلال «6» موضوعة: من رحمة الله تعالى وكرمه بهذه الأمّة المحمّديّة أن وضع عنها الآصار والأغلال الّتي كانت على الأمم قبلها،   (1) تقدم كاملا مع تخريجه. (2) تقدم تخريجه. (3) مر الحديث كاملا مخرجا. (4) تقدم تخريجه. (5) الآصار: الإصر: العهد الثقيل. انظر لسان العرب (4/ 22، 23) . (6) الأغلال: الغل: جامعة توضع في العنق أو اليد، يقال: في رقبته غل حديد، والمراد به هنا الأثقال. انظر لسان العرب (11/ 504) ، وتفسير القرطبي (7/ 300) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 فأحلّ لها كثيرا ممّا حرّم على غيرها، ولم يجعل عليها من عنت وشدّة كما قال تعالى: هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1» . وقال تعالى: ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ «2» ، وقال تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «3» . فشريعته صلّى الله عليه وسلّم أكمل الشّرائع وأسهلها وأيسرها، قال صلوات الله وسلامه عليه: « ... إنّي أرسلت بحنيفيّة سمحة» «4» . وقال لمعاذ وأبي موسى- رضي الله عنهما- حين بعثهما إلى اليمن: «يسّرا ولا تعسّرا وبشّرا ولا تنفّرا ... » «5» . وهذه بعض الأحاديث المختارة الّتي تشير إلى اختصاص أمّة الإسلام بوضع الآصار والأغلال عنها: - فعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: غاب عنّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يخرج حتّى ظننّا أنّه لن يخرج فلمّا خرج سجد سجدة حتّى ظننّا أنّ نفسه قد قبضت فيها، فلمّا رفع رأسه قال: «إنّ ربّي تبارك وتعالى استشارني في أمّتي ماذا أفعل بهم فقلت ما شئت أي ربّ هم خلقك وعبادك فاستشارني الثّانية فقلت له كذلك فقال لا نخزيك في أمّتك يا محمّد، وبشّرني أنّ أوّل من يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفا مع كلّ ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب ثمّ أرسل إليّ فقال: ادع تجب وسل تعطه. فقلت لرسوله: أو معطيّ ربّي سؤلي؟ فقال ما أرسلني إليك إلّا ليعطيك. ولقد أعطاني ربّي عزّ وجلّ ولا فخر ... وفيه «وأحلّ لنا كثيرا ممّا شدّد على من قبلنا ولم يجعل علينا من حرج» «6» . - وعن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأراد أن يبول فقام إلى دمث «7» حائط هناك وقال: «إنّ بني إسرائيل كان إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراض فإذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد بوله» «8» . - وعن أنس- رضي الله عنه- أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها ولم يجامعوهنّ في البيوت «9» .   (1) سورة الحج: آية رقم (78) . (2) سورة المائدة: آية رقم (6) . (3) سورة البقرة: آية رقم (185) . (4) رواه الإمام أحمد في مسنده (6/ 116، 233) بلفظ «.. يومئذ لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفة سمحة» قال الألباني: سنده جيد. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1829) . (5) رواه البخاري في مواضع. انظر الفتح 6 (3038) ، ورواه مسلم برقم (1733) . (6) الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 393) . قال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. انظر مجمع الزوائد (10/ 68، 69) . (7) الدمث: هو الأرض السهلة الرخوة، والرمل الذي ليس بمتلبد. يقال: دمث المكان دمثا إذا لان وسهل. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (2/ 132) . (8) رواه الإمام أحمد في مسنده بمعناه (5/ 402) ، ورواه الحاكم واللفظ له. وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي (3/ 466) . (9) ولم يجامعوهن في البيوت: أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 فسأل أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأنزل الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ «1» . «2» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اصنعوا كلّ شيء إلّا النّكاح» فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئا إلّا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر فقالا: يا رسول الله إنّ اليهود تقول كذا وكذا. فلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما «3» . فخرجا فاستقبلهما هديّة من لبن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأرسل في آثارهما. فسقاهما. فعرفا أن لم يجد عليهما» «4» . - وعن عائشة- رضي الله عنها-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ على أصحاب الدّركلة «5» . فقال: «خذوا يا بني أرفدة «6» حتّى تعلم اليهود والنّصارى أنّ في ديننا فسحة» «7» . وأمّا الآثار: - عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان في بني إسرائيل القصاص في القتلى ولم يكن فيهم الدّية فقال الله تعالى لهذه الأمّة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى.. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ «8» فالعفو أن يقبل الدّية في العمد ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة ممّا كتب على من كان قبلكم «9» . - وفي حديث الفتون الطّويل عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-؛ في قوله تعالى: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً «10» فيه   (1) المحيض: المحيض الأول المراد به الدم. والثاني قد اختلف فيه: قيل: إنه الحيض ونفس الدم. وقال بعض العلماء: هو الفرج. وقال الآخرون: هو زمن الحيض. (2) سورة البقرة: آية رقم (222) . (3) قد وجد عليهما: أي غضب عليهما. ولم يجد عليهما: أي لم يغضب عليهما. (4) رواه مسلم برقم (302) . (5) الدركلة: قال ابن الأثير رحمه الله: يروى بكسر الدال وفتح الراء وسكون الكاف، ويروى بكسر الدال وسكون الراء وكسر الكاف وفتحها، ويروى بالقاف عوض الكاف وهي ضرب من لعب الصبيان، وقال ابن دريد: أحسبها حبشية. انظر النهاية لابن الأثير (2/ 114) . (6) بني أرفدة: قال ابن الأثير رحمه الله: هو لقب لهم وقيل هو اسم أبيهم الأقدم يعرفون به، وفاؤه مكسورة وقد تفتح. انظر النهاية لابن الأثير (2/ 242) . (7) رواه الإمام أحمد في مسنده (6/ 116، 233) بلفظ «.. يومئذ لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفة سمحة» قال الألباني: سنده جيد. كما سبق. وقال الألباني عن هذا اللفظ: أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (102/ 2) ، والحارث بن أبي أسامة في مسنده (212- زوائد) ، والديلمي (2/ 110) ، والحميدي (259) . ثم قال الألباني: فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1829) ، وصحيح الجامع الصغير برقم (3214) . (8) سورة البقرة: آية رقم (178) . (9) الأثر رواه البخاري. انظر الفتح 12 (6881) . ورواه ابن جرير واللفظ له- انظر تفسير ابن جرير (2/ 65) . (10) سورة طه: آية رقم (40) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 أنّ موسى عليه السّلام قال: يا ربّ سألتك التّوبة لقومي فقلت إنّ رحمتي كتبتها لقوم غير قومي هلّا أخّرتني حتّى تخرجني في أمّة ذلك الرّجل المرحومة فقال له: إنّ توبتهم أن يقتل كلّ رجل منهم من لقي من والد وولد بالسّيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن وتاب أولئك الّذين كان خفي على موسى وهارون واطّلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما أمروا وغفر الله للقاتل والمقتول ثمّ سار بهم موسى عليه السّلام متوجّها نحو الأرض المقدّسة «1» . ويوضّح الشّاهد من هذا الأثر أثر ابن مسعود الآتي: - عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: قال: كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبا أصبح قد كتب كفّارة ذلك الذّنب على بابه وإذا أصاب البول شيئا منه قرضه بالمقراض فقال رجل: لقد آتى الله بني إسرائيل خيرا فقال عبد الله ما آتاكم الله خير ممّا آتاهم جعل الله الماء لكم طهورا وقال: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ «2» وقال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ «3» مَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً «4» . - وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ المالكي «5» - رحمه الله-: كان من قبلنا من الأمم صومهم الإمساك عن الكلام مع الطّعام والشّراب، فكانوا في حرج، فأرخص الله لهذه الأمّة بحذف نصف زمانها، وهو اللّيل، وحذف نصف صومها، وهو الإمساك عن الكلام ورخّص لها فيه «6» . يوم الجمعة: » اختصّت الأمّة المحمّديّة بخصائص كثيرة في الدّنيا لم تعطها غيرها من الأمم. ومن ذلك يوم الجمعة سيّد الأيام خير يوم طلعت فيه الشّمس، فيه خلق آدم عليه السّلام، وفيه أدخل الجنّة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم   (1) قال الحافظ ابن كثير عن حديث الفتون الطويل: رواه النسائي في السنن الكبرى، وأخرجه ابن جرير، وابن حاتم في تفسيريهما ... وهو موقوف من كلام ابن عباس وليس فيه مرفوع إلا قليل منه. انظر تفسير ابن كثير (3/ 160، 161) . (2) سورة آل عمران: آية رقم (135) . (3) سورة النساء: آية رقم (110) . (4) الأثر أخرجه ابن جرير في تفسيره (5/ 175) وأورده ابن كثير في تفسيره (1/ 565، 566) . (5) انظر كتابه عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (3/ 229) . (6) أورد الحافظ ابن كثير في تفسيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى- حكاية عن مريم عليها السلام-: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً قال صمتا، قال ابن كثير: وكذا قال ابن عباس- رضي الله عنهما- والضحاك، وفي رواية عن أنس- رضي الله عنه-: صوما وصمتا. وكذا قال قتادة وغيرهما. والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام. نص على ذلك السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد. انظر تفسير ابن كثير (3/ 124) ، وكذلك تفسير ابن جرير (16/ 56) . وتفسير القرطبي (11/ 98) . (7) انظر الخصائص للسيوطي (2/ 353) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 السّاعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلّا أعطاه ما سأل، وفيه صلاة الجمعة الّتي أمر الله بالسّعي إليها في كتابه العزيز، فقال عزّ من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «1» . فهذا اليوم المبارك اختلفت فيه الأمم من قبلنا فهدانا الله له وأضلّ النّاس عنه فهو لنا. ولليهود السّبت. وللنّصارى يوم الأحد. كما نطقت بذلك الأحاديث النّبويّة الكثيرة ومنها: - عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة، بيد أنّهم «2» أوتوا الكتاب من قبلنا، ثمّ هذا يومهم الّذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالنّاس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنّصارى بعد غد» «3» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير يوم طلعت فيه الشّمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم السّاعة، وما من دابّة إلّا وهي مسيخة «4» يوم الجمعة من حين تصبح حتّى تطلع الشّمس شفقا من السّاعة، إلّا الجنّ والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلّي يسأل الله حاجة إلّا أعطاه إيّاها» قال كعب: ذلك في كلّ سنة يوم؟ فقلت: بل في كلّ جمعة، قال: فقرأ كعب التّوراة، فقال: صدق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال أبو هريرة: ثمّ لقيت عبد الله بن سلام فحدّثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام: قد علمت أيّة ساعة هي؟ قال أبو هريرة: فقلت له: فأخبرني بها فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلّي» وتلك السّاعة لا يصلّى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من جلس مجلسا ينتظر الصّلاة فهو في صلاة حتّى يصلّي» ؟ قال: فقلت: بلى، قال: هو ذاك» «5» .   (1) سورة الجمعة: آية رقم (9) . (2) بيد أن: قال النووي: قال أبو عبيد: لفظة بيد تكون بمعنى غير وبمعنى على وبمعني من أجل. وقال النووي: وكله صحيح هنا. انظر شرح مسلم للنووي (6/ 143) . (3) رواه البخاري. انظر فتح الباري 2 (876) ورواه مسلم برقم (855) . (4) مسيخة: ويروى مصيخة بالصاد، وهما لغتان، أي منتظرة لقيام الساعة. قال الخطابي: وقوله مسيخة معناه مصغية مستمعة. يقال: أصاخ وأساخ بمعنى واحد. انظر عون المعبود (3/ 368) ، وقال ابن الأثير: المصيخ: المصغي ليستمع. انظر جامع الأصول (9/ 272) . (5) رواه أبو داود- واللفظ له- برقم (1046) ، والترمذي برقم (491) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه النسائي (3/ 114، 115) ، ورواه الإمام مالك في الموطأ (1/ 108- 110) ، وصحح الحديث أيضا الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (3329) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 - وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني جبريل عليه السّلام وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء. فقلت: ما هذه يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة يعرضها عليك ربّك لتكون لك عيدا ولقومك من بعدك تكون أنت الأوّل وتكون اليهود والنّصارى من بعدك. قال: ما لنا فيها. قال: لكم فيها خير، لكم فيها ساعة من دعا ربّه فيها بخير هو له قسم إلّا أعطاه إيّاه وليس له بقسم إلّا ودخر له ما هو أعظم منه أو تعوّذ فيها من شرّ هو مكتوب إلّا أعاذه من أعظم منه. قلت: ما هذه النكتة السّوداء فيه؟ قال: هذه السّاعة تقوم يوم الجمعة وهو سيّد الأيّام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد. قال: قلت: لم تدعونه يوم المزيد؟ قال: إنّ ربّك عزّ وجلّ اتّخذ في الجنّة واديا أفيح من المسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من علّيّين على كرسيّه حتّى حفّ الكرسيّ بمنابر من نور وجاء النّبيّون حتّى يجلسوا عليها ثمّ حفّ المنابر بكراسيّ من ذهب ثمّ جاء الصّدّيقون والشّهداء حتّى يجلسوا عليها ثمّ يجيء أهل الجنّة حتّى يجلسوا على الكثيب فيتجلّى لهم الله تبارك وتعالى حتّى ينظروا إلى وجهه وهو يقول أنا الّذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي هذا محلّ كرامتي فسلوني، فيسألوه الرّضا، فيقول الله عزّ وجلّ: رضائي أحلّكم داري وأنّ لكم كرامتي فسلوني، فيسألوه حتّى تنتهي رغبتهم، فيفتح لهم عند الله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إلى مقدار منصرف النّاس يوم الجمعة ثمّ يصعد الله تبارك وتعالى على كرسيّه فيصعد معه الشّهداء والصّدّيقون، أحسبه قال: ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم درّة بيضاء لا قصم فيها ولا فصم أو ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء منها غرفا وأبوابها مطردة فيها أنهارها متدلّية فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا فيه كرامة وليزدادوا فيه نظرا إلى وجهه تبارك وتعالى ولذلك دعي يوم المزيد» «1» . التّجاوز عن الخطإ والنّسيان وحديث النّفس: أنعم الله تبارك وتعالى على أمّة الإسلام بنعم كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، وفي ذلك تكريم لنبيّها محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومن هذه النّعم أنّه تجاوز لها عمّا صدر منها على سبيل الخطإ والنّسيان، وتجاوز لها عمّا حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلّم. والأدلّة على ذلك كثيرة. - عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تجاوز لأمّتي ما حدّثت به نفسها ما لم يتكلّموا أو يعملوا به» «2» .   (1) قال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات، ورواه أبو يعلى ورجال أبو يعلى رجال الصحيح. انظر مجمع الزوائد (2/ 164) ، (10/ 421، 422) . (2) رواه البخاري، انظر فتح الباري 11 (6664) ورواه مسلم برقم (127) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 - عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «1» . قال فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله! كلّفنا من الأعمال ما نطيق. الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نطيقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير» قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير. فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم. فأنزل الله في إثرها آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ «2» . فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (قال: نعم) » «3» . «4» . - وعن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى تجاوز لي «5» عن أمّتي الخطأ، والنّسيان، وما استكرهوا عليه» «6» . - وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-؛ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما يروي عن ربّه تبارك وتعالى؛ قال: «إنّ الله كتب الحسنات والسّيّئات. ثمّ بيّن ذلك. فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن همّ بها فعملها كتبها الله عزّ وجلّ عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. وإن همّ بسيّئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها، كتبها الله سيّئة واحدة» «7» .   (1) سورة البقرة: آية (284) . (2) سورة البقرة: آية (285) . (3) سورة البقرة: آية (286) . (4) رواه مسلم برقم (125) . (5) قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث إشارة إلى عظيم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها صلّى الله عليه وسلّم، لقوله: «تجاوز لي» و، فيه إشعار باختصاصها بذلك، بل صرح بعضهم بأنه كان حكم الناسي كالعامد في الإثم وأن ذلك من الإصر الذي كان على من قبلنا. انظر فتح الباري (11/ 560) . (6) رواه ابن ماجه، برقم (2043) ، ورواه الحاكم (2/ 198) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، ورواه الدارقطني (797) ، والبيهقي (7/ 356) . وصحح الحديث أيضا الألباني. انظر صحيح الجامع برقم (1727) . (7) رواه البخاري. انظر فتح الباري 11 (6491) ورواه مسلم، واللفظ له، برقم (131) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 محفوظة من الهلاك والاستئصال: الأمّة المحمّديّة، أمّة مصونة مرحومة، حفظها الله وأجارها، فلا تهلك بالسّنين ولا بجوع ولا غرق، ولا يسلّط عليها عدوّا من غيرها، فيستبيح بيضتها ويستأصلها، ولو اجتمع عليها من بأقطارها وهذا من خصائصها الّتي انفردت بها على غيرها. وقد أفصح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك في غير ما حديث: - فعن ثوبان- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى «1» لي الأرض. فرأيت مشارقها ومغاربها. وإنّ أمّتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «2» . وإنّي سألت ربّي لأمّتي أن لا يهلكها بسنة عامّة. وأن لا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم. فيستبيح بيضتهم «3» . وإنّ ربّي قال: يا محمّد إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ. وإنّي أعطيتك لأمّتك أن لا أهلكهم بسنة عامّة «4» . وأن لا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم. ولو اجتمع عليهم من بأقطارها- أو قال من بين أقطارها- حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا. ويسبي بعضهم بعضا» «5» . - وعن عامر بن سعد عن أبيه- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبل ذات يوم من العالية. حتّى إذا مرّ بمسجد بني معاوية، دخل فركع ركعتين. وصلّينا معه. ودعا ربّه طويلا. ثمّ انصرف إلينا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «سألت ربّي ثلاثا. فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت ربّي أن لا يهلك أمّتي بالسّنة فأعطانيها. وسألته أن لا يهلك أمّتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» «6» . - وعن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك- رحمه الله-؛ قال: «جاءنا عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- في بني معاوية- وهي قرية من قرى الأنصار- فقال: هل تدرون أين صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسجدكم هذا؟ فقلت: نعم- وأشرت إلى ناحية منه- فقال لي: هل تدرون ما الثّلاث الّتي دعا بهنّ فيه؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني بهنّ، فقلت: دعا بأن لا يظهر عليهم عدوّا من غيرهم، ولا يهلكهم بالسّنين، فأعطيهما، ودعا بأن لا   (1) زوى: معناه جمع. (2) الكنزين الأحمر والأبيض: المراد بالكنزين الذهب والفضة. والمراد كنزا كسرا وقيصر، ملكي العراق والشام. (3) فيستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم. والبيضة، أيضا: العز والملك. (4) أن لا أهلكهم بسنة عامة: أي لا أهلكهم بقحط يعمهم. بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة، بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام. (5) رواه مسلم برقم (2889) . (6) رواه مسلم برقم (2890) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 يجعل بأسهم بينهم، فمنعها، قال: صدقت، قال ابن عمر: فلن يزال الهرج «1» إلى يوم القيامة» «2» . - وعن عوف بن مالك- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يجمع الله تعالى على هذه الأمّة سيفين سيفا منها وسيفا من عدوّها» «3» . لا تجتمع على ضلالة وطائفة منها على الحقّ: أكرم الله تبارك وتعالى الأمّة المحمّديّة في الدّنيا بكرامات كثيرة منها: ضمان العصمة لهم من الخطإ عند اجتماعهم تشريفا لهم وتعظيما لنبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، ومنها وجود طائفة منهم على الحقّ والهدى في كلّ زمان ظاهرين لا يضرّهم من خالفهم ولا من خذلهم حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك. قال الشّيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام رحمه الله في سياق كلامه على خصائص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ومثلها عصمة أمّته بأنّها لا تجتمع على ضلالة في فرع ولا في أصل» «4» . وبهذه الخصائص جاءت النّصوص النّبويّة المطهّرة: - فعن كعب بن عاصم الأشعريّ- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى قد أجار أمّتي أن تجتمع على ضلالة» «5» . - وعن ابن عمر- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله لا يجمع أمّتي أو قال أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار» «6» .   (1) الهرج: قال ابن الأثير: جاء في الحديث أنه القتل وهو الإختلاط والاختلاف وذلك سبب القتل. انظر جامع الأصول (9/ 199) . (2) رواه الإمام مالك في الموطأ (1/ 216) . وقال عبد القادر الأرناؤوط: إسناده صحيح. انظر تعليقه على جامع الأصول (9/ 199) . (3) رواه أبو داود برقم (4301) . ورواه الإمام أحمد في مسنده (6/ 26) . وصححه الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (5097) . (4) انظر بداية السول (ص 70) . (5) رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة برقم (79) من حديث كعب بن عاصم الأشعري ورواية أخرى من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهم. وذكر له الألباني طرقا ثم قال: فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1331) ، وأيضا صحيح الجامع الصغير برقم (1782) . (6) رواه الترمذي- واللفظ له- برقم (2167) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة: ... وبالجملة فهو حديث مشهور المتن ذو أسانيد كثيرة وشواهد متعددة في المرفوع وغيره.. ثم ساق له بعض الشواهد. انظر المقاصد الحسنة (ص 460) . وأيضا رواية الترمذي هذه صححها الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (1844) عدا الزيادة الأخيرة في الحديث وهي «ومن شذ شذ في النار» قال: ... فحذفتها لانعدام الشاهد المجبر لضعفها بخلاف ما قبلها. ورواه الطبراني أيضا من حديث ابن عمر بلفظ «لن تجتمع أمتي على ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة» قال الحافظ الهيثمي عن رواية الطبراني: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى آل طلحة وهو ثقة. انظر مجمع الزوائد (5/ 218) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 - وعن ثوبان- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزال طائفة «1» من أمّتي ظاهرين على الحقّ. لا يضرّهم من خذلهم «2» حتّى يأتي أمر الله «3» وهم كذلك» «4» . ومن الآثار: عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-؛ قال: إنّ الله عزّ وجلّ نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمّد صلّى الله عليه وسلّم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالاته ثمّ نظر في قلوب العباد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيّه صلّى الله عليه وسلّم يقاتلون عن دينه فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيّئا فهو عند الله سيّء «5» . شهداء الله في الأرض: » فضّل الله تبارك وتعالى هذه الأمّة ورفع ذكرها وزكّاها بأن أضافها إليه إضافة تشريف وتكريم، فقبل منها قولها وشهادتها، وذلك لعظم مكانتها ومنزلتها عنده. وممّا يدلّ على هذه الخصوصيّة: ما جاء عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: مرّ بجنازة فأثني عليها خيرا. فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت وجبت وجبت» ومرّ بجنازة فأثني عليها شرّا. فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت وجبت وجبت» قال عمر: فدى لك أبي وأمّي! مرّ بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت: وجبت وجبت وجبت. ومرّ بجنازة فأثني عليها شرّا فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنّة. ومن أثنيتم عليه شرّا وجبت له النّار. أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض» «7» .   (1) طائفة: قال النووي رحمه الله: وأما هذه الطائفة فقال البخاري: هم أهل العلم. وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم! قال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذاهب أهل الحديث. قال الإمام النووي: يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين. فمنهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير. ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (13/ 66، 67) . (2) من خذلهم: يعني من خالفهم. (3) حتى يأتي أمر الله: المراد به هو الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة. (4) الحديث رواه البخاري. انظر فتح الباري 6 (3641) ، ورواه مسلم- واللفظ له- برقم (1920) . (5) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 379) قال الحافظ الهيثمي رحمه الله: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون. انظر مجمع الزوائد (1/ 178) . (6) بداية السول في تفضيل الرسول صلّى الله عليه وسلّم (ص 69) . (7) رواه البخاري. انظر الفتح 3 (1367) ، ورواه مسلم واللفظ له- برقم (949) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: مرّوا بجنازة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأثنوا عليها خيرا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» . ثمّ مرّوا بجنازة أخرى، فأثنوا عليها شرّا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» قالوا يا رسول الله: قولك الأولى والأخرى وجبت! فقال صلّى الله عليه وسلّم: «الملائكة شهداء الله في السّماء وأنتم شهداء الله في الأرض» «1» . ومن الآثار: - عن كعب- رضي الله عنه-؛ قال: أعطيت هذه الأمّة ثلاث خصال لم يعطها إلّا الأنبياء. كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقال له: بلّغ ولا حرج، وأنت شهيد على قومك وادع أجبك، وقال لهذه الأمّة وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» ، وقال لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «3» وقال ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ «4» . «5» . صفوف كصفوف الملائكة: خصّ الله- عزّ وجلّ- هذه الأمّة إكراما لها على سائر الأمم بأن جعل صفوفها في الصّلاة كصفوف الملائكة. وممّا يؤيّد هذه الخاصيّة من السّنّة المطهّرة- ما جاء عن حذيفة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فضّلنا على النّاس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة. وجعلت لنا الأرض كلّها مسجدا. وجعلت تربتها لنا طهورا، إذا لم نجد الماء، وذكر خصلة أخرى» «6» . - وعن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما-؛ قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «مالي أراكم رافعي أيديكم كأنّها أذناب خيل شمس «7» ؟ اسكنوا في الصّلاة» قال: ثمّ خرج علينا فرآنا حلقا «8» . فقال: «مالي أراكم عزين «9» ؟. قال: ثمّ خرح علينا فقال: «ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربّها؟» فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصفّ الملائكة عند ربّها؟ قال: «يتمّون الصّفوف الأول. ويتراصّون في الصّفّ» «10» . - وعن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فضّلت بأربع: جعلت أنا وأمّتي في   (1) رواه النسائي (4/ 50) وأصله في الصحيحين. وأيضا صححه الألباني- انظر صحيح الجامع برقم (6604) . (2) سورة الحج: آية رقم (78) . (3) سورة البقرة: آية رقم (143) . (4) سورة غافر: آية رقم (60) . (5) أورد الحافظ السيوطي في كتابه الخصائص الكبرى، قال: أخرجه الفريابي عن كعب. انظر الخصائص (2/ 357) . (6) رواه مسلم برقم (522) . (7) شمس: جمع شموس. مثل رسول ورسل. وهي التي لا تستقر بل تضرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها. (8) حلقا: جمع الحلقة، بسكون اللام، على غير قياس. وقال النووي: بكسر الحاء، وفتحها، لغتان. جمع حلقة بإسكان اللام. (9) عزين: أي جماعات في تفرقة. جمع عزة. وأصلها عزوة. فحذفت الواو وجمعت جمع السلامة على غير قياس. (10) رواه مسلم برقم (430) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 الصّلاة كما تصفّ الملائكة، وجعل الصّعيد لي وضوءا، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلّت لي الغنائم» «1» . النّوع الرّابع: ما اختصّ به صلّى الله عليه وسلّم في أمّته في الآخرة: اختصّ الله تبارك وتعالى الأمّة المحمّديّة في الآخرة بخصائص كثيرة لم تعطها غيرها من الأمم وفي ذلك تشريف وتكريم لنبيّها ومعلّمها ومربّيها صلّى الله عليه وسلّم، سيّد الأوّلين والآخرين، الّذي أمضى عمره الشّريف وضحّى بكلّ ما لديه في سبيل هدايتها ونصحها والأخذ بيدها إلى ما فيه عزّها ومجدها في الدّنيا والآخرة، حتّى أصبحت بفضل الله خير أمّة أخرجت للنّاس. وإنّ ممّا اختصّت به الأمّة المحمّديّة في الآخرة، أنّها شاهدة للأنبياء على أممهم، وهي أكثر أهل الجنّة، وأوّل من يجتاز الصّراط ويدخل الجنّة، وهي الآخرة زمانا، السّابقة منزلة.. إلى غير ذلك ممّا سنذكره من الخصائص، بإذن الله، وبالله التّوفيق. الغرّ المحجّلون: تأتي الأمّة المحمّدية يوم القيامة غرّا محجّلة من آثار الوضوء، وبهذه الصّفة يعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّته من غيرهم حالما يكون منتظرهم على حوضه. قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: ثبت أنّ الغرّة والتّحجيل خاصّ بالأمّة المحمّديّة «2» . وقد وردت الأحاديث النّبويّة تشهد لهذا المعنى: - عن نعيم بن عبد الله المجمّر: قال: رأيت أبا هريرة يتوضّأ. فغسل وجهه فأسبغ الوضوء. ثمّ غسل يده اليمنى حتّى أشرع في العضد «3» . ثمّ يده اليسرى حتّى أشرع في العضد. ثمّ مسح رأسه. ثمّ غسل رجله اليمنى حتّى أشرع في السّاق. ثمّ غسل رجله اليسرى حتّى أشرع في السّاق. ثمّ قال: هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ. وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنتم الغرّ «4» المحجّلون يوم القيامة. من إسباغ الوضوء. فمن استطاع منكم فليطل غرّته وتحجيله» «5» .   (1) الحديث رواه الطبراني في الكبير، وصحح الحديث الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (4095) . (2) فتح الباري (11/ 458) . (3) أشرع في العضد وأشرع في الساق: معناه أدخل الغسل فيهما. (4) أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من آثار الوضوء: قال أهل اللغة: الغرة: بياض في جبهة الفرس. والتحجيل: بياض في يديها ورجليها. قال العلماء: سمي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة، غرة وتحجيلا، تشبيها بغرة الفرس. (5) رواه البخاري. انظر الفتح 1 (136) ، ورواه مسلم برقم (246) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 - عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ حوضي أبعد من أيلة من عدن «1» لهو أشدّ بياضا من الثّلج. وأحلى من العسل باللّبن «2» . ولآنيته «3» أكثر من عدد النّجوم. وإنّي لأصدّ النّاس عنه كما يصدّ الرّجل إبل النّاس عن حوضه» قالوا: يا رسول الله! أتعرفنا يومئذ؟ قال: «نعم. لكم سيما «4» ليست لأحد من الأمم تردون عليّ غرّا محجّلين من أثر الوضوء» «5» . - عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى المقبرة فقال: «السّلام عليكم دار قوم مؤمنين. وإنّا إن شاء الله، بكم لاحقون. وددت أنّا قد رأينا إخواننا» قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي. وإخواننا الّذين لم يأتوا بعد» فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمّتك يا رسول الله؟ فقال: «أرأيت لو أنّ رجلا له خيل غرّ محجّلة. بين ظهري خيل دهم بهم «6» ... ألا يعرف خيله» قالوا: بلى. يا رسول الله! قال: «فإنّهم يأتون غرّا محجّلين من الوضوء. وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادنّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضّالّ أناديهم: ألا هلمّ «7» ! فيقال: إنّهم قد بدّلوا بعدك. فأقول سحقا «8» سحقا» «9» . شهداء على الأمم: الأمّة المحمّديّة خير الأمم وأفضلها، خصّها الله بأكمل الشّرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب، فهي وسط بين أهل الأديان فلم تغل كغلوّ النّصارى ولم تقصّر كتقصير اليهود، ولهذا جعلها الله شاهدة على الأمم يوم القيامة. فما من نبيّ ولا رسول تنكر أمّته قد بلّغ إلّا وتشهد له الأمّة المحمّدية بالبلاغ فيقبل قولها وشهادتها لما لها من الفضل والمنزلة قال الله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «10» .   (1) إن حوضي أبعد من أيلة من عدن: أي بعد ما بين طرفي حوضي أزيد من بعد أيلة من عدن. وهما بلدان ساحليان في بحر القلزم (البحر الأحمر) . أحدهما، وهو أيلة، في شمال بلاد العرب والآخر، وهو عدن، في جنوبها. هو آخر بلاد اليمن مما يلي بحر الهند، يصرف بالتذكير ولا يصرف بالتأنيث. (2) وأحلى من العسل باللبن: أي المخلوط به. (3) ولآنيته: اللام في لهو. للابتداء. والآنية جمع إناء قال في المصباح: الإناء والآنية كالوعاء والأوعية وزنا ومعنى. والأواني جمع الجمع. (4) لكم سيما: السيما العلامة. مقصورة وممدودة، لغتان. ويقال: السيمياء بياء بعد الميم. (5) رواه مسلم برقم (247) . (6) دهم بهم: أي سود لم يخالط لونها لون آخر. (7) ألا هلم: معناه: تعالوا. (8) سحقا سحقا: معناه: بعدا بعدا. والمكان السحيق البعيد. (9) رواه مسلم برقم (249) . (10) سورة البقرة: آية رقم (143) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 قال الشّيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام، في معرض حديثه عن خصائص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ومنها أنّ الله تعالى نزّل أمّته منزل العدول من الحكّام، فإنّ الله تعالى إذا حكم بين العباد فجحدت الأمم بتبليغ الرّسالة أحضر أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشهدون على النّاس بأنّ رسلهم أبلغتهم، وهذه الخصّيصة لم تثبت لأحد من الأنبياء «1» . وقد صرّحت بهذا المعنى الأحاديث النّبويّة: - عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد وأمّته. فيشهدون أنّه قد بلّغ، ويكون الرّسول عليكم شهيدا فذلك قوله جلّ ذكره وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً «2» لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «3» . - وعن أبي سعيد- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجيء النّبيّ ومعه الرّجلان. ويجيء النّبيّ ومعه الثّلاثة. وأكثر من ذلك وأقلّ. فيقال له: هل بلّغت قومك؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه، فيقال: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، فيقال: من شهد لك؟ فيقول: محمّد وأمّته. فتدعى أمّة محمّد فيقال: هل بلّغ هذا؟ فيقولون: نعم. فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا بذلك أنّ الرّسل قد بلّغوا، فصدّقناه. قال: فذلكم قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «4» . «5» . ومن الآثار: - عن كعب الأحبار- رحمه الله-؛ قال: أعطيت هذه الأمّة ثلاث خصال لم يعطها إلّا الأنبياء. كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقال له: بلّغ ولا حرج، وأنت شهيد على قومك وادع أجبك، وقال لهذه الأمّة: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» وقال: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «7» وقال ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ «8» . «9» .   (1) انظر بداية السول (ص 69) . (2) الوسط: العدل. (3) رواه البخاري. انظر الفتح 8 (4487) . (4) سورة البقرة: آية رقم (143) . (5) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 58) ، وابن ماجه واللفظ له برقم (4284) ، وصحح الحديث الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (7889) . (6) سورة الحج: آية رقم (78) . (7) سورة البقرة: آية رقم (143) . (8) سورة غافر: آية رقم (60) . (9) أورده الحافظ السيوطي في كتابه الخصائص الكبرى وقال: أخرجه الفريابي عن كعب. انظر الخصائص (2/ 357) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 أوّل من يجتاز الصّراط ويدخل الجنّة: الصّراط جسر ممدود على متن جهنّم أحدّ من السّيف وأدقّ من الشّعر، فمن استقام في هذه الدّنيا على الصّراط المستقيم خفّ على صراط الآخرة، ونجا، ومن عدل عن الاستقامة في الدّنيا وأثقل ظهره بالأوزار وعصى تعثّر على الصّراط وتردّى. وإنّ ممّا أكرم الله تعالى به هذه الأمّة ونبيّها صلّى الله عليه وسلّم، أن جعلهم أوّل من يجتاز ويعبر الصّراط، وأوّل من يدخل الجنّة دار السّلام. وبين يديك أحاديث نبويّة تدلّ على ما ذكرناه: - عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر» قالوا: لا. يا رسول الله! قال: «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله! قال: «فإنّكم ترونه كذلك. يجمع الله النّاس يوم القيامة. فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه. فيتبع من كان يعبد الشّمس الشّمس. ويتبع من كان يعبد القمر القمر. ويتبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت. وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها. فيأتيهم الله تبارك وتعالى، في صورة غير صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا. فإذا جاء ربّنا عرفناه. فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. فيتّبعونه. ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم «1» . فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز» «2» ... الحديث «3» . - عن أبي أسماء الرّحبيّ: أنّ ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه قال: كنت قائما عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجاء حبر «4» من أحبار اليهود فقال: السّلام عليك يا محمّد! فدفعته دفعة كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله! فقال اليهوديّ: إنّما ندعوه باسمه الّذي سمّاه به أهله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ اسمي محمّد الّذي سمّاني به أهلي» فقال اليهوديّ جئت أسألك. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أينفعك شيء إن حدّثتك؟» قال: أسمع بأذنيّ. فنكت «5» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعود معه. فقال: «سل» فقال اليهوديّ: أين يكون النّاس يوم تبدّل   (1) ويضرب الصراط بين ظهري جهنم: معناه يمد الصراط عليها. (2) فأكون أنا وأمتي أول من يجيز: معناه يكون أول من يمضي عليه ويقطعه. (3) رواه البخاري. انظر الفتح 11 (6573) ، ورواه مسلم، واللفظ له برقم (182) . (4) حبر: قال في المصباح: الحبر بالكسر، العالم. والجمع أحبار. مثل حمل وأحمال. والحبر، بالفتح، لغة فيه. وجمعه حبور، مثل فلس وفلوس. (5) فنكت: معناه يخط العود في الأرض ويؤثر به فيها. وهذا ما يفعله المفكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 الأرض غير الأرض والسّماوات؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هم في الظّلمة دون الجسر «1» » قال: «فمن أوّل النّاس إجازة «2» ؟ قال: «فقراء المهاجرين» قال اليهوديّ: فما تحفتهم «3» حين يدخلون الجنّة؟ قال: «زيادة كبد النّون» «4» . قال فما غذاؤهم «5» على إثرها؟ قال: «ينحر لهم ثور الجنّة الّذي كان يأكل من أطرافها» . قال: فما شرابهم عليه؟ قال: «من عين فيها تسمّى سلسبيلا «6» » . قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلّا نبيّ أو رجل أو رجلان. قال: «ينفعك إن حدّثتك؟» قال: أسمع بأذنيّ. قال: جئت أسألك عن الولد؟ قال: «ماء الرّجل أبيض وماء المرأة أصفر. فإذا اجتمعا، فعلا منيّ الرّجل منيّ المرأة، أذكرا «7» بإذن الله. وإذا علا منيّ المرأة منيّ الرّجل، آنثا «8» بإذن الله» قال اليهوديّ: لقد صدقت. وإنّك لنبيّ. ثمّ انصرف فذهب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد سألني هذا عن الّذي سألني عنه. وما لي علم بشيء منه. حتّى أتاني الله به» «9» . - عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة ونحن أوّل من يدخل الجنّة بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم. فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحقّ. فهذا يومهم الّذي اختلفوا فيه. هدانا الله له (قال يوم الجمعة) فاليوم لنا. وغدا لليهود. وبعد غد للنّصارى» «10» . عمل قليل وأجر كثير: أنعم الله- تبارك وتعالى- على هذه الأمّة بنعم كثيرة وخصّها بخصائص جسيمة ومن ذلك أنّها أقلّ عملا ممّن سبقها من الأمم وأكثر أجرا وثوابا. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.   (1) الجسر: بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، والمراد به هنا الصراط. (2) إجازة: الإجازة هنا بمعنى الجواز والعبور. (3) تحفتهم: بإسكان الحاء وفتحها، لغتان، وهي ما يهدى إلى الرجل ويخص به ويلاطف. (4) النون: النون هو الحوت، وجمعه نينان. (5) غذاؤهم: روي على وجهين، غذاؤهم وغداؤهم. قال القاضي عياض: هذا الثاني هو الصحيح وهو رواية الأكثرين. (6) سلسبيلا: قال جماعة من أهل اللغة والمفسرين: السلسبيل اسم للعين، وقال مجاهد وغيره: هي شديدة الجري وقيل هي السلسلة اللينة. (7) أذكرا: أي كان الولد ذكرا. (8) آنثا: أي كان الولد أنثى، وقد روي أنثا. (9) رواه مسلم برقم (315) . (10) رواه البخاري. انظر الفتح 2 (876) بدون لفظة «ونحن أول من يدخل الجنة» ، ورواه مسلم واللفظ له، ومعه الزيادة، برقم (855/ 20) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 قال الشّيخ الإمام عزّ الدّين بن عبد السّلام «1» في معرض حديثه عن خصائص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ومنها أنّ أمّته أقلّ عملا ممّن قبلهم وأكثر أجرا كما جاء في الحديث الصّحيح «2» . وإليك ما جاء من كلام الصّادق المصدوق ممّا يبرهن على هذه الخصوصيّة: - عن ابن عمر- رضي الله عنهما-؛ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّما أجلكم- في أجل من خلا من الأمم- ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشّمس. وإنّما مثلكم ومثل اليهود والنّصارى كرجل استعمل عمّالا فقال: من يعمل لي إلى نصف النّهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النّهار على قيراط قيراط، ثمّ قال: من يعمل لي من نصف النّهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النّصارى من نصف النّهار إلى صلاة العصر قيراط قيراط. ثمّ قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشّمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الّذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشّمس على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرّتين. فغضبت اليهود والنّصارى فقالوا: نحن أكثر عملا وأقلّ عطاء، قال الله: هل ظلمتكم من حقّكم شيئا؟ قالوا: لا. قال: فإنّه فضلي، أعطيه من شئت» «3» ، ويعلّق على هذا الحديث الحافظ ابن كثير رحمه الله فيقول: «والمراد من هذا التّشبيه بالعمّال تفاوت أجورهم وأنّ ذلك ليس منوطا بكثرة العمل وقلّته بل بأمور أخر معتبرة عند الله تعالى وكم من عمل قليل أجدى ما لا يجديه العمل الكثير، هذه ليلة القدر العمل فيها أفضل من عبادة ألف شهر سواها وهؤلاء أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم أنفقوا في أوقات لو أنفق غيرهم من الذّهب مثل أحد ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه من تمر، وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره وقبضه وهو ابن ثلاث وستّين على المشهور وقد برز في هذه المدّة الّتي هي ثلاث وعشرون سنة في العلوم النّافعة والأعمال الصّالحة على سائر الأنبياء قبله حتّى على نوح الّذي لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ويعمل بطاعة الله ليلا ونهارا، صباحا ومساء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء أجمعين. فهذه الأمّة إنّما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيّها وشرفه وعظمته كما قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «4» . «5» .   (1) انظر بداية السول (ص 60) . (2) مثل ما أوردنا من حديث ابن عمر وأبي موسى الأشعري- رضي الله عنهم. (3) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3459) . (4) سورة الحديد (الآية: 28- 29) . (5) انظر البداية والنهاية لابن كثير (2/ 135) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 - عن أبي موسى- رضي الله عنه-؛ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل المسلمين واليهود والنّصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى اللّيل على أجر معلوم، فعملوا له نصف النّهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الّذي شرطت لنا وما عملنا باطل. فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقيّة عملكم وخذوا أجركم كاملا، فأبوا وتركوا، واستأجر آخرين بعدهم فقال: أكملوا بقيّة يومكم هذا ولكم الّذي شرطت لهم من الأجر. فعملوا حتّى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الّذي جعلت لنا فيه. فقال لهم: أكملوا بقيّة عملكم فإنّ ما بقي من النّهار شيء يسير، فأبوا، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقيّة يومهم، فعملوا بقيّة يومهم حتّى غابت الشّمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم «1» ومثل ما قبلوا من هذا النّور» «2» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ضمن شرحه لهذا الحديث « ... وفي هذا الحديث تفضيل هذه الأمّة وتوفير أجرها مع قلّة عملها» «3» . أكثر أهل الجنّة: وممّا اختصّت به هذه الأمّة من الفضائل: أنّها أكثر أهل الجنّة. وهذا تكريم عظيم للأمّة المحمّديّة ونبيّها صلّى الله عليه وسلّم. وقد صحّ عن نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ما يؤيّد هذا المعنى: - فعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟» قال: فكبّرنا. ثمّ قال: «أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟» قال: فكبّرنا. ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة. وسأخبركم عن ذلك. ما المسلمون في الكفّار إلّا كشعرة بيضاء في ثور أسود. أو كشعرة سوداء في ثور أبيض» «4» . - وعن بريدة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أهل الجنّة عشرون ومائة صفّ ثمانون منها من هذه الأمّة وأربعون من سائر الأمم» «5» .   (1) ورد في رواية الإسماعيلي: «فذلك مثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسوله ومثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله» . أوردها الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/ 525) . (2) رواه البخاري. انظر الفتح 4 (2271) . (3) انظر فتح الباري (4/ 525) . (4) رواه البخاري. انظر الفتح 11 (6528) . ورواه مسلم، واللفظ له، برقم (221) . (5) رواه الترمذي برقم (2546) وقال: حديث حسن. ونقل عنه الحافظ في الفتح (11/ 395) تصحيح الحديث، فلعل ذلك من اختلاف النسخ. ورواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 347، 355، 361) . ورواه ابن ماجه برقم (4289) . ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 82) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصحح الحديث كذلك الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (2523) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 الآخرون السّابقون: من نعم الله تبارك وتعالى على هذه الأمّة أن جعلها الآخرة زمانا، الأولى منزلة وفضلا، فهي وإن تأخّر وجودها في الدّنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة، بأنّها أوّل من يحشر وأوّل من يحاسب وأوّل من يقضى بينها وأوّل من يدخل الجنّة. وبهذا المعنى صرّحت الأحاديث النّبويّة: - فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة، بيد أنّهم «1» أوتوا الكتاب من قبلنا، ثمّ هذا يومهم الّذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالنّاس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنّصارى بعد غد» «2» . - وعن أبي هريرة وحذيفة- رضي الله عنهما-؛ قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أضلّ الله عن الجمعة من كان قبلنا. فكان لليهود يوم السّبت. وكان للنّصارى يوم الأحد. فجاء الله بنا. فهدانا ليوم الجمعة. فجعل الجمعة والسّبت والأحد. وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدّنيا، والأوّلون يوم القيامة. المقضيّ لهم قبل الخلائق» وفي رواية: «المقضيّ بينهم» «3» . - عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-؛ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «نحن آخر الأمم، وأوّل من يحاسب. يقال: أين الأمّة الأمّية ونبيّها؟ فنحن الآخرون الأوّلون» » .   (1) بيد أن: قال أبو عبيد: لفظة بيد تكون بمعنى غير وبمعنى على وبمعنى من أجل. (2) رواه البخاري. انظر الفتح 2 (876) ، ورواه مسلم برقم (855) . (3) رواه مسلم برقم (856) . (4) رواه ابن ماجه برقم (4290) . قال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. وأيضا صححه الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (6625) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 القسم الثاني الخصائص التي انفرد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أمته اختصّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكثير من الخصائص والأحكام دون أمّته تكريما له وتبجيلا، وقد شاركه في بعضها الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام. فمن ذلك: أنّه حرم عليه تعلّم الشّعر، وأكل الصّدقة. وأبيح له الوصال في الصّيام، والجمع بين أكثر من أربع نسوة. واختصّ بأنّ أزواجه أمّهات المؤمنين وأنّ رؤيته في المنام حقّ ... إلى غير ذلك. وقد رتّب العلماء الكلام في هذه الخصائص على أربعة أنواع: «1» الأول: ما حرم عليه دون غيره. وذلك تكرمة له صلّى الله عليه وسلّم وحمل له على مكارم الأخلاق. الثّاني: ما أبيح له دون غيره. الثّالث: ما وجب عليه دون غيره. والحكمة في اختصاصه بها زيادة الزّلفى ورفع الدّرجات. الرّابع: ما اختصّ به من الفضائل والكرامات دون غيره. وها نحن نورد- بإذن الله- خلاصة ما ذكره العلماء- رحمهم الله- في هذا الباب. وذلك بانتقاء طائفة مختارة من خصائصه الّتي انفرد بها عن أمّته والّتي ساندها الدّليل الصّحيح. النّوع الأوّل ما حرم عليه دون غيره 1- الصّدقة: حرم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكل الصّدقة لقوله عليه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الصّدقة لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد، إنّما هي أوساخ «2» النّاس» «3» . وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة» «4» . وهذه الأحاديث عامّة لا فرق فيها بين صدقة الفرض والتّطوّع. فكلا النّوعين حرم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.   (1) انظر الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي (ص 378) ، وخصائص أفضل المخلوقين لابن الملقن (ص 96) ، الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 396) . (2) أوساخ الناس: بمعنى أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما قال تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) فهي كغسالة الأوساخ. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (7/ 179) . (3) رواه مسلم برقم (168/ 1072) . (4) رواه مسلم برقم (1077) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 قال الحافظ ابن حجر: «نقل الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء منهم الإمام الخطّابيّ» «1» . قال النّوويّ- رحمه الله-: وأمّا صدقة التّطوّع فللشّافعيّ فيها ثلاثة أقوال أصحّها أنّها تحرم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «2» . وقد نصّ جمع من العلماء على أنّ تحريم الصّدقة من خصائص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «3» . والحكمة في تحريم الصّدقة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، صيانة وتنزيه منصبه الشّريف عن أوساخ أموال النّاس. وأمّا دخول الآل في ذلك فإنّهم دخلوا تبعا لانتسابهم إليه وتشريفهم بذلك. 2- إمساك من كرهت نكاحه: ومن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه كان يحرم عليه إمساك من اختارت فراقه ورغبت عنه من النّساء، بخلاف غيره من أمّته ممّن يخيّر امرأته فإنّها لو اختارت فراقه لما وجب عليه فراقها. وبرهان هذه الخصوصيّة ما جاء في صحيح البخاريّ عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّ ابنة الجون لمّا أدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك فقال لها: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك «4» . قال ابن الملقّن- رحمه الله- في خصائصه بعد إيراده هذا الحديث: «وفهم ممّا ذكرناه أنّه حرم عليه نكاح كلّ امرأة كرهت صحبته. وجدير أن يكون الأمر كذلك لما فيه من الإيذاء: «5» . 3- نزع لامة «6» الحرب: وممّا حرم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذلك إخوانه الأنبياء عليهم السّلام- دون غيره من الأمّة- أنّه إذا لبس لامة الحرب وعزم على الجهاد في سبيل الله أن ينزعها ويقلعها حتّى يلقى العدوّ ويقاتل. ودليل ذلك ما روى جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم أحد: «رأيت كأنّي في درع حصينة ورأيت بقرا منحّرة فأوّلت أنّ الدّرع الحصينة المدينة وأنّ البقر هو والله خير. قال فقال لأصحابه: لو أنّا   (1) انظر فتح الباري (3/ 415) . (2) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (7/ 176) . (3) انظر الفصول لابن كثير (315) . وغاية السول لابن الملقن (187) . وفتح الباري (3/ 415) . والخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 404) وغير ذلك. (4) رواه البخاري- انظر الفتح 9 (5254) . (5) انظر خصائص أفضل المخلوقين لابن الملقن (ص 222) . (6) لامة: قال الجوهري في الصحاح: اللأم جمع لامة وهي الدرع. وتجمع أيضا على لؤم مثل نفر على غير قياس كأنه جمع لؤمة. واستلأم الرجل أي لبس اللامة. أ. هـ ولامة الحرب: أداتها. ويقال للسيف لامة وللرمح لامة وإنما سمي لامة لأنها تلائم الجسم وتلازمه. انظر لسان العرب (12 (532) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 أقمنا بالمدينة فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم فقالوا يا رسول الله، والله ما دخل علينا فيها في الجاهليّة فكيف يدخل علينا فيها في الإسلام. فقال شأنكم إذا قال فلبس لأمته قال فقالت الأنصار رددنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأيه فجاءوا فقالوا يا نبيّ الله، شأنك إذا فقال إنّه ليس لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتّى يقاتل «1» . قال الحافظ ابن كثير: قال عامّة أصحابنا: إنّ ذلك كان واجبا عليه، وأنّه يحرم عليه أن ينزعها حتّى يقاتل «2» . 4- خائنة الأعين: خائنة الأعين هي الإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، ولا يحرم ذلك على غيره إلّا في محظور. قاله الرّافعيّ رحمه الله «3» . وقال الخطّابيّ- رحمه الله-: «هو أن يضمر في قلبه غير ما يظهره للنّاس فإذا كفّ لسانه وأومأ بعينه إلى ذلك فقد خان وقد كان ظهور تلك الخيانة من قبيل عينه فسمّيت خائنة الأعين «4» . فلم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يوميء بطرفه خلاف ما يظهر كلامه. ومستند هذا قصّة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، حيث كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أهدر دمه يوم فتح مكّة في جملة من أهدر من الدّماء فاختبأ عند عثمان بن عفّان أخيه من الرّضاعة، فلمّا دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس إلى البيعة جاء به عثمان حتّى أوقفه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه، ثلاثا، كلّ ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك؟ ألا أومأت إلينا بعينك قال: «إنّه لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين» «5» . 5- تعلّم الكتابة: قال الله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ «6» .   (1) رواه الإمام أحمد (3/ 351) . وابن سعد في" الطبقات الكبرى" (2/ 45) . والدارمي برقم (2165) . قال الحافظ ابن حجر: سنده صحيح انظر الفتح (13/ 353) . ورواه البخاري معلقا انظر الفتح (13/ 351) . وأصل القصة في البخاري- انظر الفتح 12 (7035) . ومسلم برقم (2272) . (2) انظر الفصول (ص 338) . (3) انظر الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 415) . (4) انظر حاشية السندي على سنن النسائي (7/ 106) . (5) رواه أبو داود برقم (4359) . والنسائي (7/ 105، 106) . والحاكم (3/ 45) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ورواه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 40) . قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: إسناده صالح. انظر التلخيص (3/ 130) . (6) سورة العنكبوت: آية (48) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 فقد لبث صلوات الله وسلامه عليه عمرا من قبل أن ينزّل عليه القرآن المجيد لا يقرأ كتابا ولا يحسن الكتابة بل كلّ أحد من قومه وغيرهم يعرف أنّه رجل أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب. وهذه صفته في الكتب المتقدّمة. كما قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ «1» . فهكذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دائما إلى يوم الدّين لا يحسن الكتابة ولا يعانيها ولا أهلها بقصد التّعلّم ولا يخطّ سطرا ولا حرفا بيده بل كان له كتّابّ يكتبون بين يده الوحي والرّسائل إلى الأقاليم. وهذا من أعلام نبوّته لئلّا يرتاب بعض الجهلة فيقول إنّما تعلّم هذا القرآن من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء. 6- تعلّم الشّعر: قال الله تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ «2» . فلم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عالما بالشّعر وأصنافه وأعاريضه وقوافيه ولم يكن موصوفا بذلك بالاتّفاق وجعل الله سبحانه ذلك علما من أعلام نبوّته صلّى الله عليه وسلّم لئلّا تدخل الشّبهة على من أرسل إليهم فيظنّوا أنّه قوي على القرآن بما في طبعه من القوّة في الشّعر. والأدلّة على عدم معرفته بالشّعر وعدم ميله إليه كثيرة منها: أنّ قريشا لمّا تشاورت فيما يقولون للعرب في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قدموا عليهم الموسم. فقال بعضهم: نقول إنّه شاعر. فقال أهل الفطنة منهم: والله لتكذّبنّكم العرب، فإنّهم يعرفون أصناف الشّعر فو الله ما يشبه شيئا منها وما قوله بشعر. وأمّا ما وقع على لسانه صلوات الله وسلامه عليه من الشّعر القليل، كقوله يوم حنين وهو راكب بغلته يقدّم بها نحور العدوّ. أنا النّبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطّلب «3» وكقوله لمّا أصابه حجر وهو يمشي فعثر فدميت إصبعه الشّريفة: هل أنت إلّا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت «4» فكلّ هذا وأمثاله إنّما وقع منه اتّفاقا من غير قصد لوزن الشّعر بل جرى على اللّسان من غير قصد إليه.   (1) سورة الأعراف: آية (157) . (2) سورة يس: آية (69) . (3) رواه البخاري- انظر الفتح 7 (4316) . ومسلم برقم (1776) . (4) رواه البخاري- انظر الفتح 10 (6146) . ومسلم برقم (1796) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 النّوع الثّاني ما أبيح له دون غيره 1- الوصال في الصّوم: بعث الله- تبارك وتعالى- رسوله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم وسكب في قلبه من العلم والحلم وفي خلقه من الإيناس والبرّ وفي طبعه من السّهولة والرّفق وفي يده من السّخاوة والنّدى ما جعله أزكى عباد الله رحمة وأوسعهم عاطفة وأرحبهم صدرا. قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «1» . وقال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «2» . فجاءت شريعته مبنيّة على التّيسير والسّهولة والتّخفيف والرّحمة ورفع الحرج والآصار والأغلال ما يلائم اختلاف الأجيال وحاجات العصور وشتّى البقاع. فمن ذلك نهيه صلّى الله عليه وسلّم أمّته عن مواصلة صوم يومين فصاعدا من غير أكل أو شرب بينهما لما في ذلك من المشقّة وحصول المفسدة المترتّبة على الوصال وهي الملل من العبادة والتّعرّض للتّقصير في بعض وظائف الدّين. بينما كان ذلك مباحا له صلّى الله عليه وسلّم خصوصيّة له دون أمّته. - فعن أنس- رضي الله عنه-؛ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تواصلوا» . قالوا: إنّك تواصل. قال: «لست كأحد منكم إنّي أطعم وأسقى» «3» . - وعن عائشة- رضي الله عنها-؛ قالت: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الوصال رحمة لهم. فقالوا: إنّك تواصل. قال: «إنّي لست كهيئتكم، إنّي يطعمني ربّي «4» ويسقين» «5» . قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: واستدلّ بمجموع هذه الأحاديث على أنّ الوصال من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم. وعلى أنّ غيره ممنوع منه إلّا ما وقع فيه التّرخيص من الإذن فيه إلى السّحر» «6» .   (1) سورة الأنبياء: آية (107) . (2) سورة التوبة: آية (128) . (3) رواه البخاري- انظر الفتح 4 (1961) . ومسلم برقم (1102) بمعناه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (4) يطعمني ربي ويسقين: قال النووي رحمه الله: معناه يجعل الله تعالى فيّ قوة الطاعم الشارب، وقيل هو على ظاهره وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والصحيح الأول لأنه لو أكل حقيقة لم يكن مواصلا. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (7/ 212، 213) . (5) رواه البخاري- انظر الفتح 4 (1964) . ومسلم (1105) . (6) انظر فتح الباري (4/ 240) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وقال النّوويّ: قال الخطّابيّ وغيره من أصحابنا: الوصال من الخصائص الّتي أبيحت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحرّمت على الأمّة» «1» . 2- الزّواج من غير وليّ ولا شهود: عني الإسلام عناية كبيرة بالأسرة، فالأسرة هي أساس كيان المجتمع الإسلامي من مجموعها يتكوّن المجتمع ويترتّب على ذلك أنّ الأسرة إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع وحيث إنّ الزّواج هو السّبيل المشروع لتكوين الأسرة وبقاء الجنس البشريّ، فقد رغّب فيه الإسلام وحثّ عليه وشرع له أحكاما معيّنة تشريفا وتكريما لهذه العلاقة علاقة الزّواج. ومن هذه الأحكام، موافقة وليّ المرأة على زواجها وهو شرط لصحّة النّكاح. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا نكاح إلّا بوليّ» «2» فعقد النّكاح لا يهمّ المرأة وحدها بل يهمّ وليّها وعائلتها، والضّرر الّذي يلحقها بسبب سوء اختيارها ينسحب إلى عائلتها وعلى رأسهم وليّها كالأب والأخ. ولهذا فلا بدّ أن يكون للوليّ رأي مسموع في زواجها، وكما يشترط في صحّة النّكاح موافقة وليّ المرأة، كذلك يشترط حضور الشّهود عند عقد النّكاح لكي يعرف العقد ويشيع وتحفظ حقوق المرأة، ويؤمن الجحود. ولهذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا نكاح إلّا بوليّ وشاهدي عدل» «3» . وقد انفرد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أمّته في هذين الحكمين؛ فأباح الله تعالى له الزّواج بغير وليّ ولا شهود تشريفا وتكريما لعدم الحاجة إلى ذلك في حقّه صلّى الله عليه وسلّم. قال العلماء: «إنّما اعتبر الوليّ في نكاح الأمة للمحافظة على الكفاءة، وهو صلّى الله عليه وسلّم فوق الأكفاء، وإنّما اعتبر الشّهود لأمن الجحود وهو صلّى الله عليه وسلّم لا يجحد. وبرهان هذا الحكم في حقّه ما جاء في حديث زينب بنت جحش- رضي الله عنها- أنّها كانت تفخر على أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتقول: «زوّجكنّ أهليكنّ وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات» «4» .   (1) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (7/ 212) . (2) رواه أبو داود برقم (2085) . والترمذي برقم (1101) . وابن ماجه برقم (1881) . والإمام أحمد في المسند (4/ 413، 418) . الحاكم (2/ 169) . والبيهقي. (7/ 107) . وصححه الألباني انظر صحيح الجامع الصغير، رقم (7431) . وعبد القادر الأرناؤوط. انظر تعليقه على جامع الأصول (11/ 457) . (3) رواه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 125) . والطبراني في الكبير (18/ 142) برقم (299) . والدارقطني في سننه (3/ 225) . وصححه الألباني انظر إرواء الغليل (6/ 258- 260) ، وصحيح الجامع الصغير، رقم (7433، 7434) . (4) رواه البخاري- انظر الفتح 13 (7420) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 قال الإمام النّوويّ في شرحه على حديث مسلم: قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: ما أولم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على امرأة من نسائه أكثر أو أفضل ممّا أولم على زينب» . قال رحمه الله: «يحتمل أنّ سبب ذلك الشّكر لنعمة الله في أنّ الله تعالى زوّجه إيّاها بالوحي لا بوليّ وشهود بخلاف غيرها. ومذهبنا الصّحيح المشهور عند أصحابنا صحّة نكاحه صلّى الله عليه وسلّم بلا وليّ ولا شهود لعدم الحاجة إلى ذلك في حقّه صلّى الله عليه وسلّم» «1» . 3- الجمع بين أكثر من أربع نسوة: شرع الله تبارك وتعالى لعباده النّكاح لما فيه من الفوائد العظيمة والحكم الجسيمة، فمن ذلك: الإبقاء على النّوع الإنسانيّ، والتّحصّن من الشّيطان، وكسر التّوقان ودفع غوائل الشّهوة، وغضّ البصر وحفظ الفرج، وترويح النّفس وإيناسها بما أباحه الله لتقوى وتنشط على العبادة، ومجاهدة النّفس ورياضتها بالرّعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل، والاجتهاد في كسب الحلال، والعناية بتربية الأولاد إلى غير ذلك من الفوائد والحكم والأسرار. وقد جاءت الأدلّة الشّرعيّة مبيحة الجمع بين أربع نسوة ومحرّمة الزّيادة على ذلك لآحاد المؤمنين. قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» . قال ابن عبّاس وجمهور العلماء: إنّ المقام مقام امتنان وإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره» «3» . ولمّا أسلم غيلان بن سلمة الثّقفيّ أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اختر منهنّ أربعا» «4» . وقال الشّافعيّ رحمه الله: «دلّت سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المبيّنة عن الله أنّه لا يجوز لأحد غير رسول الله أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة» . قال الحافظ ابن كثير: وهذا الّذي قاله الشّافعي مجمع عليه بين العلماء» «5» . فهذا الحكم من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم الّتي انفرد بها دون غيره من الأمّة، ولا خلاف بين العلماء أنّه توفّي صلّى الله عليه وسلّم عن تسع نسوة؛ سودة بنت زمعة القرشيّة،   (1) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 229، 230) . (2) سورة النساء: آية (2، 3) . (3) انظر تفسير ابن كثير (1/ 460) . (4) رواه أبو داود برقم (2241) . والترمذي برقم (1128) . وابن ماجه برقم (1953) الإمام أحمد في مسنده مطولا (2/ 14) . قال الحافظ ابن كثير: إسناد أحمد ثقات على شرط الشيخين. انظر تفسير ابن كثير (1/ 461) . وقال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح.. انظر مجمع الزوائد (4/ 223) . (5) انظر تفسير ابن كثير (1/ 460) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 وعائشة بنت أبي بكر القرشيّة، وأمّ سلمة هند بنت أبي أميّة القرشيّة، وحفصة بنت عمر القرشيّة، وزينب بنت جحش الأسديّة، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة، وأمّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان القرشيّة، وصفيّة بنت حييّ النّضيريّة، وميمونة بنت الحارث الهلاليّة. فائدة: والحكمة في استكثاره صلّى الله عليه وسلّم من النّساء: قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: والّذي تحصّل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النّساء عدّة أوجه: أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظنّ به المشركون من أنّه ساحر أو غير ذلك. ثانيها: لتتشرّف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم. ثالثها: للزّيادة في تآلفهم بذلك. رابعها: للزّيادة في التّكليف حيث كلّف أن لا يشغله ما حبّب إليه منهنّ عن المبالغة في التّبليغ. خامسها: لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على من يحاربه. سادسها: نقل الأحكام الشّرعيّة الّتي لا يطّلع عليها الرّجال، لأنّ أكثر ما يقع مع الزّوجة ممّا شأنه أن يختفي مثله. سابعها: الاطّلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوّج أمّ حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه، وصفيّة بعد قتل أبيها وعمّها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه، بل الّذي وقع أنّه كان أحبّ إليهنّ من جميع أهلهنّ. ثامنها: تحصينهنّ والقيام بحقوقهنّ» «1» . 4- بدء القتال بالبلد الأمين: شرّف الله عزّ وجلّ أمّ القرى البلد الحرام وفضّلها واختارها وخصّها بخصائص ومزايا ليست لغيرها من بقاع الدّنيا فمن ذلك أنّ بها بيته العتيق أوّل بيت وضع للنّاس لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلّون إليه ويعتكفون عنده ومن دخله كان آمنا. وجعله مثابة للنّاس يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار ولا يقضون منه وطرا بل كلّما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقا. لا يرجع الطّرف عنها حين ينظرها ... حتّى يعود إليها الطّرف مشتاقا فلله كم أنفق في حبّها من الأموال والأرواح ورضي المحبّ بمفارقة الأهل والأحباب والأوطان. جعل عرصاتها مناسك لعباده فرض عليهم قصدها وجعل ذلك من فروض الإسلام. وأخبر أنّها أمّ القرى فالقرى كلّها تبع لها وفرع عليها فليس لها في القرى عديل «2» . إنّها بلد حرام حرّمها الله يوم خلق السّماوات والأرض فالقتال فيها لا يحلّ ولا يجوز إلى غير ذلك من خصائصها.   (1) انظر فتح الباري (9/ 17) بتصرف يسير. (2) زاد المعاد (1/ 46- 51) باختصار وتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 وقد أباح الله تبارك وتعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم مكّة المكرّمة عام الفتح ساعة من نهار فدخلها بغير إحرام وقتل من أهلها يومئذ نحو عشرين فكان ذلك من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم. وقد دلّت على ذلك الأحاديث الصّحيحة، منها ما ذكره صلّى الله عليه وسلّم في خطبته صبيحة ذلك اليوم حيث قال: إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس. فلا يحلّ لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد «1» بها شجرة. فإن أحد ترخّص بقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها فقولوا له: إنّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم. وإنّما أذن لي فيها ساعة من نهار. وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلّغ الشّاهد الغائب «2» . النّوع الثّالث ما وجب عليه دون غيره والحكمة في اختصاصه بها زيادة الزّلفى ورفع الدّرجات. وهذا القسم مثّل له العلماء رحمهم الله بأمثلة عديدة منها اختصاصه بوجوب صلاة الضّحى وقيام اللّيل والسّواك والأضحية ووجوب مشاورة أصحابه..» ولكنّ أمثلة هذا النّوع أو ا* كثرها لم يحصل عليها اتّفاق بين العلماء لتعدّد الأدلّة المثبتة والنّافية. ولهذا لم نتعرّض لمسائل هذا النّوع بحثا ودراسة بل أشرنا إلى بعض أمثلته ممّا ذكره العلماء كصلاة الضّحى وقيام اللّيل.. إلخ. ومن أراد الزّيادة فليرجع إلى مظانّ ذلك «3» . النّوع الرّابع ما اختصّ به عن أمّته من الفضائل والكرامات 1- عصمة في الأقوال والأفعال: كان صلّى الله عليه وسلّم معصوما في أقواله وأفعاله لا يجوز عليه الخطأ فيما يتعلّق بأداء الرّسالة ولا يقرّ عليه بل ينزل الوحي بتصحيحه. قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «4» .   (1) لا يعضد: قال أهل اللغة: العضد القطع. (2) رواه البخاري- انظر الفتح 4 (1832) . ومسلم (1354) . (3) انظر الفصول لابن كثير (ص 307- 311) ، خصائص أفضل المخلوقين لابن الملقن (ص 102- 158) رسالة ما جستير، والخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 396- 404) . (4) سورة النجم: الآيات (1- 4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 وهذا ممّا يشترك فيه هو والأنبياء عليهم السّلام. بخلاف سائر أمّته فإنّه يجوز ذلك كلّه على كلّ منهم منفردا. أمّا إذا اجتمعوا كلّهم على قول واحد فلا يرد عليهم الخطأ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى قد أجار أمّتي أن تجتمع على ضلالة «1» . 2- من استهان به أو سبّه كفر: تضافرت الأدلّة من الكتاب والسّنة وإجماع الأمّة موضّحة ومجلّية ما يجب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الحقوق وما يتعيّن له من برّ وتوقير وإكرام وتعظيم ومن أجل هذا حرّم الله تبارك وتعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمّة على قتل منتقصه وسابّه. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً «2» . وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «3» . فكلّ من استهان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو سبّه أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرّض به أو شبّهه بشيء على طريق السّبّ له أو الإزراء عليه أو التّصغير لشأنه أو الغضّ منه والعيب له فإنّه يقتل كفرا. والأدلّة على ذلك كثيرة منها: - ما روى أبو داود والنّسائيّ: عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-؛ أنّ أعمى كانت له أمّ ولد، تشتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. قال: فلمّا كانت ذات ليلة جعلت تقع في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتشتمه، فأخذ المغول «4» فوضعه في بطنها، واتّكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطّخت ما هناك بالدّم، فلمّا أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجمع النّاس فقال: «أنشد الله رجلا فعل ما فعل، لي عليه حقّ، إلّا قام فقام الأعمى يتخطّى النّاس، وهو يتزلزل حتّى قعد بين يدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللّؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلمّا كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتّكأت عليها حتّى قتلتها، فقال النّبيّ   (1) رواه ابن أبي عاصم في كتاب" السنة"، (2/ 1) ، رقم (79) من حديث كعب بن عاصم الأشعري ورواية أخرى من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهم. وذكر له الشيخ الألباني طرقا ثم قال: فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1331) . وأيضا صحيح الجامع الصغير برقم (1782) . (2) سورة الأحزاب آية (57) . (3) سورة التوبة آية (61) . (4) قال في «عون المعبود» : المغول سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه. وقيل: حديدة دقيقة لها حد ماض، وقيل: سوط في جوفه سيف دقيق يشده الفاتك على وسطه ليغتال به الناس. انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود (12/ 15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 صلّى الله عليه وسلّم: ألا اشهدوا: أنّ دمها هدر» «1» . وروى أبو داود والنّسائيّ؛ عن أبي برزة- رضي الله عنه-؛ قال: «كنت عند أبي بكر فتغيّظ على رجل، فاشتدّ عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فدخل فأرسل إليّ فقال: ما الّذي قلت آنفا؟ قلت: ائذن لي أضرب عنقه. قال: أكنت فاعلا لو أمرتك؟ قلت: نعم قال: لا والله ما كانت لبشر بعد محمّد صلّى الله عليه وسلّم» «2» . وأمّا الإجماع: فقد قال أبو بكر بن المنذر- رحمه الله-: «أجمع عوامّ أهل العلم على أنّ من سبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقتل» «3» . وقال محمّد بن سحنون- رحمه الله-: «أجمع العلماء أنّ شاتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المتنقّص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له وحكمه عند الأمّة القتل» «4» . وقد ذكر ذلك ونقل الإجماع عليه غير واحد من أهل العلم. 3- الكذب عليه ليس كالكذب على غيره: الكذب رذيلة محضة وخصلة ذميمة وهو من قبائح الذّنوب وفواحش العيوب وأقبح الصّفات، يقلب الموازين، ويمسخ الحقائق ويشوّه وجه الجمال في كلّ شيء يداخله وينبيء عن تغلغل الفساد في نفس صاحبه، ويجرّ به إلى الفجور والنّفاق. قال صلّى الله عليه وسلّم: « ... وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور وإنّ الفجور يهدي إلى النّار» «5» . وقال: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: «إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» «6» . ومن أشدّ أنواع الكذب وأشنعه الكذب على الله تعالى أو الكذب على رسوله صلّى الله عليه وسلّم لأنّه افتراء في الدّين، وتلاعب بشرائع الله لعباده، وتجرّؤ عظيم على النّار. ولهذا أجمع العلماء على تغليظ الكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه من الكبائر وأنّ من كذب عليه متعمّدا مستجيزا لذلك فهو كافر.   (1) سنن أبي داود برقم (4361) . وسنن النسائي (7/ 107، 108) . وصححه الألباني انظر صحيح سنن أبي داود برقم (3666) . (2) سنن أبي داود برقم (4363) . والنسائي (7/ 109) . وقال ابن تيميه رحمه الله: رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح. انظر" الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص 92) . (3) " الشفا" للقاضي عياض (2/ 474) . (4) " الشفا" للقاضي عياض (2/ 476) . (5) رواه البخاري- انظر الفتح 10 (6094) . ومسلم برقم (2607) . (6) رواه البخاري- انظر الفتح 1 (34) . ومسلم برقم (58) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ كذبا عليّ ليس ككذب على أحد فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» «1» . وقال: «بلّغوا عنّي ولو آية وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» «2» . وهذا المعنى: وهو توعّد من كذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّار. ورد من طرق متواترة صرّح بذلك غير واحد. ومن بشاعة هذه الجريمة وشناعتها أنّ بعض العلماء منهم الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو بكر الحميديّ، أفتوا بأنّ من كذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توبته مردودة ومن ثمّ لا تقبل روايته، إلّا أنّ جماهير العلماء على خلاف قولهم. بينما نجد أنّ من كذب على غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإن كان ذلك إثما وفسقا إلّا أنّ توبته صحيحة بالإجماع. 4- رؤية خاصّة: - عن عائشة- رضي الله عنها-؛ قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما: «يا عائش هذا جبريل يقرئك السّلام. فقلت: وعليه السّلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى» «3» . - وعن أبي ذرّ- رضي الله عنه-؛ قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون. إنّ السّماء أطّت «4» وحقّ لها أن تئطّ. ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وملك واضع جبهته ساجدا لله. والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. وما تلذّذتم بالنّساء على الفرش. ولخرجتم إلى الصّعدات «5» تجأرون «6» إلى الله» «7» .   (1) رواه البخاري- انظر الفتح 6 (3461) . (2) رواه البخاري- انظر الفتح 3 (1291) . ومسلم برقم (4) . (3) رواه البخاري- انظر الفتح 7 (3768) . مسلم برقم (91/ 2447) . (4) أطت: في النهاية: الأطيط صوت الأقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها. أي إن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثم أطيط. وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى. انظر النهاية (1/ 54) . (5) الصعدات: في النهاية: هي الطرق. وهي جمع صعد. وصعد جمع صعيد. كطريق وطرق وطرقات. وقيل: هي جمع صعدة، كظلمة، وهي فناء باب الدار وممر الناس بين يديه. انظر النهاية (3/ 29) ، وجامع الأصول (4/ 13) . (6) تجأرون: أي ترفعون أصواتكم وتستغيثون. (7) الترمذي برقم (2312) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجه برقم (4190) . ورواه الإمام أحمد (5/ 173) . والحاكم في المستدرك (2/ 510) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأيضا حسنه الألباني- انظر صحيح الجامع الصغير برقم (2445) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما. ثمّ انصرف فقال: يا فلان ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلّي إذا صلّى كيف يصلّي؟ فإنّما يصلّي لنفسه. إنّي والله لأبصر من ورائي «1» كما أبصر من بين يديّ» «2» . - وعنه- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هل ترون قبلتي ههنا؟ فو الله ما يخفى عليّ ركوعكم ولا سجودكم. إنّي لأراكم وراء ظهري» «3» . 5- أجر تطوّعه قاعدا كتطوّعه قائما: شرعت صلاة النّافلة لحكم عظيمة وأسرار منها زيادة الحسنات ورفعة الدّرجات، فعن ربيعة بن كعب الأسلميّ خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال: «سلني» . قلت: أسألك مرافقتك في الجنّة، فقال: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك. قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» «4» . ومنها جبر وإكمال الفريضة إن نقصت. - فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئا، قال الرّبّ- عزّ وجلّ-: انظروا هل لعبدي من تطوّع فيكمّل بها ما انتقص من الفريضة ثمّ تكون سائر أعماله على هذا» «5» . هذا ولصلاة النّافلة آداب وأحكام منها:   (1) لأبصر من ورائي: قال النووي- رحمه الله-: قال العلماء: معناه أن الله تعالى خلق له صلى عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه. وقد انخرقت العادة له صلى عليه وسلم بأكثر من هذا. وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضي: قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وجمهور العلماء على أن هذه الرؤية رؤية بالعين الحقيقية. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 149- 150) . (2) رواه مسلم برقم (423) . (3) رواه البخاري- انظر الفتح 2 (741) . ومسلم برقم (424) . (4) رواه مسلم برقم (489) . (5) رواه أبو داود برقم (864) ، والترمذي برقم (413) وقال: حديث حسن. والنسائي (1/ 232) . وابن ماجه برقم (1425) . والحاكم في المستدرك (1/ 262) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. قال الشوكاني: وأخرجه النسائي من طريق إسنادها جيد، ورجالها رجال الصحيح كما قال العراقي وصححها ابن القطان- انظر نيل الأوطار (1/ 345) . ونقل ابن علان عن الحافظ ابن حجر تصحيحه للحديث. انظر دليل الفالحين (3/ 581) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 جواز القعود فيها مع القدرة على القيام بخلاف الفريضة فمن صلّاها كذلك فصلاته صحيحة وله نصف ثواب القائم لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة القاعد على النّصف من صلاة القائم» » . وهذا الحكم عامّ لجميع الأمّة واختصّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك عن أمّته بأن جعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له وتكريما. - ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-؛ قال: حدّثت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة الرّجل قاعدا نصف الصّلاة» . قال فأتيته فوجدته يصلّي جالسا، فوضعت يدي على رأسه. فقال: «مالك يا عبد الله بن عمرو «قلت: حدّثت يا رسول الله أنّك قلت: صلاة الرّجل قاعدا على نصف الصّلاة وأنت تصلّي قاعدا قال: «أجل ولكنّي لست كأحد منكم» «2» . قال النّوويّ وغيره من العلماء: ... نافلته صلّى الله عليه وسلّم قاعدا مع القدرة ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص» «3» . 6- لا يورّث: الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام سفراء الله إلى عباده وحملة وحيه مهمّتهم إبلاغ رسالات الله إلى عباده والدّعوة إلى الله وإصلاح النّفوس وتزكيتها وتصحيح الفكر المنحرف والعقائد الزّائفة وإقامة الحجّة وسياسة الأمّة فلم تكن وظيفتهم اختزان الأموال ولا توريث التّراث. وإنّما ورّثوا علما وشرعا وبلاغا للنّاس فذلك ميراثهم وهو خير ميراث. قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء وإنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، وإنّما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظّ وافر» «4» . وهذا من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه- وكذلك الأنبياء عليهم السّلام- دون أمّته أنّه لا يورث وأنّ ما تركه صدقة. قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا نورث ما تركنا صدقة» «5» .   (1) رواه أبو داود برقم (951) . الترمذي برقم (371) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (3/ 223، 224) . وابن ماجه برقم (1230) . وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح. ورواه البخاري بمعناه- انظر الفتح 2 (1116) . (2) رواه مسلم برقم (735) . (3) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (6/ 15) . (4) رواه أبو داود برقم (3641) . والترمذي برقم (2682) . وابن ماجه برقم (223) . والإمام أحمد في المسند (5/ 196) وصححه الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير برقم (6173) . (5) رواه البخاري- انظر الفتح 12 (6730) . ومسلم برقم (1758) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وقال: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث» «1» . وقال: «لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة» «2» . قال ابن كثير- رحمه الله-: «وقد أجمع على ذلك أهل الحلّ والعقد ولا التفات إلى خرافات الشّيعة والرّافضة فإنّ جهلهم قد سارت به الرّكبان» «3» . قال العلماء- رحمهم الله-: «والحكمة في أنّ الأنبياء صلوات الله عليهم لا يورثون أنّه لا يؤمن أن يكون في الورثة من يتمنّى موته فيهلك بذلك، ولئلّا يظنّ بهم الرّغبة في الدّنيا وجمعها لوارثهم فيهلك الظّانّ وينفر النّاس عنهم، وأنّ الأنبياء في حكم الآباء لأممهم فيكون ميراثهم للجميع» . 7- أزواجه أمّهات المؤمنين: شرّف الله- تبارك وتعالى- أزواج نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وخصّهنّ بخصائص ليست لغيرهنّ من النّساء إكراما وإجلالا لعبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. ومن ذلك أن جعلهنّ أمّهات المؤمنين؛ فقال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ «4» . ومعنى هذه الأمومة: الاحترام والتّوقير والإكرام والإعظام والإجلال والطّاعة وتحريم العقوق، ولكن لا تجوز الخلوة بهنّ، ولا ينتشر التّحريم إلى بناتهنّ وأخواتهنّ بالإجماع. كما حرم نكاحهنّ على الرّجال. قال تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً «5» . وعلى هذا انعقد إجماع العلماء قاطبة أنّ من توفّي عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أزواجه أنّه يحرم على غيره تزوّجها من بعده لأنّهنّ أزواجه في الدّنيا والآخرة وأمّهات المؤمنين. وذلك من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم الّتي انفرد بها عن أمّته. 8- رؤيته في المنام حقّ: اختصّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنّ من رآه في المنام كان كمن رآه في اليقظة ومنع الشّيطان أن يتصوّر في خلقته لئلّا يكذب على لسانه في النّوم، كما منع أن يتصوّر في صورته في اليقظة إكراما له.   (1) رواه الإمام أحمد في المسند (2/ 463) ، وأصله في البخاري- انظر الفتح 12 (6730) . ومسلم برقم (1758) . (2) رواه البخاري- انظر الفتح 12 (6729) . ومسلم برقم (1760) . (3) انظر كتاب" الفصول" لابن كثير (ص 325) . (4) سورة الأحزاب آية (6) . (5) سورة الأحزاب آية (53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 - فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من رآني في المنام فقد رآني فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي» «1» . قال القرطبيّ- رحمه الله- بعد أن سرد أقوالا كثيرة في معنى الحديث: والصّحيح في تأويل هذا الحديث. أنّ رؤيته صلّى الله عليه وسلّم في كلّ حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حقّ في نفسها. وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطّيّب وغيره» «2» . أ. هـ. وبيّن العلماء رحمهم الله أنّ هذه الرّؤيا مشروطة بأن يراه الرّائي على صورته الّتي كان عليها في الحياة الدّنيا والّتي جاءت مفصّلة في الأحاديث. فائدة: قال الحافظ ابن كثير: واتّفقوا على أنّ من نقل عنه حديثا في المنام أنّه لا يعمل به لعدم الضّبط في رواية الرّائي فإنّ المنام محلّ تضعف فيه الرّوح وضبطها» «3» . 9- عبارات جافية في ظاهرها رحمة في غايتها: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاحشا ولا متفحّشا ولا لعّانا ولا منتقما لنفسه إلّا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله تعالى، وإنّما كان صلّى الله عليه وسلّم عفوّا حليما عظيم الشّفقة على أمّته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرّغبة في كلّ ما ينفعهم كما مرّ مفصّلا، فعند ما قدم الطّفيل الدّوسيّ وأصحابه فقالوا: يا رسول الله، إنّ دوسا قد كفرت وأبت فادع الله عليها. فقال: «اللهمّ اهد دوسا وائت بهم» «4» وأمثال هذا كثير. وما وقع منه صلّى الله عليه وسلّم في النّادر والقليل من دعاء وألفاظ ظاهرها السّبّ فمحمول- كما قال النّوويّ رحمه الله- على أنّ ظاهرها وحقيقتها غير مرادة وليس هي عن قصد بل هي ممّا جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلانيّة كقوله: تربت يمينك» «5» و «عقرى حلقى» «6» وقوله لامرأة «لا كبر سنّك» وقوله في معاوية: «لا أشبع الله بطنه «7» » أو محمول على أنّ من أطلق في حقّه هذه العبارات مستوجب مستحقّ له في الظّاهر بأمارة شرعيّة.   (1) رواه البخاري- انظر الفتح 12 (6994) . ومسلم برقم (2266) . (2) انظر فتح الباري (12/ 401) . (3) انظر الفصول في سيرة الرسول لابن كثير (ص 298- 299) . (4) رواه البخاري- انظر فتح الباري 7 (4392) . ومسلم برقم (2524) واللفظ له. (5) تربت يمينك: ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب، وأترب إذا استغني.. انظر النهاية (1/ 184) . (6) عقرى حلقي: قال الزمخشري: هما صفتان للمرأة المشئومة أي أنها تعقر قومها وتحلقهم: أي تستأصلهم من شؤمها عليهم. انظر النهاية (3/ 272، 273) . (7) رواه مسلم برقم (2604) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مأمور بالحكم بالظّاهر والله يتولّى السّرائر «1» . فخاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعظيم رحمته وشفقته أن يصادف شيء من هذه العبارات إجابة فسأل ربّه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفّارة وقربة وطهورا وأجرا. وهذا في حقّ من لم يكن لذلك أهلا وكان مسلما وإلّا فقد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الكفّار والمنافقين ولم يكن ذلك لهم رحمة. فتحوّل الدّعاء ونحوه لمن ليس له بأهل إلى كفّارة ورحمة وقربة من جملة خصائصه صلّى الله عليه وسلّم الّتي اختصّ بها عن أمّته. - فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «اللهمّ إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه فإنّما أنا بشر فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة» «2» .   (1) انظر شرح النووي علي صحيح مسلم (16/ 152) . (2) رواه البخاري- مختصرا- انظر الفتح 11 (6361) . ومسلم برقم (2601) واللفظ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 معجزات ودلائل نبوّة خاتم الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وسلّم تمهيد: أجرى الله- تبارك وتعالى- على يدي أنبيائه ورسله من المعجزات الباهرات والدّلائل القاطعات والحجج الواضحات ما يدلّ على صدق دعواهم أنّهم رسل الله، وكي تقوم الحجّة البالغة على النّاس فلا يبقى لأحد عذر في عدم تصديقهم وطاعتهم. فقال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ «1» . والفرق بين المعجزة وغيرها من الدّلالة والعلامة أنّ المعجزة يشترط فيها التّحدّي وأن يكون المتحدّى به ممّا يعجز عنه البشر في العادة المستمرّة. أمّا الدّلائل والعلامات فتقع دالّة على صدق الأنبياء والرّسل من غير سبق تحدّ وسمّيت المعجزة كذلك لعجز الخلق عن معارضتها والإتيان بمثلها. والمعجزة على ضربين: - ضرب هو من نوع قدرة البشر، فعجزوا عنه فتعجيزهم عنه فعل لله دلّ على صدق نبيّه كتحدّي اليهود أن يتمنّوا الموت. - وضرب خارج عن قدرتهم، فلم يقدروا على الإتيان بمثله كانشقاق القمر، ممّا لا يمكن أن يفعله أحد إلّا الله تعالى فيكون ذلك على يد النّبيّ من فعل الله تعالى وتحدّي من يكذّبه أن يأتي بمثله تعجيزا له «2» . ومعجزات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي ظهرت على يديه تشمل كلا النّوعين. فهو صلّى الله عليه وسلّم أكثر الرّسل معجزة وأبهرهم آية وأظهرهم برهانا فله من المعجزات ما لا يحدّ ولا يعدّ، وقد ألّفت في معجزاته صلّى الله عليه وسلّم المؤلّفات الكثيرة وتناولها العلماء بالشّرح والبيان. ممّن اعتنى بجمعها من الأئمّة أبو نعيم الأصبهانيّ والبيهقيّ. ومعجزاته صلّى الله عليه وسلّم، منها ما نقل إلينا نقلا متواترا من طرق كثيرة تفيد القطع عند الأمّة. ومنها ما لم يبلغ مبلغ الضّرورة والقطع وهو على نوعين: - نوع مشتهر منتشر، رواه العدد وشاع الخبر به عند أهل العلم بالآثار، ونقلته السّير والأخبار، كنبع الماء من بين أصابعه الشّريفة صلّى الله عليه وسلّم، وتكثيره الطّعام. - ونوع منه اختصّ به الواحد والاثنان ورواه العدد اليسير ولم يشتهر اشتهار غيره لكنّه إذا جمع إلى مثله اتّفقا في المعنى واجتمعا على الإتيان بالمعجز «3» .   (1) سورة الحديد: من الآية رقم (25) . (2) انظر الشفا للقاضي عياض (1/ 491، 492) بتصرف. (3) المرجع السابق (1/ 495) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وبعد هذا التّمهيد الموجز، نورد بإذن الله تعالى، جملة من معجزات ودلائل نبوّة سيّد الأوّلين والآخرين صلّى الله عليه وسلّم ممّا ساندها الدّليل الصّحيح. المعجزة الكبرى: أعطى الله عزّ وجلّ كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم السّلام معجزة خاصّة به لم يعطها بعينها غيره تحدّى بها قومه، وكانت معجزة كلّ نبيّ تقع مناسبة لحال قومه وأهل زمانه. فلمّا كان الغالب على زمان موسى عليه السّلام السّحر وتعظيم السّحرة، بعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار، وحيّرت كلّ سحّار، فلمّا استيقنوا أنّها من عند العزيز الجبّار انقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار. وأمّا عيسى عليه السّلام فبعث في زمن الأطبّاء وأصحاب علم الطّبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلّا أن يكون مؤيّدا من الّذي شرع الشّريعة، فمن أين للطّبيب قدرة على إحياء الجماد، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التّناد، أو على مداواة الأكمه والأبرص. وكذلك نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشّعراء، فأتاهم بكتاب من عند الله عزّ وجلّ، فاتّهمه أكثرهم أنّه اختلقه وافتراه من عنده فتحدّاهم ودعاهم أن يعارضوه ويأتوا بمثله وليستعينوا بمن شاءوا فعجزوا عن ذلك كما قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً «1» . وكما قال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ «2» . ثمّ تقاصر معهم إلى عشر سور منه، فقال في سورة هود. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «3» . ثمّ تنازل إلى سورة فقال في سورة يونس: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «4» . وكذلك في سورة البقرة وهي مدنيّة أعاد التّحدّي بسورة منه، وأخبر تعالى أنّهم لا يستطيعون ذلك أبدا لا في الحال ولا في المآل. فقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ   (1) سورة الإسراء: آية رقم (88) . (2) سورة الطور: آية رقم (33، 34) . (3) سورة هود: آية رقم (13) . (4) سورة يونس: آية رقم (38) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ «1» . وهكذا وقع، فإنّه من لدن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدا، فإنّه كلام ربّ العالمين الّذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنّى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق؟ وقد انطوى كتاب الله العزيز على وجوه كثيرة من وجوه الإعجاز: ذلك أنّ القرآن الكريم معجز في بنائه التّعبيريّ وتنسيقه الفنّيّ باستقامته على خصائص واحدة في مستوى واحد لا يختلف ولا يتفاوت ولا تتخلّف خصائصه. معجز في بنائه الفكريّ وتناسق أجزائه وتكاملها، فلا فلتة فيه ولا مصادفة، كلّ توجيهاته وتشريعاته، تلتقي وتتناسب وتتكامل وتحيط بالحياة البشريّة وتستوعبها وتلبّيها وتدفعها دون أن تتعارض جزئيّة واحدة من ذلك المنهاج الشّامل الضّخم مع جزئيّة أخرى، ودون أن تصطدم واحدة منها بالفطرة الإنسانيّة أو تقتصر عن تلبيتها، وكلّها مشدودة إلى محور وإلى عروة واحدة في اتّساق لا يمكن أن تفطن إليه خبرة الإنسان المحدودة. معجز في يسر مداخله إلى القلوب والنّفوس ولمس مفاتيحها وفتح مغاليقها واستجاشه مواضع التّأثّر والاستجابة فيها «2» . وقد سرد هبة الدّين الحسينيّ الشّهرستانيّ المزايا الإجماليّة للقرآن وهي: 1- فصاحة ألفاظه الجامعة لكلّ شرائعها. 2- بلاغته بالمعنى المشهور أي موافقة الكلام لمقتضى الحال ومناسبات المقام أو بلاغته الذّوقيّة المعنويّة. 3- عروبة العبارات الممثّلة لسذاجة البداوة مع اشتمالها على بسائط الحضارة. 4- توافر المحاسن الطّبيعيّة فوق المحاسن البديعيّة. 5- إيجاز بالغ مع الإعجاز بدون أن يخلّ بالمقصود. 6- إطناب غير مملّ في مكرّراته. 7- سموّ المعاني وعلوّ المرمى في قصد الكمال الأسمى. 8- طلاوة أساليبه الفطريّة، ومقاطعه المبهجة، وأوزانه المتنوّعة.   (1) سورة البقرة: آية رقم (23، 24) . (2) قال در منغم في كتابه «حياة محمد» إن جمال القرآن الأدبي الفائق وقوته النورانية لا يزالان إلى اليوم لغزا لم يحل وهما يضعان من يتلوه- ولو كان أقل الناس تقوى- في حالة خاصة من الحماسة (عن كتاب محمد رسول الله لبشري زخاري ميخائيل ص 34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 9- فواصله الحسنى وأسماعه الفطريّة. 10- أنباؤه الغيبيّة، وإخباره عن كوامن الزّمان، وخفايا الأمور. 11- أسرار علميّة لم تهتد العقول إليها بعد عصر القرآن إلّا بمعونة الأدوات الدّقيقة، والآلات الرّقيقة المستحدثة. 12- غوامض أحوال المجتمع، وآداب أخلاقيّة تهذّب الأفراد وتصلح شؤون العائلات. 13- قوانين حكيمة في فقه تشريعيّ، فوق ما في التّوراة والإنجيل، وكتب الشّرائع الأخرى. 14- سلامته عن التّعارض، والتّناقض، والاختلاف. 15- خلوصه من تنافر الحروف، وتنافي المقاصد. 16- ظهوره على لسان أمّيّ لم يعرف الدّراسة، ولا ألف محاضرة العلماء، ولا جاب الممالك سائحا مستكملا. 17- طراوته «1» في كلّ زمان، كونه طريّا كلّما تلي وأينما تلي. 18- اشتماله على السّهل الممتنع الّذي يعدّ ملاك الإعجاز، والتّفوّق النّهائيّ. 19- قوّة عبارته لتحمّل الوجوه، وتشابه المعاني. 20- قصصه الحلوة، وكشوفه التّاريخيّة من حوادث القرون الخالية. 21- أمثاله الحسنى الّتي تجعل المعقول محسوسا، وتجعل الغائب عن الذّهن حاضرا لديه. 22- معارفه الإلهيّة كأحسن كتاب في علم اللّاهوت، وكشف أسرار عالم الملكوت، وأوسع سفر من مراحل المبدإ والمعاد. 23- خطاباته البديعيّة، وطرق إقناعه الفذّة. 24- تعاليمه العسكريّة، ومناهجه في سبيل الصّلح، وفنون الحرب. 25- سلامته من الخرافات والأباطيل، الّتي من شأنها إجهاز العلم عليها كلّما تكاملت أصوله وفروعه. 26- قوّة الحجّة، وتفوّق المنطق. 27- اشتماله على الرّموز في فواتح السّور، ودهشة الفكر حولها وحول غيرها. 28- جذاباته الرّوحيّة الخلّابة للألباب، السّاحرة للعقول، الفتّانة للنّفوس.   (1) قال ديزيريه بلا نشيه في كتابه «دراسات في تاريخ الأديان» في وصف القرآن: «كفى هذا القرآن مجدا وجلالا أن الأربعة عشر قرنا التي مرت عليه لم تستطع أن تجفف أسلوبه بل لا يزال غضّا كأن عهده بالحياة أمس (راجع كتاب محمد رسول الله هكذا بشرت الأناجيل. لبشري زخاري ميخائيل ص 35) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 ولعلّ الأصوب أن يضاف إلى ذلك تضمّنه الأسس لشريعة إنسانيّة صالحة لكلّ زمان ومكان «1» . هذا وإنّ وجوه إعجاز القرآن كثيرة، وقد ألّفت فيها كتب كثيرة ويمكن أن يضاف إلى ما ذكره الشّهرستانيّ ما يلي: 1- ترك المعارضة مع توفّر الدّواعي وشدّة الحاجة، ممّا يؤكّد عجز البشر عن الإتيان بمثله. 2- اتّساق القرآن في أغراضه ومعانيه على طول المدّة الّتي استغرقها في تجمّعه، فخواتيمه بعد ربع قرن جاءت مطابقة متساوقة لفواتحه يصدّق بعضها بعضا، ويكمّله كأنّه نفس واحد. 3- سهولة حفظه كما قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* «2» . فهو ميسّر على جميع الألسنة ومحفوظ في الصّدور. 4- حسن التّخلّص من قصّة إلى أخرى والخروج من باب إلى غيره. 5- إطنابه في خطاب اليهود، وإيجازه في خطاب العرب، للتّفاوت بينهما فهما وبلاغة. 6- ما أنبأ به من أخبار القرون السّالفة، ممّا كان لا يعلم منه القصّة الواحدة إلّا الفذّ من أحبار أهل الكتاب. 7- وجود كلمات في جمل لا يسدّ مسدّها غيرها مثل قوله تعالى: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي «3» فليس بمقدور أحد أن يأتي بكلمة تسدّ مسدّها. 8- نزاهته في التّعبير كقوله تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» وقوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ «5» وقوله: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ «6» وقوله: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ* «7» . 9- خلوص ألفاظ الهجاء فيه من الفحش، كقوله تعالى: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ «8» .   (1) عن كتاب (نظرات في القرآن) لمحمد الغزالي. قلت ومثال واحد على ذلك قوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ولم يقل فصوموه، كما لم يحدد مواقيت الصلاة لاختلاف المواقع في الكرة الأرضية، وهذا ما يجعله موافقا لكل زمان ومكان. (2) سورة القمر، آية (17) . (3) سورة طه، آية (18) . (4) سورة البقرة، آية (187) . (5) سورة البقرة، آية (223) . (6) سورة النساء، آية (21) . (7) سورة النساء، آية (43) . (8) سورة النور، آية (50) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 10- التّدرّج في الأحكام. 11- ما تضمّنه من الأخبار عن الضّمائر، كقوله تعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ «1» وقوله تعالى: يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا «2» وقوله تعالى: وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ «3» وقوله: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ «4» . 12- جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة، وهما كالمتضادّين لا يجتمعان في كلام البشر غالبا. 13- اقتران معانيه المتغايرة في السّور المختلفة، فيخرج في السّورة من وعد إلى وعيد، ومن ترغيب إلى ترهيب، ومن ماض إلى مستقبل، ومن قصص إلى مثل، ومن حكمة إلى جدل، فلا يتنافر، وهي في غيره من الكلام متنافرة. 14- لا يخرج عن أسلوبه ولا يزول عن اعتداله باختلاف آياته في الطّول والقصر. 15- آي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنّهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا، فالإخبار بالعجز عن الإتيان بمثل القرآن معجزة للقرآن. 16- قارئه لا يملّه، وسامعه لا يمجّه، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وترديده يوجب له محبّة، وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد، ويملّ على التّرديد. 17- كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدّنيا لتكفّل الله بحفظه «5» . قال الحافظ ابن كثير «6» : إنّ الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن، بل عن عشر سور مثله، بل عن سورة منه، وإنّهم لا يستطيعون ذلك أبدا كما قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا «7» أي فإن لم تفعلوا في الماضي، ولن تستطيعوا ذلك في المستقبل، وهذا تحدّثان، وهو أنّه لا يمكن معارضتهم له في الحال ولا في المال. ومثل هذا التّحدّي إنّما   (1) سورة المجادلة، آية (8) . (2) سورة آل عمران، آية (154) . (3) سورة النساء، آية (46) . (4) سورة الأنفال، آية (7) . (5) لقد جمع المؤلف حفظه الله كتابا ضخما في علوم القرآن وفنونه، أعانه الله على إتمامه. (6) البداية والنهاية (6/ 65 و66) . (7) سورة البقرة، آية (24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 يصدر عن واثق بأنّ ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته، ولا الإتيان بمثله، ولو كان من متقوّل من عند نفسه لخاف أن يعارض، فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصد من متابعة النّاس له. ومعلوم لكلّ ذي لبّ أنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم من أعقل خلق الله، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق في الأمر نفسه، فما كان ليقدم على هذا الأمر إلّا وهو عالم بأنّه لا يمكن معارضته وهكذا وقع، فإنّه من لدن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدا، فإنّه كلام ربّ العالمين الّذي لا يشبهه شيء من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فأنّى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق؟. قال الحافظ ابن حجر: وقد جمع بعضهم إعجاز القرآن في أربعة أشياء: أحدها: حسن تأليفه والتئام كلمه مع الإيجاز والبلاغة. ثانيها: صورة سياقه وأسلوبه المخالف لأساليب كلام أهل البلاغة من العرب نظما ونثرا حتّى حارت فيه عقولهم ولم يهتدوا إلى الإتيان بشيء مثله مع توفّر دواعيهم على تحصيل ذلك وتقريعه لهم على العجز عنه. ثالثها: ما اشتمل عليه من الإخبار عمّا مضى من أحوال الأمم السّالفة والشّرائع الدّاثرة ممّا كان لا يعلم منه بعضه إلّا النّادر من أهل الكتاب. رابعها: الإخبار عمّا سيأتي من الكوائن الّتي وقع بعضها في العصر النّبويّ وبعضها بعده. ومن غير هذه الأربعة آيات وردت بتعجيز قوم في قضايا أنّهم لا يفعلونها فعجزوا عنها مع توفّر دواعيهم على تكذيبه، كتمنّي اليهود الموت، ومنها الرّوعة الّتي تحصل لسامعه، ومنها أنّ قارئه لا يملّ من ترداده وسامعه لا يمجّه ولا يزداد بكثرة التّكرار إلّا طراوة ولذاذة. ومنها أنّه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدّنيا، ومنها جمعه لعلوم ومعارف لا تنقضي عجائبها ولا تنتهي فوائدها. أ. هـ ملخّصا من كلام عياض وغيره «1» . الإسراء والمعراج: عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «أتيت بالبراق (وهو دابّة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه) قال: فركبته حتّى أتيت بيت المقدس- قال: فربطته بالحلقة الّتي يربط بها الأنبياء. قال ثمّ دخلت المسجد فصلّيت فيه ركعتين ثمّ خرجت، فجاءني جبريل عليه السّلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللّبن. فقال جبريل صلّى الله عليه وسلّم: اخترت الفطرة، ثمّ عرج بنا إلى السّماء، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه   (1) انظر فتح الباري (8/ 623، 624) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 ففتح لنا، فإذا أنا بآدم. فرحّب بي ودعا لي بخير. ثمّ عرج بنا إلى السّماء الثّانية- فاستفتح جبريل- عليه السّلام- فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريّاء صلوات الله عليهما فرحّبا ودعوا لي بخير. ثمّ عرج بنا إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلّى الله عليه وسلّم إذا هو قد أعطي شطر الحسن. فرحّب ودعا لي بخير. ثمّ عرج بنا إلى السّماء الرّابعة، فاستفتح جبريل- عليه السّلام- قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحّب ودعا لي بخير. قال الله- عزّ وجلّ-: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا «1» . ثمّ عرج بنا إلى السّماء الخامسة، فاستفتح جبريل قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بهارون صلّى الله عليه وسلّم. فرحّب ودعا لي بخير.- ثمّ عرج بنا إلى السّماء السّادسة، فاستفتح جبريل عليه السّلام قيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بموسى صلّى الله عليه وسلّم. فرحّب ودعا لي بخير- ثمّ عرج بنا إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد صلّى الله عليه وسلّم قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، مسندا ظهره إلى البيت المعمور- وإذا هو يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه- ثمّ ذهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة- وإذا ثمرها كالقلال قال: فلمّا غشيها من أمر الله ما غشي تغيّرت- فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها- فأوحى الله إليّ ما أوحى- ففرض عليّ خمسين صلاة في كلّ يوم وليلة- فنزلت إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ما فرض ربّك على أمّتك؟ قلت: خمسين صلاة: قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف فإنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم- قال: فرجعت إلى ربّي فقلت: يا ربّ خفّف على أمّتي. فحطّ عنّي خمسا، فرجعت إلى موسى فقلت: حطّ عنّي خمسا. قال. إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف- قال: فلم أزل أرجع بين ربّي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السّلام حتّى قال: يا محمّد، إنّهنّ خمس صلوات كلّ يوم وليلة- لكلّ صلاة عشر. فذلك خمسون صلاة- ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن همّ بسيّئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيّئة واحدة- قال: فنزلت حتّى انتهيت إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته- فقال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: قد رجعت إلى ربّي حتّى استحييت منه «2» .   (1) سورة مريم: آية (57) . (2) رواه مسلم (162) في الإيمان: باب الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 انشقاق القمر: روى البخاريّ ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ أنّ أهل مكّة سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقّتين، حتّى رأوا حراء بينهما» «1» . فكان هذا الانشقاق- كما قال الخطّابيّ- آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء، وذلك أنّه ظهر في ملكوت السّماء خارجا من جملة طباع ما في هذا العالم المركّب من الطّبائع، فليس ممّا يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر «2» . وقد ذكر الله سبحانه هذه المعجزة في كتابه العزيز، فقال عزّ من قائل: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ* وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ «3» . ونقل الحافظ ابن كثير الإجماع على أنّ انشقاق القمر قد وقع في زمان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه كان إحدى المعجزات الباهرات. وإنّ الأحاديث الّتي وردت بذلك متواترة من طرق متعدّدة تفيد القطع. ومع عظم هذه المعجزة، فإنّ أهل مكّة المعاندين لم يصدّقوا ولم يذعنوا، بل استمرّوا على كفرهم وإعراضهم، وقالوا سحرنا محمّد، فقال بعضهم: لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر النّاس كلّهم، فسألوا من قدم عليهم من المسافرين فأخبروهم بنظير ما شاهدوه فعلموا صحّة ذلك وتيقّنوه. تكثيره الماء ونبعه من بين أصابعه الشّريفة صلّى الله عليه وسلّم: قال القرطبيّ رحمه الله: قصّة نبع الماء من بين أصابعه صلّى الله عليه وسلّم، تكرّرت منه في عدّة مواطن في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة، يفيد مجموعها العلم القطعيّ المستفاد من التّواتر المعنويّ ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه» «4» . ومن هذه المواطن الّتي حدث بها تكثير الماء ونبعه من بين أصابع نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: - ما رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-، قال: «عطش النّاس يوم الحديبية والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين يديه ركوة «5» ، فتوضّأ فجهش «6» النّاس نحوه فقال: «ما لكم؟» قالوا: ليس عندنا ماء نتوضّأ، ولا   (1) رواه البخاري. انظر الفتح 7 (3868) . ورواه مسلم برقم (2802) . (2) انظر فتح الباري (7/ 224) . (3) سورة القمر: آية رقم (1- 5) . (4) انظر فتح الباري (6/ 676، 677) . (5) ركوة: قال ابن الأثير: الركوة إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء والجمع ركاء. انظر النهاية (2/ 261) . (6) فجهش: قال ابن الأثير: الجهش أن يفزع الإنسان إلى الإنسان، وهو مع ذلك يريد أن يبكي كالصبي يفزع إلى أمه. انظر جامع الأصول (11/ 347) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 نشرب إلّا ما بين يديك فوضع يده في الرّكوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون. فشربنا وتوضّأنا. قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنّا مائة ألف لكفانا. كنّا خمس عشرة مائة «1» . - ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ أنّه قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحانت صلاة العصر، فالتمس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوضوء فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده في ذلك الإناء فأمر النّاس أن يتوضّئوا منه، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضّأ النّاس حتّى توضّأوا من عند آخرهم» «2» . - ومن ذلك ما روى مسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-؛ في حديث طويل. قال الحافظ ابن حجر: وهذه القصّة أبلغ من جميع ما تقدّم لاشتمالها على قلّة الماء وعلى كثرة من استقى منه «3» . وإليك أخي القارىء الشّاهد من هذه القصّة الطّويلة: قال جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-؛ فأتينا المعسكر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا جابر! ناد بوضوء» فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال قلت: يا رسول الله! ما وجدت في الرّكب قطرة. وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الماء، في أشجاب له «4» ، على حمارة «5» من جريد. قال فقال لي: «انطلق إلى فلان ابن فلان الأنصاريّ، فانظر هل في أشجابه من شيء؟» قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلّا قطرة «6» في عزلاء «7» ، لو أنّي أفرغه لشربه يابسه «8» . فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله! إنّي لم أجد فيها إلّا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أنّي أفرغه لشربه يابسه، قال: اذهب فأتني به» فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلّم بشيء لا أدري ما هو. ويغمزه بيديه «9» . ثمّ أعطانيه فقال: «يا جابر! ناد بجفنة» فقلت: يا جفنة الرّكب «10» ! فأتيت بها تحمل. فوضعتها بين يديه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده في الجفنة هكذا. فبسطها وفرّق بين أصابعه. ثمّ وضعها في   (1) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3576) . ورواه مسلم مختصرا برقم (1856) . (2) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3573) . ورواه مسلم برقم (2279) . (3) انظر الفتح (6/ 678) . (4) في أشجاب له: الأشجاب جمع شجب وهو السقاء الذي أخلق وبلى وصار شنا. يقال: شاجب أي يابس. وهو من الشجب الذي هو الهلاك. (5) حمارة: هي أعواد تعلق عليها أسقية الماء. (6) إلا قطرة: أي يسيرا. (7) عزلاء: هي فم القربة. (8) لشربه يابسه: معناه أنه قليل جدا، فلقلته، مع شدة يبس باقي الشجب، وهو السقاء لو أفرغته لاشتفه اليابس منه ولم ينزل منه شيء. (9) ويغمزه بيديه: أي يعصره. (10) يا جفنة الركب: أي يا صاحب جفنة الركب. فحذف المضاف للعلم بأنه المراد، وأن الجفنة لا تنادى. ومعناه يا صاحب جفنة الركب التي تشبعهم أحضرها. أي من كان عنده جفنة بهذه الصفة، فليحضرها. انظر فيما سبق شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 145، 146) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 قعر الجفنة. وقال: «خذ يا جابر! فصبّ عليّ. وقل باسم الله» فصببت عليه وقلت: باسم الله. فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ فارت الجفنة ودارت حتّى امتلأت. فقال: «يا جابر ناد من كان له حاجة بماء» قال: فأتى النّاس فاستقوا حتّى رووا. قال: فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده من الجفنة وهي ملأى» «1» . قال المزنيّ- رحمه الله-: نبع الماء من بين أصابعه صلّى الله عليه وسلّم أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى عليه السّلام بالعصا فتفجّرت منه المياه لأنّ خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروج الماء من بين اللّحم والدّم. انتهى» . تكثيره الطّعام والشّراب صلّى الله عليه وسلّم: فأمّا الطّعام: فقد وقع ذلك منه صلّى الله عليه وسلّم مرّات عديدة، فمن ذلك ما رواه البخاريّ ومسلم عن قصّة ضيافة أبي طلحة الأنصاريّ- رضي الله عنه-، كما حدّث بها أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ فإنّه قال: قال أبو طلحة لأمّ سليم: قد سمعت صوت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضعيفا. أعرف فيه الجوع. فهل عندك شيء؟ فقالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير: ثمّ أخذت خمارا لها. فلفّت الخبز ببعضه، ثمّ دسّته تحت ثوبي. وردّتني «3» ببعضه. ثمّ أرسلتني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا في المسجد. ومعه النّاس فقمت عليهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرسلك أبو طلحة؟» قال فقلت: نعم. فقال: «ألطعام؟» فقلت: نعم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن معه: «قوموا» قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم. حتّى جئت أبا طلحة، فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس. وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. قال: فانطلق أبو طلحة حتّى لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه حتّى دخلا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلمّي ما عندك يا أمّ سليم» «فأتت بذلك الخبز. فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففتّ. وعصرت عليه أمّ سليم عكّة «4» لها فأدمته «5» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما شاء الله أن يقول. ثمّ قال: «ائذن لعشرة «6» » فأذن لهم فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا. ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم فأكلوا حتّى   (1) رواه مسلم برقم (3013) . (2) نقله عنه ابن عبد البر. انظر فتح الباري (6/ 677) . (3) وردتني: أي جعلت بعضه رداء على رأسي. (4) عكة: بضم العين وتشديد الكاف هي وعاء صغير من جلد للسمن خاصة. (5) فأدمته: هو بالمد والقصر، لغتان، آدمته وأدمته. أي جعلت فيه إداما. (6) ائذن لعشرة: إنما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم. فإن القصعة التي فت فيها تلك الأقراص لا يتحلق عليها أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم، لبعدها عنهم. انظر فيما سبق شرح النووي على صحيح مسلم (13/ 219- 220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 شبعوا ثمّ خرجوا. ثمّ قال: «ائذن لعشرة» حتّى أكل القوم كلّهم وشبعوا. والقوم سبعون رجلا أو ثمانون» «1» . - قصّة جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- في غزوة الخندق: ومن تكثيره الطّعام صلّى الله عليه وسلّم أيضا، ما وقع مع جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- في الخندق حيث يقول جابر: «لمّا حفر الخندق رأيت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمصا «2» . فانكفأت «3» إلى امرأتي. فقلت لها: هل عندك شيء؟ فإنّي رأيت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمصا شديدا. فأخرجت لي جرابا «4» فيه صاع من شعير. ولنا بهيمة «5» داجن «6» قال: فذبحتها وطحنت. ففرغت إلى فراغي. فقطّعتها في برمتها. ثمّ ولّيت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: لا تفضحني برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن معه. قال: فجئته فساررته. فقلت: يا رسول الله! إنّا قد ذبحنا بهيمة لنا. وطحنت صاعا من شعير كان عندنا. فتعال أنت في نفر معك. فصاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «يا أهل الخندق! إنّ جابرا قد صنع لكم سورا «7» فحيهلا «8» بكم «وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تنزلنّ برمتكم ولا تخبزنّ عجينتكم، حتّى أجيء» فجئت وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقدم النّاس. حتّى جئت امرأتي. فقالت: بك. وبك «9» . فقلت: قد فعلت الّذي قلت لي «10» . فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك. ثمّ عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك. ثمّ قال: «ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم «11» ولا تنزلوها» وهم ألف. فأقسم بالله! لأكلوا حتّى تركوه وانحرفوا «12» . وإنّ برمتنا لتغطّ «13» كما هي. وإنّ عجينتنا- أو كما قال الضّحّاك- لتخبز كما هو «14» » «15» .   (1) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3578) . ورواه مسلم- واللفظ له- برقم (2040) . (2) خمصا: الخمص خلاء البطن من الطعام. (3) فانكفأت: أي انقلبت ورجعت. (4) جرابا: هو وعاء من جلد معروف. بكسر الجيم وفتحها. والكسر أشهر. (5) بهيمة: تصغير بهمة. وهي الصغيرة من أولاد الضأن. قال الجوهري: وتطلق على الذكر والأنثى كالشاة والسخلة الصغيرة من أولاد المعز. (6) داجن: الداجن ما ألف البيوت. (7) سورا: بضم السين وإسكان الواو، غير مهموز، هو الطعام الذي يدعى إليه. وقيل الطعام مطلقا. وهي لفظة فارسية. (8) فحيهلا: بتنوين هلا، وقيل: بلا تنوين، على وزن علا. ومعنى حيهل، عليك بكذا، أو ادع بكذا، هكذا قاله أبو عبيد وغيره. وقيل: معناه اعجل به. وقال الهروي: معناه هات وعجل به. (9) بك وبك: أي ذمته ودعت عليه. وقيل: معناه بك تلحق الفضيحة وبك يتعلق الذم وقيل: معناه جرى هذا برأيك وسوء نظرك وتسيبك. (10) قد فعلت الذي قلت لي: معناه أني أخبرت النبي صلّى الله عليه وسلّم بما عندنا، فهو أعلم بالمصلحة. (11) واقدحي من برمتكم: أي اغرفي. والمقدح المغرفة- يقال: قد قدحت المرق أقدحه، غرفته. (12) تركوه وانحرفوا: أي شبعوا وانصرفوا. (13) لتغط: أي تغلي ويسمع غليانها. (14) كما هو: يعود إلى العجين. انظر فيما سبق شرح النووي على صحيح مسلم (13/ 215- 217) . (15) رواه البخاري. انظر الفتح 7 (4102) . ورواه مسلم- واللفظ له- برقم (2039) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 وأمّا الشّراب: فنأخذ على ذلك مثالا واحدا وهو اللّبن: فمن أدلّة تكثيره صلّى الله عليه وسلّم اللّبن ما أخرجه البخاريّ وغيره عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّه كان يقول: الله الّذي لا إله إلّا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر فسألته عن آية في كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني. فمرّ ولم يفعل. ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية في كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني. فمرّ فلم يفعل، ثمّ مرّ بي أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثمّ قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك رسول الله، قال: «الحق» ومضى. فتبعته فدخل فاستأذن فأذن له، فدخل فوجد لبنا في قدح فقال: «من أين هذا اللّبن؟» قالوا: أهداه لك فلان- أو فلانة- قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: «الحق إلى أهل الصّفّة فادعهم لي» قال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: «خذ فأعطهم» ، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ القدح، فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح، فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم فقال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «بقيت أنا وأنت» قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» . فقعدت فشربت، فقال: «اشرب» ، فشربت، فما زال يقول: «اشرب» ، حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ، ما أجد له مسلكا. قال: «فأرني» ، فأعطيته القدح، فحمد الله وسمّى وشرب الفضلة «1» .   (1) انظر البخاري- لفتح 11 (6452) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم فيما يتعلّق ببعض الحيوانات: قصّة البعير وسجوده وشكواه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: - عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ قال: «كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه وأنّه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وأنّ الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّه كان لنا جمل نسني «1» عليه وأنّه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزّرع والنّخل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «قوموا» ، فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته، فمشى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله إنّه قد صار مثل الكلب الكلب وإنّا نخاف عليك صولته، فقال: «ليس عليّ منه بأس» ، فلمّا نظر الجمل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبل نحوه حتّى خرّ ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بناصيته أذلّ ما كانت قطّ، حتّى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه البهيمة لا تعقل تسجد لك، ونحن أحقّ أن نسجد لك، فقال: «لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها، والّذي نفس محمّد بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجّر بالقيح والصّديد ثمّ استقبلته فلحسته ما أدّت حقّه» «2» . - وعن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما-؛ قال: «أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم خلفه فأسرّ إليّ حديثا لا أخبر به أحدا أبدا وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ ما استتر به في حاجته هدف أو حائش «3» نخل فدخل يوما حائطا من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر «4» وذرفت عيناه. قال بهز وعفّان: فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سراته «5» وذفراه «6» سكن فقال: «من صاحب الجمل» ، فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: «أما تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّككها الله، إنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «7» .   (1) نسني عليه: نستقي عليه- انظر النهاية (2/ 415) . (2) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 158، 159) . قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد وقد روى النسائي بعضه. انظر البداية والنهاية (6/ 142) . (3) الحائش: جماعة النخل، لا مفرد له. (4) جرجر: ردد صوته في حنجرته. (5) السراة: الظهر وقيل السنام. (6) الذفرى: العظم الشاخص خلف الأذن. وذفرى البعير أصل أذنه وقيل الذفرى الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن. انظر النهاية (2/ 161) ، ولسان العرب (4/ 307) . (7) رواه أبو داود برقم (2549) . ورواه الإمام أحمد في المسند (1/ 204، 205) . والحاكم في المستدرك (2/ 99، 100) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والحديث أصله في مسلم بالإسناد نفسه دون قصة الجمل برقم (342) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 إخبار الذّئب بنبوّته صلّى الله عليه وسلّم: - عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-؛ قال: عدا الذّئب على شاة فأخذها فطلبه الرّاعي فانتزعها منه، فأقعى الذّئب على ذنبه فقال: ألا تتّقي الله؟ تنزع منّي رزقا ساقه الله إليّ؟ فقال: يا عجبي ذئب يقعي على ذنبه يكلّمني كلام الإنس! فقال الذّئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمّد صلّى الله عليه وسلّم بيثرب يخبر النّاس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الرّاعي يسوق غنمه حتّى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها، ثمّ أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنودي: الصّلاة جامعة. ثمّ خرج فقال للرّاعي: «أخبرهم» . فأخبرهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدق، والّذي نفس محمّد بيده لا تقوم السّاعة حتّى يكلّم السّباع الإنس، ويكلّم الرّجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده. «1» - وفي رواية من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عند ما كلّم الذّئب راعي الغنم فقال الرّجل: تالله إن رأيت كاليوم ذئبا يتكلّم. فقال الذّئب: أعجب من هذا رجل في النّخلات بين الحرّتين «2» يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم. وكان الرّجل يهوديّا، فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأسلم وخبّره فصدّقه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «3» . معجزاته صلّى الله عليه وسلّم في أنواع الجمادات: حنين الجذع شوقا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشفقا من فراقه: وقد ورد ذلك- كما قال الحافظ ابن كثير- من حديث جماعة من الصّحابة بطرق متعدّدة تفيد القطع عند أئمّة الشّأن وفرسان هذا الميدان «4» . ومن ذلك ما رواه البخاريّ عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار- أو رجل-: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرا؟ قال: «إن شئتم» . فجعلوا له منبرا. فلمّا كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النّخلة صياح الصّبيّ، ثمّ نزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فضمّه إليه،   (1) رواه الإمام أحمد في المسند (3/ 88) ، وابن سعد في الطبقات (1/ 173) والحاكم في المستدرك (4/ 467، 468) وقال: هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والبيهقي في دلائل النبوة وصححه (6/ 41، 42) وقال ابن كثير: إسناده على شرط الصحيح. انظر البداية والنهاية (6/ 150) . (2) أي المدينة المنورة. (3) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 306) ، قال ابن كثير: تفرد به أحمد وهو على شرط السنن ولم يخرجوه. انظر البداية والنهاية (6/ 151) . وقال الهيثمي: رجاله ثقات. انظر مجمع الزوائد (8/ 292) . وقال السيوطي: سنده صحيح. انظر الخصائص (2/ 103) . (4) انظر البداية والنهاية (6/ 131) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 يئنّ أنين الصّبيّ الّذي يسكن. قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذّكر عندها» » . وفي رواية أخرى عن جابر- رضي الله عنه-؛ قال: «كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل، فكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلمّا صنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار «2» ، حتّى جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده عليها، فسكنت» «3» . وفي رواية من حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال صلّى الله عليه وسلّم: « ... ولو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة» «4» . وكان الحسن البصريّ رحمه الله، إذا حدّث بحديث حنين الجذع يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شوقا إلى لقائه فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إليه» «5» . ونقل ابن أبي حاتم في «مناقب الشّافعيّ عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشّافعيّ قال: ما أعطى الله نبيّا ما أعطى محمّدا، فقلت: أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمّدا حنين الجذع حتّى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك «6» . انقياد الشّجر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ومن معجزاته وأعلام نبوّته صلّى الله عليه وسلّم انقياد الشّجر بين يديه في مرّات عدّة: - فعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-؛ قال: سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى نزلنا واديا أفيح «7» . فذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقضي حاجته. فاتّبعته بإداوة من ماء. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطيء الوادي «8» . فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كالبعير المخشوش «9» ، الّذي يصانع قائده. حتّى أتى الشّجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها.   (1) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3584) . (2) العشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي أتى عليها عشرة أشهر من حملها. انظر جامع الأصول (11/ 333) . (3) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3585) . (4) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 249) . وابن ماجة برقم (1415) ، قال الحافظ ابن كثير: وهذا الإسناد على شرط مسلم. انظر البداية والنهاية (6/ 135) ، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. انظر سنن ابن ماجه (1/ 455) . (5) انظر فتح الباري (6/ 697) . (6) أورده ابن حجر في الفتح (6/ 698) . (7) واديا أفيح: أي واسعا. (8) بشاطيء الوادي: أي جانبه. (9) كالبعير المخشوش: هو الذي يجعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنف البعير إذا كان صعبا، ويشد فيه حبل ليذل وينقاد. وقد يتمانع لصعوبته، فإذا اشتد عليه وآلمه انقاد شيئا. ولهذا قال: الذي يصانع قائده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كذلك. حتّى إذا كان بالمنصف «1» ممّا بينهما، لأم «2» بينهما (يعني جمعهما) فقال: «التئما عليّ بإذن الله» فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر «3» مخافة أن يحسّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقربي فيبتعد، فجلست أحدّث نفسي. فحانت منّي لفتة «4» ، فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا. وإذا الشّجرتان قد افترقتا. فقامت كلّ واحدة منهما على ساق. فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف وقفة. فقال برأسه هكذا؟ وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا ثمّ أقبل. فلمّا انتهى إليّ قال: «يا جابر هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم يا رسول الله. قال: «فانطلق إلى الشّجرتين فاقطع من كلّ واحدة منهما غصنا. فأقبل بهما. حتّى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته «5» . فانذلق «6» لي. فأتيت الشّجرتين فقطعت من كلّ واحدة منهما غصنا. ثمّ أقبلت أجرّهما حتّى قمت مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثمّ لحقته فقلت: قد فعلت، يا رسول الله! فعمّ ذاك؟ قال: «إنّي مررت بقبرين يعذّبان. فأحببت، بشفاعتي، أن يرفّه عنهما «7» ، ما دام الغصنان رطبين» «8» . «9» . - وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-؛ قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأقبل أعرابيّ، فلمّا دنا منه قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أين تريد؟» قال: إلى أهلي، قال: «هل لك في خير؟» قال: وما هو؟ قال: «تشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله» ، قال: ومن يشهد على ما تقول؟ قال: «هذه السّلمة «10» ، فدعاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي بشاطيء الوادي. فأقبلت تخدّ «11» الأرض خدّا حتّى قامت بين يديه، فأشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنّه كما قال، ثمّ رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابيّ إلى قومه، وقال: إن اتّبعوني آتك بهم، وإلّا رجعت فكنت معك» «12» .   (1) بالمنصف: هو نصف المسافة. (2) لأم: روي بهمزة مقصورة: لأم وممدودة: لاءم. وكلاهما صحيح. أي جمع بينهما. (3) فخرجت أحضر: أي أعدو وأسعى سعيا شديدا. (4) فحانت مني لفتة: اللفتة النظرة إلى جنب. (5) وحسرته: أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن قطع الأغصان به. (6) فانذلق: أي صار حادا. (7) أن يرفه عنهما: أي يخفف. (8) رواه مسلم برقم (3012) . (9) انظر فيما سبق شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 143- 145) . (10) السلمة: شجرة من أشجار البادية. (11) تخد: تشق. (12) رواه الدرامي في المقدمة برقم (16) ، قال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد. انظر البداية والنهاية (6/ 131) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 تسليم الحجر عليه صلّى الله عليه وسلّم: - روى مسلم في صحيحه، عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعرف حجرا بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث. إنّي لأعرفه الآن» «1» . قال الإمام النّوويّ معلّقا على هذا الحديث: فيه معجزة له صلّى الله عليه وسلّم وفي هذا إثبات التّمييز في بعض الجمادات وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة: وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ «2» وقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ «3» . «4» . تسبيح الطّعام بحضرته صلّى الله عليه وسلّم: أخرج البخاريّ في صحيحه عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-؛ قال: كنّا نعدّ الآيات بركة، وأنتم تعدّونها تخويفا، كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فقلّ الماء، فقال: «اطلبوا فضلة من ماء» فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثمّ قال: «حيّ على الطّهور المبارك، والبركة من الله» فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولقد كنّا نسمع تسبيح الطّعام وهو يؤكل» «5» . عصمته صلّى الله عليه وسلّم من النّاس: لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أعدائه كثير الأذى وعظيم الشّدّة منذ أن جهر بدعوته، ولكنّ الله تبارك وتعالى حفظه ونصره وعصمه من النّاس. يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «6» وقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحرس قبل نزول هذه الآية من قبل بعض أصحابه فلمّا نزلت عليه قال: «يا أيّها النّاس انصرفوا عنّي فقد عصمني الله عزّ وجلّ» «7» . ومن عصمة الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم حفظه له من أهل مكّة وصناديدها وحسّادها ومعانديها ومترفيها مع شدّة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته فصانه في ابتداء دعوته بعمّه أبي طالب إذ كان رئيسا مطاعا في قريش وجعل الله في قلبه محبّة طبيعيّة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا شرعيّة، ولو   (1) رواه مسلم برقم (2277) . (2) سورة البقرة: آية رقم (74) . (3) سورة الإسراء: آية رقم (44) . (4) انظر شرح النووي على مسلم (15/ 36، 37) . (5) انظر فتح الباري 6 (3579) . (6) سورة المائدة: آية رقم (67) . (7) رواه الترمذي برقم (3046) ، والحاكم في المستدرك: (2/ 313) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» (2/ 119) : وحسّنه الحافظ ابن حجر في «الفتح» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 كان أسلم لاجترأ عليه كفّارها وكبارها ولكن لمّا كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه فلمّا مات عمّه أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرا ثمّ قيّض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام وعلى أن يتحوّل إلى دارهم وهي المدينة فلمّا صار إليها منعوه من الأحمر والأسود وكلّما همّ أحد من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين بسوء كاده الله وردّ كيده عليه «1» . والأمثلة على عصمة الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم وكفّ الأعداء عنه كثيرة نكتفي بذكر نماذج منها: - فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: «قال أبو جهل: هل يعفّر محمّد وجهه «2» بين أظهركم؟ قال فقيل: نعم. فقال: واللّات والعزّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته. أو لأعفّرنّ وجهه في التّراب. قال فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلّي. زعم ليطأ على رقبته. قال فما فجئهم «3» منه إلّا وهو ينكص على عقبيه «4» ويتّقي بيديه. قال فقيل له: مالك؟ فقال: إنّ بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» » . - وعن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- في قصّة الهجرة النّبويّة قال: «فارتحلنا بعد ما مالت الشّمس، واتّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أتينا يا رسول الله، فقال: لا تحزن، إنّ الله معنا. فدعا عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فارتطمت به فرسه إلى بطنها فقال: إنّي أراكما قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، فالله لكما أن أردّ عنكما الطّلب. فدعا له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنجا، فجعل لا يلقى أحدا إلّا قال: كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلّا ردّه، قال: ووفّى لنا» «6» . - وعن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه-؛ قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حنينا ... فولّى صحابة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ... فلمّا غشوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «7» نزل عن البغلة، ثمّ قبض قبضة من تراب من الأرض، ثمّ استقبل به وجوههم، فقال: شاهت الوجوه «8» » فما خلق الله منهم إنسانا إلّا ملأ عينيه ترابا. بتلك القبضة. فولّوا مدبرين. فهزمهم الله عزّ وجلّ. وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غنائمهم بين المسلمين» «9» .   (1) تفسير ابن كثير (2/ 81، 82) . (2) هل يعفر محمد وجهه: أي يسجد ويلصق وجهه بالعفر، وهو التراب. (3) فجئهم: بكسر الجيم، ويقال أيضا فجأهم، بفتحها. لغتان. أي بغتهم. (4) ينكص على عقبيه: أي رجع يمشي إلى ورائه. قال ابن فارس: النكوص الإحجام عن الشيء. (5) رواه البخاري مختصرا- انظر: الفتح 8 (4958) ورواه مسلم واللفظ له برقم (2797) . (6) رواه البخاري مطولا- انظر: الفتح 6 (3615) ومسلم برقم (2009) . (7) فلما غشوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي أتوه من كل جانب. (8) شاهت الوجوه: أي قبحت. (9) رواه مسلم برقم (1777) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 - وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-؛ قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة قبل «1» نجد. فأدركنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في واد كثير العضاه «2» . فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة. فعلّق سيفه بغصن من أغصانها. قال: وتفرّق النّاس في الوادي يستظلّون بالشّجر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ رجلا أتاني وأنا نائم، فأخذ السّيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلّا والسّيف صلتا «3» في يده. فقال لي: من يمنعك منّي؟ قال: قلت: الله. ثمّ قال في الثّانية من يمنعك منّي؟ قال قلت: الله. قال فشام السّيف «4» فها هو ذا جالس. ثمّ لم يعرض له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «5» . إجابة دعائه صلوات الله وسلامه عليه: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما وصفه ربّه عزّ وجلّ: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «6» فكان ينظر إلى أصحابه نظرة الرّحمة والشّفقة فكلّما ألمّ بأصحابه مكروه من عاهة أو مرض أو تفكير في أمر يشغل بالهم أسرع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالدّعاء لهم للتّخفيف عنهم ولكي ينالوا بركة دعوته صلّى الله عليه وسلّم فيحصل لهم ما يريدون من دفع شرّ وجلب خير دنيويّ أو أخرويّ أو هما معا. أمّا بالنّسبة للكفّار والمشركين والمعاندين فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو عليهم حيث تشتدّ شوكتهم ويكثر أذاهم وتارة كان يدعو لهم حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تآلفهم. وإذا دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأناس أو دعا عليهم فإنّك تجد ما دعا به قد تحقّق قطعا. وكثرة الحوادث في هذا الباب تجعل الإنسان على يقين كامل أنّ محمّدا رسول الله وأنّ الله تعالى يؤيّده ويسدّده ويستجيب دعاءه. وإجابة دعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لجماعة بما دعا لهم أو عليهم متواتر على الجملة معلوم بالضّرورة «7» . ولرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الدّعوات المستجابات ما لا يحصى كثرة ممّا حفلت به مصنّفات الحديث ومدوّنات السّيرة. وهذه نخبة مختارة من هذه الدّعوات على سبيل الإشارة:   (1) قبل نجد: أي ناحية نجد. في غزوته الى غطفان. وهي غزوته ذي أمر، موضع من ديار غطفان. (2) العضاه: هي كل شجرة ذات شوك. (3) صلتا: بفتح الصاد وضمها. أي مسلولا. (4) فشام السيف: معناه غمده ورده في غمده. (5) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (2910) ومسلم برقم (843) . (6) سورة التوبة: آية (128) . (7) انظر" الشفا" للقاضي عياض (1/ 625) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 - سرعة الإجابة: - فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: أنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما ثمّ قال: يا رسول الله، هلكت الأموال «1» وانقطعت السّبل «2» . فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه. ثمّ قال: «اللهمّ أغثنا «3» . اللهمّ أغثنا اللهمّ أغثنا» . قال أنس: ولا والله ما نرى في السّماء من سحاب ولا قزعة «4» . وما بيننا وبين سلع «5» من بيت ولا دار. قال فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس «6» فلمّا توسّطت السّماء انتشرت. ثمّ أمطرت. قال: فلا والله ما رأينا الشّمس سبتا. قال: ثمّ دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب. فاستقبله قائما. فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السّبل. فادع الله يمسكها عنّا. قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه. ثمّ قال: «اللهمّ حولنا ولا علينا. اللهمّ على الآكام «7» ، والظّراب «8» ومنابت الشّجر» فانقلعت. وخرجنا نمشي في الشّمس» «9» . وفي رواية قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ أصابت النّاس سنة على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب في يوم جمعة إذ قام أعرابيّ فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه وما نرى في السّماء قزعة فو الّذي نفسي بيده ما وضعها حتّى ثار السّحاب أمثال الجبال، ثمّ لم ينزل عن منبره حتّى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلّى الله عليه وسلّم. فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والّذي يليه حتّى الجمعة الأخرى. وقام ذلك الأعرابيّ أو قال غيره فقال: يا رسول الله، وغرق المال، فادع الله لنا. فرفع يديه فقال: اللهمّ حوالينا ولا علينا. فما يشير بيده إلى ناحية من السّحاب إلّا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة «10» . وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجيء أحد من ناحية إلّا حدّث بالجود «11» . «12» .   (1) هلكت الأموال: المراد بالأموال هنا المواشي خصوصا الابل وهلاكها من قلة الأقوات بسبب عدم المطر والنبات. (2) وانقطعت السبل: جمع سبيل وهي الطريق والمعني: انقطعت الطرق فلم تسلكها الإبل إما لخوف الهلاك أو الضعف بسبب قلة الكلأ أو عدمه. (3) أغثنا: الإغاثة: الإعانة والمراد به: إعانتهم بإنزال المطر. (4) قزعة: بالتحريك هي القطعة من الغيم والجمع قزع. (5) سلع: جبل قرب المدينة. (6) مثل الترس: الترس هو ما يتقي به السيف ووجه الشبه الاستدارة والكثافة لا القدر. (7) الآكام: جمع أكمة وهي الرابية المرتفعة من الأرض. (8) الظراب: جمع ظرب، وهي صغار الجبال والتلال. (9) رواه البخاري- انظر الفتح: 2 (1013) . ومسلم واللفظ له برقم (897) . (10) الجوبة: الموضع المنخفض من الأرض. (11) بالجود: الجود بفتح الجيم هو المطر الغزيز. (12) رواه البخاري- انظر الفتح 2 (933) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 يمهل ولا يهمل: «فعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-؛ قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور «1» بالأمس. فقال أبو جهل: أيّكم يقوم إلى سلا «2» جزور بني فلان فيأخذه، فيضعه في كتفي محمّد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم «3» فأخذه. فلمّا سجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وضعه بين كتفيه. قال: فاستضحكوا «4» . وجعل بعضهم يميل على بعض. وأنا قائم أنظر. لو كانت لي منعة «5» طرحته عن ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ساجد، ما يرفع رأسه. حتّى انطلق إنسان فأخبر فاطمة. فجاءت، وهي جويرية «6» ، فطرحته عنه. ثمّ أقبلت عليهم تشتمهم «7» . فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلاته رفع صوته ثمّ دعا عليهم. وكان إذا دعا، دعا ثلاثا. وإذا سأل، سأل «8» ثلاثا. ثمّ قال: «اللهمّ عليك بقريش» ثلاث مرّات. فلمّا سمعوا صوته ذهب عنهم الضّحك. وخافوا دعوته. ثمّ قال: «اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة» ، وأميّة بن خلف، وعقبة بن أبي معيط (وذكر السّابع ولم أحفظه) فو الّذي بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ لقد رأيت الّذين سمّى صرعى يوم بدر. ثمّ سحبوا إلى القليب، قليب بدر «10» . قال أبو إسحاق: الوليد بن عقبة غلط في هذا الحديث» «11» . دعوة وهداية: عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أكره. فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى   (1) جزور: أي ناقة. (2) سلا: هو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان. وهي من الآدمية المشيمة. (3) فانبعث أشقى القوم: أي بعثته نفسه الخبيثة من دونهم فأسرع السير. وهو عقبة بن أبي معيط، كما صرح به في الرواية الثانية. (4) فاستضحكوا: أي حملوا أنفسهم على الضحك والسخرية. ثمّ أخذهم الضحك جدا، فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض من كثرة الضحك. (5) لو كانت لي منعة: هي بفتح النون، وحكي إسكانها، وهو شاذ ضعيف. ومعناه لو كان لي قوة تمنع أذاهم، أو كان لي عشيرة بمكة تمنعني. (6) جويرية: هو تصغير جارية، بمعنى شابة. يعني أنها إذ ذاك ليست بكبيرة. (7) تشتمهم: الشتم وصف الرجل بما فيه إزراء ونقص. (8) وإذا سأل: هو الدعاء. لكن عطفه لاختلاف اللفظ، توكيدا. (9) والوليد بن عقبة: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم: والوليد بن عقبة. واتفق العلماء على أنه غلط وصوابه والوليد بن عتبة. كما ذكره مسلم في رواية أبي بكر بن أبي شيبة، بعد هذا. (10) ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر: القليب هي البئر التي لم تطو. وإنما وضعوا في القليب تحقيرا لهم، ولئلا يتأذى الناس برائحتهم. وليس هو دفنا، لأن الحربي لا يجب دفنه. (11) رواه مسلم برقم (1794) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 عليّ. فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره. فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا جئت فصرت إلى الباب. فإذا هو مجاف «1» . فسمعت أمّي خشف «2» قدميّ. فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة «3» الماء. قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها. ففتحت الباب. ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين، ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللهمّ حبّب عبيدك هذا يعني أبا هريرة وأمّه إلى عبادك المؤمنين. وحبّب إليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني، إلّا أحبّني «4» . إخباره عن المغيّبات: من معجزات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودلائل نبوّته ما اطّلع عليه من الغيوب الماضية والمستقبلة وإخباره عنها، ومن المعلوم المقرّر أنّ علم الغيب مختصّ بالله تعالى وحده. وقد أضافه الله تعالى إلى نفسه الكريمة في غير ما آية من كتابه العزيز. قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ «5» . وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ «6» ومن المعلوم أيضا أنّ الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام لا يعلمون الغيب ولا اطّلاع لهم على شيء منه. قال الله تعالى مخبرا عن غير واحد من رسله الكرام عليهم الصّلاة والسّلام أنّهم قالوا لأقوامهم قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ «7» وفي صحيح مسلم عن عائشة- رضي الله عنها-؛ قالت: «من زعم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية» «8» . وكما جاءت الأدلّة تدلّ على أنّ الله تبارك وتعالى قد اختصّ بمعرفة علم الغيب وأنّه استأثر به دون خلقه، جاءت أدلّة أخرى تفيد أنّ الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرّسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوّتهم. قال تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَ   (1) مجاف: أي مغلق. (2) خشف: أي صوتهما في الأرض. (3) خضخضة: خضخضة الماء صوت تحريكه. (4) مسلم برقم (2491) . (5) سورة النمل: آية (65) . (6) سورة الأنعام: آية (59) . (7) سورة الأنعام: آية (50) . (8) مسلم برقم (177) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ «1» . وقال تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً «2» فتلخّص من ذلك أنّ ما وقع على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الإخبار بالمغيّبات فبوحي من الله تعالى وهو من إعلام الله عزّ وجلّ لرسوله صلّى الله عليه وسلّم للدّلالة على ثبوت نبوّته وصحّة رسالته. وقد اشتهر وانتشر أمره صلّى الله عليه وسلّم بإطلاع الله له على المغيّبات: - قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما-: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقاما فما ترك شيئا يكون من مقامه ذلك إلى قيام السّاعة إلّا حدّثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه» «3» . وقال عمرو بن أخطب الأنصاريّ- رضي الله عنه-: «صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتّى حضرت الظّهر فنزل فصلّى ثمّ صعد المنبر فخطبنا حتّى حضرت العصر فنزل فصلّى ثمّ صعد المنبر فخطبنا حتّى غربت الشّمس فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة فأعلمنا أحفظنا» «4» . وقال عبد الله بن رواحة- رضي الله عنه: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع «5» . وقال حسّان بن ثابت- رضي الله عنه-: نبيّ يرى ما لا يرى النّاس حوله ... ويتلو كتاب الله في كلّ مشهد فإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في صحوة اليوم أو غد «6» . قال القاضي عياض: ... ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون من جملة معجزاته المعلومة على القطع   (1) سورة آل عمران: آية (179) . (2) سورة الجن: آية (26، 27) . (3) رواه البخاري- انظر الفتح 11 (6604) . ومسلم برقم (23/ 2891) . (4) رواه مسلم، برقم (2892) . (5) رواه البخاري- انظر الفتح 2 (1155) . (6) وردت هذه الأبيات ضمن حديث أم معبد الطويل وقد تقدم تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 الواصل إلينا خبرها على التّواتر لكثرة رواتها واتّفاق معانيها على الاطّلاع على الغيب» «1» ومعجزات هذا الباب لا يمكن استقصاؤها لكثرتها ووقوعها منه صلّى الله عليه وسلّم في أكثر حالاته عن سؤال وغير سؤال في مناسبات تقتضيها وأحوال تستدعيها وهي أكثر أنواع معجزاته عددا. ولهذا السّبب فإنّ أحاديث هذا الموضوع كثيرة جدّا لا يمكن حصرها. والمغيّبات الّتي تغيّبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أقسام ثلاثة: 1- قسم في الماضي: كإخباره عن القرون السّالفة والأمم البائدة، والشّرائع الدّاثرة ممّا كان لا يعلم منه القصّة الواحدة إلّا الفذّ من أحبار أهل الكتاب الّذي قطع عمره في تعلّم ذلك وقد كان أهل الكتاب كثيرا ما يسألونه تعنّتا وتعجيزا عن أخبار تلك القرون السّالفة. فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرا كقصص الأنبياء مع قومهم وخبر موسى والخضر ويوسف وإخوته وأصحاب الكهف وذي القرنين. بالإضافة إلى ما جاءت به السّنّة المطهّرة من تفاصيل ودقائق عن أخبار تلك الأمم السّابقة والأنبياء السّابقين مع أقوامهم. وأشباه ذلك ممّا صدّقه فيه علمآؤهم ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها بل أذعنوا لذلك فمن موفّق آمن بما سبق له من خير ومن شقيّ معاند حاسد. 2- قسم في الحاضر: وهو ما أخبر به صلوات الله وسلامه عليه من المغيّبات فوقع في أثناء حياته. وهذه بعض نماذج للقسم الثّاني: قتل أميّة بن خلف: - فعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-؛ قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، قال: فنزل على أميّة بن خلف أبي صفوان، وكان أميّة إذا انطلق إلى الشّام فمرّ بالمدينة نزل على سعد، فقال أميّة لسعد: ألا انتظر حتّى إذا انتصف النّهار وغفل النّاس انطلقت فطفت؟ فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل، فقال: من هذا الّذي يطوف بالكعبة؟ فقال سعد: أنا سعد. فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمّدا وأصحابه؟ فقال: نعم. فتلاحيا «2» بينهما. فقال أميّة لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنّه سيّد أهل الوادي. ثمّ قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعنّ متجرك بالشّام، قال فجعل أميّة يقول لسعد: لا ترفع صوتك وجعل يمسكه فغضب سعد فقال: دعنا عنك، فإنّي سمعت محمّدا صلّى الله عليه وسلّم يزعم أنّه قاتلك. قال: إيّاي؟ قال: نعم. قال: والله ما يكذب محمّد إذا حدّث. فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ قالت وما قال؟ قال: زعم أنّه   (1) انظر الشفا للقاضي عياض (1/ 650) . (2) تلاحيا: تلاوما وتنازعا. انظر النهاية (4/ 243) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 سمع محمّدا يزعم أنّه قاتلي. قالت: فو الله ما يكذب محمّد. قال: فلمّا خرجوا إلى بدر وجاء الصّريخ قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربيّ؟ قال فأراد أن لا يخرج فقال له أبو جهل: إنّك من أشراف الوادي، فسر يوما أو يومين، فسار معهم يومين، فقتله الله» «1» . مصارع الطّغاة: - فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ قال: كنّا مع عمر بين مكّة والمدينة، فتراءينا الهلال. وكنت رجلا حديد البصر «2» . فرأيته. وليس أحد يزعم أنّه رآه غيري. قال فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟ فجعل لا يراه. قال يقول عمر: سأراه وأنا مستلق على فراشي. ثمّ أنشأ يحدّثنا عن أهل بدر فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس. يقول: هذا مصرع فلان غدا، إن شاء الله قال فقال عمر: فو الّذي بعثه بالحقّ ما أخطئوا الحدود الّتي حدّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى انتهى إليهم فقال: «يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقّا؟ فإنّي وجدت ما وعدني الله حقّا» . قال عمر: يا رسول الله كيف تكلّم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم «3» . غير أنّهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ شيئا» «4» . الأعمال بالخواتيم: - عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التقى هو والمشركون فاقتتلوا. فلمّا مال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عسكره. ومال الآخرون إلى عسكرهم. وفي أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل لا يدع لهم شاذّة «5» إلّا اتّبعها يضربها بسيفه. فقالوا: ما أجزأ منّا اليوم أحد كما أجزأ فلان «6» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أما إنّه من أهل   (1) رواه البخاري- انظر الفتح: 6 (3632) . (2) حديد البصر: أي نافذه ومنه قوله تعالى: (فبصرك اليوم حديد) . (3) ما أنتم بأسمع لما أقول منهم: قال المازري: قال بعض الناس: الميت يسمع، عملا بظاهر هذا الحديث. ثم أنكره المازري وادعى أن هذا خاص في هؤلاء. ورد عليه القاضي عياض وقال: يحتمل سماعهم على ما يحتمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها. وذلك بإحيائهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون في الوقت الذي يريد الله تعالى. قال النووي بعد ذكره للكلام السابق: هذا كلام القاضي، وهو الظاهر المختار الذي تقتضيه أحاديث السلام على القبور. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 206، 207) . (4) رواه مسلم برقم (2873) . (5) لا يدع لهم شاذة: الشاذ والشاذة: الخارج والخارجة عن الجماعة. قال القاضي عياض رحمه الله: أنث الكلمة على معنى النسمة. أو تشبيه الخارج بشاذة الغنم. ومعناه أنه لا يدع أحدا، على طريق المبالغة. قال ابن الأعرابي: يقال فلان لا يدع شاذة ولا فاذة، إذا كان شجاعا. لا يلقاه أحد إلا قتله. (6) ما أجزأ منا اليوم أحد ما أجزأ فلان: معناه ما أغنى وكفى أحد غناءه وكفايته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 النّار «فقال رجل من القوم: أنا صاحبه «1» أبدا. قال فخرج معه. كلّما وقف وقف معه. وإذا أسرع أسرع معه. قال فجرح الرّجل جرحا شديدا. فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه «2» . ثمّ تحامل على سيفه فقتل نفسه. فخرج الرّجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أشهد أنّك رسول الله. قال: «وما ذاك؟ قال: الرّجل الّذي ذكرت آنفا أنّه من أهل النّار. فأعظم النّاس ذلك. فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه حتّى جرح جرحا شديدا. فاستعجل الموت. فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه. ثمّ تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عند ذلك: «إنّ الرّجل ليعمل عمل أهل الجنّة فيما يبدو للنّاس وهو من أهل النّار. وإنّ الرّجل ليعمل عمل أهل النّار فيما يبدو للنّاس وهو من أهل الجنّة» «3» . 3- قسم في المستقبل: وهو ما أخبر به صلّى الله عليه وسلّم من المغيّبات زيادة على ما جاء في الكتاب العزيز فوقع بعد وفاته كما أخبر سواء بسواء. والأحاديث في هذا القسم بحر لا يدرك قعره ولا ينزف «4» غمره «5» اعتنى بذكرها عدد كبير من الأئمّة الأعلام كالبيهقيّ في «دلائل النّبوّة» وابن كثير في «البداية والنّهاية» والسّيوطيّ في الخصائص الكبرى» . ونقتصر على ذكر بعض النّماذج منها: ظهور الإسلام وعلوّه: - فعن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه-؛ قال: «شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو متوسّد بردة له في ظلّ الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرّجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشقّ باثنتين، وما يصدّه ذلك عن دينه، ويمشّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصدّه ذلك عن دينه. والله ليتمّنّ هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلّا الله، والذّئب على غنمه، ولكنّكم تستعجلون» «6» . وهكذا وقع فقد عمّ وظهر الدّين وغلب وعلا على سائر الأديان، في مشارق الأرض ومغاربها وعلت كلمته في عهد الصّحابة ومن بعدهم وذلّت لهم سائر البلاد ودان لهم جميع أهلها على اختلاف أصنافهم وألوانهم وصار النّاس إمّا مؤمن داخل في الدّين، وإمّا مهادن باذل الطّاعة والمال وإمّا محارب خائف وجل من سطوة الإسلام وأهله.   (1) أنا صاحبه: كذا في الأصول. ومعناه أنا أصحبه في خفية، وألازمه لأنظر السبب الذي به يصير من أهل النار. (2) ذبابه: ذباب السيف هو طرفه الأسفل. وأما طرفه الأعلى فمقبضه. (3) رواه البخاري- انظر الفتح (6/ 105) ، حديث رقم (2898) ومسلم برقم (112) . (4) لا ينزف: لا يفنى. (5) غمره: بفتح الغين المعجمة وسكون الميم هو الماء الكثير جدا. (6) رواه البخاري- انظر الفتح: 6 (3612) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 ملك أمّة محمّد وممالكها: - عن ثوبان- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله زوى «1» لي الأرض. فرأيت مشارقها ومغاربها. وإنّ أمّتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها. وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض» إنّي سألت ربّي لأمّتي أن لا يهلكها بسنة عامّة. وأن لا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم. فيستبيح بيضتهم «3» . وإنّ ربّي قال: يا محمّد إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ. وإنّي أعطيتك لأمّتك أن لا أهلكهم بسنة عامّة «4» . وأن لا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم. يستبيح بيضتهم. ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا» «5» . - وعن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه-؛ قال: بينا أنا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل، فقال: يا عديّ، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة «6» ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلّا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعّار «7» طيّء الّذين قد سعّروا البلاد «8» ؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى. قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه. وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فليقولنّ: ألم أبعث إليك رسولا فيبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلّا جهنّم. قال عديّ سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّة تمرة فبكلمة طيّبة. قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: يخرج ملء كفّه» «9» . - وعن سفيان بن أبي زهير- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يفتح الشّام فيخرج من المدينة   (1) زوى: معناه جمع. (2) الكنزين الأحمر والأبيض: المراد بالكنزين الذهب والفضة. والمراد بكنزي كسرى وقيصر، ملكي العراق والشام. (3) فيستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم. والبيضة أيضا: العز والملك. (4) أن لا أهلكهم بسنة عامة: أي لا أهلكهم بقحط يعمهم. بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة، بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام. (5) رواه مسلم برقم (2889) . (6) الظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، هذا هو الأصل، ثم سميت به المرأة ظعينة وإن لم تكن في هودج ولا مسافرة. (7) الدعار: بالدال المهملة: قطاع الطريق، والذين يخيفون الناس في مقاصدهم، وأصل الدعر: الفساد. (8) سعروا البلاد: ملؤوها شرا وفسادا، مأخوذ من استعار النار، وهو إيقادها والتهابها. انظر في ذلك جامع الأصول (11/ 315) . (9) رواه البخاري- انظر الفتح 6 (3595) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 قوم بأهليهم يبسّون «1» والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثمّ يفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسّون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. ثمّ يفتح العراق فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسّون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون «2» . - عن أبي ذرّ- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم ستفتحون مصر. وهي أرض يسمّى فيها القيراط «3» . فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها. فإنّ لهم ذمّة «4» ورحما «5» أو قال: «ذمّة وصهرا «6» . فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة، فاخرج منها» قال: فرأيت عبد الرّحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة، يختصمان في موضع لبنة، فخرجت منها» «7» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تقوم السّاعة حتّى ينزل الرّوم بالأعماق، أو بدابق «8» . فيخرج إليهم جيش من المدينة. من خيار أهل الأرض يومئذ. فإذا تصافّوا قالت الرّوم: خلّوا بيننا وبين الّذين سبوا «9» منّا نقاتلهم. فيقول المسلمون: لا. والله لا نخلّي بينكم وبين إخواننا. فيقاتلونهم. فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا «10» . ويقتل ثلثهم. أفضل الشّهداء عند الله. ويفتتح الثّلث. لا يفتنون أبدا: فيفتتحون قسطنطينيّة. فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علّقوا سيوفهم بالزّيتون، إذ صاح فيهم الشّيطان: إنّ المسيح قد خلّفكم في أهليكم. فيخرجون. وذلك باطل، فإذا جاءوا الشّأم خرج، فبينما هم يعدّون للقتال، يسوّون الصّفوف، إذ أقيمت الصّلاة. فينزل عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم، فأمّهم. فإذا رآه عدوّ الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء. فلو تركه   (1) يبسون: قال أهل اللغة: يبسّون. ويقال أيضا: يبسون. فتكون اللفظة ثلاثية ورباعية فحصل في ضبطه ثلاثة أوجه. ومعناه يتحملون بأهليهم. وقيل معناه يدعون الناس إلى بلاد الخصب. وهو قول إبراهيم الحربي. وقال أبو عبيد: معناه يسوقون. والبس سوق الإبل. وقال ابن وهب: معناه يزينون لهم البلاد ويحببونها اليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليها. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 158، 159) . (2) رواه مسلم برقم (1388) . (3) القيراط: قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما. وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به. (4) ذمة: الذمة هي الحرمة والحق. وهي هنا بمعنى الذمام. (5) ورحما: الرحم لكون هاجر، أم إسماعيل، منهم. (6) وصهرا: الصهر لكون مارية، أم إبراهيم، منهم. انظر في ذلك شرح النووي على صحيح مسلم (16/ 97) . (7) رواه مسلم برقم (2543/ 227) . (8) بالأعماق أو بدابق: موضعان بالشام، بقرب حلب. (9) سبوا: قال النووي رحمه الله: روى سبوا على وجهين: فتح السين والباء وضمهما. قال القاضي في المشارق: الضم رواية الأكثرين. قال: وهو الصواب. قلت: كلاهما صواب لأنهم سبوا. أولا ثم سبوا الكفار. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 21) . (10) لا يتوب الله عليهم أبدا: أي لا يلهمهم التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 لانذاب حتّى يهلك. ولكن يقتله الله بيده. فيريهم دمه في حربته» «1» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والّذي نفس محمّد بيده لتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله» «2» . - عن جابر- رضي الله عنه-؛ قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل لكم من أنماط «3» ؟ قلت: وأنّى يكون لنا الأنماط؟ قال: أما إنّه ستكون لكم الأنماط. فأنا أقول لها يعني امرأته أخّري عنّا أنماطك، فتقول: ألم يقل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّها ستكون لكم الأنماط، فأدعها» «4» . - عن سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الخلافة في أمّتي ثلاثون «5» سنة ثمّ ملكا بعد ذلك» «6» . بشارات لبعض الأصحاب: أ- أمّ حرام بنت ملحان: - عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدخل على أمّ حرام بنت ملحان «7» فتطعمه. وكانت أمّ حرام تحت عبادة بن الصّامت. فدخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فأطعمته. ثمّ جلست تفلي رأسه. فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ استيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله. يركبون ثبج «8» هذا البحر. ملوكا على الأسرّة، أو مثل الملوك على الأسرّة «9» .   (1) رواه مسلم برقم (2897) . (2) رواه البخاري- انظر الفتح: 6 (3618) ومسلم برقم (2919) . (3) أنماط: الأنماط جمع نمط وهو من البسط معروف. انظر جامع الأصول (11/ 319) . وقد قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك عند ما تزوج» . (4) رواه البخاري- انظر الفتح 6 (3631) . ومسلم برقم (2083) . (5) وقد وقع ذلك كما أخبر الصادق المصدوق صلى وسلم. قال الحافظ ابن كثير: وهكذا وقع سواء، فإن أبا بكر رضي الله عنه كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان اثنتا عشرة سنة إلا اثنى عشر يوما، وكانت خلافة علي بن أبي طالب خمس سنين إلا شهرين. وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي نحوا من ستة أشهر، حتى نزل عنها لمعاوية عام أربعين من الهجرة- انظر البداية والنهاية (6/ 204، 205) . (6) رواه أبو داود برقم (4646) . والترمذي برقم (2226) . والإمام أحمد في المسند (5/ 220- 221) ، والحاكم في المستدرك (3/ 71) وصححه ووافقه الذهبي وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/ 225) : أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره. (7) أم حرام بنت ملحان: اتفق العلماء على أنها كانت محرما له صلّى الله عليه وسلّم. واختلفوا في كيفية ذلك. فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة. وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده. لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار. (8) ثبج: هو ظهره ووسطه. (9) مثل الملوك على الأسرة: قيل: هو صفة لهم في الآخرة، إذا دخلوا الجنة. والأصح أنه صفة لهم في الدنيا أي يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 (يشكّ أيّهما قال) . قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها. ثمّ وضع رأسه فنام. ثمّ استيقظ وهو يضحك. قالت فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟. قال: «ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله، كما قال في الأولى. قالت فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأوّلين» . فركبت أمّ حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية «1» ، فصرعت عن دابّتها حين خرجت من البحر. فهلكت» «2» . ب- عكّاشة بن محصن: - عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-؛ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «عرضت عليّ الأمم. فرأيت النّبيّ ومعه الرّهيط «3» والنّبيّ ومعه الرّجل والرّجلان. والنّبيّ ليس معه أحد. إذ رفع لي سواد عظيم. فظننت أنّهم أمّتي. فقيل لي: هذا موسى صلّى الله عليه وسلّم وقومه. ولكن انظر إلى الأفق. فنظرت. فإذا سواد عظيم. فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر. فإذا سواد عظيم. فقيل لي: هذه أمّتك. ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب، ثمّ نهض فدخل منزله. فخاض «4» النّاس في أولئك الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب. فقال بعضهم: فلعلّهم الّذين صحبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال بعضهم: فلعلّهم الّذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله. وذكروا أشياء. فخرح عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما الّذي تخوضون فيه؟ «فأخبروه. فقال: «هم الّذين لا يرقون. ولا يسترقون. ولا يتطيّرون. وعلى ربّهم يتوكّلون» فقام عكّاشة بن محصن. فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: أنت منهم» ثمّ قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: سبقك بها عكّاشة» «5» . ج- أمّ ورقة بنت نوفل: وعن أمّ ورقة بنت نوفل أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا غزا بدرا قالت: قلت له: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك أمرّض مرضاكم، لعلّ الله أن يرزقني شهادة قال: «قرّي في بيتك، فإنّ الله تعالى يرزقك الشّهادة» قال: فكانت   (1) في زمن معاوية: قال القاضي: قال أكثر أهل السير والأخبار. إن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. وفيها ركبت أم حرام وزوجها إلى قبرس فصرعت عن دابتها هناك. فتوفيت ودفنت هناك. وعلى هذا يكون قوله: في زمان معاوية معناه في زمان غزوة في البحر، لا في أيام خلافته. انظر في ذلك شرح النووي على صحيح مسلم (13/ 57- 59) . (2) رواه البخاري انظر الفتح: 6 (2788، 2789) ومسلم برقم (1912) . (3) الرهيط: تصغير رهط وهو الجماعة دون العشرة. (4) فخاض الناس: أي تكلموا وتناظروا. (5) رواه البخاري- انظر الفتح 10 (5752) . ومسلم برقم (220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 تسمّى الشّهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تتّخذ في دارها مؤذّنا، فأذن لها، قال: وكانت قد دبّرت غلاما لها وجارية» فقاما إليها باللّيل فغمّاها بقطيفة لها حتّى ماتت وذهبا، فأصبح عمر فقام في النّاس فقال: من كان عنده من هذين علم، أو من رآهما فليجيء بهما، فأمر بهما فصلبا فكانا أوّل مصلوب بالمدينة» «2» وفي رواية البيهقيّ في آخره؛ فقال عمر: صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: انطلقوا بنا نزور الشّهيدة» . - أمارات السّاعة: - عن عوف بن مالك- رضي الله عنه-؛ قال: «أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبّة من أدم فقال: «اعدد ستّا بين يدي الساعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان «3» يأخذ فيكم كقعاص الغنم «4» ، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت في العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» «5» . فهذه علامات أخبر عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقع قبل قيام السّاعة: - موته صلوات الله وسلامه عليه. - وفتح بيت المقدس على يدي الخليفة الرّاشد عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- سنة خمس عشرة للهجرة. - وباء الطّاعون وهو طاعون عمواس وقع بالشّام في عهد عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- سنة ثماني عشرة للهجرة ومات فيه جماعات من سادات الصّحابة- رضي الله عنهم أجمعين. منهم معاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وشرحبيل بن حسنة، وغيرهم. - استفاضة المال وهو كثرته وظهر ذلك في خلافة الخليفة الرّاشد عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- عندما فتح المسلمون الفتوح العظيمة «6» . - وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى تخرج نار من أرض   (1) دبرت غلاما وجارية: أي علقت عتقهما على موتها، وهو أن يقول السيد لعبده: أنت حر بعد موتي. انظر عون المعبود (2/ 300) . (2) رواه أبو داود برقم (591) . والإمام أحمد في مسنده (6/ 405) ، والبيهقي في" دلائل النبوة" (6/ 381) وحسنه الألباني انظر صحيح سنن أبي داود برقم (552) . (3) موتان: بضم الميم وسكون الواو: قيل هو الموت. وقيل: الموت الكثير انظر فتح الباري (6/ 320) . (4) قعاص الغنم: قال ابن الأثير: القعاص بالضم: داء يأخذ الغنم لا يلبثها أن تموت. انظر النهاية (4/ 88) . وقال الحافظ ابن حجر: هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. انظر فتح الباري (6/ 321) . (5) رواه البخاري- انظر الفتح 6 (3176) . (6) انظر: فتح الباري (6/ 321) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى «1» » «2» . وقد خرجت هذه النّار بالمدينة المنوّرة كما أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وكان ذلك سنة أربع وخمسين وستّمائة كما ذكر ذلك جمع من العلماء منهم النّوويّ في شرحه على مسلم «3» ، والسّيوطيّ في الخصائص الكبرى «4» . قال النّوويّ رحمه الله: وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستّمائة وكانت نارا عظيمة جدّا من جنب المدينة الشّرقيّ وراء الحرّة تواتر العلم بها عند جميع الشّام وسائر البلدان وأخبرني من حضرها من أهل المدينة «5» . وقال الحافظ ابن حجر: قال أبو شامة في ذيل الرّوضتين «وردت في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين كتب من المدينة الشّريفة فيها شرح أمر عظيم حدث بها فيه تصديق لما في الصّحيحين، فذكر هذا الحديث، قال: فأخبرني بعض من أثق به ممّن شاهدها أنّه بلغه أنّه كتب بتيماء على ضوئها الكتب، فمن الكتب ... فذكر نحو ما تقدّم» «6» . - إفحام أهل الكتاب: كان أهل الكتاب كثيرا ما يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أشياء على سبيل الامتحان والتّعجيز وليس على سبيل الهداية والانصياع للحقّ فسألوه عن أشياء كثيرة فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يورد الجواب على وجهه ويأتي به على نصّه كما هو معروف لديهم ومقرّر في كتبهم. وقد علموا أنّه صلوات الله وسلامه عليه أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولم يتلقّ العلم على أيديهم. ومع هذا لم يحك عن واحد من اليهود والنّصارى على شدّة عداوتهم له وحرصهم على تكذيبه وكثرة سؤالهم له وتعنّتهم في ذلك، أنّه أنكر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جوابه أو كذبه بل أكثرهم صرّح بصحّة نبوّته وصدق مقالته، والمكابر منهم اعترف بعناده وحسده لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وها هي بعض النّماذج الّتي سئل فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأجاب بما طابق الحقّ المقرّر عند أهل الكتاب: - فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «بلغ عبد الله بن سلام مقدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة. فأتاه فقال: إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ، قال ما أوّل أشراط «7» السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟ ومن   (1) بصرى: بضم الموحدة وسكون المهملة مقصور: مدينة معروفة بالشام وهي مدينة حوران بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل. انظر شرح النووي على مسلم (18/ 30) ، فتح الباري (13/ 86) . (2) رواه البخاري- انظر الفتح 13 (7118) . ومسلم برقم (2902) . (3) شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 28) . (4) الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 256) . (5) شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 28) . (6) فتح الباري (13/ 85) . (7) الأشراط: العلامات، وأشراط الساعة: العلامات التي تتقدمها. مثل خروج الدجال، وطلوع الشمس من المغرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 أيّ شيء ينزع «1» الولد إلي أبيه، ومن أيّ شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خبّرني بهنّ آنفا جبريل. قال فقال عبد الله: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أوّل أشراط السّاعة فنار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب. وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت وأمّا الشّبه في الولد فإنّ الرّجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشّبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشّبه لها. قال: أشهد أنّك رسول الله. ثمّ قال: يا رسول الله، إنّ اليهود قوم بهت «2» ، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك. فجاءت اليهود، ودخل عبد الله البيت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا أعلمنا وابن أعلمنا، وأخبرنا وابن أخبرنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. فقالوا: شرّنا وابن شرّنا. ووقعوا فيه» «3» . - عن ثوبان- رضي الله عنه-؛ قال: كنت قائما عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجاء حبر «4» من أحبار اليهود فقال: السّلام عليك يا محمّد فدفعته دفعة كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله فقال اليهوديّ؛ إنّما ندعوه باسمه الّذي سمّاه به أهله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ اسمي محمّد الّذي سمّاني به أهلي «فقال اليهوديّ: جئت أسألك. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أينفعك شيء إن حدّثتك؟» قال: أسمع بأذنيّ. فنكت «5» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعود معه فقال: سل» فقال اليهوديّ: أين يكون النّاس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هم في الظّلمة دون الجسر «6» » قال: فمن أوّل النّاس إجازة «7» ، قال: «فقراء المهاجرين» قال اليهوديّ: فما تحفتهم «8» حين يدخلون الجنّة؟ قال: زيادة كبد النّون» «9» قال: فما غذاؤهم «10» علي إثرها؟ قال:   (1) ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه: إذا جاء يشبه أحدهما. (2) قوم بهت: بهت فلان فلانا: اذا كذب عليه، فهو باهت، وقوم بهت. أفاد ذلك ابن الأثير رحمه الله في كتابه جامع الأصول (11/ 383) . (3) رواه البخاري- انظر الفتح 6 (3329) . (4) حبر: قال في المصباح: الحبر، بالكسر، العالم. والجمع أحبار. مثل حمل وأحمال. والحبر، بالفتح، لغة فيه. وجمعه حبور، مثل فلس وفلوس. (5) فنكت: معناه يخط بالعود في الأرض ويؤثر به فيها. وهذا يفعله المفكر. (6) الجسر: بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، والمراد به هنا الصراط. (7) إجازة: الإجازة هنا بمعنى الجواز والعبور. (8) تحفتهم: بإسكان الحاء وفتحها، لغتان. وهي ما يهدى إلى الرجل ويخص به ويلاطف. (9) النون: النون هو الحوت. وجمعه نينان. (10) غذاؤهم: روي على وجهين: غذاؤهم وغداؤهم. قال القاضي عياض: هذا الثاني هو الصحيح، وهو رواية الأكثرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 «ينحر لهم ثور الجنّة الّذي كان يأكل من أطرافها» قال: فما شرابهم عليه؟ قال: «من عين فيها تسمّى سلسبيلا «1» » قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض. إلّا نبيّ أو رجل أو رجلان. قال: «ينفعك إن حدّثتك؟» قال: أسمع بأذنيّ قال جئت أسألك عن الولد؟ قال: ماء الرّجل أبيض وماء المرأة أصفر. فإذا اجتمعا، فعلا منيّ الرّجل منيّ المرأة، أذكرا «2» بإذن الله. وإذا علا منيّ المرأة منيّ الرّجل، آنثا «3» بإذن الله قال اليهوديّ: لقد صدقت. وإنّك لنبيّ. ثمّ انصرف فذهب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد سألني هذا عن الّذي سألني عنه. وما لي علم بشيء منه. حتّى آتاني الله به «4» . «5» . - عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- قال: قال يهوديّ لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ. فقال صاحبه: لا تقل نبيّ، إنّه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألاه عن تسع آيات بيّنات. فقال لهم: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولّوا الفرار يوم الزّحف «6» ، وعليكم خاصّة اليهود أن لا تعتدوا في السّبت، قال: فقبّلوا يده ورجله. فقالا: نشهد أنّك نبيّ. قال فما يمنعكم أن تتّبعوني؟ قالوا: إنّ داود دعا ربّه أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ، وإنّا نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود» «7» .   (1) سلسبيلا: قال جماعة من أهل اللغة والمفسرين: السلسبيل اسم للعين. وقال مجاهد وغيره: هي شديدة الجري وقيل هي السلسلة اللينة. (2) أذكرا: أي كان الولد ذكرا. (3) آنثا: أي كان الولد أنثى، وقد روي أنثا. (4) انظر في ذلك شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 226، 227، 228) . (5) رواه مسلم برقم (315) . (6) الزحف: القتال والمراد به: الجهاد في سبيل الله. (7) رواه الترمذي برقم (2733) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (7/ 111) . ورواه الإمام أحمد في مسنده (4/ 240) ، والحاكم في المستدرك (1/ 9) وقال: هذا حديث صحيح لا نعرف له علة بوجه من الوجوه ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صيغ الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 1- عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة- رضي الله عنه- فقال له بشير بن سعد- رضي الله عنه- قد أمرنا الله أن نصلّي عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد، وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد، وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم، والسّلام كما قد علمتم» «1» . وزاد ابن خزيمة فيه: «فكيف نصلّي عليك إذا نحن صلّينا في صلاتنا ... » الحديث. 2- عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: أقبل رجل «2» حتّى جلس بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن عنده، فقال: يا رسول الله أمّا السّلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلّي عليك إذا نحن صلّينا في صلاتنا صلّى الله عليك؟ قال: فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أحببنا أنّ الرّجل لم يسأله. ثمّ قال: «إذا أنتم صلّيتم عليّ فقولوا: اللهمّ صلّ على محمّد النّبيّ الأمّي، وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ... » » . 3- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هديّة؟ خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» «4» . 4- عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّهم قالوا: يا رسول الله! كيف نصلّي عليك؟ فقال رسول الله   (1) أحمد (5/ 274) ، ومسلم (405) ، والنسائي (3/ 45، 46) ، والترمذي (3220) ، وقال حديث حسن صحيح. وأبو داود (980، 981) ، ومالك في «الموطأ» (1/ 165، 166) . (2) هو بشير بن سعد. (3) أحمد في «المسند» (4/ 119) . والحاكم في «المستدرك» (1/ 268) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وهو عند ابن خزيمة في صحيحه. (4) البخاري- الفتح (1/ 6357) ، ومسلم (406) واللفظ له، وفي لفظ آخر عند البخاري [الفتح (61/ 3370) ] من طريق عبد الله ابن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ سمعتها من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: بلى، فاهدها لي، فقال: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإنّ الله قد علّمنا كيف نسلّم. قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وقد جمع هذا الحديث بين إبراهيم وآله في الصلاة والبركة، وهو على خلاف ما جزم به المؤلف من أن أكثر الأحاديث الصحاح والحسان، مصرحة بذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم وبذكر آله، أما في حق المشبه به وهو إبراهيم وآله، فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم فقط دون ذكر إبراهيم أو بذكره فقط دون ذكر آله، ولم يجىء حديث صحيح فيه لفظ إبراهيم وآل إبراهيم وهو سهو منه رحمه الله، وبتفصيل أكثر. انظر فتح الباري (11/ 158- 159) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 صلّى الله عليه وسلّم: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وأزواجه وذرّيّته، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وأزواجه وذرّيّته، كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» «1» . 5- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قلنا: يا رسول الله هذا السّلام عليك قد عرفناه، فكيف الصّلاة عليك؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك، كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم» «2» . 6- عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله كيف الصّلاة عليك؟ قال: «قل: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد» . وفي لفظ آخر عند النّسائيّ أنّ رجلا أتى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: كيف نصلّي عليك يا نبيّ الله؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد» «3» . 7- عن زيد بن خارجة- رضي الله عنه- «4» قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف الصّلاة عليك؟ فقال: «صلّوا واجتهدوا، ثمّ قولوا: اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد» «5» . 8- عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: إذا صلّيتم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأحسنوا الصّلاة عليه، فإنّكم لا تدرون لعلّ ذلك يعرض عليه. قال: فقالوا له: فعلّمنا، قال: قولوا: اللهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيّد المرسلين وإمام المتّقين وخاتم النّبيّين محمّد عبدك ورسولك، إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرّحمة، اللهمّ ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون والآخرون، اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد» «6» .   (1) البخاري- الفتح (11/ 6360) ، ومسلم (407) ، وأبو داود (979) ، والنسائي (3/ 49) ، وابن ماجه (905) . (2) البخاري- الفتح (11/ 6358) ، والنسائي (3/ 49) ، وابن ماجه (903) . (3) أحمد في «المسند» (1/ 126) ، والنسائي (3/ 48) وإسناده حسن. (4) هو زيد بن خارجة بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي شهد بدرا وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه، وانظر «الإصابة» لابن حجر (1/ 547) ، وراجع «جلاء الأفهام» لابن القيم (ص 13) . (5) أحمد في «المسند» (1/ 199) ، والنسائي (3/ 49) ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 69) ، وقال الأرنؤطيان: إسناده صحيح. (6) ابن ماجه (ص 906) ، وقال في «الزوائد: رجاله ثقات. إلا أن المسعودي اختلط بآخر عمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 9- عن عبد الرّحمن بن بشير بن مسعود «1» ، قال: قيل: يا رسول الله! أمرتنا أن نسلّم عليك، وأن نصلّي عليك، فقد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «تقولون: اللهمّ صلّ على آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم، اللهمّ بارك على آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم» «2» . طلب الصلاة من الله: في الصّيغ السّابقة لاحظنا أنّ الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم تتحقّق من خلال طلبها من الله- عزّ وجلّ- أن يصلّي عليه، وهنا سؤال مهمّ هو: لماذا لا نصلّي عليه مباشرة وإنّما نطلب ذلك من الله عزّ وجلّ؟ وعن هذا السّؤال يجيب ابن القيّم فيقول: أولا: إنّ الصّلاة من الله تعالى من أجلّ المراتب وأعلاها، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم أفضل الخلق فلا بدّ أن تكون الصّلاة الحاصلة له أفضل من كلّ صلاة تحصل لمخلوق فلا يكون غيره مساويا له فيها «3» . ثانيا: إنّ الله تعالى أخبر أنّه وملائكته يصلّون عليه، ثمّ أمر بالصّلاة عليه ولا ريب أنّ المطلوب من الله هو نظير الصّلاة المخبر بها لا ما دونها، وهو أكمل الصّلاة وأرجحها لا الصّلاة المرجوحة المفضولة «4» . كما كان أجر فضل صلاة الله- عزّ وجلّ- أعلى رتبة من فضل صلاة الإنسان بنفسه، فقد كان هذا الفضل- الحاصل بصلاة الله- عزّ وجلّ- عائدا على الإنسان له فائدة وأجر أعظم.   (1) عبد الرحمن بن بشير ذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبّان في التابعين. وقال ابن القيم معدود في الصحابة، وراجع «جلاء الأفهام» (ص 65) . (2) «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» لإسماعيل بن إسحاق القاضي (ص 71) ، وقال فضيلة الشيخ الألباني في تخريجه: إسناده مرسل صحيح، رجاله كلهم رجال مسلم. (3) راجع (جلاء الأفهام) ص 154) . (4) راجع (جلاء الأفهام) ص 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 مواطن الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1) في آخر التّشهّد «1» : عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة- رضي الله عنه- فقال له بشير بن سعد- رضي الله عنه-: قد أمرنا الله أن نصلّي عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد، وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد، وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم، والسّلام كما علمتم» «2» . وزاد ابن خزيمة فيه: «فكيف نصلّي عليك إذا نحن صلّينا في صلاتنا ... » الحديث. عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سمع رجلا يدعو في صلاته فلم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «عجل هذا» ثمّ دعاه فقال له أو لغيره: «إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثّناء عليه، ثمّ ليصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ليدع بعد بما شاء» «3» . عن ابن عمر- رضي الله عنهما- مرفوعا، قال: «لا تكون صلاة إلّا بقراءة وتشهّد وصلاة عليّ» «4» . (2) في صلاة الجنازة بعد التّكبيرة الثّانية: عن أبي أمامة «5» بن سهل أنّه أخبره رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّ السّنّة «6» في الصّلاة على الجنازة أن   (1) ذكر المؤلف رحمه الله- خلافا طويلا في حكم الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم من حيث الوجوب أو الاستحباب فقال: الموضع الأول- وهو أهمها وآكدها-: في الصلاة في آخر التشهد، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، واختلفوا في وجوبه فيها، فقالت طائفة: ليس بواجب فيها، ونسبوا من أوجبه إلى الشذوذ، ومخالفة الإجماع، منهم الطحاوي، والقاضي عياض، والخطابي، فإنه قال: ليست بواجبة في الصلاة، وهو قول جماعة الفقهاء إلّا الشافعي، ولا يعلم له قدوة، وكذلك ابن المنذر ذكر أن الشافعي تفرد بذلك، واختار عدم الوجوب. راجع «جلاء الأفهام» ص 263- 293. (2) أحمد (5/ 274) ، ومسلم (405) ، والنسائي (3/ 45، 46) ، والترمذي 3220) ، وقال حديث حسن صحيح، وأبو داود (980، 981) ، ومالك في «الموطأ» (1/ 165، 166) . (3) رواه أبو داود برقم (1481) ، والترمذي برقم (3477) وقال: حديث حسن صحيح والنسائي (3/ 44) ، والإمام أحمد في المسند (6/ 18) ، والحاكم في المستدرك (1/ 230) ، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (4) قال الحافظ ابن حجر: أخرجه العمري في «عمل اليوم والليلة» بسند جيد. انظر الفتح (11/ 196) . (5) أبو أمامة: صحابي صغير، كما قال ابن القيم. راجع «جلاء الأفهام» (ص 292) وقد رواه عن جماعة من الصحابة. فقال يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف وكان من صغار الأنصار وعلمائهم وأبناء الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبره رجال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة على الجنازة، أن يكبّر الإمام ثمّ يصلّي على النبي صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث. (6) من السنّة: قال ابن كثير: هذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح. انظر تفسير ابن كثير (3/ 521) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 يكبّر الإمام، ثمّ يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التّكبيرة الأولى سرّا في نفسه، ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويخلص الدّعاء للجنازة في التّكبيرات لا يقرأ في شيء منهنّ، ثمّ يسلّم سرّا في نفسه «1» . عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله- قال: «إنّ السّنّة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يخلص الدّعاء للميّت حتّى يفرغ، ولا يقرأ إلّا مرّة واحدة، ثمّ يسلّم في نفسه» «2» . عن أبي سعيد المقبريّ أنّه سأل أبا هريرة- رضي الله عنه-: كيف نصلّي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة- رضي الله عنه-: أنا لعمر الله أخبرك، أتبعها من أهلها، فإذا وضعت كبّرت وحمدت الله تعالى وصلّيت على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أقول: اللهمّ إنّه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلّا أنت، وأنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهمّ إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا، فتجاوز عن سيّئاته، اللهمّ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده» «3» . (3) في الخطب: كخطبة الجمعة، والعيدين، وغيرهما: عن عون بن أبي جحيفة قال: كان أبي من شرط «4» عليّ، وكان تحت المنبر، فحدّثني أنّه صعد المنبر- يعني عليّا- رضي الله عنه- فحمد الله، وأثنى عليه، وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال: خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر، والثّاني عمر، وقال: يجعل الله الخير حيث شاء» «5» . عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يقول بعد ما يفرغ من خطبة الصّلاة ويصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الرّاشدون، اللهمّ بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وقلوبنا وذرّيّاتنا» . (4) بعد الأذان: روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا، ثمّ سلوا الله   (1) رواه الشافعي في «الأم» (1/ 239، 240) . والحاكم في المستدرك (1/ 360) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 39، 40) والنسائي مختصرا (4/ 75) . (2) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 79) . وقال مخرج الكتاب الألباني: إسناده صحيح، وكذا أخرجه الحاكم (1/ 360) وصححه ووافقه الذهبي. (3) أخرجه عبد الرزاق في «المصنّف» (6425) وإسماعيل القاضي في: فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم (93) ، وذكره الهيثمي في «المجمع» (3/ 33) ونسبه إلى أبي يعلى وقال: رجاله رجال الصحيح. (4) الشرط جمع شرطة، وهو الجندي الذي يقوم بالحراسة. (5) أحمد في المسند (1/ 106) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح، وقال الأرنؤطيان في تحقيقهما لجلاء الأفهام: أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائده» (1/ 106) وإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة» «1» . (5) عند الدّعاء: وله ثلاثة مراتب: إحداها: أن يصلّي عليه قبل الدّعاء وبعد حمد الله تعالى. المرتبة الثّانية: أن يصلّي عليه في أوّل الدّعاء وأوسطه وآخره. والثّالثة: أن يصلّي عليه في أوّله وآخره، ويجعل حاجته متوسّطة بينهما. فأمّا المرتبة الأولى، فالدّليل عليها حديث فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته فلم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «عجل هذا» ، ثمّ دعاه فقال له ولغيره: «إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثّناء عليه، ثمّ ليصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ ليدع بعد بما شاء» وقد تقّدم «2» . عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنت أصلّي والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر معه، فلمّا جلست بدأت بالثّناء على الله تعالى، ثمّ بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ دعوت لنفسي، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سل تعطه سل تعطه» «3» . عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إذا أراد أحدكم أن يسأل الله تعالى فليبدأ بحمده والثّناء عليه بما هو أهله، ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يسأل بعد، فإنّه أجدر أن ينجح أو يصيب» «4» . وعن عليّ- رضي الله عنه- ما من دعاء إلّا بينه وبين الله حجاب حتّى يصلّي على محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فإذا صلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، انخرق الحجاب، واستجيب الدّعاء، وإذا لم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لم يستجب الدّعاء» «5» . قال المؤلّف: وهذه المواطن الّتي تقدّمت كلّها شرعت الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها أمام الدّعاء، فمفتاح   (1) أخرجه مسلم (384) . (2) تقدم تخريجه. (3) أخرجه الترمذي (593) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (4/ 156) إسناده حسن. (4) رجاله ثقات لكنه منقطع. وانظر جلاء الأفهام بتحقيق الأرناؤوط (ص 307) . (5) قال المنذري في «الترغيب والترهيب» (3/ 165) : وعن علي- رضي الله عنه- قال: كل دعاء محجوب حتى يصلّي على محمد صلّى الله عليه وسلّم، رواه الطبراني في «الأوسط موقوفا، ورواته ثقات، ورفعه بعضهم، والموقوف أصح، وذكره الهيثمي في «المجمع» (10/ 160) . وقال: رجاله ثقات، وأخرج الترمذي (486) عن عمر موقوفا «الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى يصلّي على النبي صلّى الله عليه وسلّم» وفي سنده أبو قرة الأسدي وهو مجهول. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ورد له شاهد مرفوع في جزء الحسن بن عرفة. انظر فتح الباري (11/ 169) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 الدّعاء: الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كما أنّ مفتاح الصّلاة الطّهور. والصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بمنزلة الفاتحة من الصّلاة، فصلّى الله عليه وعلى آله وسلّم تسليما. قال أحمد بن أبي الحواريّ: سمعت أبا سليمان الدّارانيّ يقول: «من أراد أن يسأل الله حاجته، فليبدأ بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وليسأل حاجته، وليختم بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مقبولة، والله أكرم أن يردّ ما بينهما. (6) عند دخول المسجد والخروج منه: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وليقل: اللهمّ افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وليقل: اللهمّ أجرني من الشّيطان الرّجيم» «1» . وفي المسند والتّرمذيّ، وسنن ابن ماجه من حديث فاطمة بنت الحسين عن جدّتها فاطمة الكبرى قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل المسجد قال: «اللهمّ صلّ على محمّد وسلّم، اللهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال مثل ذلك، إلّا أنّه يقول: أبواب فضلك» ولفظ التّرمذيّ: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل المسجد صلّى على محمّد وسلّم «2» . (7) على الصّفا والمروة: عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يكبّر على الصّفا ثلاثا يقول: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يدعو، ويطيل القيام والدّعاء، ثمّ يفعل على المروة مثل ذلك» وهذا من توابع الدّعاء أيضا «3» . وعن وهب بن الأجدع قال: سمعت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يخطب النّاس بمكّة يقول: «إذا قدم الرّجل منكم حاجّا، فليطف بالبيت سبعا، وليصلّ عند المقام ركعتين، ثمّ يستلم الحجر الأسود، ثمّ يبدأ بالصّفا، فيقوم عليها، ويستقبل البيت فيكبّر سبع تكبيرات، بين كلّ تكبير حمد الله عزّ وجلّ وثناء عليه، وصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسألة لنفسه، وعلى المروة مثل ذلك» «4» .   (1) صححه ابن خزيمة (452) وابن حبان (321) وقال الأرنؤطيان وهو كما قالا. (2) رواه أبو داود (465) والترمذي (304) وابن ماجة (771) وابن السني (87) قال الحافظ ابن حجر: رجال إسناده ثقات إلّا أن فيه انقطاعا وقال الأرنؤطيان حديث صحيح بشواهده. (3) فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم لإسماعيل بن إسحاق القاضي رقم (87) قال الألباني: سنده متصل صحيح. (4) رواه إسماعيل بن إسحاق في كتاب فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم (ص 71) ، وقال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد حسن قوي، وانظر تفسير ابن كثير (3/ 533) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 (8) عند اجتماع القوم وقبل تفرّقهم: عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما اجتمع قوم ثمّ تفرّقوا عن غير ذكر الله وصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلّا قاموا عن أنتن من جيفة» » . عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلّوا على نبيّهم إلّا كان عليهم ترة «2» فإن شاء عذّبهم وإن شاء غفر لهم» «3» . عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله عزّ وجلّ ويصلّون على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلّا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنّة للثّواب» «4» . (9) عند ورود ذكره صلوات الله وسلامه عليه: عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من ذكرت عنده فليصلّ عليّ فإنّه من صلّى عليّ مرّة صلّى الله عليه عشرا» «5» . وعن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احضروا المنبر» فحضرنا فلمّا ارتقى درجة قال: «آمين» . فلمّا ارتقى الثّانية قال: «آمين» . فلمّا ارتقى الدّرجة الثّالثة قال: «آمين» . فلمّا نزل قلنا يا رسول الله! لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنّا نسمع، قال: «إنّ جبريل عرض لي، فقال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين، فلمّا رقيت الثّانية قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصلّ عليك، فقلت: آمين، فلمّا رقيت الثّالثة،   (1) رواه أبو داود الطيالسي (1756) ، والبيهقي في شعب الإيمان، والضياء المقدسي في المختارة والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 411) بلفظ «ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا عن غير صلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم إلّا تفرقوا على أنتن من ريح الجيفة» . قال ابن القيم رحمه الله: قال أبو عبد الله المقدسي (الضياء) : هذا عندي على شرط مسلم. راجع جلاء الأفهام (ص 78) وأيضا صحح الحديث الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (5382) . (2) (ترة) : نقص وتبعة وحسرة. انظر النهاية لابن الأثير (1/ 189) . (3) رواه الإمام أحمد في المسند (2/ 446، 452، 481، 484، 495) ، والترمذي برقم (3380) وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 496) ، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم (ص 51) ، وصحح الحديث أيضا الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (74) ، وعبد القادر الأرناؤوط، انظر تعليقه على كتاب «جامع الأصول» (4/ 472) . (4) رواه الإمام أحمد في المسند (2/ 463) وابن حبان (2322) كما في موارد الظمآن. والحاكم (1/ 492) ، وإسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 52، 53) ، وقال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. انظر مجمع الزوائد (10/ 79) وأيضا صححه الألباني، انظر السلسلة الصحيحة برقم (76) ، وصحيح الجامع الصغير برقم (7500) . (5) رواه النسائي في «عمل اليوم والليلة» (ص 60) ، وابن السني (383) ، والبخاري في الأدب المفرد (ص 463) ، قال النووي: إسناده جيد. انظر كتابه «الأذكار» (ص 145) ، وقال ابن القيم: إسناده صحيح، انظر كتابه «جلاء الأفهام» (ص 295) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 قال: بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنّة. قلت: آمين» «1» . وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رغم «2» أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثمّ انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنّة» «3» . عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» «4» . (10) عند طرفي النّهار: عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ حين يصبح وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة» «5» . (11) عند الوقوف على قبره صلّى الله عليه وسلّم: عن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويدعو لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- «6» . (12) عند الخروج إلى السّوق، أو إلى دعوة أو نحوها: قال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطّان، حدّثنا محمّد بن بشر، حدّثنا مسعر، حدّثنا عامر بن شقيق، عن أبي وائل قال: «ما رأيت عبد الله جلس في مأدبة ولا جنازة ولا غير ذلك، فيقوم حتّى يحمد الله، ويثني عليه، ويصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويدعو بدعوات. وإن كان يخرج إلى السّوق، فيأتي أغفلها مكانا، فيجلس، فيحمد الله، ويصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويدعو بدعوات» «7» .   (1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 153، 154) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) (رغم) : قال الحافظ المنذري: بكسر الغين المعجمة أي: لصق بالرغام وهو التراب؛ وقال ابن الأعرابي: هو بفتح الغين، ومعناه: ذلّ. انظر الترغيب والترهيب (2/ 508) . (3) رواه الترمذي برقم (3539) وقال: حديث حسن غريب، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» ، (ص 31) ، وحسّنه ابن حجر، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (3504) . (4) رواه الترمذي (3546) وقال حديث حسن صحيح، وأحمد في المسند (1/ 201) . (5) قال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين وإسناد أحدهما جيّد ورجاله وثقوا. انظر مجمع الزوائد (10/ 120) . وأيضا حسّن الحديث الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (6233) . (6) ذكره مالك في الموطأ (1/ 166) ، وقال محققا جلاء الأفهام (ص 228) إسناده موقوف صحيح. وقال الألباني في تخريج فضل الصلاة على النبي: إسناده موقوف صحيح. (7) ذكره السخاوي في القول البديع (ص 217) وقال: أخرجه ابن أبي حاتم وابن أبي شيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 (13) في صلاة العيد: عن علقمة أنّ ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة: خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم: «إنّ هذا العيد قد دنا فكيف التّكبير فيه؟» قال عبد الله: «تبدأ فتكبّر تكبيرة تفتتح بها الصّلاة وتحمد ربّك، وتصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تدعو وتكبّر وتفعل مثل ذلك، ثمّ تكبّر وتفعل مثل ذلك، ثمّ تقرأ، ثمّ تكبّر وتركع، ثمّ تقوم وتقرأ وتحمد ربّك وتصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تدعو وتكبّر، وتفعل مثل ذلك، ثمّ تكبّر وتفعل مثل ذلك، ثمّ تكبّر وتفعل مثل ذلك، ثمّ تركع» . فقال حذيفة وأبو موسى: «صدق أبو عبد الرّحمن» «1» . (14) يوم الجمعة وليلتها: عن أوس بن أوس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أفضل أيّامكم يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النّفخة، وفيه الصّعقة، فأكثروا عليّ من الصّلاة فيه، فإنّ صلاتكم معروضة عليّ» قال: قالوا يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت «2» ؟ يقولون بليت، فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ حرّم على الأرض أجساد الأنبياء» «3» . عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكثروا الصّلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا» «4» . عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكثروا الصّلاة عليّ في يوم الجمعة، فإنّه ليس أحد يصلّي عليّ يوم الجمعة إلّا عرضت عليّ صلاته» «5» . (15) عند ختم القرآن: قال ابن القيّم- رحمه الله-: من مواطن الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم، عقب ختم القرآن، وهذا لأنّ   (1) رواه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم (ص 75، 76) وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 521) إسناده صحيح. (2) أرمت: بفتح الراء أو كسرها: أي (بليت) . (3) رواه: أبو داود برقم (1047) ، والنسائي (3/ 19) ، وابن ماجه برقم (1085، 1636) ، والإمام أحمد في المسند (4/ 8) ، والحاكم في المستدرك (4/ 560) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال النووي: رواه أبو داود بإسناد صحيح. انظر «رياض الصالحين» (ص 413) . (4) رواه البيهقي في سننه (3/ 249) ، وحسّنه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (1220) ، وأورد له شواهد كثيرة، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1407) . (5) رواه الحاكم (2/ 421) وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي في «شعب الإيمان» وصححه الألباني لشواهده، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (1216) ، والسلسلة الصحيحة برقم (1527) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 المحلّ محلّ دعاء، وقد نصّ الإمام أحمد- رحمه الله- على الدّعاء عقيب الختمة، وفي رواية أبي الحارث: «كان أنس- رضي الله عنه- إذا ختم القرآن جمع أهله وولده» ، وإذا كان هذا من أكبر مواطن الدّعاء وأحقّها بالإجابة فهو من أكبر مواطن الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» «1» . (16) عند القراءة: قال الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله-: إذا مرّ المصلّي بآية فيها ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإن كان في نفل صلّى عليه صلّى الله عليه وسلّم «2» . قال ابن سنان: سمعت عبّاس العنبريّ وعليّ ابن المدينيّ يقولان: ما تركنا الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في كلّ حديث سمعناه «3» . قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- حدّثني بعض إخواني ممّن أثق بهم قال: رأيت رجلا من أهل الحديث في المنام، فقلت: ماذا فعل الله بك؟ قال: رحمني أو غفر لي، قلت: وبم ذلك؟ قال: إنّي كنت إذا أتيت على اسم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كتبت «صلّى الله عليه وسلّم» «4» . قال سفيان الثّوريّ: لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلّا الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لكفته فإنّه يصلّي عليه ما دام في ذلك الكتاب صلّى الله عليه وسلّم» «5» . (17) عند الهمّ، والشّدائد، وطلب المغفرة: عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا ذهب ثلثا اللّيل قام فقال: «يا أيّها النّاس، اذكروا الله، جاءت الرّاجفة تتبعها الرّادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه» . قال أبيّ: قلت: يا رسول الله إنّي أكثر الصّلاة عليك، فكم أجعل لك في صلاتي؟ فقال: «ما شئت» . قال: قلت: الرّبع؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» . قلت: النّصف؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» . قال: قلت: فالثّلثين؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» . قلت: أجعل لك صلاتي كلّها؟ قال: «إذا تكفى همّك ويغفر لك ذنبك» «6» . والمعنى أنّ من يجعل دعاءه صلاة على النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يكفيه الله ما أهمّه من أمر دينه ودنياه.   (1) انظر جلاء الأفهام (ص 330، 331) . (2) انظر جلاء الأفهام لابن القيم (ص 355) . (3) انظر جلاء الأفهام (ص 338) . (4) انظر جلاء الأفهام (ص 337) . (5) انظر جلاء الأفهام (ص 336) . (6) رواه الترمذي (2457) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند (5/ 136) ، والحاكم في المستدرك (2/ 421) ، وصححه ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده جيّد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 (18) عند خطبة الرّجل المرأة في النّكاح: عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.. «1» الآية.. قال: يعني أنّ الله تعالى يثني على نبيّكم، ويغفر له، وأمر الملائكة بالاستغفار له يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ أثنوا عليه في صلاتكم، وفي مساجدكم، وفي كلّ موطن، وفي خطبة النّساء فلا تنسوه. (19) الصّلاة في كلّ مكان: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا. ولا تجعلوا قبري عيدا. وصلّوا عليّ فإنّ صلاتكم معروضة تبلغني حيث كنتم» «2» . (20) آخر القنوت: عن عبد الله بن الحارث أنّ أبا حليمة معاذا «3» كان يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في القنوت. قال ابن القيّم- رحمه الله-: وهو مستحبّ في قنوت رمضان.   (1) سورة الأحزاب: 56. (2) أبو داود (2042) ، وأحمد في المسند (2/ 367) ، وحسّنه الحافظ في تخريج الأذكار. وانظر «جامع الأصول» (4/ 407) . (3) هو معاذ بن الحارث الأنصاري القارىء: أقامه عمر بن الخطاب إماما يصلّي بالناس في شهر رمضان صلاة التراويح. وانظر جلاء الأفهام (ص 279) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 فضائل الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1) صلاة بصلوات: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه عشرا» «1» . وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذكرت عنده فليصلّ عليّ، ومن صلّى عليّ مرّة صلّى الله عليه عشرا» «2» . وعن عامر بن ربيعة- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد يصلّي عليّ إلّا صلّت عليه الملائكة ما دام يصلّي عليّ، فليقلّ العبد من ذلك أو ليكثر» «3» . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: «من صلّى على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة صلّى الله عليه وملائكته سبعين صلاة فليقلّ من ذلك أو ليكثر» «4» . (2) رفع للدّرجات وحطّ للسّيّئات: فعن أبي طلحة الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما طيّب النّفس يرى في وجهه البشر. قالوا: يا رسول الله: أصبحت اليوم طيّب النّفس يرى في وجهك البشر. قال: «أجل، أتاني آت من عند ربّي عزّ وجلّ، فقال: من صلّى عليك من أمّتك صلاة، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات، وردّ عليه مثلها» «5» . وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه عشر صلوات وحطّ عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات» «6» . (3) كفاية الهموم ومغفرة الذّنوب: عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا ذهب ثلثا اللّيل قام فقال: «يا أيّها   (1) رواه مسلم برقم (408) . (2) رواه النسائي في «عمل اليوم والليلة» (ص 60) ، وابن السني (283) ، والبخاري في الأدب المفرد (643) ، وقال النووي رحمه الله: إسناده جيّد. انظر كتاب «الأذكار» له (ص 145) . وقال ابن القيم رحمه الله: إسناده صحيح، انظر «جلاء الأفهام» (ص 295) . (3) رواه الإمام أحمد في المسند (3/ 445) ، وابن ماجه برقم (907) . وإسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 925) وحسّنه الألباني لشواهده، انظر صحيح الجامع برقم (5620) ، وكذا تعليقه على كتاب «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 25) . (4) رواه الإمام أحمد في المسند (2/ 172) ، قال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن، انظر مجمع الزوائد (10/ 160) ، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، انظر تخريجه على المسند برقم (6754) . (5) رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 29) ، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (57) . (6) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 102) ، والنسائي (3/ 50) واللفظ له، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (6235) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 النّاس، اذكروا الله، جاءت الرّاجفة تتبعها الرّادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه» . قال أبيّ: قلت: يا رسول الله إنّي أكثر الصّلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي» ؟ فقال: «ما شئت» . قال: قلت: الرّبع؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» . قلت: النّصف؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» . قال: قلت: فالثّلثين؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» . قلت: أجعل لك صلاتي كلّها؟ قال: «إذا تكفى همّك ويغفر لك ذنبك» «2» . (4) سبب لنيل شفاعته صلّى الله عليه وسلّم: عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا، ثمّ سلوا الله لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنّة، لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة» «3» . عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة» «4» . عن رويفع بن ثابت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى على محمّد وقال: اللهمّ أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي» «5» . (5) سبب لعرض اسم المصلّي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فعن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكثروا الصّلاة عليّ، فإنّ الله وكّل بي ملكا عند قبري، فإذا صلّى عليّ رجل من أمّتي، قال لي ذلك الملك، يا محمّد إنّ فلان بن فلان صلّى عليك السّاعة» «6» . وعن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله تعالى ملكا أعطاه سمع   (1) صلاتي: قال المنذري: معناه أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك، انظر الترغيب والترهيب (2/ 501) . (2) رواه الترمذي برقم (2457) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 136) ، ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 421) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 29، 30) . قال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد وإسناده جيّد، انظر مجمع الزوائد (10/ 160) . (3) رواه مسلم برقم (384) . (4) تقدّم تخريجه. (5) رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 108) ، وقال الحافظ الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير وأسانيدهم حسنة، انظر مجمع الزوائد (10/ 163) . (6) رواه الديلمي في مسند الفردوس (1/ 93) ، وحسّنه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1530) ، وصحيح الجامع الصغير برقم (1218) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 العباد، فليس من أحد يصلّي عليّ إلّا أبلغنيها، وإنّي سألت ربّي أن لا يصلّي عليّ عبد صلاة إلّا صلّى عليه عشر أمثالها» «1» . وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله تعالى ملائكة سيّاحين في الأرض يبلّغوني من أمّتي السّلام» «2» . (6) طهرة من لغو المجلس: عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما اجتمع قوم ثمّ تفرّقوا عن غير ذكر الله وصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلّا قاموا عن أنتن من جيفة» «3» . عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلّوا على نبيّهم إلّا كان عليهم ترة «4» فإن شاء عذّبهم وإن شاء غفر لهم» «5» . عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله عزّ وجلّ ويصلّون على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلّا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنّة للثّواب» «6» . (7) سبب في إجابة الدّعاء: عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «كلّ دعاء محجوب حتّى يصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» «7» . (8) انتفاء الوصف بالبخل والجفاء: عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» «8» .   (1) رواه الطبراني والبزار، وحسّنه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1530) ، وأيضا صحيح الجامع الصغير برقم (2172) . (2) رواه الإمام أحمد في المسند (1/ 387، 441، 452) . والنسائي (3/ 43) ، والدارمي برقم (2777) ، والحاكم في المستدرك (2/ 421) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 34) ، وأيضا صححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (2170) . (3) تقدّم تخريجه. (4) ترة: نقص وتبعة وحسرة، انظر النهاية لابن الأثير (1/ 189) . (5) تقدّم تخريجه. (6) تقدّم تخريجه. (7) ذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات وحسّنه الألباني، انظر صحيح الجامع (4299) . (8) رواه الترمذي برقم (1456) وقال: حديث حسن صحيح غريب. والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (55، 56) ، ورواه الإمام أحمد في المسند (1/ 201) ، وابن حبان (2388) موارد، والحاكم في المستدرك (1/ 549) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 وعن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ أبخل النّاس من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» «1» . وعن الحسن البصري- رحمه الله- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بحسب امرىء من البخل أن أذكر عنده فلا يصلّي عليّ» «2» . وعن قتادة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من الجفاء «3» أن أذكر عند رجل فلا يصلّي عليّ» «4» . (9) دليل إلى الجنّة: عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نسي «5» الصّلاة عليّ خطىء طريق الجنّة» «6» . وعن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- رحمه الله- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فقد خطىء طريق الجنّة» «7» .   (1) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 43) . وصححه الألباني بشواهده، انظر حاشيته على الكتاب المذكور (ص 43) . (2) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 43) . وقال مخرج الكتاب الألباني: إسناده مرسل صحيح. (3) قال الحافظ السخاوي: قوله «من الجفاء» هو بفتح الجيم والمد وهو ترك البر والصلة ويطلق أيضا على غلظ الطبع، انظر كتاب «القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع» (ص 146) . (4) قال ابن القيم رحمه الله: «لو تركنا وهذا المرسل وحده لم نحتج به، ولكن له أصول وشواهد قد تقدمت من تسمية تارك الصلاة عليه عند ذكره بخيلا وشحيحا، والدعاء عليه بالرغم. وهذا من موجبات جفائه، انظر كتابه «جلاء الأفهام» (ص 321) ، وقال السخاوي- بعد أن أورد الحديث-: أخرجه النميري هكذا من وجهين من طريق عبد الرزاق وهو في «جامعه» ورواته ثقات، انظر كتابه «القول البديع» (ص 146) . (5) من نسى الصلاة عليّ: قال العلامة المناوي قال في الإتحاف: المراد بالنسيان هنا: الترك، نظير قوله تعالى في توبيخ الفاجر أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى أي: تركت آياتنا فجزاؤك أنك تترك من الرحمة وتوضع في العذاب، وليس المراد بالنسيان هنا: الذهول، لأن الناسي- أي: الذي ذهل من حفظه- غير مكلف أي ليس بمؤاخذ. انظر كتابه «فيض القدير» (6/ 129) بتصرف يسير. (6) رواه ابن ماجه في سننه برقم (908) ، قال الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث: أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس والبيهقي في «الشّعب» من حديث أبي هريرة. وابن أبي حاتم من حديث جابر. والطبراني من حديث حسن بن علي. وهذه الطرق يشد بعضها بعضا، انظر فتح الباري (11/ 172) . كما قوّى الحديث لشواهده أيضا ابن الملقن. انظر «فيض القدير» (6/ 232) . (7) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه «فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» (ص 46) من عدّة أوجه. قال الحافظ بن كثير: هذا مرسل جيّد يتقوى بالذي قبله. أ. هـ. يعني حديث ابن عباس عند ابن ماجه، انظر تفسير ابن كثير (3/ 520) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 الفوائد والثّمرات الحاصلة بالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم قال المؤلّف- رحمه الله-: ومن الفوائد والثّمرات الحاصلة بالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم: الأولى: امتثال أمر الله سبحانه وتعالى. الثّانية: موافقته سبحانه في الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم، وإن اختلفت الصّلاتان. الثّالثة: موافقة ملائكته فيها. الرّابعة: حصول عشر صلوات من الله على المصلّي مرّة. الخامسة: أنّه يرفع له عشر درجات. السّادسة: أنّه يكتب له عشر حسنات. السّابعة: أنّه يمحى عنه عشر سيّئات. الثّامنة: أنّه يرجى إجابة دعائه إذا قدّمها أمامه، فهي تصاعد الدّعاء إلى عند ربّ العالمين. التّاسعة: أنّها سبب لشفاعته صلّى الله عليه وسلّم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له، أو أفردها. العاشرة: أنّها سبب لغفران الذّنوب. الحادية عشرة: أنّها سبب لكفاية الله العبد ما أهمّه. الثّانية عشرة: أنّها سبب لقرب العبد منه صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة. الثّالثة عشرة: أنّها تقوم مقام الصّدقة لذي العسرة. الرّابعة عشرة: أنّها سبب لقضاء الحوائج. الخامسة عشرة: أنّها سبب لصلاة الله على المصلّي وصلاة ملائكته عليه. السّادسة عشرة: أنّها زكاة للمصلّي وطهارة له. السّابعة عشرة: أنّها سبب لتبشير العبد بالجنّة قبل موته. الثّامنة عشرة: أنّها سبب للنّجاة من أهوال يوم القيامة. التّاسعة عشرة: أنّها سبب لردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة والسّلام على المصلّي والمسلّم عليه. العشرون: أنّها سبب لتذكّر العبد ما نسيه كما تقدّم. الحادية والعشرون: أنّها سبب لطيب المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة. الثّانية والعشرون: أنّها سبب لنفي الفقر كما تقدّم. الثّالثة والعشرون: أنّها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلّى عليه عند ذكره صلّى الله عليه وسلّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 الرّابعة والعشرون: أنّها ترمي صاحبها على طريق الجنّة وتخطىء بتاركها عن طريقها. الخامسة والعشرون: أنّها تنجي من نتن المجلس الّذي لا يذكر فيه الله ورسوله ويحمد ويثنى عليه فيه، ويصلّى على رسوله صلّى الله عليه وسلّم. السّادسة والعشرون: أنّها سبب لتمام الكلام الّذي ابتدىء بحمد الله والصّلاة على رسوله. السّابعة والعشرون: أنّها سبب لوفور نور العبد على الصّراط. الثّامنة والعشرون: أنّه يخرج بها العبد عن الجفاء. التّاسعة والعشرون: أنّها سبب لإبقاء الله سبحانه الثّناء الحسن للمصلّي عليه بين أهل السّماء والأرض، لأنّ المصلّي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرّمه ويشرّفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بدّ أن يحصل للمصلّي نوع من ذلك. الثّلاثون: أنّها سبب للبركة في ذات المصلّي وعمله وعمره وأسباب مصالحه، لأنّ المصلّي داع ربّه أن يبارك عليه وعلى آله، وهذا الدّعاء مستجاب، والجزاء من جنسه. الحادية والثّلاثون: أنّها سبب لنيل رحمة الله له، لأنّ الرحمة إمّا بمعنى الصّلاة كما قاله طائفة، وإمّا من لوازمها وموجباتها على القول الصّحيح، فلا بدّ للمصلّي عليه من رحمة تناله. الثّانية والثّلاثون: أنّها سبب لدوام محبّته للرّسول صلّى الله عليه وسلّم وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان الّذي لا يتمّ إلّا به، لأنّ العبد كلّما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبّه تضاعف حبّه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضاره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبّه من قلبه، ولا شيء أقرّ لعين المحبّ من رؤية محبوبه، ولا أقرّ لقلبه من ذكره وإحضار محاسنه، فإذا قوي هذا في قلبه، جرى لسانه بمدحه والثّناء عليه، وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحبّ ونقصانه في قلبه، والحسّ شاهد بذلك. الثّالثة والثّلاثون: أنّ الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم سبب لمحبّته للعبد، فإنّها إذا كانت سببا لزيادة محبّة المصلّى عليه له، فكذلك هي سبب لمحبّته هو للمصلّي عليه صلّى الله عليه وسلّم. الرّابعة والثّلاثون: أنّها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنّه كلّما أكثر الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم وذكره، استولت محبّته على قلبه، حتّى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره، ولا شكّ في شيء ممّا جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوبا مسطورا في قلبه، لا زال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلّما ازداد في ذلك بصيرة وقوّة معرفة، ازدادت صلاته عليه صلّى الله عليه وسلّم. الخامسة والثّلاثون: أنّها سبب لعرض اسم المصلّي عليه صلّى الله عليه وسلّم وذكره عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 السّادسة والثّلاثون: أنّها سبب لتثبيت القدم على الصّراط، والجواز عليه، لحديث عبد الرّحمن بن سمرة الّذي رواه عنه سعيد بن المسيّب في رؤيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفيه: «ورأيت رجلا من أمّتي يزحف على الصّراط ويحبو أحيانا ويتعلّق أحيانا، فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته» «1» . السّابعة والثّلاثون: أنّ الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم أداء لأقلّ القليل من حقّه، مع أنّ الّذي يستحقّه لا يحصى علما ولا قدرة، ولا إرادة، ولكنّ الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقّه. الثّامنة والثّلاثون: أنّها متضمّنة لذكر الله تعالى وشكره، ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله، فالمصلّي عليه صلّى الله عليه وسلّم قد تضمّنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله كما عرّفتنا ربّنا وأسماءه وصفاته، وهدانا الله بها إلى طريق مرضاته، وعرّفنا جلّ جلاله ما لنا بعد الوصول إليه، والقدوم عليه، فهي متضمّنة لكلّ الإيمان، بل هي متضمّنة للإقرار بوجوب الرّبّ المدعوّ وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وحياته وكلامه، وإرسال رسوله، وتصديقه في أخباره كلّها، وكمال محبّته، ولا ريب أنّ هذه هي أصول الإيمان، فالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم متضمّنة لعلم العبد ذلك، وتصديقه به، ومحبّته له، فكانت من أفضل الأعمال. التّاسعة والثّلاثون: أنّ الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم من العبد هي دعاء، ودعاء العبد وسؤاله من ربّه نوعان: أحدهما: سؤاله حوائجه ومهمّاته وما ينوبه في اللّيل والنّهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه. والثّاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه، ويزيد في تشريفه وتكريمه وإيثاره ذكره، ورفعه، ولا ريب أنّ الله تعالى يحبّ ذلك ورسوله يحبّه، فالمصلّي عليه صلّى الله عليه وسلّم قد صرف سؤاله ورغبته وطلبه إلى محابّ الله ورسوله، وآثر ذلك على طلبه حوائجه ومحابّه هو، بل كان هذا المطلوب من أحبّ الأمور إليه وآثرها عنده، فقد آثر ما يحبّه الله ورسوله على ما يحبّه هو، فقد آثر الله ومحابّه على ما سواه، والجزاء من جنس العمل. فمن آثر الله على غيره، آثر الله على غيره.   (1) رواه أبو موسى المديني وبنى عليه كتابه «الترغيب والترهيب» وقال: هذا حديث حسن جدّا، وانظر جلاء الأفهام (ص 368) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 افتتاح صلاة المصلّي بقوله «اللهمّ» ومعنى ذلك* لا خلاف أنّ لفظة «اللهمّ» معناها «يا الله» ولهذا لا تستعمل إلّا في الطّلب، فلا يقال: اللهمّ غفور رحيم، بل يقال: اللهمّ اغفر لي وارحمني. واختلف النّحاة في الميم المشدّدة من آخر الاسم: فقال: سيبويه: زيدت عوضا من حرف النّداء ولذلك لا يجوز عنده الجمع بينهما في اختيار الكلام، لا يقال: «يا اللهمّ» إلّا فيما ندر. وقيل: الميم عوض عن جملة محذوفة، والتّقدير: «يا الله أمّنا بخير» أي: اقصدنا، ثمّ حذف الجارّ والمجرور وحذف المفعول، فبقي في التّقدير: يا الله أمّ» ثمّ حذفوا الهمزة لكثرة دوران هذا الاسم في الدّعاء على ألسنتهم، فبقي «يا اللهمّ» ، وهذا قول الفرّاء. وصاحب هذا القول يجوّز دخول «يا» عليه، ويحتجّ بقول الشّاعر: وما عليك أن تقولي كلّما ... صلّيت أو سبّحت يا اللهمّا اردد علينا شيخنا مسلّما «1» . قال المؤلّف- رحمه الله-: وردّ البصريّون هذا بوجوه «2» . وقيل: زيدت الميم للتّعظيم والتّفخيم، كزيادتها في «زرقم» «3» لشديد الزّرقة «وابنم» في الابن. قال المؤلّف- رحمه الله-: «الميم» حرف شفهيّ يجمع النّاطق به شفتيه، فوضعته العرب علما على الجمع، فقالوا للواحد: «أنت» فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا «أنتم» ، وقالوا للواحد الغائب «هو» فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا: «هم» وكذلك في المتّصل يقولون: ضربت، وضربتم، وإيّاك، وإيّاكم، وإيّاه، وإيّاهم، ونظائره نحو: به وبهم، ويقولون للشّيء الأزرق: أزرق، فإذا اشتدّت زرقته، واستحكمت، قالوا: زرقم، ويقولون للكبير الاست: ستهم. وتأمّل الألفاظ الّتي فيها الميم كيف تجد الجمع معقودا بها مثل «لمّ الشّيء يلمّه» : إذا جمعه، ومنه «لمّ الله   * قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب: 56) . في هذه الآية القرآنية المباركة، أمر الله تعالى بالصّلاة والسّلام على رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقد بيّن صلوات الله وسلامه عليه كيفية الصلاة عليه بقوله: «قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد..» (الحديث: تقدم تخريجه) . فما معنى قول المصلّي «اللهم» في افتتاح صلاته على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد وضّح المؤلف- رحمه الله- معنى هذه اللفظة وشرحها شرحا وافيا فليتنبّه إليه فإنه مهم. (1) الشيخ هنا: الأب والزوج. (2) هذه الوجوه ذكرها المؤلف مفصّلة وهي (عشرة وجوه) ختمها بقوله: «فهذا كله لا يسوغ فيه التقدير الذي ذكروه» . (3) وذكر ابن فارس في المقاييس: الزّرقم، أجمع أهل اللغة أن أصله من الزّرق، فإن الميم فيه زائدة- (المقاييس 3/ 52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 شعثه» أي جمع ما تفرّق من أموره، ومنه قولهم «دار لمومة» أي: تلمّ النّاس وتجمعهم، ومنه أَكْلًا لَمًّا «1» . جاء في تفسيرها يأكل نصيبه ونصيب صاحبه، وأصله من «اللّمّ» وهو الجمع، كما يقال: لفّه يلفّه، ومنه ألمّ بالشّيء: إذا قارب الاجتماع به والوصول إليه، ومنه «اللّمم» وهو مقاربة الاجتماع بالكبائر، ومنه الملمّة وهي النّازلة الّتي تصيب العبد، ومنه «اللّمّة» وهي الشّعر الّذي قد اجتمع، وتقلّص حتّى جاوز شحمة الأذن، ومنه: (تمّ الشّيء) وما تصرّف منها، ومنه بدر التّمّ إذا كمل واجتمع نوره، ومنه التّوأم للولدين المجتمعين في بطن، ومنه الأمّ، وأمّ الشّيء أصله الّذي تفرّع منه، فهو الجامع له، وبه سمّيت مكّة أمّ القرى، والفاتحة أمّ القرآن، واللّوح المحفوظ أمّ الكتاب، قال الجوهريّ: أمّ الشّيء أصله، ومكّة أمّ القرى، وأمّ مثواك: صاحبة منزلك، يعني الّتي تأوي إليها، وتجتمع معها، وأمّ الدّماغ: الجلدة الّتي تجمع الدّماغ، ويقال لها: أمّ الرأس، وقوله تعالى في الآيات المحكمات: هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ «2» . والأمّة: الجماعة المتساوية في الخلقة والزّمان، قال تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ «3» ، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أنّ الكلاب أمّة من الأمم لأمرت بقتلها» «4» . ومنه الإمام الّذي يجتمع المقتدون به على اتّباعه، ومنه: أمّ الشّيء يؤمّه: إذا اجتمع قصده، وهمّه إليه، ومنه: رمّ الشّيء يرمّه: إذا أصلحه، وجمع متفرّقة، قيل: ومنه سمّي الرّمّان لاجتماع حبّه وتضامّه. ومنه: ضمّ الشّيء يضمّه، إذا جمعه، ومنه همّ الإنسان وهمومه وهي إرادته وعزائمه الّتي تجتمع في قلبه. ومنه قولهم للأسود: أحمّ وللفحمة السّوداء: (حممة) ، وحمّم رأسه: إذا اسودّ بعد حلقه، كلّ هذا لأنّ السّواد لون جامع للبصر لا يدعه يتفرّق، ولهذا يجعل علي عيني الضّعيف البصر لوجع أو غيره شيء أسود من شعر أو خرقة، ليجمع عليه بصره، فتقوى القوّة الباصرة، وهذا باب طويل فلنقتصر منه على هذا القدر. وإذا علم هذا من شأن الميم، فهم ألحقوها في آخر هذا الاسم الّذي يسأل الله سبحانه به في كلّ حاجة وكلّ حال إيذانا بجميع أسمائه وصفاته. فالسّائل إذا قال: «اللهمّ إنّي أسألك» كأنّه قال: أدعو الله الّذي له الأسماء الحسنى والصّفات العلى بأسمائه وصفاته، فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم إيذانا بسؤاله تعالى بأسمائه كلّها كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصّحيح: «ما أصاب عبدا قطّ همّ ولا حزن، فقال: اللهمّ إنّي عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو   (1) سورة الفجر: 19. (2) سورة آل عمران: 7. (3) سورة الأنعام: 38. (4) أخرجه الترمذي (1486) والنسائي (7/ 185) ، وابن ماجه (3205) والدرامي (2/ 90) ، وأبو داود (2845) من حديث عبد الله بن مغفل، وتمامه «فاقتلوا منها كل أسود بهيم ومن أهل أبيت يرتبطون كلبا إلّا نقص من عملهم كل يوم قيراط إلّا كلب صيد أو كلب حرث، أو كلب غنم» ورجاله ثقات، وقال الترمذي: حسن صحيح. وانظر «جامع الأصول» (10/ 238- 239) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي وغمّي، إلّا أذهب الله همّه وغمّه، وأبدله مكانه فرحا» ، قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلّمهنّ؟ قال: «بلى ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلّمهنّ» «1» . فالدّاعي مندوب إلى أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته كما في الاسم الأعظم «اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت الحنّان المنّان بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم» «2» . وهذه الكلمات تتضمّن الأسماء الحسنى كما ذكر في غير هذا الموضع. والدّعاء ثلاثة أقسام. أحدها: أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا أحد التّأويلين في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها» . والثّاني: أن تسأله بحاجتك وفقرك، وذلّك، فتقول: أنا العبد الفقير المسكين البائس الذّليل المستجير ونحو ذلك. والثّالث: أن تسأل حاجتك ولا تذكر واحدا من الأمرين، فالأوّل أكمل من الثّاني، والثّاني أكمل من الثّالث، فإذا جمع الدّعاء الأمور الثّلاثة كان أكمل. وهذه عامّة أدعية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفي الدّعاء الّذي علّمه صدّيق الأمّة- رضي الله عنه- ذكر الأقسام الثّلاثة، فإنّه قال في أوّله: «ظلمت نفسي ظلما كثيرا» ، وهذا حال السّائل ثمّ قال: «وإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت» ، وهذا حال المسؤول، ثمّ قال: «فاغفرلي» «4» فذكر حاجته، وختم الدّعاء باسمين من الأسماء الحسنى تناسب المطلوب وتقتضيه. وهذا القول الّذي اخترناه جاء عن غير واحد من السّلف، قال الحسن البصريّ: «اللهمّ» مجمع الدّعاء، وقال أبو رجاء العطارديّ: إنّ الميم في قوله «اللهمّ» فيها تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى: وقال النّضر بن شميل: من قال «اللهمّ» فقد دعا الله بجميع أسمائه.   (1) أخرجه أحمد (712) وابن حبان (2372) والحاكم (1/ 509) من حديث ابن مسعود، وقال الأرناؤوط سنده صحيح. (2) أخرجه أبو داود (1495) والنسائي 3/ 25، وابن ماجه (3858) ، من حديث أنس ابن مالك، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (2382) والحاكم (1/ 503، 504) ووافقه الذهبي. (3) سورة الأعراف: 180. (4) أخرجه البخاري (الفتح 2/ 834) ، ومسلم (2705) من حديث أبي بكر الصدّيق أنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلّا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 بيان معنى الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال المؤلّف- رحمه الله-: أصل هذه اللّفظة في اللّغة يرجع إلى معنيين: أحدهما: الدّعاء والتّبريك. والثّاني: العبادة، فمن الأوّل قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ «1» . وقوله تعالى في حقّ المنافقين: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ «2» . وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعي أحدكم إلى الطّعام فليجب، فإن كان صائما فليصلّ» «3» فسّر بهما، قيل «فليدع لهم بالبركة» وقيل: «يصلّي عندهم» بدل أكله. وقيل: «إنّ الصّلاة» في اللّغة معناها الدّعاء. والدّعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والعابد داع، كما أنّ السّائل داع، وبهما فسّر قوله تعالى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ «4» . قيل: أطيعوني أثبكم، وقيل: سلوني أعطكم، وفسّر بهما قوله تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ «5» . والصّواب: أنّ الدّعاء يعمّ النّوعين: وهذا لفظ متواطيء لا اشتراك فيه، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ «6» وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ «7» . وقوله تعالى: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ «8» . والصّحيح من القولين لولا أنّكم تدعونه وتعبدونه، أي أيّ شيء يعبأ بكم لولا عبادتكم إيّاه، فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل، وقال تعالى، ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً «9» وقال تعالى إخبارا عن أنبيائه ورسله: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ   (1) سورة التوبة: 103. (2) سورة التوبة: 84. (3) أخرجه أحمد (2/ 507) ومسلم (1431) . (4) سورة غافر: 60. (5) سورة البقرة: 186. (6) سورة سبأ: 22. (7) سورة النحل: 20. (8) سورة الفرقان: 77. (9) سورة الأعراف: 55، 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً «1» . وهذه الطّريقة أحسن من الطّريقة الأولى، ودعوى الاختلاف في مسمّى الدّعاء وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصّلاة الشّرعيّة، هل هو منقول عن موضعه في اللّغة، فيكون حقيقة شرعية أو مجازا شرعيّا. فعلى هذا تكون الصّلاة باقية على مسمّاها في اللّغة، وهو الدّعاء، والدّعاء: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلّي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهو في صلاة حقيقيّة لا مجاز، ولا منقولة، لكن خصّ اسم الصّلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ الّتي يخصّها أهل اللّغة والعرف ببعض مسمّاها كالدّابة، والرّأس، ونحوهما، فهذا غايته تخصيص اللّفظ وقصره على بعض موضوعه، ولهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعه الأصليّ، والله أعلم. صلاة الله على عبده هذه صلاة الآدميّ، وأمّا صلاة الله سبحانه على عبده فنوعان: عامّة، وخاصّة. أمّا العامّة: فهي صلاته على عباده المؤمنين، قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ «2» ، ومن دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالصّلاة على آحاد المؤمنين كقوله: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» «3» ، وفي حديث آخر أنّ امرأة قالت له: صلّ عليّ وعلى زوجي. قال: «صلّى الله عليك وعلى زوجك» «4» . النّوع الثّاني: صلاته الخاصّة على أنبيائه ورسله خصوصا على خاتمهم وخيرهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فاختلف النّاس في معنى الصّلاة منه سبحانه على أقوال: أحدها أنّها رحمته. قال إسماعيل: حدّثنا نصر بن عليّ، حدّثنا محمّد بن سواء، عن جويبر، عن الضّحّاك قال: صلاة الله رحمته، وصلاة الملائكة الدّعاء «5» ، وقال المبرّد: أصل الصّلاة الرّحمة، فهي من الله رحمة، ومن الملائكة رقّة، واستدعاء للرّحمة من الله، وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخّرين. والقول الثّاني «6» : أنّ صلاة الله مغفرته.   (1) سورة الأنبياء: 90. (2) سورة الأحزاب: 43. (3) أخرجه البخاري (الفتح 13/ 7941) ، ومسلم (1078) من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وقوله: «اللهم صل على آل أبي أوفى» يريد أبا أوفى نفسه، لأن الآل يطلق على ذات الشيء واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة، وعمّر عبد الله إلى أن كان آخر من مات من الصحابة بالكوفة، وذلك سنة سبع وثمانين. (4) أخرجه الدارمي (1/ 24) ضمن حديث مطول عن جابر ابن عبد الله، وقال الأرناؤوط رجاله ثقات. (5) فضل الصلاة على النبي رقم (96) وسنده ضعيف جدا، جويبر هو ابن سعيد الأزدي البلخي، قال في «التقريب» : ضعيف جدا. وانظر جلاء الأفهام ص (109) . (6) ذكر ابن القيم أن هذا القول من جنس الذي قبله، وقد ضعفها من عدة وجوه. للمراجعة انظر: جلاء الأفهام ص 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 قال إسماعيل: حدّثنا محمّد بن أبي بكر، حدّثنا محمّد بن سواء، عن جويبر، عن الضّحّاك (هو الّذي يصلّي عليكم) قال: صلاة الله: مغفرته، وصلاة الملائكة الدّعاء «1» . وقد ذكر البخاريّ في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله على رسوله: ثناؤه عليه عند الملائكة «2» . وقال إسماعيل في كتابه، حدّثنا نصر بن عليّ، حدّثنا خالد بن يزيد، عن أبي جعفر، عن الرّبيع بن أنس عن أبي العالية إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ «3» قال: صلاة الله عزّ وجلّ: ثناؤه عليه، وصلاة الملائكة عليه: الدّعاء. فإذا كان معنى الصّلاة: هو الثّناء على الرّسول، والعناية به، وإظهار شرفه وفضله وحرمته، كما هو المعروف من هذه اللّفظة، لم يكن لفظ «الصّلاة» في الآية مشتركا محمولا على معنييه، بل يكون مستعملا في معنى واحد، وهذا هو الأصل. وقيل الصّلاة المأمور بها في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ «4» هي الطّلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته، وهي ثناء عليه، وإظهار لفضله وشرفه وإرادته تكريمه وتقريبه، فهي تتضمّن الخبر والطّلب، وسمّي هذا السّؤال والدّعاء منّا نحن صلاة عليه لوجهين: أحدهما: أنّه يتضمّن ثناء المصلّى عليه، والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبّة لذلك من الله تعالى، فقد تضمّنت الخبر والطّلب. والوجه الثّاني: أنّ ذلك سمّي منّا صلاة، لسؤالنا من الله أن يصلّي عليه. فصلاة الله عليه: ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به. وأمّا ما ذكر عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال: يباركون عليه، فهذا لا ينافي تفسيرها بالثّناء، وإرادة التّكريم والتّعظيم، فإنّ التّبريك من الله يتضمّن ذلك، ولهذا قرن بين الصّلاة عليه والتّبريك عليه، وقالت الملائكة لإبراهيم: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ «5» ، وقال المسيح: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ «6» ، قال غير واحد من السّلف: معلّما للخير أينما كنت، وهذا جزء المسمّى، فالمبارك كثير الخير في نفسه الّذي يحصّله لغيره تعليما، وإقدارا ونصحا، وإرادة واجتهادا، ولهذا يكون العبد مباركا، لأنّ الله بارك فيه، وجعله كذلك، والله تعالى متبارك، لأنّ البركة كلّها منه، فعبده مبارك وهو المتبارك تَبارَكَ الَّذِي* «7»   (1) فضل الصلاة على النبي رقم (97) وهو كسابقه ضعيف جدّا. (2) البخاري 8/ 409 تعليقا بصيغة الجزم، ووصله إسماعيل القاضي كما ذكره المؤلف رقم (95) وسنده قابل للتحسين. (3) سورة الأحزاب: 56. (4) سورة الأحزاب: 56. (5) سورة هود: 73. (6) سورة مريم: 31. (7) سورة الملك: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 معنى اسم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واشتقاقه هذا الاسم هو أشهر أسمائه صلّى الله عليه وسلّم، وهو اسم منقول من الحمد، وهو يتضمّن الثّناء على المحمود، ومحبّته، وإجلاله، وتعظيمه. هذا هو حقيقة الحمد، وبني على زنة «مفعّل» مثل: معظّم، ومحبّب، ومسوّد، ومبجّل، ونظائرهما، لأنّ هذا البناء موضوع للتّكثير، فإن اشتقّ منه اسم فاعل، فمعناه من كثر صدور الفعل منه مرّة بعد مرّة، كمعلّم، ومفهّم، ومبيّن، ومخلّص، ومفرّج ونحوها، وإن اشتقّ منه اسم مفعول، فمعناه من [كثر] تكرار وقوع الفعل عليه مرّة بعد أخرى إمّا استحقاقا أو وقوعا. فمحمّد هو: كثر حمد الحامدين له مرّة بعد أخرى، أو الّذي يستحقّ أن يحمد مرّة بعد أخرى. ويقال: حمّد، فهو محمّد، كما يقال: علّم فهو معلّم، وهذا علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقّه صلّى الله عليه وسلّم وإن كان علما محضا في حقّ كثير ممّن تسمّى به غيره. وهذا شأن أسماء الرّبّ تعالى، وأسماء كتابه، وأسماء نبيّه، هي أعلام دالّة على معان هي بها أوصاف، فلا تضادّ فيها العلميّة الوصف، بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين، فهو الله، الخالق الباريء، المصوّر، القهّار، فهذه أسماء دالّة على معان هي صفاته وكذلك القرآن، والكتاب المبين، وغير ذلك من أسمائه. وكذلك أسماء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «محمّد، وأحمد، والماحي» وفي حديث جبير بن مطعم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ لي أسماء، أنا محمّد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الّذي يمحوا الله بي الكفر» «1» . فذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الأسماء مبيّنا ما خصّه الله به من الفضل، وأشار إلى معانيها، وإلّا فلو كانت أعلاما محضة لا معنى لها، لم تدلّ على مدح، ولهذا قال حسّان رضي الله عنه: وشقّ له من اسمه ليجلّه ... فذو العرش محمود وهذا محمّد وإذا ثبت هذا، فتسميته صلّى الله عليه وسلّم بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسمّاه وهو الحمد، فإنّه صلّى الله عليه وسلّم محمود عند الله، ومحمود عند ملائكته، ومحمود عند إخوانه من المرسلين، ومحمود عند أهل الأرض كلّهم، وإن كفر به بعضهم، فإنّ ما فيه من صفات الكمال محمودة عند كلّ عاقل، وإن كابر عقله جحودا، أو عنادا، أو جهلا باتّصافه بها، ولو علم اتّصافه بها، لحمده فإنّه يحمد من اتّصف بصفات الكمال، ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له؛ وهو صلّى الله عليه وسلّم اختصّ من مسمّى «الحمد» بما لم يجتمع لغيره، فإنّ اسمه محمّد وأحمد، وأمّته الحمّادون يحمدون الله على السّرّاء والضّرّاء، وصلاة أمّته مفتتحة بالحمد، وخطبته مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، هكذا عند الله في اللّوح   (1) أخرجه البخاري (الفتح 8/ 4896) ومسلم (2354) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 المحفوظ أنّ خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحا بالحمد، وبيده صلّى الله عليه وسلّم لواء الحمد يوم القيامة، ولمّا يسجد بين يدي ربّه عزّ وجلّ للشّفاعة، ويؤذن له فيها يحمد ربّه بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الّذي يغبطه به الأوّلون والآخرون، قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «1» . ومن أحبّ الوقوف على معنى المقام المحمود، فليقف على ما ذكر سلف الأمّة من الصّحابة والتّابعين فيه في تفسير هذه السّورة كتفسير ابن أبي حاتم، وابن جرير، وعبد بن حميد، وغيرها من تفاسير السّلف. وإذا قام في ذلك المقام، حمده حينئذ أهل الموقف كلّهم مسلمهم وكافرهم أوّلهم وآخرهم، وهو محمود صلّى الله عليه وسلّم بما ملأ الأرض من الهدى والإيمان والعلم النّافع، والعمل الصّالح، وفتح به القلوب، وكشف به الظّلمة عن أهل الأرض، واستنقذهم من أسر الشّيطان، ومن الشّرك بالله والكفر به والجهل به حتّى نال به أتباعه شرف الدّنيا والآخرة، فإنّ رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها، فإنّهم كانوا بين عبّاد أوثان، وعبّاد صلبان، وعبّاد نيران، وعبّاد الكواكب، ومغضوب عليهم قد باؤوا بغضب من الله، وحيران لا يعرف ربّا يعبده، ولا بماذا يعبده، والنّاس يأكل بعضهم بعضا، من استحسن شيئا دعا إليه، وقاتل من خالفه، وليس في الأرض موضع قدم مشرق بنور الرّسالة، وقد نظر الله سبحانه حينئذ إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلّا بقايا على آثار من دين صحيح، فأغاث الله بها البلاد والعباد، وكشف به تلك الظّلم، وأحيا به الخليقة بعد الموت، فهدى به من الضّلالة، وعلّم به من الجهالة، وكثّر به بعد القلّة، وأعزّ به بعد الذّلّة، وأغنى به بعد العيلة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا، فعرف النّاس ربّهم ومعبودهم، غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدأ وأعاد، واختصر وأطنب في ذكر أسمائه وصفاته وأفعاله حتّى تجلّت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشّكّ والرّيب عنها، كما ينجاب السّحاب عن القمر ليلة إبداره، ولم يدع لأمّته حاجة في هذا التّعريف لا إلى من قبله، ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كلّ من تكلّم في هذا الباب أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ «2» . وعرّفهم الطّريق الموصّل لهم إلى ربّهم ورضوانه ودار كرامته، ولم يدع حسنا إلّا أمرهم به، ولا قبيحا إلّا نهى عنه، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ما تركت من شيء يقرّبكم إلى الجنّة إلّا وقد أمرتكم به، ولا من شيء يقرّبكم من النّار إلّا وقد نهيتكم عنه» «3» . قال أبو ذرّ رضي الله عنه: (لقد توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما طائر يقلّب جناحيه في السّماء   (1) سورة الإسراء: 79. (2) سورة العنكبوت: 51. (3) أورده الهيثمي في «المجمع» (8/ 263، 264) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 إلّا ذكّرنا منه علما) «1» . وعرّفهم حالهم بعد القدوم على ربّهم أتمّ تعريف، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدع بابا من العلم النّافع المقرّب لهم إلى ربّه إلّا فتحه، ولا مشكلا إلّا بيّنه وشرحه، حتّى هدى الله به القلوب من ضلالها، وشفاها من أسقامها، وأغاثها من جهلها، فأيّ بشر أحقّ بأن يحمد منه صلّى الله عليه وسلّم، وجزاه عن أمّته أفضل الجزاء. وممّا يحمد عليه صلّى الله عليه وسلّم ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق، وكرائم الشّيم، فإنّ من نظر في أخلاقه وشيمه صلّى الله عليه وسلّم، علم أنّها خير أخلاق، فإنّه صلّى الله عليه وسلّم كان أعلم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثا، وأحلمهم وأجودهم وأسخاهم، وأشدّهم احتمالا، وأعظمهم عفوا ومغفرة، وكان لا يزيده شدّة الجهل عليه إلّا حلما، كما روى البخاري في «صحيحه» عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنّه قال في صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التّوراة: «محمّد عبدي ورسولي سمّيته المتوكّل ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب بالأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة السّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتّى أقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، وأفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا وقلوبا غلفا» «2» . وهو أرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعا في دينهم ودنياهم، وأفصح خلق الله، وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالّة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصّبر، وأصدقهم في موطن اللّقاء، وأوفاهم بالعهد والذّمّة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدّهم تواضعا، وأعظمهم إيثارا على نفسه، وأشدّ الخلق ذبّا عن أصحابه وحماية لهم، ودفاعا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخلق لرحمه، فهو أحقّ بقول القائل: برد على الأدنى ومرحمة ... وعلى الأعادي مازن جلد قال علي رضي الله عنه: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود النّاس صدرا، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبّه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى الله عليه وسلّم «3» . فقوله: كان أجود النّاس صدرا، أراد به: برّ الصّدر، وكثرة خيره، وأنّ الخير يتفجّر منه تفجيرا، وأنّه منطو على كلّ خلق جميل، وكلّ خير، كما قال بعض أهل العلم ليس في الدّنيا كلّها محلّ كان أكثر خيرا من صدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد جمع الخير بحذافيره، وأودع في صدره صلّى الله عليه وسلّم. وقوله: أصدق النّاس لهجة، وهذا مما أقرّ به أعداؤه المحاربون له، ولم يجرّب عليه أحد من أعدائه كذبة واحدة قطّ، دع شهادة أوليائه كلّهم له به فقد حاربه أهل الأرض بأنواع المحاربات مشركوهم وأهل الكتاب منهم،   (1) أخرجه أحمد في «المسند» (5/ 162) ، ورجاله ثقات. (2) أخرجه البخاري (الفتح 8/ 4838) . (3) أخرجه الترمذي في «الشمائل» رقم (6) وفي «السنن» (3642) وقال الارنؤوطيان، وفي سنده ضعف وانقطاع» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 وليس أحد منهم يوما من الدّهر طعن فيه بكذبة واحدة صغيرة ولا كبيرة. قال المسور بن مخرمة: قلت لأبي جهل- وكان خالي- يا خال هل كنتم تتّهمون محمّدا بالكذب قبل أن يقول مقالته؟ فقال: والله يا ابن أختي لقد كان محمّد وهو شابّ يدعى فينا الأمين، فلمّا خطّه الشّيب لم يكن ليكذب، قلت: يا خال فلم لا تتّبعونه؟ فقال: يا ابن أختي، تنازعنا نحن وبنو هاشم الشّرف؛ فأطعموا وأطعمنا، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، فلمّا تجاثينا على الرّكب وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبيّ، فمتى نأتيهم بهذا» أو كما قال. وقال تعالى يسلّيه ويهوّن عليه قول أعدائه: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ* وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ «1» . وقوله: ألينهم عريكة، يعني أنّه سهل قريب من النّاس، مجيب لدعوة من دعاه، قاض لحاجة من استقضاه، جابر لقلب من قصده لا يحرمه ولا يردّه خائبا، إذا أراد أصحابه منه أمرا، وافقهم عليه، وتابعهم فيه، وإن عزم على أمر لم يستبدّ بدونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم. وقوله: أكرمهم عشرة. يعني أنّه لم يكن يعاشر جليسا له إلّا أتمّ عشرة وأحسنها وأكرمها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ له في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ونحوها، بل يحسن إلى عشيرة غاية الإحسان، ويحتمل غاية الاحتمال، فكانت عشرته لهم احتمال أذاهم، وجفوتهم جملة، لا يعاقب أحدا منهم ولا يلومه ولا يبادئه بما يكره، من خالطه يقول: أنا أحبّ النّاس إليه، لما يرى من لطفه به، وقربه منه، وإقباله عليه، واهتمامه بأمره، وتضحيته له، وبذل إحسانه إليه، واحتمال جفوته، فأيّ عشرة كانت أو تكون أكرم من هذه العشرة. قال الحسين رضي الله عنه: سألت أبي عن سيرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في جلسائه فقال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه، ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وترك ما لا يعنيه، كان لا يذمّ أحدا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلّم إلّا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رءوسهم الطّير، فإذا سكت، تكلّموا، لا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلّم عنده، أنصتوا له حتّى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوّلهم، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتّى إن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثّناء إلّا من   (1) سورة الأنعام: 33، 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 مكافيء، ولا يقطع على أحد حديثه، حتّى يجوز، فيقطعه بنهي أو قيام» . وقوله: «من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبّه» وصفه بصفتين خصّ الله بهما أهل الصّدق والإخلاص: وهما الإجلال والمحبّة، وكان قد ألقى عليه هيبة منه ومحبّة، فكان كلّ من يراه يهابه ويجلّه، ويملأ قلبه تعظيما وإجلالا، وإن كان عدوّا له، فإذا خالطه وعاشره، كان أحبّ إليه من كلّ مخلوق، فهو المجلّ المعظّم المحبوب المكرّم، وهذا كمال المحبّة أن تقرن بالتّعظيم والهيبة، فالمحبّة بلا تعظيم ولا هيبة ناقصة، والهيبة والتّعظيم من غير محبّة ناقصة كما تكون للغادر الظّالم نقصا أيضا، والكمال: أن تجتمع المحبّة والودّ، والتّعظيم والإجلال، وهذا لا يوجد إلّا إذا كان في المحبوب صفات الكمال الّتي يستحقّ أن يعظّم لأجلها، ويحبّ لأجلها. ولمّا كان الله سبحانه وتعالى أحقّ بهذا من كلّ أحد، كان المستحقّ لأن يعظّم ويكبر ويهاب ويحبّ، ويودّ بكلّ جزء من أجزاء القلب، ولا يجعل له شريك في ذلك. وكلّ محبّة وتعظيم للبشر، فإنّما تجوز تبعا لمحبّة الله وتعظيمه، كمحبّة رسوله وتعظيمه، فإنّها من تمام مرسله وتعظيمه، فإنّ أمّته يحبّونه لحبّ الله له، ويعظّمونه ويجلّونه لإجلال الله له. فهي محبّة لله من موجبات محبّة الله وكذلك محبّة أهل العلم والإيمان، ومحبّة الصّحابة- رضي الله عنهم- وإجلالهم تابع لمحبّة الله ورسوله لهم. والمقصود أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ألقى الله سبحانه وتعالى عليه منه المهابة والمحبّة، ولكلّ مؤمن مخلص حظّ من ذلك. قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: إنّ المؤمن رزق حلاوة ومهابة، يعني يحبّ ويهاب ويجلّ بما ألبسه الله سبحانه من ثوب الإيمان المقتضي لذلك، ولهذا لم يكن بشر أحبّ إلى بشر ولا أهيب وأجلّ في صدره من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر الصّحابة رضي الله عنهم. قال عمرو بن العاص قبل إسلامه: إنّه لم يكن شخص أبغض إليّ منه، فلمّا أسلم، لم يكن شخص أحبّ إليه منه. ولا أجلّ في عينه منه، قال: ولو سئلت أن أصفه لكم، لما أطقت، لم أكن أملأ عينيّ منه إجلالا له «2» . وقال عروة بن مسعود لقريش: «يا قوم والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك فما رأيت ملكا يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّد محمّدا صلّى الله عليه وسلّم ما يحدّون النّظر إليه تعظيما له، وما تنخّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فيدلّك بها وجهه وصدره، وإذا توضّأ، كادوا يقتتلون على وضوئه» «3» . فلمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشتملا على ما يقتضي أن يحمد عليه مرّة بعد مرّة سمّي محمّدا، وهو اسم موافق   (1) أخرجه الترمذي في «الشمائل» رقم (344) ، وذكره الألباني في مختصر الشمائل (ص 24) . (2) قطعة من حديث مطول أخرجه مسلم (121) في الإيمان: باب كون الإسلام يهدم ما قبله من حديث عمرو ابن العاص رضي الله عنه. (3) قطعة من حديث مطول أخرجه البخاري (الفتح 5/ 2731) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 لمسمّاه، ولفظ مطابق لمعناه. والفرق بين «محمّد» و «أحمد» من وجهين: أحدهما: أنّ «محمّدا» هو المحمود حمدا بعد حمد، فهو دالّ على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه، و «أحمد» أفعل تفضيل من الحمد يدلّ على أنّ الحمد الّذي يستحقّه أفضل ممّا يستحقّه غيره، في «محمّد» زيادة حمد في الكمّيّة و «أحمد» زيادة في الكيفيّة، فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر. الوجه الثّاني: أنّ «محمّدا» هو المحمود حمدا متكرّرا كما تقدّم و «أحمد» هو الّذي حمده لربّه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدلّ أحد الاسمين وهو «محمّد» على كونه محمودا، ودلّ الثّاني وهو «أحمد» على كونه أحمد الحامدين لربّه. والحاصل أنّه صلّى الله عليه وسلّم سمّي «محمّدا» و «أحمد» لأنّه يحمد أكثر ممّا يحمد غيره، وأفضل ممّا يحمد غيره فالاسمان واقعان على المفعول، وهذا هو المختار، وذلك أبلغ في مدحه وأتمّ معنى، ولو أريد به معنى الفاعل لسمّي الحمّاد، وهو كثير الحمد، كما سمّي «محمّدا» وهو المحمود كثيرا، فإنّه صلّى الله عليه وسلّم كان أكثر الخلق حمدا لربّه، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل، لكان الأولى أن يسمّى «حمّادا» كما أنّ اسم أمّته الحمّادون. وأيضا فإنّ الاسمين إنّما اشتقّا من أخلاقه وخصائله المحمودة الّتي لأجلها استحقّ أن يسمّى «محمّدا» و «أحمد» فهو الّذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السّماء والأرض فلكثرة خصائله المحمودة الّتي تفوت عدّ العادّين، سمّي باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التّفضيل والزّيادة في القدر والصّفة. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 معنى الآل واشتقاقه وأحكامه وفيه قولان: أحدهما: أنّ أصله أهل، ثمّ قلبت الهاء همزة، فقيل: أأل. ثمّ سهّلت على قياس أمثالها، فقيل: آل، قالوا: ولهذا إذا صغّر رجع إلى أصله، فقيل: أهيل، قالوا: ولمّا كان فرعا عن فرع، خصّوه ببعض الأسماء المضاف إليها، فلم يضيفوه إلى أسماء الزّمان، ولا المكان، ولا غير الأعلام، فلا يقولون: آل رجل، وآل امرأة، ولا يضيفونه إلى مضمر، فلا يقال: آله وآلي، بل لا يضاف إلّا إلى معظّم، كما أنّ التّاء لمّا كانت في القسم بدلا عن الواو، وفرعا عليها، والواو فرعا عن فعل القسم، خصّوا التّاء بأشرف الأسماء وأعظمها، وهو اسم الله تعالى «1» . وقيل: بل أصله أول، وذكره صاحب «الصّحاح» في مادة الهمزة والواو واللّام، قال: وآل الرّجل: أهله وعياله، وآله أيضا: أتباعه، وهو عند هؤلاء مشتقّ من آل يئول: إذا رجع، فآل الرّجل هم الّذين يرجعون إليه، ويضافون إليه، ويئولهم، أي: يسوسهم، فيكون مالهم إليه، ومنه الإيالة وهي السّياسة، فآل الرّجل: هم الّذين يسوسهم ويئولهم، ونفسه أحقّ بذلك من غيره، فهو أحقّ بالدّخول في آله، ولكن لا يقال: إنّه مختصّ بآله، بل هو داخل فيهم، وهذه المادّة موضوعة لأصل الشّيء وحقيقته، ولهذا سمّي حقيقة الشّيء تأويله، لأنّها حقيقته الّتي يرجع إليها. ومنه التّأويل بمعنى التّفسير، لأنّ تفسير الكلام، هو بيان معناه وحقيقته الّتي يراد منه. قالوا: ومنه الأوّل، لأنّه أصل العدد ومبناه الّذي يتفرّع منه، ومنه الآل بمعنى الشّخص نفسه، قال أصحاب هذا القول: والتزمت العرب إضافته، فلا يستعمل مفردا إلّا في نادر الكلام. والتزموا أيضا إضافته إلى الظّاهر، فلا يضاف إلى مضمر إلّا قليلا. قالوا: ومن أحكامه أيضا أنّه لا يضاف إلّا إلى متبوع معظّم فلا يقال آل الحائك وآل الحجّام ولا آل رجل. وأمّا معناه، فقالت طائفة: يقال: آل الرّجل له نفسه، وآل الرّجل لمن يتبعه، وآله لأهله وأقاربه، فمن الأوّل قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا جاءه أبو أوفى بصدقته: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» وقوله تعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ «2» . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم» فآل إبراهيم هو إبراهيم، لأنّ الصّلاة المطلوبة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، هي الصّلاة على إبراهيم نفسه، وآله تبع له فيها. ونازعهم في ذلك آخرون، وقالوا: لا يكون الآل إلّا الأتباع والأقارب، وما ذكرتموه من الأدلّة، فالمراد بها الأقارب، وقوله: «كما صلّيت على آل إبراهيم» آل إبراهيم هنا هم الأنبياء، والمطلوب من الله سبحانه أن يصلّي على   (1) وقد ضعّف المؤلف رحمه الله هذا القول من عدة وجوه فلتراجع. (2) سورة الصافات: 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 رسوله صلّى الله عليه وسلّم، كما صلّى على جميع الأنبياء من ذرّيّة إبراهيم، لا إبراهيم وحده، كما هو مصرّح به في بعض الألفاظ من قوله: على إبراهيم وعلى آل إبراهيم «1» . وأمّا قوله تعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ «2» . فهذه فيها قراءتان «3» ، إحداهما: إلياسين بوزن إسماعيل وفيه وجهان «4» . قال المؤلّف: وعلى هذا ففصل النّزاع بين أصحاب القولين في الآل. أنّ «الآل» إن أفرد دخل فيه المضاف إليه، كقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ «5» . ولا ريب في دخوله في آله هنا. وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ «6» ونظائره. وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» ولا ريب في دخول أبي أوفى نفسه في ذلك، وقوله: «اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم» هذه أكثر روايات البخاريّ، وإبراهيم هنا داخل في آله، ولعلّ هذا مراد من قال: آل الرّجل نفسه. وأمّا إن ذكر الرّجل، ثمّ ذكر آله، لم يدخل فيهم، ففرق بين اللّفظ المجرّد والمقرون. فإذا قلت: أعط لزيد وآل زيد، لم يكن زيد هنا داخلا في آله، وإذا قلت: أعطه لآل زيد، تناول زيدا وآله، وهذا له نظائر كثيرة.   (1) راجع جلاء الأفهام، ص 156، 157. (2) سورة الصافات؛ 130. (3) ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: إلياسين موصولة مكسورة الألف ساكنة اللام، فجعلوها كلمة واحدة، وقرأ نافع وابن عامر وعبد الوارث إل ياسين، فجعلوها كلمتين، انظر «زاد المسير» (7/ 38) بتحقيق الأرنؤوطيين. (4) ذكر المؤلف- رحمه الله- القراءتين مع ذكر ما تحتملانه من وجوه فلتراجع. (5) سورة غافر: 46. (6) سورة الأعراف: 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 فصل في آل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واختلف في آل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أربعة أقوال. فقيل: هم الّذين حرّمت عليهم الصّدقة، وفيه ثلاثة أقوال للعلماء: أحدها: أنّهم بنو هاشم، وبنو المطّلب، وهذا مذهب الشّافعيّ، وأحمد في رواية عنه. والثّاني: أنّهم بنو هاشم خاصّة، وهذا مذهب أبي حنيفة والرّواية الثّانية عن أحمد، واختيار ابن القاسم صاحب مالك. والثّالث: أنّهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، فيدخل فيهم بنو المطّلب، وبنو أميّة، وبنو نوفل، ومن فوقهم إلى بني غالب، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك، حكاه صاحب «الجواهر» عنه، وحكاه اللّخميّ في «التّبصرة» عن أصبغ، ولم يحكه عن أشهب. وهذا القول الأوّل في الآل أعني أنّهم الّذين تحرم عليهم الصّدقة هو منصوص الشّافعيّ، وأحمد والأكثرين، وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشّافعيّ. والقول الثّاني: أنّ آل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هم ذرّيّته وأزواجه خاصّة، حكاه ابن عبد البرّ في «التّمهيد» قال في باب عبد الله ابن أبي بكر، في شرح حديث أبي حميد السّاعديّ: استدلّ قوم بهذا الحديث على أنّ «آل محمّد» هم أزواجه وذرّيّته خاصّة، لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمّر وفي غير ما حديث: «اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد» وفي هذا الحديث يعني حديث أبي حميد: «اللهمّ صلّ على محمّد وعلى أزواجه وذرّيّته» قالوا: فهذا تفسير ذلك الحديث، ويبيّن أنّ آل محمّد هم أزواجه وذرّيّته، قالوا: فجائز أن يقول الرّجل لكلّ من كان من أزواج محمّد صلّى الله عليه وسلّم ومن ذرّيّته: صلّى الله عليك، إذا واجهه، وصلّى الله عليه إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم. قالوا: والآل والأهل سواء، وآل الرّجل وأهله سواء، وهم الأزواج والذّرّيّة بدليل هذا الحديث. والقول الثّالث: أنّ آله صلّى الله عليه وسلّم أتباعه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبد البرّ عن بعض أهل العلم. وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- ذكره البيهقيّ عنه، ورواه عنه سفيان الثّوريّ وغيره، واختاره بعض أصحاب الشّافعيّ، حكاه عنه أبو الطّيّب الطّبريّ في تعليقه، ورجّحه الشّيخ محيي الدّين النّواويّ في «شرح مسلم» واختاره الأزهريّ. والقول الرّابع: أنّ آله صلّى الله عليه وسلّم هم الأتقياء من أمّته، حكاه القاضي حسين والرّاغب وجماعة «1» .   (1) ثم ذكر المؤلف- رحمه الله- أدلة على هذه الأقوال مع بيان الصحيح منها والضعيف. فلتراجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 أزواجه صلّى الله عليه وسلّم* خديجة بنت خويلد «1» - رضي الله عنها-: هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب، تزوّجها صلّى الله عليه وسلّم بمكّة، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وبقيت معه إلى أن أكرمه الله برسالته، فآمنت به ونصرته، فكانت له وزير صدق، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، على الأصحّ، وقيل: بأربع، وقيل: بخمس، ولها خصائص- رضي الله عنها-: منها: أنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يتزوّج عليها غيرها. ومنها: أنّ أولاده صلّى الله عليه وسلّم كلّهم منها إلّا إبراهيم عليه السّلام، فإنّه من سرّيّته مارية. ومنها: أنّها خير نساء الأمّة. واختلف في تفضيلها على عائشة- رضي الله عنها- على ثلاثة أقوال، ثالثها: الوقف. ومن خصائصها أنّ الله سبحانه بعث إليها السّلام مع جبريل عليه السّلام، فبلّغها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك. عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «أتى جبريل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السّلام من ربّها ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب «2» لا صخب فيه ولا نصب «3» » «4» . ومن خصائصها- رضي الله عنها- أنّها لم تسؤه قطّ ولن تغاضبه ولم ينلها منه إيلاء ولا عتب قطّ ولا هجر، وكفى به منقبة وفضيلة. ومن خواصّها أنّها أوّل امرأة آمنت بالله ورسوله من هذه الأمّة.   * قال المؤلف- رحمه الله-: أما الأزواج فجمع زوج، وقد يقال: زوجة، والأول أفصح، وبها جاء القرآن، قال تعالى: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ* (البقرة: 35) وقال تعالى في حق زكريا عليه السلام: وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ (الأنبياء: 90) ومن الثاني: قول ابن عباس- رضي الله عنهما- في عائشة- رضي الله عنها-: «إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة» وقال الفرزدق: وإن الذي يبغي ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشّرى يستبيلها ثم ذكر المؤلف- رحمه الله-: أن هذا أليق المواضع بذكر أزواجه صلّى الله عليه وسلّم. (1) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 245- 246) بتحقيق محمود الأرناؤوط، طبع دار ابن الأثير ببيروت. (2) القصب: اللؤلؤ المجوف، قال ابن التين: المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف وقال السهيلي: النكتة في قوله: «من قصب» ولم يقل «من لؤلؤ» أن في لفظ «القصب» مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها. و «الصخب» الضجة والغلبة. (3) النصب: التعب. (4) أخرجه البخاري (الفتح 7/ 3820) ومسلم (2432) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 سودة بنت زمعة «1» - رضي الله عنها-: وهى سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدودّ بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، كبرت عنده، وأراد طلاقها، فوهبت يومها لعائشة- رضي الله عنها- فأمسكها «2» . وهذا من خواصّها أنّها آثرت بيومها حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقرّبا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحبّا له، وإيثارا لمقامها معه، فكان يقسم لنسائه، ولا يقسم لها وهي راضية بذلك، مؤثرة لرضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، رضي الله عنها «3» . عائشة بنت أبي بكر «4» - رضي الله عنهما-: هي عائشة بنت أبي بكر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤيّ القرشيّ التّيميّ «5» - رضي الله عنهما- تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي بنت ستّ سنين قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث، وبنى بها بالمدينة أوّل مقدمه في السّنة الأولى، وهي بنت تسع «6» ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة، وتوفّيت بالمدينة، ودفنت بالبقيع، وأوصت أن يصلّي عليها أبو هريرة- رضي الله عنه- سنة ثمان وخمسين. ومن خصائصها أنّها كانت أحبّ أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه، كما ثبت عنه ذلك في البخاريّ، وقد سئل: أيّ النّاس أحبّ إليك؟ قال: «عائشة» قيل: فمن الرّجال؟ قال: «أبوها» «7» . ومن خصائصها أيضا: أنّه لم يتزوّج امرأة بكرا غيرها. ومن خصائصها: أنّه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها. ومن خصائصها: أنّ الله عزّ وجلّ لمّا أنزل عليه آية التّخيير بدأ بها، فخيّرها، فقال: «ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك. فقالت: «أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة» «8» . فاستنّ بها بقيّة أزواجه صلّى الله عليه وسلّم وقلن كما قالت. ومن خصائصها: أنّ الله سبحانه برّأها ممّا رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها وبراءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة.   (1) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 247- 248) . (2) أخرجه البخاري (الفتح 9/ 5212) ومسلم (1463) . (3) البخاري (الفتح 9/ 5067) ومسلم (1465) . (4) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 248- 249) . (5) انظر: الإصابة لابن حجر (1/ 333) . (6) أخرجه البخاري (الفتح 9/ 5133) . (7) أخرجه البخاري (الفتح 7/ 4358) ومسلم (2384) . (8) البخاري (8/ 4785) ومسلم (1475) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 ومن خصائصها- رضي الله عنها-: أنّ الأكابر من الصّحابة- رضي الله عنهم- كان إذا أشكل عليهم أمر من الدّين، استفتوها، فيجدون علمه عندها. ومن خصائصها: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفّي في بيتها، وفي يومها وبين سحرها ونحرها «1» ، ودفن في بيتها «2» . ومن خصائصها: أنّ الملك أرى صورتها للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يتزوّجها في سرقة حرير، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إن يكن هذا من عند الله يمضه» «3» . ومن خصائصها: أنّ النّاس كانوا يتحرّون بهداياهم يومها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تقرّبا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيتحفونه بما يحبّ في منزل أحبّ نسائه إليه صلّى الله عليه وسلّم ورضي الله عنهنّ أجمعين. حفصة بنت عمر «4» - رضي الله عنهما-: هي حفصة بنت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنهما- تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت قبله عند خنيس بن حذافة، وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وممّن شهد بدرا «5» . توفّيت سنة سبع، وقيل: ثمان وعشرين. ومن خواصّها: ما ذكره الحافظ أبو محمّد المقدسيّ في مختصره في السّيرة: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طلّقها، فأتاه جبريل، فقال: إنّ الله يأمرك أن تراجع حفصة فإنّها صوّامة قوّامة، وإنّها زوجتك في الجنّة» «6» . أمّ حبيبة «7» - رضي الله عنها-: هي رملة بنت صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة، فتنصّر بالحبشة، وأتمّ الله لها الإسلام، وتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي بأرض الحبشة، وأصدقها عنه النّجاشيّ أربعمائة دينار» ، وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن أميّة الضّمريّ إلى النّجاشيّ يخطبها، وولي نكاحها عثمان بن عفّان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص. وهي الّتي أكرمت فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجلس عليه أبوها لمّا قدم المدينة، وقالت: «إنّك مشرك» ومنعته من الجلوس عليه «9» .   (1) السحر: الرئة. أي أنه صلّى الله عليه وسلّم مات وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها- رضي الله عنها-. (2) أخرجه البخاري (الفتح 3/ 1389) ومسلم (2443) . (3) أخرجه البخاري (الفتح 9/ 5125) ومسلم (2438) وأحمد (6/ 41 و128 و161) من حديث عائشة- رضي الله عنها-. (4) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 250- 251) . (5) كان من السابقين الأولين إلى الإسلام. هاجر إلى الحبشة وعاد إلى المدينة، فشهد بدرا وأحدا وأصابه بأحد جراحات فمات منها- رضي الله عنه-. (6) أخرجه أبو داود (2283) ، وابن ماجة (2016) من حديث عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طلق حفصة ثم راجعها، وأخرجه النسائي (6/ 213) من حديث ابن عمر وإسناده صحيح ولفظ المصنف ورد من حديث أنس عند الطبراني، ومن حديث عمار بن ياسر عند البزار والطبراني، ومن حديث قيس بن يزيد عند الطبراني يصح بمجموعها الحديث. انظر: مجمع الزوائد (9/ 244 و245) ، والإصابة (4/ 264) . (7) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 255- 256) . (8) أخرجه أبو داود (2107 و2108) والنسائي (6/ 119) وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح. (9) أخرجه ابن سعد من طريق الواقدي فيما ذكره الحافظ في الإصابة في ترجمة أم حبيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 أمّ سلمة «1» - رضي الله عنها-: هي هند بنت أبي أميّة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد «2» . توفّيت سنة اثنتين وستّين ودفنت بالبقيع، وهي آخر أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موتا: وقيل: بل ميمونة. ومن خصائصها: أنّ جبريل دخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي عنده، فرأته في صورة دحية الكلبيّ، ففي «صحيح مسلم» عن أبي عثمان قال: «أنبئت أنّ جبريل أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعنده أمّ سلمة، قال: فجعل يتحدّث ثمّ قام، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم لأمّ سلمة «من هذا؟» - أو كما قال- قالت: هذا دحية الكلبيّ، قالت: وأيم الله ما حسبته إلّا إيّاه، حتّى سمعت خطبة نبّيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يخبر خبر جبريل أو كما قال. قال: سليمان التّيميّ: فقلت لأبي عثمان: ممّن سمعت هذا الحديث؟ قال: من أسامة بن زيد «3» . زينب بنت جحش «4» - رضي الله عنها-: هي زينب بنت جحش من بني خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وهي بنت عمّته أميمة بنت عبد المطّلب، وكانت قبل عند مولاه زيد بن حارثة، وطلّقها، فزوّجها الله تعالى إيّاه من فوق سبع سموات، وأنزل عليه: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها «5» . فقام فدخل عليها بلا استئذان «6» . وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقول: «زوّجكنّ أهاليكنّ، وزوّجني الله من فوق سبع سماواته» «7» . وهذا من خصائصها، توفّيت بالمدينة سنة عشرين ودفنت بالبقيع- رضي الله عنها-. زينب بنت خزيمة «8» - رضي الله عنها-: هي زينب بنت خزيمة الهلاليّة، وكانت تحت عبد الله بن جحش «9» . تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنة ثلاث من الهجرة، وكانت تسمّى أمّ المساكين لكثرة إطعامها المساكين، ولم تلبث عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسيرا شهرين أو ثلاثة، وتوفّيت- رضي الله عنها-.   (1) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 252) . (2) اسمه عبد الله بن الأسد، كان قديم الإسلام، مع عثمان بن مظعون والأرقم بن أبي الأرقم، وهاجر إلى الحبشة مع أم سلمة، ثم عاد، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، وجرح في أحد جرحا اندمل، ثم انتفض، فمات في جمادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة. (3) أخرجه مسلم (2451) . (4) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 253) . (5) سورة الأحزاب: 37. (6) أخرجه مسلم (1428) ، والنسائي (6/ 79) من حديث أنس بن مالك. (7) أخرجه البخاري (الفتح 13/ 7420) من حديث أنس بن مالك. (8) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 251- 252) . (9) أمه أميمة بنت عبد المطلب، أسلم قبل دخول النبي صلّى الله عليه وسلّم دار الأرقم، وهاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة هو وأخواه أحمد وعبيد الله وأختهم زينب وأم حبيبة وحمنة بنات جحش، وهاجر إلى المدينة بأهله وأخيه أي أحمد. وهو أول أمير أمّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سريّة، شهد بدرا، وقتل يوم أحد ودفن مع خاله حمزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 جويرية بنت الحارث «1» - رضي الله عنها-: وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق وكانت سبيت في غزوة بني المصطلق، فوقعت في سهم ثابت بن قيس، فكاتبها، فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابتها وتزوّجها سنة ستّ من الهجرة، وتوفّيت سنة ستّ وخمسين، وهي الّتي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرّقيق، وقالوا: أصهار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان ذلك من بركتها على قومها- رضي الله عنها- «2» . صفيّة بنت حيّي «3» - رضي الله عنها-: وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صفيّة بنت حييّ من ولد هارون بن عمران أخي موسى، سنة سبع، فإنّها سبيت من خيبر، وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق فقتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، توفّيت سنة ستّ وثلاثين، وقيل: سنة خمسين. ومن خصائصها: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعتقها وجعل عتقها صداقها «4» . وقال أنس «أمهرها نفسها» وصار ذلك سنّة للأمّة إلى يوم القيامة أنّه يجوز للرّجل أن يجعل عتق جاريته صداقها وتصير زوجته. ميمونة بنت الحارث «5» - رضي الله عنها-: وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ميمونة بنت الحارث الهلاليّة تزوّجها بسرف وبنى بها بسرف، وماتت بسرف، وهو على سبعة أميال من مكّة وهي آخر من تزوّج من أمّهات المؤمنين، توفّيت سنة ثلاث وستّين، وهي خالة عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- فإنّ أمّه أمّ الفضل بنت الحارث، وهي خالة خالد بن الوليد أيضا، وهي الّتي اختلف في نكاح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، هل نكحها حلالا أو محرما؟ فالصحيح أنّه تزوّجها حلالا كما قال أبو رافع «6» . السّفير في نكاحها. قال المؤلّف- رحمه الله-: وقد غلط من قال: نكحها محرما، وتقديم حديث من قال: «تزوّجها حلالا» من عشرة أوجه مذكورة في غير هذا الموضع «7» . فهؤلاء جملة من دخل بهنّ من النّساء وهنّ إحدى عشرة. قال الحافظ أبو محمّد المقدسيّ وغيره: وعقد على سبع ولم يدخل بهنّ. فالصّلاة على أزواجه تابعة لاحترامهنّ وتحريمهنّ على الأمّة، وأنّهنّ نساؤه صلّى الله عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة، فمن فارقها في حياتها ولم يدخل بها لا يثبت لها أحكام زوجاته اللّاتي دخل بهنّ، ومات عنهنّ صلّى الله عليه وعلى أزواجه وذرّيّته وسلّم تسليما.   (1) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 256- 257) . (2) أبو داود (3931) وأحمد (6/ 277) وإسناده صحيح. (3) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 259- 260) . (4) أخرجه البخاري (الفتح 7/ 4200) ومسلم (1365) . (5) ترجمتها ومصادرها في «جامع الأصول» (12/ 257- 258) . (6) حديث أبي رافع أخرجه أحمد (6/ 393) والترمذي (841) وقال هذا حديث حسن. (7) ذكر المؤلف سبعة منها في كتاب النكاح من «زاد المعاد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 بيان معنى الذّرّيّة وأمّا الذّرّيّة فالكلام فيها في مسألتين: المسألة الأولى: في لفظها، وفيها ثلاثة أقوال: أصحّها: أنّها من ذرأ الله الخلق، أي نشرهم وأظهرهم إلّا أنّهم تركوا همزها استثقالا، فأصلها «ذرّيئة» بالهمز فعّيلة من الذّرء، وهذا اختيار صاحب «الصّحاح» وغيره «1» . المسألة الثّانية: في هذه اللّفظة: لا خلاف بين أهل اللّغة أنّ الذّرّيّة تقال على الأولاد الصّغار وعلى الكبار أيضا. قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي «2» . وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «3» . وقال تعالى: وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «4» . وقال تعالى: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا* ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً «5» . وهل تقال الذّرّيّة على الآباء؟ فيه قولان: أحدهما: أنّهم يسمّون ذرّيّة أيضا. وأنكر ذلك جماعة من أهل اللّغة، وقالوا: لا يجوز هذا في اللّغة، والذّرّيّة كالنّسل والعقب، لا تكون إلّا للعمود الأسفل، ولهذا قال تعالى: وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ. فذكر جهات النّسب الثّلاث من فوق، ومن أسفل، ومن الأطراف. قال المؤلّف- رحمه الله-: إذا ثبت هذا، فالذّرّيّة: الأولاد وأولادهم، وهل يدخل فيها أولاد البنات؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد، إحداهما: يدخلون وهو مذهب الشّافعيّ، والثّانية: لا يدخلون وهو مذهب أبي حنيفة. ثمّ ذكر أدلّة القولين.   (1) قال المؤلف: وهذا القول أصح لأن الاشتقاق والمعنى يشهدان له. (2) سورة البقرة: 124. (3) سورة آل عمران: 33- 34. (4) سورة الأنعام: 87. (5) سورة الإسراء: 2، 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 فصل في ذكر إبراهيم خليل الرّحمن صلّى الله عليه وسلّم هذا الاسم (إبراهيم) بالسّريانيّة معناه: «أب رحيم» والله سبحانه جعل إبراهيم الأب الثّالث للعالم، فإنّ أبانا الأوّل آدم، والأب الثّاني نوح، وأهل الأرض كلّهم من ذرّيّته، كما قال تعالى: وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ «1» . وبهذا يتبيّن كذب المفترين من العجم الذّين يزعمون أنّهم لا يعرفون نوحا ولا ولده، ولا ينسبون إليه، وينسبون ملوكهم من آدم إليهم، ولا يذكرون نوحا في أنسابهم، وقد أكذبهم الله عزّ وجلّ في ذلك. فالأب الثّالث أبو الآباء، وعمود العالم، وإمام الحنفاء الّذي اتّخذه الله سبحانه وتعالى خليلا، وجعل النّبوّة والكتاب في ذرّيّته، ذلك خليل الرّحمن وشيخ الأنبياء كما سمّاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فإنّه لمّا دخل الكعبة، وجد المشركين قد صوّروا فيها صورته وصورة إسماعيل ابنه وهما يستقسمان بالأزلام، فقال: «قاتلهم الله، لقد علموا أنّ شيخنا لم يكن يستقسم بالأزلام» «2» . ولم يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يتّبع ملّة أحد من الأنبياء غيره فقال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ «3» . وأمر أمّته بذلك فقال تعالى: هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ «4» . و «ملّة» منصوب على إضمار فعل، أي: اتّبعوه والزموا ملّة أبيكم. ودلّ على المحذوف ما تقدّم من قوله: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ «5» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوصي أصحابه إذا أصبحوا وإذا أمسوا أن يقولوا: «أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص، ودين نبيّنا محمّد وملّة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين» «6» . فتأمّل هذه الألفاظ كيف جعل الفطرة للإسلام، فإنّه فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها، وكلمة الإخلاص: هي شهادة أن لا إله إلّا الله تعالى والملّة لإبراهيم فإنّه صاحب الملّة: وهي التّوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، ومحبّته فوق كلّ محبّة، والدّين للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو دينه الكامل وشرعه التّامّ الجامع لذلك كلّه، وسمّاه الله سبحانه «إماما» و «أمّة» و «قانتا» و «حنيفا» . قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ   (1) سورة الصافات: 77. (2) أخرجه البخاري (الفتح 8/ 4288) وأحمد (1/ 365) . (3) سورة النحل: 123. (4) سورة الحج: 78. (5) سورة الحج: 78. (6) أخرجه أحمد (3/ 406، 407) والدارمي (2/ 292) وابن السني (33) من حديث عبد الرحمن بن أبزي، وقال الأرنؤطيان: سنده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ «1» . فأخبر سبحانه أنّه جعله إماما للنّاس، وأنّ الظّالم من ذرّيّته لا ينال رتبة الإمامة. والظّالم: هو المشرك، وأخبر سبحانه أنّ عهده بالإمامة لا ينال من أشرك به. وقال تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ «2» . فالأمّة: هو القدوة المعلّم للخير، والقانت: المطيع لله الملازم لطاعته، والحنيف: المقبل على الله، المعرض عمّا سواه. والمقصود: أنّ إبراهيم عليه السّلام: هو أبونا الثّالث، وهو إمام الحنفاء، ويسمّيه أهل الكتاب عمود العالم، وجميع أهل الملل متّفقة على تعظيمه وتولّيه ومحبّته. وكان خير بنيه سيّد ولد آدم محمّد صلّى الله عليه وسلّم يجلّه ويعظّمه ويبجّله ويحترمه، ففي «الصّحيحين» عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا خير البريّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك إبراهيم» «3» . وسمّاه شيخه، كما تقدّم. وثبت في «صحيح البخاريّ» من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّكم محشورون حفاة عراة غرلا، ثمّ قرأ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ» . وأوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم» «5» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشبه الخلق به، كما في «الصّحيحين» عنه قال: «رأيت إبراهيم فإذا أقرب النّاس شبها به صاحبكم» يعني نفسه صلّى الله عليه وسلّم، وفى لفظ آخر «وأمّا إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم» «6» . وكان صلّى الله عليه وسلّم يعوّذ أولاد ابنته حسنا وحسينا بتعويذ إبراهيم لإسماعيل وإسحاق، ففي «صحيح البخاريّ» عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوّذ الحسن والحسين ويقول: «إنّ أباكما كان يعوّذ بهما إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التّامّة من كلّ شيطان وهامّة، ومن كلّ عين لامّة» «7» . وكان صلّى الله عليه وسلّم أوّل من قرى الضّيف، وأوّل من اختتن، وأوّل من رأى الشّيب، فقال: «ما هذا يا ربّ؟ قال: وقار، قال: ربّ زدني وقارا» .   (1) سورة البقرة: 124. (2) سورة النحل: 120- 122. (3) أخرجه مسلم (2369) وأبو داود (4672) والترمذي (349) . (4) سورة الأنبياء: 104. (5) أخرجه البخاري (الفتح 8/ 4740) ومسلم (2860) . (6) أخرجه البخاري (الفتح 6/ 3437) من حديث أبي هريرة، ومسلم (167) . (7) أخرجه البخاري (الفتح 6/ 3371) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 وتأمّل ثناء الله سبحانه عليه في إكرام ضيفه من الملائكة حيث يقول سبحانه: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ* فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ* فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ «1» . ففي هذا الثّناء على إبراهيم من وجوه متعدّدة ذكرها المؤلّف فلتراجع. لقد جمعت هذه الآية آداب الضّيافة الّتي هي شرف الآداب، وما عداها من التّكلّفات الّتي هي تخلّف وتكلّف إنّما هي من أوضاع النّاس وعوائدهم وكفى بهذه الآداب شرفا وفخرا، فصلّى الله على نبيّنا وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النّبيّين. وقد شهد الله سبحانه بأنّه وفّى ما أمر به، فقال تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى «2» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: وفّى جميع شرائع الإسلام، ووفّى ما أمر به من تبليغ الرّسالة. وقال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «3» . فلمّا أتمّ ما أمر من الكلمات، جعله الله إماما للخلائق يأتمّون به. وكان صلّى الله عليه وسلّم كما قيل: قلبه للرّحمن، وولده للقربان، وبدنه للنّيران، وماله للضّيفان. وهو الّذي بنى بيت الله، وأذّن في النّاس بحجّه، فكلّ من حجّه واعتمره حصل لإبراهيم من مزيد ثواب الله وكرامته بعدد الحجّاج والمعتمرين. قال تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى «4» . فأمر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وأمّته أن يتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى تحقيقا للاقتداء به، وإحياء آثاره صلّى الله على نبيّنا وعليه وسلّم. ومناقب هذا الإمام الأعظم، والنّبيّ الأكرم أجلّ من أن يحيط بها كتاب، جعلنا الله ممّن ائتمّ به، ولا جعلنا ممّن عدل عن ملّته بمنّه وكرمه.   (1) سورة الذاريات: 24- 27. (2) سورة النجم: 36، 37. (3) سورة البقرة: 124. (4) سورة البقرة: 125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 مسألة مشهورة ذكر المؤلّف- رحمه الله- تفاصيل هذه المسألة: وهي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أفضل من إبراهيم، فكيف طلب له من الصّلاة ما لإبراهيم؟ مع أنّ المشبّه به أصله أن يكون فوق المشبّه؟ فكيف الجمع بين هذين الأمرين المتنافيين؟ ثم ذكر- رحمه الله- ما قاله النّاس في هذا، مع بيان ما فيه من صحيح وفاسد. ثمّ ختم ذلك بقوله: وقالت طائفة أخرى: آل إبراهيم فيهم الأنبياء الّذين ليس في آل محمّد مثلهم، فإذا طلب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولآله من الصّلاة مثل ما لإبراهيم وآله- وفيهم الأنبياء- حصل لآل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من ذلك ما يليق بهم، فإنّهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزّيادة الّتي للأنبياء وفيهم إبراهيم لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيحصل له بذلك من المزيّة ما لم يحصل لغيره. وتقرير ذلك: أن يجعل الصّلاة الحاصلة لإبراهيم ولآله وفيهم الأنبياء جملة مقسومة على محمّد صلّى الله عليه وسلّم وآله، ولا ريب أنّه لا يحصل لآل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ما حصل لآل إبراهيم وفيهم الأنبياء، بل يحصل لهم ما يليق بهم، فيبقى قسم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والزّيادة المتوفّرة الّتي لم يستحقّها آله مختصّة به صلّى الله عليه وسلّم، فيصير الحاصل له من مجموع ذلك أعظم وأفضل من الحاصل لإبراهيم، وهذا أحسن من كلّ ما تقدّمه. وأحسن منه أن يقال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم هو من آل إبراهيم، بل هو خير آل إبراهيم، كما روى عليّ بن أبي طلحة عن أبي طلحة عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ «1» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: محمّد من آل إبراهيم، وهذا نصّ فإنّه إذا دخل غيره من الأنبياء الّذين هم من ذرّيّة إبراهيم في آله، فدخول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولى، فيكون قولنا: «كما صلّيت على آل إبراهيم» متناولا للصّلاة عليه، وعلى سائر النّبيّين من ذرّيّة إبراهيم. ثمّ قد أمرنا الله أن نصلّي عليه وعلى آله خصوصا بقدر ما صلّينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموما، وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم ويبقى الباقي كلّه له صلّى الله عليه وسلّم. وتقرير هذا أنّه يكون قد صلّى عليه خصوصا، وطلب له من الصّلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم، ولا ريب أنّ الصّلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم أكمل من الصّلاة الحاصلة له دونهم، فيطلب له من الصّلاة هذا الأمر العظيم الّذي هو أفضل ممّا لإبراهيم قطعا، وتظهر حينئذ فائدة التّشبيه وجريه على أصله، وأنّ المطلوب له من الصّلاة بهذا اللّفظ أعظم من المطلوب له بغيره، فإنّه إذا كان المطلوب بالدّعاء إنّما هو مثل المشبّه   (1) سورة آل عمران: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 به، وله أوفر نصيب منه، صار له من المشبّه المطلوب أكثر ممّا لإبراهيم وغيره، وانضاف إلى ذلك ممّا له من المشبّه به من الحصّة الّتي لم تحصل لغيره. فظهر بهذا من فضله وشرفه على إبراهيم وعلى كلّ من آله وفيهم النّبيّون ما هو لائق به، وصارت هذه الصّلاة دالّة على هذا التّفضيل وتابعة له، وهي من موجباته ومقتضياته، فصلّى الله عليه وعلى آله وسلّم تسليما كثيرا، وجزاه عنّا أفضل ما جزى نبيّا عن أمّته، اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 معنى قوله: «اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد» قال المؤلّف- رحمه الله-: حقيقة البركة: الثّبوت واللّزوم والاستقرار، فمنه برك البعير: إذا استقرّ على الأرض ومنه المبرك لموضع البروك. قال صاحب «الصّحاح» : وكلّ شيء ثبت وأقام، فقد برك. والبرك: الإبل الكثيرة، والبركة بكسر الباء كالحوض، والجمع البرك، ذكره الجوهريّ. قال: ويقال: سمّيت بذلك لإقامة الماء فيها. والبراكاء: الثّبات في الحرب والجدّ فيها، قال الشّاعر «1» : ولا ينجي من الغمرات إلّا ... براكاء القتال أو الفرار والبركة: النّماء والزّيادة، والتبريك: الدّعاء بذلك. ويقال: باركه الله وبارك فيه. وبارك عليه، وبارك له، وفي القرآن: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها «2» ... وفيه: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ «3» . وفيه: بارَكْنا فِيها* «4» . وفي الحديث: «وبارك لي فيما أعطيت» «5» ... وفي حديث سعد: «بارك الله لك في أهلك ومالك» «6» . والمبارك: الّذي قد باركه الله سبحانه، كما قال المسيح عليه السّلام: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ «7» .. وكتابه مبارك، كما قال تعالى: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ «8» .. وقال: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ «9» ، وهو أحقّ   (1) هو بشر بن أبي خازم، وهو في ديوانه (ص 79) والغمرات: الشدائد، واحدها: الغمرة. والبركاء بفتح الباء وضمها: أن يبرك الرجل في القتال ويثبت ولا يبرح. (2) سورة النمل: 8. (3) سورة الصافات: 113. (4) سورة الأعراف: 137. (5) أخرجه أحمد (1/ 199، 200) ، وأبو داود (1425) ، والترمذي (464) ، وحسّنه، والنسائي (3/ 248) ، وابن ماجه (1178) ، والدارمي (1/ 373) من حديث الحسن بن علي- رضي الله عنهما- قال: «علمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت ... » وصححه الحاكم (3/ 172) ، ووافقه الذهبي. (6) أخرجه البخاري (الفتح 7/ 3937) ، وأحمد (3/ 190، 271) من حديث أنس بن مالك قال: قدم عبد الرحمن بن عوف، فآخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الربيع، وكان كثير المال، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالا سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان، فانظر أعجبها إليك، فأطلقها حتى إذا حلّت تزوجها، فقال عبد الرحمن: بارك الله في أهلك ومالك، فلم يرجع يومئذ حتى أفضل شيئا من سمن وأقط، فلم يلبث إلّا يسيرا حتى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه وضر من صفرة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهيم؟» قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: «ما سقت إليها؟» قال: وزن نواة من ذهب. فقال: «أولم ولو بشاة» . (7) سورة مريم: 31. (8) سورة الأنبياء: 50. (9) سورة ص: 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 أن يسمّى مباركا من كلّ شيء، لكثرة خيره ومنافعه، ووجوه البركة فيه، والرّبّ سبحانه وتعالى يقال في حقّه «تبارك» ولا يقال: مبارك. ثمّ قالت طائفة منهم الجوهريّ: إنّ «تبارك» بمعنى بارك، مثل قاتل وتقاتل، قال: إلّا أنّ فاعل يتعدّى وتفاعل لا يتعدّى، وهذا غلط عند المحقّقين، وإنّما «تبارك» تفاعل من البركة، وهذا الثّناء في حقّه تعالى، إنّما هو لوصف رجع إليه كتعالى، فإنّه تفاعل من العلوّ، ولهذا يقرن بين هذين اللّفظين فيقال: «تبارك وتعالى» ، وفي دعاء القنوت: «تباركت وتعاليت» وهو سبحانه أحقّ بذلك وأولى من كلّ أحد، فإنّ الخير كلّه بيديه، وكلّ الخير منه، صفاته كلّها صفات كمال، وأفعاله كلّها حكمة، ورحمة، ومصلحة، وخيرات لا شرور فيها، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والشّرّ ليس إليك» «1» . وإنّما يقع الشّرّ في مفعولاته ومخلوقاته، لا في فعله سبحانه، فإذا كان العبد وغيره مباركا لكثرة خيره ومنافعه واتّصال أسباب الخير فيه، وحصول ما ينتفع به النّاس منه، فالله تبارك وتعالى أحقّ أن يكون متباركا، وهذا ثناء يشعر بالعظمة، والرّفعة، والسّعة، كما يقال: تعاظم وتعالى ونحوه، فهو دليل على عظمته، وكثرة خيره، ودوامه، واجتماع صفات الكمال فيه، وأنّ كلّ نفع في العالم كان ويكون، فمن نفعه سبحانه وإحسانه. ويدلّ هذا الفعل أيضا في حقّه على العظمة والجلال وعلوّ الشّأن، ولهذا إنّما يذكره غالبا مفتتحا به كلامه وعظمته وكبرياءه.. قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ «2» . وقال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً «3» . فقد ذكر تباركه سبحانه في المواضع الّتي أثنى فيها على نفسه بالجلال والعظمة، والأفعال الدّالّة على ربوبيّته وإلهيّته وحكمته وسائر صفات كماله، من إنزال الفرقان، وخلق العالمين، وانفراده بالملك وكمال القدرة. ولهذا قال أبو صالح عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: تبارك بمعنى تعالى. وقال أبو عبّاس: تبارك: ارتفع، والمبارك: المرتفع. وقال ابن الأنباريّ: تبارك بمعنى تقدّس، وقال الحسن: تبارك: تجيء البركة من قبله، وقال الضّحّاك: تبارك: تعظّم، وقال الخليل بن أحمد: تمجّد، وقال الحسين بن الفضل: تبارك في ذاته، وبارك من شاء من خلقه. وهذا أحسن الأقوال، فتباركه سبحانه وصف ذات له، وصفة فعل، كما قال الحسين بن الفضل. وقال ابن عطيّة: معناه عظم، وكثرت بركاته، ولا يوصف بهذه اللّفظة إلّا الله سبحانه وتعالى.   (1) هو جزء من حديث طويل رواه مسلم (771) ، والنسائي (2/ 199، 130) . (2) سورة الأعراف: 54. (3) سورة الفرقان: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 والمقصود الكلام على قوله: «وبارك على محمّد، وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم» فهذا الدّعاء يتضمّن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته وثبوته له، ومضاعفته له وزيادته، هذا حقيقة البركة، وقد قال تعالى في إبراهيم وآله: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ* وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ «1» . وقال تعالى فيه وفي أهل بيته: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «2» . وتأمّل كيف جاء في القرآن: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ ولم يذكر إسماعيل. وجاء في التّوراة ذكر البركة على إسماعيل، ولم يذكر إسحاق كما تقدّمت حكايته، وعن إسماعيل «شمعتك، هانا باركتخ» (أي: ها أنا باركتك) فجاء في التّوراة ذكر البركة في إسماعيل إيذانا بما حصل لبنيه من الخير والبركة، لا سيّما خاتمة بركتهم وأعظمها وأجلّها برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنبّههم بذلك على ما يكون في بنيه من هذه البركة العظيمة الموافية على لسان المبارك صلّى الله عليه وسلّم، وذكر لنا في القرآن بركته على إسحاق منبّها لنا على ما حصل في أولاده من نبوّة موسى عليه السّلام وغيره، وما أوتوه من الكتاب والعلم مستدعيا من عباده الإيمان بذلك، والتّصديق به، وأن لا يهملوا معرفة حقوق هذا البيت المبارك وأهل النّبوّة منهم، ولا يقول القائل: هؤلاء أنبياء بني إسرائيل لا تعلّق لنا بهم، بل يجب علينا احترامهم، وتوقيرهم، والإيمان بهم، ومحبّتهم، وموالاتهم، والثّناء عليهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ولمّا كان هذا البيت المبارك المطهّر أشرف بيوت العالم على الإطلاق خصّهم الله سبحانه وتعالى منه بخصائص: منها: أنّه جعل فيه النّبوّة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم عليه السّلام نبيّ إلّا من أهل بيته. ومنها: أنّه سبحانه جعلهم أئمّة يهدون بأمره إلى يوم القيامة، فكلّ من دخل الجنّة من أولياء الله بعدهم، فإنّما دخل من طريقهم وبدعوتهم. ومنها: أنّه سبحانه اتّخذ منهم الخليلين: إبراهيم، ومحمّدا صلّى الله عليه وسلّم، وقال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا «3» . وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا» «4» . وهذا من خواصّ البيت. ومنها: أنّه سبحانه جعل صاحب هذا البيت إماما للعالمين، كما قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «5» . ومنها: أنّه أجرى على يديه بناء بيته الّذي جعله قياما للنّاس وقبلة لهم وحجّا، فكان ظهور هذا البيت من   (1) سورة الصافات: 112، 113. (2) سورة هود: 73. (3) سورة النساء: 125. (4) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 5) وعزاه للطبراني وقال: وفيه يزيد الألهاني وهو ضعيف. (5) سورة البقرة: 124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 أهل هذا البيت الأكرمين. ومنها: أنّه أمر عباده بأن يصلّوا على أهل البيت، كما صلّى على أهل بيتهم وسلفهم وهم إبراهيم وآله، وهذه خاصّة لهم. ومنها: أنّه أخرج منهم الأمّتين المعظّمتين الّتي لم تخرج من أهل بيت غيرهم، وهم أمّة موسى وأمّة محمّد صلّى الله وسلّم عليهما، وأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم تمام سبعين أمّة خيرها وأكرمها على الله «1» . ومنها: أنّ الله سبحانه أبقى عليهم لسان صدق وثناء حسنا في العالم، فلا يذكرون إلّا بالثّناء عليهم والصّلاة والسّلام عليهم، قال الله تعالى: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ* كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ «2» . ومنها: جعل أهل هذا البيت فرقانا بين النّاس، فالسّعداء أتباعهم ومحبّوهم ومن تولّاهم، والأشقياء من أبغضهم وأعرض عنهم وعاداهم، فالجنّة لهم ولأتباعهم، والنّار لأعدائهم ومخالفيهم. ومنها: أنّه سبحانه جعل ذكرهم مقرونا بذكره، فيقال: إبراهيم خليل الله ورسوله ونبيّه، ومحمّد رسول الله، وخليله ونبيّه، وموسى كليم الله ورسوله، قال تعالى لنبيّه يذكّره بنعمته عليه: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ «3» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسيرها: إذا ذكرت ذكرت معي، فيقال: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، في كلمة الإسلام، وفي الأذان، وفي الخطب، وفي التّشهّدات وغير ذلك. ومنها: أنّه سبحانه جعل خلاص خلقه من شقاء الدّنيا والآخرة على أيدي أهل هذا البيت، فلهم على النّاس من النّعم ما لا يمكن إحصاؤها ولا جزاؤها، ولهم المنن الجسام في رقاب الأوّلين والآخرين من أهل السّعادة، والأيادي العظام عندهم الّتي يجازيهم عليها الله عزّ وجلّ. ومنها: أنّ كلّ ضرّ ونفع وعمل صالح وطاعة لله تعالى حصلت في العالم، فلهم من الأجر مثل أجور عامليها، فسبحان من يختصّ بفضله من يشاء من عباده. ومنها: أنّ الله سبحانه وتعالى سدّ جميع الطّرق بينه وبين العالمين، وأغلق دونهم الأبواب، فلم يفتح لأحد قطّ إلّا من طريقهم وبابهم. ومنها: أنّه سبحانه خصّهم من العلم بما لم يخصّ به أهل بيت سواهم من العالمين، فلم يطرق العالم أهل بيت أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رضاه وغضبه وملائكته ومخلوقاته   (1) أخرجه أحمد (5/ 5) ، والترمذي (3004) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول في قوله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس» قال: «إنكم تتمون سبعين، أنتم خيرها وأكرمها على الله» وسنده حسن. (2) سورة الصافات: 108- 110. (3) سورة الانشراح: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 منهم، فسبحان من جمع لهم علم الأوّلين والآخرين. ومنها: أنّه سبحانه خصّهم من توحيده ومحبّته وقربه والاختصاص به، بما لم يختصّ به أهل بيت سواهم. ومنها: أنّه سبحانه مكّن لهم في الأرض واستخلفهم فيها، وأطاع أهل الأرض لهم ما لم يحصل لغيرهم. ومنها: أنّه سبحانه أيّدهم ونصرهم وأظفرهم بأعدائه وأعدائهم بما لم يؤيّد غيرهم. ومنها: أنّه سبحانه محابهم من آثار أهل الضّلال والشّرك، ومن الآثار الّتي يبغضها ويمقتها ما لم يمحه بسواهم. ومنها: أنّه سبحانه غرس لهم من المحبّة والإجلال والتّعظيم في قلوب العالمين ما لم يغرسه لغيرهم. ومنها: أنّه سبحانه جعل آثارهم في الأرض سببا لبقاء العالم وحفظه، فلا يزال العالم باقيا ما بقيت آثارهم، فإذا ذهبت آثارهم من الأرض، فذاك أوان خراب العالم. قال الله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ «1» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسيرها: لو ترك النّاس كلّهم الحجّ، لوقعت السّماء على الأرض. وقال: «لو ترك النّاس كلّهم الحجّ لما نظروا. وأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ في آخر الزّمان يرفع الله بيته من الأرض وكلامه من المصاحف وصدور الرّجال «2» . فلا يبقى له في الأرض بيت يحجّ ولا كلام يتلى، فحينئذ يقرب خراب العالم، وهكذا النّاس اليوم إنّما قيامهم بقيام آثار نبيّهم وشرائعه بينهم، وقيام أمورهم، وحصول مصالحهم، واندفاع أنواع البلاء والشّرّ عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها، وهلاكهم وعنتهم وحلول البلاء والشّرّ بهم عند تعطّلها والإعراض عنها، والتّحاكم إلى غيرها، واتّخاذ سواها. ومن تأمّل تسليط الله سبحانه على من سلّطه على البلاد والعباد من الأعداء، علم أنّ ذلك بسبب تعطيلهم لدين نبيّهم وسننه وشرائعه، فسلّط الله عليهم من أهلكهم وانتقم منهم، حتّى إنّ البلاد الّتي لآثار الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وسننه وشرائعه فيها ظهور دفع عنها بحسب ظهور ذلك بينهم. وهذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة الله وبركاته على أهل هذا البيت، فلهذا أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نطلب له من الله تعالى أن يبارك عليه، وعلى آله، كما بارك على هذا البيت المعظّم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.   (1) سورة المائدة: 97. (2) روى ابن ماجه (4049) عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدرس الإسلام، كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة، ولا نسك ولا صدقة، وليسري على كتاب الله عزّ وجلّ في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ... » ، قال البوصيري في «الزوائد» إسناده صحيح، رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم وصححه، والبيهقي في «شعب الإيمان» والضياء في «المختارة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 ومن بركات أهل هذا البيت، أنّه سبحانه أظهر على أيديهم من بركات الدّنيا والآخرة ما لم يظهره على يدي أهل بيت غيرهم. ومن بركاتهم وخصائصهم أنّ الله سبحانه أعطاهم من خصائصهم ما لم يعط غيرهم، فمنهم من اتّخذه خليلا، ومنهم الذّبيح، ومنهم من كلّمه تكليما، وقرّبه نجيّا، ومنهم من آتاه شطر الحسن، وجعله من أكرم النّاس عليه، ومنهم من آتاه ملكا لم يؤته أحدا غيره، ومنهم من رفعه مكانا عليّا. ولمّا ذكر سبحانه وتعالى هذا البيت وذرّيّته، أخبر أنّ كلّهم فضّله على العالمين. ومن خصائصهم وبركاتهم على أهل الأرض أنّ الله سبحانه رفع العذاب العامّ عن أهل الأرض بهم وببعثهم، وكانت عادته سبحانه في أمم الأنبياء قبلهم أنّهم إذا كذّبوا أنبياءهم ورسلهم، أهلكهم بعذاب يعمّهم، كما فعل بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، فلمّا أنزل الله سبحانه وتعالى التّوراة والإنجيل والقرآن، رفع بها العذاب العامّ عن أهل الأرض، وأمر بجهاد من كذّبهم وخالفهم، فكان ذلك نصرة لهم بأيديهم، وشفاء لصدورهم واتّخاذ الشّهداء منهم، وإهلاك عدوّهم بأيديهم، لتحصيل محابّه سبحانه على أيديهم، وحقّ لأهل بيت هذا بعض فضائلهم أن لا تزال الألسن رطبة بالصّلاة عليهم والسّلام والثّناء والتعظيم، والقلوب ممتلئة من تعظيمهم ومحبّتهم وإجلالهم، وأن يعرف المصلّي عليهم أنّه لو أنفق أنفاسه كلّها في الصّلاة عليهم ما وفّى القليل من حقّهم، فجزاهم الله عن بريّته أفضل الجزاء، وزادهم في الملأ الأعلى تعظيما وتشريفا وتكريما، وصلّى عليهم صلاة دائمة لا انقطاع لها، وسلّم تسليما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 فصل في اختتام هذه الصّلاة بهذين الاسمين من أسماء الرّبّ سبحانه وتعالى وهما: «الحميد والمجيد» الحميد: فعيل من الحمد، وهو بمعنى محمود، وأكثر ما يأتي فعيلا في أسمائه تعالى بمعنى فاعل، كسميع، وبصير، وعليم، وقدير، وعليّ، وحكيم، وحليم، وهو كثير، وكذلك فعول، كغفور، وشكور، وصبور. فالحميد هو الّذي له من الصّفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودا وإن لم يحمده غيره، فهو حميد في نفسه، والمحمود من تعلّق به حمد الحامدين، وهكذا المجيد والممجّد، والكبير والمكبّر، والعظيم والمعظّم، والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كلّه، فإنّ الحمد يستلزم الثّناء والمحبّة للمحمود، فمن أحببته ولم تثن عليه، لم تكن حامدا له حتّى تكون مثنيا عليه محبّا له، وهذا الثّناء والحبّ تبع للأسباب المقتضية له، وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال، ونعوت الجلال والإحسان إلى الغير، فإنّ هذه هي أسباب المحبّة، وكلّما كانت هذه الصّفات أجمع وأكمل، كان الحمد والحبّ أتمّ وأعظم، والله سبحانه له الكمال المطلق الّذي لا نقص فيه بوجه مّا، والإحسان كلّه له ومنه، فهو أحقّ بكلّ حمد، وبكلّ حبّ من كلّ جهة، فهو أهل أن يحبّ لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه، ولكلّ ما صدر منه سبحانه وتعالى. وأمّا المجد، فهو مستلزم للعظمة والسّعة والجلال، والحمد يدلّ على صفات الإكرام، والله سبحانه وتعالى ذو الجلال والإكرام، وهذا معنى قول العبد «لا إله إلّا الله والله أكبر» فلا إله إلّا الله دالّ على ألوهيّته وتفرّده فيها، فألوهيّته تستلزم محبّته التّامّة «الله أكبر» دالّ على مجده وعظمته، وذلك يستلزم تمجيده وتعظيمه وتكبيره، ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النّوعين في القرآن كثيرا، كقوله: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «1» . وقوله تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» ، فأمر بحمده وتكبيره. وقال تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ «3» . وقال تعالى: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ «4» .   (1) سورة هود: 73. (2) سورة الإسراء: 111. (3) سورة الرحمن: 78. (4) سورة الرحمن: 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 وفي «المسند» و «صحيح أبي حاتم» وغيره من حديث أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام» «1» يعني الزموها وتعلّقوا بها، فالجلال والإكرام: هو الحمد والمجد، ونظير هذا قوله: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ «2» . وقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً «3» . وقوله تعالى: وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «4» . وقوله: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ «5» . وهو كثير في القرآن. وفي الحديث الصّحيح حديث دعاء الكرب «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» «6» . فذكر هذين الاسمين «الحميد المجيد» عقيب كلّ الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله مطابق لقوله تعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «7» . ولمّا كانت الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي ثناء الله تعالى عليه وتكريمه، والتّنويه به، ورفع ذكره، وزيادة حبّه، وتقريبه، كما تقدّم، كانت مشتملة على الحمد والمجد، فكأنّ المصلّي طلب من الله تعالى أن يزيد في حمده ومجده، فإنّ الصّلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد، هذا حقيقتها، فذكر في هذا المطلوب الاسمين المناسبين له، وهما اسما الحميد والمجيد. فلمّا كان المطلوب للرّسول صلّى الله عليه وسلّم حمدا ومجدا بصلاة الله عليه، ختم هذا السّؤال باسمي «الحميد والمجيد» وأيضا فإنّه لمّا كان المطلوب للرّسول صلّى الله عليه وسلّم حمدا ومجدا، وكان ذلك حاصلا له، ختم ذلك بالإخبار عن ثبوت ذينك الوصفين للرّبّ بطريق الأولى، إذ كلّ كمال في العبد غير مستلزم للنّقص، فالرّبّ أحقّ به. وأيضا فإنّه لمّا طلب للرّسول حمدا ومجدا بالصّلاة عليه، وذلك يستلزم الثّناء عليه، ختم هذا المطلوب بالثّناء على مرسله بالحمد والمجد، فيكون هذا الدّعاء متضمّنا لطلب الحمد والمجد للرّسول صلّى الله عليه وسلّم والإخبار عن ثبوته للرّبّ سبحانه وتعالى.   (1) حديث صحيح بشواهد أخرجه الترمذي (3523) في الدعوات: باب (99) من حديث أنس، وأحمد في «المسند» (4/ 177) ، والحاكم (1/ 499) من حديث ربيعة بن عامر، وأخرجه الحاكم أيضا (1/ 499) من حديث أبي هريرة، وصححه ووافقه الذهبي. (2) سورة النمل: 40. (3) سورة النساء: 149. (4) سورة الممتحنة: 7. (5) سورة البروج: 14 و15. (6) أخرجه البخاري (الفتح 11/ 6345) ومسلم (2730) . (7) سورة هود: 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 الصّلاة على غير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّا سائر الأنبياء والمرسلين، فيصلّى عليهم ويسلّم، قال تعالى عن نوح- عليه السّلام-: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ* إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ «1» . وقال عن إبراهيم خليله: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ «2» . وقال في موسى وهارون: وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ «3» . وقال تعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ «4» . فالّذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السّلام عليهم المذكور. وقد قال جماعة من المفسّرين، منهم مجاهد وغيره: وتركنا عليهم في الآخرين: الثّناء الحسن، ولسان الصّدق للأنبياء كلّهم، وهذا قول قتادة أيضا ولا ينبغي أن يحكى هذا قولين للمفسّرين، كما يفعله من له عناية بحكاية الأقوال. بل هما قول واحد، فمن قال: إنّ المتروك هو السّلام عليهم في الآخرين نفسه، فلا ريب أنّ قوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ جملة في موضع نصب ب «تركنا» والمعنى: أنّ العالمين يسلّمون على نوح ومن بعده من الأنبياء، ومن فسّره بلسان الصّدق والثّناء الحسن، نظر إلى لازم السّلام وموجبه، وهو الثّناء عليهم وما جعل لهم من لسان الصّدق الّذي لأجله إذا ذكروا، سلّم عليهم. وأمّا الصّلاة عليهم، فقد حكى غير واحد الإجماع على أنّ الصّلاة على جميع النّبيّين مشروعة منهم الشّيخ محيي الدّين النّوويّ- رحمه الله- وغيره، وقد حكي عن مالك رواية أنّه لا يصلّي على غير نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، ولكن قال أصحابه: هي مؤوّلة بمعنى أنّا لم نتعبّد بالصّلاة على غيره من الأنبياء، كما تعبّدنا الله بالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم. الصّلاة على آل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأمّا من سوى الأنبياء، فإنّ آل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي عليهم بغير خلاف بين الأمّة. واختلف موجبو الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجوبها على آله على قولين مشهورين لهم.   (1) سورة الصافات: 78- 80. (2) سورة الصافات: 108- 109. (3) سورة الصافات: 119- 120. (4) سورة الصافات: 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 مسألة هل يصلّى على آله صلّى الله عليه وسلّم منفردين عنه؟ فهذه المسألة على نوعين: أحدهما: أن يقال: «اللهمّ صلّ على آل محمّد» فهذا يجوز، ويكون صلّى الله عليه وسلّم داخلا في آله، فالإفراد عنه وقع في اللّفظ، لا في المعنى. الثّاني: أن يفرد واحد منهم بالذّكر، فيقال: اللهمّ صلّ على عليّ، أو على حسن، أو حسين، أو فاطمة، ونحو ذلك، فاختلف في ذلك وفي الصّلاة على غير آله صلّى الله عليه وسلّم من الصّحابة ومن بعدهم، فكره ذلك مالك، وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضى، وهو مذهب أبي حنيفة أيضا، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثّوريّ، وبه قال طاوس. وقال ابن عبّاس: لا ينبغي الصّلاة إلّا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال إسماعيل بن إسحاق: حدّثنا عبد الله بن عبد الوهّاب قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن زياد، حدّثني عثمان بن حكيم بن عبّاد بن حنيف، عن عكرمة عن ابن عبّاس أنّه قال: «لا تصلح الصّلاة على أحد إلّا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار» «1» . وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز. عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أمّا بعد، فإنّ ناسا من النّاس قد التمسوا الدّنيا بعمل الآخرة، وإنّ القصّاص قد أحدثوا في الصّلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا جاءك كتابي، فمرهم أن تكون صلاتهم على النّبيّين، ودعاؤهم للمسلمين عامّة» «2» . وهذا مذهب أصحاب الشّافعيّ ولهم ثلاثة أوجه: أحدها: أنّه منع تحريم. والثّاني: وهو قول الأكثرين: أنّه منع كراهية تنزيه. والثّالث: أنّه من باب ترك الأولى وليس بمكروه، حكاها النّوويّ في «الأذكار» قال: والصّحيح الّذي عليه الأكثرون أنّه مكروه كراهة تنزيه. ثمّ اختلفوا في السّلام هل هو في معنى الصّلاة فيكره أن يقال: السّلام على فلان، أو قال: فلان عليه السّلام؟ فكرهه طائفة منهم أبو محمّد الجوينيّ، ومنع أن يقال: عن عليّ- عليه السّلام-، وفرّق آخرون بينه وبين   (1) فضل الصلاة على النبي لإسماعيل بن إسحاق القاضي وقال محققه الشيخ ناصر الدين الألباني، إسناده صحيح ورجاله ثقات. (2) فضل الصلاة على النبي (ص 69) وقال الألباني، إسناده مقطوع صحيح، وقال محققا جلاء الأفهام رجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 الصّلاة فقالوا: السّلام يشرع في حقّ كلّ مؤمن حيّ وميّت، وحاضر وغائب، فإنّك تقول: بلّغ فلانا منّي السّلام، وهو تحيّة أهل الإسلام، بخلاف الصّلاة فإنّها من حقوق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وآله، ولهذا يقول المصلّى: «السّلام علينا وعلي عباد الله الصّالحين» ولا يقول: الصّلاة علينا وعلى عباد الله الصّالحين، فعلم الفرق «1» . وفصل الخطاب في هذه المسألة: أنّ الصّلاة على غير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إمّا أن يكون آله وأزواجه وذرّيّته أو غيرهم، فإن كان الأوّل فالصّلاة عليهم مشروعة مع الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجائزة مفردة. وأمّا الثّاني: فإن كان الملائكة وأهل الطّاعة عموما الّذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم، جاز ذلك أيضا، فيقال: اللهمّ صلّ على ملائكتك المقرّبين وأهل طاعتك أجمعين، وإن كان شخصا معيّنا، أو طائفة معيّنة كره أن يتّخذ الصّلاة عليه شعارا لا يخلّ به. ولو قيل بتحريمه، لكان له وجه، لا سيّما إذا جعلها شعارا له، ومنع منها نظيره، أو من هو خير منه، وهذا كما تفعل الرّافضة بعليّ- رضي الله عنه- فإنّهم حيث ذكروه قالوا: عليه الصّلاة والسّلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع لا سيّما إذا اتّخذ شعارا لا يخلّ به، فتركه حينئذ متعيّن، وأمّا إن صلّى أحيانا بحيث لا يجعل ذلك شعارا كما يصلّي على دافع الزّكاة، وكما قال ابن عمر للميّت: «صلّى الله عليه» . وكما صلّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المرأة وزوجها، وكما روي عن عليّ من صلاته على عمر فهذا لا بأس به. وبهذا التّفصيل تتّفق الأدلّة وينكشف وجه الصّواب. والله الموفّق.   (1) ساق المؤلف- رحمه الله- عقب هذا الكلام أدلة القائلين بعدم جواز الصلاة على غير النبي صلّى الله عليه وسلّم وآله وأدلة من يقول بالجواز. ثم ختم ذلك بقوله: «وفصل الخطاب..» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 المجلد الثانى [ حرف الألف ] الابتهال الابتهال لغة: من بهل الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على ثلاثة معان: أحدها: التّخلية، والثّاني جنس من الدّعاء، والثّالث: قلّة في الماء، وقد أخذ الابتهال من البهل بمعناه الثّاني، يقول ابن فارس: وأمّا الآخر (أي المعنى الثّاني) فالابتهال: التّضرّع إلى الله، والمباهلة يرجع إلى هذا؛ فإنّ المتباهلين يدعو كلّ واحد منهما على صاحبه، والبهل: اللّعن، وفي حديث ابن الصّبغاء قال: الّذي بهله بريق، أي الّذي لعنه ودعا عليه رجل اسمه بريق. والبهل والابتهال في الدّعاء: الاسترسال فيه والتّضرّع «1» . وبهله الله بهلا: لعنه. وعليه بهلة الله وبهلته أي لعنته. وفي حديث أبي بكر: «من ولي من أمور النّاس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله» أي لعنة الله، وتضمّ باؤها وتفتح. وباهل القوم بعضهم بعضا، وتباهلوا وابتهلوا: تلاعنوا. والمباهلة: الملاعنة، باهلت فلانا أي لاعنته، وقد عقد الفقهاء لذلك بابا أسموه الملاعنة لقوله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 1/ 11/ 9 الصَّادِقِينَ* وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (النور/ 6- 7) ومعنى المباهلة: يقال: أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظّالم منّا، وفي حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما: من شاء باهلته أنّ الحقّ معي. وابتهل في الدّعاء إذا اجتهد، ومبتهل أي مجتهد في الدّعاء، والابتهال: التّضرّع، والابتهال: الاجتهاد في الدّعاء وإخلاصه لله عزّ وجلّ- وفي التّنزيل العزيز: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (آل عمران/ 61) «2» أي يخلص ويجتهد كلّ منّا في الدّعاء واللّعن على الكاذب منّا. وقال قوم: المبتهل: معناه في كلام العرب المسبّح الذّاكر لله، واحتجّوا بقول نابغة شيبان: أقطع اللّيل آهة وانتحابا ... وابتهالا لله أيّ ابتهال وقال قوم: المبتهل الدّاعي، وقيل في قوله تعالى ثُمَّ نَبْتَهِلْ ثمّ نلتعن. ويقال: ماله؟ بهله الله. أي لعنه الله، وماله؟   (1) المفردات في غريب القرآن (63) . (2) انظر في السياق الذي وردت فيه هذه الآية: الأحاديث والآثار المذكورة في هذه الصفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 عليه بهلة الله. يريد اللّعن. وفي حديث الدّعاء: والابتهال أن تمدّ يديك جميعا، وأصله التّضرّع والمبالغة في السّؤال «1» . واصطلاحا: الابتهال أن تمدّ يديك إلى الله بالدّعاء مخلصا متضرّعا «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستخارة، الاستعانة، الدعاء، الضراعة، الاستغاثة. وفي ضد ذلك انظر صفات: الإصرار على الذنب، الإعراض، التفريط والإفراط، اليأس، والقنوط] . الآيات الواردة في (الابتهال) 1- الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) «3»   (1) لسان العرب (11/ 72) ، ومختار الصحاح (67) ، ومقاييس اللغة (1/ 310) . وانظر أيضا تفسير الطبري (3/ 211) . وقال لبيد وذكر قوما هلكوا: «نظر الدّهر إليهم فابتهل» . يعني دعا عليهم بالهلاك. (2) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 167) . (3) آل عمران: 60- 61 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 الأحاديث الواردة في (الابتهال) 1- * (عن أبي القموص زيد بن عديّ قال: حدّثني أحد الوفد الّذين وفدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من عبد القيس قال: وأهدينا له فيما يهدى موطا أو قربة من تعضوض أو برنيّ «1» ، فقال: «ما هذا؟» ، فقلنا: هذه هديّة، قال: وأحسبه نظر إلى تمرة منها فأعادها مكانها، وقال: «أبلغوها آل محمّد» قال: فسأله القوم عن أشياء، حتّى سألوه عن الشّراب. فقال: «لا تشربوا في دبّاء «2» ولا حنتم «3» ولا نقير «4» ولا مزفّت «5» ، اشربوا في الحلال الموكى عليه» ، فقال له قائلنا: يا رسول الله! وما يدريك ما الدّبّاء والحنتم والنّقير والمزفّت؟ قال: «أنا لا أدري ما هيه. أيّ هجر «6» أعزّ؟» ، قلنا: المشقّر «7» قال: فوالله لقد دخلتها وأخذت إقليدها «8» قال: وكنت قد نسيت من حديثه شيئا فأذكرنيه عبيد الله بن أبي جروة، قال: وقفت على عين الزّارة، ثمّ قال: «اللهمّ اغفر لعبد القيس إذ أسلموا طائعين غير كارهين، غير خزايا ولا موتورين» . إذ بعض قومنا لا يسلمون حتّى يخزوا ويوتروا، وقال: وابتهل ووجهه ههنا من القبلة- يعني عن يمين القبلة- حتّى استقبل القبلة ثمّ يدعو لعبد القيس، ثمّ قال «إنّ خير خير أهل المشرق عبد القيس» ) * «9» . الأحاديث الواردة في (الابتهال) معنى 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق «10» من قبل أمّ إسماعيل، اتّخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل- وهي ترضعه- حتّى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء؟، فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا   (1) التعضوض والبرني: نوعان من أنواع التمر. (2) الدّبّاء: هو القرع والمراد اليابس منه. (3) الحنتم: هي جرار حمر أو خضر كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة ثم اتسع فيها فقيل للخزف كله حنتم واحدتها حنتمة ونهى عن الانتباذ فيها لأنها تسرع الشدة فيها لأجل دهنها.. (4) النقير: أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء، وفي رواية «المقيّر» وهو ما طلي بالقار. (5) المزفت: ما طلي بالزفت. (6) هجر: اسم لجميع أرض البحرين. (7) المشقّر: حصن قديم بالبحرين. (8) الإقليد هنا يراد به المفتاح. (9) أحمد (4/ 206) . وأصله عند البخاري ومسلم. وبعضه عند أبي داود رقم (3695) . (10) المنطق: بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء هو ما يشدّ به الوسط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 يضيّعنا» . ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ.. حتّى بلغ يَشْكُرُونَ.. الحديث) * «2» . 3- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرفع يديه في الدّعاء، حتّى يرى بياض إبطيه» ) * «3» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ ضرار بن الأزور- رضي الله عنه- لمّا أسلم أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأنشأ يقول: تركت القداح وعزف القيا ... ن والخمر تصلية وابتهالا وكرّى «4» المحبّر «5» في غمرة ... وجهدي على المسلمين القتالا وقالت جميلة: بدّرتنا ... وطرحت أهلك شتّى شمالا فيا ربّ لا أغبنن صفقتي ... فقد بعت أهلي ومالي بدالا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما غبنت صفقتك «6» يا ضرار» ) * «7» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هذا الإخلاص» يشير بإصبعه الّتي تلي الإبهام، «وهذا الدّعاء» فرفع يديه حذو منكبيه، وهذا الابتهال فرفع يديه مدّا) * «8» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ وفد نجران من النّصارى قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم منهم السّيّد،- وهو الكبير-، والعاقب- وهو الّذي يكون بعده، وصاحب رأيهم- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهما: أسلما. قالا: أسلمنا، قال: «ما أسلمتما. قالا: بلى. قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما يمنعكم من الإسلام ثلاث فيكما: عبادتكما الصّليب، وأكلكما الخنزير، وزعمكما أنّ لله ولدا. ونزل إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ.. (الآية) . فلمّا قرأها عليهم قالوا: ما نعرف ما تقول: ونزل فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يقول: من جادلك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من العلم من القرآن فَقُلْ تَعالَوْا إلى قوله ثُمَّ نَبْتَهِلْ يقول: نجتهد في الدّعاء أنّ الّذي جاء به محمّد هو الحقّ، وأنّ الّذي يقولون هو الباطل، فقال لهم: «إنّ الله قد أمرنا إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم» فقالوا: يا أبا القاسم! بل نرجع فننظر في أمرنا، ثمّ نأتيك فخلا   (1) إذن لا يضيعنا: وردت بالرفع في فتح الباري، وبالنصب كما في عمدة القاري. للإمام بدر الدين العيني. (2) البخاري- الفتح 6 (3364) . (3) مسلم (895) . (4) كرّي: أي إجرائي الفرس واندفاعي به. (5) المحبر: فرس لضرار بن الأزور. (6) الصفقة: هي ما يبادل به الإنسان شيئا في بيع أو شراء، والمراد هنا مبادلة الإسلام بالكفر. (7) الحاكم في المستدرك (3/ 238) واللفظ له، وصححه، ووافقه الذهبي، ورواه الطبراني في الكبير (8/ 43) ، وروى نحوه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على أحمد (4/ 76) وفيه (أي في رواية المسند) محمد بن سعيد الباهلي وهو متروك كما في مجمع الزوائد (8/ 171) ، وتعجيل المنفعة (240) ، وللحديث طريق أخرى يقوى بها ذكرها ابن حجر في الإصابة وعزاها إلى البغوي وابن شاهين.. (8) سنن أبي داود (2/ 79) (1490) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 بعضهم ببعض، وتصادقوا فيها بينهم، قال السّيّد للعاقب: قد والله علمتم أنّ الرّجل نبيّ مرسل، ولئن لا عنتموه إنّه ليستأصلكم، وما لا عن قوم قطّ نبيّا فبقي كبيرهم، ولا نبت صغيرهم فإن أنتم لم تتّبعوه وأبيتم إلّا إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم، وقد كان رسول الله خرج ومعه عليّ، والحسن، والحسين، وفاطمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم. فأبوا أن يلاعنوه، وصالحوه على الجزية) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الابتهال) 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء «2» ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما، ثمّ قال: يا رسول الله هلكت الأموال «3» وانقطعت السّبل «4» فادع الله يغثنا «5» . قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه، ثمّ قال: «اللهمّ أغثنا، اللهم أغثنا، اللهمّ أغثنا» . قال أنس: ولا والله ما نرى في السّماء من سحاب ولا قزعة «6» . وما بيننا وبين سلع «7» من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس «8» ، فلمّا توسّطت السّماء انتشرت، ثمّ أمطرت. قال: فلا والله ما رأينا الشّمس سبتا «9» . قال: ثمّ دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب. فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السّبل «10» ، فادع الله يمسكها عنّا. قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه، ثمّ قال   (1) سيرة ابن هشام (2/ 215- 216) ، والدر المنثور (2/ 231، 233) ، وأصله عند البخاري 8 (4380) ، وأسباب النزول للواحدي (ص 90) . (2) من باب كان نحو دار القضاء: أي في جهتها، وهي دار كانت لسيدنا عمر، وقال القاضي عياض: سميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كتبه على نفسه، وأوصى ابنه عبد الله أن يباع فيه ماله؛ فإن عجز ماله استعان ببني عدي ثم بقريش، فباع ابنه داره هذه لمعاوية، وقضى دينه. (3) هلكت الأموال: المراد بالأموال هنا، المواشي، خصوصا الإبل، وهلاكها من قلة الأقوات بسبب عدم المطر والنبات. (4) وانقطعت السبل: أي الطرق فلم تسلكها الإبل، إما لخوف الهلاك، أو الضعف بسبب قلة الكلأ أو عدمه. (5) فادع الله يغثنا، وقوله صلّى الله عليه وسلّم «اللهم أغثنا» هكذا هو في جميع النسخ أغثنا بالألف، ويغثنا، بضم الياء، من أغاث يغيث، رباعي، والمشهور في كتب اللغة أنه إنما يقال في المطر: غاث الله الناس والأرض، يغيثهم بفتح الياء. أي أنزل المطر، قال القاضي عياض: قال بعضهم: هذا المذكور في الحديث من الإغاثة، بمعنى المعونة، وليس من طلب الغيث. إنما يقال في طلب الغيث: اللهم غثنا، قال القاضي: ويحتمل أن يكون من طلب الغيث، أي هب لنا غيثا، وارزقنا غيثا، كما يقال: سقاه الله وأسقاه، أي جعل له سقيا، على لغة من فرق بينهما. (6) ولا قزعة: هي القطعة من السحاب، وجمعها قزع، كقصبة وقصب، قال أبو عبيد: وأكثر ما يكون ذلك في الخريف. (7) سلع: هو جبل بقرب المدينة، أي ليس بيننا وبينه من حائل يمنعنا من رؤية سبب المطر، فنحن مشاهدون له وللسماء، وقال الإمام النووي: ومراده بهذا الإخبار عن معجزة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعظيم كرامته على ربه سبحانه وتعالى، بإنزال المطر سبعة أيام متوالية متصلا بسؤاله، من غير تقديم سحاب ولا قزع ولا سبب آخر، لا ظاهر ولا باطن. (8) مثل الترس: الترس هو ما يتقى به السيف، ووجه الشبه الاستدارة والكثافة لا القدر. (9) سبتا: أي قطعة من الزمان، وأصل السبت القطع. (10) هلكت الأموال وانقطعت السبل: هلاك الأموال وانقطاع السبل هذه المرة، من كثرة الأمطار، لتعذر الرعي والسلوك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 «اللهمّ حولنا «1» ، ولا علينا، اللهمّ على الآكام «2» ، والظّراب «3» ، وبطون الأودية، ومنابت الشّجر» فانقلعت «4» ، وخرجنا نمشي في الشّمس، قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرّجل الأوّل؟ قال: لا أدري) * «5» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله عزّ وجلّ- في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) ، وقال عيسى عليه السّلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، فرفع يديه وقال: «اللهمّ! أمّتي أمّتي» وبكى، فقال الله عزّ وجلّ: «يا جبريل! اذهب إلى محمّد- وربّك أعلم- فسله ما يبكيك؟» فأتاه جبريل عليه الصّلاة والسّلام فسأله. فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال. وهو أعلم، فقال الله: «يا جبريل، اذهب إلى محمّد فقل: «إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوءك» ) * «6» . 9- * (عن عائشة زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: خسفت الشّمس في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد. فقام وكبّر وصفّ النّاس «7» وراءه، فاقترأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قراءة طويلة، ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا، ثمّ رفع رأسه فقال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا! ولك الحمد» ثمّ قام فاقترأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا، هو أدنى من الرّكوع الأوّل، ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا! ولك الحمد» ، ثمّ سجد (ولم يذكر أبو الطّاهر: ثمّ سجد) ثمّ فعل في الّركعة الأخرى مثل ذلك. حتّى استكمل أربع ركعات، وأربع سجدات، وانجلت الشّمس، قبل أن ينصرف، ثمّ قام فخطب النّاس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال!: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصّلاة» ... الحديث) * «8» . 10- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: «لمّا فرغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حنين بعث أبا عامر على   (1) حولنا: وفي بعض النسخ حوالينا، وهما صحيحان. (2) الآكام: قال في المصباح: الأكمة تل، والجمع أكم وأكمات، مثل قصبة وقصب وقصبات، وجمع الأكم إكام، مثل جبل وجبال، وجمع الإكام أكم، مثل كتاب وكتب، وجمع الأكم آكام، مثل عنق وأعناق. وقال النووي: قال أهل اللغة: الإكام، بكسر الهمزة، جمع أكمة، ويقال في جمعها: آكام، ويقال: أكم وأكم، وهي دون الجبل، وأعلى من الرابية، وقيل: دون الرابية. (3) والظراب: واحدها ظرب، وهي الروابي الصغار. (4) فانقلعت: ولفظ البخاري: فأقلعت، وهو لغة القرآن، أي أمسكت السحابة الماطرة عن المدينة الطاهرة، وفي نسخة النووي: فانقطعت. قال: هكذا هو في بعض النسخ المعتمدة، وفي أكثرها: فانقلعت، وهما بمعنى. (5) البخاري- الفتح 2 (1013) ، مسلم (897) واللفظ له. (6) مسلم (202) . (7) وصفّ الناس: بالبناء للمجهول ورفع الناس أي صاروا صفّا ويجوز فيها البناء للمعلوم، والناس بالنصب مفعول به والفاعل محذوف والمراد به النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله ابن حجر في الفتح. (8) البخاري- الفتح 2 (1046) ، مسلم (901) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 جيش إلى أوطاس «1» ، فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشميّ «2» بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه. فقلت: يا عمّ! من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى، فقال: ذاك قاتلي الّذي رماني، فقصدت له، فلحقته، فلمّا رآني ولّى، فاتّبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألا تثبت؟ فكفّ، فاختلفنا ضربتين بالسّيف فقتلته، ثمّ قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السّهم، فنزعته فنزل منه الماء، قال: يا ابن أخي، أقريء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّلام، وقل له: استغفر لي. واستخلفني أبو عامر على النّاس، فمكث يسيرا ثمّ مات، فرجعت، فدخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيته على سرير مرمّل «3» ، وعليه فراش قد أثّر رمال السّرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر. وقال: قل له: استغفر لي، فدعا بماء فتوضّأ، ثمّ رفع يديه فقال: «اللهمّ اغفر لعبيد أبي عامر» ، ورأيت بياض إبطيه. ثمّ قال: «اللهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من النّاس» ، فقلت: ولي فاستغفر. فقال: «اللهمّ اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» . قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى) * «4» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: حدّثني عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر «5» ، نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه «6» : «اللهمّ! أنجز لي ما وعدتني، اللهمّ! آت ما وعدتني. اللهمّ! إن تهلك» هذه العصابة «8» من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربّه، مادّا يديه، مستقبل القبلة، حتّى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثمّ التزمه من ورائه، وقال: يا نبيّ الله! كذاك منا شدتك ربّك «9» ، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عزّ وجلّ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ «10» بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ «11» (الأنفال/ 9) . فأمدّه الله بالملائكة) * «12» .   (1) أوطاس: واد في دار هوازن، وهو موضع حرب حنين. (2) جشمي: أي رجل من بني جشم. (3) سرير مرمل: أي معمول بالرمال وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسرّة. (4) البخاري- الفتح 7 (4323) واللفظ له، مسلم (2498) . (5) لما كان يوم بدر: بدر موضع الغزوة العظمى المشهورة، وهو ماء معروف وقرية عامرة على نحو أربع مراحل من المدينة، بينها وبين مكة، قال ابن قتيبة: بدر بئر كانت لرجل يسمى بدرا، فسميت باسمه، وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة. (6) فجعل يهتف بربه: معناه يصيح ويسغيث بالله بالدعاء. (7) إن تهلك: ضبطوا تهلك بفتح التاء وضمها، فعلى الأول ترفع العصابة لأنها فاعل، وعلى الثاني تنصب وتكون مفعوله. (8) العصابة: الجماعة. (9) كذالك منا شدتك ربك: المناشدة السؤال، مأخوذة من النشيد وهو رفع الصوت، هكذا وقع لجماهير رواة مسلم، ولبعضهم: كفاك، وكلّ بمعنى واحد. (10) ممدّكم: أي معينكم، من الإمداد. (11) مردفين: متتابعين. (12) البخاري- الفتح 7 (3953) مختصرا، مسلم (1763) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الابتهال) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك، أو نحوهما، والاستغفار: أن تشير بأصبع واحدة. والابتهال: أن تمدّ يديك جميعا» ) * «1» . 2- * (عن عبّاس بن عبد الله بن معبد بن عبّاس- بهذا الحديث- قال فيه: «والابتهال هكذا، ورفع يديه، وجعل ظهورهما ممّا يلي وجهه» ) * «2» . 3- * (قال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ.. إلى قوله تعالى: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (آل عمران/ 61) . قال أبو جعفر الطّبريّ يعني بقوله جلّ ثناؤه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ أي فمن جادلك يا محمّد في المسيح عيسى ابن مريم، ويعني بقوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الّذي بيّنته لك في عيسى أنّه عبد الله، وقوله سبحانه: ثُمَّ نَبْتَهِلْ تقول ثمّ نلتعن، فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ منّا ومنكم في أنّه عيسى- عليه السّلام-) * «3» . 4- * (عن قتادة في قوله سبحانه ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ أي في عيسى عليه السّلام: أنّه عبد الله ورسوله، من كلمة الله وروحه) «4» . 5- * (قال ابن زيد: في قوله تعالى ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ قال: منّا ومنكم) * «5» . 6- * (عن قيس بن سعد قال: كان بين ابن عبّاس وبين آخر شيء فقرأ هذه الآية: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فرفع يديه واستقبل الرّكن) * «6» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «أنّ ثمانية من أساقف العرب من أهل نجران قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم العاقب، والسّيّد، فأنزل الله: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا إلى قوله: ثُمَّ نَبْتَهِلْ يريد ندع الله باللّعنة على الكاذب. فقالوا: أخّرنا ثلاثة أيّام، فذهبوا إلى بني قريظة، والنّضير، وبني قينقاع، فاستشاروهم. فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه، وهو النّبيّ الّذي نجده في التّوراة فصالحوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على ألف حلّة في صفر وألف في رجب، ودراهم) * «7» . 8- * (قال الإمام البغويّ في تفسير قوله   (1) أبو داود (1489) ، وقال الألباني (1/ 1321) : صحيح. صحيح سنن أبي داود. وقال محقق جامع الأصول 4/ 148: وهو حديث حسن. (2) المصدر السابق (1490) . (3) تفسير الطبري (3/ 96) . (4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) الدر المنثور (2/ 233) . (6) المصدر السابق (2/ 232، 233) . (7) المصدر السابق (2/ 232) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً ... : أي تتضرّع إليّ وتخاف منّي. وقال مجاهد وابن جريج: «أمر أن يذكروه في الصّدور بالتّضرّع إليه والدّعاء والاستكانة» ) * «1» . 9- * (قال ابن الأثير- رحمه الله: «الابتهال: التّضرّع والمبالغة في المسألة» ) * «2» . من فوائد (الابتهال) (1) حبّ الله تعالى والإلحاح عليه بالسّؤال والالتجاء إليه في الكرب والضّيق وعند شدّة اليأس. (2) تعلّق المسلم بربّه في قضاء حوائجه. (3) فيه راحة للنّفس ونقاء للقلب. (4) استجابة الله- عزّ وجلّ- دعاء المسلم وابتهاله ما لم يكن يدعو بجور أو ظلم. (5) الدّعاء يكون في كلّ الأحوال، والابتهال غالبا ما يكون وقت الشّدّة. (6) أنّ الابتهال إلى الله برفع اليدين في الدّعاء دليل على شدّة إخلاص الدّاعي ووثوقه من إجابة المولى عزّ وجلّ- له. (7) الابتهال إلى الله تعقبه الإجابة السّريعة من الله- عزّ وجلّ- على وفق مراد الله- عزّ وجلّ-. (8) أنّ الابتهال يكون للنّفس وللغير ويستحبّ أن يسبقه وضوء. (9) أنّ الابتهال يفرّج الكرب ويزيح الغمّة. (10) الابتهال مجلبة لنصر الله ووسيلة لدحر العدوّ. (11) الابتهال يرفع الرّوح المعنويّة للمقاتلين خاصّة إذا كان القائد المبتهل قريبا من الله وواثقا من نصره.   (1) تفسير البغوي (مج 2، ج 9، 226) . (2) جامع الأصول (4/ 148) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 الاتباع الاتباع لغة: مصدر اتّبع المأخوذ من مادّة (ت ب ع) ، وتدلّ هذه المادّة على التّلوّ والقفو، يقال: تبعت القوم تبعا، وتباعة بالفتح، إذا مشيت خلفهم أو مرّوا بك فمضيت معهم، وتبعت الشّيء: سرت في أثره، والتّابع: التّالي، والجمع تبّع وتبّاع وتبعة. والتّبع اسم للجمع. وقال أبو عبيد: أتبعت القوم إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم. وقال الفرّاء: أتبع أحسن من اتّبع؛ لأنّ الاتّباع أن يسير الرّجل وأنت تسير وراءه. فإذا قلت أتبعته فكأنّك قفوته.. واتّبع القرآن: ائتمّ به وعمل بما فيه، وفي حديث أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه-: «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن عليكم وزرا، فاتّبعوا القرآن ولا يتّبعنّكم القرآن، فإنّه من يتّبع القرآن يهبط به على رياض الجنّة، ومن يتّبعه القرآن يزخّ في قفاه حتّى يقذف به في نار جهنّم» يقول: اجعلوه أمامكم ثمّ اتلوه كما قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أي يتّبعونه حقّ اتّباعه، وأراد لا تدعوا تلاوته والعمل به فتكونوا قد جعلتموه وراءكم. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 56/ 35/ 48 وتابع بين الأمور متابعة وتباعا: واتر، ووالى. وتابع عمله وكلامه: أتقنه وأحكمه، ومنه حديث أبي واقد اللّيثيّ: تابعنا الأعمال فلم نجد شيئا أبلغ في طلب الآخرة من الزّهد في الدّنيا، أي أحكمناها وعرفناها. ويقال: تابع فلان كلامه، وهو تبيع للكلام إذا أحكمه، ويقال: هو يتابع الحديث إذا كان يسرده، وقيل: فلان متتابع العلم إذا كان علمه يشاكل بعضه بعضا لا تفاوت فيه «1» . والاتّباع في الأصل: اقتفاء أثر الماشي، ثمّ استعمل في العمل بمثل عمل الغير، كما في قوله: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ثمّ استعمل في امتثال الأمر، والعمل بما يأمر به المتبوع فهو الائتمار «2» . واصطلاحا: قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: هو أن يتّبع الرّجل ما جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعن أصحابه، ثمّ هو من بعد في التّابعين مخيّر. وقال ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى-: الاتّباع ما ثبت عليه الحجّة، وهو اتّباع كلّ من أوجب عليك الدّليل اتّباع قوله. فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو المثل الأعلى في اتّباع ما أمر به «3» . قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: باب ما   (1) لسان العرب لابن منظور (1/ 416، 419) ، وانظر الصحاح (3/ 1190) ، ومقاييس اللغة (1/ 362) . (2) تفسير التحرير والتنوير (7/ 423) . (3) أضواء البيان للشنقيطي (7/ 548) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتّباع ما أوحي إليه وما شهد له به من اتّباع ما أمر به، وأنّه صلّى الله عليه وسلّم هاد لمن اتّبعه. ثمّ ساق الآيات الدّالّة على هذه المعاني ومنها قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً* وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (الأحزاب/ 1، 2) . وقوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (الجاثية/ 18) ثمّ قال- رحمه الله تعالى-: وما سنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنّة، وكذلك أخبرنا الله في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللَّهِ. وقد سنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع كتاب الله، وسنّ فيما ليس فيه بعينه نصّ كتاب، وكلّ ما سنّ فقد ألزمنا الله اتّباعه، وجعل في اتّباعه طاعته، وفي العنود «1» عن اتّباعه معصيته الّتي لم يعذر بها خلقا، ولم يجعل له من اتّباع سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخرجا للآيات المذكورة. ولقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ألفينّ أحدكم متّكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري، ممّا أمرت به أو نهيت عنه، فيقول لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه» ، وسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع كتاب الله وجهان: أحدهما نصّ كتاب، فاتّبعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما أنزله الله، والآخر جملة بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه عن الله معنى ما أراد بالجملة، وأوضح كيف فرضها عامّا أو خاصّا، وكيف أراد أن يأتي به العباد. وكلاهما اتّبع فيه كتاب الله. فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أنّ سنن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا منها على وجهين: أحدهما ما أنزل الله فيه نصّ كتاب فبيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل ما نصّ الكتاب. والآخر ممّا أنزل الله فيه جملة كتاب، فبيّن عن الله معنى ما أراد. وهذان الوجهان اللّذان لم يختلفوا فيهما. والوجه الثّالث (المختلف فيه) ما سنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما ليس فيه نصّ كتاب. فمنهم من قال: جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه، أن يسنّ فيما ليس فيه نصّ كتاب. ومنهم من قال: لم يسنّ سنّة قطّ إلّا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنّته لتبيين عدد الصّلاة وعملها على أصل جملة فرض الصّلاة، وكذلك ما سنّ من البيوع وغيرها من الشّرائع؛ لأنّ الله قال: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ* (النساء/ 29) وقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا (البقرة/ 275) ما أحلّ وحرّم فإنّما بيّن فيه عن الله كما بيّن الصّلاة. ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سنّته بفرض الله. ومنهم من قال: ألقي في روعه «2» كلّ ما سنّ (وسنّته الحكمة) : الّذي ألقي في روعه عن الله، فكان ما ألقي في روعه سنّته. وأيّ هذا كان، فقد بيّن الله أنّه فرض فيه طاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يجعل لأحد من خلقه عذرا بخلاف   (1) العنود: العتو والطغيان أو الميل والانحراف. (2) الرّوع: بضم الراء بعدها واو ساكنة القلب والعقل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 أمر عرفه من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن قد جعل الله بالنّاس كلّهم الحاجة إليه في دينهم، وأقام عليهم حجّته بما دلّهم عليه من سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاني ما أراد الله بفرائضه في كتابه، ليعلم من عرف منها ما وصفنا أنّ سنّته صلّى الله عليه وسلّم إذا كانت سنّة مبيّنة عن الله معنى ما أراد من مفروضه فيما فيه كتاب يتلونه، وفيما ليس فيه نصّ كتاب سنّة أخرى فهي كذلك لا يختلف حكم الله ثمّ حكم رسوله، بل هو لازم بكلّ حال «1» . وقال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: الكتاب (أي القرآن) هو المتّبع على الحقيقة، ومراتب النّاس بحسب اتّباعهم له. إنّ الله تعالى وضع هذه الشّريعة حجّة على الخلق كبيرهم وصغيرهم، مطيعهم وعاصيهم، برّهم وفاجرهم. لم يختصّ بها أحدا دون أحد، وكذلك سائر الشّرائع إنمّا وضعت لتكون حجّة على جميع الأمم الّتي تنزّل فيهم تلك الشّرائع، حتّى إنّ المرسلين بها صلوات الله عليهم داخلون تحت أحكامها. فأنت ترى أنّ نبيّنا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم مخاطب بها في جميع أحواله وتقلّباته ممّا اختصّ به دون أمّته، أو كان عامّا له ولأمّته- فالشّريعة هي الحاكمة على الإطلاق والعموم عليه وعلى جميع المكلّفين، وهي الطّريق الموصّل والهادي الأعظم. ألا ترى إلى قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا (الشورى/ 52) . فهو عليه الصّلاة والسّلام أوّل من هداه الله بالكتاب والإيمان، ثمّ من اتّبعه فيه، والكتاب هو الهادي، والوحي المنزّل عليه مرشد ومبيّن لذلك الهدى، والخلق مهتدون بالجميع. ولمّا استنار قلبه وجوارحه عليه الصّلاة والسّلام وباطنه وظاهره بنور الحقّ علما وعملا، صار هو الهادي الأوّل لهذه الأمّة والمرشد الأعظم، حيث خصّه الله تعالى دون الخلق بإنزال ذلك النّور عليه، واصطفاه من جملة من كان مثله في الخلقة البشريّة اصطفاء أوّليّا من جهة اختصاصه بالوحي الّذي استنار به قلبه وجوارحه فصار خلقه القرآن، حتّى قال الله فيه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وذلك لأنّه حكّم الوحي على نفسه حتّى صار في علمه وعمله على وفقه واقفا عند حكمه، فقد جاء بالأمر وهو به مؤتمر، وبالنّهي وهو منته وبالوعظ وهو متّعظ، وبالتّخويف وهو أوّل الخائفين، وبالتّرجية وهو سائق دابّة الرّاجين، وقد صارت الشّريعة المنزّلة عليه حجّة حاكمة عليه، ودلالة على الصّراط المستقيم الّذي سار عليه، فإذا كان الأمر كذلك، فسائر الخلق حريّون بأن تكون الشّريعة حجّة حاكمة عليهم، ومنارا يهتدون بها إلى الحقّ، وشرفهم إنّما يثبت بحسب ما اتّصفوا به من الدّخول تحت أحكامها، والأخذ بها قولا واعتقادا وعملا، فمن كان أشدّ محافظة على اتّباع الشّريعة فهو أولى بالشّرف والكرم، ومن كان دون ذلك لم يمكن أن يبلغ في الشّرف المبلغ الأعلى في اتّباعها، فالشّرف إذا إنّما هو بحسب المبالغة في تحكيم الشّريعة «2» .   (1) الرسالة للشافعي (85- 105) بتصرف. (2) الاعتصام (2/ 338- 340) باختصار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 السنن التّركية حكمها حكم السنن الفعلية: إذا فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حكما أو ترك حكما فهو عبادة في حقّنا إلّا أن يقوم الدّليل على اختصاصه صلّى الله عليه وسلّم بذلك الحكم، وكذلك ترك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحكم، إذ إنّ التّرك وسيلة لبيان الأحكام كالفعل، فكما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يبيّن الأحكام بفعله المجرّد من القول، أو بالفعل الّذي يساعده القول، كذلك كان يبيّن الأحكام بالتّرك المجرّد من القول، أو بالتّرك الّذي يساعده القول «1» . خلاصة الأمر في هذا، أنّ المسلم واجب عليه أن يتّبع منهج الله وشريعته، كما وردت في القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة المطهّرة؛ لأنّ كمال الإنسان وترقّيه لا يكون إلّا عبر منهاج العبادة الّذي ورد في هذين المصدرين، والّذي يعني إسلام النّفس في كلّ ما تفعل وتذر لما يريده الله ويرضاه عبر الالتزام الكلّي بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه. وإذا كان الاتّباع كما سبق هو اتّباع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء عنه وعن أصحابه، فما جاء عنه أمران: القرآن بوصفه وحيا من الله تعالى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والسّنّة النّبويّة المطهّرة. وكلّ ما جاء بالقرآن ملزم الاتّباع، حيث إنّه يحتوي على المنهج الكامل لحياة المجتمع الإسلاميّ، وبالتّالي فهو يشمل كلّ ما يحتاجه هذا المجتمع، وما يحتاجه الإنسان في حياته، من عقائد وأخلاق، وأحكام عمليّة تتّصل بالعبادات والمعاملات الّتي تنظّم علاقة الإنسان بأمثاله وبالمجتمع وبالأمم والعالم. أمّا السّنّة النّبويّة فقد جاءت مكمّلة للقرآن، وأوجب الله على النّاس طاعة الرّسول في قبول ما شرعه لهم وامتثال ما يأمرهم به، وينهاهم عنه. إذن واجب للرّسول صلّى الله عليه وسلّم على الأمّة أمران؛ الأوّل: الطّاعة فيما أتى به. والثّاني: أن يبلّغوا عنه ما أخبرهم به. والسّنّة أقوال وأفعال وتقريرات، وكلّ الأقوال والتّقريرات من الدّين، وحجّة على المسلم أن يتّبعها، والأفعال منها: ما يتّصل ببيان الشّريعة وهذا واجب الاتّباع (كصلاته، وصومه، وحجّه ... ) . ما يتّصل بخاصّته هو، حيث قام الدّليل على أنّها خاصّة بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم. ما يتّصل بمقتضى الجبلّة البشريّة أو بمقتضى العادات الجارية، كالملبس، والمأكل والمشرب، ... إلخ، وهذا يخضع لمقتضى الطّبيعة الإنسانيّة. ولكنّ هذا الاتّباع ليس تقليدا أعمى، وإنّما اتّباع بصير متفهّم واع بهدى الله وحكمته، وبالمقوّمات الكفيلة ببناء الإنسان بناء قويّا راسخا «2» . الاتباع دليل محبة الله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم: للمحبّة طرفان هما: المحبّ والمحبوب، وفيما يتعلّق بمحبّة الله عزّ وجلّ فإنّ طرفيها هما: محبّة العبد   (1) أفعال الرسول صلّى الله عليه وسلّم للدكتور محمد سليمان الأشقر (2/ 15) . (2) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 لربّه ومحبّة الرّبّ لعبده، ودليل الأولى هي اتّباع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. أمّا الثّانية فهي ثمرة ذلك الاتّباع ويؤكّد ذلك قول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران/ 31) ، ولذلك أطلق على هذه الآية الكريمة آية المحبّة، يقول أبو سليمان الدّارانيّ: لمّا ادّعت القلوب محبّة الله عزّ وجلّ أنزل الله هذه الآية محنة «1» (أي اختبارا وامتحانا لهذه القلوب) . ومعنى هذه الآية- كما يقول الطّبريّ- قل يا محمّد لوفد نصارى نجران إن كنتم تزعمون أنّكم تحبّون الله فحققوا قولكم الّذي تقولونه إن كنتم صادقين باتّباعكم إيّاي فإنّكم تعلمون أنّي رسول الله إليكم كما كان عيسى- عليه السّلام- رسولا إلى من أرسله الله إليهم «2» . وقد فسّر بعضهم المحبّة بالاتّباع والطّاعة من جانب العباد ومحبّة الله لعباده بإنعامه عليهم بالغفران فقال: محبّة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتّباعه أمرهما ومحبّة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران «3» . وقال سهل بن عبد الله: علامة حبّ الله حبّ القرآن وعلامة حبّ القرآن حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعلامة حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حبّ السّنّة، وعلامة ذلك كلّه حبّ الآخرة «4» ، وهذه الآية الكريمة حاكمة على كلّ من ادّعى محبّة الله وليس هو على الطّريقة المحمّديّة بأنّه كاذب في نفس الأمر حتّى يتّبع الشّرع المحمّديّ والدّين النّبويّ في جميع أقواله وأفعاله، والمراد ب يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أنّه يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبّتكم إيّاه وهو محبّته إيّاكم وهذا أعظم من الأوّل إذ ليس الشّأن أن تحبّ إنّما الشّأن أن تحبّ «5» . يقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى في الآية السّابقة: يحببكم الله إشارة إلى دليل المحبّة وثمرتها وفائدتها فدليلها وعلامتها اتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وفائدة الاتّباع وثمرته محبّة الله عزّ وجلّ فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبّة بحاصلة، وقال أيضا: وعلى ذلك فإنّه لا تنال محبّة الله عزّ وجلّ إلّا باتّباع الحبيب صلّى الله عليه وسلّم «6» ، والخلاصة أنّ الاتّباع علامة على صدق العبد في حبّه لله تعالى وأنّ ثمرة هذا الاتّباع هي محبّة الله عزّ وجلّ وغفرانه. الاتباع في القرآن الكريم: ورد الاتّباع في القرآن الكريم مأمورا به ومنهيّا عنه، فالمنهيّ عنه هو اتّباع الهوى والشّيطان والظّنّ والكفّار وما أشبه ذلك، أمّا المأمور به فقد ورد على صور عديدة منها اتّباع الرّسل، ومنها اتّباع الوحي والشّريعة والهدى وصالح المؤمنين، وسنصنّف آيات الاتّباع المأمور به وفقا لما أمر باتّباعه. [انظر أيضا صفات: الأسوة الحسنة، الحكم بما أنزل الله، مجاهدة النفس، الاعتصام، الطاعة. وفي ضد ذلك انظر: صفات: اتباع الهوى، الابتداع، الغلو، القدوة السيئة، الإعراض، الحكم بغير ما أنزل الله] .   (1) مدارج السالكين (3/ 22) . (2) باختصار عن تفسير الطبري (3/ 156) . (3) تفسير القرطبي (4/ 40) . (4) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (5) تفسير ابن كثير (1/ 358) . (6) مدارج السالكين بتصرف (3/ 22- 39) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 الآيات الواردة في «الاتباع» أولا: اتباع المولى- عزّ وجلّ-: 1- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) «1» 2- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «2» 3- ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) » 4- لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19) «4» ثانيا: اتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم ورسل الله الكرام وأوليائه الصالحين 5- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «5» 6- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «6»   (1) يونس: 35 مكية (2) غافر: 7 مكية (3) محمد: 3 مدنية (4) القيامة: 16- 19 مكية (5) البقرة: 143 مدنية (6) آل عمران: 19- 20 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 7- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) «1» 8- * فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) «2» 9- إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) «3» 10- قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) «4» 11- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) «5» 12- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) «6» 13- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) «7» 14- قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) «8»   (1) آل عمران: 31 مدنية (2) آل عمران: 52- 53 مدنية (3) آل عمران: 68 مدنية (4) آل عمران: 95 مدنية (5) الأعراف: 157- 158 مكية (6) الأنفال: 64 مدنية (7) التوبة: 117 مدنية (8) يوسف: 37- 38 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 15- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «1» 16- رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) «2» 17- ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) «3» 18- قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) «4» 19- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) «5» 20- وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) «6» 21- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) «7» 22- وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) «8» 23- ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) «9»   (1) يوسف: 108 مكية (2) إبراهيم: 36 مكية (3) النحل: 123 مكية (4) الكهف: 66 مكية (5) مريم: 41- 43 مكية (6) طه: 90- 93 مكية (7) يس: 20- 21 مكية (8) الزخرف: 57- 61 مكية (9) الحديد: 27 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 ثالثا: اتباع الهدى والرضوان وما أنزل الله من كتاب أو ارتضى من شريعة: 24- قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) «1» 25- وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) «2» 26- أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) «3» 27- الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «4» 28- وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125) «5» 29- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) «6» 30- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) «7» 31- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) «8» 32- وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «9»   (1) البقرة: 38 مدنية (2) البقرة: 170 مدنية (3) آل عمران: 162 مدنية (4) آل عمران: 173- 174 مدنية (5) النساء: 125 مدنية (6) المائدة: 15- 16 مدنية (7) الأنعام: 50 مكية (8) الأنعام: 106 مكية (9) الأنعام: 153 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 33- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) «1» 34- اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) «2» 35- وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) » 36- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «4» 37- وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109) «5» 38- فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) «6» 39- قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) «7» 40- وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (21) «8» 41- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) «9» 42- وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «10» 43- الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «11»   (1) الأنعام: 155 مكية (2) الأعراف: 3 مكية (3) الأعراف: 203 مكية (4) يونس: 15 مكية (5) يونس: 109 مكية (6) طه: 47 مكية (7) طه: 123 مكية (8) لقمان: 21 مكية (9) الأحزاب: 1- 3 مدنية (10) يس: 10- 11 مكية (11) الزمر: 18 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 44- وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) «1» 45- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) «2» 46- ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) «3» 47- قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) «4» رابعا: اتباع المؤمنين: 48- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «5» 49- وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «6» الآيات الواردة في «الاتّباع لفظا» ولها معنى آخر: 50- قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) «7» 51- وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (89) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) «8»   (1) الزمر: 55 مكية (2) غافر: 38 مكية (3) الجاثية: 18 مكية (4) الأحقاف: 9 مكية (5) التوبة: 100 مدنية (6) لقمان: 15 مكية (7) الكهف: 70 مكية (8) الكهف: 83- 92 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 52- يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) «1» 53- * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) «2» 54- قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) «3» 55- فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) «4» 56- يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9) «5»   (1) طه: 108 مكية (2) الشعراء: 52- 60 مكية (3) القصص: 49- 50 مكية (4) الدخان: 22- 23 مكية (5) النازعات: 6- 9 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 الأحاديث الواردة في (الاتباع) 1- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه «1» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فغضب فقال: «أمتهوّكون «2» فيها يابن الخطّاب؟ والّذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذّبوا به أو بباطل فتصدّقوا به، والّذي نفسي بيده لو أنّ موسى صلّى الله عليه وسلّم كان حيّا ما وسعه إلّا أن يتبعني» ) * «3» . 2- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم، إنّي رأيت الجيش بعينيّ. وإنّي أنا النّذير العريان «4» ، فالنّجاء «5» ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا «6» فانطلقوا على مهلتهم (وفي البخاريّ على مهلهم) وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم «7» . فذلك مثل من أطاعني واتّبع ما جئت به. ومثل من عصاني وكذّب ما جئت به من الحقّ» ) * «8» . 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا، ثمّ قال: «هذا سبيل الله» ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثمّ قال: «هذه سبل» قال يزيد: متفرّقة على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثمّ قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» ) * «9» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «10» . 5- * (عن أبي رافع- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ألفينّ أحدكم متّكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت   (1) قوله: فقرأه: أي قرىء عليه. (2) متهوّكون: التهوّك هو التحيّر، وقيل: هو الوقوع في الشيء بقلة مبالاة. (3) أحمد (3/ 387) ، السنة لابن أبي عاصم (27) ، وقال الألباني: حسن، المشكاة (1/ 63) . وعزاه للدارمي، وذكره في الإرواء وذكر له شواهد كثيرة (6/ 3834) . (4) أنا النذير العريان: أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم، وأكثر ما يفعل هذا طليعة القوم ورقيبهم. (5) النجاء: اطلبوا النجاة. (6) فأدلجوا: ساروا من أول الليل. (7) اجتاحهم: استأصلهم. (8) البخاري- الفتح 11 (6482) ، ومسلم (2283) واللفظ له. (9) أحمد (1/ 435) واللفظ له، الحاكم (2/ 318) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، السنة لابن أبي عاصم (13) ، وقال الألباني (مخرجه) : إسناده حسن، والحديث صحيح. (10) مسلم (2674) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدناه في كتاب الله اتّبعناه» ) *» . 6- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنّه نائم وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا. قال: فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله، ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس» ) * «2» . 7- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجال يجتهدون في العبادة اجتهادا شديدا. فقال صلّى الله عليه وسلّم «تلك ضراوة الإسلام وشرّته «3» ولكلّ ضراوة شرّة، ولكلّ شرّة فترة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنّة فلأمّ مّا هو «4» ، ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك» . وفي رواية: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ عمل شرّة، ولكلّ شرّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته، إلى غير ذلك فقد هلك» ) * «5» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلّا من أبى» قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟. قال: «من أطاعني دخل الجنّة، ومن عصاني فقد أبى» ) * «6» . 9- (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من الأنبياء نبيّ إلّا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» ) * «7» . 10- * (عن وبرة قال: أتى رجل ابن عمر رضي الله عنهما- فقال: أيصلح أن أطوف بالبيت وأنا محرم، قال: ما يمنعك من ذلك؟ قال: إنّ فلانا ينهانا عن ذلك حتّى يرجع النّاس من الموقف، ورأيته   (1) أبو داود (4605) وقال الألباني (3/ 871/ 3849) : صحيح. (2) البخاري- الفتح 13 (7281) . (3) الشّرّة بكسر الشين وفتح الراء مشدّدتين، معناها النشاط والرغبة، والضراوة مصدر قولهم ضري الشيء لهج به أي أغرم به وعشقه، والفترة هي السكون بعد الشدة، والهدوء بعد الحدة. (4) فلأم ما هو: دعاء لأمه يعني إنه راجع إلى أصل ثابت عظيم، وبمعنى فليؤم ويقصد؛ لأنه على الطريق المستقيم. (5) أحمد (2/ 165) ولفظ الرواية الأولى له وصححه شاكر (6540) ، ابن أبي عاصم في السنة (1/ 28) ولفظ الرواية الثانية له. وقال مخرجه: إسناده صحيح على شرط الشيخين وعزاه كذلك لابن حبان (2/ 349) عن أبى هريرة بلفظ قريب والطحاوي في مشكل الآثار. (6) البخاري- الفتح 13 (7280) . (7) البخاري- الفتح 8 (4981) واللفظ له، ومسلم (152) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 كأنّه مالت به الدّنيا وأنت أعجب إلينا منه. قال ابن عمر: «حجّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فطاف بالبيت وسعى بين الصّفا والمروة، وسنّة الله ورسوله أحقّ أن تتّبع من سنّة ابن فلان إن كنت صادقا» ) * «1» . الأحاديث الواردة في (الاتباع) معنى 11- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر» ) * «2» . 12- * (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شبية «3» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه وكان رقيقا رحيما، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم، فعلّموهم ومروهم، وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم» ) * «4» . 13- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سألوا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن عمله في السّرّ؟ فقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء. وقال بعضهم لا آكل اللّحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، ولكنّي أصلّي وأنام، وأصوم وأفطر. وأتزوّج النّساء. فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «5» . 14- * (عن عروة بن الزّبير أنّ عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- حدّثه: أنّ رجلا من الأنصار خاصم الزّبير عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في شراج الحرّة «6» الّتي يسقون بها النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ. فأبى عليهم. فاختصموا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير. ثمّ أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاريّ. فقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمّتك «7» ، فتلوّن وجه نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «يا زبير، اسق ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر «8» » فقال الزّبير: والله إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ   (1) مسلم (1297) . (2) الترمذي (3662) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، ابن ماجة (97) ، أحمد (5/ 385- 402) ، السنة لابن أبي عاصم (531) حديث: 1148 وقال الألباني: صحيح، وهو في الصحيحة له (3/ 234) حديث (1233) . (3) شبية: بفتح الشين، والباءين؛ جمع شاب مثل (بررة) وبار. (4) البخاري- الفتح 10 (6008) واللفظ له ومسلم (674) . (5) مسلم (1401) . (6) شراج الحرة: هي مسايل الماء وواحدها شرجة والحرة هي الأرض الملسة التي بها حجارة سوداء. (7) قول الأنصاري «أن كان ابن عمتك» يعني أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أقر فعل الزبير لأنه ابن عمته وليس الأمر كما ظن. (8) الجدر بفتح الجيم وكسرها، وهي الجدار وجمعه جدر والمراد بالجدر أصل الحائط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» ) * «1» . 15- * (عن يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع الأنصاريّ، ونحن بعرفة في مكان يباعده عمرو عن الإمام، فقال: أما إنّي رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليكم، يقول لكم: «قفوا على مشاعركم. فإنّكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم» ) * «2» . 16- * (عن يزيد بن حيّان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه، قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا ابن أخي! والله لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما حدّثتكم فاقبلوا، ومالا فلا تكلّفونيه، ثمّ قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا «3» بين مكّة والمدينة. فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر. ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: «وأهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي ... » ) * «4» . 17- * (عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه، ألا لا يحلّ لكم لحم الحمار الأهليّ، ولا كلّ ذي ناب من السّبع، ولا لقطة معاهد إلّا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه. فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه» ) * «5» . 18- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نذكر الفقر ونتخوّفه فقال: «الفقر تخافون؟ والّذي نفسي بيده لتصبّنّ عليكم الدّنيا صبّا حتّى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلّاهيه «6» . وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء «7» ليلها ونهارها سواء» . قال أبو الدّرداء: صدق والله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تركنا والله، على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 8 (4585) ، ومسلم (2357) واللفظ له. (2) أبو داود (1919) واللفظ له وذكره المنذري في مختصره وعزاه للسنن (2/ 397) ، الترمذي (883) وقال: حسن صحيح، ابن ماجة (3011) . (3) خم: اسم لغيضة على بعد ثلاثة أميال من الجحفة. (4) مسلم (2408) . (5) أبو داود (4604) واللفظ له وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 871) : صحيح برقم (3848) ، الترمذي (2664) وقال: هذا حديث حسن. (6) لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلّا هية: هي ضمير يرجع إلى الدنيا. (7) البيضاء: أي المحجة البيضاء. (8) ابن ماجة (5) واللفظ له وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (47) وقال الألباني: حديث حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 19- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرمي على راحلته يوم النّحر ويقول: «لتأخذوا مناسككم، فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه» ) * «1» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوني ما تركتكم، فإنّما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» ) * «2» . 21- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟، فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الرّاشدين تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ «3» ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ) * «4» . 22- * (قال عمر- رضي الله عنه-: «اتّهموا الرّأي على الدّين، فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برأيي اجتهادا، فو الله ما آلو عليه الحقّ» . وذلك يوم أبي جندل حتّى قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تراني أرضى وتأبى؟» ) * «5» . 23- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «لو كان الدّين بالرّأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه» . وزاد أبو داود (وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح على ظاهر خفّيه» ) * «6» . 24- * (وعنه- رضي الله عنه- أنّه أتي بدابّة ليركبها فلمّا وضع رجله في الرّكاب، قال: «بسم الله، فلمّا استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثمّ قال: الحمد لله ثلاث مرّات، ثمّ قال: الله أكبر ثلاث مرّات، ثمّ قال: سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، ثمّ ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين، من أيّ شيء ضحكت؟ قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعل كما فعلت ثمّ ضحك، فقلت: يا رسول الله؛ من أيّ شيء ضحكت؟ قال: «إنّ ربّك يعجب من عبده   (1) مسلم (1297) . (2) البخاري- الفتح 13 (7288) . (3) عضوا عليها بالنواجذ: مثل في شدة الاستمساك بأمر الدين؛ لأن العض بالنواجذ عض بجميع الفم والأسنان، والنواجذ هي أواخر الأسنان وقيل: هي التي بعد الأنياب. (4) أبو داود (4607) واللفظ له وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 871) : صحيح، الترمذي (2676) وقال: حسن صحيح، ابن ماجة (42) ، أحمد (4/ 126، 127) ، الحاكم (1/ 96/ 97) ، الدارمي (1/ 95) حديث (95) ، وقال الألباني: صحيح- صحيح الجامع (2/ 346) . (5) الفتح (13/ 289) وعزاه الحافظ للطبري والطبراني والبيهقي في المدخل. (6) أبو داود (162) ، وقال الحافظ في الفتح: إسناده حسن (13/ 289) ، أحمد (1/ 95) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 إذا قال: اغفر لي ذنوبي يعلم أنّه لا يغفر الذّنوب غيري» ) * «1» . 25- * (عن ابن أبي مليكة قال: «كاد الخيّران أن يهلكا: أبو بكر وعمر، لمّا قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التّميميّ الحنظليّ أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنّما أردت خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ- إلى قوله: عَظِيمٌ قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزّبير: فكان عمر بعد، ولم يذكر ذلك عن أبيه- يعني أبا بكر- إذا حدّث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحديث حدّثه كأخي السّرار «2» لم يسمعه حتّى يستفهمه» ) * «3» . 26- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنّكم إليها. فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهنّ. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّا سيّئا. ما سمعته سبّه مثله قطّ. وقال: أخبرك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقول والله لنمنعهنّ!» ) *» . 27- * (عن مطرّف قال: بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الّذي توفّي فيه. فقال: «إنّي كنت محدّثك بأحاديث. لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي. فإن عشت فاكتم عنّي. وإن متّ فحدّث بها إن شئت: إنّه قد سلّم عليّ «5» . واعلم أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قد جمع بين حجّ وعمرة، ثمّ لم ينزل فيها كتاب الله، ولم ينه عنها نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، قال رجل فيها برأيه ما شاء «6» » ) * «7» . 28- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: سئل عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عن إملاص المرأة وهي الّتي يضرب بطنها فتلقي جنينا. فقال: أيّكم سمع من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيه شيئا؟ فقلت: أنا. فقال: ما هو؟ قلت: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: فيه غرّة. عبد أو أمة. فقال: لا تبرح حتّى تجيئني بالمخرج فيما قلت» ) * «8» . 29- * (عن ثمام بن شقيّ قال: كنّا مع فضالة ابن عبيد بأرض الرّوم. برودس «9» . فتوفّي صاحب لنا، فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوّي. ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمر بتسويتها» ) * «10» . 30- * (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله   (1) أبو داود (2602) ، الترمذي (3146) وقال: هذا حديث حسن صحيح، أحمد (1/ 97) وقال مخرج الأذكار النووية: حديث صحيح، وعزاه لابن حبان والحاكم (356) . (2) أخي السرار: يعني كالمناجي سرّا. (3) البخاري- الفتح 8 (4845) . (4) البخاري- الفتح 3 (1573) واللفظ له، مسلم (1259) . (5) إنه قد سلم عليّ: يعني أن الملائكة تسلم عليه، وهذا هو الذي قال له: اكتم عني. (6) قال رجل فيها برأيه ما شاء أي لا يتبع بل الواجب اتباع الكتاب والرسول صلّى الله عليه وسلّم. (7) مسلم (1226) . (8) البخاري- الفتح 13 (7317) واللفظ له، ومسلم (1689) مثله من حديث المسور بن مخرمة. (9) رودس: جزيرة في بلاد الروم. (10) مسلم (968) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 عنهما-: «أنّه رأى رجلا يخذف «1» ، فقال له: لا تخذف، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الخذف- أو كان يكره الخذف- وقال: إنّه لا يصاد به صيد ولا ينكأ به عدوّ ولكنّها قد تكسر السّنّ، وتفقأ العين. ثمّ رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: أحدّثك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف، لا أكلّمك كذا وكذا» ) * «2» . 31- * (قال غضيف بن الحارث- رضي الله عنه- لعبد الملك بن مروان لمّا قال له: إنّا قد جمعنا النّاس على رفع الأيدي على المنبر يوم الجمعة، وعلى القصص بعد الصّبح والعصر، فقال: «أما إنّهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منهما لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ما أحدث قوم بدعة إلّا رفع من السّنّة مثلها فتمسّك بسنّة خير من إحداث بدعة» ) * «3» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «لمّا توفّي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل النّاس وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله، فمن قال: لا إله إلّا الله عصم منّي ماله ونفسه إلّا بحقّه وحسابه على الله؟. فقال: والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة، فإنّ الزّكاة حقّ المال، والله لو منعوني عقالا «4» كانوا يؤدّونه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطّاب: فو الله ما هو إلّا أن رأيت الله- عزّ وجلّ- قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنّه الحقّ» ) * «5» . 33- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «إنّ فاطمة- رضي الله عنها- أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممّا أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم تطلب صدقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّتي بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة. إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال- يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل. وإنّي والله لا أغيّر شيئا من صدقات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي كانت عليها في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتشهّد عليّ، ثمّ قال: إنّا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك، وذكر قرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحقّهم، فتكلّم أبو بكر فقال: والّذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي» ) * «6» .   (1) الخذف: هو رمي الإنسان بحصاة أو نواة، يجعلها بين إصبعيه السبابتين أو السبابة والإبهام. (2) البخاري- الفتح 9 (5479) واللفظ له، ومسلم (1954) . (3) أخرجه أحمد (4/ 105) ، وجوّد إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (13/ 267) ، وذكره السيوطي في الجامع الصغير، ورمز له بالتحسين (فيض القدير 5/ 412- 413) . (4) العقال- بكسر العين- هو الحبل الذي يشد به ذراعا البعير أو الناقة. (5) البخاري- الفتح 3 (1399) ، ومسلم (20) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 7 (3711- 3712) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاتباع) 34- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: اتّخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خاتما من ذهب فاتّخذ النّاس خواتيم من ذهب فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي اتّخذت خاتما من ذهب» فنبذه، وقال: «إنّي لن ألبسه أبدا» فنبذ النّاس خواتيمهم) * «1» . 35- * (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- يصدّق كلّ منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم «2» في خيل لقريش طليعة «3» ، فخذوا ذات اليمين» . فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش «4» ، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة «5» الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «6» . فألحّت «7» ، فقالوا خلأت «8» القصواء، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل «9» » . ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» ، ثمّ زجرها فوثبت. قال: فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد «10» قليل الماء يتبرّضه «11» النّاس تبرّضا، فلم يلبّثه النّاس حتّى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العطش؛ فانتزع سهما من كنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتّى صدروا عنه. فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة «12» نصح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل تهامة، فقال: «إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل «13» ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر؛ فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «14» ، وإن هم أبوا؛ فوالّذي نفسي   (1) البخاري- الفتح 13 (7298) . (2) الغميم: هو مكان بين رابغ والجحفة، وقيل موضع بين مكة والمدينة. (3) الطليعة: مقدمة الجيش. (4) قترة الجيش: ما يثيره من الغبار أو هي الغبار الأسود. (5) الثنية: طريق في الجبل تشرف على الحديبية. (6) حل حل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير. (7) ألحّت: أي تمادت على عدم القيام، وهو من الإلحاح. (8) خلأت: الخلاء للناقة كالحران للخيل. (9) حابس الفيل أي حبسها الله- عز وجل- كما حبس الفيل عن مكة. (10) ثمد قليل الماء: أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل. (11) يتبرضه: هو الأخذ قليلا قليلا. (12) عيبة نصح: العيبة هي ما توضع به الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والأمانة لسره. (13) العوذ المطافيل: العوذ هي الناقة ذات اللبن، والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها. (14) جمّوا: أي استراحوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي «1» ، ولينفذنّ الله أمره» . فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول. قال: فانطلق حتّى أتى قريشا، قال: إنّا جئناكم من هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرّأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول: كذا وكذا. فحدّثهم بما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أو لست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتّهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ، فلمّا بلّحوا «2» عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد اقبلوها ودعوني آته. قالوا ائته، فأتاه، فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحوا من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمّد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإنّي والله لا أرى وجوها، وإنّي لأرى أشوابا «3» من النّاس خليقا أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر اللّات «4» ، أنحن نفرّ عنه وندعه. فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكلّما تكلّم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه السّيف وعليه المغفر، فكلّما أهوى عروة بيده إلى لحية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضرب يده بنعل السّيف، وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؟. قال: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر «5» ، ألست أسعى في غدرتك؟. وكان المغيرة صحب قوما في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم ثمّ جاء فأسلم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «أمّا الإسلام فأقبل، وأمّا المال فلست منه في شيء» . ثمّ إنّ عروة جعل يرمق أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعينيه. قال: فو الله ما تنخّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّا كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنّجاشيّ، والله، إن رأيت مليكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم محمّدا. والله، إن يتنخّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم، فدلّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ   (1) سالفتي: السالفة هي صفحة العنق. والمعنى من قوله حتى تنفرد سالفتي كناية عن القتل أو القتال وحيدا. (2) بلّحوا: التبلّح هو الامتناع عن الإجابة: وبلحوا بمعني امتنعوا عن أداء ما عليهم. (3) الأشواب: الأخلاط من أنواع شتى. (4) امصص بظر اللات: البظر قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة واللات: صنم لهم، وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه. (5) غدر: من غادر وهي مبالغة في وصفه بالغدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته. فلمّا أشرف على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا فلان، وهو من قوم يعظّمون البدن، فابعثوها له» . فبعثت له، واستقبله النّاس يلبّون. فلمّا رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت. فلمّا رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقام رجل منهم، يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلمّا أشرف عليهم قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مكرز، وهو رجل فاجر» . فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سهل لكم من أمركم» . فجاء سهيل ابن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فوالله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتب «باسمك اللهمّ» ، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب: باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» . فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: «محمّد بن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» ، وذلك لقوله: «لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به» . فقال سهيل: والله لا تتحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة» ، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب. فقال سهيل: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على دينك إلّا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك، إذ دخل أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده «2» ، وقد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمّد أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» . قال: فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فأجزه لي» ، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: «بلى فافعل» قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟. ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا في الله. قال: فقال عمر بن الخطّاب: فأتيت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ألست نبيّ الله حقّا؟. قال: «بلى» قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟. قال: «بلى» . قلت: فلم نعطي الدّنيّة «3» في ديننا إذا؟. قال: «إنّي رسول   (1) أخذنا ضغطة: أي قهرّا وعنوة. (2) يوسف في قيوده: أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد. (3) نعطي الدنية في ديننا: أي لماذا نرضى بالنقص؟. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 الله ولست أعصيه، وهو ناصري» . قلت: أو ليس كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟. قال: «بلى، فأخبرتك أنّا نأتيه العام؟.» قال: قلت: لا. قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به» . قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبيّ الله حقّا؟. قال: بلى. قلت: ألسنا لى الحقّ وعدوّنا على الباطل. قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟. قال: أيّها الرّجل، إنّه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه «1» فوالله إنّه على الحقّ. قلت: أليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به «2» ؟. قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟. قلت: لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. قال الزّهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلمّا فرغ من قضيّة الكتاب قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «قوموا فانحروا ثمّ احلقوا» . قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتّى قال ذلك ثلاث مرّات، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أمّ سلمة فذكر لها ما لقي من النّاس. فقالت أمّ سلمة: يا نبيّ الله؛ أتحبّ ذلك؟. اخرج، ثمّ لا تكلّم أحدا منهم كلمة حتّى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتّى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتّى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا. ثمّ جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى (الممتحنة/ 10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتّى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، فطلّق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشّرك، فتزوّج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أميّة، ثمّ رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتّى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين: والله إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدا، فاستلّه الآخر. فقال: أجل والله إنّه لجيّد، لقد جرّبت به ثمّ جرّبت به ثمّ جرّبت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد «3» ، وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا» ، فلمّا انتهى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قتل والله صاحبي، وإنّي لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبيّ الله، قد والله أوفى الله ذمّتك قد رددتني إليهم، ثمّ أنجاني الله منهم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ويل أمّه «4» . مسعر «5» حرب لو كان له أحد» ، فلمّا سمع   (1) غرزه: الغرز للإبل بمنزلة الركاب للفرس. والمراد بقوله «فاستمسك بغرزه» أي تمسك بأمره وترك مخالفته كالذي يمسك بركاب الفارس فلا يفارقه. (2) ضبط العيني هذا الفعل بفتح الطاء والواو وتشديد هما (نطّوّف) على أن أصله (نتطوّف) . (3) حتى برد: أي خمدت أنفاسه وحواسه. (4) ويل أمه: كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم. (5) مسعر حرب: أي مقدام للحرب مسعّر لنارها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتّى أتى سيف البحر «1» . قال: وينفلت منهم أبو جندل ابن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلّا لحق بأبي بصير، حتّى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشّام إلّا اعترضوا لها. فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تناشده الله والرّحم لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن فأرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فأنزل الله تعالى (الفتح/ 24) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حتّى بلغ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، وكانت حميّتهم أنّهم لم يقرّوا أنّه نبيّ الله، ولم يقرّوا ببسم الله الرّحمن الرّحيم، وحالوا بينهم وبين البيت) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاتباع) 1- * (وقال عمر- رضي الله عنه- لشريح (القاضي) : «إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به، ولا يلفتنّك عنه الرّجال؛ فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنّة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانظر ما اجتمع عليه النّاس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يتكلّم فيه أحد قبلك، فاختر أيّ الأمرين شئت، إن شئت أن تجتهد برأيك ثمّ تقدم فتقدّم، وإن شئت، إن تتأخّر فتأخّر، ولا أرى التّأخّر إلّا خيرا لك» ) * «3» . 2- * (وعن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: أنّه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله فقال: «إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك» ) * «4» . 3- * (عن أبي وائل قال: جلست إلى شيبة في هذا المسجد، قال: جلس إليّ عمر في مجلسك هذا فقال: «هممت أن لا أدع فيها «5» صفراء ولا بيضاء «6» إلّا قسمتها بين المسلمين. قال: ما أنت بفاعل. قال: لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك: قال هما المرآن يقتدى بهما» ) * «7» . 4- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: «فيم الرّملان «8» اليوم والكشف   (1) سيف البحر (بكسر السين) : أي ساحل البحر. (2) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) واللفظ له، ومسلم مقطعا (1783، 1784، 1785) . (3) سنن النسائي (8/ 231) ، سنن الدارمي (1/ 71، 72) . (4) البخاري- الفتح 3 (1597) واللفظ له، مسلم (1270) . (5) أي في الكعبة. (6) الصفراء والبيضاء: المراد بهما الذهب والفضة، والمرآن: المراد بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر رضي الله عنه. (7) البخاري- الفتح 13 (7275) . (8) الرملان مصدر الرمل: وهو تقارب الخطى في المشي مع هز الكتفين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 عن المناكب؟ وقد أطّأ «1» الله الإسلام ونفى الكفر وأهله، مع ذلك لا ندع شيئا كنّا نفعله على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 5- * (عن أبي الهيّاج الأسديّ قال: بعث عليّ ابن أبي طالب- رضي الله عنه- أبا الهيّاج الأسديّ وقال له: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. أن لا تدع تمثالا إلّا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلّا سوّيته» ) * «3» . 6- * (وقال- رضي الله عنه-: «إيّاكم والاستنان بالرّجال؛ فإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الجنّة ثمّ ينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النّار فيموت وهو من أهل النّار، وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل النّار فينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل الجنّة فيموت وهو من أهل الجنّة، فإن كنتم لا بدّ فاعلين فبالأموات لا بالأحياء وأشار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الكرام» ) * «4» . 7- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: «عليكم بالسّبيل والسّنّة، فإنّه ليس من عبد على السّبيل والسّنّة ذكر الرّحمن ففاضت عيناه من خشية الله- عزّ وجلّ- فتمسّه النّار. وليس من عبد على سبيل وسنّة ذكر الرّحمن فاقشعرّ جلده من مخافة الله، إلّا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذ أصابتها الرّيح فتحاتّ عنها ورقها، إلّا تحاتّت عنه ذنوبه كما تحاتّ عن تلك الشّجرة ورقها. وإنّ اقتصادا في سبيل وسنّة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنّة، فانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادا أو اقتصادا أن يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنّتهم» ) * «5» . 8- * (وقال أيضا يوصي رجلا: «اتّخذ كتاب الله إماما، وارض به قاضيا وحكما، فإنّه الّذي استخلف فيكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، شفيع مطاع، وشاهد لا يتّهم فيه ذكركم وذكر من قبلكم، وحكم ما بينكم وخبركم وخبر ما بعدكم» ) * «6» . 9- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: «يا معشر القرّاء! استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا» ) * «7» . 10- * (عن أبي إدريس الخولانيّ: «أنّ يزيد ابن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل، أخبره، قال كان لا يجلس مجلسا للذّكر حين يجلس إلّا قال: الله حكم قسط. هلك المرتابون. فقال معاذ بن جبل يوما: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق، والرّجل والمرأة، والصّغير والكبير، والعبد والحرّ، فيوشك قائل أن   (1) أطا: يعني وطأ الشيء وثبته وأحكمه. (2) أبو داود (1887) واللفظ له، ابن ماجة (2952) . (3) مسلم (969) . (4) الاعتصام للشاطبي (2/ 358، 359) . (5) حلية الأولياء (1/ 252، 253) ، أصول الاعتقاد (1/ 54) . (6) الحلية- الموضع نفسه. (7) البخاري- الفتح 13 (7282) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 يقول: ما للنّاس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن؟. ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم؛ فإنّ الشّيطان قد يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقّ. قال: قلت لمعاذ: ما يدريني- رحمك الله- أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضّلالة، وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحقّ؟. قال: بلى اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات، الّتي يقال: ما هذه؟ ولا يثنينّك ذلك عنه؛ فإنّه لعلّه أن يراجع، وتلقّ الحقّ إذا سمعته، فإنّ على الحقّ نورا» ) * «1» . 11- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في معنى قوله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، اجعلنا أئمّة هدى ليهتدى بنا ولا تجعلنا أئمّة ضلالة» ) * «2» . 12- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، «فأمّا الذين ابيضّت وجوههم فأهل السّنّة والجماعة وأولو العلم. وأمّا الّذين اسودّت وجوههم فأهل البدع والضّلالة» «3» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس بن حصن- وكان من النّفر الذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبّانا- فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي! هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟. قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عبّاس: فاستأذن لعيينة. فلمّا دخل قال: يابن الخطّاب، والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ بأن يقع به، فقال الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. وإنّ هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله» ) * «4» . 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: «أنّه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها، قال: ابعثها قياما مقيّدة سنّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم: أي متّبعا سنّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» . 15- عن أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنّه قال لعبد الله بن عمر: إنّا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السّفر في القرآن، فقال له ابن عمر: «ابن أخي إنّ الله- عزّ وجلّ- بعث إلينا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم ولا نعلم شيئا، فإنّما نفعل كما رأينا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم يفعل» ) * «6» . 16- * (عن نافع قال «كان ابن عمر- رضي الله عنهما- إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التّلبية، ثمّ يبيت بذي طوى، ثمّ يصلّي الصّبح ويغتسل ويحدّث   (1) أبو داود (4611) وقال الألباني (3/ 872) : صحيح الإسناد موقوف. (2) البخاري- الفتح 13 (265) . (3) أصول الاعتقاد (1/ 72) . (4) البخاري- الفتح 13 (7286) . (5) البخاري- الفتح 3 (1573) واللفظ له، مسلم (1259) . (6) أحمد (2/ 95) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك» ) * «1» . 17- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «دخلت على حفصة فقالت: أعلمت أنّ أباك غير مستخلف؟ قال: قلت: ما كان ليفعل. قالت: إنّه فاعل. قال: فحلفت أن أكلّمه في ذلك فسكتّ. حتّى غدوت ولم أكلّمه. قال: فكنت كأنّما أحمل بيميني جبلا. حتّى رجعت فدخلت عليه، فسألني عن حال النّاس وأنا أخبره. قال: ثمّ قلت له: إنّي سمعت النّاس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك. زعموا أنّك غير مستخلف، وإنّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاءك وتركها رأيت أن قد ضيّع. فرعاية النّاس أشدّ. قال: فوافقه قولي. فوضع رأسه ساعة ثمّ رفعه إليّ فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يحفظ دينه، وإنّي لئن لا أستخلف فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يستخلف، وإن أستخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف. قال: فوالله ما هو إلّا أن ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر فعلمت أنّه لم يكن ليعدل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا. وأنّه غير مستخلف» ) * «2» . 18- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان يفتي بالّذي أنزل الله- عزّ وجلّ- من الرّخصة بالتّمتّع وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه، فيقول ناس لابن عمر: كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟ فيقول لهم عبد الله: ويلكم ألا تتّقون الله إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير يلتمس به تمام العمرة، فلم تحرّمون ذلك وقد أحلّه الله وعمل به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أفرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحقّ أن تتّبعوا سنّته أم سنّة عمر؟. إنّ عمر لم يقل لكم إنّ العمرة في أشهر الحجّ حرام، ولكنّه قال: إنّ أتمّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحجّ» ) * «3» . 19- * (قال أبو موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ: من يتّبع القرآن يهبط به على رياض الجنّة) *» . 20- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك، ثمّ إنّ الله- عزّ وجلّ- قدّر علينا أن بلغنا ما ترون، فمن عرض له منكم قضاء بعد اليوم، فليقض بما في كتاب الله، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، فليقض بما قضى به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فليقض بما قضى به الصّالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ولا قضى به الصّالحون، فليجتهد رأيه ولا يقول: إنّي أخاف، وإنّي أخاف، فإنّ الحلال بيّن والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ) * «5» . 21- * (عن عبد الرّحمن بن يزيد قال: رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة، من بطن الوادي، بسبع   (1) البخاري- الفتح 3 (1573) واللفظ له، مسلم (1259) . (2) مسلم (1823) . (3) أحمد (2/ 95) . (4) تفسير ابن كثير (1/ 165) . (5) النسائي (8/ 230) واللفظ له وقال عقبه: هذا الحديث جيد، سنن الدارمي (1/ 71) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 حصيات يكبّر مع كلّ حصاة. قال: فقيل له: إنّ أناسا يرمونها من فوقها. فقال عبد الله بن مسعود: «هذا، والّذي لا إله غيره! مقام الّذي أنزلت عليه سورة البقرة» ) * «1» . 22- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: «قد أصبحتم على الفطرة وإنّكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الأوّل» ) * «2» . 23- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ. فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى، وإنّهنّ من سنن الهدى، ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم، ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم. وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة. ويرفعه بها درجة. ويحطّ عنه بها سيّئة. ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق معلوم النّفاق. ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ» ) * «3» . 24- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «من كان منكم مستنّا فليستنّ بمن قد مات، إنّ الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمّد كانوا أفضل هذه الأمّة: أبرّها قلوبا وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا. اختارهم الله لصحبة نبيّه ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتّبعوهم على أثرهم وسيرتهم فإنّهم كانوا على الهدى المستقيم» ) * «4» . 25- * (عن جبير بن نفير؛ قال: خرجت مع شرحبيل بن السّمط إلى قرية، على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا مع جماعة. فصلّى ركعتين. فقلت له: فقال: رأيت عمر صلّى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فقال: إنّما أفعل كما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل» ) * «5» . 26- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه- «أنّه سمع عمر- رضي الله عنه- يقول: فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً الآية إلى قوله: وَأَبًّا. قال: كلّ هذا قد عرفناه فما الأبّ؟. ثمّ رمى عصا كانت في يده ثمّ قال: «هذا لعمر الله التّكلّف» . اتّبعوا ما بيّن لكم من هذا الكتاب) * «6» . 27- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «السّنّة، والّذي لا إله إلّا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإنّ أهل السّنّة كانوا أقلّ النّاس فيما مضى، وهم أقلّ النّاس فيما بقى: الّذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنّتهم حتّى لقوا ربّهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا» ) * «7» . 28- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله   (1) مسلم (1296) . (2) الفتح (13/ 267) . (3) مسلم (654) . (4) إغاثة اللهفان (1/ 159) . (5) مسلم (692) . (6) الفتح (13/ 285) وعزاه الحافظ لمسند عبد بن حميد. وأصل الحديث في البخاري 13 (7293) . (7) إغاثة اللهفان (1/ 70) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 تعالى- في قوله تعالى-: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ. قال: «وكان علامة حبّه إيّاهم اتّباع سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» وفي موضع آخر: «فقد جعلت علامة حبّهم الله اتّباع رسوله» ) * «1» 29- * (قال محمّد بن سيرين: كانوا يرون أنّه على الطّريق ما كان على الأثر) * «2» . 30- * (قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: «في قول الله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً يعني أئمّة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا» ) * «3» . 31- * (قال عبّاد بن عبّاد الخوّاصّ الشّاميّ رحمه الله تعالى-: «اعقلوا، والعقل نعمة، فربّ ذي عقل قد شغل قلبه بالتّعمّق فيما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه، حتّى صار عن ذلك ساهيا. من فضل عقل المرء ترك النّظر فيما لا نظر فيه حتّى يكون فضل عقله وبالا عليه في ترك مناقشة من هو دونه في الأعمال الصّالحة، أو رجل شغل قلبه ببدعة قلّد فيها دينه رجالا دون أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو اكتفى برأيه فيما لا يرى الهدى إلّا فيها، ولا يرى الضّلالة إلّا تركها بزعم أنّه أخذها من القرآن، وهو يدعو إلى فراق القرآن، أفما كان للقرآن حملة قبله وقبل أصحابه يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه؟ وكانوا منه على منار أوضح الطّريق، وكان القرآن إمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إماما لأصحابه، وكان أصحابه أئمّة لمن بعدهم، رجال معروفون منسوبون في البلدان متّفقون في الرّدّ على أصحاب الأهواء مع ما كان بينهم من الاختلاف، وتسكّع أصحاب الأهواء برأيهم في سبل مختلفة جائرة عن القصد مفارقة للصّراط المستقيم، فتوّهت بهم أدلّاؤهم في مهامه «4» مضلّة فأمعنوا فيها متعسّفين في هيأتهم كلّما أحدث لهم الشّيطان بدعة في ضلالتهم انتقلوا منها إلى غيرها، لأنّهم لم يطلبوا أثر السّالفين، ولم يقتدوا بالمهاجرين، وقد ذكر عن عمر أنّه قال لزياد: هل تدري ما يهدم الإسلام؟ زلّة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمّة مضلّون» ) * «5» . 32- * (قال ميمون بن مهران- رحمه الله تعالى-: «كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الأمر سنّة قضى به، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى في ذلك بقضاء؟ فربّما اجتمع إليه النّفر كلّهم يذكر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه قضاء فيقول أبو بكر: الحمد لله الّذي جعل فينا من يحفظ على نبيّنا، فإن أعياه أن يجد فيه سنّة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع   (1) أصول الاعتقاد (1/ 70) . (2) سنن الدارمي (1/ 66) حديث 140. (3) البخاري- الفتح (13/ 248) . (4) المهامه: جمع مهمهة وهي المفازة، والمعنى في طرق بعيدة مضلة. (5) سنن الدارمي (1/ 166) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 رءوس النّاس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به» ) * «1» . 33- قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «شهدت شريحا- وجاءه رجل من مراد- فقال: يا أبا أميّة، ما دية الأصابع؟ قال: عشر عشر. قال: يا سبحان الله أسواء هاتان؟ جمع بين الخنصر والإبهام. فقال شريح: يا سبحان الله! أسواء أذنك ويدك؟ فإنّ الأذن يواريها الشّعر والكمّة «2» ، فيها نصف الدّية، وفي اليد نصف الدّية. ويحك! إنّ السّنّة سبقت قياسكم، فاتّبع ولا تبتدع، فإنّك لن تضلّ ما أخذت بالأثر. ثمّ قال لي الشّعبيّ: يا هذليّ، لو أنّ أحنفكم قتل، وهذا الصّبيّ في مهده أكان ديتهما سواء؟. قلت: نعم. قال: فأين القياس» ) * «3» . 34- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «سنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وولاة الأمور بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوّة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النّظر فيما خالفها. من اقتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر فهو منصور، ومن خالفها واتّبع غير سبيل المؤمنين ولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا» ) * «4» . 35- * (عن أبي الصّلت، قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: «أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنّته، وكفوا مئونته، فعليك بلزوم السّنّة فإنّها لك بإذن الله عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والتّعمّق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم؛ فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفّوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم: إنّما حدث بعدهم. ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير بإذن الله وقعت، فاعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهليّة الجهلاء، يتكلّمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثمّ لم يزده الإسلام بعد إلّا شدّة، ولقد ذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلّموا به في   (1) سنن الدارمي (1/ 70) . (2) الكمّة: القلنسوة. (3) سنن الدارمي (1/ 77) . (4) إغاثة اللهفان (1/ 159) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربّهم، وتضعيفا لأنفسهم، أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنّه مع ذلك لفي محكم كتابه منه اقتبسوه، ومنه تعلّموه. ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا، ولم قال: كذا؟. لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك كلّه بكتاب وقدر، وكتبت الشّقاوة، وما يقدّر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا، ثمّ رغبوا بعد ذلك ورهبوا» ) * «1» 36- * (قال الزّهريّ- رحمه الله تعالى-: «كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسّنّة نجاة والعلم يقبض قبضا سريعا، فعيش العلم ثبات الدّين والدّنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كلّه» ) * «2» . 37- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: خمس كان عليها أصحاب محمّد والتّابعون بإحسان: لزوم الجماعة، واتّباع السّنّة، وعمارة المساجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله» ) * «3» . 38- * (وقال أيضا: «ندور مع السّنّة حيث دارت» ) * «4» . 39- * (قال أبو الزّناد- رحمه الله تعالى-: «إنّ السّنن ووجوه الحقّ لتأتي كثيرا على خلاف الرّأي، فما يجد المسلمون بدّا من اتّباعها» ) * «5» 40- * (قال سفيان- رحمه الله تعالى-: «اسلكوا سبيل الحقّ ولا تستوحشوا من قلّة أهله» ) * «6» . 41- * (قال أبو شامة- رحمه الله تعالى-: «حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحقّ واتّباعه، وإن كان المتمسّك به قليلا والمخالف له كثيرا» ) * «7» . 42- * (قال أبو عثمان الحيريّ: «من أمّر السّنّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة، قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا» ) * «8» . 43- * (قال أبو حفص: «من لم يزن أفعاله وأحواله في كلّ وقت بالكتاب والسّنّة ولم يتّهم خواطره، فلا يعدّ في ديوان الرّجال» ) * «9» . 44- * (قال أبو بكر التّرمذيّ: «لم يجد أحد تمام الهمّة بأوصافها إلّا أهل المحبّة، إنّما أخذوا ذلك باتّباع السّنّة ومجانبة البدعة، فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كان أعلى الخلق كلّهم همّة وأقربهم زلفى» ) * «10» . 45- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:   (1) أبو داود (4612) . وقال الألباني (3/ 873) : صحيح مقطوع. (2) الدارمي (1/ 58) برقم (96) . (3) أصول الاعتقاد (1/ 64) . (4) المرجع السابق نفسه. (5) البخاري- الفتح (4/ 225) . (6) الاعتصام (1/ 34) . (7) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 69) (8) الاعتصام (1/ 96) . (9) مدارج السالكين (2/ 464) . (10) الاعتصام (1/ 92) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 «كان عمر- رضي الله عنه- يهمّ بالأمر ويعزم عليه فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انتهى» ) * «1» . 46- * (قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الصّحابة كانوا مقتدين بنبيّهم صلّى الله عليه وسلّم مهتدين بهديه، وقد جاء مدحهم في القرآن الكريم، وأثنى على متبوعهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم وإنّما كان خلقه صلّى الله عليه وسلّم القرآن، فقال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فالقرآن إنّما هو المتبوع على الحقيقة، وجاءت السّنّة مبيّنة له، فالمتّبع للسّنّة متّبع للقرآن. والصّحابة كانوا أولى النّاس بذلك، فكلّ من اقتدى بهم فهو من الفرقة النّاجية الدّاخلة للجنّة بفضل الله، وهو معنى قوله عليه الصّلاة والسّلام «ما أنا عليه وأصحابي» فالكتاب والسّنّة هو الطّريق المستقيم، وما سواهما من الإجماع وغيره فناشيء عنهما» ) * «2» . 47- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «كلّ صاحب مخالفة من شأنه أن يدعو غيره إليها، ويحضّ سؤّاله بل سواه عليها، إذ التّأسّي في الأفعال والمذاهب موضوع طلبه في الجبلّة، وبسببه تقع من المخالف المخالفة، وتحصل من الموافق الموافقة، ومنه تنشأ العداوة والبغضاء للمختلفين» ) * «3» . 48- * (قال بعض السّلف- رحمهم الله تعالى جميعا-: «لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتّى يتربّع في الهواء فلا تغترّوا به، حتّى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنّهي وحفظ الحدود» ) * «4» . من فوائد (الاتباع) (1) دليل المحبّة الكاملة ويجلب محبّة الله لعبده. (2) الاتّباع مجلبة لرحمة الله تعالى ومغفرته ورضوانه. (3) الاتّباع دليل الفلاح والهداية وقبول التّوبة. (4) يجلب التّأييد والنّصر والتّمكين والعزّة والفلاح. (5) يحصل للعبد به السّعادة وطيب العيش في الدّارين. (6) الخروج من هوى النّفس وعبادة الذّات. (7) ضمان السّلامة والأمن من الخطأ لعصمة المتبوع صلّى الله عليه وسلّم. (8) السّلامة من الاعتراض والأمن من الانتقاد. (9) صاحبه من أئمّة الهدى فيكثر أجره بمقدار ما يكثر تابعه. (10) الاتّباع فيما تركه صلّى الله عليه وسلّم حكمه كحكم اتّباعه فيما فعله صلّى الله عليه وسلّم. (11) الاتّباع لا يكون إلّا للصّالحين المتّقين الّذين يقرءون القرآن ويعملون به. (12) لا يجوز اتّباع الكذّابين وطلّاب السّلطة الّذين يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم.   (1) إغاثة اللهفان (1/ 136) . (2) الاعتصام للشاطبي (2/ 252) . (3) المرجع السابق (1/ 23) . (4) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 124) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 الاجتماع الاجتماع لغة: جمع الشّيء: ألّف متفرّقه، وأصل المعنى الضّمّ، قال ابن فارس: الجيم والميم والعين، أصل واحد يدلّ على تضامّ الشّيء، يقال: جمعت الشّيء جمعا، وتجمّع القوم، اجتمعوا من هنا وهنا، واجتمع القوم: انضمّوا، وهو ضدّ تفرّقوا. وجمع أمره وأجمعه وأجمع عليه: عزم عليه كأنّه جمع نفسه له، والأمر مجمع، ويقال أيضا: أجمع أمرك ولا تدعه منتشرا وأجمعت الشّيء: جعلته جميعا، (أي مجتمعا) ، ويقال: جمّع النّاس تجميعا: شهدوا الجمعة وقضوا الصّلاة فيها. وجمّع: شدّد للكثرة. يقال: فلاة مجمعة ومجمّعة: يجتمع النّاس فيها ولا يتفرّقون. وأجمع القوم: اتّفقوا، وأجمع الرّأي والأمر: عزم عليه» . قال الشّيخ أحمد شاكر في قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا: أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التّفرّق، وقد وردت الأحاديث المتعدّدة بالنّهي عن التّفرّق، والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنّة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 22/ 13 ومسلّمة من عذاب النّار، وهم الّذين على ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه «2» . واصطلاحا: لا يختلف معنى الاجتماع في الشّرع عن المعنى الّذي يفيده في أصل اللّغة. وهو أن يلتقي المسلمون وينضمّ بعضهم إلى بعض ولا يتفرّقوا، أمّا الأمر الّذي يجتمعون حوله فهو كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وقال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران/ 103) : إنّ الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة لأنّ الفرقة هلكة والجماعة نجاة، روي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في الآية الكريمة أنّ حبل الله هو الجماعة «3» . قال القرطبيّ: ويجوز أن يكون المعنى: ولا تفرّقوا متابعين الهوى والأغراض المختلفة بدليل قوله تعالى بعد ذلك: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً. وليس في الآية دليل على تحريم الاختلاف في الفروع؛ لأنّ الاختلاف ما يتعذّر معه الائتلاف والجمع، وليست كذلك مسائل الاجتهاد؛   (1) انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس (9/ 47- 48) ، ومعجم متن اللغة لأحمد رضا (1/ 568- 570) . واللسان (ج م ع) . (2) انظر عمدة التفسير لأحمد شاكر (3/ 16) . وراجع: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، المجلد الثاني، الجزء الرابع، (102- 103) . (3) تفسير القرطبي (4/ 159) بتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 لأنّ الاختلاف فيها يسبّب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشّرع، وما زالت الصّحابة- رضوان الله عليهم- يختلفون في أحكام الحوادث وهم مع ذلك متآلفون «1» . وقال ابن كثير- رحمه الله-: أمرهم الله- عزّ وجلّ- في الآية الكريمة بالجماعة ونهاهم عن الفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعدّدة بالنّهي عن التّفرّق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد ضمن الله لهم (أي للمسلمين) العصمة من الخطا عند اتّفاقهم (واجتماعهم) ، وخيف عليهم (الخطأ) عند الافتراق والاختلاف، فقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنّة ومسلّمة من النّار، وهم الّذين على ما كان عليه محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه «2» . وقال أبو حيّان: نهي المسلمون (في هذه الآية الكريمة) عن التّفرّق في الدّين والاختلاف فيه كما اختلف اليهود والنّصارى، وقيل: عن إحداث ما يوجب التّفرّق ويزول معه الاجتماع «3» . أهمية الاجتماع وحث الإسلام عليه: قال الشّافعيّ- رحمه الله-: وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصّلاة: صلّوا فرادى، ولا أحبّ أن يصلّوا فيه جماعة، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه. وإنّما كرهت ذلك لهم لأنّه ليس ممّا فعل السّلف قبلنا، بل قد عابه بعضهم. قال الشّافعيّ: وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنّما كان لتفرّق الكلمة، وأن يرغب الرّجل عن الصّلاة خلف إمام جماعة فيتخلّف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصّلاة، فإذا قضيت دخلوا فجمعوا، فيكون في هذا اختلاف وتفرّق كلمة «4» . قال الشّيخ أحمد شاكر- رحمه الله- معلّقا على كلام الشّافعيّ: والّذي ذهب إليه الشّافعيّ من المعنى في هذا الباب صحيح جليل، ينبيء عن نظر ثاقب، وفهم دقيق، وعقل درّاك لروح الإسلام ومقاصده، وأوّل مقصد للإسلام، ثمّ أجلّه وأخطره-: توحيد كلمة المسلمين، وجمع قلوبهم على غاية واحدة، هي إعلاء كلمة الله، وتوحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية. والمعنى الرّوحيّ في هذا اجتماعهم على الصّلاة وتسوية صفوفهم فيها أوّلا، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم» ، وهذا شيء لا يدركه إلّا من أنار الله بصيرته للفقه في الدّين، والغوص على درره، والسّموّ إلى مداركه، كالشّافعيّ وأضرابه. وقد رأى المسلمون بأعينهم آثار تفرّق جماعاتهم في الصّلاة، واضطراب صفوفهم، ولمسوا ذلك بأيديهم، إلّا من بطلت حاسّته، وطمس على بصره. وإنّك لتدخل كثيرا من مساجد المسلمين فترى قوما يعتزلون الصّلاة مع الجماعة، طلبا للسّنّة كما زعموا! ثمّ يقيمون جماعات أخرى لأنفسهم،   (1) تفسير القرطبي (4/ 159) . (2) تفسير ابن كثير (1/ 397) . (3) البحر المحيط (3/ 21) ، وقد ذكر آراء أخرى في تفسير هذه الآية، تنظر هناك. (4) الأم (1/ 136- 137) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 ويظنّون أنّهم يقيمون الصّلاة بأفضل ممّا يقيمها غيرهم، ولئن صدقوا فقد حملوا من الوزر ما أضاع أصل صلاتهم، فلا ينفعهم ما ظنّوه من الإنكار على غيرهم في ترك بعض السّنن أو المندوبات. وترى قوما آخرين يعتزلون مساجد المسلمين، ثمّ يتّخذون لأنفسهم مساجد أخرى، ضرارا وتفريقا للكلمة، وشقّا لعصا المسلمين. نسأل الله العصمة والتّوفيق، وأن يهدينا إلى جمع كلمتنا، إنّه سميع الدّعاء. وهذا المعنى الّذي ذهب إليه الشّافعيّ لا يعارض حديث الباب «1» ، فإنّ الرّجل الّذي فاتته الجماعة لعذر، ثمّ تصدّق عليه أخوه من نفس الجماعة بالصّلاة معه- وقد سبقه بالصّلاة فيها- هذا الرّجل يشعر في داخلة نفسه كأنّه متّحد مع الجماعة قلبا وروحا، وكأنّه لم تفته الصّلاة. وأمّا النّاس الّذين يجمعون وحدهم بعد صلاة جماعة المسلمين فإنّما يشعرون أنّهم فريق آخر، خرجوا وحدهم، وصلّوا وحدهم. وقد كان عن تساهل المسلمين في هذا، وظنّهم أنّ إعادة الجماعة في المساجد جائزة مطلقا-: أن فشت بدعة منكرة في الجوامع العامّة، مثل الجامع الأزهر والمسجد المنسوب للحسين- رضي الله عنه- وغيرهما بمصر، وبلاد أخرى، فجعلوا في المسجد الواحد إمامين راتبين أو أكثر، ففي الجامع الأزهر- مثلا- إمام للقبلة القديمة، وآخر للقبلة الجديدة، ونحو ذلك في مسجد الحسين- رضي الله عنه-؛ وقد رأينا فيه أنّ الشّافعيّة لهم إمام يصلّي بهم الفجر في الغلس، والحنفيّون لهم آخر يصلّي الفجر بإسفار، ورأينا كثيرا من الحنفيّة من علماء وطلّاب وغيرهم ينتظرون إمامهم ليصلّي بهم الفجر، ولا يصلّون مع إمام الشّافعيّن، والصّلاة قائمة، والجماعة حاضرة، ورأينا فيهما وفي غيرهما جماعات تقام متعدّدة في وقت واحد، وكلّهم آثمون، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا، بل قد بلغنا أنّ هذا المنكر كان في الحرم المكّيّ، وأنّه كان يصلّي فيه أئمّة أربعة، يزعمونهم للمذاهب الأربعة، ولكنّا لم نر ذلك، إذ لم ندرك هذا العهد بمكّة، وإنّما حججنا في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرّحمن آل السّعود- يرحمه الله- وسمعنا أنّه أبطل هذه البدعة، وجمع النّاس في الحرم على إمام واحد راتب، ونرجو أن يوفّق الله علماء الإسلام لإبطال هذه البدعة من جميع المساجد في البلدان، بفضل الله وعونه، إنّه سميع الدّعاء «2» . [للاستزادة انظر: صفات: الألفة، الإخاء، التناصر، الاعتصام، التعاون على البر والتقوى، التعارف، حسن العشرة، حسن المعاملة. وفي ضد ذلك انظر صفات التفرق، التخاذل، التنازع، التعاون على الإثم والعدوان، الفتنة، سوء المعاملة، سوء الخلق] .   (1) المراد الحديث الذي أورده الترمذي في فضل صلاة الجماعة. (2) انظر: سنن الترمذي، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (1/ 431. 432) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 الآيات الواردة في الحث على «الاجتماع» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) «1» الآيات الواردة في الحث على «الاجتماع» معنى 2- * لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) «2» 3- * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «3» 4- إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (93) «4» 5- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) «5» 6- * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «6»   (1) آل عمران: 102- 104 مدنية (2) النساء: 114- 115 مدنية (3) الأنفال: 61- 63 مدنية (4) الأنبياء: 92- 93 مكية (5) المؤمنون: 51- 52 مكية (6) الروم: 31- 32 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 الأحاديث الواردة في (الاجتماع) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة ربّه، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق أخفى حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «2» . 3- * (عن وحشيّ بن حرب، أنّهم قالوا: يا رسول الله! إنّا نأكل ولا نشبع. قال: «فلعلّكم تأكلون متفرّقين؟» ، قالوا: نعم، قال: «فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه» ) * «3» . 4- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت في المنام أنّي أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي «4» إلى أنّها اليمامة، أو هجر. فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أنّي هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثمّ هززته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين. ورأيت فيها بقرا، والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير، وثواب الصّدق الّذي آتانا الله بعد يوم بدر» ) * «5» . 5- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرّ؟، قال: «نعم» .   (1) مسلم (2699) . (2) البخاري- الفتح 2 (660) ، ومسلم (1031) . (3) ابن ماجة (3286) واللفظ له، أبو داود (3764) ، وحسنه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3199) ، وهو في الصحيحة (664) . (4) الوهل: ما يذهب إليه وهم الإنسان. (5) البخاري. الفتح 6 (3622) واللفظ له، ومسلم (2272) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟. قال: «نعم، وفيه دخن «1» » . قلت: وما دخنه؟. قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر» . فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟. قال: «نعم، دعاة على أبواب جهنّم «2» ، من أجابهم إليها قذفوه فيها» . فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: «نعم، قوم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا» ، فقلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟. قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» ، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة، ولا إمام؟، قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتّى يدركك الموت وأنت على ذلك» ) * «3» . 6- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من ثلاثة في قرية، ولا بدو لا تقام فيهم الصّلاة إلّا قد استحوذ عليهم الشّيطان، فعليك بالجماعة؛ فإنّما يأكل الذّئب القاصية من الغنم» ) * «4» . 7- * (عن عرفجة، قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أتاكم، وأمركم جميع «5» على رجل واحد، يريد أن يشقّ عصاكم، أو يفرّق جماعتكم، فاقتلوه» ) * «6» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يد الله مع الجماعة» ) * «7» . 9- * (عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة- رضي الله عنهم- أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على أعواد منبره: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثمّ ليكوننّ من الغافلين» ) * «8» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرّجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، بضعا وعشرين درجة، وذلك أنّ أحدهم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ أتى المسجد، لا ينهزه «9» إلّا الصّلاة، لا يريد إلّا الصّلاة، فلم يخط خطوة إلّا رفع له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة حتّى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصّلاة ما كانت الصّلاة هي تحبسه «10» ، والملائكة يصلّون على أحدكم ما دام في مجلسه الّذي صلّى فيه، يقولون: اللهمّ ارحمه، اللهمّ اغفر له، اللهمّ تب عليه. ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث» ) * «11» .   (1) دخن: المراد، أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض ولا يزول خبثها. (2) دعاة على أبواب جهنم: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلالة، كالخوارج، والقرامطة وغيرهم. (3) مسلم (1847) . (4) أبو داود (547) ، والنسائي (2/ 106- 107) واللفظ لهما، والحاكم (1/ 246) ، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. (5) جميع: أي مجتمع. (6) مسلم (1852) . (7) الترمذي (2166) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (6/ 564) : حسن بشواهده. (8) البخاري- الفتح 1 (647) ، ومسلم (865) واللفظ له. (9) لا ينهزه: أي لا ينهضه ويقيمه. (10) المعنى: أنه يأخذ ثواب الصلاة ما دام في المسجد انتظارا لهذه الصلاة. (11) الفتح 1 (445) ، ومسلم (649) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 11- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعظم النّاس أجرا في الصّلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم، والّذي ينتظر الصّلاة حتّى يصلّيها مع الإمام أعظم أجرا من الّذي يصلّيها ثمّ ينام» ، وفي رواية أبي كريب: «حتّى يصلّيها مع الإمام في جماعة» ) * «1» . 12- * (عن عبد الرّحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- المسجد بعد صلاة المغرب، فقعد وحده، فقعدت إليه، فقال: يا ابن أخي، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من صلّى العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف اللّيل، ومن صلّى الصّبح في جماعة فكأنّما صلّى اللّيل كلّه» ) *» . 13- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (الاجتماع) معنى 14- * (عن عبد الله بن زيد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا فتح حنينا قسم الغنائم، فأعطى المؤلّفة قلوبهم فبلغه أنّ الأنصار يحبّون أن يصيبوا ما أصاب النّاس، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ ومتفرّقين فجمعكم الله بي؟» ، ويقولون: الله ورسوله أمنّ، فقال: «ألا تجيبوني» فقالوا: الله ورسوله أمنّ فقال: «أما إنّكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا» - لأشياء عدّدها- زعم عمرو أنّه لا يحفظها- فقال: «ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ الأنصار شعار، والنّاس دثار «4» ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك النّاس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «5» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله «6» جميعا ولا تفرّقوا. ويكره لكم: قيل وقال «7» ، وكثرة السّؤال «8» ، وإضاعة المال» ) * «9» . 16- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله   (1) الفتح 1 (445) ، ومسلم (649) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 1 (651) ، ومسلم (662) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 2 (645) ، ومسلم (656) . (4) الشعار: الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوقه، ومعنى الحديث: أن الأنصار هم البطانة والخاصة. (5) مسلم (1061) . (6) الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بآدابه. (7) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس. (8) كثرة السؤال: المراد به التنطع في المسائل، والإكثار من السؤال، الذي لا تدعو إليه الحاجة. (9) مسلم (1715) واللفظ له، وبعضه عند البخاري (5975) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 عنهما- أنّه سئل عن حجّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ، ثمّ أذّن في النّاس بالحجّ في العاشرة ... الحديث وفيه «وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله ... الحديث» ) * «1» . 17- * (عن مالك بن أنس- رحمه الله تعالى- بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 18- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيّها النّاس، إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا، فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب، حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا وكان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة، فإنّ الشّيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة، من سرّته حسنته، وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «3» . 19- * (عن جابر بن سمرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لن يبرح هذا الدّين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتّى تقوم السّاعة» ) * «4» . 20- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» ) * «5» . 21- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» ) * «6» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «والّذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثمّ آمر بالصّلاة فيؤذّن لها، ثمّ آمر رجلا فيؤمّ النّاس، ثمّ أخالف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم، والّذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنّه يجد عرقا سمينا أو مرماتين «7» حسنتين لشهد العشاء» ) * «8» .   (1) مسلم (1218) . (2) مالك في الموطأ، (ص 899) واللفظ له، وقال محقق «جامع الأصول» : وهو حديث حسن (جامع الأصول ص 277) . (3) الترمذي (2165) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. (4) مسلم (1922) . (5) البخاري- الفتح 10 (6026) ، ومسلم (2585) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 10 (6011) ، ومسلم (2586) واللفظ له. (7) مرماتين: تثنية مرماة، وهي ما بين ظلفي الشّاة (من اللّحم) . (8) البخاري- الفتح 1 (644) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاجتماع) 1- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يخطب ويقول: «يا أيّها النّاس، عليكم بالطّاعة والجماعة، فإنّهما حبل الله الّذي أمر به» ) * «1» . 2- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «اقضوا كما كنتم تقضون، فإنّي أكره الاختلاف، حتّى يكون النّاس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي» . فكان ابن سيرين يرى أنّ عامّة ما يروى عن عليّ الكذب) * «2» . 3- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً قال: «حبل الله الجماعة» ) * «3» . 4- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إنّ هذا الصّراط محتضر، تحضره الشّياطين، ينادون: يا عبد الله! هلمّ هذا هو الطّريق، ليصدّوا عن سبيل الله، فاعتصموا بحبل الله، فإنّ حبل الله القرآن» ) * «4» . 5- * (عن سماك بن الوليد الحنفيّ، أنّه لقي ابن عبّاس، فقال: «ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا، يشتموننا ويعتدون علينا في صدقاتنا، ألا نمنعهم؟، قال: لا. أعطهم. الجماعة الجماعة، إنّما هلكت الأمم الخالية بتفرّقها، أما سمعت قول الله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» ) * «5» . 6- * (عن الرّبيع في قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً: يقتل بعضكم بعضا، ويأكل شديدكم ضعيفكم، حتّى جاء الله بالإسلام، فألّف به بينكم، وجمع جمعكم عليه، وجعلكم عليه إخوانا» ) * «6» . 7- * (عن أبي العالية في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ، قال: بالإخلاص لله وحده، وَلا تَفَرَّقُوا، يقول: لا تعادوا عليه- يقول على الإخلاص- وكونوا عليه إخوانا» ) * «7» . 8- * (عن ابن زيد في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ، قال: الإسلام) * «8» . 9- * (ومن أقوال الشّعراء: تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسّرا ... وإذا افترقن تكسّرت أفرادا) *. 10- * (عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله (ابن مسعود) : «لقد رأيتنا وما يتخلّف عن الصّلاة إلّا   (1) الدر المنثور للسيوطي (2/ 285) . (2) البخاري- الفتح 7 (3707) . (3) الدر المنثور للسيوطي (2/ 285) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 منافق قد علم نفاقه، أو مريض (و) إن «1» كان المريض ليمشي بين رجلين حتّى يأتي الصّلاة، وقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمنا سنن الهدى الصّلاة في المسجد الّذي يؤذّن فيه» ) * «2» . 11- * (وقال ابن حجر- رحمه الله- في المحافظة على الجماعة (في الفجر والعشاء خاصّة) : «انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النّهار، وليختموا النّهار بالاجتماع على الطّاعة ويفتتحوه كذلك» ) * «3» . 12- * (نقل الطّيّبيّ عن بعضهم: «لعلّ الفائدة (من صلاة الجماعة) هي اجتماع المسلمين مصطفّين كصفوف الملائكة» ) * «4» . 13- * (عن سالم قال: سمعت أمّ الدّرداء تقول: «دخل عليّ أبو الدّرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله، ما أعرف من أمّة محمّد إلّا أنّهم يصلّون جميعا «5» » . قال ابن حجر: يصلّون جميعا: أي مجتمعين. قلت: كان هذا في آخر عهد عثمان فما بالنا بحالهم اليوم» ) * «6» . من فوائد (الاجتماع) 1- يعمل على تحقيق وعي الأمّة بفهم ذاتها فهما صحيحا، ممّا يساعد على توحيد أنماط التّفكير والسّلوك، وأساليب البحث والنّظر على أساس إسلاميّ صحيح. 2- يساعد المجتمع الإسلاميّ على مواجهة التّحدّيات. 3- يساعد على تحقيق الاتّصال الجماعيّ بالنّماذج الإسلاميّة المثاليّة. 4- يساعد المجتمع الإسلاميّ على التّحرّر من التّبعيّة الفكريّة والحضاريّة، والّتي تتولّد عن عدم فهم الذّات فهما صحيحا واعيا. 5- يساعد على صياغة ضمير المسلم صياغة صحيحة من أجل الإبداع الحضاريّ ويثير طاقاته الإبداعيّة، ويقدّم النّموذج الإسلاميّ السّليم للإنسان الحضاريّ. 6- يساعد على إبراز ما للإسلام من آثار عظيمة على المسلم؛ إذ يورثه القوّة والعزّة والمنعة. 7- تحقيق المفاهيم الإسلاميّة الحقيقيّة للأمّة، بعقيدتها وأخلاقها، ممّا يتبلور في النّهاية في شكل حضارة إسلاميّة حقيقيّة معبّرة عن   (1) إن هنا بمعنى: قد. (2) مسلم (654) ، وقد ترجم الإمام مسلم لهذا الحديث بقوله: باب صلاة الجماعة من سنن الهدى. مما يعني أن المراد بالصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه هي صلاة الجماعة. (3) فتح الباري (2/ 151) . (4) المرجع السابق (1/ 156) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق (1/ 162) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 المجتمع الإسلاميّ. 8- تحقيق الألفة والعدالة والمحبّة وكلّ العوامل المؤدّية إلى التّرابط في المجتمع الإسلاميّ. 9- المحافظة على التّراث الثّقافيّ واللّغة العربيّة (لغة القرآن) واستمرارها. 10- القضاء على العصبيّة القبليّة، وعدّ القاعدة الدّينيّة الاجتماعيّة أساسا يتّسع لجميع الأمم والشّعوب. 11- تتحقّق البركة في الاجتماع على الطّعام وغيره من أمور البرّ. 12- الاجتماع يحقّق مطلبا إسلاميّا أصيلا، حثّ عليه الإسلام في صلاة الجمعة، وصلاة الجماعة، وأداء الحجّ. 13- يؤدّي الاجتماع إلى تحقيق الألفة بين المسلمين وانتشار التّعارف فيما بينهم، وبذلك تتحقّق المودّة ويسود الإخاء ويعمّ التّعاون. 14- في الاجتماع تقوية لجانب المسلمين ورفع روحهم المعنويّة انطلاقا من الاعتقاد بأنّ يد الله مع الجماعة، ومن كانت يد الله معه كان واثقا من نصر الله- عزّ وجلّ-. 15- الاجتماع قوّة متجدّدة للفرد والأسرة والمجتمع، بل ولكلّ العالم الإسلاميّ. 16- الاجتماع يخيف الأعداء ويلقي الرّعب في قلوبهم ويجعلهم يخشون شوكة الإسلام والمسلمين، ومن ثمّ يكون في الاجتماع عزّة للمسلمين في كلّ مكان. 17- إنّ توحيد الصّفوف واجتماع الكلمة هما الدّعامة الوطيدة لبقاء الأمّة، ودوام دولتها، ونجاح رسالتها. 18- الاجتماع وسيلة من وسائل الأخلاق الفاضلة وذلك بانغماس الفرد في البيئات الصّالحة، ذلك لأنّ من طبيعة الإنسان أن يكتسب من البيئة الّتي ينغمس فيها، ويتعايش معها ومع ما لديها من أخلاق وعادات وسلوك. 19- بوجود الإنسان مع الجماعة تنشط روح المنافسة. 20- الاجتماع يذكي في الأفراد روح التّفوّق والرّغبة في إظهار ما لديهم من قدرات، وهذا الدّافع لا يتحرّك إلّا من خلال الجماعة. 21- في وجود الفرد داخل الجماعة وازع أساسيّ له كي يبتعد عن الرّذّائل خشية ما يصيبه من ضرر لو اطّلع الآخرون على هذه الصّفات القبيحة، ومن هنا يكون للاجتماع دوره الفعّال في مكافحة الجريمة والرّذيلة. 22- بالاجتماع وخاصّة مع الصّالحين والأسوياء ما يجعل المرء يشعر بأخلاق الجماعة ويحاول تقليدها واكتساب أخلاقها، ثمّ يتحمّس للدّفاع عنها. 23- في الاجتماع دواء ناجع لكثير من الأمراض النّفسيّة كالانطواء والقلق، إذ إنّ وجود المرء مع الآخرين يدفع عنه داء الانطواء ويذهب القلق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وخاصّة إذا علم أنّ إخوانه لن يتخلّوا عنه وقت الشّدّة فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه. 24- وأخيرا فإنّ مجالسة أهل الذّكر والاجتماع بهم وهم القوم لا يشقى جليسهم- غالبا ما يكون سببا لمغفرة الله- عزّ وجلّ- ورضوانه. 25- في الاجتماع طرد للشّيطان وإغاظة له لأنّه يهمّ بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة (وهو أقلّ الجمع) لم يهمّ بهم الشّيطان «1» ، كما أخبر المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.   (1) انظر الحديث رقم (6) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 الاحتساب الاحتساب لغة: الاحتساب مصدر احتسب وهو من مادّة (ح س ب) الّتي تدلّ في اللّغة على معان عديدة منها: العدّ، والكفاية «1» ، ومن المعنى الأوّل (العدّ) قولهم: حسبت الشّيء أحسبه حسبا وحسبانا، قال تعالى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (الرحمن/ 5) ، ومن الباب الحسب الّذي يعدّ من الإنسان، قال أهل اللّغة معناه أن يعدّ آباء أشرافا، ومن هذا الباب قولهم: احتسب فلان ابنه إذا مات كبيرا، وذلك أن يعدّه في الأشياء المذخورة له عند الله، والاسم: الحسبة وهو الأجر أو احتساب الأجر، وفلان حسن الحسبة بالأمر إذا كان حسن التّدبير، وهذا أيضا من الباب لأنّه إذا كان حسن التّدبير للأمر كان عالما بعداد كلّ شيء وموضعه من الرّأي والصّواب، ويقال: أحتسب بكذا أجرا عند الله، وفي الحديث: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا» . أي طلبا لوجه الله تعالى وثوابه، فالاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدّ، وإنّما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 28/ 25/ 7 لأنّ له حينئذ أن يعتدّ عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنّه معتدّ به، والحسبة: الأجر وهي اسم من الاحتساب كالعدّة من الاعتداد، وجمع الحسبة حسب، وأمّا قوله عزّ وجلّ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ فجائز أن يكون معناه: من حيث لا يقدّره ولا يظنّه كائنا، من حسبت أحسب أي ظننت، وجائز أن يكون مأخوذا من حسبت أحسب، أي من حيث لم يحسبه لنفسه رزقا ولا عدّه في حسابه، قال الأزهريّ: وإنّما سمّي الحساب في المعاملات حسابا لأنّه يعلم به ما فيه كفاية ليس فيه زيادة على المقدار، ومعنى قولهم: احتسب فلان ابنا له: اعتدّ مصيبته به في جملة بلايا الله الّتي يثاب على الصّبر عليها» . ومن المعنى الثّاني (أي الكفاية، قولهم: أحسبني الشّيء: كفاني، تقول أعطى فأحسب، أي أكثر حتّى قال: حسبي، وقال الفرّاء في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الأنفال/ 64) يكفيك الله ويكفي من اتّبعك «3» . وقال القرطبيّ: قيل: المعنى كافيك الله وكافي من اتّبعك «4» ، وفي   (1) لهذه المادة معنى ثالث هو الدّلالة على جنس من الألوان، ومنه الحسبة: غبرة في كدرة يقال: جمل أحسب وناقة حسباء وهو دون الورقة، وشعره أحسب: فيه سواد وغبرة. انظر المقاييس (2/ 61) والجمهرة لابن دريد (1/ 221) ولسان العرب (1/ 316) . (2) مقاييس اللغة (2/ 6) ، والنهاية لابن الأثير (1/ 382) ولسان العرب لابن منظور (1/ 314- 315) . (3) لسان العرب (1/ 312) (ط. بيروت) . (4) تفسير القرطبي (7/ 43) وقد روى الرأي الأول عن الحسن والآخر عن الشعبي وابن زيد واختاره الفراء كما ذكر ابن منظور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يحسبك أن تصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام» قال ابن الأثير: يكفيك ولو روي «بحسبك أن تصوم» أي كفايتك، أو كافيك، كقولهم: بحسبك قول السّوء (والباء زائدة) لكان وجها. والإحساب الكفاية، وفي أسماء الله تعالى: الحسيب وهو الكافي- فعيل بمعنى مفعل- من أحسبني الشّيء إذا كفاني، وقولهم: أحسبته (بالهمز) وحسّبته (بالتّشديد) أعطيته ما يرضيه حتّى يقول: «حسبي» «1» . وقول الله تعالى: فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (آل عمران/ 173) قال القرطبيّ في تفسيره «2» : المعنى كافينا الله من الإحساب وهو الكفاية، قال الشّاعر: فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وريّ روي عن ابن عبّاس في هذه الآية قال: قالها إبراهيم الخليل- عليه السّلام- حين ألقي في النّار، وقالها محمّد صلّى الله عليه وسلّم حين قال النّاس (من المنافقين، وقيل ركب عبد القيس الّذين مرّوا بأبي سفيان فدسّهم إلى المسلمين ليثبّطوهم) : إِنَّ النَّاسَ (أي أبو سفيان ومن معه) قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ «3» ، وقال الطّبريّ في قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ المعنى فإن تولّى يا محمّد هؤلاء الّذين جئتهم بالحقّ فأدبروا عنك ولم يقبلوا ما أتيتهم به من النّصيحة في الله فقل: حسبي الله (يعني) يكفيني ربّي لا إله إلّا هو لا معبود سواه، عليه توكّلت وبه وثقت، وعلى عونه اتّكلت، وإليه وإلى نصره استندت لأنّه ناصري ومعيني على من خالفني وتولّى عنّي منكم ومن غيركم من النّاس وهو ربّ العرش العظيم. الاحتساب اصطلاحا: قال الكفويّ: الاحتساب: هو طلب الأجر من الله تعالى بالصّبر على البلاء مطمئنّة نفس المحتسب غير كارهة لما نزل بها من البلاء «4» . وقال ابن الأثير: الاحتساب في الأعمال الصّالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتّسليم والصّبر، أو باستعمال أنواع البرّ والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثّواب المرجوّ منها «5» . إنّه إذا كان الاحتساب بمعناه الّذي ذكره الكفويّ، أو بمعنييه اللّذين ذكرهما ابن الأثير يعني أن يعدّ الإنسان صبره في المكاره وعمله الطّاعة ضمن ما له عند الله- عزّ وجلّ-، فإنّ اكتفاء الإنسان بالله تعالى وثقته به واتّكاله في نصرته على عونه كما يفهم من كلام الطّبريّ «6» ، نوع من الاحتساب، كما أنّ رضا   (1) النهاية لابن الأثير (1/ 381) وانظر اللسان (1/ 312) . (2) تفسير القرطبي (4/ 279- 282) باختصار وتصرف. (3) تفسير الطبري (7/ 56) باختصار. (4) في الأصل «مطمئنة نفسه غير كارهة له» وقد تصرفنا في العبارة بما يوضحها. انظر: الكليات للكفوي (ص 57) ، ويلاحظ أنه قد اقتصر على معنى واحد فقط للاحتساب وهو طلب الأجر عند الصبر على البلاء. (5) النهاية لابن الأثير (1/ 382) . (6) انظر: تفسير الطبرى لقوله تعالى في آخر سورة التوبة: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ... وقد نقلنا خلاصته آنفا فارجع إليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 العبد بما قسم له مع الاكتفاء به، كما يؤخذ من تفسير القرطبيّ لقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ (التوبة/ 59) احتساب أيضا «1» . من ثمّ يكون الاحتساب ثلاثة أنواع هي: 1- احتساب الأجر من الله تعالى عند الصّبر على المكاره، وخاصّة فقد الأبناء إذا كانوا كبارا. 2- احتساب الأجر من الله تعالى عند عمل الطّاعات يبتغى به وجهه الكريم كما في صوم رمضان إيمانا واحتسابا، وكذا في سائر الطّاعات. 3- احتساب المولى- عزّ وجلّ- ناصرا ومعينا للعبد عند تعرّضه لأنواع الابتلاء من نحو منع عطاء أو خوف وقوع ضرر، ومعنى الاحتساب في هذا النّوع الثّالث الاكتفاء بالمولى- عزّ وجلّ- ناصرا ومعينا والرّضا بما قسمه للعبد إن قليلا وإن كثيرا. [للاستزادة: انظر صفات: الإنابة- التوكل- الدعاء- الفرار إلى الله- الصبر والمصابرة- كظم الغيظ. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجزع- الحزن القنوط- الوهن- العجلة] .   (1) انظر تفسير القرطبي (8/ 167) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 الآيات الواردة في «الاحتساب» أولا: الاحتساب بمعنى الاكتفاء بالمولى- عز وجل- ناصرا ومعينا: 1- الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «1» 2- وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) «2» 3- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) «3» 4- وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) «4» 5- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «5» 6- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) «6» ثانيا: الاحتساب بالصبر على المكاره «الآيات الواردة بالمعنى» : 7- الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «7» 8- وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) «8» 9- وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «9» ثالثا: الاحتساب عند الطاعات: «الآيات الواردة بالمعنى» : 10- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) «10»   (1) آل عمران: 173 مدنية (2) الأنفال: 62 مدنية (3) الأنفال: 64 مدنية (4) التوبة: 59 مدنية (5) التوبة: 129 مدنية (6) الزمر: 38 مكية (7) البقرة: 156- 157 مدنية (8) النساء: 104 مدنية (9) الرعد: 22- 24 مدنية (10) البقرة: 207 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 11- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «1» 12- وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «2» 13- * لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) «3» 14- * لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) «4» 15- وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) «5» 16- يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) «6» 17- وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «7» 18- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) «8» 19- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) «9» 20- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)   (1) البقرة: 218 مدنية (2) البقرة: 265 مدنية (3) البقرة: 272 مدنية (4) النساء: 114 مدنية (5) هود: 29 مكية (6) هود: 51 مكية (7) الإسراء: 55- 57 مكية (8) الشعراء: 105- 109 مكية (9) الشعراء: 123- 127 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) «1» 21- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) «2» 22- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) «3» 23- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) » 24- يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) «5» 25- وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «6» الآيات الواردة في «الاحتساب» ولها معنى آخر 26- وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) «7» 27- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «8» 28- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) «9»   (1) الشعراء: 141- 145 مكية (2) الشعراء: 160- 164 مكية (3) الشعراء: 176- 180 مكية (4) فاطر: 29- 30 مكية (5) الإنسان: 7- 9 مكية (6) الليل: 17- 21 مكية (7) الزمر: 47 مكية (8) الحشر: 2 مدينة (9) الطلاق: 2- 3 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 الأحاديث الواردة في (الاحتساب) 1) الأحاديث الواردة في احتساب الطاعات: 1- * (عن أبيّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- فرض صيام رمضان، وسننت قيامه. فمن صامه وقامه احتسابا، خرج من الذّنوب كيوم ولدته أمّه» ) * «1» 2- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ المسلم إذا أنفق على أهله نفقة، وهو يحتسبها «2» ، كانت له صدقة «3» » ) * «4» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اتّبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتّى يصلّى عليها ويفرغ من دفنها فإنّه يرجع من الأجر بقيراطين، كلّ قيراط مثل أحد، ومن صلّى عليها ثمّ رجع قبل أن تدفن فإنّه يرجع بقيراط» ) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «6» . (2) الأحاديث الواردة في احتساب المكاره: 5- * (عن أسامة- رضي الله عنه- قال: أرسلت ابنة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليه أنّ ابنا لي قبض فأتنا، فأرسل يقرىء السّلام ويقول: «إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكلّ عنده بأجل مسمّى، فلتصبر ولتحتسب «7» ... الحديث) * «8» . 6- * (عن حميد قال: سمعت أنسا يقول: أصيب حارثة يوم بدر- وهو غلام- فجاءت أمّه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة منّي، فإن يك في الجنّة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى «9» ما أصنع؟. فقال: «ويحك- أو هبلت «10» - أو جنّة واحدة هي؟ إنّها جنان كثيرة، وإنّه لفي جنّة الفردوس» ) * «11» . 7- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قام فيهم فذكر لهم «أنّ الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال» فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله   (1) أحمد في المسند (3/ 660) ، وقال محققه: إسناده صحيح. (2) يحتسبها: أي يقصد بها طلب الثواب. (3) صدقة: أي يثاب عليها كما يثاب على الصدقة. (4) مسلم (1002) . (5) البخاري- الفتح 1 (47) واللفظ له، ومسلم (945) . (6) البخاري- الفتح 1 (38) ، ومسلم (760) واللفظ له. (7) ولتحتسب: أي تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها ليحسب لها ذلك من عملها الصالح. (8) البخاري- الفتح 3 (1284) واللفظ له. ومسلم (923) . (9) كذا في نص البخاري «ترى» لكن في شرح ابن حجر (11/ 430) «تر» بالجزم جوابا للشرط. وقال ابن حجر كذا للكشميهني جواب الشرط ولغيره (ترى) بالإشباع أو بحذف شيء تقديره سوف كما في الرواية الآتية في آخر هذا الباب وإلا سوف ترى والمعنى وإن لم يكن من الحسبة صنعت شيئا من صنيع أهل الحزن مشهورا يرد كل أحد ... (10) هبلت: بفتح الهاء وكسر الباء استعارة لفقد العقل مما أصابها من الثكل بولدها كأنه قال: أفقدت عقلك بفقد ابنك حتى جعلت الجنان جنة واحدة؟ (11) البخاري- الفتح 11 (6550) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 تكفّر عنّي خطاياي؟. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف قلت» ، قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلّا الدّين، فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك» ) * «1» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيّه «2» من أهل الأرض فصبر واحتسب، وقال ما أمر به بثواب دون الجنّة» ) * «3» 9- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة، فكان لا تخطئه الصّلاة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فتوجّعنا له. فقلت له: يا فلان لو أنّك اشتريت حمارا يقيك من الرّمضاء، ويقيك من هوامّ الأرض. قال: أما والله! ما أحبّ أنّ بيتي مطنّب «4» ببيت محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قال: فحملت به حملا «5» حتّى أتيت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته. قال: فدعاه، فقال له مثل ذلك، وذكر له أنّه يرجو في أثره «6» الأجر، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لك ما احتسبت» ) * «7» . 10- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله سبحانه: ابن آدم! إن صبرت واحتسبت عند الصّدمة الأولى، لم أرض لك ثوابا دون الجنّة» ) * «8» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدّنيا ثمّ احتسبه إلّا الجنّة» ) * «9» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة: عيسى ابن مريم. وصاحب جريج. وكان جريج رجلا عابدا. فاتّخذ صومعة. فكان فيها. فأتته أمّه وهو يصلّي فقالت: يا جريج! فقال: يا ربّ! أمّي وصلاتي. فأقبل على صلاته فانصرفت. فلمّا كان من الغد أتته وهو يصلّي. فقالت: يا جريج! فقال: يا ربّ أمّي وصلاتي. فأقبل على صلاته. فلمّا كان من الغد أتته وهو يصلّي. فقالت: يا جريج! فقال: أي ربّ! أمّي وصلاتي فأقبل على صلاته. فقالت: اللهمّ لا تمته حتّى ينظر إلى وجوه   (1) مسلم (1885) . (2) صفيه: خليله وصديقه. (3) النسائي (4/ 23) ، وقال محقق جامع الأصول (6/ 434) : إسناده حسن. (4) مطنّب ببيت محمد: أي مشدود بالأطناب أي ما أحب أن يكون بيتي إلى جانب بيته لأني أحتسب عند الله كثرة خطاي من بيتي إلى المسجد (النهاية 3/ 140) . (5) فحملت به حملا: معناه إنه عظم علي وثقل واستعظمته لبشاعة لفظه وهمّني ذلك، وليس المراد الحمل على الظهر. (6) في أثره: أي في ممشاه. (7) مسلم (663) . (8) ابن ماجه (1597) ، وفي الزوائد: إسناد حديث أبي أمامة صحيح ورجاله ثقات. (9) البخاري- الفتح 11 (6424) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 المومسات «1» فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته. وكانت امرأة بغيّ يتمثّل بحسنها «2» . فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم. قال فتعرّضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها. فوقع عليها. فحملت. فلمّا ولدت قالت: هو من جريج. فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه. فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغيّ. فولدت منك. فقال: أين الصّبيّ؟ فجاءوا به. فقال: دعوني حتّى أصلّي. فصلّى. فلمّا انصرف أتى الصّبيّ فطعن في بطنه وقال: يا غلام! من أبوك؟ قال: فلان الرّاعي. قال: فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به. وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب. قال: لا. أعيدوها من طين كما كانت. ففعلوا. وبينا صبيّ يرضع من أمّه. فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة وشارة حسنة «3» . فقالت أمّه! اللهمّ! اجعل ابني مثل هذا. فترك الثّدي وأقبل إليه فنظر إليه. فقال: اللهمّ! لا تجعلني مثله. ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع. قال: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه. فجعل يمصّها. قال: ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت. سرقت. وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمّه: اللهمّ! لا تجعل ابني مثلها. فترك الرّضاع ونظر إليها. فقال: اللهمّ! اجعلني مثلها. فهناك تراجعا الحديث. فقالت: حلقى «4» ! مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ! اجعل ابني مثله. فقلت: اللهمّ! لا تجعلني مثله، ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت. سرقت فقلت: اللهمّ! لا تجعل ابني مثلها. فقلت: اللهمّ! اجعلني مثلها «5» . قال: إنّ ذاك الرّجل كان جبّارا. فقلت: اللهمّ! لا تجعلني مثله وإنّ هذه يقولون لها: زنيت ولم تزن. وسرقت. ولم تسرق فقلت: اللهمّ! اجعلني مثلها» ) * «6» . الأحاديث الواردة في (الاحتساب) معنى 13- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟. فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟. فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟. فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد» ) *» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بابن لها، فقالت: يا رسول الله! إنّه يشتكي وإنّي أخاف عليه، قد دفنت ثلاثة، قال:   (1) المومسات: الزواني البغايا المتجاهرات بذلك. (2) يتمثل بحسنها: أي يضرب به المثل لانفرادها به. (3) فارهة: النشيطة الحادة القوية. شارة: الهيئة واللباس. (4) حلقى: أي أصابه الله بوجع في حلقه. (5) مثلها: أي سالما من المعاصي كما هي سالمة. (6) البخاري- الفتح 6 (3436) ، ومسلم (2550) واللفظ له. (7) الترمذي (1021) ، وحسن إسناده الألباني صحيح الترمذي (814) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 «لقد احتظرت «1» بحظار شديد من النّار» ) * «2» . 15- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟. قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟. فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم، فغضبت. وقالت كلمة: كذبت يا عمر، كلّا والله كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم. وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله وأيم الله «3» لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال: فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله إنّ عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» . قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «4» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . 16- * (عن صهيب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن؟ إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له» ) * «6» . 17- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قالت النّساء للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غلبنا عليك الرّجال، فاجعل لنا يوما من نفسك. فوعدهنّ يوما لقيهنّ فيه فوعظهنّ وأمرهنّ، فكان فيما قال لهنّ: «ما منكنّ امرأة تقدّم ثلاثة من ولدها إلّا كان لها حجابا من النّار» . فقالت امرأة: واثنين؟. فقال: «واثنين» ) * «7» . 18- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلّا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النّار سبعين خريفا» ) * «8» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم «9» » ) * «10» . 20- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنهما- قالت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم   (1) احتظرت: أي امتنعت بمانع وثيق. (2) مسلم (2636) . (3) وأيم الله، من ألفاظ القسم وأصلها أيمن الله ثم حذفت النون، تخفيفا لكثرة الاستعمال وأصل الجملة وأيمن الله قسمي ثم حذف الخبر. (4) أرسالا: أفواجا. (5) البخاري- الفتح 7 (3136) ، ومسلم (2503) واللفظ له. (6) مسلم (2999) . (7) البخاري- الفتح 1 (101) واللفظ له، ومسلم (2633) . (8) البخاري- الفتح 6 (2840) ، مسلم (1153) . (9) إلا تحلة القسم: أي ما ينحل به القسم وهو اليمين. وتحلة القسم هي تحلة قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها (مريم: 71) ، والقسم قوله تعالى فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ (مريم: 68) . (10) البخاري- الفتح 3 (1251) ، ومسلم (2632) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. اللهمّ اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلّا أخلف الله له خيرا منها» . قالت: فلمّا مات أبو سلمة، قلت: أيّ المسلمين خير من أبي سلمة، أوّل بيت هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ إنّي قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث) * «1» 21- * (عن أبي سعيد الخدريّ وأبي هريرة رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب «2» ولا وصب «3» ولا همّ، ولا حزن، ولا أذّى، ولا غمّ- حتّى الشّوكة يشاكها- إلّا كفّر الله بها من خطاياه» ) * «4» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاحتساب) 22- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يوعك «5» فوضعت يدي عليه، فوجدت حرّه بين يديّ، فوق اللّحاف. فقلت: يا رسول الله ما أشدّها عليك!. قال: «إنّا كذلك، يضعّف لنا البلاء، ويضعّف لنا الأجر» . قلت: يا رسول الله أيّ النّاس أشدّ بلاء؟. قال: «الأنبياء» ، قلت: يا رسول الله! ثمّ من؟. قال: «ثمّ الصّالحون. إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر، حتّى ما يجد أحدهم إلّا العباءة يحوّيها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرّخاء» ) * «6» . 23- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين «7» ، وكان ظئرا «8» لإبراهيم «9» ، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه، ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه «10» ، فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان، فقال له عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله!. فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة» ثمّ أتبعها بأخرى «11» ، فقال رسول   (1) مسلم (918) . (2) النصب: التعب. (3) الوصب: الوجع. (4) البخاري. الفتح 10 (5641، 5642) واللفظ له، مسلم (2573) . (5) يوعك: من الوعك- ساكن العين- وهو: أذى الحمى ووجعها في البدن، وقيل: هو الألم يجده الإنسان من شدة التعب. (6) ابن ماجه (4024) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح، وبعضه في الصحيحين الفتح 10 (5648) ، مسلم (2571) من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه. (7) القين: الحداد. (8) الظئر: المرضعة ولد غيرها، وزوجها ظئر لذلك الرضيع. (9) هو إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (10) يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ما له، وقد ضبطت «النفس» بفتح الفاء في فتح الباري لكن عبارة ابن حجر توحي بأنه «يجود بنفسه» ساكن الفاء بدليل عود الضمير عليها في الشرح مؤنثا. (11) أتبعها بأخرى أي أتبع الدمعة بدمعة أخرى، وقيل أتبع الجملة الأولى المجملة وهي قوله إنها رحمة بكلمة أخرى مفصلة وهي قوله: إن العين تدمع ... إلخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ) * «1» . 24- * (عن جندب بن سفيان- رضي الله عنه- قال: دميت «2» إصبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض تلك المشاهد فقال: « هل أنت إلّا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت » ) * «3» . 25- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاحتساب) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: «أيّها النّاس، احتسبوا أعمالكم، فإنّ من احتسب عمله، كتب له أجر عمله وأجر حسبته» ) * «5» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ما من مسلم له ولدان مسلمان يصبح إليهما محتسبا إلّا فتح الله له بابين، يعني من الجنّة، وإن كان واحد فواحد» ) * «6» . 3- * (قال خبيب- رضي الله عنه- عند ما أراد قتله بنو الحارث بن عامر بن نوفل: فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع » ) * «7» . 4- * (قال وكيع- رحمه الله- بعد حديث عديّ بن حاتم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما منكم من رجل إلّا سيكلّمه ربّه يوم القيامة وليس بينه وبينه ترجمان ... الحديث» «8» ، قال: «من كان هاهنا من أهل خراسان، فليحتسب في إظهار هذا الحديث، لأنّ الجهميّة ينكرون ذلك» ) * «9» . 5- * (وقال الماورديّ في سياق تفسير هذه الآية يعني إذا أصابتهم مصيبة في نفس أو أهل أو مال قالوا: إنّا لله: أي نفوسنا وأهلونا وأموالنا لله، لا يظلمنا فيما يصنعه بنا وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ يعني بالبعث في ثواب المحسن ومعاقبة المسيء) «10» . 6- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أي   (1) البخاري- الفتح 3 (1303) واللفظ له، مسلم (2315) . (2) دميت: أي جرحت وخرج منها الدم. (3) البخاري- الفتح 10 (6146) ، مسلم (1796) واللفظ له. وهذان قسمان من رجز والتاء في آخرهما مكسورة على وفق الشعر. (4) البخاري- الفتح 6 (3477) ، مسلم (1792) واللفظ له. (5) لسان العرب (1/ 315) . (6) الأدب المفرد للبخاري (ص 4) . (7) البخاري- الفتح 7 (3989) . (8) البخاري- الفتح 13 (7512) ، ومسلم (1016) . (9) الترمذي (4/ 2415) . (10) تفسير الماوردي (1/ 210) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 تسلّوا بقولهم هذا عمّا أصابهم وعلموا أنّهم ملك لله يتصرّف في عبيده بما يشاء. وعلموا أنّه لا يضيع لديه مثقال ذرّة يوم القيامة فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنّهم عبيده وأنّهم إليه راجعون في الدّار الآخرة» ) *» . 7- * (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ قال: من استطاع أن يستوجب لله في مصيبته ثلاثا (الصّلاة والرّحمة والهدى) فليفعل ولا قوّة إلّا بالله. فإنّه من استوجب على الله حقّا بحقّ أحقّه الله له، ووجد الله وفيّا) «2» . من فوائد (الاحتساب) (1) طريق موصل إلى محبّة الله ورضوانه. (2) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (3) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (4) حصول السّعادة في الدّارين. (5) الاحتساب في الطّاعات يجعلها خالصة لوجه الله تعالى وليس لها جزاء إلّا الجنّة. (6) الاحتساب في المكاره يضاعف أجر الصّبر عليها. (7) الاحتساب يبعد صاحبه عن شبهة الرّياء ويزيد من ثقته بربّه. (8) الاحتساب في المكاره يدفع الحزن ويجلب السّرور ويحوّل ما يظنّه الإنسان نقمة إلى نعمة. (9) الاحتساب في الطّاعات يجعل صاحبه قرير العين مسرور الفؤاد بما يدّخره عند ربّه فيتضاعف رصيده الإيمانيّ وتقوى روحه المعنويّة. (10) الاحتساب دليل الرّضا بقضاء الله وقدره، ودليل على حسن الظّنّ بالله تعالى.   (1) تفسير ابن كثير (1/ 198) . (2) الدر المنثور (1/ 377- 378) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 الإحسان الإحسان لغة: ضدّ الإساءة، ورجل محسن ومحسان، الأخيرة عن سيبويه. والمحاسن في الأعمال: ضدّ المساويء. وقوله تعالى وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ (الرعد/ 22) ، أي يدفعون بالكلام الحسن ما ورد عليهم من سيّء غيرهم. وحسّنت الشّيء تحسينا: زيّنته، وأحسنت إليه وبه، وروى الأزهريّ عن أبي الهيثم أنّه قال في قوله تعالى في قصّة يوسف، على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ (يوسف/ 100) أي قد أحسن إليّ «1» . الإحسان اصطلاحا: يختلف معنى الإحسان اصطلاحا باختلاف السّياق الّذي يرد فيه، فإذا اقترن بالإيمان والإسلام كان المراد به: الإشارة إلى المراقبة وحسن الطّاعة، وقد فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك عند ما سأله جبريل: ما الإحسان؟ فقال: «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك..» أمّا إذا ورد «الإحسان» مطلقا فإنّ المراد به الآيات/ الأحاديث/ الآثار 66/ 29/ 6 فعل ما هو حسن، والحسن وصف مشتقّ من الحسن الّذي يراد به اصطلاحا- فيما يقول الجرجانيّ: «ما يكون متعلّق المدح في العاجل والثّواب في الآجل» «2» ، وذهب التّهانويّ إلى أنّ لفظ الحسن يطلق ويراد به- اصطلاحا- واحد من أمور ثلاثة: الأوّل: كون الشّيء ملائما للطّبع وضدّه القبح بمعنى كونه منافرا له. الثّاني: كون الشّيء صفة كمال وضدّه القبح وهو كونه صفة نقصان وذلك مثل العلم والجهل. الثّالث: كون الشّيء متعلّق المدح وضدّه القبح بمعنى كونه متعلّق الذّمّ. وقال المناويّ: الإحسان إسلام ظاهر، يقيمه إيمان باطن، يكمّله إحسان شهوديّ. وقال الرّاغب: الإحسان: فعل ما ينبغي فعله من المعروف، وهو ضربان: أحدهما: الإنعام على الغير، والثّاني الإحسان في فعله وذلك إذا علم علما محمودا، وعمل عملا حسنا، ومنه قول عليّ- رضي الله عنه-: النّاس أبناء ما يحسنون. أي منسوبون إلى ما يعلمون ويعملون. وقال الكفويّ: الإحسان: هو فعل (الإنسان) ما ينفع غيره بحيث يصير الغير حسنا به، كإطعام   (1) لسان العرب (باختصار وتصرف) ج 1 ص 877 وما بعدها (ط. دار المعارف) . (2) التعريفات للجرجاني (91) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 الجائع، أو يصير الفاعل به حسنا بنفسه، فعلى الأوّل: الهمزة في أحسن للتّعدية وعلى الثّاني للصّيرورة «1» . حقيقة الإحسان: فسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإحسان حين سأله جبريل، صلوات الله وسلامه عليه، فقال: «هو أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لّم تكن تراه فإنّه يراك» . أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطّاعة؛ فإنّ من راقب الله أحسن عمله، وهو تفسير قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (النحل/ 90) . ولذلك عظّم الله ثواب أهل الإحسان، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) وقال عزّ وجلّ: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ 60) أي ما جزاء من أحسن في الدّنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة. والفرق بين الإحسان والإنعام أنّ الإحسان يكون لنفس الإنسان ولغيره. تقول: أحسنت إلى نفسي، والإنعام لا يكون إلّا لغيره. وقال الفيروز اباديّ: الإحسان يقال على وجهين: أحدهما الإنعام على الغير. تقول: أحسن إلى فلان، والثّاني إحسان في فعله. وذلك إذا علم علما حسنا، أو عمل عملا حسنا. والإحسان أعمّ من الإنعام، وقال: الإحسان من أفضل منازل العبوديّة؛ لأنّه لبّ الإيمان وروحه وكماله. وجميع المنازل منطوية فيها، قال تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ 60) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه» . والإحسان يكون في القصد بتنقيته من شوائب الحظوظ، وتقويته بعزم لا يصحبه فتور، وبتصفيته من الأكدار الدّالّة على كدر قصده. ويكون الإحسان في الأحوال بمراعاتها وصونها غيرة عليها أن تحوّل «2» . الإحسان- إذن- وفي معنى عامّ: المعاملة بالحسنى ممّن لا يلزمه إلى من هو أهل لها. ذلك أنّ الحسن يعني: ما كان محبوبا عند المعامل به، وليس لازما لفاعله. درجات الإحسان: ويأتي الإحسان على درجات متعدّدة، وكلّها ينضوي تحت المفهوم الشّامل السّابق، وأعلاه: ما كان في جانب الله تعالى، ممّا فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله في الحديث المشهور «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» . ودونه التّقرّب إلى الله تعالى بالنّوافل. وتأتي بعد ذلك مراتب أخرى للإحسان سواء في القصد والنّيّة، أو في الفعل، والإحسان في النّيّة يعدّ أمرا مهمّا، إذ لابدّ أن تنقّى تنقية سليمة وافرة، أمّا الإحسان في الفعل أي في المعاملة مع الخلق فيكون فيما زاد على الواجب شرعا، ويدخل فيه جميع الأقوال والأفعال ومع سائر أصناف الخلائق إلّا ما حرّم الإحسان إليه بحكم الشّرع. ومن أدنى مراتب الإحسان، ما ورد في   (1) كشاف اصطلاحات الفنون (2/ 148) وما بعدها والتوقيف على مهمات التعاريف لمحمد عبد الرءوف المناوي (41) والمفردات للراغب (119) ، والكليات للكفوي (53) . (2) لسان العرب لابن منظور (13/ 115- 117) ، وبصائر ذوي التمييز للفيروزابادي (2/ 465- 466) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 الصّحيحين: «أنّ امرأة بغيّا رأت كلبا يلهث من العطش، يأكل الثّرى، فنزعت خفّها وأدلته في بئر، ونزعت فسقته فغفر الله لها» ، وفي الحديث الشّريف «إنّا لله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة» رواه مسلم. فإلى حقيقة الإحسان ترجع أصول وفروع وآداب المعاشرة كلّها في المعاملة والصّحبة، والعفو عن الحقوق الواجبة من الإحسان لقوله تعالى: وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران/ 134) «1» . ويقول ابن قيّم الجوزيّة ما خلاصته: الإحسان على ثلاث درجات: الدّرجة الأولى: الإحسان في القصد بتهذيبه علما وإبرامه عزما وتصفيته حالا. الدّرجة الثّانية: الإحسان في الأحوال وهو أن تراعيها غيرة، وتسترها تظرّفا، وتصحّحها تحقيقا، والمراد بمراعاتها: حفظها وصونها غيرة عليها أن تحوّل فإنّها تمرّ مرّ السّحاب، وتكون المراعاة أيضا بدوام الوفاء وتجنّب الجفاء ... الدّرجة الثّالثة: الإحسان في الوقت وهو ألّا تزايل المشاهدة أبدا، ولا تخلط بهمّتك أحدا، والمعنى في ذلك أن تتعلّق همّتك بالحقّ وحده، ولا تعلق همّتك بأحد غيره ... «2» القيمة التربوية للإحسان: قال أحد المعاصرين: الإحسان من عناصر التّربية الواعية نأخذه من قوله تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) ، والإحسان في صورته العليا صفة ربّ العالمين، لأنّ الإساءة تنتج عن الجهل والعجز والقصور وما إلى ذلك من أوصاف مستحيلة على الله تعالى. إنّه سبحانه تحدّث عن صنعه للكون الكبير، فقال: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (النمل/ 88) ، وطلب إلى النّاس أن يفتّشوا عن مأخذ في هذه الصّناعة يشينها، وهيهات ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (الملك/ 3- 4) سبحانه من خالق أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (السجدة/ 7) ، والله سبحانه عند ما نشر أبناء آدم فوق الثّرى، وناط بهم رسالة الحياة، كلّفهم- كي يكونوا ربّانيّين- أن يحسنوا العمل، وأن يبلغوا به درجة الكمال، وإذا غلبتهم طباعهم الضّعيفة فلم يصلوا إلى هذا الشّأن كرّروا المحاولات، ولم يستريحوا إلى نقص أو قصور، وعليهم أن يجاهدوا حتّى يبلغوا بأعمالهم درجة الكمال المستطاع، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء ... » «3» ، حتّى في معاملة الحيوان الأعجم، وقد مرّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على رجل واضع رجله على صفحة شاة، وهو يحدّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال: «أفلا قبل هذا ... أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك «4» قبل   (1) التحرير والتنوير (14/ 255، 256) (2) مدارج السالكين (2/ 480) وما بعدها. (3) انظر الحديث رقم (4) . (4) إحداد الشفرة يعني إمضاء آلة الذبح وهي السكين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 أن تضجعها» «1» ، إنّ الإحسان يقتضي من المسلم ألّا يضيّع وقته هباء، وأن يصرف جهده إلى النّافع من الأمور، فعن الشّريد- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قتل عصفورا عبثا عجّ إلى الله يوم القيامة «2» يقول: يا ربّ إنّ فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة» «3» . ويقول ماجد الكيلانيّ: يتضافر كلّ من العدل والإحسان في تحقيق الشّعار الّذي ترفعه فلسفة التّربيّة الإسلاميّة وهو شعار بقاء النّوع البشريّ ورقّيّه، وإذا كانت ثمرة العدل هي بقاء النّوع البشريّ فإنّ الإحسان يثمر الرّقيّ لأنّه يعني التّفضّل والعطاء دون مقابل من الجزاء أو الشّكر، ويؤدّي إلى توثيق الرّوابط وتوفير التّعاون «4» . الإحسان من أهم وسائل نهضة المسلمين: إنّ الإحسان يقتضي من المسلم إتقان العمل المنوط به إتقان من يعلم علم اليقين أنّ الله- عزّ وجلّ- ناظر إليه مطّلع على عمله، وبهذا الإتقان تنهض الأمم وترقى المجتمعات «5» . إحسان الله إلى عباده: إذا تدبّر العبد، علم أنّ ما هو فيه من الحسنات من فضل الله؛ فشكر الله؛ تعالى فزاده من فضله عملا صالحا، ونعما يفيضها عليه. وإذا علم أنّ الشّرّ لا يحصل له إلّا من نفسه بذنوبه، استغفر وتاب؛ فزال عنه سبب الشّرّ؛ فيكون العبد دائما شاكرا مستغفرا، فلا يزال الخير يتضاعف له، والشّرّ يندفع عنه. كما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول في خطبته: «الحمد لله» ، فيشكر الله. ثمّ يقول: «نستعينه ونستغفره» ، نستعينه على الطّاعة، ونستغفره من المعصية. ثمّ يقول: «ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا» ، فيستعيذ به من الشّرّ الّذي في النّفس، ومن عقوبة عمله؛ فليس الشّرّ إلّا من نفسه ومن عمل نفسه؛ فيستعيذ الله من شرّ النّفس أن يعمل بسبب سيّئاته الخطايا، ثمّ إذا عمل استعاذ بالله من سيّئات عمله، ومن عقوبات عمله فاستعانه على الطّاعة وأسبابها، واستعاذ به من المعصية وعقابها. فعلم العبد بأنّ ما أصابه من حسنة فمن الله، وما أصابه من سيّئة فمن نفسه- يوجب له هذا وهذا. فهو سبحانه فرّق بينهما هنا، بعد أن جمع بينهما في قوله قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. فبيّن أنّ الحسنات والسّيّئات، والنّعم والمصائب، والطّاعات والمعاصي، على قول من أدخلها في «من عند الله» ، ثمّ بيّن الفرق الّذي ينتفعون به، وهو أنّ هذا الخير من نعمة الله؛ فاشكروه يزدكم، وهذا الشّرّ من ذنوبكم؛ فاستغفروه يدفعه عنكم «6» .   (1) المحاور الخمسة للقرآن الكريم، والحديث المذكور في الترغيب والترهيب (3/ 204) ، قال المنذري: الحديث صحيح على شرط البخاري، وقد رواه الطبراني في الكبير والأوسط، كما رواه الحاكم واللفظ له. (2) عجّ: أي شكا بصوت عال مرتفع. (3) الترغيب والترهيب 3/ 204. (4) فلسفة التربية الإسلامية (باختصار وتصرف) ص 144. (5) المحاور الخمسة للقرآن الكريم (192) . (6) انظر: الحسنة والسيئة لابن تيمية (49- 50) بتصرف يسير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 بين الحسنة والإحسان: قال الفيروزاباديّ: الحسنة يعبّر بها عن كلّ ما يسرّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، قال تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (النساء/ 78) ، أي خصب وسعة وظفر، أمّا الإحسان فإنّه يقال على وجهين: أحدهما الإنعام على الغير، والثّاني: الإحسان في الفعل أو العمل، وعلى هذا قول الإمام عليّ- كرّم الله وجهه ورضي عنه-: «النّاس أبناء ما يحسنون» أي منسوبون إلى ما يعملونه من الأفعال الحسنة «1» . والعلاقة بين الأمرين واضحة لأنّ من يحسن إلى نفسه بإخلاص التّوحيد والعبادة، أو إلى غيره بالقول أو الفعل فإنّ ذلك يثمر له الحسنى وهي الجنّة، فالحسنة والإحسان كلاهما مأخوذان من الحسن الّذي من شأنه أن يسرّ من يتحلّى به في الدّنيا والآخرة. فمن معاني الحسنة: 1- التّوحيد، وثمرته الجنّة، قال تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ 60) . قال عكرمة: (المعنى) هل جزاء من قال لا إله إلّا الله إلّا الجنّة؟ وقال ابن زيد: هل جزاء من أحسن في الدّنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة «2» . 2- ومن معانيها: النّصر والغنيمة، كما في قوله تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (آل عمران/ 120) ، وهذه ثمرة الإحسان المشار إليه في قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) . 3- ومن معانيها: المطر والخصب، وهي ثمرة من ثمرات إحسان الله على عباده وتفضّله عليهم، وذلك ما أشار إليه المولى عزّ وجلّ وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ (القصص/ 77) . 4- ومن معانيها: العافية، كما في قوله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ (الرعد/ 6) ، وهذه كسابقتها من ثمار إحسان الله تعالى على عباده برّهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم. 5- ومن معانيها: قول المعروف، وذلك كما في قوله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... فصلت/ 34) ، وهذه ثمرة الإحسان بمعنى الفضل والعفو عن المسيء مع المقدرة على عقوبته ولو بمثل ما فعل، وهذا هو الإحسان المشار إليه في قوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران/ 134) . 6- ومن معانيها: فعل الخيرات، كما في قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (الأنعام/ 160) ، وهذه ثمرة الإحسان إلى النّفس بإعطائها ما وعد الله به المحسنين في قوله: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ (الإسراء/ 7) . وقوله سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ   (1) بصائر ذوي التمييز (2/ 465) . (2) تفسير القرطبي (17/ 182) ، وانظر تفسير ابن عباس- رضي الله عنهما- لهذه الآية الكريمة فيما نقلناه عن ابن القيم في منزلة الإحسان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 مُحْسِنِينَ المعنى- كما ورد عن ابن عبّاس: كانوا محسنين في أعمالهم «1» . من هذا يتّضح الارتباط الكامل والعلاقة الجوهريّة بين الإحسان بمعانيه كافّة والحسنة في كلّ استخداماتها في القرآن الكريم «2» . فإذا كان الإحسان شجرة فالحسنة ثمرته، ولمّا كانت الشّجرة طيّبة كانت ثمرتها حلوة المذاق حسنة المنظر في الدّنيا والآخرة «3» . منزلة الإحسان: قال ابن القيّم- رحمه الله-: الإحسان من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وهذه المنزلة هي لبّ الإيمان وروحه وكماله، وهي جامعة لما عداها من المنازل، فجميعها منطوية فيها، وممّا يشهد لهذه المنزلة قوله تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ 60) ، إذ الإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق، وهو أن تعبد الله كأنّك تراه، والإحسان الأوّل في الآية الكريمة هو- كما قال ابن عبّاس والمفسرون- هو قول لا إله إلّا الله، والإحسان الثّاني هو الجنّة، والمعنى: هل جزاء من قال لا إله إلّا الله وعمل بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم إلّا الجنّة، وقد روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قرأ الآية الكريمة ثمّ قال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «هل جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلّا الجنّة» وفي هذا الحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله عزّ وجلّ، ومراقبته، ومحبّته، ومعرفته، والإنابة إليه، والإخلاص له ولجميع مقامات الإيمان. بين الإحسان والإنعام: الإحسان أعمّ من الإنعام أو التفضّل على الغير لأنّه يشمل الإحسان إلى النّفس كما يشمل الإحسان في النّيّة والفعل. بين الإحسان والعدل: وفيما يتعلّق بالعدل فإنّ الإحسان فوقه لأنّه إذا كان العدل يعني أن يأخذ الإنسان ما له ويعطي ما عليه، فإنّ الإحسان يعني أن يأخذ الإنسان أقلّ ممّا له وأن يعطي أكثر ممّا عليه، فالإحسان بذلك زائد على العدل، وإذا كان تحرّي العدل من الواجبات فإنّ تحرّي الإحسان ندب وتطوّع، وكلاهما مأمور به في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (النحل/ 90) . ففي هذه الآية الكريمة إشارة إلى الفضل مع العدل، فالعدالة لابدّ منها لضبط الأمور وإنصاف بعضهم من بعض، وعند ما سأل عمر بن عبد العزيز محمّد بن كعب القرظيّ- رحمهما الله- قائلا: صف لي العدل، قال: بخ، سألت عن أمر جسيم، كن لصغير النّاس أبا، ولكبيرهم ابنا، وللمثل أخا، وللنّساء كذلك! وعاقب النّاس على قدر ذنوبهم، ولا تضر بنّ في غضبك سوطا واحدا فتكون من العادين. ذاك وصف العدل. أمّا الفضل فله سيرة أخرى لعلّ أقربها ما جاء عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ألا أدلّك على أكرم أخلاق الدّنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وذاك هو الإحسان» «4» .   (1) تفسير القرطبي (17/ 35) . (2) اقتبسنا معاني الحسنة من نزهة الأعين النواظر (259- 260) . (3) مدارج السالكين (2/ 479) بتصرف يسير. (4) المحاور الخمسة (192) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 شمولية الإحسان واتساع دائرته: من تأمّل الآيات الكريمة والأحاديث الشّريفة الواردة في الإحسان يتّضح بجلاء أنّ الإحسان يشكّل مع العدل- جوهر العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وأنّ دائرة هذا الإحسان تتّسع لتشمل النّفس والأسرة والأقارب ثمّ المجتمع والإنسانيّة عامّة فالإحسان إلى النّفس وهي الدّائرة الأولى فى مجموعة الدّوائر الّتي يدور الإحسان في فلكها تتضمّن إخلاص العبادة وكمال الطّاعة، قال تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها (الإسراء/ 7) . أمّا الدّائرة الثّانية فتشمل الوالدين، قال تعالى: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (الإسراء/ 23) (وانظر أيضا الشّواهد 17، 20، 22) والأحاديث الشّريفة (1، 15) . وفيما يتعلّق بالأقارب وهي الدّائرة الثّالثة- فإنّها تشمل قرابة النّسب وقرابة الجوار وقد ورد الحثّ عليها في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ (البقرة/ 83) ، (وانظر أيضا الشّاهد القرآنيّ 20) ، أمّا في الحديث الشّريف فقد ورد الحثّ على الإحسان إلى الجار في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما» (الحديث 16) وانظر أيضا الحديث رقم (7) . أمّا الدّائرة الرّابعة وهي أوسع من سابقاتها فإنّها تضمّ المجتمع الّذي يعيش فيه الإنسان والإحسان هنا ينصبّ أساسا على الجانب الضّعيف في المجتمع كاليتامى والمساكين وأبناء السّبيل ومن على شاكلتهم، يقول الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (النساء/ 36) . أمّا الدّائراة الخامسة وهي الأوسع والأرحب في العلاقات الإنسانيّة فتشمل الإحسان إلى المخالفين في العقيدة بالصّفح عنهم، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (المائدة/ 13) «1» . ويمكننا أن نضيف إلى ذلك دائرة أكثر شمولا من العلاقة السّابقة، ألا وهي دائرة الحياة بكلّ ما فيها من نبات أو حيوان أو جماد وإلى ذلك يشير قول الله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف/ 56) ، وانظر أيضا الحديث الشّريف: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء» الحديث رقم (4) . ميادين الإحسان كما جاءت في القرآن الكريم: أمّا الميادين الّتي تتطلّب الإحسان بمعناه العامّ فقد فصّلها القرآن الكريم والسّنّة المطّهرة تفصيلا   (1) أشار ماجد الكيلاني إلى هذه الدوائر الخمس بإيجاز في «فلسفة التربية الإسلامية ص 141. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 يصعب حصره أو تحديده، ذلك أنّ الإحسان مطلوب في جميع الأحوال والأوقات، ومن أهمّ الميادين الّتي تتجلّى فيها علاقة الإحسان: 1- مواجهة الملمّات بالصّبر عليها، قال تعالى: وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (هود/ 115) . 2- أداء الدّية لوليّ القتيل، وذلك قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ (البقرة/ 178) . 3- معاملة المطلّقات أو من ينوى طلاقهنّ، قال تعالى: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ... مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 236) ، وقوله سبحانه: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ (البقرة/ 229) . 4- الحرب والجهاد، وذلك قول الله تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت/ 69) . وقوله سبحانه وتعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) . يقول الشّيخ الغزاليّ: هنا يذكر القرآن الكريم معنى آخر للإحسان، فالأمم لا تخدم رسالتها بالبخل وكراهية الإنفاق في سبيل الله، والحروب قديما وحديثا تتطلّب مالا كثيرا ... والعرب والمسلمون مكلّفون بمعرفة هذه الحقيقة، ولن يسلم لهم دينهم وتبقى لهم بلادهم (حرّة أبيّة) إلّا إذا توسّعوا في الإنفاق الحربيّ، وأحسنوا تهيئة كلّ شيء لكسب المعركة، ويشهد لذلك ما جاء في آيات أخرى عن حقيقة الإحسان، ودائرته الرّحبة، فهي تتطلّب الصّمود والبسالة إلى الرّمق الأخير، يقول المولى عزّ وجلّ: وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ* فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران/ 147- 148) «1» . 5- مجاهدة النّفس بكظم الغيظ ومحاربة الشّحّ وكبح شهوة الانتقام، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران/ 134) . وتتضمّن هذه الآية الكريمة الإحسان إلى المسيء بالعفو عنه، يقول الشّيخ الغزاليّ: كظم الغيظ مرتبة عالية، ولكنّ المرتبة الأعلى هي العفو عند المقدرة، وتلك درجة الإحسان «2» . 6- الحوار الفكريّ والتّواصل الثّقافيّ، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ (الإسراء/ 53) . 7- التّحاور بين المسلمين وأهل الكتاب، قال تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (العنكبوت/ 46) . 8- الخصومة والخلافات، يقول الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (فصلت/ 34) .   (1) المحاور الخمسة (193) بتصرف. (2) المرجع السابق ونفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 9- معاملة اليتامى والضّعفاء، يقول سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الأنعام/ 152) . 10- العلاقات السّياسيّة والحربيّة، قال تعالى: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً* قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً* وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى (الكهف/ 86- 88) . 11- العلاقات الاجتماعيّة وخاصّة ما يتعلّق بتبادل التّحيّة وردّ السّلام، يقول تعالى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (النساء/ 86) . 12- العلاقات الاقتصاديّة، يقول المولى عزّ وجلّ في قصّة قارون: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ (القصص/ 77) ، ويقول الله سبحانه وتعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) . لقد تمّ الرّبط في هذه الآية الكريمة بين الإنفاق وهو المظهر الاقتصاديّ للإحسان وبين التّهلكة (خراب المجتمع) ، وسبب ذلك كما يقول بعض الباحثين: إنّ المجتمعات الّتي تقوم على الاستغلال والاحتكار تفرز الطّبقيّة، وتبذر بذور الصّراع الاجتماعي في الدّاخل، وتؤدّى إلى الصّراعات العالميّة في الخارج، وينتج عن ذلك شقاء الفريقين جميعا، المستغلّون والمستغلّون، فالطّبقة الأولى تقع فريسة للغربة والعزلة من ناحية وفقدان المحبّة وشيوع النّفاق من ناحية أخرى، كما أنّه يتولّد لديها الشّعور بالخوف وعدم الأمان من ناحية ثالثة، أمّا طبقة المستضعفين فإنّها تقع فريسة لمجموعة من الأخطار أهمّها: كره الطّبقات العليا المحتكرة والحقد عليها من ناحية ثمّ الإحساس بالغبن والإحباط من ناحية ثانية، وأخيرا فإنّها تميل إلى الجريمة والاستعداد للعنف من ناحية ثالثة. إنّ تمكّن هذه الآفات الاجتماعيّة فى كلتا الطّبقتين هو التّهلكة الّتى تشير إليها الآية الكريمة وتحذّر منها وتدعو إلى معالجتها بالإحسان والإنفاق «1» . وهكذا نرى الإحسان يشمل الفرد والمجتمع والدّولة والحياة بأسرها وأنّه لن تقوم تربية راشدة إلّا إذا غرسنا معنى الإحسان في النّفوس على أنّه من محابّ الله تعالى، وقد تضمّن الإحسان كما رأينا النّوايا والمقاصد والعبادات كما تناول الأقوال والأفعال ليس هذا فحسب وإنّما شمل أيضا الإحسان إلى المخلوقات كافّة من حيوان وجماد ونبات. [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الإسلام العبادة- الإخلاص- الإنفاق- بر الوالدين- البر حسن العشرة، حسن المعاملة- التقوى- السخاء- السماحة- الصدقة- الزكاة- العدل- العفو- الكلم الطيب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- الأذى- سوء المعاملة- سوء الخلق- الشح- عقوق الوالدين- الكنز- التفريط والإفراط- الإعراض- اتباع الهوى- المن بالعطية- البخل- الغش] .   (1) باختصار وتصرف عن: فلسفة التربية الإسلامية ص 143. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 الآيات الواردة في «الإحسان» أولا: الإحسان من صفة الله- عز وجل-: 1- صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (138) «1» 2- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) «2» 3- أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «3» 4- وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137) «4» 5- وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) «5» 6- الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) «6» 7- أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) » 8- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) «8» 9- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «9»   (1) البقرة: 138 مدنية (2) النساء: 78- 79 مدنية (3) المائدة: 50 مدنية (4) الأعراف: 137 مكية (5) يوسف: 100 مكية (6) السجدة: 7 مكية (7) الصافات: 125 مكية (8) غافر: 64 مكية (9) التغابن: 2- 3 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 ثانيا: الإحسان من صفة الأنبياء وصالحي المؤمنين: 10- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) «1» 11- وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125) «2» 12- وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) «3» 13- وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) «4» 14- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) «5» 15- * وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) «6» 16- وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) «7» ثالثا: أمر الله- عز وجل- بالإحسان: 17- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «8» 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) «9»   (1) البقرة: 236 مدنية (2) النساء: 125 مدنية (3) يوسف: 36 مكية (4) يوسف: 100 مكية (5) لقمان: 1- 3 مكية (6) لقمان: 22 مكية (7) الصافات: 113 مكية (8) البقرة: 83 مدنية (9) البقرة: 178 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 19- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) «1» 20- * وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «2» 21- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) «3» 22- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) «4» 23- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «5» 24- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) «6» 25- وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) «7» 26- وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) «8»   (1) البقرة: 229 مدنية (2) النساء: 36 مدنية (3) النساء: 86 مدنية (4) الأنعام: 151- 152 مكية (5) النحل: 90 مكية (6) الاسراء: 23 مكية (7) الاسراء: 53 مكية (8) القصص: 77 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 27- * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «1» رابعا: عاقبة الإحسان: أ- معية الله للمحسنين (وكفى به شرفا) : 28- إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) «2» 29- وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) «3» ب- حب الله للمحسنين (وكفى به جزاء) : 30- وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) «4» 31- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) «5» 32- فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «6» 33- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) «7» 34- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «8» ج- جزاء الإحسان في الدنيا والآخرة: 35- وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) «9» 36- بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) «10» 37- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) «11»   (1) العنكبوت: 46 مكية (2) النحل: 128 مكية (3) العنكبوت: 69 مكية (4) البقرة: 195 مدنية (5) آل عمران: 134 مدنية (6) آل عمران: 148 مدنية (7) المائدة: 13 مدنية (8) المائدة: 93 مدنية (9) البقرة: 58 مدنية (10) البقرة: 112 مدنية (11) آل عمران: 172 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 38- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) «1» 39- فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) » 40- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) «3» 41- وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «4» 42- وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) «5» 43- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «6» 44- وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (121) «7» 45- * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26) «8» 46- وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) «9» 47- وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) «10» 48- وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) «11»   (1) النساء: 128 مدنية (2) المائدة: 85 مدنية (3) الانعام: 84 مكية (4) الأعراف: 56 مكية (5) الأعراف: 161 مكية (6) التوبة: 91 مدنية (7) التوبة: 121 مدنية (8) يونس: 26 مكية (9) هود: 115 مكية (10) يوسف: 22 مكية (11) يوسف: 56 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 49- قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) «1» 50- * وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) «2» 51- إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7) «3» 52- إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) «4» 53- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) «5» 54- حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) «6» 55- لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «7» 56- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) «8» 57- قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) «9» 58- وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) «10» 59- وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) «11»   (1) يوسف: 90 مكية (2) النحل: 30 مكية (3) الإسراء: 7 مكية (4) الكهف: 7 مكية (5) الكهف: 30 مكية (6) الكهف: 86- 88 مكية (7) الحج: 37 مدنية (8) الأحزاب: 28- 29 مدنية (9) الصافات: 105 مكية (10) الصافات: 119- 121 مكية (11) الصافات: 129- 131 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 60- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) «1» 61- لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) «2» 62- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) «3» 63- وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «4» 64- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) «5» 65- هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (60) «6» 66- وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) «7»   (1) الزمر: 10 مكية (2) الزمر: 34- 35 مكية (3) فصلت: 33- 34 مكية (4) الأحقاف: 12 مكية (5) الذاريات: 15- 16 مكية (6) الرحمن: 60 مدنية (7) المرسلات: 42- 44 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 الأحاديث الواردة في (الإحسان) 1- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله. قال: «فهل من والديك أحد حيّ؟» قال: نعم، بل كلاهما. قال: «أفتبتغي الأجر من الله؟» قال: نعم، قال: «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفّر الله عنه كلّ سيّئة كان زلفها «2» وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسّيّئة بمثلها، إلّا أن يتجاوز الله عنها» ) * «3» . 3- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتّين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه، وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فآمن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده، فله أجران، ورجل له أمة فغذاها فأحسن غذاءها، ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها فله أجران» ) * «4» . 4- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» . وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح، وليحدّ أحدكم شفرته «6» فليرح ذبيحته» ) * «7» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها، فقسمتها بين ابنتيها، ثمّ قامت فخرجت، فدخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدّثته. فقال: «من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهنّ كنّ له سترا من النّار» ) * «8» . 6- * (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص؛ قال: حدّثني أبي، أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فحمد الله وأثنى عليه، وذكّر ووعظ. فذكر في الحديث قصّة فقال: «ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان عندكم «9» ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك، إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا. ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا. فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 10 (5972) ، ومسلم (2549) واللفظ له. (2) زلفها: أي اقترفها وفعلها. (3) البخاري- الفتح 1 (41) واللفظ له، ومسلم (129) . (4) البخاري- الفتح 1 (97) ، ومسلم (154) واللفظ له. (5) القتلة: الهيئة والحالة. (6) وليحد: أحد السكين، بمعنى شحذها. (7) مسلم (1955) . (8) البخاري- الفتح 10 (5995) واللفظ له، ومسلم (2629) (9) عوان عندكم: أي أسرى في أيديكم. (10) الترمذي (1163) وقال: هذا حديث حسن صحيح والحديث أصله في مسلم من حديث جابر رضي الله عنه (1218) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 7- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعت جيرانك يقولون: أن قد أحسنت فقد أحسنت. وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت» ) * «1» . 8- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليّة، قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر» ) * «2» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للنّاس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه وبرسله وتؤمن بالبعث» . قال: ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصّلاة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ، قال: متى السّاعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربّتها. وإذا تطاول رعاة الإبل البهم «3» في البنيان، في خمس «4» لا يعلمهنّ إلّا الله، ثمّ تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قول الله إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» الآية (لقمان/ 34) ، ثمّ أدبر، فقال: «ردّوه» فلم يروا شيئا. فقال: «هذا جبريل جاء يعلّم النّاس دينهم» ) * «5» . 10- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ «6» . فأدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما يحدّث النّاس، فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءه. ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين. مقبل عليهما بقلبه ووجهه. إلّا وجبت له الجنّة» قال: فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يديّ يقول: الّتي قبلها أجود. فنظرت فإذا عمر. قال: إنّي قد رأيتك جئت آنفا «7» . قال: «ما منكم من أحد يتوضّأ فيبلغ (أو يسبغ) «8» الوضوء ثمّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبد الله ورسوله إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية يدخل من أيّها شاء» ) * «9» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لا يدخل أحد الجنّة إلّا أري مقعده من النّار لو أساء ليزداد شكرا، ولا يدخل النّار أحد إلّا أري مقعده من الجنّة لو أحسن ليكون   (1) ابن ماجة (4223) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (2) البخاري- الفتح 12 (6921) واللفظ له، مسلم (120) . (3) رعاة الإبل البهم: يجوز ضم الميم على أنها صفة الرعاة ويجوز كسرها على أنها صفة للإبل، وهي الإبل السود وهي شر الألوان عندهم وإذا كان المراد الرعاة، فإن وصفهم بالبهم إما لأنهم مجهولو الأنساب وإما لأنهم لا يملكون شيئا ويرعون لغيرهم. (4) في خمس: أي علم وقت الساعة داخل في جملة خمس وحذف متعلق الجار سائغ كما في قوله تعالى فِي تِسْعِ آياتٍ أي اذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات. (5) البخاري- الفتح 1 (50) واللفظ له، ومسلم (9) . (6) روّحتها بعشيّ: أي رجعت بها وقت العشيّ وهو ما بعد الزوال إلى المغرب، وقيل: العشي من زوال الشمس إلى الصباح. (7) آنفا: أي قريبا. (8) فيبلغ (أو يسبغ) : أي يتمه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون. (9) مسلم (234) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 عليه حسرة» ) * «1» . 12- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل موته بثلاثة أيّام يقول: «لا يموتنّ أحدكم إلّا وهو يحسن الظّنّ «2» بالله عزّ وجلّ» ) * «3» . 13- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة أتاه المهاجرون، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم «4» ، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ «5» حتّى خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم» ) * «6» . 14- * (عن عثمان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من امرىء مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها. إلّا كانت كفّارة لما قبلها من الذّنوب. ما لم يؤت كبيرة. وذلك الدّهر كلّه» ) * «7» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! من أحقّ النّاس بحسن صحابتي «8» ؟ قال «أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «أمّك» . قال: ثمّ من؟. قال: «أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال «أبوك» ) * «9» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة، كن ورعا، تكن أعبد النّاس، وكن قنعا تكن أشكر النّاس. وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وأقلّ الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «10» . الأحاديث الواردة في (الإحسان) معنى 17- * (عن سعد بن الأطول، أنّ أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالا. فأردت أن أنفقها على عياله. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخاك محتبس بدينه، فاقض عنه» . فقال: يا رسول الله، قد أدّيت عنه إلّا دينارين، ادّعتهما امرأة وليس لها بيّنة. قال: «فأعطها، فإنّها محقّة» ) * «11» . 18- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتب كتابا بين   (1) البخاري- الفتح 11 (6569) . (2) يحسن الظّنّ: يظن أنه يرحمه ويعفو عنه. (3) مسلم (2877) . (4) يريدون الأنصار. (5) المهنأ: يقال: هنأني الطعام يهنؤني: أي تهنأت به وكل أمر يأتيك من غير تعب فهو هنيء، وكذلك المهنأ. (6) الترمذي (2487) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه، وأبو داود (4812) . (7) مسلم (228) . (8) الصحابة هنا: بمعنى الصحبة. (9) البخاري- الفتح 10 (5971) واللفظ له، مسلم (2548) . (10) الترمذي (2305) ، وابن ماجة (4217) واللفظ له، وفي الزوائد: إسناده حسن، وأحمد في المسند (2/ 310) . (11) ابن ماجة (2433) وفي الزوائد: إسناده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم «1» ، وأن يفدوا عانيهم «2» بالمعروف، والإصلاح بين المسلمين» ) * «3» . 19- * (عن أبي الزّبير قال: سمعت جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- سئل عن ركوب الهدي فقال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتّى تجد ظهرا «4» » ) * «5» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل، يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطّريق، فأخّره. فشكر الله له، فغفر له» وقال: «الشّهداء خمسة: المطعون «6» ، والمبطون» ، والغرق، وصاحب الهدم، والشّهيد في سبيل الله- عزّ وجلّ-» ) * «8» . 21- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا. قالوا: تذكّر. قال: كنت أداين النّاس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر «9» ويتجوّزوا عن الموسر. قال: قال الله عزّ وجلّ-: «تجوّزوا عنه» ) * «10» . 22- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت خصوم بالباب، عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء. وهو يقول: والله لا أفعل. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما، فقال: «أين المتألّي على الله «11» لا يفعل المعروف؟» قال: أنا يا رسول الله، فله أيّ ذلك أحبّ) * «12» . 23- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «على كلّ مسلم صدقة» قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: «يعتمل بيديه «13» فينفع نفسه ويتصدّق» قال: قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: «يأمر بالمعروف أو الخير» قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: «يمسك عن الشّرّ، فإنّها صدقة» ) * «14» . 24- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ معروف صدقة» ) * «15» . 25- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «16» » ) * «17» .   (1) يعقلون معاقلهم: أي يكونون على ما كانوا عليه من أخذ الديات وإعطائها والمعاقل الديات جمع معقلة. (انظر النهاية 3/ 279) . (2) العاني: الأسير. (3) أحمد في المسند (2443) وقال محققه: إسناده صحيح وابن كثير في تاريخه (3/ 224) وقال: تفرد به الإمام أحمد (4) ظهرا: أي مركبا. (5) مسلم (1324) . (6) المطعون: الذي يموت في الطاعون. (7) المبطون: هو الذي به الاستسقاء وداء البطن، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا. (8) البخاري- الفتح 5 (2472) ، مسلم (1914) متفق عليه. (9) إنظار المعسر: إمهاله، والتجوز عن الموسر التجاوز عنه والتسامح معه. (10) البخاري- الفتح 4 (2077) ، ومسلم (1560) واللفظ له. (11) المتألي على الله: أي الحالف المبالغ في اليمين وهو من الألية بمعنى اليمين. (12) البخاري- الفتح 5 (2705) ، ومسلم (1557) واللفظ له. (13) الاعتمال: افتعال من العمل وتدل هذه الصيغة على بذل الجهد والمشقة في العمل. (14) مسلم (1008) . (15) البخاري- الفتح 10 (6021) ، ومسلم (1005) متفق عليه. (16) طلق: أي سهل منبسط. (17) مسلم (2626) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 26- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له، حتّى تعلموا أن قد كافأتموه» ) * «1» . 27- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثّناء» ) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإحسان) 28- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «3» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا «4» . فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة. وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه «5» ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «6» في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان، فقال: ويحك، ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم ير فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء. فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: «اللهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني» . قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة «7» ، فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «8» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ. فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته   (1) أبو داود (4813) ، والنسائي (5/ 82) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (2407) وهو في الصحيحة (254) . وصححه أيضا محقق «جامع الأصول» (11/ 692) . (2) الترمذي (2035) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن جيد، قال محقق جامع الأصول (2/ 558) : إسناده قوي. (3) الجهد: الجوع والمشقة. (4) (فليس أحد منهم يقبلنا) محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلّين ليس عندهم شيء يواسون به. (5) يتحفونه: أي يعطونه التحفة وهي طرفة الفاكهة، وقد تستعمل في غير الفاكهة من الألطاف والعطايا. (6) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه. (7) الشّفرة: هي السكين العريضة. (8) حافلة: كثيرة اللبن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 رغوة. فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟ قال: قلت: يا رسول الله! اشرب. فشرب، ثمّ ناولني. فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته، ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض، قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك «1» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله! كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله «2» . أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ! ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك، من أصابها من النّاس» ) * «3» . 29- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له: إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير) «4» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الإحسان) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «خمسا «5» ، لهنّ أحسن من الدّهم الموقفة «6» . لا تكلّم فيما لا يعنيك، فإنّه فضل ولا آمن عليك الوزر، ولا تتكلّم فيما يعنيك حتّى تجد له موضعا، فإنّه ربّ متكلّم في أمر يعنيه، قد وضعه في غير موضعه فعنّت، ولا تمار حليما ولا سفيها، فإنّ الحليم يقليك «7» وإنّ السّفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيّب عنك ممّا تحبّ أن يذكرك به. وأعفه عمّا تحبّ أن يعفيك منه، واعمل عمل رجل يرى أنّه مجازى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام» ) * «8» . 2- * (عن الحسن قال: «ليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، ولكن ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال، من قال حسنا، وعمل غير صالح، ردّه الله عليه» ) * «9» . 3- * (عن عبيد الله بن عديّ بن خيار: أنّه دخل على عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- وهو محصور «10» فقال: «إنّك إمام عامّة، ونزل بك ما نرى، ويصلّي لنا إمام فتنة ونتحرّج. فقال: «الصّلاة أحسن ما يعمل النّاس، فإذا أحسن النّاس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم» ) * «11» . 4- * (عن عمرو بن ميمون- رضي الله عنه- قال: «رأيت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف. قال: كيف فعلتما؟ أتخافان   (1) إحدى سوءاتك: أي إنك فعلت سوأة من الفعلات. فما هي؟ (2) ما هذه إلا رحمة من الله أي إحداث هذا اللبن في غير وقته. (3) مسلم (2055) . (4) أحمد في المسند (1/ 70) وقال الشيخ أحمد شاكر: (1/ 378 برقم 504) إسناده صحيح. (5) قوله: خمسا، لعلها منصوبة على الإغراء. (6) الدهم الموقفة: أي من الخيل الدهم التي أوقفت وأعدّت للركوب. (7) يقليك: يبغضك. (8) كتاب الصمت، لابن أبي الدنيا (264- 265) . (9) انظر اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (43) . (10) محصور: محاط به وممنوع من الخروج. (11) البخاري- الفتح 2 (695) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 أن تكونا حمّلتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حمّلناها أمرا هي له مطيقة، ما فيها كبير فضل. قال: انظرا أن تكونا حمّلتما الأرض ما لا تطيق. قالا: لا. فقال عمر: لئن سلّمني الله لأدعنّ أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا. قال: فما أتت عليه إلّا رابعة حتّى أصيب. قال: إنّي لقائم ما بيني وبينه إلّا عبد الله بن عبّاس غداة أصيب- وكان إذا مرّ بين الصّفين قال: استووا، حتّى إذا لم ير فيهم خللا تقدّم فكبّر، وربّما قرأ سورة يوسف أو النّحل ذلك في الرّكعة الأولى حتّى يجتمع النّاس- فما هو إلّا أن كبّر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني- الكلب، حين طعنه «1» فطار العلج «2» بسكّين ذات طرفين، لا يمرّ على أحد يمينا ولا شمالا إلّا طعنه، حتّى طعن ثلاثة عشر رجلا. مات منهم سبعة. فلمّا رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلمّا ظنّ العلج أنّه مأخوذ نحر نفسه. وتناول عمر يد عبد الرّحمن بن عوف فقدّمه، فمن يلي عمر فقد رأى الّذي أرى، وأمّا نواحي المسجد فإنّهم لا يدرون غير أنّهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله. فصلّى بهم عبد الرّحمن بن عوف صلاة خفيفة، فلمّا انصرفوا قال: يا ابن عبّاس، انظر من قتلني، فجال ساعة، ثمّ جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصّنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفا، الحمد لله الّذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدّعي الإسلام. قد كنت أنت وأبوك تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العبّاس أكثرهم رقيقا. فقال: إن شئت فعلت- أي إن شئت قتلنا. قال: كذبت، بعد ما تكلّموا بلسانكم وصلّوا قبلتكم، وحجّوا حجّكم؟ فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأنّ النّاس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ. فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه ... الأثر. وفيه: وقال (عمر- رضي الله عنه-) : أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين، أن يعرف لهم حقّهم. ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا. الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنّهم ردء الإسلام» . وجباة المال وغيظ العدوّ، وأن لا يوخذ منهم إلّا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنّهم أصل العرب، ومادّة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي «4» أموالهم، ويردّ على فقرائهم، وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلّا طاقتهم!) * «5» . 5- * (عن عليّ بن عمرو قال: «نزل عبيد الله ابن العبّاس بن عبد المطّلب منزلا منصرفه من الشّام نحو الحجاز، فطلب غلمانه طعاما، فلم يجدوا في ذلك المنزل ما يكفيهم؛ لأنّه كان مرّ به زياد بن أبي سفيان أو عبيد الله بن زياد في جمع عظيم، فأتوا على ما فيه، فقال عبيد الله لوكيله: اذهب في هذه البرّيّة «6» ، فلعلّك أن تجد راعيا، أو تجد أخبية «7» فيها لبن أو   (1) طعنه: أي أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. (2) العلج: الرجل من كفار العجم وغيرهم. (3) ردء الإسلام: أي عون الإسلام الذي يدفع عنه. (4) حواشي أموالهم: أي التي ليست بخيار. (5) البخاري- الفتح 7 (3700) . (6) البرّيّة: الصحراء. (7) أخبية: جمع خباء وهو البيت من الوبر أو الشعر أو الصوف يكون على عمودين أو ثلاثة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 طعام، فمضى القيّم ومعه غلمان عبيد الله، فدفعوا إلى عجوز في خباء، فقالوا: هل عندك من طعام نبتاعه «1» منك؟ قالت: أمّا طعام أبيعه فلا، ولكن عندي ما إليه حاجة لي ولبنيّ، قالوا: وأين بنوك؟ قالت: في رعي لهم. وهذا أوان أوبتهم «2» ، قالوا: فما أعددت لك ولهم؟ قالت: خبزة وهي تحت ملّتها «3» أنتظر بها أن يجيئوا، قالوا: فما هو غير ذلك؟. قالت: لا.. قالوا: فجودي لنا بنصفها، قالت: أمّا النّصف فلا أجود بها، ولكن إن أردتم الكلّ فشأنكم بها، قالوا: ولم تمنعين النّصف وتجودين بالكلّ؟ قالت: لأنّ إعطاء الشّطر نقيصة. وإعطاء الكلّ فضيلة، فأنا أمنع ما يضعني، وأمنح ما يرفعني، فأخذوا الملّة، ولم تسألهم من هم؟ ولا من أين جاءوها؟ فلمّا أتوا بها عبيد الله، وأخبروه بقصّة العجوز، عجب وقال: ارجعوا إليها فاحملوها إليّ السّاعة، فرجعوا فقالوا: انطلقي نحو صاحبنا فإنّه يريدك ... «4» ) * «5» . 6- * (قال الشّاعر: أحسن إلى النّاس تستعبد قلوبهم ... فطا لما استعبد الإنسان إحسان ) * «6» . من فوائد (الإحسان) 1- للإحسان ثمرة عظيمة تتجلّى في تماسك بنيان المجتمع وحمايته من الخراب والتّهلكة ووقايته من الآفات الاجتماعيّة النّاجمة عن الخلل الاقتصاديّ «7» . 2- الإحسان هو المقياس الّذي يقاس به نجاح الإنسان في علاقته بالحياة- وهي علاقة ابتلاء «8» . 3- المحسن يكون في معيّة الله عزّ وجلّ، ومن كان الله معه فإنّه لا يخاف بأسا ولا رهقا (انظر الشواهد القرآنية 28، 29) . 4- المحسن يكتسب بإحسانه محبّة الله عزّ وجلّ (انظر الشواهد 30- 34) . 5- وإذا أحبّ الله العبد جعله محبوبا من النّاس، وعلى ذلك فالمحسنون أحبّاء للنّاس يلتفّون حولهم ويدافعون عنهم إذا أحدق بهم الخطر. 6- للمحسنين أجر عظيم في الآخرة حيث يكونون في مأمن من الخوف والحزن (انظر الشاهد 36، 39، 63) . 7- من ثمرات الإحسان التّمكين فى الأرض (انظر الشاهد 48، 60) . 8- المحسن قريب من رحمة الله عزّ وجلّ (انظر   (1) نبتاعه: أي نشتريه. (2) أوان أويتهم: أي وقت رجوعهم. (3) الملة: الرماد الحار والجمر. (4) انظر الأثر كاملا في صفة (الكلم الطيب) ج 8 ص 3291 (أثر رقم 50) . (5) انظر المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (137- 141) . (6) ديوان «عنوان الحكم» للبستي. (7) انظر في ذلك «العلاقات الاقتصادية» التي تشكل الميدان الثاني عشر من ميادين الإحسان ص 75. (8) انظر تفصيلا أكثر عن علاقة الإنسان بالحياة وهي علاقة الابتلاء ج 1 ص 5 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 الشاهد 41) . 9- للمحسن البشرى بخيري الدّنيا والآخرة (انظر الشاهد 55، 63) . 10- الإحسان هو وسيلة المجتمع للرّقيّ والتّقدّم، وإذا كان صنوه أي العدل وسيلة لحفظ النّوع البشريّ فإنّ الإحسان هو وسيلة تقدّمه ورقيّه لأنّه يؤدّى إلى توثيق الرّوابط وتوفير التّعاون «1» . 11- الإحسان وسيلة لحصول البركة في العمر والمال والأهل. 12- الإحسان وسيلة لاستشعار الخشية والخوف من الله تعالى، كما أنّه وسيلة لرجاء رحمته عزّ وجلّ. 13- الإحسان وسيلة لإزالة ما في النّفوس من الكدر وسوء الفهم وسوء الظّنّ ونحو ذلك. 14- الإحسان وسيلة لمساعدة الإنسان على ترك العجب بالنّفس لما في الإحسان من نيّة صادقة. 15- الإحسان طريق ييسّر لصاحبه طريق العلم ويفجّر فيه ينابيع الحكمة. 16- الدّفع بالحسنة- وهي إحدى صور الإحسان- يقضي على العداوات بين النّاس ويبدّلها صداقة حميمة ومودّة رحيمة وتنطفيء بذلك نار الفتن وتنتهي أسباب الصّراعات، أمّا الدّفع بالسّيّئة، أي مقابلة السّيّئة بمثلها فإنّه يؤدّي إلى تدهور العلاقات وإشعال نيران الفتن وتفاقم أسباب الصّراع ويهبط بالنّوع البشريّ إلى حضيض التّخلّف ويعرّض بقاءه لخطر الفناء «2» . (انظر الشاهد رقم 62) . 17- إذا اقترن إسلام الوجه لله بالإحسان فإنّ ذلك يثمر الاستمساك بالعروة الوثقى الّتي يرجى معها خير الدّنيا والآخرة، أي أنّ المحسن يحتاط لنفسه بأن يستمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه «3» . (الشاهد 15) . 18- لبعض أنواع الإحسان ثمار خاصّة تعود على المحسن بالخير العميم في الدّنيا والآخرة، فمن ذلك: أ- إحسان المرء وضوءه وخشوعه وركوعه يكفّر السّيّئات الماضية، ويستمرّ التّكفير ما استمرّ الإحسان (انظر الحديث رقم 14) . ب- إحسان المرء إلى جاره علامة صادقة على حسن إسلامه (انظر الحديث 2، 16) . ج- إحسان المرء في تربية بناته والسّعي على رزقهنّ يجعل من هذه البنات سترا له من النّار (الحديث رقم 5) . د- في الإحسان إلى النّساء في الكسوة والطّعام وما أشبه ذلك قيام بحقّهنّ يثمر التّرابط الأسريّ، ويحقّق الاستقرار العائليّ (انظر الحديث رقم 6) .   (1) أشار الدكتور الكيلاني في «فلسفة التربية الإسلامية» إلى هذه الفائدة وعدها إحدى وسيلتين يتحقق من خلالها شعار التربية الإسلامية، أما الوسيلة الأخرى فهي العدل. (2) انظر في هذه الفائدة المرجع السابق ص 144. (3) انظر في تفسير العروة الوثقى، تفسير البحر المحيط 7/ 185 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 الإخاء الإخاء لغة: الأخ من النّسب: معروف وهو من جمعك وإيّاه صلب أو بطن. وقد يكون الصّديق والصّاحب. وجمع الأخ إخوة وإخوان. قال أبو حاتم: قال أهل البصرة أجمعون: الإخوة في النّسب، والإخوان في الصّداقة. تقول: قال رجل من إخواني وأصدقائي فإذا كان أخاه في النّسب قالوا إخوتي. قال: وهذا غلط، يقال للأصدقاء وغير الأصدقاء إخوة وإخوان. قال الله- عزّ وجلّ-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات/ 10) ولم يعن النّسب، وقال: أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ (النور/ 61) . وهذا في النّسب، وقال: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ (الأحزاب/ 5) والأخت: أنثى الأخ، صيغة على غير بناء المذكّر والتّاء بدل من الواو وليست التّاء فيها بعلامة تأنيث. والجمع أخوات. وقال بعض النّحويّين: سمّي الأخ أخا لأنّ قصده قصد أخيه. وأصله من وخى أي قصد فقلبت الواو همزة. وآخى الرّجل مؤاخاة وإخاء ووخاء. والعامّة تقول واخاه. قال ابن سيدة: تقول: بيني وبينه أخوّة وإخاء. وتقول آخيته على مثال فاعلته، وتأخّيت أخا أي اتّخذت أخا. وفي الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم آخى بين المهاجرين والأنصار أي ألّف بينهم بأخوّة الإسلام والإيمان. والتّآخي: اتّخاذ الإخوان. وفي صفة أبي بكر: «لو الآيات/ الأحاديث/ الآثار 24/ 55/ 47 كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوّة الإسلام» . ويقال: تأخّى الرّجل: اتّخذه أخا أو دعاه أخا. وقال ابن الجوزيّ: الأخ: اسم يراد به المساوي والمعادل. والظّاهر في التّعارف: أنّه يقال في النّسب ثمّ يستعار في مواضع تدلّ عليها القرينة. ويقال: تأخّيت الشّيء: أي تحرّيته «1» . واصطلاحا: قيل: هو مشاركة شخص لآخر في الولادة من الطّرفين أو من أحدهما أو من الرّضاع، ويستعار لكلّ مشارك لغيره في القبيلة أو في الدّين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودّة أو في غير ذلك من المناسبات. قال ابن حجر في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ يعني في التّوادّ وشمول الدّعوة «2» . وقد آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى. وبهذا تظهر مؤاخاته صلّى الله عليه وسلّم لعليّ لأنّه هو الّذي كان يقوم به من عهد الصّبا من قبل البعثة واستمرّ. وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لأنّ زيدا مولاهم «3» . وقال الكفويّ: الأخ: كلّ من جمعك وإيّاه صلب أو بطن والإخوة تستعمل في النّسب والمشابهة والمشاركة في شيء. وقال المناويّ: الأخ هو النّاشىء مع أخيه من منشأ واحد على السّواء بوجه ما.   (1) لسان العرب (14/ 2319) ، ونزهة الأعين النواظر (131) . (2) فتح الباري (7/ 317) ، ومفردات الراغب (13) ، والكليات للكفوي (63) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (41) . (3) الفتح (7/ 318) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 الإخاء في القرآن: ذكر أهل التّفسير أنّ الأخ في القرآن ورد على خمسة أوجه: أحدها: الأخ من الأب والأمّ أو من أحدهما: ومنه قوله تعالى في سورة النّساء فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ (آية/ 11) . وفي المائدة فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ (آية/ 30) . والثّاني: من القبيلة: ومنه قوله تعالى وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً (الأعراف/ 65) ، وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً (الأعراف/ 73) ، وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً (هود/ 84) . والثّالث: في الدّين والمتابعة: ومنه قوله تعالى في آل عمران فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آية/ 103) ، وفي الحجرات إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (آية/ 10) . والرّابع: في المودّة والمحبّة: ومنه قوله تعالى في «الحجر» وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً (آية/ 47) . والخامس: الصّاحب: ومنه قوله تعالى في (ص) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً (آية/ 23) «1» . وأيّا كانت المعاني، فإنّ من طبيعة الإنسان أن يكون آلفا مألوفا، ذلك أنّه يستعين من خلال الألفة على أداء الرّسالة المنوطة به في الدّنيا لتحقيق أهداف الاستخلاف، والمؤاخاة من أهمّ أسباب حدوث الألفة بين النّاس، لأنّها كما يقول الماورديّ: «تكسب بصادق الميل إخلاصا، ومصافاة، وتحدث بخلوص المصافاة وفاء ومحاماة» «2» . وإذا كان الدّين أكبر باعث على المؤاخاة والتّآخي، فإنّه بذلك يعزّز الألفة والتّجمّع على تعاليم الدّين من أجل صلاح الدّنيا والحياة والمجتمع، وتأتي المؤآخاة عن طريقين: الأوّل: الاتّفاق بين المتآخيين بالطّبيعة والعادات والميول والاتّجاهات، ولذلك أسبابه ومنها: 1- التّجانس في حال يجتمعان فيها ويأتلفان، وإذا قوي التّجانس قوي الائتلاف، وإن ضعف كان ضعيفا، ولذا كان التّجانس أقوى أسباب المؤاخاة، والتّجانس يعني المشاكلة، يقال هذا يجانس هذا أي يشاكله، وقد روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» «3» فهي بالتّجانس متعارفة، وبفقده لا تتعارف بل تتناكر. 2- وقوع الاتّفاق بينهما، ذلك أنّه بالتّجانس والتّشابه يحدث التّواصل بين المتّقين، ممّا يوجد بينهما توحّدا في الاتّجاهات والآراء والميول والعادات. 3- وعن التّواصل الجزئيّ أو الكامل تقع المؤانسة، وسببها انبساط في النّفوس وزوال الحواجز ممّا يجعل الأخ يأنس بأخيه. 4- وإذا سقطت الحواجز النّفسيّة وانبسطت النّفوس نتيجة لذلك، وخلصت النّيّة في المؤاخاة نتج عن ذلك مصافاة بين المتآخيين. 5- وبتولّد الثّقة المتبادلة بين الطّرفين أو الأطراف المتآخية تنتج مودّة بينهما، وهي أدنى حالات الكمال في أحوال الإخاء. 6- وإذا ما وجدت المودّة، واستحسن المتآخون   (1) نزهة الأعين النواظر (132) . (2) أدب الدنيا والدين (162) . (3) انظر الحديث رقم 44 ص 108. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 ما يفعل كلّ واحد منهم تجاه الآخر تولّدت بينهم المحبّة اللّازمة للمؤاخاة التّامّة. 7- وإذا استحسن الأخ في أخيه فضائل نفسه، ومصارف تفكيره، وأحسن أخلاقه، تولّد عن ذلك نوع من الإخاء هو الإعظام والتّعظيم. الثّاني: أخوّة بالقصد: وهذه المؤاخاة تتمّ عن قصد ونيّة، أي يقصد الإنسان إليها قصدا، والباعث إليها أمران: 1- الرّغبة: وهي أن يظهر الإنسان رغبة في مؤاخاة إنسان آخر لظهور فضائل لديه، وتلك تبعث على إخائه، وبمعنى آخر: ظهور صفات جميلة من إنسان في غير تكلّف، بحيث يستحسنها إنسان آخر فيقصد مؤاخاته. وينبغي أن تكون هذه الصّفات أصيلة في الإنسان لا مجرّد تكلّف، فإنّ التّكلّف يفسد الصّفة، بل ويفسد الإنسان المتكلّف أيضا، ولذا لا تصحّ مؤاخاته. 2- الرّهبة أو الحاجة، وتعني رهبة الإنسان وخوفه من وحشة الانفراد، وبالتّالي فهو في حاجة إلى اصطفاء إنسان يأنس بمؤاخاته. وأيّا ما كان أمر دوافع الإخاء فإنّ من يريد أن يؤاخي إنسانا فعليه أن يتعرّف أحواله، ويتحرّى فيه صفات معيّنة تتمثّل فيما يلي: 1- أن يكون متمسّكا بتعاليم الدّين الحنيف، لأنّ تارك الدّين عدوّ نفسه، فلا ترجى منه منفعة غيره أو مودّته أو مواصلته. 2- أن يكون ذا عقل جيّد، يهدي به إلى مراشد الأمور، لأنّ فاقد العقل لا تثبت معه مودّة، ولا تدوم لصاحبه استقامة. 3- أن يكون محمود الأخلاق، مرضيّ الفعال، مؤثرا للخير، آمرا به، كارها للشّرّ ناهيا عنه، ذلك أنّ مؤاخاة الشّرّير تكسب العداء، وتفسد الأخلاق ولا خير فى مودّة تجلب عداوة، وتورث مذمّة وملامة، فإنّ المتبوع تابع صاحبه. 4- أن يكون لدى كلّ واحد منهما ميل إلى صاحبه، ورغبة في مؤاخاته، لأنّ ذلك آكد لحال المؤاخاة. فإذا ما تمّت المؤاخاة ترتّب على ذلك حقوق وواجبات تجاه الإخوان، وذلك كالإغضاء عن الهفوات، والنّصح لهم والتّناصح، ووجوب زيارتهم، ومودّتهم، وغير ذلك من أمور من شأنها إشاعة الألفة والتّألف بين الإخوان، وذلك كلّه بهدف تحقيق التّماسك الاجتماعيّ المطلوب بما يعين على تحقيق أهداف رسالة الإسلام. وهذا ما تشير إليه الآيات والأحاديث الواردة في هذا المجال «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاجتماع- الاعتصام- الاستعانة- الإغاثة- الألفة- الإيثار- الإخلاص- تفريج الكربات- التعاون على البر والتقوى- التعارف- التناصر- صلة الرحم- المواساة المعاتبة- حسن العشرة- حسن المعاملة- حسن الخلق- حسن الظن. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- الإعراض- التخاذل- التعاون على الإثم والعدوان- البغض- التنازع- القسوة- قطيعة الرحم- الهجر- سوء الخلق- سوء المعاملة- سوء الظن- التفرق] .   (1) لمزيد التفاصيل: راجع: أدب الدنيا والدين (162- 175) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 الآيات الواردة في «الإخاء» أخوة النّسب: 1- وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) «1» 2- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) «2» أخوة الدّين: 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) «4» 5- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) «6» 7- اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)   (1) الانعام: 87 مكية (2) مريم: 51- 53 مكية (3) الحجرات: 12 مدنية (4) البقرة: 178 مدنية (5) البقرة: 219، 220 مدنية (6) آل عمران: 102، 103 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) «1» 8- ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) «2» 9- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) «3» 10- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) » أخوة القبيلة: 11- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) «5» 12- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) «6» 13- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) «7» 14- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) «8» 15- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) «9»   (1) التوبة: 9- 11 مدنية (2) الأحزاب: 4- 5 مدنية (3) الحجرات: 10 مدنية (4) الحشر: 10- 11 مدنية (5) الشعراء: 105- 106 مكية (6) الشعراء: 123- 126 مكية (7) الشعراء: 141- 144 مكية (8) الشعراء: 160- 161 مكية (9) النمل: 45 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 16- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) «1» 17- * وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) «2» 18- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) «3» أخوة المودة والمحبة: 19- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) «4» أخوة الصحبة: 20- * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) «5» 21- * وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) «6» الآيات الواردة في «الإخاء» معنى 22- * وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «7» 23- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ   (1) العنكبوت: 36 مكية (2) الأحقاف: 21 مكية (3) ق: 12- 13 مكية (4) الحجر: 45- 74 مكية (5) الأحزاب: 18 مدنية (6) ص: 21- 23 مكية (7) النساء: 36 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «1» 24- يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (41) «2»   (1) التوبة: 40 مدنية (2) يوسف: 39- 41 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 الأحاديث الواردة في (الإخاء والمؤاخاة) 1- * (عن عبيد بن خالد السّلميّ- رضي الله عنه- قال: آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين رجلين. فقتل أحدهما، ومات الآخر بعده بجمعة أو نحوها. فصلّينا عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما قلتم؟» فقلنا: دعونا له، وقلنا: اللهمّ اغفر له وألحقه بصاحبه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأين صلاته بعد صلاته، وصومه بعد صومه وعمله بعد عمله؟» شكّ شعبة في صومه وعمله بعد عمله، «إنّ بينهما كما بين السّماء والأرض» ) * «1» . 2- * (عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء، فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة «2» ، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء فصنع له طعاما فقال له: كل. قال: فإنّي صائم. قال: ما أنا بآكل حتّى تأكل. قال: فأكل. فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم. قال: نم. فنام. ثمّ ذهب يقوم. فقال: نم. فلمّا كان من آخر اللّيل قال سلمان: قم الآن، فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا. ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» ) * «3» . 3- * (عن جابر بن سليم قال: أتيت المدينة، فرأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه «4» ، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فقلت: عليك السّلام يا رسول الله مرّتين، فقال: «لا تقل: عليك السّلام، فإنّ ذلك تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك» ، قلت: أنت رسول الله؟ قال: «أنا رسول الله الّذي إن أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «5» فدعوته أنبتها لك، وإن كنت بأرض قفر، أو فلاة، فضلّت راحلتك، فدعوته ردّها عليك» ، قلت: اعهد إليّ، قال: «لا تسبّنّ أحدا» ، قال: فما سببت بعد ذلك حرّا ولا عبدا ولا شاة ولا بعيرا، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه بوجهك. فإنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار «6» فإنّها من المخيلة وإنّ الله لا يحبّ المخيلة «7» ، وإن امرؤ شتمك أو عيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، يكن وبال ذلك عليه» ) * «8» .   (1) أبو داود (2524) واللفظ له وقال الألباني (2202) : صحيح، وأخرجه النسائي (4/ 74) ، وأحمد 3/ 500. (2) متبذلة: من التبذل وهو ترك التزيّن والتهيّؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع. (3) البخاري- الفتح 4 (1968) . (4) يصدر الناس عن رأيه: أي يتبعون رأيه ويستمعون إليه. (5) السنة: هنا معناها الجدب والقحط. (6) إسبال الإزار: يقال: أسبل فلان ثيابه إذا طوّلها وأرسلها إلى الأرض. (7) المخيلة: الكبر. (8) أبو داود (4084) وقال الألباني (2/ 770) : صحيح، والترمذي (2722) ، وأحمد 5/ 63 جامع الأصول (11: 746) واللفظ له وقال محققه: صححه ابن حبان فى الموارد: إسناده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 4- * (عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أحبّ أحدكم أخاه فليخبره أنّه يحبّه» ) * «1» . 5- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أقيموا الصّفوف وحاذوا بين المناكب، وسدّوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم. (لم يقل أبو عيسى بأيدي إخوانكم) : ولا تذروا فرجات للشّيطان، ومن وصل صفّا وصله الله، ومن قطع صفّا قطعه الله» ) * «2» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «أنّ رجلا زار أخا له في قرية أخرى. فأرصد «3» الله له على مدرجته «4» ملكا. فلمّا أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربّها «5» ؟ قال: لا. غير أنّي أحببته في الله- عزّ وجلّ-. قال: فإنّي رسول الله إليك، بأنّ الله قد أحبّك كما أحببته فيه» ) * «6» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آخى بين أبي عبيدة بن الجرّاح وبين أبي طلحة» ) * «7» . 8- * (عن عروة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنّما أنا أخوك، فقال له: «أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال» ) * «8» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أولى النّاس بعيسى ابن مريم. في الأولى والآخرة» . قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «الأنبياء إخوة من علّات «9» . وأمّهاتهم شتّى ودينهم واحد، فليس بيننا نبيّ» ) *1» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» . قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ فوق يديه «11» » ) * «12» . 11- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنهما- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم تختصمون إليّ   (1) أبو داود (5124) واللفظ له، والترمذي (2393) وقال محقق جامع الأصول (6/ 548) واللفظ له: إسناده صحيح، ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان (513) وقال: حديث حسن، قال الألباني في سلسلة الصحيحة (1/ 703) : صحيح. (2) قال أبو داود: ومعنى «ولينوا بأيدي اخوانكم» إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف. أبو داود (666) وقال الألباني: 1/ 131 ح 620: صحيح. (3) فأرصد: أي أقعده يرقبه. (4) على مدرجته: المدرجة هي الطريق. سميت بذلك لأن الناس يدرجون عليه. أي يمضون ويمشون. (5) تربّها: أي تقوم بإصلاحها، وتنهض إليه بسبب ذلك. (6) مسلم (2567) . (7) مسلم (2528) ، وذكره البخاري تعليقا. (8) البخاري- الفتح 9 (5081) . (9) أبناء العلات: من كان أبوهم واحدا وأمهاتهم شتى والكلام هنا على التشبيه. (10) البخاري- الفتح 6 (3443) ، مسلم (2365) واللفظ له. (11) تأخذ فوق يديه: أي تمنعه من الظلم. (12) البخاري- الفتح 5 (2444 واللفظ له، ومسلم (2888) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن «1» بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ممّا أسمع منه فمن قطعت له من حقّ أخيه شيئا فلا يأخذه. فإنّما أقطع له به قطعة من النّار «2» » ) * «3» . 12- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما امرىء قال لأخيه: يا كافر. فقد باء بها «4» أحدهما إن كان كما قال. وإلّا رجعت عليه» ) * «5» . 13- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة، وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» ) * «6» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا. إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا» ) * «7» . 15- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو ذرّ يحدّث؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فرج سقف بيتي وأنا بمكّة. فنزل جبريل صلّى الله عليه وسلّم ففرج صدري. ثمّ غسله من ماء زمزم ثمّ جاء بطست «8» من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا. فأفرغها في صدري، ثمّ أطبقه، ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء، فلمّا جئنا السّماء الدّنيا قال جبريل- عليه السّلام- لخازن السّماء الدّنيا: افتح، قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم. معي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قال: فأرسل إليه؟ قال: نعم. ففتح. قال، فلمّا علونا السّماء الدّنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة «9» وعن يساره أسودة. قال: فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. قال فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قال قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا آدم صلّى الله عليه وسلّم. وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه «10» ، فأهل اليمين أهل الجنّة. والأسودة الّتي عن شماله أهل النّار. فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل   (1) ألحن: أبلغ وأعلم بالحجة. (2) فإنّما أقطع له به قطعة من النار: أي إن قضيت له بظاهر يخالف الباطن فهو حرام يؤول به إلى النار. (3) البخاري- الفتح 5 (2680) ، مسلم (1713) واللفظ له. (4) باء بها: التزمها ورجع بها. (5) البخاري- الفتح 11 (6104) ، مسلم (60) واللفظ له. (6) الترمذي (1956) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (9/ 561) : وهو حديث حسن. (7) مسلم (2565) . (8) الطست: بفتح الطاء وكسرها إناء معروف للغسل. (9) أسودة: جمع سواد. كقذال وأقذلة، وسنام وأسنمة وزمان وأزمنة. وتجمع الأسودة على أساود، قال أهل اللغة: السواد الشخص. وقيل: السواد الجماعات. (10) نسم بنيه: نسم جمع نسمة وهي نفس الإنسان والمراد أرواح بني آدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 شماله بكى. قال: ثمّ عرج بي جبريل حتّى أتى السّماء الثّانية، فقال لخازنها: افتح. قال: فقال له خازنها مثل ما قال خازن السّماء الدّنيا، ففتح. فقال أنس بن مالك: فذكر أنّه وجد في السّماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم، صلوات الله عليهم أجمعين. ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنّه ذكر أنّه قد وجد آدم- عليه السّلام- في السّماء الدّنيا. وإبراهيم في السّماء السّادسة، قال: فلمّا مرّ جبريل ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإدريس صلوات الله عليه قال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح، قال: ثمّ مرّ فقلت: من هذا؟ فقال: هذا إدريس. قال: ثمّ مررت بموسى- عليه السّلام- فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قال قلت: من هذا؟. قال: هذا موسى. قال: ثمّ مررت بعيسى، فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى ابن مريم، قال: ثمّ مررت بإبراهيم- عليه السّلام- فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح، قال: قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم ... الحديث» ) * «1» . 16- * (عن صفوان (وهو ابن عبد الله بن صفوان) وكانت تحته الدّرداء. قال: قدمت الشّام. فأتيت أبا الدّرداء في منزله فلم أجده. ووجدت أمّ الدّرداء. فقالت: أتريد الحجّ العام؟ فقلت: نعم. قالت: فادع الله لنا بخير. فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكّل، كلّما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكّل به: آمين ولك بمثل» ) * «2» . 17- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قدم عبد الرّحمن بن عوف فآخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرّحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلّني على السّوق. فربح شيئا من أقط وسمن، فرآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد أيّام وعليه وضر من صفرة «3» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مهيم يا عبد الرّحمن «4» ؟» قال: يا رسول الله، تزوّجت امرأة من الأنصار قال: «فما سقت فيها؟» فقال: وزن نواة من ذهب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أولم ولو بشاة» ) * «5» . 18- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «كان أخوان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكان أحدهما يأتي النّبيّ والآخر يحترف «6» فشكى المحترف أخاه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: لعلّك ترزق به» ) * «7» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كان رجلان في   (1) البخاري- الفتح 1 (349) ، مسلم (163) واللفظ له. (2) مسلم (2733) . (3) وضر من صفرة: الوضر: الأثر من الصفرة والحمرة والطيب. (4) مهيم: كلمة يمانية معناها ما أمرك؟ وهي كلمة يستفهم بها والمعنى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم رأى به لطخا من طيب له لون فقال له: «ما حالك؟ وما شأنك؟ فأخبره أنه تزوج وذلك من فعل العروس إذا دخل على زوجته. (5) البخاري- الفتح 7 (3937) واللفظ له، ومسلم (1437) ، وهو من رواية عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- أيضا عند البخاري- الفتح 4 (2048) . (6) يحترف: أي يكتسب من ههنا وههنا. (7) الترمذي (2345) وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على ذنب، فيقول: أقصر، فوجده يوما على ذنب، فقال له: أقصر، فقال: خلّني وربّي أبعثت عليّ رقيبا؟ فقال: والله، لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنّة، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند ربّ العالمين، فقال لهذا المجتهد: كنت بى عالما أو أكنت على ما في يديّ قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنّة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النّار» . وقال أبو هريرة: والّذى نفسى بيده لتكلّم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته) * «1» . 20- * (عن عمرو وابن طاوس عن طاوس أنّه كان يخابر «2» قال عمرو: فقلت له: يا أبا عبد الرّحمن لو تركت هذه المخابرة فإنّهم يزعمون أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن المخابرة. فقال: أي عمرو أخبرني أعلمهم بذلك (يعني ابن عبّاس) ، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم ينه عنها. إنّما قال: «يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خرجا معلوما» ) * «3» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره. التّقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرّات. «بحسب امريء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه» ) * «4» . 22- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» ) * «5» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يبع «6» حاضر لباد، ولا تناجشوا ولا يزيدنّ على بيع أخيه، ولا يخطبنّ على خطبته. ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستكفىء إناءها» ) * «7» . 24- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «8» .   (1) أبو داود (4901) واللفظ له وقال الألباني (3/ 926) : صحيح، وأحمد (2/ 323، 363) وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن وطرف منه عند مسلم (2621) . (2) المخابرة: المزارعة. (3) مسلم (1550) . (4) البخاري- الفتح 5 (2442) ، مسلم (2564) . (5) مسلم (2626) ، وطلق- بفتح الطاء وسكون اللام- أي ضاحك مشرق. (6) في فتح الباري «يبيع» بإثبات الياء قبل العين، وما أثبتناه من صحيح البخاري (2/ 970) (ط. البغا) وهو الوجه. (7) البخاري- الفتح 5 (2723) واللفظ له، ومسلم (1515) . (8) البخاري- الفتح 10 (6077) واللفظ له، مسلم (2560) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يخطب الرّجل على خطبة أخيه. ولا يسوم على سوم أخيه «1» ولا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها. ولا تسأل المرأة طلاق أختها «2» لتكتفىء صحفتها، ولتنكح «3» فإنّما لها ما كتب الله لها» ) * «4» . 26- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يمنع أحدكم أخاه مرفقه» أن يضعه على جداره» ) * «6» . 27- * (عن أنس- رضي الله عنه-: كنت جالسا ورجل عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن عبد حتّى يحبّ لأخيه المسلم ما يحبّ لنفسه» قال أنس: فخرجت أنا والرّجل إلى السّوق فإذا سلعة تباع فساومته فقال بثلاثين، فنظر الرّجل فقال: قد أخذت بأربعين، فقال صاحبها: ما يحملك على هذا وأنا أعطيكها بأقلّ من هذا، ثمّ نظر أيضا فقال: قد أخذتها بخمسين، فقال صاحبها: ما يحملك على هذا وأنا أعطيكها بأقلّ من هذا، قال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يؤمن عبد حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه وأنا أرى أنّه صالح بخمسين» ) * «7» . 28- * (عن المعرور، قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ   (1) ولا يسوم على سوم أخيه: ولا يسوم، بالواو. يخطب مرفوع. وكلاهما لفظه لفظ الخبر، والمراد به النهي. وهو أبلغ في النهي. لأن خبر الشارع لا يتصور وقوع خلافه، والنهي قد تقع مخالفته. فكأن المعنى عاملوا هذا النهي معاملة الخبر المتحتم. ومعنى قوله عليه السلام «ولا يسوم على سوم أخيه» هو أن يتساوم المتبايعان في السلعة، ويتقارب الانعقاد، فيجيء رجل آخر يريد أن يشترى تلك السلعة ويخرجها من يد المشتري الأول بزيادة على ما استقر الأمر عليه بين المتساومين ورضيا به قبل الانعقاد. فذلك ممنوع عند المقاربة لما فيه من الإفساد. ومباح في أول العرض والمساومة. (2) ولا تسأل المرأة طلاق أختها: يجوز في تسأل الرفع والكسر الأول على الخبر الذي يراد به النهي، وهو المناسب لقوله صلّى الله عليه وسلّم قبله: «لا يخطب ولا يسوم. والثاني على النهي الحقيقي. ومعنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل الزوج طلاق زوجته وأن ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة. فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة» ، مجازا. قال الكسائي: وأكفأت الإناء كببته. وكفأته وأكفأته أملته. والمراد بأختها غيرها. سواء كانت أختها من النسب، أو أختها في الإسلام، أو كافرة. والصحفة إناء كالقصعة. وقال الزمخشري: الصحفة قصعة مستطيلة. وقال ابن الأثير: هذا تمثيل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها، إذا سألت طلاقها. (3) ولتنكح: بإسكان اللام والجزم: أي لتنكح هذه المرأة من خطبها هي. (4) مسلم (1408) ، وله شاهد عند البخاري من رواية ابن عمر في الفتح 9 (5142) . (5) ومرفقه: ما ارتفق به وانتفع. (6) أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «المسند» (4/ 84) رقم (2307) : إسناده صحيح. وذكره الهيثمي في المجمع (4/ 160) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح. (7) قال الهيثمي (1/ 95) واللفظ له: المرفوع منه في الصحيحين. البخاري (13) ومسلم (45) ، ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة. إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «1» . 29- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنّة؛ تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش، فلمّا وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلّغ إخواننا عنّا، أنّا أحياء في الجنّة نرزق، لئلّا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلّغهم عنكم، قال: فأنزل الله وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلى آخر الآية» ) * «2» . 30- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكّة خرج عليّ بابنة حمزة، فاختصم فيها عليّ وجعفر وزيد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال عليّ: ابنة عمّي وأنا أخرجتها وقال جعفر: ابنة عمّي وخالتها عندي، وقال زيد: ابنة أخي، وكان زيد مؤاخيا لحمزة، آخى بينهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لزيد: «أنت مولاي ومولاها» . وقال لعليّ: «أنت أخي وصاحبي» ، وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي، وهي إلى خالتها» ) * «3» . 31- * (حدّث عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- بالرّحبة قال: لمّا كان يوم الحديبية خرج إلينا ناسّ من المشركين فيهم سهيل بن عمرو، وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله! خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقّائنا وليس لهم فقه في الدّين، وإنّما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا. قال: «فإن لم يكن لهم فقه في الدّين سنفقّههم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر قريش؛ لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسّيف على الدّين، قد امتحن الله قلبه على الإيمان» . قالوا: من هو يا رسول الله؟. فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: «هو خاصف النّعل» ، وكان أعطى عليّا نعله يخصفها. ثمّ التفت إلينا عليّ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النّار» ) * «4» . 32- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا وجّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله   (1) البخاري- الفتح 1 (30) واللفظ له، ومسلم (1661) . (2) أبو داود (2520) ، وقال الألباني (2199) : حسن. (3) أحمد (1/ 230) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 329) : إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (4/ 323) . (4) الترمذي (3715) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 كيف بإخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس، فأنزل الله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ (الآية) » ) * «1» . 33- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو كنت متّخذا خليلا لا تّخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي» ) * «2» . 34- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين مات النّجاشيّ: «مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلّوا على أخيكم أصحمة) * «3» . 35- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «4» . 36- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله» ، ويقول: «والّذي نفس محمّد بيده، ما توادّ اثنان ففرّق بينهما إلّا بذنب يحدثه أحدهما» ، وكان يقول: «للمرء المسلم على أخيه من المعروف ستّ: يشمّته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، وينصحه إذا غاب، ويشهده ويسلّم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات» ونهى عن هجرة المسلم أخاه فوق ثلاث) * «5» . 37- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النّار يوم القيامة» ) * «6» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه بينهم. إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «7» .   (1) الترمذي (2964) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) البخاري- الفتح 7 (3656) ، مسلم (2383) متفق عليه. (3) البخاري- الفتح 7 (3877) . (4) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له، ومسلم (2580) . (5) رواه أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «المسند» (7/ 191) رقم (5357) : إسناده صحيح وهو في مجمع الزوائد (8/ 184) ما عدا آخره ... وقال: رواه أحمد. (6) الترمذي (1931) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، ورواه أحمد في المسند (6/ 449) والطبراني عن أسماء بنت يزيد. (7) مسلم (2699) ، واللفظ له أبو داود (4946) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المؤمن مرآة المؤمن. والمؤمن أخو المؤمن: يكفّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه» ) * «1» . 40- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أن يقيم الرّجل أخاه من مقعده ويجلس فيه» قلت لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها) * «2» . 41- * (عن أبي النّضر مولى «3» عمر بن عبيد الله أنّه بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لشهداء أحد «هؤلاء أشهد عليهم» . فقال أبو بكر الصّدّيق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي» . فبكى أبو بكر، ثمّ بكى، ثمّ قال: أئنّا لكائنون بعدك) * «4» . 42- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشّعاب. فقلنا: استطير «5» أو اغتيل، قال: فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فلمّا أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال فقلنا: يا رسول الله! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فقال: «أتاني داعي الجنّ. فذهبت معه. فقرأت عليهم القرآن» . قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزّاد. فقال: «لكم كلّ عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحما. وكلّ بعرة علف لدوابّكم» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلا تستنجوا بهما، فإنّهما طعام إخوانكم» ) * «6» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «ولم يكذب إبراهيم عليه السّلام إلّا ثلاث كذبات: ثنتين منهنّ في ذات الله- عزّ وجلّ-: قوله إِنِّي سَقِيمٌ، وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا وقال: بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبّار من الجبابرة، فقيل له: إنّ ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن النّاس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي. فأتى سارة، قال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإنّ هذا سألني عنك فأخبرته أنّك أختي، فلا تكذّبيني. فأرسل إليها، فلمّا دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرّك، فدعت الله فأطلق. ثمّ تناولها الثّانية فأخذ مثلها أو أشدّ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرّك، فدعت فأطلق. فدعا بعض حجبته فقال: إنّكم لم تأتوني بإنسان، إنّما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر. فأتته وهو قائم يصلّى.   (1) أبو داود (4918) وقال الألباني (4110) : حسن. (2) البخاري- الفتح 2 (911) . (3) أبو النضر: سالم بن أبي أمية ثقة ثبت (التقريب رقم 2169) . (4) تنوير الحوالك (2/ 18) صحيح كذا قاله ابن عبد البر. انظر الشرح، ونحوه عند مسلم (249) من حديث أبي هريرة. (5) استطير: طارت به الجن. (6) مسلم (450) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 فأومأ بيده: مهيم «1» ؟ قالت: ردّ الله كيد الكافر أو الفاجر، في نحره، وأخدم هاجر. قال أبو هريرة: تلك أمّكم يا بني ماء السّماء) * «2» . الأحاديث الواردة في (الإخاء) معنى 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» ) * «3» . 45- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل الجليس الصّالح والجليس السّوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إمّا أن يحذيك «4» ، وإمّا أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحا طيّبة، ونافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد ريحا خبيثة» ) * «5» 46- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النّار» ) * «6» . 47- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إنّي أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «7» . 48- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تصاحب إلّا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلّا تقيّ» ) * «8» . 49- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله- عزّ وجلّ-: المتحابّون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النّبيّون والشّهداء» ) * «9» . 50- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) مهيم: أي ما الخبر؟ (2) البخاري- الفتح 6 (3358) واللفظ له، مسلم (2371) . (3) مسلم (2638) . (4) يحذيك: أي يعطيك. (5) البخاري- الفتح 4 (2101) ، مسلم (2628) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 1 (16) واللفظ له، مسلم 1 (43) . (7) البخاري- الفتح 2 (660) ، مسلم (1031) واللفظ له. (8) أبو داود رقم (4832) وقال الألباني (3/ 917) : حسن. والترمذي (2395) واللفظ لهما واسناده حسن، والحاكم في المستدرك (4/ 128) وقال: صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (9) الترمذي (2390) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن الأثير في «جامع الأصول» وقال محققه (6/ 551) : صحيح، وأصله عند مسلم (3566) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» ) * «1» . 51- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا. وشبّك بين أصابعه» ) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإخاء) 52- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: استأذنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في العمرة فأذن لي، وقال لي: «لا تنسنا يا أخيّ من دعائك» فقال: كلمة ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا. قال شعبة: ثمّ لقيت عاصما بعد بالمدينة فحدّثنيه وقال: أشركنا يا أخي في دعائك» ) * «3» . 53- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلس على المنبر قال: «إنّ عبدا خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدّنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده» ، فبكى أبو بكر، وقال: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمّهاتنا. فعجبنا له. وقال النّاس: انظروا إلى هذا الشّيخ، يخبر رسول الله عن عبد خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدّنيا ما شاء وبين ما عنده وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمّهاتنا. قال: فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا به، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذا خليلا من أمّتي لا تّخذت أبا بكر، إلّا خلّة الإسلام، لا يبقينّ في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي بكر» ) *» . 54- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى المقبرة فقال: «السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لا حقون. وددت أنّا قد رأينا إخواننا» قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي. وإخواننا الذّين لم يأتوا بعد» . فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمّتك يا رسول الله؟ فقال: «أرأيت لو أنّ رجلا له خيل غرّ محجّلة «5» بين ظهري خيل دهم بهم «6» . ألا يعرف خيله؟» ، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «فإنّهم يأتون   (1) أبو داود (4833) واللفظ له، الترمذي (2378) وإسناده حسن، وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان (ص 119) وقال محققه: إسناده حسن وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 171) وقال: صحيح إن شاء الله. (2) البخاري- الفتح 5 (2446) واللفظ له، مسلم (2585) . (3) أبو داود رقم (1498) واللفظ له، والترمذي رقم (3562) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2894) ، ومسند اللأمام أحمد (1/ 29) (4) البخاري- الفتح 7 (3904) واللفظ له، ومسلم (2382) . (5) الغرّ: جمع أغر وهو الفرس الذي في جبهته بياض. أما المحجّل فهو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد ويجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين، (انظر النهاية 1/ 346) . (6) الدهم: جمع أدهم من الدهمة وهي السواد، والبهم جمع البهيم وهو الذي لا يخالط لونه لون سواه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 غرّا محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم «1» على الحوض، ألا ليذادنّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضّالّ، أناديهم: ألا هلمّ فيقال: إنّهم قد بدّلوا بعدك. فأقول: «سحقا سحقا «2» » ) * «3» . 55- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنت جالسا في داري فمرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأشار إليّ، فقمت إليه، فأخذ بيدي، فانطلقنا حتّى أتى بعض حجر نسائه، فدخل، ثمّ أذن لي، فدخلت الحجاب عليها، فقال: «هل من غداء؟» ، فقالوا: نعم، فأتي بثلاثة أقرصة «4» ، فوضعن على نبيّ «5» ، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرصا فوضعه بين يديه، وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يديّ، ثمّ أخذ الثّالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يديّ. ثمّ قال: «هل من أدم «6» ؟» . قالوا: لا. إلّا شيء من خلّ. قال: «هاتوه، فنعم الأدم هو» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإخاء) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «ثلاث يصفّين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه» ) * «8» . 2- * (وقال- رضي الله عنه-: «آخ الإخوان على قدر التّقوى، ولا تجعل حديثك بذلة إلّا عند من يشتهيه، ولا تضع حاجتك إلّا عند من يحبّ قضاءها، ولا تغبط الأحياء إلّا بما تغبط الأموات، وشاور في أمرك الّذين يخشون الله عزّ وجلّ» ) * «9» . 3- * (وقال- رضي الله عنه-: «إذا رزقك الله ودّ امرىء مسلم فتمسّك به» ) * «10» . 4- * (وقال- رضي الله عنه-: «يصفّى لك ودّ أخيك ثلاث: أن تبدأه بالسّلام، وأن تدعوه بأحبّ الأسماء إليه، وأن توسّع له في المجلس، وكفى بالمرء عيبا أن يجد على النّاس فيما يأتي «11» ، أو يبدو لهم منه ما يخفى عليه من نفسه، وأن يؤذيه في المجلس بما لا يعنيه» ) * «12» . 5- * (وقال- رضي الله عنه-: «عليك   (1) الفرط- بفتحتين-: المتقدم السابق. (2) سحقا سحقا: بعدا بعدا. (3) مسلم (249) . (4) أقرصة: جمع قرص وهو القطعة من الخبز. (5) نبي: مائدة من خوص أو طبق من خوص. وقوله: دخلت الحجاب عليها: إلى الموضع الذي فيه المرأة وليس فيه أنه رأى بشرتها. وفي رواية «علي بتّي» والبت: كساء من وبر أو صوف، فلعله منديل وضع عليه الطعام. (6) الأدم: مثل الإدام وهو ما يؤتدم به. (7) مسلم (2052) (8) آداب العشرة (16) . (9) كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا (126) . (10) المنتقى من مكارم الأخلاق (159) . (11) وجد عليه: بمعنى غضب منه أو حنق عليه، يقال وجد عليه (بفتح الجيم وكسرها) وجد وموجدة. (12) كتاب الجامع لأبي زيد القيرواني (195) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 بإخوان الصّدق فعش في أكنافهم فإنّهم زين في الرّخاء، وعدّة في البلاء» ) * «1» . 6- * (عن الحسن، قال: كان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يذكر الرّجل من إخوانه في بعض اللّيل، فيقول: «يا طولها من ليلة» . فإذا صلّى المكتوبة غدا إليه. فإذا التقيا عانقه» ) * «2» . 7- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: «من لم يحمل أخاه على حسن النّيّة، لم يحمده على حسن الصّنعة» ) * «3» . 8- * (عن أبي حيّان التّيميّ- رحمه الله- قال: رئي على عليّ بن أبي طالب ثوب كأنّه كان يكثر لبسه، فقيل له فيه. فقال: «هذا كسانيه خليلي وصفيّي عمر ابن الخطّاب رضي الله عنهما، إنّ عمر ناصح «4» الله فنصحه الله» ) * «5» . 9- * (عن أبي صالح طهمان مولى العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنهما- قال: «أرسلني العبّاس إلى عثمان أدعوه، فأتيته في دار القضاء، فقلت: إنّ العبّاس يدعوك، فقال: نعم، أفرغ من شأني ثمّ آتيه. قال: فأتاه، فلمّا دخل عليه قال: أفلح الوجه أبا الفضل، قال: ووجهك. قال: إنّ رسولك أتاني وأنا في دار القضاء، ففرغت من شأني، ثمّ أتيتك، فما حاجتك؟ قال: لا والله إلّا أنّه بلغني أنّك أردت أن تقوم بعليّ وأصحابه فتشكوهم إلى النّاس، وعليّ ابن عمّك وأخوك في دينك، وصاحبك مع نبيّك، قال: أجل، فوالله لو أنّ عليّا شاء أن يكون أدنى النّاس لكان. ثمّ أرسلني إلى عليّ فأتيته، فقال: إنّ أبا الفضل يدعوك، فلمّا جاءه قال: إنّه بلغني أنّ عثمان أراد أن يقوم بك وأصحابك، وعثمان ابن عمّك وأخوك في دينك، وصاحبك مع نبيّك صلّى الله عليه وسلّم فقال عليّ: والله لو أنّ عثمان أمرني أن أخرج من داري لفعلت» ) * «6» . 10- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «أحبّ إخواني إليّ الّذي إذا أتيته قبلني وإذا رغبت عنه عذرني) * «7» . 11- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «اعتبروا النّاس بأخدانهم، فإنّ الرّجل يخادن من يعجبه نحوه» ) * «8» . 12- * (وكان عبد الله بن مسعود يقول: «كنّا إذا افتقدنا الأخ أتيناه، فإن كان مريضا كانت عيادة، وإن كان مشغولا كانت عونا، وإن كان غير ذلك   (1) كتاب الإخوان (116) . (2) ابن أبى الدنيا في كتاب الإخوان (149) ، والإمام أحمد في الزهد (123) . (3) آداب العشرة (11) . (4) ناصح الله أي اشتد وبالغ في نصيحة الله، ومعنى نصيحة الله: صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته/ النهاية (5/ 63) . (5) كتاب الاخوان 238) . (6) المنتقى من مكارم الأخلاق (91) . (7) كتاب الإخوان (134) . (8) كتاب الإخوان (120) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 كانت زيارة» ) * «1» . 13- * (عن شعبة- رضي الله عنه- قال: خرج عبد الله بن مسعود على أصحابه فقال: «أنتم جلاء حزني» ) * «2» . 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «إذا أقسم أحدكم على أخيه فليبرّه، فإن لم يفعل فليكفّر الّذي أقسم عن يمينه» ) * «3» . 15- * (عن عكرمة- رضي الله عنه- قال: «قال الله تعالى ليوسف: يا يوسف بعفوك عن إخوتك رفعت ذكرك في الذّاكرين» ) * «4» . 16- * (عن الوليد بن مسلم قال: قال يوسف بن يعقوب لإخوته الأسباط لمّا حضرته الوفاة: «يا إخوتاه، إنّي لم أنتصف لنفسي من مظلمة ظلمتها في الدّنيا، وإنّي كنت أظهر الحسنة وأدفن السّيّئة، فذلك زادي من الدّنيا. يا إخوتي: إنّي شاركت آبائي في صالح أعمالهم، فأشركوني في قبورهم» ) * «5» . 17- * (قال لقمان لابنه: «أي بنيّ واصل أقرباءك وأكرم إخوانك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعب بهم» ) * «6» . 18- * (وقال أيضا: «يا بنيّ، من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يصاحب صاحب السّوء لا يسلم، ومن يصاحب الصّالح يغنم» ) * «7» . 19- * (وقال لابنه أيضا: «يا بنيّ، لا تعد بعد تقوى الله من أن تتّخذ صاحبا صالحا» ) * «8» . 20- * (عن مجاهد بن جبر- رحمه الله- قال: «إذا تواخى المتحابّان في الله- عزّ وجلّ- فمشى أحدهما إلى الآخر فأخذ بيده فضحك إليه تحاتّت «9» خطاياهما كما يتحاتّ ورق الشّجر. قلت: إنّ هذا ليسير. قال: لا تقل ذلك فإنّ الله- عزّ وجلّ- يقول لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ الآية» ) *1» . 21- * (قال سعيد بن المسيّب- رضي الله عنه- «كتب إليّ بعض إخواني من الصّحابة أن ضع أمر أخيك على الأحسن ما لم تغلب» ) * «11» . 22- * (عن الأوزاعيّ- رحمه الله- قال: «سمعت بلال بن سعد بن تميم، يقول: أخ لك كلّما لقيك ذكّرك بحظّك من الله خير لك من أخ كلّما لقيك وضع في كفّك دينارا» ) * «12» . 23- * (قال ابن الحسن الورّاق، وقد سأل أبا عثمان عن الصّحبة، قال: «هي مع الله بالأدب، ومع الرّسول عليه السّلام بملازمة العلم واتّباع السّنّة،   (1) آداب العشرة (43) . (2) ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان (150) . (3) المنتقى من مكارم الأخلاق (106) . (4) المنتقى من مكارم الأخلاق (85) . (5) المنتقى من مكارم الأخلاق (84) . (6) كتاب الاخوان (128) . (7) المنتقى من مكارم الأخلاق (202) . (8) كتاب الإخوان (110) . (9) تحاتّت خطاياهما: أي تساقطت. (10) كتاب الإخوان (175) . (11) آداب العشرة (16) . (12) كتاب الإخوان (150) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 ومع الأولياء بالاحترام والخدمة، ومع الإخوان بالبشر والانبساط وترك وجوه الإنكار عليهم، ما لم يكن خرق شريعة أو هتك حرمة. قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ الآية (الأعراف: 199) والصّحبة مع الجهّال بالنّظر إليهم بعين الرّحمة، ورؤية نعمة الله عليك إذ لم يجعلك مثلهم، والدّعاء لله أن يعافيك من بلاء الجهل» ) * «1» . 24- * (كتب الاحنف بن قيس مع رجل إلى صديق له: «أمّا بعد، فإذا قدم عليك أخ لك موافق، فليكن منك مكان سمعك وبصرك، فإنّ الأخ الموافق أفضل من الولد المخالف، ألا تسمع إلى قول الله- عزّ وجلّ- لنوح في شأن ابنه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ يقول: ليس من أهل ملّتك. فانظر إلى هذا وأشباهه. فاجعلهم كنوزك وذخائرك، وأصحابك في سفرك وحضرك، فإنّك إن تقرّبهم تقرّبوا منك، وإن تباعدهم يستغنوا بالله- عزّ وجلّ- والسّلام» ) * «2» . 25- * (عن محمّد بن كعب القرظيّ أنّه: أوصى عمر بن عبد العزيز فقال له: «يا عمر بن عبد العزيز، أوصيك بأمّة محمّد خيرا، من كان منهم دونك فاجعله بمنزلة ابنك، ومن كان منهم فوقك فاجعله بمنزلة أبيك، ومن كان منهم سنّك فاجعله بمنزلة أخيك، فبرّ أباك، وصل أخاك، وعاهد ولدك فقال عمر: «جزاك الله يا محمّد بن كعب خيرا» ) * «3» . 26- * (عن مالك بن دينار أنّه قال لختنه «4» : «يا مغيرة، انظر كلّ أخ لك وصاحب لك، وصديق لك لا تستفيد في دينك منه خيرا فانبذ عنك صحبته، فإنّما ذلك لك عدوّ. يا مغيرة! النّاس أشكال: الحمام مع الحمام. والغراب مع الغراب، والصّعو «5» مع الصّعو، وكلّ مع شكله» ) * «6» . 27- * (قال الحسن- رحمه الله-: «المؤمن مرآة أخيه إن رأى فيه ما لا يعجبه سدّده وقوّمه، وحاطه وحفظه في السّرّ والعلانية. إنّ لك من خليلك نصيبا وإنّ لك نصيبا من ذكر من أحببت. فثقوا بالأصحاب والإخوان والمجالس» ) * «7» . 28- * (كنت مع محمّد بن واسع بمرو. فأتاه عطاء بن أبي مسلم. ومعه ابنه عثمان، فقال لمحمّد: أيّ العمل في الدّنيا أفضل؟ قال: «صحبة الأصحاب، ومحادثة الإخوان إذا اصطحبوا على البرّ والتّقوى. قال: فحينئذ يذهب الله- عزّ وجلّ- بالحلاوة بينهم، فوصلوا وتواصلوا. ولا خير في صحبة الأصحاب ومحادثة الإخوان إذا كانوا عبيد بطونهم لأنّهم إذا كانوا كذلك ثبّط بعضهم بعضا عن الآخرة» ) * «8» . 29- * (قال رجل لداوود الطّائيّ: أوصني،   (1) آداب العشرة (20) . (2) كتاب الإخوان (116) ، وآداب العشرة (37) . (3) المنتقى من مكارم الأخلاق (157) . (4) الختن: الصهر أو كل ما كان من قبل المرأة كأبيها وأخيها. (5) والصعو: طائر أصغر من العصفور. (6) المنتقى من مكارم الأخلاق (159) . (7) كتاب الاخوان (131) . (8) كتاب الإخوان (128) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 قال: «اصحب أهل التّقوى، فإنّهم أيسر أهل الدّنيا عليك مئونة، وأكثرهم لك معونة» ) * «1» . 30- * (عن معاوية بن قرّة، قال: «نثرنا في المودّة والإخاء فلم نجد أثبت مودّة من ذي أصل» ) * «2» . 31- * (سئل بعض الحكماء: أيّ الكنوز خير؟ قال: «أمّا بعد تقوى الله فالأخ الصّالح» ) * «3» . 32- * (قال حمدون القصّار: «إذا زلّ أخ من إخوانك، فاطلب له تسعين عذرا، فإن لم يقبل ذلك فأنت المعيب» ) * «4» . 33- * (قال ابن المبارك: «من استخفّ بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخفّ بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخفّ بالإخوان ذهبت مروءته» ) * «5» . 34- * (كتب عالم إلى من هو مثله أن اكتب لي بشيء ينفعني في عمري. فكتب إليه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم. استوحش من لا إخوان له، وفرّط المقصّر في طلبهم، وأشدّ تفريطا من ظفر بواحد منهم فضيّعه؛ ولوجد أنّ الكبريت الأحمر أيسر من وجدانه؛ والنّاس ثلاثة: معرفة، وأصدقاء، وإخوان؛ فالمعرفة بين النّاس كثيرة، والأصدقاء عزيزة. والأخ فلّما يوجد» ) * «6» . 35- * (قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: إنّه سأل أبا عبد الله- يعني أحمد بن حنبل- عن الحديث الّذي جاء «إذا بلغك شيء عن أخيك فاحمله على أحسنه حتّى لا تجد له محملا» ما يعني به؟ قال أبو عبد الله: يقول تعذره تقول لعلّه كذا لعلّه كذا» ) * «7» . 36- * (عن الحسن بن كثير، قال: «شكونا إلى محمّد بن علىّ الحاجة وجفاء إخواني. فقال: «بئس الأخ أخ يرعاك غنيّا ويقطعك فقيرا» . ثمّ أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم، فقال: «استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني» ) * «8» . 37- * (قال أبو سليمان الدّارانيّ: «لو أنّ الدّنيا كلّها لي في لقمة، ثمّ جاءني أخ لأحببت أن أضعها في فيه» ) * «9» . 38- * (عن عمرو بن عبد الرّحمن، قال: «جاءت يزيد بن عبد الملك بن مروان غلّة من غلّته، فجعل يصرّرها ويبعث بها إلى إخوانه، وقال: إنّي لأستحي من الله- عزّ وجلّ- أن أسأل الجنّة لأخ من إخواني وأبخل عليه بدينار أو درهم» «10» . 39- * (عن عمر بن عبد العزيز قال: «ما أعطيت أحدا ما لا إلّا وأنا أستقلّه، وإنّي أستحي من الله- عزّ وجلّ- إن سألت الله- عزّ وجلّ- لأخ من   (1) كتاب الإخوان (124) . (2) المرجع السابق (132) . (3) المرجع السابق (133) . (4) آداب العشرة (9) . (5) المرجع السابق (18) . (6) المرجع السابق (19) . (7) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 302) . (8) كتاب الإخوان (215) . (9) كتاب الإخوان (235) . (10) المرجع السابق (223) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 إخواني وأبخل عنه بالدّنيا وإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الدّنيا بيدك كنت أبخل» ) * «1» . 40- * (عن عبيد بن عمير أنّه: «إذا آخى أخا في الله أخذ بيده فاستقبل به القبلة ثمّ قال: اللهمّ اجعلنا شهداء بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم. واجعل محمّدا صلّى الله عليه وسلّم شهيدا بالإيمان، وقد سبقت لنا منك الحسنى، غير مغلول علينا، ولا قاسية قلوبنا، ولا قائلين ما ليس لنا بحقّ، ولا سائلين ما ليس لنا بعلم» ) * «2» . 41- * (عن أبي عبد الرحمن البصريّ، عن أبيه، أنّ رجلا من عبد القيس قال لابنه: «أي بنيّ لا تؤاخ أحدا حتّى تعرف موارد أموره ومصادرها، فإذا استطبت منه الخبر، ورضيت منه العشرة، فآخه على إقالة العثرة والمواساة عند العسرة» ) * «3» . 42- * (قال بعضهم: حدّثنا بعض أصحابنا، قال: «كانت الحكماء تقول: إنّ ممّا يجب للأخ على أخيه مودّته بقلبه، وتزيّنه بلسانه، ورفده بماله «4» ، وتقويمه بأدبه، وحسن الذّبّ والمدافعة عن عيبته» ) * «5» . 43- * (ومن أمثالهم: «ربّ أخ لم تلده أمّك» ) * «6» . 44- * (كان سفيان الثّوريّ يتمثّل: ابل الرّجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسّمنّ أمورهم وتفقّد فإذا وجدت أخا الأمانة والتّقى ... فبه اليدين- قرير عين- فاشدد ودع التّذلّل والتّخشّع تبتغي ... قرب امرىء إن تدن منه تبعّد » ) * «7» . 45- قال بشّار بن برد: إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الّذي لا تعاتبه فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه ... مقارف ذنب مرّة ومجانبه إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه ) * «8» . 46- وقال بعضهم: ما ذاقت النّفس على شهوة ... الذّ من حبّ صديق أمين من فاته ودّ أخ صالح ... فذلك المغبون حقّ اليقين) * «9» . 47- وقال الشّاعر: أخاك أخاك إنّ من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح) * «10» .   (1) المرجع السابق (214) . (2) المرجع السابق (151) . (3) المرجع السابق (133) . (4) رفده بماله: الرفد بالكسر العطاء والصلة ورفده بالمال أعطاه إياه. (5) كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا (133) والعيبة: موضع سرّ الرّجل. (6) الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلّام (175) . (7) كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا (115) . (8) آداب العشرة (18) . (9) آداب العشرة (21) . (10) شرح ابن عقيل (3/ 301) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 من فوائد (الإخاء) من خلال ما سبق يتّضح لنا عدّة أمور؛ من أهمّها ما يأتى: الأوّل: أنّ الأخوّة والمؤاخاة تأتي على مراتب: 1- أخوّة النّسب والقرابة، وقد راعاها الإسلام، وجعلها ركيزة أساسيّة لصلة الرّحم القائمة في الأساس على وحدة العقيدة الدّينيّة، ممّا يكون مدعاة إلى التّعاون الاجتماعيّ. 2- الأخوّة والمؤاخاة في الله سبحانه، حيث جعل الإسلام هذا النّوع من الأخوّة فوق كلّ أخوّة إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ. وقد جعل الإسلام هذا التّآخي من كمال الإيمان، حيث جعله رابطة قويّة بين المسلم وأخيه المسلم، ومن كمال الإيمان أن يحبّ المسلم لأخيه ما يحبّ لنفسه. وقد جعل الإسلام التّآخي في الله مسئوليّة يتقلّدها كلّ مسلم ويحافظ عليها بأمر الله تعالى، وبقدر المحافظة على هذه الأخوّة تكون قوّة الإيمان. 3- الأخوّة في الإنسانيّة بحكم أنّ الإنسان مهما اختلفت عقيدته هو أخ للإنسان عليه أن يتوجّه إليه بالدّعوة لهدايته وتزكيته. وهذا من أهمّ خصائص المنهج القرآنيّ. الثّاني: أنّ للأخوّة مكانة سامية في الإسلام، ولذا يحرص على أن يراعي الإنسان المسلم حقوق الأخوّة ومنها: 1- نهي الإسلام عن الإتيان بأسباب التّنازع والفرقة بين الإخوان، كالسّخرية والهمز واللّمز والتّنابز بالألقاب السّيّئة، وكلّ ما يؤذي كالتّجسّس والغيبة والنّميمة. 2- وللأخ على أخيه، أن يشمّته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، وينصحه، ويسلّم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا وجّه إليه دعوة ما، ويطعمه إذا جاع، ويسقيه إذا عطش، ويردّ عن عرضه إذا انتهك أمامه، ويردّ عليه ما ضاع منه إذا وجده، ويحوطه من ورائه، وينبع جنازته إذا مات. 3- وللأخ على أخيه أن يبدأه بالسّلام، ويدعوه بأحبّ أسمائه إليه، وأن يوسّع له في المجلس حبّا وكرامة، وأن يحمل كلّ تصرّفاته على حسن النّيّة. الثّالث: أنّ الأخوّة بهذا المعنى تحقّق عدّة فوائد مهمّة للفرد والمجتمع الإسلاميّ والعالميّ، من هذه الفوائد: 1- تحقيق التّماسك والتّرابط في المجتمع الإسلاميّ، حيث تربط الأخوّة بين الأفراد وتشدّ من أواصر الصّلة والمحبّة والتّعاون على البرّ والتّقوى. 2- حماية المجتمع الإسلاميّ من أشكال الانحراف، ومن أمراض الضّعف الحضاريّ، بحيث يستمرّ هذا المجتمع في قوّته وعطائه. 3- حماية الفرد المسلم من نقاط ضعفه الّتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 جبل عليها، وفي الوقت نفسه حماية المسلم الآخر من هذا الضّعف وألوانه. 4- تحقيق التّوازن الاجتماعيّ، بتحقيق معنى الأخوّة السّامي، فلا يستشعر الفرد المسلم ألم الفوارق بين المسلم وأخيه المسلم سواء كان ذلك الفارق في المال أو في الجاه أو في غير ذلك، ممّا يحقّق توازنا بين الفئات الاجتماعيّة. 5- توفير مهاد اجتماعيّ سليم للعلاقات الاجتماعيّة الإسلاميّة باعتبار أنّ شبكة العلاقات الاجتماعيّة هي العمل التّاريخيّ الأوّل الّذي يقوم به المجتمع، ومن أجل ذلك فإنّ الأخوّة هي الميثاق الّذي يربط بين الأفراد، كما ربط بين المهاجرين والأنصار. 6- توفير اشتراك أفراد المجتمع كلّهم في اتّجاه واحد، من أجل القيام بوظيفة معيّنة ذات غايات محدّدة هي الغايات الإسلاميّة. معنى هذا أنّ أغلى وأسلم أخوّة هي تلك الأخوّة الّتي يربط بينها رباط العقيدة الصّحيحة. 7- توفير الفرصة الكاملة للابتكار والأداء الممتاز في قلب المجتمع بالانسجام بين أفراده، إذ لا يمكن أن يكون هناك أداء حضاريّ ممتاز للمجتمع في مجتمع فاقد خاصيّة الانسجام، لأنّ أفراده يتفرّقون إلى ذرّات متنافرة، ويتحلّل في النّهاية عجزا تامّا عن أداء النّشاط المشترك، أي أنّه يفقد خاصّة المجتمعيّة الّتي أساسها الأخوّة. ولقد حقّق الإسلام نموذج المجتمع المنسجم، حيث كان كلّ فرد مرتبطا ارتباطا واقعيّا بكلّ الآخرين من أعضاء المجتمع بوساطة علاقة الأخوّة، ولذا بلغ ذروة الأداء الحضاريّ. 8- إنّ مهاد الأخوّة الإسلاميّة يتيح فرصة صحّيّة لتناول أمور ومشكلات المجتمع من أجل علاجها هي، وبالتّالي يمكن مواجهة هذه المشكلات وحلّها حلّا سليما. 9- تتيح الأخوّة فرصة طيّبة من أجل تحقيق التّكافل الاجتماعيّ، وتحقيق العدل في المجتمع الإسلاميّ لأنّها تبنى المجتمع على أساس من علاقات اجتماعيّة سليمة. 10- تتيح الأخوّة فرصة جيّدة من أجل تحقيق صالح المجتمع، حيث لا تتضخّم الذّوات الإنسانيّة على حساب هذا الصّالح، وفي أحداث التّاريخ الإسلاميّ البرهان على ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 الإخبات الإخبات لغة: الإخبات مصدر أخبت، وتدلّ مادّة (خ ب ت) في الأصل على المفازة لا نبات فيها أو على المطمئنّ من الأرض، وأخبت الرّجل: قصد الخبت أو نزله، نحو أسهل (نزل السّهل) وأنجد (دخل في نجد) ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللّين والتّواضع، والخشوع لله والاطمئنان إليه، يقال: أخبت إلى ربّه أي اطمأنّ إليه «1» . قال الفرّاء في قوله تعالى: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ (هود/ 23) أي تخشّعوا لربّهم، قال: والعرب تجعل (إلى) في موضع اللّام. وفيه خبتة أي تواضع» . قال الثّوريّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (الحج/ 34) قال: المطمئنّين الرّاضين بقضاء الله المستسلمين له. قال الله تعالى الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (الحج/ 35) «3» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 1/ 10 وبه فسّر ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وقتادة لفظ «المخبتين» وقالا: هم المتواضعون. وقال مجاهد: المخبت المطمئنّ إلى الله عزّ وجلّ. قال: والخبت: المكان المطمئنّ من الأرض، وقال الأخفش: الخائفون، وقال الكلبيّ: هم الرّقيقة قلوبهم. وهذه الأقوال تدور على معنيين: التّواضع، والسّكون إلى الله- عزّ وجلّ-، ولذلك عدّي بإلى، تضمينا لمعنى الطّمأنينة، والإنابة والسّكون إلى الله «4» . واصطلاحا: هو الخضوع والتّذلّل لله- عزّ وجلّ- مع المحبّة والتّعظيم له «5» . قال ابن القيّم- رحمه الله-: والإخبات من أوّل مقامات الطّمأنينة. كالسّكينة، واليقين، والثّقة بالله ونحوها. فالإخبات: مقدّمتها ومبدؤها. وبه يكون ورود المأمن من الرّجوع والتّردّد. إذ لمّا كان «الإخبات» أوّل مقام يتخلّص فيه   (1) المقاييس (2/ 38) ، ومفردات الراغب (104) . (2) النهاية لابن الأثير (2/ 4) ، الصحاح للجوهري. (1/ 247) ، ولسان العرب لابن منظور (2/ 27، 28) . (3) انظر: تفسير ابن كثير (3/ 222) . (4) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 6) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 السّالك من التّردّد الّذي هو نوع غفلة وإعراض. كذلك السّالك إذا ورد مورد «الإخبات» تخلّص من التّردّد والرّجوع، ونزل أوّل منازل الطّمأنينة بسفره، وجدّ في السّير «1» . وهو على ثلاث درجات: الدّرجة الأولى: أن تستغرق العصمة الشّهوة، وتستدرك الإرادة الغفلة، ويستهوي الطّلب السّلوة.. و «العصمة» هي الحماية والحفظ، و «الشّهوة» الميل إلى مطالب النّفس، و «الاستغراق للشّيء» الاحتواء عليه والإحاطة به. يقول: تغلب عصمته شهوته وتقهرها وتستوفي جميع أجزائها. فإذا استوفت العصمة جميع أجزاء الشهوة: فذلك دليل على إخباته. ودخوله في مقام الطّمأنينة، ونزوله أوّل منازلها، وخلاصه في هذا المنزل من تردّد الخواطر بين الإقبال والإدبار، والرّجوع والعزم، إلى الاستقامة والعزم الجازم، والجدّ في السّير. وذلك علامة السّكينة. وتستدرك إرادته غفلته. و «الإرادة» عند القوم: هي اسم لأوّل منازل القاصدين إلى الله، و «المريد» هو الّذي خرج من وطن طبعه ونفسه، وأخذ في السّفر إلى الله، والدّار الآخرة. فإذا نزل في منزل «الإخبات» أحاطت إرادته بغفلته فاستدركها، واستدرك بها فارطها. فالحاصل: أنّ عصمته وحمايته تقهر شهوته، وإرادته تقهر غفلته، ومحبّته تقهر سلوته. الدّرجة الثّانية: أن لا يوحش قلبه عارض، ولا يقطع عليه الطّريق فتنة. و «العارض» هو المخالف كالشّيء الّذي يعترضك في طريقك فيجيء في عرضها. ومن أقوى هذه العوارض: عارض وحشة التّفرّد فلا يلتفت إليه كما قال بعض الصّادقين: انفرادك في طريق طلبك دليل على صدق الطّلب، وقال آخر: لا تستوحش في طريقك من قلّة السّالكين، ولا تغترّ بكثرة الهالكين. وأمّا «الفتنة» الّتي تقطع عليه الطّريق: فهي الواردات الّتي ترد على القلوب، تمنعها من مطالعة الحقّ وقصده. فإذا تمكّن من منزل «الإخبات» وصحّة الإرادة والطّلب لم يطمع فيه عارض الفتنة. الدّرجة الثّالثة: أن يستوي عنده المدح والذّمّ وتدوم لائمته لنفسه. فاعلم أنّه متى استقرّت قدم العبد في منزلة «الإخبات» وتمكّن فيها، ارتفعت همّته، وعلت نفسه عن خطفات المدح والذّمّ، فلا يفرح بمدح النّاس، ولا يحزن لذمّهم. هذا وصف من خرج عن حظّ نفسه، وتأهّل للفناء في عبوديّة ربّه، وصار قلبه مطّرحا لأشعّة أنوار الأسماء والصّفات. وباشر حلاوة الإيمان واليقين قلبه. والوقوف عند مدح النّاس وذمّهم: علامة انقطاع القلب، وخلوّه من الله، وأنّه لم تباشره روح محبّته ومعرفته، ولم يذق حلاوة التّعلّق به والطّمأنينة إليه، ولا يذوق العبد حلاوة الإيمان،   (1) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 7) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وطعم الصّدق واليقين، حتّى تخرج الجاهليّة كلّها من قلبه. فالنّفس جبل عظيم شاقّ في طريق السّير إلى الله- عزّ وجلّ- وكلّ سائر لا طريق له إلّا على ذلك الجبل. فلا بدّ أن ينتهي إليه، ولكن منهم من هو شاقّ عليه، ومنهم من هو سهل عليه، وإنّه ليسير على من يسّر الله عليه. وفي ذلك الجبل أودية، وعقبات، وشوك، ولصوص يقتطعون الطّريق على السّائرين ولا سيّما أهل اللّيل المدلجون. فإذا لم يكن معهم عدد الإيمان، ومصابيح اليقين تتّقد بزيت الإخبات، تعلّقت بهم تلك الموانع. وتشبّثت بهم تلك القواطع. وحالت بينهم وبين السّير «1» . فإنّ أكثر السّائرين فيه رجعوا على أعقابهم لمّا عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته. والشّيطان على قلّة ذلك الجبل يحذّر النّاس من صعوده وارتفاعه، ويخوّفهم منه فيتّفق مشقّة الصّعود وقعود ذلك الموقف على قلّته، وضعف عزيمة السّائر ونيّته. فيتولّد من ذلك: الانقطاع والرّجوع. والمعصوم من عصمه الله. وكلّما رقي السّائر في ذلك الجبل اشتدّ به صياح القاطع، وتحذيره وتخويفه. فإذا قطعه وبلغ قلّته انقلبت تلك المخاوف كلّهنّ أمانا، وحينئذ يسهل السّير، وتزول عنه عوارض الطّريق، ومشقّة عقباتها ويرى طريقا واسعا آمنا يفضي به إلى المنازل والمناهل، وعليه الأعلام، وفيه الإقامات قد أعدّت لركب الرّحمن. فبين العبد وبين السّعادة والفلاح قوّة عزيمة، وصبر ساعة، وشجاعة نفس، وثبات قلب، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم «2» . [للاستزادة: انظر صفات: التواضع- الخشوع- الخشية- الخوف- الرهبة- السكينة.- الضراعة والتضرع- الطمأنينة- القنوت- اليقين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الإصرار على الذنب- الجزع- الكبر والعجب- السخط- القلق- القنوط] .   (1) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 6) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 الآيات الواردة في «الإخبات» 1- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) «1» 2- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) «2» 3- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) «3»   (1) هود: 23 مكية (2) الحج: 34 مكية (3) الحج: 54 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 الأحاديث الواردة في (الإخبات) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو يقول: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أوّاها منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «1» ، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، وسدّد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري» ) * «2» . من الآثار الواردة في (الإخبات) 1- * (روي عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ قال: «هم المتواضعون. وقال الأخفش: الخائفون. وقال إبراهيم النّخعيّ: هم المصلّون المخلصون» ) * «3» . 2- * (أخرج ابن جرير وأبو الشّيخ، عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ قال: «اطمأنّوا» ) * «4» . 3- * (روى الطّبريّ بسنده عن ابن عبّاس قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ قال: «الإخبات: الإنابة» ) * «5» . 4- * (روى الطّبريّ بسنده عن قتادة: قوله تعالى: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ يقول: «وأنابوا إلى ربّهم» ) * «6» . 5- * (روي عن قتادة قوله: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ: «الإخبات: التّخشّع والتّواضع» ) * «7» . 6- * (روي عن عبد الله بن صالح عن ابن عبّاس في قوله وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ يقول: «خافوا» ) * 8. 7- * (وقال النّيسابوريّ: أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ: «اطمأنّوا إليه وانقطعوا لعبادته» ) * 9. 8- * (وقال الطّبريّ: قوله وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ: «بشّر يا محمّد الخاضعين لله بالطّاعة المذعنين له بالعبوديّة المنيبين إليه بالتّوبة» ) * «10» . 9- * (روي عن قتادة في قوله: وَبَشِّرِ   (1) الحوبة: الإثم. وسخيمة صدري: غشه وحقده وغله. (2) الترمذي (3551) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (3830) . (3) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 3) . (4) جامع البيان (7/ 25) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق (12/ 16) . 7، 8، 9 المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (10) رغائب الفرقان (12/ 19) على هامش الطبري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 الْمُخْبِتِينَ قال: «المتواضعين» ) * «1» . 10- * (عن عمرو بن أوس قال: المخبتون الّذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا» ) * «2» . من فوائد (الإخبات) (1) أوّل درجات الطّمأنينة والثّقة بالله وحسن الظّنّ به. (2) للمخبت البشرى من الله بالجنّة. (3) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. (4) الإخبات من الأحوال القلبيّة الموجبة للالتفات عمّا سوى الله. (5) الإخبات يورث صاحبه العزّة في الدّنيا والنّجاة في الآخرة. (6) الإخبات يقي من الفتنة. (7) بالإخبات ترتفع الهمّة وتعلو النّفس عن الرّغبة في المدح أو الخشية من الذّمّ. (8) بالإخبات يباشر القلب حلاوة الإيمان واليقين.   (1) جامع البيان (17/ 117) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 الإخلاص الإخلاص لغة: مصدر أخلص يخلص وهو مأخوذ من مادّة (خ ل ص) الّتي تدلّ على تنقية الشّيء وتهذيبه «1» والخالص كالصّافي إلّا أنّ الخالص ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه والصّافي قد يقال لما لا شوب فيه، ويقال خلّصته فخلص قال ابن منظور: خلص الشّيء بالفتح، يخلص خلوصا وخلاصا إذا كان قد نشب ثمّ نجا وسلم، وأخلصه وخلّصه، وأخلص لله دينه: أمحضه، وأخلص الشّيء: اختاره، وقريء إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* (ص/ 83) والمخلصين- قال ثعلب: يعني بالمخلصين الّذين أخلصوا العبادة لله تعالى. وبالمخلصين الّذين أخلصهم الله- عزّ وجلّ-، فالمخلصون المختارون، والمخلصون: الموحّدون. ولذلك قيل لسورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ سورة الإخلاص. قال ابن الأثير: لأنّها خالصة في صفة الله تعالى وتقدّس. أو لأنّ اللّافظ بها قد أخلص التّوحيد لله عزّ وجلّ، وكلمة الإخلاص: كلمة التّوحيد. والإخلاص في الطّاعة: ترك الرّياء «2» . واصطلاحا: وقال الكفويّ: الإخلاص هو القصد بالعبادة إلى أن يعبد المعبود بها وحده، وقيل تصفية السّرّ والقول الآيات/ الأحاديث/ الآثار 23/ 34/ 8 والعمل «3» . وقال المناويّ الإخلاص: تخليص القلب من كلّ شوب يكدّر صفاءه، فكلّ ما يتصوّر أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلص منه يسمّى خالصا. وقيل: الإخلاص عمل يعين على الإخلاص. وقيل الخلاص عن رؤية الأشخاص، وقيل تصفية العمل من التّهمة والخلل «4» . وقال الجرجانيّ: الإخلاص: ألّا تطلب لعملك شاهدا غير الله تعالى وقيل هو: تخليص القلب عن شائبة الشّوب المكدّر لصفائه- الفطريّ- وتحقيقه أنّ كلّ شيء يتصوّر أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه يسمّى خالصا، قال تعالى: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً (النحل/ 66) . فإنّما خلوص اللّبن أن لا يكون فيه شوب من الفرث والدّم، ومن كلّ ما يمكن أن يمتزج به «5» . و حقيقة الإخلاص: التبرّي عن كلّ ما دون الله تعالى، أمّا الإخلاص في الدّين فيقول فيه الرّاغب: إخلاص المسلمين أنّهم قد تبرّءوا ممّا يدّعي اليهود من التشبيه، والنّصارى من التّثليث، قال تعالى مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ* (الأعراف/ 29، غافر/ 14) وقال- عزّ وجلّ- وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ (النساء/ 146) .   (1) مفردات الراغب (154) . (2) لسان العرب (7/ 26) . ونشب: أي تعلّق به شيء. (3) الكليات للكفوي (64) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (42) . (5) التعريفات للجرجاني (13- 14) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وأجمعوا على أنّ الإخلاص في الطّاعة ترك الرّياء «1» . وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل النّاس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص: الخلاص من هذين. وفي رواية عنه: والإخلاص: أن يعافيك الله منهما «2» . حقيقة الإخلاص: فحقيقة الإخلاص، باعتباره التزاما في مواقف الحياة، لا مجرّد تصوّر نظريّ، وهو «التّبرّي عن كلّ ما دون الله» يجعلنا ننظر إليه من زاويتين: الأولى: من جهة تعلّقه بالعمل، أو من حيث كونه واقعا يتعلّق بحياة النّاس ومواقفها، أو من حيث كونه يتعلّق بسلوك الإنسان، من هذا القبيل نجد أن العمل الصّادر عن الإنسان- أيّا كان- إذا قصد به وجه الله، وظهرت الشّواهد على ذلك، فإنّه يعدّ عملا مخلصا، لأنّه خالص من الشّرك، والرّياء، والمراءاة، والشّهرة. لأنّ العمل الإنسانيّ قد يشوبه شيء ما من ذلك، فإذا صفا عن شوبه، وخلص منه سمّي خالصا، فالإخلاص ينافي الإشراك، والرّياء، والغشّ، والخداع، والاحتيال، والكذب، ولذا قد نجد بينه وبين الصّدق قرابة معنى، وكذلك يمتدّ إلى معنى الصّراحة، ويلتقي بمفهوم الوضوح، والأمانة والصّفاء. وإذا كانت كلّ المعاني السّابقة من رياء وغشّ وخداع، واحتيال، وكذب، تمتدّ إلى الشّرك بمعنى ما، فإنّ من الشّرك ما هو خفيّ وما هو جليّ، وكذا الإخلاص، وكلاهما يرد على قلب المسلم ويكون ذلك في المقصود والنّيّة، ولذا يأتي الفعل على قدر النّيّة، إمّا مخلصا أو غير مخلص، فمن كان قصده من عمله الرّياء، فهو غير مخلص، ومن كان غرضه التّقرّب إلى الله تعالى فهو مخلص، إلّا أنّ العادة جرت بتخصيص الإخلاص على قصد التّقرّب إلى الله تعالى وتخليصه من جميع ما يشوبه. وكلّ عمل باعثه التّقرّب إلى الله تعالى، وانضاف إليه خطرة بشريّة حتّى صار العمل موسوما بها، وأخفّ من جهتها من حيث الإتيان، فقد خرج العمل عن الإخلاص، وخرج عن أن يكون خالصا لوجه الله تعالى، وبالتّالي خرج من أن يكون محقّقا لإنسانيّة الإنسان، وكما يقول الإمام الغزاليّ: «كلّ حظّ من حظوظ الدّنيا تستريح إليه النّفس، ويميل إليه القلب، قلّ أم كثر، إذا تطرّق إلى العمل تكدّر به صفوه، وزال به إخلاصه، والإنسان مرتبط في حظوظه، منغمس في شهواته، قلّما ينفكّ فعل من أفعاله، وعبادة من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس. فلذلك قيل: من سلم له من عمره لحظة خالصة لوجه الله نجا، وذلك لعزّة الإخلاص وعسر تنقية القلب عن هذه الشّوائب، بل الخالص هو الّذي لا باعث له إلّا طلب القرب من الله تعالى» «3» . وقد ذكر ابن تيميّة أنّ إخلاص الدّين هو الّذي   (1) التعريفات (13) ، والإحياء (4/ 400) وما بعدها. (2) مدارج السالكين (3/ 95) والتعريفات (13) . (3) إحياء علوم الدين (4/ 368) ، ومفردات الراغب (154) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 لا يقبل الله تعالى سواه، وهو الذي بعث الله به الأوّلين والآخرين من الرّسل، وأنزل به جميع الكتب، واتّفق عليه أئمّة أهل الإيمان وهذا هو خلاصة الدّعوة النّبويّة، وهو قطب القرآن الّذي تدور عليه رحاه «1» . بناء على ما سبق فإنّ الإخلاص هو تصفية السّرّ والقلب والعمل، والخالص هو الّذي لا باعث له إلّا طلب الحقّ، والإخلاص لا يكون إلّا بعد الدّخول في العمل، والإخلاص لله؛ هو أن لا يفعل المخلص فعلا إلّا لله تعالى. الثّانية: من جهة معناه وشروطه كموقف يلتزم به الإنسان في حياته. الإخلاص ينقسم بحسب ما يظهر من العبد، يمكن أن يشمل كلّ فعل الإنسان، ولذا يقال: إنّ الإخلاص أربعة أقسام: إخلاص في الأقوال، وإخلاص في الأفعال، وإخلاص في الأعمال أي العبادات، وإخلاص في الأحوال أي إلهامات القلب وواردات الغيب. والدّين شامل لكلّ هذا، وباعتبار أنّ الإخلاص التزام حيويّ أكثر ممّا هو تصوّر نظريّ، فإنّ موقف الإخلاص يستلزم عدّة أمور، وهي: 1- الاستمراريّة: حيث إنّ حياة الإنسان عبارة عن تواصل واستمرار، ومواقف الحياة مستمرّة ومتكاملة، ولذا لا ينبغي أن يتفكّك الإخلاص أو يتبعثر، لأنّه لا يتعلّق بالموقف المعاصر فقط، ولا بالماضي فقط، ولا بالمستقبل فقط، وإنّما هو موقف مستمرّ، ومن ثمّ كانت الاستمراريّة صفة أساسيّة في الإخلاص. 2- التّكامل: بمعنى انضواء الشّخص بجميع مكوّناته في أهداف وجوده المستمدّة من الإطار الإسلاميّ للحياة، حتّى يتمكّن من بلوغ أكمل درجة ممكنة من صياغة الذّات بطريقة متكاملة، وذلك عبر محبّة قويّة لله وللحقّ والحقيقة، وللآخرين المخلصين، هذا إلى جانب التّكامل بين النّيّة والفعل. 3- العلم: حيث إنّ الإخلاص يستلزم وعي الإنسان بوجوده في إطار التّعاليم الإسلاميّة، وهذا الوعي لا يمكن أن يتمّ بغير معرفة، لأنّه لا يمكن أن يتأتّى عن جهل، وجهل الإنسان لا يمكن أن يؤدّي إلى إخلاص حقيقيّ، ومن ثمّ كان العلم شرطا ضروريّا لتحقيق الإخلاص، هذا إلى جانب ضرورة العلم بما يحقّق الإخلاص. 4- التدرّج: باعتبار أنّ الإخلاص جهد بشريّ من أجل الوصول إلى كمال الإنسان بوصوله إلى حقيقة العبوديّة والتّحقّق بها، ولذا فإنّ الإنسان يتعثّر وينهض مرارا وتكرارا، بهدف بلوغ المرتبة العالية، إنّ التّجربة صعبة في مواقف حياة الإنسان، ولذا فهو يحتاج إلى التّدرّج، وهذا شرط لكمال الإخلاص. 5- الأمانة: باعتبارها رعاية لحقّ الله تعالى، وأداء للفرائض والواجبات، وهذا يتطلّب عدم الخيانة وحفظ الحقوق، وهي خير شاهد خارجيّ على الإخلاص، وخاصّة أنّ المنزلقات الّتي يمكن أن تطيح بالأمانة اللّازمة للإخلاص وفيرة، وهذه توفّر   (1) التحفة العراقية في أعمال القلوب (58) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 حظوظا للنّفس تفسد الإخلاص، ولذا كان لأبدّ من توافر الأمانة لتوافر الإخلاص والتمسّك به. وخلاصة الأمر؛ أنّ الإخلاص تصفية للعمل والقول والعبادة ممّا يشوبها من رياء ومراءاة أو خداع أو كذب، ويأتي في مراتب عديدة، وهي: طرح العمل وعدم رؤيته، فضلا عن طرح طلب العوض عنه، والخجل من العمل مع بذل الوسع والغاية فيه، مع رؤية التّوفيق في العمل المخلص على أنّه جود من الله تعالى، ثمّ إخلاصه بالخلاص منه، أي جعله خالصا لوجه الله تعالى «1» . الفرق بين الإخلاص والصدق: قال الجرجانيّ: الفرق بين الإخلاص والصّدق: أنّ الصّدق أصل وهو الأوّل: والإخلاص فرع وهو تابع، وفرق آخر أنّ الإخلاص لا يكون إلّا بعد الدّخول في العمل، أمّا الصّدق فيكون بالنّيّة قبل الدّخول فيه «2» . لفظ الإخلاص في القرآن الكريم: ورد لفظ الإخلاص في القرآن الكريم على وجوه: الأوّل: قال في حقّ الكفّار عند مشاهدتهم البلاء: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (يونس/ 22) . الثّاني: في أمر المؤمنين: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (غافر/ 65) . الثّالث: في أنّ المؤمنين لم يؤمروا إلّا به: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (البينة/ 5) . الرّابع: في حقّ الأنبياء: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (ص/ 46) . الخامس: في المنافقين إذا تابوا: وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ (النساء/ 46) . السّادس: أنّ الجنّة لم تصلح إلّا لأهله: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (الصافات/ 40) . السّابع: لم ينج من شرك تلبيس إبليس إلّا أهله: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (ص/ 83) «3» . وتتلخّص هذه الوجوه في أمرين: الأوّل: الدّين لله سواء من المؤمنين عند الدّعاء أو العبادة، أو من الكفّار عند البلاء أو من المنافقين عند التّوجّه، ومن هذا النّوع الإخلاص المطلق لله- عزّ وجلّ-. الآخر: إخلاص الله عباده الّذين اصطفاهم واختارهم سواء أكانوا من الأنبياء أو من غيرهم وسنحاول فيما يلي تصنيف ما ورد في القرآن الكريم متعلّقا بهذه الصّفة وفقا للسّياقات الّتي ورد بها. [للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- الأدب الأمانة- الاستقامة- الأسوة الحسنة- الصدق- المراقبة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرياء- الإساءة التهاون- الخداع- الخيانة- القدوة السيئة- النفاق الشرك] .   (1) لمزيد من التفاصيل: راجع: إحياء علوم الدين (4/ 376- 369) . روضة التعريف بالحب الشريف (ج 2/ 472) . المنهاج في شعب الإيمان (3/ 114) . المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني (154) . (2) التعريفات للجرجاني (31، 14) . (3) بصائر ذوي التمييز (1/ 172) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 الآيات الواردة في «الإخلاص» إخلاص الدين لله: 1- قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) » 2- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) «2» 3- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «3» 4- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) «4» 5- قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) «5» 6- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) «6» 7- هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) «7» 8- وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) «8» 9- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ   (1) البقرة: 139 مدنية (2) الأعراف: 29 مكية (3) الزمر: 2- 3 مكية (4) الزمر: 11- 12 مكية (5) الزمر: 14- 15 مكية (6) غافر: 13- 14 مكية (7) غافر: 65 مكية (8) البينة: 4- 5 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) «1» 10- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) «2» 11- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) «3» 12- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) «4» 13- وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (67) 1 لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) «5» إخلاص الله- عز وجل- من شاء من عباده: أ- الأنبياء- صلوات الله عليهم-: 14- وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) «6» 15- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) «7» 16- وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) «8» ب- المؤمنون الناجون (من عذاب الدنيا أو من عذاب الآخرة أو من تلبيس إبليس) : 17- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) «9» 18- إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38) وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) «10»   (1) النساء: 145- 146 مدنية (2) يونس: 22 مكية (3) العنكبوت: 65- 66 مكية (4) لقمان: 31- 32 مكية (5) الصافات: 167- 170 مكية (6) يوسف: 24 مكية (7) مريم: 51 مكية (8) ص: 45- 46 مكية (9) الحجر: 36- 40 مكية (10) الصافات: 38- 43 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 19- إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (69) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) «1» 20- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) «2» 21- أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) «3» 22- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) «4» الآيات الواردة في «الإخلاص» معنى 23- قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) «5»   (1) الصافات: 69- 74 مكية (2) الصافات: 123- 128 مكية (3) الصافات: 156- 160 مكية (4) ص: 79- 83 مكية (5) الإخلاص: 1- 4 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 الأحاديث الواردة في (الإخلاص) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا صلّيتم على الميّت فأخلصوا له الدّعاء» ) * «1» 2- * (عن عطاء بن السّائب عن أبيه قال: صلّى بنا عمّار بن ياسر صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خفّفت أو أوجزت الصّلاة، فقال: أمّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا قام تبعه رجل من القوم، هو أبي غير أنّه كنّى عن نفسه، فسأله عن الدّعاء ثمّ جاء فأخبر به القوم: «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك، في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» ) * «2» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّ رجلين اختصما إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدّعي البيّنة فلم يكن له بيّنة، فاستحلف المطلوب، فحلف بالله الّذي لا إله إلّا هو، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّك قد فعلت، ولكن غفر لك بإخلاصك قول لا إله إلّا الله» ) * «3» . 4- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذّكر، ما له؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا شيء له» . فأعاد ثلاث مرّات. يقول له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا شيء له» . ثمّ قال: «إنّ الله لا يقبل من العمل إلّا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه» ) * «4» . 5- * (عن عثمان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّي لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقّا من قلبه إلّا حرّم على النّار» . فقال له عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: أنا أحدّثك ما هي؟ هي كلمة الإخلاص الّتي أعزّ الله- تبارك وتعالى- بها محمّدا صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وهي كلمة   (1) أبو داود: (3199) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 617) برقم (2740) : حسن. (2) النسائي (3/ 54) واللفظ له وفي المستدرك: (كلمة الحكم في الرضا والغضب) . (1/ 524) وقال عنه: صحيح الإسناد. (3) احمد (1/ 253، 288) ، وقال أحمد شاكر في تحقيقه (4/ 75، 76) رقم الحديث (2280) : إسناده صحيح. (4) النسائي (6/ 25) واللفظ له وقال الشيخ ناصر الألباني (52) من سلسلة الأحاديث الصحيحة: إسناده حسن كما قاله الحافظ العراقي في تخريج الإحياء، ونحوه عند أحمد (4/ 126) . من حديث شداد بن أوس. وذكر بطرق مختلفة عن ابن عباس وأبي هريرة، السنن الكبرى البيهقي (9/ 282) وما بعدها. وقال محقق جامع الأصول (3/ 584) : وسنده حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 التّقوى الّتي ألاص «1» عليها نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم عمّه أبا طالب عند الموت: شهادة أنّ لا إله إلّا الله» ) * «2» . 6- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» زاد فيه عليّ بن محمّد «ثلاث لا يغلّ «3» عليهنّ قلب امريء مسلم: إخلاص العمل لله، والنّصح لأئمّة المسلمين ولزوم جماعتهم» ) * «4» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت أبا بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- على هذا المنبر يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا اليوم من عام الأوّل، ثمّ استعبر أبو بكر وبكى، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لم تؤتوا شيئا بعد كلمة الإخلاص مثل العافية، فاسألوا الله العافية» ) * «5» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قيل يا رسول الله: من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لّا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا إله إلّا الله خالصا من قلبه- أو نفسه-» ) *» . 9- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا انصرف من الصّلاة، يقول: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلّا الله، مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون، أهل النّعمة والفضل والثّناء الحسن، لا إله إلّا الله مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون» ) * «7» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما قال عبد لا إله إلّا الله قطّ مخلصا، إلّا فتحت له أبواب السّماء حتّى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر» ) * «8» .   (1) ألاص الإنسان إذا حرّكه عن موضعه وأداره لينتزعه. (2) أحمد (1/ 63) ، وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (1/ 353) : إسناده صحيح. وهو في مجمع الزوائد (1/ 15) وقال: رجاله ثقات. (3) لا يغلّ: لا يغلّ عليه قلب مؤمن أي لا يكون معها في قلبه غش وزغل ونفاق ولكن يكون معها الإخلاص في ذات الله- عز وجل- وهو في الإغلال بمعنى الخيانة ويروى يغلّ من الغلّ وهو الحقد. (4) ابن ماجة (230) واللفظ له، قال محقق جامع الأصول (1/ 265، 266) : الحديث رواه البزار بإسناد حسن. وأخرجه الشافعي في مسنده (1/ 14) من حديث ابن مسعود وإسناده صحيح والدرامي (1/ 86، 87) . وأخرجه أحمد في المسند (5/ 183) وغيره من حديث زيد بن ثابت. وإسناده صحيح وورد فى مجمع الزوائد بطرق مختلفة ببعض الزيادات (1/ 137- 139) . (5) مسند أبي يعلى (1/ 76، 77) ، النسائي عمل اليوم والليلة رقم 886، وقال الشيخ أحمد شاكر محقق المسند (1/ 158، 159) واللفظ له: إسناده صحيح. (6) البخاري- الفتح 1 (99) . وله رواية أخرى في الرقاق مثلها إلا قوله: خالصا من قلبه- أو نفسه- جاءت من قبل نفسه- الفتح 11 (6570) . (7) أبو داود (1506) ، وقال الألباني (1/ 281) رقم (1334) : صحيح. ونحوه عند مسلم. (8) الترمذي (3590) وحسنه وكذلك محقق جامع الأصول (4/ 392) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 الأحاديث الواردة في (الإخلاص) معنى 11- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه» ، قال: «ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر- أو كلمة نحوها-» ، وأحدّثكم حديثا فاحفظوه. قال: «إنّما الدّنيا لأربعة نفر، عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النّيّة. يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيّته، فوزرهما سواء» ) * «1» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه «2» » ) * «3» . 13- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يستخلص رجلا من أمّتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلّا «4» ، كلّ سجلّ مدّ البصر، ثمّ يقول: أتنكر من هذا شيئا؟. أظلمتك كتبتي الحافظون؟. قال: لا. يا ربّ، فيقول: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرّجل «5» ، فيقول: لا. يا ربّ، فيقول: بلى، إنّ لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم اليوم عليك، فتخرج له بطاقة «6» فيها «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله» ، فيقول: أحضروه. فيقول: يا ربّ ما هذه البطاقة مع هذه السّجلّات؟ فيقال: إنّك لا تظلم، قال: فتوضع السّجلّات في كفّة، قال: فطاشت السّجلّات، وثقلت البطاقة، ولا يثقل شيء، بسم الله الرّحمن الرّحيم» ) * «7» .   (1) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) تركته وشركه: معناه أنه غني عن المشاركة وغيرها. والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه. (3) مسلم (2985) . (4) السّجلّ: بكسر السين والجيم الكتاب الكبير. (5) يبهت الرجل إذا دهش وتحيّر من الأمر يأتيه بغتة وقيل: انقطع وسكت متحيرا. (6) قال ابن الأثير في النهاية: «البطاقة: رقعة صغيرة يثبت فيها مقدار ما يجعل فيه، إن كان عينا فوزنه أو عدده، وإن كان متاعا فثمنه. قيل: سميت بذلك لأنها تشدّ بطاقة من الثوب، فتكون الباء حينئذ زائدة وهي كلمة كثيرة الاستعمال بمصر» . (7) أحمد 2/ 213 واللفظ له، الترمذي (2369) وحسنه، وقال الشيخ أحمد شاكر: (11/ 175) إسناده صحيح، وابن ماجة (2/ 4300) ، والحاكم في المستدرك (1/ 529) وصححه ووافقه الذهبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) * «1» . 15- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «انطلق ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم حتّى أووا المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار. فقالوا: إنّه لا ينجيكم من هذه الصّخرة إلّا أن تدعوا لله بصالح أعمالكم. فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق «2» قبلهما أهلا ولا مالا. فنأى بي في طلب شيء قوما «3» فلم أرح «4» عليهما حتّى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يديّ- أنتظر استيقاظهما حتّى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم؛ إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنّا ما نحن فيه من هذه الصّخرة. فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قال الآخر: اللهم كانت لي بنت عمّ كانت أحبّ النّاس إليّ، فأردتها عن نفسها فامتنعت منّي، حتّى ألّمت بها سنة «5» من السّنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار، على أن تخلّي بيني وبين نفسها ففعلت، حتّى إذا قدرت عليها، قالت: لا أحلّ لك أن تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فتحرّجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها، وهي أحبّ النّاس إليّ، وتركت الذّهب الّذي أعطيتها، اللهم؛ إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا ما نحن فيه، فانفرجت الصّخرة غير أنّهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال الثّالث: اللهمّ إنّي استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد، ترك الّذي له وذهب، فثمّرت أجره حتّى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله؛ أدّ إليّ أجري، فقلت له: كلّ ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرّقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزىء بي، فقلت: إنّي لا أستهزىء بك. فأخذه كلّه فاستاقه فلم يترك منه شيئا. اللهمّ؛ فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا ما نحن فيه، فانفرجت الصّخرة فخرجوا يمشون» ) * «6» . 16- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟ «7» فقال: «لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير- إنّك   (1) مسلم (4/ 2564) . (2) لا أغبق: لا أقدّم في الشرب قبلهما أهلا ولا مالا، والغبوق شرب العشي. (3) قوما: هكذا في فتح الباري وفي صحيح البخاري «يوما» وهو الصواب، وعبارة مسلم نأى بي ذات يوم الشجر. (4) أرح: بضم الهمزة وكسر الراء: أي أرجع. (5) ألّمت بها سنة من السنين أي أصابها ما يصيب الناس في القحط والجدب، والسنة معناها هنا الجدب. (6) البخاري- الفتح 4 (2272) واللفظ له، ومسلم (2743) . (7) الشطر هو النصف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس «1» . وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في «2» امرأتك» . فقلت: يا رسول الله أخلّف بعد أصحابي؟ قال: «إنّك لن تخلّف «3» ، فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون، اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة» ) * «4» . 17- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما الأعمال بالنّيّة، وإنّما لكلّ امريء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» ) * «5» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تضمّن الله لمن خرج في سبيله. لا يخرجه إلّا جهادا «6» في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي- فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة، أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والّذي نفس محمّد بيده ما من كلم يكلم «7» في سبيل الله إلّا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم وريحه ريح مسك، والّذي نفس محمّد بيده؛ لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة، ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي. والّذي نفس محمّد بيده؛ لوددت أنّي أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل» ) * «8» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تكفّل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلّا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يدخله الجنّة أو يرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة» ) * «9» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرّجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة، وذلك أنّ أحدهم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ أتى المسجد لا ينهزه «10» إلّا الصّلاة لا يريد إلّا الصّلاة، فلم يخط خطوة إلّا رفع له بها درجة وحطّ عنه بها خطيئة حتّى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصّلاة ما كانت الصّلاة هي تحبسه، والملائكة   (1) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم إليهم. (2) في في امرأتك: أي في فم امرأتك. (3) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه. (4) البخاري- الفتح 3 (1295) واللفظ له، مسلم (1628) . (5) البخاري- الفتح 1 (1) ، مسلم (1907) واللفظ له. (6) إلا جهادا: هكذا هو في جميع النسخ بالنصب، وهو منصوب على أنه مفعول له، ومعناه: لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص. (7) كلم يكلم في سبيل الله: أي يجرح جرحا في سبيل الله. (8) مسلم (1876) واللفظ له وفى البخارى بلفظ متقارب فى 6 (2787، 2797، 2803) . (9) البخاري- الفتح 6 (3123) واللفظ له، مسلم (1876) . (10) ينهزه: بفتح الياء والهاء والزاي: أي يخرجه وينهضه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 يصلّون على أحدكم مادام في مجلسه الّذي صلّى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه» ) * «1» . 21- * (عن عتبان بن مالك الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: غدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إله إلّا الله يبتغي بها وجه الله إلّا حرّم الله عليه النّار» ) * «2» . 22- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربّه- عزّ وجلّ- قال: «إنّ الله كتب الحسنات والسّيّئات ثمّ بيّن ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو همّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيّئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة. فإن هو همّ بها فعملها كتبها الله له سيّئة واحدة» ) * «3» . 23- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزاة فقال: «إنّ بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم، حبسهم المرض» . وفي رواية: «إلّا شركوكم في الأجر» ) * «4» . 24- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا» ) * «5» 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اتّبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتّى يصلّى عليها ويفرغ من دفنها، فإنّه يرجع من الأجر بقيراطين كلّ قيراط مثل أحد، ومن صلّى عليها ثمّ رجع قبل أن تدفن فإنّه يرجع بقيراط» ) *» . 26- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من طلب الشّهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه» ) * «7» . 27- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنّة، ومن سأل الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإنّ له أجر شهيد» . زاد ابن المصفّي من هنا: «ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنّها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزّعفران وريحها ريح المسك، ومن   (1) البخاري- الفتح 2 (647) ، مسلم (649) واللفظ له باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة. (2) البخاري- الفتح 11 (6423) . (3) البخاري- الفتح 11 (6491) . (4) البخاري- الفتح 6 (2839) بلفظ نحوه عن أنس، مسلم (1911) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 6 (2783) واللفظ له، مسلم 3 (1353) في كتاب الإمارة باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير و (1864) عن عائشة وهو نفس لفظ ابن عباس. (6) البخاري- الفتح 1 (47) واللفظ له، مسلم (945) . (7) مسلم (1908) واللفظ له، وأبو داود (1520) ، والترمذي (1683) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 خرج به خراج «1» في سبيل الله فإنّ عليه طابع الشّهداء» ) * «2» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «3» . 29- * (عن عائشة زوج النّبيّ- رضي الله عنهما- قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ «4» ، قالت عائشة: هم الّذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: «لا يا بنت الصّدّيق ولكنّهم الّذين يصومون ويصلّون ويتصدّقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الّذين يسارعون في الخيرات» ) * «5» . 30- * (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: «قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك؟ قال: «قل: آمنت بالله فاستقم» ) * «6» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدّنيا ثمّ احتسبه إلّا الجنّة» ) * «7» . 32- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ؛ أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «8» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «9» . 33- * (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: سألت ابن العاص فقلت: «أخبرني بأشدّ   (1) الخراج هنا هو اسم لما يخرجه المسلم للجهاد من الغلّة ونحوها. (2) أبو داود (2541) واللفظ له، وقال الألباني 2 (2216) : صحيح، الترمذي (1657) وقال محقق جامع الأصول (474/ 9) : قال الترمذي: هذا حديث صحيح وهو كما قال، والحاكم في المستدرك (2/ 77) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم (1876) ولم يخرجاه وله إسناد صحيح على شرط الشيخين مختصرا. (3) البخاري- الفتح 4 (1901) واللفظ له، مسلم (759) . (4) المؤمنون (60) . (5) الترمذي (3175) واللفظ له بلفظ الجمع (الذين يصومون ويصلون ... ) وقال محقق جامع الأصول (2/ 245) : في سنده انقطاع لكن له شاهد يتقوى به من حديث أبي هريرة عند ابن جرير (9/ 225) وقد صححه الحاكم (2/ 394) ووافقه الذهبي. (6) مسلم (38) واللفظ له، أحمد (3/ 414، 4/ 385) . (7) البخاري- الفتح 11 (6424) . (8) الأخشبان: جبلان بمكة. (9) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له، مسلم (1795) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 شيء صنعه المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في حجر الكعبة إذ أقبل عليه عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه على عنقه فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر- رضي الله عنه- حتّى أخذ بمنكبه ودفعه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ» الآية) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإخلاص) 34- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل يتهجّد قال: «اللهم لك الحمد، أنت نور السّموات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت قيّم السّموات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت الحقّ ووعدك حقّ، وقولك حقّ، ولقاؤك حقّ والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد حقّ، اللهمّ لك أسلمت وعليك توكّلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت- أو- لا إله غيرك» ) * «2» . لقد كانت حياة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كلّها إخلاصا فقد جاء في القرآن الكريم على لسانه صلّى الله عليه وسلّم: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (الزمر/ 14) وقد تجلّى إخلاصه صلّى الله عليه وسلّم في العبادة والجهاد والنّصح للمسلمين، أمّا الصّحابة رضوان الله عليهم فقد كان الإخلاص رائدهم في كلّ ما يقومون به، ومن الأمثلة التّطبيقيّة في حياة الصّحابة ما جاء في حديث سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: وأمّا عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصفة، فقال أصحاب السّفينة: «أخلصوا فإنّ آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا. فقال عكرمة: والله لئن لم ينجّني من البحر إلّا الإخلاص لا ينجّيني في البرّ غيره. اللهم؛ إنّ لك عليّ عهدا إن أنت عافيتني ممّا أنا فيه أن آتي محمّدا صلّى الله عليه وسلّم حتّى أضع يدي في يده فلأجدنّه عفوّا كريما فجاء فأسلم» ) * «3» .   (1) البخاري- الفتح 8 (4815) ، وانظر سيرة ابن كثير (1/ 470) ، ودلائل النبوة للبيهقي (2/ 274) . (2) البخاري- الفتح 11 (6317) واللفظ له، ومسلم (769) . (3) النسائي (7/ 105، 106) واللفظ له، صحيح النسائي، للألباني (3791) الصحيحة (1723) ، صحيح الجامع (2426) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإخلاص) 1- قال مكحول: «ما أخلص عبد قطّ أربعين يوما إلّا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه ولسانه» ) * «1» . 2- * (قال أبو سليمان الدّارانيّ: «إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرّياء» ) * «2» . 3- * (قال يوسف بن الحسين: «أعزّ شيء في الدّنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرّياء عن قلبي فكأنّه ينبت على لون آخر» ) * «3» . 4- * (قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا هو أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا عليّ ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنّ العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتّى يكون خالصا صوابا. الخالص أن يكون لله والصّواب أن يكون على السّنّة. ثم قرأ قوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (الكهف/ 110) » ) * «4» . 5- * (قال شهر بن حوشب: «جاء رجل إلى عبادة بن الصّامت، فقال: أنبئني عمّا أسأل عنه، أرأيت رجلا يصلّي يبتغي وجه الله ويحبّ أن يحمد؟» . فقال عبادة: «ليس له شيء، إنّ الله تعالى يقول: أنا خير شريك فمن كان له معي شريك فهو له كلّه لا حاجة لي فيه» ) * «5» . 6- * (قال الجنيد- رحمه الله-: «الإخلاص سرّ بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله» ) * «6» . 7- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (الكهف/ 110) : وهذان ركنا العمل المتقبّل لا بدّ أن يكون خالصا لله صوابا على شريعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «7» . 8- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا ينقله ولا ينفعه» ) * «8» .   (1) مدارج السالكين (2/ 96) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المرجع السابق (2/ 93) . (5) تفسير ابن كثير (مج 3، ج 1، ص 114) (6) مدارج السالكين (2/ 95) (7) تفسير القرآن العظيم (مج 3/ ج 16، ص 114) (8) الفوائد (67) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 من صور الإخلاص ومظاهره ممّا سبق يتّضح لنا أنّ للإخلاص صورا متعدّدة تتمثّل فيما يلي: 1- الإخلاص في التّوحيد. 2- الإخلاص في النّيّة والقصد. 3- الإخلاص في العبادات: الصّلاة، السّجود، الصّيام، قيام رمضان، قيام ليلة القدر، حبّ المساجد، الزّكاة، الصّدقة، الحجّ، الجهاد، التّوبة، والذّكر، والاستغفار، والدّعاء، وقراءة القرآن، وسائر القربات. 4- الإخلاص في الأقوال كلّها. 5- الإخلاص في الالتزام بمكارم الأخلاق، (كالصّدق، الصّبر، الزّهد، والتّواضع ... الخ) . 6- الإخلاص في التّوكّل على الله. 7- الإخلاص في كافّة الأعمال. من فوائد (الإخلاص) (1) الإخلاص هو الأساس في قبول الأعمال والأقوال. (2) الإخلاص هو الأساس في قبول الدّعاء. (3) الإخلاص يرفع منزلة الإنسان في الدّنيا والآخرة. (4) يبعد عن الإنسان الوساوس والأوهام. (5) يحرّر العبد من عبوديّة غير الله. (6) يقوّي العلاقات الاجتماعيّة وينصر الله به الأمّة. (7) يفرّج شدائد الإنسان في الدّنيا. (8) يحقّق الطّمأنينة لقلب الإنسان ويجعله يشعر بالسّعادة. (9) يقوّي إيمان الإنسان ويكرّه إليه الفسوق والعصيان. (10) يقوّي عزيمة الإنسان وإرادته في مواجهه الشّدائد. (11) حصول كمال الأمن والاهتداء في الدّنيا والآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 الأدب* الأدب لغة: اسم مأخوذ من مادّة (أدب) الّتي تدلّ على معنى تجميع النّاس إلى الطّعام والآدب هو الدّاعي لذلك، ومن هذا القياس أيضا الأدب لأنّه مجمع على استحسانه. وقال ابن منظور: سمّي أدبا لأنّه يأدب النّاس إلى المحامد وينهاهم عن المقابح. وقال أيضا: وأصل الأدب الدّعاء ومنه قيل للصّنيع يدعى إليه النّاس: مدعاة ومأدبة. وقال أبو زيد الأنصاريّ: الأدب: يقع على كلّ رياضة محمودة يتخرّج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل، وقال الأزهريّ نحوه. فالأدب اسم لذلك، والجمع: آداب مثل سبب وأسباب، وأدّبته تأديبا: مبالغة وتكثير، ومنه قيل: أدّبته تأديبا: إذا عاقبته على إساءته؛ لأنّه سبب يدعو إلى حقيقة الأدب، وأدب يأدب أدبا «من باب ضرب» : صنع صنيعا، ودعا النّاس إليه، فهو: آدب. على فاعل. قال الشّاعر، وهو طرفة: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 32/ 52/ 14 نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر «1» أي لا ترى الدّاعي يدعو بعضا دون بعض بل يعمّهم بدعوته في زمان القلّة، وذلك غاية الكرم، واسم الصّنيع: المأدبة بضمّ الدّال وفتحها. وأمّا قول ابن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلّموا من مأدبته» فقد قال فيه أبو عبيد: من قال مأدبة (بضمّ الدّال) فإنّه أراد التّشبيه بالصّنيع يصنعه الإنسان يدعو إليه النّاس وذكر بيت طرفة، قال ومن قال مأدبة (بفتح الدّال) فإنّه يذهب إلى الأدب «2» . واصطلاحا: قال المناويّ: الأدب رياضة النّفوس ومحاسن الأخلاق ويقع على كلّ رياضة محمودة يتخرّج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل. وقيل: هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ. وهو فيما يتعلّق بالسّلوك: حسن الأحوال في   * صفة الأدب جامعة لجميع ما ورد في هذه الموسوعة من صفات محمودة لسيد المرسلين الصادق الأمين وصاحب الخلق العظيم محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي أوتي جوامع الكلم فعليك بمراجعة الصفات المراد الاستشهاد بها وفق الموضوع قيد البحث. (1) ديوان طرفة، تحقيق الدكتور علي الجندي (79) . (2) المصباح المنير (12) ، وانظر لسان العرب (1/ 206) ، ومقاييس اللغة (1/ 74) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 القيام والقعود وحسن الأخلاق والصّفات الحميدة، والفرق بينه وبين التّعليم: أنّ الأدب يتعلّق بالمروءات والتّعليم بالشّرعيّات أي أنّ الأوّل عرفيّ، والثّاني شرعيّ، والأوّل دنيويّ، والثّاني دينيّ، وقال بعضهم: الأدب مجالسة الخلق على بساط الصّدق ومطابقة الحقائق، وقيل الأدب عند أهل الشّرع: الورع. وعند أهل الحكمة: صيانة النّفس، وقال أهل التّحقيق: الأدب الخروج من صدق الاختبار، والتّضرّع على بساط الافتقار «1» . قال ابن القيّم- رحمه الله-: وحقيقة الأدب: استعمال الخلق الجميل. ولهذا كان الأدب استخراجا لما في الطّبيعة من الكمال من القول إلى الفعل «2» . وقيل هو الكلام الجميل الّذي يترك في نفس سامعه أو قارئه أثرا قويّا يحمله على استعادته والاستزادة منه والميل إلى محاكاته «3» ، وهو الأخذ بمكارم الأخلاق، وبعبارة أخرى: الوقوف مع المستحسنات. أي: استعمال ما يحمد قولا وفعلا. مثل: تعظيم من فوقك والرّفق بمن دونك «4» . وفي التّلويح: التّأديب قريب من النّدب، إلّا أنّ النّدب لثواب الآخرة والتّأديب لتهذيب الأخلاق وإصلاح العادات. والأدب أدبان: أدب شريعة وأدب سياسة. فأدب الشّريعة ما أدّى الفرض، وأدب السّياسة ما عمر الأرض. وكلاهما يرجع إلى العدل الّذي به سلامة السّلطان وعمارة البلدان «5» . قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ. قال ابن عبّاس وغيره: أدّبوهم وعلّموهم. وهذه اللّفظة مؤذنة بالاجتماع. فالأدب: اجتماع خصال الخير في العبد، ومنه المأدبة، وهي الطّعام الّذي يجتمع عليه النّاس. وقال ابن القيّم- رحمه الله-: علم الأدب هو علم إصلاح اللّسان والخطاب وإصابة مواقعه، وتحسين ألفاظه عن الخطإ والخلل وهو شعبة من الأدب العامّ «6» . وعلى هذا فالأدب: استعمال ما يحمد قولا وفعلا، وبتعبير آخر: الأخذ بمكارم الأخلاق، أو الوقوف مع المستحسنات. فإذا تعلّق الأمر باللّغة كان الأدب معناه معرفة ما يحترز به من جميع أنواع الخطإ كما قال الجرجانيّ «7» .   (1) التعريفات للجرجاني (15) ، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/ 79، 80) ، والتوقيف على مهمات التعاريف ومن المعاني الاصطلاحية للفظ «أدب» استخدامه اسما لما يتعلق بدراسة الشعر والنثر الفني وما إليها وسيذكر ابن القيم تعريفا لهذا النوع في الصفحة فيما بعد. (2) تهذيب مدارج السالكين (448) . (3) تهذيب مدارج السالكين (545) . (4) الكليات للكفوي (65) . (5) فضل الله الصمد: (1/ 177- 178) . (6) في الكليات للكفوي أن الأدب اسم علم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظا أو كتابة وأصول اللغة والصرف والاشتقاق والمعاني والبيان والعروض والقوافي. انظر: الكليات (68) . (7) التعريفات (14) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 الأدب والتأديب والتأدب: يتفرّع عن الأدب بمعناه السّابق أمران أو صفتان يرجعان إليه ويستعملان بمعناه هما: التّأدّب: بمعنى التّصرّف اللّائق الّذي يتّفق مع المروءة. والتّأديب: وهو تعليم فضيلة من الفضائل ومعاقبة من يخالف ذلك على إساءته وسمّيت المعاقبة تأديبا؛ لأنّها تدعو إلى حقيقة الأدب بمعنى الرّياضات المحمودة الّتي يتخرّج بها الإنسان على فضيلة من الفضائل. أنواع الأدب: قال ابن القيّم: والأدب ثلاثة أنواع: أدب مع الله سبحانه وتعالى، وأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشرعه، وأدب مع خلقه. أولا: الأدب مع الله- عزّ وجلّ-: الأدب مع المولى تبارك وتعالى ثلاثة أنواع: أحدها: صيانة معاملته أن يشوبها بنقيصة. الثّاني: صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره. الثّالث: صيانة إرادته أن تتعلّق بما يمقتك عليه. فالأدب مع الله حسن الصّحبة معه، بإيقاع الحركات الظّاهرة والباطنة على مقتضى التّعظيم والإجلال والحياء. وحقيقة الأدب استعمال الخلق الجميل. ولهذا كان الأدب: استخراج ما في الطّبيعة من الكمال من القوّة إلى الفعل. فإنّ الله سبحانه هيّأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهليّة والاستعداد، الّتي جعلها فيه كامنة كالنّار في الزّناد. فألهمه ومكّنه، وعرّفه وأرشده. وأرسل إليه رسله. وأنزل إليه كتبه لاستخراج تلك القوّة الّتي أهّله بها لكماله إلى الفعل. قال الله تعالى: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 7- 10) . فعبّر عن خلق النّفس بالتّسوية والدّلالة على الاعتدال والتّمام. ثمّ أخبر عن قبولها للفجور والتّقوى. وأنّ ذلك نالها منه امتحانا واختبارا. ثمّ خصّ بالفلاح من زكّاها فنمّاها وعلّاها ورفعها بآدابه الّتي أدّب بها رسله وأنبياءه وأولياءه، وهي التّقوى، ثمّ حكم بالشّقاء على من دسّاها، فأخفاها وحقّرها، وصغّرها وقمعها بالفجور. والله سبحانه وتعالى أعلم. أدب الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع الله- عزّ وجلّ-: وجرت عادة القوم: أن يذكروا في هذا المقام قوله تعالى عن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، حين أراه ما أراه ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (النجم/ 17) . وصدّر باب الأدب بهذه الآية. وكأنّهم نظروا إلى قول من قال من أهل التّفسير: إنّ هذا وصف لأدبه صلّى الله عليه وسلّم في ذلك المقام، إذ لم يلتفت جانبا، ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب، والإخلال به: أن يلتفت النّاظر عن يمينه وعن شماله، أو يتطلّع أمام المنظور. فالالتفات زيغ، والتّطلّع إلى ما أمام المنظور: طغيان ومجاوزة. فكمال إقبال النّاظر على المنظور: أن لا يصرف بصره عن يمنة ولا يسرة. ولا يتجاوزه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 هذا معنى ما حصّلته عن شيخ الإسلام ابن تيميّة، قدّس الله روحه. وفي هذه الآية أسرار عجيبة، وهي من غوامض الآداب اللّائقة بأكمل البشر صلّى الله عليه وسلّم: تواطأ هناك بصره وبصيرته، وتوافقا وتصادقا فيما شاهده بصره، فالبصيرة مواطئة له، وما شاهدته بصيرته فهو أيضا حقّ مشهود بالبصر، فتواطأ في حقّه مشهد البصر والبصيرة. ولهذا قال سبحانه وتعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (النجم/ 11- 12) . أي ما كذب الفؤاد ما رآه ببصره. ولهذا قرأها أبو جعفر «ما كذّب الفؤاد» - بتشديد الذّال- أي لم يكذّب الفؤاد البصر، بل صدّقة وواطأه لصحّة الفؤاد والبصر، أو استقامة البصيرة والبصر. وكون المرئي المشاهد بالبصر حقّا. وقرأ الجمهور «ما كذب الفؤاد» بالتّخفيف. وهو متعدّ. و «ما رأى» مفعوله: أي: ما كذب قلبه ما رأته عيناه. بل واطأه ووافقه. فلمواطأة قلبه لقالبه، وظاهره لباطنه، وبصره لبصيرته: لم يكذّب الفؤاد البصر. ولم يتجاوز البصر حدّه فيطغى ولم يمل عن المرئي فيزيغ، بل اعتدل البصر نحو المرئي. ما جاوزه ولا مال عنه، كما اعتدل القلب في الإقبال على الله، والإعراض عمّا سواه. فإنّه أقبل على الله بكلّيّته. وللقلب زيغ وطغيان، وكلاهما منتف عن قلبه وبصره. فلم يزغ التفاتا عن الله إلى غيره. ولم يطغ بمجاوزته مقامه الّذي أقيم فيه. وهذا غاية الكمال والأدب مع الله جلّ وعلا الّذي وصف رسوله صلّى الله عليه وسلّم بقوله عزّ وجلّ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. أدب الأنبياء والرسل مع الله- عزّ وجلّ-: وتأمّل أحوال الرّسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله، وخطابهم وسؤالهم، كيف تجدها كلّها مشحونة بالأدب قائمة به؟ قال المسيح عليه السّلام: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ (المائدة/ 116) . ولم يقل: «لم أقله» . وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب. ثمّ أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسرّه، فقال تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي ثمّ برّأ نفسه عن علمه بغيب ربّه وما يختصّ به سبحانه، فقال وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ثمّ أثنى على ربّه، ووصفه بتفرّده بعلم الغيوب كلّها، فقال إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ثمّ نفى أن يكون قال لهم غير ما أمره ربّه به وهو محض التّوحيد- فقال: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ثمّ أخبر عن شهادته عليهم، مدّة مقامه فيهم. وأنّه لا اطّلاع له عليهم وأنّ الله- عزّ وجلّ- وحده هو المنفرد بعد الوفاة بالاطّلاع عليهم. فقال وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ثمّ وصفه بأنّ شهادته سبحانه فوق كلّ شهادة وأعم، فقال: وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ثمّ قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام. أي: شأن السّيّد رحمة عبيده والإحسان إليهم. وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدا لغيرك. فإذا عذّبتهم مع كونهم عبيدك- فلولا أنّهم عبيد سوء من أبخس العبيد، وأعتاهم على سيّدهم، وأعصاهم له لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 تعذّبهم؛ لأنّ قربة العبوديّة تستدعي إحسان السّيّد إلى عبده ورحمته. فلماذا يعذّب أرحم الرّاحمين، وأجود الأجودين، وأعظم المحسنين إحسانا عبيده؟ لولا فرط عتوّهم، وإبائهم، عن طاعته، وكمال استحقاقهم للعذاب. وقد تقدّم قول إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ أي هم عبادك، وأنت أعلم بسرّهم وعلانيتهم، فإذا عذّبتهم: عذّبتهم على علم منك بما تعذّبهم عليه. فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه. وهذا هو إقرار واعتراف وثناء عليه سبحانه بحكمته وعدله، وكمال علمه بحالهم، واستحقاقهم للعذاب. ثمّ قرأ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) . ولم يقل: «الغفور الرّحيم» وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى. فإنّه قال في وقت غضب الرّبّ عليهم، والأمر بهم إلى النّار، فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة، بل مقام براءة منهم. فلو قال «فإنّك أنت الغفور الرّحيم» لأشعر باستعطافه ربّه على أعدائه الّذي قد اشتدّ غضبه عليهم. فالمقام مقام موافقة للرّبّ في غضبه على من غضب الرّبّ عليهم. فعدل عن ذكر الصّفتين اللّتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته إلى ذكر العزّة والحكمة، المتضمّنتين لكمال القدرة وكمال العلم. والمعنى: إن غفرت لهم فمغفرتك تكون من كمال القدرة والعلم، ليست عن عجز عن الانتقام منهم، ولا عن خفاء عليهم بمقدار جرائمهم. وهذا لأنّ العبد قد يغفر لغيره لعجزه عن الانتقام منه، ولجهله مقدار إساءته إليه. والكمال: هو مغفرة القادر العالم، وهو العزيز الحكيم. وكان ذكر هاتين الصّفتين في هذا المقام عين الأدب فى الخطاب. وفي بعض الآثار «حملة العرش أربعة: اثنان يقولان: سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك. واثنان يقولان: سبحانك اللهمّ وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك» ولهذا يقترن كلّ من هاتين الصّفتين بالأخرى، كقوله وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ وقوله فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً. وكذلك قول إبراهيم الخليل صلّى الله عليه وسلّم: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (الشعراء/ 78- 80) . ولم يقل «وإذا أمرضني» حفظا للأدب مع الله. وكذلك قول الخضر عليه السّلام في السّفينة فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها (الكهف/ 79) . ولم يقل «فأراد ربّك أن أعيبها» وقال في الغلامين فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما (الكهف/ 82) . وكذلك قول مؤمني الجنّ وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ (الجن/ 10) . ولم يقولوا «أراده ربّهم» ثمّ قالوا أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً. وألطف من هذا قول موسى عليه السّلام: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (القصص/ 24) . ولم يقل «أطعمني» . وقول آدم عليه السّلام رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (الأعراف/ 23) . ولم يقل «ربّ قدّرت عليّ وقضيت عليّ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وقول أيّوب عليه السّلام مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (الأنبياء/ 83) . ولم يقل «فعافني وأشفني» . وقول يوسف لأبيه وإخوته هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ (يوسف/ 100) . ولم يقل «أخرجني من الجبّ» حفظا للأدب مع إخوته، وتفتّيا عليهم أن لا يخجلهم بما جرى فى الجبّ. وقال: وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ولم يقل «رفع عنكم جهد الجوع والحاجة» أدبا معهم. وأضاف ما جرى إلى السّبب، ولم يضفه إلى المباشر الّذي هو أقرب إليه منه، فقال مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي فأعطى الفتوّة والكرم والأدب حقّه. ولهذا لم يكن كمال هذا الخلق إلّا للرّسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. ومن هذا أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الرّجل «أن يستر عورته، وإن كان خاليا لا يراه أحد. أدبا مع الله، على حسب القرب منه، وتعظيمه وإجلاله، وشدّة الحياء منه، ومعرفة وقاره. وقال بعضهم: الزم الأدب ظاهرا وباطنا، فما أساء أحد الأدب في الظّاهر إلّا عوقب ظاهرا، وما أساء أحد الأدب باطنا إلّا عوقب باطنا. وقال عبد الله بن المبارك- رحمه الله-: من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السّنن. ومن تهاون بالسّنن عوقب بحرمان الفرائض. ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة. وقيل: الأدب في العمل علامة قبول العمل. والمقصود أنّ الأدب مع الله تعالى: هو القيام بدينه، والتّأدّب بآدابه، ظاهرا وباطنا. ولا يستقيم لأحد قطّ الأدب مع الله تعالى إلّا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه وما يحبّ وما يكره، ونفس مستعدّة قابلة ليّنة متهيّئة لقبول الحقّ علما وعملا وحالا» . من الأدب مع الله التّأدّب مع القرآن وتلاوته وتدبّره أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (محمد/ 22) لأنّ في ذلك العلم والمعرفة بما أمر به الله عزّ وجلّ ونهى عنه وتعظيم شعائره وعدم انتهاك محارمه. كذلك فإنّه أفضل السّبل وأقربها إلى الثّراء الرّوحيّ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (الأنفال/ 2) . ومن الأدب مع الله التّوجّه إليه سبحانه بالدّعاء، قال تعالى: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (الفرقان/ 77) . ودعا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الاستعانة بالله عزّ وجلّ، واستعان به قائلا «اللهمّ أعنّي على شكرك وذكرك وحسن عبادتك» ، ومنه أيضا الثّناء عليه وتسبيحه وشكره على آلائه العظيمة وهو القائل عزّ وجلّ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها ومنه التّوسّل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا والاستعاذة والاستغفار والاستعانة به والتّضرّع إليه والتّوكّل عليه في جميع أمورنا.   (1) مدارج السالكين (391- 402) بتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 الأدب مع الله- عز وجل- في العبادة: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- سمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله- يقول: من كمال أدب الصّلاة أن يقف العبد بين يدي ربّه مطرقا خافضا طرفه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى فوق. ومن الأدب مع الله في العبادة: السّكون في الصّلاة، وهو الدّوام الّذي قال الله تعالى فيه الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (المعارج/ 23) . سئل عقبة ابن عامر عن قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ أهم الّذين يصلّون دائما؟ قال: لا، ولكنّه إذا صلّى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه. قلت- ابن القيّم- هما أمران: الدّوام عليها والمداومة عليها. فهذا الدّوام، والمداومة في قوله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ وفسّر الدّوام بسكون الأطراف والطّمأنينة. وأدبه في استماع القراءة: أن يلقي السّمع وهو شهيد. والمقصود: أنّ الأدب مع الله تبارك وتعالى: هو القيام بدينه والتّأدّب بآدابه ظاهرا وباطنا «1» . ثانيا: الأدب مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أمّا الأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيعني كمال التّسليم له، والانقياد لأمره، وتلقّي خبره بالقبول والتّصديق. من مظاهر الأدب مع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: من الأدب مع الرّسول الكريم أن لا يتقدّم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذن ولا تصرّف حتّى يأمر هو، وينهى ويأذن، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وهذا باق إلى يوم القيامة ولم ينسخ، فالتّقدّم بين يدي سنّته بعد وفاته كالتّقدّم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم. قال مجاهد- رحمه الله-: لا تفتاتوا «2» على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال أبو عبيدة: تقول العرب: لا تقدّم بين يدي الإمام وبين يدي الأب، أي لا تعجلوا بالأمر والنّهي دونه. وقال غيره: لا تأمروا حتّى يأمر، ولا تنهوا حتّى ينهى. ومن الأدب معه: أن لا ترفع الأصوات فوق صوته. فإنّه سبب لحبوط الأعمال فما الظّنّ برفع الآراء، ونتائج الأفكار على سنّته وما جاء به؟ أترى ذلك موجبا لقبول الأعمال. ورفع الصّوت فوق صوته موجب لحبوطها؟ ومن الأدب معه: أن لا يجعل دعاءه كدعاء غيره. قال تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. ومن الأدب معه: أنّهم إذا كانوا معه على أمر جامع- من خطبة، أو جهاد، أو رباط- لم يذهب أحد منهم مذهبا في حاجته حتّى يستأذنه. كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ. ومن الأدب معه: أن لا يستشكل قوله. بل   (1) تهذيب مدارج السالكين (450- 451) بتصرف. (2) قال مجاهد: أي في تفسيير الآية الكريمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 تستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصّه بقياس. بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه. ولا يحرّف كلامه عن حقيقته لخيال يسمّيه أصحابه معقولا، نعم هو مجهول، وعن الصّواب معزول. ولا يوقف قبول ما جاء به صلّى الله عليه وسلّم على موافقة أحد. فكلّ هذا من قلّة الأدب معه صلّى الله عليه وسلّم وهو عين الجرأة «1» . ورأس الأدب معه صلّى الله عليه وسلّم: كمال التّسليم له، والانقياد لأمره، وتلقّي خبره بالقبول والتّصديق، دون أن يحمّله معارض خيال باطل، يسمّيه معقولا أو يحمّله شبهة أو شكّا، أو يقدّم عليه آراء الرّجال، فيفرده بالتّحكيم والتّسليم، والانقياد والإذعان ولا يرضى بحكم غيره، ولا يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره، على عرضه على قول شيخه وإمامه، وذوي مذهبه وطائفته، ومن يعظّمه، فإن أذنوا له نفّذه وقبل خبره، وإلّا أعرض عن أمره وخبره وفوّضه إليهم، وربّما حرّفه عن مواضعه وسمّى تحريفه: تأويلا، وحملا،. فقال: نؤوّله ونحمله «2» . ولأن يلقى العبد ربّه بكلّ ذنب على الإطلاق عدا الشّرك بالله- خير له من أن يلقاه بهذه الحال. يقول ابن القيّم: ولقد خاطبت يوما بعض أكابر هؤلاء، فقلت له: سألتك بالله، لو قدّر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيّ بين أظهرنا، وقد واجهنا بكلامه وبخطابه: أكان فرضا علينا أن نتّبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره كلامه ومذهبه، أم لا نتّبعه حتّى نعرض ما سمعناه منه على آراء النّاس وعقولهم؟ فقال: بل كان الفرض المبادرة إلى الامتثال من غير التفات إلى سواه. فقلت: فما الّذي نسخ هذا الفرض عنّا؟ وبأيّ شيء نسخ؟ فوضع إصبعه على فيه. وبقي باهتا متحيّرا. وما نطق بكلمة. وإذا كان من الأدب في حياته صلّى الله عليه وسلّم ألّا نرفع أصواتنا فوق صوت النّبيّ لقوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ (الحجرات/ 2) فإنّ من الأدب معه ألّا نرفع الأصوات فوق صوته صلّى الله عليه وسلّم. فإنّه سبب لحبوط الأعمال فما الظّنّ برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنّته وما جاء به؟ هكذا يكون الأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا مخالفة أمره وإشراك غيره ورفع الأصوات، وإزعاج الأعضاء بالصّلاة عليه والتّسليم، وعزل كلامه عن اليقين، عن أن يستفاد منه معرفة الله، أو يتلقّى منه أحكامه. إنّ الجهّال يعتمدون في باب معرفة الله على العقول المنهوكة المتحيّرة المتناقضة. وفي الأحكام على تقليد الرّجال وآرائها. والقرآن والسّنّة إنّما نقرؤهما تبرّكا، لا أنّا نتلقّى منهما أصول الدّين ولا فروعه. ومن طلب ذلك ورامه عاديناه وسعينا في قطع دابره، واستئصال شأفته «3» . بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ* حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ* لا تَجْأَرُوا   (1) مدارج السالكين (403- 406) بتصرف. (2) المرجع السابق (2/ 403) بتصرف. (3) يتحدث ابن القيم هنا عن طائفة ضلّت سبيل الحق وانتقصت من قيمة السّنّة المطهرة، وقد ظهر لهم أذناب في عصرنا الحاضر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ* قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ* مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ* أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ* أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ* أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ* وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ* أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ* وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (المؤمنون/ 63- 74) . والنّاصح لنفسه العامل على نجاتها يتدبّر هذه الآيات حقّ تدبّرها ويتأمّلها حقّ تأمّلها وينزّلها على الواقع فيرى العجب ولا يظنّها اختصّت بقوم كانوا فبانوا «فالحديث لك واسمعي يا جارة» والله المستعان «1» . ثالثا: الأدب مع الخلق: وأمّا الأدب مع الخلق: فهو معاملتهم- على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم، فلكلّ مرتبة أدب. والمراتب فيها أدب خاصّ. فمع الوالدين: أدب خاصّ للأب منهما أدب هو أخصّ به، ومع العالم: أدب آخر، ومع السّلطان: أدب يليق به وله ومع الأقران أدب يليق بهم. ومع الأجانب: أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أنسه. ومع الضّيف: أدب غير أدبه مع أهل بيته. ولكلّ حال أدب: فللأكل آداب. وللشّراب آداب. وللرّكوب والدّخول والخروج والسّفر والإقامة والنّوم آداب. وللتّبوّل آداب. وللكلام آداب. وللسّكون والاستماع آداب. وأداب المرء: عنوان سعادته وفلاحه. وقلّة أدبه: عنوان شقاوته وبواره. فما استجلب خير الدّنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلّة الأدب. فانظر إلى الأدب مع الوالدين: كيف نجّى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصّخرة؟ والإخلال به مع الأمّ- تأويلا وإقبالا- على الصّلاة كيف امتحن صاحبه بهدم صومعته وضرب النّاس له، ورميه بالفاحشة. وتأمّل أحوال كلّ شقيّ ومفتر ومدبر: كيف تجد قلّة الأدب هي الّتي ساقته إلى الحرمان؟ «2» . إنّ حسن الخلق والأدب هو مقام الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم واتّباع سنّته بفضل من الله- عزّ وجلّ- القائل في كتابه: لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا (البقرة/ 32) وهو الّذي أمرنا بذلك في قوله جلّ وعلا: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب/ 21) . إنّ هذا هو مقام من أراد التّخلّق بأخلاق الشّرع الحنيف وتأدّب بآداب الله الّتي أدّب بها عباده في كتابه الكريم، وما اتّصف به الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم   (1) مدارج السالكين 2 (404- 405) بتصرف. (2) مدارج السالكين 2 (406- 408) بتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 حيث قال الله- عزّ وجلّ- لرسوله عليه الصّلاة والسّلام: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم/ 4) والرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو القائل «إنّما بعثت لأتمّم صالح الأخلاق» «1» . ورواية أخرى «مكارم الأخلاق» . ووصفت خلقه صلّى الله عليه وسلّم أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- بقولها: «فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن» وعن القرآن قال ابن مسعود- رضي الله عنه- «إنّ هذا القرآن مأدبة الله فتعلّموا من مأدبته» «2» . هذا هو الحال في هذه الدّنيا وأمّا في الآخرة فلا يوجد جائزة لمن كان حسن الخلق إلّا الجنّة ونعيمها برفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول: «إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا، الموطّئون أكنافا «3» ، الّذين يألفون ويؤلفون، وإنّ أبعدكم منّي مجلسا يوم القيامة الثّرثارون «4» المتشدّقون «5» المتفيهقون «6» » . وقال عليه الصّلاة والسّلام: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق» . وقال عليه الصّلاة والسّلام: «إنّ أحسن النّاس إسلاما أحسنهم خلقا» «7» . وقال عليه الصّلاة والسّلام: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «8» . ولهذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو الله عزّ وجلّ «اللهمّ كما أحسنت خلقي أحسن خلقي» «9» . إنّ العلاقة بين الأدب في التّعامل مع الخلق وحسن الخلق علاقة واضحة لا ريب فيها لأنّ حسن الخلق هو الجانب النّفسي الّذي تنتج عنه الآداب الحميدة وأنواع السّلوك المرضيّة، وحسن الخلق هو الّذي يشكّل قواعد السّلوك أو الأدب مع الخلق. وقد كشف الصّادق المصدوق الّذي أوتي جوامع الكلم القناع عن القاعدة الأساسيّة الّتي أساسها حسن الخلق وتطبيقها سلوك الأدب مع الخلق عند ما قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» «10» . فمن باب المحبّة لله عزّ وجلّ والإيمان به، والمحبّة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم والتّصديق بما جاء به تؤخذ محبّة الخلق والأدب معهم ومعاملتهم بحسن الخلق ومن قام بذلك حصل على محبّة الله عزّ وجلّ لأنّه يصبح محسنا صابرا طاهرا نقيّا تقيّا، وهنا يحوز المعيّة مع مولاه وينال محبّته ورضاه، قال تعالى وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت/ 69) ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 153) . وآيات حبّ الله للمؤمنين عديدة منها: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة/   (1) مسلم (2553) . (2) انظر صفة تلاوة القرآن. (3) الموطئون أكنافا: (4) الثرثارون: الذين يكثرون الكلام. (5) المتشدقون: المتوسعون في الكلام المستهزئون. (6) المتفيهقون: المتكبرون. (7) مسند أحمد (6/ 446) وأبو داود (4799) . (8) أخرجه أحمد بإسناد جيد (5/ 89- 99) الترغيب والترهيب (3/ 49) . (9) انظر هذه الأحاديث مخرجة في صفة حسن الخلق. (10) البخاري- الفتح (1/ 13) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 222) ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (آل عمران/ 76) ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران/ 146) ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران/ 159) ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (المائدة/ 42) . إنّ الإنسان إذا أحبّ لأخيه ما يحبّه لنفسه جاهد نفسه وطرح عنها مطامع النّفس الأمّارة بالسّوء وحبّها للكنز والتّكاثر وما يجلبه ذلك من مذموم الأخلاق من طمع وكبر وحسد وظلم وغيرها من الصّفات السّالبة لمكارم الأخلاق ومحمودها واستبدل عوضا عنها الحبّ في الله ورسوله والإيثار والكرم والجود والسّخاء بالمال والتّواضع وأثراها بالإنفاق والزّكاة، والصّدقة والجهاد، وغذّاها بالإحسان والرّحمة والشّفقة والرّأفة والعفو والرّفق والوفاء والتّناصر والمداراة والسّتر، وتوّجها بالعدل والقسط والأمانة والصّدق. ويك ألم نعلّم السّبيل إلى ذلك كلّه وهو مدوّن في كتاب الله عزّ وجلّ؟ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (آل عمران/ 131) . أو لم نعلم حديث الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم «ما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه» . وقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «أفضل الأعمال أداء ما افترض الله تعالى والورع عمّا حرّم الله تعالى وصدق النّيّة فيما عند الله تعالى» «1» . أدب الحوار والمناظرة في الدعوة إلى الله: الحوار في اللّغة مصدر حاوره إذا راجعه في الكلام وجاوبه «2» ، قال تعالى: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ (الكهف/ 37) : أي يراجعه في الكلام ويجاوبه «3» . أمّا في الاصطلاح: فالمراد به كما قال المناويّ: هو المراودة في الكلام «4» : أي الأخذ والعطاء فيه، وهذا قريب من معنى المناظرة الّتي يراد بها النّظر بالبصيرة من الجانبين المتحاورين في النّسبة بين الشّيئين إظهارا للصّواب «5» ، وكلاهما أي الحوار والمناظرة جدال بالّتي هي أحسن. وإذا كان الإسلام قد رفض المراء وتوعّد الممارين «6» فإنّه أمر بالحوار سبيلا للوصول إلى الحقّ وتبيّن الرّأي السّديد؛ لأنّ ذلك كما يقول الإمام الغزاليّ: تعاون على طلب الحقّ- وهو من الدّين- شريطة أن يتحلّى المتحاورون بما يلي: 1- ألّا يشتغل به- وهو من فروض الكفايات- من لم يتفرّغ من فروض الأعيان. 2- ألّا يرى المناظر (أو المحاور) فرض كفاية آخر أهمّ منه في وقته ومكانه. 3- أن يكون المحاور أو المناظر يفتي برأيه لا بمذهب فلان أو فلان. 4- أن يكون الحوار أو المناظرة في مسألة واقعة أو قريبة الوقوع لأنّ الصّحابة- رضوان الله عليهم- ما تشاوروا إلّا فيما تجدّد من الوقائع أو ما يغلب وقوعه.   (1) أدب الدنيا والدين للماوردي (226) . (2) لسان العرب (4/ 218) (ط. بيروت) . (3) انظر تفسير القرطبي (10/ 403) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (148) . (5) المرجع السابق (316) . (6) انظر صفة الجدال والمراء (ج 9 ص 4338) من هذه الموسوعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 5- أن تكون المناظرة (الحوار) في الخلوة أحبّ إليه وأهمّ من المحافل وبين أظهر الأكابر والسّلاطين، لأنّ في حضور الجمع ما يحرّك دواعي الرّياء ويوجب الحرص على أن ينصر كلّ واحد نفسه محقّا كان أو مبطلا. 6- أن يكون الحوار في طلب الحقّ، وذلك كناشد ضالّة لا يفرّق بين أن تظهر الضّالّة على يديه أو على يد من يعاونه. 7- أن يرى محاوره معينا له لا خصما وأن يشكره إذا عرّفه الخطأ وأظهر له الحقّ. 8- ألّا يمنع مناظره أو محاوره من الانتقال من حجّة إلى حجّة ومن دليل إلى دليل، ومن تفحّص مشاورات الصّحابة- رضوان الله عليهم- ومفاوضات السّلف، وجدها من هذا الجنس إذ كانوا يذكرون كلّ ما يخطر لهم وينظرون فيه. 9- ألّا يناظر أو يحاور إلّا من يتوقّع الاستفادة منه ممّن هو مشتغل بالعلم «1» . الأدب مع النفس: قال الماورديّ رحمه الله: اعلم أنّ النّفس مجبولة على شيم مهملة وأخلاق مرسلة لا يستغني محمودها عن التّأديب، ولا يكتفى بالمرضيّ منها عن التّهذيب، لأنّ لمحمودها أضدادا مقابلة، يساعدها هوى مطاع، وشهوة غالبة، فإن أغفل تأديبها تفويضا إلى العقل أو توكّلا على أن تنقاد إلى الأحسن بالطّبع، أعدمه التّفويض درك المجتهدين، وأعقبه التّوكّل ندم الخائبين، فصار من الأدب عاطلا، لأنّ الأدب مكتسب بالتّجربة، أو مستحسن بالعادة ولكلّ قوم مواضعة، وكلّ ذلك لا ينال بتوقيف العقل، ولا بالانقياد للطّبع حتّى يكتسب بالتّجربة والمعاناة، ويستفاد بالدّربة والمعاطاة، ثمّ يكون العقل عليه قيّما، ولو كان العقل مغنيا عن الأدب لكان أنبياء الله عن الأدب مستغنين، وبعقولهم مكتفين «2» . الأدب اللازم للإنسان: الأدب اللّازم للإنسان عند نشأته وكبره أدبان: أدب مواضعة واصطلاح، وأدب رياضة واستصلاح. أدب المواضعة والاصطلاح: فأمّا أدب المواضعة والاصطلاح، فيؤخذ تقليدا على ما استقرّ عليه اصطلاح العقلاء، واتّفق عليه استحسان الأدباء، وذلك مثل اصطلاحهم على مواضعات الخطاب، واتفاقهم على هيئات اللّباس، حتّى إنّ الإنسان إذا تجاوز ما اتّفقوا عليه صار مجاوزا للأدب، مستوجبا للذّمّ. أدب الرياضة والاستصلاح: أمّا أدب الرّياضة والاستصلاح: فهو ما كان محمولا على حال لا يجوز في العقل أن يكون بخلافها، ولا أن تختلف العقلاء في صلاحها وفسادها، وأوّل ذلك ألّا يسبق المرء إلى حسن الظّنّ بنفسه فيخفي عنه مذموم شيمه، ومساوي أخلاقه؛ لأنّ النّفس بالشّهوات آمرة، وعن الرّشد زاجرة، وإذا كانت النّفس   (1) بتصرف واختصار من ((إحياء علوم الدين)) (1/ 44) وما بعدها. (2) أدب الدنيا والدين للماوردي (226) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 كذلك، فحسن الظّنّ بها ذريعة إلى تحكيمها، وتحكيمها داع إلى سلاطتها وفساد الأخلاق بها، فإذا صرف حسن الظّنّ عنها انحاز عن المعصية وفاز بالطّاعة. من صور أدب الرياضة والاستصلاح: 1- مجانبة الكبر والإعجاب، وما ذلك إلّا لأنّهما يسلبان الفضائل، ويكسبان الرّذائل، وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح، ولا قبول لتأديب، لأنّ الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة، فالمتكبّر يجلّ نفسه عن رتبة المتعلّمين، والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدّبين، وعلاوة على ذلك فإنّ الكبر يكسب المقت، ويلهي عن التّألّف ويوغر صدور الإخوان، وأمّا الإعجاب فيخفي المحاسن، ويظهر المساويء، ويصدّ عن الفضائل [انظر تفصيلا أكثر في صفة الكبر من الصّفات المذمومة] . 2- التّحلّي بحسن الخلق: ذلك أنّ الإنسان إذا حسنت أخلاقه كثر مصافوه وقلّ معادوه، فتسهّلت عليه الأمور الصّعاب ولانت له القلوب الغضاب، ومعنى حسن الخلق أن يكون المسلم: سهل العريكة، ليّن الجانب، طلق الوجه، قليل النّفور، طيّب الكلمة، [انظر تفصيلا أكثر في صفة حسن الخلق] . 3- التّحلّي ب «الحياء» : الخير والشّرّ معان كامنة تعرف بسمات دالّة. وسمة الخير: الدّعة والحياء، وسمة الشّرّ: القحة والبذاء، وكفى بالحياء خيرا أن يكون على الخير دليلا، وكفى بالقحة والبذاء شرّا أن يكونا إلى الشّرّ سبيلا، وليس لمن سلب الحياء صادّ عن قبيح، ولا زاجر عن محظور، فهو يقدم على ما يشاء، ويأتي ما يهوى. [انظر تفصيلا أكثر في صفة الحياء] . 4- التّحلّي ب «الحلم» : ذلك أنّ الحلم من أشرف الأخلاق، وأحقّها بذوي الألباب، لما فيه من سلامة العرض، وسلامة الجسد واجتلاب الحمد. وللحلم أسباب تبعث عليه منها: الرّحمة والقدرة على الانتصار والتّرفّع عن السّباب [انظر تفصيل ذلك في صفة الحلم] . 5- التّحلّي بصفة الصّدق والتّخلّي عن الكذب: [انظر في ذلك: الصّدق (في الصّفات المحمودة) ، والكذب في الصّفات المذمومة] . 6- التّخلّي عن الحسد: ذلك أنّ الحسد خلق ذميم يضرّ بالبدن، وفيه إفساد للدّين ولو لم يكن من ذمّ الحسد إلّا أنّه خلق دنيء لكانت النّزاهة عنه كرما والسّلامة منه مغنما، فكيف وهو بالنّفس مضرّ، وعلى الهمّ مصرّ، حتّى ربّما أمضى بصاحبه إلى التّلف، من غير نكاية في عدوّ، ولا إضرار بمحسود. [للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- الإخلاص- الاستقامة- التواضع- حسن الخلق- حسن العشرة- حسن المعاملة- الحلم- الحياء- غض البصر- كظم الغيظ. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- سوء الخلق- سوء المعاملة- العنف- الفجور- الفحش- الفضح- الكبر والعجب- الكذب- العتو] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 الآيات الواردة في «الأدب» معنى الأدب مع الله- عزّ وجلّ- والقرآن الكريم: 1- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) «1» 2- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) «2» 3- أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) «3» 4- قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) «4» 5- قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) «5» 6- وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) «6» 7- وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) » 8- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) «8»   (1) البقرة: 189 مدنية (2) البقرة: 224 مدنية (3) النساء: 82 مدنية (4) المائدة: 115- 118 مدنية (5) الأعراف: 23 مكية (6) الأعراف: 204 مكية (7) الرعد: 22 مدنية (8) النحل: 98 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 9- وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) «1» 10- أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) «2» 11- ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) «3» 12- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) «4» 13- الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) «5» 14- أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) «6» 15- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «7» 16- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) «8»   (1) الإسراء: 53 مكية (2) الكهف: 79- 82 مكية (3) المؤمنون: 96 مكية (4) النور: 51 مدنية (5) الشعراء: 78- 80 مكية (6) القصص: 54 مكية (7) غافر: 7- 9 مكية (8) فصلت: 33- 35 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 17- يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) «1» الأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) «2» 19- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «3» 20- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «4» 21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) «5» 22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) «6»   (1) المزمل: 1- 4 مكية (2) البقرة: 104 مدنية (3) النور: 62- 63 مدنية (4) الاحزاب: 53 مدنية (5) الأحزاب: 69 مدنية (6) الحجرات: 1- 3 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 الأدب مع الإنسان: 23- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) «1» 24- * يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) «2» 25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «3» 26- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «4»   (1) النساء: 86 مدنية (2) الأعراف: 31 مكية (3) النور: 27- 31 مدنية (4) النور: 58- 60 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 27- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) «1» 28- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «2» 29- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) «3» 30- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) «4» الأدب مع النفس: 31- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) «5» 32- وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)   (1) الفرقان: 63 مكية (2) الحجرات: 11- 12 مدنية (3) المجادلة: 9 مدنية (4) المجادلة: 11 مدنية (5) النور: 61 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «1»   (1) لقمان: 12- 19 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 الأحاديث الواردة في (الأدب) 1- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يدخل بالسّهم الواحد ثلاثة نفر الجنّة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرّامي به، ومنبله وارموا واركبوا، وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا. ليس من اللهو ثلاث: تأديب الرّجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرّمي بعد ما علمه رغبة عنه، فإنّها نعمة تركها أو قال: كفرها» ) * «1» . 2- * (عن معاذ- رضي الله عنه- قال: أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعشر كلمات. قال: «لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمّدا؛ فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا فقد برئت منه ذمّة الله، ولا تشربنّ خمرا، فإنّه رأس كلّ فاحشة، وإيّاك والمعصية، فإنّ بالمعصية حلّ سخط الله- عزّ وجلّ-، وإيّاك والفرار من الزّحف وإن هلك النّاس. وإن أصاب النّاس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في الله» ) * «2» . 3- * (عن الشّعبيّ أنّ رجلا من أهل خراسان سألة فقال: يا أبا عمرو! إنّ من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرّجل إذا أعتق أمته ثمّ تزوّجها: فهو كالرّاكب بدنته. فقال الشّعبيّ: حدّثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فآمن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذّاها فأحسن غذاءها، ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها فله أجران» ثمّ قال الشّعبيّ للخراسانيّ: خذ هذا الحديث بغير شيء. فقد كان الرّجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة» ) * «3» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال فتلاحق بي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا على ناضح «4» لنا قد أعيا فلا يكاد يسير، فقال لي: «ما لبعيرك؟» . قال: قلت: أعيا. قال: فتخلّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فزجره ودعا له، فما زال بين يدي الإبل قدّامها يسير، فقال لي: «كيف ترى بعيرك؟» . قال قلت: بخير أصابته بركتك. قال:   (1) أبو داود (2513) واللفظ له، والترمذي (1637) وقال الترمذي ومحقق جامع الأصول (5/ 43- 44) : حديث حسن، والنسائي (6/ 28) ومعنى قوله: رغبة عنه أي كراهية له. (2) أحمد (5/ 238) واللفظ له، وذكره الهيثمي في المجمع (4/ 215) وقال: رجال أحمد ثقات، إلا أن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع من معاذ، ورواه الطبراني في الكبير وأخرجه المنذري في الترغيب (1/ 383) وقال نحو قول الهيثمي، والألباني مختصرا في صحيح الجامع (3/ 157) من حديث أبي الدرداء. (3) البخاري- الفتح 6 (3011) ، مسلم (154) واللفظ له. (4) ناضح: الناضح من الإبل هي ما يستقى عليها منها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 «أفتبيعنيه» . قال: فاستحييت- ولم يكن لنا ناضح غيره- قال: فقلت: نعم. قال: «فبعنيه» ، فبعته إياه على أنّ لي فقار ظهره «1» حتّى أبلغ المدينة. قال: فقلت: يا رسول الله، إنّي عروس، فاستأذنته فأذن لي، فتقدّمت النّاس إلى المدينة، فلقيني خالي فسألني عن البعير فأخبرته بما صنعت به فلامني. قال: وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لي حين استأذنته: «هل تزوّجت بكرا أم ثيّبا؟» . فقلت: تزوّجت ثيّبا. قال: «فهلّا تزوّجت بكرا تلاعبها وتلاعبك؟» . قلت: يا رسول الله، توفّي والدي- أو استشهد- ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوّج مثلهنّ فلا تؤدّبهنّ، ولا تقوم عليهنّ، فتزوّجت ثيّبا لتقوم عليهنّ، وتؤدّبهنّ، قال: فلمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة غدوت عليه بالبعير فأعطاني ثمنه وردّه عليّ. قال المغيرة: هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا) * «2» . الأحاديث الواردة في (الأدب) معنى 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدعوت. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من هذا؟» . قلت: أنا. قال: فخرج وهو يقول: «أنا، أنا» . وفي بعض الرّوايات: (كأنّه كره ذلك» ) *» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» ) * «4» . 7- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أو سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا انقطع شسع أحدكم- أو من انقطع شسع نعله «5» فلا يمش في نعل واحدة حتّى يصلح شسعه، ولا يمش في خفّ واحد، ولا يأكل بشماله، ولا يحتبي «6» بالثّوب الواحد، ولا يلتحف الصّمّاء «7» » ) * «8» . 8- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله   (1) فقار ظهره: موضع الركوب من الظهر. (2) البخاري- الفتح 6 (2967) كتاب الرضاع واللفظ له، مسلم (715) ج 2 ص 1089. (3) البخاري- الفتح 11 (6250) ، مسلم (2155) واللفظ له. (4) مسلم (2020) . (5) شسع نعله: الشسع هي قبالة النعل التي يشد إليها زمامها والزمام هو السير الذي يعقد فيه الشسع. والصواب وفقا لنص مسلم: إذا انقطع شسع أحدكم- أو من انقطع شسع نعله. (6) في الأصل يحتبي باثبات الياء، ولعلها تصحيف والاحتباء هو أن يقعد الإنسان على أليتيه وينصب ساقيه ويحتوى عليهما بثوب أو نحوه أو بيده. (7) الصّمّاء. واشتمال الصماء: أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا بحيث يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كأنها لا تصل إلى شيء ولا يصل إليها شيء كالصخرة الصّمّاء التي ليس فيها خرق ولا صدع. يؤيد ذلك رواية الإمام أحمد في المسند 3/ 475، 476 حديث رقم 12237. واحتبى بثوبه احتباء وهو الاشتمال به. (8) مسلم (2099) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 عنهما- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا دخل الرّجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشّيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشّيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء» ) * «1» . 9- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإنّ ذلك يحزنه» ) * «2» . 10- * (عن جبلة بن سحيم قال: أصابنا عام سنة «3» مع ابن الزّبير فرزقنا تمرا، فكان عبد الله بن عمر يمرّ بنا- ونحن نأكل- ويقول: لا تقارنوا؛ فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهي عن الإقران «4» ، ثمّ يقول: إلّا أن يستأذن الرّجل أخاه. قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر) * «5» . 11- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: اقتتل غلامان: غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر أو المهاجرون: ياللمهاجرين، ونادى الأنصاريّ: ياللأنصار. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما هذا؟ دعوى أهل الجاهليّة؟» . قالوا: لا. يا رسول الله! إلّا أنّ غلامين اقتتلا فكسع «6» أحدهما الآخر. قال: «فلا بأس، ولينصر الرّجل أخاه ظالما أو مظلوما: إن كان ظالما فلينهه؛ فإنّه له نصر، وإن كان مظلوما فلينصره» ) * «7» . 12- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع: بعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضّعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السّلام، وإبرار المقسم. ونهى عن الشّرب في الفضّة، ونهى عن تختّم الذّهب، وعن ركوب المياثر «8» ، وعن لبس الحرير والدّيباج، والقسيّ والإستبرق» ) * «9» . 13- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من إجلال الله إكرام ذي الشّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السّلطان المقسط» ) * «10» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا «11»   (1) مسلم (2018) (2) البخاري- الفتح 11 (6288) ، مسلم (2184) واللفظ له. (3) عام سنة: أي عام جدب وقحط. (4) الإقران: هو الجمع بين الشيئين، وفي الطعام أن يتناول تمرتين معا في آن واحد. (5) البخاري- الفتح 9 (5446) واللفظ له، مسلم (2045) . (6) كسع: الكسع أن تضرب برجلك أو بيدك على دبر إنسان أو شيء. (7) مسلم (2584) . (8) ركوب المياثر: هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل، وهي جمع مئثرة بكسر الميم. (9) البخاري- الفتح 11 (6235) واللفظ له، مسلم (2066) . (10) أبو داود (4843) ، وقال الألباني: حسن. (11) تزدروا: تحتقروا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 نعمة الله» . قال أبو معاوية «عليكم» ) * «1» . 15- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه نهى أن يشرب الرّجل قائما. قال قتادة: فقلنا: فالأكل؟ فقال: «ذاك أشرّ أو أخبث» ) * «2» . 16- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» . فقالوا يا رسول الله، مالنا بدّ من مجالسنا. نتحدّث فيها فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق حقّه» . قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر» ) * «3» . 17- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطّعام، وتقرأ السّلام على من عرفت ومن لم تعرف» ) * «4» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي في طريق إذ وجد غصن شوك فأخّره فشكر الله له فغفر له» ) * «5» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟. قال: «ثمّ أبوك» ) * «6» . 20- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خالفوا المشركين، ووفّروا اللّحى وأحفوا الشّوارب «7» » . وكان ابن عمر إذا حجّ أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه) * «8» . 21- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام «9» عليكم. قالت عائشة: ففهمتها. فقلت: وعليكم السّام واللّعنة. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهلا يا عائشة؛ إنّ الله يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» . فقلت: يا رسول الله، أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد قلت «وعليكم» ) * «10» . 22- (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّار فتعوّذ منها وأشاح بوجهه، ثمّ ذكر النّار فتعوّذ منها وأشاح بوجهه. قال شعبة أمّا مرّتين فلا أشكّ، ثمّ قال: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة،   (1) البخاري- الفتح 11 (6490) ، مسلم (2963) واللفظ له. (2) مسلم (2024) وأشرّ هكذا وقعت بالألف والمعروف في العربية شر بغير ألف وكذلك خير، وهي لغة وإن كانت قليلة. (3) البخاري- الفتح 11 (6229) ، مسلم (2121) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 1 (12) واللفظ له، مسلم (39) . (5) الترمذي (1958) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. (6) البخاري- الفتح 10 (5971) ، مسلم (2548) واللفظ له. (7) حفا شاربه حفوا وأحفاه: بالغ في أخذه وألزق حزّه، وتوفير اللحى أي تكثيرها وجعلها وافرة. (8) البخاري- الفتح 10 (5892) ، مسلم (259) . (9) السام: الموت. (10) البخاري- الفتح 10 (6024) واللفظ له، ومسلم (2165) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 فإن لم يكن فبكلمة طيّبة» ) * «1» . 23- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى «2» » ) * «3» . 24- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عشر من الفطرة: قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، والسّواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم «4» ، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء» . قال زكريّاء: قال مصعب: ونسيت العاشرة. إلّا أن تكون المضمضة) * «5» . 25- * (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت يدي تطيش في الصّحفة فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا غلام، سمّ الله، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك» . فما زالت تلك طعمتي «7» بعد» ) * «8» . 26- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنّه مذعور فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» . فقال: والله لتقيمنّ عليه بيّنة. أمنكم أحد سمعه من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال أبيّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلّا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه، فأخبرت عمر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك) * «9» . 27- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «10» . 28- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «11» . 29- * (عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه وعلى غلامه حلّة فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة. إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن   (1) البخاري- الفتح 10 (6023) واللفظ له، مسلم (1016) . (2) اقتضى: أي طالب بما له من دين. (3) البخاري- الفتح 4 (2076) (4) البراجم: غسل البراجم أي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ. (5) مسلم (261) . (6) الحجر: بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم، أي في تربيته وتحت نظره، وأنه يربيه في حضنه تربية الولد. (7) الطّعمة- بكسر الطاء- السيرة في الأكل. (8) البخاري- الفتح 9 (5376) واللفظ له، مسلم (2022) . (9) البخاري- الفتح 11 (6245) واللفظ له، مسلم (2153) . (10) البخاري- الفتح 10 (6077) واللفظ له، ومسلم (2560) . (11) البخاري- الفتح 1 (13) واللفظ له، مسلم (45) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «1» . 30- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنّهى «2» . ثمّ الّذين يلونهم (ثلاثا) وإيّاكم وهيشات الأسواق «3» » ) * «4» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه، وما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها» ) * «5» . 32- * (عن مقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من بطن. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه» ) * «6» . 33- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه» ) * «7» . 34- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في غزوة خيبر: «من أكل من هذه الشّجرة (يعني الثّوم) فلا يأتينّ المساجد» ) * «8» . 35- * (عن حسين بن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه» ) * «9» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلّم بخير أو ليسكت. واستوصوا بالنّساء؛ فإنّ المرأة خلقت من ضلع. وإنّ أعوج شيء في الضّلع «10» أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج. فاستوصوا بالنّساء خيرا» ) * «11» .   (1) البخاري- الفتح 1 (30) واللفظ له، مسلم (1661) . (2) الأحلام والنهى: أي ذوو الألباب والعقول. (3) هيشات الأسواق: أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها. (4) مسلم 1 (432) . (5) البخاري- الفتح 6 (3560) واللفظ له، مسلم (2327) . (6) الترمذي (2380) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (7/ 410) : كما قال الترمذي، وصححه الحاكم 4/ 121، ووافقه الذهبي. (7) النسائي (5/ 82) ، أبو داود (1672) واللفظ له، وقال محقق الجامع (692) : إسناده صحيح، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 314) : صحيح. (8) البخاري- الفتح 2 (853) ، مسلم 1 (561) واللفظ له. (9) مالك في الموطأ (2/ 689) واللفظ له، ورواه أحمد والطبراني في الثلاثة، والترمذي (3218) ، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 18) رجال أحمد والكبير ثقات، وقال الزرقاني في شرح الموطأ: والحديث حسن بل صحيح. (10) الضّلع والضّلع: لغتان محنية الجنب مؤنثة، والجمع أضلع وأضالع وضلوع. (11) البخاري- الفتح 6 (3331) ، ومسلم (1468) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لا يشكر النّاس لا يشكر الله» ) * «1» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما لأصحابه: «من يأخذ (عنّي) هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل بهنّ؟ قال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي وعدّ خمسا، فقال: اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك؛ فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «2» . 39- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يرفع الرّجل إحدى رجليه على الأخرى، وهو مستلق على ظهره» ) * «3» . 40- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن اختناث الأسقية» . يعني أن تكسر أفواهها فيشرب منها) * «4» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يسلّم الصّغير على الكبير، والمارّ على القاعد، والقليل على الكثير» . وعنه- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يسلّم الرّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير» ) * «5» . 42- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله. فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسّنّة، فإن كانوا في السّنّة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلما «6» . ولا يؤمّنّ الرّجل الرّجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته «7» إلّا بإذنه» قال الأشجّ في روايته (مكان سلما) سنّا) * «8» . 43- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أراني أتسوّك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السّواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبّر، فدفعته إلى الأكبر منهما» ) * «9» . 44- * (عن ابن أبي عتيق قال: تحدّثت أنا والقاسم عند عائشة- رضي الله عنها- حديثا- وكان القاسم رجلا لحّانة، وكان لأمّ ولد فقالت له عائشة: مالك لا تحدّث كما يتحدّث ابن أخي هذا؟   (1) الترمذي (1954) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) الترمذي (2305) ، وأحمد (2/ 310) وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) حديث حسن واللفظ له، ابن ماجه (4217) ، البيهقي في شعب الإيمان. (3) أبو داود (4865) وقال الألباني: (3/ 921) : حسن واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 10 (5625) ، مسلم (2023) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 11 (6231، 6232، 6233) . (6) سلما: أي إسلاما. كقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً: أي الإسلام. (7) تكرمته: قال العلماء: التكرمة الفراش ونحوه. (8) مسلم 1 (673) . (9) البخاري- الفتح 1 (246) واللفظ له، مسلم 4 (2271) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 أما إنّي قد علمت من أين أتيت «1» . هذا أدّبته أمّه، وأنت أدّبتك أمّك. قال فغضب القاسم وأضبّ «2» عليها. فلمّا رأى مائدة عائشة قد أتي بها قام. قالت: أين؟ قال: أصلّي. قالت: اجلس قال: إنّى أصلّي. قالت: اجلس غدر «3» إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا صلاة بحضرة الطّعام، ولا هو يدافعه الأخبثان «4» » ) * «5» . 45- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان له ثلاث بنات، فصبر عليهنّ وأطعمهنّ وسقاهنّ وكساهنّ من جدته كنّ له حجابا من النّار يوم القيامة» ) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الأدب) 46- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بشراب فشرب منه- وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ- فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟» فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. قال: فتلّه» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يده) * «8» . 47- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعبد، ويجيب إذا دعي» . (وفي رواية) قال: «كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت» ) * «9» . 48- * (عن أبي فراس قال: خطبنا عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «إنّي لم أبعث عمّالي ليضربوا أبشاركم «10» ، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به ذلك فليرفعه إليّ أقصّه منه» قال عمرو بن العاص: «لو أنّ رجلا أدّب بعض رعيّته أتقصّه منه «11» ؟» . قال: «إي «12» والّذي نفسي بيده أقصّه، وقد رأيت رسول   (1) من أين أتيت: أي حدث لك هذا. (2) أضب: أي حقد. والمعنى: كره مقولتها فيه. (3) اجلس غدر: الغدر ترك الوفاء، ويقال لمن غدر: غادر وغدر. وقولها غدر: منادى بحرف نداء محذوف والتقدير: اجلس يا غدر وهي بذلك لا تسبه، وإنما تتبسط معه في الحديث لتزيل من نفسه ما علق بها. (4) الأخبثان: البول والغائط. (5) مسلم (560) . (6) ابن ماجه (3669) ، واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد (1/ 159) حديث رقم (76) ، وهو بمعناه في الصحيحين. (7) فتلّه في يده: أي ألقاه في يده، والتّل: الصّبّ، فاستعاره للإلقاء. (انظر النهاية 1/ 195) . (8) البخاري- الفتح 10 (5620) واللفظ له مسلم (2030) . (9) البخاري- الفتح 10 (6072) . (10) البشرة: هي ظاهر الجلد، ويجمع على أبشار. (11) أي إذا كان التأديب بغير حق فإني آخذ له بالقصاص منه. (12) قوله: إي ... إلخ معناه: نعم والذي نفسي ... إلخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 الله صلّى الله عليه وسلّم أقصّ من نفسه «1» » ) * «2» . 49- * (عن عبد الله بن بشر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول «السّلام عليكم، السّلام عليكم» ، وذلك أنّ الدّور لم يكن عليها يومئذ ستور) * «3» . 50- * (عن حنظلة بن حذيم- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه أن يدعو الرّجل بأحبّ أسمائه إليه وأحبّ كناه» ) * «4» . 51- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «ما رأيت رجلا التقم أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينحّي رأسه حتّى يكون الرّجل هو الّذي ينحّي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده، حتّى يكون الرّجل هو الّذي يدع يده» . وفي رواية التّرمذيّ قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا استقبله الرّجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتّى يكون الرّجل الّذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه، حتّى يكون الرّجل هو يصرفه، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له» ) * «5» . 52- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: ما عاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طعاما قطّ، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الأدب) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «خرجت مع جرير بن عبد الله البجليّ في سفر فكان يخدمني، فقلت له: لا تفعل. فقال: إنّي قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا آليت أن لا أصحب أحدا منهم إلّا خدمته» ) * «7» . 2- * (قال مجاهد: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدّبوهم» ) * «8» . 3- * (وعند ابن ماجة بعد أن ذكر أحاديث فتنة الدّجّال قال عبد الرّحمن المحاربيّ: «ينبغي أن   (1) أقصّ من نفسه: أي مكّن من آذاه من أن ينزل بالنبي مثل الذي أنزله به. (2) أبو داود رقم (4537) 4/ 181. (3) أبو داود (5186) واللفظ له، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (6/ 584) وقال محققه: إسناده حسن. (4) الهيثمي في المجمع (8/ 56) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (5) أبو داود (4794) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 910) : حسن وهو في الصحيحة برقم (2485) ، والترمذي (2490) وقال محقق جامع الأصول (11/ 250) وهو حديث حسن. (6) البخاري- الفتح 9 (5409) واللفظ له، مسلم (2064) (7) عن الأخلاق الإسلامية للحبنكة: 2/ 639. (8) الفتح (8/ 527) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 يدفع هذا الحديث إلى المؤدّب، حتّى يعلّمه الصّبيان في الكتّاب» ) * «1» . 4- * (وسئل الحسن البصريّ- رحمه الله- عن أنفع الأدب فقال: «التّفقّه في الدّين، والزّهد في الدّنيا والمعرفة بما لله عليك» ) «2» . 5- * (عن نمير بن أوس أنّه قال: «كانوا يقولون: الصّلاح من الله والأدب من الآباء» ) * «3» . 6- * (قال يحيى بن معاذ: «من تأدّب بأدب الله صار من أهل محبّة الله» ) * «4» . 7- * (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله-: «من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السّنن، ومن تهاون بالسّنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة» ) * «5» . 8- * (وقال: «نحن إلى قليل من الأدب أحوج منّا إلى كثير من العلم» ) * «6» . 9- * (وقال أيضا: «قد أكثر النّاس القول في الأدب ونحن نقول: إنّه معرفة النّفس ورعوناتها، وتجنّب تلك الرّعونات» ) * «7» . 10- * (قال أبو حفص السّهرورديّ: «حسن الأدب في الظّاهر عنوان حسن الأدب في الباطن. فالأدب مع الله باتّباع أوامره وإيقاع الحركات الظّاهرة والباطنة على مقتضى التّعظيم والإجلال والحياء» ) * «8» . 11- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: «من كمال أدب الصّلاة: أن يقف العبد بين يدي ربّه مطرقا خافضا طرفه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى فوق» ) * «9» . 12- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه. وقلّة أدبه عنوان شقاوته وبواره، فما استجلب خير الدّنيا والآخرة بمثل الأدب ولا استجلب حرمانها بمثل قلّة الأدب» ) * «10» . 13- * (قال بعضهم: «الزم الأدب ظاهرا وباطنا؛ فما أساء أحد الأدب في الظّاهر إلّا عوقب ظاهرا، وما أساء أحد الأدب باطنا إلّا عوقب باطنا» ) * «11» . 14- * (وقيل: «الأدب في العمل علامة قبول العمل» ) * «12» .   (1) ابن ماجه (2/ 1363) . (2) مدارج السالكين (2/ 392) . (3) شرح الأدب المفرد (1/ 177) . (4) المرجع السابق (2/ 392) . (5) شرح الأدب المفرد (2/ 397) . (6) المرجع السابق (2/ 392) . (7) مدارج السالكين (2/ 392) . (8) المرجع السابق (2/ 392) . (9) المرجع السابق (2/ 401) . (10) المرجع السابق (2/ 407) . (11) المرجع السابق (2/ 397) . (12) المرجع السابق (2/ 397) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 من فوائد الالتزام بالأدب مع أنواع الأدب الّتي ذكرت في مقدّمة هذه الصّفة، ومع تقدير أنّ الأدب هو الدّين كلّه، فإنّ الالتزام بالأدب يحقّق فوائد عديدة للإنسان المسلم كما يلي: 1- يصفّي سلوك الفرد ممّا يشينه وينتقصه. 2- يجعل النّاس يتحلّون بالمحامد والمكارم ويبتعدون عن المناقص. 3- يجعل الإنسان يحترز عن الخطأ ويتحرّى الصّواب. 4- يهذّب الأخلاق ويصلح العادات. 5- يجعل الإنسان يلتزم بالمنهج الإلهيّ في الأرض ممّا يصلح أحواله. 6- والالتزام بالأدب مع الله يحقّق التّقوى في قلب الإنسان. 7- والالتزام بالأدب مع رسول الله يحقّق التّسليم والانقياد للطّاعة فيما أمر ونهى. 8- والالتزام بأدب الشّريعة يؤدّي بالإنسان إلى القيام بأركان المنهج الإلهيّ. 9- والالتزام بأدب السّياسة، يؤدّي بالإنسان إلى القيام بواجباته في حياته كلّ بما يستحقّه، وفي هذا ضمان لحسن سير الحياة. 10- يحقّق الالتزام بالأدب توجّها نفسيّا وأثرا قويّا يحمل الإنسان على الاستزادة من الالتزام بضمان الأدب. 11- يحقّق الالتزام بالأدب قاعدة اجتماعيّة قويّة تتيح مناخا ملائما للحياة الصّالحة. 12- يحقّق الالتزام بالأدب تحرّيا للخير، ودعوة إلى القيم الرّفيعة تمنع انفلات الإنسان وهبوطه إلى الأدنى، أو ارتكاب الأفعال الهابطة، بل تدعوه إلى التّسامي وقمع الشّهوات. 13- يحقّق الالتزام بالأدب وحدة، دائمة، وانسجاما في الإنسان وسلوكه الفرديّ والاجتماعيّ. 14- يحقّق الالتزام بالأدب الوحدة في أدب التّلقّي والتّعلّم. 15- يحقّق الالتزام بالأدب الإيجابيّة في الحياة، وإتاحة الفرصة للإبداع والابتكار، والحيويّة في السّلوك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 الإرشاد الإرشاد لغة: مصدر أرشده إلى الشّيء بمعنى دلّه عليه وهو مأخوذ من مادّة (ر ش د) الّتي تدلّ على استقامة الطّريق، والمراشد مقاصد الطّريق، وهو ابن رشدة إذا كان لنكاح صحيح. الرّشد والرّشد والرّشاد: نقيض الغيّ. رشد الإنسان (بالفتح) يرشد رشدا (بالضّمّ) ، ورشد (بالكسر) ، يرشد رشدا ورشادا فهو راشد ورشيد إذا أصاب وجه الأمر والطّريق. وفي الحديث: «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي» . والرّاشد اسم فاعل من رشد يرشد رشدا. يريد بالرّاشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا رحمة الله عليهم ورضوانه وإن كان عامّا في كلّ من سار سيرتهم من الأئمّة. ورشد أمره: رشد فيه. والرّاشد: المستقيم على طريق الحقّ. وأرشده الله، وأرشده إلى الأمر، ورشّده: هداه. واسترشده: طلب منه الرّشد. ويقال: استرشد فلان لأمره إذا اهتدى له، والرّشدى: اسم للرّشاد. وفي أسماء الله تعالى الرّشيد؛ لأنّه يرشد الخلق إلى مصالحهم أي يهديهم ويدلّهم عليها، فهو فعيل بمعنى الآيات/ الأحاديث/ الآثار 12/ 18/ 5 مفعل، وقيل هو الّذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سبيل السّداد من غير إشارة مشير ولا تسديد مسدّد أي أنّه فعيل بمعنى فاعل «1» . واصطلاحا: قال ابن الأثير: إرشاد الضّالّ هدايته الطّريق (المستقيم) وتعريفه به «2» . الإرشاد في القرآن الكريم: لم يرد لفظ الإرشاد في القرآن الكريم وإنّما وردت المادّة (ر ش د) في صيغ أخرى منها: الفعل يرشد مضارع رشد، ومنها: المصادر رشد- رشد- رشاد. وقد ذهب بعضهم إلى أنّ هناك فرقا بين الرّشد والرّشد؛ إذ الرّشد يكون في الأمور الدّنيويّة والأخرويّة، والرّشد لا يكون إلّا في الأمور الأخرويّة فقد استعمل لفظ الرّشد في القرآن الكريم على وجهين: الأوّل: الصّلاح في العقل والمال، كما في قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً في حقّ القياس. الآخر: التّهدّي للصّلاح في الدّين، وذلك قوله عزّ وجلّ: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ ... ومنها أيضا: الصّفات: راشد اسم فاعل من   (1) لسان العرب (3/ 175- 176) . والمعجم الوسيط: (1/ 347) ، ومقاييس اللغة (2/ 318) . (2) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/ 225) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 رشد يرشد، رشيد صفة من رشد يرشد، مرشد اسم فاعل من أرشد. وسنذكر فيما يلي الآيات الكريمة الّتي وردت فيها هذه المادّة مقتصرين على ما يتعلّق بالرّشد في معنى الاهتداء في أمر الدّين. [للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الأسوة الحسنة- التبليغ- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- التذكير- الدعوة إلى الله- النصيحة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- اتباع الهوى- الإعراض- الغي والإغواء- الفسوق] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 الآيات الواردة في «الإرشاد» 1- وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) «1» 2- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «2» 3- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «3» 4- إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) «4» 5- * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) » 6- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) «6» 7- قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) «7» 8- يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) «8» 9- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) «9» 10- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) «10» 11- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «11» 12- وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) «12»   (1) البقرة: 186 مدنية (2) البقرة: 256 مدنية (3) الأعراف: 146 مكية (4) الكهف: 10 مكية (5) الكهف: 17 مكية (6) الكهف: 23- 24 مكية (7) الكهف: 66 مكية (8) غافر: 29 مكية (9) غافر: 38 مكية (10) الحجرات: 7 مدنية (11) الجن: 1- 2 مكية (12) الجن: 14 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 الأحاديث الواردة في (الإرشاد) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإمام ضامن «1» ، والمؤذّن مؤتمن «2» ، اللهمّ أرشد الأئمّة، واغفر للمؤذّنين» ) *. «3» 2- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة، وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» ) * «4» 3- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله «5» » ) * «6» . 4- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم ... - الحديث وفيه- «وقال النّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا) * «7» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا بلغ أبا ذرّ مبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة. قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه يأتيه الخبر من السّماء. فاسمع من قوله، ثمّ ائتني. فانطلق الآخر حتّى قدم مكّة، وسمع من قوله. ثمّ رجع إلى أبي ذرّ فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق. وكلاما ما هو بالشّعر. فقال ما شفيتني فيما «8» أردت. فتزوّد وحمل شنّة «9» له فيها ماء. حتّى قدم مكّة، فأتى المسجد فالتمس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يعرفه. وكره أن يسأل عنه، حتّى أدركه- يعني اللّيل- فاضطجع فرآه عليّ فعرف أنّه غريب، فلمّا رآه تبعه، فلم يسأل   (1) الضّمان هنا بمعنى الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم. (2) مؤتمن القوم: الذين يثقون إليه ويتخذونه أمينا حافظا، يعني أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم. (3) الترمذي (207) ، وصححه ابن حبان، وقال الألباني: حديث صحيح، وانظر صحيح سنن الترمذي (170) ، وسنن أبي داود (517) وصحيح سنن أبي داود (486) واللفظ فيها واحد. (4) الترمذي (1956) ، وقال هذا حديث حسن غريب. (5) قيل: إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضى للتسوية، وأمره بالعطف تعظيما لله بتقديم اسمه. وقيل إن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الرموز والإرشادات. وتأول الداني ذلك على وجوب الوقف على رشد، ثم الاستئناف بما بعد ذلك؛ وأن النهي منصب علي الوصل في مواضع الوقف- الداني: الوقف والابتداء- المقدمة ص 13. (6) مسلم (870) . (7) مسلم (681) . (8) ما شفيتني فيما: كذا في جميع نسخ مسلم: فيما، بالفاء، وفي رواية البخاري: مما بالميم، وهو أجود، أي ما بلغتني غرضي، وأزلت عني هم كشف هذا الأمر. (9) الشنة: هي القرية البالية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 واحد منهما صاحبه عن شيء حتّى أصبح، ثمّ احتمل قريبته «1» وزاده إلى المسجد فظلّ ذلك اليوم، ولا يرى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أمسى. فعاد إلى مضجعه، فمرّ به عليّ فقال: ما أنى «2» للرّجل أن يعلم منزله؟ فأقامه. فذهب به معه. ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء. حتّى إذا كان يوم الثّالث فعل مثل ذلك. فأقامه عليّ معه، ثمّ قال له: ألا تحدّثني؟ ما الّذي أقدمك هذا البلد؟. قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدنّي فعلت، ففعل. فأخبره. فقال: فإنّه حقّ، وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا أصبحت فاتّبعني، فإنّي إن رأيت شيئا أخاف عليك، قمت كأنّي أريق الماء. فإذا مضيت فاتّبعني حتّى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه «3» حتّى دخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ارجع إلى قومك فأخبرهم حتّى يأتيك أمري» فقال: والّذي نفسي بيده لأصرخنّ بها «4» بين ظهرانيهم «5» ، فخرج حتّى أتى المسجد. فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله ... الحديث) * «6» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ وما رآهم .... - الحديث وفيه- «فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له. وقالوا: هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا. إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به، ولن نشرك بربّنا أحدا، فأنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ «7» » ) * «8» 7- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ «9» ؛ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ) * «10» .   (1) قريبته: على التصغير، وفي بعض النسخ: قربته، بالتكبير، وهي الشنة المذكورة قبله. (2) ما أنى: وفي بعض النسخ: آن، وهما لغتان، أي ما حان، وفي بعض النسخ: إما بزيادة ألف الاستفهام، وهي مرادة في الرواية الأولى، ولكن حذفت. (3) يقفوه: أي يتبعه. (4) لأصرخن بها: أي لأرفعن صوتي بها. (5) بين ظهرانيهم: أي بينهم، وهو بفتح النون، ويقال: بين ظهريهم. (6) مسلم (2474) . (7) الجن: الآية 1. (8) البخاري- الفتح 8 (4921) ، ومسلم (449) واللفظ له (9) أي وإن تأمّر عليكم عبد حبشي. (10) الترمذي (2676) ، واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وصحيح سنن الترمذي (2157) وأبو داود (4607) ، وابن ماجة في المقدمة ص (42) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 الأحاديث الواردة في (الإرشاد) معنى 8- * (عن عبّاد بن شرحبيل، قال: أصابتني سنة فدخلت حائطا «1» من حيطان المدينة، ففركت سنبلا فأكلت وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال له: «ما علّمت إذ كان جاهلا، ولا أطعمت إذ كان جائعا» أو قال: «ساغبا» ، وأمره فردّ عليّ ثوبي، وأعطاني وسقا «2» ، أو نصف وسق من طعام) * «3» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدّرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله!. قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة. فذلكم الرّباط» ) * «4» . 10- * (عن أبي مسعود الأنصارىّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أبدع بي «5» فاحملني. فقال: «ما عندي» ، فقال رجل: يا رسول الله. أنا أدلّه على من يحمله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» ) *» . 11- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه، فأتيتهم، فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل «7» ومنّا من هو في جشره «8» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «9» . فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم ... الحديث) * «10» 12- * (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل أعمله يدنيني من الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل ذا رحمك» . فلمّا أدبر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن تمسّك بما أمر به دخل الجنّة» ) * «11» . 13- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله   (1) السنة: المجاعة وأصلها الجدب. والحائط البستان. (2) الوسق: الحمل، وقيل حمل البعير. (3) أبو داود (2620) واللفظ له، والنسائي (8/ 240) ، وابن ماجة (2298) ، وقال محقق جامع الأصول (7/ 451) : حديث صحيح. (4) مسلم (251) . (5) أبدع بي: أي هلكت دابتي، وهي مركوبي. (6) مسلم (1893) . (7) ينتضل: من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب. (8) في جشره: الجشر قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم، ولا يأوون إلى البيوت. (9) الصّلاة جامعة هى بنصب الصلاة على الإغراء ونصب جامعة على الحال. (10) مسلم (1844) . (11) البخاري- الفتح 3 (1396) ، ومسلم (13) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فى سفر، فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة «1» ، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده، وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ، ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟» . قلت: بلى يا نبىّ الله، فأخذ بلسانه، قال: «كفّ عليك هذا» ، فقلت: يا نبىّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس فى النّار على وجوههم أو على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم) » ) * «2» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا «3» حتّى تحابّوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟. أفشوا السّلام بينكم» ) * «4» . 15- * (عن معدان بن أبي طلحة اليعمريّ، قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنّة. أو قال: قلت: بأحبّ الأعمال إلى الله فسكت، ثمّ سألته، فسكت. ثم سألته الثّالثة. فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «عليك بكثرة السّجود لله، فإنّك لا تسجد لله سجدة إلّا رفعك الله بها درجة، وحطّ عنك بها خطيئة. قال معدان: ثمّ لقيت أبا الدّرداء فسألته فقال لى مثل ما قال لى ثوبان» ) * «5» .   (1) الجنّة: بضم الجيم وتشديد النون- أي وقاية. (2) الترمذي (2616) واللفظ له. وقال: حسن صحيح وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (3/ 13) . ابن ماجة (3973) . وقال الألباني في صحيح الترمذي (2110) صحيح. (3) هكذا في صحيح مسلم بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة. (4) مسلم (54) . (5) مسلم (488) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإرشاد) 16- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء أعرابيّ فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مه مه «1» قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزرموه «2» ، دعوه» . فتركوه حتّى بال، ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعاه فقال له: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله- عزّ وجلّ- والصّلاة وقراءة القرآن» . أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنّه «3» عليه) * «4» . 17- * (عن معاوية بن الحكم السّلميّ، قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمّياه، ما شأنكم تنظرون إليّ؟، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلمّا رأيتهم يصمّتونني، لكنّى سكتّ، فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبأبي هو وأمّي، ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله، ما كهرني «5» ، ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس، إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» ) * «6» . 18- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوجد النّاس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم. قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثمّ أقبل عمر فاستأذن فأذن له. فوجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جالسا حوله نساؤه، واجما ساكتا ... الحديث وفيه «إنّ الله لم يبعثني معنّتا، ولا متعنّتا «7» ، ولكن بعثني معلّما ميسّرا» ) * «8» .   (1) مه مه: كلمة زجر. (2) لا تزرموه: أي لا تقطعوا بوله. (3) فشنّه: أي صبّه. (4) البخاري- الفتح 1 (219) ، ومسلم (285) ، واللفظ له. (5) كهرني: من كهر، وكهره يكهره كهرا أي زجره واستقبله بوجه عابس، وانتهره، والكهر الانتهار. (6) مسلم (537) . (7) معنتا: أي مشددا على الناس وملزما إياهم ما يصعب عليهم، ولا متعنتا: أي طالبا زلتهم. (8) مسلم (1478) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإرشاد) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة- وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ لا يعرف- قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟. فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل قال: فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير ... الحديث) * «1» . 2- روى ابن جرير الطّبريّ بسنده عن الرّبيع في قوله تعالى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ يقول: لعلّهم يهتدون) * «2» . 3- * (قال ابن كثير عند قوله تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً أي إنّما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ وعبد من عباد الله ليس إليّ من الأمر شيء فى هدايتكم ولا غوايتكم بل المرجع في ذلك كلّه إلى الله- عزّ وجلّ-) * «3» . 4- * (وقال عند قوله تعالى إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ، هذا هو الرّشد الّذي أوتيه من صغره، الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله- عزّ وجلّ-) * «4» . 5- * (قال سعيد بن جبير فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً يعني صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم) «5» . من فوائد (الإرشاد) لا تخفى حاجة المجتمعات والأفراد إلى الإرشاد، والتّوجيه، والدّلالة على الخير وأبوابه وبهذا المعنى الواسع؛ فإنّ الإرشاد بمعنى الهداية والتّعليم، والوعظ، من الأمور المهمّة في الحياة. وهي تساعد على تحقيق عدّة أمور: 1- الهداية إلى أبواب الخير وفعلها. 2- يحقّق للإنسان حياة مستقرّة، ويهديه إلى الحقّ والصّواب. 3- يحقّق للمجتمع حياة فيها سعادة ورشاد. 4- يحقّق التّعلّق بأهداف الإسلام وتوجيهاته والعمل من أجلها. 5- تحقيق وتوفير الميل إلى التّعاون مع الغير من أجل الخير. 6- تحقيق وتنمية القدرة على القيادة والتّبعيّة.   (1) البخاري- الفتح 7 (3911) . (2) جامع البيان، 2/ 93. (3) تفسير ابن كثير 4/ 432. (4) السابق 3/ 182. (5) السابق 1/ 453. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 7- تنمية روح المسئوليّة لدى الأفراد في المجتمع الإسلاميّ وتحمّلها. 8- تنمية روح احترام النّظم العامّة والعمل بموجبها بعد تعلّمها وتشرّبها. 9- تعميق الإحساس بالرّضا والشّعور بالسّعادة لدى الأفراد والمجتمعات. 10- مواجهة المشكلات الحياتيّة المتجدّدة، والعمل في ضوء مبادئ الإسلام على حلّها بالإرشاد والتّوجيه السّليمين. 11- مساعدة الأفراد على الاندماج مع الجماعة الإسلاميّة والتّكيّف مع مبادئها. 12- في الإرشاد إلى الخير تحقيق للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. 13- في إرشاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخير ما يدني من الجنّة ويباعد عن النّار. 14- ينال المرشد إلى الخير مثل أجر من أرشده. 15- الإرشاد- حتّى في أمور الدّنيا- يكتب في حسنات العبد وهو في الإسلام صدقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 الاستئذان الاستئذان لغة: طلب الإذن وهو مصدر استأذن، وتدلّ المادّة الّتي أخذ منها على أمرين: الأوّل: إذن كلّ ذي إذن، والآخر: العلم والإعلام، تقول العرب: قد أذنت بهذا الأمر، أي علمت، وآذنني فلان، أعلمني، وفعله بإذني: أي بعلمي، وقال الخليل: ومن ذلك: أذن لي في كذا، ومن الباب الأذان؛ لأنّه إعلام بدخول الوقت، يقال: أذن بالشّيء إذنا وأذنا وأذانة: علم، وفي التّنزيل العزيز: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (البقرة/ 279) أي كونوا على علم، وقد آذنته بكذا أي أعلمته، واستأذنت فلانا استئذانا طلبت إذنه وأذّنت أكثرت الإعلام بالشّيء، وآذنتك بالشّيء أعلمتك به، قال الله عزّ وجلّ: فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ (الأنبياء/ 109) قال الشّاعر:* آذنتنا ببينها أسماء ويقال: فعلت كذا وكذا بإذنه؛ أي بعلمه؛ ويكون بإذنه وبأمره، وأذن له في الشّيء إذنا، أباحه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 24/ 33/ 14 له، وأذن له عليه: أخذ له منه الإذن «1» ويأتي أذن أيضا بمعنى سمع نحو قوله تعالى وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ* (الانشقاق/ 5) ، أي استمعت، وفي الحديث: «ما أذن الله لنبيّ كأذنه لنبيّ يتغنّى بالقرآن» يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنّى بالقرآن أي يتلوه ويجهر به «2» . واصطلاحا: قال الجرجانيّ: الإذن: فكّ الحجر وإطلاق التّصرّف لمن كان ممنوعا شرعا «3» . قال التّهانويّ: فكّ الحجر أيّ حجر كان، أي سواء كان حجر الرّقّ أو الصّغر أو غيرهما والّذي فكّ منه الحجر يسمّى مأذونا، ويؤخذ من كلام التّهانويّ أنّ الإذن في كلام الجرجانيّ يراد به: الإذن عند الفقهاء «4» . أمّا الاستئذان الّذي تتعلّق به الصّفة فقد أشار ابن حجر إلى بعض أنواعه فقال في الفتح: الاستئذان: طلب الإذن في الدّخول لمحلّ لا يملكه المستأذن «5» .   * هو الحارث بن حلّزة.. والبيت مطلع معلقته. (1) لسان العرب لابن منظور (1/ 5451) ، وانظر كذلك الصحاح للجوهري (5/ 2068، 2069) ، والتعريفات للجرجاني (16) ، ومقاييس اللغة (1/ 76) . (2) انظر غريب الحديث لأبي عبيد 2/ 140 (ط. الهند) ، وقارن ب «الغرابة في الحديث النبوي» ص 128. (3) التعريفات للجرجاني (16) . (4) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/ 134) . (5) الفتح (11/ 3) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 الاستئذان في القرآن الكريم: ورد الإذن والاستئذان في القرآن الكريم في مواضع عديدة على وجوه مختلفة منها: 1- إذن المولى- سبحانه- بمعنى العلم أو الأمر ويكون ذلك للأنبياء والمؤمنين. 2- الاستئذان المطلوب شرعا وسلوكا، وهو يتعلّق بطلب إباحة شيء من الأشياء لا يملكها المستأذن. وسنصنّف الآيات الواردة في «الإذن والاستئذان» وفقا لهذه الاستعمالات. [للاستزادة: انظر صفات: الأدب- إفشاء السلام- التعارف- تعظيم الحرمات- الاستقامة- الحياء- الطاعة- حسن الخلق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإساءة- سوء الخلق- إطلاق البصر- انتهاك الحرمات- سوء المعاملة] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 الآيات الواردة في «الاستئذان» أولا: الإذن من المولى- عز وجل- بأمر من الأمور: 1- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «1» 2- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) «2» 3- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) » 4- وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) «4» 5- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) «5» 6- قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) «6» 7- وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) «7» 8- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) «8» 9- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107)   (1) البقرة: 213 مدنية (2) البقرة: 255 مدنية (3) النساء: 64 مدنية (4) الأعراف: 58 مكية (5) يونس: 3 مكية (6) يونس: 59 مكية (7) يونس: 100 مكية (8) الرعد: 38 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) «1» 10- * إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) «2» 11- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) «3» 12- * وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) «4» 13- * وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26) «5» 14- يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) «6» ثانيا: الإذن ممن يملك ذلك من الناس: 15- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «7» 16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)   (1) طه: 105- 110 مكية (2) الحج: 38- 39 مدنية (3) سبأ: 22- 23 مكية (4) الشورى: 51 مكية (5) النجم: 26 مكية (6) النبأ: 38 مكية (7) النساء: 25 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29) «1» 17- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «2» ثالثا: الاستئذان المطلوب شرعا وخلقا وسلوكا: 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) «3» 19- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) «4» رابعا: الاستئذان المذموم، وهو يتعلق بالتعلة في الجهاد: 20- فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) «5»   (1) النور: 27- 29 مدنية (2) الأحزاب: 53 مدنية (3) النور: 58- 59 مدنية (4) النور: 62 مدنية (5) التوبة: 83 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 21- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) «1» 22- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «2» 23- * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) «3» 24- وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً (13) «4»   (1) التوبة: 86 مدنية (2) التوبة: 90 مدنية (3) التوبة: 93 مدنية (4) الأحزاب: 13 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 الأحاديث الواردة في (الاستئذان) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: استأذن حسّان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هجاء المشركين، قال: «كيف بنسبي؟» . فقال حسّان: لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ائذنوا له. بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة» . فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله: قلت الّذي قلت ثمّ ألنت له الكلام! قال: «أي عائشة؛ إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه النّاس- اتّقاء فحشه» ) * «2» . 3- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: «استأذن عمر بن الخطّاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نسوة من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ على صوته، فلمّا استأذن عمر بن الخطّاب قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عمر- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك- فقال: أضحك الله سنّك يا رسول الله. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» . قال عمر: فأنت أحقّ أن يهبن يا رسول الله. ثمّ قال عمر: يا عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقلن: نعم أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيها، يا ابن الخطّاب، والّذي نفسي بيده؛ ما لقيك الشّيطان سالكا فجّا «3» قطّ إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «4» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دين كان على أبي، فدققت الباب فقال: «من ذا؟» فقلت: أنا. فقال: «أنا أنا» كأنّه كرهها) * «5» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذنت عليه- وهو مضطجع معي في مرطي «6» - فأذن لها. فقالت: يا رسول الله؛ إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة «7» - وأنا ساكتة- قالت: فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي بنيّة. ألست تحبّين ما أحبّ؟» فقالت: بلى. قال: «فأحبّي هذه» . قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فرجعت إلى أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرتهنّ بالّذي قالت، وبالّذي قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنّا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقولي له: إنّ   (1) البخاري- لفتح 6 (3531) واللفظ له، مسلم (2489) بنحوه. (2) البخاري- لفتح 10 (6054) واللفظ له، مسلم (2591) . (3) الفج: الطريق الواسع بين جبلين. (4) البخاري- لفتح 7 (3683) واللفظ له، مسلم (2396) . (5) البخاري- لفتح 11 (6250) واللفظ له، مسلم (2155) ولفظه: استأذنت على النبي صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «من هذا؟» فقلت: أنا فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أنا» . (6) المرط: كساء من صوف أو كتان غير مخيط. (7) العدل في ابنة أبي قحافة: معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 أزواجك ينشدنك «1» العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله لا أكلّمه فيها أبدا. قالت عائشة: فأرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وهي الّتي كانت تساميني «2» منهنّ في المنزلة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولم أر امرأة قطّ خيرا في الدّين من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرّحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، وتقرّب به إلى الله تعالى. ما عدا سورة «3» من حدّ» كانت فيها. تسرع منها الفيئة «5» - قالت فاستأذنت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع عائشة في مرطها. على الحالة الّتي دخلت فاطمة عليها وهي بها فأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فقالت: يا رسول الله، إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت: ثمّ وقعت بي «6» . فاستطالت عليّ- وأنا أرقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها. قالت: فلم تبرح زينب حتّى عرفت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكره أن أنتصر. قالت: فلمّا وقعت بها لم أنشبها «7» حين أنحيت عليها «8» . قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتبسّم: «إنّها ابنة أبي بكر» . وقولهنّ هذا إنّما هو من باب الغيرة وإلّا فهو صلّى الله عليه وسلّم أعدل الخلق على الإطلاق) * «9» . 6- * (عن جندب بن سفيان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» ) * «10» . 7- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» ) * «11» . 8- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: «إذنك عليّ أن ترفع الحجاب وأن تستمع سوادي «12» حتّى أنهاك» ) * «13» . 9- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: اطّلع رجل من جحر في حجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مدرى «14» يحكّ به رأسه فقال: «لو أعلم أنّك تنظر لطعنت به في عينك، إنّما جعل الاستئذان من أجل البصر» ) * «15» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يوما يحدّث- وعنده رجل من أهل البادية-: «أنّ رجلا من أهل الجنّة استأذن ربّه في الزّرع فقال: أولست فيما شئت؟ قال: بلى ولكنّي أحبّ أن أزرع. فأسرع وبذر، فتبادر الطّرف نباته   (1) ينشدنك: أي يسألنك. (2) تساميني: أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة. (3) سورة: السورة الثوران وعجلة الغضب. (4) من حد: وهي شدة الخلق وثورانه. والمراد الحدّة. (5) الفيئة: الرجوع. (6) ثم وقعت بي: أي نالت مني بالوقيعة في. (7) لم أنشبها: أي لم أمهلها. (8) أنحيت عليها: أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة. (9) البخاري- الفتح 5 (2581) ، مسلم (2442) واللفظ له. (10) قال في المجمع: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير العباس بن محمد الدوري وهو ثقة (8/ 46) . (11) البخاري- الفتح 2 (865) ، مسلم (442) واللفظ له. (12) والسّواد: بالكسر السّرّ، يقال: ساودت الرّجل مساودة إذا ساررته. (13) مسلم (2169) ، أحمد (1/ 388) وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 252) : صحيح، وهذا لفظه. (14) المدرى: حديدة يسوى بها شعر الرأس وقيل: هو شبه المشط، وقيل: هو عود تسوي به المرأة شعرها. (15) البخاري- الفتح 11 (6241) واللفظ له، مسلم (2156) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال. فيقول الله تعالى: (دونك يا ابن آدم، فإنّه لا يشبعك شيء) » فقال الأعرابيّ: يا رسول الله، لا تجد هذا إلّا قرشيّا أو أنصاريّا، فإنّهم أصحاب زرع، فأمّا نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 11- * (عن ربعيّ بن حراش قال: حدّثنا رجل من بني عامر، قال: إنّه استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيت فقال: ألج؟ فقال لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان، فقل له: قل السّلام عليكم، أأدخل؟» ، فسمعه الرّجل، فقال: السّلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل) * «2» . 12- * (عن جبلة بن سحيم قال: كنّا بالمدينة في بعض أهل العراق، فأصابنا سنة، فكان ابن الزّبير يرزقنا التّمر، فكان ابن عمر- رضي الله عنهما- يمرّ بنا فيقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الإقران «3» ، إلّا أن يستأذن الرّجل منكم أخاه) * «4» . 13- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل حائطا وأمرني بحفظ باب الحائط فجاء رجل يستأذن. فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» فإذا أبو بكر. ثمّ جاء آخر يستأذن. فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» . فإذا عمر. ثمّ جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثمّ قال: «ائذن له وبشّره بالجنّة، على بلوى ستصيبه» فإذا عثمان بن عفّان) * «5» . 14- * (عن كلدة بن الحنبليّ- رضي الله عنه- أنّ: صفوان بن أميّة بعثه بلبن ولبأ وضغابيس «6» إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأعلى الوادي- قال: فدخلت عليه ولم أسلّم ولم أستأذن. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ارجع فقل السّلام عليكم، أأدخل؟» وذلكم بعد ما أسلم صفوان) * «7» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاء عمّي من الرّضاعة فاستأذن عليّ، فأبيت أن آذن له حتّى أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألته عن ذلك فقال: «إنّه عمّك، فائذني له» ، فقلت: يا رسول الله إنّما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرّجل. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه عمّك فليلج عليك» . قالت عائشة: وذلك بعد أن ضرب علينا الحجاب. قالت عائشة: يحرم من الرّضاعة ما يحرم من الولادة) * «8» 16- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: دخلت المسجد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس فلمّا غربت الشّمس، قال: «يا أبا ذرّ، هل تدري أين تذهب هذه؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّها تذهب تستأذن في السّجود فيؤذن لها، وكأنّها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها» ، ثمّ قرأ: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ   (1) البخاري- الفتح 13 (7519) . (2) أبو داود (5177) واللفظ له، وقال الحافظ في الفتح: رواه أبو داود وابن أبي شيبة بسند جيد (11/ 5) . (3) الإقرآن: أن يأكل تمرتين معا، وهذا النهي مخصوص بوقت الحاجة والشدة. (4) البخاري- الفتح 5 (2455) واللفظ له. ومسلم (2045) (5) البخاري- الفتح 7 (3695) واللفظ له. ومسلم (2403) . (6) والضغابيس: حشيش يؤكل أو البقل. (7) الترمذي (2710) واللفظ له وقال: حسن غريب من هذا الوجه. أبو داود (5176) وقال الألباني في صحيح أبي داود (4311) : صحيح. والبخاري في الأدب المفرد برقم (1081) . (8) البخاري- الفتح 9 (5239) واللفظ له، مسلم (1445) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 لَها) * «1» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد لبنا في قدح فقال: «أبا هرّ، الحق أهل الصّفّة فادعهم إليّ» قال: فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا) * «2» . 18- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له- وهو على تلك الحال- فتحدّث ثمّ استأذن عمر فأذن له- وهو كذلك- فتحدّث ثمّ استأذن عثمان فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسوّى ثيابه فدخل فتحدّث، فلمّا خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتشّ له، ولم تباله، ثمّ دخل عمر فلم تهتشّ له ولم تباله، ثمّ دخل عثمان فجلست وسوّيت ثيابك؟ فقال: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» ) * «3» . 19- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: كان لي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة آتيه فيها فإذا أتيته استأذنت. إن وجدته يصلّي فتنحنح دخلت، وإن وجدته فارغا أذن لي) * «4» . 20- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنّه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت. فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت- وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» فقال: والله لتقيمنّ عليه بيّنة. أمنكم أحد سمعه من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال أبيّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلّا أصغر القوم- فكنت أصغر القوم- فقمت معه فأخبرت عمر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك) * «5» . 21- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجلس بين رجلين إلّا بإذنهما» ) * «6» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: «لا تنكح الأيّم «7» حتّى تستأمر، ولا تنكح البكر حتّى تستأذن» قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت» ) * «8» . 23- * (عن سعد بن عبادة- رضي الله عنه- أنّه استأذن وهو مستقبل الباب، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تستأذن وأنت مستقبل الباب» وفي رواية قال: جئت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيت فقمت مقابل الباب فاستأذنت فأشار إليّ أن تباعد. ثمّ جئت فاستأذنت فقال: «وهل الاستئذان إلّا من أجل النّظر» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7424) وهذا لفظه، مسلم (159) . (2) البخاري- لفتح 11 (6246) . (3) مسلم (2401) . (4) النسائي (3/ 12) وقال في جامع الأصول: حديث حسن (6/ 587) . (5) البخاري- الفتح 11 (6245) واللفظ له مسلم (2153) . (6) أبو داود (4844) ، الترمذي (2752) وقال مخرج صحيح الجامع 53) : إسناده حسن، وقال ابن مفلح: حسن (1/ 405) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 918) : برقم (4054) حسن. (7) الأيم: الثيب، وتستأمر: تستشار. (8) البخاري- الفتح 9 (5136) ، مسلم (1419) متفق عليه. (9) ذكره في المجمع وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح (8/ 43، 44) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 24- * (عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيت حتّى يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يؤمّ قوما فيخصّ نفسه بدعوة دونهم حتّى ينصرف، ولا يصلّي وهو حاقن «1» حتّى يتخفّف» ) * «2» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حلّ لهم أن يفقئوا عينه» ) * «3» . 26- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو النّاس. خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم- ويذكر ذنبه فيستحي- ائتوا نوحا فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم- ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم فيستحي- فيقول: ائتوا خليل الرّحمن. فيأتونه فيقول: لست هناكم. ائتوا موسى عبدا كلّمه الله وأعطاه التّوراة فيأتونه فيقول: لست هناكم- ويذكر قتل النّفس بغير نفس فيستحي من ربّه- فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فيأتوني، فأنطلق حتّى أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي- مثله- ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة. ثمّ أعود الرّابعة فأقول: «ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» ) *» . الأحاديث الواردة في (الاستئذان) معنى 27- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «جاء عمر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في مشربة «5» له فقال: السّلام عليك يا رسول الله، السّلام عليك، أيدخل عمر؟) * «6» .   (1) حاقن: اسم فاعل من حقن بمعنى حبس والمراد لا يصلي: وهو محتبس البول. (2) أبو داود (90) ، والترمذي (357) وقال: حسن، أحمد (5/ 280) ، البخاري في الأدب المفرد برقم (1098) واللفظ له وفيه قال أبو عبد الله البخاري: أصح ما يروى في هذا الباب هذا الحديث، وذكره في الترغيب والترهيب وعزاه أيضا لابن ماجة (3/ 437) ، وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن بشواهده (5/ 597) . (3) البخاري- الفتح 12 (6888) ، مسلم (2158) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له، مسلم (193) . (5) المشربة: الغرفة. (6) أحمد (4/ 267) واللفظ له، نسخة شاكر وقال: إسناده صحيح، قال في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (8/ 44) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستئذان) 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استأذنت ربّي أن أستغفر لأمّي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي» ) * «1» . 29- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: إنّ جارا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فارسيّا كان طيّب المرق. فصنع «2» لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ جاء يدعوه. فقال: «وهذه» لعائشة؟. فقال: لا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا» . فعاد يدعوه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وهذه؟» قال: لا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا» . ثمّ عاد يدعوه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وهذه؟» . قال: نعم في الثّالثة. فقاما يتدافعان حتّى أتيا منزله) * «3» . 30- * (عن عبد الله بن بسر- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أتى بابا يريد يستأذن لم يستقبله، جاء يمينا وشمالا، فإن أذن له وإلّا انصرف) * «4» . 31- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا من الأنصار يقال له أبو شعيب كان له غلام لحّام، فقال له أبو شعيب: اصنع لي طعام خمسة لعلّي أدعو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خامس خمسة- وأبصر في وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الجوع- فدعاه، فتبعهم رجل لم يدع، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذا قد اتّبعنا، أتأذن له؟» قال: نعم) * «5» . 32- * (عن قيس بن سعد، يعني ابن عبادة رضي الله عنهما- قال: زارنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منزلنا فقال: «السّلام عليكم ورحمة الله» فردّ سعد ردّا خفيّا. قال قيس: فقلت: ألا تأذن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: ذره يكثر علينا من السّلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّلام عليكم ورحمة الله» فردّ سعد ردّا خفيّا. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّلام عليكم ورحمة الله» . ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واتّبعه سعد فقال: يا رسول الله إنّي كنت أسمع تسليمك وأردّ عليك ردّا خفيّا لتكثر علينا من السّلام. قال فانصرف معه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمر له سعد بغسل فاغتسل، ثمّ ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها، ثمّ رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه وهو يقول: «اللهمّ اجعل صلواتك ورحمتك عليآل سعد بن عبادة» . قال: ثمّ أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الطّعام، فلمّا أراد الانصراف قرّب له سعد حمارا قد وطّأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال سعد: يا قيس؛ اصحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال قيس: فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اركب» ، فأبيت، ثمّ قال: «إمّا أن تركب وإمّا أن تنصرف» . قال: فانصرفت) * «6» . 33- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا ثقل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واشتدّ به وجعه استأذن أزواجه في أن   (1) مسلم (976) . (2) فصنع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي أقام له مأدبة طعام. (3) مسلم (2037) . (4) أبو داود (5186) وفيه زيادة قوله: ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور، الأدب المفرد للبخاري برقم (1082) واللفظ له، أحمد (4/ 189) (5) البخاري- الفتح 5 (2456) واللفظ له، مسلم (2036) . (6) أبو داود (5185) ، البزار (2/ 420) كما في كشف الأستار، وقال ابن كثير: قد روي هذا من وجوه أخر فهو حديث جيد قوي والله أعلم (3/ 279) . وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة مسندا ومرسلا، أحاديث (324- 327) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 يمرّض «1» في بيتي، فأذنّ له، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض بين عبّاس ورجل آخر، وكانت عائشة- رضي الله عنها- تحدّث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال بعد ما دخل بيته واشتدّ وجعه: «هريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهنّ «2» ، لعلّي أعهد إلى النّاس» . وأجلس في مخضب لحفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ طفقنا نصبّ عليه تلك حتّى طفق يشير إلينا أن قد فعلتنّ. ثمّ خرج إلى النّاس) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستئذان) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: «من ملأ عينه من قاعة بيت قبل أن يؤذن له فقد فسق» ) * «4» . 2- * (قال أبو سويد العبديّ: أتينا ابن عمر فجلسنا ببابه ليؤذن لنا فأبطأ علينا الإذن فقمت إلى جحر في الباب فجعلت أطّلع فيه ففطن بي، فلمّا أذن لنا جلسنا فقال: أيّكم اطّلع آنفا في داري؟ قلت: أنا. قال: بأيّ شيء استحللت أن تطّلع في داري؟ قلت: أبطأت علينا فنظرت، فلم أتعمّد ذلك) * «5» . 3- * (قال عبد الله بن مسعود لرجل سأله: «أيستأذن على أمّه؟ قال: ما على كلّ أحيانها تحبّ أن تراها) * «6» . 4- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: في معنى قوله تعالى: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ... (النور/ 58) : «إنّ الله حكيم رءوف بالمؤمنين يحبّ التّستّر، وكان النّاس ليس لبيوتهم ستور، فربّما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرّجل والرّجل على أهله، فأمر الله بالاستئذان في تلك العورات» ) * «7» . 5- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه- فيمن يستأذن قبل أن يسلّم، قال: «لا يؤذن له حتّى يبدأ بالسّلام» ) * «8» . 6- * (قال جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- «يستأذن الرّجل على ولده وأمّه- وإن كانت عجوزا. وأخيه وأخته وأبيه» ) * «9» . 7- * (قال أبو موسى- رضي الله عنه- «إذا دخل أحدكم على والدته فليستأذن» ) * «10» . 8- * (قالت زينب الثّقفيّة، امرأة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما-: «كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منّا على أمر يكرهه» «11» .   (1) يمرّض: أي يعالج مرضه ويقاوم ليشفى، ومصدره التمريض. (2) أوكيتهنّ: الوكاء هو ما يربط به فم قربة الماء من حبل وسيور وخلافه. (3) البخاري- لفتح 1 (198) واللفظ له، مسلم (418) . (4) الأدب المفرد للبخاري برقم (921) . (5) مجمع الزوائد (8/ 44) . (6) الأدب المفرد للبخاري حديث (1063) وقال المعلق: قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح. انظر (ص 365) منه. (7) الآداب الشرعية (1/ 393) . (8) الأدب المفرد للبخاري برقم (1070) ، وقال: لا يؤذن له حتى يأتي بالمفتاح السلام. منه برقم (1067) . (9) الأدب المفرد للبخاري برقم (1066) وقال المعلق: قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح. انظر ص 365 منه. (10) الآداب الشرعية (1/ 391) . (11) ابن كثير في التفسير (3/ 280) وقال: إسناده صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وقال أبو عبيدة: كان عبد الله- يعني ابن مسعود- رضي الله عنه- إذا دخل الدّار استأنس «تكلّم ورفع صوته» ) * «1» . 9- * (قال عطاء: قلت لابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «أستأذن على أختي؟ فقال: نعم. فأعدت فقلت: أختان في حجري- وأنا أمونهما «2» وأنفق عليهما- أستأذن عليهما؟ قال: نعم. أتحبّ أن تراهما عريانتين؟ ثمّ قرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ (النور/ 58) . قال: فلم يؤمر هؤلاء بالإذن إلّا في هذه العورات الثّلاث. قال: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (النور/ 59) . قال ابن عبّاس: فالإذن واجب، زاد ابن جريج: على النّاس كلّهم» ) * «3» . 10- * (قال موسى بن طلحة- يعني ابن عبيد الله-: «دخلت مع أبي على أمّي فدخل فاتّبعته، فالتفت فدفع في صدري حتّى أقعدني على استي ثمّ قال: أتدخل بغير إذن» ) * «4» . 11- * (قال قتادة في معنى حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا: «هو الاستئذان ثلاثا فمن لم يؤذن له فليرجع. أمّا الأولى: فليسمع الحيّ، وأمّا الثّانية فليأخذوا حذرهم، وأمّا الثّالثة: فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردّوا، ولا تقفنّ على باب قوم ردّوك عن بابهم. فإنّ للنّاس حاجات ولهم أشغال والله أولى بالعذر» ) * «5» . 12- * (قال قتادة- رحمه الله تعالى-: «قال بعض المهاجرين: لقد طلبت عمري كلّه هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا مغتبط» ) * «6» . 13- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها (النور/ 27- 29) : «هذه آداب شرعيّة أدّب الله بها عباده المؤمنين، وذلك في الاستئذان، أمرهم ألّا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتّى يستأنسوا أي يستأذنوا قبل الدّخول ويسلّموا بعده، وينبغي أن يستأذن ثلاث مرّات فإن أذن له وإلّا انصرف. وينبغي للمستأذن على أهل المنزل أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه وليكن الباب عن يمينه أو يساره، ولا يقول المستأذن: أنا. إذا قيل من؟ لأنّ هذا مكروه، وإنّما كره ذلك لأنّ هذه اللّفظة لا يعرف صاحبها حتّى يفصح باسمه أو كنيته الّتي هو مشهور بها، وإلّا فكلّ أحد يعبّر عن نفسه بأنا، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان الّذي هو الاستئناس المأمور به في الآية» ) * «7» .   (1) ابن كثير في التفسير (3/ 280) . (2) أمونهما: أي احتمل نفقتهما. (3) الأدب المفرد للبخاري برقم (1067) وقال معلقه: قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح. انظره ص 365 منه. (4) البخاري في الأدب المفرد برقم (1061) ، وقال المعلق: قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح، انظره (ص 365) منه. (5) تفسير ابن كثير (3/ 281) . (6) تفسير ابن كثير (3/ 281) . (7) تفسير ابن كثير بتصرف يسير (279) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 14- * (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-: «اعلم أنّ المستأذن إن تحقّق أنّ أهل البيت سمعوه لزمه الانصراف بعد الثّالثة؛ لأنّهم لمّا سمعوه، ولم يأذنوا له دلّ ذلك على عدم الإذن، وقد بيّنت السّنّة الصّحيحة عدم الزّيادة على الثّلاث، خلافا لمن قال من أهل العلم: إنّ له أن يزيد على الثّلاث مطلقا، وكذلك إذا لم يدر هل سمعوه أو لا؛ فإنّه يلزمه الانصراف بعد الثّالثة. ثمّ قال: والّذي يظهر لنا رجحانه من الأدلّة، أنّه إن علم أنّ أهل البيت لم يسمعوا استئذانه لا يزيد على الثّالثة بل ينصرف بعدها لعموم الأدلّة، وعدم تقييد شيء منها بكونهم لم يسمعوا خلافا لمن قال: له الزّيادة، ومن فصّل في ذلك، قال: والصّواب- إن شاء الله تعالى- هو ما قدّمنا من عدم الزّيادة على الثّلاث؛ لأنّه ظاهر النّصوص ولا يجوز العدول عن ظاهر النّصّ إلّا بدليل يجب الرّجوع إليه» ) * «1» . من فوائد (الاستئذان) (1) يتيح للإنسان أن يتصرّف في بيته كما يشاء بما يرضي الله فيأذن لمن يريد ويردّ من يريد بغير حرج. (2) سدّ الذّرائع إذ إنّ عدم الاستئذان يستلزم وقوع النّظر على ما لا يحلّ، وقد يكون هذا سببا لفتنة بعد ذلك. (3) الاستئذان يرفع الحرج عن المستأذن والمستأذن عليه. (4) الاستئذان يشيع جوّ الأمان في المجتمع فيأمن كلّ عدم اقتحام البيت إلّا بإذنه. (5) تؤدّي فضيلة الاستئذان إلى الغبطة والسّرور. (6) الاستئذان يؤدّي إلى الأنس وإزالة الرّهبة والخوف. (7) الاستئذان يتيح الفرصة لصاحب البيت بأن يداري عوراته وكلّ ما يكره. (8) بالاستئذان ترضى النّفوس ولا ينزل بها الغضب وتحفظ الحرمات.   (1) أضواء البيان (6/ 175- 176) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الاستخارة الاستخارة لغة: الاستخارة: مصدر استخار. وهي من مادّة (خ ي ر) الّتي تدلّ على العطف والميل، فالخير خلاف الشرّ، لأنّ كلّ أحد يميل إليه ويعطف على صاحبه، والخيرة: الخيار، والاستخارة أن تسأل خير الأمرين لك، وتدلّ الاستخارة أيضا على الاستعطاف، والأصل في ذلك استخارة الضّبع، وهو أن تجعل خشبة في ثقبة بيتها حتّى تخرج من مكان إلى آخر، ثمّ استعملت الاستخارة في طلب الخيرة في الشّيء وهو استفعال منه. وتقول: خار الله لك: أي أعطاك ما هو خير لك، وجعل لك فيه الخيرة، وخار الله له: أعطاه ما هو خير له. واستخار الله: طلب منه الخيرة، وخيّرته بين الشّيئين: أي فوّضت إليه الخيار. ويقال: استخر الله يخر لك، والله يخير للعبد إذا استخاره. وأمّا قولك: استخار المنزل: أي استنظفه، واستخار الرّجل: أي استعطفه ودعاه إليه، وفي الحديث: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، الخيار الاسم من الاختيار وهو طلب خير الأمرين: إمّا إمضاء البيع أو الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 1/ 7 فسخه، أمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم «تخيّروا لنطفكم» فمعناه اطلبوا ما هو خير المناكح وأزكاها «1» . واصطلاحا: الاستخارة: طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما «2» . وصلاة الاستخارة: هي أن يصلّي المرء ركعتين من غير الفريضة في أيّ وقت من اللّيل أو النّهار يقرأ فيهما بما شاء بعد الفاتحة، ثمّ يحمد الله ويصلّى على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يدعو بالدّعاء الّذى رواه البخاريّ من حديث جابر- رضي الله عنه- (انظر الحديث الأوّل فيما يلى من أحاديث الاستخارة) «3» . ضرورة الالتزام بالوارد في الاستخارة: قال أبو عبد الله محمّدّ بن محمّد بن الحاجّ- رحمه الله تعالى-: على المرء أن يحذر ممّا يفعله بعض النّاس، ممّن لا علم عنده، أو عنده علم وليس عنده معرفة بحكمة الشّرع الشّريف في ألفاظه الجامعة للأسرار العليّة، لأنّ بعضهم يختارون لأنفسهم استخارة غير الواردة. وهذا فيه ما فيه من اختيار المرء لنفسه غير ما اختاره له من هو أرحم به وأشفق عليه من نفسه ووالديه، العالم بمصالح الأمور المرشد لما فيه الخير   (1) لسان العرب (3/ 1298- 1300) ، الصحاح (2/ 651 652) ، والمختار منه (195) ، وفتح الباري (11/ 183) ، ومقاييس اللغة لأحمد بن فارس (2/ 232) . (2) فتح الباري (11/ 187) . (3) فقه السنة (1/ 211) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 والنّجح والفلاح صلوات الله وسلامه عليه. وبعضهم يستخير الاستخارة الشّرعيّة ويتوقّف بعدها حتّى يرى مناما يفهم منه فعل ما استخار فيه أو تركه أو يراه غيره. وهذا ليس بشيء، لأنّ صاحب العصمة صلّى الله عليه وسلّم أمر بالاستخارة والاستشارة لا بما يرى في المنام، ولا يضيف إليها شيئا، ويا سبحان الله! إنّ صاحب الشّرع صلوات الله وسلامه عليه قد اختار لنا ألفاظا منتقاة جامعة لخيري الدّنيا والآخرة، حتّى قال الرّاوي للحديث في صفتها على سبيل التّخصيص، والحضّ على التّمسّك بألفاظها وعدم العدول إلى غيرها: (كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كما يعلّمنا السّورة من القرآن) ومعلوم أنّ القرآن لا يجوز أن يغيّر أو يزاد فيه أو ينقص منه، ثمّ انظر إلى حكمة أمره عليه الصّلاة والسّلام المكلّف بأن يركع ركعتين من غير الفريضة، وما ذاك إلّا لأنّ صاحب الاستخارة يريد أن يطلب من الله تعالى قضاء حاجته، وقد قضت الحكمة أنّ من الأدب قرع باب من تريد حاجتك منه، وقرع باب المولى- سبحانه وتعالى- إنّما هو بالصّلاة، فلمّا أن فرغ من تحصيل فضائل الصّلاة الجمّة أمره صاحب الشّرع عليه الصّلاة والسّلام بالدّعاء الوارد. فضل صلاة الاستخارة: ولو لم يكن فيها من الخير والبركة إلّا أنّ من فعلها كان ممتثلا للسّنّة المطهّرة محصّلا لبركتها، ثمّ مع ذلك تحصل له بركة النّطق بتلك الألفاظ الّتي تربو على كلّ خير يطلبه الإنسان لنفسه ويختاره لها. فيا سعادة من رزق هذا الحال، وينبغي للمرء أن لا يفعلها إلّا بعد أن يتمثّل ما ورد من السّنّة في أمر الدّعاء، وهو أن يبدأ أوّلا بالثّناء على الله- سبحانه وتعالى- ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يأخذ في دعاء الاستخارة الوارد ثمّ يختمه بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ الأفضل أن يجمع بين الاستخارة والاستشارة؛ فإنّ ذلك من كمال الامتثال للسّنّة، وقد قال بعض السّلف: من حقّ العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العلماء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرّأي الفذّ ربّما زلّ، والعقل الفرد ربّما ضلّ. فعلى هذا، فمن ترك الاستخارة والاستشارة يخاف عليه من التّعب فيما أخذ بسبيله لدخوله في الأشياء بنفسه دون الامتثال للسّنّة المطهّرة وما أحكمته في ذلك. قال النّوويّ: وينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، ولا يعتمد على انشراح كان فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسا، وإلّا فلا يكون مستخيرا لله، بل يكون غير صادق في طلب الخيرة وفي التّبرّي من العلم والقدرة وإثباتها لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرّأ من الحول والقوّة ومن اختياره لنفسه «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستعانة- الاستعاذة- الإنابة- التوكل- الدعاء- الذكر- القنوت- الضراعة والتضرع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الأمن من المكر- الكبر والعجب] .   (1) بتصرف يسير من كتاب المدخل (4/ 36- 44) . وفقه السنة للشيخ سيد سابق (1/ 211- 212) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 الأحاديث الواردة في (الاستخارة) 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كالسّورة من القرآن يقول: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ يقول: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهمّ، إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال فى عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عنّي، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ رضّيني به، ويسمّي حاجته» ) *» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الاستخارة) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: «لمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان بالمدينة رجل يلحد «2» وآخر يضرح «3» فقالوا: نستخير ربّنا، ونبعث إليهما فأيّهما سبق تركناه. فأرسل إليهما فسبق صاحب اللّحد، فلحدوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» . 2- * (عن عطاء- رحمه الله- قال: لمّا احترق البيت زمن يزيد بن معاوية، حين غزاها أهل الشّام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزّبير. حتّى قدم النّاس الموسم. يريد أن يجرّئهم (أو يحرّبهم «5» ) على أهل الشّام. فلمّا صدر النّاس قال: يا أيّها النّاس، أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثمّ أبني بناءها. أو أصلح ما وهى «6» منها؟ قال ابن عبّاس: فإنّي قد فرق «7» لي رأي فيها. أرى أن تصلح ما وهى منها. وتدع بيتا أسلم النّاس عليه. وأحجارا أسلم النّاس عليها، وبعث عليها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال ابن الزّبير: لو كان أحدكم احترق بيته، ما رضي حتّى يجدّه «8» . فكيف بيت ربّكم؟ إنّي مستخير ربّي ثلاثا. ثمّ عازم على أمري. فلمّا مضى الثّلاث، أجمع رأيه على أن ينقضها.   (1) البخاري الفتح 11 (6382) . (2) يلحد: أي يجعل للميت لحدا وهو الشق يكون في عرض القبر. (3) يضرح: أي يدفن بلا لحد. (4) ابن ماجه (1557) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، أحمد (3/ 139) . (5) أو يحرّبهم: قيل يغيظهم بما يرونه قد فعل بالبيت، وقيل: يحملهم على الحرب ويحرضهم عليها، وروى الحديث أيضا بلفظ يحزبهم بالزاي- أي يشد قوتهم ويميلهم إليه ويجعلهم حزبا له. (6) ما وهى من الكعبة: أي ما تهدّم منها. (7) فرق له رأي: أي بدا له وظهر. (8) يجده: أي يجعله جديدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 فتحاماه النّاس أن ينزل بأوّل النّاس يصعد فيه أمر من السّماء. حتّى صعده رجل فألقى منه حجارة. فلمّا لم يره النّاس أصابه شيء تتابعوا. فنقضوه حتّى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزّبير أعمدة. فستّر عليها السّتور. حتّى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزّبير: إنّي سمعت عائشة تقول: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لولا أنّ النّاس حديث عهدهم بكفر. وليس عندي من النّفقة ما يقوّي على بنائه- لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ولجعلت لها بابا يدخل النّاس منه، وبابا يخرجون منه» . قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق. ولست أخاف النّاس. قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحجر. حتّى أبدى أسّا «1» نظر النّاس إليه. فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا. فلمّا زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلمّا قتل ابن الزّبير كتب الحجّاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أنّ ابن الزّبير قد وضع البناء على أسّ نظر إليه العدول من أهل مكّة. فكتب إليه عبد الملك: إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزّبير «2» في شيء. أمّا ما زاد في طوله فأقرّه، وأمّا ما زاد فيه من الحجر فردّه إلى بنائه. وسدّ الباب الّذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه) * «3» . 3- * (قال ابن أبي جمرة- رحمه الله تعالى-: «الاستخارة في الأمور المباحة وفي المستحبّات إذا تعارضا في البدء بأحدهما، أمّا الواجبات وأصل المستحبّات والمحرّمات والمكروهات كلّ ذلك لا يستخار فيه» ) * «4» . 4- * (وقال أيضا: «الحكمة في تقديم الصّلاة على دعاء الاستخارة: أنّ المراد حصول الجمع بين خيري الدّنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجع من الصّلاة لما فيها من تعظيم الله والثّناء عليه والافتقار إليه مآلا وحالا» ) * «5» . 5- * (قال الطّيبيّ- رحمه الله تعالى-: «سياق حديث جابر في الاستخارة يدلّ على الاعتناء التّامّ بها» ) * «6» . 6- * (قال بعض أهل العلم: «من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشّكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التّوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصّواب» ) * «7» . 7- * (قال بعض الأدباء: «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار» ) * «8» .   (1) حتى أبدى أسا: أي حفر من أرض الحجر ذلك المقدار إلى أن بلغ أساس البيت الذي أسس عليه إبراهيم عليه السلام حتى أرى الناس أساسه. فنظروا إليه فبنى البناء عليه. (2) إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير: يريد بذلك سبه وعيب فعله يقال: لطخته، أي رميته بأمر قبيح. يعني إنا برآء مما لوثه بما اعتمده من هدم الكعبة. (3) مسلم (1333) . (4) الفتح (11/ 188) بتصرف. (5) المرجع السابق (11/ 189) بتصرف. (6) المرجع السابق (11/ 188) بتصرف. (7) إحياء علوم الدين (1/ 206) . (8) أدب الدنيا والدين (309) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 من فوائد (الاستخارة) (1) دليل على تعلّق قلب المؤمن بالله- عزّ وجلّ- في سائر أحواله. (2) الرّضا بما قسم الله للإنسان وقدّر. (3) من أسباب السّعادة في الدّنيا والآخرة. (4) راحة الإنسان حيث يسعى بما تيسّر له من الأسباب بعد أن يطلب الخير من الله وحيثما رضي وقنع فارتاح. (5) الحاجة إليها ملحّة في كلّ أمر صغير أو كبير. (6) الاستخارة ترفع الرّوح المعنويّة للمستخير فتجعله واثقا من نصر الله له. (7) الاستخارة تزيد ثواب المرء وتقرّبه من ربّه وذلك لما يصحبها من الصّلاة والدّعاء. (8) الاستخارة دليل على ثقة الإنسان في ربّه ووسيلة للقرب منه. (9) المستخير لا يخيب مسعاه وإنّما يمنح الخيرة ويبعد عن النّدم. (10) في الاستخارة تعظيم لله وثناء عليه. (11) في الاستخارة مخرج من الحيرة والشّكّ وهي مدعاة للطّمأنينة وراحة البال. (12) في الاستخارة امتثال للسّنّة المطهّرة وتحصيل لبركتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 الاستعاذة الاستعاذة لغة: الاستعاذة مصدر استعاذ وهي من مادّة (ع وذ) الّتي تدلّ على الالتجاء إلى الشّيء ثمّ يحمل على ذلك كلّ شيء لصق بشيء أو لازمه. قال الخليل: تقول أعوذ بالله جلّ ثناؤه أي ألجأ إليه تبارك وتعالى عوذا وعياذا، ويقال فلان عياذ لك أي ملجأ، ومن هذا قولهم: عاذ به يعوذ عوذا وعياذا ومعاذا: لاذ به ولجأ إليه واعتصم. ومعاذ الله أي عياذا بالله. قال الله تعالى: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ (يوسف/ 79) أي نعوذ بالله معاذا أن نأخذ غير الجاني بجنايته، وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه تزوّج امرأة من العرب فلمّا أدخلت عليه قالت: أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بمعاذ فالحقي بأهلك. والمعاذ في هذا الحديث: الّذي يعاذ به. والمعاذ: المصدر والمكان والزّمان. أي قد لجأت إلى ملجأ ولذت بملاذ. والله- عزّ وجلّ- معاذ من عاذ به وملجأ من لجأ إليه، والملاذ مثل المعاذ، وهو عياذي أي ملجئي. وعذت بفلان واستعذت به، أي لجأت إليه. وفي التنزيل: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (النحل/ 98) معناه إذا أردت قراءة القرآن فقل: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ووسوسته. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 15/ 96/ 14 والعوذة والمعاذة والتّعويذة: الرّقية يرقى بها الإنسان من فزع أو جنون لأنّه يعاذ بها. وقد عوّذه، يقال: عوّذت فلانا بالله وأسمائه وبالمعوّذتين إذا قلت أعيذك بالله وأسمائه من كلّ ذي شرّ وكلّ داء وحاسد وعين. والمعوّذتان، بكسر الواو: سورة الفلق وتاليتها؛ لأنّ مبدأ كلّ واحدة منهما «قل أعوذ» . وأمّا التّعاويذ الّتي تكتب وتعلّق على الإنسان من العين فقد نهي عن تعليقها، وهي تسمّى المعاذات أيضا «1» . وقال القرطبيّ: الاستعاذة في كلام العرب: الاستجارة والتّحيّز إلى الشّيء على معنى الامتناع به من المكروه، يقال عذت بفلان واستعذت به؛ أي لجأت إليه، وهي عياذي أي ملجئي «2» . وقال ابن القيّم: لفظ عاذ وما تصرّف منه يدلّ على التّحرّز والتّحصّن والنّجاة، وفي أصله قولان: أحدهما أنّه مأخوذ من السّتر، والثّاني أنه مأخوذ من المجاورة والالتصاق، ومن الأوّل قولهم للبيت الّذي في أصل الشّجرة «عوّذ» لأنّه عاذ بالشّجرة واستتر بأصلها، وكذلك العائذ قد استتر من عدوّه بمن استعاذ به منه، ومن المعنى الثّاني قولهم للحم إذا لصق بالعظم فلم يتخلص منه «عوذ» لأنّه استمسك به واعتصم، وفي المثل أطيب اللّحم عوذه (وهو ما   (1) الصحاح للجوهري (2/ 567) ، والنهاية لابن الأثير (3/ 318) ، ولسان العرب (4/ 3162) ، ومقاييس اللغة (4/ 183) . (2) الجامع لأحكام القرآن (1/ 64) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 التصق منه بالعظم) ، وكذلك العائذ قد استمسك بالمستعاذ به واعتصم به ولزمه، والقولان حقّ، والاستعاذة تنتظمهما جميعا، لأنّ المستعيذ مستتر بمعاذه مستمسك به «1» . الاستعاذة اصطلاحا: هي اللّجوء إلى الله- عزّ وجلّ- والاعتصام به من شرّ كلّ ذي شرّ «2» . والاستعاذة تتضمّن مستعاذا به ومستعاذا منه وصيغة، وسنتناول ذلك بإيجاز- فيما يلي:- المستعاذ به: ويسمّى المعاذ والمستعاذ، وهو الله وحده، ولا تنبغي الاستعاذة إلّا به جلّ وعلا وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكلماته التّامة، «ولا يستعاذ بأحد من خلقه، وقد أخبر سبحانه عمّن استعاذ بخلقه أنّ استعاذته زادته طغيانا ورهقا «3» . قال تعالى حكاية عن مؤمني الجنّ وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (الجن/ 6) يقول ابن كثير فى تفسيرها: كنّا نرى أن لنا فضلا على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري كما كانت عادة العرب في جاهليّتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجانّ أن يصيبهم بشيء يسوءهم. فلما رأت الجنّ أنّ الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم خوفا وإرهابا وذعرا حتّى يبقوا أشدّ منهم مخافة وأكثر تعوّذا» «4» . المستعاذ منه: المستعاذ منه هو كلّ ما يصيب الإنسان من الشّرّ، وقد لخّص ابن القيّم- رحمه الله تعالى- أنواع هذا الشّرّ فقال: الشّرّ الذي يصيب الإنسان لا يخلو من قسمين: إمّا ذنوب وقعت منه، وهذا راجع إلى الإنسان نفسه، وإمّا شرّ يقع بالإنسان من غيره، وذلك الغير إمّا مكلّف أو غير مكلّف، والمكلّف إمّا نظيره وهو الإنسان، أو ليس نظيره وهو الجنّيّ، وغير المكلّف مثل الهوامّ وذوات الحمة «5» ونحوها. وقد تضمّنت المعوّذتان «6» الاستعاذة من هذه الشّرور، ففي سورة الفلق الاستعاذة من: 1- شرّ المخلوقات الّتي لها شرّ عموما. 2- شرّ الغاسق إذا وقب (أي اللّيل إذا دخل وأقبل) . 3- شرّ النّفّاثات في العقد. 4- شرّ الحاسد إذا حسد «7» . أمّا سورة النّاس فقد تضمنت الاستعاذة من الشّرّ الّذي هو سبب ظلم العبد نفسه (أي الشّرّ الدّاخليّ) وهو الوسوسة النّاجمة عن الشّيطان، وهو شرّ داخل تحت التّكليف ويتعلق به النّهي، وهو شرّ المعائب، أمّا الّذي في سورة الفلق فهو شرّ المصائب، والشّرّ كلّه يرجع إمّا إلى المعائب وإمّا إلى المصائب، والوسواس هو الشّيطان نفسه، وقد جاء وصفه   (1) التفسير القيم ص 538- 539 بتصرف واختصار. (2) قرة عيون الموحدين للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ يرحمه الله (55) . (3) التفسير القيم ص 542. (4) تفسير ابن كثير 4/ 547، وانظر أيضا التفسير القيم في الموضع السابق. (5) ذوات الحمة: كل ما يلدغ من العقارب والحيّات ونحوها. (6) المعوذتان هما سورتا الفلق والناس. (7) التفسير القيم ص 543، 544. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 بالخنّاس «1» لأنّه كلّما ذكر الله انخنس، أي توارى واختفى، ثم إذا غفل الإنسان عاوده بالوسوسة «2» . وقد وردت الاستعاذة في القرآن الكريم من الجهل (انظر الآيات 8، 9) ، ومن الفحش (الآية 10، 12) ومن الظّلم (آية 11) ، ومن المتكبّرين الكافرين (آية 13) ، ومن الرّجم (آية 14) ، أمّا في الحديث الشّريف، فقد وردت الاستعاذة من شرّ السّمع والبصر واللّسان والقلب والفرج (حديث 3) ومن الشّرّ كلّه عاجله وآجله (حديث 7، 17) ، ومن عذاب القبر وعذاب جهنّم ومن فتنة المحيا وفتنة الممات وفتنة المسيح الدّجّال (حديث 14) ومن شرّ المرأة والخادم (حديث 16) ، وشرّ الرّياح وما أرسلت به (حديث 17) ، ومن جار السّوء في دار المقام (حديث 24) ومن ضيق المقام يوم القيامة من شرّ ما عمل الإنسان (من الذّنوب والمعاصي) (حديث 29، 31) ، ومن سخط الله وعقوبته (حديث 32) ، ومن الهمّ والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وثقل الدّين وغلبة الرّجال (حديث 33) ، ومن زوال النّعمة وتحوّل العافية (حديث 40) ، وشرّ النّفس والشّيطان (حديث 46، 47) . حكم الاستعاذة وصيغتها: الاستعاذة عند قراءة القرآن مطلوبة، والجمهور على أنّها مندوبة، وذكر عن عطاء أنّها واجبة «3» . أمّا صغتها فقد اختار الجمهور أن يقول القارىء: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم، وعلّة اختيار ذلك ما وقع في النّصّ بلفظ الأمر الّذي معناه التّرغيب، وذلك في قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (النحل/ 98) ، فحضّنا الله على قول «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» عند القراءة وعلينا امتثال هذا الّذي رغّبنا فيه عند افتتاحها «4» . وقال ابن الباذش: والّذي صار إليه معظم أهل الأداء «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» لما روى عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وجبير بن مطعم- رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استعاذ عند القراءة بهذا اللّفظ بعينه، وجاء تصديقه في التّنزيل «5» . أمّا الاستعاذة في المواطن الأخرى فحكمها النّدب أيضا «6» ، ولها صيغ عديدة جاءت بها الآيات مثل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، ... بِرَبِّ النَّاسِ، والأحاديث مثل: «اللهمّ إنّي أعوذ بك، أعوذ بالله وقدرته، أعوذ بكلمات الله التّامّات، اللهمّ أعوذ برضاك ... ، اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وربّ إسرافيل أعوذ بك من كذا» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستعانة- الاستغاثة- الاستخارة- الابتهال- التوكل- الدعاء الضراعة والتضرع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغي والإغواء الفتنة- الغرور- الغفلة- الكبر والعجب] .   (1) الخنّاس، مأخوذ من خنس ومعناها الاختفاء بعد الظهور، وقيل: الرجوع إلى الوراء والخنّاس مأخوذ من هذين المعنيين لأن العبد إذا غفل عن ذكر الله تعالى جثم على قلبه الشيطان وبذر فيه الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، فإذا ذكر العبد ربه، واستعاذ به انخنس وانقبض وولّى هاربا لأنه جبان وضعيف يهرب عند ذكر الله تعالى. التفسير القيم لابن القيم ص 606. (2) المرجع السابق ص 607. (3) البحر المحيط 5/ 517. (4) كتاب الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/ 9. (5) كتاب الاقناع في القراءات السبع 1/ 151. (6) تفسير القرطبي 1/ 88. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 الآيات الواردة في «الاستعاذة» أولا: المستعاذ منه هو الشيطان: 1- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) «1» 2- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) » 3- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) «3» 4- وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «5» 6- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) «6» 7- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) «7» ثانيا: المستعاذ منه هو الجهل أو الظلم أو الظالمين أو الشر عموما: 8- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) «8» 9- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46)   (1) آل عمران: 35- 36 مدنية (2) الأعراف: 200 مكية (3) النحل: 98 مكية (4) المؤمنون: 97- 98 مكية (5) غافر: 56 مكية (6) فصّلت: 36 مكية (7) الناس: 1- 6 مكية (8) البقرة: 67 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) «1» 10- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) «2» 11- قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) «3» 12- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) «4» 13- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) «5» 14- * وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) «6» 15- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5) «7»   (1) هود: 45- 47 مكية (2) يوسف: 23 مكية (3) يوسف: 78- 79 مكية (4) مريم: 16- 18 مكية (5) غافر: 27 مكية (6) الدخان: 17- 20 مكية (7) الفلق: 1- 5 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 الأحاديث الواردة في (الاستعاذة) 1- * (عن سليمان بن صرد- رضي الله عنه- قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فغضب أحدهما فاشتدّ غضبه حتّى انتفخ وجهه وتغيّر، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الّذي يجد» . فانطلق إليه الرّجل فأخبره بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال: تعوّذ بالله من الشّيطان. فقال: أترى بي بأس، أمجنون أنا؟ اذهب) * «1» . 2- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرئني سورة هود. أقرئني سورة يوسف. فقال: «لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله- عزّ وجلّ- من قل أعوذ بربّ الفلق» ) * «2» . 3- * (عن شكل بن حميد قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، علّمني تعوّذا أتعوّذ به قال: فأخذ بكتفي فقال: «قل: اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ سمعي، ومن شرّ بصري، ومن شرّ لساني، ومن شرّ قلبي، ومن شرّ منيّي» يعني فرجه) * «3» . 4- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول: اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء «4» لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي. اغفر لي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت» قال: «ومن قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) * «5» . 5- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأة من العرب. فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها. فأرسل إليها. فقدمت، فنزلت في أجم «6» بني ساعدة. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جاءها. فدخل عليها. فإذا امرأة منكّسة رأسها. فلمّا كلّمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: أعوذ بالله منك. قال: «قد أعذتك منّي» فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ فقالت:   (1) (1) البخاري- الفتح 10 (6048) واللفظ له، ومسلم (2610) . (2) النسائي (8/ 254) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (4/ 479) ، قد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 572- 573) طرقا كثيرة لهذا الحديث ختمها بقوله: فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث. (3) الترمذي (3492) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب، وأبو داود (1551) ، والنسائي (8/ 255) ، والحاكم في المستدرك (1/ 532- 533) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وهو في الصحيحة (1542) . (4) أبوء: أي أعترف وأقر. (5) البخاري- الفتح (11/ 6306) . (6) أجم: هو الحصن، وجمعه آجام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 لا. فقالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءك ليخطبك. قالت: أنا كنت أشقى من ذلك «1» . قال سهل: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ حتّى جلس في سقيفة بني ساعدة هو وأصحابه. ثمّ قال «اسقنا» لسهل. قال: فأخرجت لهم هذا القدح فأسقيتهم فيه. قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا فيه قال: ثمّ استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز فوهبه له) * «2» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها-: «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى «3» نفث «4» على نفسه بالمعوّذات، ومسح عنه بيده. فلمّا اشتكى وجعه الذي توفّي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوّذات الّتي كان ينفث وأمسح بيد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنه» ) * «5» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمها هذا الدّعاء: «اللهمّ إنّي أسألك من الخير كلّه، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشرّ كلّه، عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم. اللهمّ إنّي أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيّك. وأعوذ بك من شرّ ما عاذ به عبدك ونبيّك. اللهمّ إنّي أسألك الجنّة وما قرّب إليها من قول أو عمل. وأعوذ بك من النّار وما قرّب إليها من قول أو عمل. وأسألك أن تجعل كلّ قضاء قضيته لي خيرا» ) * «6» . 8- * (عن ابن عابس الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: «يا ابن عابس، ألا أدلّك» أو قال: «ألا أخبرك بأفضل ما يتعوّذ به المتعوّذون» قال: بلى يا رسول الله، قال: «قل أعوذ بربّ الفلق. وقل أعوذ بربّ النّاس هاتين السّورتين» ) * «7» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يعلّمهم هذا الدّعاء. كما يعلّمهم السّورة من القرآن. يقول: «قولوا: اللهمّ إنّا نعوذ بك من عذاب جهنّم. وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال. وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» ) * «8» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا كان في سفر وأسحر «9» يقول: «سمّع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا. ربّنا صاحبنا وأفضل علينا. عائذا بالله من النّار» ) * «10» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ   (1) أنا كنت أشقى من ذلك: ليس أفعل التفضيل هنا على بابه. وإنما مرادها إثبات الشقاء لها لما فاتها من التزوج برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (2) البخاري- الفتح 9 (5254) ، مسلم (2007) واللفظ له. (3) اشتكى: مرض. (4) نفث: أي تفل بغير ريق أو مع ريق خفيف. (5) البخاري- الفتح 7 (4439) وصحيح البخارى 4/ 1614 برقم (4175) كتاب المغازي باب مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم ووفاته واللفظ له، ومسلم (2912) . (6) ابن ماجة (3846) وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجه (3102) وهو في الصحيحة له (2451) . (7) النسائي (8/ 251) وصححه الألباني (5020) ، وهو في الصحيحة (1104) . (8) مسلم (590) . (9) أسحر: معناه قام في السحر وركب فيه. (10) مسلم (2718) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «كان يتعوّذ من سوء القضاء، ومن درك الشّقاء «1» ، ومن شماتة «2» الأعداء، ومن جهد البلاء» » ) * «4» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى القمر، فقال: «يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا؛ فإنّ هذا الغاسق إذا وقب» ) * «5» . 13- * (عن عثمان بن أبي العاص الثّقفيّ- رضي الله عنه- أنّه شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ضع يدك على الّذي تألّم من جسدك وقل باسم الله ثلاثا، وقل سبع مرّات أعوذ بالله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر» ) * «6» . 14- * (عن مسلم بن أبي بكرة: أنّه كان سمع والده يقول في دبر الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر. فجعلت أدعو بهنّ فقال: يا بنيّ، أنّى علّمت هؤلاء الكلمات؟ قلت: يا أبت سمعتك تدعو بهنّ في دبر الصّلاة، فأخذتهنّ عنك، قال: فالزمهنّ يا بنيّ، فإنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهنّ في دبر الصّلاة» ) * «7» . 15- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يضرب غلامه. فجعل يقول: أعوذ بالله. قال: فجعل يضربه. فقال: أعوذ برسول الله «8» . فتركه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله، لله أقدر عليك منك عليه» قال: فأعتقه) * «9» . 16- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا تزوّج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهمّ إنّي أسألك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرّها، ومن شرّ ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك» قال: أبو داود زاد أبو سعيد: «ثمّ ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة» في المرأة والخادم) * «10» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّها قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا عصفت الرّيح «11» قال: «اللهمّ إنّي أسألك خيرها،   (1) درك الشقاء: معناه، أعوذ بك أن يدركني شقاء. (2) شماتة الأعداء: هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه. (3) جهد البلاء: هي الحالة الشاقة. (4) البخاري- الفتح 11 (6347) ، ومسلم (2707) واللفظ له. (5) الترمذي (3366) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم في المستدرك (2/ 541) وقال: صحيح الإسناد. ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (6) مسلم (2202) . (7) النسائي (8/ 262) وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5048) والحاكم في المستدرك (1/ 35) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (8) أعوذ برسول الله: أي ألجأ إليك وأعتصم بك. والمشروع من ذلك ما كان في حياته صلّى الله عليه وسلّم أما بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم فلا تشرع الاستعاذة به ولا بغيره من باب أولى. (9) مسلم (1659) . (10) أبو داود (2160) واللفظ له، وابن ماجة (2252) ، وحسنه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (1825) . (11) عصفت الريح: أي اشتد هبوبها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرّها، وشرّ ما فيها، وشرّ ما أرسلت به.. الحديث» ) * «1» . 18- * (عن جرير عن سهيل- رضي الله عنه- قال: كان أبو صالح يأمرنا «إذا أراد أحدكم أن ينام، أن يضطجع على شقّه الأيمن. ثمّ يقول: اللهمّ ربّ السّموات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم، ربّنا وربّ كلّ شيء. فالق الحبّ والنّوى. ومنزل التّوراة والإنجيل والفرقان. أعوذ بك من شرّ كلّ شيء أنت آخذ بناصيته. اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء. وأنت الباطن فليس دونك شيء. اقض عنّا الدّين وأغننا من الفقر» وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم صياح الدّيكة، فاسألوا الله من فضله. فإنّها رأت ملكا. وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوّذوا بالله من الشّيطان فإنّها رأت شيطانا» ) * «3» . 20- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجالا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يرون الرّؤيا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيقصّونها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيقول فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما شاء الله- وأنا غلام حديث السّنّ وبيتي المسجد قبل أن أنكح- فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء فلمّا اضطجعت ليلة قلت: اللهمّ إن كنت تعلم فيّ خيرا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كلّ واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنّم وأنا بينهما أدعو الله: اللهمّ أعوذ بك من جهنّم ثمّ أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد فقال: لم ترع «4» نعم الرّجل أنت لو تكثر الصّلاة. فانطلقوا بي حتّى وقفوا بي على شفير جهنّم فإذا هي مطويّة كطيّ البئر، له قرون كقرون البئر بين كلّ قرنين ملك بيده مقمعة من حديد وأرى فيها رجالا معلّقين بالسّلاسل، رؤوسهم أسفلهم عرفت فيها رجالا من قريش فانصرفوا بي عن ذات اليمين» ) * «5» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق حتّى إذا فرغ منهم قامت الرّحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك. قالت: بلى. قال: فذاك لك ... الحديث» ) * «6» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في   (1) مسلم (899) . (2) مسلم (2713) . (3) البخاري- الفتح 6 (3303) ، ومسلم (2729) واللفظ له. (4) لم ترع: أي لم تفزع. (5) البخاري- الفتح 12 (7028) واللفظ له، ومسلم (2479) . (6) البخاري- الفتح 10 (5987) ، مسلم (2554) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟. قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنّة. قال: يقول: وهل رأوها؟. قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟. قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟. قال: يقولون: من النّار. قال: يقول: وهل رأوها؟. قال فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟. قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «1» . 23- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به «2» فكادت تلقيه. وإذا أقبر ستّة أو خمسة أو أربعة، فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» . فقال رجل: أنا. قال: «فمتى مات هؤلاء؟» . قال: ماتوا في الإشراك. فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها. فلولا أن لا تدافنوا «3» لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه» . ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» . قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب القبر» . قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: «تعوّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن» . قالوا: نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» . قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «4» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعوّذوا بالله من جار السّوء في دار المقام؛ فإنّ جار البادية يتحوّل عنك» ) * «5» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة. قال: «أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التّامّات من شرّ ما خلق، لم تضرّك» ) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له، مسلم (2689) . (2) حادت به: أي مالت عن الطريق ونفرت. (3) فلولا أن لا تدافنوا: أصله تتدافنوا، والمعنى لولا مخافة أن لا تدافنوا. (4) مسلم (2867) . (5) النسائي (8/ 274) ، والحاكم في المستدرك: (1/ 532) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وهو في صحيح الجامع للألباني (2967) . (6) مسلم (2709) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 26- * (عن أبي التّبّاح قال: قلت لعبد الرّحمن ابن خنبش التّميميّ- وكان كبيرا-: أدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم. قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة كادته الشّياطين؟ فقال: إنّ الشّياطين تحدّرت تلك اللّيلة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأودية والشّعاب ومنهم شيطان بيده شعلة نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهبط إليه جبريل- عليه السّلام- فقال: يا محمّد، قل، قال: «ما أقول؟» قال: قل: أعوذ بكلمات الله التّامّة من شرّ ما خلق وذرأ (أو برأ) ومن شرّ ما ينزل من السّماء، ومن شرّ ما يعرج فيها ومن شرّ فتن اللّيل والنّهار، ومن شرّ كلّ طارق «1» إلّا طارقا يطرق بخير، يا رحمن. قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله تبارك وتعالى) * «2» . 27- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا الصّالحة من الله والحلم من الشّيطان، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوّذ من الشّيطان فإنّها لا تضرّه. وإنّ الشّيطان لا يتراءى بي» ) * «3» . 28- * (عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة- رضي الله عنها-: بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قيام اللّيل؟. فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك. كان إذا قام كبّر عشرا وحمد الله عشرا، وسبّح عشرا، وهلّل عشرا واستغفر عشرا وقال: اللهمّ اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوّذ من ضيق المقام يوم القيامة» ) * «4» . 29- * (عن فروة بن نوفل الأشجعيّ، قال: سألت عائشة عمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو به الله. قالت: كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ ما عملت، ومن شرّ ما لم أعمل» ) * «5» . 30- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فافتتح البقرة. فقلت «6» يركع عند المائة. ثمّ مضى. فقلت: يصلّي بها في ركعة فمضى. فقلت: يركع بها. ثمّ افتتح النّساء فقرأها. ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا. إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح. وإذا مرّ بسؤال سأل. وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ. ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» فكان ركوعه نحوا من قيامه. ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» . ثمّ قام طويلا قريبا ممّا ركع. ثمّ سجد فقال: «سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه) * «7» . 31- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: علّمنا خطبة الحاجة «الحمد   (1) طارق الليل: وهي ما ينوب من النوائب في الليل. (2) مسند أحمد (3/ 419) واللفظ له، وأبو يعلى 6 (6809) ، وذكره الألباني في الصحيحة برقم (840) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى، والطبراني بنحوه، ورجال أحد إسنادي أحمد وأبي يعلى وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح. مجمع الزوائد (10/ 127) . (3) البخاري- الفتح 12 (6995) ، ومسلم (2261) . (4) أبو داود (766) واللفظ له، والنسائي (3/ 209) ، وابن ماجة (1356) وصححه الألباني صحيح ابن ماجة (1115) . (5) مسلم (2716) . (6) فقلت: أي في نفسي، يعني ظننت أنه يركع عند مائة آية. (7) مسلم (772) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، ثمّ يقرأ ثلاث آيات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) ، يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. (النساء/ 1) ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (الأحزاب/ 70) » ) * «1» . 32- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش. فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «2» . وهما منصوبتان. وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك. لا أحصي ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «3» . 33- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي طلحة: «التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتّى أخرج إلى خيبر، فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدّين «4» وغلبة الرّجال ثمّ قدمنا خيبر، فلمّا فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفيّة بنت حييّ بن أخطب- وقد قتل زوجها، وكانت عروسا- فاصطفاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه، فخرج بها حتّى بلغنا سدّ الصّهباء حلّت، فبنى بها، ثمّ صنع حيسا في نطع صغير، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آذن من حولك. فكانت تلك وليمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على صفيّة. ثمّ خرجنا إلى المدينة قال: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحوّي لها وراءه بعبادة، ثمّ يجلس عند بعيره فيضع ركبته، فتضع صفيّة رجلها على ركبته حتّى تركب، فسرنا حتّى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أحد فقال: هذا جبل يحبّنا ونحبّه، ثمّ نظر إلى المدينة فقال: اللهمّ إنّي أحرّم ما بين لابتيها بمثل ما حرّم إبراهيم مكّة. اللهمّ بارك لهم في مدّهم وصاعهم» ) *» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل: «ما تقول في الصّلاة؟» قال: أتشهّد ثمّ أسأل الله الجنّة، وأعوذ به من النّار أما والله ما أحسن دندنتك «6» ، ولا دندنة معاذ. قال: «حولها ندندن» ) * «7» . 35- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله   (1) النسائي (3/ 105) واللفظ له، وأبو داود (2118) وصححه الألباني (1860) ، والترمذي (1105) وقال: حديث حسن. (2) المسجد: الموضع الذي كان يصلي فيه. (3) مسلم (486) . (4) ضلع الدين: ثقل الدين. (5) البخاري- الفتح 6 (2893) ، ومسلم (1365) . (6) ما أحسن دندنتك: أي كلامك الخفي. (7) ابن ماجة (3847) وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعيذك بالله يا كعب ابن عجرة من أمراء يكونون (من) بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة: الصّلاة برهان، والصّوم جنّة حصينة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار. يا كعب بن عجرة: إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلّا كانت النّار أولى به» ) * «1» . 36- * (عن عقبة بن عامر الجهنيّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أنزل الله عليّ آيات لم ير مثلهنّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى آخر السّورة وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ إلى آخر السّورة» ) * «2» . 37- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استجدّ ثوبا سمّاه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء، ثمّ يقول: «اللهمّ لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شرّه وشرّ ما صنع له» ) * «3» . 38- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من عين الجانّ وعين الإنس فلمّا نزلت المعوّذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك» ) * «4» 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النّار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدّجّال» ) * «5» . 40- * (عن عمرو بن ميمون الأوديّ- رضي الله عنه- قال: كان سعد يعلّم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلّم المعلّم الغلمان الكتابة ويقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتعوّذ منهنّ دبر الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدّنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر» فحدّثت به مصعبا فصدّقه) * «6» . 41- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك» ) * «7» . 42- * (عن أمّ حبيبة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّها قالت: اللهمّ أمتعني بزوجي،   (1) الترمذي (614) واللفظ له وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، والنسائي (7/ 160) والحاكم في المستدرك (4/ 422) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) مسلم (814) ، الترمذي (3367) وهذا لفظه وقال: حديث حسن صحيح. (3) الترمذي (1767) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. (4) ابن ماجة (3511) ، والترمذي (2058) وقال: حديث حسن، والنسائي (8/ 271) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5069) . (5) البخاري- الفتح 3 (1377) واللفظ له، ومسلم (588) . (6) البخاري- الفتح 6 (2822) . (7) مسلم (2739) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيّام معدودة، وأرزاق مقسومة. لن يعجّل شيئا قبل حلّه. أو يؤخّر شيئا عن حلّه. ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النّار أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل» ) * «1» . 43- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وربّ إسرافيل أعوذ بك من حرّ النّار ومن عذاب القبر» ) * «2» . 44- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن آتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له، حتّى تعلموا أن قد كافأتموه» ) * «3» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: (من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته) » ) * «4» . 46- * (عن خولة بنت حكيم السّلميّة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من نزل منزلا ثمّ قال: أعوذ بكلمات الله التّامّات من شرّ ما خلق، لم يضرّه شيء حتّى يرتحل من منزله ذلك» ) * «5» . 47- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله علّمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال: يا أبا بكر قل: «اللهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة لا إله إلّا أنت ربّ كلّ شيء ومليكه، أعوذ بك من شرّ نفسي، ومن شرّ الشّيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجرّه إلى مسلم» ) * «6» . 48- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي الشّيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟. حتّى يقول: من خلق ربّك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته» ) * «7» .   (1) مسلم (2663) . (2) النسائي (8/ 278) وصحيح الجامع (1305) والصحيحة للألباني (1544) . (3) أبو داود (5109) وصحيح سنن أبى داود (4261) والنسائي (5/ 82) واللفظ له. وصححه الألباني: صحيح سنن النسائي (2407) وهو في الصحيحة 254. (4) البخاري- الفتح 11 (6502) . (5) مسلم (2708) . (6) الترمذي (5/ 3529) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود (5067) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 238) : إسناده حسن. (7) البخاري- الفتح 6 (3276) ، ومسلم (134) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 الأحاديث الواردة في (الاستعاذة) معنى 49- * (عن خارجة بن الصّلت التّيميّ عن عمّه- رضي الله عنهما- قال: أقبلنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتينا على حيّ من العرب، فقالوا: إنّا أنبئنا أنّكم جئتم من عند هذا الرّجل بخير، فهل عندكم من دواء أو رقية مّا؛ فإنّ عندنا معتوها في القيود؟. قال: فقلنا: نعم. قال: فجاءوا بمعتوه في القيود، قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيّام غدوة وعشيّة كلّما ختمتها أجمع بزاقي ثمّ أتفل، فكأنّما نشط من عقال، قال: فأعطوني جعلا، فقلت: لا، حتّى أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «كل فلعمري من أكل برقية «1» باطل، لقد أكلت برقية حقّ» ) * «2» . 50- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ جبريل أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد! اشتكيت؟. فقال: «نعم» . قال: «باسم الله أرقيك من كلّ شيء يؤذيك. من شرّ كلّ نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك» ) * «3» . 51- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لجارية في بيت أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى بوجهها سفعة «4» فقال: «بها نظرة «5» ، فاسترقوا لها» يعني بوجهها صفرة) * «6» . 52- * (عن عائشة- رضي الله عنها- «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرها أن تسترقي من العين» ) * «7» . 53- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّوا بماء فيهم لديغ- أو سليم- فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راق؟ إنّ في الماء رجلا لديغا، أو سليما. فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ. فجاء بالشّاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتّى قدموا المدينة. فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» ) * «8» . 54- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رهطا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انطلقوا في سفرة سافروها حتّى نزلوا في حيّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيّفوهم. فلدغ سيّد ذلك الحيّ، فسعوا له بكلّ شيء، لا ينفعه شيء. فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرّهط الّذين قد نزلوا بكم، لعلّه أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم فقالوا: يا أيّها الرّهط، إنّ سيّدنا لدغ، فسعينا له بكلّ شيء،   (1) الرقية: تعني التعويذ. (2) أبو داود (4/ 3901) وصححه الألباني: صحيح أبي داود (3301) وهو في الصحيحة (2027) . (3) مسلم (2186) . (4) السفعة: قد فسرها في الحديث بالصفرة، وقيل: سواد. وقيل هي لون يخالف لون الوجه. (5) نظرة: النظرة هي العين، أي أصابتها عين. (6) البخاري- الفتح 10 (5739) ، ومسلم (2197) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 10 (5738) ، ومسلم (2195) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 10 (5737) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟. فقال بعضهم: نعم، والله إنّي لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيّفونا، فما أنا براق لكم حتّى تجعلوا لنا جعلا. فصالحوهم على قطيع من الغنم. فانطلق فجعل يتفل ويقرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* حتّى لكأنّما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة «1» . قال فأوفوهم جعلهم الّذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقسموا. فقال الّذي رقى: لا تفعلوا حتّى نأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنذكر له الّذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكروا له، فقال: «وما يدريك أنّها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم» ) * «2» . 55- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «3» فتوضّأ وضوءك للصّلاة. ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «4» . وفوّضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك «5» ، رغبة ورهبة إليك «6» . لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك. آمنت بكتابك الّذي أنزلت. وبنبيّك الّذي أرسلت. واجعلهنّ من آخر كلامك. فإن متّ من ليلتك، متّ وأنت على الفطرة «7» » ) *» . 56- * (عن عبد العزيز بن صهيب، قال: دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك، فقال ثابت: يا أبا حمزة اشتكيت. فقال أنس: ألا أرقيك برقية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قال: بلى. قال: «اللهمّ ربّ النّاس، مذهب الباس، اشف أنت الشّافي، لا شافي إلّا أنت، شفاء لا يغادر سقما» ) * «9» . 57- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرّقية من العين، والحمة، والنّملة «10» ) * «11» . 58- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: رخّص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لآل حزم في رقية الحيّة. وقال لأسماء بنت عميس: «مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة «12» تصيبهم الحاجة؟» قالت: لا. ولكن العين تسرع إليهم. قال: «ارقيهم» . قالت: فعرضت عليه، فقال: «ارقيهم» ) * «13» .   (1) ما به قلبة: أي ما به داء يقلب له. (2) البخاري- الفتح 10 (5749) واللفظ له، ومسلم (2201) . (3) إذا أخذت مضجعك: أي إذا أردت النوم في مضجعك. (4) أسلمت وجهي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك. (5) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده. (6) رغبة ورهبة إليك: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عقابك. (7) الفطرة: الإسلام. (8) البخاري- الفتح 11 (6311) ، مسلم (2710) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 10 (5742) ، ونحوه عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها (2191) . (10) الحمة بالتخفيف السّمّ، ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة لأن السّمّ منها يخرج. والنملة: هي قروح تخرج في الجنب. (11) مسلم (2196) . (12) ضارعة: أي نحيفة. والمراد أولاد جعفر رضي الله عنه. (13) مسلم (2198) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 59- * (عن أبي خزامة، عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتّقيها، هل تردّ من قدر الله شيئا؟. قال: «هي من قدر الله» ) * «1» . 60- * (عن الأسود- رضي الله عنه- قال: سألت عائشة عن الرّقية فقالت: رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأهل بيت من الأنصار، في الرّقية من كلّ ذي حمة «2» ) * «3» . 61- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: كنّا نرقي في الجاهليّة. فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا عليّ رقاكم. لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك» ) * «4» 62- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا رقية إلّا من عين أو حمة» ) * «5» . 63- * (عن عبد الرّحمن بن يزيد، قال: لقيت أبا مسعود عند البيت. فقلت: حديث بلغني عنك في الآيتين في سورة البقرة. فقال: نعم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه «6» » ) * «7» . 64- * (عن عثمان بن أبي العاص- رضي الله عنه- قال: لمّا استعملني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الطّائف، جعل يعرض لي شيء في صلاتي، حتّى ما أدري ما أصلّي. فلمّا رأيت ذلك، رحلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «ابن أبي العاص؟» . قلت: نعم يا رسول الله، قال: «ما جاء بك؟» . قلت: يا رسول الله عرض لي شيء في صلواتي، حتّى ما أدري ما أصلّي. قال: «ذاك الشّيطان. أدنه» فدنوت منه فجلست على صدور قدميّ. قال: فضرب صدري بيده، وتفل في فمي. وقال: «اخرج. عدوّ الله» ففعل ذلك ثلاث مرّات. ثمّ قال: «الحق بعملك» ) * «8» . 65- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال: بسم الله، اللهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرّه شيطان أبدا» ) * «9» . 66- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: لدغت رجلا منّا عقرب، ونحن جلوس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رجل: يا رسول الله أرقي؟. قال: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» ) * «10» .   (1) الترمذي (2065) وقال: حديث حسن صحيح. (2) الحمة: انظر معناها في حديث رقم 57. (3) البخاري- الفتح 10 (5741) ، ومسلم (2193) واللفظ له. (4) مسلم (2200) . (5) الترمذي (2057) واللفظ له، وأبو داود (3884) وصححه الألباني، صحيح أبي داود (3289) . (6) كفتاه: أي دفعتا عنه الشر والمكروه. (7) البخاري- الفتح 9 (5009) ، ومسلم (807) واللفظ له. (8) ابن ماجة 2 (3548) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2858) . (9) البخاري- الفتح 13 (7396) واللفظ له، ومسلم (1434) . (10) مسلم (2199) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 67- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف عصم من الدّجّال» ) * «1» . 68- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر رقاب. وكتبت له مائة حسنة. ومحيت عنه مائة سيّئة. وكانت له حرزا من الشّيطان، يومه ذلك، حتّى يمسي ولم يأت أحد أفضل ممّا جاء به إلّا أحد عمل أكثر من ذلك. ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة، حطّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر» ) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستعاذة) 69- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «وكّلني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطّعام، فأخذته فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فذكر الحديث- فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيّ، لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتّى تصبح. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان» ) * «3» . 70- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر. كبّر ثلاثا ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل. اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكابة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل» وإذا رجع قالهنّ وزاد فيهنّ: آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون» ) * «4» . 71- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من غلبة الدّين وغلبة العدوّ، وشماتة الأعداء» ) * «5» .   (1) مسلم (809) . (2) البخاري- الفتح 11 (6403) ، مسلم (2691) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 6 (3275) . (4) مسلم (1342) . (5) النسائي (8/ 265) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5055) وهو في الصحيحة (1541) . كما أخرجه الحاكم في مستدركه (1/ 531) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 72- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل «1» والهرم «2» ، والمغرم «3» والمأثم اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب النّار، وفتنة النّار، وفتنة القبر، وعذاب القبر، وشرّ فتنة الغنى وشرّ فتنة الفقر. ومن شرّ فتنة المسيح الدّجّال. اللهمّ اغسل خطاياي بماء الثّلج والبرد. ونقّ قلبي من الخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الدّنس. وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» ) * «4» . 73- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفقر، والقلّة والذّلّة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم» ) * «5» . 74- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم. لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم. لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «6» . 75- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت. وبك آمنت. وعليك توكّلت. وإليك أنبت. وبك خاصمت، اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك لا إله إلّا أنت، أن تضلّني. أنت الحيّ الّذي لا يموت والجنّ والإنس يموتون» ) * «7» . 76- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خاف قوما قال: «اللهمّ إنّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم» ) * «8» . 77- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج من بيته، قال: «باسم الله، ربّ أعوذ بك أن أزلّ أو أضلّ أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليّ» ) * «9» . 78- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات. اللهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم» . قالت: فقال له قائل: ما أكثر ما   (1) الكسل: هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه، مع إمكانه. (2) الهرم: المراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر. (3) المغرم: هو الدين. (4) البخاري- الفتح 11 (6375) واللفظ له، ومسلم (589) . (5) رواه أبو داود (1544) واللفظ له، والنسائي (8/ 261) ، وصححه الألباني (5046) وهو في الصحيحة (1445) ، والحاكم في المستدرك (1/ 531) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (6) مسلم (2730) . (7) البخاري- الفتح 13 (7385) ، مسلم (2717) واللفظ له. (8) أبو داود (1537) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (2/ 142) وقال: صحيح على شرط الشيخين وأكبر ظني أنهما لم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (9) ابن ماجة (3884) والنسائي (8/ 268) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5061، 5112) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 تستعيذ من المغرم يا رسول الله فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم «1» حدّث فكذب ووعد فأخلف» ) * «2» . 79- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعوّذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: «اللهمّ ربّ النّاس، أذهب الباس، واشفه وأنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» ) *» . 80- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوّذ الحسن والحسين ويقول: «إنّ أباكما «4» كان يعوّذ بهما إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التّامّة من كلّ شيطان وهامّة «5» ، ومن كلّ عين لامّة» ) * «6» . 81- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من البرص والجنون، والجذام، ومن سيّء الأسقام» ) * «7» . 82- * (عن جبير بن مطعم، أنّه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي صلاة، فقال: «الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا» ثلاثا «أعوذ بالله من الشّيطان من نفخه ونفثه «8» وهمزه» ) * «9» . 83- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه كان إذا دخل المسجد قال: «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشّيطان الرّجيم» . قال: أقطّ «10» ؟ قلت: نعم، قال: فإذا قال ذلك قال الشّيطان: حفظ منّي سائر اليوم) * «11» . 84- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخلت عليّ عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا لي: إنّ أهل القبور يعذّبون في قبورهم، فكذّبتهما، ولم أنعم أن أصدّقهما فخرجتا. ودخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله إنّ عجوزين. وذكرت له. فقال: «صدقتا، إنّهم يعذّبون عذابا تسمعه البهائم كلّها» . فما رأيته بعد في صلاة إلّا يتعوّذ من عذاب القبر) * «12» . 85- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمسى قال:   (1) إذا غرم: أي لزمه دين. (2) البخاري- الفتح 2 (832) ، مسلم (589) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 10 (5743) واللفظ له، ومسلم (2191) . (4) أبا كما: يريد سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. (5) الهامة: واحدة الهوام وهي الحيات. (6) البخاري- الفتح 6 (3371) . (7) أبو داود 2 (1554) واللفظ له، والنسائي (8/ 270) وصححه الألباني (5068) ، والبغوي في شرح السنة (5/ 170) وقال محققه: إسناده قوي. (8) نفثه: الشّعر، ونفخه: الكبر لأن المتكبر ينتفخ ويتعاظم وهمزه: الموتة وهي الجنون؛ لأن المجنون ينخسه الشيطان. (9) أبو داود (764) وقال محقق جامع الأصول (4/ 185- 186) : للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة، وكذا الحاكم في المستدرك (1/ 235) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (10) أقط: معناها هل هذا فحسب. (11) أبو داود (466) ، وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (441) . (12) البخاري- الفتح 11 (6366) واللفظ له، ومسلم (903) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 «أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله. لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد. وهو على كلّ شيء قدير. اللهمّ أسألك خير هذه اللّيلة، وأعوذ بك من شرّ هذه اللّيلة وشرّ ما بعدها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر» ) * «1» . 86- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفّيه ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وبالمعوّذتين جميعا، ثمّ يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة. فلمّا اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به) * «2» . 87- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع» ) * «3» . 88- * (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من التّردّي، والهدم والغرق والحريق، وأعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا «4» ، وأعوذ بك أن أموت لديغا» ) * «5» . 89- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الجوع فإنّه بئس الضّجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنّها بئست البطانة» ) * «6» . 90- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل الخلاء قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث «7» » ) * «8» . 91- * (عن زياد بن علاقة عن عمّه- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء» ) * «9» . 92- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدع هؤلاء الدّعوات، حين يمسي وحين يصبح: «اللهمّ إنّي أسألك العفو والعافية في الدّنيا والآخرة. اللهمّ أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي اللهمّ استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يديّ، ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك   (1) مسلم (2723) . (2) البخاري، الفتح 10 (5748) . (3) أبو داود (1548) واللفظ له، والترمذي (3482) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (8/ 254، 255) وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5050) . (4) أن أموت في سبيلك مدبرا: أي فارّا من القتال يوم الزحف. (5) النسائي (8/ 282) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5104) ، وأبو داود (1552) وصحيح أبي داود (1373) . (6) النسائي (8/ 263) ، وأبو داود (1547) وحسنه الألباني، صحيح أبي داود (1368) . (7) الخبث والخبائث: ذكران الشياطين وإنائهم. (8) البخاري- الفتح 1 (142) واللفظ له، ومسلم (375) . (9) الترمذي (3591) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب، وصحيح الجامع للألباني، (1298) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 364) : رواه الطبراني وابن حبان وحسنه الترمذي وهو كما قال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 أن أغتال من تحتي» ) * «1» . 93- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت هذه الآية: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك» ، فقال: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك» ، قال: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أيسر» ) * «2» . 94- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من يوم السّوء ومن ليلة السّوء ومن ساعة السّوء ومن صاحب السّوء ومن جار السّوء في دار المقامة» ) * «3» . 95- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا حزبه «4» أمر يدعو: يتعوّذ من جهد البلاء، ودرك الشّقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء» ) * «5» . 96- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ لبيد بن الأعصم اليهوديّ سحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصل فيه تمثالا فيه إحدى عشرة عقدة، فأصابه من ذلك وجع شديد، فأتاه جبريل وميكائيل يعوّذانه. فقال ميكائيل يا جبريل إنّ صاحبك شاك. قال أجل. قال: أصابه لبيد بن الأعصم اليهوديّ وهو في بئر ميمون في كربة تحت صخرة الماء. قال. فما وراء ذلك؟ قال: تنزح البئر ثمّ تقلب الصّخرة فتأخذ الكربة «6» فيها تمثال فيه إحدى عشرة عقدة فتحرق. فإنّه يبرأ بإذن الله، فأرسل إلى رهط فيهم عمّار بن ياسر فنزح الماء فوجدوه قد صار كأنّه ماء الحنّاء. ثمّ قلبت الصّخرة إذا كربة فيها صخرة فيها تمثال فيها إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله يا محمّد قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ الصّبح، فانحلّت عقدة مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ من الجنّ والإنس، فانحلّت عقدة وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ اللّيل وما يجيء به اللّيل وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ السّحّارات المؤذيات فانحلّت وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) * «7» .   (1) أبو داود (5074) ، والنسائي (8/ 282) وصححه الألباني صحيح أبي داود (4239) ، وابن ماجة (2/ 3871) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 13 (7406) . (3) صحيح الجامع للألباني (1299) وعزاه للطبراني في الكبير والصحيحة له (1443) . (4) في القاموس المحيط. وحزبه الأمر: نابه واشتد عليه أو ضغطه. (5) أخرجه رزين، ذكره محقق الجامع (4/ 295) وهذا لفظ جامع الأصول وأصله عند البخاري 11 (6347) . ومسلم (2707) . دون قوله: «كان إذا حذبه أمر يدعو» . (6) الكربة: من أصول سعف تيبس فتصير مثل الكتف. (7) البخاري- الفتح 10 (5763) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستعاذة) 1- * (كتب أبو عبيدة ومعاذ بن جبل إلى عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنهم- لمّا ولّي الخلافة فقالا: «من أبي عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل، إلى عمر بن الخطّاب. سلام عليك. أمّا بعد، فإنّا عهدناك وأمر نفسك لك مهمّ، فأصبحت قد ولّيت أمر هذه الأمّة أحمرها وأسودها. يجلس بين يديك الشّريف والوضيع، والعدوّ والصّديق، ولكلّ حصّته من العدل. فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر فإنّا نحذّرك يوما تعنى فيه الوجوه، وتجف فيه القلوب، وتنقطع فيه الحجج، لحجّة ملك قهرهم بجبروته، فالخلق داخرون له يرجون رحمته ويخافون عقابه، وإنّا كنّا نحدّث أنّ أمر هذه الأمّة سيرجع في آخر زمانها إلى أن يكونوا إخوان العلانية أعداء السّريرة. وإنّا نعوذ بالله أن ينزل كتابنا إليك سوى المنزل الّذي نزل من قلوبنا، فإنّما كتبنا به نصيحة لك والسّلام عليك) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها كانت لا ترى بأسا أن يعوّذ في الماء ثمّ يعالج به المريض) * «2» . 3- * (عن خالد بن عمير العدويّ- رضي الله عنه قال: «خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد: فإنّ الدّنيا قد آذنت «3» بصرم «4» وولّت حذّاء «5» . ولم يبق منها إلّا صبابة «6» كصبابة الإناء. يتصابّها صاحبها. وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها. فانتقلوا بخير ما بحضرتكم. فإنّه قد ذكر لنا أنّ الحجر يلقى من شفة جهنّم. فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا. والله لتملأنّ. أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنة. وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ» من الزّحام. ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لنا طعام إلّا ورق الشّجر. حتّى قرحت «8» أشداقنا. فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك «9» فاتّزرت بنصفها واتّزر سعد بنصفها. فما أصبح اليوم منّا أحد إلّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار. وإنّي أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا. وإنّها لم تكن نبوّة قطّ إلّا تناسخت حتّى يكون آخر عاقبتها ملكا. فستخبرون وتجرّبون الأمراء بعدنا» ) * «10» . 4- * (قال كعب الأحبار: لولا كلمات   (1) حلية الأولياء (1/ 238) . (2) شرح السنة للبغوي (12/ 166) . (3) آذنت: أي أعلمت. (4) بصرم: الصرم الانقطاع والذهاب. (5) حذاء: مسرعة الانقطاع. (6) صبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء. (7) كظيظ: أي ممتلىء. (8) قرحت: أي صار فيها قروح وجراح، من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته. (9) سعد بن مالك: هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. (10) مسلم (2967) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 أقولهنّ لجعلتني يهود حمارا، فقيل له وما هنّ؟ قال: «أعوذ بوجه الله العظيم، الّذي ليس شيء أعظم منه. وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ» ) * «1» . 5- * (قال مالك، دخل عمر بن عبد العزيز على فاطمة امرأته فطرح عليها خلق ساج عليه «2» ، ثمّ ضرب فخذها فقال: يا فاطمة لنحن ليالي دابق «3» أنعم منّا اليوم، فذكّرها ما كانت نسيته من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف. فنحّتها عنها وقالت: لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ فقام وهو يقول بصوت حزين: يا فاطمة إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (الأنعام/ 15) ، فبكت فاطمة وقالت: «اللهمّ أعذه من النّار» ) * «4» . 6- * (عن عديّ بن سهيل الأنصاريّ قال: قام عمر في النّاس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «أمّا بعد، فإنّي أوصيكم بتقوى الله، الّذي يبقى، ويفنى سواه، والّذي بطاعته ينفع أولياءه، ويضرّ بمعصيته أعداءه.. وأن للنّاس نفرة عن سلطانهم، فعائذ بالله أن تدركني» ) * «5» . 7- * (ذكر القرطبيّ عند قوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وأمّا أمره بالاستعاذة فلكون تلك الوساوس من آثار الشّيطان. وأمّا الأمر بالانتهاء فعن الرّكون إليها والالتفات نحوها. فمن كان صحيح الإيمان واستعمل ما أمر به ربّه ونبيّه نفعه وانتفع به. وأمّا من خالجه الشّبهة وغلب عليه الحسّ، ولم يقدر على الانفكاك عنها فلا بدّ من مشافهته بالدّليل العقليّ كما قال صلّى الله عليه وسلّم للّذي خالطته شبهة الإبل الجرب حين قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (لا عدوى) . وقال أعرابيّ: فما بال الإبل تكون في الرّمل كأنّها الظّباء، فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجر بها؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «فمن أعدى الأوّل» فاستأصل الشّبهة من أصلها. فلمّا يئس الشّيطان من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالإغراء والإضلال أخذ يشوّش عليهم أوقاتهم بتلك الألقيّات والوساوس الترّهات؛ فنفرت عنها قلوبهم وعظم عليهم وقوعها عندهم) * «6» . 8- * (قال عصام بن المصطلق دخلت المدينة فرأيت الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- فأعجبني سمته وحسن روائه، فأثار منّي الحسد ما كان يجنّه صدري لأبيه من البغض، فقلت: أنت ابن أبي طالب! قال نعم. فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليّ نظرة عاطف رءوف، ثمّ قال: أعوذ بالله من   (1) جامع الأصول (4/ 372) . (2) خلق ساج عليه: ثياب خلقة كان يرتديها. (3) ليالي دابق: أيّام كنا بدابق قبل أن يصبح خليفة، ودابق بلد في الشام قريبة من حلب. (4) سيرة عمر بن عبد العزيز، لابن الجوزي (164) (5) مناقب عمر بن الخطاب (184) (6) القرطبى (221) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 الشّيطان الرّجيم. بسم الله الرّحمن الرّحيم خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ فقرأ إلى قوله: فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 198- 201) ثمّ قال لي: خفّض عليك استغفر الله لي ولك. إنّك لو استعنتنا أعنّاك، ولو استرفدتنا أرفدناك، ولو استرشدتنا أرشدناك. فتوسّم فيّ النّدم على ما فرط منّي فقال. لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف/ 92) أمن أهل الشّام أنت؟ قلت نعم. فقال: شنشنة أعرفها من أخزم حيّاك الله وبيّاك. وعافاك، وآواك، انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك. تجدنا عند أفضل ظنّك. إن شاء الله. قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رحبت، ووددت أنّها ساخت بي. ثمّ تسلّلت منه لواذا، وما على وجه الأرض أحبّ إليّ منه ومن أبيه) * «1» . 9- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه رأى في عنق امرأة من أهله سيرا فيه تمائم فقطعه، وقال: إنّا آل عبد الله أغنياء عن الشّرك، ثمّ قال: التّولة والتّمائم والرّقى من الشّرك، فقالت امرأة: إنّ إحدانا لتشتكي رأسها فتسترقي، فإذا استرقت ظنّت أنّ ذلك قد نفعها، فقال عبد الله: إنّ الشّيطان يأتي إحداكنّ فينخس في رأسها فإذا استرقت حبس، فإذا لم تسترق نحر فلو أنّ إحداكنّ تدعو بماء فتنضحه على رأسها ووجهها ثمّ تقول بسم الله الرّحمن الرّحيم ثمّ تقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ نفعها ذلك إن شاء الله) * «2» . 10- * (أخرج الطّستيّ عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قال: أعوذ بربّ الصّبح إذا انفلق عن ظلمة اللّيل. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت زهير بن أبي سلمى يقول: الفارج الهمّ مسد ولا عساكره ... كما يفرّج غمّ الظّلمة الفلق) * «3» . 11- * (عن معاوية- رضي الله عنه- في قوله الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ قال: مثل الشّيطان كمثل ابن عرس يضع فمه على فم القلب فيوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس، وإن سكت عاد إليه فهو الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) * «4» . 12- * (عن قتادة في قوله مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ قال: إنّ من النّاس شياطين فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجنّ) * «5» . 13- * (عن ابن زيد قال: الخنّاس الّذي يوسوس مرّة ويخنس مرّة من الجنّ والإنس، وكان يقال: شيطان الإنس أشدّ على النّاس من شيطان الجنّ يوسوس ولا تراه وهذا يعاينك معاينة) * «6» .   (1) القرطبي (222- 223) . (2) الدر المنثور (8/ 686- 687) . (3) المرجع السابق (8/ 688- 689) . (4) المرجع السابق (8/ 694) . (5) الدر المنثور (8/ 695) . (6) المرجع السابق (8/ 694) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما من مولود يولد إلّا على قلبه الوسواس فإذا ذكر الله خنس. وإذا غفل وسوس، فذلك قوله: الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) * «1» . من فوائد (الاستعاذة) (1) حصن حصين من الشّيطان الرّجيم. (2) من استعاذ بالله واعتصم به أعاذه الله. (3) صمام أمن في الحياة وجنّة من كلّ خطر. (4) إظهار الضّعف والذّلّة والانكسار لله وتلك حقيقة العبوديّة. (5) الوقاية خير من العلاج. (6) الأخذ بالأسباب لا ينافي التّوكّل على الله (7) الاستعاذة تزيل الغضب وتريح النّفس. (8) الاستعاذة تقي الإنسان من شرور جوارحه. (9) الاستعاذة مظهر من أهمّ مظاهر الاستغفار. (10) في الاستعاذة بالمعوّذتين أثناء المرض اتّباع لسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وكفى بذلك بركة وخيرا. (11) بالاستعاذة من جار السّوء يحمي الإنسان نفسه ويصون عرضه. (12) الاستعاذة تقي الإنسان من ضرر الحيوان المؤذي كالأفاعي ونحوها. (13) بالاستعاذة من الشّيطان يندفع الأثر النّفسيّ السّيّء النّاجم عن الحلم. (14) بالاستعاذة يتجنّب الإنسان الضّرر حتّى يرحل من منزله الّذي تعوّذ فيه.   (1) الدر المنثور (8/ 694) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 الاستعانة الاستعانة لغة: مصدر استعان وهو من العون بمعنى المعاونة والمظاهرة على الشّيء، يقال: فلان عوني أي معيني وقد أعنته، والاستعانة طلب العون، قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (البقرة/ 45) ، والعون الظّهير على الأمر، الواحد والاثنان والجمع والمؤنّث فيه سواء، وقد حكي في تكسيره أعوان، والعرب تقول: إذا جاءت السّنة جاء معها أعوانها، يعنون بالسّنة: الجدب، وبالأعوان: الجراد والذّئاب والأمراض. وتقول: أعنته إعانة واستعنته واستعنت به فأعانني وتعاونوا عليّ واعتونوا: أعان بعضهم بعضا، وتعاونّا: أعان بعضنا بعضا، والمعونة: الإعانة، ورجل معوان حسن المعونة، وكثير المعونة للنّاس وكلّ شيء أعانك فهو عون لك كالصّوم عون على العبادة «1» . واصطلاحا: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «الاستعانة: طلب العون من الله، ويطلب من المخلوق ما يقدر عليه من الأمور» «2» . الاستعانة الإيمانية والاستعانة الشركية: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ العبد مجبول على أن يقصد شيئا ويريده ويستعين بشيء الآيات/ الأحاديث/ الآثار 7/ 17/ 14 ويعتمد عليه في تحصيل مراده، وهذا المستعان به على قسمين وهما: القسم الأوّل: ما يستعان به لنفسه فيكون هو الغاية الّذي يعتمد عليه العبد ويتوكّل عليه، ويعتضد به، ليس عنده فوقه غاية في الاستعانة. والقسم الثاّني: ما يكون تبعا لغيره بمنزلة الأعضاء مع القلب، والمال مع المالك، والآلآت مع الصّانع. والنّاظر في أحوال الخلق يجد أنّ النّفس لا بدّ لها من شيء تثق به وتعتمد عليه في نيل مطلوبها هو مستعانها سواء أكان ذلك هو الله أم غيره وإذا كان المستعان غير الله فقد يكون عامّا، وهو الكفر كمن عبد غير الله مطلقا أو سأل غير الله مطلقا. وقد يكون خاصّا في المسلمين ممّن غلب عليهم حبّ المال أو حبّ شخص أو حبّ الرّياسة أو غير ذلك بحيث يعتمد عليها ويستعين بها، وما أكثر ما تستلزم العبادة الاستعانة، وصلاح العبد في عبادة الله واستعانته به، ومضرّته وهلاكه وفساده في عبادة غير الله والاستعانة بما سواه، وتوحيد الله وإخلاص الدّين له في عبادته واستعانته في القرآن كثير جدّا؛ بل هو قلب الإيمان، وأوّل الإسلام وآخره، وهذا هو دين الإسلام العامّ الّذي بعث به جميع الرّسل، فلا يصرف لغير الله   (1) لسان العرب لابن منظور (5/ 3179- 3180) ، وانظر الصحاح للجوهري (6/ 2168- 2169) . (2) مجموع الفتاوى (1/ 103) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 شيء من أنواع العبادة والاستعانة، إذ إنّ أنواع العبادة متعلّقة كلّها بألوهيّته، والاستعانة متعلّقة بربوبيّته، والله ربّ العالمين لا إله إلّا هو، ولا ربّ لنا غيره، لا ملك ولا نبيّ ولا غيره «1» . الاستعانة بالأعمال الصالحة: جاء الأمر الإلهيّ بالاستعانة بالصّبر والصّلاة في الآية الكريمة وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (البقرة/ 45) ، وقوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 153) فما معنى الاستعانة بذلك؟ يقول الإمام الطّبريّ في تفسير ذلك: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ: أي استعينوا على الوفاء بعهدي الّذي عاهدتموني في كتابكم، من طاعتي واتّباع أمري وترك ما تهوونه من الرّياسة وحبّ الدّنيا إلى ما تكرهونه من التّسليم لأمري واتّباع رسولي محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالصّبر عليه والصّلاة، وقد قيل: إنّ معنى الصّبر في هذا الموضع الصّوم، والصّوم من معاني الصّبر «2» . الإنسان محتاج إلى الله في كل حال ولكل شأن: قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: «العبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات، والصّبر على المقدورات كلّها في الدّنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلّا الله- عزّ وجلّ-. فمن حقّق الاستعانة عليه في ذلك كلّه أعانه الله، ومن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به، فصار مخذولا وهو كذلك في أمور الدّنيا لأنّه عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضارّه، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه جميعا إلّا الله- عزّ وجلّ- فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله الله فهو المخذول. وهذا هو تحقيق معنى قول العبد «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» . والمعنى أنّ العبد لا يتحوّل حاله من حال إلى حال ولا قوّة له على ذلك إلّا بالله- عزّ وجلّ-» «3» . معنى الاستعانة: وقد سوّى ابن القيّم بين التّوكّل والاستعانة وقال في تعريفهما: التوكّل والاستعانة: حال للقلب ينشأ عن معرفته بالله تعالى، والإيمان بتفرّده بالخلق، والتّدبير والضّرّ والنّفع، والعطاء والمنع، وأنّه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وإن شاءه النّاس، فيوجب له هذا اعتمادا عليه (واستعانة به) ، وتفويضا إليه وطمأنينه به، وثقة به، ويقينا بكفايته لما توكّل عليه فيه واستعان به عليه، وأنّه مليّ به، ولا يكون إلّا بمشيئته، شاء النّاس ذلك أم أبوه «4» . منزلة الاستعانة ومكانتها: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: الاستعانة تجمع أصلين: الثّقة بالله، والاعتماد عليه، فإنّ العبد قد يثق بالواحد من النّاس وهو مع ذلك لا يعتمد عليه لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه- مع عدم ثقته به-   (1) مجموع الفتاوى (1/ 7434) بتصرف شديد، وتفسير الطبري (1/ 298) . (2) تفسير الطبري (1/ 298) . (3) جامع العلوم والحكم (182) بتصرف. (4) مدارج السالكين (1/ 94) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 لحاجته إليه، ولعدم من يقوم مقامه فيحتاج إلى اعتماده عليه، مع أنّه غير واثق به، ومثل الاستعانة التّوكّل إذ هو أيضا يلتئم من هذين الأصلين (الثّقة والاعتماد) وهذان الأصلان وهما: التّوكّل (الاستعانة) من ناحية والعبادة من ناحية أخرى قد اقترنا في القرآن الكريم في مواضع عديدة منها: 1- قوله سبحانه في الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 5) . 2- قوله سبحانه: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (هود/ 123) . 3- قول الله تعالى على لسان شعيب: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود/ 88) . 4- قوله سبحانه: قُلْ: هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (الرّعد/ 30) . 5- قوله- عزّ من قائل- حكاية عن المؤمنين رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (الممتحنة/ 4) . 6- قول الله تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا* رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (المزمل/ 8- 9) . فهذه ستّة مواضع جمع فيها القرآن الكريم بين الأصلين وهما: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي بين العبادة والاستعانة أو ما في معناها وهو التّوكّل «1» . لماذا قدمت العبادة على الاستعانة؟ لتقديم العبادة على الاستعانة وما في معناها من التّوكّل في آية الفاتحة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وفي غيرها أسباب عديدة أشار إليها ابن القيّم وغيره من العلماء، فقال ابن القيّم: وتقديم العبادة على الاستعانة لما يلي: 1- لأنّ العبادة غاية العباد الّتي خلقوا لها «2» . والاستعانة وسيلة إليها، ومن ثمّ يكون ذلك من قبيل تقديم الغايات على الوسائل. 2- لأنّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ متعلّق بألوهيّته- سبحانه- وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ متعلّق بربوبيّته. 3- ولأنّ تقديم العبادة على الاستعانة يتناسب مع تقديم اسم «الله» على لفظ «الرّبّ» المذكورين في أوّل السّورة «3» . حيث إنّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ قسم الرّبّ، فكان من الشّطر الأوّل، الّذي هو ثناء على الله تعالى، لكونه أولى به، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قسم العبد، فكان من الشّطر الّذي له، وهو اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخر السّورة. 4- ولأنّ العبادة المطلقة تتضمّن الاستعانة من غير عكس، فكلّ عابد لله عبوديّة تامّة، مستعين،   (1) مدارج السالكين (1/ 86- 87) بتصرف. (2) يشير ابن القيم بذلك إلى قول الله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ 56) . (3) يشير بذلك الى قوله سبحانه في الآية الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ولا ينعكس الأمر لأنّ صاحب الأغراض والشّهوات قد يستعين به على شهواته، فكانت العبادة أكمل وأتمّ، ولهذا كانت قسم المولى- عزّ وجلّ-. 5- ولأنّ الاستعانة جزء من العبادة من غير عكس (فقدّم الكلّ على الجزء) . 6- ولأنّ الاستعانة طلب منه سبحانه، والعبادة طلب له فقدّم ما هو له على ما هو منه. 7- ولأنّ العبادة لا تكون إلّا من مخلص، والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص، ومن ثمّ قدّم ما هو محض الإخلاص. 8- ولأنّ العبادة حقّ الله الّذي أوجبه على العبد والاستعانة طلب العون على العبادة، وذلك بيان لصدقته الّتي تصدّق بها عليك، وأداء حقّه أهمّ من التّعرّض لصدقته (فكان ذلك من باب تقديم الأهمّ على المهمّ. 9- ولأنّ العبادة شكر لنعمته عليك، والله يحبّ أن يشكر، والإعانة فعله بك وتوفيقه لك، فإن التزمت عبوديّته، ودخلت تحت رقّها أعانك عليها، فكان التزامها والدّخول تحت رقّها سببا لنيل الإعانة، وكلّما كان العبد أتمّ عبوديّة كانت الإعانة له من الله أعظم، ومن ثمّ فإنّ في تقديم العبادة تقديما للّسبب على المسبّب. 10- ولأنّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ لله، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ به، والّذي له مقدّم على ما به، لأنّ ما له متعلّق بمحبّته ورضاه والّذي (يكون) به متعلّق بمشيئته، وما تعلّق بمحبّته، أكمل ممّا تعلّق بمجرّد مشيئته، إذ الكون كلّه متعلّق بمشيئته كذلك، والملائكة والشّياطين والمؤمنون والكفّار والطّاعات والمعاصي، والمتعلّق بمحبّته طاعاتهم وإيمانهم، فالكفّار أهل مشيئته والمؤمنون أهل محبّته، ولهذا لا يستقرّ في النّار شيء لله أبدا، وكلّ ما فيها فإنّه به تعالى وبمشيئته «1» . أوجه الاستعانة بالله تعالى: للرّغبة إلى الله في طلب المعونة (الاستعانة) وجهان: أحدهما: أن يسأل الله تعالى من ألطافه ما يقوّي دواعيه ويسهّل الفعل عليه، ومتى لطف له بأن يعلمه أنّ له في فعله الثّواب العظيم زاد ذلك في نشاطه ورغبته. والآخر: أن يطلب (باستعانته) بقاء كونه قادرا على طاعته المستقبلة بأن تجدّد له القدرة حالا بعد حال «2» . تقسيم الناس بحسب الاستعانة: يؤخذ من كلام ابن القيّم أنّ النّاس بحسب العبادة والاستعانة أربعة أقسام: القسم الأوّل: أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، وهذا أجلّ الأقسام وأفضلها. القسم الثّاني: أهل الإعراض عن العبادة والاستعانة به في مرضاته إن سأله أحدهم واستعان به،   (1) مدارج السالكين (1/ 87- 88) بتصرف واختصار يسير. (2) مجمع البيان في تفسير القرآن (1/ 55) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 فعلى حظوظه وشهواته، لا على مرضاة ربّه وحقوقه. وهؤلاء هم شرّ البريّة. القسم الثّالث: من له نوع عبادة بلا استعانة أو باستعانة ناقصة وهؤلاء صنفان: 1- القدريّة القائلون بأنّ الله قد فعل بالعبد جميع مقدوره من الألطاف وأنّه لم يبق في مقدوره إعانة له على الفعل، إذ قد أعانه بخلق الآلآت وسلامتها وتعريف الطّريق وإرسال الرّسل وتمكينه من الفعل، ولم يبق بعد هذا إعانة مقدورة يسأله إيّاها. 2- من لهم عبادات وأوراد، ولكن حظّهم ناقص من التّوكّل والاستعانة فهؤلاء وأولئك لهم نصيب من التّوفيق والنّفوذ والتّأثير بحسب استعانتهم وتوكّلهم، ولهم من الخذلان والضّعف والمهانة والعجز بحسب قلّة استعانتهم وتوكّلهم، ولو توكّل العبد على الله حقّ توكّله (واستعان به حقّ استعانته) في إزالة جبل عن مكانه وكان مأمورا بإزالته لأزاله. القسم الرّابع: هم أولئك الّذين يشهدون تفرّد الله بالنّفع والضّرّ، وأنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولم يدر مع ما يحبّه ويرضاه، ومع ذلك توكّل عليه واستعان به على حظوظه وشهواته وأغراضه، فقضيت له وأسعف بها سواء أكانت مالا أو جاها عند الخلق، هؤلاء لا عاقبة لهم ولا يعدو ما أعطوه أن يكون من جنس الملك الظّاهر والأموال الّتي لا تستلزم الإسلام فضلا عن الولاية والقرب من الله تعالى «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستخارة- الاستعاذة- الاستغاثة- التوسل- الضراعة والتضرع التوكل- الدعاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغرور الغفلة الكبر والعجب- القنوط] .   (1) مدارج السالكين (1/ 90- 94) بتصرف واختصار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 الآيات الواردة في «الاستعانة» 1- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1» 2- أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) «3» 4- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) » 5- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «5» 6- حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) «6» 7- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112) «7»   (1) الفاتحة: 1- 7 مكية (2) البقرة: 44- 46 مدنية (3) البقرة: 153 مدنية (4) الأعراف: 128 مكية (5) يوسف: 16- 18 مكية (6) الكهف: 93- 95 مكية (7) الأنبياء: 109- 112 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 الأحاديث الواردة في (الاستعانة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة «1» والرّوحة «2» وشيء من الدّلجة «3» » ) * «4» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ ضمادا (يعني ابن ثعلبة) قدم مكّة. وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الرّيح «5» . فسمع سفهاء من أهل مكّة يقولون: إنّ محمّدا مجنون. فقال: لو أنّي رأيت هذا الرّجل لعلّ الله يشفيه على يديّ. قال: فلقيه. فقال: يا محمّد، إنّي أرقي من هذه الرّيح. وإنّ الله يشفي على يدي من شاء. فهل لك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضلّ له. ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. وأنّ محمّدا عبده ورسوله. أمّا بعد» قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء. فأعادهنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات. قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السّحرة وقول الشّعراء. فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء. ولقد بلغن ناعوس «6» البحر، قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعلى قومك» . قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة فمرّوا بقومه. فقال صاحب السّريّة للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة «7» . فقال: ردّوها، فإنّ هؤلاء قوم ضماد) * «8» . 3- * (عن مسروق قال: «سألت أمّ رومان وهي أمّ عائشة- رضي الله عنهما- لمّا قيل فيها ما قيل قالت: بينما أنا مع عائشة جالستان إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار وهي تقول: فعل الله بفلان وفعل. قالت: فقلت: لم؟ قالت: إنّه نمى ذكر الحديث «9» ، فقالت عائشة: أيّ حديث؟ فأخبرتها. قالت: فسمعه أبو بكر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: نعم. فخرّت مغشيّا عليها، فما أفاقت إلّا وعليها حمّى بنافض «10» . فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما لهذه؟» . قلت: حمّى أخذتها من أجل حديث تحدّث به فقعدت. فقالت: والله لئن حلفت لا تصدّقونني، ولئن اعتذرت لا تعذرونني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) .   (1) الغدوة: السير أول النهار من الغداة إلى طلوع الشمس. (2) الروحة: السير فيما بعد الزوال. (3) الدلجة: السير آخر الليل، وقيل سير الليل. (4) البخاري الفتح 1 (39) . (5) الريح: الريح هنا بمعنى مس الجن أو الجنون. (6) ناعوس البحر: وفي روايات أخرى قاموس البحر، وهو وسطه ولجّته، ولعل لفظ ناعوس تصحيف. (7) مطهرة: هي الإناء الذي يتوضأ به ويتطهر به. (8) مسلم (868) . (9) الحديث: أي حديث الإفك. (10) حمى بنافض: أي حمى برعدة شديدة كأنها نفضتها أي حرّكتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 فانصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله ما أنزل، فأخبرها فقالت: «بحمد الله لا بحمد أحد» ) * «1» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة حقّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب «2» الّذي يريد الأداء، والنّاكح الّذي يريد العفاف» ) * «3» . 5- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّه قال: «دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا قلنا: يا رسول الله! دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا. فقال: «ألا أدلّكم على ما يجمع ذلك كلّه؟ تقول: اللهمّ إنّا نسألك من خير ما سألك منه نبيّك محمّد، ونعوذ بك من شرّ ما استعاذ منه نبيّك محمّد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «4» . 6- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: علّمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبة الحاجة: «إنّ الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (الأحزاب 70/ 71) » ) * «5» . 7- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كما يعلّمنا السّورة من القرآن، يقول: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ يقول: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستعينك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهمّ إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله فاقدره لي، ويسّره لي، ثمّ بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفه   (1) البخاري- الفتح 6 (3388) وللحديث أطراف في (4143، 1691، 4751) ، ومسلم من حديث عائشة بسياق طويل جدّا. (2) المكاتب: العبد الذي كاتبه سيده على شيء ما نظير عتقه في حالة الأداء. (3) الترمذي (1655) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، والنسائي (6/ 61) وقال الألباني (2/ 677) : حسن حديث (3017) ، وابن ماجه (2518) . (4) الترمذي (3521) وقال: حسن غريب، وذكره النووي في أذكاره ونقل كلام الترمذي (605) . (5) أبو داود (2118) واللفظ له، الترمذي (1105) وقال: حسن وصحيح سنن الترمذي (882) ، النسائي (6/ 89) ، ابن ماجه (1893) وأصله في مسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 عنّي، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثمّ أرضني به» قال: ويسمّي حاجته) * «1» . 8- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فقال: «يا غلام، إنّي أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفّت الصّحف» ) * «2» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل، فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «3» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج «4» (ثلاثا) غير تمام. فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. يقول «قال الله تعالى: قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي (وقال مرّة) فوّض إليّ عبدي. فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «5» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله   (1) النسائي (6/ 80) واللفظ له وذكره الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني في الصحيحة (2/ 686، 687) ، وهو في البخاري بغير هذا اللفظ. (2) الترمذي (2516) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، أحمد (1/ 293، 303) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (4/ 269- 270) حديث (2763) . (3) مسلم (2664) . (4) والخداج: النقصان. (5) مسلم (395) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 لم يسرع به نسبه» ) * «1» . 12- * (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الرّحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الّذي هو خير، وكفّر عن يمينك» ) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستعانة) 13- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا قال: «اللهمّ أنت عضدي وأنت نصيري، وبك أقاتل» ) * «3» . 14- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- رضي الله عنها- أنّها قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قبل بدر. فلمّا كان بحرّة الوبرة «4» أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رأوه. فلمّا أدركه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: جئت لأتّبعك وأصيب معك. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تؤمن بالله ورسوله؟» ، قال: لا. قال: «فارجع، فلن أستعين بمشرك» . قالت: ثمّ مضى حتّى إذا كنّا بالشّجرة أدركه الرّجل. فقال له كما قال أوّل مرّة. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما قال أوّل مرّة. قال: «فارجع، فلن أستعين بمشرك» . قال: ثمّ رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أوّل مرّة: «تؤمن بالله ورسوله؟» . قال: نعم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فانطلق» ) * «5» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي «6» ، وأجب دعوتي وثبّت حجّتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة «7» قلبي» ) * «8» . 16- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله   (1) سنن الترمذي (1930) ومسلم (2699) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 13 (7147) واللفظ له، مسلم (1652) . (3) الترمذي (3584) واللفظ له وقال: حسن غريب وعزاه المزي في التحفة إلى سنن النسائي الكبرى وعمل اليوم والليلة (1/ 604) ص (393- 394) . وأحمد (3/ 184) وأبو داود (2632) . (4) حرة الوبرة: موضع على نحو أربعة أميال من المدينة. (5) مسلم (1817) . (6) حوبتي: أي إثمي. (7) سخيمة قلبي: سخيمة القلب هي الحقد في النفس. (8) أبو داود (1510) ، وابن ماجه (3830) ، وأحمد (1/ 227) ، الحاكم (1/ 519- 520) وقال: صحيح ووافقه الذهبي، وكذلك قال فيه الترمذي: حسن صحيح. وذكره النووي في أذكاره (606) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 عنهما- قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلّا أنّي خرجت أنا وأبي، حسيل» . قال: فأخذنا كفّار قريش. قالوا: إنّكم تريدون محمّدا فقلنا: ما نريده. ما نريد إلّا المدينة فأخذوا منّا عهد الله وميثاقه لننصرفنّ إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرناه الخبر. فقال: «انصرفا. نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم» ) * «2» . 17- * (عن مسروق- رضي الله عنه- قال: بينما رجل- يحدّث في كندة فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزّكام، ففزعنا فأتينا ابن مسعود فكان متّكئا فغضب فجلس فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإنّ من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم؛ فإنّ الله قال لنبيّه: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (ص/ 86) . وإنّ قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «اللهمّ أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف» فأخذتهم سنة «3» حتّى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرّجل ما بين السّماء والأرض كهيئة الدّخان، فجاءه أبو سفيان، فقال: يا محمّد! جئت تأمرنا بصلة الرّحم، وإنّ قومك قد هلكوا، فادع الله. فقرأ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ. إلى قوله عائِدُونَ (الدخان/ 10- 15) ... الحديث) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستعانة) 1- * (كان موسى عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام، يقول: «اللهمّ لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بك» ) * «5» . 2- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بنيّ! لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ!   (1) حسيل: اسم والد حذيفة، ويقال له حذيفة بن حسل ويقال حسيل. (2) مسلم (1787) . (3) السنة: هى العام من الجدب. (4) البخاري- الفتح 8 (4774) . (5) مجموع الفتاوى (1/ 112) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي قال: فوالله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير، اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- قال عبد الله بن الزّبير: فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله ابن الزّبير. فقال: يا ابن أخي! كم على أخي من الدّين؟ فكتمه. فقال: مائة ألف، فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف. ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر- وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم، فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة. قال عبد الله: لك من هاهنا إلى هاهنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة، فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف، قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية: كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله ابن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه. قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله، لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف» ) * «1» 3- * (قالت عائشة- رضي الله عنها- «لمّا قيل لها: مالك وللدّين؟ قالت: ألتمس عون الله للعبد يستدين على نيّة الأداء» ) * «2» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3129) . (2) أحمد (6/ 72) بتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 4- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى: وقد كتب إلى عمر بن عبد العزيز: «لا تستعن بغير الله فيكلك الله إليه» ) * «1» . 5- * (قال ابن القيّم والفيروزاباديّ- رحمهما الله تعالى-: «التّوكّل نصف الدّين، والنّصف الثّاني الإنابة؛ فإنّ الدّين استعانة وعبادة، فالتّوكّل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة» ) * «2» . 6- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «إنّ عبادة الله هي المقصودة والاستعانة به وسيلة إليها وجميع الخلق وإن كانوا ألف ألف يحتاجون إليه ويفتقرون إليه» ) * «3» . 7- * (قال بعض الحكماء من السّلف: «يا ربّ، عجبت لمن يعرفك كيف يرجو غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك» ) * «4» . 8- * (قال لنا قائل: قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصّبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطّاعة، فما معنى الأمر بالاستعانة بالصّلاة على طاعة الله وترك معاصيه، والتّعرّي عن الرّياسة وترك الدّنيا. قيل: إنّ الصّلاة فيها تلاوة كتاب الله الدّاعية آياته إلى رفض الدّنيا، وهجر نعيمها المسلّية النّفوس عن زينتها وغرورها، المذكّرة الآخرة وما أعدّ الله فيها لأهلها، ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجدّ فيها. كما روي عن نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصّلاة» ) * «5» . 9- * (قال الطّبريّ عند قوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ أمر الله جلّ ثناؤه الّذين وصف أمرهم من أحبار بني إسرائيل، أن يجعلوا مفزعهم- في الوفاء بعهد الله الّذي عاهدوه- إلى الاستعانة بالصّبر والصّلاة. كما أمر نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال له: فَاصْبِرْ (يا محمّد (عَلى ما يَقُولُونَ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (طه/ 130) فأمره جلّ ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصّبر والصّلاة» ) * «6» . 10- * (عن عيينة بن عبد الرّحمن عن أبيه: أنّ ابن عبّاس نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر، فاسترجع ثمّ تنحّى عن الطّريق، فأناخ فصلّى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثمّ قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) * «7» . 11- * (قال أبو العالية: في وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، قال يقول: استعينوا بالصّبر   (1) جامع العلوم والحكم (182) (2) مدارج السالكين (2/ 118) ، بصائر ذوي التمييز (2/ 315) . (3) تفسير ابن كثير (1/ 26) بتصرف. (4) جامع العلوم والحكم (182) . (5) الطبري (1/ 298) . وانظر المقدمة اللغوية (215) . (6) المرجع السابق (1/ 298- 299) . (7) المرجع السابق (1/ 299) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 والصّلاة على مرضاة الله، واعلموا أنّها من طاعة الله» ) * «1» . 12- * (قال ابن جريج في قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ قال: إنّهما معونتان على رحمة الله» ) * «2» . 13- * (قال ابن زيد في قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ الآية، قال: قال المشركون والله يا محمّد إنّك لتدعونا إلى أمر كبير! قال: إلى الصّلاة والإيمان بالله جلّ ثناؤه» ) * «3» . 14- * (يقول تعالى آمرا عبيده فيما يؤمّلون من خير الدّنيا والآخرة بالاستعانة بالصّبر والصّلاة كما قال مقاتل بن حيّان في تفسير هذه الآية استعينوا على طلب الآخرة بالصّبر على الفرائض والصّلاة» ) * «4» . من فوائد (الاستعانة) (1) الاستعانة بالله من مظاهر عبادته وتوحيده. (2) بالاستعانة بالله يواجه الإنسان الأخطار المحدقة به. (3) شعور المسلم بالقوّة لأنّه لا يواجه المشاكل وحده بل معه ربّه. (4) نزع شعور العجز من نفسه. (5) صلاح قلبه وسدّ خلّة روحه. (6) الاستعانة تذلّل الصّعاب وتقوّي المرء مع إخوانه على ما لا يستطيعه بمفرده. (7) الاستعانة بالله تجعل الفرد المسلم وثيق الصّلة بربّه يجيبه إذا سأله، ويفرّج عنه كربه، ويغفر له ذنبه.   (1) الطبري (1/ 299) . (2) المرجع السابق (1/ 299) . (3) الطبري (1/ 299) (4) ابن كثير (1/ 88) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 الاستغاثة الاستغاثة لغة: الاستغاثة مصدر استغاث وهو مأخوذ من الغوث بمعنى الإغاثة والنّصرة عند الشّدّة، ويقال الغيث في المطر، واستغثته طلبت منه الغوث أو الغيث فأغاثني من الغوث، وغاثني من الغيث، وقوله تعالى وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ (الكهف/ 29) يصحّ أن يكون من الغيث، ويصحّ أن يكون من الغوث، وكذا يغاثوا يصحّ فيه المعنيان، والغواث بالضّمّ: الإغاثة، وغوّث الرّجل، واستغاث: صاح واغوثاه. ويقول الواقع في البليّة: أغثني أي فرّج عنّي. واستغاثني فلان فأغثته، والاسم الغياث. واستغثت فلانا فما كان لي عنده مغوثة، ولا غوث. وتقول: ضرب فلان فغوّث تغويثا إذا قال: واغوثاه وأغاثه الله، وغاثه غوثا وغياثا وهو ما أغاثك الله به «1» . واصطلاحا: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: الاستغاثة طلب الغوث وهو لإزالة الشّدّة كالاستنصار طلب النّصر، والاستعانة طلب الآيات/ الأحاديث/ الآثار 16/ 8/ 7 المعونة «2» . المغيث من أسماء الله الحسنى: ومن أسماء الله- عزّ وجلّ-: (المغيث) وهو بمعنى المجيب لكن الإغاثة أخصّ بالأفعال، والإجابة أخصّ بالأقوال. الفرق بين الاستغاثة والدعاء: وقال بعض أهل العلم: الفرق بين الاستغاثة والدّعاء. أنّ الاستغاثة لا تكون إلّا من المكروب وأمّا الدّعاء فإنّه أعمّ من ذلك؛ إذ إنّه يكون من المكروب وغيره. فبينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في دعاء المكروب، وينفرد الدّعاء عنها في غير ذلك، فكلّ استغاثة دعاء، وليس كلّ دعاء استغاثة «3» . وقال أبو عبد الله الحليميّ- رحمه الله تعالى-: الغيّاث هو المغيث، وأكثر ما يقال غياث المستغيثين، ومعناه المدرك عباده في الشّدائد إذا دعوه، ومجيبهم ومخلّصهم «4» .   (1) لسان العرب (6/ 3312) ، وانظر الصحاح (1/ 289) ، والمختار (483) ، ومقاييس اللغة (4/ 400) ، ومفردات الراغب (367) . (2) مجموع الفتاوى (1/ 105) . (3) فتح المجيد (165- 166) بتصرف شديد. (4) مجموع الفتاوى (1/ 111) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 أنواع الاستغاثة: 1- الاستغاثة غير المشروعة: قال ابن تيميّة رحمه الله تعالى- في بيان معنى الاستغاثة المشروعة وغير المشروعة: من توسّل إلى الله تعالى بنبيّه في تفريج كربة فقد استغاث به، سواء كان ذلك بلفظ الاستغاثة أو التّوسّل أو غيرهما ممّا هو في معناهما، وقول القائل: أتوسّل إليك يا إلهي برسولك أو أستغيث برسولك عندك أن تغفر لي: استغاثة حقيقيّة بالرّسول في لغة العرب وجميع الأمم، والتّوسّل بالرّسول استغاثة به، وهذا لا يجوز إلّا في حياته وحضوره لا في موته ومغيبه، وذلك كلّه فيما يقدر عليه من الأمور كما قال تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ (الأنفال/ 72) وكقوله تعالى: فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ (القصص/ 15) . أمّا فيما لا يقدر عليه إلّا الله فلا يطلب إلّا منه سبحانه وتعالى. ولهذا كان المسلمون لا يستغيثون بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يستسقون به ولا يتوسّلون به بعد موته كما في صحيح البخاريّ: «أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- استسقى بالعبّاس وقال: اللهمّ إنّا كنّا إذا أجدبنا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا فيسقون» . وأمّا التّوسّل بغير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سواء سمّي استغاثة أو لم يسمّ، لا نعلم أحدا من السّلف فعله، ولا روي فيه أثر؛ بل لا نعلم فيه إلّا المنع «1» . 2- أمّا الاستغاثة المشروعة فتكون بالله- عزّ وجلّ- أو الأنبياء في حياتهم أو بالصّالحين من عباد الله حال حياتهم لا بعد موتهم فيما يقدرون عليه. وقال رحمه الله: والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة كما أنّ الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة «2» . وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: ومن أنواع الشّرك: طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتّوجّه إليهم، وهذا أصل شرك العالم؛ فإنّ الميّت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا، فضلا عمّن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستعاذة- الاستعانة- الإغاثة- التعاون على البر والتقوى- الدعاء- التوسل- الضراعة والتضرع- الابتهال. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الشرك- الغفلة- الكسل- القنوط- الكبر والعجب اليأس] .   (1) مجموع الفتاوى (1/ 101- 105) بتصرف شديد. (2) المصدر السابق (1/ 111) . (3) فتح المجيد (168) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 الآيات الواردة في «الاستغاثة» 1- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «1» 2- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) «2» 3- وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) «3» الآيات الواردة في «الاستغاثة» معنى 4- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ   (1) الأنفال: 9- 10 مدنية (2) القصص: 15 مكية (3) الأحقاف: 17 مكية (4) البقرة: 248- 250 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) «1» 6- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «2» 7- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «3» 8- * وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) » 9- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «5» 10- قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) «6» 11- رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) «7» 12- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «8» 13- فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) «9» 14- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) «10»   (1) الأنفال: 72 مدنية (2) يونس: 84- 86 مكية (3) الأنبياء: 76- 77 مكية (4) الأنبياء: 83- 84 مكية (5) الأنبياء: 87- 88 مكية (6) الشعراء: 117- 120 مكية (7) الشعراء: 169 مكية (8) النمل: 62 مكية (9) القصص: 21 مكية (10) ص: 41- 44 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 15- فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) «1» 16- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) «2»   (1) القمر: 10- 14 مكية (2) التحريم: 11 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 الأحاديث الواردة في (الاستغاثة) 1- * (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق «1» من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارّة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل- وهي ترضعه- حتّى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيّعنا «2» . ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة «3» حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ حتّى بلغ يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) . وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ما في السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى- أو قال: يتلبّط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصّفا، حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها «4» ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي، ثمّ أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرّات. قال ابن عبّاس قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فلذلك سعي النّاس بينهما» . فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه «5» - تريد نفسها- ثمّ تسمّعت أيضا فقالت: قد أسمعت، إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم» أو قال: «لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» . قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة؛ فإنّ ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرّابية، تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقة من جرهم- أو أهل بيت من جرهم- مقبلين من طريق   (1) المنطق بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء: هو ما يشد به الوسط. (2) إذن لا يضيّعنا بضم العين في فتح الباري. (3) الثّنيّة: العقبة أو طريقها أو الجبل أو الطريق فيه أو إليه. (4) درع المرأة: قميصها. (5) صه: اسم فعل أمر بمعنى اسكت، وكأنها تطلب من نفسها إلانصات حتى تعلم مصدر الصوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 كداء «1» ، فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريّا «2» أو جريّين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا- قال وأمّ إسماعيل عند الماء- فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فألفى «3» ذلك أمّ إسماعيل- وهي تحبّ الأنس» - فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتّى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم «4» وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأة منهم. وماتت أمّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة. فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم. أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عزّ وجلّ- قال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه» . قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه- فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك   (1) كداء بفتح الكاف ممدود: هو الموضع الذي دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة منه. (2) جريّ- كغني- الوكيل والرسول. قال ابن حجر: سمي بذلك لأنه يجري مجرى موكله أو مرسله. ينظر: القاموس المحيط وفتح الباري، ج 6 ص 464. (3) فألفى: قال ابن حجر: فألفى ذلك: أي وجد أمّ إسماعيل بالنصب على المفعولية، وهي تحب الأنس بضم الهمزة ضد الوحشة ويجوز الكسر أي تحب جنسها. فتح الباري ج 6 ص 464. (4) أنفسهم: بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي إنه أكثرهم نفاسة وشرفا، ولذلك أعجبهم فكثرت رغبتهم فيه فزوّجوه منهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها- قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قال: فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127) » ) * «1» . 2- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال. وحذّرناه. فكان من قوله أن قال: «إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرّيّة آدم أعظم من فتنة الدّجّال. وإنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا حذّر أمّته الدّجّال. وأنا آخر الأنبياء. وأنتم آخر الأمم. وهو خارج فيكم لا محالة. وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكلّ مسلم. وإن يخرج من بعدي فكلّ امرىء حجيج نفسه. والله خليفتي على كلّ مسلم، وإنّه يخرج من خلّة «2» بين الشّام والعراق. فيعيث يمينا ويعيث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا؛ فإنّي سأصفه لكم صفة لم يصفها إيّاه نبيّ قبلي. إنّه يبدأ فيقول: أنا نبيّ ولا نبيّ بعدي. ثمّ يثنّي فيقول: أنا ربّكم. ولا ترون ربّكم حتّى تموتوا. وإنّه أعور. وإنّ ربّكم ليس بأعور. وإنّه مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كلّ مؤمن، كاتب أو غير كاتب. وإنّ من فتنته أنّ معه جنّة ونارا. فناره جنّة وجنّته نار. فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف. فتكون عليه بردا وسلاما. كما كانت النّار على إبراهيم.. الحديث» ) *. «3» 3- * (عن أنس- رضي الله عنه-: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو النّاس. خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم. ويذكر ذنبه فيستحي، ائتوا نوحا فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم. ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول: ائتوا خليل الرّحمن فيأتونه، فيقول: لست هناكم. ائتوا موسى، عبدا كلّمه الله وأعطاه التّوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم. ويذكر قتل النّفس بغير نفس فيستحي من ربّه فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه: فيقول: لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فيأتوني، فأنطلق حتّى   (1) البخاري- الفتح 6 (3364) . (2) خلّة: طريق ضيق بين البلدين لا يسع إلا فردا واحدا أو فردين. (3) أخرجه البخاري مقطعا برقم (7122- 7133) و (7132- 7134) ، ومسلم (2937) ، واللفظ لابن ماجة سنن ابن ماجة (2/ 4077) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي مثله ثمّ أشفّع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة. ثمّ أعود الرّابعة فأقول: ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» ) * «1» . وله لفظ آخر عند البخاري وهو: «إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتّى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم، ثمّ بموسى، ثمّ بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وزاد عبد الله: حدّثني اللّيث، حدّثني ابن أبي جعفر: فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلّهم» ) * «2» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: «أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بواكي «3» » ، فقال: «اللهمّ اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا «4» نافعا غير ضارّ عاجلا غير آجل» . قال: فأطبقت عليهم السّماء» ) * «5» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستغاثة) 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه أخبر: أنّ أباه توفّي وترك عليه ثلاثين وسقا «6» لرجل من اليهود، فاستنظره جابر، فأبى أن ينظره، فكلّم جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليشفع له إليه. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّم اليهوديّ ليأخذ تمر نخله بالّتي له فأبى، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّخل فمشى فيها، ثمّ قال لجابر: جدّ له فأوف له الّذي له، فجدّه «7» بعد ما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره بالّذي كان فوجده يصلّي العصر، فلمّا انصرف أخبره بالفضل، فقال: «أخبر ذلك ابن الخطّاب» ، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليباركنّ فيها) * «8» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو   (1) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له، مسلم (193) . (2) البخاري- الفتح 3 (1475) . (3) بواكي: جمع بائك وهو الباحث عن الماء. (4) المريع: المخصب النّاجع، يقال: أمرع الوادي، ومرع مراعة انظر النهاية (5/ 320) . (5) أبو داود (1169) ، وذكره الألباني في صحيحه برقم (1036) وقال: صحيح (2/ 216) ، ابن ماجة (1270) من حديث ابن عباس وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (6) الوسق: مكيلة معلومة، وهي ستّون صاعا، والصّاع خمسة أرطال وثلث. (7) فجدّه: أي قطع ثمره من جدّ الثمرة يجدّها أي يقطعها. (8) البخاري- الفتح 5 (2396) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 دار القضاء، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما ثمّ قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل، فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثمّ قال: اللهمّ أغثنا. اللهمّ أغثنا. اللهمّ أغثنا» . قال أنس: ولا والله ما نرى في السّماء من سحاب ولا قزعة «1» ، وما بيننا وبين سلع «2» من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس «3» فلمّا توسّطت السّماء انتشرت ثمّ أمطرت قال: فلا والله ما رأينا الشّمس سبتا» قال: ثمّ دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل، فادع الله يمسكها عنّا. قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثمّ قال: «اللهمّ حولنا ولا علينا، اللهمّ على الآكام «5» والظّراب «6» وبطون الأودية ومنابت الشّجر» . فانقلعت، وخرجنا نمشي في الشّمس» ) * «7» . 7- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا. فاستقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم القبلة ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه «اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللهمّ آت ما وعدتني، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربّه مادّا يديه مستقبل القبلة، حتّى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثمّ التزمه من ورائه، وقال يا نبيّ الله: كذاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ 9) فأمدّه الله بالملائكة ... الحديث» ) * «8» . 8- * (عن السّدّيّ قال: أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو الله ويستغيثه ويستنصره فأنزل الله عليه الملائكة) * «9» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستغاثة) 1- * (كان موسى- عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام- يقول: «اللهمّ لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بك» ) * «10» . 2- * (قال أبو يزيد (البسطاميّ) - رحمه الله تعالى-: «استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق» ) * «11» . 3- * (قال الطّبريّ في قوله تعالى: وَنُوحاً إِذْ   (1) قزعة: قطعة من الغيم صغيرة. (2) سلع: جبل بقرب المدينة. (3) التّرس- بضم التاء- ما يتوقّى به، ومن جلد الأرض: الغليظ منها، ويبدو أن هذا الأخير هو المراد كما يشير إلى ذلك تشبيه السحابة به. (4) سبتا: أي قطعة من الزمان. (5) الآكام: دون الجبل وأعلى من الرابية، وقيل جمع أكمة وهي التل. (6) الظراب: الروابي الصغار. (7) البخاري- الفتح 2 (1013) ، مسلم (897) واللفظ له. (8) مسلم (1763) . (9) تفسير الطبري (مجلد 6/ ج 9/ 126- 127) . (10) مجموع الفتاوى (1/ 112) . (11) المرجع السابق (1/ 106) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَنَصَرْناهُ ... (الأنبياء/ 76- 77) . يقول- تعالى ذكره-: واذكر يا محمّد نوحا إذ نادى ربّه من قبلك ومن قبل إبراهيم ولوط وسألنا أن نهلك قومه الّذين كذّبوا الله فيما توعّدهم به من وعيده، وكذّبوا نوحا فيما أتاهم به من الحقّ من عند ربّه وقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (نوح/ 26) فاستجبنا له دعاءه، ونجّيناه وأهله- أي أهل الإيمان- من الكرب العظيم أي العذاب الّذي أحلّ بالمكذّبين) * «1» . 4- * (قال الطّبريّ في قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ 9) أي تستجيرون به من عدوّكم، وتدعونه للنّصر عليهم (فاستجاب لكم) أي: أجاب دعاءكم ب أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يردف بعضهم بعضا، ويتلو بعضهم بعضا) * «2» . 5- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ... فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ.. الآيات (القمر/ 9- 15) . أي: دعا عليهم حينئذ نوح وقال: ربّ أَنِّي مَغْلُوبٌ أي غلبوني بتمرّدهم فَانْتَصِرْ أي فانتصر لي. فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ أي فأجبنا دعاءه، وأمرنا باتّخاذ السّفينة وفتحنا أبواب السّماء بِماءٍ مُنْهَمِرٍ أي كثير..) * «3» . 6- * (قال الشّيخ أبو عبد الله القرشيّ- رحمه الله تعالى-: «استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة السّجين بالسّجين» ) * «4» . 7- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «قال العلماء المصنّفون في أسماء الله تعالى: يجب على كلّ مكلّف أن يعلم أن لا غيّاث ولا مغيث على الإطلاق إلّا الله، وأنّ كلّ غوث فمن عنده» ) * «5» . من فوائد (الاستغاثة) (1) فيها صرف الهمّة كلّها إلى الله المتصرّف في الكون كلّه بكمال قدرته واليقين بأنّ الخلق ينفّذون قدره وأمره. (2) الاستغاثة في الأمور الّتي لا يقدر عليها إلّا الله من التّوحيد؛ فهي دليل الإيمان به وحده. (3) بالاستغاثة تقوى عزيمة الإنسان لمعرفته بأنّ من يستغيث به قادر على إغاثته. (4) الاستغاثة سبب من أسباب النّصر كما حدث للمسلمين يوم بدر. (5) الاستغاثة تقوّي الرّوح المعنويّة للمستغيث وتعلمه بأنّ الفرج قريب. (6) الاستغاثة مجلبة للخير، وبها يعمّ الخير العباد والبلاد.   (1) تفسير الطبري (مجلد 9/ ج 17/ 37) . (2) المرجع السابق (مجلد 6/ ج 9/ 126- 127) . (3) تفسير القرطبي (ج 17/ 131) . (4) مجموع الفتاوى (1/ 206) . (5) المرجع السابق (1/ 110- 111) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 الاستغفار الاستغفار لغة: الاستغفار مصدر قولهم: استغفر يستغفر وهو مأخوذ من مادّة (غ ف ر) الّتي تدلّ على السّتر في الغالب الأعمّ فالغفر السّتر، والغفر والغفران بمعنى (واحد) ، يقال: غفر الله ذنبه غفرا ومغفرة وغفرانا، قال الشّاعر في الغفر: في ظلّ من عنت الوجوه له ... ملك الملوك ومالك الغفر وقال ابن منظور: أصل الغفر التّغطية والسّتر. يقال: اللهمّ اغفر لنا مغفرة وغفرا وغفرانا، وإنّك أنت الغفور الغفّار يا أهل المغفرة. غفر الله ذنوبه أي سترها. واستغفر الله من ذنبه ولذنبه بمعنى، فغفر له ذنبه مغفرة وغفرا وغفرانا. وفي الحديث: غفار غفر الله لها. قال ابن الأثير: يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة أو إخبارا أنّ الله تعالى قد غفر لها. واستغفر الله ذنبه، على حذف الحرف، طلب منه غفره. أنشد سيبويه: أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... ربّ العباد إليه القول والعمل الآيات/ الأحاديث/ الآثار 155/ 57/ 7 وتغافرا: دعا كلّ واحد منهما لصاحبه بالمغفرة. وامرأة غفور، بغير هاء «1» . وقال الرّاغب: الغفر: إلباس ما يصونه عن الدّنس ومنه قيل: اغفر ثوبك في الدّعاء واصبغ ثوبك فإنّه أغفر للوسخ، والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب. والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال، وقيل: اغفروا هذا الأمر بغفرته، أي استروه بما يجب أن يستر به «2» . الغفور والغفّار وغافر الذّنب من أسماء الله تعالى: الغفور الغفّار- جلّ ثناؤه- وهما من أبنية المبالغة، ومعناهما السّاتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم. والغفران والمغفرة من الله تعالى: أن يصون الله العبد من أن يمسّه العذاب.. وغافر الذّنب اسم من أسماء الله الحسنى الّتي تضمّ إلى التّسعة والتّسعين اسما المشهورة «3» . قال الغزاليّ- رحمه الله-: الغفّار: هو الّذي أظهر الجميل وستر القبيح، والذّنوب من جملة القبائح   (1) لسان العرب (5/ 25، 26) باختصار. (2) المفردات في غريب القرآن للأصفهاني (362) . (3) المقصد الأسنى (80) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 الّتي سترها الله بإسبال السّتر عليها في الدّنيا، والتّجاوز عن عقوبتها في الآخرة. والغفر هو السّتر. والغفور بمعنى الغفّار، ولكنّه بشيء ينبىء عن نوع مبالغة لا ينبأ عنها الغفّار. فالفعّال ينبيء عن كثرة الفعل، والفعول ينبيء عن جودته وكماله وشموله «1» . وقال الخطّابيّ الحافظ- رحمه الله تعالى-: الغفّار هو الّذي يغفر ذنوب عباده مرّة بعد أخرى، كلّما تكرّرت التّوبة من الذّنب تكرّرت المغفرة. فالغفّار: السّتّار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته، ومعنى السّتر في هذا أنّه لا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة الّتي تشهّره في عيونهم «2» . واصطلاحا: الاستغفار من طلب الغفران. والغفران: تغطية الذّنب بالعفو عنه. وهو أيضا طلب ذلك بالمقال والفعال «3» . الفرق بين الغفران والعفو: قال الكفويّ: إنّ الغفران يقتضي إسقاط العقاب ونيل الثّواب ولا يستحقّه إلّا المؤمن ولا يستعمل إلّا في (حقّ) البارى تعالى، والعفو يقتضي إسقاط اللّوم والنّدم ولا يقتضي نيل الثّواب، ويستعمل في العبد أيضا. وقال أبو هلال العسكريّ: لا يقال غفر زيد لك إلّا شاذّا قليلا والشّاهد على شذوذه أنّه لا يتصرّف في صفات العبد كما يتصرّف في صفات الله تعالى، ألا ترى أنّه يقال: استغفرت الله تعالى ولا يقال: استغفرت زيدا، والمحو أعمّ من العفو والغفران «4» . وهناك فروق بين الغفران وكلّ من السّتر والصّفح. (انظر صفتي السّتر والصّفح) . [للاستزادة: انظر صفات: الابتهال- الإنابة- التوبة- الدعاء- الذكر- الضراعة والتضرع- القنوت. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإصرار على الذنب- الإعراض- الغفلة- الغرور- القنوط] .   (1) المقصد الأسنى (205) . (2) شأن الدعاء للخطابي (52، 53) . (3) له الأسماء الحسنى للشرباصي (2/ 263) . (4) الكليات للكفوي (666- 667) ، والفروق لأبي هلال (195) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 الآيات الواردة في «الاستغفار» أولا: تأميل الراجين وتأنيس المذنبين بمغفرته سبحانه لأنه هو الغفور الغفار: 1- وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) «1» 2- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «2» 3- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) «3» 4- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «5» 6- لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) «6» 7- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «7» 8- الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) «8» 9- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) «9»   (1) البقرة: 58 مدنية (2) البقرة: 173 مدنية (3) البقرة: 182 مدنية (4) البقرة: 191- 192 مدنية (5) البقرة: 218 مدنية (6) البقرة: 226 مدنية (7) البقرة: 235 مدنية (8) البقرة: 268 مدنية (9) آل عمران: 31 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 10- إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) «1» 11- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) «2» 12- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «3» 13- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) » 14- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) «5» 15- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ   (1) آل عمران: 155 مدنية (2) النساء: 23 مدنية (3) النساء: 25 مدنية (4) النساء: 43 مدنية (5) النساء: 95- 96 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) * وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) «1» 16- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110) «2» 17- وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) «3» 18- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152) «4» 19- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «5» 20- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) «6» 21- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)   (1) النساء: 97- 100 مدنية (2) النساء: 110 مدنية (3) النساء: 129 مدنية (4) النساء: 152 مدنية (5) المائدة: 3 مدنية (6) المائدة: 33- 34 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «1» 22- اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) «2» 23- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) «3» 24- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «4» 25- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) «5» 26- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) «6» 27- وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) «7» 28- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «8»   (1) المائدة: 38- 39 مدنية (2) المائدة: 98 مدنية (3) المائدة: 101 مدنية (4) الأنعام: 54 مكية (5) الأنعام: 145 مكية (6) الأنعام: 165 مكية (7) الأعراف: 167- 169 مكية (8) التوبة: 5 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 29- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) «1» 30- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «2» 31- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) «3» 32- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) «4» 33- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) «5» 34- حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) * وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) «6» 35- * وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) «7»   (1) التوبة: 25- 27 مدنية (2) التوبة: 90- 91 مدنية (3) التوبة: 99 مدنية (4) التوبة: 101- 102 مدنية (5) يونس: 107 مكية (6) هود: 40- 41 مكية (7) يوسف: 53 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 36- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) «1» 37- * نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) «2» 38- وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) «3» 39- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «4» 40- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) «5» 41- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «6» 42- وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) «7» 43- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «8» 44- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ   (1) الرعد: 6 مدنية (2) الحجر: 49- 50 مكية (3) النحل: 18 مكية (4) النحل: 110 مكية (5) النحل: 115 مكية (6) الإسراء: 41- 44 مكية (7) الكهف 58 مكية (8) الحج: 58- 60 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «1» 45- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) » 46- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «3» 47- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) «4» 48- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي   (1) النور: 32- 33 مدنية (2) الفرقان: 4- 6 مكية (3) الفرقان: 63- 70 مكية (4) الأحزاب: 50 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «1» 49- قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) «2» 50- خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) «3» 51- أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) * قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) «4» 52- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «5» 53- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) «6» 54- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) «7» 55- ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43) «8»   (1) سبأ: 1- 4 مكية (2) ص: 65- 66 مكية (3) الزمر: 5 مكية (4) الزمر: 52- 53 مكية (5) غافر: 1- 3 مكية (6) غافر: 38- 42 مكية (7) فصلت: 30- 32 مكية (8) فصلت: 43 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 56- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «1» 57- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «2» 58- وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «3» 59- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) «4» 60- قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) «5» 61- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «6» 62- بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) «7» 63- إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16) «8»   (1) الشورى: 22- 23 مكية (2) الأحقاف: 7- 8 مكية (3) الحجرات: 5 مدنية (4) النجم: 31- 32 مكية (5) المجادلة: 1- 2 مدنية (6) المجادلة: 12 مدنية (7) الملك: 1- 2 مكية (8) البروج: 12- 16 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 ثانيا: أمر الله بالاستغفار: 64- ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) «1» 65- * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) «2» 66- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) «3» 67- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) «4» 68- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) «5» 69- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) «6» 70- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) «7» 71- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «8»   (1) البقرة: 199 مدنية (2) آل عمران: 133- 134 مدنية (3) النساء: 105- 106 مدنية (4) المائدة: 73- 74 مدنية (5) غافر: 53- 55 مكية (6) فصلت: 6 مكية (7) محمد: 19 مدنية (8) المزمل: 20 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 72- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) «1» ثالثا: دعوة الأنبياء والصالحين أقوامهم للاستغفار: 73- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) «2» 74- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «3» 75- * وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «4» 76- وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) «5» 77- فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) » 78- * قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) «7»   (1) النصر: 1- 3 مدنية (2) هود: 1- 4 مكية (3) هود: 50- 52 مكية (4) هود: 61 مكية (5) هود: 89- 90 مكية (6) يوسف: 28- 29 مكية (7) ابراهيم: 10 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 79- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) «1» رابعا: الاستغفار من صفات الأنبياء والصالحين: 80- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «2» 81- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «3» 82- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) «4» 83- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)   (1) نوح: 1- 7 مكية (2) البقرة: 285- 286 مدنية (3) آل عمران: 146- 148 مدنية (4) آل عمران: 190- 193 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) «1» 84- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) «2» 85- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «3» 86- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) «4» 87- قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) «5» 88- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) «6»   (1) الأعراف: 19- 24 مكية (2) الأعراف: 148- 150 مكية (3) الأعراف: 155 مكية (4) هود: 45- 47 مكية (5) طه: 72- 73 مكية (6) المؤمنون: 109- 110 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 89- أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «1» 90- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) «2» 91- قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) «3» 92- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «4» 93- * وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) «5» 94- وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) «6»   (1) المؤمنون: 115- 118 مكية (2) الشعراء: 49- 51 مكية (3) الشعراء: 75- 82 مكية (4) القصص: 15- 16 مكية (5) ص: 21- 25 مكية (6) ص: 34- 35 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 95- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «1» 96- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) * عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) «2» 97- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «3» خامسا: الاستغفار يكون للنفس وللغير: 98- وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «4» 99- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «5» 100- قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) «6» 101- قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «7»   (1) الحشر: 10 مدنية (2) الممتحنة: 5- 7 مدنية (3) التحريم: 8 مدنية (4) آل عمران: 157- 159 مدنية (5) النساء: 64 مدنية (6) الأعراف: 151- 153 مكية (7) يوسف: 92 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 102- فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (96) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (97) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) «1» 103- رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «2» 104- يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) «3» 105- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «4» 106- حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) «5» 107- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «6» 108- وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26)   (1) يوسف: 96- 98 مكية (2) ابراهيم: 40- 41 مكية (3) مريم 45- 48 مكية (4) غافر: 7 مكية (5) الشورى: 1- 5 مكية (6) الممتحنة: 12 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «1» سادسا: غفران الله عز وجل (قبول الاستغفار) يرتبط بالتوبة والعمل الصالح: 109- وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) » 110- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «3» 111- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) «4» 112- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) «5» 113- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) «6» 114- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا   (1) نوح: 26- 28 مكية (2) الأعراف: 161 مكية (3) الأنفال: 29 مكية (4) الأنفال: 67- 70 مكية (5) النحل: 118- 119 مكية (6) الإسراء: 23- 25 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «1» 115- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «2» 116- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «3» 117- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «4» 118- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) «5» 119- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «6» 120- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) «7»   (1) طه: 80- 82 مكية (2) النور: 4- 5 مدنية (3) النور: 22 مدنية (4) الأحزاب: 59 مدنية (5) الأحقاف: 29- 31 مكية (6) الحديد: 21 مدنية (7) الصف: 10- 12 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 سابعا: الاستغفار المقبول يرتبط بمشيئة الله- عزّ وجلّ-: 121- لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) «1» 122- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) «2» 123- وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) «3» 124- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) «4» 125- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) «5» 126- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «6» 127- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (14) «7»   (1) البقرة: 284 مدنية (2) آل عمران: 129 مدنية (3) المائدة: 18 مدنية (4) المائدة: 40 مدنية (5) المائدة: 116- 118 مدنية (6) الأحزاب: 21- 24 مدنية (7) الفتح: 14 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 ثامنا: قبول الاستغفار يكون للمؤمنين والمتقين: 128- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) «1» 129- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) «2» 130- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) «3» 131- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «4» 132- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) «5» 133- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) «6» 134- فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) «7» 135- إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) «8»   (1) المائدة: 9 مدنية (2) محمد: 15 مدنية (3) الفتح: 1- 2 مدنية (4) الفتح: 29 مدنية (5) الحجرات: 2- 4 مدنية (6) الحديد: 28 مدنية (7) التغابن: 16- 17 مدنية (8) الملك: 12 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 تاسعا: قبول الاستغفار يكون للكافر إذا أسلم وحسن إسلامه: 136- وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «1» 137- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) «2» عاشرا: لا يقبل الله استغفارا من مشرك أو فاسق: 138- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116) «3» 139- الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) «4» حادي عشر: الأوقات المفضلة للاستغفار: 140- * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «5» 141- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) »   (1) آل عمران: 85- 89 مدنية (2) الأنفال: 38 مدنية (3) النساء: 116 مدنية (4) التوبة: 79- 80 مدنية (5) آل عمران: 15- 17 مدنية (6) الذاريات: 15- 18 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 ثاني عشر: أثر الاستغفار في الدنيا منع العذاب- استجلاب الرحمة- الإمداد بالأموال والبنين) : 142- وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) «1» 143- وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا (55) «2» 144- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) «3» 145- ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (12) «4» ثالث عشر: البشارة بالمغفرة ودخول الجنة في الآخرة: 146- وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «5» 147- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «6» 148- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) «7»   (1) الأنفال: 33 مدنية (2) الكهف 55 مكية (3) النمل: 45- 46 مكية (4) نوح: 8- 12 مكية (5) آل عمران: 135- 136 مدنية (6) الأنفال: 2- 4 مدنية (7) الأنفال: 74 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 149- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «1» 150- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) «2» 151- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) «3» 152- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «4» 153- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «5» 154- وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «6» 155- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «7»   (1) هود: 9- 11 مكية (2) الحج: 49- 50 مدنية (3) النور: 23- 26 مدنية (4) الأحزاب: 35 مدنية (5) يس: 11 مكية (6) يس: 22- 27 مكية (7) الحديد: 20 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 الأحاديث الواردة في (الاستغفار) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا جاء أحدكم فراشه فلينفضه بصنفة «1» ثوبه ثلاث مرّات وليقل: باسمك ربّي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين» ) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال: «أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهمّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب. فقال: أي ربّ، اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا. فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب فقال: أي ربّ، اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا. فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك» . قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثّالثة أو الرّابعة: «اعمل ما شئت» ) * «3» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلنا: بلى قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج ثمّ أجافه «4» رويدا. فجعلت درعي «5» في رأسي، واختمرت «6» وتقنّعت إزاري. ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام، فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثّم انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت. فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك يا عائش؟ حشيا رابية «7» » . قالت: لا شيء. قال: «لتخبرنّي أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» . قالت: يا رسول الله؟ بأبي أنت وأمّي فأخبرته. قال: «فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» . قلت: نعم. فلهدني «8» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال:   (1) صنفة: بفتح الصاد وكسر النون وفتح الفاء: هي حاشية الثوب. (2) البخاري- الفتح 13 (7393) واللفظ له، ومسلم (2714) . (3) حديث قدسي: أخرجه البخاري- الفتح 13 (7507) ، ومسلم (2758) واللفظ له. (4) أجافه: أغلقه. (5) درعي: درع المرأة قميصها. (6) اختمرت: لبست خماري. (7) حشيا رابية: يجوز في عائش فتح الشين وضمها وحشيا معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه المحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره. (8) لهدني: ضربني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» . قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. ثمّ قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني. فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «1» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اغفر للمحلّقين» . قالوا: وللمقصّرين. قال: «اللهمّ اغفر للمحلّقين» قالوا: وللمقصّرين. قالها ثلاثة، قال «وللمقصّرين» ) * «2» . 5- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار» ) * «3» . 6- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عبد الله بن أبيّ لمّا توفّي جاء ابنه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفّنه فيه، وصلّ عليه واستغفر له. فأعطاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قميصه. فقال: آذنّي أصلّي عليه. فآذنه. فلمّا أراد أن يصلّي عليه جذبه عمر- رضي الله عنه- فقال: أليس الله قد نهاك أن تصلّي على المنافقين فقال: «أنا بين خيرتين» ، قال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (التوبة/ 80) . فصلّى عليه. فنزلت وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (التوبة/ 84) » ) * «4» . 7- * (عن جندب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّث: «أنّ رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان. وإنّ الله تعالى قال: من ذا الّذي يتألّى «5» عليّ أن لا أغفر لفلان. فإنّي قد غفرت لفلان. وأحبطت عملك» أو كما قال) * «6» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال رجل لم يعمل حسنة قطّ لأهله: إذا مات فحرّقوه ثمّ اذروا نصفه في البرّ ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذّبنّه عذابا لا يعذّبه أحدا من العالمين، فلمّا مات فعلوا ما أمرهم. فأمر الله البرّ فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه. ثمّ قال: لم فعلت هذا؟. قال: من خشيتك يا ربّ وأنت أعلم. فغفر الله له» ) * «7» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله تبارك وتعالى ملائكة سيّارة   (1) مسلم (974) . (2) البخاري- الفتح 3 (1728) واللفظ له، ومسلم (1302) . (3) مسلم (2506) . (4) البخاري- الفتح 3 (1269) . (5) يتألى: يحلف. (6) مسلم (2621) . (7) البخاري- الفتح 13 (7506) ، ومسلم (2756) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 فضلا يتّبعون مجالس الذّكر. فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحفّ بعضهم بعضا بأجنحتهم. حتّى يملأوا ما بينهم وبين السّماء الدّنيا. فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السّماء. قال: فيسألهم الله- عزّ وجلّ- وهو أعلم بهم- من أين جئتم؟. فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبّحونك، ويكبّرونك، ويهلّلونك ويحمدونك، ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟. قالوا: يسألونك جنّتك. قال: وهل رأوا جنّتي؟. قالوا: لا. أي ربّ، قال: فكيف لو رأوا جنّتي؟. قالوا: ويستجيرونك. قال: وممّ يستجيرونني؟. قالوا: من نارك يا ربّ. قال: وهل رأوا ناري؟. قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟. قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم. فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم ممّا استجاروا. قال: فيقولون: ربّ فيهم فلان عبد خطّاء. إنّما مرّ فجلس معهم. قال: فيقول: وله غفرت. هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» ) * «1» . 10- * (عن جندب بن عبد الله البجليّ رضي الله عنه- أنّه بعث إلى عسعس بن سلامة، زمن فتنة ابن الزّبير، فقال: اجمع لي نفرا من إخوانك حتّى أحدّثهم. فبعث رسولا إليهم. فلمّا اجتمعوا جاء جندب وعليه برنس «2» أصفر. فقال: تحدّثوا بما كنتم تحدّثون به. حتّى دار الحديث. فلمّا دار الحديث إليه حسر البرنس عن رأسه. فقال: إنّي أتيتكم ولا أريد أن أخبركم عن نبيّكم. إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وإنّهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإنّ رجلا من المسلمين قصد غفلته، قال: وكنّا نحدّث أنّه أسامة بن زيد، فلمّا رفع عليه السّيف قال: لا إله إلّا الله، فقتله. فجاء البشير إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فسأله فأخبره. حتّى أخبره خبر الرّجل كيف صنع، فدعاه، فسأله. فقال: «لم قتلته؟» . قال: يا رسول الله! أوجع في المسلمين. وقتل فلانا وفلانا وسمّى له نفرا. وإنّي حملت عليه. فلمّا رأى السّيّف قال: لا إله إلّا الله. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقتلته؟» . قال: نعم. قال: «فكيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» . قال: يا رسول الله استغفر لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» . قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: «كيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» ) *» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّه خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستّين وثلاثمائة مفصل. فمن كبّر الله، وحمد الله، وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق النّاس، أو شوكة أو عظما عن   (1) البخاري- الفتح 11 (6408) ، مسلم 4 (2689) . (2) برنس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به. (3) مسلم (97) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 طريق النّاس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك السّتّين والثّلاثمائة السّلامى. فإنّه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النّار» . قال أبو توبة: وربّما قال: «يمسي» ) * «1» . 12- * (عن أبي السّائب مولى هشام بن زهرة أنّه دخل على أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- في بيته قال فوجدته يصلّي. فجلست أنتظره حتّى يقضي صلاته. فسمعت تحريكا في عراجين «2» في ناحية البيت. فالتفتّ فإذا حيّة. فوثبت لأقتلها. فأشار إليّ: أن اجلس. فجلست. فلمّا انصرف أشار إلى بيت في الدّار. فقال: أترى هذا البيت؟. فقلت: نعم. قال: كان فيه فتى منّا حديث عهد بعرس. قال: فخرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخندق. فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنصاف النّهار فيرجع إلى أهله. فاستأذنه يوما. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذ عليك سلاحك. فإنّي أخشى عليك قريظة» . فأخذ الرّجل سلاحه. ثمّ رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة. فأهوى إليها الرّمح ليطعنها به. وأصابته غيرة. فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتّى تنظر ما الّذي أخرجني. فدخل فإذا بحيّة عظيمة منطوية على الفراش. فأهوى إليها بالرّمح فانتظمها به. ثمّ خرج فركزه في الدّار. فاضطربت عليه. فما يدرى أيّهما كان أسرع موتا. الحيّة أم الفتى؟ قال فجئنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرنا ذلك له. وقلنا: ادع الله يحييه لنا. فقال: «استغفروا لصاحبكم» . ثمّ قال: «إنّ بالمدينة جنّا قد أسلموا. فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيّام. فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنّما هو شيطان» ) * «3» . 13- * (عن حمران مو لى عثمان بن عفّان رضي الله عنهما- أنّه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرّات، ثمّ أدخل يمينه في الوضوء، ثمّ تمضمض واستنشق واستنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثمّ مسح برأسه، ثمّ غسل كلّ رجل ثلاثا، ثمّ قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ نحو وضوئي هذا وقال: «من توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه» ) * «4» . 14- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: إنّي كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدّثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدّقته، وإنّه حدّثني أبو بكر وصدق أبو بكر. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل يذنب ذنبا ثمّ يقوم فيتطهّر، ثمّ يصلّي، ثمّ يستغفر الله إلّا غفر له، ثمّ قرأ   (1) مسلم (1007) . (2) عراجين: أراد بها الأعواد التي في سقف البيت شبهها بالعراجين والعراجين مفردة عرجون وهو العذق الذي يعوج ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسا. (3) مسلم (2236) . (4) البخاري- الفتح 1 (164) واللفظ له، مسلم (232) مختصرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 هذه الآية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ (آل عمران/ 135) إلى آخر الآية» ) * «1» . 15- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، ونحن قعود معه، إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا. فأقمه عليّ. فسكت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ أعاد فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ. فسكت عنه. وأقيمت الصّلاة. فلمّا انصرف نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال أبو أمامة: فاتّبع الرّجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين انصرف. واتّبعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنظر ما يردّ على الرّجل. فلحق الرّجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا، فأقمه عليّ. قال أبو أمامة: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضّأت فأحسنت الوضوء؟» . قال: بلى. يا رسول الله، قال: «ثمّ شهدت الصّلاة معنا؟» . فقال: نعم يا رسول الله. قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد غفر لك حدّك- أو قال- ذنبك» ) * «2» . 16- * (عن مسروق- رحمه الله- قال: جاء إلى عبد الله رجل فقال: تركت في المسجد رجلا يفسّر القرآن برأيه. يفسّر هذه الآية: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (الدخان/ 10) قال: يأتي النّاس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم. حتّى يأخذهم منه كهيئة الزّكام. فقال عبد الله: من علم علما فليقل به. ومن لّم يعلم فليقل: الله أعلم. فإنّ من فقه الرّجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم. إنّما كان هذا، أنّ قريشا لمّا استعصت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد، حتّى جعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد. وحتّى أكلوا العظام. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله! استغفر الله لمضر، فإنّهم قد هلكوا. فقال: «لمضر؟ إنّك لجريء» . قال فدعا الله لهم فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (الدخان 51) . قال: فمطروا. فلمّا أصابتهم الرّفاهية قال: عادوا إلى ما كانوا عليه. قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (الدخان/ 10- 11) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (الدخان/ 16) قال: يعني يوم بدر» ) * «3» . 17- * (عن بريدة قال: جاء ماعز بن مالك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، طهّرني. فقال: «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» . قال: فرجع غير بعيد ثمّ جاء. فقال: يا رسول الله؛ طهّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك، ارجع   (1) الترمذي (3006) ، أبو داود (1521) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 283) : صحيح، ابن ماجة (1395) ، جامع الأصول (4/ 230) وقال محققه: إسناده حسن، وقد حسنه غير واحد. (2) مسلم (2765) . (3) البخاري- الفتح 8 (4821) ، مسلم (2798) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 فاستغفر الله وتب إليه» . قال: فرجع غير بعيد. ثمّ جاء. فقال: يا رسول الله، طهّرني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك. حتّى إذا كانت الرّابعة، قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيم أطهّرك؟» . فقال: من الزّنى. فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبه جنون؟» . فأخبر أنّه ليس بمجنون. فقال: «أشرب خمرا؟» . فقام رجل فاستنكهه «1» فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أزنيت؟» . فقال: نعم. فأمر به فرجم. فكان النّاس فيه فرقتين. قائل يقول: لقد هلك. لقد أحاطت به خطيئته. وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز: أنّه جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده في يديه. ثمّ قال: اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة. ثمّ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم جلوس فسلّم ثمّ جلس. فقال: «استغفروا لماعز بن مالك» . قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد تاب توبة لو قسّمت بين أمّة لوسعتهم» . قال ثمّ جاءته امرأة من غامد «2» من الأزد، فقالت: يا رسول الله! طهّرني. فقال: «ويحك! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه» . فقالت: أراك تريد أن تردّدني كما ردّدت ماعز بن مالك. قال: «وما ذاك؟» . قالت: إنّها حبلى من الزّنى. فقال: «آنت؟» . قالت: نعم. فقال لها: «حتّى تضعي ما في بطنك» . قال: فكفلها رجل من الأنصار حتّى وضعت. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قد وضعت الغامديّة. فقال: «إذا لا نرجمها، وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه» . فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبيّ الله، قال: «فرجمها» ) * «3» . 18- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: خسفت الشّمس في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام فزعا يخشى أن تكون السّاعة. حتّى أتى المسجد. فقام يصلّي بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قطّ. ثمّ قال: «إنّ هذه الآيات الّتي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكنّ الله يرسلها يخوّف بها عباده. فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ، وفي رواية ابن العلاء: كسفت الشّمس. وقال: «يخوّف عباده» ) * «4» . 19- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سلمة، وقد شقّ بصره «5» . فأغمضه؛ ثمّ قال: «إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر» .. فضجّ ناس من أهله. فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلّا بخير. فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» . ثمّ قال: «اللهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع   (1) فاستنكهه: أي شم رائحة فمه. (2) غامد: بطن من جهينة. (3) البخاري- الفتح 12 (6820) مختصرا، مسلم (1695) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 2 (1059) ومسلم (912) واللفظ له. (5) شقّ بصره: يضبط بالفتح والضم هو المشهور وهو الذي حضره الموت، وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 درجته في المهديّين واخلفه في عقبه «1» الغابرين. واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره. ونوّر له فيه» ) * «2» . 20- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول: اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي، اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت» . قال: «ومن قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) * «3» . 21- * (عن عليّ بن ربيعة قال: شهدت عليّا أتي بدابّة ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب، قال: بسم الله ثلاثا، فلمّا استوى على ظهرها، قال: الحمد لله، ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (الزخرف/ 13- 14) ثمّ قال: الحمد لله ثلاثا، والله أكبر ثلاثا، سبحانك إنّي قد ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، ثمّ ضحك. قلت: من أيّ شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟. قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صنع كما صنعت ثمّ ضحك، فقلت: من أيّ شيء ضحكت يا رسول الله؟. قال: «إنّ ربّك ليعجب من عبده إذا قال ربّ اغفر لي ذنوبي، إنّه لا يغفر الذّنوب غيرك» ) * «4» . 22- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة. فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه. وأكرم نزله. ووسّع مدخله. واغسله بالماء والثّلج والبرد. ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس. وأبد له دارا خيرا من داره. وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه. وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) . قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت» ) * «5» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرّجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، بضعا وعشرين درجة. وذلك أنّ أحدكم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ أتى المسجد. لا ينهزه «6» إلّا الصّلاة لا يريد إلّا الصّلاة، فلم يخط خطوة إلّا رفع له بها درجة. وحطّ عنه بها خطيئة. حتّى يدخل المسجد. فإذا دخل المسجد كان في الصّلاة ما كانت الصّلاة هي تحبسه. والملائكة يصلّون على أحدكم مادام في   (1) اخلفه في عقبه: أي كن له خليفة في ذريته والغابرين أي الباقين. (2) مسلم (920) . (3) البخاري- الفتح 11 (6306) . (4) أبو داود رقم (2602) والترمذي (3446) قال: وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال: حديث حسن صحيح. قال محقق جامع الأصول (4/ 288) : وهو كما قال. ورواه أيضا ابن حبّان رقم (2689) «الإحسان» . (5) مسلم (963) . (6) لا ينهزه: لا ينهضه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 مجلسه الّذي صلّى فيه. يقولون: اللهمّ ارحمه. اللهمّ اغفر له. اللهمّ تب عليه. ما لم يؤذ فيه. ما لم يحدث فيه» ) * «1» . 24- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله: يا ابن آدم، إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان «2» السّماء، ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض «3» خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ) * «4» . 25- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة فنزل أعلى المدينة في حيّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيهم أربع عشرة ليلة، ثمّ أرسل إلى بني النّجّار فجاءوا متقلّدي السّيوف، كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على راحلته وأبو بكر ردفه «5» وملأبني النّجّار حوله، حتّى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يحبّ أن يصلّي حيث أدركته الصّلاة ويصلّي في مرابض الغنم، وأنّه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ من بني النّجّار فقال: «يا بني النّجّار، ثامنوني بحائطكم «6» هذا» . قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله. فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم: قبور المشركين، وفيه خرب، وفيه نخل. فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، ثمّ بالخرب فسوّيت، وبالنّخل فقطع. فصفّوا النّخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه «7» الحجارة، وجعلوا ينقلون الصّخر وهم يرتجزون، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معهم وهو يقول: اللهمّ لا خير إلّا خير الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره» ) * «8» . 26- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل «9» ، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست   (1) البخاري- الفتح 1 (445) ، مسلم (649) ، وأحمد (2/ 252) واللفظ له. (2) عنان: بفتح العين السحاب، وبكسرها لجام الدابة. (3) بقراب الأرض- بضم القاف- أي بما يقارب ملأها وهو مصدر قارب يقارب. (4) الترمذي (3540) . قال محقق جامع الأصول (8/ 40) : حسنه الترمذي وهو كما قال، وذكره الحافظ في الفتح وقال: رواه ابن حبان وصححه. (5) ردفه: أي راكب وراءه. (6) ثامنوني بحائطكم: أي اذكروا لي ثمن بستانكم. (7) عضادتيه: عضادتا الباب خشبتان منصوبتان مثبتتان في الحائط على جانبيه. (8) البخاري- الفتح 1 (428) واللفظ له، مسلم (1805) . (9) قفل: أي رجع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «1» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي «2» . فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «3» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «4» من الطّعام. فلم يستنكر القوم خفّة الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت به. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس» من وراء الجيش فادّلج «6» . فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان «7» نائم. فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه «8» حين عرفني. فخمّرت وجهي «9» بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته. فوطىء على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش. بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة «10» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره «11» عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك «12» . ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» . فذاك يريبني. ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعد ما نقهت «13» وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «14» . وهو متبرّزنا. ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه. وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم ابن المطّلب بن عبد مناف. وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين   (1) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن. (2) هودجي: الهودج مركب من مراكب النساء. (3) لم يهبّلن: يقال هبّله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه. (4) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة. (5) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة. (6) فادّلج: الادلاج هو السير آخر الليل. (7) سواد إنسان: أي شخصه. (8) باسترجاعه: أي بقوله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. (9) فخمرت وجهي: أي غطيته. (10) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر. (11) تولى كبره: أي معظمه. (12) يفيضون في قول أهل الإفك: أي يخوضون. (13) نقهت: أي أفقت من المرض. (14) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «1» . فقالت: تعس «2» مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبيّن رجلا قد شهد بدرا. قالت: أي هنتاه «3» أو لم تسمعي ما قال؟. قلت: وماذا قال؟. قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم، ثمّ قال: «كيف تيكم؟» . قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟. قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ، فقلت لأمّي: يا أمّتاه، ما يتحدّث النّاس؟. فقالت: يا بنيّة، هوّني عليك. فوالله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «4» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله وقد تحدّث النّاس بهذا؟. قالت: فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «5» لي دمع ولا أكتحل بنوم «6» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «7» . يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالذّي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله، هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة، فقال: «أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» . قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «8» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «9» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «10» من عبد الله بن أبيّ بن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن   (1) في مرطها المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره. (2) تعس: أي هلك، وقيل: سقط بوجهه. (3) هنتاه: معناه يا هذه وقيل: يا امرأة، وقيل: يا بلهاء، كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم. (4) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن. (5) لا يرقأ: أي لا ينقطع. (6) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام. (7) استلبث الوحي: أي أبطأ ولبث ولم ينزل. (8) أغمصه: أي أعيبها به. (9) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين. (10) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 اجتهلته الحميّة «1» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه؛ فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «2» ، حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» . قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي «3» حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت- وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن-: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) . قالت: ثمّ تحوّلت فاضطّجعت على فراشي. قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّأني الله بها. قالت: فو الله ما رام «4» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «5» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر   (1) اجتهلته الحمية: استخفته وأغضبته وحملته على الجهل. (2) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية. (3) قلص الدمع: أي ارتفع وذهب. (4) ما رام: أي ما فارق. (5) البرحاء: هي الشدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 منه مثل الجمان «1» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة! أمّا الله فقد برّأك» . فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله عزّ وجلّ: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لا أحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري: «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» . فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي التّي كانت تساميني «2» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «3» فهلكت فيمن هلك) * «4» . 27- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمرهم، أمرهم من الأعمال بما يطيقون. قالوا: إنّا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إنّ الله قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فيغضب حتّى يعرف الغضب في وجهه ثمّ يقول: «إنّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا» ) * «5» . 28- * (عن أسير بن جابر، قال: كان عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتّى أتى على أويس. فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم قال: من مراد ثمّ من قرن؟. قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟. قال: نعم. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن «6» من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على   (1) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن. (2) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم. (3) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك. (4) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (2770) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 1 (20) . (6) أمداد أهل اليمن: هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو. واحدهم مدد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 الله لا أبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» . فاستغفر لي. فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟. قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟. قال: أكون في غبراء النّاس «1» أحبّ إليّ. قال: فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم. فوافق عمر فسأله عن أويس. قال: تركته رثّ البيت» قليل المتاع. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثمّ من قرن. كان به برص فبرأ منه. إلّا موضع درهم. له والدة هو بها برّ. لو أقسم على الله لأبرّه. فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» . فأتى أويسا فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح. فاستغفر لي. قال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح. فاستغفر لي. قال: لقيت عمر؟ قال: نعم. فاستغفر له. ففطن له النّاس. فانطلق على وجهه. قال أسير: وكسوته بردة. فكان كلّما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة؟) * «3» . 29- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد «4» في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنّه من حيث علمتم. فدعا ذات يوم فأدخله معهم فما رأيت أنّه دعاني يومئذ إلّا ليريهم. قال: ما تقولون في قول الله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عبّاس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟. قلت: هو أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه له، قال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وذلك علامة أجلك. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً. فقال عمر: ما أعلم منها إلّا ما تقول) * «5» . 30- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «اللهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «6» . 31- * (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه، إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت   (1) غبراء الناس: أي ضعافهم وصعاليكهم وأخلاطهم الذين لا يؤبه لهم. (2) رث البيت: هو بمعنى قليل المتاع. والرثاثة والبذاذة بمعنى واحد وهو حقارة المتاع وضيق العيش. (3) مسلم (2542) . (4) وجد: أي غضب. (5) البخاري- الفتح 8 (4970) . (6) البخاري- الفتح 6 (3477) واللفظ له، مسلم 3 (1792) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة. حين تواثقنا على الإسلام. وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري، حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، أنّي لم أكن قطّ أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد. واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «1» . واستقبل عدوّا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الّذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير. ولا يجمعه كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب، يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله عزّ وجلّ-. وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «2» فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه. وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم. فأرجع ولم أقض شيئا. وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك، إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ. فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط «3» الغزو. فهممت أن أرتحل فأدركهم. فياليتني فعلت، ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس، بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا «4» عليه في النّفاق. أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا «5» فقال، وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» . قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيّضا يزول به السّراب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كن أبا خيثمة» . فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريّ. وهو الّذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه المنافقون «7» . فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجّه قافلا «8» من تبوك، حضرني بثّي «9» ، فطفقت أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟، وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما، زاح عنّي الباطل، حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقة. وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادما. وكان إذا قدم من   (1) ومفازا: أي برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك. (2) أصعر: أميل. (3) تفارط الغزو: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا. (4) مغموصا عليه في النفاق: أي متهما به. (5) تبوكا: هو في أكثر النسخ بالنصب وكذا هو في نسخ البخاري وكأنه صرفها (نوّنها) لإرادة الموقع دون البقعة. (6) النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه. (7) لمزه المنافقون: أي عابوه واحتقروه. (8) توجه قافلا: أي راجعا. (9) البث: أشد الحزن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين. ثمّ جلس للنّاس، فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون، فطفقوا يتعذّرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتّى جئت، فلمّا سلّمت، تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» . فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك «1» ؟» . قال قلت: يا رسول الله! إنّي، والله لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا «2» . ولكنّي، والله لقد علمت، لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «3» ، إنّي لأرجو فيه عقبى الله. والله ما كان لي عذر. والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا، فقد صدق. فقم حتّى يقضي الله فيك» . فقمت. وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا، لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما اعتذر به إليه المخلّفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لك. قال: فوالله ما زالوا يؤنّبونني حتّى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأكذّب نفسي. قال: ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟. قالوا: نعم. لقيه معك رجلان. قالا مثل ما قلت. فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال قلت: من هما؟. قالوا: مرارة بن ربيعة العامريّ، وهلال بن أميّة الواقفيّ. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثّلاثة، من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس. وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصّلاة. فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام أم لا؟. ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي. حتّى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة «4» ، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ. فسلّمت عليه. فوالله ما ردّ عليّ السّلام. فقلت له: يا أبا قتادة! أنشدك بالله «5» هل تعلمنّ أنّي   (1) ابتعت ظهرك: أي اشتريت مركبا تركبه. (2) جدلا: أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة. (3) تجد عليّ فيه: أي تغضب. (4) تسوّرت جدار حائط أبي قتادة: أي علوته وصعدت سوره. (5) أنشدك بالله: أي أسألك بالله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 أحبّ الله ورسوله؟. قال: فسكت. فعدت فناشدته، فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتولّيت حتّى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ من نبط أهل الشّام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدلّ على كعب بن مالك. قال: فطفق النّاس يشيرون له إليّ. حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان. وكنت كاتبا. فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك «1» . قال: فقلت، حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء. فتياممت بها التّنّور فسجرتها بها «2» . حتّى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي «3» ، إذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تعزل امرأتك. قال: فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟. قال: لا. بل اعتزلها. فلا تقربنّها. قال فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتّى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت له: يا رسول الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟. قال: «لا. ولكن لا يقربنّك» . فقالت: إنّه والله ما به حركة إلى شيء. وو الله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتك؟. فقد أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه. قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابّ. قال: فلبثت بذلك عشر ليال. فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله عزّ وجلّ منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «4» يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج. قال فآذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى الجبل فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول   (1) نواسك: أي نواسيك ونشاركك فيما عندنا. (2) سجرتها بها: أي أحميتها بها يقال: سجر التنور: أحماه والتنور: موقد النار. (3) استلبث الوحي: أي أبطأ. (4) أوفى على سلع: أي سعده وارتفع عليه. وسلع: جبل بالمدينة معروف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 حتّى صافحني وهنّأني. والله ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت: أمن عندك. يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال: «لا. بل من عند الله» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك. قال: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك. فهو خير لك» . قال: فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال: وقلت: يا رسول الله! إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق. وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال: فو الله ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا أحسن ممّا أبلاني الله به. والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (9/ التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (9/ التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ، بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (9/ التوبة/ 95- 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا، أيّها الثّلاثة، عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم. وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال الله عزّ وجلّ: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا، تخلّفنا عن الغزو. وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «1» 32- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم   (1) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم (2769) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 اللّتين قال الله لهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما. فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة «1» ، فتبرّز، ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما. فقال: واعجبا لك يا ابن عبّاس، عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله. وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة، فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم. فقلت: خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ «2» منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثمّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم، قلت: ما هو؟ أجاءت غسّان؟. قال: لا. بل أعظم منه وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه قال: قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ أنّ هذا يوشك أن يكون. فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، قلت: ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟. أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا. ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة الّتي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر- فذكر مثله- فلمّا ولّيت منصرفا فإذا الغلام يدعوني. قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه   (1) الإداوة إناء صغير يحمل فيه الماء. (2) أوضأ: أفعل من الوضاءة وهو بياض الوجه وجماله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكىء على وسادة من أدم حشوها ليف. فسلّمت عليه، ثمّ قلت وأنا قائم طلّقت نساءك؟. فرفع بصره إليّ فقال: «لا» . ثمّ قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة. فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فوالله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة «1» ثلاث، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال: «أو في شكّ أنت يا بن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» . فقلت: يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته «2» عليهنّ حين عاتبه الله. فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الشّهر تسع وعشرون» ، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين. قالت عائشة: فأنزل آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة. فقال: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» . قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك- ثمّ قال: «إنّ الله قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ- إلى قوله- عَظِيماً (الأحزاب/ 28. 29) . قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة) * «3» . 33- * (عن سعيد بن المسيّب، عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله ابن أبي أميّة بن المغيرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمّ قل: لا إله إلّا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله» . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب! أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتّى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو على ملّة عبد المطّلب. وأبى أن يقول: لا إله إلّا الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» . فأنزل الله- عزّ وجلّ-: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (التوبة/ 113) .   (1) أهبة: بحركات جمع إهاب على غير قياس، وهو الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ. (2) موجدته: أي حزنه. (3) البخاري- الفتح 5 (2468) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (28/ القصص/ 56)) * «1» . 34- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: لمّا فرغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه. قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشميّ «2» بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه فقلت: يا عمّ! من رماك؟. فأشار أبو عامر إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الّذي رماني، فقصدت له، فلحقته، فلمّا رآني ولّى، فاتّبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألا تثبت؟ فكفّ. فاختلفنا ضربتين بالسّيف فقتلته، ثمّ قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك. قال: فانزع هذا السّهم فنزعته فنزا منه الماء «3» . قال: يا ابن أخي، أقريء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّلام وقل له: استغفر لي. واستخلفني أبو عامر على النّاس. فمكث يسيرا ثمّ مات. فرجعت فدخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيته على سرير مرمّل» ، وعليه فراش قد أثّر رمال السّرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال: قل له استغفر لي، فدعا بماء فتوضّأ، ثمّ رفع يديه، فقال: «اللهمّ اغفر لعبيد أبي عامر، ورأيت بياض إبطيه» . ثمّ قال: «اللهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من النّاس» . فقلت: ولي فاستغفر. فقال: «اللهمّ اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» . قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى) * «5» . 35- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لو أنّكم لم تكن لكم ذنوب، يغفرها الله لكم، لجاء الله بقوم لهم ذنوب، يغفرها لهم» ) * «6» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك. إلّا غفر له ما كان في مجلسه ذلك» ) * «7» . 37- * (عن زيد- رضي الله عنه- مولى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قال أستغفر الله الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه (ثلاثا) غفر له وإن كان فرّ من الزّحف» ) * «8» . 38- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) البخاري- الفتح 3 (1360) ، ومسلم (24) واللفظ له. (2) جشمي: رجل من بني جشم. (3) نزا منه الماء: أي انصب من موضع السهم. (4) سرير مرمّل:- بميم مشددة مفتوحة- أي معمول بالرمال وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسرّة. (5) البخاري- الفتح 8 (4323) واللفظ له، مسلم (2498) وسبق تخريجه. (6) مسلم (2748) . (7) الترمذي (3433) وقال: حديث حسن غريب واللفظ له، وابن حبان (2366) في صحيحه. وقال محقق جامع الأصول (4/ 277) : إسناده حسن. (8) أبو داود (1517) واللفظ له، والحاكم (1/ 511) من حديث ابن مسعود وقال: صحيح على شرط الشيخين. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 283) : صحيح، الترمذي (3572) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ ضيق مخرجا، ومن كلّ همّ فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» ) * «1» . 39- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: وارأساه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك» . فقالت عائشة: واثكلياه، والله إنّي لأظنّك تحبّ موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرّسا «2» ببعض أزواجك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أنا وارأساه، لقد هممت- أو أردت- أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد «3» أن يقول «4» القائلون، أو يتمنّى المتمنّون» ثمّ قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون. أو يدفع الله ويأبى المؤمنون) * «5» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم» ) * «6» . 41- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ الطّفيل ابن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! هل لك في حصن حصين ومنعة؟ (قال حصن كان لدوس في الجاهليّة) فأبى ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. للّذي ذخر الله للأنصار. فلمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة. هاجر إليه الطّفيل بن عمرو. وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة «7» . فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص «8» له، فقطع بها براجمه «9» ، فشخبت «10» يداه حتّى مات. فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطّيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطّفيل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اللهمّ! وليديه فاغفر» ) * «11» . 42- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: «يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا   (1) أبو داود (1518) واللفظ له، أحمد في المسند (2234) تحقيق أحمد شاكر وصحح إسناده، وابن ماجة (3819) . (2) معرسا: عرّس بزوجه: أي بنى بها ثم استعمل في كل جماع. (3) فأعهد: أي أوصي. (4) أن يقول: أي لئلا يقول. (5) البخاري- الفتح 10 (5666) . (6) مسلم (2749) . (7) اجتووا المدينة: أي كرهوا المقام فيها أو أصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول. (8) مشاقص: سهام طوال. (9) براجمه: مفاصل أصابعه. (10) شخبت: أي سال دمها. (11) مسلم (116) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. مازاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كلّ إنسان مسألته. ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «1» . 43- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما. عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يا معشر النّساء تصدّقن وأكثرن الاستغفار. فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النّار» . قالت امرأة منهنّ، جزلة «2» ، وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النّار. قال «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير. وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبّ «3» منكنّ» قالت: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدّين؟ قال: «أمّا نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل. فهذا نقصان العقل. وتمكث اللّيالي ما تصلّي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدّين» ) * «4» . 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل ربّنا كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له» ) * «5» .   (1) حديث قدسي رواه مسلم (2577) . (2) جزلة: ذات عقل ورأي. (3) اللب: العقل، والمراد هنا كمال العقل. (4) مسلم (79) واللفظ له، ووردت ألفاظ متقاربة عند البخاري. (5) البخاري- الفتح 13 (7494) ، مسلم (758) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاستغفار) 45- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استغفر للأنصار. قال: وأحسبه قال «ولذراريّ الأنصار، ولموالي الأنصار» لا أشكّ فيه) * «1» . 46- * (عن الفضل بن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام في الكعبة فسبّح وكبّر ودعا الله عزّ وجلّ واستغفر ولم يركع، ولم يسجد) * «2» . 47- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إن كنّا لنعدّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المجلس الواحد مائة مرّة «ربّ اغفر لي وتب عليّ، إنّك أنت التوّاب الرّحيم» ) * «3» . 48- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال «وجّهت وجهي «4» للّذي فطر السّموات والأرض حنيفا «5» وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» ، وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ، ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم، وأنت   (1) مسلم (2507) . (2) أحمد (1/ 210) وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند 3 (227) : إسناده صحيح وهو في مجمع الزوائد (3/ 293) ... ورجاله رجال الصحيح. (3) أبو داود (1516) ، والحاكم (1/ 511) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (4) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي للذي فطر السماوات والأرض أي ابتدأ خلقها. (5) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام وأصل الحنف الميل. ويكون في الخير والشر. وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة، وقيل: المراد بالحنيف، هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 المؤخّر، لا إله إلّا أنت» ) * «1» . 49- * (عن الأغرّ المزنيّ، وكانت له صحبة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّه ليغان «2» على قلبي، وإنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة» ) * «3» . 50- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثا وقال: «اللهمّ أنت السّلام، ومنك السّلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» وقال الوليد- أحد رواة الحديث- فقلت: للأوزاعيّ: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: «أستغفر الله، أستغفر الله) * «4» . 51- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي يتأوّل القرآن) * «5» . 52- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر من قول «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» . قالت فقلت: يا رسول الله! أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه؟. فقال: «خبّرني ربّي أنّي سأرى علامة في أمّتي. فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها. إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. فتح مكّة. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) * «6» . 53- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل يتهجّد قال: «اللهمّ لك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد، لك ملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحقّ، ووعدك حقّ، ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّ، والسّاعة حقّ. اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت- أو- لا إله غيرك» . قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أميّة «ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» قال سفيان: قال سليمان بن أبي مسلم: سمعه من طاوس عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) *» . 54- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمعته استغفر مائة مرّة ثمّ يقول: «اللهمّ اغفر لي وارحمني، وتب   (1) مسلم (771) . (2) والغين والغيم ما يتغشى القلب. (3) مسلم (2702) . (4) مسلم (591) ، وفي حديث عائشة (592) «يا ذا الجلال» . (5) البخاري- الفتح 8 (4968) ، ومسلم (484) متفق عليه. ومعنى قول عائشة: يتأول القرآن أي يفعل ما أمر به في قوله عز وجل- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً. (6) البخاري- الفتح 8 (4967) مختصرا، ومسلم (484) . (7) البخاري- الفتح 3 (1120) واللفظ له، ومسلم (769) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم أو إنّك توّاب غفور» ) * «1» . 55- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس إلّا قال: «سبحانك اللهمّ ربّي وبحمدك لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك» فقلت له: يا رسول الله ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت. قال: «لا يقولهنّ من أحد حين يقوم من مجلسه إلّا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس» ) * «2» . 56- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة» ) * «3» . 57- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرّقوا أو غرّبوا» قال أبو أيّوب: فقدمنا الشّام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة، فننحرف ونستغفر الله تعالى) * «4» . من الآثار الواردة في (الاستغفار) 1- * (قال عبد الرّحمن بن كعب بن مالك: كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان، استغفر لأبي أمامة، أسعد ابن زرارة، ودعا له. فمكثت حينا أسمع ذلك منه. ثمّ قلت في نفسي: والله، إنّ ذا لعجز. إنّي أسمعه كلّما سمع أذان الجمعة يستغفر لأبي أمامة، ويصلّي عليه، ولا أسأله عن ذلك لم هو؟ فخرجت به كما كنت أخرج به إلى الجمعة. فلمّا سمع الأذان استغفر كما كان يفعل. فقلت له: يا أبتاه أرأيتك صلاتك على أسعد بن زرارة كلّما سمعت النّداء بالجمعة لم هو؟ قال: أي بنيّ، كان أوّل من صلّى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكّة، في نقيع الخضمات، في هزم من حرّة بني بياضة. قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلا) * «5» . 2- * (قال أبو موسى- رضي الله عنه- «كان لنا أمانان، ذهب أحدهما- وهو كون الرّسول فينا وبقي الاستغفار معنا، فإن ذهب هلكنا» ) * «6» . 3- * (قال الرّبيع بن خثيم (تابعيّ من الثّانية) «: تضرّعوا إلى ربّكم وادعوه في الرّخاء فإنّ الله قال: من دعاني في الرّخاء أجبته في الشّدّة، ومن   (1) أحمد (2/ 67) وقال محقق المسند الشيخ أحمد شاكر (7/ 190) : إسناده صحيح. (2) الحاكم (1/ 496، 497) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (3) البخاري- الفتح 11 (6307) . (4) البخاري- الفتح 1 (394) واللفظ له، مسلم (264) . (5) ابن ماجة (1082) . (6) التوبة إلى الله، للغزالي (124) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 سألني أعطيته، ومن تواضع لي رفعته، ومن تضرّع لي رحمته، ومن استغفرني غفرت له» ) * «1» . 4- * (قال الفضيل- رحمه الله تعالى-: «استغفار بلا إقلاع توبة الكذّابين؛ ويقاربه ما جاء عن رابعة العدويّة: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير» ) * «2» . 5- * (سئل سهل عن الاستغفار الّذي يكفّر الذّنوب فقال: «أوّل الاستغفار الاستجابة، ثمّ الإنابة، ثمّ التّوبة. فالاستجابة أعمال الجوارح، والإنابة أعمال القلوب. والتوبة إقباله على مولاه، بأن يترك الخلق ثمّ يستغفر الله من تقصيره الّذي هو فيه» ) * «3» . 6- * (قال ابن الجوزيّ إنّ إبليس قال: «أهلكت بني آدم بالذّنوب وأهلكوني بالاستغفار وب (لا إله إلّا الله) ، فلمّا رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون ولا يتوبون، لأنّهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا» ) * «4» . 7- * (وعن بعض الأعراب أنّه تعلّق بأستار الكعبة وهو يقول: «اللهمّ إنّ استغفاري مع إصراري لؤم، وإنّ تركي الاستغفار مع علمي بسعة عفوك لعجز، فكم تتحبّب إليّ بالنّعم مع غناك عنّي، وأتبغّض إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا من إذا وعد وفّى، وإذا توعّد تجاوز وعفا، أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الرّاحمين» ) * «5» . من فوائد (الاستغفار) (1) الاستغفار يجلب الغيث المدرار للمستغفرين ويجعل لهم جنّات ويجعل لهم أنهارا. (2) الاستغفار يكون سببا في إنعام الله- عزّ وجلّ- على المستغفرين بالرّزق من الأموال والبنين. (3) تسهيل الطّاعات، وكثرة الدّعاء، وتيسير الرّزق. (4) زوال الوحشة الّتي بين الإنسان وبين الله. (5) المستغفر تصغر الدّنيا في قلبه. (6) ابتعاد شياطين الإنس والجنّ عنه. (7) يجد حلاوة الإيمان والطّاعة. (8) حصول محبّة الله له. (9) الزّيادة في العقل والإيمان. (10) تيسير الرّزق وذهاب الهمّ والغمّ والحزن. (11) إقبال الله على المستغفر وفرحه بتوبته. (12) وإذا مات تلقّته الملائكة بالبشرى من ربّه. (13) إذا كان يوم القيامة كان النّاس في الحرّ والعرق، وهو في ظلّ العرش. (14) إذا انصرف النّاس من الموقف كان المستغفر من أهل اليمين مع أولياء الله المتّقين. (15) تحقيق طهارة الفرد والمجتمع من الأفعال السّيّئة (16) دعاء حملة عرش ربّنا الكريم له.   (1) منهاج الصالحين (951) . (2) الأذكار (481) . (3) التوبة إلى الله للغزالي (125) . (4) مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/ 142) . (5) الأذكار (482) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 الاستقامة الاستقامة لغة: مصدر استقام على وزن استفعل، وهو مأخوذ من مادّة (ق وم) الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما جماعة من النّاس والآخر انتصاب أو عزم، وإلى هذا المعنى ترجع الاستقامة في معنى: الاعتدال، يقال قام الشّيء واستقام: اعتدل واستوى. يقال استقام له الأمر. أي اعتدل. وأمّا قوله تعالى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ (فصلت/ 6) : أي في التّوجّه إليه دون الآلهة، ومعنى الاستقامة في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا (فصلت/ 30) : عملوا بطاعته ولزموا سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. وقول القائل: استقام فلان بفلان: أي مدحه وأثنى عليه. وقال أبو إسحاق: استقام الشّعر: اتّزن. وقوّم السّلعة واستقامها: قدّرها. وقوام الأمر (بالكسر) : نظامه وعماده، وكذلك ملاكه الّذي يقوم به، أمّا القوام (بالفتح) فمعناه العدل، قال تعالى: وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (الفرقان/ 67) . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 49/ 19/ 14 والقائم: الثّابت، وكلّ من قام على شيء فهو ثابت عليه مستمسك به. وفي قوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ (آل عمران/ 113) المراد: المواظبة على الدّين القائمة به. ويقال: فلان قائم بكذا إذا كان حافظا له متمسّكا به. قال ابن برّي: «القائم على الشّراء: الثّابت عليه. والقيّم المعتدل، والملّة القيّمة المعتدلة وكذلك الأمّة القيّمة» . «1» معنى القيّوم في أسماء الله تعالى: وأمّا القيّوم في أسماء الله تعالى فمعناه: الّذي يقوم بذاته، ولا قوام له بغيره، ولا يشترط في دوام وجوده وجود غيره، ويقوم به كلّ موجود حتّى لا يتصوّر للأشياء وجود، ولا دوام وجود إلّا به «2» . وقال الخطّابيّ- رحمه الله-: القيّوم: القائم الدّائم بلا زوال، ويقال: هو القيّم على كلّ شيء بالرّعاية له، ويقال: قمت بالشّيء: إذا وليته بالرّعاية والمصلحة «3» .   (1) لسان العرب (6 (3781- 3787) ، الصحاح (5/ 2016- 2018) . (2) المقصد الأسنى للغزالي (132) بتصرف. (3) شأن الدعاء، للخطابي (80، 81) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 واصطلاحا: الاستقامة: «هي سلوك الصّراط المستقيم، وهو الدّين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطّاعات كلّها الظّاهرة والباطنة وترك المنهيّات كلّها كذلك» «1» . وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: «الاستقامة كناية عن التّمسّك بأمر الله تعالى فعلا وتركا» «2» . ويقول الجرجانيّ: الاستقامة: هي كون الخطّ بحيث تنطبق أجزاؤه المفروضة بعضها على بعض على جميع الأوضاع، وفي اصطلاح أهل العلم: هي الوفاء بالعهود كلّها، وملازمة الطّريق المستقيم برعاية حدّ التّوسّط في كلّ الأمور من الطّعام والشّرب واللّباس، وفي كلّ أمر دينيّ ودنيويّ، فذلك هو الطّريق المستقيم. وعرّف بعضهم الاستقامة بقوله: «أن يجمع بين أداء الطّاعة، واجتناب المعاصي؛ وقيل: الاستقامة ضدّ الاعوجاج، وهي مرور العبد في طريق العبوديّة بإرشاد الشّرع والعقل «3» . وأورد الماورديّ خمسة أوجه في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَقامُوا: من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا (فصلت/ 30) . أحدها: ثمّ استقاموا على أنّ الله ربّهم وحده وهو قول أبي بكر- رضي الله عنه- ومجاهد. الثّاني: استقاموا على طاعته وأداء فرائضه، قاله ابن عبّاس والحسن وقتادة. الثّالث: على إخلاص الدّين والعمل إلى الموت، قاله أبو العالية والسّدّيّ. الرّابع: ثمّ استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم. الخامس: ثمّ استقاموا سرّا كما استقاموا جهرا. قال: «ويحتمل سادسا: أنّ الاستقامة أن يجمع بين فعل الطّاعات واجتناب المعاصي؛ لأنّ التّكليف يشتمل على أمر بطاعة يبعث على الرّغبة، ونهي عن معصية يدعو إلى الرّهبة» «4» . الاستقامة طريق النجاة: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «الاستقامة هي لزوم المنهج القويم. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ (فصلت/ 30) . وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ (الأحقاف/ 13) ، إلى قوله: يَعْمَلُونَ، وقال تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ (هود/ 112) إلى قوله: بَصِيرٌ، فبيّن أنّ الاستقامة بعدم الطّغيان، وهو مجاوزة الحدود. وقال: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ (فصلت/ 6) . والمقصود من العبد الاستقامة وهي السّداد. فإن لم يقدر عليها فالمقاربة. وعند مسلم من   (1) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (193) . (2) الفتح (13/ 257) . (3) التعريفات للجرجاني (19) بتصرف يسير. (4) النكت والعيون: تفسير الماوردي (5/ 179، 180) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 حديث أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سدّدوا وقاربوا، واعلموا أنّه لن ينجو أحد منكم بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل» فجمع في هذا الحديث مقامات الدّين كلّها. فأمر بالاستقامة وهي السّداد، والإصابة في النّيّات والأقوال. وأخبر في حديث ثوبان أنّهم لا يطيقونها فنقلهم إلى المقاربة، وهي أن يقربوا من الاستقامة بحسب طاقتهم، كالّذي يرمي إلى الغرض، وإن لم يصبه يقاربه. ومع هذا فقد أخبرهم أنّ الاستقامة والمقاربة لا تنجي يوم القيامة، فلا يركن أحد إلى عمله، ولا يرى أنّ نجاته به؛ بل إنّما نجاته برحمة الله وغفرانه وفضله. فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدّين، وهي القيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصّدق، والوفاء بالعهد. والاستقامة تتعلّق بالأقوال والأفعال والأحوال والنّيّات. فالاستقامة فيها، وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله. قال بعضهم: كن صاحب الاستقامة، لا طالب الكرامة؛ فإنّ نفسك متحرّكة في طلب الكرامة، وربّك يطالبك بالاستقامة. فالاستقامة للحال بمنزلة الرّوح من البدن، فكما أنّ البدن إن خلا عن الرّوح فهو ميّت فكذلك الحال إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد. وكما أنّ حياة الأحوال بها، فزيادة أعمال الزّاهدين أيضا ونورها وزكاؤها بها، فلا زكاء للعمل ولا صحّة بدونها «1» . وقال رحمه الله تعالى: «من هدي في هذه الدّار إلى صراط الله المستقيم الّذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، هدي هناك إلى الصّراط المستقيم الموصل إلى جنّته دار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصّراط الّذي نصبه الله لعباده في هذه الدّار، يكون ثبوت قدمه على الصّراط المنصوب على متن جهنّم، وعلى قدر سيره على هذا الصّراط يكون سيره على ذاك الصّراط، ولينظر العبد الشّبهات والشّهوات الّتي تعوقه عن سيره على هذا الصّراط المستقيم؛ فإنّها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصّراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فإن كثرت هنا، وقويت فكذلك هي هناك وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (فصلت/ 46) » «2» . إذا استقام القلب استقامت الجوارح: قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: «أصل الاستقامة استقامة القلب على التّوحيد، وقد فسّر أبو بكر- رضي الله عنه- الاستقامة في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*: بأنّهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلب على معرفة الله، وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبّته وإرادته ورجائه ودعائه والتّوكّل عليه والإعراض عمّا سواه، استقامت الجوارح كلّها على طاعته، فإنّ القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه. وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب   (1) مدارج السالكين (2/ 103- 109) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (4/ 311- 313) . (2) بتصرف من التفسير القيم (109) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 من الجوارح اللّسان، فإنّه ترجمان «1» القلب والمعبّر عنه» . «2» وأورد الطّاهر بن عاشور في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* ما يلي: الاستقامة حقيقتها: عدم الاعوجاج والميل، والسّين والتّاء فيها للمبالغة في التّقوّم، فحقيقة استقام: استقلّ غير مائل، ولا منحن. وتطلق الاستقامة أيضا على ما يجمع معنى حسن العمل والسّير على الحقّ والصّدق، قال تعالى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ (فصلت/ 6) وقال: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ (هود/ 112) فاستقاموا تشمل معنى الوفاء بما كلّفوا به، وأوّل ما يشمل من ذلك أن يثبتوا على التّوحيد، أي لا يغيّروا ولا يرجعوا عنه، وعن أبي بكر: ثُمَّ اسْتَقامُوا لم يشركوا بالله شيئا، وعن عمر: استقاموا على الطّريقة لطاعته ثمّ لم يروغوا روغان الثّعالب. وقال عثمان: ثمّ أخلصوا العمل لله، وعن عليّ: ثمّ أدّوا الفرائض. وكلّ هذه الأقوال ترجع إلى معنى الاستقامة في الإيمان وآثاره. والاستقامة زائدة في المرتبة على الإقرار بالتّوحيد؛ لأنّها تشمله وتشمل الثّبات عليه والعمل بما يستدعيه. وجمع قوله: قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا أصلي الكمال الإسلاميّ، فقوله: قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ يشير إلى الكمال النّفسانيّ وهو معرفة الحقّ للاهتداء به، ومعرفة الخير لأجل العمل به. والخلاصة أنّ الاستقامة- كما يقول صاحب البصائر- كلمة آخذة بمجامع الدّين، وهي القيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصّدق والوفاء بالعهد، وهي تتعلّق بالأقوال والأفعال والنّيّات، والاستقامة فيها وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله تبارك وتعالى «3» . وقوله: اسْتَقامُوا يشير إلى أساس الأعمال الصّالحة، وهو الاستقامة على الحقّ، أي أن يكون وسطا غير مائل إلى طرفي الإفراط والتّفريط ... فكمال الاعتقاد راجع إلى الاستقامة، فالاعتقاد الحقّ أن لا يتوغّل في جانب النّفي إلى حيث ينتهي إلى التّعطيل، ولا يتوغّل في جانب الإثبات إلى حيث ينتهي إلى التّشبيه والتّمثيل؛ بل يمشي على الخطّ الفاصل بين التّشبيه والتّعطيل، ويستمرّ كذلك فاصلا بين الجبريّ والقدريّ، وبين الرّجاء والقنوط، وفي الأعمال بين الغلوّ والتّفريط «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإيمان- الإخلاص- الإسلام- الأدب- التقوى- تعظيم الحرمات- حسن الخلق- الحجاب- حسن العشرة غض البصر- حسن المعاملة- الهدى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاعوجاج- اتباع الهوى- الضلال- الفسوق- الفجور- العصيان- الفساد- الغي والإغواء- الفحش- التبرج- إطلاق البصر- الإعراض] .   (1) ترجمان: بفتح التاء وضمها وهو المعبّر عن لسان بلسان آخر. (2) جامع العلوم والحكم (193- 194) بتصرف يسير. (3) بصائر ذوي التمييز (4/ 312) . (4) التحرير والتنوير (24/ 282- 284) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 الآيات الواردة في «الاستقامة» 1- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1» 2- * سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) «2» 3- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «3» 4- إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ* (51) «4» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) «5» 6- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) «6» 7- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «7»   (1) الفاتحة: 2- 7 مكية (2) البقرة: 142 مدنية (3) البقرة: 213 مدنية (4) آل عمران: 51 مدنية (5) آل عمران: 100- 101 مدنية (6) النساء: 65- 68 مدنية (7) النساء: 174- 175 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 8- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) » 9- وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) «2» 10- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) «3» 11- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) «4» 12- وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «5»   (1) المائدة: 15- 16 مدنية (2) الأنعام: 38- 39 مكية (3) الأنعام: 83- 90 مكية (4) الأنعام: 125- 126 مكية (5) الأنعام: 153 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 13- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «1» 14- قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) «2» 15- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «3» 16- وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26) «4» 17- وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) «5» 18- إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) «6» 19- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113)   (1) الأنعام: 160- 163 مكية (2) الأعراف: 16- 17 مكية (3) التوبة: 7 مدنية (4) يونس: 25- 26 مكية (5) يونس: 87- 89 مكية (6) هود: 56 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) «1» 20- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) «2» 21- * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) «3» 22- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) «4» 23- وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) «5» 24- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) «6»   (1) هود: 110- 115 مكية (2) الحجر: 39- 42 مكية (3) النحل: 75- 76 مكية (4) النحل: 120- 121 مكية (5) الإسراء: 35 مكية (6) مريم: 27- 36 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 25- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) «1» 26- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) «2» 27- وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74) «3» 28- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) «4» 29- إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) «5» 30- يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) «6» 31- * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) «7» 32- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) «8»   (1) الحج: 54 مدنية (2) الحج: 67 مدنية (3) المؤمنون: 71- 74 مكية (4) النور: 46 مدنية (5) الشعراء: 177- 182 مكية (6) يس: 1- 5 مكية (7) يس: 60- 61 مكية (8) الصافات: 114- 118 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 33- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) «1» 34- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) «2» 35- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «3» 36- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) «4» 37- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) «5» 38- وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) «6» 39- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (14) «7» 40- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) »   (1) فصّلت: 6- 8 مكية (2) فصّلت: 30- 32 مكية (3) الشورى: 15 مكية (4) الشورى: 52- 53 مكية (5) الزخرف: 43- 44 مكية (6) الزخرف: 61 مكية (7) الأحقاف: 13- 14 مكية (8) الأحقاف: 29- 30 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 41- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) «1» 42- وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) «2» 43- أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) «3» 44- وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) «4» 45- إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29) «5» الآيات الواردة في «الاستقامة» معنى 46- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) «6» 47- قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135) «7» 48- وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) «8» 49- إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) «9»   (1) الفتح: 1- 3 مدنية (2) الفتح: 20 مدنية (3) الملك: 22 مكية (4) الجن: 16- 17 مكية (5) التكوير: 27- 29 مكية (6) إبراهيم: 1- 2 مكية (7) طه: 135 مكية (8) القصص: 22 مكية (9) ص: 22 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 الأحاديث الواردة في (الاستقامة) 1- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنّ خير أعمالكم الصّلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن» ) * «1» . 2- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقيموا، ونعمّا إن استقمتم، وخير أعمالكم الصّلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ معاذ بن جبل أراد سفرا فقال: يا رسول الله أوصني قال: «اعبد الله لا تشرك به شيئا» قال: يا رسول الله زدني قال: «إذا أسأت فأحسن» . قال: يا رسول الله زد. قال: «استقم ولتحسن خلقك» ) * «3» . 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: «إذا أصبح ابن آدم فإنّ أعضاءه تكفّر «4» اللّسان تقول: اتّق الله فينا فإنّك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» ) * «5» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: «خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا ثمّ قال: هذا سبيل الله، ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ثمّ قال: هذه سبل (متفرّقة) على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه ثمّ قرأ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) *. واللفظ الآخر: «هذه سبيل الله مستقيما» ) * «6» . 6- * (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصّراط سوران فيهما أبواب مفتّحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب   (1) ابن ماجه (277) وقال في الزوائد: إسناده ثقات أثبات إلا أن فيه انقطاعا بين سالم وثوبان. ولكن أخرجه الدارمي وابن حبان في صحيحه من طريق ثوبان متصلا. والحديث في الدارمي (1/ 174) رقم (655) . أحمد (5/ 277، 282) واللفظ له. الحاكم (1/ 013) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح (1/ 325) رقم (952) . (2) ابن ماجه (279) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده ضعيف. وذكره الألباني في صحيح الجامع، وقال: صحيح وعزاه للطبراني من حديث عبادة بن الصامت (1/ 325) رقم (953) (3) الحاكم (4/ 244) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن صالح وقد وثق وضعفه جماعة، وأبو السميط سعيد بن أبي مولى المهري لم أعرفه (8/ 23) واللفظ له، وذكره الشيخ ناصر في الصحيحة وعزاه لابن حبان (3/- 23) رقم (1228) . (4) تكفر: تذل له وتخضع لأمره. (5) الترمذي (2407) . أحمد (3/ 96) رقم (11927) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن ورواه أيضا ابن خزيمة والبيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا (11/ 728) . (6) الحاكم (2/ 318) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. أحمد (1/ 435، 465) ، رقم (4142، 4437) واللفظ له، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح في الموضعين (6/ 89، 199) ، وذكره ابن كثير في التفسير (2/ 190) وعزاه كذلك للنسائي في تفسيره وهو فيه (1/ 485) وقال مخرجاه (سيد الجليمي وصبري الشافعي) : صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 الصّراط داع يقول: أيّها النّاس ادخلوا الصّراط جميعا ولا تتفرّجوا، وداع يدعو من جوف الصّراط فإذا أراد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنّك إن تفتحه تلجه والصّراط الإسلام والسّوران حدود الله- تعالى- والأبواب المفتّحة محارم الله- تعالى- وذلك الدّاعي على رأس الصّراط كتاب الله- عزّ وجلّ- والدّاعي فوق الصّراط واعظ الله في قلب كلّ مسلم» ) * «1» . 7- * (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: «قلت: يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولا، لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: قل آمنت بالله فاستقم «2» » ) * «3» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل افتتح صلاته: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ) * «4» . 9- * (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين، وإنّما أنا قاسم ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمّة مستقيما حتّى تقوم السّاعة، أو حتّى يأتي أمر الله» ) * «5» . 10- * (عن أبي فاطمة اللّيثيّ أو الدّوسيّ واسمه أنيس وقيل عبد بن أنيس صحابيّ سكن الشّام ومصر- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله حدّثني بعمل أستقيم عليه وأعمله. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك بالهجرة فإنّه لا مثل لها» ) * «6» .   (1) أحمد (4/ 182، 183) واللفظ له، الترمذي نحوه (2859) وقال: حديث غريب، والحاكم (1/ 73) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. وذكره ابن كثير في تفسيره وقال: رواه الترمذي والنسائي (2/ 191) . وذكره في المشكاة (191) وذكر الشيخ ناصر: كلام الحاكم والذهبي وقال: هو كما قالا (1/ 73) . (2) قل آمنت بالله فاستقم: قال القاضي عياض- رحمه الله- هذا من جوامع كلمة صلّى الله عليه وسلّم وهو مطابق لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*، أي وحدوا الله وآمنوا به، ثم استقاموا فلم يحيدوا عن التوحيد والتزموا طاعته سبحانه وتعالى إلى أن تؤفّوا على ذلك. (3) مسلم (38) . (4) مسلم (770) . (5) البخاري- الفتح 13 (7312) واللفظ له، مسلم (1037) . (6) النسائي (7/ 145) واللفظ له، وقال الألباني: حسن صحيح (3/ 837) رقم (3885) . ابن ماجه (2/ 457) وفيه قال: عليك بالسجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة. وأحمد (3/ 428) بلفظ آخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 الأحاديث الواردة في (الاستقامة) معنى 11- * (عن رفاعة الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كنّا بالكديد «1» أو قال: بقديد فجعل رجال منّا يستأذنونه إلى أهليهم فيأذن لهم، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «ما بال رجال يكون شقّ الشّجرة الّتي تلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبغض إليهم من الشّقّ الآخر» فلم نر عند ذلك من القوم إلّا باكيا، فقال رجل: إنّ الّذي يستأذنك بعد هذا لسفيه فحمد الله، وقال: حينئذ: «أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله صدقا من قلبه ثمّ يسدّد إلّا سلك في الجنّة، وقد وعدني ربّي عزّ وجلّ أن يدخل من أمّتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإنّي لأرجو أن لا يدخلوها حتّى تبوّءوا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرّيّاتكم مساكن في الجنّة» ، وقال: «إذا مضى نصف اللّيل أو قال: ثلثا اللّيل ينزل الله- عزّ وجلّ- إلى السّماء الدّنيا فيقول لا أسأل عن عبادي أحدا غيري من ذا يستغفرني فأغفر له؟ من الّذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الّذي يسألني أعطيه حتّى ينفجر الصّبح» ) * «2» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «3» . 13- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «4» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «5» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا «6» رأسي فيدعوه خبزة «7» . قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «8» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو   (1) الكديد: موضع على اثنين وأربعين ميلا من مكة (معجم البلدان (4/ 442) . (2) أحمد (4/ 16) واللفظ له. والطبراني في الكبير (5/ 49، 50) برقم (4556) واللفظ له، مجمع الزوائد (10/ 408) وقال: رواه الطبراني والبزار ورجال بعضها عند الطبراني والبزار رجال الصحيح، وعند ابن ماجه طرف منه يسير. والنسائي في عمل اليوم والليلة (475) . (3) البخاري- الفتح 1 (39) واللفظ له. ومسلم (782) من حديث عائشة- رضي الله عنها-. (4) فاجتالهم: أى استخفّوهم فذهبوا وأزالوهم عما كانوا عليه. (5) لا يغسله الماء: أي محفوظ في الصدور. (6) يثلغوا: يشدخوا. (7) خبزة: كالرغيف. (8) نغزك أي نعينك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «1» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب والشّنظير «2» (الفحّاش) ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) *» . 14- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المسلم المسدّد «4» ليدرك درجة الصّوّام القوّام بآيات الله بحسن خلقه، وكرم ضريبته «5» » ) * «6» . 15- * (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- أنّه قال: «جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل أعمله يدنيني من الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل ذا رحمك» ، فلمّا أدبر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن تمسّك بما أمر به دخل الجنّة» ) * «7» . 16- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قل: اللهمّ اهدني وسدّدني «8» واذكر بالهدى هدايتك «9» الطّريق، والسّداد سداد السّهم» ) * «10» . 17- * (عن قيس بن عبادة- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع. فقالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. فصلّى ركعتين، تجوّز فيهما، ثمّ خرج وتبعته. فقلت: إنّك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول مالا يعلم. وسأحدّثك لم ذاك؟ رأيت رؤيا على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقصصتها عليه، ورأيت كأنّي في روضة (ذكر من سعتها وخضرتها) وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض، وأعلاه في السّماء، في أعلاه عروة، فقيل لي ارقه. قلت: لا أستطيع. فأتاني منصف «11» فرفع ثيابي   (1) لا زبر له: لا عقل له يمنعه من الوقوع في الخطأ أي ضعيف الرأي. (2) الشّنظير: هو الفحاش سيىء الخلق. (3) مسلم (2865) . (4) المسدد: المستقيم المقتصد في الأمور. (5) الضريبة: الطبيعة والسجية. (6) أحمد (2/ 177) رقم (6648) وقال شاكر: إسناده صحيح (10/ 134) واللفظ له. وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه: ابن لهيعة وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح (8/ 22) . وكذا المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 257) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 164) رقم (1945) . وفي الصحيحة (2/ 58) رقم (522) وعزاه كذلك إلى مكارم الأخلاق للخرائطي. (7) البخاري- الفتح 3 (1396) . ومسلم (13) واللفظ له. (8) سددني: أي وفقني واجعلني مصيبا في جميع أموري مستقيما، وأصل السداد: الاستقامة والقصد في الأمور. وسداد السّهم: تقويمه. (9) معنى اذكر بالهدى هدايتك: أي تذكر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين؛ لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه ومسدد السهم يحرص على تقويمه ولا يستقيم رميه حتى يقومه، وقيل: ليتذكر بهذا اللفظ السداد والهدى لئلا ينساه. (10) مسلم (2725) . (11) المنصف والوصيف: الخادم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 من خلفي، فرقيت، حتّى كنت في أعلاها. فأخذت في العروة. فقيل له: استمسك، فاستيقظت، وإنّها لفي يدي، فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تلك الرّوضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى. فأنت على الإسلام حتّى تموت» ، وذلك الرّجل عبد الله بن سلام» ) * «1» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في النّار اجتماعا يضرّ أحدهما الآخر» ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «مؤمن قتل كافرا، ثمّ سدّد «2» » ) * «3» . 19- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنّة لا يأمن جاره بوائقه» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاستقامة) 1- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال: ما تقولون في هاتين الآيتين إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* والَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ؟ قالوا: لم يذنبوا قال: لقد حملتموها على أمر شديد الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ يقول: بشرك والَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان) * «5» . 2- * (سئل صدّيق الأمّة وأعظمها استقامة أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- عن الاستقامة فقال: «ألّا تشرك بالله شيئا» يريد الاستقامة على محض التّوحيد» ) * «6» . 3- * (وقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنّهي، ولا تروغ روغان الثّعالب» ) * «7» . 4- * (وقال عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- «استقاموا: أخلصوا العمل لله» ) * «8» . 5- * (وقال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- وابن عبّاس- رضي الله عنهما- «استقاموا أدّوا الفرائض» ) * «9» . 6- * (وقال الحسن: «استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته» ) * «10» . 7- * (وقال مجاهد «استقاموا على شهادة أن   (1) البخاري الفتح 7 (3813) واللفظ له. مسلم (2484) . (2) سدد: استقام على الطريقة المثلى. (3) مسلم (1891) . (4) أحمد (3/ 198) واللفظ له، وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد وفي إسناده علي بن مسعدة، وثقه جماعة وضعفه آخرون (1/ 53) وقال عنه الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام (2/ 44) . (5) الدر المنثور (7/ 322) . (6) مدارج السالكين (2/ 108) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 312) . (7) مدارج السالكين (2/ 109) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المرجع السابق. نفسه، والصفحة نفسها. (10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 لا إله إلّا الله حتّى لحقوا بالله» ) * «1» . 8- * (عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر- رضي الله عنه- على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تكلّم، فقال: «ما لها لا تكلّم؟ قالوا: حجّت مصمته، قال لها: تكلّمي؛ فإنّ هذا لا يحلّ، هذا من عمل الجاهليّة فتكلّمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين، قالت: أيّ المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أيّ قريش أنت؟ قال: إنّك لسئول، أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصّالح الّذي جاء الله به بعد الجاهليّة؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمّتكم. قالت: وما الأئمّة؟ قال: أما كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى. قال: فهم أولئك على النّاس» ) * «2» . 9- * (قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما-: «يا معشر القرّاء استقيموا، فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا» ) * «3» . 10- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في معنى قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*: «استقاموا على أداء الفرائض» وقال أيضا: أخلصوا له الدّين والعمل. وقال فيها: استقاموا على طاعة الله» ) * «4» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* قال: على شهادة أن لا إله إلّا الله) * «5» . 12- * (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سئل أيّ آية في كتاب الله أرجى؟ قال: قوله إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* على شهادة أن لا إله إلّا الله قيل له: فأين قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ «6» . 13- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «أعظم الكرامة لزوم الاستقامة» ) * «7» . 14- * (وقال أيضا: «استقاموا على محبّته وعبوديّته، فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة» ) * «8» . من فوائد (الاستقامة) (1) الاستقامة من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) بها ينال الإنسان الكرامات ويصل إلى أعلى المقامات. (3) استقامة القلوب استقامة للجوارح. (4) المداومة عليها أفضل من كثير من الأعمال الّتي يتطوّع بها. (5) صاحبها يثق به النّاس، ويحبّون معاشرته. (6) الاستقامة أعظم الكرامة. (7) دليل اليقين ومرضاة ربّ العالمين.   (1) مدارج السالكين (2/ 109) . (2) البخاري- الفتح 7 (3834) . (3) البخاري- الفتح 13 (7282) . (4) جامع العلوم والحكم (192) . (5) الدر المنثور (7/ 322) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) مدارج السالكين (2/ 110) . (8) المرجع السابق (2/ 109) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 الإسلام الإسلام لغة: الإسلام مصدر أسلم وهو مأخوذ من مادّة (س ل م) التي تدلّ في الغالب على الصّحّة والعافية. فالسّلامة أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى. والله جلّ ثناؤه هو السّلام لسلامته ممّا يلحق المخلوقين من العيب والنّقص والفساد، ومن الباب الإسلام وهو الانقياد لأنّه يسلم من الإباء والامتناع ومن الباب أيضا السّلم وهو الصّلح «1» . الإسلام والاستسلام: الانقياد. يقال: فلان مسلم، وفيه قولان: أحدهما: هو المستسلم لأمر الله والثّاني هو المخلص لله العبادة، من قولهم سلّم الشّيء لفلان أي خلّصه، وسلم الشّيء له، أي خلص له «2» . قال الرّاغب: «والإسلام الدّخول في السّلم، وهو أن يسلم كلّ واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه. ومصدر أسلمت الشّيء إلى فلان إذا أخرجته إليه ومنه السّلم في البيع، والإسلام في الشّرع على ضربين: أحدهما دون الإيمان وهو الاعتراف باللّسان، وبه يحقن الدّم حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل، وإيّاه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 50/ 81/ 10 قصد بقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (الحجرات/ 14) ، والثّاني: فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، ووفاء بالفعل واستسلام لله في جميع ما قضى وقدّر، كما ذكر عن إبراهيم عليه السّلام- في قوله إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (البقرة/ 131) ، وقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (آل عمران/ 19) ، وقوله تَوَفَّنِي مُسْلِماً (يوسف/ 101) أي اجعلني ممّن استسلم لرضاك، ويجوز أن يكون معناه: اجعلني سالما عن أسر الشّيطان ... وقوله: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا (المائدة/ 46) أي الّذين انقادوا من الأنبياء الّذين ليسوا من أولى العزم لأولي العزم» «3» . وقوله عزّ وجلّ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (البقرة/ 208) ، قال: عني به الإسلام وشرائعه كلّها. والسّلم: الإسلام، قال الأحوص: فذادوا عدوّ السّلم عن عقر «4» دارهم ... وأرسوا عمود الدّين بعد التّمايل   (1) مقاييس اللغة (3/ 90) . (2) اللسان- سلم (2080) . (3) المفردات (240) . (4) العقر: أصل كل شيء ومعظمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 ومنه قول امرىء القيس بن عابس: فلست مبدّلا بالله ربّا، ... ولا مستبدلا بالسّلم دينا» «1» . واصطلاحا: إظهار القبول والخضوع لما أتى به محمّد صلّى الله عليه وسلّم وقيل: إظهار الشّريعة، والتزام ما أتى به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقيل: هو الاستسلام لله بالتّوحيد والانقياد له بالطّاعة والخلوص من الشّرك. وقيل: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا. وقال الكفويّ: الإسلام على نوعين: الأوّل: دون الإيمان وهو الاعتراف باللّسان وإن لم يكفّ له اعتقاد، وبه يحقن الدّم. الآخر: فوق الإيمان، وهو الاعتراف (أي الإقرار بالشّهادتين) . مع الاعتقاد بالقلب والوفاء بالفعل» . الفرق بين الإسلام والإيمان*: قال الغزاليّ- رحمه الله-: اختلفوا في أنّ الإسلام هو الإيمان أو غيره وإن كان غيره، فهل هو منفصل عنه يوجد دونه، أو مرتبط به يلازمه؟. فقيل: إنّهما شيء واحد، وقيل: إنّهما شيئان لا يتواصلان، وقيل: إنّهما شيئان، ولكن يرتبط أحدهما بالآخر. والحقّ أنّ في هذا ثلاثة مباحث: بحث عن موجب اللّفظين في اللّغة، وبحث عن المراد بهما في إطلاق الشّرع، وبحث عن حكمهما في الدّنيا والآخرة. المبحث الأوّل لغويّ والثّاني تفسيريّ، والثّالث فقهيّ شرعيّ. المبحث الأوّل: في موجب اللّغة، والحقّ فيه أنّ الإيمان عبارة عن التّصديق. قال الله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا (يوسف/ 17) أي بمصدّق، والإسلام عبارة عن التّسليم، والاستسلام بالإذعان والانقياد وترك التمّرّد والإباء والعناد، وللتّصديق محلّ خاصّ وهو القلب، واللّسان ترجمان. وأمّا التّسليم؛ فإنّه عامّ في القلب واللّسان والجوارح، فإنّ كلّ تصديق بالقلب هو تسليم وترك الإباء والجحود وكذلك الاعتراف باللّسان، وكذلك الطّاعة والانقياد بالجوارح. فموجب اللّغة أنّ الإسلام أعمّ، والإيمان أخصّ، فكان الإيمان عبارة عن أشرف أجزاء الإسلام، فإذن كلّ تصديق تسليم، وليس كلّ تسليم تصديقا. المبحث الثّاني: عن إطلاق الشّرع، والحقّ فيه أنّ الشّرع قد ورد باستعمالهما على سبيل التّرادف، وقد ورد أيضا باستعمالهما على سبيل الاختلاف والتّداخل، أمّا التّرادف ففي قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (الذاريات/ 35- 36) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم «بني الإسلام على خمس ... » . وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّة عن   (1) الصحاح للجوهري (5/ 1950) . ولسان العرب (12/ 293 295) . (2) الكليات للكفوي (112) . * انظر: صفة الإيمان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 الإيمان فأجاب بهذه الخمس. وأمّا الاختلاف فقوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (الحجرات/ 14) ومعناه استسلمنا في الظّاهر، فأراد بالإيمان ههنا التّصديق بالقلب فقط، وبالإسلام الاستسلام ظاهرا باللّسان والجوارح، وفي حديث جبريل عليه السّلام لمّا سأله عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشرّه» ، فقال: فما الإسلام؟ فأجاب بذكر الخصال الخمس، فعبّر بالإسلام عن تسليم الظّاهر بالقول والعمل. وفي الحديث عن سعد أنّه صلّى الله عليه وسلّم أعطى رجلا عطاء، ولم يعط الآخر. فقال له سعد: يا رسول الله تركت فلانا لم تعطه وهو مؤمن. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسلم» فأعاد عليه، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا التّداخل فممّا روي أيضا أنّه سئل: فقيل أيّ الأعمال أفضل؟. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «الإسلام» . فقال: أيّ الإسلام أفضل؟. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان» . وهذا دليل على الاختلاف وعلى التّداخل، وهو أوفق الاستعمالات في اللّغة؛ لأنّ الإيمان عمل من الأعمال، وهو أفضلها، والإسلام هو تسليم إمّا بالقلب، وإمّا باللّسان، وإمّا بالجوارح، وأفضلها الّذي بالقلب، وهو التّصديق الّذي يسمّى إيمانا، والاستعمال لهما على سبيل الاختلاف، وعلى سبيل التّداخل وعلى سبيل التّرادف، كلّه غير خارج عن طريق الاستعمال في اللّغة. المبحث الثّالث: عن الحكم الشّرعيّ. للإسلام والإيمان حكمان أخرويّ ودنيويّ. أمّا الأخرويّ: فهو الإخراج من النّار، ومنه التّخليد «1» . أمّا الدّنيويّ فإنّه يثبت بالإقرار بالشّهادتين؛ لأنّ الإيمان (والإسلام) كما يقول العينيّ هو بالكلمة فإذا قالها حكمنا بإيمانه اتّفاقا بلا خلاف وتطبّق عليه حينئذ أحكام المسلمين من حيث الدّفن في مقابرهم والتزام مواريثهم وعدم أخذ الجزية ... إلخ. قال ابن تيميّة- رحمه الله-: لفظ الإسلام يستعمل على وجهين: متعدّيا كقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ (النساء/ 125) ويستعمل لازما كقوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (البقرة/ 131) . وهو يجمع معنيين أحدهما: الانقياد والاستسلام، والثّاني: إخلاص ذلك، وإفراده وعنوانه «2» قول «لا إله إلّا الله» ، وله معنيان: أحدهما: الدّين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الّذي بعث به جميع الأنبياء، والثّاني: ما اختصّ به محمّد صلّى الله عليه وسلّم من الدّين والشّرعة والمنهاج، وهو الشّريعة والطّريقة، وله مرتبتان: إحداهما:   (1) انظر إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (1/ 116- 117) . والصحاح للجوهري (5/ 1950) . وأصول الدعوة لعبد الكريم زيدان (ص 9) . وعمدة القاري (1/ 109) بتصرف يسير. (2) العنوان- بالضم والكسر-: سمة الكتاب في الأصل، ثم استعمل سمة لكل شيء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 الظّاهر من القول والعمل، وهي المباني الخمسة، والثّانية: أن يكون ذلك الظّاهر مطابقا للباطن، وهو أعمّ من الإيمان فكلّ مؤمن مسلم، وليس كلّ مسلم مؤمنا، وبالتّفسير الثّاني يقال: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (آل عمران/ 19) . وقوله: آمركم بالإيمان بالله وفسّره بخصال الإسلام، وعلى هذا التّفسير فالإيمان التّامّ، والدّين والإسلام سواء «1» . الإسلام في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: الإسلام في القرآن الكريم على خمسة أوجه: أحدها: اسم للدّين الّذي تدين به ومنه قوله سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (آل عمران/ 19) . والثّاني: التّوحيد ومنه قوله تعالى: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا (المائدة/ 44) . والثّالث: الإخلاص (إخلاص العبادة لله) ومنه قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (البقرة/ 131) . والرّابع: الاستسلام، ومنه قوله عزّ من قائل: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً (آل عمران/ 83) . والخامس: الاقرار باللّسان، ومنه قوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (الحجرات/ 14) «2» . ويمكن أن يضاف إلى ذلك وجه سادس وهو الإقرار باللّسان والعمل بالأركان. [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الاتباع- الإخلاص- الاستقامة- إقامة الشهادة- التوحيد الحج والعمرة- الزكاة- العبادة- الصلاة- الطاعة- معرفة الله عز وجل- الهدى- اليقين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكفر- الإلحاد- الشرك- النفاق- الضلال- الزندقة- الإعراض- ترك الصلاة- الفسوق- العصيان- الفساد- اتباع الهوى] .   (1) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية (7/ 235- 236) . (2) نزهة الأعين النواظر (136) وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 الآيات الواردة في «الإسلام» أولا: الإسلام هو إخلاص العبادة لله وحده: 1- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) «1» 2- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) «2» 3- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) «3» 4- قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) «4»   (1) البقرة: 109- 112 مدنية (2) البقرة: 127- 128 مدنية (3) البقرة: 130- 135 مدنية (4) البقرة: 136 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 5- * فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) «1» 6- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «2» 7- ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) «3» 8- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) «4» 9- وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125) «5» 10- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) «6» 11- قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126) «7» 12- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «8»   (1) آل عمران: 52 مدنية (2) آل عمران: 64 مدنية (3) آل عمران: 67 مدنية (4) آل عمران: 79- 80 مدنية (5) النساء: 125 مدنية (6) الأنعام: 71 مكية (7) الأعراف: 123- 126 مكية (8) التوبة: 74 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 13- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) «1» 14- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) «2» 15- * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «3» 16- * وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) «4» 17- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) «5» 18- * قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66) «6» ثانيا: الإسلام هو الدين الحق: 19- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «7» 20- قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) «8» 21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)   (1) يونس: 71- 72 مكية (2) هود: 13- 14 مكية (3) يوسف: 101 مكية (4) لقمان: 22 مكية (5) الزمر: 11- 12 مكية (6) غافر: 66 مكية (7) آل عمران: 19- 20 مدنية (8) آل عمران: 83- 85 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) «1» 22- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «2» 23- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) «3» 24- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) «4» 25- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) «5» 26- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ   (1) آل عمران: 102- 105 مدنية (2) المائدة: 3 (نزلت بعرفة) (3) الأنعام: 14- 16 مكية (4) الأنعام: 125- 126 مكية (5) الأنعام 161- 164 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) «1» 27- وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) » 28- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) «3» 29- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «4» 30- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «5» 31- أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) «6» 32- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «7» ثالثا: الإسلام هو التوحيد: 33- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) «8» 34- وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) «9»   (1) النحل: 81- 82 مكية (2) النحل: 89 مكية (3) النحل: 101- 102 مكية (4) الحج: 78 مدنية (5) النمل: 91- 93 مكية (6) الزمر: 22 مكية (7) فصلت: 33 مكية (8) المائدة: 44 مدنية (9) المائدة: 111 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 35- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) «1» 36- * وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) «2» 37- * قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «3» 38- * قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «4» رابعا: الإسلام هو الاستسلام والانقياد: 39- أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) «5» 40- * وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «6» 41- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) «7» 42- قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)   (1) الأنبياء: 107- 109 مكية (2) القصص: 51- 54 مكية (3) الحجرات: 14 مدنية (4) الذاريات: 31- 37 مكية (5) آل عمران: 83 مدنية (6) يونس: 90- 92 مكية (7) الحج: 34- 35 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44) «1» 43- إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) «2» 44- * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «3» 45- فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) «4» 46- * قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) «5» 47- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) «6» رابعا: الإسلام هو الإقرار باللسان والعمل بالأركان: 48- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ   (1) النمل: 38- 44 مكية (2) النمل: 80- 81 مكية (3) العنكبوت: 46 مكية (4) الروم: 52- 53 مكية (5) الزمر: 53- 54 مكية (6) الأحقاف 15 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) «1» 49- يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) «2» 50- عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) «3»   (1) الأحزاب: 35- 36 مدنية (2) الزخرف: 68- 70 مكية (3) التحريم: 5 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 الأحاديث الواردة في (الإسلام) 1- * (عن قيس بن عاصم- رضي الله عنه- قال: «أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر «1» » ) * «2» . 2- * (عن مجاشع بن مسعود السّلميّ- رضي الله عنه- قال أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأخي بعد الفتح فقلت يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، قال: «ذهب أهل الهجرة بما فيها» . فقلت: على أيّ شيء تبايعه؟ قال: «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد» ) * «3» . 3- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «4» ، قال: فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل- يعني عظيم الرّوم- قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به، فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل ... الحديث. وفيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد! فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت، فإنّ عليك إثم الأريسيّين «5» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) » ) * «6» . 4- * (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رأى عمر- رضي الله عنه- غضبه. قال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر- رضي الله عنه- يردّد هذا الكلام حتّى سكن غضبه ... الحديث» ) * «7» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ الإسلام خير؟. قال: تطعم الطّعام وتقرأ السّلام على من   (1) السدر: شجر النبق. (2) أبو داود (355) واللفظ له. والترمذي (605) وقال: هذا حديث حسن. والبغوي في شرح السنة (10: 176) وقال: حديث حسن. (3) البخاري- الفتح 7 (4305) . (4) في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي الصلح يوم الحديبية. (5) الأريسيين: الأشهر أنهم الأكارون أي الفلاحون والزراعون، ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب ولأنهم أسرع انقيادا فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا، الثاني: أنهم اليهود والنصارى وهم أتباع عبد الله ابن أريس الذي تنسب إليه الأروسية من النصارى والثالث: أنهم الملوك الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها. (6) البخاري- الفتح 1 (7) . ومسلم (1773) واللفظ له. (7) مسلم (1162) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 عرفت، ومن لم تعرف» ) * «1» . 6- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا حلال» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «3» وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «4» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «5» عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب «6» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «7» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «8» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «9» . فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «10» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّفّ ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة الضّعيف الّذي لا زبر له «11» الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «12» وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك. وذكر البخل أو الكذب والشّنظير «13» الفحّاش» ) * «14» . 7- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله. فقال: «إنّ ممّا أخاف عليكم من   (1) البخاري- الفتح 1 (12) . (2) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال لله تعالى: كل مال ... إلخ. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وإنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (3) حنفاء كلهم: أي مسلمين. (4) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم. وجالوا معهم في الباطل. (5) فمقتهم: المقت أشد البغض والمراد بهذا المقت والنظر ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (6) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل. (7) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده والصبر في الله تعالى وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته ومنهم من يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر ومن ينافق. (8) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مر الزمان. (9) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز أي يكسر. (10) نغزك: أي نعينك. (11) لا زبر له: أي لا عقل له يزجره ويمنعه مما لا ينبغي. (12) والخائن الذي لا يخفى له طمع؛ معنى لا يخفى: لا يظهر. وقال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. (13) الشنظير: فسره في الحديث أنه الفحاش. وهو السيء الخلق. (14) مسلم (2865) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها. فقال رجل: يا رسول الله! أو يأتي الخير بالشّرّ؟. فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقيل له: ما شأنك؟ تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يكلّمك؟ فرأينا أنّه ينزل عليه. قال: فمسح عنه الرّحضاء «1» . فقال: أين السّائل؟ - وكأنّه حمده- فقال: «إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ «2» إلا آكلة الخضراء «3» ، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها «4» استقبلت عين الشّمس فثلطت «5» وبالت ورتعت، وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل، أو كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّه من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة» ) * «6» . 8- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- وهو في سياقة الموت- أنّه بكى طويلا، وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه! أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟. قال: فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي قد كنت على أطباق ثلاث «7» لقد رأيتني، وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» . قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» . قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟. وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟. وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» . وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لا أنّي لم أكن أملأ عيني منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا «8» عليّ التّراب شنّا، ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي» ) * «9» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أسلم العبد   (1) الرحضاء: العرق من الشدة، وأكثر ما يسمى به عرق الحمى. (2) يلم: أي يقارب الهلاك. (3) إلا آكلة الخضراء. أي إلا الماشية التي تأكل الخضر وهي البقول التي ترعاها المواشي. (4) امتدت خاصرتاها: أي امتلأت شبعا وعظم جنباها. (5) ثلطت: ثلط البعير إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا. (6) البخاري- الفتح 3 (1465) واللفظ له ومسلم (1052) . (7) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث. (8) شنّوا علي التراب: بالسين المهملة وبالمعجمة وكذا قال القاضي قال: وهو الصبّ وقيل بالمهملة الصب في سهولة وبالمعجمة التفريق. (9) مسلم (121) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 فحسن إسلامه يكفّر الله عنه كلّ سيّئة كان زلفها «1» . وكان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسّيّئة بمثلها إلّا أن يتجاوز الله عنها» ) * «2» . 10- * (عن المقداد بن عمرو- رضي الله عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار فاقتتلنا فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها، ثمّ لاذ «3» منّي بشجرة فقال: أسلمت لله. أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» . فقال: يا رسول الله! إنّه قطع إحدى يديّ. ثمّ قال ذلك بعدما قطعها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله، فإن قتلته، فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «4» . 11- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان «5» فقال يا كريب: انظر ما اجتمع له من النّاس، قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: تقول هم أربعون؟. قال: نعم. قال: أخرجوه، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «6» . 12- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنّة. قلنا: وثلاثة؟. قال: «وثلاثة» . قلنا: واثنان؟. قال: «واثنان؟. ثمّ لم نسأله عن الواحد) * «7» . 13- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله» ) * «8» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنة يعملها، تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكلّ سيّئة يعملها تكتب له بمثلها» ) * «9» 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما، فليأكل منه، ولا يسأله عنه، وإن سقاه شرابا فليشرب منه ولا يسأله عنه» ) * «10» . 16- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله   (1) زلفها: اقترفها وفعلها. (2) البخاري- الفتح 1 (41) واللفظ له. مسلم (129) . (3) لاذ: احتمى. (4) البخاري- الفتح 7 (4019) واللفظ له. ومسلم (95) . (5) قديد وعسفان: موضعان بين الحرمين (الحرم المكي والحرم المدني) (6) مسلم (948) . (7) البخاري- الفتح 5 (2643) . (8) البخاري- الفتح 1 (25) واللفظ له. ومسلم (22) . (9) البخاري- الفتح 1 (42) . (10) أحمد في المسند (2/ 399) . وهو في الصحيحة للألباني (627) . والحاكم (4/ 126) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا، ومعه نبل فليمسك على نصالها» » . أو قال: «فليقبض بكفّه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء» ) * «2» . 17- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ المسلم المسدّد ليدرك درجة الصّوّام القوّام بآيات الله عزّ وجلّ- لكرم ضريبته «3» وحسن خلقه» ) * «4» . 18- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة «5» الجنّة حتّى يرجع» ) * «6» . 19- * (عن جامع بن شدّاد- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ في اللّيل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدّنيا والآخرة إلّا أعطاه. وذلك كلّ ليلة» ) * «7» . 20- * (عن سعيد بن زيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ» ) * «8» . 21- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي «9» فيه، والجافي عنه «10» ، وإكرام ذي السّلطان المقسط» ) * «11» . 22- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة فلقّنني: «فيما استطعت، والنّصح لكلّ مسلم» ) * «12» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ. فطوبى للغرباء» ) * «13» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه   (1) النصال: جمع نصل وهو حد السهم. (2) البخاري- الفتح 13 (7075) واللفظ له مسلم (2615) (3) ضريبته: أي طبيعته وسجيته. (4) أحمد في المسند (2/ 22.) واللفظ له. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 404) . والهيثمي في المجمع (8/ 22) . والألباني، الصحيحة (522) . (5) خرفة الجنة: اسم ما يخترف من النخل حين يدرك. وقيل: أي في حائط النخل يخترف من ثمارها، أي يجتني. (6) مسلم (2568) . (7) مسلم (757) . (8) أبو داود (4876) وقال محقق جامع الأصول (8/ 449) : إسناده صحيح. (9) الغلو: التشدد ومجاوزة الحد. (10) الجافي عنه: أي البعيد عنه. (11) أبو داود (4843) قال النووي: حديث حسن وحسّن سنده الحافظان: العراقي وابن حجر. (12) البخاري- الفتح 13 (7204) ومسلم (55) واللفظ له. (13) مسلم (145) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ماذا عندك يا ثمامة «1» ؟» فقال: عندي خير. يا محمّد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فترك حتّى كان الغد، ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» . فقال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه حتّى كان بعد الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أن محمّدا رسول الله. يا محمّد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ. والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ وإنّ خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة. فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: صبوت؟ قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «انطلقوا إلى يهود» ، فخرجنا حتّى جئنا بيت المدراس «3» ، فقال: «أسلموا تسلموا، واعلموا أنّ الأرض للهّ ورسوله، وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّ الأرض للهّ ورسوله» ) * «4» . 26- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تقاتلكم اليهود فتسلّطون عليهم، حتّى يقول الحجر: يا مسلم! هذا يهوديّ ورائي فاقتله» ) * «5» 27- * (عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال: حدّثنا أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم: «أنّهم كانوا يسيرون مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لمسلم أن يروّع «6» مسلما» ) * «7» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «حقّ المسلم على قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «حقّ المسلم على المسلم خمس: ردّ السّلام، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وإجابة الدّعوة، وتشميت العاطس» ) * «8» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) ما عندك يا ثمامة: أي ما تظن أني فاعل بك. (2) البخاري- الفتح 8 (4372) . ومسلم (1764) . (3) بيت المدراس: هو البيت الذي يقرءون فيه والمدراس مفعال من الدرس. (4) البخاري- الفتح 6 (3167) واللفظ له. ومسلم (1765) . (5) البخاري- الفتح 6 (3593) ومسلم (2921) واللفظ له (6) الروع: الفزع والخوف. (7) أبو داود (5004) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (11/ 58) : إسناده صحيح. (8) البخاري- الفتح 3 (1240) واللفظ له ومسلم (2162) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «حقّ على كلّ مسلم أن يغتسل في كلّ سبعة أيّام، يغسل رأسه وجسده» ) * «1» . 30- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخازن المسلم الأمين الّذي ينفذ- وربّما قال يعطي- ما أمر به كاملا موفّرا طيّبا به نفسه فيدفعه إلى الّذي أمر له به- أحد المتصدّقين» ) * «2» . 31- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يوعك فقلت: يا رسول الله إنّك توعك «3» وعكا شديدا. قال: «أجل. إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت: ذلك بأنّ لك أجرين. قال: «أجل. ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى- شوكة فما فوقها- إلّا كفّر الله بها سيّئاته، كما تحطّ «4» الشّجرة ورقها» ) * «5» . 32- * (عن تميم الدّاريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّين النّصيحة» . قلنا لمن؟. قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» ) * «6» . 33- * (عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرّجل فلقيني أبو بكرة. فقال: أين تريد؟. قلت: أنصر هذا الرّجل. قال: ارجع فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النّار» . فقلت: يا رسول الله هذا القاتل. فما بال المقتول؟. قال: «إنّه كان حريصا على قتل صاحبه» ) * «7» . 34- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ) * «8» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر. فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام: «هذا من أهل النّار» . فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل: يا رسول الله الّذي قلت إنّه من أهل النّار فإنّه قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إلى النّار» . قال: فكاد بعض النّاس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنّه لم يمت ولكنّ به جراحا شديدا فلمّا كان من اللّيل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه. فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال الله أكبر، أشهد أنّي عبد الله ورسوله. ثمّ أمر بلالا فنادى في النّاس: «إنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة. وإنّ الله ليؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر» ) * «9» . 36- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنبر فنادى بصوت رفيع: «يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى   (1) البخاري- الفتح (897) ومسلم (849) . (2) البخاري- الفتح 3 (1438) واللفظ له ومسلم (1023) . (3) توعك: الوعك قيل: هو الحمى وقيل: ألمها. (4) تحط: تلقيه منتثرا. (5) البخاري- الفتح 10 (5648) واللفظ له، ومسلم (2571) . (6) مسلم (55) . (7) البخاري- الفتح 1 (31) واللفظ له ومسلم (2888) . (8) البخاري- الفتح 1 (48) . ومسلم (64) . (9) البخاري- الفتح 6 (3062) واللفظ له. ومسلم (111) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 قلبه لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» ) * «1» . 37- (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلح جائز بين المسلمين- زاد أحمد- إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» وزاد سليمان بن داود قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون على شروطهم» ) * «2» . 38- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» قالوا: فإن لم يجد. قال: «فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدّق» . قالوا: فإن لم يستطع. أو لم يفعل؟. قال: «فيعين ذا الحاجة الملهوف» . قالوا: فإن لم يفعل؟. قال: «فليأمر بالخير» . أو قال: «بالمعروف» . قال: فإن لم يفعل؟. قال: «فيمسك عن الشّرّ؛ فإنّه له صدقة» ) *» . 39- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل يا رسول الله: أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليّة؟. قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر» ) * «4» . 40- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا وقنّعه الله بما آتاه» ) * «5» . 41- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أرأيت أشياء كنت أتحنّث «6» بها في الجاهليّة من صدقة أو عتاقة ومن صلة رحم. فهل فيها من أجر؟. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أسلمت على ما سلف من خير» ) * «7» . 42- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه. قال: قلت: يا رسول الله أيّ الإسلام أفضل؟. قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» ) * «8» . 43- * (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك؟. قال: «قل آمنت بالله فاستقم» ) * «9» . 44- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان غلام يهوديّ يخدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمرض فأتاه النّبيّ   (1) الترمذي (2032) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب. والبغوي في شرح السنة (13/ 104) وقال محققه: أخرجه الترمذي وسنده حسن. (2) أبو داود (394) . والترمذي (1352) وقال: حسن صحيح. والألباني في الصحيحة (1905) وقال محقق جامع الأصول (2/ 629) : سنده حسن. (3) البخاري- الفتح 1. (6022) واللفظ له ومسلم (1008) . (4) البخاري- الفتح 12 (6921) واللفظ له ومسلم (120) . (5) مسلم (1054) . (6) أتحنث: أتعبد. (7) البخاري- الفتح 3 (1436) واللفظ له ومسلم (123) . (8) البخاري- الفتح 1 (11) ولفظه: قالوا: يا رسول الله ... إلخ. ومسلم (42) واللفظ له. (9) مسلم (38) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 صلّى الله عليه وسلّم يعوده فقعد عند رأسه. فقال له: «أسلم» . فنظر إلى أبيه وهو عنده. فقال له: أطع أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم. فأسلم، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «الحمد لله الّذي أنقذه من النّار» ) * «1» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للنّاس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟. قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث. قال: ما الإسلام؟. قال: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصّلاة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، قال: متى السّاعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، وسأخبرك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة ربّها «2» . وإذا تطاول رعاة الإبل «3» البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهنّ إلّا الله، ثمّ تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية (لقمان/ 34) . ثمّ أدبر فقال: «ردّوه» . فلم يروا شيئا. فقال: «هذا جبريل جاء يعلّم النّاس دينهم» ) * «4» . 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ كلم يكلمه «5» المسلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها إذ طعنت تفجّر دما، اللّون لون الدّم والعرف عرف المسك «6» » ) * «7» . 47- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام، وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» . فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «8» فسمعت أمّي خشف قدميّ «9» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة «10» الماء. قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته، وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «خيرا» . قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:   (1) البخاري- الفتح 3 (1356) . (2) ربها: سيدها ومالكها. (3) رعاة الإبل: معناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهوا فيها. (4) البخاري- الفتح 1 (50) واللفظ له. ومسلم (9) .. (5) كل كلم يكلمه: أي كل جرح يجرحه. (6) والعرف عرف المسك: أي الريح ريح المسك لينتشر في أهل الموقف إظهارا لفضله. (7) البخاري- الفتح 1 (237) . ومسلم (1876) . (8) مجاف: مغلق. (9) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض. (10) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّة إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «1» . 48- * (عن قيس بن عبادة- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع. فقالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. فصلّى ركعتين، تجوّز فيهما، ثمّ خرج وتبعته. فقلت: إنّك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول مالا يعلم. وسأحدّثك لم ذاك؟ رأيت رؤيا على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقصصتها عليه، ورأيت كأنّي في روضة (ذكر من سعتها وخضرتها) وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض، وأعلاه في السّماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقه. قلت: لا أستطيع. فأتاني منصف «2» فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت، حتّى كنت في أعلاها. فأخذت بالعروة. فقيل له: استمسك، فاستيقظت، وإنّها لفي يدي، فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تلك الرّوضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى. فأنت على الإسلام حتّى تموت» ) * «3» . 49- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير. فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنّة، ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير؟ الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل في جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ. حتّى بلغ- يَعْمَلُونَ ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه» . قلت: بلى يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد ... الحديث» ) * «4» . 50- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال» . وفي رواية أبي أيّوب الأنصاريّ: «لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «5» .   (1) مسلم (2491) . (2) منصف: أي خادم من خدام الجنة. (3) البخاري- الفتح 7 (3813) واللفظ له. ومسلم (2484) . (4) الترمذي (2616) وقال: حديث حسن صحيح. (5) البخاري- الفتح 10 (6076) . ومسلم (2559، 2560) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 51- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا «1» ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره «2» ، التّقوى ههنا، ويشير إلى صدره، ثلاث مرّات، بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام دمه، وماله وعرضه» ) * «3» . 52- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تنتفوا الشّيب، ما من مسلم يشيب في الإسلام إلّا كانت له نورا يوم القيامة» ) * «4» . 53- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يتوضّأ رجل مسلم فيحسن الوضوء فيصلّى صلاة إلّا غفر الله له ما بينه وبين الصّلاة الّتي تليها» ) * «5» . 54- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحلّ دم امرىء مسلم إلّا بإحدى ثلاث، كفر بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس» . فوالله ما زنيت في جاهليّة ولا في إسلام قطّ، ولا أحببت أنّ لي بديني بدلا منذ هداني الله، ولا قتلت نفسا فبم يقتلونني؟) * «6» . 55- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم القيامة دفع الله عزّ وجلّ إلى كلّ مسلم يهوديّا أو نصرانيّا، فيقول: هذا فكاكك من النّار» وفي رواية عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت رجل مسلم إلّا أدخل الله مكانه النّار يهوديّا أو نصرانيّا» ) * «7» . 56- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم «8» » ) * «9» . 57- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو كنت متّخذا خليلا «10» لا تّخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي» . وفي لفظ آخر: «لو كنت متّخذا خليلا لا تّخذته خليلا ولكن   (1) ولا تناجشوا: النجش في البيع أن يمدح السلعة لينفقها ويروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها. (2) لا يحقره: لا يحتقره. (3) مسلم (2564) . (4) أبو داود (4202) واللفظ له. الترمذي (2821) وقال: حديث حسن. النسائي (8/ 136) وقال محقق جامع الأصول: وإسناده حسن. (5) مسلم (227) . (6) أبو داود (4502) واللفظ له. والترمذي (2158) وقال: حديث حسن. والبغوي في شرح السنة (1./ 148) وقال محققه: إسناده صحيح. (7) مسلم (2767) . (8) تحلة القسم: أي ما ينحل به القسم وهو اليمين. (تحلة القسم) : هي تحلة قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها (مريم/ 71) . والقسم قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ (مريم/ 68) . (9) البخاري- الفتح 3 (1251) . ومسلم (2632) واللفظ له. (10) الخلة: الصداقة والمحبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 أخوّة الإسلام أفضل» ) *» . 58- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما حقّ امرىء مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلّا ووصيّته مكتوبة عنده» ) * «2» . 59- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام شيئا إلّا أعطاه. قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإنّ محمّدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة. فقال أنس: «إن كان الرّجل ليسلم ما يريد إلّا الدّنيا فما يسلم حتّى يكون الإسلام أحبّ إليه من الدّنيا وما عليها» ) * «3» 60- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلّا قال الملك: ولك بمثل) * «4» . 61- * (عن أمّ حبيبة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد مسلم يصلّي لله كلّ يوم ثنتي عشرة ركعة تطوّعا غير فريضة، إلّا بنى الله له بيتا في الجنّة- أو إلّا بني له بيت في الجنّة-» ) * «5» . 62- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلّا كان له به صدقة» ) * «6» . 63- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلّا وقاه الله فتنة القبر» ) * «7» . 64- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلّا غفر الله لهما قبل أن يفترقا» ) * «8» . 65- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مصيبة تصيب المسلم، إلّا كفّر الله بها عنه حتّى الشّوكة يشاكها» ) * «9» . 66- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من ميّت يصلّي عليه أمّة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلّا شفّعوا فيه» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 7 (3656، 3657) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 5 (2738) . ومسلم (1627) واللفظ له. (3) مسلم (2312) . (4) مسلم (2732) . (5) مسلم (728) . (6) البخاري- الفتح 5 (2320) واللفظ له ومسلم (1553) . (7) الترمذي (1074) . وأحمد في المسند. وقال محقق جامع الأصول (9/ 272) : والحديث بمجموع طرقه لا ينزل عن رتبة الحسن. (8) الترمذي (2727) وقال: حديث حسن. وأبو داود (5212) واللفظ لهما. وابن ماجة (3703) . صححه الألباني، صحيح الترمذي (2197) ، وهو في الصحيحة له (525) . (9) مسلم (2572) . (10) مسلم (947) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 67- * (عن أبي سعيد الخدريّ وأبي هريرة رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب «1» ولا وصب «2» ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ- حتّى الشّوكة يشاكها- إلّا كفّر الله بها من خطاياه» ) * «3» . 68- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة. ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «4» . 69- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ) * «5» . 70- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اتّبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتّى يصلّى عليها ويفرغ من دفنها، فإنّه يرجع من الأجر بقيراطين كلّ قيراط مثل أحد. ومن صلّى عليها ثمّ رجع قبل أن تدفن فإنّه يرجع بقيراط» ) * «6» . 71- * (عن أبي أمامة الحارثيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اقتطع حقّ امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النّار، وحرّم عليه الجنّة» . فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله. قال: «وإن قضيبا من أراك» ) * «7» . 72- * (عن حسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ) * «8» 73- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنّة «9» سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «10» . 74- * (عن كعب بن مرّة- رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من شاب شيبة في   (1) النصب: التعب. (2) الوصب: الوجع. (3) البخاري- الفتح. 1 (5641، 5642) واللفظ له. ومسلم (2573) . (4) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له. مسلم (2580) . (5) البخاري- الفتح 1 (10) واللفظ له. مسلم (40) . (6) البخاري- الفتح 1 (47) واللفظ له. ومسلم (945) . (7) مسلم (137) . (8) أحمد في المسند 1 (201) ، وقال محققه: إسناده صحيح. والترمذي (2318) واللفظ له. والهيثمي في المجمع (8/ 18) . وقال: رواه أحمد والطبراني في الثلاثة ورجال أحمد والكبير ثقات. وهو عند الترمذي أيضا من حديث أبي هريرة، وانظر كلام محقق «جامع الأصول» (11/ 729) و (10/ 134) . (9) السّنة: الطريقة والسيرة. وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلّى الله عليه وسلّم ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا، مما لم ينطق به الكتاب العزيز. (10) مسلم (1017) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 الإسلام كانت له نورا يوم القيامة» ) * «1» . 75- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ) * «2» . 76- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا. وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «3» . 77- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا أبا سعيد من رضي بالله ربّا، وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا وجبت له الجنّة» ) * «4» . 78- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة «5» » ) * «6» . 79- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل يتهجّد، قال «اللهمّ لك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ ولك الحمد، لك ملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحقّ، ووعدك الحقّ ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلّا أنت، أو لا إله غيرك» ) * «7» .   (1) الترمذي (1634) وقال: حديث حسن وصححه الألباني، صحيح الترمذي (1334) . (2) مسلم (2699) . (3) الترمذي (2305) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1876) . (4) مسلم (1884) . ومن لفظ له: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» مسلم (34) . (5) فرسن شاة: الفرسن: الظلف، وأصله في الإبل وهو فيها مثل القدم. (6) البخاري- الفتح 5 (2566) . ومسلم (1030) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 3 (1120) واللفظ له. ومسلم (478) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 الأحاديث الواردة في (الإسلام) معنى 80- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة، قال: «من هذه؟» . قالت: فلانة- تذكر من صلاتها «1» - قال: «مه، عليكم بما تطيقون فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا. وكان أحبّ الدّين إليه مادام عليه صاحبه» ) * «2» . 81- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإسلام) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: «لاحظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة» ) * «4» . 2- * (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: «إنّ عرى الدّين وقوامه الصّلاة والزّكاة لا يفرق بينهما، وحجّ البيت وصيام رمضان، وإنّ من أصلح الأعمال الصّدقة والجهاد» ) * «5» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال لابن أبي موسى الأشعريّ: «هل تدري ما قال أبي لأبيك؟. قال: قلت: لا. قال: فإنّ أبي قال لأبيك: يا أبا موسى! هل يسرّك إسلامنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كلّه معه برد لنا» ، وأنّ كلّ عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا برأس. فقال أبي: لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنّا لنرجو ذلك، فقال أبي: إنّي أنا والّذي نفس عمر بيده لوددت أنّ ذلك برد لنا وأنّ كلّ شيء عملنا بعد، نجونا منه كفافا «7» رأسا برأس. فقال ابن أبي موسى لابن عمر: إنّ أباك والله خير من أبي» ) * «8» . 4- * (قال حذيفة- رضي الله عنه-: «الإسلام ثمانية أسهم، الصّلاة سهم، والزّكاة سهم، والجهاد سهم، وصوم رمضان سهم، وحجّ البيت سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنّهي عن المنكر سهم، والإسلام سهم. وقد خاب من لا سهم له» ) * «9» .   (1) تذكر من صلاتها أي تذكر كثرة صلاتها. (2) البخاري- الفتح 1 (43) . (3) البخاري- الفتح 1 (39) والدّلجة السير آخر الليل. (4) الزهد للإمام أحمد (145) . (5) المصنف لابن أبي شيبة (11: 46) . (6) برد لنا: أي ثبت ودام، يقال برد على الغريم حق أي ثبت. (7) كفافا أي لا يوجب ثوابا ولا عقابا. (8) البخاري- الفتح 7 (3915) . (9) المصنف لابن أبي شيبة (11: 7) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 5- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: «ما أسلم أحد إلّا في اليوم الّذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيّام وإنّي لثلث «1» الإسلام» ) * «2» . 6- * (عن طارق بن شهاب، قال: «خرج عمر بن الخطّاب إلى الشّام ومعنا أبو عبيدة بن الجرّاح، فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفّيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين: أنت تفعل هذا تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة. ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوه «3» . لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم إنّا كنّا أذلّ قوم، فأعزّنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله» ) * «4» . 7- * (قيل لمحمّد بن الحنفيّة- رحمه الله-: «أبو بكر كان أوّل القوم إسلاما؟ قال: لا. قيل فبم علا أبو بكر وسبق حتّى لا يذكر غير أبي بكر؟ فقال كان أفضلهم إسلاما حين أسلم حتّى لحق بالله» ) * «5» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما زال الله يشفّع ويدخل الجنّة، ويشفّع ويرحم حتّى يقول: «من كان مسلما فليدخل الجنّة» ) * «6» . 9- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: «إنّ دين الله وضع فوق الغلوّ ودون التّقصير» ) * «7» . 10- * (أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن نوف الشّاميّ في قوله تعالى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى قال: «المسلم» ) * «8» .   (1) المراد بثلث الإسلام أنه كان بحسب علمه ثالث ثلاثة دخلوا في الإسلام والاثنان الآخران أبو بكر وخديجة. (2) البخاري- الفتح 7 (3727) . (3) أوه: كلمة توجع وتضجر. وهي ساكنة الواو مكسورة الهاء. وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا: آه من كذا، وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا: أوّه، وربما حذفوا الهاء فقالوا: أوّ. وبعضهم يقول: أوّه (النهاية (1/ 82) . (4) الحاكم في المستدرك (1: 62) وصححه ووافقه الذهبي. (5) المصنف لابن أبي شيبة (7/ 472) ط (دار الفكر) 1414 هـ. (6) ابن جرير في التفسير (8/ 14) . وابن أبي الدنيا في حسن الظن: (ص/ 1440) . (7) الدر المنثور للسيوطي (2/ 466) . (8) المرجع السابق (2/ 229) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 من فوائد (الإسلام) (1) عصمة المال والدّم والعرض. (2) إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. (3) تحقيق العدالة الاجتماعيّة والرّحمة والمساواة. (4) القضاء على النّظم الوضعيّة والمناهج الإلحاديّة. (5) حفظ كرامة الإنسان وحقوقه ومكتسباته. (6) يورث هداية القلب. (7) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (8) حصول الألفة والمحبّة والتّآخي بين النّاس. (9) مصدر العزّة والسّعادة في الدّارين. (10) يخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور فيعزّ النّاس بالذّلّ إلى الله سبحانه فيحصلون على شرف العبوديّة له. (11) يحصل صاحبه ومتّبعه على كمال الأمن والاهتداء في الدّنيا والآخرة. (12) الإسلام يحقّق الأمان في المجتمع فيعيش كلّ فرد آمنا من أذى أخيه قولا وفعلا. (13) الإسلام يحقّق التّكافل بين النّاس فيأخذ غنيّهم بيد فقيرهم وقويّهم بيد ضعيفهم ويصبح الجميع إخوة متحابّين. (14) الإسلام يورث التّواضع ويكسو المسلم ثوب العزّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 الأسوة الحسنة الأسوة لغة: اسم مصدر من الائتساء، وهي مأخوذة من مادّة (أس و) الّتي تدلّ على المداواة والإصلاح، يقال: أسوت الجرح إذا داويته، ولذلك يسمّى الطّبيب: الآسي، ويقال أسوت بين القوم إذا أصلحت بينهم، ومن هذا الباب لي في فلان أسوة (بالكسر والضّمّ) أي قدوة، أي إنّي أقتدي به، وأسّيت فلانا إذا عزّيته، من هذا أي قلت له: ليكن لك بفلان أسوة، فقد أصيب بمثل ما أصبت به فرضي وسلّم. وقال ابن منظور: الأسوة والإسوة: القدوة. ويقال: إئتس به أي اقتد به وكن مثله. قال اللّيث: فلان يأتسي بفلان أي يرضى لنفسه ما رضيه ويقتدي به، وكان في مثل حاله، والقوم أسوة في هذا الأمر أي حالهم فيه واحدة. والتّأسّي في الأمور: الأسوة، وكذا المؤاساة «1» . وقال البغويّ: هي فعلة من الائتساء كالقدوة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر، أي به اقتداء حسن «2» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 16/ 17 واصطلاحا: قال المناويّ: الأسوة: الحالة الّتي يكون الإنسان عليها في اتّباع غيره إن حسنا وإن قبيحا وإن سارّا وإن ضارّا «3» . قال الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ في تفسير قوله تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ... (الممتحنة/ 4) : الأسوة كالقدوة، وهي اتّباع الغير على الحالة الّتي يكون عليها حسنة أو قبيحة «4» . قال القرطبيّ: واختلف في هذه الأسوة بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم، هل هي على الإيجاب أو على الاستحباب على قولين: أحدهما على الإيجاب حتّى يقوم دليل على الاستحباب. الثّاني على الاستحباب حتّى يقوم دليل على الإيجاب. ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدّين وعلى الاستحباب في أمور الدّنيا «5» . لا بد للناس من مثل واقعية ونماذج قوية: لا يتمّ كسر القيود إلّا برؤية مثل، ورؤية نماذج من البشر تقدّم للنّاس أمثلة رائعة.   (1) لسان العرب (14/ 35) . وانظر ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (1/ 50) ، والمقاييس لابن فارس (1/ 106) . (2) تفسير البغوي (3/ 519) . (3) التوقيف (51) ، والكليات للكفوي (114) . (4) أضواء البيان (8/ 135) . (5) الجامع لأحكام القرآن (155- 156) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 يرهب الإنسان القوّة ويحترم البطولة. وتأخذ المعاني الرّائعة بجماع قلبه وتسري إلى فؤاده فتوقظ مشاعره وتتفتّح أمامه معاني الحقّ، ويسهل عليه اتّباعه، وأعلى درجات القوّة قوّة الحقّ والدّعوة إليه والصّبر في سبيله. ولولا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القريبون منه، ولولا هؤلاء لما كان من بعدهم من النّاس، ولولا الفتح لما دخل النّاس في دين الله أفواجا، وليس شيء من هذا مادّيّا، ولكنّ القوّة المادّيّة تخضع في النّهاية لقوّة الحقّ. لقد تمّ الإصلاح الّذي تمّ ببعثة محمّد صلّى الله عليه وسلّم الّذي غيّر صفحة التّاريخ. لقد تمّ ذلك بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وكانوا العنصر العمليّ التّنفيذيّ، وكان الوحي العنصر الأوّل الّذي كان يتلقّاه محمّد صلّى الله عليه وسلّم من خالق الأرض والسّماء ويبلّغه أصحابه. كان الوحي داعيا إلى كسر أغلال الجاهليّة، وكان الوسيلة القويّة إلى ذلك محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الّذين كانوا نماذج الحقّ والقوّة الّتي حطّمت الأغلال وأهابت بالنّاس أن يخرجوا أنفسهم من القيود الجائرة. وليس للمسلمين من سبيل إلّا هذا السّبيل، طليعة تتأسّى خطوات محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه شبرا بشبر وذراعا بذراع في كلّ ظاهرة وخفيّة وفي كلّ دقيقة وجليلة، في العبادة والتّفكير والحرب والتّدبير والسّياسة والدّعوة والجرأة والحكمة: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153) ولا يصلح آخر هذه الأمّة إلّا بما صلح عليه أوّلها. إنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم لم يعمد إلى إصلاح اقتصاديّ أو أخلاقيّ أو صحّيّ أو سياسيّ أو إداريّ أو علميّ، ولكنّه عمد إلى إصلاح الإيمان، ودعا بدعوة التّوحيد، فكان من بعد ذلك كلّ إصلاح وكلّ قوّة وكلّ خير. فرجل العقيدة هو السّبيل الوحيد لعلاج أنواع الانحرافات، ورجل العقيدة أعظم ذخر نقدّمه للعقيدة وأكبر رصيد نعدّه في سبيل نصرتها «1» . أنواع الأسوة: ذكر الشّيخ صالح بن حميد أنّ الأسوة نوعان حسنة وسيّئة، فالحسنة الاقتداء بأهل الخير والفضل والصّلاح في كلّ ما يتعلّق بمعالي الأمور وفضائلها. والسّيّئة: تعني السّير في المسالك المذمومة واتّباع أهل السّوء والاقتداء من غير حجّة أو برهان «2» . أهمية القدوة الحسنة: وهي تكمن في الأمور الآتية: 1- المثال الحيّ المرتقي في درجات الكمال، يثير في نفس البصير العامل قدرا كبيرا من الاستحسان والإعجاب والتّقدير والمحبّة. 2- القدوة الحسنة تعطي الآخرين قناعة بأنّ بلوغ هذه الفضائل من الأمور المختلفة.   (1) مقتطفات من كتاب المسؤولية للشيخ محمد أمين المصري (37- 40) . (2) مبادئ ونماذج في القدوة للشيخ صالح بن حميد (5، 6) بتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 3- الأتباع ينظرون إلى القدوة نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم «1» . أصول القدوة: الأصل الأوّل: الصّلاح وهو يتحقّق بثلاثة أركان. الرّكن الأوّل: الإيمان، والثّاني: العبادة، والثّالث: الإخلاص. الأصل الثّاني: حسن الخلق. الأصل الثّالث: موافقة القول العمل «2» . شواهد حية في مواقف القدوة: يعدّ الصّحابة نموذجا أعلى في القدوة وعلى رأسهم إمام الأئمّة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والإمام أحمد في فتنة خلق القرآن، وكذلك العلماء العاملون على مرّ الزّمان «3» . أثر القدوة الحسنة في انتشار الإسلام: إنّ من الوسائل المهمّة جدّا في تبليغ الدّعوة إلى الله، وجذب النّاس إلى الإسلام وامتثال أوامره واجتناب نواهيه القدوة الطّيّبة للدّاعي وأفعاله الحميدة وصفاته العالية وأخلاقه الزّاكية ممّا يجعله أسوة حسنة لغيره، يكون بها نموذجا يقرأ فيه النّاس معاني الإسلام فيقبلون عليها، وينجذبون إليها؛ لأنّ التّأثّر بالأفعال والسّلوك أبلغ وأكثر من التّأثّر بالكلام وحده. إنّ الإسلام انتشر في كثير من بلاد الدّنيا بالقدوة الطّيّبة للمسلمين الّتي كانت تبهر أنظار غير المسلمين وتحملهم على اعتناق الإسلام، والقدوة الحسنة الّتي يحقّقها الدّاعي بسيرته الطّيّبة هي في الحقيقة دعوة عمليّة للإسلام يستدلّ بها سليم الفطرة راجح العقل من غير المسلمين على أنّ الإسلام حقّ من عند الله «4» . [للاستزادة، انظر صفات: الاتباع- الاستقامة- الطاعة- الولاء والبراء. وفي ضد ذلك تنظر صفات: القدوة السيئة- الابتداع- اتباع الهوى- الإساءة- موالاة الكفار- الاعوجاج- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف] .   (1) مبادىء ونماذج في القدوة للشيخ صالح بن حميد (6- 11) بتصرف. (2) المرجع السابق (11- 29) بتصرف. (3) المرجع السابق (32- 38) بتصرف. (4) المرجع السابق (7- 8) بتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 الآيات الواردة في «الأسوة الحسنة» 1- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «1» 2- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) «2» الآيات الواردة في «الأسوة الحسنة» معنى 3- الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) «3» 4- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «4»   (1) الأحزاب: 21 مدنية (2) الممتحنة: 4- 6 مدنية (3) الأنعام: 82- 90 مكية (4) الأحقاف: 35 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 الأحاديث الواردة في (الأسوة الحسنة) 1- * (عن زرارة أنّ سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السّلاح والكراع «1» ويجاهد الرّوم حتّى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة. فنهوه عن ذلك وأخبروه؛ أنّ رهطا ستّة أرادوا ذلك في حياة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فنهاهم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «أليس لكم فيّ أسوة؟» . فلمّا حدّثوه بذلك راجع امرأته. وقد كان طلّقها وأشهد على رجعتها «2» . فأتى ابن عبّاس فسأله عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. فقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول صلّى الله عليه وسلّم؟. قال: من؟. قال: عائشة. فأتها فاسألها. ثمّ ائتني فأخبرني بردّها عليك «3» . فانطلقت إليها. فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها «4» فقال: ما أنا بقاربها «5» . لأنّي نهيتها أن تقول في هاتين الشّيعتين» شيئا فأبت فيهما إلّا مضيّا «7» . قال فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنّا عليها. فأذنت لنا، فدخلنا عليها. فقالت: أحكيم؟ (فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟. قال: سعد بن هشام. قالت: من هشام؟. قال: ابن عامر. فترحّمت عليه. وقالت خيرا. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) . فقلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: ألست تقرأ القرآن؟. قلت: بلى قالت: فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن «8» ، قال: فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحدا عن شيء حتّى أموت ثمّ بدا لي فقلت: انبئيني عن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟. قلت: بلى. قالت: فإنّ الله- عزّ وجلّ- افترض قيام اللّيل في أوّل هذه السّورة. فقام نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه حولا. وأمسك خاتمتها «9» اثني عشر شهرا في السّماء. حتّى أنزل الله، في آخر هذه السّورة، التّخفيف. فصار قيام اللّيل تطوّعا بعد فريضة. قال:   (1) الكراع: اسم للخيل. (2) رجعتها: بفتح الراء وكسرها. والفتح أفصح عند الأكثرين. وقال الأزهري: الكسر أفصح. (3) بردها عليك: أي بجوابها لك. (4) فاستلحقته إليها: أي طلبت منه مرافقته إياي في الذهاب إليها. (5) ما أنا بقاربها: يعني لا أريد قربها. (6) الشيعتين: الشيعتان الفرقتان. والمراد تلك الحروب التي جرت. يريد شيعة علي وأصحاب الجمل. (7) فأبت فيهما إلا مضيا: أي فامتنعت من غير المضي، وهو الذهاب، مصدر مضى يمضي: قال تعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا. (8) فإن خلق نبي الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته. (9) وأمسك الله خاتمتها: تعني أنها متأخرة النزول عما قبلها. وهي قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: كنّا نعدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله «1» ما شاء أن يبعثه من اللّيل. فيتسّوّك ويتوضّأ ويصلّي تسع ركعات. لا يجلس فيها إلّا في الثّامنة. فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ ينهض ولا يسلّم. ثمّ يقوم فيصلّي التّاسعة. ثمّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ يسلّم تسليما يسمعنا. ثمّ يصلّي ركعتين بعد ما يسلّم وهو قاعد. فتلك إحدى عشرة ركعة، يا بنيّ. فلمّا سنّ «2» نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخذه اللّحم «3» ، أوتر بسبع. وصنع في الرّكعتين مثل صنيعه الأوّل. فتلك تسع، يا بنّي. وكان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة أحبّ أن يداوم عليها. وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ القرآن كلّه في ليلة. ولا صلّى ليلة إلى الصّبح. ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال: فانطلقت إلى ابن عبّاس- رضي الله عنهما- فحدّثته بحديثها. فقال: صدقت. لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتّى تشافهني به. قال: قلت: لو علمت أنّك لا تدخل عليها «4» ما حدّثتك حديثها) * «5» . 2- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم. وتأتون الماء، إن شاء الله، غدا» فانطلق النّاس لا يلوي أحد على أحد «6» ، قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير حتّى ابهارّ اللّيل «7» وأنا إلى جنبه. قال: فنعس «8» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فمال عن راحلته. فأتيته فدعمته «9» من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى تهوّر اللّيل «10» مال عن راحلته. قال: فدعمته من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى إذا كان من آخر السّحر مال ميلة. هي أشدّ من الميلتين الأوليين. حتّى كاد ينجفل «11» . فأتيته فدعمته. فرفع رأسه فقال: «من هذا؟» . قلت: أبو قتادة. قال: «متى كان هذا مسيرك منّي؟» . قلت: مازال هذا مسيري منذ اللّيلة. قال: «حفظك الله بما حفظت به نبيّه «12» » . ثمّ قال: «هل ترانا نخفى على النّاس؟» . ثمّ قال: «هل ترى من أحد؟» . قلت: هذا راكب. ثمّ قلت: هذا راكب آخر. حتّى اجتمعنا فكنّا سبعة ركب «13» . قال: فمال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن   (1) فيبعثه الله: أي يوقظه؛ لأن النوم أخو الموت. (2) فلما سن: هكذا هو في معظم الأصول سن. وفي بعضها، أسن. وهذا هو المشهور في اللغة. (3) وأخذه اللحم: وفي بعض النسخ: وأخذ اللحم. وهما متقاربان. والظاهر أن معناه كثر لحمه. (4) لو علمت أنك لا تدخل عليها ... : قال القاضي عياض: هو على طريق العتب له في ترك الدخول عليها، ومكافأته على ذلك بأن يحرمه الفائدة حتى يضطر إلى الدخول عليها. (5) مسلم (746) (6) لا يلوي على أحد: أي لا يعطف. (7) ابهار الليل: أي انتصف. (8) فنعس: النعاس مقدمة النوم. (9) فدعمته: أي أقمت ميله من النوم، وصرت تحته. كالدعامة للبناء فوقها. (10) تهور الليل: أي ذهب أكثره. مأخوذ من تهور البناء، وهو انهداده. (11) ينجفل: أي يسقط. (12) بما حفظت به نبيه: أي بسبب حفظك نبيه. (13) سبعة ركب: هو جمع راكب. كصاحب وصحب، ونظائره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 الطّريق. فوضع رأسه. ثمّ قال: «احفظوا علينا صلاتنا» فكان أوّل من استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والشّمس في ظهره. قال: فقمنا فزعين. ثمّ قال: «اركبوا» . فركبنا فسرنا. حتّى إذا ارتفعت الشّمس نزل. ثمّ دعا بميضأة «1» كانت معي فيها شيء من ماء. قال: فتوضّأ منها وضوءا دون وضوء «2» . قال: وبقي فيها شيء من ماء. ثمّ قال لأبي قتادة: «احفظ علينا ميضأتك. فسيكون لها نبأ» . ثمّ أذّن بلال بالصّلاة. فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين. ثمّ صلّى الغداة فصنع كما كان يصنع كلّ يوم. قال: وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وركبنا معه. قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض «3» : ما كفّارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟. ثمّ قال: «أما لكم فيّ أسوة «4» ؟» . ثمّ قال: «أما إنّه ليس في النّوم تفريط «5» . إنّما التّفريط على من لم يصلّ الصّلاة حتّى يجيء وقت الصّلاة الأخرى. فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها. فإذا كان الغد فليصلّها عند وقتها» . ثمّ قال: «ما ترون النّاس صنعوا؟» . قال: ثمّ قال: أصبح النّاس فقدوا نبيّهم. فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدكم. لم يكن ليخلّفكم. وقال النّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أيديكم. فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا» . «6» . قال: فانتهينا إلى النّاس حين امتدّ النّهار، وحمي كلّ شيء. وهم يقولون: يا رسول الله هلكنا. عطشنا. فقال: «لا هلك عليكم «7» » . ثمّ قال: «أطلقوا لي غمري «8» » . قال: ودعا بالميضأة. فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصبّ، وأبو قتادة يسقيهم. فلم يعد أن رأى النّاس ماء في الميضأة تكابّوا عليها «9» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحسنوا الملأ «10» . كلّكم سيروى» . قال: ففعلوا. فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) بميضأة: هي الإناء الذي يتوضأ به، كالركوة. (2) وضوءا دون وضوء: أي وضوءا خفيفا. (3) يهمس الى بعض: أي يكلمه بصوت خفي. (4) أسوة: الّاسوة كالقدوة، والقدوة هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره. إن حسنا وإن قبيحا. وإن سارّا وإن ضارّا. ولهذا قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. فوصفها بالحسنة. كذا قال الراغب. (5) ليس في النوم تفريط: أي تقصير في فوت الصلاة. لانعدام الاختيار من النائم. (6) ما ترون النّاس صنعوا قال: ثمّ قال ... إلخ: (قال النّوويّ: معنى هذا الكلام أنّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا صلّى بهم الصّبح، بعد ارتفاع الشّمس، وقد سبقهم النّاس. وانقطع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهؤلاء الطّائفة اليسيرة عنهم. قال: ما تظنّون النّاس يقولون فينا؟. فسكت القوم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أمّا أبو بكر وعمر فيقولان للنّاس: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءكم. ولا تطيب نفسه أن يخلّفكم وراءه ويتقدّم بين أيديكم. فينبغي لكم أن تنتظروه حتّى يلحقكم. وقال باقي النّاس: إنّه سبقكم فالحقوه. فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، فإنّهما على الصّواب) . (7) لاهلك عليكم: أي لا هلاك. (8) أطلقوا لي غمري: أي ائتوني به. والغمر القدح الصغير. (9) فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها: أي لم يتجاوز رؤيتهم الماء في الميضأة تكابهم، أي تزاحمهم عليها، مكبّا بعضهم على بعض. (10) أحسنوا الملأ: الملأ الخلق والعشرة. يقال: ما أحسن ملأ فلان أي خلقه وعشرته. وما أحسن ملأ بني فلان أي عشرتهم وأخلاقهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 يصبّ وأسقيهم حتّى ما بقي غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ثمّ صبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «اشرب» . فقلت: لا أشرب حتّى تشرب يا رسول الله. قال: «إنّ ساقي القوم آخرهم شربا» . قال: فشربت. وشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فأتى النّاس الماء جامّين رواء «1» قال: فقال عبد الله بن رباح: إنّي لأحدّث هذا الحديث في مسجد الجامع «2» . إذ قال عمران بن حصين: انظر أيّها الفتى كيف تحدّث. فإنّي أحد الرّكب تلك اللّيلة. قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال: ممّن أنت؟. قلت: من الأنصار. قال: حدّث فأنتم أعلم بحديثكم. قال: فحدّثت القوم. فقال عمران: لقد شهدت تلك اللّيلة وما شعرت أنّ أحدا حفظه كما حفظته «3» ) * «4» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فطاف بالبيت سبعا وصلّى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصّفا والمروة، وقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب/ 21)) * «5» . الأحاديث الواردة في (الأسوة الحسنة) معنى 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: اتّخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خاتما من ذهب فاتّخذ النّاس خواتيم من ذهب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي اتّخذت خاتما من ذهب» . فنبذه وقال: «إنّي لن ألبسه أبدا فنبذ النّاس خواتيمهم» ) *» . 5- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه بات ليلة عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي خالته؛ قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى انتصف اللّيل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلس يمسح النّوم عن وجهه بيده ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنّ «7» معلّقة، فتوضّأ منها فأحسن وضوءه، ثمّ قام يصلّي، قال ابن عبّاس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع صلّى الله عليه وسلّم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلّى ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين، ثمّ أوتر ثمّ اضطجع   (1) جامين رواء: أي مستريحين قد رووا من الماء. والرواء ضد العطاش جمع ريان وريا، مثل عطشان وعطشى. (2) في مسجد الجامع: هو من باب إضافة الموصوف إلى صفته. فعند الكوفيين يجوز ذلك بغير تقدير. وعند البصريين لا يجوز إلا بتقدير. ويتأولون ما جاء بهذا بحسب مواطنه. والتقدير هنا: مسجد المكان الجامع. وفي قول الله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ أي المكان الغربي. وقوله تعالى: وَلَدارُ الْآخِرَةِ* أي الحياة الآخرة. (3) حفظت: ضبطناه، حفظته بضم التاء وفتحها. وكلاهما حسن. (4) مسلم 1 (681) . (5) النسائي (5/ 235) أين يصلي ركعتي الطواف. (6) البخاري- الفتح 13 (7298) . (7) الشّنّ: القربة الخلق والجمع شنان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 حتّى أتاه المؤذّن فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح» ) * «1» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: زوّجني أبي امرأة من قريش، فلمّا دخلت عليّ جعلت لا أنحاش «2» لها، ممّا بي من القوّة على العبادة، من الصّوم والصّلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كنّته «3» ، حتّى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك؟. قالت: خير الرّجال، أو كخير البعولة، من رجل لم يفتّش لنا كنفا، ولم يعرف لنا فراشا. فأقبل عليّ، فعذمني «4» ، وعضّني بلسانه، فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب، فعضلتها «5» ، وفعلت وفعلت، ثمّ انطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكاني، فأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته، فقال لي: أتصوم النّهار؟. قلت: نعم، قال: وتقوم اللّيل؟. قلت: نعم، قال: لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأمسّ النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي، قال: اقرأ القرآن في كلّ شهر، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال- أحدهما إمّا حصين وإمّا مغيرة-: فاقرأه في كلّ عشرة أيّام، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فاقرأه في كلّ ثلاث «6» ، قال: ثمّ قال: صم في كلّ شهر ثلاثة أيّام، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتّى قال: صم يوما وأفطر يوما، فإنّه أفضل الصّيام، وهو صيام أخي داود،. قال حصين في حديثه- ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ لكلّ عابد شرّة «7» ، ولكلّ شرّة فترة فإمّا إلى سنّة، وإمّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنّة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» ، قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو حيث ضعف وكبر، يصوم الأيّام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوّى بذلك، ثمّ يفطر بعد تلك الأيّام، قال: وكان يقرأ في كلّ حزبه كذلك، يزيد أحيانا، وينقص أحيانا، غير أنّه يوفّي العدد، إمّا في سبع، وإمّا في ثلاث، قال: ثمّ كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ ممّا عدل به أو عدل، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره) * «8» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا نظر أحدكم إلى من فضّل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممّن فضّل عليه» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 1 (183) واللفظ له. ومسلم (763) . (2) أنحاش: لا أنفر لها ولا أقبل عليها. (3) الكنّة: امرأة الابن وجمعها كنائن. (4) فعذمني: العذم الأخذ باللسان واللوم. (5) فعضلتها: فقهرتها وضيقت عليها. (6) أي في كل ثلاثة أيام، إذا حذف المعدود جاز في العدد التذكير والتأنيث. (7) الشرة: النشاط والرغبة. والفترة: الهدوء بعد الحدة. (8) البخاري- الفتح 4 (1975 و1976) . ومسلم (1159) . وأحمد (9/ 6477) وهذا لفظه. وقال الشيخ أحمد شاكر (9/ 235) : إسناده صحيح وهو حديث مشهور. (9) البخاري- الفتح 11 (6490) ، ومسلم (2963) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 8- * (عن مجاهد- رحمه الله- قال: دخلت أنا ويحيى بن جعدة على رجل من الأنصار من أصحاب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ذكر عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مولاة لبني عبد المطّلب فقال: إنّها قامت اللّيل وتصوم النّهار. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكنّي أنا أنام وأصلّي وأصوم وأفطر. فمن اقتدى بي فهو منّي ومن رغب عن سنّتي فليس منّي. إنّ لكلّ عمل شرّة ثمّ فترة، فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضلّ ومن كانت فترته إلى سنّتي فقد اهتدى» ) * «1» . 9- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سأل رجل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمسك القوم، ثمّ إنّ رجلا أعطاه فأعطى القوم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ خيرا فاستنّ به كان له أجره ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن سنّ شرّا فاستنّ به كان عليه وزره ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا» ) * «2» . 10- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قدمت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبطحاء وهو منيخ «3» ، فقال: «أحججت؟» . قلت: نعم. قال: «بم أهللت «4» ؟» . قلت: لبّيك بإهلال كإهلال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال: «أحسنت. طف بالبيت وبالصّفا والمروة ثمّ أحلّ «5» » . فطفت بالبيت وبالصّفا والمروة، ثمّ أتيت امرأة من قيس فقلّت رأسي، ثمّ أهللت بالحجّ، فكنت أفتي به حتّى كان في خلافة عمر، فقال: إن أخذنا بكتاب الله، فإنّه يأمرنا بالتّمام وإن أخذنا بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّه لم يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه) * «6» . 11- * (عن مجاهد- رحمه الله- قال: قلت لابن عبّاس: أنسجد في (ص) «7» ؟ فقرأ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ حتّى أتى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «8» فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: «نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ممّن أمر أن يقتدي بهم» ) * «9» . 12- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: كنت مع عليّ حين أمّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على اليمن فأصبت معه أواقي فلمّا قدم عليّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال عليّ: وجدت فاطمة قد نضحت البيت بنضوح «10» قال: فتخطّيته فقالت لي: مالك، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمر أصحابه فأحلّوا. قال: قلت: إنّي أهللت بإهلال   (1) الهيثمي في المجمع (3/ 193) واللفظ له وقال: رواه أحمد (5/ 409) ورجاله رجال الصحيح. (2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 91) واللفظ له وقال: رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ورواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة. والهيثمي في المجمع (1/ 167) وقال: رجاله رجال الصحيح. والترمذي (2677) من حديث بلال بن الحارث نحوه وقال حسن. (3) منيخ: اسم فاعل من أناخ أي أبرك جمله أو ناقته. (4) أهل المعتمر والحاج: رفع صوته بالتلبية. (5) أحلّ المحرم لغة في حلّ. (6) البخاري- الفتح 3 (1795) واللفظ له، ومسلم (1221) . (7) أنسجد في «ص» : أي عند قوله تعالى في سورة «ص» وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ. (8) الآيات 84- 90 من سورة الأنعام. (9) البخاري- الفتح 6 (3421) . (10) نضح البيت: رشه، والنضوح ما يرش به. والنّضوح- أيضا-: ضرب من الطيب تفوح رائحته. قال ابن الأثير في هذا الحديث: ونضحته بنضوح: أي طيّبته. (النهاية 5/ 70) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال: فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «كيف صنعت؟» . قلت: إنّي أهللت بما أهللت قال: «فإنّي قد سقت الهدي وقرنت» ) * «1» . 13- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي، إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره. ثمّ إنّها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. من جاهدهم بيده فهو مؤمن. ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» قال أبو رافع: فحدّثت عبد الله بن عمر فأنكره عليّ. فقدم ابن مسعود فنزل بقناة «2» . فاستتبعني إليه عبد الله ابن عمر يعوده. فانطلقت معه. فلمّا جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدّثنيه كما حدّثته ابن عمر» ) * «3» . 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبيت أحد ثلاث ليال إلّا ووصيّته مكتوبة، قال: فما بتّ من ليلة بعد إلّا ووصيّتي موضوعة» ) * «4» . 15- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: لأرمقنّ اللّيلة صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فتوسّدت عتبته أو فسطاطه، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين خفيفتين ثمّ صلّى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثمّ صلّى ركعتين دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين دون اللّتين قبلهما، ثمّ أوتر فتلك ثلاث عشرة ركعة» ) * «5» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة عينا «6» وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاريّ جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب، حتّى إذا كانوا بالهدا «7» بين عسفان ومكّة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصّوا آثارهم حتّى وجدوا مأكلهم التّمر في منزل نزلوه، فقالوا: تمر يثرب، فاتّبعوا آثارهم. فلمّا حسّ بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت: أيّها القوم، أمّا أنا فلا أنزل في ذمّة كافر. ثمّ قال: اللهمّ أخبر عنّا   (1) النسائي (5/ 157، 158) الحج بغير نية يقصده المحرم واللفظ له. وأصله عند البخاري 3 (1651) . ومسلم (1250) عن أنس. (2) قناة: واد من أودية المدينة (علم مؤنث) . (3) مسلم (50) . (4) أحمد وقال الشيخ شاكر (4469) : إسناده صحيح. (5) مسلم (765) . وتنوير الحوالك: (1/ 143 144) . وأبو داود (1366) واللفظ له. (6) عشرة عينا: أي عشرة رجال يكونون عينا له. (7) وقد وردت بلفظ الهدأة وفقا لما ورد في صحيح البخاري- ضبط الدكتور/ مصطفى البغا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 نبيّك صلّى الله عليه وسلّم: فرموهم بالنّبل فقتلوا عاصما، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق. منهم خبيب وزيد ابن الدّثنة ورجل آخر. فلمّا استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها، قال الرّجل الثّالث: هذا أوّل الغدر، والله لا أصحبكم، إنّ لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى فجرّروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم. فانطلق بخبيب وزيد بن الدّثنة حتّى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا- وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتّى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّ بها، فأعارته، فدرج بنيّ لها وهي غافلة حتّى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب. فقال: أتخشين أن أقتله؟. ما كنت لأفعل ذلك. قالت: والله ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنّه لموثّق بالحديد، وما بمكّة من ثمرة. وكانت تقول: إنّه لرزق رزقه الله خبيبا، فلمّا خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ. قال لهم خبيب: دعوني أصلّي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين فقال: لولا أن تحسبوا أنّ ما بي جزع لزدت. ثمّ قال: اللهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. ثمّ أنشأ يقول: فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع ثمّ قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله. وكان خبيب هو سنّ لكلّ مسلم قتل صبرا الصّلاة. وأخبر- يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدّثوا أنّه قتل- أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا عظيما من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظّلّة من الدّبر «1» فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا» ) * «2» .   (1) الدّبر: ذكور النحل أو الزنابير. (2) البخاري- الفتح 7 (3989) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الأسوة الحسنة) 1- * (عن أبي وائل، قال: «جلست إلى شيبة في هذا المسجد، قال: جلس إليّ عمر في مجلسك هذا. فقال: «هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلّا قسمتها بين المسلمين» . قلت: ما أنت بفاعل. قال: «لم؟» . قلت: لم يفعله صاحباك. قال: «هما المرآن يقتدى بهما» ) * «1» . 2- * (عن عمر- رضي الله عنه- أنّه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله، فقال: «إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك» ) * «2» . 3- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم، فقال عمر: «ما هذا الثّوب المصبوغ يا طلحة» . فقال طلحة: يا أمير المؤمنين، إنّما هو مدر» . فقال عمر: «إنّكم أيّها الرّهط أئمّة يقتدي بكم النّاس فلو أنّ رجلا جاهلا رأى هذا الثّوب لقال إنّ طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثّياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيّها الرّهط شيئا من هذه الثّياب المصبغة» ) * «4» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- دعا أخاه عبيد الله يوم عرفة إلى طعام، قال: إنّي صائم، قال: إنّكم أئمّة يقتدى بكم، قد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا بحلاب في هذا اليوم فشرب، وقال يحيى مرّة: أهل بيت يقتدى بكم» ) * «5» . 5- * (عن جابر بن سمرة؛ قال: قال عمر لسعد: قد شكوك في كلّ شيء حتّى في الصّلاة. قال: أمّا أنا فأمدّ في الأوليين وأحذف في الأخريين. وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: ذاك الظّنّ بك. أو ذاك ظنّي بك» ) * «6» . 6- * (عن نافع: أنّ ابن عمر دخل عليه ابنه عبد الله وظهره «7» في الدّار، فقال: إنّي لا آمن أن يكون العام بين النّاس قتال فتصدّ عن البيت، فلو أقمت؟. فقال: قد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحال كفّار قريش بينه وبين البيت، فإن يحل بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. قال: إنّي قد أوجبت عمرة، ثمّ سار حتّى إذا كان بالبيداء، قال: ما أرى أمرهما إلّا واحدا، أشهدكم أنّي قد أوجبت مع عمرتي حجّا، ثمّ قدم فطاف لهما طوافا واحدا» ) * «8» . 7- * (عن سعيد بن يسار؛ أنّه، قال: كنت أسير مع ابن عمر بطريق مكّة. قال سعيد: فلمّا خشيت الصّبح نزلت فأوترت. ثمّ أدركته. فقال لي ابن عمر: أين كنت؟. فقلت له: خشيت الفجر   (1) البخاري- الفتح 13 (7275) . (2) البخاري- الفتح 3 (1597) . (3) المدر: الطين. (4) تنوير الحوالك/ شرح موطأ مالك (1/ 304) . (5) أحمد (1/ 346) وقال الشيخ أحمد شاكر (3239) : إسناده صحيح. (6) البخاري- الفتح 2 (770) . (7) الظهر: ما يركب أو يحمل عليه في السفر. (8) أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر (4480) : إسناده صحيح واللفظ له. رواه مالك في الموطأ (1/ 329/ 330) مختصرا. ورواه البخاري مطولا، ورواه مسلم كما في الفتح، انظر (6/ 223) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 فنزلت فأوترت، فقال عبد الله: أليس لك في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة؟. فقلت: بلى والله. قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يوتر على البعير» ) * «1» . 8- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس بن حصن وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبابا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاس: فاستأذن لعيينة، فلمّا دخل قال: يا ابن الخطّاب، والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ بأن يقع به، فقال الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) وإنّ هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله» ) * «2» . 9- * (عن سعيد بن جبير قال: «كنت مع ابن عمر حيث أفاض من عرفات، ثمّ أتى جمعا فصلّى المغرب والعشاء، فلمّا فرغ قال: فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا المكان مثل ما فعلت. قال هشيم مرّة: فصلّى بنا المغرب، ثمّ قال: الصّلاة، وصلّى ركعتين، ثمّ قال: هكذا فعل بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا المكان» ) * «3» . 10- * (عن إبراهيم بن أدهم؛ قال: سألت ابن شبرمة عن شيء وكانت عندي مسألة شديدة، فقلت: رحمك الله انظر فيها، قال: «إذا وضح لي الطّريق ووجدت الأثر لم أحبس «4» » ) * «5» . 11- * (قال مجاهد- في قول الله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (الفرقان/ 74) قال: أئمّة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدى بنا من بعدنا» ) * «6» . 12- * (عن إبراهيم النّخعيّ؛ قال: لقد أدركت أقواما، لو لم يجاوز أحدهم ظفرا لما جاوزته، كفى إزراء على قوم أن تخالف أفعالهم) * «7» . 13- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه» ) * «8» . 14- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... : هذه الآية الكريمة أصل كبير في التّأسّي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أقواله وأفعاله وأحواله. ولهذا أمر الله تبارك وتعالى النّاس بالتّأسّي بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربّه عزّ وجلّ) * «9» .   (1) مسلم (700) . (2) البخاري- الفتح 13 (7286) . (3) أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر (4460) : إسناده صحيح. (4) أي لم أحبس كلامي عنك. (5) الدارمي (1/ 83) برقم (220) . (6) قال الحافظ في الفتح (13/ 265) أخرجه الفريابي والطبري وغيرهما بسند صحيح. (7) الدارمي (1/ 83) برقم (218) . (8) الفوائد (67) . (9) تفسير القرآن العظيم (3/ 483) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 15- * (قال ابن حجر: «كانت الأئمّة بعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السّنّة لم يتعدّوه إلى غيره اقتداء بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» . 16- * (قال بعضهم في التّأسّي بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا ... كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا وإن نحن أضللنا الطّريق ولم نجد ... دليلا كفانا نور وجهك هاديا ) * «2» . 17- * (عن وهب بن منبّه؛ قال: «كان جبّار في بني إسرائيل يقتل النّاس على أكل لحوم الخنازير، فلم يزل الأمر ... حتّى بلغ إلى عابد من عبّادهم، قال: فشقّ ذلك على النّاس، فقال له صاحب الشّرطة: إنّي أذبح لك جديا، فإذا دعاك الجبّار لتأكل فكل، فلمّا دعاه ليأكل أبى أن يأكل، قال: أخرجوه فاضربوا عنقه، فقال له صاحب الشّرطة: ما منعك أن تأكل وقد أخبرتك أنّه جدي قال: إنّي رجل منظور إليّ، وإنّي كرهت أن يتأسّى بي في معاصيّ، قال: فقتله» ) * «3» . من فوائد (الأسوة الحسنة) (1) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المثل الأعلى في الأسوة الحسنة في أخلاقه وأفعاله وأقواله وسائر صفاته. (2) والمسلم إذا راقب الله- عزّ وجلّ- في عباداته ومعاملاته وأجراها وفق ما أمر الله وما أمر رسوله كان متأسّيا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (3) دليل الحبّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نتأسّى به. (4) إذا ظهر المسلم بمظهر التّأسّي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّه النّاس ووثقوا به وجعلوه قدوة يحتذى بها. (5) المسلم المتتبّع لنهج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المقتفي أثر السّلف يجد في نفسه سعادة ما بعدها سعادة لأنّه يرى نفسه على بصيرة وهدى وينظر بنور ويسير في الطّريق الصّحيح. (6) على العلماء أن يكونوا قدوة للنّاس في أعمالهم لأنّهم موضع الأسوة. (7) في الأخذ بالكتاب والسّنّة اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (8) بالأسوة الحسنة يتحقّق النّجاح في مجال التّربية. (9) في التّشدّد والتّطرّف خروج عن الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (10) التّأسّي في الدّين يكون بنظر الإنسان إلى من هو فوقه وفي الدّنيا بالنّظر لمن هو دونه. (11) من سنّ خيرا فاتّخذه النّاس قدوة وتأسّوا به كان له أجره وأجر من عمل بمثل عمله.   (1) فتح الباري (13/ 351) . (2) الفوائد (56) . (3) كتاب الورع لابن أبي الدنيا (114- 115) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 الإصلاح الإصلاح لغة: مصدر أصلح يصلح وهو مأخوذ من مادّة (ص ل ح) الّتي تدلّ على «خلاف الفساد» يقال: صلح الشّيء يصلح صلاحا، ويقال أيضا: صلح (بفتح اللّام) والمصدر صلوح، وذلك كما في قول الشّاعر: وكيف بأطرافي إذا ما شتمتني ... وما بعد شتم الوالدين صلوح وقال ابن منظور: الإصلاح: نقيض الإفساد. وأصلح الشّيء بعد فساده: أقامه. وأصلح الدّابّة: أحسن إليها فصلحت. والصّلح: تصالح القوم بينهم. والصّلح: السّلم. وقد اصطلحوا وصالحوا وتصالحوا واصّلحوا واصّالحوا مشدّدة الصّاد قلبوا التّاء صادا، وأدغموها في الصّاد بمعنى واحد. وقوم صلوح: متصالحون، كأنّهم وصفوا بالمصدر. والصّلاح- بكسر الصّاد-: مصدر كالمصالحة، والعرب تؤنّثها، والاسم الصّلح، يذكّر ويؤنّث. وأصلح ما بينهم وصالحهم مصالحة وصلاحا «1» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 25/ 17/ 8 واصطلاحا: مأخوذ من الصّلح: وهو عقد يرفع النّزاع وهو بمعنى المصالحة، وهو المسالمة خلاف المخاصمة، وأصله من الصّلاح وهو ضدّ الفساد، ومعناه دالّ على حسنه الذّاتيّ، وكم من فساد انقلب به إلى الصّلاح بحسنه؛ ولهذا أمر الله تعالى به عند حصول الفساد والفتن بقوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما (الحجرات/ 9) ، وقال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. قالوا: معناه جنس الصّلح خير ... فيعلم بهذا أنّ جميع أنواع الصّلح حسنة؛ لأنّ فيه إطفاء الثّائرة بين النّاس، ورفع المنازعات الموبقات عنهم «2» . من أنواع الإصلاح: إصلاح ذات البين: ومعنى ذات البين: صاحبة البين، والبين في كلام العرب يأتي على وجهين متضادّين: فيأتي بمعنى الفراق والفرقة، ويأتي بمعنى الوصل. وإصلاح ذات البين على المعنى الأوّل:   (1) لسان العرب لابن منظور (2/ 516، 517) . وانظر: مختار الصحاح (367) . ومقاييس اللغة (3/ 303) . (2) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي (5/ 29، 30) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 يكون بمعنى إصلاح صاحبة الفرقة بين المسلمين، وإصلاحها يكون بإزالة أسباب الخصام، أو بالتّسامح والعفو، أو بالتّراضي على وجه من الوجوه، وبهذا الإصلاح يذهب البين وتنحلّ عقدة الفرقة. أمّا إصلاح ذات البين على المعنى الثّاني، فيكون بمعنى إصلاح صاحبة الوصل والتّحابب والتّآلف بين المسلمين، وإصلاحها يكون برأب ما تصدّع منها، وإزالة الفساد الّذي دبّ إليها بسبب الخصام والتّنازع على أمر من أمور الدّنيا «1» . الإصلاح في القرآن الكريم: وقد ورد الإصلاح في القرآن الكريم في مواضع متعدّدة، منها قوله تعالى على لسان موسى- عليه السّلام- يوصي أخاه هارون: وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (الأعراف/ 142) . وهو هنا بمعنى الرّفق. ومنه قوله تعالى على لسان نبيّ الله شعيب عليه السّلام: قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود/ 88) . وهو هنا بمعنى الإحسان. ومنه قوله تعالى في وصف المنافقين: قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (البقرة/ 11) . ومنه قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (الأعراف/ 85) . قال المفسّرون: الإصلاح هنا الطّاعة، ضدّ الإفساد وهو المعصية. ومنه قوله تعالى: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (هود/ 117) والإصلاح هنا بمعنى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- التعاون على البر والتقوى- حسن المعاملة. العفو- المروءة- النصيحة- التقوى الصفح. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الفساد- التعاون على الإثم والعدوان- سوء المعاملة- العدوان] .   (1) انظر: الأضداد للأنباري: 75، والأضداد للأصمعي والسجستاني وابن السكيت (52، 351- 352، 225) . والأخلاق الإسلامية للميداني (2/ 230) . (2) انظر: نزهة العيون النواظر (397/ 398) بتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 الآيات الواردة في «الإصلاح» الإصلاح بعد التوبة مطمع في الغفران: 1- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) «1» 2- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «2» 3- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) «3» 4- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) «4» 5- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) «5» 6- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «6»   (1) البقرة: 159- 160 مدنية (2) آل عمران: 86- 89 مدنية (3) النساء: 15- 16 مدنية (4) النساء: 145- 146 مدنية (5) الأنعام: 48- 49 مكية (6) الأنعام: 54 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 7- يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) «1» 8- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «2» الأمر بإصلاح ذات البين: 9- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) «3» 10- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) «4» 11- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) » 12- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) «6» 13- * لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) «7» 14- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما   (1) الأعراف: 35 مكية (2) النور: 4- 5 مدنية (3) البقرة: 180- 182 مدنية (4) البقرة: 224- 225 مدنية (5) البقرة: 228 مدنية (6) النساء: 34- 35 مدنية (7) النساء: 114 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) «1» 15- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) «2» 16- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) «3» النهي عن الإفساد بعد الإصلاح: 17- وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «4» 18- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) «5» 19- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142)   (1) النساء: 127- 130 مدنية (2) الأنفال: 1 مدنية (3) الحجرات: 9- 10 مدنية (4) الأعراف: 56 مكية (5) الأعراف: 85 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) «1» 20- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) «2» الأمر بالإصلاح في النبوة والإمارة: 21- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «3» 22- * وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) «4» 23- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)   (1) الشعراء: 141- 152 مكية (2) النمل: 45- 51 مكية (3) البقرة: 219- 220 مدنية (4) الأعراف: 142 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) «1» ثواب الإصلاح والمصلحين: 24- وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) «2» 25- وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) «3»   (1) هود: 87- 88 مكية (2) الأعراف: 170 مكية (3) الشورى: 40 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 الأحاديث الواردة في (الإصلاح) 1- * (عن أبي موسى قال سمعت الحسن يقول: «استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إنّي لأرى كتائب لا تولّي حتّى تقتل أقرانها، فقال له معاوية- وكان والله خير الرّجلين-: أي عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور النّاس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس- عبد الرّحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز- فقال: اذهبا إلى هذا الرّجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه، فأتياه فدخلا عليه، فتكلّما وقالا له وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن عليّ: إنّا بنو عبد المطّلب؛ قد أصبنا من هذا المال، وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنّه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلّا قالا: نحن لك به، فصالحه: فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر والحسن بن عليّ إلى جنبه وهو يقبل على النّاس مرّة وعليه أخرى ويقول: «إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ) * «1» . 2- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة» ) * «2» 3- * (عن زيد بن ملحة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين ليأرز «3» إلى الحجاز كما تأرز الحيّة إلى جحرها، وليعقلنّ الدّين من الحجاز معقل الأرويّة «4» من رأس الجبل. إنّ الدّين بدأ غريبا ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء الّذين يصلحون ما أفسد النّاس من بعدي من سنّتي» ) * «5» . 4- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار على أن يعقلوا معاقلهم، وأن يفدوا عانيهم «6» بالمعروف، والإصلاح بين المسلمين) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 5 (2704) واللفظ في 13 (7109) . (2) أبو داود 4 (4919) . والترمذي 4 (2509) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين..» . وقال محقق جامع الأصول (6/ 668) : وهو حديث صحيح. (3) يأرز إلى الحجاز: أي يجتمع وينضم كما تأرز الحية إلى جحرها. (4) الأروية: هي أنثى الوعول، برؤوس الجبال وجمعها: أروى. (5) الترمذي 5 (2630) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. (6) عانيهم: العاني الذليل والأسير. (7) أحمد (1/ 271) واللفظ له. والهيثمي في المجمع (4/ 206) وأشار إلى رواية أحمد وقال: فيه الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ولكنه ثقة.. وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (11/ 125، ح 6904) : إسناده صحيح. وأشار إلى رواية ابن عباس أيضا (ح 2443) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 5- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس إذ رأيناه ضحك حتّى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمّي؟ قال: «رجلان من أمّتي جثيا بين يدي ربّ العزّة، فقال أحدهما: يا ربّ خذ لي مظلمتي من أخي. فقال الله- تبارك وتعالى- للطّالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا ربّ فليحمل من أوزاري» . قال: وفاضت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبكاء ثمّ قال: «إنّ ذاك اليوم عظيم يحتاج النّاس أن يحمل عنهم من أوزارهم. فقال الله تعالى للطّالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان. فرفع رأسه فقال: يا ربّ أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكلّلة باللّؤلؤ لأيّ نبيّ هذا؟ أو لأيّ صدّيق هذا؟ أو لأيّ شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثّمن. قال: يا ربّ ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: بماذا؟. قال: بعفوك عن أخيك. قال يا ربّ فإنّي قد عفوت عنه. قال الله- عزّ وجلّ- فخذ بيد أخيك فأدخله الجنّة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: اتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإنّ الله تعالى يصلح بين المسلمين» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء «2» فيقال: أنظروا هذين «3» حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا» ) * «4» . 7- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جبا الرّكيّة «5» . فإمّا دعا، وإمّا بسق «6» فيها. قال: فجاشت «7» . فسقينا واستقينا. قال: ثم إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعانا للبيعة في أصل الشّجرة. قال: فبايعته أوّل النّاس ثمّ بايع وبايع حتّى إذا كان في وسط من النّاس، قال: «بايع. يا سلمة» . قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس. قال: «وأيضا» . قال: ورآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزلا «8» (يعني ليس معه سلاح) . قال: فأعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجفة أو درقة «9» ثمّ بايع حتّى إذا كان في آخر النّاس قال: ألا   (1) الحاكم في المستدرك (4/ 576) واللفظ له، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والمنذري في الترغيب (3/ 309) وأشار إلى تصحيح الحاكم وقال: أخرجه البيهقي. (2) شحناء: عداوة وبغضاء. (3) انظروا: أي أخروهما. (4) مسلم (2565) . (5) جبا الركية: الجبا ما حول البئر. والركي البئر. والمشهور في اللغة ركي، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره. (6) وإما بسق: هكذا هو في النسخ: بسق. وهي صحيحة. يقال: بزق وبصق وبسق. ثلاث لغات بمعنى. والسين قليلة الاستعمال. (7) فجاشت: أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، اذا ارتفع. (8) عزلا: ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والثاني ضمهما. وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا. (9) حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 تبايعني يا سلمة؟» . قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس، وفي أوسط النّاس. قال: «وأيضا» قال: فبايعته الثّالثة. ثمّ قال لي: «يا سلمة أين حجفتك أو درقتك الّتي أعطيتك؟» . قال: قلت: يا رسول الله لقيني عمّي عامر عزلا. فأعطيته إيّاها. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّك كالّذي قال الأوّل «1» : اللهمّ أبغني» حبيبا هو أحبّ إليّ من نفسي» . ثمّ إنّ المشركين راسلونا «3» الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض «4» ، واصطلحنا. قال وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله «5» . أسقي فرسه، وأحسّه «6» ، وأخدمه، وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. قال فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها «7» فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأبغضتهم فتحوّلت إلى شجرة أخرى. وعلّقوا سلاحهم، واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين؛ قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «8» ثمّ شددت «9» على أولئك الأربعة، وهم رقود فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا «10» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «11» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «12» يقال له مكرز يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فرس مجفّف «13» . في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه «14» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ   (1) إنك كالذي قال الأول: الذي صفة لمحذوف. أي إنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول: بالرفع فاعل. والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه. (2) أبغني: أي أعطني. (3) راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح. (4) مشى بعضنا في بعض: في هنا بمعني إلى. أي مشى بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع. فيكون المعنى مشى بعضنا مع بعض. (5) كنت تبيعا لطلحة: أي خادما أتبعه. (6) وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه. (7) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك. (8) فاخترطت سيفي: أي سللته. (9) شددت: حملت وكررت. (10) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع. (11) الذي فيه عيناه: يريد رأسه. (12) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبليّ. ترده إلى الواحد. (13) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف. (14) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلها ... الحديث) * «1» . 8- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لو أتيت عبد الله بن أبيّ. فانطلق إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وركب حمارا فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة- فلمّا أتاه النّبيّ قال: إليك عنّي. والله لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطيب ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما «2» فغضب لكلّ واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنّعال. فبلغنا أنّها أنزلت وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما الحجرات/ 9) * «3» . 9- * (عن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط- وكانت من المهاجرات الأول اللّاتي بايعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرته أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس، ويقول خيرا وينمي «4» خيرا» ) * «5» . الأحاديث الواردة في (الإصلاح) معنى 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة كلّ يوم تطلع فيه الشّمس يعدل «6» بين النّاس صدقة» ) * «7» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإصلاح) 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له. فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي. إنّما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذّهب. فقال الّذي شرى «8» الأرض: إنّما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحا كما إلى رجل فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟   (1) مسلم (1807) . (2) فشتما: هكذا في الفتح، وعبارة البخاري (طبعة البغا) : فشتمه. (3) البخاري- الفتح 5 (2691) واللفظ له. ومسلم (1799) وليس عند مسلم قوله «فشتما» . (4) ينمي: بدون تشديد بمعنى نقل ما فيه خير وإصلاح وبالتشديد الإفساد. (5) البخاري- الفتح 5 (2692) . مسلم (2605) واللفظ له. (6) يعدل بين الناس: يصلح بينهم. (7) البخاري- الفتح 5 (2707) واللفظ له. ومسلم (1009) . (8) شرى: باع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 فقال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية. وأنفقوا على أنفسكما منه. وتصدّقا» ) * «1» . 12- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه-: أنّ ناسا من بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء فخرج إليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أناس من أصحابه يصلح بينهم، فحضرت الصّلاة، ولم يأت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأذّن بلال بالصّلاة، ولم يأت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فجاء إلى أبي بكر فقال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حبس، وقد حضرت الصّلاة، فهل لك أن تؤمّ النّاس؟ فقال: نعم، إن شئت. فأقام الصّلاة فتقدّم أبو بكر، ثمّ جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمشي في الصّفوف حتّى قام في الصّفّ الأوّل، فأخذ النّاس في التّصفيح «2» حتّى أكثروا- وكان أبو بكر لا يكاد يلتفت في الصّلاة- فالتفت فإذا هو بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءه، فأشار إليه بيده، فأمره أن يصلّي كما هو، فرفع أبو بكر يده فحمد الله ثمّ رجع القهقرى وراءه حتّى دخل في الصّفّ فتقدّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصلّى بالنّاس. فلمّا فرغ أقبل على النّاس فقال: «يا أيّها النّاس، إذا نابكم شيء في الصّفّ، في صلاتكم أخذتم بالتّصفيح، إنّما التّصفيح للنّساء، من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله، فإنّه لا يسمعه أحد إلّا التفت. يا أبا بكر، ما منعك حين أشرت إليك لم تصلّ بالنّاس؟» فقال: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 13- * (عن كعب بن مالك أنّه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد فارتفعت أصواتهما حتّى سمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيته فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهما حتّى كشف سجف حجرته فنادى كعب بن مالك، فقال: «يا كعب» فقال: لبّيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشّطر. فقال كعب: قد فعلت يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قم فاقضه» ) * «4» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول: والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أين المتألّي على الله لا يفعل المعروف؟ فقال: أنا يا رسول الله، فله أيّ ذلك أحبّ) * «5» . 15- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: توفّي أبي وعليه دين فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التّمر بما عليه فأبوا، ولم يروا أنّ فيه وفاء فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له فقال: «إذا جددته فوضعته في المربد آذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» . فجاء ومعه   (1) مسلم (1721) . (2) التصفيح: قال النووي: التصفيح أن تضرب المرأة كفها الأيمن ظهر كفها الأيسر، وقد يحدث من الرجال كما هنا. (3) البخاري- الفتح 5 (2690) واللفظ له. ومسلم (421) . (4) البخاري- الفتح 5 (2710) . (5) البخاري- الفتح 5 (2705) . (ومعنى أيّ ذلك أحب) أي من الوضع أو الرفق وراجع صفة «الإحسان» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 أبو بكر وعمر فجلس عليه ودعا بالبركة ثمّ قال: «ادع غرماءك فأوفهم «1» » . فما تركت أحدا له على أبي دين إلّا قضيته، وفضل ثلاثة عشر وسقا: سبعة عجوة وستّة لون «2» ، أو ستّة عجوة وسبعة لون. فوافيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المغرب فذكرت ذلك له فضحك فقال: «ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما» فقالا: لقد علمنا- إذ صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما صنع- أن سيكون ذلك) * «3» . 16- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ أهل قباء اقتتلوا حتّى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فقال: «اذهبوا بنا نصلح بينهم» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإصلاح) 1- * (روي أنّ ابن أبي عذرة الدّؤليّ- وكان في خلافة عمر- رضي الله عنه- كان يخلع النّساء اللّاتي يتزوّج بهنّ، فطارت له في النّاس من ذلك أحدوثة يكرهها، فلمّا علم بذلك أخذ بيد عبد الله بن الأرقم حتّى أتى به إلى منزله، ثمّ قال لامرأته: أنشدك بالله هل تبغضينني؟ قالت: لا تنشدني، قال: فإنّي أنشدك الله، قالت: نعم. فقال لابن الأرقم: أتسمع؟ ثمّ انطلقا حتّى أتيا عمر- رضي الله عنه- فقال: إنّكم لتحدّثون أنّي أظلم النّساء وأخلعهنّ فاسأل ابن الأرقم. فسأله فأخبره، فأرسل إلى امرأة ابن أبي عذرة فجاءت هي وعمّتها، فقال: أنت الّتي تحدّثين لزوجك أنّك تبغضينه؟ فقالت: إنّي أوّل من تاب وراجع أمر الله تعالى. إنّه ناشدني فتحرّجت أن أكذب. أفأكذب يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فاكذبي، فإن كان إحداكنّ لا تحبّ أحدنا فلا تحدّثه بذلك؛ فإنّ أقلّ البيوت الّذي بني على الحبّ ولكنّ النّاس يتعاشرون بالإسلام والأحساب» ) * «5» . 2- * (قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخّص في شيء ممّا يقول النّاس كذب إلّا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين النّاس، وحديث الرّجل امرأته وحديث المرأة زوجها» ) * «6» . 3- * (قال ابن بابويه: «إنّ الله- عزّ وجلّ- أحبّ الكذب في الإصلاح، وأبغض الصّدق في الفساد» ) *» . 4- * (يقول ابن القيّم- رحمه الله-: «فالصّلح الجائز بين المسلمين هو الّذي يعتمد فيه رضا الله سبحانه ورضا الخصمين، فهذا أعدل الصّلح وأحقّه، وهو يعتمد العلم والعدل، فيكون المصلح عالما   (1) فأوفهم: أي أعطهم وأوسع عليهم. (2) اللون: ماعدا العجوة، وقيل: هو الدقل وهو الرديء، وقيل: اللون اللين واللينة، وقيل: الأخلاط من التمر (3) البخاري- الفتح 5 (2709) . (4) البخاري- الفتح 5 (2693) . (5) إحياء علوم الدين (3/ 138) . (6) البخاري- الفتح 5 (353) . (7) منهاج الصالحين للبليق (420) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 بالوقائع، عارفا بالواجب، قاصدا للعدل، فدرجة هذا أفضل من درجة الصّائم القائم» ) * «1» . 5- * (عن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت جالسا مع محمّد بن كعب القرظيّ، فأتاه رجل فقال له القوم: أين كنت؟ فقال: أصلحت بين قوم، فقال محمّد بن كعب: أصبت. لك مثل أجر المجاهدين، ثمّ قرأ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ ... (النساء/ 114)) * «2» . 6- * (قال العلماء: لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما، إمّا أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا أو لا، فإن كان الأوّل؛ فالواجب في ذلك أن يمشى بينهما بما يصلح ذات البين، ويثمر المكافّة والموادعة. فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغى صير إلى مقاتلتهما، وأمّا إن كان الثّاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكفّ وتتوب؛ فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغيّ عليها بالقسط والعدل، فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقّة، فالواجب إزالة الشّبهة بالحجّة النّيّرة والبراهين القاطعة على مراشد الحقّ. فإن ركبتا متن اللّجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتّباع الحقّ بعد وضوحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين) * «3» . 7- * (قال الطّبريّ عند قوله تعالى: أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ (النساء/ 114) «هو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين بما أباح الله الإصلاح بينهما ليرجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة على ما أذن الله وأمر به) * «4» . 8- * (قال الفضيل: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل يا أخي اعف عنه فإنّ العفو أقرب للتّقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني الله- عزّ وجلّ- قل: فإن كنت تحسن تنتصر مثلا بمثل وإلّا فارجع إلى باب العفو فإنّه باب أوسع؛ فإنّه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام اللّيل على فراشه، وصاحب الانتصار يقلّب الأمور) * «5» . من فوائد (الإصلاح) (1) الإصلاح بين المؤمنين إذا تنازعوا واجب لا بدّ منه لتستقيم حياة المجتمع ويتّجه نحو العمل المثمر. (2) بالإصلاح تحلّ المودّة محلّ القطيعة، والمحبّة محلّ الكراهية، ولذا يستباح الكذب في سبيل تحقيقه. (3) الإصلاح بين النّاس يغرس في نفوسهم فضيلة   (1) أعلام الموقعين (1/ 109- 110) (2) المرجع السابق (2/ 685) . (3) الجامع لأحكام القرآن الكريم (16/ 208) . (4) تفسير الطبري (4/ 276) . (5) حلية الأولياء (5/ 112) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 العفو. (4) الإصلاح منبعه النّفوس السّامية ولذا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخرج بنفسه ويسعى للإصلاح بين النّاس. (5) اكتساب الحسنات والثّواب الجزيل من جرّاء الإصلاح بين النّاس. (6) إصلاح ذات البين أفضل من نافلة الصّيام والصّلاة والصّدقة. (7) يثمر المغفرة للمتخاصمين عند المصالحة. (8) عدم الإصلاح يؤدّي إلى استشراء الفساد وقسوة القلوب، وضياع القيم الإنسانيّة الرّفيعة. (9) الإصلاح بين النّاس عهد أخذ على المسلمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 الاعتبار الاعتبار لغة: مصدر «اعتبر» وهو مأخوذ من مادّة (ع ب ر) الّتي تدلّ على النفوذ والمضيّ في الشّيء، يقال: عبرت النّهر عبورا، وعبر النّهر (بالفتح والكسر) شطّه.. والمعبر شطّ نهر هيّيء للعبور، والمعبر سفينة يعبر عليها النّهر، ومن الباب العبرة، قال الخليل: عبرة الدّمع جريه، قال: والدّمع أيضا عبرة؛ لأنّ الدّمع يعبر أي ينفذ ويجري. فأمّا الاعتبار والعبرة فهما عند ابن فارس مقيسان من عبري النّهر (أي شاطئيه) لأنّ كلّ واحد منهما مساو لصاحبه، فذاك عبر لهذا وهذا عبر لذاك، فإذا قلت اعتبرت الشّيء، فكأنّك نظرت إلى الشّيء فجعلت ما يعنيك عبرا لذاك فتساويا عندك، هذا اشتقاق الاعتبار. وقال تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (الحشر/ 2) كأنّه قال: انظروا إلى من فعل ما فعل فعوقب بما عوقب به، فتجنّبوا مثل صنيعهم لئلّا ينزل بكم مثل ما نزل بأولئك، ومن الدّليل على صحّة هذا القياس قول الخليل: عبّرت الدّنانير تعبيرا إذا وزنتها دينارا دينارا، والعبرة الاعتبار بما مضى «1» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 13/ 2/ 22 وقال الرّاغب: أصل العبر تجاوز من حال إلى حال، فأمّا العبور فيختصّ بتجاوز الماء.. ومنه عبر النّهر لجانبه حيث يعبر إليه (المرء) أو منه، واشتقّ منه عبر العين للدّمع والعبرة كالدّمعة، وقيل عابر سبيل أي المارّ وعبر القوم إذا ماتوا كأنّهم عبروا قنطرة الدّنيا، والاعتبار والعبرة (يكون) بالحالة الّتي يتوصّل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد، قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً* «2» وقال: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ «3» «4» ، وفي حديث أبي ذرّ: «فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلّها» ، والعبر جمع عبرة وهي كالموعظة ممّا يتّعظ به الإنسان ويعمل به ويعتبر ليستدلّ به على غيره «5» والعبرة أيضا: الاعتبار بما مضى، وقيل: العبرة الاسم من الاعتبار، والعرب تقول: اللهمّ اجعلنا ممّن يعبر الدّنيا ولا يعبرها، أي ممّن يعتبر بها ولا يموت سريعا حتّى يرضيك بالطّاعة، ويقال: عبرت عينه واستعبرت: دمعت وعبر عبرا واستعبر: بدت عبرته وحزن. وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه- أنّه ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ استعبر فبكى هو، استفعل من العبرة وهي تحلّب الدّمع «6» .   (1) مقاييس اللغة (4/ 209، 210) (بتصريف يسير) . (2) الآية 13 من سورة آل عمران و26 من النازعات. (3) الآية 2 من سورة الحشر. (4) مفردات الراغب (320) . (5) النهاية (3/ 171) . (6) لسان العرب (عبر) ص 2782. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 والاعتبار اصطلاحا: قال الكفويّ: الاعتبار هو النّظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها ليعرف بالنّظر فيها شيء آخر من جنسها، وقيل: الاعتبار هو التّدبّر وقياس ما غاب على ما ظهر. وقال المناويّ: العبرة والاعتبار: الّاتعاظ، ويكون بمعنى الاعتداد بالشّيء في ترتيب الحكم، وقال بعضهم: الاعتبار المجاوزة من عدوة دنيا إلى عدوة قصوى، ومن علم أدنى إلى علم أعلى «1» . وقال الجرجانيّ: الاعتبار: أن يرى الدّنيا للفناء. والعاملين فيها للموت. وعمرانها للخراب. وقيل: الاعتبار اسم من المعتبرة، وهي رؤية فناء الدّنيا كلّها باستعمال النّظر في فناء جزئها «2» . كيفية التفكر والاعتبار: قال الغزاليّ- رحمه الله-: اعلم أنّ معنى الفكر هو إحضار معرفتين في القلب، ليستثمر منهما معرفة ثالثة. ومثاله أنّ من مال إلى العاجلة، وآثر الحياة الدّنيا، وأراد أن يعرف أنّ الآخرة أولى بالإيثار من العاجلة فله طريقان: أحدهما: أن يسمع من غيره أنّ الآخرة أولى بالإيثار من الدّنيا، فيقلّده، ويصدّقه من غير بصيرة بحقيقة الأمر، فيميل بعمله إلى إيثار الآخرة اعتمادا على مجرّد قوله، وهذا يسمّى تقليدا ولا يسمّى معرفة. والطّريق الثّاني: أن يعرف أنّ الأبقى أولى بالإيثار، ثمّ يعرف أنّ الآخرة أبقى. فيحصل له من هاتين المعرفتين معرفة ثالثة، وهو أنّ الآخرة أولى بالإيثار، ولا يمكن تحقّق المعرفة بأنّ الآخرة أولى بالإيثار إلّا بالمعرفتين السّابقتين. فإحضار المعرفتين السّابقتين في القلب للتّوصّل به إلى المعرفة الثّالثة يسمّى تفكّرا واعتبارا وتذكّرا ونظرا وتأمّلا وتدبّرا. أمّا التّدبّر والتأمّل والتّفكّر: فعبارات مترادفة على معنى واحد ليس تحتها معان مختلفة. وأمّا اسم التذكّر والاعتبار والنّظر؛ فهي مختلفة المعاني، وإن كان أصل المسمّى واحدا؛ كما أنّ اسم الصّارم، والمهنّد «3» ، والسّيف؛ يتوارد على شيء واحد، ولكن باعتبارات مختلفة. فالصّارم يدلّ على السّيف من حيث هو قاطع، والمهنّد يدلّ عليه من حيث نسبته إلى موضعه، والسّيف يدلّ دلالة مطلقة من غير إشعار بهذه الزّوائد «4» . [للاستزادة، انظر صفات: التدبر- التأمل- التذكر- التذكير- التفكر. وفي ضد ذلك، انظر صفات: الإعراض- البلادة والغباء- الغفلة- التفريط والإفراط- الضلال- سوء الخلق] .   (1) الكليات للكفوي (147) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (235) . (2) كتاب التعريفات (30) . (3) المهند: السيف المطبوع من حديد الهند. (4) إحياء علوم الدين (4/ 425- 426) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 الآيات الواردة في «الاعتبار» الاعتبار بالمشاهدات: 1- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) «1» 2- وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) «2» 3- وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (21) عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) «3» 4- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44) «4» 5- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «5» الاعتبار بالمرويات: 6- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «6»   (1) آل عمران: 13 مدنية (2) النحل: 65- 67 مكية (3) المؤمنون: 21- 22 مكية (4) النور: 43- 44 مدنية (5) الحشر: 1- 2 مدنية (6) يوسف: 111 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 7- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22) فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26) «1» الآيات الواردة في «الاعتبار» معنى 8- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) «2» 9- وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) «3» 10- لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) «4» 11- وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) «5»   (1) النازعات: 15- 26 مكية (2) البقرة: 164 مدنية (3) هود: 102- 103 مكية (4) الحجر: 72- 77 مكية (5) النحل 9- 12 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 12- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «1» 13- فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) «2»   (1) الشعراء: 7- 8 مكية (2) الشعراء: 60- 67 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 الأحاديث الواردة في (الاعتبار) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال رجل: لأصدّقنّ اللّيلة بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق اللّيلة على زانية. قال: اللهمّ لك الحمد على زانية، لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ، فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق على غنيّ، قال: اللهمّ لك الحمد على غنيّ، لأتصدّقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق على سارق. فقال: اللهمّ لك الحمد على زانية وعلى غنّي وعلى سارق. فأتي. فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت. أمّا الزّانية فلعلّها تستعفّ بها عن زناها، ولعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله، ولعلّ السّارق يستعفّ بها عن سرقته» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّ فيها عبرة. ونهيتكم عن النّبيذ ألا فانتبذوا، ولا أحلّ مسكرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فكلوا وادّخروا» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (الاعتبار) معنى [انظر صفات: التدبر- التذكر- التفكر- الوعظ]   (1) مسلم (1022) (2) أحمد (3/ 38) ، وقال الحاكم في المستدرك (1/ 375) واللفظ له: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأصله في الصحيحين من حديث بريدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاعتبار) 1- * (عن طاوس قال: قال الحواريّون لعيسى عليه السّلام: «يا روح الله! هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم، من كان منطقه ذكرا، وصمته فكرا، ونظره عبرة، فإنّه مثلي» ) * «1» . 2- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «الشّقيّ من شقي في بطن أمّه، والسّعيد من وعظ بغيره» ) *» . 3- * (وعن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة «3» فيقف على بابها فينادي بصوت حزين: أين أهلك؟ ثمّ يرجع إلى نفسه فيقول: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) * «4» . 4- * (وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله-: أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر) * «5» . 5- * (قال وهب بن منبّه: «ما طالت فكرة امرىء قطّ إلّا فهم، ولا فهم امرؤ قطّ إلّا علم، ولا علم امرؤ قطّ إلّا عمل» ) * «6» . 6- * (قال سفيان بن عيينة: «الفكر نور يدخل قلبك، وربّما تمثّل بهذا البيت: إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كلّ شيء له عبرة» ) * «7» . 7- * (قال عبد الله بن المبارك: «مرّ رجل براهب عند مقبرة ومزبلة فناداه فقال: يا راهب، إنّ عندك كنزين من كنوز الدّنيا لك فيهما معتبر، كنز الرّجال وكنز الأموال» ) * «8» . 8- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو، ومن لم يكن سكوته تفكّرا فهو سهو، ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو» ) * «9» . 9- * (قال حاتم الأصمّ: «من العبرة يزيد العلم، ومن الذّكر يزيد الحبّ، ومن التّفكّر يزيد الخوف» ) * «10» . 10- * (قال الشّيخ أبو سليمان الدّارانيّ: «إنّي لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلّا رأيت لله عليّ فيه نعمة ولي فيه عبرة» ) * «11» .   (1) إحياء علوم الدين (4/ 424) . ونحوه عند ابن كثير، (مج 1، ج 4، ص 448) . (2) مسلم (2645) جزء من حديث طويل. (3) الخربة: المكان الخرب. (4) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) . (5) المرجع السابق (مج 1، ج 4، ص 439) . (6) المرجع السابق (مج 1، ج 4، ص 439) . (7) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) ، وإحياء علوم الدين (3/ 425) . (8) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) . (9) إحياء علوم الدين (4/ 424) . (10) المرجع السابق (4/ 425) . (11) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 11- * (قال مغيث الأسود: «زوروا القبور كلّ يوم تفكّركم؛ وشاهدوا الموقف بقلوبكم؛ وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنّة أو النّار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النّار ومقامها وأطباقها، وكان يبكي عند ذلك حتّى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله» ) * «1» . 12- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً ... (النحل/ 66) إنّ لكم أيّها النّاس في الإبل والبقر والغنم آية، ودلالة حكمة خالقها وقدرته ورحمته ولطفه» ) * «2» . 13- * (وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (النازعات/ 26) أي لمن يتّعظ وينزجر) * «3» . 14- * (وقال في تفسير قوله تعالى: يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (النور/ 44) أي لدليلا على عظمته تعالى) * «4» . 15- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-: «يا خاطبا حور الجنّة وهو لا يملك فلسا من عزيمة، افتح عين الفكر في ضوء العبر لعلّك تبصر مواقع خطابك» ) * «5» . 16- * (وقال أيضا- رحمه الله-: «العجب ممّن يقول: اخرج إلى المقابر فاعتبر بأهل البلى ولو فطن علم أنّه مقبرة يغنيه الاعتبار بما فيها عن غيرها خصوصا من قد أوغل «6» في السّنّ، فإنّ شهوته ضعفت، وقواه قلّت، والحواسّ كلّت «7» والنّشّاط فاتر «8» ، والشّعر أبيض. فليعتبر بما فقد وليستغن عن ذكر من فقد، فقد استغنى بما عنده عن التّطلّع إلى غيره» ) * «9» . 17- * (وقال الحسين بن عبد الرّحمن: نزهة المؤمن الفكر ... لذّة المؤمن العبر نحمد الله وحده ... نحن كلّ على خطر ربّ لاه وعمره ... قد تقضّى وما شعر ربّ عيش قد كان فو ... ق المنى مونق الزّهر في خرير من العيو ... ن وظلّ من الشّجر وسرور من النّبا ... ت وطيب من الثّمر غيّرته وأهله ... سرعة الدّهر بالغير «10» نحمد الله وحده ... إنّ في ذاك معتبر إنّ في ذا لعبرة ... للبيب إن اعتبر» ) * «11» 18- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «كثر الحثّ في كتاب الله تعالى على التّدبّر والاعتبار والنّظر والافتكار» ) * «12» . 19- * (عن عمرو بن شيبة قال: «كنت   (1) المرجع السابق (مج 1، ج 4، 439) . (2) المرجع السابق (مج 2، ج 14، ص 575) . (3) المرجع السابق (مج 4، ج 30، ص 469) . (4) المرجع السابق (مج 3، ج 18، ص 298) . (5) صيد الخاطر (386) . (6) أوغل: طعن فيه وتقدم وأوغل في الأرض أبعد فيها. (7) كلت: تعبت. (8) فاتر: ضعيف قد لان بعد شدته. (9) صيد الخاطر (450) . (10) الغير: صروف الدهر وأحواله. (11) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 440) . (12) إحياء علوم الدين (4/ 423) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 بمكّة بين الصّفا والمروة، فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان ينفّرون النّاس. قال: ثمّ عدت بعد حين فدخلت بغداد، فكنت على الجسر، فإذا أنا برجل حاف حاسر «1» طويل الشّعر، قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله. فقال لي: مالك تنظر إليّ، فقلت له: شبهتك برجل رأيته بمكّة، ووصفت له الصّفة، فقال له: أنا ذلك الرّجل. فقلت ما فعل الله بك؟ فقال: ترفّعت في موضع يتواضع فيه النّاس، فوضعني الله حيث يترفّع النّاس» ) * «2» . 20- * (قال محمّد بن الحسين: «دخلت على محمّد بن مقاتل، فقلت له: عظني، فقال: اعمل فإن متّ لم تعد أبدا. وانظر إلى الذّاهبين هل عادوا؟ تذهب أيّامنا على لعب ... منّا بها والذّنوب تزداد أين أحبابنا وبهجتهم؟ ... بطيب أيّام عيشهم بادوا) * «3» . 21- * (قال بعض الحكماء: من نظر إلى الدّنيا بغير العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة» ) * «4» . 22- * (قال الشّاعر: اعتبر يا أيّها المغ ... رور بالعمر المديد أنا شدّاد بن عاد ... صاحب الحصن المشيد وأخو القوّة والبأ ... ساء والملك الحشيد دان أهل الأرض طرّا ... لي من خوف الوعيد وملكت الشّرق والغر ... ب بسلطان شديد فأتى هود وكنّا ... في ضلال قبل هود فدعانا لو قبلنا ... هـ إلى الأمر الرّشيد فعصيناه ونادى ... ما لكم هل من محيد فأتتنا صحيحة ته ... وي من الأفق البعيد فتوافينا كزرع ... وسط بيداء «5» حصيد) * «6» من فوائد (الاعتبار) (1) كثرة التّفكّر والاعتبار تقوّي الإيمان بالله عزّ وجلّ. (2) توسّع مدارك المؤمن وتدلّه على آيات الله تعالى. (3) تكسب المؤمن خوفا من الله عزّ وجلّ ومهابة من عقابه. (4) تجعله يعرف الدّنيا أنّها ظلّ زائل وأنّ الآخرة هي دار القرار. (5) يقنع المؤمن بما رزقه الله عمّا في أيدي النّاس. (6) يعيش المؤمن بسعادة واطمئنان.   (1) حاسر: مكشوف الرأس. (2) إحياء علوم الدين (3/ 343) . (3) برد الأكباد عند فقد الأولاد (68) . (4) تفسير ابن كثير (مج 1، ج 4، ص 439) . (5) بيداء: صحراء واسعة. (6) زاد المسير لابن الجوزي (9/ 116- 117) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 الاعتذار الاعتذار لغة: الاعتذار مصدر اعتذر وهو مأخوذ من مادّة (ع ذ ر) الّتي تدلّ على معان كثيرة غير منقادة ومنها: العذر وهو روم الإنسان إصلاح ما أنكر عليه بكلام. يقال منه: عذرته أعذره عذرا من باب ضرب، والاسم: العذر (بالضم) والجمع: أعذار. ويقال: فلان قام قيام تعذير فيما استكفيته، إذا لم يبالغ وقصّر فيما اعتمد عليه فيه. وقد تضمّ الذّال بالإتباع فيقال «عذر» «1» . ويقال: اعتذر فلان اعتذارا ومعذرة وعذرة من دينه فعذرته، وهو معذور. وتقول: اعتذر إليّ، طلب قبول معذرته، واعتذر عن فعله أظهر عذره، وأمّا قولك: اعتذرت منه فمعناه شكوته، وعذر الرّجل صار ذا عيب وفساد، ومثله أعذر، وأعذر فيه. أي بالغ في الأمر، ولهذا فإنّ معنى حديث «أعذر الله إلى من بلغ من العمر ستّين سنة» أي لم يبق فيه موضعا للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدّة ولم يعتذر. وأمّا عذّر الرّجل (بالتّضعيف) فمعناه أنّه اعتذر ولم يأت بشيء، ولم يثبت له عذر. وأعذر (بالألف) يعني ثبت له عذره الآيات/ الأحاديث/ الآثار 9/ 14/ 12 وجاءت الآية في التّوبة بالقراءتين على كلا المعنيين وهي قوله تعالى: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ (التوبة/ 90) فبالتّثقيل معناه أنّهم تكلّفوا العذر ولا عذر لهم، وبالتّخفيف: الّذين لهم عذر، وعلى هذا ورد الأثر عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- رحم الله المعذّرين ولعن الله المعذّرين، ويقال أعذر من أنذر أي بالغ في العذر، أي في كونه معذورا. ومن عذيري من فلان، وعذيرك من فلان. قال عمرو بن معد يكرب: أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد ومعناه: هلمّ من يعذرك منه إن أوقعت به، وذلك لأنّه أهل للإيقاع به، فإن أوقعت به كنت معذورا. وقال بعضهم: أصل العذر من العذرة وهي الشّيء النّجس، ومنه سمّيت القلفة العذرة، فقيل عذرت الصّبيّ إذا طهّرته وأزلت عذرته، وكذا عذرت فلانا: أزلت نجاسة ذنبه بالعفو كقولك غفرت له أي سترت ذنبه «2» .   (1) الاتباع هنا الانسجام الصوتي بضم الذال تبعا لضمة العين (2) الصحاح (2/ 737- 740) ، ولسان العرب (2854- 2856) . والمصباح المنير (398- 399) والمقاييس (4/ 252) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 36) والمفردات للراغب (328) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 واصطلاحا: قال الجرجانيّ: الاعتذار: محو أثر الذّنب «1» . وقال الكفويّ: الاعتذار: إظهار ندم على ذنب تقرّ بأنّ لك فى إتيانه عذرا «2» . وقال المناويّ: الاعتذار: تحرّي الإنسان ما يمحو أثر ذنبه» . وقد سوّى بعض العلماء بين العذر والاعتذار في المعنى. فقال الرّاغب الأصفهانيّ: العذر تحرّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه «4» وإلى مثل هذا ذهب الفيروزاباديّ في «البصائر» «5» . وقد فرّق الجرجانيّ بين الأمرين فذكر أنّ الاعتذار هو (تحرّي) محو أثر الذّنب (كما سبق) ، وأنّ العذر ما يتعذّر على المعنّى (فعله) على موجب الشّرع إلّا بتحمّل ضرر زائد «6» . أساليب الاعتذار: قال الفيروزاباديّ- رحمه الله تعالى: الاعتذار على ثلاثة أضرب: أن يقول: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا، والثّالث أن يقول: فعلت ولا أعود، ونحو هذا. وهذا الثّالث هو التّوبة، وكلّ توبة عذر، وليس كل عذر توبة «7» . [للاستزادة، انظر صفات: الألفة- حسن الخلق- حسن المعاملة- حسن العشرة- المحبة. وفي ضد ذلك، انظر صفات: الإساءة- سوء المعاملة الهجر- البغض- الكبر والعجب- الغرور] .   (1) التعريفات (29) ونعتقد أن هذا في قبول الاعتذار؛ لأن المحو من شأن المعتذر إليه لا المعتذر ولعلّ المراد تحرّي الإنسان محو أثر الذنب. (2) الكليات (308) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف (55) . (4) المفردات (327) . (5) انظر بصائر ذوي التمييز (4/ 35) . (6) التعريفات (153) والعبارة في الأصل: ما يتعذر عليه المعنى على موجب الشرع وقد أضفنا ما بين القوسين لتوضيح العبارة، والمعنى هو المريض ونحوه. (7) بصائر ذوي التمييز (4/ 36) بتصرف، وراجع: المفردات في غريب القرآن (327) والكليات للكفوي (308) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 الآيات الواردة في «الاعتذار» 1- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) «1» 2- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) «2» 3- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «3» 4- * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95) «4» 5- قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) «5» 6- يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) «6» 7- بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15) «7» 8- وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) «8» 9- هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) «9»   (1) الأعراف: 163- 164 مكية (2) التوبة: 65- 66 مدنية (3) التوبة: 90 مدنية (4) التوبة: 93- 95 مدنية (5) الكهف: 76 مكية (6) غافر: 52 مكية (7) القيامة: 14- 15 مكية (8) المرسلات: 1- 6 مكية (9) المرسلات: 35- 36 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 الأحاديث الواردة في (الاعتذار) 1- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح «1» عنه فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، من أجل غيرة «2» الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشّرين ومنذرين، ولا شخص أحبّ إليه المدحة من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «3» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك وكلّ أمر يعتذر منه» ) * «4» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة، فلمّا لقينا العدوّ انهزمنا في أوّل عادية، فقدمنا المدينة في نفر ليلا، فاختفينا، ثمّ قلنا: لو خرجنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واعتذرنا إليه، فخرجنا، فلمّا لقيناه قلنا: نحن الفرّارون يا رسول الله، قال: «بل أنتم العكّارون «5» وأنا فئتكم» . قال أسود بن عامر: «وأنا فئة كلّ مسلم» ) * «6» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التّأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحمد» ) * «7» . 5- * (عن أمّ رومان وهي أمّ عائشة- رضي الله عنهما- لمّا قيل فيها ما قيل، قالت: بينما أنا مع عائشة جالستان إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار وهي تقول: فعل الله بفلان وفعل. قالت: فقلت: لم؟ قالت: إنّه نمى ذكر «8» الحديث، فقالت عائشة: أيّ   (1) مصفح: هو بكسر الفاء أي غير ضارب بصفح السيف وهو جانبه بل أضربه بحده. وفى النهاية رواية كسر الفاء من مصفح وفتحها فمن فتح جعلها وصفا للسيف وحالا منه ومن كسر جعلها وصفا للضارب وحالا منه. (2) غيرة: الغيرة صفة كمال والرجل غيور على أهله أي يمنعهم من التعلق بأجنبي بنظر أو حديث أو غيره. (3) البخاري- الفتح 13 (7416) ، ومسلم (1499) واللفظ له. (4) الحاكم. والألباني في صحيح الجامع (1/ 520/ 2671) وفي الصحيحة له (1/ 354) وقال: حسن وعزاه للمختارة ونقل قول المناوي عزوه للديلمي والحاكم والطبراني في الأوسط من حديث جماعة آخرين من الصحابة. (5) العكارون: الكرّارون إلى الحرب والعطافون نحوها. وقيل: العكّار هو الذي يولّى في الحروب ثم يكرّ راجعا (اللسان 4/ 599) . (6) أحمد (2/ 70، 99، 100، 111) . وقال أحمد شاكر (7/ 203) ، (8/ 89، 153) : صحيح. (7) الترغيب والترهيب وقال المنذري: رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 418) . وقال الهيثمي في المجمع (8/ 19) رجاله رجال الصحيح واللفظ لهما. (8) نمى: نقل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 حديث؟ فأخبرتها. قالت: فسمعه أبو بكر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: نعم. فخرّت مغشيّا عليها، فما أفاقت إلّا وعليها حمّى «1» بنافض فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما لهذه؟» قلت: حمّى أخذتها من أجل حديث تحدّث به فقعدت فقالت: والله لئن حلفت لا تصدّقونني، ولئن اعتذرت لا تعذرونني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، والله المستعان على ما تصفون. فانصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله ما أنزل، فأخبرها فقالت: بحمد الله لا بحمد أحد» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (الاعتذار) معنى 6- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه مغضبا، فاتّبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتّى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال أبو الدّرداء: ونحن عنده- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر» ، وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتّى سلّم وجلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقصّ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر. قال أبو الدّرداء: وغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إنّي قلت: يا أيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعا. فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت» ) * «3» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك، ثمّ تندّم فأرسل إلى قومه: سلوا لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم، وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ فأرسل إليه، فأسلم) * «4» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على راهب فأتاه، فقال: إنّه قتل تسعة وتسعين نفسا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمّل به مائة، ثمّ سأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجل عالم، فقال: إنّه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول   (1) حمّى بنافض: أي حمى برعدة. (2) البخاري- الفتح 6 (3388) وخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة بسياق طويل جدا. انظره بطوله في (الاستغفار) . (3) البخاري- الفتح 8 (4640) . (4) صحيح النسائي (3792) وقال مخرجه: صحيح الإسناد وهو في السنن (7/ 107) واللفظ له. وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 380) وقال: رواه ابن جرير ومثله النسائي. والحاكم وابن حبان، وقال أحمد شاكر في المسند: إسناده صحيح (4/ 47- 48) حديث رقم (2218) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 بينه وبين التّوبة. انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإنّ بها أناسا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنّها أرض سوء، فانطلق حتّى إذا نصف الطّريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرّحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنّه لم يعمل خيرا قطّ. فأتاهم ملك في صورة آدميّ فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيّتهما كان أدنى فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض الّتي أراد. فقبضته ملائكة الرّحمة» ) * «1» . 9- * (عن أبي البختريّ- رحمه الله- عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يهلك النّاس حتّى يعذروا «2» من أنفسهم» ) * «3» . 10- * (عن عبد الله بن معقل بن مقرّن قال: دخلت مع أبي على عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «النّدم توبة» فقال له أبي: أنت سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: النّدم توبة؟» قال: نعم) * «4» . 11- * (قال عائذ بن عمرو: إنّ أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر. فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدوّ الله مأخذها. قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟ فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره، فقال: «يا أبا بكر لعلّك أغضبتهم. لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك» . فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه؟ أغضبتكم؟ قالوا: لا. يغفر الله لك يا أخيّ» ) * «5» . 12- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم «أنّه لم يتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى غزوة غزاها قطّ غير غزوتين ... الحديث وفيه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أمّ سلمة تيب على كعب» قالت: أفلا أرسل إليه فأبشّره؟ قال: «إذا يحطمكم «6» النّاس، فيمنعونكم النّوم سائر اللّيلة» . حتّى إذا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الفجر، آذن بتوبة الله علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه حتّى كأنّه قطعة من القمر وكنّا أيّها الثّلاثة الّذين خلّفوا عن الأمر الّذي قبل من هؤلاء الّذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التّوبة) *» . 13- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع. فلمّا   (1) البخاري- الفتح 6 (3470) . ومسلم (2766) واللفظ له. (2) يعذروا: يعني أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيعذروا من أنفسهم ويستوجبوا العقوبة. (3) أبو داود (4347) . وأحمد (4/ 260) واللفظ له. وذكره في جامع الأصول (10/ 55) وقال مخرجه: إسناده حسن. (4) ابن ماجة (4252) واللفظ له. وأحمد (1/ 376) وقال شاكر (5/ 195) : إسناده صحيح- حديث (3568) . والحاكم (4/ 272) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (5) مسلم (2504) وأخي بضم الهمز على التصغير، وهو تصغير تحبيب وترقيق وملاطفة. وفي بعض النسخ بفتحها. (6) يحطمكم: أي يزدحمون عليكم. (7) البخاري- الفتح 8 (4677) واللفظ له. ومسلم (2769) . وقد ذكر الحديث بتمامه في مواضع أخرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى- أو نظنّ- أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) إلى آخر الآية» ) * «1» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «2» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «3» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس «4» من وراء الجيش فأدلج. فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه «5» حين عرفني، فخمّرت «6» وجهي بجلبابي ... قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين؛ من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله   (1) البخاري- الفتح 6 (2805) . (2) عقدي من جزع ظفار: العقد نحو القلادة. والجزع خرز يمانيّ. وظفار، مبنية على الكسر. تقول: هذه ظفار ودخلت ظفار وإلى ظفار، بكسر الراء بلا تنوين في الأحوال كلها. وهي قرية باليمن. (3) لم يهبّلن: ضبطوه على أوجه: أشهرها ضم الياء وفتح الهاء والباء المشدّدة، أي يثقلن باللحم والشحم. قال أهل اللغة: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه. (4) قد عرّس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة. وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان والمشهور الأول. (5) استرجاعه: بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون. (6) فخمّرت: فغطيت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد ابن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ... الحديث) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاعتذار) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: رحم الله المعذّرين ولعن الله المعذّرين) * «2» . 2- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- يعرض النّاس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأمّا عرضتان، فجدال ومعاذير، وأمّا العرضة الثّالثة فعند ذلك تطير الصّحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله) * «3» . 3- * (عن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال معتذرا: يا هذا- لرجل سأله- حقّ سؤالك إيّاي يعظم لديّ، ومعرفتي بما يجب لك تكبر عليّ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله قليل، وما في ملكي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور ورفعت عنّي مؤنة الاحتمال والاهتمام لما أتكلّفه من واجب حقّك فعلت، فقال:- يا ابن رسول الله- أقبل وأشكر العطيّة، وأعذر على المنع، فدعا الحسن بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها، فقال: هات الفضل من الثّلثمائة ألف درهم، فأحضر خمسين ألفا قال: فما فعلت بالخمسمائة دينار؟ قال: هي عندي. قال: أحضرها، فأحضرها، فدفع الدّنانير والدّراهم إلى الرّجل، قال: هات من يحملها لك، فأتاه بحمّالين فدفع إليه الحسن رداءه لكراء الحمّالين، فقال له مواليه: والله ما عندنا درهم! فقال: أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم» ) * «4» . 4- * (اعتذر رجل إلى إبراهيم النّخعيّ رحمه الله تعالى، فقال له: «قد عذرتك غير معتذر، إنّ المعاذير يشوبها الكذب» ) * «5» . 5- * (قدّم إلى الحجّاج أسرى ليقتلوا فقدّم رجل ليضرب عنقه فقال: «والله لئن كنّا أسأنا في الذّنب لما أحسنت في العقوبة» فقال الحجّاج: «أفّ لهذه الجيف أما كان فيها أحد يحسن مثل هذا؟ وأمسك عن القتل» ) * «6» . 6- * (اعتذر رجل إلى سليمان بن وهب   (1) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (2770) واللفظ له. (2) بصائر ذوي التمييز (4/ 36) . (3) قال الحافظ ابن حجر: لا يصح رفعه كما قال الترمذي (2425) وصح وقفه على ابن مسعود كما عند البيهقي في البعث. ذكر ذلك محقق جامع الأصول (10/ 455) . (4) الإحياء (3/ 248) . (5) الصحاح (2/ 737) . (6) الآداب الشرعية (1/ 350- 351) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 فأكثر، فقال له سليمان: حسبك فإنّ الوليّ لا يحاسب، والعدوّ لا يحتسب له» ) * «1» . 7- * (اعتذر رجل إلى الحسن بن سهل من ذنب كان له، فقال له الحسن: «تقدّمت لك طاعة، وحدثت لك توبة، وكانت بينهما منك نبوة، ولن تغلب سيّئة حسنتين» ) * «2» . 8- * (قال عبد الرّحمن بن المبارك اليزيديّ (مؤدّب ولد يزيد بن منصور الحميريّ) يعتذر إلى المأمون لأنّه امتنّ عليه بتأديبه إيّاه: أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو» ) * «3» . 9- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: يا لهف قلبي على مال أجود به ... على المقلّين من أهل المروءات إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات) * «4» . 10- * (دخل رجل على المنصور فقال له: تكلّم بحجّتك. فقال الرّجل: لو كان لي ذنب تكلّمت بعذري وعفوك أحبّ إليّ من براءتي» ) * «5» . 11- * (أتي الهادي برجل من الحبس فجعل يقرّره بذنوبه فقال الرّجل: اعتذاري ردّ عليك، وإقراري يوجب لي ذنبا، ولكنّي أقول: إذا كنت ترجو في العقوبة راحة ... فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر فعفا عنه» ) * «6» . 12- * (قال الخرائطيّ- رحمه الله تعالى-: أنشدني محمّد بن إسماعيل الإسحاقيّ: إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ... وكان الّذي لا يقبل العذر جانيا» ) * «7» . من فوائد (الاعتذار) (1) الاعتذار يمحو الذّنوب. (2) استجلاب المنافع من المعتذر إليه. (3) الأصل ألّا يقدم الإنسان على ما يعتذر منه، فإن فعل فالاعتذار يصفّي القلوب. (4) يرزق قابل الاعتذار مودّة الله فهو أكثر معاذير من كلّ أحد. (5) يرزق المعتذر والمعتذر إليه التّواضع. (6) المسلم الّذي يقبل العذر من أخيه يشجّعه على فعل الخير. (7) الاعتذار يقي النّاس من الهلاك.   (1) الآداب الشرعية (1/ 349) . (2) المرجع السابق (1/ 351) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) الإحياء (3/ 251) . (5) الآداب الشرعية (1/ 351) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) مساوىء الأخلاق ومذمومها (312) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 الاعتراف بالفضل الاعتراف لغة: مصدر اعترف بالشّيء أي أقرّ به، وهو مأخوذ من مادّة (ع ر ف) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل تتابع الشّيء متّصلا بعضه ببعض ومن ذلك عرف الفرس، والآخر السّكون والطّمأنينة ومنه المعرفة والعرفان، تقول عرف فلانا عرفانا ومعرفة، وهذا أمر معروف لأنّ من عرف شيئا اطمأنّ إليه، ومن أنكره توحّش منه ونبا عنه. ومن هذا المعنى قولهم: اعترف بالشّيء إذا أقرّ، كأنّه عرفه فأقرّ به «1» ، وجاء في الصّحاح: والاعتراف بالذّنب: الإقرار به واعترفت القوم، إذا سألتهم عن خبر لتعرفه. وربّما وضعوا اعترف موضع عرف كما وضعوا عرف موضع اعترف «2» ، ويقال عرف بذنبه عرفا واعترف (اعترافا) : أقرّ «3» . وضدّ (الاعتراف) الجحود والنكران، وفي التّنزيل يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها (النحل/ 83) . وأمّا الفضل: فهو الإحسان وهو ضدّ النّقص والنّقيصة، ويقال: رجل مفضال وامرأة مفضالة على قومها إذا كانت ذات فضل سمحة، وأفضل عليه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 21/ 4 وتفضّل بمعنى. وأمّا المتفضّل فهو الّذي يدّعي الفضل على أقرانه، وتقول: فضّلته على غيره تفضيلا: إذا حكمت له بذلك، وفاضلته ففضلته، إذا غلبته بالفضل. والفضلة والفضالة، ما فضل من شيء «4» . الاعتراف بالفضل اصطلاحا: ولا يختلف المعنى الاصطلاحيّ للاعتراف بالفضل عن معناه المألوف في اللّغة، وهو أن يقرّ المتفضّل عليه من النّاس بفضل من يصدر عنه الفضل ولا يجحده أو يتناساه، ولا شكّ أنّ المولى- عزّ وجلّ- هو صاحب الفضل في الأولى والآخرة، إذ هو المتفضّل على أهل الدّنيا مسلمهم وكافرهم بنعمه الّتي لا تحصى، وفي الآخرة يدخل عباده الصّالحين الجنّة ويورثهم دار المقامة من فضله. الاعتراف بالفضل في القرآن الكريم: أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم بألّا ننسى الفضل فيما بيننا، وأن ننسب هذا الفضل إلى أهله، ولمّا كان الله- عزّ وجلّ- هو صاحب الفضل في الأولى والآخرة، فقد امتدحت آي الذّكر الحكيم من يعترف بهذا الفضل له سبحانه، كما نعى على الكفّار   (1) باختصار وبعض تصرف عن مقاييس اللغة (4/ 281) . (2) الصحاح (4/ 1402) . (3) لسان العرب (ع ر ف) (ص 2899) . (4) لسان العرب (6/ 3428- 3430) . والصحاح (5/ 1791 1792) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 جحودهم ونكرانهم لفضله عزّ وجلّ، وفضل الأنبياء. قال الطّبريّ عند تفسير وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (البقرة/ 237) : يقول تعالى ذكره: ولا تغفلوا أيّها النّاس، الأخذ بالفضل بعضكم على بعض فتتركوه، ولكن ليتفضّل الرّجل المطلّق زوجته قبل مسيسها، فيكمّل لها تمام صداقها إن كان لم يعطها جميعه. وإن كان قد ساق إليها جميع ما كان فرض لها، فليتفضّل عليها بالعفو عمّا يجب له ويجوز له الرّجوع به عليها، وذلك نصفه. فإن شحّ الرّجل بذلك وأبى إلّا الرّجوع بنصفه عليها، فتتفضّل المرأة المطلّقة عليه بردّ جميعه عليه، إن كانت قد قبضته منه. وإن لم تكن قبضته، فلتعف عن جميعه. فإن هما لم يفعلا ذلك وشحّا وتركا ما ندبهما الله إليه- من أخذ أحدهما على صاحبه بالفضل- فلها نصف ما كان فرض لها في عقد النّكاح وله نصفه «1» . منزلة الاعتراف بالفضل: لهذه الصّفة منزلة جليلة لما يعود منها من خير على المجتمع بأسره حيث يؤدّي ذلك إلى استقرار هذا المجتمع وتآلف أفراده وتشجيع ذوي الفضل أن يستمرّوا في تفضّلهم الّذي يلقى الاعتراف من الآخرين، ولمّا كان من طبع الإنسان أن يهشّ إذا نسب إليه الخير، وتوجّه إليه بالشّكر، كان الاعتراف بالفضل باعثا على مرضاته، بعد مرضاة الله تعالى؛ لأنّ من يشكر النّاس فإنّما هو في الحقيقة يشكر المولى الّذي أجرى الخير علي أيديهم، وقد جاء في الحديث: أنّ «من لا يشكر النّاس لا يشكر الله» «2» . ويفهم من ذلك أنّ من يشكر النّاس فإنّما يشكر الله- عزّ وجلّ- أيضا، والشّكر لله يزيد في النّعمة ويورث الرّضا: الشّكر لله كنز لا نفاد له ... من يلزم الشّكر لم يكسب به ندما وقال الآخر: ومن يشكر المخلوق يشكر لربّه ... ومن يكفر المخلوق فهو كفور «3» [للاستزادة: انظر صفات: الإنصاف- الثناء- الشكر- المروءة- التودد- بر الوالدين- البر- حسن الخلق- الحمد. وفي ضد ذلك: انظر صفات: نكران الجميل- الجحود- عقوق الوالدين- التفريط والإفراط- الإساءة- الكبر والعجب] .   (1) تفسير الطبري (2/ 567) . (2) انظر الحديث رقم (21) . (3) انظر هذين البيتين وغيرهما في روضة العقلاء (ص 349) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 الآيات الواردة في «الاعتراف بالفضل» الاعتراف بالفضل في القرآن الكريم: 1- وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «1» 2- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) «2» 3- وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) «3» 4- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «4» 5- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «5»   (1) البقرة: 237 مدنية (2) يونس: 57- 58 مكية (3) (3) يوسف: 36- 38 مكية (4) النمل: 40 مكية (5) فاطر: 32- 35 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 الأحاديث الواردة في (الاعتراف بالفضل) 1- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: صلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصّبح بالحديبية- على أثر سماء» كانت من اللّيلة- فلمّا انصرف أقبل على النّاس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، وكافر بالكوكب، وأمّا من قال: بنوء «2» كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» ) * «3» . 2- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّه كان يقول في دبر كلّ صلاة حين يسلّم: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا حول ولا قوّة إلّا بالله، لا إله إلّا الله، ولا نعبد إلّا إيّاه له النّعمة، وله الفضل وله الثّناء الحسن لا إله إلّا الله مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون» . وقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهلّل بهنّ دبر كلّ صلاة) * «4» . الأحاديث الواردة في (الاعتراف بالفضل) معنى 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: أتى جبريل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام «5» أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السّلام من ربّها- عزّ وجلّ- ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب «6» لا صخب «7» فيه ولا نصب «8» » ) * «9» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالصّدقة فقيل: منع ابن جميل «10» ، وخالد بن الوليد وعبّاس بن عبد المطّلب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله، وأمّا خالد، فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدرعه وأعتده «11» في سبيل لله، وأمّا العبّاس ابن عبد المطلّب، فعمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهي عليه صدقة ومثلها معها» ) * «12» .   (1) أثر سماء: أي بعد المطر. (2) بنوء: النوء في أصله ليس هو الكوكب نفسه، فإنه مصدر ناء بمعنى سقط وغاب ثم استعمل اسما للكوكب. (3) البخاري- الفتح 2 (846) واللفظ له، ومسلم (71) . (4) مسلم (594) . (5) إدام: ما يؤتدم به وهو ما يؤكل مع الخبز. (6) المراد بالقصب: اللؤلؤ المجوف. (7) الصخب: الصوت المختلط المرتفع. (8) ولا نصب: النصب الحزن والإعياء. (9) البخاري- الفتح 13 (7497) . ومسلم (2433) واللفظ له. (10) منع ابن جميل: أي منع الزكاة وامتنع من دفعها. (11) وأعتده: هي ما يعده المرء من المال والسلاح، وقيل هي الخيل خاصة. (12) البخاري- الفتح 3 (1468) واللفظ له. ومسلم (983) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 5- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «1» في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي وأنا منهم» ) * «2» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص «3» وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم «4» . فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس. قال فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل- (أو قال: البقر شكّ إسحق) إلّا أنّ الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر- قال فأعطي ناقة عشراء «5» . فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال فمسحه فردّ الله إليه بصره. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟. قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «6» . فأنتج هذان وولّد هذا «7» . قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال «8» في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثم بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «9» . فقال: إن كنت كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا. وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن   (1) أرملوا: أي نفد زادهم. (2) البخاري- الفتح 5 (2386) . ومسلم (2500) واللفظ له. (3) أبرص: قال في القاموس: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص. وأبرصه الله. (4) يبتليهم: أي يختبرهم. (5) ناقة عشراء: هي الحامل القريبة الولادة. (6) شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها. (7) فأنتج هذان وولد هذا: هكذا الرواية: فأنتج، رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. وممن حكى اللغتين الأخفش. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والنتاج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء. (8) انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق. (9) إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك- بالّذي ردّ عليك بصرك- شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري فخذ ما شئت، ودع ما شئت. فوالله لا أجهدك اليوم «1» شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك» ) * «2» 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «3» على رأس جبل وعر «4» ، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «5» ، إنّي أخاف أن لا أذره «6» ، إن أذكره أذكر عجره وبجره «7» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «8» ، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «9» ، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «10» ، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «11» وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء1» طباقاء، كلّ داء له داء «13» ، شجّك أو فلك «14» أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي الرّيح ريح زرنب «15» ، والمسّ مسّ أرنب. قالت   (1) أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه. (2) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له. (3) غث: مهزول، وهو هنا صفة اللحم ويجوز فيه الجر صفة للجمل. (4) على رأس جبل وعر: المعنى أنه قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن، ومنها أنه غث مهزول رديء، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة، وقولها لا سمين فينتقل: أي تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يتركوه رغبة عنه لرداءته. (5) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (6) إنى أخاف أن لا أذره: إني أخاف أن لا أترك من خبره شيئا. (7) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه وقال ابن الأعرابي: العجرة: نفخة في الظهر، فإن كانت في السرة فهي بجرة. (8) زوجي العشنق: العشنق: أي الطويل أو المذموم الطول أو طويل العنق، وكل ذلك بغير نفع. (9) زوجي كليل تهامة: ليس في أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة: معتدل لا حر ولا برد مفرط. (10) زوجي إن دخل فهد: تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وتصفه إذا صار بين الناس أو مارس الحرب بالأسد. (11) زوجي إن أكل لفّ: قال ابن الأعرابي هذا ذم له أرادت وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته. (12) زوجي غياياء أو عياياء: بالعين المهملة العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وبالغين المعجمة مأخوذ من الغياية. وهي الظلمة ومعناه: لا يهتدي إلى مسلك، أو أنها وصفته بثقل الروح، وأما طباقاء فمعناه المطبقة عليه أموره قمعا أو العاجز عن الكلام. (13) كل داء له داء: أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه. (14) شجك أو فلك: أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو أو جمع بينهما. (15) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثيابه في الناس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 التّاسعة: زوجي رفيع العماد «1» ، طويل النّجاد «2» ، عظيم الرّماد «3» قريب البيت من النّادي «4» . قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك «5» ، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر «6» ، أيقنّ أنهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع، أناس من حليّ أذنيّ «7» ، وملأ من شحم عضديّ «8» ، وبجّحني «9» فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ «10» ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «11» فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح «12» . أمّ أبي زرع فما أمّ أبي زرع، عكومها رداح «13» ، وبيتها فساح «14» ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع، مضجعه كمسلّ شطبة «15» ، ويشبعه ذراع الجفرة «16» . بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها «17» ، وغيظ جارتها «18» . جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، لا تبثّ حديثنا تبثيثا «19» ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «20» ، ولا تملأ بيتنا تعشيشا «21» ؛ قالت: خرج   (1) زوجي رفيع العماد موصوف بالشرف وسناء الذكر. (2) طويل النجاد: طويل القامة. (3) عظيم الرماد: جواد كثير الأضياف. (4) قريب البيت من النادي: الضيفان يقصدون النادي وأصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب للنادي واللئام يتباعدون من النادي. (5) زوجي مالك وما مالك الأولى وما عطف عليها اسم زوجها كررته تفخيما لشأنه؛ وقولها مالك خير من ذلك أي خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر. (6) المزهر: هو العود الذي يضرب به. (7) أناس من حلي أذني حلاني قرطة وشنوفا فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها. (8) وملأ من شحم عضدي: معناه أسمنني وملأ بدني شحما. (9) وبجّحني فبجحت عظّمني فعظمت عليّ نفسي أو فرّحني ففرحت. (10) وجدني بأهل غنيمة بشق: أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل وحنينها، والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم وإنما يعتدون بأصحاب الخيل. (11) ودائس ومنق: المقصود أنه صاحب زرع يدرسه وينقيه. (12) فأتقنّح: بعض الناس يرويه بالميم وبعضهم يرويه بالنون فالميم معناه أروى حتى أدع الشراب من شدة الري، وبالنون معناه أقطع الشراب وأتمهل فيه. (13) عكومها رداح: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة، ورداح: أي عظام كبيرة. (14) وبيتها فساح: واسع. (15) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. (16) وتشبعه ذراع الجفرة والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به. (17) وملء كسائها: أي سمينة الجسم. (18) وغيظ جارتها: يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها. (19) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله. (20) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة. (21) ولا تملأ بيتنا تعشيشا: أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 أبو زرع والأوطاب تمخض «1» ، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين «2» ، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا «3» وأخذ خطّيّا «4» ، وأراح عليّ نعما ثريّا «5» ، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، قال كلي أمّ زرع، وميري أهلك «6» ، فلو جمعت كلّ شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع «7» » ) *» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ أبو بكر والعبّاس- رضي الله عنهما- بمجلس من مجالس الأنصار، وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منّا. فدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بذلك، قال: فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر- ولم يصعده بعد ذلك اليوم- فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أوصيكم بالأنصار فإنّهم كرشي «9» وعيبتي «10» وقد قضوا الّذي عليهم، وبقي الّذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» ) * «11» . 9- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتيته فقال: يا جرير لأيّ شيء جئت؟ قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله، قال: فألقى إليّ كساءه ثمّ أقبل على أصحابه وقال: «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه. وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي» ) * «12» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ حتّى خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم   (1) والأوطاب تمخض: أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع، والأوطاب جمع وطب وهو وعاء اللبن. (2) يلعبان من تحت خصرها برمانتين: معناه أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة فيها الرمان. (3) رجلا سريا ركب شريا: سريا معناه سيدا شريفا وشريا هو الفرس الذي يستشري في سيره. (4) وأخذ خطيا: الخطي الرمح. (5) وأراح عليّ نعما ثريا: أي أتى بها إلى مراحها وهو موضع مبيت الماشية. (6) وميري أهلك: أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم بالميرة وهي الطعام. (7) كنت لك كأبي زرع لأم زرع: قال العلماء: هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها. (8) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له. (9) كرشي: بكسر الكاف أي جماعتي وموضع ثقتي وفي الكلام تشبيه لهم بالكرش. (10) عيبتي: موضع سري وأمانتي أي إنهم بطانتي وخاصتي. (11) البخاري- الفتح 7 (3799) . ومسلم (2510) واللفظ له. (12) ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- بدون القصة. سنن البيهقي (8/ 168) واللفظ له. وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 عليهم» ) * «1» 11- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه» ) * «2» 12- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثّناء» ) * «3» 13- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين، وجاءته وفود هوازن فقالوا: يا محمّد إنّا أصل وعشيرة، فمنّ علينا، منّ الله عليك، فإنّه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك. فقال: «اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم» ، قالوا: خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا، فقال: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم، فإذا صلّيت الظّهر فقولوا: إنّا نستشفع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المؤمنين، وبالمؤمنين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نسائنا وأبنائنا. قال: ففعلوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم» ، وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالت الأنصار: مثل ذلك، وقال عيينة بن بدر: أمّا ما كان لي ولبني فزارة فلا، وقال الأقرع بن حابس: أمّا أنا وبنو تميم فلا، وقال عبّاس ابن مرداس: أمّا أنا وبنو سليم فلا، فقالت الحيّان «4» : كذبت، بل هو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس ردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم فمن تمسّك بشيء من الفيء «5» فله علينا ستّة فرائض من أوّل شيء يفيئه الله علينا» ، ثمّ ركب راحلته، وتعلّق به النّاس، يقولون: اقسم علينا فيئنا بيننا، حتّى ألجئوه إلى شجرة فخطفت رداءه، فقال: «يا أيّها النّاس: ردّوا عليّ ردائي، فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم، ثمّ لا تلفوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا» ، ثمّ دنا من بعيره، فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصابعه السّبّابة والوسطى ثمّ رفعها، فقال: «يا أيّها النّاس ليس لي من هذا الفيء ولا هذه إلّا الخمس، والخمس مردود عليكم فردّوا الخياط والمخيط، فإنّ الغلول «6» يكون على أهله يوم القيامة عارا ونارا وشنارا «7» ، فقام رجل معه كبّة من   (1) أبو داود (4812) . والترمذي (2487) واللفظ له. وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه. (2) النسائي (5/ 82) . وأبو داود (1672) وقال محقق جامع الأصول (11/ 692) : إسناده صحيح. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 314) : صحيح. (3) الترمذي (2035) وقال: حسن جيد غريب. والنسائي في عمل اليوم والليلة (75) . (4) الحيّان: المراد بهم بنو تميم وبنو سليم. (5) الفيء: الغنيمة. (6) الغلول: الخيانة في المغنم. (7) شنارا: الشنار بالفتح العيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 شعر، فقال: إنّي أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر «1» قال: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لك» ، فقال الرّجل: يا رسول الله أمّا إذ بلغت ما أرى فلا أرب «2» لي بها، ونبذها» ) * «3» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد- أخت خديجة- على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرف استئذان خديجة، فارتاح لذلك فقال: اللهمّ هالة بنت خويلد، فغرت فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشّدقين هلكت في الدّهر فأبدلك الله خيرا منها» ) * «4» . 15- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر» «5» فسلّم، وقال: يا رسول الله: إنّي كان بيني وبين ابن الخطّاب شيء فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) » ، ثمّ إنّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر «6» حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ (مرّتين) فما أوذي بعدها» ) * «7» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما غرت على نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلّا على خديجة. وإنّي لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا ذبح الشّاة، فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي قد رزقت حبّها» ) * «8» . 17- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس وقال: «إنّ الله خيّر عبدا بين الدّنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله» . قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا   (1) دبر: الدّبر بفتح الباء هو الجرح الذي يكون على ظهر البعير، والبردعة والبرذعة (بالدال والذال) الحلس الذي يلقى تحت الرحل. (2) أرب: الأرب الحاجة. (3) أحمد (2/ 184) واللفظ له، وقال شاكر: إسناده صحيح (11/ 18) رقم (6729) .. وروى أبو داود بعضه (2694) . البيهقي في السنن الكبرى (6/ 336، 337) . وإنما فعل بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك؛ لأنه استرضع منهم أمه من الرضاع (حليمة السعدية) فرد لهم فضلهم واعترف بجميلهم. (4) البخاري- الفتح 7 (3821) 0 مسلم (2437) واللفظ له، عند أحمد قال عليه الصلاة والسلام: آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بما لها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء. ذكره الحافظ في الفتح (7/ 137) . (5) غامر: خاصم. (6) يتمعر: تذهب نضارته من الغضب. (7) البخاري- الفتح 7 (3661) . (8) البخاري- الفتح 7 (3816) . ومسلم (2435) واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 لبكائه أن يخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عبد خيّر، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلا غير ربّي لاتّخذت أبا بكر ولكن أخوّة الإسلام ومودّته، لا يبقينّ باب في المسجد إلّا سدّ «1» إلّا باب أبي بكر» ) * «2» . 18- * (عن جبير بن مطعم بن عديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عديّ حيّا ثمّ كلّمني في هؤلاء النّتنى «3» لتركتهم له» ) * «4» . 19- * (عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين قسم في النّاس في المؤلّفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنّهم وجدوا «5» إذ لم يصبهم ما أصاب النّاس فخطبهم فقال: «يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرّقين فألّفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي؟ كلّما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ. قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قال: كلّما شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ. قال: لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا. ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاة والبعير، وتذهبون بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك النّاس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها. الأنصار شعار «6» والنّاس دثار «7» إنّكم ستلقون بعدي أثرة «8» فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «9» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أصحابي، لا تسبّوا أصحابي، فوالّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» ) * «10» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يشكر النّاس لم يشكر الله- عزّ وجلّ-» ) * «11» .   (1) المعنى: لا تبقوا بابا غير مسدود إلا باب أبي بكر. (2) البخاري- الفتح 7 (3654) 0 قال الحافظ: في الحديث فوائد منها: شكر المحسن والتنويه بفضله والثناء عليه (7/ 16) . (3) النتنى: المراد بهم أسرى بدر المشركين. (4) البخاري- الفتح 6 (3139) . وانما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك اعترافا منه بالجميل لما أدخله في جواره بعد أن رده أهل الطائف. (5) وجدوا: أي غضبوا. (6) شعار: ما يلي الجسد. (7) دثار: ما يتدثر به الإنسان وهو ما يلقيه عليه من كساء أو غيره فوق الشعار. (8) أثرة: استئثار بأمور الدنيا. والأصل فيه الانفراد بالشيء المشترك دون من يشركه فيه. (9) البخاري- الفتح 7 (4330) واللفظ له. ومسلم (1061) . (10) مسلم (2540) واللفظ له. والبخاري في الفتح 7 (3673) من حديث أبي سعيد. (11) المسند (2/ 258) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: رواه أبو داود (4811) ، والترمذي (3 (132) وقال: حديث صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الاعتراف بالفضل) 1- * (قال أبو حاتم بن حبّان البستيّ- رحمه الله تعالى-: «الواجب على المرء أن يشكر النّعمة، ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته، إن قدر فبالضّعف، وإلّا فبالمثل وإلّا فبالمعرفة بوقوع النّعمة عنده، مع بذل الجزاء له بالشّكر. وقوله: جزاك الله خيرا. وقال أنشدني عليّ بن محمّد: علامة شكر المرء إعلان حمده ... فمن كتم المعروف منهم فما شكر إذا ما صديقي نال خيرا فخانني ... فما الذّنب عندي للّذي خان أو فجر ) * «1» 2-* (كان إبراهيم بن أدهم- رحمه الله تعالى- إذا صنع إليه أحد معروفا حرص على أن يكافئه، أو يتفضّل عليه. قال صاحب له: فلقيني وأنا على حمار، وأنا أريد بيت المقدس، جائيا من الرّملة، وقد اشترى بأربعة دوانيق» تفّاحا وسفرجلا وخوخا وفاكهة فقال لي: أحبّ أن تحمل هذا. وإذا عجوز يهوديّة في كوخ لها فقال: أحبّ أن توصّل هذا إليها، فإنّني مررت وأنا ممس، فبيّتني عندها فأحبّ أن أكافئها على ذلك» ) * «3» . 3- * (وقال ابن حبّان البستيّ- رحمه الله تعالى-: إنّي لأستحبّ للمرء أن يلزم الشّكر للصّنائع، والسّعي فيها من غير قضائها، والاهتمام بالصّنائع؛ لأنّ الاهتمام ربّما فاق المعروف، وزاد على فعل الإحسان. إذ المعروف يعمله المرء لنفسه، والإحسان يصطنعه إلى النّاس، وهو غير مهتمّ به ولا مشفق عليه وربّما فعله الإنسان، وهو كاره والاهتمام لا يكون إلّا من فرط عناية، وفضل ودّ، فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكره المعروف. أنشدني عبد العزيز ابن سليمان: لأشكرنّك معروفا هممت به ... إنّ اهتمامك بالمعروف معروف ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشّيء بالقدر المجلوب مصروف) * «4» . 4- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- أنشدني المنتصر بن بلال: ومن يسد معروفا إليك فكن له ... شكورا يكن معروفه غير ضائع ولا تبخلن بالشّكر والقرض فاجزه ... تكن خير مصنوع إليه وصانع وقال أنشدني الكريزيّ:   (1) روضة العقلاء (353- 354) . (2) دوانيق: مفرد دانق والدانق الإسلامي حبّتا خرنوب وثلثا حبة خرنوب؛ والدرهم الإسلامي ست عشرة حبة خرنوب. (3) روضة العقلاء (352- 353) بتصرف. (4) روضة العقلاء (354) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 أحقّ النّاس منك بحسن عون ... لمن سلفت لكم نعم عليه وأشكرهم أحقّهم جميعا ... بحسن صنيعة منكم إليه وقال أنشدني بعض أهل العلم: فكن شاكرا للمنعمين لفضلهم ... وأفضل عليهم إن قدرت وأنعم ومن كان ذا شكر فأهل زيادة ... وأهل لبذل العرف من كان ينعم وقال: الحرّ لا يكفر النّعمة، ولا يتسخّط المصيبة، بل عند النّعم يشكر، وعند المصائب يصبر، ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه، والنّعم لا تستجلب زيادتها، ولا تدفع الآفات عنها إلّا بالشّكر» ) * «1» . من فوائد (الاعتراف بالفضل) (1) اعتراف بالمنعم والنّعمة. (2) سبب من أسباب حفظ النّعمة بل المزيد. (3) لا يكون باللّسان فقط بل اللّسان يعبّر عمّا في الجنان وكذلك يكون بعمل الجوارح والأركان. (4) كثرة النّعم من المنعم لا يمكن أن يؤدّي الإنسان حقّها، وبالشّكر يؤدّي حقّها. (5) يكسب رضا الرّبّ ومحبّته.   (1) روضة العقلاء (350) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 الاعتصام الاعتصام لغة: يقول ابن فارس: «العين والصّاد والميم أصل واحد صحيح يدلّ على إمساك ومنع وملازمة، والمعنى في ذلك كلّه معنى واحد، من ذلك العصمة: أن يعصم الله تعالى عبده من سوء يقع فيه، واعتصم العبد بالله تعالى: إذا امتنع، واستعصم: التجأ ... إلخ «1» . والاعتصام: الاستمساك بالشّيء، ومنه قول أبي طالب: ثمال «2» اليتامى عصمة للأرامل. أي يمنعهم من الضّياع والحاجة، والعصمة: المنع، واعتصم فلان بالله، إذا امتنع به، والعصمة: الحفظ، وعصم إليه: اعتصم به، وأعصمه: هيّأ له شيئا يعتصم به، وأعصم بالفرس: امتسك بعرفه. قال الزّجّاج: أصل العصمة الحبل، وكلّ ما أمسك شيئا فقد عصمه، وأعصم الرّجل بصاحبه إعصاما إذا لزمه «3» . الاعتصام بالكتاب والسنة اصطلاحا: اجتماع المسلمين على الاستعانة بالله، والوثوق به الآيات/ الأحاديث/ الآثار 9/ 8/ 6 وعدم التّفرّق عنه، والاجتماع على التّمسّك بعهده على عباده، وهو الإيمان والطّاعة أو الكتاب «4» (والسّنّة) لأنّ من أطاع الرّسول فبفرض الله ذلك فى كتابه كما قال الله- عزّ وجلّ-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (النساء/ 80) «5» . أنواع الاعتصام: قال ابن القيّم- رحمه الله-: الاعتصام نوعان: اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله. قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران/ 103) ، وقال: وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الحج/ 78) . ومدار السّعادة الدّنيويّة والأخرويّة: على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلّا لمن تمسّك بهاتين العصمتين. فأمّا الاعتصام بحبله: فإنّه يعصم من الضّلالة، والاعتصام به: يعصم من الهلكة، فإنّ السّائر إلى الله كالسّائر على طريق نحو مقصده، فهو محتاج إلى هداية الطّريق. والسّلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلّا بعد حصول هذين الأمرين له. فالدّليل كفيل بعصمته   (1) مقاييس اللغة (4/ 331) . (2) ثمال اليتامى: مطعمهم وعمادهم أو ظلهم وقيل مطعمهم في الشدة. (3) لسان العرب لابن منظور (12/ 404- 405) . (4) اقتبسنا هذا التعريف من تفسير الكشاف. للعلامة الزمخشري (1/ 206) . (5) أوردت كتب الاصطلاحات تعريفا للعصمة ولم تذكر الاعتصام، ومن ذلك تعريف الجرجاني للعصمة بأنها: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، انظر التعريفات (ص 15) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 من الضّلالة، وأن يهديه إلى الطّريق، والعدّة والقوّة والسّلاح الّتي بها تحصل له السّلامة من قطّاع الطّريق وآفاتها. فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتّباع الدّليل. والاعتصام بالله يوجب له القوّة والعدّة والسّلاح، والمادّة الّتي يستلئم بها في طريقه. ولهذا اختلفت عبارات السّلف في الاعتصام بحبل الله، بعد إشارتهم كلّهم إلى هذا المعنى. فقال ابن عبّاس: تمسّكوا بدين الله. وقال ابن مسعود: هو الجماعة، وقال: «عليكم بالجماعة، فإنّها حبل الله الّذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطّاعة خير ممّا تحبّون في الفرقة» وقال مجاهد وعطاء «بعهد الله» وقال قتادة والسّدّيّ وكثير من أهل التّفسير: «هو القرآن» . وقال مقاتل: بأمر الله وطاعته، ولا تفرّقوا كما تفرّقت اليهود والنّصارى. قال صاحب المنازل: الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته مراقبا لأمره. ويريد بمراقبة الأمر: القيام بالطّاعة لأجل أنّ الله أمر بها وأحبّها، لا لمجرّد العادة، أو لعلّة باعثة «1» سوى امتثال الأمر، كما قال طلق بن حبيب في التّقوى: هي العمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله. فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل، والله أعلم. وأمّا الاعتصام به: فهو التّوكّل عليه، والامتناع به، والاحتماء به، وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه، ويعصمه ويدفع عنه، فإنّ ثمرة الاعتصام به: هو الدّفع عن العبد، والله يدافع عن الّذين آمنوا، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كلّ سبب يفضي «2» به إلى العطب، ويحميه منه، فيدفع عنه الشّبهات والشّهوات، وكيد عدوّه الظّاهر والباطن، وشرّ نفسه، ويدفع عنه موجب أسباب الشّرّ بعد انعقادها، بحسب قوّة الاعتصام به وتمكّنه، فتفقد في حقّه أسباب العطب، فيدفع عنه موجباتها ومسبّباتها. «3» قال الشّيخ أحمد شاكر في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا: أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التّفرّق، وقد وردت الأحاديث المتعدّدة بالنّهي عن التّفرّق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنّة ومسلّمة من عذاب النّار، وهم الّذين على ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الألفة- الاجتماع- التعاون على البر والتقوى- التعارف. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التفرق- التفريط والإفراط- التنازع- الضعف- الوهن] .   (1) باعثة: دافعة. (2) يفضي: أي يصل به. (3) مدارج السالكين (1/ 495، 497) . (4) عمدة التفسير لأحمد شاكر (3/ 16) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 الآيات الواردة في «الاعتصام» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) «1» 2- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) «2» 3- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «3» 4- قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) «4» 5- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «5» 6- * وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) «6»   (1) آل عمران: 100- 103 مدنية (2) النساء: 145- 146 مدنية (3) النساء: 174- 175 مدنية (4) هود: 43 مكية (5) الحج: 78 مدنية (6) يوسف: 30- 32 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 الآيات الواردة في «الاعتصام» معنى 7- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «1» 8- * وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) «2» 9- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) «3»   (1) البقرة: 256 مدنية (2) لقمان: 22 مكية (3) الزخرف: 43 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 الأحاديث الواردة في (الاعتصام) 1- * (عن الحارث بن هشام- رضي الله عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بأمر أعتصم به؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «املك هذا» وأشار إلى لسانه) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ، ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ ... الحديث وفيه «2» - «وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به. كتاب الله ... » ) * «3» 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله «4» جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم: قيل وقال «5» ، وكثرة السّؤال «6» ، وإضاعة المال» ) * «7» . 4- * (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: حدّثني بأمر أعتصم به، قال: «قل ربّي الله ثمّ استقم» . قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: «هذا» ) * «8» . الأحاديث الواردة في (الاعتصام) معنى 5- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: «إنّ خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا مجدّع الأطراف «9» » ) * «10» . 6- * (عن مالك بن أنس- رحمه الله- بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما: كتاب الله وسنّة رسوله» ) *1» . 7- * (عن أمّ الحصين- رضي الله عنها- قالت: حججت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجّة الوداع،   (1) رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد- المعجم الكبير (3/ 295) (3348، 3349) ، وانظر الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 527) . ويتقوى بشواهده عند أحمد (5/ 295) ، وابن المبارك في الزهد (134) . (2) انظر آل عمران (103) . (3) مسلم (1218) . (4) الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بآدابه. (5) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس. (6) كثرة السؤال: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال مما لا يقع ولا تدعو إليه الحاجة. (7) مسلم (1715) . (8) الترمذي (2522) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (3972) ، وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجه (3208) . (9) وإن كان عبدا مجدع الأطراف: أي مقطوعها، والمراد أخس العبيد أي أسمع وأطيع للأمير وإن كان دنيء النسبة، حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف، فطاعته واجبة. (10) مسلم (1837) . (11) أخرجه مالك في الموطأ وهو حديث حسن، وانظر جامع الأصول: (ص 277) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف، وهو على راحلته، ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته، والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الشّمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولا كثيرا، ثمّ سمعته يقول: «إن أمّر عليكم عبد مجدّع «1» أسود يقودكم بكتاب الله تعالى، فاسمعوا له وأطيعوا» ) * «2» . 8- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا، بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها النّاس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب «3» ، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله، ورغّب فيه ثمّ قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي «4» » ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الاعتصام) 1- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال فى قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ قال: «حبل الله الجماعة» ) * «6» . 2- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إنّ هذا الصّراط محتضر، تحضره الشّياطين ينادون يا عبد الله هلمّ «7» هذا هو الطّريق، ليصدّوا عن سبيل الله، فاعتصموا بحبل الله، فإنّ حبل الله القرآن» ) * «8» . 3- * (عن أبي العالية في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ قال: بالإخلاص للهّ وحده وَلا تَفَرَّقُوا يقول: لا تعادوا «9» عليه- يقول على الإخلاص- وكونوا عليه إخوانا) * «10» . 4- * (عن ابن زيد في وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ، قال: «الإسلام» ) * «11» . 5- * (عن سماك بن الوليد الحنفيّ؛ أنّه لقي ابن عبّاس فقال: «ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا، ويشتموننا، ويعتدون علينا في صدقاتنا، ألا نمنعهم؟، قال: لا، أعطهم، الجماعة الجماعة «12» ،   (1) مجدع: أي مقطع الأعضاء. (2) مسلم (1298) . (3) يريد ملك الموت الذي يقبضه فيلحق بالرفيق الأعلى. (4) يفيد هذا الإلحاح في التوصية بأهل بيته. (5) مسلم (2408) . (6) الدر المنثور للسيوطي (2/ 285) . (7) هلمّ: أقبل (اسم فعل أمر) . (8) الدر المنثور للسيوطي (2/ 284) . (9) تعادوا: لا تجعلوا عداوتكم تفرقكم عليه. (10) الدر المنثور للسيوطي (2/ 286) . (11) المرجع السابق (2/ 287) . (12) الجماعة الجماعة أسلوب إغراء أي الزم الجماعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 إنّما هلكت الأمم الخالية بتفرّقها، أما سمعت قول الله وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» ) * «1» . 6- * (قال ابن بطّال: «لا عصمة لأحد إلّا في كتاب الله، أو في سنّة رسوله، أو في إجماع العلماء على معنى في أحدهما» ) * «2» . من فوائد (الاعتصام) (1) دليل صلاح المرء واستقامته. (2) يورث محبّة الله ومحبّة النّاس. (3) يثمر السّعادة في الدّارين. (4) يجنّب الإنسان مسالك الشّيطان ومضلّاته. (5) دليل على صدق الإيمان ومحبّة الرّحمن. (6) يقوّي الأمّة ويرفعها. (7) في الاعتصام تجمّع، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب. (8) الاعتصام بالله يدفع عن العبد ويحمي من الشّهوات والشّبهات.   (1) الدر المنثور للسيوطي (2/ 285- 286) . (2) فتح الباري (13/ 246) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 الإغاثة الإغاثة لغة: مصدر قولهم: أغاثه يغيثه، وهو مأخوذ من مادّة (غ وث) ، الّتي تدلّ على الإعانة والنّصرة عند الشّدّة، أمّا مادّة (غ ي ث) اليائيّة فإنّها تدلّ على الحيا (المطر) النّازل من السّماء «1» ، وقيل: الغيث المطر في إبّانه «2» ، (أي في الوقت الّذي يحتاج إليه فيه) ، يقال من الأصل الأوّل (غ وث) : استغثته فأغاثني، أي استعنت به عند الشّدّة فأعانني، ومن الأصل الثّاني (غ ي ث) استغثنا الله فغاثنا «3» أي طلبنا المطر فأمدّنا الله به، قال ذو الرّمّة: ما رأيت أفصح من أمة آل فلان، قلت لها كيف كان المطر عندكم؟ قالت: غثنا ما شينا (أي ما شئنا) «4» . وقال الجوهريّ: يقال: غوّث الرّجل: قال: واغوثاه، والاسم «5» من ذلك: الغوث والغواث والغياث والغياث (بتثليث الغين) ، يقال: أجاب الله الآيات/ الأحاديث/ الآثار 11/ 15/ 8 دعاءه وغواثه، ولم يرد بالفتح (أي بفتح أوّله) من الأصوات «6» سواه، والقياس أن يأتي بالضّمّ مثل البكاء والدّعاء، وبالكسر مثل النداء والصّياح، وشاهد ذلك قول العامريّ: بعثتك مائزا فلبثت حولا ... متى يأتي غواثك من تغيث؟ «7» والاسم من الإغاثة: الغياث، وأصله الغواث، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها «8» ، والغياث: ما أغاثك الله به «9» ، وقال ابن منظور: الغواث بالضّمّ: الإغاثة، وقولهم: استغاث (مثل غوّث) أي صاح واغوثاه «10» ، قال الزّبيديّ: هذا أصله، ثمّ إنّهم استعملوه بمعنى: صاح ونادى طلبا للغوث «11» ، وفي حديث هاجر (أمّ إسماعيل) ، «.. فهل عندك غواث؟» ، الغواث بالفتح كالغياث بالكسر من الإغاثة بمعنى الإعانة «12» ، ومن ذلك الحديث   (1) ابن فارس: مقاييس اللغة 4/ 400 (غ وث) ، 4/ 403 (غيث) . (2) الكليات للكفوي (3/ 313) . (3) المرجع السابق (1/ 173) بتصرف. (4) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 403) . (5) كذا قال الجوهري، ولعلّ الصّواب: المصدر لأنه سيذكر الاسم بعد ذلك وهو الغياث. (6) أي من الكلمات الدالة على صوت. (7) السابق، الصفحة نفسها، وقد ورد البيت منسوبا في اللسان (2/ 174) لعائشة بنت سعد بن أبي وقاص. ومعنى مائرا: أي جالبا للميرة وهي الطعام. (8) الصحاح (1/ 289) . (9) تاج العروس للزبيدي (5/ 214) . (10) لسان العرب (2/ 175) . (11) تاج العروس (5/ 313) . (12) النهاية لابن الأثير (3/ 392) ، واللسان (2/ 174) ط. بيروت) . انظر الحديث رقم (3) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 الأخر: اللهمّ أغثنا، بالهمزة من الإغاثة، أمّا الحديث الآخر: «فادع الله يغيثنا (بفتح الياء) ، (فهو من الغيث) ، يقال غاث الله البلاد يغيثها، إذا أرسل عليها المطر، أمّا ما جاء في حديث توبة كعب: «فخرجت قريش مغوثين لعيرهم» فالمعنى: مغيثين فجاء به على الأصل ولم يعلّه، كما في استحوذ واستنوق، قال ابن الأثير، ولو روي مغوّثين بالتّشديد من غوّث بمعنى أغاث- لكان وجها «1» ، وتأتي الإغاثة أيضا بمعنى التّفريج، قال ابن سيدة: يقول (المضطرّ) الواقع في بليّة: أغثني، أي فرّج عنّي، واستغثت فلانا فما كان لي عنده مغوثة ولا غوث أي إغاثة «2» ، قال في اللّسان: وغوث جائز في هذه المواضع، أن يوضع- وهو اسم- موضع المصدر- أي الإغاثة «3» وقال الرّاغب: الغوث يقال في النّصرة، والغيث يقال في المطر. ويقال: استغثته: طلبت الغوث أو الغيث، فأغاثني من الغوث، وغاثني من الغيث، أمّا غوّث فلا تكون إلّا من الغوث، وقول الله تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ (الكهف/ 29) فإنّه يصحّ أن يكون من الغيث ويصحّ أن يكون من الغوث، وكذا يغاثوا يصحّ فيه المعنيان «4» . المغيث من أسمائه تعالى: قال صاحب موسوعة «له الأسماء الحسنى» : المغيث، اسم من الأسماء الحسنى الزّائدة عن الأسماء المعروفة «5» . وقال الإمام ابن تيميّة: ومن أسماء الله- عزّ وجلّ- المغيث، وهو بمعنى «المجيب» لكنّ الإغاثة أخصّ بالأفعال، والإجابة أخصّ بالأقوال» ، ويمكن- لغة- أن يكون المعنى أنّه سبحانه هو الغيّاثّ الّذي يقدّم العون والنّصرة للمضطرّين كما أنّه ينزّل الغيث على العباد والبلاد، فهو سبحانه غياث المستغيثين الّذين يطلبون الغوث (المعونة والنّصرة) أو الغيث (المطر الّذي يحتاج إليه) ، قال أبو عبد الله الحليميّ- رحمه الله تعالى- الغيّاث هو المغيث، وأكثر ما يقال: غياث المستغيثين ومعناه: المدرك عباده في الشّدائد إذا دعوه وهو مجيبهم ومخلّصهم «7» . الإغاثة اصطلاحا: الإغاثة تقديم الغوث وهو «التّخليص من الشّدّة والنقمة والعون على الفكاك من الشّدائد «8» . الفرق بين الإغاثة والاستغاثة: المراد بالاستغاثة هنا طلب الغوث أي النّصرة والإعانة من قبل المضطرّ أو المحتاج، أمّا الإغاثة فهي تقديم ذلك العون ممّن وفّقه الله تعالى لمن هو في حاجة إليه.   (1) النهاية (3/ 293) . (2) اللسان (2/ 174) ، وتاج العروس (5/ 214) ، ولم ترد كلمة المضطر في اللسان. (3) اللسان (2/ 174) . (4) المفردات للراغب (550) . (5) موسوعة له الأسماء الحسنى، للشيخ أحمد الشرباصي (2/ 115) . (6) مجموع الفتاوى (1/ 111) . (7) المرجع السابق، الصفحة نفسها، وقارن بصفة الاستغاثة. (8) تاج العروس للزبيدي (5/ 214) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 الإغاثة واجب إسلامي أصيل: إنّ تقديم العون والنّصرة لمن يحتاج إليها سلوك إسلاميّ أصيل، وخلق رفيع تقتضيه الأخوّة الصّادقة، وقد كانت حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير مثال يحتذى فيما يتعلّق بإغاثة المظلوم أو الملهوف، وتقديم العون لكلّ من يحتاج إليه، وقد عرف بذلك حتّى قبل البعثة المباركة، وعند ما قال للسّيّدة خديجة- رضي الله عنها- «لقد خشيت على نفسي» أجابته في ثقة واطمئنان «كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ» «1» ، وكأنّه قد استقرّ في الطّباع السّليمة أنّ صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، وأنّ من أغاث النّاس وأعانهم لابدّ من أن يغيثه ربّه ويعينه، فالجزاء من جنس العمل. وبعد الإسلام أصبحت الإغاثة واجبا ينهض به القادرون وعملا من أعمال الخير يتنافس فيه المتنافسون، وأصبح من الحقائق المسلّمة عندهم أنّ «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» «2» كما أخبرهم بذلك المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وحثّهم عليه. وقد كان الصّحابة- رضوان الله عليهم- مضرب المثل في تقديم الغوث لمن هم في حاجة إليه. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما حدث في عام الرّمادة «3» ، عندما أصاب النّاس جدب في المدينة وما حولها وكان ذلك في العام الثّامن عشر للهجرة في خلافة عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- الّذي قال: «الله أكبر، بلغ البلاء مدّته فانكشف. وكتب إلى أمراء الأمصار» . «أغيثوا أهل المدينة ومن حولها» «4» وكان عمرو بن العاص واليا على مصر فأرسل يجيبه: إنّه سيصلهم غوث لا انقطاع له. ولقد قام المسلمون- أخيرا- بجزء من واجبهم في هذا السّبيل فكوّنوا هيئة الإغاثة الإسلاميّة. إنّ المؤمنين بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، ألم يأن لهم أن يوقظوا هذا الخلق الإسلاميّ الرّفيع، ويحيوا سنّة نبيّهم ومجد أسلافهم فيتقدّموا طائعين راضين بتقديم الغوث لإخوان لهم شرّدتهم الحروب، ويتّمت أطفالهم ورمّلت نساءهم الهجمات الشّرسة من القوى الصّليبيّة والصّهيونيّة والإلحاديّة، إنّ على المسلمين ألّا يتركوا إخوانهم فريسة في أيدي من لا يرجون لله وقارا، أولئك الّذين يقدّمون باسم الإنسانيّة بعض ما يفيض عندهم صدقة وإحسانا، إنّنا لسنا في حاجة إلى «إنسانيّة» هؤلاء الّذين يمدّون العدوّ بالسّلاح ليقتل ويشرّد ثمّ يقدّمون لنا فائض الغذاء أو الدّواء- فقط- إذا أثخنتنا الجراح، ما أحوج المسلمين   (1) البخاري- الفتح 1 (3) ، وانظر الحديث بتمامه في الأحاديث الواردة في الاغاثة معنى/ حديث رقم (9) . (2) انظر الحديث رقم (11) . (3) وسمي عام الرمادة لأن المدينة كانت تسفي إذا ريحت (أي أصابتها الريح) ترابا كالرماد. (4) راجع أحداث عام الرمادة في تاريخ الطبري (4/ 96- 101) تحقيق أبي الفضل، ط. دار سويدان، بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 اليوم إلى التمسّك بهذا الخلق الإسلاميّ الرّفيع الّذي يجعل كلّ مسلم في أيّ مكان في الأرض مرفوع الهامة، رابط الجأش، واثقا من النّصر، لأنّ إخوانا له يقدّمون العون والإغاثة من منطلق إسلاميّ لا منّة فيه، ولا مطمع من ورائه، إن فعلوا نجوا وإلّا فلينتظروا زوال النّعمة عنهم مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ لله عند أقوام نعما أقرّها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين، ما لم يملّوهم، فإذا ملّوهم نقلها إلى غيرهم» «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الاستغاثة- التناصر- التعاون على البر والتقوى- الشهامة- تفريج الكربات- الإيثار- الرجولة- البر المروءة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- الأثرة الإعراض- البخل- التفريط والإفراط- التهاون] .   (1) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 390) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 الآيات الواردة في «الإغاثة» أولا: الإغاثة من الله- عز وجل-: 1- يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) «1» ثانيا: الإغاثة على سبيل التهكم بالكفار: 2- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «2» ثالثا: الإغاثة بإنزال الغيث: 3- إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) «3» 4- * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) «4» 5- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «5»   (1) يوسف: 46- 49 مكية (2) الكهف: 29 مكية (3) لقمان: 34 مكية (4) الشورى: 27- 28 مكية (5) الحديد: 20 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 الآيات الواردة في «الإغاثة» معنى 6- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «1» 7- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «2» 8- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «3» 9- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) «4» 10- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) «5» 11- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) «6»   (1) الأنعام: 63- 64 مكية (2) الأنفال: 9- 10 مدنية (3) الأنبياء: 76- 77 مكية (4) النمل: 62- 64 مكية (5) الصافات: 75- 79 مكية (6) الصافات: 114- 119 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 الأحاديث الواردة في (الإغاثة) 1- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوم جلوس في الطّريق، قال: «إن كنتم لابدّ فاعلين فاهدوا السّبيل، وردّوا السّلام، وأغيثوا المظلوم» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس بالطّرقات» قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدّ نتحدّث فيها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن أبيتم فأعطوا الطّريق حقّه» ، قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر» «2» . عن أبي حجير العدويّ قال: سمعت عمر بن الخطّاب عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذه القصّة، قال: «وتغيثوا الملهوف، وتهدوا الضّالّ» ) * «3» . 3- * (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق «4» من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل- وهي ترضعه- حتّى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم: قالت: إذن لا يضيّعنا «5» . ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة «6» حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ حتّى بلغ يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) . وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ما في السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى- أو قال: يتلبّط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصّفا، حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها «7» ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي، ثمّ أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرّات. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فلذلك سعي النّاس بينهما» . فلمّا أشرفت على   (1) أحمد، المسند (4/ 291) . (2) البخاري- الفتح (6229) ومسلم (2121) وأبو داود (4815) . (3) المرجع السابق (4817) . (4) المنطق بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء: هو ما يشد به الوسط. (5) إذن لا يضيّعنا بضم العين فى فتح الباري والصواب فتحها كما فى البدر العيني. (6) الثّنيّة: العقبة أو طريقها أو الجبل أو الطريق فيه أو إليه. (7) درع المرأة: قميصها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 المروة سمعت صوتا فقالت: صه «1» - تريد نفسها- ثمّ تسمّعت أيضا فقالت: قد أسمعت، إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم» أو قال: «لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» . قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة؛ فإنّ ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرّابية، تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقة من جرهم- أو أهل بيت من جرهم- مقبلين من طريق كداء «2» ، فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريّا «3» أو جريّين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا- قال وأمّ إسماعيل عند الماء- فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فألفى «4» ذلك أمّ إسماعيل- وهي تحبّ الأنس» - فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتّى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم «5» وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأة منهم. وماتت أمّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة. فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم. أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله- عزّ وجلّ- قال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن   (1) صه: اسم فعل أي بمعنى اسكت وكأنها تطلب من نفسها الإنصات حتى تعلم مصدر الصوت. (2) كداء بفتح الكاف ممدود: هو الموضع الذي دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة منه. (3) جريّ- كغني- الوكيل والرسول: قال ابن حجر: سمي بذلك لأنه يجري مجرى موكله أو مرسله. ينظر: القاموس المحيط وفتح الباري (6/ 464) . (4) فألفى: قال ابن حجر: فألفى ذلك: أي وجد أمّ إسماعيل بالنصب على المفعولية وهي تحب الأنس بضم الهمزة ضد الوحشة ويجوز الكسر أي تحب جنسها. فتح الباري ج 6 ص 464. (5) أنفسهم: بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي أنه أكثرهم نفاسة وشرفا ولذلك أعجبهم فكثرت رغبتهم فيه فزوجوه منهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه» . قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه- فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ههنا بيتا- وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها- قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قال: فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ) * «1» . 4- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها حتّى كانت غزوة تبوك إلّا بدرا، ولم يعاتب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحدا تخلّف عن بدر، إنّما خرج يريد العير، فخرجت قريش مغوثين» لعيرهم فالتقوا عن غير موعد كما قال الله- عزّ وجلّ- «ولعمري إنّ أشرف مشاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّاس لبدر، وما أحبّ أنّي كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام، ثمّ لم أتخلّف بعد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى كانت غزوة تبوك» ... الحديث) * «3» . 5- * (عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة لنعرض عليه مصحفا لنا على مصحفه، فلمّا حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا، ثمّ أتينا بطيب فتطيّبنا، ثمّ جئنا المسجد، فجلسنا إلى رجل فحدّثنا عن الدّجّال، ثمّ جاء عثمان بن أبي العاص فقمنا إليه، فجلسنا، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يكون للمسلمين ثلاثة أمصار، مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشّام، فيفزع النّاس ثلاث فزعات، فيخرج الدّجّال في أعراض النّاس، فيهزم من قبل المشرق، فأوّل مصر يرده المصر الّذي بملتقى البحرين، فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول: نشامه «4» ننظر ما هو. وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الّذي يليهم، ومع الدّجّال سبعون ألفا   (1) البخاري- الفتح 6 (3364) . (2) مغوثين، ومغيثين، ومعناهما واحد، وفي مسند أحمد مغّوثين وهي من الغوث بمعنى الإعانة والنصرة. (3) انظر الحديث بطولة في الترمذي برقم (3102) واللفظ له، وأحمد (6/ 387) . وأصل الحديث في الصحيحين. (4) أصل الشيم: النظر الى البرق، وهي هنا بمعنى ننظر اليه وقيل: نختبره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 عليهم السيجان، وأكثر تبعه اليهود والنّساء، ثمّ يأتي المصر الّذي يليه فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول نشامه وننظر ما هو. وفرقة تلحق بالمصر الّذي يليهم بغربيّ الشّام وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق، فيبعثون سرحا لهم فيصاب سرحهم فيشتدّ ذلك عليهم، وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد حتّى إنّ أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله. فبينماهم كذلك إذ نادى مناد من السّحر: يا أيّها النّاس، أتاكم الغوث ثلاثا، فيقول بعضهم لبعض: إنّ هذا الصّوت صوت رجل شبعان، وينزل عيسى ابن مريم عليه السّلام عند صلاة الفجر، فيقول له أميرهم: روح الله، تقدّم صلّ، فيقول: هذه الأمّة أمراء بعضهم على بعض، فيتقدّم أميرهم فيصلّي، فإذا قضى صلاته أخذ عيسى حربته فيذهب نحو الدّجّال، فإذا رآه الدّجّال ذاب كما يذوب الرّصاص، فيضع حربته بين ثندوته فيقتله، وينهزم أصحابه، فليس يومئذ شيء يواري منهم أحدا، حتّى إنّ الشّجرة لتقول: يا مؤمن، هذا كافر. ويقول الحجر: يا مؤمن، هذا كافر) * «1» . 6- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلقى على أهل النّار الجوع، فيعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيستغيثون بالطّعام فيغاثون بطعام ذي غصّة «2» ، فيذكرون أنّهم كانوا يجيزون الغصص في الدّنيا بالشّراب فيستغيثون بالشّراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم، فيقولون: ادعوا خزنة جهنّم، فيقولون: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (غافر/ 50) قال: فيقولون: ادعوا مالكا، فيقولون: يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ، قال: فيجيبهم إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (الزخرف/ 77) . قال الأعمش: نبّئت أنّ بين دعائهم وبين إجابة مالك إيّاهم ألف عام. قال: فيقولون: ادعوا ربّكم فلا أحد خير من ربّكم، فيقولون: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ* رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قال: فيجيبهم اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (المؤمنون/ 106- 108) . قال: فعند ذلك يئسوا من كلّ خير، وعند ذلك يأخذون في الزّفير والحسرة والويل. قال عبد الله بن عبد الرّحمن: والنّاس لا يرفعون هذا الحديث) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قام فينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره، قال: لا ألفينّ أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك   (1) أحمد (4/ 216، 217) . (2) الإغاثة هنا على سبيل التهكم. (3) الترمذي/ كتاب صفة جهنم حديث رقم (2586) . وقال: إنما نعرف هذا الحديث عن الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء. وشهر بن حوشب حسن الحديث (انظر في توثيقه تهذيب التهذيب: 4/ 371- 372) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 لك شيئا، قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. وعلى رقبته صامت «1» فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. أو على رقبته رقاع تخفق «2» ، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك» «3» ) * «4» . 8- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» ، فقالوا: يا نبيّ الله فمن لم يجد؟ قال: «يعمل بيده ويتصدّق. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف «5» » قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشّرّ فإنّها له صدقة» ) * «6» . الأحاديث الواردة في (الإغاثة) معنى 9- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بديء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال «ما أنا بقاريء» قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقاريء» . فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد «7» . ثمّ أرسلني فقال اقرأ فقلت: «ما أنا بقاريء» فأخذني فغطّني الثّالثة. ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (القلم/ 1- 3) فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة، وكان امرءا تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من   (1) صامت: أي الذهب والفضة، وقيل: ما لا روح فيه. (2) رقاع تخفق: أي تتقعقع وتضطرب إذا حركتها الرياح، وقيل: معناه تلمع والمراد بها الثياب. (3) البخاري- الفتح 6 (3073) . (4) يوضح هذا الحديث الشريف أن الإغاثة لا تكون لأصحاب الغلول يوم القيامة. (5) قال ابن حجر في الفتح: الملهوف المستغيث (3/ 361) ، وهو أعمّ من أن يكون مظلوما أو عاجزا. قلت والإعانة هنا إغاثة له. (6) البخاري الفتح 3 (1445) ، واللفظ له، ومسلم (1008) . (7) بلغ مني الجهد: يروى بنصب الجهد ورفعه ومعنى رواية النصب أن الغطّ بلغ منه المشقة والتعب، وعلى رواية الرفع بلغ منه الجهد مبلغا عظيما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس «1» الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «2» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «3» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي» ) * «4» . 10- * (عن عبد الله بن أبي قتادة، أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه، ثمّ وجده، فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجّيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» ) * «5» . 11- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «6» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر في الدّنيا يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدّنيا ستر الله عليه في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) * «7» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النّار ثلاث خنادق، كلّ خندق أبعد ممّا بين الخافقين) * «8» . 14- * (عن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ نفس في كلّ يوم طلعت فيه الشّمس صدقة منه على نفسه» . قلت: يا رسول الله، من أين أتصدّق وليس لنا أموال؟ قال: «إنّ من أبواب الصّدقة التكبير، وسبحان الله والحمد لله واستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعزل الشّوكة عن طريق النّاس والعظم والحجر، وتهدي الأعمى، وتسمع الأصمّ   (1) الناموس: هو جبريل، وقال أهل اللغة: الناموس صاحب سر الخبر. (2) جذعا: أي شابا قويا. (3) لم ينشب: أي لم يلبث. (4) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. ومسلم (160) . (5) مسلم (1563) . (6) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له، ومسلم (2580) وأبو داود حديث رقم (4946) والترغيب والترهيب (3/ 389) . (7) مسلم (2699) والترمذي واللفظ له، كتاب البر- حديث رقم (1930) وأبو داود باب المعونة للمسلم برقم (4946) وابن ماجة (مقدمة) حديث رقم (225) . وأحمد (2/ 252) . والحاكم وقال: صحيح على شرطهما والترغيب والترهيب (3/ 390) . (8) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 391) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والحاكم، وقال: صحيح الاسناد، إلا أنه قال: لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته- وأشار بأصبعه- أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 والأبكم حتّى يفقه، وتدلّ المستدلّ على حاجته قد علمت مكانها، وتسعى بشدّة ساقيك إلى اللهفان المستغيث «1» ، وترفع بشدّة ذراعيك مع الضّعيف. كلّ ذلك من أبواب الصّدقة منك على نفسك، ولك في جماعك زوجتك أجر» . قال أبو ذرّ: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره فمات، أكنت تحتسب به؟» قلت: نعم. قال: «فأنت خلقته؟» قال: بل الله خلقه. قال: «فأنت هديته؟» قال: بل الله هداه. قال: «فأنت ترزقه؟» . قال: بل الله كان يرزقه. قال: «كذلك فضعه في حلاله، وجنّبه حرامه، فإن شاء الله أحياه، وإن شاء أماته، ولك أجر» ) * «2» . 15- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» ، فقالوا: يا نبيّ الله فمن لم يجد؟. قال: «يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدّق» . قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف «3» » . قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشّرّ فإنّها له صدقة» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإغاثة) 1- * (كتب عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عام الرّمادة إلى أمراء الأمصار يقول: «أغيثوا أهل المدينة ومن حولها» ) * «5» . 2- * (عن الحسن- رضي الله عنه- أنّه أمر ثابتا البنانيّ بالمشي في حاجة، فقال: أنا معتكف، فقال له: يا أعمش، أما تعلم أنّ مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجّة بعد حجّة) * «6» . 3- * (قال بعضهم: إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكّره ثانية فلعلّه أن يكون قد نسي، فإن لم يقضها فكبّر عليه واقرأ هذه الآية وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ (الأنعام/ 36)) * «7» . 4- * (اشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة داره الّتي في السّوق بتسعين ألف درهم، فلمّا كان اللّيل سمع بكاء أهل خالد، فقال لأهله: ما لهؤلاء؟ قال: يبكون على دارهم. قال: يا غلام، ائتهم فأعلمهم أنّ الدّار والمال لهم جميعا) * «8» . 5- * (قال جعفر بن محمّد: إنّي لأتسارع إلى قضاء حوائج إخواني مخافة أن أردّهم فيستغنوا عنّي. قال الغزاليّ: هذا في الأعداء فكيف في الأصدقاء؟) * «9» .   (1) وجه الإغاثة هنا هو حث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على إغاثة اللهفان بأقصى سرعة ممكنة فهذا الحديث كان في الاستغاثة لفظا إلّا أنه في الإغاثة معنى. (2) أحمد في مسنده (5/ 168، 169) . (3) قال الحافظ في الفتح: الملهوف: المستغيث. (4) البخاري- الفتح 3 (1445) واللفظ له، مسلم (1008) . (5) تاريخ الطبري (4/ 99) (أحداث عام الرمادة 18 هـ) . (6) دليل الفالحين (3/ 35) . (7) الإحياء (2/ 175) . (8) مختصر منهاج القاصدين/ المقدسي (203) . (9) الإحياء (2/ 175) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 6- * (قال الغزاليّ: «.. ينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك أو أهمّ من حاجتك، وأن تكون متفقّدا لأوقات الحاجة، غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السّؤال وإظهار الحاجة إلى الإستعانة، بل تقوم بحاجته كأنّك لا تدري أنّك قمت بها، ولا ترى لنفسك حقّا بسبب قيامك بها، بل تتقلّد منه بقبوله سعيك في حقّه وقيامك بأمره. ولا ينبغي أن تقتصر على قضاء الحاجة، بل تجتهد في البداية بالإكرام في الزّيادة والإيثار والتّقديم على الأقارب والولد» ) * «1» . 7- * (قال ابن علّان معلّقا على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (ومن نفّس عن مؤمن كربة.. الحديث) : وفيه عظيم فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسّر من علم، أو مال، أو جاه، أو نصح، أو دلالة على خير، أو إعانة بنفسه، أو سفارته، أو وساطته، أو شفاعته، أو دعائه له بظهر الغيب) * «2» . 8- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: إنّ أخاك الحقّ من كان معك ... ومن يضّرّ نفسه لينفعك ومن إذا ريب زمان صدّعك ... شتّت فيه شمله ليجمعك) *» . من فوائد (الإغاثة) (1) في إغاثة المظلوم والمكروب رضا الله عزّ وجلّ. (2) الإغاثة تفتح لصاحبها طريقا إلى الجنّة. (3) الإغاثة كفيلة بتحقيق السّلام الاجتماعيّ بين أفراد الأمّة وتحقّق التّضامن والتّكافل بين المسلمين. (4) في إغاثة المحتاجين ما يجعلهم يحبّون إخوانهم ويتفانون في خدمتهم ويحافظون على أموالهم. (5) إغاثة المسلم للمسلم تفتح له طريق النّصر وتجعله قادرا على صدّ العدوان. (6) في الإغاثة ما يساعد على إجابة الدّعاء. (7) إذا أغاث المسلم أخاه رزقه الله- عزّ وجلّ- بمن يغيثه عند شدّته. (8) في الإغاثة نجاة من كرب يوم القيامة. (9) الإغاثة نوع من الصّدقة خاصّة لمن لا يجد ما يتصدّق به. (10) من أراد أن يغيثه الله يوم القيامة فعليه أن يبتعد عن الغلول. (11) إغاثة الملهوف من الأعمال الّتي تنجّي صاحبها في الدّنيا لا أنّ صنائع المعروف تقي مصارع السّوء.   (1) الإحياء (3/ 175، 176) . (2) دليل الفالحين (3/ 34، 35) . (3) الإحياء (2/ 172) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 إفشاء السلام الإفشاء لغة: مصدر قولهم: أفشى بمعنى أذاع ونشر، قال في الصّحاح: فشا الخبر يفشو فشوّا، أي ذاع، وأفشاه غيره، وتفشّى الشّيء أي اتّسع، وقال ابن منظور: يقال «فشا الشّيء يفشو فشوّا إذا ظهر، وهو عامّ في كلّ شيء ومنه إفشاء السّرّ (في معنى إظهاره) . وفي حديث الخاتم: فلمّا رآه أصحابه قد تختّم به فشت خواتيم الذّهب أي كثرت وانتشرت، وفي الحديث: أفشى الله ضيعته أي كثّر عليه معاشه ليشغله عن الآخرة «1» . السلام لغة: السّلام في أصل اللّغة السّلامة، يقال: سلم يسلم سلاما وسلامة ومنه قيل للجنّة «دار السّلام» لأنّها دار السّلامة من الآفات، والسّلام (أيضا) الاسم من التّسليم، قال محمّد بن يزيد (المبرّد) السّلام في لغة العرب أربعة أشياء، فمنها: سلّمت سلاما (اسم مصدر) ، ومنها السّلام جمع سلامة، ومنها السّلام اسم من أسماء الله تعالى، ومنها السّلام شجر «2» ، ومعنى السّلام الّذي هو اسم مصدر من «3» سلّمت أنّه دعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 28/ 65/ 25 وتأويله التّخليص. قال: وتأويل السّلام «اسم الله» أنّه ذو السّلام الّذي يملك السّلام أي يخلّص من المكروه، وقيل: لسلامته من النّقص والعيب والفناء، وقيل: إنّه سلم ممّا يلحق الغير من آفات الغير والفناء، وقال الرّاغب: السّلامة التّعرّي من الآفات الظّاهرة والباطنة قال تعالى: بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الصافات/ 84) أي متعرّ من الدّغل فهذا في الباطن، وقال تعالى: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها (البقرة/ 71) فهذا في الظّاهر، وقد سلم يسلم سلامة وسلاما وسلّمه الله. والسّلامة الحقيقيّة ليست إلّا في الجنّة، إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وصحّة بلا سقم، وجاء في الصّحاح: السّلام: السّلامة، والسّلام: الاستسلام والسّلام الاسم من التّسليم، والسّلام: البراءة من العيوب، وقيل العافية، ومنه قوله تعالى: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (الفرقان/ 63) معناه تسلّما وبراءة لا خير بيننا وبينكم ولا شرّ. وقال نحوه ابن عرفة. وقيل: قالوا سلاما، أي سدادا من القول وقصدا لا لغو فيه. وقيل: أي سلّموا سلاما. وقوله تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (القدر/ 5) أي لا داء فيها، ولا يستطيع الشّيطان أن يصنع   (1) الصحاح 6/ 2455، لسان العرب (فشا) ص 3418. (2) والسّلام هنا لغة في السّلم وهو الشجر المعروف. (3) في اللسان أن السّلام مصدر سلّمت بتشديد اللام والصواب أنه اسم مصدر؛ لأن قياس مصدر فعّل هو التفعيل وليس فعالا كما توهم عبارة ابن منظور وقد صرح بذلك الجوهري عندما قال: والسّلام الاسم من التسليم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 فيها شيئا. وقد يجوز أن يكون السّلام جمع سلامة. والسّلام: التّحيّة. وقال أبو الهيثم: السّلام والتّحيّة معناهما واحد، ومعناهما السّلامة من جميع الآفات. قال الجوهريّ: والسّلم بالكسر: السّلام. والتّسليم: مشتقّ من السّلام، لسلامته من العيب والنّقص. وقيل: إنّ معناه: أنّ الله مطّلع عليكم فلا تغفلوا، وقيل معناه سلمت منّي فاجعلني أسلم منك من السّلامة بمعنى السّلام «1» . وقوله تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال بعضهم: السّلام ههنا الله ودليله السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ (الحشر/ 23) «2» . السلام من أسماء الله تعالى: قال الغزاليّ: السّلام هو الّذي تسلم ذاته عن العيب، وصفاته عن النّقص، وأفعاله عن الشّرّ، حتى إذا كان كذلك، لم يكن في الوجود سلامة إلّا وكانت معزيّة إليه صادرة منه «3» . وقال ابن حجر- رحمه الله-: السّلام من أسماء الله تعالى، فقد جاء في حديث التّشهّد: «فإنّ الله هو السّلام» وكذا ثبت في القرآن في أسماء الله تعالى: السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ (الحشر/ 23) ومعنى السّلام: السّالم من النّقائص، وقيل: المسلم لعباده، وقيل: المسلّم على أوليائه. أ. هـ. «4» وقال ابن منظور: والسّلام الله- عزّ وجلّ-، اسم من أسمائه لسلامته من النّقص والفناء، وقيل معناه: أنّه سلم ممّا يلحق الغير من آفات الغير والفناء، وأنّه الباقي الدّائم الّذي تفنى الخلق ولا يفنى، وهو على كلّ شيء قدير «5» . إفشاء السلام اصطلاحا: قال ابن حجر- رحمه الله-: إفشاء السّلام المراد نشره سرّا أو جهرا «6» أو هو: نشر السّلام بين النّاس ليحيوا سنّته صلّى الله عليه وسلّم، أخرج البخاريّ في الأدب المفرد «إذا سلّمت فأسمع فإنّها تحيّة من عند الله» قال النّوويّ: أقلّه أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلّم عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسّنّة «7» . صيغ السلام: هي أن يقال: السّلام عليكم، وسلام عليكم، هذا إذا كان السّلام لمن لقيك من المسلمين، فإذا كان المرء مسلّما على الأموات فليقل: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين، فإذا كان السّلام موجّها إلى من يرجى إسلامه، فإنّ صيغته هي: السّلام على من اتّبع الهدى، وستأتي صيغ أخرى في الحديث الشّريف (انظر الأحاديث 2، 4، 11، 13) وسلام، بحذف عليكم، ولم يرد في القرآن غالبا إلّا منكّرا كقوله   (1) الصحاح 5/ 195، ولسان العرب 12/ 289- 291، والمفردات للراغب ص 239. (2) لسان العرب (12/ 289- 300) . (3) المقصد الأسنى (69) . (4) فتح الباري (11/ 15) . (5) لسان العرب (4/ 2078) ط. دار المعارف. (6) فتح الباري (1/ 103) . (7) فتح الباري (11/ 20) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ. فأمّا في تشهّد الصّلاة فيقال فيه معرّفا ومنكّرا. قال: وأمّا في السّلام الّذي يخرج به من الصّلاة فروى الرّبيع عن الشّافعيّ أنّه قال: لا يكفيه إلّا معرّفا، وأقلّ ما يكفيه (السّلام عليكم) فإن نقص من هذا حرفا عاد فسلّم. ووجهه أن يكون أراد بالسّلام اسم الله فلم يجز حذف الألف واللّام «1» . السلام في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ السّلام في القرآن الكريم على أوجه: أحدها: اسم من أسماء الله- عزّ وجلّ- ومنه قوله تعالى في الحشر: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ (آية/ 23) . والثّاني: التّحيّة المعروفة، ومنه قوله تعالى في النّور: فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ (آية/ 61) . والثّالث: السّلامة من كلّ شرّ، ومنه قوله تعالى في الواقعة: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (آية/ 91) . والرّابع: الخير، ومنه قوله تعالى في سورة القدر: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (آية/ 5) . قال ابن قتيبة: «خير هي» «2» . والخامس: الثّناء الجميل، ومنه قوله تعالى في الصّافّات: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ، سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ (الصافات/ 109، 130، 79) . والسّادس: الجنّة: ومنه قوله تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ (الأنعام/ 127) «3» . للاستزادة: انظر صفات: الكلم الطيب- الأدب- الإخاء- الألفة- التودد- حسن الخلق- طلاقة الوجه- الطمأنينة. [وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- الإعراض- التفريط والإفراط- قطيعة الرحم- الكبر والعجب- العبوس- الهجر] .   (1) لسان العرب (12/ 289- 300) . (2) تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة (534) . (3) نزهة الأعين النواظر (357- 358) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (3/ 252- 254) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 الآيات الواردة في «إفشاء السلام» السلام اسم من أسماء الله تعالى: 1- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «1» السلام بمعنى التحية المعروفة: 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «2» 3- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «3» 4- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «5»   (1) الحشر: 22- 24 مدنية (2) النساء: 94 مدنية (3) الأنعام: 54 مكية (4) الأعراف: 44- 46 مكية (5) يونس: 9- 10 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 6- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) «1» 7- * أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «2» 8- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «3» 9- اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) «4» 10- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) «5» 11- وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (76) «6» 12- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) «7»   (1) هود: 69 مكية (2) الرعد: 19- 24 مكية (3) ابراهيم: 23 مكية (4) طه: 42- 48 مكية (5) الفرقان: 63 مكية (6) الفرقان: 74- 76 مكية (7) النمل: 59- 60 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 13- * وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «1» 14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) «2» 15- إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) «3» 16- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «4» 17- وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) «5» السلام بمعنى الثناء الجميل: 18- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «6» 19- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)   (1) القصص: 51- 55 (51 مكية؛ 52- 55 مدنية) (2) الأحزاب: 41- 44 مدنية (3) يس: 55- 58 مكية (4) الزمر: 73- 75 مكية (5) الزخرف: 88- 89 مكية (6) مريم: 12- 15 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) » 20- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) «2» 21- وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) «3» 22- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «4» 23- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) «5»   (1) مريم: 27- 34 مكية (2) الصافات: 75- 81 مكية (3) الصافات: 104- 111 مكية (4) الصافات: 114- 122 مكية (5) الصافات: 123- 132 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 24- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «1» السلام بمعنى السلامة من كل شر: 25- فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) «2» 26- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) «3» السلام بمعنى الخير: 27- إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) «4» دار السلام هي الجنة: 28- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) * لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127) «5»   (1) الصافات: 180- 182 مكية (2) الواقعة: 88- 91 مكية (3) ق: 31- 35 مكية (4) القدر: 1- 5 مكية (5) الأنعام: 126- 127 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 الأحاديث الواردة في (إفشاء السلام) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتى جبريل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: يا رسول الله؛ هذه خديجة قد أتت. معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب. فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السّلام من ربّها عزّ وجلّ. ومنّي. وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب «1» ، لا صخب «2» فيه، ولا نصب «3» » ) * «4» . 2- * (عن جابر بن سليم- رضي الله عنه- قال: رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: عليك السّلام يا رسول الله مرّتين، قال: لا تقل: عليك السّلام، فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك، قلت: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله الّذي إذا أصابك ضرّ، فدعوته كشفه عنك «5» ، وإن أصابك عام سنة «6» ، فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء، أو فلاة، فضلّت راحلتك، فدعوته ردّها عليك، قلت: اعهد إليّ، قال: لا تسبّن أحدا، قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا، ولا بعيرا ولا شاة، قال: ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار فإنّها من المخيلة «7» ، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنّما وبال ذلك عليه» ) * «8» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلّم؛ فليست الأولى بأحقّ من الآخرة» ) * «9» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» ) * «10» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلّم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثمّ   (1) القصب: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف. (2) الصخب: الصوت المختلط المرتفع. (3) النصب: التعب. (4) البخاري- الفتح 7 (3820) واللفظ له، مسلم (2432) . (5) الهاء في «دعوته» ترجع إلى الله عز وجل. (6) عام سنة: أي عام جدب. (7) المخيلة: هنا بمعنى الكبر. (8) أبو داود (8404) واللفظ له وقال الألباني (2/ 770) : صحيح، وقال محقق جامع الأصول (11/ 746) ،: إسناده صحيح. (9) أبو داود (5208) واللفظ له وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 978) : حسن صحيح، والترمذي (2706) . (10) البخاري- الفتح 11 (6258) واللفظ له، ومسلم (2163) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 لقيه فليسلّم عليه» ) * «1» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحجّ، فقالت امرأة لزوجها: أحجّني مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ما عندي ما أحجّك عليه، قالت: أحجّني على جملك فلان. قال: ذاك حبيس في سبيل الله عزّ وجلّ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ امرأتي تقرأ عليك السّلام ورحمة الله، وإنّها سألتني الحجّ معك قالت: أحجّني مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: ما عندي ما أحجّك عليه، فقالت: أحجّني على جملك فلان، فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: «أما إنّك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله» قال: وإنّها أمرتني أن أسألك: ما يعدل حجّة معك؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرئها السّلام ورحمة الله وبركاته، وأخبرها: أنّها تعدل حجّة معي» ) * «2» يعني. عمرة في رمضان. 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أصبحنا يوما ونساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبكين، عند كلّ امرأة منهنّ أهلها، فخرجت إلى المسجد فإذا هو ملآن من النّاس، فجاء عمر بن الخطّاب، فصعد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في غرفة له، فسلّم فلم يجبه أحد، ثمّ سلّم فلم يجبه أحد، ثمّ سلّم فلم يجبه أحد، فناداه، فدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أطلّقت نساءك؟ فقال: «لا؛ ولكن آليت «3» منهنّ شهرا» فمكث تسعا وعشرين، ثمّ دخل على نسائه) * «4» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعجز النّاس من عجز في الدّعاء، وأبخل النّاس من بخل بالسّلام» ) * «5» . 9- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفشوا السّلام كي تعلوا» ) * «6» . 10- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وهو مردف «7» أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ لا يعرف، قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر؛ من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال: فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير فالتفت أبو بكر، فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس   (1) أبو داود (5200) وقال الألباني (3/ 977) : صحيح، وقال محقق جامع الأصول (6/ 595) : إسناده صحيح (2) أبو داود (1990) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 374) : حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (9/ 464) : إسناده حسن. (3) آليت: أقسمت ألا أقربهن شهرا. (4) البخاري الفتح 9 (3، 52) واللفظ له، ومسلم (1479) قطعه من حديث طويل. (5) المنذري في الترغيب (3/ 340) واللفظ له وقال: إسناده جيد قوي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 31) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثقة. (6) المنذري في الترغيب (3/ 426) واللفظ له وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 30) : رواه الطبراني وإسناده جيد. (7) مردف: أي راكب خلفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللهمّ اصرعه» ، فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم «1» ، فقال: يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا. قال: فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان آخر النّهار مسلحة «2» له، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وحفّوا «3» دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبيّ الله. فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام، وهو في نخل لأهله يخترف «4» لهم، فعجل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ بيوت أهلنا أقرب؟» فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال: فانطلق فهيّأ لنا مقيلا. قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ. وقد علمت يهود أنّي سيّدهم وابن سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر اليهود، ويلكم اتّقوا الله، فوالله الّذي لا إله إلّا هو، إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا» . قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالها ثلاث مرار- قال: «فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام؛ اخرج عليهم» فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلنا: بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما» ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا «7» ، وانتعل رويدا،   (1) الحمحمة هي: صوت الفرس دون الصهيل. (2) مسلحة له: هم القوم الذين يعدون بالسلاح لحراسة الجيش. (3) وحفّوا: طافوا. (4) يخترف: يجتني من الثمار. (5) البخاري- الفتح 7 (3911) . (6) إلّا ريثما: معناه إلّا قدر ما. (7) أخذ رداءه رويدا: أي أخذا لطيفا لئلا ينبهها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «1» رويدا. فجعلت درعي في رأسي «2» ، واختمرت «3» وتقنّعت إزاري «4» . ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «5» فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش! حشيا رابية! «6» » قالت: قلت: لا شيء. قال: «لتخبرنّي أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» قالت: قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمّي! فأخبرته. قال: فأنت السّواد «7» الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم. فلهدني «8» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. نعم. قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك «9» . ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي، فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله! قال: قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «10» . 12- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع: بعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضّعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السّلام، وإبرار المقسم. ونهى عن الشّرب في الفضّة، ونهى عن تختّم الذّهب، وعن ركوب المياثر «11» ، وعن لبس الحرير والدّيباج، والقسّيّ «12» والإستبرق) * «13» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) ثم أجافه: أي أغلقه. وإنما فعل ذلك صلّى الله عليه وسلّم في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها، فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل. (2) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة قميصها. (3) واختمرت: أي ألقيت على رأسي الخمار، وهو ما تستر به المرأة رأسها. (4) وتقنعت إزاري: هكذا هو في الأصول: إزاري، بغير باء في أوله. وكأنه بمعنى لبست إزاري، فلهذا عدي بنفسه. (5) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو. أي فعدا فعدوت، والعدو الجري فوق الهرولة. (6) مالك يا عائش حشيا رابية: يجوز في عائش فتح الشين وضمها. وهما وجهان جاريان في كل المرخمات. وحشيا: معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النفس وتواتره. يقال: امرأة حشيا وحشية. ورجل حشيان وحش. قيل: أصله من أصاب الربو حشاه. رابية: أي مرتفعة البطن. (7) فأنت السواد: أي الشخص. (8) فلهدني: قال أهل اللغة: لهده ولهّده، بتخفيف الهاء، وتشديدها، أي دفعه. (9) أخفاه منك أي النداء وأخفيته منك أي الجواب. (10) مسلم (974) . (11) المياثر: هي أغشية السروج تتخذ من الحرير، وقيل هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب فوق الرحال. (12) القسّيّ: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقسّ بفتح القاف وهو موضع من بلاد مصر. (13) البخاري- الفتح 11 (6235) واللفظ له مسلم (2066) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 أنّ أبا سفيان بن حرب أخبره أنّ هرقل أرسل إليه في نفر من قريش- وكانوا تجّارا بالشّام- فأتوه.. فذكر الحديث قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ، فإذا فيه: بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الرّوم: السّلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد ... » ) * «1» . 14- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولى النّاس بالله من بدأهم بالسّلام» ) * «2» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا دخل المسجد- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في ناحية المسجد- فصلّى، ثمّ جاء فسلّم عليه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعليك السّلام، ارجع فصلّ، فإنّك لم تصلّ» . فرجع فصلّى، ثمّ جاء فسلّم، فقال: «وعليك السّلام، فارجع فصلّ، فإنّك لم تصلّ» . فقال في الثّانية- أو في الّتي بعدها- علّمني يا رسول الله. فقال: «إذا قمت إلى الصّلاة فأسبغ الوضوء، ثمّ استقبل القبلة فكبّر، ثمّ اقرأ بما تيسّر معك من القرآن، ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا، ثمّ ارفع حتّى تستوي قائما، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا، ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا، ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا، ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها» ) * «3» . 16- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطّعام، وتقرأ السّلام على من عرفت ومن لم تعرف» ) * «4» . 17- * (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينما هو جالس في المسجد والنّاس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذهب واحد، فلمّا وقفا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سلّما، فأمّا أحدهما، فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأمّا الآخر فجلس خلفهم، وأمّا الآخر فأدبر ذاهبا، فلمّا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أخبركم عن النّفر الثّلاثة؟ أمّا أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأمّا الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأمّا الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» ) * «5» . 18- * (عن كلدة بن حنبل: أنّ صفوان بن أميّة، بعثه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلبن وجداية «6» وضغابيس «7» ، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأعلى مكّة، فدخلت ولم   (1) البخاري- الفتح 11 (6260) . (2) أبو داود (5197) واللفظ له وقال الألباني: (3/ 976) : صحيح. (3) البخاري- الفتح 11 (6251) واللفظ له، مسلم (397) . (4) البخاري- الفتح 1 (28) ، مسلم (39) متفق عليه. (5) البخاري- الفتح 1 (66) ، والترمذي (2724) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا لفظ الترمذي. (6) الجداية ولد الظبية إذا بلغ ستة أشهر أو سبعة، بمنزلة الجدي من المعز وكانت في الأصل (حداية) بالحاء المهملة. (7) الضغابيس: جمع ضغبوس: الصغير من القثاء. وقيل: نبات يشبه الهليون أو العكوب، ويفهم من كلام الترمذي: أنه يطبخ مع أول حليب الشاة. ونسخه الشيخ (صغابيس بالصاد المهملة) وليس بشيء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 أسلّم، فقال: «ارجع فقل السّلام عليكم» ، وذاك بعد ما أسلم صفوان بن أميّة» ) * «1» . 19- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ المؤمن إذا لقي المؤمن، فسلّم عليه، وأخذ بيده، فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشّجر» ) * «2» . 20- * (عن أسامة بن شريك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كأنّما على رؤوسهم الطّير، فسلّمت ثمّ قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يا رسول الله؛ أنتداوى؟ فقال: «تداووا فإنّ الله- عزّ وجلّ- لم يضع داء إلّا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم» ) * «3» . 21- * (عن أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاثا حتّى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلّم عليهم سلّم عليهم ثلاثا» ) * «4» . 22- * (عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عبّاس إنّ نوفا البكاليّ يزعم أنّ موسى «5» ليس بموسى بني إسرائيل إنّما هو موسى آخر. فقال: كذب عدوّ الله، حدّثنا أبيّ بن كعب عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قام موسى النّبيّ خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال: يا ربّ وكيف به؟ فقيل له: احمل حوتا في مكتل فإذا فقدته فهو ثمّ. فانطلق وانطلق بفتاه يوشع بن نون. وحملا حوتا في مكتل، حتّى كانا عند الصّخرة وضعا رءوسهما وناما، فانسلّ الحوت من المكتل فاتّخذ سبيله في البحر سربا، وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة ليلتهما ويومهما. فلمّا أصبح، قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. ولم يجد موسى مسّا من النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به. فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنّي نسيت الحوت. قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. فلمّا انتهيا إلى الصّخرة إذا رجل مسجّى بثوب- أو قال: تسجّى بثوبه- فسلّم موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام؟ فقال: أنا موسى. فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدا؟ قال: إنّك لن   (1) أبو داود (5176) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 972) : صحيح. (2) المنذري في الترغيب (3/ 433) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورواته لا أعلم فيهم مجروحا. وقال الهيثمي (8/ 36) : رواه الطبراني في الأوسط ويعقوب بن محمد بن الطحلاء روى عنه غير واحد ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات. (3) أبو داود (3855) واللفظ له وقال الألباني (2/ 731) : صحيح، وفي صحيح ابن ماجة (3436) . (4) البخاري- الفتح 1 (95) ، قال ابن حجر، قال الإسماعيلي يشبه أن يكون ذلك كان إذا سلّم سلام الاستئذان على ما رواه أبو موسى وغيره وأما أن يمر المرء مسلّما فالمعروف عدم التكرار. (5) أي موسى الذي وردت قصته في سورة الكهف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 تستطيع معي صبرا. يا موسى إنّي على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه أنت. وأنت على علم علّمكه لا أعلمه. قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينة. فمرّت بهما سفينة فكلّموهم أن يحملوهما. فعرف الخضر فحملوهما بغير نول «1» . فجاء عصفور فوقع على حرف السّفينة، فنقر نقرة أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: يا موسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلّا كنقرة هذا العصفور في البحر، فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة فنزعه فقال موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها. قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت. فكانت الأولى من موسى نسيانا. فانطلقا فإذا غلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه من أعلاه فاقتلع رأسه بيده «2» . فقال موسى: أقتلت نفسا زكيّة بغير نفس؟. قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ (قال ابن عيينة وهذا أوكد) . فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها، فأبوا أن يضيّفوهما. فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه. قال الخضر بيده فأقامه «3» . فقال له موسى: لو شئت لا تّخذت عليه أجرا. قال: هذا فراق بيني وبينك. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى لوددنا لو صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما» ) * «4» . 23- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» ، فقالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بدّ، نتحدّث فيها. فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس، فأعطوا الطّريق حقّه» ، قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «5» . 24- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تسليم الرّجل بأصبع واحدة- يشير بها- فعل اليهود» ) *» . 25- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطّاب، فقال: السّلام عليكم. هذا عبد الله بن قيس. فلم يأذن له. فقال: السّلام عليكم. هذا أبو موسى. السّلام عليكم. هذا الأشعريّ. ثمّ انصرف. فقال: ردّوا عليّ. ردّوا عليّ. فجاء فقال: يا أبا موسى ما ردّك؟ كنّا في شغل. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الاستئذان ثلاث. فإن أذن لك، وإلّا فارجع» .   (1) النول: الأجرة. (2) أي فعل ذلك الخضر بيده. (3) قال الخضر بيده بمعني فعل بيده (هذا من إطلاق القول على الفعل) . (4) البخاري- الفتح 1 (122) واللفظ له ورقم (4725) ، مسلم (2380) . (5) البخاري- الفتح 11 (6229) واللفظ له، مسلم (2121) . (6) المنذري في الترغيب (3/ 435) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني واللفظ له، وقال الهيثمي (8/ 38) : رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط واللفظ له، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 قال: لتأتينّي على هذا ببيّنة. وإلّا فعلت وفعلت. فذهب أبو موسى. قال عمر: إن وجد بيّنة تجدوه عند المنبر عشيّة، وإن لم يجد بيّنة فلم تجدوه. فلمّا أن جاء بالعشيّ وجدوه. قال: يا أبا موسى! ما تقول؟ أقد وجدت؟ قال: نعم. أبيّ بن كعب. قال: عدل. قال: يا أبا الطّفيل ما يقول هذا؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك يابن الخطّاب! فلا تكوننّ عذابا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: سبحان الله إنّما سمعت شيئا. فأحببت أن أتثبّت) * «1» . 26- * (عن ربعيّ، قال: حدّثنا رجل من بني عامر: أنّه استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيت. فقال: ألج «2» ؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لخادمه: «اخرج إلى هذا! فعلّمه الاستئذان، فقل له: قل: السّلام عليكم، أأدخل؟» . فسمعه الرّجل. فقال: السّلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل) * «3» . 27- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: خرجنا من قومنا غفار. وكانوا يحلّون الشّهر الحرام. فخرجت أنا وأخي أنيس وأمّنا. فنزلنا على خال لنا. فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا. فحسدنا قومه، فقالوا: إنّك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا فنثا «4» علينا الّذي قيل له. فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع لك فيما بعد فقرّبنا صرمتنا «5» . فاحتملنا عليها. وتغطّى خالنا ثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة. فنافر «6» أنيس عن صرمتنا وعن مثلها «7» . فأتيا الكاهن. فخيّر أنيسا. فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها. قال: وقد صلّيت، يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلاث سنين. قلت: لمن؟ قال: للهّ. قلت: فأين توجّه «8» ؟ قال: أتوجّه حيث يوجّهني ربّي. أصلّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء «9» . حتّى تعلوني الشّمس. فقال أنيس: إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني. فانطلق أنيس حتّى أتى مكّة. فراث عليّ «10» . ثمّ جاء فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكّة على دينك. يزعم أنّ الله أرسله. قلت: فما يقول النّاس؟ قال: يقولون:   (1) البخاري- الفتح 11 (6245) ، مسلم (2154) واللفظ له. (2) الولوج: الدخول. وقد ولج يلج. (3) أبو داود (5177) وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 973) : صحيح وهو في الصحيحة (818) . (4) فنثا: أي أشاعه وأفشاه. (5) صرمتنا: الصرمة هي القطعة من الإبل. وتطلق على القطعة من الغنم. (6) فنافر: قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا: المنافرة المفاخرة والمحاكمة، فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر، ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا. وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر. (7) عن صرمتنا وعن مثلها: معناه تراهن هو وآخر أيهما أفضل. وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك. فأيهما كان أفضل أخذ الصّرمتين. فتحاكما إلى الكاهن. فحكم بأن أنيسا أفضل. وهو معنى قوله فخيّر أنيسا. أي جعله الخيار والأفضل. (8) توجّه أي تتوجه في صلاتك. (9) خفاء: هو الكساء. وجمعه أخفية. ككساء وأكسية. (10) فراث علي: أي أبطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 شاعر، كاهن، ساحر. وكان أنيس أحد الشّعراء. قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة. فما هو بقولهم. ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر «1» فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنّه شعر، والله إنّه لصادق وإنّهم لكاذبون. قال: قلت: فاكفني حتّى أذهب فأنظر. قال فأتيت مكّة. فتضعّفت «2» رجلا منهم. فقلت: أين هذا الّذي تدعونه الصّابأ؟ فأشار إليّ، فقال: الصّابأ «3» . فمال عليّ أهل الوادي بكلّ مدرة «4» وعظم. حتّى خررت مغشيّا عليّ. قال فارتفعت حين ارتفعت، كأنّي نصب أحمر «5» . قال فأتيت زمزم فغسلت عنّي الدّماء: وشربت من مائها. ولقد لبثت، يا ابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم. ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم. فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني «6» . وما وجدت على كبدي سخفة جوع «7» . قال: فبينا أهل مكّة في ليلة قمراء «8» إضحيان «9» ، إذ ضرب على أسمختهم «10» . فما يطوف بالبيت أحد. وامرأتين «11» منهم تدعوان إسافا ونائلة. قال: فأتتا عليّ في طوافهما فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى. قال: فما تناهتا «12» عن قولهما. قال: فأتتا عليّ. فقلت: هن مثل الخشبة «13» . غير أنّي لا أكني. فانطلقتا تولولان «14» . وتقولان: لو كان ههنا أحد من أنفارن «15» قال: فاستقبلهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر. وهما هابطان. قال: «ما لكما؟» قالتا: الصّابأ بين الكعبة وأستارها. قال: «ما قال لكما؟» قالتا: إنّه قال لنا كلمة تملأ الفم «16» . وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى استلم الحجر. وطاف بالبيت هو وصاحبه. ثمّ صلّى. فلمّا قضى صلاته (قال أبو ذرّ) فكنت أنا أوّل من حيّاه بتحيّة الإسلام. قال: فقلت: السّلام عليك يا رسول   (1) أقراء الشعر: أي طرقه وأنواعه. (2) فتضعفت: يعني نظرت إلى أضعفهم فسألته. لأن الضعيف مأمون الغائلة دائما. (3) الصابأ: منصوب على الاغراء. أي انظروا وخذوا هذا الصابأ. (4) مدرة: الطين اللزج المتماسك. (5) نصب أحمر: يعني من كثرة الدماء التي سالت مني بضربهم. والنصب الصنم والحجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده، فيحمر بالدم. وجمعه أنصاب. ومنه قوله تعالى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ. (6) عكن بطني: جمع عكنة، وهو الطي في البطن من السّمن. معنى تكسرت أي انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه. (7) سخفة جوع: بفتح السين وضمها. هي رقة الجوع وضعفه وهزاله. (8) قمراء: أي مقمرة. (9) إضحيان: أي مضيئة، منورة. يقال: ليلة إضحيان وإضحيانة. وضحياء ويوم أضحيان. (10) أسمختهم: هكذا في جميع النسخ. وهو جمع سماخ، وهو الخرق الذي في الأذن يفضي إلى الرأس. يقال: صماخ وسماخ. والصاد أفصح وأشهر. والمراد بأسمختهم، هنا، آذانهم. أي ناموا: قال الله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي أنمناهم. (11) وامرأتين: هكذا هو في معظم النسخ بالياء. وفي بعضها: وامرأتان، بالألف. والأول منصوب بفعل محذوف. أي ورأيت امرأتين. (12) فما تناهتا: أي ما انتهتا. (13) هن مثل الخشبة: الهن والهنة، بتخفيف نونهما، هو كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر. فقال لهما أير مثل الخشبة في الفرج، وأراد بذلك سب إساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك. (14) تولولان: الولولة الدعاء بالويل. (15) أنفارنا: الأنفار جمع نفر أو نفير، وهو الذي ينفر عند الاستغاثة. (16) تملأ الفم: أي عظيمة لا شي أقبح منها. كالشيء الذي يملأ الشيء ولا يسع غيره. وقيل معناه لا يمكن ذكرها وحكايتها. كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 الله فقال: «وعليك ورحمة الله» . ثمّ قال: «من أنت؟» قال: قلت: من غفار. قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته. فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار. فذهبت آخذ بيده. فقدعني «1» صاحبه. وكان أعلم به منّي. ثمّ رفع رأسه. ثمّ قال: «متى كنت ههنا؟» قال: قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم. قال: «فمن كان يطعمك؟» قال قلت: ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم. فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني. وما أجد على كبدي سخفة جوع. قال: «إنّها مباركة. إنّها طعام طعم» «2» . فقال أبو بكر: يا رسول الله؛ ائذن لي في طعامه اللّيلة. فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر. وانطلقت معهما. ففتح أبو بكر بابا. فجعل يقبض لنا من زبيب الطّائف. وكان ذلك أوّل طعام أكلته بها. ثمّ غبرت ما غبرت «3» . ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه قد وجّهت لي أرض «4» ذات نخل. لا أراها «5» إلّا يثرب» . فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم» . فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت. قال: ما بي رغبة عن دينك. فإنّي قد أسلمت وصدّقت. فأتينا أمّنا. فقالت: ما بي رغبة عن دينكما «7» . فإنّي قد أسلمت وصدّقت. فاحتملنا «8» حتّى أتينا قومنا غفارا. فأسلم نصفهم. وكان يؤمّهم إأيماء «9» بن رحضة الغفاريّ. وكان سيّدهم. وقال نصفهم إذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة أسلمنا. فقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة: فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم «10» . فقالوا: يا رسول الله إخوتنا. نسلم على الّذي أسلموا عليه. فأسلموا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفار غفر الله لها. وأسلم سالمها الله» ) * «11» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خلق الله عزّ وجلّ آدم على صورته «12» . طوله ستّون ذراعا. فلمّا خلقه قال: اذهب فسلّم على أولئك النّفر. وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يجيبونك. فإنّها تحيّتك وتحيّة ذرّيّتك قال: فذهب فقال: السّلام عليكم. فقالوا: السّلام عليك   (1) فقدعني: أي كفّني. يقال: قدعه وأقدعه، إذا كفه ومنعه. (2) طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام. (3) غبرت ما غبرت: أي بقيت ما بقيت. (4) وجهت لي أرض: أي أريت جهتها. (5) أراها: ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها. (6) يثرب: هذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة. وقد جاء بعد ذلك حديث في النهي عن تسميتها يثرب. (7) ما بي رغبة عن دينكما: أي لا أكرهه؛ بل أدخل فيه. (8) فاحتملنا: يعني حملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا، وسرنا. (9) أيماء: الهمزة في أوله مكسورة، على المشهور. وحكى القاضي فتحها أيضا، وأشار إلى ترجيحه، وليس براجح. (10) أسلم قبيلة مجاورة لغفار. (11) البخاري- الفتح 7 (3861) ، مسلم (2473) واللفظ له. (12) على صورته: الضمير في صورته عائد إلى آدم. والمراد أنه خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض. وتوفي عليها. وهي طوله ستون ذراعا. ولم ينتقل أطوارا كذريته. وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 ورحمة الله. قال فزادوه: ورحمة الله. قال: فكلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم. وطوله ستّون ذراعا. فلم يزل الخلق ينقص بعده حتّى الآن» ) * «1» . 29- * (عن أمّ هانئ بنت أبي طالب- رضي الله عنها- تقول: ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح. فوجدته يغتسل. وفاطمة ابنته تستره بثوب. قالت: فسلّمت، فقال: «من هذه؟» قلت: أمّ هاني بنت أبي طالب. قال: «مرحبا بأمّ هانئ» ، فلمّا فرغ من غسله قام فصلّى ثماني ركعات. ملتحفا في ثوب واحد. فلمّا انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمّي عليّ بن أبي طالب أنّه قاتل رجلا أجرته، فلان بن هبيرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أجرنا من أجرت يا أمّ هاني» قالت أمّ هانئ: وذلك ضحى» ) * «2» . 30- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه فأفشوه بينكم؛ فإنّ الرّجل المسلم إذا مرّ بقوم، فسلّم عليهم، فردّوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إيّاهم، فإن لم يردّوا عليه ردّ عليه من هو خير منهم وأطيب» ) * «3» . 31- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثا. وقال: «اللهمّ أنت السّلام ومنك السّلام. تباركت ذا الجلال والإكرام» قال الوليد: فقلت للأوزاعيّ: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أستغفر الله، أستغفر الله) * «4» . 32- * (عن حنظلة- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فوعظنا فذكر النّار. قال: ثمّ جئت إلى البيت فضاحكت الصّبيان ولا عبت المرأة. قال: فخرجت فلقيت أبا بكر. فذكرت ذلك له. فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر. فلقينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: يا رسول الله! نافق حنظلة. فقال: «مه «5» » فحدّثته بالحديث. فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل. فقال: «يا حنظلة! ساعة وساعة. ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذّكر، لصافحتكم الملائكة، حتّى تسلّم عليكم في الطّرق» ) * «6» . 33- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلّي فيردّ علينا، فلمّا رجعنا من عند النّجاشيّ سلّمنا عليه فلم يردّ علينا، فقلنا: يا رسول الله، إنّا كنّا نسلّم عليك   (1) البخاري- الفتح 6 (3326) ، ومسلم (2841) . (2) البخاري- الفتح 1 (357) ، مسلم (336) لكنه مؤخر عن موضعه الأول جاء في (1/ 498) واللفظ له. (3) المنذري في الترغيب (3/ 428427) وقال: رواه البزار والطبراني وأحد إسنادي البزار جيد قوي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 29) واللفظ له: رواه البزار بإسنادين والطبراني بأسانيد وأحدهما رجاله رجال الصحيح عند البزار والطبراني. (4) مسلم (591) . (5) مه قال القاضي: معناه الاستفهام. أي ما تقول؟ والهاء هنا هاء السكت. قال: ويحتمل أنها للكف والزجر والتعظيم. (6) مسلم (2750) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 فتردّ علينا، قال: «إنّ في الصّلاة شغلا» . فقلت لإبراهيم: كيف تصنع أنت؟ قال: أردّ في نفسي) * «1» . 34- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نقول: التّحيّة في الصّلاة ونسمّي ويسلّم بعضنا على بعض. فسمعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «قولوا: التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين، أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. فإنّكم إن فعلتم ذلك فقد سلّمتم على كلّ عبد لله صالح في السّماء والأرض» ) * «2» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا. أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم» ) * «3» . 36- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه مرّ على صبيان فسلّم عليهم وقال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله» ) * «4» . 37- * (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان، فيصدّ هذا ويصدّ هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» . وذكر سفيان أنّه سمعه منه ثلاث مرّات) * «5» . 38- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه توضّأ في بيته ثمّ خرج، فقال: لألزمنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأكوننّ معه يومي هذا. قال فجاء المسجد فسأل عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: خرج وجّه ههنا «6» ، قال: فخرجت على إثره أسأل عنه حتّى دخل بئر أريس، قال: فجلست عند الباب. وبابها من جريد، حتّى قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجته وتوضّأ، فقمت إليه، فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسّط قفّها «7» وكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر «8» . قال: فسلّمت عليه ثمّ انصرفت فجلست عند الباب. فقلت: لأكوننّ بوّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك «9» ، ثمّ ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» . قال: فأقبلت حتّى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله   (1) البخاري- الفتح 7 (3875) واللفظ له، ومسلم (538) . (2) البخاري- الفتح 3 (1202) واللفظ له، ومسلم (402) . (3) مسلم (54) . (4) البخاري- الفتح 11 (6247) واللفظ له. ومسلم (2168) . (5) البخاري- الفتح 11 (6237) واللفظ له، ومسلم (2560) . (6) وجه هاهنا: المشهور في الرواية: وجه، بتشديد الجيم. وضبطه بعضهم بإسكانها. وحكى القاضي الوجهين ونقل الأول عن الجمهور ورجح الثاني لوجود خرج أي قصد هذه الجهة. (7) وتوسط قفها: القف حافة البئر. وأصله الغليظ المرتفع من الأرض. (8) ودلاهما في البئر: في هذا دليل للغة الصحيحة أنه يجوز أن يقال: دليت الدلو في البئر ودليت رجلي وغيرها فيه. كما يقال: أدليت، قال الله تعالى: فَأَدْلى دَلْوَهُ. (9) على رسلك بكسر الراء وفتحها، لغتان. الكسر أشهر. ومعناه تمهل وتأن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 صلّى الله عليه وسلّم يبشّرك بالجنّة. قال: فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه في القفّ ودلّى رجليه في البئر كما صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكشف عن ساقيه. ثمّ رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضّأ ويلحقني. فقلت: إن يرد الله بفلان- يريد أخاه- خيرا يأت به. فإذا إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطّاب، فقلت على رسلك. ثمّ جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه، وقلت: هذا عمر يستأذن فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» فجئت عمر فقلت: أذن ويبشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة. قال: فدخل فجلس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القفّ عن يساره ودلّى رجليه في البئر. ثمّ رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا- يعني أخاه- يأت به، فجاء إنسان فحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفّان، فقلت: على رسلك، قال: وجئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة مع بلوى تصيبه» . قال: فجئت فقلت: ادخل، ويبشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة. مع بلوى تصيبك. قال: فدخل فوجد القفّ قد ملأ، فجلس وجاههم «1» من الشّقّ الآخر» . قال شريك: فقال سعيد بن المسيّب: فأوّلتها قبورهم «2» » ) * «3» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر. وقريش تسألني عن مسراي. فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها «4» . فكربت كربة ما كربت مثله قطّ «5» . قال: فرفعه الله لي أنظر إليه. ما يسألوني عن شيء إلّا أنبأتهم به. وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء. فإذا موسى قائم يصلّي. فإذا رجل ضرب «6» جعد كأنّه من رجال شنوءة. وإذا عيسى ابن مريم عليه السّلام قائم يصلّي. أقرب النّاس به شبها عروة بن مسعود الثّقفيّ. وإذا إبراهيم عليه السّلام قائم يصلّي. أشبه النّاس به صاحبكم (يعني نفسه) فحانت الصّلاة فأممتهم. فلمّا فرغت من الصّلاة، قال قائل: يا محمّد! هذا مالك صاحب النّار فسلّم عليه. فالتفتّ إليه فبدأني بالسّلام» ) * «7» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من أحد يسلّم عليّ إلّا ردّ الله عليّ روحي حتّى أردّ عليه السّلام» ) * «8» . 41- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: مرّ يهوديّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:   (1) وجاههم: بكسر الواو وضمها: أي قبالتهم. (2) فأولتها (قبورهم) : يعني الثلاثة دفنوا في مكان واحد. وعثمان في مكان بائن عنهم. وهذا من باب الفراسة الصادقة. (3) البخاري- الفتح 13 (9707) ، مسلم (3024) واللفظ له. (4) لم أثبتها: أي لم أحفظها ولم أضبطها لاشتغالي بأهم منها. (5) ما كربت مثله قطّ: الضمير في مثله يعود على معنى الكربة، وهو الكرب أو الغمّ الذي يأخذ بالنفس. (6) رجل ضرب: أي ماض خفيف اللحم. (7) مسلم (172) واللفظ له، وعند البخاري مقطعا وبألفاظ مختلفة (3394، 3437، 0471) . (8) أبو داود (2041) واللفظ له، وأحمد في المسند (2/ 527) . وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود: حديث حسن (1/ 383) . وقال محقق جامع الأصول (8/ 546) : إسناده حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 السّام «1» عليك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعليك» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون ما يقول؟ قال: السّام عليك» ، قالوا: يا رسول الله ألا نقتله؟ قال: «لا، إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» ) * «2» . 42- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بنيّ إذا دخلت على أهلك فسلّم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك» ) *» . 43- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السّلام» . قالت: قلت: وعليه السّلام ورحمة الله، ترى ما لا نرى. تريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. تابعه شعيب. وقال يونس والنّعمان عن الزّهريّ «وبركاته» ) * «4» . 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «يسلّم الرّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير» ) * «5» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يسلّم الصّغير على الكبير، والمارّ على القاعد، والقليل على الكثير» ) * «6» . الأحاديث الواردة في (إفشاء السلام) معنى 46- * (عن قتادة- رضي الله عنه- قال: قلت لأنس أكانت المصافحة في أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: نعم) * «7» . 47- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا جاء أهل اليمن، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد جاءكم أهل اليمن، وهم أوّل من جاء بالمصافحة» ) * «8» . 48- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلّا غفر لهما قبل أن يفترقا» ) * «9» . 49- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، الرّجل منّا يلقى أخاه أو صديقه، أينحني له؟ قال: «لا» . قال: أفيلتزمه ويقبّله؟ قال: «لا» قال: أيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: «نعم» ) * «10» .   (1) السام: الموت. (2) البخاري- الفتح 12 (6926) . (3) الترمذي (2698) وقال: هذا حديث حسن غريب. قال محقق جامع الأصول (6/ 595) في معرض التعليق على هذا الحديث. قال تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ. (4) البخاري- الفتح 11 (6249) واللفظ له، ومسلم (2447) . (5) البخاري- الفتح 11 (6233) واللفظ له، ومسلم (2160) . (6) البخاري- الفتح 11 (6231) واللفظ له، مسلم (2160) . (7) البخاري الفتح 11 (6263) . (8) أبو داود (5213) واللفظ له وقال الألباني (3 (979) : صحيح. إلا أن قوله:" وهم أول.." مدرج فيه من قول أنس الروض. النضير (1045) . (9) أبو داود (5212) واللفظ له وقال الألباني (3/ 979) : صحيح. الصحيحة (525) . (10) الترمذي (2728) وقال: حديث حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (إفشاء السلام) 50- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: أتى عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا ألعب مع الغلمان. قال: فسلّم علينا. فبعثني إلى حاجة. فأبطأت على أمّي. فلمّا جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنّها سرّ. قالت: لا تحدّثنّ بسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا. قال أنس: والله لو حدّثت به أحدا لحدّثتك، يا ثابت!) * «1» . 51- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، وهو في قبّة من أدم، فسلّمت فردّ وقال: «ادخل» فقلت: أكلّي يا رسول الله؟ قال: «كلّك» فدخلت) * «2» . 52- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «3» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا «4» . فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب، فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه، قال: فيجيء من اللّيل، فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد، فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «5» . فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «6» في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان، فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه، فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك فقال «اللهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة، فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «7» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل   (1) مسلم (2482) . (2) أبو داود (5000) وقال الألباني (3/ 944) : صحيح. وصححه محقّق «جامع الأصول» (6/ 584) . (3) الجهد: بفتح الجيم، الجوع والمشقة. (4) فليس أحد منهم يقبلنا: هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلّين ليس عندهم شيء يواسون به. (5) ما به حاجة إلى هذه الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره. والفعل منه جرعت. (6) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه. (7) حافلة: الحفل في الأصل الاجتماع. قال في القاموس: الحفل والحفول والحفيل الاجتماع. يقال: حفل الماء واللبن حفلا وحفولا وحفيلا، إذا اجتمع. وكذلك يقال: حفله إذا جمعه. ويقال للضرع المملوء باللبن: ضرع حافل وجمعه حفل ويطلق على الحيوان كثير اللبن، حافلة، بالتأنيث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة «1» فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أشربتم شرابكم اللّيلة؟ قال: قلت يا رسول الله، اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فقلت: يا رسول الله، اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت «2» أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك «3» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله «4» ، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» ، قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها، وأصبتها معك من أصابها من النّاس» ) * «5» . 53- * (عن عمير مولى ابن عبّاس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصّمّة الأنصاريّ، فقال أبو الجهيم: أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلّم عليه فلم يردّ عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثمّ ردّ عليه السّلام) * «6» . 54- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب حمارا، عليه إكاف «7» ، تحته قطيفة «8» فدكيّة «9» . وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر، حتّى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبيّ. وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «10» ، خمّر «11» عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه. ثمّ قال: لا تغبّروا علينا «12» . فسلّم عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ وقف فنزل. فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبيّ: أيّها المرء لا أحسن من هذا «13» إن كان ما تقول حقّا، فلا تؤذنا في   (1) رغوة: هي زبد اللبن الذي يعلوه. وهي بفتح الراء وضمها وكسرها، ثلاث لغات مشهورات. ورغاوة بكسر الراء، وحكى ضمها. ورغاية بالضم، وحكي بالكسر. وارتغيت شربت الرغوة. (2) فلما عرفت ... إلخ: معناه أنه كان عنده حزن شديد خوفا من أن يدعو عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكونه أذهب نصيب النبي صلّى الله عليه وسلّم وتعرض لأذاه. فلما علم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأجيبت دعوته فرح وضحك حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه، لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه: سرورا بشرب النبي صلّى الله عليه وسلّم وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه، وجريان ذلك على يد المقداد وظهور هذه المعجزة. (3) إحدى سوءاتك: أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي. (4) ما هذه إلا رحمة من الله: أي إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف عادته، وإن كان الجميع من فضل الله. (5) مسلم (2055) . (6) البخاري- الفتح 1 (337) واللفظ له، ومسلم (369) (7) إكاف: هو للحمار بمنزلة السرج للفرس. (8) قطيفة: دثار مخمل جمعها قطائف وقطف. (9) فدكية: منسوبة الى فدك. بلدة معروفة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة. (10) عجاجة الدابة: هو ما ارتفع من غبار حوافرها. (11) خمر أنفه: أي غطاه. (12) لا تغبروا علينا: أي لا تثيروا علينا الغبار. (13) لا أحسن من هذا: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: لا أحسن. أي ليس شيء أحسن من هذا. وكذا حكاه القاضي عن جماهير رواة مسلم. قال: وقع للقاضي أبي علي: لأحسن من هذا. قال القاضي: وهو عندي أظهر. وتقديره أحسن من هذا أن تقعد في بيتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 مجالسنا. وارجع إلى رحلك «1» . فمن جاءك منّا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا. فإنّا نحبّ ذلك. قال: فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود. حتّى همّوا أن يتواثبوا. فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم «2» . ثمّ ركب دابّته حتّى دخل على سعد بن عبادة فقال: «أي سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ) قال كذا وكذا» قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح. فو الله لقد أعطاك الله الّذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة «3» أن يتوّجوه، فيعصّبوه بالعصابة «4» . فلمّا ردّ الله ذلك بالحقّ الّذي أعطاكه، شرق بذلك» . فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «6» . 55- * (عن غالب، قال: إنّا لجلوس بباب الحسن، إذ جاء رجل فقال: حدّثني أبي، عن جدّي، قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ائته، فأقرئه السّلام، قال: فأتيته فقلت: إنّ أبي يقرئك السّلام، فقال: «عليك وعلى أبيك السّلام» ) * «7» . 56- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حاجة له، فانطلقت، ثمّ رجعت وقد قضيتها، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه فلم يردّ عليّ، فوقع في قلبي ما الله أعلم به، فقلت في نفسي: لعلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجد عليّ أنّي أبطأت عليه. ثمّ سلّمت عليه فلم يردّ عليّ، فوقع في قلبي أشدّ من المرّة الأولى. ثمّ سلّمت عليه، فردّ عليّ فقال: «إنّما منعني أن أردّ عليك أنّي كنت أصلّي» وكان على راحلته متوجّها إلى غير القبلة) * «8» . 57- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: بني على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطّعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثمّ يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتّى ما أجد أحدا أدعوه، فقلت: يا نبيّ الله ما أجد أحدا أدعوه، فقال: فارفعوا طعامكم. وبقي ثلاثة رهط يتحدّثون في البيت، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السّلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك، بارك الله لك. فتقرّى «9» حجر نسائه كلّهنّ، يقول لهنّ كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. ثمّ رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدّثون- وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شديد الحياء- فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري   (1) إلى رحلك: أي إلى منزلك. (2) يخفضهم: أي يسكنهم ويسهل الأمر بينهم. (3) البحيرة: بضم الباء، على التصغير. قال القاضي: وروينا في غير مسلم: البحيرة، مكبرة، وكلاهما بمعنى وأصلها القرية. والمراد بها، هنا، مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم. (4) فيعصبوه بالعصابة: معناه اتفقوا على أن يعينوه ملكهم. وكان من عادتهم، إذا ملكوا إنسانا، أن يتوجوه ويعصبوه. (5) شرق بذلك: أي غصّ. ومعناه حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم. (6) البخاري- الفتح 8 (4566) ، مسلم (1798) واللفظ له. (7) أبو داود (5231) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 982) : حسن. (8) البخاري- الفتح 3 (1217) واللفظ له، مسلم (1/ 450) . (9) فتقرى: فتتبع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 أخبرته أو أخبر أنّ القوم خرجوا، فرجع حتّى إذا وضع رجله في أسكفّة «1» الباب داخله وأخرى خارجه أرخى السّتر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب) * «2» . 58- * (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه-: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم- وربّما قال في الحجر- مضطجعا، إذ أتاني آت، فقدّ- قال أو سمعته يقول: فشقّ- ما بين هذه إلى هذه. فقلت للجارود، وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول من قصّه إلى شعرته فاستخرج قلبي، ثمّ أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثمّ حشي، ثمّ أعيد، ثمّ أتيت بدابّة دون البغل وفوق الحمار أبيض- فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم- يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتّى أتى السّماء الدّنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلّم عليه. فسلّمت عليه، فردّ السّلام ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة. قال: هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما، فسلّمت، فردّا، ثمّ قالا: مرحبا بالأخ الصّالح، والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي إلى السّماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلمّا خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الرّابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس، فسلّم عليه، فسلّمت عليه فردّ ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. فلمّا خلصت فإذا هارون. قال: هذا هارون فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء السّادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟   (1) أسكفة الباب: عتبته. (2) البخاري الفتح 8 (4793) واللفظ له، مسلم (1428) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. فلمّا خلصت فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. فلمّا تجاوزت بكى. قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنّ غلاما بعث بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّن يدخلها من أمّتي. ثمّ صعد بي إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قال: مرحبا به، ونعم المجيء جاء. فلمّا خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلّم عليه. قال فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران. فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أمّا الباطنان فنهران في الجنّة، وأمّا الظاهران فالنّيل والفرات. ثمّ رفع لي البيت المعمور. ثمّ أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللّبن، فقال: هي الفطرة الّتي أنت عليها وأمّتك. ثمّ فرضت عليّ الصّلاة خمسين صلاة كلّ يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يوم، وإنّي والله قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فرجعت، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بعشر صلوات كلّ يوم، فرجعت فقال مثله. فرجعت فأمرت بخمس صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإنّي قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التخفيف لأمّتك. قال: سألت ربّي حتّى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم. قال: فلمّا جاوزت نادى مناد. أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي» ) * «1» . 59- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «السّلام عليكم، فردّ عليه السّلام، ثمّ جلس، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «عشر» ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة الله، فردّ عليه، فجلس فقال: «عشرون» ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردّ عليه، فجلس، فقال: «ثلاثون» ) * «2» . 60- * (عن عبد الله بن بسر- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له، ومسلم (164) . (2) أبو داود (5195) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 976) : صحيح، الترمذي (2689) وحسنه. وحسنه محقق جامع الأصول (6/ 602) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب، من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: «السّلام عليكم، السّلام عليكم» وذلك أنّ الدّور لم يكن عليها يومئذ ستور» ) * «1» . 61- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا خرج، أقرع بين نسائه. فطارت القرعة على عائشة وحفصة. فخرجتا معه جميعا. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا كان باللّيل، سار مع عائشة، يتحدّث معها. فقالت حفصة لعائشة: ألّا تركبين اللّيلة بعيري وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر قالت: بلى. فركبت عائشة على بعير حفصة. وركبت حفصة على بعير عائشة. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جمل عائشة، وعليه حفصة، فسلّم ثمّ سار معها. حتّى نزلوا. فافتقدته عائشة فغارت. فلمّا نزلوا جعلت تجعل رجلها بين الإذخر «2» ، وتقول: يا ربّ! سلّط عليّ عقربا أو حيّة تلدغني. رسولك «3» ولا أستطيع أن أقول له شيئا» ) * «4» . 62- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «5» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «6» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «7» من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل «8» الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل   (1) أبو داود (5186) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 974) : صحيح، والمشكاة (4673) . وحسّنه محقق جامع الأصول (6/ 584) . (2) الإذخر: نبت معروف توجد فيه الهوام غالبا في البريّة. (3) رسولك: بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. تقديره هو رسولك ويجوز النصب على تقدير فعل. (4) مسلم (2445) . (5) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار مبنية على كسر الراء في الأحوال كلها وهي قرية باليمن. (6) لم يهبّلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه. (7) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة. (8) في البخاري «خفّة هودجي» وهي أنسب للمعنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس «1» من وراء الجيش فادّلج «2» فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه «3» . حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته. فوطيء على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش. بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة «4» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» . فذاك يريبني. ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعد ما نقهت «5» وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «6» . وهو متبرّزنا. ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه «7» . وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم ابن المطّلب بن عبد مناف. وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «8» . فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا. قالت: أي هنتاه «9» أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وما الّذي قال؟. قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم، ثمّ قال: «كيف تيكم؟» . قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟. قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ، فقلت لأمّي: يا أمّتاه، ما يتحدّث النّاس؟. فقالت: يا بنيّة هوّني عليك. فوالله! لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «10» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها «11» . قالت: قلت: سبحان الله، وقد تحدّث النّاس بهذا؟. قالت: فبكيت تلك   (1) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة. (2) فادّلج: الادّلاج هو السير آخر الليل. (3) فاستيقظت باسترجاعه: أي انتبهت من نومي بقوله إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. (4) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر. (5) نقهت بفتح القاف وكسرها، لغتان. والفتح أشهر. والنّاقه هو الذي أفاق من المرض. (6) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها. (7) التنزه: الخروج لقضاء الحاجة. (8) في مرطها: المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره. (9) أي هنتاه: أي يا هذه أو يا امرأة وقيل: يا بلهاء لعدم معرفتها بمكايد الناس. (10) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن. (11) كثّرن عليها: أي أكثر القول في عيبها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «1» لي دمع ولا أكتحل بنوم «2» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ ابن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «3» . يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة، فقال: «أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» . قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «4» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن» فتأكله. قالت فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «6» من عبد الله بن أبيّ ابن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن اجتهلته الحميّة «7» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت، لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «8» ، حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينماهما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب   (1) لا يرقأ: أي لا ينقطع. (2) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام. (3) استلبث الوحي: أي أبطأ ولبث ولم ينزل. (4) أغمصه: أي أعيبها به، وإن رأيت: معناها ما رأيت. (5) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين. (6) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني والعذير الناصر. (7) اجتهلته الحمية: أي أغضبته وحملته على الجهل. (8) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» . قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي «1» حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال: فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله! لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله عزّ وجلّ فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «3» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «4» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك» . فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (24/ النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله عزّ وجلّ هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله عزّ وجلّ: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري: «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» . فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلّا خيرا.   (1) قلص دمعي: أي ارتفع لاستعظام ما يعيبني من الكلام. (2) ما رام: أي ما فارق. (3) البرحاء: هي الشدة. (4) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 قالت عائشة: وهي التّي كانت تساميني «1» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «2» فهلكت فيمن هلك» ) * «3» . 63- * (عن سيّار قال: كنت أمشي مع ثابت البنانيّ. فمرّ بصبيان فسلّم عليهم وحدّث ثابت؛ أنّه كان يمشي مع أنس. فمرّ بصبيان فسلّم عليهم وحدّث أنس؛ أنّه كان يمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فمرّ بصبيان فسلّم عليهم» ) * «4» . 64- * (عن جابر- رضي الله عنه- لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر قدم جعفر- رضي الله عنه- من الحبشة، تلقّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقبّل جبهته ثمّ قال: «والله ما أدري بأيّهما أنا أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر» ) * «5» . 65- * (عن أسماء ابنة يزيد- رضي الله عنها- قالت: مرّ علينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نسوة فسلّم علينا» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (إفشاء السلام) 1- * (عن الأغرّ أغرّ مزينة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر لي بجزء من ثمر عند رجل من الأنصار، فمطلني به فكلّمت فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اغد معه يا أبا بكر فخذ له ثمره» . فوعدني أبو بكر المسجد إذا صلّينا الصّبح، فوجدته حيث وعدني فانطلقنا فكلّما رأى أبا بكر رجل من بعيد سلّم عليه فقال أبو بكر: أما ترى ما يصيب القوم عليك من الفضل لا يسبقك إلى السّلام أحد، فكنّا إذا طلع الرّجل بادرناه بالسّلام قبل أن يسلّم علينا» ) * «7» . 2- * (قال عمر- رضي الله عنه-: «ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه» ) * «8» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «أنّه سمع عمر بن الخطّاب. وسلّم عليه رجل فردّ عليه السّلام. ثمّ سأل عمر الرّجل: كيف أنت؟ فقال أحمد إليك الله، فقال عمر: ذلك الّذي أردت   (1) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم. (2) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك. (3) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (277.) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 11 (6247) ، مسلم (2168) واللفظ له. (5) الحاكم في المستدرك (3/ 211) ، وقال: هذا حديث صحيح، (وفي سنده أجلح بن عبد الله) ، قال فيه ابن حجر: صدوق (انظر التقريب ص 896) . وذكره الهيثمي في المجمع (9/ 272) . (6) أبو داود (5204) واللفظ له وقال الألباني (3/ 977) : صحيح، وابن ماجة (3701) . (7) قال الهيثمي (8/ 32، 33) : رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (8) آداب العشرة للغزي (16) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 منك» ) * «1» . 4- * (عن عمرو بن ميمون الأوديّ قال: «رأيت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-، فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع، فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا، ثمّ قل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين، إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي، فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا. فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وولج عليه شابّ من الأنصار فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله: كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ استخلفت فعدلت، ثمّ الشّهادة بعد هذا كلّه. فقال: ليتني يا ابن أخي وذلك كفافا لا عليّ ولا لي. أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين خيرا، أن يعرف لهم حقّهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان أن يقبل من محسنهم ويعفى عن مسيئهم. وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلّفوا فوق طاقتهم» ) * «2» . 5- * (أخرج ابن سعد وغيره: أنّ الجنّ رثوا عمر بن الخطّاب بأبيات منها: عليك السّلام من أمير وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزّق» ) * «3» . 6- * (عن تميم بن سلمة: «أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لقي أبا عبيدة بن الجرّاح فصافحه وقبّل عمر يده وتنحّيا يبكيان» ) * «4» . 7- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه قال: «يجزأ عن الجماعة إذا مرّوا أن يسلّم أحدهم ويجزأ عن الجلوس أن يردّ أحدهم» ) * «5» . 8- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «إنّي أرى لردّ الجواب حقّا كما أرى لردّ جواب السّلام» ) * «6» . 9- * (عن محمّد بن عمرو بن عطاء: أنّه قال: «كنت جالسا عند عبد الله بن عبّاس، فدخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال: السّلام عليكم ورحمة الله   (1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 732) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (6/ 606) : إسناده صحيح. (2) البخاري- الفتح 3 (1392) . (3) فتح الباري (11/ 7) . (4) كتاب مكارم الأخلاق للخرائطي: 2/ 825. (5) أبو داود (5210) وقال الألباني (3/ 978) : صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 598) أسناده حسن. (6) آداب العشرة: 42. (والجواب الأولى المقصود فيها جواب الكتاب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 وبركاته، ثمّ زاد بعد ذلك شيئا مع ذلك أيضا. قال ابن عبّاس وهو يومئذ قد ذهب بصره: من هذا؟ قالوا: هذا اليمانيّ الّذي يغشاك، فعرّفوه إيّاه، فقال ابن عبّاس: إنّ السّلام انتهى إلى البركة» ) * «1» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «كان أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا» ) * «2» . 11- * (عن عامر قال: «كان ابن عمر إذا حيّا ابن جعفر قال: السّلام عليك يا ابن ذي الجناحين» ) * «3» . 12- * (عن الطّفيل بن أبيّ بن كعب أخبر: «أنّه كان يأتي عبد الله بن عمر، فيغدو معه إلى السّوق، قال: فإذا غدونا إلى السّوق، لم يمرّ عبد الله بن عمر على سقّاط «4» ، ولا صاحب بيعة «5» ، ولا مسكين، ولا أحد إلّا سلّم عليه، قال الطّفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوما، فاستتبعني إلى السّوق، فقلت له: وما تصنع في السّوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السّلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السّوق؟ قال وأقول: اجلس بنا ههنا نتحدّث، قال: فقال لي عبد الله بن عمر: يا أبا بطن!: وكان الطّفيل ذا بطن إنّما نغدو من أجل السّلام، نسلّم على من لقينا» ) * «6» . 13- * (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: «دخلت المسجد، فإذا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام إليّ طلحة ابن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني» ) * «7» . 14- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: «آخر ما ودّعت محمّد بن عليّ فإنّي معه بالبقيع فقال: أتراك غاديا؟ قلت: نعم، فأخذ بيدي فغمزها وقال: أستودعك الله، وأقرأ عليك السّلام أتدري ما غمزي بيدي إيّاك؟ هذا قبلة المؤمن أخاه المؤمن» ) * «8» . 15- * (عن أبي أمامة (صديّ بن عجلان) - رضي الله عنه- قال: «من تمام تحيّاتكم المصافحة» ) * «9» . 16- * (عن أبي البختريّ؛ قال جاء الأشعث ابن قيس وجرير بن عبد الله البجليّ إلى سلمان الفارسيّ، فدخلا عليه في حصن في ناحية المدائن، فأتياه فسلّما عليه، وحيّياه ثمّ قالا: أنت سلمان الفارسيّ. قال: نعم. قالا: أنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: لا أدري. فارتابا وقالا: لعلّه ليس الّذي نريد. قال لهما: أنا صاحبكما الّذي تريدان. إنّي قد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجالسته، فإنّما   (1) أخرجه الموطأ (2/ 732) ط 2، دار الحديث 1413 هـ/ 1993 م. واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول (6/ 106) : إسناده صحيح. (2) قال الهيثمي (8/ 36) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (3) البخاري- الفتح 7 (4264) . (4) سقاط: بائع السقط. وهو الرديء من المتاع. (5) بيعة: المرة من البيع، ومن كسر الباء: أراد به: الحرفة والصناعة من البيع؛ فإن الفعلة بكسر الفاء هي الحالة، كالجلسة والركبة. (6) أخرجه الموطأ (2/ 733) ط 2. دار الحديث 1413 هـ وقال محقق جامع الأصول (6/ 598) إسناده صحيح. (7) فتح الباري: 11/ 56. (8) كتاب مكارم الأخلاق للخرائطي: 2/ 823 مطبعة المدني. ط. أولى 1411 هـ. (9) كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا (177) ، ونقل مثله عن عبد الرحمن بن الأسود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 صاحبه من دخل معه الجنّة فما حاجتكما؟ قالا: جئناك من عند أخ لك بالشّام. فقال: من هو؟ قالا: أبو الدّرداء. قال: فأين هديّته الّتي أرسل بها معكم. قالا: ما أرسل معنا هديّة. قال: اتّقيا الله وأدّيا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلّا جاء معه بهديّة قالا: لا يرفع علينا هذا أنّ لنا أموالا فاحتكم فيها. قال: ما أريد أموالكما ولكنّي أريد الهديّة الّتي بعث بها معكما. قالا: والله ما بعث معنا بشيء إلّا أنّه قال لنا: إنّ فيكم رجلا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خلا به لم يبغ أحدا غيره، فإذا أتيتماه فاقرئاه منّي السّلام. قال: فأيّ هديّة كنت أريد منكما غير هذه، وأيّ هديّة أفضل من السّلام تحيّة من عند الله مباركة طيّبة» ) * «1» . 17- * (قال عمّار- رضي الله عنه-: «ثلاث من جمعهنّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك وبذل السّلام للعالم، والإنفاق من الإقتار» ) *» . 18- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: «الرّجل يدخل بيته بالسّلام ضامن على الله تعالى أن يدخله الجنّة» ) * «3» . 19- * (عن معاوية بن قرّة عن أبيه؛ قال: «يا بنيّ إذا كنت في مجلس ترجو خيره فعجلت بك حاجة فقل السّلام عليكم فإنّك شريكهم فيما يغتنمون في ذلك المجلس» ) * «4» . 20- * (عن أبي حازم عن أبيه عن سهل؛ قال: كنّا نفرح يوم الجمعة. قلت لسهل: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة- نخل بالمدينة- فتأخذ من أصول السّلق فتطرحه في قدر وتكركر «5» حبّات من شعير، فإذا صلّينا الجمعة انصرفنا، ونسلّم عليها، فتقدّمه إلينا فنفرح من أجله، وما كنّا نقيل ولا نتغدّى إلّا بعد الجمعة» ) * «6» . 21- * (عن عبد الله بن أبي موسى؛ قال: أرسلني مدرك بن مدرك إلى عائشة أسألها عن أشياء قال: فأتيتها فإذا هي تصلّي الضّحى، فقلت: أقعد حتّى تفرغ. فقالوا: هيهات. فقلت: لآذنها كيف أستأذنعليها. فقال: قل السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين السّلام على أمّهات المؤمنين أو أزواج النّبيّ صلّى الله عليكم ... فذكر الحديث» ) * «7» . 22- * (قال الحسن البصريّ: «المصافحة تزيد في الودّ» ) * «8» . 23- * (قال ابن هبيرة: «من سلّم على رجل فقد أمنه» ) * «9» . 24- * (قال ابن حجر- رحمه الله-:   (1) قال الهيثمي (8/ 41) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن إبراهيم المسعودي وهو ثقة. (2) البخاري- الفتح، باب إفشاء السلام من الإسلام: (1/ 103) . (3) مكارم الأخلاق للخرائطي 2/ 819. (4) قال الهيثمي (8/ 35) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير بسطام بن مسلم وهو ثقة. (5) وتكركر حبّات من شعير أي: تطحن. (6) البخاري- الفتح 11 (6248) . (7) قال الهيثمي (8/ 44) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (8) المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق (189) . (9) الآداب الشرعية (1/ 370) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 جمعت آداب من رام الجلوس على الطّر ... يق من قول خير الخلق إنسانا أفش السّلام وأحسن في الكلام ... وشمّت عاطسا وسلاما ردّ إحسانا في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث ... لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا بالعرف مر وانه عن نكر وكفّ أذى ... وغضّ طرفا وأكثر ذكر مولانا) * «1» . 25- * (قال بعضهم: لمّا عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من غمّ العداوات إنّي أحيّي عدوّي حين رؤيته ... لأدفع الشّرّ عنّي بالتّحيّات وأظهر البشر للإنسان أبغضه ... كأنّه قد حشا قلبي مسرّات) * «2» . من فوائد (إفشاء السلام) (1) السّلام من أسماء الله تعالى وهو المسلّم لعباده المسلّم على أوليائه. (2) والجنّة دار السّلام فهي دار السّلامة من الآفات. (3) والسّلام أمان الله في الأرض وهو تحيّة المؤمنين في الجنّة وتحيّة أهل الإسلام في الدّنيا. (4) وهو طريق المحبّة والتّعارف بين المسلمين. (5) في إشاعة السّلام بين المسلمين تنشأ المودّة والمحبّة ويشعر كلّ مسلم بالاطمئنان تجاه الآخرين. (6) البخل بالسّلام أشدّ من البخل بالمال. (7) قد يزيل العداوة وينهي الخصومة ويسلّ؟ سخيمة الصّدور. (8) في المداومة عليه تمييز للمسلمين وكيد لأعداء الدّين. (9) من حافظ عليه حاز فضل الاتّباع وجزاء الطّاعة. (10) كلّما زادت كلمات السّلام زادت حسناته.   (1) فتح الباري (11/ 13) . (2) آداب العشرة للغزي (17) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 إقامة الشهادة أ- الإقامة لغة: الإقامة مأخوذة من أقام الشّيء أدامه، والشّرع أظهره، والصّلاة أدام فعلها. ب- والشهادة لغة: من شهد المجلس يشهده شهودا، حضره واطّلع عليه، وعاينه فهو شاهد، جمعه شهود وشهّد وأشهاد، وشهد عند الحاكم لفلان على فلان بكذا يشهد، أدّى ما عنده من الشّهادة. وشهد على كذا: أخبره به خبرا قاطعا. قال ابن فارس: الشّهادة الإخبار بما قد شوهد. الشهادة اصطلاحا: الشّهادة: بيان الحقّ، سواء كان عليه أو على غيره، وهي خبر قاطع يختصّ بمعنى يتضمّن ضرر غير المخبر فيخرج الإقرار. وقيل: إقرار مع العلم وثبات اليقين. والإقرار قد ينفكّ عن ذلك. ولذلك أكذب الله الكفّار في قولهم: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (المنافقون/ 1) ولمّا كان الخبر الخاصّ مبيّنا للحقّ من الآيات/ الأحاديث/ الآثار 20/ 24/ 8 الباطل سمّي شهادة. وسمّي المخبر به شاهدا، فلهذا شبّهت الدّلالة في كمال وضوحها بالشّهادة. وشهد الرّجل على كذا يشهد عليه شهادة: إذا أخبر به قطعا وشهد له بكذا يشهد به شهادة: إذا أدّى ما عنده من الشّهادة. والشّهادة تقام ب لفظ الشّهادة. أعني: أشهد بالله، وتكون قسما ومنهم من يقول: إن قال (أشهد) يكون قسما (وإن لم يقل بالله) «1» . وقال الرّاغب: الشّهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر «2» . وقال المناويّ: الشّهادة إخبار عن عيان بلفظ أشهد في مجلس القاضي بحقّ لغيره على غيره «3» . إقامة الشّهادة*: هي الإخبار بحقّ للغير على آخر عن يقين في مجلس الحكم. قال الجرجانيّ: هي إخبار عن عيان بلفظ الشّهادة في مجلس القاضي بحقّ للغير على آخر، فالإخبارات ثلاثة: إمّا بحقّ للغير على آخر، وهو الشّهادة، أو بحقّ للمخبر على آخر، وهو الدّعوى، أو بالعكس وهو الإقرار «4» .   (1) الكليات للكفوي (527- 528) . (2) المفردات للراغب (268) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (209) . * تضم أداء الشهادة، والشهادة في المعاملات. (4) التعريفات للجرجاني (129) ، لسان العرب (3/ 238- 241) ، (12/ 503) ، المصباح المنير (1/ 348) ، (2/ 180) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 لفظ الشهادة: قال الإمام الفيّوميّ: جرى على ألسنة الأمّة، سلفها وخلفها في أداء الشّهادة أشهد، مقتصرين عليه، دون غيره من الألفاظ الدّالّة على تحقيق الشّيء، نحو أعلم وأتيقّن، وهو موافق لألفاظ الكتاب والسّنّة أيضا فكان كالإجماع على تعيين هذه اللّفظة، دون غيرها، ولا يخلو من معنى التّعبّد، إذ لم ينقل غيره، ولعلّ السّرّ فيه أنّ الشّهادة اسم من المشاهدة، وهي الاطّلاع على الشّيء عيانا، فاشترط في الأداء ما ينبأ عن المشاهدة، وأقرب شيء يدلّ على ذلك ما اشتقّ من اللّفظ، وهو أشهد، بلفظ المضارع، ولا يجوز شهدت؛ لأنّ الماضي موضوع للإخبار عمّا وقع نحو قمت، أي؟ فيما مضى من الزّمان، فلو قال شهدت: احتمل الإخبار عن الماضي، فيكون غير مخبر به في الحال، وعليه قوله تعالى، حكاية عن أولاد يعقوب عليهم السّلام: وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا (يوسف/ 81) ، لأنّهم شهدوا عند أبيهم أوّلا بسرقته، حين قالوا إنّ ابنك سرق، فلمّا اتّهمهم اعتذروا عن أنفسهم بأنّهم لا صنع لهم في ذلك، وقالوا: وما شهدنا عندك سابقا بقولنا إنّ ابنك سرق، إلّا بما عاينّاه من إخراج الصّواع «1» من رحله، والمضارع موضوع للإخبار في الحال، فإذا قال أشهد، فقد أخبر في الحال، وعليه قوله تعالى: قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (المنافقون/ 1) : أي نحن الآن شاهدون بذلك، وأيضا، فقد استعمل أشهد في القسم، نحو (أشهد بالله لقد كان كذا) أي أقسم، فتضمّن لفظ أشهد معنى المشاهدة والقسم والإخبار في الحال، فكأنّ الشّاهد قال: أقسم بالله لقد اطّلعت على ذلك، وأنا الآن أخبر به، وهذه المعاني مفقودة في غيره من الألفاظ، فلهذا اقتصر عليه احتياطا، واتّباعا للمأثور «2» . الشهيد من أسماء الله تعالى الحسنى: ذكر ابن القيّم أنّ من أسماء الله: الشّهيد أي الّذي لا يغيب عنه شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السّماء؛ بل هو مطّلع على كلّ شيء، مشاهد له، عليم بتفاصيله «3» . الشهيد من أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم: ومن أسماء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الشّاهد والشّهيد، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) قال: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ (الحج/ 78) وقال أيضا: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة/ 143) ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) . والشّهادة خبر قاطع؛ كذا في الصّحاح «4» .   (1) الصّواع: المكيال أو الإناء يشرب فيه وبهما فسر قوله تعالى قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ. (2) المصباح المنير (1/ 124) . (3) انظر التفسير القيم (190- 195) . (4) الصحاح للجوهري، مادة «شهد» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 وأصلها: المعاينة، وفيه أيضا: الشّهيد الشّاهد ومعنى الاسمين: أنّه صلّى الله عليه وسلّم يشهد على الأمم يوم القيامة بتبليغ الأنبياء رسالات الله إليهم، ويشهد على أمّته بالتّبليغ إليهم ولهم بالإيمان. أخرج الشّيخان عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوح يوم القيامة، فيقال: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه، فيقال: هل بلّغكم: فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد وأمّته» . فذلك قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً (البقرة/ 143) والوسط العدل «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإصلاح- الإنصاف- التناصر- العدل والمساواة- القسط- الصدق- الأمانة- الوفاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: شهادة الزور- الكذب- التخاذل- الظلم- نقض العهد] .   (1) الرياض الأنيقة (183) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 الآيات الواردة في «إقامة الشهادة» الشهادة عن تبليغ الرسالة: 1- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «1» 2- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41) «2» 3- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «3» 4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) «4» 5- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) «5» 6- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* (8) «6» 7- إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) «7» الشهادة في الحقوق المتعلقة بالأموال: 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ   (1) البقرة: 143 مدنية (2) النساء: 41 مدنية (3) الحج: 78 مدنية (4) الأحزاب: 45 مدنية (5) الأحقاف: 10 مكية (6) الفتح: 8 مدنية (7) المزمل: 15 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «1» 9- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «2» 10- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «3» 11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «4» 12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «5»   (1) البقرة: 282- 283 مدنية (2) النساء: 6 مدنية (3) النساء: 135 مدنية (4) المائدة: 8 مدنية (5) المائدة: 106- 108 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 13- * إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) » الشهادة في الحقوق المتعلقة بالأعراض والأنكحة: 14- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) «2» 15- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) «3» 16- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)   (1) المعارج: 19- 35 مكية (2) النساء: 15 مدنية (3) يوسف: 23- 28 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) «1» 17- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) «2» 18- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) «3» الشهادة على الأعمال: 19- الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) «4» 20- حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) «5»   (1) النور: 4- 9 مدنية (2) النور: 23- 25 مدنية (3) الطلاق: 1- 3 مدنية (4) يس: 65 مكية (5) فصلت: 20- 22 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 الأحاديث الواردة في (إقامة الشهادة) 1- * (عن أبي الأسود قال: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتا ذريعا، فجلست إلى عمر- رضي الله عنه- فمرّت جنازة فأثني خيرا، فقال عمر: وجبت. ثمّ مرّ بأخرى فأثني خيرا، فقال عمر وجبت. ثمّ مرّ بالثّالثة فأثني شرّا، فقال: وجبت. فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنّة» . قلنا: وثلاثة قال: «وثلاثة» . قلنا: واثنان؟ قال: «واثنان» . ثمّ لم نسأله عن الواحد» ) * «1» . 2- * (عن ربعيّ بن حراش، عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: اختلف النّاس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيّان فشهدا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالله لأهلّ الهلال أمس عشيّة. فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس أن يفطروا» - زاد خلف في حديثه-: «وأن يغدوا إلى مصلّاهم» ) * «2» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أعمى كانت له أمّ ولد تشتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. قال: فلمّا كانت ذات ليلة جعلت تقع في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتشتمه فأخذ المغول «3» فوضعه في بطنها، واتّكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطّخت ما هناك بالدّم. فلمّا أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجمع النّاس فقال: «أنشد الله رجلا فعل ما فعل، لي عليه حقّ، إلّا قام» فقام الأعمى يتخطّى النّاس، وهو يتزلزل حتّى قعد بين يدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها كانت تشتمك، وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرهم فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللّؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلمّا كانت البارحة، جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتّكأت عليها حتّى قتلتها، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا اشهدوا أنّ دمها هدر» ) * «4» . 4- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّ أمّه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة «5» من ماله لابنها، فالتوى بها سنة «6» ، ثمّ بدا له «7» فقالت: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي. وأنا يومئذ غلام. فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّ أمّ هذا، بنت رواحة أعجبها   (1) البخاري- الفتح 5 (2643) . (2) رواه أبو داود (2339) وقال الألباني (2/ 445) : صحيح. (3) المغول: شبه سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه. (4) رواه أبو داود (4361) وقال الألباني (3/ 824) : صحيح. (5) الموهوبة: هكذا هو في معظم النسخ. وفي بعضها: بعض المواهبة. وكلاهما صحيح، وتقدير الأول بعض الأشياء الموهبة. (6) فالتوى بها سنة: أي مطلها. (7) ثم بدا له: أي ظهر له في أمرها ما لم يظهر أولا. والبداء وزان سلام، اسم منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 أن أشهدك على الّذي وهبت لابنها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بشير! ألك ولد سوى هذا؟» قال: نعم. فقال: «أكلّهم وهبت له مثل هذا؟» قال: لا، فقال: «فلا تشهدني إذا. فإنّي لا أشهد على جور «1» » ) * «2» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يجمع بين الرّجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثمّ يقول: «أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟» فإذا أشير إلى أحدهما قدّمه في اللّحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء» وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسّلهم) * «3» . 6- * (عن عمارة بن خزيمة أنّ عمّه حدّثه- وهو من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرابيّ، فاستتبعه إلى منزله ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المشي، وأبطأ الأعرابيّ بالفرس، فطفق رجال يعترضون الأعرابيّ يساومونه بالفرس، لا يشعرون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابتاعه «4» ، فنادى الأعرابيّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلّا بعته. فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين سمع نداء الأعرابيّ، فقال: «أو ليس قد ابتعته منك؟» قال الأعرابيّ: لا، والله ما بعتكه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى قد ابتعته منك» فطفق الأعرابيّ يقول: هلمّ شهيدا. فقال خزيمة: أنا أشهد أنّك قد بايعته، فأقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خزيمة. فقال: «بم تشهد؟» قال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادة خزيمة شهادة رجلين» ) * «5» . 7- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ هذه الآية الّتي في القرآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) قال في التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق «6» ، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «7» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلّفه ألف دينار فقال: ائتنى بالشّهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا. قال:   (1) جور: الجور هو الميل عن الاستواء والاعتدال وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور. سواء كان حراما أو مكروها. (2) رواه مسلم برقم (1623) . (3) البخاري- الفتح 3 (1347) . (4) ابتاعه: أي اشتراه. (5) رواه أبو داود (3607) وقال الألباني (2/ 688) : صحيح والنسائي 3/ 301، 302. وقال محقق جامع الأصول (10/ 196) : إسناده حسن واللفظ لجامع الأصول. (6) السّخّاب: كذا بالسين وهي بالصاد أشهر، من الصخب وهو الصياح وشدة الصوت، واختلاطه. (7) البخاري- الفتح 8 (4838) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمّى فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبا* يركبها يقدم عليه للأجل الّذي أجّله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثمّ زجّج «1» موضعها، ثمّ أتى بها إلى البحر فقال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت تسلّفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا فرضي بذلك. وإنّي جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي أستودعكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلمّا نشرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الّذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال: أخبرك أنّي لم أجد مركبا قبل الّذي جئت فيه. قال: فإنّ الله قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدّينار راشدا» ) * «2» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال لعبد الله بن أبي صعصعة: إنّي أراك تحبّ الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك- أو باديتك- فأذّنت بالصّلاة فارفع صوتك بالنّداء، فإنّه لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلّا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» . 10- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال: «ائتوني بأعلم رجلين منكم» فأتوه بابني صوريا. فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التّوراة؟ قالا: نجد في التّوراة إذا شهد أربعة أنّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: «فما يمنعكما أن ترجموهما؟» قالا: ذهب سلطاننا، فكرهنا القتل. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالشّهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة. فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برجمهما) * «4» . 11- * (عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصّامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبل أن يهلكوا. فكان أوّل من لقينا   * ضبطت اللفظة بكسر الكاف في فتح الباري والصواب بالفتح. راجع: لسان العرب مادة ركب، وصحيح البخاري ط. البغا. (1) زجج موضعها: أي سوّاه وأصلحه. (2) البخاري- الفتح 4 (2291) . (3) البخاري- الفتح 2 (609) . (4) رواه أبو داود (4452) وقال الألباني (3/ 843) : صحيح شاهده (3625) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 أبا اليسر «1» ، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومعه غلام له معه ضمامة من صحف «2» وعلى أبي اليسر بردة «3» ومعافريّ «4» ، وعلى غلامه بردة ومعافريّ، فقال له أبي: يا عمّ، إنّي أرى في وجهك سفعة من غضب «5» . قال: أجل. كان لي على فلان ابن فلان الحراميّ مال. فأتيت أهله فسلّمت. فقلت: ثمّ هو؟ قالوا: لا. فخرج عليّ ابن له جفر» فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي «7» . فقلت: اخرج إليّ. فقد علمت أين أنت، فخرج. فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا، والله أحدّثك. ثمّ لا أكذبك، خشيت، والله أن أحدّثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكنت والله معسرا. قال: قلت: آلله! قال: آلله «8» !. قلت: آلله! قال: آلله. قلت: آلله! قال: آلله. قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلّا أنت في حلّ. فأشهد، بصر عينيّ هاتين «9» (ووضع إصبعيه على عينيه) ، وسمع أذنيّ هاتين «10» ، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه «11» ) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من أنظر معسرا، أو وضع عنه، أظلّه الله في ظلّه» ) * «12» . 12- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام حنين. فلمّا التقينا   (1) أبا اليسر: اسمه كعب بن عمرو، شهد العقبة وبدرا، وهو ابن عشرين سنة وهو آخر من توفي من أهل بدر رضي الله عنهم. توفي بالمدينة سنة خمس وخمسين. (2) ضمامة من صحف: بكسر الضاد المعجمة أي رزمة يضم بعضها إلى بعض، هكذا وقع في جميع نسخ مسلم ضمامة وكذا نقله القاضي وقال بعض شيوخنا: صوابه إضمامة بكسر الهمزة قبل الضاد، قال القاضي: ولا يبعد عندي صحة ما جاءت به الرواية هنا. كما قالوا: ضبارة وإضبارة لجماعة الكتب، وهي لفافة يلف فيها الشيء. هذا كلام القاضي. وذكر صاحب نهاية الغريب أن الضمامة لغة في الإضمامة. والمشهور في اللغة إضمامة بالألف. (3) بردة: البردة شملة مخططة. وقيل: كساء مربع فيه صغر يلبسه الأعراب. وجمعه برد. (4) ومعافري: نوع من الثياب يعمل بقرية اسمها معافر بفتح الميم وضمها. وقيل: هي نسبة إلى قبيلة نزلت تلك القرية. والميم فيه زائدة. (5) سفعة من غضب: هي بفتح السين المهملة وضمها: لغتان. أي علامة وتغير. (6) جفر: الجفر هو الذي قارب البلوغ. وقيل: هو الذي قوي على الأكل. وقيل: ابن خمس سنين. (7) أريكة أمي: قال ثعلب: هي السرير الذي في الحجلة، ولا يكون السرير المفرد، وقال الأزهري: كل ما اتكأت عليه فهو أريكة. (8) قلت: آلله. قال: الله: الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام. والثاني بلا مد، والهاء فيهما مكسورة، هذا هو المشهور. قال القاضي: رويناه بكسرها وفتحها معا. قال: وأكثر أهل العربية لا يجيزون غير كسرها. (9) بصر عيني هاتين: هو بفتح الصاد ورفع الراء هذه رواية الأكثرين، ورواه جماعة بضم الصاد وفتح الراء، عيناي هاتان. وكلاهما صحيح ولكن الأول أولى. (10) سمع أذني هاتين: بإسكان الميم ورفع العين. هذه رواية الأكثرين، ورواه جماعة سمع بكسر الميم، أذناي هاتان وكلاهما صحيح ولكن الأول أولى. (11) مناط قلبه: هو بفتح الميم، وفي بعض النسخ المعتمدة نياط بكسر النون، ومعناهما واحد، وهو عرق معلق بالقلب. (12) مسلم (3006) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 كانت للمسلمين جولة «1» قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين «2» . فاستدرت إليه حتّى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه «3» . وأقبل عليّ فضمّني ضمّة وجدت منها ريح الموت «4» ، ثمّ أدركه الموت فأرسلني. فلحقت عمر بن الخطّاب فقال: ما للنّاس؟ فقلت: أمر الله. ثمّ إنّ النّاس رجعوا. وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من قتل قتيلا له عليه بيّنة «5» فله سلبه «6» » قال: فقمت، فقلت: من يشهد لي «7» ؟ ثمّ جلست. ثمّ قال مثل ذلك. فقال: فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثمّ جلست. ثمّ قال ذلك الثّالثة فقمت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مالك يا أبا قتادة» ؟ فقصصت عليه القصّة، فقال: رجل من القوم: صدق يا رسول الله! سلب ذلك القتيل عندي. فأرضه من حقّه، وقال أبو بكر الصّدّيق: لاها الله إذا «8» لا يعمد «9» إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيعطيك سلبه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدق «10» فأعطه إيّاه» فأعطاني، قال: فبعت الدّرع فابتعت به مخرفا «11» في بني سلمة. فإنّه لأوّل مال تأثّلته «12» في الإسلام. وفي حديث اللّيث فقال أبو بكر الصّدّيق: كلّا، لا يعطيه   (1) جولة: أي انهزام وخيفة ذهبوا فيها. وهذا إنما كان في بعض الجيش. وأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وطائفة معه فلم يولوا. (2) قد علا رجلا من المسلمين: يعني ظهر عليه وأشرف على قتله، وأصرعه وجلس عليه لقتله. (3) على حبل عاتقه: هو ما بين العنق والكتف. (4) وجدت منها ريح الموت: يحتمل أنه أراد شدة كشدة الموت. ويحتمل قاربت الموت. (5) له عليه بينة: أي بينة على قتله أي شاهد ولو واحدا. (6) فله سلبه: هو ما على القتيل ومعه ثياب وسلاح ومركب وجنيب يقاد بين يديه. (7) من يشهد لي: أي بأني قتلت رجلا من المشركين فيكون سلبه لي. (8) لاها الله إذا: هكذا هو في جميع روايات المحدثين في الصحيحين وغيرهما: لاها الله إذا بالألف. وأنكر الخطابي هذا وأهل العربية. وقالوا: هو تغيير من الرواة. وصوابه: لاها الله ذا بغير ألف في أوله. وقالوا: وهو بمعنى الواو التي يقسم بها. فكأنه قال: لا والله ذا، قال أبو عثمان المازري رضي الله عنه: معناه لاها الله ذا يميني أو ذا قسمي. وقال أبو زيد: ذا زائدة، وفيها لغتان: المد والقصر. قالوا: ويلزم الجر بعدها كما يلزم بعد الواو. قالوا: ولا يجوز الجمع بينهما. فلا يقال: لاها والله. وفي هذا الحديث دليل على أن هذه اللفظة تكون يمينا. اهـ. كلام الإمام النووي رضي الله تعالى عنه. وانظر في نقض ذلك كله، مع التحقيق الدقيق، الوافي الشافي، كلمة أستاذ الدنيا في علم الحديث، الحافظ ابن حجر العسقلاني في عصره، فتح الباري، ج 8 ص 30 طبعة بولاق. (9) لا يعمد: الضمير عائد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. أي لا يقصد عليه السلام إلى إبطال حق أسد من أسود الله يقاتل في سبيله، وهو أبو قتادة بإعطاء سلبه إياك. (10) صدق: أي أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-. (11) مخرفا: بفتح الميم والراء وهذا هو المشهور. وقال القاضي: رويناه بفتح الميم وكسر الراء كالمسجد والمسكن، بكسر الكاف. والمراد بالمخرف هنا: البستان. وقيل: السكة من النخل تكون صفين يخرف من أيها شاء، أي يجتني. وقال ابن وهب: هي الجنينة الصغيرة، وقال غيره: هي نخلات يسيرة. وأما المخرف، بكسر الميم وفتح الراء فهو الوعاء الذي يجعل فيه ما يجتنى من الثمار، ويقال: اخترف الثمر، إذا جناه، وهو ثمر مخروف. (12) تأثلته: أي اقتنيته وتأصلته، وأثلة الشيء أصله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 أضيبع من قريش ويدع أسدا من أسد الله. وفي حديث اللّيث: لأوّل مال تأثّلته) * «1» . 13- * (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب أيفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول: فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة. فقلت للغلام: استأذن لي، قال: إنّه قائل «2» ، فسمع صوتي. قال: ابن جبير؟ قلت: نعم. قال: ادخل. فوالله! ما جاء بك هذه السّاعة، إلّا حاجة. فدخلت. فإذا هو مفترش برذعة متوسّد وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرّحمن! المتلاعنان، أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان ابن فلان، قال: يا رسول الله! أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم. وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال: فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يحبه، فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات في سورة النّور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/ 6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره، وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها، ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة قالت: لا والّذي بعثك بالحقّ إنّه لكاذب. فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين. والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين. والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين. ثمّ فرّق بينهما) * «3» . 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأقبل أعرابيّ، فلمّا دنا منه قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين تريد؟» قال: إلى أهلي، قال: «هل لك في خير؟» قال: وما هو؟ قال: «تشهد أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله» قال: ومن يشهد على ما تقول؟ قال: «هذه السّلمة» «4» فدعاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي بشاطيء الوادي، فأقبلت تخدّ الأرض خدّا حتّى قامت بين يديه، فأشهدها فشهدت ثلاثا أنّه كما قال، ثمّ رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابيّ إلى قومه. وقال: إن اتّبعوني أتيتك بهم، وإلّا رجعت مكثت معك) * «5» . 15- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- يقول: مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» ، ثمّ مرّوا بأخرى فأثنوا عليها   (1) البخاري- الفتح 6 (3142) ومسلم برقم (1751) واللفظ له. والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح. (2) من القيلولة. (3) مسلم برقم (1493) واللفظ له وللبخاري نحوه 9 (5308) من حديث سهل بن سعد الساعدي. (4) السّلمة- محركة- شجر ليس له خشب وإن عظم وله شوك دقاق وورقها القرظ الذي يدبغ به الأديم. (5) الدارمي (16) وقال محققه: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح وأبو يعلى والبزار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 شرّا. فقال: «وجبت» . فقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: ما وجبت؟. قال: «هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنّة، وهذا أثنيتم عليه شرّا فوجبت له النّار، أنتم شهداء الله في الأرض» ) * «1» 16- * (عن أبي وائل قال: قال عبد الله- رضي الله عنه-: من حلف على يمين يستحقّ بها مالا وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان، ثمّ أنزل الله تصديق ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا- فقرأ إلى- عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران/ 77) . ثمّ إنّ الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ قال: فحدّثناه، قال: فقال: صدق، لفيّ نزلت، كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شاهداك أو يمينه» ، قلت: إنّه إذن يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين يستحقّ بها مالا وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان» ، ثمّ أنزل الله تصديق ذلك، ثمّ اقترأ هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إلى وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ) * «2» . 17- * (عن عياض بن حمار، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من وجد لقطة فليشهد ذا عدل- أو ذوي عدل- ولا يكتم ولا يغيّب، فإن وجد صاحبها فليردّها عليه، وإلّا فهو مال الله- عزّ وجلّ- يؤتيه من يشاء» ) * «3» . 18- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: نسخت الصّحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ بها، فلم أجدها إلّا مع خزيمة بن ثابت الأنصاريّ الّذي جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادته شهادة رجلين، وهو قوله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) » ) * «4» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه أقبل يريد الإسلام- ومعه غلامه- ضلّ كلّ واحد منهما من صاحبه، فأقبل بعد ذلك وأبو هريرة جالس مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة هذا غلامك قد أتاك» ، فقال: أما إنّي أشهدك أنّه حرّ. قال فهو حين يقول: يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنّها من دارة الكفر نجّت) * «5» . 20- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ سعد بن عبادة- رضي الله عنه- توفّيت أمّه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله إنّ أمّي توفّيت، وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدّقت به عنها؟ قال: «نعم» . قال: فإنّي أشهدك أنّ حائطي «6» صدقة   (1) البخاري- الفتح 3 (1367) . وراجع الحديث رقم (1) . (2) البخاري- الفتح 5 (2515، 2516) ومسلم برقم (138) . (3) أبو داود (1709) وقال الألباني (1/ 321) : صحيح، وابن ماجه (20) وأحمد (4/ 162) . وصححه أيضا محقّق «جامع الأصول» (10/ 708) . (4) البخاري- الفتح 6 (2807) . وراجع الحديث رقم (7) . (5) البخاري- الفتح 5 (2530) . (6) الحائط: البستان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 عليها» ) * «1» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فوالّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. قال: «فيلقى العبد فيقول: أي فل «2» ألم أكرمك، وأسوّدك» ، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس «4» وتربع «5» ؟ فيقول: بلى. قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني «6» . ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى أي ربّ. قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا ربّ! آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت، ويثني بخير ما استطاع. فيقول ههنا إذا «7» قال: ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر «8» من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «9» . 22- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوح وأمّته، فيقول الله تعالى: هل بلّغت؟ فيقول: نعم أي ربّ. فيقول لأمّته هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيّ، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأمّته، فنشهد أنّه قد بلّغ وهو قوله جلّ ذكره (البقرة/ 143) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» ) *. والوسط العدل «10» .   (1) البخاري- الفتح 5 (2756) . (2) أي فل: معناه يا فلان: وهو ترخيم على خلاف القياس وقيل: هي لغة بمعنى فلان. حكاها القاضي. (3) أسودك: أي أجعلك سيدا على غيرك. (4) ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم. (5) تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها يقال: ربعتهم أي أخذت ربع أموالهم. ومعناه: ألم أجعلك رئيسا مطاعا. قال القاضي بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. من قوله: اربع على نفسك، أي ارفق بها. (6) فإني أنساك كما نسيتني: أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي. (7) هاهنا إذا: معناه قف ههنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت مفكرا. (8) ليعذر: من الإعذار، والمعنى ليزيل الله عذره من لدن نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه بحيث لم يبق له عذر يتمسك به. (9) مسلم برقم (2968) . (10) البخاري- الفتح 6 (3339) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 الأحاديث الواردة في (إقامة الشهادة) معنى 23- * (عن عقبة بن الحارث أنّه تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: قد أرضعت عقبة والّتي تزوّج. فقال لها عقبة: ما أعلم أنّك أرضعتني، ولا أخبرتني، فأرسل إلى آل أبي إهاب يسألهم فقالوا: ما علمناها أرضعت صاحبتنا. فركب إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة فسأله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف وقد قيل» ففارقها، ونكحت زوجا غيره» ) * «1» . 24- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: تراءى النّاس الهلال، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي رأيته فصامه وأمر النّاس بصيامه» ) * «2» . من الآثار الواردة في (إقامة الشهادة) 1- * (عن المسور بن مخرمة قال: استشار عمر ابن الخطّاب النّاس في ملاص المرأة «3» قال المغيرة بن شعبة: شهدت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قضى فيه بغرّة: عبد أو أمة. قال فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك. قال: فشهد له محمّد بن مسلمة» ) * «4» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لمّا ولي عمر بن الخطّاب، خطب النّاس، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أذن لنا في المتعة ثلاثا، ثمّ حرّمها. والله لا أعلم أحدا يتمتّع وهو محصن إلّا رجمته بالحجارة. إلّا أن يأتيني بأربعة يشهدون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحلّها بعد إذ حرّمها» ) * «5» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: شهد عندي رجال مرضيّون- وأرضاهم عندي عمر- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الصّلاة بعد الصّبح، حتّى تشرق الشّمس وبعد العصر حتّى تغرب» ) * «6» . 4- * (عن حصين بن المنذر أبي ساسان.   (1) البخاري- الفتح 5 (2640) . (2) أبو داود (2342) وقال الألباني (2/ 446) : صحيح. (3) في ملاص المرأة: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم: ملاص وهو جنين المرأة، والمعروف في اللغة إملاص المرأة قال أهل اللغة: يقال: أملصت به وأزلقت به وأمهلت به وأخطأت به، كله بمعنى. وهو إذا وضعته قبل أوانه وكل ما زلق من اليد فقد ملص ملصا وأملصته أنا. قال القاضي: قد جاء ملص الشيء إذا أفلت، فإن أريد به الجنين صح ملاص مثل لزم لزاما. (4) مسلم برقم (1689) ج 3/ 1311. (5) ابن ماجرقم (1963) في الزوائد في إسناده أبو بكر بن حفص. اسمه إسماعيل الإبائي. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: كتب عنه وعن أبيه، وكان أبوه يكذب، قلت: لا بأس به. قال ابن أبي حاتم: وثقه أحمد وابن معين والعجلي وابن نمير وغيرهم. وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في المستدرك. (6) رواه البخاري. انظر الفتح 2 (581) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 قال: شهدت عثمان بن عفّان وأتي بالوليد «1» قد صلّى الصّبح ركعتين. ثمّ قال أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان:- أحدهما حمران- أنّه شرب الخمر. وشهد آخر أنّه رآه يتقيّأ. فقال: عثمان: إنّه لم يتقيّأ حتّى شربها. فقال: يا عليّ قم فاجلده. فقال عليّ: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولّ حارّها من تولّى قارّها «2» فكأنّه وجد عليه «3» فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده. وعليّ يعدّ. حتّى بلغ أربعين. فقال: أمسك، ثمّ قال: جلد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أربعين. وجلد أبو بكر أربعين. وعمر ثمانين. وكلّ سنّة، وهذا أحبّ إليّ» ) * «4» . 5- * (عن سفيان قال: سمعت عمرا قال: كنت جالسا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس فحدّثهما بجالة سنة سبعين- عام حجّ مصعب بن الزّبير بأهل البصرة- عند درج زمزم قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمّ الأحنف، فأتانا كتاب عمر ابن الخطّاب قبل موته بسنة: فرّقوا بين كلّ ذي محرم من المجوس. ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس. حتّى شهد عبد الرّحمن بن عوف أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر» ) * «5» . 6- * (عن جابر قال: سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان قوت كلّ رجل منّا في كلّ يوم تمرة فكان يمصّها، ثمّ يصرّها في ثوبه، وكنّا نختبط بقسيّنا «6» ونأكل. حتّى قرحت أشداقنا «7» فأقسم أخطئها «8» رجل منّا يوما، فانطلقنا به ننعشه «9» فشهدنا أنّه لم يعطها، فأعطيها، فقام فأخذها» ) * «10» .   (1) شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد: أي حضرت عنده بالمدينة وهو خليفة. والوليد هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي أنزل فيه: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أتي به من الكوفة. كان واليا عليها، وكان شاربا سيء المسيرة صلى بالناس الصبح أربعا وهو سكران، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ قال أهل الصف الأول: ما زلنا في زيادة منذ وليتنا وما تزيدنا؟ لا زادك الله من الخير! وحصب الناس الوليد بحصباء المسجد، فشاع ذلك في الكوفة، وجرى من الأحوال ما اضطر سيدنا عثمان إلى استحضاره. (2) ولّ حارها من تولى قارها: الحار الشديد المكروه والقار البارد الهنيء الطيب، وهذا مثل من أمثال العرب قال الأصمعي وغيره: معناه ولّ شدّتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذّاتها. والضمير عائد إلى الخلافة والولاية. أي كما أن عثمان وأقاربه تولوا هنيء الخلافة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها ومعناه ليتول هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصته الأقربين. (3) وجد عليه: أي غضب عليه. (4) مسلم برقم (1707) . (5) البخاري- الفتح 6 (3156، 3157) . (6) كنا نختبط بقسينا: معنى نختبط نضرب الشجر ليتحات ورقه فنأكله. والقسي جمع قوس. (7) حتى قرحت أشداقنا: أي تجرحت من خشونة الورق وحرارته. (8) فأقسم أخطئها: معنى أقسم أحلف. وقوله أخطئها أي فاتته. ومعناه أنه كان للتمر قاسم يقسمه بينهم، فيعطي كل إنسان تمرة كل يوم فقسم في بعض الأيام ونسي إنسانا فلم يعطه تمرته، وظن أنه أعطاه، فتنازعا في ذلك وشهدنا له أنه لم يعطها فأعطيها بعد الشهادة. (9) ننعشه: أي نرفعه ونقيمه من شدة الضعف والجهد، وقال القاضي: الأشبه عندي أن معناه نشد جانبه في دعواه ونشهد له. (10) مسلم برقم (3011) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 7- * (عن حسين بن الحارث الجدليّ- من جديلة قيس- أنّ أمير مكّة خطب، ثمّ قال: عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أن ننسك للرّؤية، فإن لم نره، وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكّة؟ قال: لا أدري ثمّ لقيني بعد فقال: هو الحارث بن حاطب، أخو محمّد بن حاطب، ثمّ قال الأمير: إنّ فيكم من هو أعلم بالله ورسوله منّي، وشهد هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأومأ بيده إلى رجل. قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الّذي أومأ إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر، وصدق، وكان أعلم بالله منه. فقال: بذلك أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» . 8- * (قال شريح القاضي، وسأله إنسان الشّهادة، فقال: ائت الأمير حتّى أشهد لك. وقال عكرمة: قال عمر لعبد الرّحمن بن عوف: لو رأيت رجلا على حدّ- زنا أو سرقة- وأنت أمير، فقال: شهادتك شهادة رجل من المسلمين، قال: صدقت. وقال عمر: لولا أن يقول النّاس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرّجم بيدي، وأقرّ ماعز عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالزّنا أربعا فأمر برجمه، ولم يذكر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشهد من حضره، وقال حمّاد: إذا أقرّ مرّة عند الحاكم رجم، وقال: الحكم أربعا» ) * «2» . من فوائد (إقامة الشهادة) 1- إقامة الشّهادة مرضاة للرّبّ ومسخطة للشّيطان. 2- إقامة للعدل ودفع للظّلم. 3- تعين على أداء الحقوق إلى أهلها. 4- كتم الشّهّادة إثم عظيم وشرّ مستطير. 5- العدل مبنيّ على إقامة الشّهادة بالحقّ، وبالعدل تقوى الأمم. 6- شهادة الحقّ مطلوبة في كلّ المعاملات والعبادات والعلاقات. 7- المسلم الّذي يؤدّي الشّهادة على وجهها يطمئنّ قلبه ويرضي ربّه. 8- إقامة الشّهادة علامة الجرأة ودليل القوّة في الدّين. 9- إقامة الشّهادة لله من ثمار اليقين. 10- طاعة لأوامر الله سبحانه.   (1) رواه أبو داود (2338) وقال الألباني (2/ 445) : صحيح. (2) فتح الباري (13/ 169، 170) بتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 أكل الطيبات أكل الطيبات لغة: الأكل معروف وهو ما يطعمه الإنسان من صنوف الأغذية وغيرها. والطّيّب خلاف الخبيث، قال ابن سيدة: طاب الشّيء طيبا وطابا: لذّ وزكا. وطاب الشّيء أيضا يطيب طيبا وطيبة وتطيابا، وطعام طيّب للّذي يستلذّ الآكل طعمه. وقد تكرّر في الحديث ذكر الطّيّب والطّيّبات، وأكثر ما يرد بمعنى الحلال. ويقال أرض طيّبة للّتي تصلح للنّبات، وريح طيّبة إذا كانت ليست بشديدة، وطعمة طيّبة إذا كانت حلالا، وامرأة طيّبة إذا كانت حصانا «1» عفيفة، ومنه قوله تعالى: الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ (النور/ 26) وكلمة طيّبة إذا لم يكن فيها مكروه، والكلمة الطّيّبة: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله. وليلة طيّبة أي آمنة كثيرة الخير، ومنه قوله تعالى بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (سبأ/ 15) «2» . واصطلاحا: قال الكفويّ: الطّيّب: ما أفتاك قلبك أن ليس فيه جناح، وقيل: الطّيّب ما يستلذّ من المباح. وقيل: الطّيّب ما لا يعصى الله في كسبه ولا يتأذّى حيوان الآيات/ الأحاديث/ الآثار 17/ 9/ 8 بفعله. وقال الرّاغب: «وأصل الطّيّب ما تستلذّه الحواسّ وما تستلذّه النّفس، والطّعام الطّيّب في الشّرع ما كان متناولا من حيث ما يجوز وبقدر ما يجوز ومن المكان الّذي يجوز» «3» . الطيب من كل شيء مختار الله: قال ابن القيّم رحمه الله: «اختار الله- سبحانه وتعالى- من كلّ جنس من أجناس المخلوقات أطيبه، واختصّه لنفسه وارتضاه دون غيره، فإنّه تعالى طيّب لا يحبّ إلّا الطّيّب، ولا يقبل من العمل والكلام والصّدقة إلّا الطّيّب، فالطّيّب من كلّ شيء هو مختاره تعالى. من سمات الطيبين أكل الطيبات: وأمّا خلقه تعالى، فعامّ للنّوعين، وبهذا يعلم عنوان سعادة العبد وشقاوته، فإنّ الطّيّب لا يناسبه إلّا الطّيّب، ولا يرضى إلّا به، ولا يسكن إلّا إليه، ولا يطمئن قلبه إلّا به. فله من الكلام الكلم الطّيّب الّذي لا يصعد إلى الله- تعالى- إلّا هو، وهو أشدّ شيء نفرة «4» عن الفحش في المقال، والتّفحّش في اللّسان والبذاء «5» ، والكذب والغيبة،   (1) حصان: هي المرأة العفيفة وجمعها حصن. (2) لسان العرب (1/ 563) . (3) الكليات للكفوي (2/ 252) ، والمفردات للراغب (38) . (4) النّفرة مصدر النفور ومعناها هنا الابتعاد. (5) البذاء: الفحش في القول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 والنّميمة والبهت «1» ، وقول الزّور، وكلّ كلام خبيث. وكذلك لا يألف من الأعمال إلّا أطيبها، وهي الأعمال الّتي اجتمعت على حسنها الفطر السّليمة مع الشّرائع النّبويّة، وزكّتها العقول الصّحيحة، فاتّفق على حسنها الشّرع والعقل والفطرة، مثل أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، ويؤثر مرضاته على هواه، ويتحبّب إليه جهده وطاقته، ويحسن إلى خلقه ما استطاع، فيفعل بهم ما يحبّ أن يفعلوا به، ويعاملوه به، ويدعهم ممّا يحبّ أن يدعوه منه، وينصحهم بما ينصح به نفسه، ويحكم لهم بما يحبّ أن يحكم له به، ويحمل أذاهم ولا يحمّلهم أذاه، ويكفّ عن أعراضهم، ولا يقابلهم بما نالوا من عرضه، وإذا رأى لهم حسنا أذاعه، وإذا رأى لهم سيّئا كتمه، ويقيم أعذارهم ما استطاع فيما لا يبطل شريعة، ولا يناقض لله أمرا ولا نهيا. وله أيضا من الأخلاق أطيبها وأزكاها، كالحلم، والوقار، والسّكينة، والرّحمة، والصّبر، والوفاء، وسهولة الجانب، ولين العريكة» ، والصّدق، وسلامة الصّدر من الغلّ والغشّ والحقد والحسد، والتّواضع، وخفض الجناح لأهل الإيمان، والعزّة والغلظة على أعداء الله، وصيانة الوجه عن بذله وتذلّله لغير الله، والعفّة، والشّجاعة، والسّخاء، والمروءة، وكلّ خلق اتّفقت على حسنه الشّرائع والفطر والعقول. وكذلك لا يختار من المطاعم إلّا أطيبها، وهو الحلال الهنيء المريء الّذي يغذّي البدن والرّوح أحسن تغذية، مع سلامة العبد من تبعته. وكذلك لا يختار من المناكح إلّا أطيبها وأزكاها، ومن الرّائحة إلّا أطيبها وأزكاها، ومن الأصحاب والعشراء إلّا الطّيّبين منهم، فروحه طيّب، وبدنه طيّب، وخلقه طيّب، وعمله طيّب، وكلامه طيّب، ومطعمه طيّب، ومشربه طيّب، وملبسه طيّب، ومنكحه طيّب، ومدخله طيّب، ومخرجه طيّب، ومنقلبه طيّب، ومثواه «3» كلّه طيّب. فهذا ممّن قال الله تعالى فيه: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (النحل/ 32) ومن الّذين يقول لهم خزنة الجنّة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (الزمر/ 73) وهذه الفاء تقتضي السّببيّة، أي: بسبب طيبكم ادخلوها. وقال تعالى: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ (النور/ 26) وقد فسّرت الآية بأنّ الكلمات الخبيثات للخبيثين، والكلمات الطّيّبات للطّيّبين، وفسّرت بأنّ النّساء الطّيّبات للرّجال الطّيّبين، والنّساء الخبيثات للرّجال الخبيثين. وهي تعمّ ذلك وغيره، فالكلمات، والأعمال، والنّساء الطّيّبات لمناسبها من الطّيّبين، والكلمات، والأعمال، والنّساء الخبيثات لمناسبها من الخبيثين، فالله- سبحانه وتعالى- جعل الطّيّب   (1) البهت: من بهت الرجل يبهته إذا قال عليه ما لم يفعله. (2) العريكة: الطبيعة. وليّن العريكة: أي سلس.. (3) مثواه: المثوى المنزل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 بحذافيره في الجنّة، وجعل الخبيث بحذافيره في النّار، فجعل الدّور ثلاثة: دارا أخلصت للطّيّبين، وهي حرام على غير الطّيّبين، وقد جمعت كلّ طيّب وهي الجنّة، ودارا أخلصت للخبيث والخبائث، ولا يدخلها إلّا الخبيثون وهي النّار، ودارا امتزج فيها الطّيّب والخبيث وخلط بينهما، وهي هذه الدّار، ولهذا وقع الابتلاء والمحنة بسبب هذا الامتزاج والاختلاط، وذلك بموجب الحكمة الإلهيّة، فإذا كان يوم معاد الخليقة، ميّز الله الخبيث منالطّيّب، فجعل الطّيّب وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم، وجعل الخبيث وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم، فعاد الأمر إلى دارين فقط: الجنّة وهي دار الطّيّبين، والنّار، وهي دار الخبيثين، وأنشأ الله تعالى من أعمال الفريقين ثوابهم وعقابهم فجعل طيّبات أقوال هؤلاء وأعمالهم وأخلاقهم هي عين نعيمهم ولذّاتهم، أنشأ لهم منها أكمل أسباب النّعيم والسّرور، وجعل خبيثات أقوال الآخرين وأعمالهم وأخلاقهم هي عين عذابهم وآلامهم، فأنشأ لهم منها أعظم أسباب العقاب والآلام، حكمة بالغة، وعزّة باهرة قاهرة، ليري عباده كمال ربوبيّته، وكمال حكمته وعلمه وعدله ورحمته، وليعلم أعداؤه أنّهم كانوا هم المفترين الكذّابين، لا رسله البررة الصّادقون. قال الله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (النحل/ 38- 39) والمقصود أنّ الله- سبحانه وتعالى- جعل للسّعادة والشّقاوة عنوانا يعرفان به، فالسّعيد الطّيّب لا يليق به إلّا طيّب، ولا يأتي إلّا طيّبا ولا يصدر منه إلّا طيّب، ولا يلابس إلّا طيّبا، والشّقيّ الخبيث لا يليق به إلّا الخبيث، ولا يأتي إلّا خبيثا، ولا يصدر منه إلّا الخبيث، فالخبيث يتفجّر من قلبه الخبث على لسانه وجوارحه، والطّيّب يتفجّر من قلبه الطّيب على لسانه وجوارحه. وقد يكون في الشّخص مادّتان، فأيّهما غلب عليه كان من أهلها فإن أراد الله به خيرا طهّره من المادّة الخبيثة قبل الموافاة. فيوافيه يوم القيامة مطهّرا، فلا يحتاج إلى تطهيره بالنّار، فيطّهّر منها بما يوفّقه له من التّوبة النّصوح، والحسنات الماحية، والمصائب المكفّرة، حتّى يلقى الله وما عليه خطيئة، ويمسك عن الآخر موادّ التّطهير، فيلقاه يوم القيامة بمادّة خبيثة، ومادّة طيّبة وحكمته تعالى تأبى أن يجاوره أحد في داره بخبائثه، فيدخله النّار طهرة له وتصفية وسبكا، فإذا خلصت سبيكة إيمانه من الخبث، صلح حينئذ لجواره، ومساكنة الطّيّبين من عباده. وإقامة هذا النّوع من النّاس في النّار على حسب سرعة زوال تلك الخبائث منهم وبطئها، فأسرعهم زوالا وتطهيرا أسرعهم خروجا، وأبطؤهم أبطؤهم خروجا، جزاء وفاقا، وما ربّك بظلّام للعبيد. ولمّا كان المشرك خبيث العنصر، خبيث الذّات، لم تطهّر النّار خبثه، بل لو خرج منها لعاد خبيثا كما كان كالكلب إذا دخل البحر، ثمّ خرج منه، فلذلك حرّم- الله تعالى- على المشرك الجنّة. ولمّا كان المؤمن الطّيّب المطيّب مبرّءا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 الخبائث، كانت النّار حراما عليه؛ إذ ليس فيه ما يقتضي تطهيره بها، فسبحان من بهرت حكمته العقول والألباب، وشهدت فطر عباده وعقولهم بأنّه أحكم الحاكمين، وربّ العالمين، لا إله إلّا هو «1» . الفرق بين الطيب والحلال: قال الكفويّ: الحلال: ما أفتاك المفتي أنّه حلال. والطّيّب: ما أفتاك قلبك أن ليس فيه جناح. وقيل: الحلال: مالا يعصى الله فيه، والطّيّب ما يستلذّ من المباح «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الصلاح- الطاعة- القناعة- مجاهدة النفس- محاسبة النفس المراقبة- العفة- النزاهة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: أكل الحرام- اتباع الهوى- التطفيف- الربا- الغلول- السرقة الغش] .   (1) انظر زاد المعاد (1/ 65- 68) . (2) الكليات للكفوي (2/ 253) . وقد ذكر فى موضع آخر (3/ 162) أن الطيب قد يستعمل ويراد به الطاهر والحلال والمستلذ مما يعني أن هناك ترادفا جزئيا بين هذه الألفاظ الثلاثة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 الآيات الواردة في «أكل الطيبات» لا بد أن يكون المأكل طيبا: 1- وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) «1» 2- يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) «3» 4- وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) «4» 5- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) «5» 6- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) «6» لا بد أن يكون الإنفاق من الطيب: 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) «7» الطيب هو ما أحله الله وساقه: 8- يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ   (1) البقرة: 57 مدنية (2) البقرة: 168 مدنية (3) البقرة: 172 مدنية (4) الأعراف: 159- 160 مكية (5) طه: 80- 81 مكية (6) المؤمنون: 51 مكية (7) البقرة: 267 مدنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «1» 9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) «2» 10- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) «3» 11- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «4» 12- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «5» 13- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) «6» 14- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) «7» 15- * وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) «8» 16- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) «9» 17- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) «10»   (1) المائدة: 4- 5 مدنية (2) المائدة: 87 مدنية (3) الأعراف: 32 مكية (4) الأعراف: 157 مكية (5) الأنفال: 26 مدنية (6) يونس: 93 مكية (7) النحل: 72 مكية (8) الإسراء: 70 مكية (9) غافر: 64 مكية (10) الجاثية: 16 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 الأحاديث الواردة في (أكل الطيبات) 1- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، إلّا من قال بالمال هكذا وهكذا، وكسبه من طيّب» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتصدّق أحد بتمرة من كسب طيّب، إلّا أخذها الله بيمينه، فيربّيها كما يربّي أحدكم فلوّه «2» أو قلوصه «3» . حتّى تكون مثل الجبل أو أعظم» ) * «4» . 3- * (عن المقدام بن معد يكرب الزّبيديّ رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما كسب الرّجل كسبا أطيب من عمل يده. وما أنفق الرّجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة» ) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس! إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ. يا ربّ. ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذّي بالحرام. فأنّى يستجاب لذلك؟» ) * «6» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أطيب ما أكل الرّجل من كسبه، وإنّ ولده من كسبه» ) * «7» . الأحاديث الواردة في (أكل الطيبات) معنى 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خير الكسب كسب العامل إذا نصح «8» » ) * «9» . 7- * (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأن يأخذ أحدكم أحبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع فيكفّ الله بها وجهه خير من أن يسأل النّاس أعطي أم منع» ) * «10» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) ابن ماجة (4130) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (2) فلوّه: المهر يفصل عن أمه والجمع أفلاء. (3) قلوصه: هي الناقة الفتية. (4) البخاري- الفتح 3 (1410) ، ومسلم (1014) واللفظ له. (5) أخرجه ابن ماجة (2138) . وصححه الألباني: صحيح سنن ابن ماجة (1739) . (6) مسلم (1015) . (7) أخرجه أبو داود (3528) ، وابن ماجة في سننه (2137) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (9/ 329) وقال محققه: إسناده صحيح. (8) نصح: إذا أخلص وصدق. (9) قال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 560) : رواه أحمد ورواته ثقات. (10) البخاري- الفتح 5 (2373) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدّق به ويستغني به من النّاس، خير له من أن يسأل رجلا، أعطاه أو منعه ذلك. فإنّ اليد العليا أفضل من اليد السّفلى. وابدأ بمن تعول «1» » ) *» . 9- * (عن المقدام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود- عليه السّلام- كان يأكل من عمل يده» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (أكل الطيبات) 1- * (قال أبو عبد الله الباجيّ الزّاهد: «خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله- عزّ وجلّ- ومعرفة الحقّ، وإخلاص العمل لله، والعمل على السّنّة، وأكل الحلال» ) * «4» . 2- * (قال ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله- بعد قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- تعالى- طيّب لا يقبل إلّا طيّبا وإنّ الله- تعالى- أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ... » قال: المراد بهذا أنّ الرّسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطّيّبات الّتي هي الحلال وبالعمل الصّالح) * «5» . 3- * (قال ابن كثير عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً (البقرة/ 168) أباح لهم أن يأكلوا ممّا في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيّبا أي مستطابا فى نفسه غير ضارّ للأبدان ولا للعقول) «6» . 4- * (وقال عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) والأكل من الحلال سبب لتقبّل الدّعاء والعبادة، كما أنّ الأكل من الحرام يمنع قبول الدّعاء والعبادة) «7» . 5- * (قال الحسن البصريّ عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ (المؤمنون/ 51) قال: أما والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم، ولا حلوكم ولا حامضكم ولكن قال: انتهوا إلى الحلال منه) * «8» . 6- * (وقال سعيد بن جبير والضّحّاك: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ يعني الحلال) * «9» . 7- * (وقال عمرو بن شرحبيل: «كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمّه» ) * «10» .   (1) تعول: تكفلهم وتقوم بهم. (2) البخاري- الفتح 3 (1470) ، ومسلم (1042) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 4 (2072) . (4) انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (111) (5) نفس المرجع السابق (110) . (6) تفسير ابن كثير (1/ 204) . (7) المرجع السابق (1/ 206) . (8) المرجع السابق (3/ 247) . (9) المرجع السابق، نفس الصفحة. (10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 8- * (عن عمر بن عبد العزيز. أنّه قال يوما: «إنّي أكلت حمّصا وعدسا فنفخنى» . فقال له بعض القوم: يا أمير المؤمنين إنّ الله يقول في كتابه: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ* فقال عمر: «هيهات ذهبت به إلى غير مذهبه. إنّما يريد به طيب الكسب ولا يريد به طيب الطّعام» ) * «1» . من فوائد (أكل الطيبات) 1- طريق موصل إلى محبّة الله وجنّته. 2- سبب لإجابة الدّعاء. 3- البركة في العمر، والنّماء في المال. 4- السّعادة في الدّنيا، والفوز والنّجاة في الآخرة. 5- يورث حلاوة المقال والفعال. 6- البركة في الذّرّيّة من ثمار الكسبالطّيّب (أيّما عبد نبت جسمه من سحت فالنّار أولى به) . 7- كسب الرّجل من عمل يده رفعة وكرامة.   (1) الدر المنثور (1/ 406) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 الألفة الألفة لغة: هي الاسم من الائتلاف وكلاهما مأخوذ من مادّة (أل ف) الّتي تدلّ على انضمام الشّيء إلى الشّيء، والأشياء الكثيرة أيضا، ومن ذلك الألف لأنّه اجتماع المئين، قال الخليل: ألفت الشّيء آلفه، والألفة مصدر الائتلاف، وإلفك وأليفك: الّذي تألفه، وكلّ شيء ضممت بعضه إلى بعض فقد ألّفته تأليفا، ويقال: ألف الشّيء إلفا فهو آلف، وآلفته وأنا مؤلف. قال أبو زيد: أهل الحجاز يقولون: آلفت المكان والقوم، وآلفت غيري أيضا: حملته على أن يألف، وأوالف الطّير: الّتي بمكّة وغيرها. ويقال: آلفت الطّير موضع كذا، وهنّ مؤلفات لأنّها لا تبرح «1» . ويقال للمألوف: إلف وآلف، والمؤلّف: ما جمع من أجزاء مختلفة ورتّب ترتيبا قدّم فيه ما حقّه التّقديم، وأخّر فيه ما حقّه أن يؤخّر، وقول الله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (قريش/ 1) مصدر من آلف، والمؤلّفة قلوبهم هم الّذين يتحرّى فيهم بتفقّدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم الله بقوله: لَوْ أَنْفَقْتَ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 8/ 23 ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (الأنفال/ 63) وأوالف الطّير: ما ألفت الدّار، والألف: العدد المخصوص، وسمّي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة. وآلفت الدّراهم أي بلغت بها الألف «2» . وقال الجوهريّ يقال: ألفه يألفه (بالكسر) أعطاه ألفا، وآلفت القوم إيلافا، أي كمّلتهم ألفا، والإلف: الأليف، يقال: حنّت الإلف إلى الإلف، والجمع ألائف، والألّاف: جمع آلف، ويقال: فلان قد ألف هذا الموضع (بالكسر) يألفه إلفا (أي اعتاده) وآلفه إيّاه غيره، ويقال أيضا: آلفت الموضع إيلافا وكذلك آلفته مؤالفة وإلافا، ويقال: ألفت بين الشّيئين تأليفا فتألّفا وأتلفا، وتألّفته على الإسلام، ومن هذا المؤلّفة قلوبهم، وقول الله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ (قريش/ 1) معناه: أهلكت أصحاب الفيل لأولف قريشا مكّة، لتولف قريش رحلة الشّتاء والصّيف، أي تجمع بينهما «3» . وقيل الإيلاف: العهد والذّمام، وفي حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: قد علمت قريش أنّ أوّل من أخذ لها الإيلاف لهاشم، قال ابن الأثير: كان   (1) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (1/ 131) بتصرف يسير. (2) المفردات للراغب (20) . (3) الصحاح للجوهري (4/ 1331، 1332) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 هاشم ابن عبد مناف أخذه من الملوك لقريش «1» ، وأورد ابن منظور في: «لإيلاف قريش» ثلاثة أوجه: لإيلاف، ولإلاف، ووجه ثالث لإلف قريش، فمن قرأ لإلافهم وإلفهم فهو من ألف يألف، ومن قرأ لإيلافهم، فهو من آلف يؤلف، يقال: ألف الشّيء وآلفه إلفا وإلافا وألفانا: لزمه، وآلفه إيّاه ألزمه، وفلان قد ألف هذا الموضع بالكسر (لا غير) ، وقول الله- عزّ وجلّ- قال: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (الأنفال/ 63) ، قال فيها أبو منصور: نزلت في المتحابّين في الله، وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (التوبة/ 60) في آية الصّدقات قوم من سادات العرب أمر الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم في أوّل الإسلام بتألّفهم؛ أي بمقاربتهم وإعطائهم ليرغّبوا من وراءهم في الإسلام، فلا تحملهم الحميّة مع ضعف نيّاتهم على أن يكونوا إلبا مع الكفّار على المسلمين، وقد نفّلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين بمائتين من الإبل تألّفا لهم «2» . الألفة اصطلاحا: الألفة والإلف: اجتماع مع التئام ومحبّة «3» . أمّا التّألّف: فهو المداراة والإيناس لمن هم حديثو عهد بكفر ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إلى أيديهم من المال «4» . وقال التّهانويّ: الألفة (بالضّمّ) : هي ميلان القلب إلى المألوف «5» . وقال الجرجانيّ: الألفة اتّفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش «6» . درجات الألفة: قال التّهانويّ: نقلا عن بعضهم: للألفة خمس درجات: الأولى: النّظر في أفعال الصّانع وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنّه الواحد وهذا بمنزلة أن يذكر إنسان بخصاله الحميدة فتعلق مودّته بالقلب. الثّانية: كتمان الحبّ إذ يخفي الأليف حقيقة حاله مهما اعتراه في سبيل ذلك. الثّالثة: مرتبة تمنّي اللّقاء، وفيها لا يعنيه وجود أو هلاك لنفسه. الرّابعة: الإخبار والاستخبار، والأليف في هذا المقام يريد الإخبار والاستخبار عن أحوال مألوفه.   (1) النهاية (1/ 60) . (2) لسان العرب (ألف) (1/ 108) ط. دار المعارف، وتهذيب اللغة للأزهري (15/ 378) . (3) اقتبسنا هذا التعريف من قول الراغب (المفردات- 20) والإلف اجتماع مع التئام ومنه الألفة (أي ومن هذا المعنى) ، أما قيد المحبة فقد أخذناه من قول أبي منصور الأزهري في تفسير قوله تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ حيث قال: إنها نزلت في «المتحابين في الله» . (4) النهاية لابن الأثير (1/ 60) ، ولسان العرب (1/ 108) ط. دار المعارف. (5) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 114) ، المناوي في التوقيف (60) . (6) التعريفات (35) ، ويحتمل هنا أن يكون هذا التعريف للإلفة (بكسر الهمزة) وقد جزم بذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 الخامسة: التّضرّع والخشوع للمألوف «1» . الألفة وصلاح الإنسان: ذكر الماورديّ: أنّ الألفة الجامعة هي إحدى القواعد المهمّة الّتي يصلح بها حال الإنسان، وذلك أنّ الإنسان مقصود بالأذيّة، محسود بالنّعمة، فإذا لم يكن آلفا مألوفا تخطّفته أيدي حاسديه، وتحكّمت فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تصف له مدّة، فإذا كان آلفا مألوفا انتصر بالألفة على أعاديه، وامتنع من حاسديه، فسلمت نعمته منهم، وصفت له مدّته «2» عنهم، وإن كان صفو الزّمان عسرا وسلمه خطرا «3» . الألفة والعلاقات الاجتماعية: يقول الدّكتور عليّ خليل: هذه الألفة الجامعة بين الأفراد من خواصّ الجانب الاجتماعيّ في الشّخصيّة المسلمة باعتبارها تجاذب يشدّ الفعل الاجتماعيّ المختار، والعلاقات والتّفاعلات الاجتماعيّة بعضها إلى بعض، وهي تؤدّي إلى القوّة في التّرابط والصّحّة في التّوافق، والمتعة في التّضام، وهي الّتي تشدّ بناء الجماعة المسلمة بعضه إلى بعض. ووظيفتها الاجتماعيّة مهمّة، لأنّها داعية إلى التّماسك الاجتماعيّ، واستقرار بنائه، ولها أهمّيّتها الخاصّة لكلّ من الفرد والجماعة لما فيها من داع إلى التّناصر والسّلامة الاجتماعيّة، ولما توفّره من جوّ اجتماعيّ سليم صحيح لنموّ الشّخصيّة الاجتماعيّة، وقد حثّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الألفة لأنّها كما يقول الإمام الماورديّ: «تجمع الشّمل وتمنع الذلّ «4» » . أسباب الألفة ودواعيها: أسباب الألفة خمسة، وهي: الدّين، والنّسب، والمصاهرة، والمودّة، والبرّ. فأمّا الدّين: فلأنّه يبعث على التّناصر، ويمنع من التّقاطع والتّدابر. وبمثل ذلك وصّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه، فروى سفيان عن الزّهريّ عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا. وكونوا عباد الله إخوانا، لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» هذا وإن كان اجتماعهم في الدّين يقتضيه، فهو على وجه التّحذير من تذكّر تراث الجاهليّة، وإحن «5» الضّلالة، فقد بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعرب أشدّ تقاطعا وتعاديا، وأكثر اختلافا وتماديا، حتّى إنّ بني الأب الواحد كانوا يتفرّقون أحزابا، فتثور بينهم بالتّحزّب والافتراق أحقاد الأعداء وإحن البعداء، وكانت الأنصار أشدّهم تقاطعا وتعاديا، وكان بين الأوس والخزرج من الاختلاف والتّباين، أكثر من غيرهم، إلى أن أسلموا، فذهبت إحنهم، وانقطعت   (1) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 114) ، ومن الواضح هنا أن الألفة المقصودة لا تكون إلّا مع جناب المولى- عز وجل-. (2) المدة هنا بمعنى معيشة الإنسان وأيام حياته. (3) أدب الدنيا والدين (148) . (4) قراءة تربوية في فكر أبي الحسن البصري الماوردي للدكتور علي خليل مصطفى (296- 297) . (5) الإحن: جمع إحنة وهي الحقد في الصدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 عداوتهم، وصاروا بالإسلام إخوانا متواصلين، وبألفة الدّين أعوانا متناصرين، قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ 103) يعني أعداء في الجاهليّة فألّف بين قلوبكم بالإسلام، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (مريم/ 96) يعني: حبّا، وعلى حسب التّأليف على الدّين تكون العداوة فيه، إذا اختلف أهله، فإنّ الإنسان قد يقطع في الدّين من كان به بارّا، وعليه مشفقا. هذا أبو عبيدة بن الجرّاح وقد كانت له المنزلة العالية في الفضل، والأثر المشهور في الإسلام. قتل أباه يوم بدر طاعة للهّ- عزّ وجلّ- ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، حين بقي على ضلاله، وانهمك في طغيانه، فلم تعطفه عليه رحمة، ولا كفّه عنه شفقة، وهو من أبرّ الأبناء، تغليبا للدّين على النّسب، ولطاعة الله تعالى على طاعة الأب. وعلّة ذلك أنّ الدّين والاجتماع على العقد الواحد فيه لمّا كان أقوى أسباب الألفة، كان الاختلاف فيه من أقوى أسباب الفرقة. وأمّا النّسب: وهو الثّاني من أسباب الألفة، فلأنّ تعاطف الأرحام، وحميّة القرابة، يبعثان على التّناصر والألفة. وتمنعان من التّخاذل والفرقة، أنفة من استعلاء الأباعد على الأقارب، وتوقيّا من تسلّط الغرباء الأجانب. ولذلك حفظت العرب أنسابها، لمّا امتنعت عن سلطان يقهرها، ويكفّ الأذى عنها لتكون بها متضافرة على من ناوأها، متناصرة على من شاقّها وعاداها، حتّى بلغت بألفة الأنساب تناصرها على القويّ الأيد، وتحكّمت فيه تحكّم المتسلّط المتشطّط. وأمّا المصاهرة: وهي الثّالث من أسباب الألفة، فلأنّها استحداث مواصلة، وتمازج مناسبة، صدرا عن رغبة واختيار، وانعقدا عن خبرة وإيثار، فاجتمع فيها أسباب الألفة، وموادّ المظاهرة، قال الله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم/ 21) يعني بالمودّة المحبّة، وبالرّحمة الحنوّ والشّفقة، وهما من أوكد أسباب الألفة. وفيها تأويل آخر، قاله الحسن البصريّ- رحمه الله-: إنّ المودّة النّكاح، والرّحمة الولد. وقال تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً (النحل/ 72) . ولم تزل العرب تجتذب البعداء، وتتألّف الأعداء بالمصاهرة، حتّى يرجع النّافر مؤانسا، ويصير العدوّ مواليا، وقد يصير للصّهر بين الاثنين، ألفة بين القبيلتين، وموالاة بين العشيرتين. حكي عن خالد بن يزيد بن معاوية: أنّه قال: كان أبغض خلق الله- عزّ وجلّ- إليّ آل الزّبير، حتّى تزوّجت منهم «رملة» فصاروا أحبّ خلق الله- عزّ وجلّ- إليّ. وأمّا المؤاخاة بالمودّة: وهي الرّابع من أسباب الألفة، فلأنّها تكسب بصادق الودّ إخلاصا ومصافاة، وتحدث بخلوص المصافاة وفاء ومحاماة، وهذا أعلى مراتب الألفة، ولذلك آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه، لتزيد ألفتهم، ويقوى تضافرهم وتناصرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 وقيل: إنّما سمّي الصّديق صديقا لصدقه، والعدوّ عدوّا لعدوه عليك «1» . وقال ثعلب: إنّما سمّي الخليل خليلا؛ لأنّ محبّته تتخلّل القلب. فلا تدع فيه خللا إلّا ملأته. وأمّا البرّ: وهو الخامس من أسباب الألفة: فلأنّه يوصّل إلى القلوب ألطافا، ويثنيها محبّة وانعطافا، ولذلك ندب الله تعالى إلى التّعاون به، وقرنه بالتّقوى له، فقال: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى (المائدة/ 2) لأنّ له في التّقوى رضا الله تعالى، وفي البرّ رضا النّاس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا النّاس، فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته «2» . أثر الإسلام في التأليف بين الأمم: ويقول الشّيخ ابن عاشور: كان العرب جميعا قبل الإسلام في عداوة وحروب، فالأوس والخزرج كانت بينهم حروب دامت مائة وعشرين سنة قبل الهجرة، كان منها يوم بعاث، والعرب كانوا في حروب وغارات، وجميع الأمم الّتي دعاها الإسلام كانوا في تفرّق وتخاذل، فصار الّذين دخلوا في الإسلام إخوانا، أولياء بعضهم لبعض، لا يصدّهم عن ذلك اختلاف انساب، ولا تباعد مواطن، ولقد حاول حكماؤهم، وأولو الرّأي منهم التّأليف بينهم، وإصلاح ذات بينهم، بأفانين الدّعاية من خطابة، وجاه وشعر، فلم يصلوا إلى ما ابتغوا حتّى ألّف الله بين قلوبهم بالإسلام فصاروا بذلك التّأليف بمنزلة الإخوان. وقد امتنّ الله عليهم بتغيير أحوالهم من أشنع حالة إلى أحسنها: فحالة كانوا عليها هي حالة العداوة والتّفاني والتّقاتل. وحالة أصبحوا عليها وهي حالة الأخوّة ولا يدرك الفرق بين الحالتين إلّا من كانوا في السّوأى فأصبحوا في الحسنى، والنّاس إذا كانوا في حالة بؤس وضنك واعتادوها صار الشّقاء دأبهم، وذلّت له نفوسهم، فلم يشعروا بما هم فيه، ولم يتفطّنوا لوخيم عواقبه، حتّى إذا هيّأ لهم الصّلاح، وأخذ يتطرّق إليهم استفاقوا من شقوتهم. وعلموا حالتهم ولأجل هذا المعنى جمعت الآية ذكر الحالتين وما بينهما فقالت: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ 103) «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الاجتماع- الإخاء الكلم الطيب- البر- التعاون على البر والتقوى- المحبة- حسن الخلق- صلة الرحم- التودد. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البغض- التفرق- التنازع- القسوة- قطيعة الرحم] .   (1) عدوه عليك: أي تجاوزه وتعدّيه. (2) أدب الدنيا والدين (149- 150) بتصرف يسير. (3) التحرير والتنوير (4/ 33، 34) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 الآيات الواردة في «الألفة» 1- وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) «1» 2- وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «2» الآيات الواردة في «الألفة» لفظا ولها معنى آخر 3- * إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «3» 4- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) «4» 5- لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) «5»   (1) آل عمران: 103 مدنية (2) الأنفال: 62- 63 مدنية (3) التوبة: 60 مدنية (4) النور: 43 مدنية (5) قريش: 1- 2 مكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 الأحاديث الواردة في (الألفة) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الأرواح جنود مجنّدة» . فما تعارف «2» منها ائتلف «3» وما تناكر «4» منها اختلف «5» » ) * «6» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ- رضي الله عنه- إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذهيبة «7» ، فقسمها بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظليّ ثمّ المجاشعيّ، وعيينة بن بدر الفزاريّ، وزيد الطّائيّ ثمّ أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامريّ، أحد بني كلاب، فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد «8» أهل نجد ويدعنا، قال: «إنّما أتألّفهم» فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين «9» ، ناتيء الجبين «10» ، كثّ اللّحية محلوق، فقال: اتّق الله يا محمّد، فقال: «من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟» فسأله رجل قتله- أحسبه خالد بن الوليد- فمنعه، فلمّا ولّى قال: «إنّ من ضئضىء «11» هذا- أو: في عقب هذا- قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم «12» ، يمرقون «13» من الدّين مروق السّهم من الرّميّة، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد «14» » ) * «15» . 3- * (عن عبد الله بن زيد بن عاصم- رضي الله عنه- قال: لمّا أفاء الله على رسوله «16» صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين، قسم في النّاس في المؤلّفة قلوبهم، «17» ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنّهم وجدوا «18» إذ لم يصبهم ما أصاب النّاس، فخطبهم فقال: «يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرّقين فألّفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي» كلّما قال شيئا قالوا: الله   (1) جنود مجندة: جموع مجتمعة وأنواع مختلفة. والأرواح جمع روح، وهو الذي يقوم به الجسد وتكون الحياة. (2) تعارف: توافقت صفاتها وتناسبت في أخلاقها. (3) ائتلف: من الألفة وهي المحبة والمودة. (4) تناكر: تنافرت في طبائعها. (5) اختلف: تباعد. (6) البخارى- الفتح 6 (3336) واللفظ له، مسلم (2638) . (7) ذهيبة: قطعة من ذهب. (8) صناديد أهل نجد: أي ساداتها، واحدها: صنديد. (9) مشرف الوجنتين: أي غليظهما. (10) ناتئ الجبين: أي بارزه. (11) ضئضئ: الأصل والعقب وقيل هو كثرة النسل. (12) لا يجاوز حناجرهم: لا يفقهون معناه، ولا ينتفعون بتلاوته. (13) يمرقون: يخرجون منه. (14) قتل عاد: أي استأصلهم بالكلية بأي وجه، ولا أبقي أحدا منهم. (15) البخارى- الفتح 6 (3344) ، واللفظ له. ومسلم (1064) . (16) أفاء الله على رسوله: أعطاه غنائم الذين قاتلهم. (17) المؤلفة قلوبهم: ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا فأعطاهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليتمكن الإسلام من قلوبهم. وقيل: كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية. وقد سرد أسماءهم الإمام ابن حجر في شرح هذا الحديث. (18) وجدوا: أي غضبوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 ورسوله أمنّ «1» ، قال: «لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا، ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاة والبعير، وتذهبون بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك النّاس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار «2» والنّاس دثار، إنّكم ستلقون بعدي أثرة «3» ، فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «4» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّي أعطي قريشا أتألّفهم «5» ، لأنّهم حديثو عهد بجاهليّة» ) * «6» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المؤمن مؤلّف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» ) * «7» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحبّكم إليّ أحاسنكم أخلاقا، الموطّئون أكنافا «8» ، الّذين يألفون ويؤلفون، وإنّ أبغضكم إليّ المشّاءون بالنّميمة «9» المفرّقون بين الأحبّة الملتمسون للبراء العيب» «10» ) * «11» . الأحاديث الواردة في (الألفة) معنى انظر صفة: الاجتماع   (1) أمنّ: أفعل تفضيل من المنّ. (2) الشعار: الثوب الذي يلي الجلد من الجسد، والدثار: الذي فوقه، يريد أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم. (3) الأثرة: هي الانفراد بالشيء المشترك دون من يشركه فيه. (4) البخاري- الفتح 7 (4330) ، واللفظ له، ومسلم (1061) ، أحمد (4/ 42) . (5) أتألفهم: أطلب إلفهم وأجلبهم إلى الإسلام الحق. (6) البخارى- الفتح 6 (3146) ، واللفظ له، ومسلم (1059) . (7) أحمد (2/ 400) واللفظ له. وفي (5/ 335) عن سهل ابن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «المؤمن مألفة ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» . وفي الفردوس للديلمي عن جابر: «المؤمن مألف مألوف حيي ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس» (4/ 77) برقم (6549) . (8) الموطئون أكنافا: الأكناف جمع كنف وهو الجانب والمراد الذين يلين جانبهم لإخوانهم. (9) المشاءون بالنميمة: أي الذين يكثرون من السعي بين الناس بالإفساد. (10) الملتمسون للبراء العيب: أي الذين يتهمون الأبرياء بعيوب ليست فيهم. (11) له شاهد عند الترمذي من حديث جابر- رضي الله عنه، وقال عنه: حسن (4/ 370) (2018) ، الترغيب والترهيب (3/ 410) وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعود باختصار وورد في الطبراني الصغير، (2/ 89 برقم 830) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الألفة) 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين: حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل كلّ رجل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس: فحدّث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبّة من أدم، ولم يدع أحدا غيرهم، فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما حديث بلغني عنكم؟» فقالت الأنصار: أمّا ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا وأمّا ناس حديثة أسنانهم فقالوا: كذا وكذا للّذي قالوا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألّفهم- أو قال: أستألفهم- أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال وترجعون برسول الله إلى رحالكم، فوالله لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به» . قالوا: أجل يا رسول الله! قد رضينا. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله فإنّي فرطكم على الحوض «1» » . قال أنس: فلم نصبر) * «2» . 8- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه» قال الزّهريّ: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يصب الإسلام حلفا إلّا زاده شدّة، ولا حلف في الإسلام» وقد ألّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين قريش والأنصار) * «3» .   (1) فرطكم على الحوض: أي متقدمكم وسابقكم. (2) البخاري- الفتح 7 (4330) ، أحمد (3/ 166) ، واللفظ له. (3) أحمد (1/ 190) . وقال أحمد شاكر (3/ 121- ح 1655) : إسناده صحيح، والقسم الأخير منه مرسل. وقد ورد معناه في أحاديث كثيرة موصولة ومرسلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 من الآثار الواردة في (الألفة) 1- * (عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدا، فلمّا رأى ذلك ابنه عبد الله بن عمرو قال: يا أبا عبد الله ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدنيك ويستعملك؟ قال: أي بنيّ! قد كان ذلك وسأخبرك عن ذلك. إنّي والله ما أدري «أحبّا ذلك أم تألّفا يتألّفني» ولكن أشهد على رجلين أنّه قد فارق الدّنيا وهو يحبّهما ابن سميّة وابن أمّ عبد، فلمّا حدّثه وضع يده موضع الغلال» من ذقنه وقال: اللهمّ أمرتنا فتركنا، ونهيتنا فركبنا، ولا يسعنا إلّا مغفرتك، وكانت تلك هجّيراه «2» حتّى مات) * «3» . 2- * (قال أبو حاتم- رضي الله عنه- سبب ائتلاف النّاس وافتراقهم- بعد القضاء السّابق- هو تعارف الرّوحين. وتناكر الرّوحين، فإذا تعارف الرّوحان وجدت الألفة بين نفسيهما، وإذا تناكر الرّوحان وجدت الفرقة بين جسميهما) * «4» . 3- * (عن مجاهد قال: رأى ابن عبّاس- رضي الله عنهما- رجلا فقال: «إنّ هذا ليحبّني، قالوا: وما علمك؟ قال: إنّي لأحبّه، والأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) * «5» . 4- * (قال مالك- رضي الله عنه- «النّاس أشكال كأجناس الطّير، الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبطّ مع البطّ، والصّعو مع الصّعو، وكلّ إنسان مع شكله» ) * «6» . 5- * (قال أبو حاتم- رضي الله عنه- إنّ من النّاس من إذا رآه المرء يعجب به، فإذا ازداد به علما ازداد به عجبا، ومنهم من يبغض حين يراه، ثمّ لا يزداد به علما إلّا إذا ازداد له مقتا، فاتّفاقهما يكون باتّفاق الرّوحين قديما. وافتراقهما يكون بافتراقهما، وإذا ائتلفا ثمّ افترقا فراق حياة من غير بغض حادث، أو فراق ممات، فهنالك الموت الفظيع، والأسف الوجيع، ولا يكون موقف أطول غمّة، وأظهر حسرة وأدوم كآبة، وأشدّ تأسّفا، وأكثر تلهّفا من موقف الفراق بين المتواخيين، وما ذاق ذائق طعما أمرّ من فراق الخلّين، وانصرام القرينين) * «7» . 6- * (وفي لفظ لابن جرير، فلمّا كان من أمر عائشة ما كان. فتشاور الحيّان قال بعضهم لبعض: موعدكم الحرّة، فخرجوا إليها، فنزلت هذه الآية وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) (آل عمران/ 103) * «8» . 7- * (عن ابن إسحق قال: كانت الحرب بين   (1) الغلال: هو ما يوضع في عنق الأسير. (2) هجّيراه: أي دأبه وشأنه وعادته. (3) أحمد (4/ 199، 200) . (4) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (154) . (5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) الدر المنثور (2/ 287) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة، حتّى قام الإسلام وهم على ذلك، فكانت حربهم بينهم وهم إخوان لأب وأمّ، فلم يسمع بقوم كان بينهم من العداوة والحرب ما كان بينهم ثمّ إنّ الله- عزّ وجلّ- أطفأ ذلك بالإسلام، وألّف بينهم برسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 8- * (وعن قتادة في قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ 103) إذ كنتم تذابحون فيها يأكل شديدكم ضعيفكم، حتّى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم، وألّف به بينكم. أما والله الّذي لا إله إلّا هو إنّ الألفة لرحمة، وإنّ الفرقة لعذاب) * «2» . 9- * (وقال أبو جعفر: يعني بقوله- جلّ ثناؤه- وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ واذكروا ما أنعم الله به عليكم من الألفة والاجتماع على الإسلام. واذكروا أيّها المؤمنون، نعمة الله عليكم الّتي أنعم بها عليكم، حين كنتم أعداء في شرككم، يقتل بعضكم بعضا عصبيّة في غير طاعة الله ولا طاعة رسوله فألّف الله بالإسلام بين قلوبكم. فجعل بعضكم لبعض إخوانا بعد إذ كنتم أعداء تتواصلون بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه) * «3» . 10- * (وقال أبو جعفر في قوله تعالى: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، فإنّه يعني: فأصبحتم بتأليف الله- عزّ وجلّ- بينكم بالإسلام وكلمة الحقّ، والتّعاون على نصرة أهل الإيمان، والتّآزر على من خالفكم من أهل الكفر، إخوانا متصادقين، لا ضغائن بينكم ولا تحاسد) * «4» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: النّعمة تكفر، والرّحم تقطع، وإنّ الله تعالى: إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ثمّ تلا لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (الأنفال/ 63)) * «5» . 12- * (عن مجاهد- رضي الله عنه- قال: إذا لقي الرّجل أخاه فصافحه، تحاتّت «6» الذّنوب بينهما كما ينثر الرّيح الورق، فقال رجل: إنّ هذا من العمل اليسير. فقال: ألم تسمع الله قال: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) * «7» . 13- * (عن ابن إسحق في قوله تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وألّف بين قلوبهم على الهدى الّذي بعثك به إليهم بدينه الّذي جمعهم عليه، يعني الأوس والخزرج) * «8» . 14- * (عن الوليد بن أبي مغيث، عن مجاهد   (1) تفسير الطبري (3/ 381) ، الدر المنثور (2/ 287) . (2) الدر المنثور (2/ 287) . تفسير الطبري (3/ 381) . (3) تفسير الطبري (3/ 380) . (4) المرجع السابق (3/ 383) . (5) الدر المنثور (4/ 100) . (6) تحاتّت: أي تساقطت. (7) المرجع السابق (4/ 100) . (8) تفسير الطبري (6/ 280) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما، قال قلت لمجاهد: بمصافحة يغفر لهما؟ فقال مجاهد: أما سمعته يقول: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ؟ فقال الوليد لمجاهد: أنت أعلم منّي) * «1» . 15- * (عن السّدّيّ في قوله تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، قال: هؤلاء الأنصار، ألّف بين قلوبهم من بعد حرب، فيما كان بينهم) * «2» . 16- * (عن عبد الله قال: نزلت هذه الآية في المتحابّين في الله: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) * «3» . 17- * (عن الأوزاعيّ قال: كتب إليّ قتادة: إن يكن الدّهر فرّق بيننا فإنّ ألفة الله الّذي ألّف بين المسلمين قريب) * «4» . 18- * (قال أحد الشّعراء (أحمد بن محمّد بن أبي بكر الأنباريّ) : إنّ القلوب لأجناد مجنّدة ... لله في الأرض بالأهواء تعترف فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر منها فهو مختلف) * «5» . 19- * (وقال منصور بن محمّد الكريزيّ: فما تبصر العينان والقلب آلف ... ولا القلب والعينان منطبقان ولكن هما روحان تعرض ذي لذي ... فيعرف هذا ذي فيلتقيان) * 6. 20- * (وقال المنتصر بن بلال الأنصاريّ: يزين الفتى في قومه ويشينه ... وفي غيرهم أخدانه ومداخله لكلّ امريء شكل من النّاس مثله ... وكلّ امرئ يهوي إلى من يشاكله) * «7» . 21- * (وقال محمّد بن عبد الله بن زنجيّ البغداديّ: إن كنت حلت، وبي استبدلت مطّرحا ... ودّا، فلم تأت مكروها ولا بدعا فكلّ طير إلى الأشكال موقعها ... والفرع يجري إلى الأعراق منتزعا) * 8 22- * (وقال محمّد بن إسحاق بن حبيب الواسطيّ: تعارف أرواح الرّجال إذا التقوا ... فمنهم عدوّ يتّقى وخليل كذاك أمور النّاس والنّاس منهم ... خفيف إذا صاحبته وثقيل) * «9» . 23- * (وقال أحمد بن عبد الأعلى الشّيبانيّ:   (1) تفسير الطبري (6/ 380) . (2) المرجع السابق نفسه. (3) المرجع السابق (6/ 381) . (4) الدر المنثور (4/ 101) . 5، 6 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (154) . 7، 8 المرجع السابق نفسه (155) . (9) المرجع السابق، والبيت الأول ينسب إلى الشاعر الجاهلي (طرفة بن العبد) ، انظر ديوانه (ص 121) بتحقيق د. علي الجندي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 فيا عجبا ممّن يمدّ يمينه ... إلى إلفه عند الفراق فيسرع ضعفت عن التّوديع لمّا رأيته ... فصافحته بالقلب، والعين تدمع) * «1» . من فوائد (الألفة) 1- ألفة الصّالحين بشارة. 2- تفيد الاجتماع والقوّة. 3- تحقّق الاجتماع على الخير. 4- دليل البراءة من النّفاق. 5- دليل وجود الخير فيمن يألف ويؤلف. 6- محبّة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين. 7- تحقّق التّماسك الاجتماعيّ وتشيع روح المودّة بين المسلمين. 8- داعية إلى التّناصر وسلامة المجتمع المسلم. 9- توفّر جوّا اجتماعيّا سليما لنموّ الإنسان المسلم نموّا سليما في إطار مبادئ الإسلام. 10- داعية إلى التوحّد الاجتماعيّ ونبذ أسباب الفرقة والمعاداة. 11- تشيع التّعاون بين المسلمين، وفي ذلك مدعاة لرضا الله- تعالى- ثمّ رضا النّاس.   (1) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (157) . رقم الإيداع: 1179/ 18 ردمك:- 00- 838- 9960 (مجموعة) 6- 02- 838- 9960 (ج 2) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 المجلد الثالث موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم الإشراف العام صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير دار الوسيلة للنشر والتوزيع لجنة الإعداد: بإشراف الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد أ. محمد أحمد سيد أحمد أ. محمد إسماعيل السيد أحمد أ. صلاح محمد عرفات أ. ناصر مهلل محمد حامد لجنة المراجعة والضبط: بإشراف أ. د. على خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي د. عزت عبد الحميد إبراهيم د. أحمد علي محمود ربيع د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد د. يس إبراهيم عفيفي لجنة اللغة والتدقيق والفهرسة: بإشراف أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة العربية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أ. د. عبد الصبور السيد أحمد الغندور أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أ. د. محمد أحمد حسب الله أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أ. د. سيد أحمد طهطاوي أ. د. سعيد محمد صوابي أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن د. أحمد كامل صالح د. فراج جودة فراج د. عاصم بدري حسين أ. سبيع حمزة حاكمي أ. أحمد شعبان الباسل أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي أ. فؤاد محمد نور أبو الخير إعداد السيرة النبوية: أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا إعداد السيرة النبوية: أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي استاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا إعداد المقدمة التربوية: أ. د. علي خليل أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية الإدارة والمتابعة: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح فؤاد محمد نور أبو الخير برامج الحاسب الآلي: م. ناظم يحيى عبد الرازق م. نبيل أكرم نوح الجمع والتنضيد بإشراف: توني نجيب زيدان أحمد طارق علي بيومي هاني محمد أحمد فرج كمال حمزة أحمد يوسف عبد الباقي محمود مصطفى سعد محمد محمد رضا محمد محمود كمال مصطفي أبو زيد عبد الإله محمود عساف الجزء: 3 [من شارك في إعداد هذه الموسوعة] بعون الله تعالى وتوفيقه شارك في إعداد هذه الموسوعة 1- الشيخ أ. د. صالح بن عبد الله بن حميد خطيب وإمام الحرم المكي، وعضو مجلس الشورى، وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا. 2- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام مؤسسة بن ملّوح التجارية وفروعها دار الوسيلة للنشر والتوزيع ومؤسسة الصيانة الوقائية الشاملة- جدة. 3- أ. فؤاد محمد نور أبو الخير نائب مدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ونائب مدير عام مدارس الثغر النموذجية سابقا، ومدير القسم المتوسط والثانوي بمدارس دار الفكر سابقا. 4- أ. د. علي خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق فرع بنها، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة سابقا. 5- أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 6- أ. د. حسام الدين قوام الدين السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا. 7- أ. د. محمد أحمد حسب الله أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 8- أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمات بالطائف. 9- أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي أستاذ البلاغة بكلية اللغة العربية بالمنوفية. 10- أ. د. عبد الصبور السيد الغندور أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 11- أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 12- أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أستاذ الأدب المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وكلية التربية بالطائف. 13- أ. د. سعيد محمد صوابي أستاذ علوم الحديث المشارك بجامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 14- أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن أستاذ التربية الإسلامية المشارك بكلية التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة، وكلية المعلمين بالطائف. 15- أ. د. السيد أحمد طهطاوي أستاذ أصول التربية المشارك بجامعة أسيوط، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 16- د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد أستاذ البلاغة والنقد المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة. 17- د. أحمد علي محمود ربيع أستاذ أصول اللغة المساعد بجامعة الأزهر، وجامعة كوالالامبور بماليزيا. 18- د. أحمد كامل محمد صالح أستاذ التاريخ المساعد بكلية دار العلوم بالقاهرة، وكلية التربية بجامعة أم القرى- فرع الطائف. 19- د. عزت عبد الحميد إبراهيم أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمين بعرعر بالمملكة العربية السعودية. 20- د. عاصم بدري حسين أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية المعلمات بالطائف. 21- د. فراج جودة فراج أستاذ المساعد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكلية التربية بالطائف. 22- د. يس إبراهيم عفيفي دكتوراة في اللغويات من جامعة الأزهر. 23- أ. سمير محمد عبد التواب وكيل وزارة الإعلام بالقاهرة سابقا. 24- أ. صلاح محمد عرفات المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة. 25- أ. محمد أحمد سيد أحمد المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة. 26- أ. محمد إسماعيل السيد أحمد المحاضر بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 27- أ. ناصر مهلل محمد حامد خريج معهد الدعاة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. 28- أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط محقق تراث، الجمهورية العربية السورية. 29- أ. سبيع حمزة حاكمي محقق تراث، الجمهورية العربية السورية. 30- أ. أحمد شعبان الباسل المحاضر بكلية التربية- فرع جامعة أم القرى. 31- أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي تخصص القراءات (دبلوم في الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق بالقاهرة) . الجزء: 3 محتويات المجلد الثالث م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة تابع حرف الألف 30/ الأمانة/ 507 31/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/ 525 32/ الإنابة/ 540 33/ الإنذار/ 547 34/ الإنصاف/ 576 35/ الإنفاق/ 598 36/ الإيثار/ 629 37/ الإيمان/ 641 حرف الباء 38/ البر/ 750 39/ بر الوالدين/ 767 40/ البشارة/ 780 41/ البشاشة/ 812 42/ البصيرة والفراسة/ 823 43/ البكاء/ 833 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة حرف التاء 44/ التأمل/ 843 45/ التأني/ 864 46/ التبتل/ 872 47/ التبليغ والتبيين/ 876 48/ التبين (التثبت) / 901 49/ التدبر/ 909 50/ التذكر/ 916 51/ تذكر الموت/ 931 52/ التذكير/ 968 53/ التسبيح/ 980 54/ التعارف/ 1004 55/ التعاون على البر والتقوى/ 1008 56/ تعظيم الحرمات/ 1028 57/ التفاؤل/ 1045 الجزء: 3 [تابع حرف الألف] الأمانة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 16/ 30/ 10 الأمانة لغة: الأمانة مصدر قولهم: أمن يأمن أمانة أي صار أمينا، وهو مأخوذ من مادّة (أم ن) الّتي تدلّ على سكون القلب، ويقال: أمنت الرّجل أمنا وأمنة وأمانا وآمنني يؤمنني إيمانا، ورجل أمنة: إذا كان يأمنه النّاس ولا يخافون غائلته، وأمنة بالفتح إذا كان يصدّق ما سمع ولا يكذّب بشيء، وقال الجوهريّ: الأمنة: الّذي يصدّق بكلّ شيء وكذلك الأمنة مثال الهمزة، واستأمن إليه دخل في أمانه. وقال ابن منظور: الأمان والأمانة بمعنى، والأمانة: ضدّ الخيانة. وقال ابن الأثير: الأمنة جمع أمين، وهو الحافظ. وقوله- عزّ وجلّ-: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً (البقرة/ 125) قال أبو إسحاق: أراد ذا أمن، فهو آمن وأمن وأمين. ورجل أمن وأمين بمعنى واحد. ويقال: أمنته على كذا، وائتمنته بمعنى. وتقول: اؤتمن فلان على ما لم يسمّ فاعله، فإن ابتدأت به صيّرت الهمزة الثّانية واوا فنقول: أؤتمن. وقال الرّاغب: والأمن والأمان والأمانة في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسما للحالة الّتي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة (تجعل الأمانة) اسما لما يؤمن عليه الإنسان، نحو قوله تعالى وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 27) أي ما ائتمنتم عليه، وقول الله سبحانه إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (الأحزاب/ 72) قيل هي كلمة التّوحيد وقيل: العدالة، وقيل: حروف التّهجّي، وقيل: العقل وهو صحيح؛ فإنّ العقل هو الّذي لحصوله يتحصّل معرفة التّوحيد وتجري العدالة وتعرف حروف التّهجّي، بل لحصوله تعلّم كلّ ما في طوق البشر تعلّمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فضّل (الإنسان) على كثير ممّن خلقه «1» . وقال الطّبريّ: اختلف في معنى هذه الآية الكريمة، فقال بعضهم: المعنى أنّ الله تبارك وتعالى عرض طاعته وفرائضه على السّموات والأرض والجبال على أنّها إن أحسنت أثيبت وجوزيت، وإن ضيّعت عوقبت، فأبت حملها شفقا منها ألّا تقوم بالواجب عليها، وحملها آدم، إنّه كان ظلوما لنفسه، جهولا بالّذي فيه الحظّ له، وقد استدلّ أبو جعفر على ذلك   (1) (الصحاح (5/ 2071) ، ولسان العرب (13/ 21، 22) مختصرا. ومفردات الراغب (29) ، ومقاييس اللغة (1/ 133) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 بما روي عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وغيره من أنّ الأمانة في الآية الكريمة هي الفرائض الّتي افترضها الله على عباده، وبما روي عنه أيضا من قوله (أي ابن عبّاس) الأمانة: الطّاعة عرضها الله عليها أي على السّموات والأرض والجبال قبل أن يعرضها على آدم، فلم تطقها، فقال لآدم: يا آدم، إنّي قد عرضت الأمانة على السّموات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت آخذها بما فيها؟ فقال: يا ربّ وما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت فأخذها آدم فتحمّلها» «1» ، قال الطّبريّ: وقال آخرون: عني بالأمانة في هذا الموضع أمانات النّاس، وذهب فريق ثالث إلى أنّ المراد بالأمانة هنا ائتمان آدم عليه الصّلاة والسّلام ابنه قابيل على أهله وولده «2» ، وأولى هذه الأقوال بالصّواب ما قاله الّذين قالوا إنّه عني بالأمانة في هذا الموضع جميع معاني الأمانات في الدّين، وأمانات النّاس، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ لم يخصّ بقوله «عرضنا الأمانة» بعض معاني الأمانات دون بعض «3» . وقال القرطبيّ: «الأمانة تعمّ جميع وظائف الدّين، ونسب هذا القول لجمهور المفسّرين، فالأمانة هي الفرائض الّتي ائتمن الله عليها العباد، واختلف في تفاصيل بعضها على أقوال: فقيل هي أمانات الأموال كالودائع وغيرها وقيل: في كلّ الفرائض، وأشدّها أمانة المال، وقيل: من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها، وقال بعضهم: غسل الجنابة أمانة، وقيل: الأمانة هي الصّلاة (إن شئت قلت: صلّيت، وإن شئت قلت: لم أصلّ) ، وكذلك الصّيام وغسل الجنابة، وعلى ذلك فالفرج أمانة «4» ، والأذن أمانة، والعين أمانة، واللّسان أمانة، والبطن أمانة واليد أمانة، والرّجل أمانة، قال: «ولا إيمان لمن لا أمانة له» «5» ، وقيل: هذه الأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السّموات والأرض والجبال والخلق من الدّلائل على ربوبيّته أن يظهروها فأظهروها إلّا الإنسان فإنّه كتمها وجحدها، والمراد بالإنسان على ذلك هو الكافر والمنافق «6» . أمّا ما جاء في الحديث: «المؤذّن مؤتمن» ، أراد به: مؤتمن القوم الّذي يثقون إليه، ويتّخذونه أمينا حافظا. والأمانة تقع على الطّاعة والعبادة والوديعة والثّقة والأمان. ويقال: رجل أمين وأمّان أي له دين. وقيل: مأمون به ثقة. قال الأعشى: ولقد شهدت التّاجر ال ... أمّان مورودا شرابه والتّاجر الأمّان بالضّمّ والتّشديد: هو الأمين «7» . وقال ابن الأنباريّ: والأمين من حروف الأضداد، يقال: فلان أمين، أي مؤتمن، وفلان   (1) تفسير الطبري المجلد العاشر ح 22 ص 38، 39. (2) ذكر القرطبي أن الحكيم الترمذي قد اعترض على هذا الرأي، وتعجب من قائله لأن الآثار وظاهر النص وباطنه، كل ذلك يتعارض معه تعارضا واضحا، قلت: والأمر كما قال. انظر تفسير القرطبي 14/ 256. (3) المرجع السابق (ص 49) . (4) أي حفظ الفرج. (5) أي لمن لم يحفظ هذه الأمانات التي استودعها الله إياه. (6) انظر هذه الآراء وغيرها في تفسير القرطبي 14/ 253- 258. (7) النهاية في غريب الحديث 1/ 71 ولسان العرب 13/ 22. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 أميني، أي مؤتمني الّذي أأتمنه على أمري، قال الشّاعر: ألم تعلمي يا أسم ويحك أنّني ... حلفت يمينا لا أخون أميني أي مؤتمني» . واصطلاحا: قال الكفويّ: الأمانة: كلّ ما افترض الله على العباد فهو أمانة كالصّلاة والزّكاة والصّيام وأداء الدّين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار، وقال في موضع آخر: كلّ ما يؤتمن عليه من أموال وحرم وأسرار فهو أمانة «2» . وقيل: هي خلق ثابت في النّفس يعفّ به الإنسان عمّا ليس له به حقّ، وإن تهيّأت له ظروف العدوان عليه دون أن يكون عرضة للإدانة عند النّاس، ويؤدّي به ما عليه أو لديه من حقّ لغيره، وإن استطاع أن يهضمه دون أن يكون عرضة للإدانة عند النّاس. وهي أحد الفروع الخلقيّة لحبّ الحقّ وإيثاره وهي ضدّ الخيانة. وقد ظهر من تعريف الأمانة أنّها تشتمل على ثلاثة عناصر. الأوّل: عفّة الأمين عمّا ليس له به حقّ. الثّاني: تأدية الأمين ما يجب عليه من حقّ لغيره. الثّالث: اهتمام الأمين بحفظ ما استؤمن عليه، وعدم التّفريط بها والتّهاون بشأنها «3» . أي بالأمانة. أمانة الرسل: والأمانة من أبرز أخلاق الرّسل- عليهم الصّلاة والسّلام-. فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب- في سورة الشّعراء- يخبرنا الله- عزّ وجلّ- أنّ كلّ رسول من هؤلاء قد قال لقومه: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ*. ورسولنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد كان في قومه قبل الرّسالة وبعدها مشهورا بينهم بأنّه الأمين. وكان النّاس يختارونه لحفظ ودائعهم عنده. ولمّا هاجر صلّى الله عليه وسلّم وكلّ عليّ بن أبي طالب بردّ الودائع إلى أصحابها. وجبريل- عليه السّلام- أمين الوحي، وقد وصفه الله بذلك في قوله- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (الشعراء/ 192- 194) . مجالات الأمانة: والمجالات الّتي تدخل فيها الأمانة كثيرة منها: الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة ونقل الحديث والأسرار والرّسالات والسّمع والبصر وسائر الحواسّ، ولكلّ واحدة من التّفصيل ما يناسبها «4» .   (1) الأضداد (24) . (2) الكليات للكفوي (176، 186) بتصرف يسير. (3) الأخلاق الإسلامية وأسسها (1/ 646- 647) . (4) الأخلاق الإسلامية وأسسها (1/ 646، 647) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 الأمانة والتّكليف: قال النّيسابوريّ: الأمانة هي الطّاعة وهي التّكليف، ثمّ ذكر أنّ التّكليف هو الأمر بخلاف ما في الطّبيعة «1» ، وهذا النّوع ليس في السّموات والأرض والجبال، لأنّ السّموات لا يطلب منها الهبوط، والأرض لا يطلب منها الصّعود ولا الحركة، والجبال لا يطلب منها السّير، وكذا الملائكة مهتمّون بالتّسبيح والتّقديس، (وإنّما في الإنسان وحده) ، وسمّي التّكليف أمانة لأنّ من قصّر فيه فعليه الغرامة ومن أدّاه فله الكرامة، وعرض الأمانة بهذا المعنى على هذه الأجرام وإباؤها من حملها هو لعدم صلوحها لهذا الأمر، وقد خصّ بعضهم التّكليف بقول: «لا إله إلّا الله عزّ وجلّ، قال النّيسابوري: والأظهر عندي أنّ الأمانة هي الاستعداد الّذي جبل كلّ نوع من المخلوقات عليه، وحمل الأمانة عبارة عن عدم أداء حقّها، كما يقال: فلان ركب عليه الدّين، فكلّ من أخرج ما في قوّته إلى الفعل فهو مؤدّ للأمانة وقاض حقّها، وإلّا فهو حامل لها، ولا ريب أنّ السّموات مسخّرات بأمر الله كلّ يجري لأجل مسمّي، والأرض ثابتة في مستقرّها، والجبال راسخة في أمكنتها، وهكذا كلّ نوع إلّا الإنسان، فإنّ كثيرا من الأشخاص، بل أكثرها مائلة إلى أسفل سافلين، فلا جرم إن لم يقض حقّ الأمانة وانحطّ إلى رتبة الأنعام، فوصف بالظّلوميّة لأنّه صرف الاستعداد في غير ما خلق لأجله، وبالجهوليّة لأنّه جهل عاقبة إفساد الاستعداد، أو علم ولم يعمل بعلمه، فنفي عنه العلم لانتفاء ثمرته، وعلى ذلك فالمراد بالإنسان هو الآدميّون، وحمل الشّيء على بعض الجنس يكفي في صدقه على الجنس كلّه» «2» . لقد ذكر كثير من المفسّرين ما يؤيّد أنّ الأمانة هي التّكليف عند ما قال: إنّ ما كلّفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله أنّه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه فأبى محمله، وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته، قال أبو حيّان: أي أنّ الإنسان لم يكن حاله- فيما يصحّ منه من الانقياد لأوامر الله ونواهيه، وهو حيوان صالح للتّكليف- مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد «3» ، وقال ابن كثير: ما قيل في الآية الكريمة من الأقوال العديدة لا تنافي بينها، بل هي متّفقة وراجعة إلى أنّها التّكليف وقبول الأوامر والنّواهي بشرطها، وهو أنّه إن قام بذلك أثيب، وإن تركها عوقب» «4» .   (1) المراد بذلك: الأمر بما فيه حرية واختيار للمخلوق بخلاف ما يكون في طبيعة المخلوقات من إحداث أمور لا اختيار لها فيها. (2) تفسير النيسابوري (بهامش الطبري) مجلد 10 ح 22 ص 34، 35 (3) البحر المحيط لأبي حيان 7/ 244 (باختصار وتصرف) . (4) تفسير ابن كثير 3/ 530، وتجدر الإشارة إلى أن ابن كثير قد سبق الأستاذ العقاد بهذا الرأي وهو أن المراد بالأمانة هو التكليف وأن من لم يذكر ذلك من المفسرين بنصه ذكره بمقتضياته ومتعلقاته انظر: الإنسان في القرآن ص 42. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 الأمانة في القرآن الكريم: ذكر ابن الجوزيّ- نقلا عن بعض المفسّرين أنّ الأمانة في القرآن الكريم على ثلاثة أو جه: أحدها: الفرائض ومنه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 27) . الثّاني: الوديعة، ومنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (النساء/ 58) . الثّالث: العفّة (والصّيانة) ، ومنه قوله تعالى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (القصص/ 26) «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- إقامة الشهادة- الاستقامة- النزاهة- التبليغ- الصدق كتمان السر- العفة- المسئولية- الورع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الخيانة- إفشاء السر- التهاون- شهادة الزور- التطفيف- الغلول التنصل من المسئولية- الكذب- نقض العهد] .   (1) نزهة الأعين النواظر (1/ 105، 106) ، وقد أضفنا إلى الوجه الثالث لفظ (والصيانة) نقلا عن الفيروزابادي في البصائر (2/ 153) ولم يذكر (الفيروزابادي) سوى الوجهين الأول والثالث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 الآيات الواردة في «الأمانة» أولا: ما يؤتمن عليه الإنسان من ودائع ونحوها: 1- وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «1» 2- وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) «2» 3- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «3» 4- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (57) «4» 5- فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) «5» 6- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «6»   (1) البقرة: 283 مدنية (2) آل عمران: 75 مدنية (3) النساء: 58 مدنية (4) يوسف: 54- 57 مكية (5) يوسف: 63- 64 مكية (6) المؤمنون: 1- 11 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 7- إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «1» ثانيا: ما يؤمن عليه الإنسان من الفرائض والتكاليف: 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) «2» 9- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «3» ثالثا: ما يؤمن عليه الإنسان من الأعراض (العفة والصيانة) والتكاليف: 10- قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «4» 11- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)   (1) المعارج: 19- 35 مكية (2) الأنفال: 27- 28 مدنية (3) الأحزاب: 72- 73 مدنية (4) النمل: 38- 40 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) «1» رابعا: ما يؤتمن عليه الرسل والملائكة في التبليغ عن المولى- عز وجل-: 12- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «2» 13- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) «3» 14- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) «4» 15- وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19) «5» 16- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) «6»   (1) القصص: 20- 26 مكية (2) الأعراف: 65- 68 مكية (3) الشعراء: 105- 110 مكية (4) الشعراء: 123- 127 مكية (5) الدخان: 17- 19 مكية (6) التكوير: 19- 21 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 الأحاديث الواردة في (الأمانة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب في حجّة الوداع فكان ممّا قال: «اتّقوا الله في النّساء؛ فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله. وإنّ لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ... الحديث» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «أخبرني أبو سفيان أنّ هرقل قال له: سألتك ماذا يأمركم فزعمت أنّه يأمر بالصّلاة والصّدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة نبيّ» ) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» ) * «4» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حدّث الرّجل الحديث ثمّ التفت فهي أمانة» ) * «5» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ) * «6» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإمام ضامن «7» والمؤذّن مؤتمن» . اللهم أرشد الأئمّة واغفر للمؤذّنين» ) * «9» . 8- * (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ- رضي الله عنهما-: أنّ أباه استشهد يوم أحد وترك ستّ بنات وترك عليه دينا. فلمّا حضره جذاذ النّخل «10» أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، قد علمت أنّ والدي استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا وإنّي   (1) البخاري- الفتح 1 (33) ، مسلم (59) . (2) مسلم (1218) وبدل (بأمانة الله) قوله (بأمان الله) . (3) البخاري- الفتح 1 (6) ، ومسلم (1773) . (4) أبو داود (3535) والترمذى (1264) وقال حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (1/ 323) : حديث صحيح. (5) الترمذي 4 (1959) وقال: هذا حديث حسن. أبو داود 4 (4868) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 922) : حسن وهو في الصحيحة برقم (1089) وفي صحيح الجامع (486) . (6) البخاري- الفتح 1 (34) واللفظ له، ومسلم (58) . (7) ضامن: المراد ضمان الحفظ والرعاية لأنه يحفظ على القوم صلاتهم. (8) يعنى أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم. (9) الترمذي 1 (207) وقال: وفي الباب عن عائشة وسهل ابن سعد وعقبة بن عامر: وقد علق الشيخ أحمد شاكر على هذا الحديث بقوله حديث صحيح ثابت (1/ 403- 405 حاشية) . ورواه أبو داود (517) وأحمد في المسند (2/ 377، 378، 419، 514) وقال محقق جامع الأصول (9/ 413) : وهو حديث صحيح. (10) هنا جذاذ- بذالين معجمتين- وهو نص فتح الباري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 أحبّ أن يراك الغرماء. قال: «اذهب فبيدر كلّ تمر على ناحية. ففعلت ثمّ دعوته فلمّا نظروا إليه أغروا بي تلك السّاعة. فلمّا رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا «1» ثلاث مرّات. ثمّ جلس عليه ثمّ قال: «ادع أصحابك» فما زال يكيل لهم حتّى أدّى الله أمانة والدي. وأنا والله راض أن يؤدّي الله أمانة والدي، ولا أرجع إلى أخواتي تمرة. فسلم- والله- البيادر كلّها حتّى إنّي أنظر إلى البيدر الّذي عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّه لم ينقص تمرة واحدة» ) * «2» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يبغض الفحش والتّفحّش. والّذي نفس محمّد بيده لا تقوم السّاعة حتّى يخوّن الأمين، ويؤتمن الخائن. حتّى يظهر الفحش والتّفحّش. وقطيعة الأرحام. وسوء الجوار. والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل القطعة من الذّهب، نفخ عليها صاحبها فلم تغيّر ولم تنقص. والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل النّحلة أكلت طيّبا. ووضعت طيّبا. ووقعت فلم تكسر ولم تفسد» . قال وقال: «ألا إنّ لي حوضا ما بين ناحيتيه كما بين أيلة إلى مكّة» ، أو قال: «صنعاء إلى المدينة، وإنّ فيه من الأباريق مثل الكواكب، هو أشدّ بياضا من اللّبن وأحلى من العسل. من شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا» ) * «3» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لي على قريش حقّا، وإنّ لقريش عليكم حقّا، ما حكموا فعدلوا، وأتمنوا فأدّوا، واسترحموا فرحموا» ) * «4» . 11- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الأمانة «5» عند الله يوم القيامة: الرّجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثمّ ينشر سرّها» . وفي رواية: «من أشرّ النّاس» ) * «6» . 12- * (عن أمّ سلمة- رضي الله تعالى عنها- في حديث هجرة الحبشة، ومن كلام جعفر في مخاطبة   (2781) من الجذ وهو القطع لكن رواه العيني في عمدة القاري كتاب الوصايا مجلد 7 ج 14 ص 77 حضر «جداد» بدالين مهملتين وبفتح الجيم وكسرها قال: وهو صرام النخل وهو قطع ثمرتها، وفي لسان العرب أن الجداد- بفتح الجيم. وكسرها: أوان الصرام، ولعله المناسب هنا. (1) فبيدر: بيدر الحنطة ونحوها كوّمها، والبيدر: الجرن من القمح ونحوه. (2) قال أبو عبد الله: أغروا بي: يعني هيجوا بي وفي عمدة القاري: أي لجّوا في مطالبتي وألحوا فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ. البخاري- الفتح 5 (2781) . (3) مسند أحمد (2/ 162، 199، 238) وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 90) : إسناده صحيح. وروى ابن ماجة 2 (4036) نحوه عن أبي هريرة. (4) مسند أحمد (2/ 270) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (14/ 72) : إسناده صحيح وهو في مجمع الزوائد: 5/ 1920، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. (5) إن من أعظم الأمانة: على حذف المضاف، أي أعظم خيانة الأمانة. (6) مسلم (1437) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 النّجاشيّ. فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوىّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث. وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام. فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث» ) * «1» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما النّبي صلّى الله عليه وسلّم في مجلس يحدّث القوم جاء أعرابيّ فقال: متى السّاعة؟ فمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدّث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتّى إذا قضى حديثه قال: «أين أراه السّائل عن السّاعة؟» قال: ها أنا يا رسول الله. قال: «فإذا ضيّعت الأمانة فانتظر السّاعة» . قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر السّاعة» ) * «2» . 14- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدّثنا أنّ الأمانة «3» نزلت في جذر قلوب الرّجال، ثمّ علموا من القرآن ثمّ علموا من السّنّة. وحدّثنا عن رفعها. قال: «ينام الرّجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظلّ أثرها مثل أثر الوكت «4» . ثمّ ينام النّومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل «5» ، كجمر دحرجته على رجلك فنفط «6» . فتراه منتبرا «7» وليس فيه شيء، ويصبح النّاس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدّي الأمانة، فيقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا. ويقال للرّجل ما أعقله، وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ زمان ولا أبالي أيّكم بايعت «8» . لئن كان مسلما ردّه عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيّا ردّه عليّ ساعيه، وأمّا اليوم فما كنت أبايع إلّا فلانا وفلانا» ) * «9» .   (1) أحمد (1/ 202) وقال المحقق الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح، وهو في سيرة ابن هشام (217- 221) عن ابن إسحاق. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. (2) البخاري- الفتح 1 (59) . (3) الأمانة: المقصود هنا التكليف الذي كلف الله به العباد. (4) الوكت: هو الأثر اليسير أو سواد يسير. (5) المجل: أثر العمل في اليد. (6) نفط: إذا صار بين الجلد واللحم ماء. (7) منتبرا: مرتفعا. (8) بايعت: المبايعة هنا البيع والشراء المعروفان. (9) البخاري- الفتح 13 (7086) ، مسلم (143) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 15- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الخازن الأمين الّذي يؤدّي ما أمر به طيّبة نفسه أحد المتصدّقين» ) * «1» . 16- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس من جاء بهنّ مع إيمان دخل الجنّة: من حافظ على الصّلوات الخمس على وضوئهنّ وركوعهنّ وسجودهنّ ومواقيتهنّ. وصام رمضان. وحجّ البيت إن استطاع إليه سبيلا وأعطى الزّكاة طيّبة بها نفسه. وأدّى الأمانة» . قالوا: يا أبا الدّرداء: وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة» ) * «2» . 17- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، فقال: «يا غلام، هل من لبن؟» قال قلت: نعم. ولكنّي مؤتمن. قال: «فهل من شاة لم ينز «3» عليها الفحل؟» فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر. ثمّ قال للضّرع: «اقلص» فقلص «4» . قال: ثمّ أتيته بعد هذا. فقلت: يا رسول الله، علّمني من هذا القول، قال: فمسح رأسي، وقال: «يرحمك الله، فإنّك غليّم معلّم» ) * «5» . 18- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف بكم، وبزمان يوشك أن يأتي يغربل النّاس «6» فيه غربلة، ثمّ تبقى حثالة «7» من النّاس قد مرجت «8» عهودهم وأماناتهم، فاختلفوا هكذا وشبّك بين أصابعه- قالوا: كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال: تأخذون بما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على خاصّتكم، وتذرون أمر عوامّكم» ) * «9» . 19- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأهل نجران: لأبعثنّ إليكم رجلا أمينا حقّ أمين. فاستشرف لها أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث أبا عبيدة» ) * «10» . 20- * (عن أمّ سلمة وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المستشار   (1) البخاري- الفتح 4 (2260) ، مسلم (1023) واللفظ للبخاري. (2) أبو داود (1/ 429) وقال الألباني (1/ 87) : حسن، وأورده في مجمع الزوائد (1/ 47) إلا أن السؤال وقع للنبي صلّى الله عليه وسلّم لا لأبي الدرداء وزاد بعدها: إن الله لم يأمن بني آدم على شيء من دينه غيرها، وقال رواه الطبراني في الكبير وإسناده جيد. (3) نزا عليها الفحل أي وثب. (4) فقلص: أي اجتمع. (5) مسند الإمام أحمد 5 (3598) بتحقيق أحمد شاكر (5/ 210) : إسناده صحيح. وجاء بإسناد بعده. قال: فأتاه أبو بكر بصخرة منقورة، فاحتلب فيها وشرب، وشرب أبو بكر وشربت. قال: ثم أتيته بعد ذلك. قلت: علمني من هذا القرآن، قال: إنك غلام معلم، قال: فأخذت من فيه سبعين سورة. (6) يغربل الناس: يذهب خيارهم ويبقى شرارهم. (7) حثالة من الناس: الحثالة الرديء من كل شيء. (8) مرجت: اختلفت وفسدت. (9) ابن ماجة (3958) واللفظ له، أبو داود برقم (4343) وقال الألباني (3/ 820) : حسن صحيح، وفي المسند تحقيق أحمد شاكر برقم (7049) وقال: حديث صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 6) : حديث صحيح. (10) البخاري- الفتح 13 (7254) ، ومسلم (2420) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 مؤتمن» ) * «1» . 21- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ أمّة أمين، وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة» ) * «2» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الملك في قريش والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد» يعني اليمن» ) * «3» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمؤمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم» ) * «4» . 24- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنّه كان يقول للرّجل إذا أراد سفرا: ادن منّي أودّعك كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يودّعنا: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك» ) * «5» . 25- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي. ثمّ قال: «يا أبا ذرّ إنّك ضعيف، وإنّها أمانة، وإنّها يوم القيامة خزي وندامة، إلّا من أخذها بحقّها وأدّى الّذي عليه فيها» ) * «6» . 26- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يجمع الله تبارك وتعالى النّاس فيقوم المؤمنون حتّى تزلف «7» لهم الجنّة. فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنّة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلّا خطيئة أبيكم آدم، لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنّما كنت خليلا من وراء وراء «8» ، اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليما. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه. فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم   (1) الترمذي (2822، 2823) وقال: هذا حديث حسن. وعن أم سلمة: غريب، وفي الباب عن ابن مسعود وابن عمر أيضا. ورواه أبو داود (5128) وقال محقق جامع الأصول (11/ 562) : وهو حديث حسن. (2) البخاري- الفتح 13 (7255) ، مسلم (2419) . (3) الترمذي 5 (3936) وساق سندا آخر عن أبي هريرة نحوه ولم يرفعه وقال الترمذي: وهذا أصح من حديث زيد بن حباب. ورواه أحمد (3/ 364) وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 310) : إسناده صحيح، وأشار السيوطي في الجامع الصغير إلى أنه حديث صحيح. (4) الترمذي 5 (2627) وقال: هذا حديث حسن صحيح، النسائي (8/ 104، 105) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 240) : إسناده قوي وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (26) وأورد من حديث أنس بلفظ نحوه. (5) الترمذي (3443) واللفظ له، وأبو داود (2600) وقال الألباني (2/ 493) : صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. (6) مسلم 3 (1825) . (7) تزلف: تقرب. (8) وراء وراء: كلمة مؤكدة كشذر مذر وشغر مغر. فركبهما وبناهما على الفتح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 فيقوم فيؤذن له. وترسل الأمانة والرّحم «1» فتقومان جنبتي الصّراط يمينا وشمالا. فيمرّ أوّلكم كالبرق» . قال قلت: بأبي أنت وأمّي أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟ ثمّ كمرّ الرّيح. ثمّ كمرّ الطّير، وشدّ الرّجال «2» . تجري بهم أعمالهم «3» . ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلّا زحفا» . قال: «وفي حافتي الصّراط كلاليب معلّقة مأمورة بأخذ من أمرت به. فمخدوش ناج ومكدوس «4» في النّار» ) * «5» . الأحاديث الواردة في (الأمانة) معنى 27- * (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العامل على الصّدقة بالحقّ كالغازي في سبيل الله حتّى يرجع إلى بيته» ) * «6» . 28- * (عن أبي زرارة عديّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة، قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأنّي أنظر إليه. فقال: يا رسول الله اقبل عنّي عملك، قال: وما لك؟ قال: سمعتك تقول: كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن. من استعملناه منكم على عمل فليجأ بقليله وكثيرة. فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى» ) * «7» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الأمانة) 29- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اليمن بذهيبة «8» في أديم مقروظ «9» ، لم تحصّل من ترابها «10» . قال فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع إمّا علقمة وإمّا عامر بن الطّفيل. فقال رجل   (1) وترسل الأمانة والرحم: إرسال الأمانة والرحم لعظم أمرهما وكبير موقعهما. فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى. (2) شد الرجال: الشد هو العدو البالغ الجري. (3) تجري بهم أعمالهم: هو تفسير لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيمر أولكم كالبرق» ثم كمر الريح ... (4) مكدوس في النار: أي مدفوع فيها. (5) مسلم (195) (6) الحاكم (1/ 406) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (7) مسلم (1833) واللفظ له، أبو داود (3581) . (8) ذهيبة: تصغير ذهبة وأنثها على معنى القطعة. (9) أديم مقروظ: أي في جلد مدبوغ بالقرظ، والقرظ حب يؤخذ من ثمر شجر العضاه. (10) لم تحصّل من ترابها: لم تميز ولم تصفّ من تراب معدنها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين «1» ، ناشز الجبهة «2» كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار. فقال: يا رسول الله اتّق الله! قال: «ويلك: أولست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال: ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا؛ لعلّه أن يكون يصلّي» . فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لم أومر أن أنقّب قلوب النّاس «3» ولا أشقّ بطونهم» . قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ «4» فقال: «إنّه يخرج من ضئضىء «5» هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» . وأظنّه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود «6» » ) * «7» . 30- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبان قطريّان غليظان. فكان إذا قعد فعرق، ثقلا عليه، فقدم بزّ «8» من الشّام لفلان اليهوديّ. فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة. فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد. إنّما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذب. قد علم أنّي من أتقاهم لله وآداهم للأمانة» ) * «9» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الأمانة) 1- * (عن زيد بن ثابت قال: بعث إليّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة، وعنده عمر. فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استحرّ «10» يوم القيامة بقرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بقرّاء القرآن في المواطن كلّها فيذهب قرآن كثير، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتّى شرح الله صدري للّذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الّذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: وإنّك رجل شابّ عاقل   (1) مشرف الوجنتين: أي غليظهما. والوجنتان تثنية وجنة وهي ما ارتفع من لحم الخد. (2) ناشز الجبهة: أي مرتفعها. (3) لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس: أي أفتش وأكشف. (4) وهو مقفّ: أي ذهب موليا وكأنه من القفا أي أعطاه قفاه وظهره. (5) ضئضىء هذا: هو أصل الشيء. وهو بالمعجمتين والمهملتين. (6) قتل ثمود: يعني الاستئصال. (7) البخاري- الفتح 7 (4351) واللفظ له، مسلم (1064) . (8) البزّ: الثياب وقيل: ضرب من الثياب. لسان العرب «بزز» . (9) الترمذي 3 (1213) وقال: حديث حسن غريب صحيح، والنسائي 7/ 294) ، البيوع: باب البيع إلى أجل معلوم، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 660) : إسناده صحيح. (10) استحر: اشتد وحمى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 لا نتّهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتتبّع القرآن فاجمعه. قال زيد: فو الله لو كلّفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليّ ممّا كلّفني من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال أبو بكر: هو- والله- خير، فلم يزل يحثّ مراجعتي حتّى شرح الله صدري للّذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك رأيا. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب «1» والرّقاع واللّخاف «2» وصدور الرّجال فوجدت آخر سورة التّوبة لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى آخرها مع خزيمة أو أبي خزيمة- فألحقتها في سورتها. وكانت الصّحف عند أبي بكر حياته حتّى توفّاه الله- عزّ وجلّ- ثمّ عند عمر حياته حتّى توفّاه الله، ثمّ عند حفصة بنت عمر» ) * «3» . قال محمّد بن عبيد الله: اللّخاف: يعني الخزف» ) * 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «لمّا استخلف أبو بكر، قال: لقد علم قومي أنّ حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه» ) * «4» . 3- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أنا أوّل من أتى عمر حين طعن. فقال: احفظ عنّي ثلاثا، فإنّي أخاف أن لا يدركني النّاس، أمّا أنا فلم أقض في الكلالة «5» قضاء. ولم أستخلف على النّاس خليفة. وكلّ مملوك له عتيق. فقال له النّاس: استخلف. فقال: أيّ ذلك أفعل فقد فعله من هو خير منّي: أن أدع إلى النّاس أمرهم فقد تركه نبيّ الله عليه الصّلاة والسّلام، وأن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، أبو بكر، فقلت له أبشر بالجنّة، صاحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأطلت صحبته. وولّيت أمر المؤمنين فقويت، وأدّيت الأمانة. فقال: أمّا تبشيرك إيّاي بالجنّة، فو الله لو أنّ لي- قال عفّان: فلا والله الّذي لا إله إلّا هو لو أنّ لي الدّنيا بما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر. وأمّا قولك في أمر المؤمنين، فو الله لوددت أنّ ذلك كفافا لا لي ولا عليّ، وأمّا ما ذكرت من صحبة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فذلك» ) * «6» . 4- * (عن أبي رافع: أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- كان مستندا إلى ابن عبّاس وعنده ابن عمر، وسعيد بن زيد، فقال: اعلموا أنّي لم أقل في الكلالة شيئا، ولم أستخلف من بعدي أحدا وأنّه من أدرك وفاتي من سبي العرب، فهو حرّ من مال الله- عزّ وجلّ- فقال سعيد بن زيد: أما إنّك لو أشرت برجل   (1) العسب: جريد النخل. (2) اللخاف: حجر رقيق محدّد. (3) البخاري- الفتح 13 (7191) . (4) البخاري- الفتح 4 (2070) . (5) الكلالة: أن يموت المرء وليس له والد أو ولد يرثه، بل يرثه ذوو قرابته وفي التنزيل العزيز يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ .... (6) أحمد (1/ 47) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 295) : إسناده صحيح، وأصل الحديث في البخاري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 من المسلمين لائتمنك النّاس. فعل ذلك أبو بكر وأتمنه النّاس، فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصا سيّئا، وإنّي جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النّفر السّتّة الّذين مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض. ثمّ قال عمر: لو أدركني أحد رجلين، ثمّ جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجرّاح» ) * «1» . 5- * (قال ابن عبّاس- رضي الله تعالى عنهما-: «القرآن أمين على كلّ كتاب قبله» ) * «2» . 6- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لم يرخّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة» ) * «3» . 7- * (عن أبي عبد الله بن سالم بن سبلان قال: «وكانت عائشة تستعجب بأمانته وتستأجره. فأرتني كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ ... الحديث» ) * «4» . 8- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- قال عبد الله ابن الزّبير فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله ابن الزّبير. فقال: يا ابن أخي: كم على أخي من الدّين؟ فكتمه فقال: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا،   (1) مسند الإمام أحمد (1/ 20) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 212) : إسناده صحيح. (2) البخاري- الفتح (8/ 619) كتاب فضائل القرآن في أوله. (3) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن (5/ 265) ، ويمسك الأمانة بمعنى يأخذها ويأكلها. (4) النسائي (83) الطهارة (1/ 72، 73) ، وقال محقق جامع الأصول (7/ 160) : وفي سنده عبد الملك بن مروان بن أبي ذباب، لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف. ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم، فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة. قال عبد الله: لك من ههنا إلى ههنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة، فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف، قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف» ) * «1» . 9- * (قال البخاريّ- رحمه الله تعالى- فأداء الأمانة أحقّ من تطوّع الوصيّة» ) * «2» . 10- * (وقال الزّهريّ- رحمه الله تعالى- فيمن قال إن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثا: يسأل عمّا قال، وعقد عليه قلبه حين حلف بتلك اليمين، فإن سمّى أجلا أراده، وعقد عليه قلبه حين حلف جعل ذلك في دينه وأمانته» ) * «3» . من فوائد (الأمانة) (1) الأمانة من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) يقوم عليها أمر السّموات والأرض. (3) هي محور الدّين وامتحان ربّ العالمين. (4) بالأمانة يحفظ الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة ... (5) الأمين يحبّه الله ويحبّه النّاس. (6) من أعظم الصّفات الخلقيّة الّتي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ* (المؤمنون/ 8، والمعارج/ 32) . (7) مجتمع تفشو فيه الأمانة مجتمع خير وبركة.   (1) البخاري- الفتح 6 (3129) . (2) البخاري- الفتح (5/ 443) . (3) فتح الباري (9/ 300) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 13/ 33/ 13/ المعروف لغة: المعروف: كالعرف وهو ما تعرفه النّفس من الخير وتطمئنّ إليه، وقوله تعالى: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (لقمان/ 5) أي مصاحبا معروفا، قال الزّجّاج: المعروف هنا ما يستحسن من الأفعال. وقوله- عزّ وجلّ-: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (المرسلات/ 1) قال بعض المفسّرين فيها: إنّها (الملائكة) أرسلت بالعرف والإحسان، وقيل: هو مستعار من عرف الفرس أي يتتابعون كعرف الفرس. والعرف، والمعروف واحد ضدّ النّكر. وقد تكرّر ذكر المعروف في الحديث، وهو من الصّفات الغالبة أي أمر معروف بين النّاس إذا رأوه لا ينكرونه. والمعروف: النّصفة وحسن الصّحبة مع الأهل وغيرهم من النّاس، والمنكر ضدّ ذلك جميعه «1» . المنكر لغة: النّكر والنّكراء: الدّهاء والفطنة. ورجل نكر ونكر ونكر ومنكر من قوم مناكير: داه فطن. وامرأة نكراء، ورجل منكر داه، والإنكار: الجحود. والنّكرة: إنكارك الشّيء، وهو نقيض المعرفة. قال ابن سيده: والصّحيح أنّ الإنكار المصدر والنّكر الاسم. وفي التّنزيل العزيز: نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً (هود/ 70) . والإنكار: الاستفهام عمّا ينكره. والاستنكار: استفهامك أمرا تنكره. والمنكر من الأمر: خلاف المعروف، وقد تكرّر في الحديث الإنكار والمنكر، وهو ضدّ المعروف، وكلّ ما قبّحه الشّرع وحرّمه وكرهه، فهو منكر، واستنكره فهو مستنكر، والجمع مناكير. والنّكير والإنكار: تغيير المنكر. «2» المعروف اصطلاحا: اسم جامع لكلّ ما عرف من طاعة الله والتّقرّب إليه، والإحسان إلى النّاس، وكلّ ما ندب إليه الشّرع، ونهى عنه من المحسّنات والمقبّحات. والمنكر اصطلاحا: كلّ ما قبّحه الشّرع وحرّمه ونهى عنه «3» . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الأمر بالمعروف: هو الإرشاد إلى المراشد المنجّية. والنّهي عن المنكر: الزّجر عمّا لا يلائم في الشّريعة. وقيل: الأمر بالمعروف الدّلالة على الخير. والنّهي عن المنكر: المنع عن الشّرّ. وقيل: الأمر بالمعروف: أمر بما يوافق الكتاب والسّنّة.   (1) الصحاح للجوهري (2/ 837) . ولسان العرب لابن منظور (9/ 239، 241) . (2) لسان العرب 5/ 232- 233. (3) المرجع السابق (233) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 والنّهي عن المنكر: نهي عمّا تميل إليه النّفس والشّهوة. وقيل: الأمر بالمعروف: الإشارة إلى ما يرضي الله تعالى من أقوال العبد وأفعاله. والنّهي عن المنكر: تقبيح ما تنفّر عنه الشّريعة والعفّة وهو ما لا يجوز في شرع الله تعالى «1» . منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال النّوويّ- رحمه الله-: اعلم أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر قد ضيّع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلّا رسوم قليلة جدّا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عمّ العقاب الصّالح والطّالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظّالم أوشك أن يعمّهم الله تعالى بعقابه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (النور/ 63) . فينبغي لطالب الآخرة، والسّاعي في تحصيل رضا الله- عزّ وجلّ- أن يعتني بهذا الباب؛ فإنّ نفعه عظيم لا سيّما وقد ذهب معظمه، وعلى الآمر بالمعروف أن يخلص نيّته ولا يهابنّ من ينكر عليه لارتفاع مرتبته لأنّ الله تعالى قال: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ (الحج/ 40) ، وقال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (آل عمران/ 101) ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (العنكبوت/ 69) ، وقال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (العنكبوت/ 2- 3) واعلم أنّ الأجر على قدر النصب ولا يتركه أيضا لصداقته ومودّته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإنّ صداقته ومودّته توجب له حرمة وحقّا، ومن حقّه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارّها، وصديق الإنسان، ومحبّه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدّى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوّه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصّل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه. وإنّما كان إبليس عدوّا لنا لهذا، وكانت الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم توفيقنا وتوفيق أحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته. وينبغي للآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله-: «من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه» «2» ، ثمّ إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض النّاس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم الكلّ ممّن تمكّن منه بلا عذر ولا خوف. ثمّ إنّه قد يتعيّن كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلّا هو أو لا يتمكّن من إزالته إلّا هو وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف. قال العلماء- رحمهم الله-: «لا يسقط عن المكلّف الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لكونه لا   (1) التعريفات (37) . (2) صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 24) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 يفيد في ظنّه، بل يجب عليه عليه الأمر والنّهي لا القبول، وكما قال الله عزّ وجلّ: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ (المائدة/ 99) ومثّل العلماء هذا بمن يرى إنسانا في الحمّام أو غيره مكشوف بعض العورة ونحو ذلك، قال العلماء: لا يشترط في الآمر والنّاهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه الأمر، وإن كان مخلّا بما يأمر به، والنّاهي وإن كان متلبّسا بما ينهى عنه، فإنّه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخلّ بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر. قال العلماء: ولا يختصّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بأصحاب الولايات؛ بل ذلك جائز لآحاد المسلمين. قال إمام الحرمين: والدّليل عليه إجماع المسلمين، فإنّ غير الولاة في الصّدر الأوّل، والعصر الّذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إيّاهم وترك توبيخهم على التّشاغل بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من غير ولاية. ثمّ إنّه إنّما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشّيء، فإن كان من الواجبات الظّاهرة والمحرّمات المشهورة كالصّلاة والصّيام والزّنا والخمر ونحوها، فكلّ المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال وممّا يتعلّق بالاجتهاد لم يكن للعوامّ مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء، ثمّ العلماء إنّما ينكرون ما أجمع عليه، أمّا المختلف فيه فلا إنكار فيه «1» . القطب الأعظم في الدين: قال الإمام أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله-: «إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدّين، وهو المهمّ الّذي ابتعث الله له النّبيّين أجمعين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله لتعطّلت النّبوّة، واضمحلّت الدّيانة، وعمّت الفترة «2» ، وفشت الضّلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتّسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلّا يوم التّناد، وقد كان الّذي خفنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وانمحق بالكلّيّة حقيقته ورسمه، فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة الخالق، واسترسل النّاس في اتّباع الهوى والشّهوات استرسال البهائم، وعزّ «3» على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم، فمن سعى في تلافي هذه الفترة، وسدّ هذه الثّلمة إمّا متكفّلا بعملها أو متقلّدا لتفنيدها مجدّدا لهذه السّنّة الدّاثرة ناهضا بأعبائها ومتشمّرا في إحيائها كان مستأثرا من بين الخلق بإحياء سنّة أفضى الزّمان إلى إماتتها، ومستبدّا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- الإنذار- التبليغ- التذكير- التعاون على البر والتقوى- الدعوة إلى الله- النصيحة- الوعظ. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الغي والإغواء- الفسوق- التهاون] .   (1) صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 23) . (2) الفترة: هي السكون بعد الحدّة، والهدوء بعد الشّدّة. (3) عزّ: قلّ. (4) إحياء علوم الدين للغزالي (2/ 306) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 الآيات الواردة في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» 1- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) «1» 2- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) «2» 3- لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) «3» 4- وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «4» 5- خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) «5» 6- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ   (1) آل عمران: 104 مدنية (2) آل عمران: 110- 115 مدنية (3) النساء: 114 مدنية (4) الأعراف: 156- 157 مكية (5) الأعراف: 199- 200 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «1» 7- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «2» 8- الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) «3» 9- يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) «4» الآيات الواردة في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» معنى 10- أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44) «5» 11- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «6» 12- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) «7» 13- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «8»   (1) التوبة: 71 مدنية (2) التوبة: 111- 112 مدنية (3) الحج: 40- 41 مدنية (4) لقمان: 17 مكية (5) البقرة: 44 مدنية (6) الأعراف: 29- 30 مكية (7) النحل: 76 مكية (8) النحل: 90 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 الأحاديث الواردة في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم» ) * «1» 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة من أدم حمراء في نحو أربعين رجلا. فقال: «إنّه مفتوح لكم، وأنتم منصورون مصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، وليصل رحمه، ومثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ كمثل البعير يتردّى فهو يمدّ بذنبه» ) * «2» . 3- * (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ، فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: أيّة آية؟ قلت: قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك ودع العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» قال ابن المبارك وزادني غير عتبة: قيل يا رسول الله: أجر خمسين منّا أو منهم؟ قال: «بل أجر خمسين منكم» ) * «3» 4- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه سلّم: يا رسول الله، ذهب أهل الدّثور «4» بالأجور، يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضول أموالهم. قال: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تصّدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «5» 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أوّل ما دخل النّقص على بني إسرائيل كان الرّجل يلقى الرّجل فيقول: يا هذا اتّق الله ودع ما تصنع فإنّه لا يحلّ لك،   (1) سنن ابن ماجه (4004) وقال الألباني (2/ 367) : حسن. (2) أحمد في المسند (1/ 389) . والترمذي (2257) وقال: حسن صحيح. الحاكم (4/ 159) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي وهذا لفظ الحاكم. (3) أبو داود (4341) . والترمذي (3058) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجه (4005) . ومحمد بن نصر المروزي في السنة (ص 9) من حديث عتبة بن غزوان. والبغوي في شرح السنة (14/ 348) وقال محققه: للحديث شواهد يتقوى بها. (4) الدثور: جمع دثر، وهو المال الكثير. انظر «النهاية» (2/ 100) . (5) مسلم (1006) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 ثمّ يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلمّا فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض» ثمّ قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (المائدة/ 78- 81) إلى قوله فاسِقُونَ ثمّ قال «كلّا والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذنّ على يدي الظّالم ولتأطرنّه «1» على الحقّ أطرا ولتقصرنّه على الحقّ قصرا» ) * «2» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّه خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستّين وثلاثمائة مفصل. فمن كبّر الله، وحمد الله، وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق النّاس، أو شوكة أو عظما عن طريق النّاس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك السّتّين والثّلاثمائة السّلامى «3» . فإنّه يمشي يومئذ، وقد زحزح نفسه عن النّار» ) * «4» . 7- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس على الطّرقات» ، فقالوا: ما لنا بدّ، إنّما هي مجالسنا نتحدّث فيها. قال: «فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطّريق حقّها» . قالوا: وما حقّ الطّريق؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر» ) * «5» . 8- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة، وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» ) * «6» . 9- * (عن أبي كثير السّحيميّ عن أبيه قال: سألت أبا ذرّ قلت: دلّني على عمل إذا عمل العبد به دخل الجنّة؟ قال: سألت عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تؤمن بالله واليوم الآخر. قلت: يا رسول الله، إنّ مع الإيمان عملا؟ قال: يرضخ «7» ممّا رزقه الله. قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ به؟ قال: يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان عييّا لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال:   (1) ولتأطرنه: أي لتردنه إلى الحق ولتعطفنه عليه. (2) أحمد في المسند (1/ 391) برقم (3712) ، وقال محققه: صحيح الإسناد وأبو داود (4336) واللفظ له. والترمذي (3048) وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه (4006) . (3) السلامى: بضم السين وتخفيف اللام- هو المفصل، وجمعه سلاميات. وفى القاموس: هي عظام صغار طول إصبع فى اليد والرجل. (4) مسلم (1007) . (5) البخاري- الفتح 5 (2465) واللفظ له ومسلم (2121) (6) الترمذي (7195) وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (9/ 561) : حديث حسن. (7) يرضخ: أي يعطي عطية قليلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 يصنع لأخرق، قلت: أرأيت إن كان أخرق أن يصنع شيئا؟ قال: يعين مغلوبا. قلت: أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مغلوبا؟ قال: ما تريد أن يكون في صاحبك من خير؟، يمسك عن أذى النّاس، فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنّة؟ قال: ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلّا أخذت بيده حتّى تدخله الجنّة» ) * «1» . 10- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ فقال: يا نبيّ الله علّمني عملا يدخلني الجنّة، قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «2» ، أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» . قال: أوليستا بواحد؟ قال: لا، إنّ عتق النّسمة أن تفرّد بعتقها، وفكّ الرّقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف «3» ، والفيء على ذي الرّحم «4» الظّالم. فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظّمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر. فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من الخير» ) * «5» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ فقال: خرجت ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنظر في وجهه والتّسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر، فقال: ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وأنا قد وجدت بعض ذلك» ، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التّيّهان الأنصاريّ، وكان رجلا كثير النّخل والشّاء، ولم يكن له خدم فلم يجدوه، فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت انطلق يستعذب لنا الماء، ولم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها «6» فوضعها، ثمّ جاء يلتزم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويفدّيه بأبيه وأمّه، ثمّ انطلق بهم إلى حديقته، فبسط لهم بساطا، ثمّ انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفلا تنقّيت لنا من رطبه؟» فقال: يا رسول الله إنّي أردت أن تختاروا، أو قال: تخيّروا من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا والّذي نفسي بيده من النّعيم الّذي تسألون عنه يوم القيامة؛ ظلّ بارد، ورطب طيّب، وماء بارد» فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تذبحنّ ذات درّ» . قال: فذبح لهم عناقا أو جديا، فأتاهم بها فأكلوا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك خادم؟» قال: لا. قال: «فإذا أتانا سبي فأتنا» فأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اختر منهما» فقال: يا نبيّ الله اختر لي. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المستشار مؤتمن، خذ هذا فإنّي رأيته يصلّي واستوص به   (1) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 230) ، وقال رواه الطبراني في الكبير واللفظ له ورواته ثقات. وابن حبان في صحيحه والحاكم (1/ 63) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. (2) أعرضت المسألة: أي جئت بها عريضة أي واسعة. (3) المنحة الوكوف: الغزيرة اللبن الكثيرة الدر. (4) الفيء على ذي الرحم: الرجوع عليهم بما رد الله تعالى عليك من أموال. (5) أحمد في المسند (4/ 299) واللفظ له. والبغوي في شرح السنة (9/ 354) وقال محققه: إسناده صحيح. والأدب المفرد مع شرحه (1/ 151) ورجاله ثقات. (6) يزعبها: أي يحملها مملوءة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 معروفا» . فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن تعتقه، قال فهو عتيق. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يبعث نبيّا ولا خليفة إلّا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوق بطانة السّوء فقد وقي» ) * «1» . 12- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدّق» قالوا: فإن لم يستطع، أو لم يفعل؟ قال: «فيعين ذا الحاجة الملهوف» قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: «فليأمر بالخير» أو قال: «بالمعروف» قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: «فليمسك عن الشّرّ، فإنّه له صدقة» ) * «2» . 13- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا عند عمر- رضي الله عنه- فقال: أيّكم يحفظ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قلت: أنا، كما قاله، قال: إنّك عليه- أو عليها- لجريء. قلت: فتنة الرّجل في أهله وماله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّوم والصّدقة والأمر والنّهي. قال: ليس هذا أريد. ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر. قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إنّ بينك وبينها بابا مغلقا. قال: أيكسر أم يفتح؟ قال: يكسر. قال: إذن لا يغلق أبدا» ) * «3» . 14- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه. وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى» ) * «4» . 15- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «والّذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثمّ تدعونه فلا يستجاب لكم» ) * «5» . 16- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يصبح على كلّ سلامى من أحدكم صدقة. فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة. وكلّ تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة. ونهي عن المنكر صدقة. ويجزأ من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى» ) * «6» .   (1) مسلم (2038) . والترمذي (2369) واللفظ له، وقال حسن صحيح غريب. (2) البخاري- الفتح 10 (6022) واللفظ له. ومسلم (1008) . (3) البخاري- الفتح 2 (525) واللفظ له. ومسلم (144) . والترمذى (2258) . (4) البخاري. الفتح 13 (7198) . (5) الترمذي (2169) وقال: هذا حديث حسن وحسنه الألباني (صحيح سنن الترمذي: 1762) . والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 227) . (6) مسلم (720) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 الأحاديث الواردة في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) معنى 17- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتّباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الدّاعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، وردّ السّلام، وتشميت العاطس. ونهانا عن آنية الفضّة وخاتم الذّهب، والحرير، والدّيباج، والقسّيّ «1» والإستبرق» ) * «2» 18- * عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان «3» تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك» ) * «4» . 19- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام خطيبا فكان فيما قال: «ألا لا يمنعنّ رجلا هيبة النّاس أن يقول بحقّ إذا علمه» ) * «5» . 20- * (عن تميم الدّاريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّين النّصيحة» . قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» ) * «6» . 21- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» ) * «7» . 22- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: «بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة والنّصح لكلّ مسلم» ) * «8» . 23- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره. وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله. وعلى أن نقول بالحقّ   (1) القسّيّ: بفتح القاف هو الصحيح المشهور وقد تكسر: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس- بفتح القاف- موضع بمصر على ساحل البحر قريبة من تنيس. (2) البخاري- الفتح 3 (1239) واللفظ له. ومسلم (2066) والإستبرق: غليظ الديباج. (3) ببهتان: البهتان الكذب الذي يبهت سامعه. وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما. (4) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له، مسلم (1709) . (5) ابن ماجه (4007) وصححه الألباني- صحيح ابن ماجه (3237) وهو في الصحيحة له (168) . والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 448) وقال: رواه الترمذي وقال: حديث حسن. (6) مسلم (55) . (7) أبو داود (4344) . والترمذي (2174) واللفظ له، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وصحيح ابن ماجة (3240) . وهو في الصحيحة (491) . (8) البخاري- الفتح 3 (1401) واللفظ له. ومسلم (56) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 أينما كنّا. لا نخاف في الله لومة لائم» ) * «1» . 24- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة، قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل «2» ومنّا من هو في جشره «3» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «4» . فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «5» . وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتي إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» ) * «6» . 25- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد عبد القيس على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله إنّا هذا الحيّ من ربيعة قد حالت بيننا وبينك كفّار مضر. ولسنا نخلص إليك إلّا في الشّهر الحرام. فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا. قال: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلّا الله- وعقد بيده هكذا- وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة. وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدّبّاء «7» والحنتم «8» والنّقير «9» والمزفّت «10» » ) * «11» . 26- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته، ويقتدون بأمره، ثمّ إنّها تخلف من بعدهم خلوف. يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» ) * «12» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7199، 7200) . ومسلم (1709) كتاب الإمارة (ج 3 ص 1470) . (2) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب. (3) في جشره: الجشر قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم. (4) نصب الصلاة على الإغراء، وجامعة على الحال. (5) فيرقق بعضها بعضا: أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، وقيل: معناه يشبه بعضه بعضا. (6) مسلم (1844) . (7) الدبّاء: القرع اليابس أي الوعاء منه. (8) الحنتم: جرار حمر أو خضر يجلب فيها الخمر. (9) النقير: جذع ينقر وسطه. (10) المزفت: وهو المطلي بالقار وهو الزفت. (11) البخاري- الفتح 3 (1398) واللفظ له. ومسلم (23) . (12) مسلم (50) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 27- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الّذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» ) * «1» . 28- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ) * «2» . 29- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال: يا أيّها النّاس إنّكم تقرءون هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ النّاس إذا رأوا ظالما فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) 30- * (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استعمل ابن اللّتبيّة على صدقات بني سليم، فلمّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحاسبه قال: هذا الّذي لكم وهذه هديّة أهديت لي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فهلّا جلست في بيت أبيك وبيت أمّك حتّى تأتيك هديّتك إن كنت صادقا؟ ثمّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس وحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: أمّا بعد فإنّي أستعمل رجالا منكم على أمور ممّا ولّاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هديّة أهديت لي، فهلّا جلس في بيت أبيه وبيت أمّه حتّى تأتيه هديّته إن كان؟ فو الله لا يأخذ أحدكم منها شيئا. قال هشام: بغير حقّه- إلا جاء الله يحمله يوم القيامة، ألا فلأعرفنّ ما جاء الله رجل ببعير له رغاء «4» ، أو ببقرة لها خوار «5» ، أو شاة تيعر «6» » ، ثمّ رفع يديه حتّى رئي بياض إبطيه فقال: «اللهمّ هل بلّغت؟) * «7» . 31- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ   (1) البخاري- الفتح 5 (2493) . (2) مسلم (49) . (3) أبو داود (4338) . والترمذي (3057) وقال: حديث حسن صحيح (4) الرغاء: صوت الإبل. (5) الخوار: صوت البقر. (6) تيعر: صوت الشاة وهي تصيح. (7) البخاري- الفتح 13 (7197) واللفظ له. ومسلم (1832) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «1» أو حائش نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «2» ، فقال: «من ربّ هذا الجمل. لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «3» » ) * «4» . 32- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، رأى خاتما من ذهب في يد رجل. فنزعه فطرحه وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده» فقيل للرّجل بعد ما ذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا، والله لا آخذه أبدا. وقد طرحه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . 33- * (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى حنين مرّ بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلّقون عليها أسلحتهم، فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط «6» كما لهم ذات أنواط، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنّة من كان قبلكم» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) 1- * (دخل معاوية يوما مسجد دمشق وجلس على المنبر. فناداه أبو مسلم الخولانيّ قائلا: يا معاوية إنّما أنت قبر من القبور، إن جئت بشيء كان لك شيء، وإن لم تجأ بشيء لك. يا معاوية لا تحسبنّ الخلافة جمع المال وتفرّقه، ولكنّ الخلافة العمل بالحقّ، والقول بالمعدلة، وأخذ النّاس في ذات الله- عزّ وجلّ-، يا معاوية إنّنا لا نبالي بكدر الأنهار ما صفا لنا رأس عيننا، وأنت رأس عيننا. يا معاوية إيّاك أن تحيف على قبيلة من قبائل العرب، فيذهب حيفك بعدلك» ) * «8» . 2- * (قالت أمّ الدّرداء: من وعظ أخاه سرّا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه» ) * «9» . 3- * (قال حذيفة- رضي الله عنه- الإسلام ثمانية أسهم، الصّلاة سهم، والزّكاة سهم، والجهاد سهم، وصوم رمضان سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنّهي عن المنكر سهم، والإسلام «10» سهم،   (1) هدفا: الهدف ما ارتفع من بناء ونحوه. (2) ذفراه: ذفرى البعير الموضع الذي يعرق من قفاه. (3) تدئبه: تتعبه وتشقيه. (4) أبو داود (2549) ، قال محقق جامع الأصول (4/ 527) : إسناده صحيح. وهو عند مسلم دون قصة الجمل. (5) مسلم (2090) . (6) شجرة ذات تعاليق تعلق بها سيوفهم ويعكفون عليها كما كان يفعل المشركون. (7) أخرجه الترمذي (2180) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (10/ 34) : إسناده صحيح. (8) الآمرون بالمعروف في الإسلام للمنجد (52) . (9) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال (49) . (10) المراد بالإسلام: النطق بكلمة الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلا الله، والسهم الثامن هو حج بيت الله لمن استطاع إليه سبيلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 وقد خاب من لا سهم له» ) * «1» . 4- (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وإلّا كنتم أنتم الموعظات «2» » ) * «3» . 5- * (قال ميمون بن مهران لصاحب له: قل لي في وجهي ما أكره. فإنّ الرّجل لا ينصح أخاه حتّى يقول له في وجهه ما يكره» ) * «4» . 6- * (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله-: «لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلّا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى» ) * «5» . 7- * (قال سفيان- رحمه الله- «إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق» «6» . 8- * (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله- «دخلت على أبي جعفر المنصور بمنى، فقال: ارفع إلينا حاجتك، فقلت له: اتّق الله قد ملأت الأرض ظلما وجورا. قال: فطأطأ رأسه ثمّ رفعه وقال: ارفع إلينا حاجتك. فقلت إنّما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا فاتّق الله، وأوصل إليهم حقوقهم، قال: فطأطأ رأسه، ثمّ رفعه وقال: ارفع إلينا حاجتك. فقلت: حجّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهما. وأرى ههنا أموالا لا تطيقها الجبال» ) * «7» . 9- * (دخل أعرابيّ على سليمان بن عبد الملك فقال: إنّك قد اكتفيت رجالا، ابتاعوا دنياك بدينهم، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنّك مسئول عمّا اجترحوا، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك. فقال له سليمان: لقد سللت لسانك. فقال: لك لا عليك) * «8» . 10- * (أوصى بعض السّلف بنيه فقال: «إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطّن نفسه على الصّبر، وليثق بالثّواب من الله تعالى، فمن وثق بالثّواب لم يجد مسّ الأذى، ولقد كان الله تعالى يحفظ أكثرهم من بأس الظّالمين ببركة إخلاصهم وحسن مقصدهم، وقوّة توكّلهم وابتغائهم بكلامهم وجه الله تعالى» ) * «9» . 11- * (سئل الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- عن الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟ قال: «يأمر بالرّفق والخضوع، ثمّ قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب، فيكون يريد   (1) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 7) . (2) الموعظات: أي يوعظ بكم غيركم لما يحل بكم من سخط الله ولعنته بسبب إهمال هذا الأصل. (3) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلّال (49) . (4) الآمرون بالمعروف في الاسلام للمنجد (54) . (5) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلّال (46) . (6) المرجع السابق (58) . (7) تنبيه الغافلين (43، 44) . والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 106) . (8) الشفاء لابن الجوزي (89) . (9) تنبيه الغافلين لابن النحاس (43) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 ينتصر لنفسه» ) * «1» . 12- * (قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه رحمه الله- قال: «إنّه سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل. قال: قلت: رجل تكلّم بكلام سوء يجب عليّ فيه أن أغيّره في ذلك الوقت، فلا أقدر على تغييره، وليس لي أعوان يعينونني عليه. قال: «إذا علم الله من قلبك أنّك منكر لذلك فأرجو ألّا يكون عليك شيء» ) * «2» . 13- * (قال الأصمعيّ: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كلّ بطن وذلك بمكّة المكرّمة في وقت حجّه في خلافته، فلمّا نظر إليه قام إليه وأجلسه معه على السّرير وقعد بين يديه، وقال له: يا أبا محمّد ما حاجتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين اتّق الله في حرم الله وحرم رسوله صلّى الله عليه وسلّم فتعاهده بالعمارة، واتّق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنّك بهم جلست هذا المجلس، واتّق الله في أهل الثّغور فإنّهم حصن المسلمين، وتفقّد أمور المسلمين فإنّك وحدك المسئول عنهم، واتّق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق بابك دونهم. فقال له: أفعل، ثمّ نهض وقام فقبض عليه عبد الملك فقال: يا أبا محمّد، إنّما سألتنا حاجة لغيرك وقد قضيناها، فما حاجتك؟ فقال: مالي إلى مخلوق حاجة، ثمّ خرج، فقال عبد الملك: هذا والله الشّرف، هذا والله الشّرف» ) * «3» . من فوائد (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر صمام أمن الحياة وضمان سعادة الفرد والمجتمع. (3) يثبّت معاني الخير والصّلاح في الأمّة. (4) يزيل عوامل الشّرّ والفساد من حياتها ويقضي عليها أوّلا فأوّلا حتّى تسلم الأمّة وتسعد. (5) يهيّأ الجوّ الصّالح الّذي تنمو فيه الآداب والفضائل وتختفي فيه المنكرات والرّذائل ويتربّى في ظلّه الضّمير العفيف والوجدان اليقظ. (6) يكوّن الرّأي العامّ المسلم الحرّ الّذي يحرس آداب الأمّة وفضائلها وأخلاقها وحقوقها ويجعل لها شخصيّة وسلطانا هو أقوى من القوّة وأنفذ من القانون. (7) يبعث الإحساس بمعنى الأخوّة والتّكافل والتّعاون على البرّ والتّقوى واهتمام المسلمين بعضهم ببعض. (8) هو سبب النّجاة في الدّنيا والآخرة. (9) هو سرّ أفضليّة هذه الأمّة. لقوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران/ 110) . (10) هو سبب للنّصر والتّمكين في الدّنيا.   (1) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للخلّال (50) . (2) المرجع السابق (40) . (3) تنبيه الغافلين لابن النحاس (45، 46) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 الإنابة / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 18/ 4/ 8/ الإنابة لغة: تدور مادّة (ن وب) حول الرّجوع. يقول ابن فارس «النّون والواو والباء كلمة واحدة تدلّ على اعتياد مكان ورجوع إليه» «1» . تقول «أناب فلان إلى الشّيء، رجع إليه مرّة بعد أخرى، وإلى الله تاب ورجع» «2» . وقال الرّاغب «الإنابة إلى الله تعالى: الرّجوع إليه بالتّوبة وإخلاص العمل» «3» . وفي التّنزيل العزيز: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (الروم/ 31) أي راجعين إلى ما أمر به، غير خارجين عن شيء من أمره. وقوله عزّ وجلّ: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ (الزمر/ 54) أي توبوا إليه وارجعوا. وقال الجوهريّ: «أناب إلى الله أي أقبل وتاب» . وقال ابن الأثير: يقال أناب ينيب إنابة، فهو منيب، إذا أقبل ورجع، وفي حديث الدّعاء: «وإليك أنيب» «4» . واصطلاحا: الإنابة: إخراج القلب من ظلمات الشّبهات. وقيل: الإنابة: الرّجوع من الكلّ إلى من له الكلّ. وقيل: الإنابة: الرّجوع من الغفلة إلى الذّكر، ومن الوحشة إلى الأنس. وقال الكفويّ: الإنابة: الرّجوع عن كلّ شيء إلى الله تعالى «5» . وقال ابن القيّم: الإنابة: الإسراع إلى مرضاة الله مع الرّجوع إليه في كلّ وقت، وإخلاص العمل له «6» . أنواع الإنابة: الإنابة إنابتان: إنابة لربوبيّته. وهي إنابة المخلوقات كلّها. يشترك فيها المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر. قال الله تعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (الروم/ 33) . فهذا عامّ في حقّ كلّ داع أصابه ضرّ. كما هو الواقع. وهذه «الإنابة» لا تستلزم الإسلام، بل تجامع الشّرك والكفر. كما قال تعالى في حقّ هؤلاء: ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ* لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ (الروم/ 33- 34) . فهذا حالهم بعد إنابتهم. والإنابة الثّانية. إنابة أوليائه. وهي إنابة لإلهيّته إنابة عبوديّة ومحبّة، وهي تتضمّن أربعة أمور:   (1) مقاييس اللغة (5/ 367) . (2) المعجم الوسيط (2/ 961) . (3) المفردات (نوب) (508) . (4) انظر: الصحاح، للجوهري (1/ 229) ، والنهاية، لابن الأثير (5/ 123) ، ولسان العرب، لابن منظور (1/ 775) . (5) التعريفات (39) ، والكليات للكفوي (308) . (6) مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 467) بتصرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 محبّته، والخضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عمّا سواه. فلا يستحقّ اسم «المنيب» إلّا من اجتمعت فيه هذه الأربع. وتفسير السّلف لهذه اللّفظة يدور على ذلك «1» . منزلة الإنابة: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «من نزل في منزل التّوبة، وقام في مقامها نزل في جميع منازل الإسلام، فإذا استقرّت قدمه في منزل التّوبة نزل بعده في منزل الإنابة، وقد أمر الله تعالى بها في كتابه، وأثنى على خليله بها، فقال: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ (الزمر/ 54) وقال: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (هود/ 75) . وأخبر أنّ آياته إنّما يتبصّر بها ويتذكّر، أهل الإنابة. فقال: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها إلى أن قال تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (ق/ 6- 7) . وقال تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (غافر/ 31) ، كما أخبر تعالى أنّ ثوابه وجنّته لأهل الخشية والإنابة. فقال: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ* ادْخُلُوها بِسَلامٍ (ق/ 31- 34) ، وأخبر سبحانه أنّ البشرى منه، إنّما هي لأهل الإنابة فقال: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى (الزمر/ 17) «2» . [للاستزادة انظر صفات: الإخبات- التوبة الخشوع- الخشية- الدعاء- الضراعة والتضرع- القنوت. وفي ضد ذلك، انظر صفات: الإعراض- الإصرار على الذنب- الغفلة- الكبر والعجب- الغفلة] .   (1) مدارج السالكين لابن القيم (1/ 467) بتصرف. (2) المرجع السابق (1/ 446، 467) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 الآيات الواردة في «الإنابة» الإنابة صفة النبيين والمؤمنين: 1- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «1» 2- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) «2» 3- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «3» 4- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «4» 5- أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) «5» 6- قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) «6» 7- وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) «7» 8- قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)   (1) هود: 75 مكية (2) هود: 87- 88 مكية (3) الروم: 30- 32 مكية (4) لقمان: 14- 15 مكية (5) سبأ: 9 مكية (6) ص: 24- 25 مكية (7) ص: 34- 35 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) «1» 9- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «2» 10- وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) «3» 11- وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) «4» 12- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) «5» ثمرة الإنابة: 13- اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) «6» 14- وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) «7» 15- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) «8» 16- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) «9» الإنابة إلى الله في الضر وتركه في الرخاء ليس من دأب المؤمنين: 17- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) «10» 18- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) «11»   (1) الزمر: 53- 54 مكية (2) غافر: 13 مكية (3) الشورى: 10 مكية (4) ق: 7- 8 مكية (5) الممتحنة: 4 مدنية (6) الرعد: 26- 27 مدنية (7) الزمر: 17 مكية (8) الشورى: 13 مكية (9) ق: 31- 33 مكية (10) الروم: 33 مكية (11) الزمر: 8 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 الأحاديث الواردة في (الإنابة) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: «اللهمّ لك الحمد أنت نور السّموات والأرض، ولك الحمد أنت قيّام السّموات والأرض، ولك الحمد أنت ربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ. أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ. اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ! اجعلني لك شكّارا. لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا، إليك مخبتا «2» ، إليك أوّاها «3» منيبا، ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي «4» ، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتي، واسلل سخيمة «5» قلبي» ) * «6» . 3- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تمنّوا الموت فإنّ هول المطّلع شديد، وإنّ من السّعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة» ) * «7» . 4- * (عن ابن بريدة عن أبيه قال: «خرج بريدة عشاء فلقيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بيده فأدخله المسجد، فإذا صوت رجل يقرأ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تراه مرائيا فاسكت بريدة!» فإذا رجل يدعو فقال: اللهمّ إنّي أسألك بأنّي أشهد أنّك أنت الله الّذي لا إله إلّا أنت الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد؛ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده- أو قال- والّذي نفس محمّد بيده: لقد سأل الله باسمه الأعظم الّذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» ، قال: فلمّا كان من القابلة خرج بريدة عشاء فلقيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت الرّجل يقرأ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتقوله مراء «8» ؟» فقال بريدة: أتقوله مراء يا رسول الله «9» ؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، بل مؤمن منيب، لا، بل مؤمن منيب» ، فإذا الأشعريّ يقرأ بصوت له بجانب المسجد فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّ- أو إنّ عبد الله بن قيس- أعطي مزمارا من مزامير داود،» فقلت: ألا أخبره يا رسول الله، قال: «بلى فأخبره» ، فأخبرته» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7385) ، ومسلم (769) واللفظ له. (2) مخبتا: متواضعا خاشعا سائرا في الطريق المطمئن الواسع. (3) أواها: كثير التأوّه، وغلب على معنى التضرع إلى الله في العبادة والندم على الذنوب. (4) حوبتي: إثمي وخطيئتي. (5) سخيمة: حقد وضغينة. (6) أبو داود (1510) ، وابن ماجة (3830) واللفظ له، والترمذي (3551) وقال محقق جامع الأصول (4/ 337) : حديث صحيح. (7) أحمد (3/ 332) . (8) أتقوله مراء: أي هل تظنّه مرائيا بقراءته هذه. (9) هذا القول الثاني من بريدة يريد الاستفهام من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حقيقة موقف الرجل. (10) أحمد (5/ 349) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 الأحاديث الواردة في (الإنابة) معنى انظر صفات: (الاخبات- التوبة- الخشوع) من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإنابة) 1- * (أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة- رحمه الله- في قوله تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (الروم/ 31) قال: تائبين. وقال- رحمه الله- في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (سبأ/ 9) قال: تائب مقبل على الله- عزّ وجلّ-) *. 2- * (أخرج ابن المنذر عن ابن جريج- رحمه الله- في قوله تعالى: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ (لقمان/ 15) قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» . 3- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «الإنابة هي عكوف القلب على الله- عزّ وجلّ- كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبّته، وذكره بالإجلال والتّعظيم، وعكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة لرسوله، ومن لم يعكف قلبه على الله وحده، عكف على التّماثيل المتنوّعة، كما قال إمام الحنفاء لقومه ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (الأنبياء/ 52) » ) * «2» . 4- * (وعن مجاهد فى قوله تعالى: أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (هود/ 75) حدّثنا بشر قال: الأوّاب: القانت الرّجّاع) * «3» . 5- * (عن قتادة، قوله وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ (الزمر/ 17) : وأقبلوا إلى الله) * «4» . 6- * (حدّثنا محمّد عن السّدّيّ، قوله وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ (الزمر/ 17) قال: أجابوا إليه) * «5» . 7- * (قال ابن زيد، في قوله: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ (الزمر/ 54) قال: الإنابة: الرّجوع إلى الطّاعة، والنّزوع عمّا كانوا عليه، ألا تراه يقول: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ) * «6» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «إذا بلغ الرّجل المسلم أربعين سنة آمنة الله من أنواع البلايا من الجنون والبرص والجذام، وإذا بلغ الخمسين ليّن الله عليه حسابه، وإذا بلغ السّتّين رزقه الله إنابة يحبّه عليها، وإذا بلغ السّبعين أحبّه الله وأحبّه أهل السّماء، وإذا بلغ الثّمانين تقبّل الله منه حسناته ومحا عنه سيّئاته، وإذا بلغ التّسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وسمّي أسير الله في الأرض وشفّع في أهله) * «7» .   (1) انظر الدر المنثور (6/ 494، 552، 675) . (2) الفوائد، لابن القيم (196) . (3) تفسير الطبرى (7/ 79) . (4) المرجع السابق (10/ 625) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق (11/ 17) . (7) أحمد (2/ 89) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 من فوائد (الإنابة) (1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) دليل على سلامة النّيّة وحسن الطّويّة. (3) بشارة الله للمنيبين وهدايته لهم. (4) معلم على صلاح العبد وقربه من ربّه. (5) دليل على حسن ظنّ العبد بربّه. (6) طريق موصّل إلى الجنّة. (7) المنيب يرزق خشية الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 الإنذار / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 96/ 19/ 20/ الإنذار لغة: مصدر قولهم أنذر ينذر، وهو مأخوذ من مادّة (ن ذ ر) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على التّخويف أو التّخوّف، قال: ومنه الإنذار أي الإبلاغ، ولا يكاد يكون إلّا في التّخويف، وتناذر القوم خوّف بعضهم بعضا، ومنه أيضا النّذر «1» ، ووجه تسميته بذلك أنّ صاحبه يخاف إذا أخلف «2» . وقال الرّاغب: الإنذار إخبار فيه تخويف كما أنّ التّبشير إخبار فيه سرور، ومن ذلك قوله تعالى فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (الليل/ 14) والنّذير: المنذر ويقع على كلّ شيء فيه إنذار إنسانا كان أو غيره قال تعالى: إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (الذّاريات/ 50) «3» . وقال ابن الأثير: أصل الإنذار الإعلام، يقال: أنذرته أنذره إنذارا إذا أعلمته، فأنا منذر ونذير أي معلم ومخوّف ومحذّر، ويقال نذرت به إذا علمته ومنه الحديث: كلّما عرف أن قد نذروا به هرب.. أي علموا وأحسّوا مكانه، أمّا قوله «أنذر القوم» فمعناه: احذر منهم واستعدّ لهم وكن منهم على علم وحذر «4» . وقال الفيروز اباديّ: النّذيرة من الجيش: طليعتهم الّذي ينذرهم أمر عدوّهم، ونذر بالشّيء كفرح، علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارا ونذرا، ويضمّ (نذرا) ، وبضمّتين (نذرا) ، ونذيرا: أعلمه وحذّره وخوّفه في إبلاغه، والاسم من ذلك: النّذرى بالضّمّ والنّذر (بضمّتين) ، ومنه قوله تعالى: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (القمر/ 16) أي إنذاري، والنّذير: الإنذار، كالنّذارة، (بالكسر) وهذه عن الإمام الشّافعيّ «5» - رحمه الله- والمنذر (وجمعه نذر) : صوت القوس، والرّسول، والشّيب، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «6» ونذير القوم طليعتهم الّذي ينذرهم العدوّ، وتناذروه (أي الأمر) خوّف منه بعضهم بعضا، ومنه قول النّابغة: تناذرها الرّاقون من سوء سمّها «7» . ومنه أيضا: قول الخنساء: يا صخر ورّاد ماء قد تناذره ... أهل الموارد ما في ورده عار   (1) النّذر (بفتح فسكون) أن توجب على نفسك ما ليس بواجب (بصائر ذوي التمييز 5/ 24) . (2) مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 514) بتصرف يسير. (3) المفردات للراغب (742) تحقيق محمد أحمد خلف. (4) النهاية لابن الأثير (5/ 39) . (5) أي أنّها وردت بهذا المعنى في كلام الشافعي- رحمه الله. (6) القاموس المحيط (نذر) (619) ط: بيروت. (7) بصائر ذوي التمييز (5/ 34) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 ويفهم من كلام الفيروز ابادي وغيره أنّ الفعل «تناذر «يستعمل متعدّيا بنفسه كما في بيتي النّابغة والخنساء، وقد يستعمل لازما كما في قولهم: «تناذر القوم» أي أنذر بعضهم بعضا، أمّا الفعل: أنذر فإنّه يتعدّى إلى مفعوليه إمّا بالباء كما في قولهم: أنذرتهم به، أو بنفسه كما في قولهم: أنذرته إيّاه، وأمّا الثّلاثي نذر فإنّه لا يتعدّى إلّا بالباء الجارّة كقولهم: نذر القوم بالعدوّ «1» . وقال ابن منظور: يقال: نذر بالشّيء وبالعدوّ: علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارا (المصدر) ، ونذرا (اسم المصدر) ، ونذيرا (اسم مصدر أيضا) ، وفي التنزيل العزيز: فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (الملك/ 17) معناه فكيف كان إنذاري «2» . وقول الله عزّ من قائل: عُذْراً أَوْ نُذْراً (المرسلات/ 6) قرئت: «عذرا أو نذرا» قال الزّجّاج معناها المصدر وقد انتصبا على المفعول له (لأجله) ، والمعنى فالملقيات ذكرا للإعذار أو الإنذار.. والنّذير: المحذّر، فعيل بمعنى مفعل، والجمع نذر، وقول الله عزّ وجلّ-: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ (فاطر/ 37) ، قال ثعلب: هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وقال أهل التّفسير «3» : يعني النّبيّ، كما قال عزّ من قائل: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) ، وقال بعضهم: النّذير هنا الشّيب ورجّح الأزهريّ الرّأي الأوّل، ويقال: أنذرت القوم سير العدوّ إليهم فنذروا أي أعلمتهم ذلك فعلموا وتحرّزوا «4» . ومن أمثال العرب: «قد أعذر من أنذر» أي من أعلمك أنّه يعاقبك على المكروه منك فيما يستقبل، ثمّ أتيت المكروه فعاقبك فقد جعل لنفسه عذرا يكفّ به لائمة النّاس عنه، والعرب تقول: عذراك لانذراك، أي أعذر ولا تنذر- والنّذير العريان رجل من خثعم «5» ، حمل عليه يوم ذي الخلصة عوف بن عامر فقطع يده ويد امرأته، وقيل: هو الزّبير بن عمرو الخثعميّ وكان ناكحا في بني زبيد، فأرادت بنو زبيد أن يغيروا على خثعم فخافوا أن ينذر قومه فألقوا عليه براذع وأهداما واحتفظوا به فصادف غرّة ففلت منهم وأتى قومه فقال: أنا المنذر العريان ينبذ ثوبه ... إذا الصّدق لا ينبذ لك الثّوب كاذب ومن أمثالهم: أنا النّذير العريان وإنّما قالوا ذلك لأنّ الرّجل إذا رأى الغارة قد فجئتهم وأراد إنذار قومه   (1) انظر القاموس المحيط (619) ط. بيروت. (2) قال أبو حيان: النّذير: الإنذار، وقد أثبت ورش ياء نذيري ونكيري وحذفها باقي السبعة، واستشهد على استعمال النذير في معنى الإنذار بقول حسان رضي الله عنه: فأنذر مثلها نصحا قريشا ... من الرّحمن إن قبلت نذيرا البحر المحيط (8/ 296) . (3) قال القرطبي: النّذير معناها الإنذار وقد اختلف فيه فقيل: القرآن وقيل: الرّسول، وقيل: الشّيب، وقيل الحمّى، وقيل: موت الأصل والأقارب وقيل كمال العقل، (تفسير القرطبي 14/ 353) (وانظر نصه كاملا في الآثار) . وقال ابن كثير: روي عن ابن عبّاس وعكرمة وغيرهما في هذه الآية: النّذير الشّيب، وقال ابن أسلم: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعن قتادة قوله: احتجّ عليهم بالعمر والرّسل (تفسير ابن كثير 3/ 567) . (4) المراد أنّ صيغة فعل تستعمل مطاوعا لصيغة أفعل. (5) خثعم قبيلة من قبائل العرب، وزبيد كذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 تجرّد من ثيابه وأشار بها ليعلم ذلك، ثمّ صار مثلا لكلّ شيء تخاف مفاجأته «1» . وقال الزّبيديّ: أو هو كلّ منذر بحقّ «2» ، وفي الحديث كان صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته واشتدّ غضبه، كأنّه منذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم، المنذر هو المعلم الّذي يعرّف القوم بما يكون قد دهمهم من عدوّ أو غيره وهو المخوّف أيضا «3» . الإنذار اصطلاحا: قال ابن المناويّ: الإنذار: هو الإعلام بما يحذر، ولا يكاد يكون إلّا في تخويف يسع زمانه الاحتراز (منه) ، فإن لم يسع كان إشعارا «4» . وقال الكفويّ: الإنذار: هو إبلاغ الأمر المخوف منه، والتّهديد (به) ، والتّخويف منه، قال: وذكر الوعيد مع الإنذار واجب لا مع التّهديد «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإرشاد. التبشير- التذكير- الدعوة إلى الله- الصدق- الوعظ- التبليغ. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الإهمال- التفريط والإفراط- التهاون] .   (1) لسان العرب (نذر) (5/ 200- 203) ط. بيروت. بتصرف واختصار. (2) تاج العروس (14/ 201) ط. الكويت. (3) المرجعان السابقان (نذر) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (64) . (5) الكليات للكفوي (1/ 338) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 الآيات الواردة في «الإنذار» آيات اقترن فيها الإنذار بالتبشير: 1- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) «1» 2- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «2» 3- إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) «3» 4- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) «4» 5- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) «5» 6- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) «6»   (1) البقرة: 119 مدنية (2) البقرة: 213 مدنية (3) النساء: 163- 165 مدنية (4) المائدة: 19 مدنية (5) الأنعام: 48 مكية (6) الأعراف: 187- 188 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 7- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) «1» 8- وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) «2» 9- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «3» 10- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) «4» 11- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55) وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) «5» 12- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «6» 13- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)   (1) هود: 1- 4 مكية (2) الإسراء: 105- 109 مكية (3) الكهف: 56 مكية (4) مريم: 96: 97 مكية (5) الفرقان: 54- 57 مكية (6) الأحزاب: 45- 48 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (30) «1» 14- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) «2» 15- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «3» 16- حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7) «4» 17- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) «5» أمر الله نبيّه والمؤمنين بالإنذار: 18- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) «6» 19- وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44)   (1) سبأ: 24- 30 مكية (2) فاطر: 24- 26 مكية (3) يس: 11 مكية (4) فصلت: 1- 7 مكية (5) الفتح: 8- 9 مدنية (6) التوبة: 122 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) «1» 20- وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) «2» 21- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) «3» الإنذار من صفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين: 22- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) «4» 23- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «5» 24- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) «6» 25- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) «7» 26- وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) «8» 27- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)   (1) إبراهيم: 44- 45 مكية (2) الشعراء: 214- 216 مكية (3) المدثر: 1- 7 مكية (4) الأعراف: 182- 185 مكية (5) يونس: 1- 2 مكية (6) هود: 12 مكية (7) الرعد: 7 مدنية (8) الحجر: 87- 89 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) «1» 28- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) «2» 29- وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) «3» 30- وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) «4» 31- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) «5» 32- وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) «6» 33- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ   (1) الحج: 48- 51 مدنية (2) النمل: 91- 92 مكية (3) القصص: 46- 48 مكية (4) العنكبوت: 50- 52 مكية (5) السجدة: 3 مكية (6) سبأ: 44- 46 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) «1» 34- يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) «2» 35- لْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) «3» 36- وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «4» 37- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) «5» 38- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31)   (1) فاطر: 19- 23 مكية (2) يس: 1- 7 مكية (3) ص: 65- 70 مكية (4) الزخرف: 23- 25 مكية (5) الأحقاف: 7- 10 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) «1» 39- فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) «2» 40- هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (56) «3» 41- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) «4» الإنذار من صفة الرسل الكرام: 42- أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) «5» 43- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) «6» 44- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) «7» 45- وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (50) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52) «8» 46- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112)   (1) الأحقاف: 29- 32 مكية (2) الذاريات: 50- 51 مكية (3) النجم: 56 مكية (4) الملك: 25- 27 مكية (5) الأعراف: 63 مكية (6) هود: 25- 26 مكية (7) النحل: 1- 2 مكية (8) الفرقان: 48- 52 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) «1» 47- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «2» 48- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) «3» 49- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) «4» 50- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) «5» 51- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) «6» الإنذار بالقرآن الكريم: 52- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي   (1) الشعراء: 105- 115 مكية (2) الصافات: 72- 73 مكية (3) الزمر: 71- 72 مكية (4) الأحقاف: 21- 25 مكية (5) الملك: 6- 11 مكية (6) نوح: 1- 4 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) «1» 53- وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «2» 54- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92) «3» 55- المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) «4» 56- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «5» 57- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) «6» 58- قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (45) «7» 59- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) «8» 60- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) «9» 61- وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) «10»   (1) الأنعام: 19 مكية (2) الأنعام: 51 مكية (3) الأنعام: 92 مكية (4) الأعراف: 1- 3 مكية (5) ابراهيم: 52 مكية (6) الكهف: 1- 4 مكية (7) الأنبياء: 45 مكية (8) الفرقان: 1- 2 مكية (9) الشعراء: 192- 195 مكية (10) يس: 69- 70 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 62- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) «1» 63- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) «2» 64- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «3» 65- وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) «4» الإنذار بيوم القيامة أو بجهنم: 66- يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130) «5» 67- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40) «6» 68- فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16)   (1) الشورى: 7- 8 مكية (2) الدخان: 1- 6 مكية (3) الأحقاف: 11- 12 مكية (4) المرسلات: 1- 6 مكية (5) الأنعام: 130 مكية (6) مريم: 37- 40 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) «1» 69- نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) «2» 70- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46) «3» 71- فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «4» المؤمنون هم المنتفعون بالإنذار: 72- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «5» استواء الإنذار وعدمه لدى الكفار والمنافقين: 73- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) «6» 74- قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) «7» 75- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «8»   (1) غافر: 14- 18 مكية (2) المدثر: 36 مكية (3) النازعات: 42- 46 مكية (4) الليل: 14- 21 مكية (5) فاطر: 18 مكية (6) البقرة: 6- 7 مدنية (7) يونس: 101- 103 مكية (8) الكهف: 56 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 76- وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) «1» 77- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «2» 78- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) «3» 79- وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) «4» 80- ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) «5» 81- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) «6» 82- ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) «7» 83- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)   (1) سبأ: 34 مكية (2) فاطر: 36- 37 مكية (3) فاطر: 42- 44 مكية (4) يس: 10 مكية (5) ص: 1- 4 مكية (6) الأحقاف: 1- 3 مكية (7) ق: 1- 5 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) «1» الكفار يطلبون ملائكة منذرين: 84- وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) «2» عاقبة من لم يستجب للإنذار: 85- فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «3» 86- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) «4» 87- وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209) «5» 88- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)   (1) القمر: 1- 7 مكية (2) الفرقان: 7 مكية (3) يونس: 73 مكية (4) الشعراء: 160- 175 مكية (5) الشعراء: 208- 209 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) «1» 89- أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) «2» وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) 90- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14) «3» 91- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) «4» 92- كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) «5» 93- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) «6» 94- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ   (1) النمل: 54- 58 مكية (2) الصافات: 176- 179 مكية (3) فصلت: 13- 14 مكية (4) القمر: 9- 17 مكية (5) القمر: 18- 22 مكية (6) القمر: 23- 32 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) «1» 95- وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) «2» 96- أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18) «3»   (1) القمر: 33- 40 مكية (2) القمر: 41- 42 مكية (3) الملك: 16- 18 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 الأحاديث الواردة في (الإنذار) 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه كأنّه منذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ، ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى، ويقول: «أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» ) * «1» . 2- * (عن عليّ- أو عن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يخطبنا فيذكّرنا بأيّام الله حتّى نعرف ذلك في وجهه، وكأنّه نذير قوم يصبّحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسّم ضاحكا حتّى يرتفع عنه) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه انطلق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رهط قبل ابن صيّاد حتّى وجده يلعب مع الصّبيان عند أطم بني مغالة «3» ، وقد قارب ابن صيّاد يومئذ الحلم. فلم يشعر حتّى ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ظهره بيده، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن صيّاد: «أتشهد أنّي رسول الله؟» فنظر إليه ابن صيّاد فقال: أشهد أنّك رسول الأمّيّين. فقال ابن صيّاد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتشهد أنّي رسول الله؟ فرفضه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «آمنت بالله وبرسله» ثمّ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ماذا ترى؟» قال ابن صيّاد: يأتيني صادق وكاذب. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلّط عليك الأمر» ثمّ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي قد خبأت لك خبيئا» فقال ابن صيّاد: هو الدّخّ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اخسأ، فلن تعدو قدرك» ، فقال عمر بن الخطّاب: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن يكنه فلن تسلّط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله» . قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: انطلق بعد ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبيّ بن كعب الأنصاريّ إلى النّخل الّتي فيها ابن صيّاد، حتّى إذا دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّخل طفق يتّقي بجذوع النّخل،   (1) مسلم (867) . (2) أحمد في مسنده (1/ 167) حديث رقم (1437) . قال الشيخ شاكر: إسناده صحيح. وقال: الشك في أن الحديث عن علي أو عن الزبير لا أثر له في صحته، وهو في مجمع الزوائد 2/ 188 وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه. وأبويعلى عن الزبير وحده. ورجاله رجال الصحيح. (3) بنو مغالة: كل ما كان على يمينك إذا وقفت آخر البلاط، مستقبل مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والأطم: هو الحصن، جمعه: آطام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 وهو يختل أن يسمع من ابن صيّاد شيئا «1» ، قبل أن يراه ابن صيّاد، فرآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة «2» ، فرأت أمّ ابن صيّاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يتّقي بجذوع النّخل، فقالت لابن صيّاد: يا صاف: (وهو اسم ابن صيّاد) هذا محمّد، فثار ابن صيّاد «3» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو تركته بيّن» «4» . قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّاس فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ ذكر الدّجّال فقال: «إنّي لأنذركموه. ما من نبيّ إلّا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبيّ لقومه، تعلّموا «5» ، أنّه أعور، وأنّ الله تبارك وتعالى ليس بأعور» ) * «6» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم عن الدّجّال حديثا ما حدّثه نبيّ قومه؟ إنّه أعور، وإنّه يجيء معه مثل الجنّة والنّار، فالّتي يقول إنّها الجنّة، هي النّار، وإنّي أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه» ) * «7» . 5- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنّا نحدّث بحجّة الوداع، ولا ندري أنّه الوداع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا كان في حجّة الوداع خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر المسيح الدّجّال، فأطنب في ذكره، ثمّ قال: ما بعث الله من نبيّ إلّا قد أنذره أمّته، لقد أنذره نوح أمّته، والنّبيّون من بعده، ألا ما خفي عليكم من شأنه، فلا يخفينّ عليكم أنّ ربّكم ليس بأعور، ألا ما خفي عليكم من شأنه، فلا يخفينّ عليكم أنّ ربّكم ليس بأعور) * «8» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّاس فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ ذكر الدّجّال فقال: إنّي لأنذركموه، وما من نبيّ إلّا وقد أنذر قومه ولكنّي سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبيّ لقومه، إنّه أعور، وإنّ الله ليس بأعور) * «9» . 7- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم يا ربّ،   (1) (وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا) يختل: أي يخدع ابن صياد ويستغفله يسمع شيئا من كلامه ويعلم هو والصحابة حاله في أنه كاهن أم ساحر، ونحوهما. (2) (في قطيفة له فيها زمزمة) القطيفة: كساء مخمل. والزمزمة، والرمرمة، والرمزة (روايات) وكلها بمعنى: صوت خفي لا يكاد يفهم، أو لا يفهم. (3) فثار ابن صياد: أي نهض من مضجعه وقام. (4) لو تركته بين: أي لو لم تخبره ولم تعلمه أمه بمجيئنا لبين لنا من حاله ما تعرف به حقيقة أمره. (5) تعلّموا: أي اعلموا وتحققوا. (6) البخاري- الفتح 6 (3337) ، ومسلم (2930، 2931) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 6 (3338) ، ومسلم (2936) واللفظ له. (8) رواه أحمد في مسنده (2/ 131، 2/ 135) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (10/ 359) وقال محققه: حديث صحيح. (9) البخاري- الفتح 13 (7127) واللفظ له، ومسلم (2933) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 فتسأل أمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير. فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمّد وأمّته، فيجاء بكم تشهدون» ، ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً- قال: عدلا- لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) * «1» . 8- * (عن أبي موسى رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال: رأيت الجيش بعيني، وإنّي أنا النّذير العريان «2» ، فالنّجاء النّجاء، فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا، وكذّبته طائفة فصبّحهم الجيش فاجتاحهم» ) * «3» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد، يا أهل الجنّة، فيشرئبّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلّهم قد رآه، ثمّ ينادي: يا أهل النّار، فيشرئبّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. وكلّهم قد رآه، فيذبح، ثمّ يقول: يا أهل الجنّة، خلود فلا موت، ويا أهل النّار، خلود فلا موت، ثمّ قرأ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ- وهؤلاء في غفلة أهل الدّنيا- وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» ) * «4» . 10- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة- رضي الله عنه-: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح عنه «5» ، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد؟ فو الله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله «6» ، ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله «7» ، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشّرين ومنذرين، ولا شخص أحبّ إليه المدحة «8» من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنّة «9» » ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7349) . (2) (النذير العريان) قال العلماء: أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم، وأكثر ما يفعل ذلك ربيئة القوم، وهو طليعتهم ورقيبهم، وقال ابن بطال: النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف الى قومه فحذرهم، فضرب به المثل في تحقيق الخبر.. راجع: الفتح (11/ 323) . (3) البخاري- الفتح (11/ 322، 323) واللفظ له. ومسلم (2283) . (4) البخاري- الفتح 8 (4730) واللفظ له، ومسلم (2849) . (5) غير مصفح:- بكسر الفاء وفتحها. أما على الكسر فمعناه: غير ضارب بصفح السيف وإنما بحده، وأما بالفتح فعلى أنها وصف للسيف وحال منه. ومن كسر جعلها وصفا للضارب وحالا منه. (6) ولا شخص أغير من الله: أي لا أحد. وقيل: لا شخص- استعارة- وقيل: معناه لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله تعالى ولا يتصور ذلك منه. (7) ولا شخص أحب إليه العذر من الله، أي ليس أحد أحب إليه الإعذار من الله تعالى، فالعذر بمعنى الإعذار والإنذار قبل أخذهم بالعقوبة، ولهذا بعث المرسلين. (8) المدحة: أي المدح. (9) من أجل ذلك وعد الله الجنة: أي لما وعدها ورغب فيها كثر سؤال العباد إياها منه والثناء عليه. (10) البخاري- الفتح 13 (741) . ومسلم (1499) واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 11- * (عن أبي غالب الرّاسبيّ أنّه لقي أبا أمامة- رضي الله عنه- بحمص فسأله عن أشياء، حدّثهم أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «ما من عبد مسلم يسمع أذان صلاة فقام إلى وضوئه إلّا غفر الله له بأوّل قطرة تصيب كفّه من ذلك الماء، فبعدد ذلك القطر حتّى يفرغ من وضوئه إلّا غفر له ما سلف من ذنوبه وقام إلى صلاته وهي نافلة» ، قال أبو غالب: قلت لأبي أمامة: أنت سمعت هذا من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: إي، والّذي بعثه بالحقّ بشيرا ونذيرا. غير مرّة، ولا مرّتين، ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس ولا ستّ ولا سبع ولا ثمان ولا تسع ولا عشر وعشر وعشر، وصفّق بيديه» * «1» . 12- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ هذه الآية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. قال في التّوراة: «يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «2» . 13- * (عن أنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزا خيبر فصلّينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم في زقاق خيبر وإنّ ركبتي لتمسّ فخذ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ حسر الإزار عن فخذه حتّى أنّي أنظر إلى بياض فخذ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا دخل القرية قال: «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» . قالها ثلاثا. قال: وخرج القوم إلى أعمالهم، فقالوا: «محمّد- قال عبد العزيز، وقال بعض أصحابنا- والخميس: يعني الجيش. قال: فأصبناها عنوة، فجمع السّبي، فجاء دحية فقال: يا نبيّ الله، أعطني جارية من السّبي. قال: اذهب فخذ جارية. فأخذ صفيّة بنت حييّ، فجاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبيّ الله: أعطيت دحية بنت حييّ سيّدة قريظة والنّضير، لا تصلح إلّا لك. قال: ادعوه بها، فجاء بها، فلمّا نظر إليها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خذ جارية من السّبي غيرها» . قال: فأعتقها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتزوّجها، فقال له ثابت: يا أبا حمزة، ما أصدقها؟ قال: نفسها، أعتقها وتزوّجها حتّى إذا كان بالطّريق جهّزتها له أمّ سليم فأهدتها له من اللّيل، فأصبح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عروسا، فقال: «من كان عنده شيء فليجىء به» ، وبسط نطعا فجعل الرّجل يجيء بالتّمر، والرّجل يجيء   (1) مسند أحمد (5/ 254) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط. وفي رواية أحمد عبد الحميد بن بهرام عن شهر واختلف في الاحتجاج بهما والصحيح أنهما ثقات. (2) البخاري- الفتح 8 (4838) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 بالسّمن، قال: وأحسبه قد ذكر السّويق، قال فحاسوا حيسا، فكانت وليمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» . 14- * (عن عروة بن الزّبير عن المسور بن مخرمة ومروان- يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه- قالا: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل، فألحّت. فقالوا: خلأت القصواء. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل.. الحديث» ) * «2» . من الأحاديث الواردة في (الإنذار) معنى 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعذر الله إلى امرىء أخّر عمره حتّى بلّغة ستّين سنة» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإنذار) 16- * (عن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا فاجتمعوا، فعمّ وخصّ، فقال: يا بني كعب بن لؤيّ، يا بني مرّة بن كعب، يا بني عبد شمس، ويا بني عبد مناف، ويا بني هاشم، ويا بني عبد المطّلب أنقذوا أنفسكم من النّار. ويا فاطمة   (1) البخاري- الفتح 1 (371) واللفظ له، ومسلم (120) مختصرا. (2) البخاري- الفتح 5 (2731، 3732) . (3) البخاري- الفتح 11 (6419) واللفظ له، وأحمد في مسنده (2/ 275) حديث رقم (7699) بلفظ (لقد أعذر الله إلى عبد..) ثم كررها في آخر الحديث مرتين. قال ابن بطال: إنما كانت الستون حدا لهذا لأنها قريبة من المعترك، وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية، فهذا إعذار بعد إعذار، لطفا من الله بعباده حتى نقلهم من حالة الجهل الى حالة العلم، ثم أعذر اليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة وإن كانوا فطروا على حبّ الدنيا وطول الأمل، لكنهم أمروا بمجاهدة النفس في ذلك ليمتثلوا ما أمروا به من الطاعة وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية. وفي الحديث إشارة إلى أن استكمال الستين مظنة لانقضاء الأجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 أنقذي نفسك من النّار، إنّي لا أملك لكم من الله شيئا غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها «1» » ) * «2» . 17- * (عن سماك قال: «سمعت النّعمان يخطب وعليه خميصة له، فقال: لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب وهو يقول: «أنذرتكم النّار» ، فلو أنّ رجلا موضع كذا وكذا سمع صوته» «3» . وفي رواية: «حتّى لو كان رجل كان في أقصى السّوق سمعه وسمع أهل السّوق صوته وهو على المنبر» ) * «4» . 18- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عديّ- لبطون قريش- حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) * «5» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أنزل الله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال: يا معشر قريش- أو كلمة نحوها- اشتروا لأنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا. يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئا. يا عبّاس بن عبد المطّلب، لا أغني عنك من الله شيئا. ويا صفيّة عمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا أغني عنك من الله شيئا. ويا فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وسلّم سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» ) * «6» .   (1) غير ان لكم رحما سأبلها ببلالها: أي أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئا، والبلال: جمع بلل، وقيل: هو كل ما بل الحلق من ماء أو لبن أو غيره. (2) النسائي (3644) ، والترمذي (2310) . وقال: حديث حسن غريب. (3) مسند أحمد (4/ 268) . (4) المرجع السابق (4/ 272) . (5) البخاري- الفتح 8 (4770) واللفظ له، ومسند أحمد (1/ 281) حديث رقم (2544) وروايته (صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما الصفا، فقال: يا صباحاه، يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: أرأيتم لو أخبرتكم.. إلخ. (6) البخاري- الفتح 8 (4771) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإنذار) 1- * (قال ابن حجر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً أي: شاهدا على الأمّة، ومبشّرا للمطيعين بالجنّة وللعصاة بالنّار، أو شاهدا للرّسل قبله بالإبلاغ» ) * «1» . 2- * (قال الطّبريّ في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً* أي: وما أرسلناك يا محمّد إلى من أرسلناك إليه إلّا مبشّرا بالثّواب الجزيل من آمن بك وصدّقّك وآمن بالّذي جئتهم به من عندي وعملوا به (ونذيرا) من كذّبك وكذّب ما جئتهم به من عندي. فلم يصدّقوا به، ولم يعملوا..» ) * «2» . 3- * (قال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً أي: تبارك الّذي نزّل الفصل بين الحقّ والباطل فصلا بعد فصل وسورة بعد سورة على عبده محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليكون محمّد لجميع الجنّ والإنس الّذين بعثه الله إليهم داعيا إليه (نذيرا) يعني منذرا ينذرهم عقابه، ويخوّفهم عذابه إن لم يوحّدوه ولم يخلصوا له العبادة ويخلعوا كلّ ما دونه من الآلهة والأوثان» ) * «3» . 4- * (قال ابن زيد في قوله تبارك وتعالى: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً. قال: النّبيّ النّذير، وقرأ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ، وقرأ وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ قال: المنذرون، الرّسل. قال: وكان نذيرا واحدا بلغ ما بين المشرق والمغرب ذو القرنين، ثمّ بلغ السّدّين، وكان نذيرا، ولم أسمع أحدا يحقّ أنّه كان نبيّا» ) * «4» . 5- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً يقولون: هلّا أنزل إليه ملك من عند الله فيكون شاهدا على صدق ما يدّعيه) * «5» . 6- * (قال ابن حجر في قوله تعالى: ... وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ اختلف أهل التّفسير فيه، فالأكثر على أنّ المراد به الشّيب، لأنّه يأتي في سنّ الكهولة فما بعدها، وهو علامة لمفارقة سنّ الصّبا الّذي هو مظنّة اللهو. وقال عليّ: المراد به: النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «6» . 7- * (قال ابن كثير في قوله تعالى في قصّة نوح مع قومه، وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أي إنّما بعثت نذيرا فمن أطاعني واتّبعني وصدّقني كان منّي وأنا منه سواء كان شريفا أو وضيعا، جليلا أو حقيرا» ) * «7» . 8- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ (فاطر/ 37) وقرأ: وجاءتكم النّذر واختلف فيه، فقيل: القرآن. وقيل: الرّسول.   (1) الفتح (8/ 450) . (2) تفسير الطبري المجلد التاسع (19/ 18) . (3) المرجع السابق (18/ 136) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) تفسير ابن كثير (3/ 322) . (6) الفتح (11/ 243) . (7) تفسير ابن كثير (3/ 352) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 وقال ابن عبّاس وعكرمة وسفيان ووكيع والحسين بن الفضل والفرّاء والطّبريّ: هو الشّيب. وقيل: النّذير: الحمّى. وقيل: موت الأهل والأقارب. وقيل: كمال العقل. والنّذير: بمعنى الإنذار. ثمّ قال: فالشّيب، والحمّى، وموت الأهل كلّه إنذار بالموت، قال صلّى الله عليه وسلّم «الحمّى رائد الموت» . قال الأزهريّ معناه أنّ الحمّى رسول الموت، أي كأنّها تشعر بقدومه وتنذر بمجيئه. والشّيب نذير أيضا. لأنّه يأتي في سنّ الاكتهال وهو علامة لمفارقة سنّ الصّبا الّذي هو سنّ اللهو واللّعب. قال: رأيت الشّيب من نذر المنايا ... لصاحبه وحسبك من نذير وقال آخر: فقلت لها: المشيب نذير عمري ... ولست مسوّئا وجه النّذير وأمّا موت الأهل والأقارب والأصحاب والإخوان فإنذار بالرّحيل في كلّ وقت وأوان، وحين وزمان. قال: وأراك تحملهم ولست تردّهم ... فكأنّني بك قد حملت فلم ترد وقال آخر: الموت في كلّ حين ينشر الكفنا ... ونحن في غفلة عمّا يراد بنا وأمّا كمال العقل فبه تعرف حقائق الأمور، ويفصل بين الحسنات والسّيّئات، فالعاقل يعمل لآخرته، ويرغب فيما عند ربّه، فهو نذير. وأمّا محمّد صلّى الله عليه وسلّم فبعثه الله بشيرا ونذيرا إلى عباده، قطعا لحججهم، قال تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... ، وقال: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) * «1» . 9- * (قال أبو حيّان في قوله تعالى وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً إلى قوله تعالى وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (التوبة/ 122) . « ... والّذي يظهر أنّ هذه الآية إنّما جاءت للحضّ على طلب العلم والتّفقّه في دين الله، وأنّه لا يمكن أن يرحل المؤمنون كلّهم في ذلك، فتعرى بلادهم منهم، ويستولي عليها وعلى ذراريهم أعداؤهم، فهلّا رحل طائفة منهم للتّفقّه في الدّين ولإنذار قومهم، فذكر العلّة للنّفير وهي التّفقه أوّلا، ثمّ الإعلام لقومهم بما علموه من أمر الشّريعة. أي: فهلّا نفر من كلّ جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم، فكفوهم النّفير، وقام كلّ بمصلحة، هذه بحفظ بلادهم وقتال أعدائهم، وهذه لتعلّم العلم وإفادتها المقيمين إذا رجعوا إليهم. وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ أي: وليجعلوا غرضهم ومرمى همّتهم في التّفقّه إنذار قومهم وإرشادهم والنّصيحة لهم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ إرادة أن يحذروا الله تعالى فيعملوا عملا صالحا. ووجه آخر، وهو: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا بعث بعثا بعد غزوة تبوك، وبعد ما نزل في المتخلّفين من الآيات الشّدائد استبق المؤمنون عن آخرهم إلى النّفير، وانقطعوا جميعا عن الوحي والتّفقّه في الدّين،   (1) تفسير القرطبي (14/ 353- 354) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 فأمروا بأن ينفر من كلّ فرقة منهم طائفة إلى الجهاد، وتبقى أعقابهم يتفقّهون حتّى لا ينقطعوا عن التّفقّه الّذي هو الجهاد الأكبر، لأنّ الجهاد بالحجّة أعظم أمرا من الجهاد بالسّيف. وقوله تعالى لِيَتَفَقَّهُوا الضّمير فيه للفرق الباقية بعد الطّوائف النّافرة (ولينذروا قومهم) ولتنذر الفرق الباقية قومهم النّافرين إذا رجعوا إليهم ما حصّلوا في أيّام غيبتهم من العلوم ... » ) * «1» . 10- * (قال ابن حجر في قوله تعالى ... وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ.. عن ابن عباس: يعني أهل مكّة، وقوله وَمَنْ بَلَغَ ... قال: ومن بلغه هذا القرآن من النّاس فهو له نذير» ) * «2» . 11- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ خصّ عشيرته الأقربين بالإنذار لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إيّاهم على الشّرك. وعشيرته الأقربون: قريش. وقيل: بنو عبد مناف) * «3» . 12- * (قال أبو حيّان في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ العشيرة تحت الفخذ وفوق الفصيلة، ونبّه على العشيرة وإن كان مأمورا بإنذار النّاس كافّة كما قال أَنْذِرِ النَّاسَ؟ (يونس/ 2) ، لأنّ في إنذارهم- وهم عشيرته- عدم محاباة ولطف بهم، وأنّهم والنّاس في ذلك شرع واحد في التّخويف والإنذار، فإذا كانت القرابة قد خوّفوا وأنذروا مع ما يلحق الإنسان في حقّهم من الرّأفة كان غيرهم في ذلك أوكد وأدخل، أو لأنّ البداءة تكون بمن يليه ثمّ من بعده، كما قال قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ (التوبة/ 123) وقال عليه الصّلاة والسّلام: «كلّ ربا في الجاهليّة موضوع تحت قدميّ هاتين فأوّل ما أضع ربا العبّاس» إذ العشيرة مظنّة الطّواعية، ويمكنه من الغلظة عليهم ما لا يمكنه مع غيرهم، وهم له أشدّ احتمالا. وامتثل صلّى الله عليه وسلّم ما أمره به ربّه من إنذار عشيرته، فنادى الأقرب فالأقرب فخذا» ) * «4» . 13- * (قال ابن كثير في قوله تعالى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ الآية ... أي: إنّما يتّعظ بما جئت به أولو البصائر والنّهى الخائفون من ربّهم الفاعلون ما أمرهم به) * «5» . 14- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (وأنذر به) أي بالقرآن. وقيل (به) أي بالله. وقيل: باليوم الآخر. وخصّ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا لأنّ الحجّة عليهم أوجب، فهم خائفون من عذابه، لا أنّهم يتردّدون في الحشر، فالمعنى: (يخافون) أي يتوقّعون عذاب الحشر. وقيل: (يخافون) يعلمون. فإن كان مسلما أنذر ليترك المعاصي، وإن كان من أهل الكتاب أنذر ليتّبع الحقّ. وقال الحسن: المراد المؤمنون. قال الزّجّاج: كلّ من أقرّ بالبعث من مؤمن وكافر. وقيل: الآية في المشركين، أي:   (1) تفسير البحر المحيط (5/ 116- 117) . (2) الفتح (8/ 137) . (3) تفسير القرطبي (13/ 143) . (4) تفسير البحر المحيط (7/ 43) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم «كل ربا في الجاهلية موضوع ... » . (5) تفسير ابن كثير (3/ 569) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 أنذرهم بيوم القيامة. والأوّل أظهر) * «1» . 15- * (قال الطّبري في قوله تعالى وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (الإسراء/ 41) يقول- تعالى ذكره-: ولقد صرّفنا لهؤلاء المشركين المفترين على الله في هذا القرآن العبر والآيات والحجج، وضربنا لهم فيه الأمثال، وحذّرناهم فيه، وأنذرناهم ليتذكّروا تلك الحجج عليهم فيعقلوا خطأ ما هم عليه مقيمون، ويعتبروا بالعبر فيتّعظوا بها، وينيبوا من جهالتهم فما يعتبرون بها، ولا يتذكّرون بما يرد عليهم من الآيات والنّذر (وما يزيدهم) تذكيرنا إيّاهم (إلّا نفورا) أي: إلّا ذهابا عن الحقّ وبعدا منه وهربا) * «2» . 16- * (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ قال: أي أنذر عذاب ربّك ووقائعه في الأمم وشدّة نقمته إذا انتقم) * «3» 17- وقال الشّافعيّ: خبت «4» ، نار نفسي باشتعال مفارقي «5» ... وأظلم ليلي إذ أضاء شهابها أيا بومة قد عشّشت فوق هامتي «6» ... على الرّغم منّي حين طار غرابها رأيت خراب العمر منّي فزرتني ... ومأواك من كلّ الدّيار خرابها أأنعم عيشا بعد ما حلّ عارضي «7» ... طلائع شيب ليس يغني خضابها «8» وعزّة عمر المرء قبل مشيبه ... وقد فنيت نفس تولّى شبابها إذا اصفرّ لون المرء وابيضّ شعره ... تنغّص «9» من أيّامه مستطابها فدع عنك سوءات الأمور «10» فإنّها ... حرام على نفس التّقيّ ارتكابها «11» 18- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (النجم/ 56) . قال ابن جريج ومحمّد بن كعب: يريد أنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم نذير بالحقّ الّذي أنذر به الأنبياء قبله، فإن أطعتموه أفلحتم، وإلّا حلّ بكم ما حلّ بمكذّبي الرّسل السّالفة) * «12» . 19- * (وقال قتادة: يريد القرآن، وأنّه نذير بما أنذرت به الكتب الأولى. وقيل: أي هذا الّذي أخبرنا به من أخبار الأمم الماضية الّذين هلكوا تخويف لهذه الأمّة من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك من النّذر) * «13» . 20- * (وقال السّدّيّ: أخبرني أبو صالح قال: هذه الحروف الّتي ذكر الله تعالى من قوله تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ إلى قوله: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى كلّ هذه في صحف إبراهيم وموسى) * «14» .   (1) تفسير القرطبي (6/ 430- 431) . (2) تفسير الطبري (14/ 64) ط. دار الفكر. (3) الدر المنثور (8/ 325) وتفسير الطبري (14/ 144) ط. دار الفكر. (4) خبت: أطفئت. (5) المفارق: جمع مفرق وهو وسط الرأس. (6) الهامة: الرأس. (7) العارض: صفحة خد الإنسان. (8) الخضاب: ما يلون به الشعر. (9) تنغص: تكدر وساء. (10) سوءات الأمور: قبيحها وساقطها. (11) ديوانه (50- 51) . (12) تفسير القرطبي (17/ 121) . (13) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (14) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 من فوائد (الإنذار) (1) الإنذار يبرّأ ساحة المنذر من المسئوليّة تجاه الآخرين. (2) قبول الإنذار دليل على خشية المنذر واتّباعه الذّكر. (3) قبول الإنذار فيه بشارة بدخول الجنّة. (4) قبول الإنذار يؤذن بمغفرة الذّنوب ووعد بالأجر والثّواب. (5) الإنذار فيه اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (6) المنذر مؤتمن على قومه حريص عليهم. (7) في إنذار الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الأمّة دليل على كمال شفقته ورحمته بالأمّة. (8) في الإنذار انقطاع عذر الكفّار والمنافقين وإقامة الحجّة عليهم. (9) في اقتران الإنذار بالبشارة في كثير من آي الذّكر الحكيم والأحاديث الشّريفة دليل على أنّ المنذر يراعي حالة النّاس ويهتمّ بأمر المخاطبين الّذين قد يحتاجون إلى الإنذار والتّخويف أحيانا وإلى التّبشير بالجنّة وثواب الله أحيانا، وإليهما معا في أحيان ثالثة. (10) للإنذار وسائل عديدة فقد يكون بيوم الآزفة أو بالحسرة في القيامة وقد يكون بالقرآن أو بالشّيب في الدّنيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 الإنصاف / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 6/ 9/ 33/ الإنصاف لغة: مصدر قولهم: أنصف ينصف، وهو مأخوذ من مادّة «ن ص ف» الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما: شطر الشّيء، والآخر: على جنس من الخدمة والاستعمال، فالأوّل: نصف الشّيء ونصيفه شطره، وفي الحديث: «ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» . ومن ذلك الإنصاف في المعاملة، وكأنّه الرّضا بالنّصف، والنّصف: الإنصاف أيضا «1» . والنّصف أحد شقّي الشّيء، والنّصف أيضا: النّصفة، وهي الاسم من الإنصاف، قال الفرزدق: ولكنّ نصفا لو سببت وسبّني ... بنو عبد شمس من مناف وهاشم يقال: أنصف النّهار: أي انتصف، وأنصف (الشّخص) إذا عدل، ويقال: أنصفه من نفسه، وانتصفت أنا منه، وتناصف القوم: أي أنصف بعضهم بعضا من نفسه «2» . وقيل: إذا تعاطوا الحقّ بينهم «3» . وأنصفت الرّجل إنصافا: عاملته بالعدل والقسط «4» . وقيل: إذا أعطيته الحقّ «5» . وقال الفيروز اباديّ: يقال: نصفهم ينصفهم وينصفهم نصافا ونصافة إذا خدمهم، والنّصف والنّصفة: الاسم من الإنصاف، أي العدل، وتناصفوا: أنصف بعضهم بعضا، قال ابن هرمة: من ذا رسول ناصح فمبلّغ ... عنّي عليّه غير قيل الكاذب أنّى غرضت إلى تناصف وجهها ... غرض المحبّ إلى الحبيب الغائب يعني استواء المحاسن كأنّ بعض أجزاء الوجه أنصف بعضا في أخذ قسطه من الجمال «6» . وقال في القاموس: انتصف منه: استوفى حقّه منه كاملا حتّى صار كلّ على النّصف سواء، كاستنصف منه، وتنصّف السّلطان سأله أن ينصفه «7» . وفي لسان العرب: النّصف: أحد شقّي الشّيء، وقيل أحد جزأي الكمال، ونصف الشّيء، وانتصفه، وتنصّفه ونصّفه: أخذ نصفه ونصف الشّيء الشّيء ينصفه: بلغ نصفه، وقيل: كلّ ما بلغ نصفه في ذاته فقد أنصف، وكلّ ما بلغ نصفه في غيره فقد نصف. ومنصف الشّيء: وسطه، والمنصف: نصف الطّريق، وفي الحديث: حتّى إذا كان بالمنصف أي الموضع   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 431- 432) . (2) الصحاح (4/ 1432- 1434) . (3) الجمهرة لابن دريد (3/ 82) . (4) المصباح المنير (835) . (5) الجمهرة (3/ 82) . (6) باختصار وتصرف يسير عن بصائر ذوي التمييز (5/ 71- 72) . (7) القاموس المحيط (1107) ط. بيروت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 الوسط بين الموضعين، ومنتصف اللّيل والنّهار وسطه، ونصّفت الشّيء: إذا أخذت نصفه، وتنصيف الشّيء جعله نصفين. والنّصف والنّصفة والإنصاف: إعطاء الحقّ، وقد انتصف منه (أخذ حقّه) ، وأنصف الرّجل صاحبه إنصافا، وقد أعطاه النّصفة وقال بعضهم: أنصف إذا أخذ الحقّ وأعطى الحقّ، وتفسير ذلك أن تعطي لغيرك من نفسك النّصف أي تعطيه من الحقّ كالّذي تستحقّ لنفسك، يقال: انتصفت من فلان: أي أخذت حقّي كملا حتّى صرت أنا وهو على النّصف سواء «1» ، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- مع زنباع بن روح: متى ألق زنباع بن روح ببلدة ... لي النّصف منها، يقرع السّنّ من ندم النّصف بالكسر، الانتصاف، ومن ذلك أيضا قول عليّ- رضي الله عنه- «ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا» أي إنصافا «2» . ويأتي النّصف والإنصاف والنّصافة بمعنى الخدمة، يقال نصفه ينصفه وينصفه نصفا ونصافة ونصافا ونصافا وأنصفه وتنصّفه كلّه: خدمه «3» ، وأنشد الجوهريّ للّتنصّف بمعنى الخدمة قول حرقة بنت النّعمان: فبينا نسوس النّاس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف «4» . وقد يأتي التّنصّف بمعنى العبادة، وأنشد ابن برّيّ شاهدا على ذلك قول الشّاعر: فإنّ الإله تنصّفته ... بألّا أعقّ وألّا أحوبا وقد يأتي التنصّف بمعنى طلب المعروف «5» . الإنصاف اصطلاحا: قال المناويّ: الإنصاف: هو العدل في المعاملة بأن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلّا ما يعطيه، ولا ينيله من المضارّ إلّا كما ينيله «6» ، وأضاف الرّاغب إلى ذلك: الإنصاف في الخدمة وهو أن يعطي صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النّفع «7» . وقيل: هو استيفاء الحقوق لأربابها واستخراجها بالأيدي العادلة والسّياسات الفاضلة. ويؤخذ من كلام اللّغويّين والمفسّرين وشرّاح الحديث أنّه يمكن تعريف الإنصاف أيضا بأنّه: أن تعطي غيرك من الحقّ مثل الّذي تحبّ أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون ذلك بالأقوال والأفعال، في الرّضا والغضب، مع من نحبّ ومع من نكره. بين الإنصاف والعدل: قال المناويّ: الإنصاف والعدل توءمان نتيجتهما علوّ الهمّة وبراءة الذّمّة باكتساب الفضائل وتجنّب الرّذائل «8» . أنواع الإنصاف: للإنصاف أنواع عديدة منها: أن ينصف المرء نفسه من نفسه، إذ كيف   (1) لسان العرب (9/ 332) ط. بيروت. (2) النهاية لابن الأثير (5/ 66) . (3) لسان العرب (9/ 333) ط. بيروت. (4) الصحاح للجوهري (4/ 1433) . (5) لسان العرب (9/ 333) ط. بيروت. (6) التوقيف على مهمات التعاريف (64) . (7) المفردات (475) تحقيق محمد أحمد خلف الله. (8) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (64) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 ينصف النّاس من لا ينصف نفسه. أن ينصف المرء خالقه عزّ وجلّ، حيث لا يتصوّر أن ينصف المخلوقين من لا ينصف الخالق عزّ وجلّ. إنصاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. إنصاف العباد. وسوف نتحدّث عن هذه الأنواع المختلفة بإيجاز فيما يلي: أوّلا: إنصاف المرء نفسه من نفسه: إنّ أولى درجات الإنصاف، أن يكون الإنسان منصفا نفسه لأنّ من لم يفعل ذلك لا يستطيع إنصاف غيره انطلاقا من القاعدة المعروفة [فاقد الشّيء لا يعطيه] يقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى- ويدخل في الإنصاف: إنصاف المرء نفسه من نفسه، بألّا يدّعي لها ما ليس لها، ولا يخبّثها بتدنيسه لها، وتصغيره إيّاها وتحقيرها بمعاصي الله عزّ وجلّ، بل ينمّيها ويكبّرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده، وحبّه وخوفه ورجائه، والتّوكّل عليه، والإنابة إليه، وإيثار مرضاته على مراضي الخلق ومحابّهم.. إنّ إنصاف المرء نفسه من نفسه يوجب عليه معرفة ربّه وحقّه عليه، ومعرفة نفسه، وما خلقت له، وألّا يزاحم بها مالكها وفاطرها ويدّعي لها الملكة والاستحقاق، ويزاحم مراد سيّده، ويدفعه بمراده هو، أو يقدّم مراده (كالشّهوات مثلا) ويؤثره على مراد مولاه، أو يقسم إرادته بين مراد سيّده ومراده هو، وهذه قسمة ضيزى مثل قسمة الّذين قالوا: هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (الأنعام/ 136) . فلينظر العبد ألّا يكون من أهل هذه القسمة بين نفسه وشركائه (من ناحية) ، وبين الله عزّ وجلّ (من ناحية أخرى) . وإلّا يفعل لبّس عليه وهو لا يشعر، وكيف ينصف غيره من لم ينصف نفسه؟ فظلمها أقبح الظّلم، وسعى في ضررها أعظم السّعي، ومنعها أعظم لذّاتها من حيث ظنّ أنّه يعطيها إيّاها فأتعبها كلّ التّعب، وأشقاها كلّ الشّقاء من حيث ظنّ أنّه يريحها ويسعدها، وجدّ كلّ الجدّ في حرمانها حظّها من الله عزّ وجلّ وهو يظنّ أنّه ينيلها حظوظها، كيف يرجى الإنصاف (للغير) ممّن هذا إنصافه لنفسه؟ إذا كان هذا فعل العبد بنفسه، فماذا تراه بالأجانب يفعل؟ «1» . ثانيا: إنصاف الله- عزّ وجلّ-: قال ابن القيّم: «طوبى لمن أنصف ربّه فأقرّ له بالجهل في علمه، والآفات في عمله، والعيوب في نفسه، والتّفريط في حقّه، والظّلم في معاملته، فإن آخذه بذنوبه رأى عدله، وإن لم يؤاخذه بها رأى فضله، وإن عمل حسنة رآها من منّته وصدقته عليه، فإن قبلها فمنّة وصدقة ثانية، وإن ردّها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به، وإن عمل سيّئة رآها من تخلّيه عنه وخذلانه له، وإمساك عصمته عنه، وذلك من عدله فيه، فيرى في ذلك فقره إلى ربّه، وظلمه في نفسه، فإن غفرها له فبمحض إحسانه وجوده وكرمه. ونكتة   (1) باختصار وتصرف عن زاد المعاد لابن القيم (2/ 408- 410) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 المسألة وسرّها أنّه لا يرى ربّه إلّا محسنا، ولا يرى نفسه إلّا مسيئا أو مفرّطا أو مقصّرا، فيرى كلّ ما يسرّه من فضل ربّه عليه، وإحسانه إليه، وكلّ ما يسوؤه من ذنوبه وعدل الله فيه «1» . ومن الإنصاف في حقّ المولى عزّ وجلّ الإنصاف في معاملته، وفي هذا يقول ابن القيّم أيضا: «الإنصاف في معاملة الله أن يعطي العبوديّة حقّها، وأن لا ينازع ربّه صفات إلهيّته، وأن لا يشكر على نعمه سواه، ولا يستعين بها على معاصيه، ولا يحمد غيره، ولا يعبد سواه» «2» . ثالثا: إنصاف النبي صلّى الله عليه وسلّم: وذلك بالقيام بحقوقه صلّى الله عليه وسلّم من الإيمان به، ومحبّته وتقديمها على محبّة الخلق كلّهم، وطاعته وتوقيره وتبجيله، وتقديم أمره وقوله على أمر غيره وقوله. فمن الظّلم العظيم أن يخلّ العبد بشيء من حقوق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأرحم بهم وأرأف بهم من كلّ أحد من الخلق، وهو الّذي لم يصل إلى أحد خير إلّا على يديه. «3» . رابعا: إنصاف العباد يقصد بإنصاف العباد أن يقوم المسلم بإنصاف الغير من نفسه أو ممّن يحبّ، حتّى لو كان هذا الغير مخالفا له في الرّأي، أو في الدّين، أو في المذهب، أو غير ذلك ممّا يقتضي التّحامل، أو يكون مظنّة للجور، ومن إنصاف النّاس- كما يقول ابن القيّم: أن تؤدّي حقوقهم وألّا تطالبهم بما ليس لك، وألّا تحمّلهم فوق وسعهم، وأن تعاملهم بما تحبّ أن يعاملوك به، وأن تعفيهم ممّا تحبّ أن يعفوك منه، وأن تحكم لهم أو عليهم بما تحكم به لنفسك أو عليها «4» ، ولإنصاف العباد صور كثيرة ونماذج متعدّدة جاء بها القرآن الكريم والسّنّة المطهّرة، ودلّت عليها آثار سلفنا الصّالح، وهذا ما سوف نتناوله في الفقرة التالية. القرآن الكريم يقدم المثل الأعلى للإنصاف: إنّ إنصاف المرء أخاه في النّسب أو الدّين قد يكون أمرا معقولا تقرّه الطّبائع السّليمة والفطر النّقيّة، أمّا إنصاف العدوّ وتبرئة ساحته مع مخالفته لنا في الدّين فهذا ما لا يستطيعه إلّا من تربّى على مائدة الإسلام وتشبّع بروح العدل والإنصاف الّتي جاء بها القرآن، يقول أبو حيّان في تفسير قول الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (النساء/ 105) ، يتلخّص سبب النّزول في «أنّ طعمة ابن أبيرق سرق درعا في جراب فيه دقيق لقتادة بن النّعمان، وخبّأها عند يهوديّ، فحلف طعمة مالي بها علم، فاتّبعوا أثر الدّقيق إلى دار اليهوديّ، فقال اليهوديّ: دفعها إليّ طعمة» «5» . فلمّا همّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بالقضاء في هذه المسألة نزلت الآيات الكريمة (انظر   (1) الفوائد (49) . (2) نقلا عن كتاب الانصاف لابن غازي (24.) (3) الإنصاف لأبي الحسن ساعد بن عمر بن غازي (24) ، وقد نقل عن بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن السعدي (41- 42) . (4) زاد المعاد (2/ 407) بتصرف. (5) تفسير البحر المحيط (3/ 358) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 الشاهد الأول وهو الآيات 105- 113 من سورة النساء) مبرّءة ساحة هذا اليهوديّ ومنصفة. يقول أحد العلماء المعاصرين معلّقا على هذه الواقعة: يا لله! إنّه الإسلام! الإسلام وحده في تاريخ البشريّة كلّه. وغير الإسلام لم يكن ضميره ليتحرك لتبرئة متّهم ينتمي إلى قوم بينه وبينهم كلّ ذلك العداء. ألا إنّها القمّة السّامقة الّتي لا يقيمها ابتداء إلّا الإسلام، ولا يرقاها إلّا المسلمون في كلّ التّاريخ. لقد كانت كلّ الظّروف «مشجّعة» على اتّهام ذلك اليهوديّ وتبرئة ذلك المنافق الّذي ينتمي ولو شكلا إلى الإسلام!. فالعداوة بين المسلمين واليهود قائمة في المدينة، وكيد اليهود للمسلمين قائم واضح للعيان. إلّا أنّ الإسلام ما جاء ليتستّر على انحرافات البشريّة أو يتسامح مع شيء منها! وما جاء ليجاري الجاهليّات فيما تقع فيه من انحراف. وإنّما جاء لينشأ الإنسان الصّالح في الأرض. إنّها ليست حادثا عارضا يمرّ فينسى، إنّها درس هائل في التّربية على الأفق الأعلى لا يقدّمه إلّا الإسلام، ولا يقدر عليه إلّا المسلمون. وإنّه لدرس في التّطبيق العمليّ للإنصاف الإلهيّ والعدل الرّبّانيّ الّذي لم تعرفه أمة في التّاريخ، إلّا الأمّة الّتي ربّاها القرآن الكريم. تسع آيات كريمة تنزل لكشف ذلك المنافق الّذي انضمّ إلى المشركين بعد فضحه، ولتبرئة ساحة ذلك اليهوديّ، وما كان الإسلام ليتألّف قلب المنافق لأنّه يحمل اسما مسلما على حساب الإنصاف والعدل الّذي يريد إقامتهما في الأرض نبراسا لكلّ البشريّة.. لقد ذهب ابن أبيرق مع الشّيطان، وبقي ذلك الدّرس الرّبّانيّ الخالد درسا وعاه المسلمون وحفظوه، لتتعلّمه البشريّة منهم يوم تفيء إلى رشدها وتحبّ أن تعرف «1» الطّريق إلى ما فيه خيرها وسعادتها «2» . ومع أنّ هؤلاء اليهود هم أشدّ النّاس عداوة للّذين آمنوا إلّا أنّ هذه العداوة لم تمنع القرآن الكريم من إنصافهم إن هم أحسنوا أو أحسن بعضهم، ومن مظاهر هذا الإنصاف ثناؤه عزّ وجلّ على بني إسرائيل ثناء عظيما، يبلغ بهم ذروة شاهقة من الرّضا والتّقدير، كما قال تعالى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ   (1) دراسات قرآنية (466- 469) بتصرف وايجاز. (2) أين هذا ممّا نشاهده في عالمنا المعاصر من ازدواجية في الحكم على الناس وعلى أعمالهم؟ إنّ ازدواجية المعايير هذه قد أورثت كثيرا من النفوس حقدا ومرارة على الظالمين والطغاة الذين لا يعرفون معنى الإنصاف، وكان من آثار ذلك ما نشاهده اليوم من أعمال إرهابية طائشة لا تفرق بين ظالم ومظلوم. ليت اليهود ومن يوالونهم يطبقون على غيرهم ما طبقه القرآن الكريم عليهم منذ خمسة عشر قرنا من الزمان فينصفون المسلمين الذين أوقعهم حظهم التعس تحت سيطرتهم، ويعاملونهم بما عاملهم به المسلمون يوما ما- ولا يزالون- متأسين بروح القرآن الكريم. إنه لا خلاص للعالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه إلا بالتحلي بروح الإنصاف وإقامة العدل بين الناس جميعا بغض النظر عن جنسياتهم ودياناتهم وألوانهم، وإذا تم ذلك بالفعل جفت منابع الإرهاب وانقطعت حجة الإرهابيين، ونعم العالم كله بالسلام وساده الأمن والأمان، وما ذلك على الله- عز وجل- بعزيز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 يَعْدِلُونَ (الأعراف/ 159) وقوله عزّ من قائل: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) ، ثمّ في معظم الأحيان تبلغ حملته عليهم حدّا رهيبا من التّقريع والتّنديد، والذّمّ والتّوبيخ والسّبب في هذا الموقف القرآنيّ هو الإنصاف التّامّ لهم، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وكلّ ذي باطل ما يستحقّه، فهو يمدحهم إن أحسنوا وأطاعوا، وهو يذمّهم إن عاندوا وشاقّوا، وقد كان من تمام إنصافه عزّ وجلّ معهم أنّه دائما يستثني منهم القلّة الصّالحة- على ندرتها- كما قال تعالى: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ (المائدة/ 13) «1» . إنصاف الرسول صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين لأهل الذمة: لقد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإنصاف أهل الذّمّة والمستأمنين، ونهى عن ظلمهم في أحاديث كثيرة، فهو القائل صلّى الله عليه وسلّم: «من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» «2» . وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة «3» . وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما» «4» . وحرص الخلفاء الرّاشدون والصّحابة على ذلك، فها هو عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يوصي بأهل الذّمّة قائلا: «أوصيكم بذمّة الله فإنّها ذمّة نبيّكم ورزق عيالكم» . وروى مسلم عن المستورد بن شدّاد القرشيّ أنّه حدّث عن عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس» . فقال عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: لئن قلت ذاك إنّ فيهم لخصالا أربعا: إنّهم أحلم النّاس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك» . فانظر إلى إنصاف عمرو وذكره ما يعلمه من الخصال الحسنة للرّوم، مع أنّنا لا نشكّ في براءته منهم وعداوته لهم. وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثّمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد الله: «يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إليّ، قتلتم أنبياء الله- عزّ وجلّ-، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إيّاكم على أن أحيف عليكم. فقال اليهود: بهذا قامت السّموات والأرض» «5» . قال الحافظ بن عبد البرّ: وفيه أنّ المؤمن وإن   (1) انظر معركة الوجود بين القرآن والتلمود لعبد الستار سعيد (72- 75) بتصرف. (2) أبو داود 3 (3052) . (3) يرح بفتح الياء والمراد أصلها يراح والمعنى لم يجد ريح الجنة. (4) البخاري- الفتح 6 (3166) . (5) الحديث أخرجه أحمد (3/ 367) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 121) : ورجاله رجال الصحيح، إلا أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه، وللحديث شواهد في موطأ مالك (439) ، وأبي داود (347) ، وابن ماجة (1/ 557- 558) ، والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 أبغض في الله لا يحمله بغضه على ظلم من أبغضه» «1» . لقد امتثل عبد الله بن رواحة- رضي الله عنه- للمنهج الرّبّانيّ الّذي يكفل العدل بين النّاس، والّذي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه من المسلمين وغير المسلمين. ففي هذا الحقّ يتساوى عند الله المؤمنون وغير المؤمنين. قال تعالى: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (النساء/ 135) «2» . وقد أقرّ اليهود صنيع عبد الله بن رواحة لعلمهم أنّ العدل قد أمر الله عزّ وجلّ- به النّاس جميعا، لأنّه واجب لكلّ أحد على كلّ أحد في جميع الأحوال. والظّلم لا يباح منه شيء بحال، ولذا قالوا لعبد الله بن رواحة: (هذا الحقّ به تقوم السّماء والأرض) : أي بهذا الحقّ والعدل قامت السّموات فوق الرّءوس بغير عمد، والأرض استقرّت على الماء تحت الأقدام «3» . تناصف الصّحابة. رضوان الله عليهم.: لإنصاف الصّحابة- رضوان الله عليهم- غيرهم ممّن يحبون أو يكرهون أمثلة عديدة ونماذج مشرّفة ذكرنا كثيرا منها في الآثار فأغنى ذلك عن ذكرها هنا (انظر الآثار أرقام: 4، 5، 6، 7، 8) . إنصاف أهل السنة والجماعة للمبتدعة: وإذا كنّا مأمورين بالإنصاف مع غير المسلمين فلأن نكون منصفين لأهل البدعة ممّن لم يخرجوا عن الإسلام أولى. يقول ابن تيمية- رحمه الله-: كلّ من كان مؤمنا بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم فهو خير من كلّ من كفر به، وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة سواء كانت بدعة الخوارج والشّيعة والمرجئة والقدريّة أو غيرهم، فإنّ اليهود والنّصارى كفّار كفرا معلوما بالاضطرار من دين الإسلام، والمبتدع إذا كان يحسب أنّه موافق لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا مخالف له لم يكن كافرا به، ولو قدر أنّه يكفّر فليس كفره مثل كفر من كذّب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم «4» . وقال- وهو يتحدّث عن الصّوفيّة وما أحدثوه من السّماع والرّقص وتمزيق الثّياب: «والّذين شهدوا هذا اللّغو متأوّلين من أهل الصّدق والإخلاص غمرت حسناتهم ما كان لهم من السّيّئات أو الخطأ في مواقع الاجتهاد، وهذا سبيل كلّ صالحي الأمّة في خطئهم وزلّاتهم» «5» . وقال فيمن خالفوه وكفّروه من أهل البدع: «هذا، وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنّه وإن تعدّى حدود الله فيّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبيّة جاهليّة فأنا لا أتعدّى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمّا بالكتاب الّذي أنزله الله وجعله هدى للنّاس حاكما فيما اختلفوا فيه» . إلى أن قال: «وذلك أنّك ما جزيت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه» «6» . وأمّا ابن القيّم- رحمه الله- فحين تحدّث عن   (1) التمهيد (9/ 140) . (2) المرجع السابق نفسه. (3) عون المعبود شرح سنن أبي داود (3/ 273) بواسطة الإنصاف (51) . (4) مجموع الفتاوى (35/ 201) . (5) الاستقامة (1/ 197- 198) . (6) مجموع الفتاوى (3/ 245- 246) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 582 الصّوفيّة وشطحاتهم قال فيما قال: « ... هذا ونحوه من الشّطحات الّتي ترجى مغفرتها بكثرة الحسنات، ويستغرقها كمال الصّدق، وصحّة المعاملة، وقوّة الإخلاص، وتجريد التّوحيد، ولم تضمن العصمة لبشر بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولو كان (كلّ) من أخطأ أو غلط ترك جملة، وأهدرت محاسنه، لفسدت العلوم والصّناعات، والحكم، وتعطّلت معالمها «1» . وإذا كانت هذه الشّطحات قد أوجبت فتنة على طائفتين من النّاس: إحداهما حجبت بها (أي بالشّطحات) عن محاسن هذه الطّائفة والأخرى: حجبت بما رأوه من محاسن القوم عن رؤية عيوب شطحاتهم وكلا هاتين الطّائفتين معتد مفرّط. أمّا أهل العدل والإنصاف فهم هؤلاء الّذين أعطوا كلّ ذي حقّ حقّه، ولم يحكموا للصّحيح بحكم السّقيم، ولا للسّقيم بحكم الصّحيح، ولكن قبلوا ما يقبل وردّوا ما يردّ «2» . آداب أهل الإنصاف: التّحلّي بصفة الإنصاف، وسلوك درب المنصفين يلزم معه التّأدّب باداب خاصّة، وقد التزم بها أهل السّنّة والجماعة، وعلى من يسير على منهجهم أن يتأدّب بتلك الاداب، وأهمّها: 1- التّجرّد وتحرّي القصد عند الكلام على المخالفين: وذلك أنّه قد تلتبس المقاصد عند الكلام عن المخالفين، فهناك قصد حبّ الظّهور، وقصد التّشفّي والانتقام، وقصد الانتصار للنّفس أو للطّائفة الّتي ينتمي إليها النّاقد.. وقد حذّر ابن تيمية من يردّ على أهل البدع من التباس المقاصد فقال: « ... وهكذا الرّدّ على أهل البدع من الرّافضة وغيرهم، وإذا غلّظ في ذمّ بدعة أو معصية كان قصده بيان ما فيها من إفساد ليحذر العباد، كما في نصوص الوعيد وغيرها. وقد يهجر الرّجل عقوبة وتعزيرا والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرّحمة والإحسان، لا للتّشفّي والانتقام» وقد انتبه ابن القيّم- رحمه الله- إلى هذا الأمر فوضع قاعدة لمن يريد أن يتجرّد من الهوى فقال: «وكلّ أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف بها حقيقة ما تحت الألفاظ من الحقّ والباطل، ولا تغترّ باللّفظ كما قيل في هذا المعنى: تقول هذا جنى النّحل تمدحه ... وإن تشأ قلت: ذا قيء الزّنابير مدحا وذمّا وما جاوزت وصفهما ... والحقّ قد يعتريه سوء تعبير 2- أهمية التبين والتثبت قبل إصدار الأحكام: وذلك امتثالا لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (الحجرات/ 6) ، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (النساء/ 94) .   (1) مدارج السالكين (2/ 40، 41) . (2) مدارج السالكين (2/ 41) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 583 والتّبيّن والتّثبّت من خصائص أهل الإيمان، قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «المؤمن وقّاف حتّى يتبيّن» وقال الإمام محمّد بن عبد الوهّاب- رحمه الله-: «ومتى لم يتبيّن لكم المسألة لم يحلّ لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتّى يتبيّن لكم خطؤه، بل الواجب السّكوت والتّوقّف» . 3- حمل الكلام على أحسن الوجوه، وإحسان الظن بالمسلمين: فالواجب على المسلم أن يحسن الظّنّ بكلام أخيه المسلم، وأن يحمل العبارة المحتملة محملا حسنا. فقد حثّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على إحسان الظّنّ بالمسلم حين قال وهو يطوف بالكعبة: «ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والّذي نفس محمّد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن لا يظنّ به إلّا خيرا» . وقال سعيد بن المسيّب: كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امريء مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا» . 4- ألّا ينشر سيّئات المخالف ويدفن حسناته: فقد ذكّر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عمر بحسنات حاطب فقال: «وما يدريك يا عمر لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» . فكون حاطب من أهل بدر ترفعه ويذكر له في مقابل خطئه الفاحش، ولذا غفر له خطؤه. 5- النقد يكون للرأي وليس لصاحب الرأي: فالنّقد الموضوعيّ هو الّذي يتّجه إلى الموضوع ذاته وليس إلى صاحبه. وكان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إذا حدث خطأ من أحد أصحابه أو بعضهم. لا يسمّيهم غالبا وإنّما يقول: «ما بال أقوام» ، «ما بال رجال» . 6- الامتناع عن المجادلة المفضية الى النزاع: وقد حذّر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من الجدل المفضي إلى الخصومة فقال: «إنّ أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم» . وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لا تمار أخاك فإنّ المراء لا تفهم حكمته، ولا تؤمن غائلته..» . وقال مالك بن أنس: «المراء يقسّي القلوب، ويورث الضّغائن» . 7- حمل كلام المخالف على ظاهره وعدم التعرض للنوايا والبواطن: وقد علّمنا ذلك رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم حينما قتل أسامة بن زيد المشرك بعد أن قال: لا إله إلّا الله، فلمّا علم صلّى الله عليه وسلّم أنكر ذلك عليه، فقال أسامة: إنّما قالها متعوّذا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «هلّا شققت عن قلبه» . «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- التوسط- العدل والمساواة- القسط- المروءة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- البغى- الظلم- العدوان] .   (1) بتصرف وايجاز عن: إصاف أهل السنة والجماعة ومعاملتهم لمخالفيهم محمد بن صالح بن يوسف العلي (69- 101) ، ط دار الأندلس الخضراء، جدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 584 الآيات الواردة في «الإنصاف» معنى 1- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «3» 4- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) «4»   (1) النساء: 105- 113 مدنية (2) النساء: 135 مدنية (3) المائدة: 8 مدنية (4) الأنعام: 152 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 585 5- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) «1» 6- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «2»   (1) ص: 26 مكية (2) الممتحنة: 8- 9 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 586 الأحاديث الواردة في (الإنصاف) 1- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: اشتكى ابن لأبي طلحة، فخرج أبو طلحة إلى المسجد فتوفّي الغلام، فهيّأت أمّ سليم الميّت، وقالت لأهلها: لا يخبرنّ أحد منكم أبا طلحة بوفاة ابنه، فرجع «1» إلى أهله، ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه، قال: ما فعل الغلام؟ قالت: خير ما كان، فقرّبت إليهم عشاءهم فتعشّوا، وخرج القوم، وقامت المرأة إلى ما تقوم إليه المرأة، فلمّا كان آخر الّليل قالت: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل فلان، استعاروا عاريّة «2» فتمتّعوا بها، فلمّا طلبت كأنّهم كرهوا ذاك، قال: ما أنصفوا قالت: فإنّ ابنك كان عاريّة من الله تبارك وتعالى، وإنّ الله قبضه، فاسترجع «3» وحمد الله، فلمّا أصبح غدا على رسول الله فلمّا رآه قال: بارك الله لكما في ليلتكما، فحملت بعبد الله، فولدته ليلا، وكرهت أن تحنّكه حتّى يحنّكه رسول الله فحملته ومعي تمرات عجوة، فوجدته يهنأ «4» أباعر له أو يسمها «5» ، قال: فقلت: يا رسول الله، إنّ أمّ سليم ولدت الّليلة فكرهت أن تحنّكه «6» ، حتّى يحنّكه رسول الله فقال: أمعك شيء، قلت: تمرات عجوة، فأخذ بعضهنّ فمضغهنّ، ثمّ جمع بزاقه فأوجره «7» إيّاه، فجعل يتلمّظ «8» فقال: حبّ الأنصار التّمر «9» ، قال: قلت يا رسول الله، سمّه قال: هو عبد الله) * «10» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، فلمّا رهقوه «11» قال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة، أو هو رفيقي في الجنّة؟» فتقدّم رجل من الأنصار، فقاتل حتّى قتل، ثمّ رهقوه أيضا. فقال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة، أو هو رفيقي في الجنّة؟» فتقدّم رجل من الأنصار، فقاتل حتّى قتل. فلم يزل كذلك حتّى قتل السّبعة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أنصفنا أصحابنا» «12» ) * «13» .   (1) أي رجع أبو طلحة. (2) العاريّة (بتشديد الياء) هي المنيحة. (3) الاسترجاع أن يقول المرء: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» . (4) يهنأ من هنأ البعير إذا طلاه بالهناء وهو القطران. (5) يسمها أي يجعل لها وسما وهو العلامة. (6) تحنيك الصّبيّ: أن يمضغ التمر ثم يدلك بحنك الصّبي داخل فمه. (7) أوجره إياه، أدخله في فيه أو في وسط حلقه. (8) التلمظ هو أن يدير لسانه في فيه ويحركه يتتبع أثر التمر (النهاية 4/ 271) . (9) يروى بضم الحاء فيكون اسما من المحبة وذلك على سبيل المبالغة في حب الأنصار للتمر، وبكسر الحاء يكون بمعنى المحبوب، والتمر يروى منصوبا ومرفوعا، النصب على أنه مفعول المصدر ويكون الخبر محذوفا، والرفع على أنه خبر المبتدأ، وقد جاء في بعض الروايات: انظروا حب الأنصار التمر. انظر النهاية 1/ 327 وقارن باللسان (1/ 290) . (10) المسند (3/ 105- 106) . (11) رهقوه أي غشوه وقربوا منه، قال القاضي عياض: قيل لا يستعمل ذلك إلّا في المكروه، وقيل: كل شيء دنوت منه فقد رهقته. (12) المعنى على هذه الرواية: ما أنصفت قريش الأنصار، لكون القرشيّين لم يخرجا للقتال، بل خرجت الأنصار واحدا تلو الآخر وقد روي أيضا: ما أنصفنا أصحابنا والمراد بالأصحاب حينئذ الذين فروا من القتال فإنهم لم ينصفوه لفرارهم. (13) مسلم (1789) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 587 الأحاديث الواردة في (الإنصاف) معنى 3- * (عن قتادة عن أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «1» . 4- * (عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة «2» وعليه حلّة، وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت «3» رجلا فعيّرته بأمّه «4» ، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة «5» . إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «6» . 5- * (عن أنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان عند بعض نسائه قال: أظنّها عائشة، فأرسلت إحدى أمّهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام، قال: فضربت الأخرى بيد الخادم فكسرت القصعة بنصفين، قال: فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «غارت أمّكم» . قال: وأخذ الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الأخرى فجعل فيها الطّعام، ثمّ قال: «كلوا» فأكلوا، وحبس الرّسول والقصعة حتّى فرغوا، فدفع إلى الرّسول قصعة أخرى، وترك المكسورة مكانها) * «7» . 6- * (عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: « ... فجاءت الغامديّة فقالت يا رسول الله، إنّي قد زنيت فطهّرني، وإنّه ردّها. فلمّا كان الغد قالت: يا رسول الله، لم تردّني؟ لعلّك أن تردّني كما رددت ماعزا. فو الله إنّي لحبلى. قال: «إمّا لا، فاذهبي «8» حتّى تلدي» ، فلمّا ولدت أتته بالصّبيّ في خرقة. قالت: هذا قد ولدته. قال: «اذهبي فأرضعيه حتّى تفطميه» . فلمّا فطمته أتته بالصّبيّ في يده كسرة خبز، فقالت: هذا، يا نبيّ الله، قد فطمته، وقد أكل الطّعام، فدفع الصّبيّ إلى رجل من المسلمين، ثمّ أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر النّاس فرجموها. فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضّح «9» الدّم على وجه خالد، فسبّها، فسمع نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم سبّه إيّاها، فقال: «مهلا يا خالد! فوالّذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له» ) * «10» . 7- * (عن عائشة رضي الله عنها- قالت: أرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذنت وهو مضطجع معي في   (1) البخاري- الفتح 1 (13) ، ومسلم (71) . ولفظهما واحد. وفي مسلم: «حتى يحب لأخيه (أو قال لجاره) ..» . (2) الربذة- بفتح الراء والباء والذال-: موضع بالبادية بينه وبين المدينة ثلاث مراحل. (3) ساببت: أي وقع بيني وبينه سباب، وهو من السبّ، وأصله القطع. (4) فعيرته بأمه: أي نسبته الى العار، وفي رواية.. قلت له يا ابن السوداء. (5) أي هذا التعيير من أخلاق الجاهلية فعنك خلق من أخلاقهم. (6) البخاري- الفتح 1 (30) . واللفظ له، ومسلم (1661) . (7) مسند أحمد (3/ 105) . (8) إما لا فاذهبي: أي إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك. (9) تنضح: ترشش وانصب. (10) مسلم (1695) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 588 مرطي، فأذن لها، فقالت يا رسول الله، إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل «1» في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي بنيّة، ألست تحبّين ما أحبّ؟ فقالت: بلى، قال: «فأحبّي هذه» قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله، فرجعت إلى أزواج النّبيّ فأخبرتهنّ بالّذي قالت، وبالّذي قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنّا من شيء ... قالت عائشة: فأرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش زوج النّبيّ وهي الّتي كانت تساميني منهنّ في المنزلة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم أر امرأة قطّ خيرا في الدّين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثا، وأوصل للرّحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، وتقرّب به «2» إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدّ «3» (وفي رواية من حدّة) كانت فيها تسرع منها الفيئة «4» ، قالت: فاستأذنت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع عائشة في مرطها، على الحالة الّتي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت (عائشة) ثمّ وقعت بي فاستطالت عليّ، وأنا أرقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها. قالت: فلم تبرح زينب حتّى عرفت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكره أن أنتصر، قالت: فلمّا وقعت بها لم أنشبها «5» حين أنحيت عليها «6» ، قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتبسّم: إنّها ابنة أبي بكر «7» - رضي الله عنهما-) * «8» . 8- * (جاء في حديث الإفك قول عائشة- رضي الله عنها-: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال: يا زينب، ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلّا خيرا، قالت (عائشة) ، وهي (أي زينب) الّتي كانت تساميني «9» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعصمها الله بالورع «10» ) * «11» .   (1) أي التسوية بينهن في محبة القلب. (2) تصدّق، وتقرب، الأصل فيهما تتصدق وتتقرب بتاءين حذفت الأولى تخفيفا. (3) المراد بالحدّ أو الحدّة هنا شدة الخلق وثورانه. (4) أي تسرع الى الرجوع منها. (5) لم أنشبها أي لم أمهلها. (6) أنحيت عليها أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة. (7) مسلم 4/ (2442) . (8) ووجه الانصاف هنا ان الغيرة واستطالة زينب على عائشة لم يمنعا عائشة من انصاف زينب ووصفها بالتقوى وصدق الحديث الخ ما قالت. (9) تساميني أي تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانتها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، واللفظ مأخوذ من السمو وهو الارتفاع. (10) انظر الحديث بطوله في البخاري- الفتح 8 (4750) ، ومسلم (2770) . (11) ووجه الإنصاف في هذا الحديث أن الغيرة لم تمنع زينب من قول الحق في عائشة- رضوان الله عليهم أجمعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 589 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإنصاف) 9- * (عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب: فلا آذن، ثمّ لا آذن، ثمّ لا آذن، إلّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنّما هي بضعة منّي يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها «1» . وقد ترجم الإمام البخاريّ لهذا الحديث بقوله: باب ذبّ الرّجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف قال ابن حجر: أي في دفع الغيرة عنها والإنصاف لها) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإنصاف) 1- * (قال عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- ثلاث من جمعهنّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السّلام للعالم والإنفاق من الإقتار) * «3» . 2- * (قال ابن القيّم: كيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق؟ جاء في أثر إلهيّ يقول الله عزّ وجلّ: «ابن آدم ما أنصفتني، خيري إليك نازل، وشرّك إليّ صاعد، كم أتحبّب إليك بالنّعم وأنا غنيّ عنك وكم تتبغّض إليّ بالمعاصي وأنت فقير إليّ، ولا يزال الملك الكريم يعرج إليّ منك بعمل قبيح» ) * «4» . 3- * (وقال ابن القيّم أيضا: وجاء في أثر آخر: «ابن آدم ما أنصفتني، خلقتك وتعبد غيري، وأرزقك وتشكر سواي» ) * «5» . 4- * (سمعت عائشة- رضي الله عنها- عروة ابن الزّبير يسبّ حسّان بن ثابت، وكان ممّن خاض في حديث الإفك.. فقالت- رضي الله عنها-: «يا ابن أختي دعه، فإنّه كان ينافح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» . 5- * (وقال عروة: كانت عائشة تكره أن يسبّ عندها حسّان وتقول، إنّه الّذي قال: فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء) * «7» . 6- * (عن عاصم بن كليب عن أبيه قال انتهينا إلى عليّ- رضي الله عنه- فذكر عائشة فقال: خليلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول الذّهبيّ: هذا يقوله أمير المؤمنين في حقّ عائشة مع ما وقع بينهما) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 9 (5230) . (2) فتح الباري (9/ 238) . (3) البخاري- الفتح (1/ 103) . (4) زاد المعاد (2/ 409) . (5) المرجع السابق (2/ 410) ، وقال محققا «زاد المعاد» رواه الديلمي والرافعي عن علي رضي الله عنه ثم ذكرا أنه لا يصح. (6) البخاري 7 (4145) ، ومسلم (2487) واللفظ له. (7) البخاري 7 (4141) ، ومسلم (2770) واللفظ له. (8) نزهة الفضلاء (1/ 129) ، ووجه الانصاف هنا هو أن الخصومة بين علي وعائشة- رضوان الله عليهما- لم تمنع أمير المؤمنين من انصاف عائشة المتمثل في وصفها بأحب ما توصف به أمهات المؤمنين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 590 7- * (عن عبد الرحمن بن شماسة قال: دخلت على عائشة، فقالت: ممّن أنت؟ قلت: من أهل مصر، قالت: كيف وجدتم ابن حديج «1» في غزاتكم هذه؟ قلت: خير أمير، ما يقف لرجل منّا فرس ولا بعير إلّا أبدله مكانه بعيرا، ولا غلام إلّا أبدل مكانه غلاما، قالت: إنّه لا يمنعني قتله أخي أن أحدّثكم ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنّي سمعته يقول: اللهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن شقّ عليهم فاشقق عليه) * «2» . 8- * (عن ابن أبي زائدة قال: سمعت عامرا يقول: تزوّج عليّ (بن أبي طالب) - رضي الله عنه- أسماء بنت عميس، فتفاخر ابناها: محمّد بن أبي بكر، ومحمّد بن جعفر (الطّيّار) ، فقال كلّ منهما أنا أكرم منك وأبي خير من أبيك. فقال لها عليّ كرّم- الله وجهه- اقض بينهما. قالت- رضي الله عنها- ما رأيت شابّا من العرب خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر. فقال عليّ: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير الّذي قلت لمقتّك. قالت: إنّ ثلاثة أنت أخسّهم خيار) * «3» . 9- * (عن عروة بن الزّبير أنّه سأل عائشة عن قول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ... (النساء/ 3) قالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليّها تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها «4» ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى سنّتهنّ «5» من الصّداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ. قال عروة: قالت عائشة: ثمّ إنّ النّاس استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية فيهنّ فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (النساء/ 127) . قالت: والّذي ذكر الله تعالى، أنّه يتلى عليكم في الكتاب، الآية الأولى الّتي قال الله فيها: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ (النساء/ 3) . قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: وترغبون أن تنكحوهنّ، رغبة أحدكم عن اليتيمة الّتي   (1) ابن حديج هو ابن نعيم الكندي كان عثمانيّا وكان من أخلص أتباع معاوية، وهو قاتل محمّد بن أبي بكر (أخي عائشة) . (2) نزهة الفضلاء 1/ 215، ووجه الانصاف هنا أن عائشة رضي الله عنها أشارت الى أن قاتل أخيها ممن دعا لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن يرفق الله بهم، ولم تمنعها كراهيته قتل أخيها على يديه من أن تنصفه بذكر بشارة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له. (3) نزهة الفضلاء 1/ 148، ووجه الانصاف هنا أنها أعطت زوجيها الراحلين: أبو بكر الصديق وجعفر بن أبي طالب حقهما أمام زوجها الثالث وهو عليّ كرم الله وجهه- ولم تمنع وفاة كل منهما أن يعطى حقه، وكان من انصاف علي- رضي الله عنهم أجمعين- أن أقرها على ما قالت رغما عن أنها لم تبق له (من المديح) شيئا، كما أنه لم يغضب عند ما ذكرت أنّه أقل الثلاثة رتبة وإن كانوا جميعا من الأخيار. (4) يقسط في صداقها: أي يعدل. (5) أعلى سنتهن: أي أعلى عادتهن في مهورهن ومهور أمثالهن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 تكون في حجره، حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النّساء إلّا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ) * «1» . 10- * (عن سعيد بن المسيّب أنّ رجلا من أهل الشّام يقال له ابن خيبري وجد مع امرأته رجلا فقتله، أو قتلهما معا، فأشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء فيه، فكتب إلى أبي موسى الأشعريّ يسأل له عليّ بن أبي طالب عن ذلك، فسأل أبو موسى عن ذلك عليّ بن أبي طالب فقال له عليّ: إنّ هذا شيء ما هو بأرضي. عزمت عليك لتخبرنّي. فقال له أبو موسى كتب إليّ معاوية بن أبي سفيان أن أسألك عن ذلك. فقال عليّ: أنا أبو حسن: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمّته «2» . وفيه: شهادة من معاوية بفقه وعلم عليّ رغم ما حدث بينهما) *. 11- * (جاء رجل فوقع في عليّ وفي عمّار رضي الله عنهما- عند عائشة، فقالت: أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئا، وأمّا عمّار فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما» ) * «3» . 12- * (خطب عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- في أهل العراق- قبل وقعة الجمل- ليكفّهم عن الخروج مع أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- فقال: «والله إنّها لزوجة نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة، ولكنّ الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي» . ومعلوم أن عمّارا كان في صفّ عليّ- رضي الله عنهما- قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث أنّ عمّارا كان صادق اللهجة، وكان لا تستخفّه الخصومة إلى أن ينتقص خصمه، فإنّه شهد لعائشة بالفضل التّام مع ما بينهما من الحرب» «4» . قال ابن حجر: مراد عمّار بذلك أنّ الصّواب في تلك القصّة كان مع عليّ، وأنّ عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام ولا أن تكون زوجة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الجنّة، فكان ذلك يعدّ من إنصاف عمّار وشدّة ورعه وتحرّيه قول الحقّ) * «5» . 13- * (وقال خالد بن الوليد لعديّ بن زيد العباديّ- في الحوار الّذي دار بينهما-: ما أنتم؟ أعرب فما تنقمون من العرب؟ أو عجم فما تنقمون من الإنصاف والعدل؟ فقال له عديّ: بل عرب عاربة وأخرى متعرّبة) * «6» . 14- * (عن سالم بن أبي حفصة: سألت أبا جعفر (أي الباقر) وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر،   (1) البخاري- الفتح 8 (4574) ، 9 (5092) ، ومسلم (3018) واللفظ له. (2) رواه مالك في الموطأ (460) ، وقوله: ان لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته: أي يسلم الى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا- وانظر/ الانصاف (60) . (3) مسند أحمد 6/ 113 واللفظ له، والترمذي رقم (3799) ، وابن ماجة (1/ 66) . ورد هذا الأثر شرحا للحديث الوارد ضمن سياق الأثر. (4) فتح الباري (13/ 59) . (5) المرجع السابق (13/ 58) . (6) تاريخ الأمم والملوك للطبري (3/ 361) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 592 فقالا لي: يا سالم، تولّهما وابرأ من عدوّهما، فإنّهما كانا إمامي هدى «1» . وكان سالم فيه تشيّع ظاهر، ومع هذا فيبثّ هذا القول الحقّ. وإنّما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل. وكذلك ناقلها ابن فضيل شيعيّ ثقة) * «2» . 15- * (قال حصين بن المنذر: صلّى الوليد الفجر أربعا وهو سكران ثمّ التفت، وقال: أزيدكم؟ فبلغ ذلك عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- فطلبه وحدّه) * «3» . 16- * (قال عليّ بن أبي حملة: قدم علينا مسلم ابن يسار دمشق، فقلنا له: يا أبا عبد الله، لو علم الله أنّ بالعراق من هو أفضل منك لجاءنا به، فقال: كيف لو رأيتم عبد الله بن زيد أبا قلابة الجرميّ؟ قال: فما ذهبت الأيّام واللّيالي حتّى قدم علينا أبو قلابة) *. 17- * (قال الإمام الشّافعيّ في الإمام أحمد رحمهما الله-: «خرجت من بغداد وما خلّفت بها أحدا أورع ولا أتقى ولا أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل» ) * «4» . 18- * (قال محمّد بن سيرين: «ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما رأيت وتكتم خيره» ) * «5» . 19- * (وقال سفيان الثّوريّ- رحمه الله-: «عند ذكر الصّالحين تنزل الرّحمة، ومن لم يحفظ من أخبارهم إلّا ما بدر من بعضهم في بعض على الحسد والهفوات والتّعصّب والشّهوات دون أن يعي بفضائلهم حرم التّوفيق ودخل في الغيبة وحاد عن الطّريق» ) * «6» . 20- * (قال الإمام الذّهبيّ في ترجمته لقتادة بن دعامة: «وكان من أوعية العلم، وممّن يضرب به المثل في قوّة الحفظ، وهو حجّة بالإجماع إذا بيّن السّماع، فإنّه مدلّس معروف بذلك، وكان يرى القدر- نسأل الله العفو- ومع هذا فما توقّف أحد في صدقه، وعدالته وحفظه، ولعلّ الله يعذر أمثاله ممّن تلبّس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عمّا يفعل. ثمّ إنّ الكبير من أئمّة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحرّيه للحقّ، واتّسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتّباعه، يغفر له زلله، ولا نضلّله ونطرحه وننسى محاسنه. نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التّوبة من ذلك» ) * «7» . 21- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله- في تفسيره لقوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا   (1) نزهة الفضلاء (1/ 409) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) نزهة الفضلاء 1/ 292، ومعنى حدّه: أقام عليه الحدّ، وفي هذا من الإنصاف ما فيه، حيث لم تمنع قرابة الحاكم للوليد من اقامة الحد عليه، وقد كان الوليد أخا لعثمان من أمه. (4) غذاء الألباب شرح منظومة الآداب 1/ 299. (5) البدآية والنهاية لابن كثير 9/ 275 بواسطة انصاف أهل السنة والجماعة ص 89. (6) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/ 162 بواسطة انصاف أهل السنة والجماعة ص 89. (7) نزهة الفضلاء 1/ 489، وانظر ترجمته لابن عبد البر القرطبي 3/ 1269 اذ يقول: « ... ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه، ونغطي معارفه، بل نستغفر له، ونعتذر عنه» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 593 اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى.. قال: «فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفّار على ألّا يعدلوا، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع أو متأوّل من أهل الإيمان؟ فهو أولى أن يجب عليه ألّا يحمله ذلك على ألّا يعدل على مؤمن وإن كان ظالما له» ) * «1» . 22- * (قال القرطبيّ- في قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ الآية: في هذه الآية تشريف للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتكريم وتعظيم وتفويض إليه، وتقويم أيضا على الجادّة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أبيرق، وكانوا ثلاثة إخوة: بشر وبشير ومبشّر، وأسير بن عروة ابن عمّ لهم، نقبوا مشربة لرفاعة بن زيد في اللّيل، وسرقوا أدراعا له وطعاما، فعثر على ذلك. وقيل: إنّ السّارق بشير وحده، وكان يكنى أبا طعمة، أخذ درعا، قيل: كان الدّرع في جراب فيه دقيق، فكان الدّقيق ينتثر من خرق في الجراب حتّى انتهى إلى داره، فجاء ابن أخي رفاعة واسمه قتادة بن النّعمان يشكوهم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجاء أسير بن عروة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ هؤلاء عمدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودين فأنّبوهم بالسّرقة ورموهم بها من غير بيّنة، وجعل يجادل عنهم حتّى غضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قتادة ورفاعة، فأنزل الله تعالى وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ الآية، وأنزل الله تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً . وكان البريء الّذي رموه بالسّرقة لبيد بن سهل. وقيل: زيد بن السّمين، وقيل: رجل من الأنصار) * «2» . 23- * (وقال القرطبيّ في قوله تعالى: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً نهى الله- عزّ وجلّ- رسوله عن عضد أهل التّهم والدّفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجّة. وفي هذا دليل على أنّ النّيابة عن المبطل والمتّهم في الخصومة لا تجوز. فلا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلّا بعد أن يعلم أنّه محقّ) * «3» . 24- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: ... وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ... أي: لا يحملنّكم بغض قوم على ترك العدل، فإنّ العدل واجب على كلّ أحد، في كلّ حال، وقد قال بعض السّلف: ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه) * «4» . 25- * (قال أبو عبيدة والفرّاء، في قوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا.. (المائدة/ 2) أي: لا يكسبنّكم بغض قوم أن تعتدوا الحقّ إلى الباطل، والعدل إلى الظّلم) * «5» . 26- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها   (1) الاستقامة (1/ 38) تحقيق د/ محمد رشاد سالم. (2) تفسير القرطبي (5/ 375، 376) . (3) المرجع السابق (5/ 377) . (4) تفسير ابن كثير (2/ 7) . (5) تفسير القرطبي (6/ 45) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 594 أَذِلَّةً (النمل/ 34) أهانوا شرفاءها لتستقيم لهم الأمور. فصدّق الله قولها (وكذلك يفعلون) . قال ابن الأنباريّ: قوله تعالى: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً هذا وقف تامّ. فقال الله عزّ وجلّ تحقيقا لقولها وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ «1» ، قال الشّيخ ابن غازي: فعلى هذا يكون قوله تعالى: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ من تصديق الله تعالى لقول ملكة سبأ وهي كافرة. وهذا غاية العدل والإنصاف) * «2» . 27- * (قال القاسميّ في قوله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.. الآية. قال: في الآية بيان وجوب الحكم بالحقّ، وألّا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء أو سبب يقتضي الميل) * «3» . 28- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «لم أعقل أبويّ قط إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار: بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتّى بلغ برك الغماد. لقيه ابن الدّغنّة وهو سيّد القارة. فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي. قال ابن الدّغنّة: فإنّ مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، إنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، فأنا جار. إرجع واعبد ربّك ببلدك. فرجع، وارتحل معه ابن الدّغنّة، فطاف ابن الدّغنّة عشيّة في أشراف قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فلم تكذّب قريش بجوار ابن الدّغنّة) * «4» . 29- * (قال الذّهبي: كان زياد معظّما للأحنف، فلمّا ولّي بعده ابنه عبيد الله تغيّر أمر الأحنف، وقدّم عليه من هو دونه، ثمّ وفد على معاوية في الأشراف، فقال لعبيد الله: أدخلهم عليّ على قدر مراتبهم. فأخّر الأحنف، فلمّا رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته، وقال: إليّ يا أبا بحر، وأجلسه معه وأعرض عنهم، فأخذوا في شكر عبيد الله بن زياد، وسكت الأحنف، فقال له: لم لا تتكلّم؟ قال: إن تكلّمت خالفتهم. قال: اشهدوا أنّي قد عزلت عبيد الله. فلمّا خرجوا كان فيهم من يروم الإمارة. ثمّ أتوا معاوية بعد ثلاث، وذكر كلّ واحد شخصا، وتنازعوا، فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر؟ قال: إن ولّيت أحدا من أهل بيتك لم تجد مثل عبيد الله. فقال: قد أعدته. قال: فخلا معاوية بعبيد الله، وقال: كيف ضيّعت مثل هذا الرّجل الّذي عزلك وأعادك وهو ساكت!؟. فلمّا رجع   (1) تفسير القرطبي (13/ 174) . (2) الإنصاف (18) . (3) محاسن التأويل (14/ 5095) بواسطة الإنصاف (22) . (4) وجه الإنصاف هنا أن ابن الدّغنّة وهو كافر قد أنصف أبا بكر وأقرته قريش على هذا الإنصاف مما يدل على أن التحلي بالإنصاف من الأمور التي يقرها الطبع السليم، وانظر في هذا الوجه من الإنصاف كتاب «الإنصاف» لأبي الحسن ساعد بن عمر بن غازي (49) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 595 عبيد الله جعل الأحنف صاحب سرّه) * «1» . 30- * (قال أبو الزّناد بن سراج وغيره: «إنّ العبد إذا اتّصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حقّا إلّا أدّاه، ولم يترك شيئا ممّا نهاه عنه إلّا اجتنبه، وهذا يجمع أركان الإيمان» ) * «2» . 31- * (عن أحمد بن بشير قال: قدم على عمر ابن عبد العزيز رجل من حضر موت فناداه: دعوت حرّان ملهوفا ليأتيكم ... فقد أتاك بعيد الدّار مظلوم قال: من ظلمك؟ قال: الوليد بن سليمان أخذ أرضا لي باليمن فقال: اكتبوا له إلى عامل اليمن: إن أقام عندك شاهدين ذوي عدل، فاردد عليه أرضه، ثمّ قال له: إنّي أراك قد كلّفت في وجهك «3» هذا، قال: كلّفت زادا وراحلة. فأمر له بثلاثين دينارا) * «4» . 32- * (وقال الشّيخ عبد الوهّاب خلّاف: حين جاء الإسلام كان إنصاف الضّعفاء من الأقوياء أظهر شعائره وأوّل أهدافه، كذلك أنصف الفقراء من الأغنياء، فقرّر في أموال الأغنياء حقّا معلوما للسّائل والمحروم، وأنصف اليتامى ممّن يتولّون أمرهم فقال سبحانه وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (النساء/ 2)) * «5» . 33- * (وقال شوقي مخاطبا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى ... فالكلّ في حقّ الحياة سواء فلو أنّ إنسانا تخيّر ملّة ... ما اختار إلّا دينك الفقراء ) * «6» . من فوائد (الإنصاف) 1- الإنصاف دليل على كمال الإيمان وصحّة الإسلام. 2- الإنصاف عامل أساسيّ في استقرار المجتمعات وشيوع المحبّة بين النّاس. 3- إنصاف العبد من نفسه دليل على التّجرّد من الأنانيّة. 4- بالإنصاف تسود المحبّة ويشعر كلّ امرى بالطّمأنينة ويأمن على نفسه وماله وعرضه. 5- بالإنصاف تعود الحقوق إلى أصحابها وتعمّ روح العدالة، ويشعر الإنسان بأنّه آمن في يومه وغده. 6- بالإنصاف تنتزع صفات الحقد والكراهيّة   (1) نزهة الفضلاء (1/ 341، 342) . (2) البخاري- الفتح 1 (104) . (3) لعل المراد في سفرك هذا. (4) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (284) . (5) باختصار وتصرف يسير من كتابه نور من القرآن والسنة ص (121) . (6) ديوان شوقي (1/ 39) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 596 والحسد لتحلّ محلّها صفات الاحترام والحبّ والتّنافس في الخيرات. 7- بالإنصاف يشعر الفقير والضّعيف واليتيم بما يطمئنه على مستقبله دون خوف من ظلم أو خشية من جور. 8- بالإنصاف تشعر كلّ طوائف المجتمع بالأمان فتندفع كلّ طائفة إلى عملها دون خوف أو وجل أو شعور بالظّلم ويصبح المجتمع خليّة متآلفة تعمّها روح الإخاء والتّسامح بغضّ النّظر عن الاختلافات الدّينيّة أو العرقيّة. 9- بالإنصاف مع المخالفين في الرّأي أو المذهب تسلم المجتمعات من المكائد والمؤامرات الّتي لا يلجأ إليها في العادة سوى المقهورين الّذين يخشون على أنفسهم لو عملوا في النّور. 10- بالإنصاف بين الدّول والجماعات تجفّ إحدى منابع الإرهاب الدّولي، وتفسد على شياطين الإنس والجنّ خططهم الخسيسة لزعزعة المجتمعات الآمنة. 11- في تناصف العلماء والكبراء يعمّ التّعاون فيما بينهم ممّا يعود بالخير على المجتمع بأسره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 597 الإنفاق / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 38/ 82/ 6/ الإنفاق لغة: مصدر أنفق، يقال: أنفق ينفق إنفاقا فهو منفق، وتدور هذه المادّة حول معنيين أحدهما يدلّ على انقطاع شيء وذهابه، والآخر على إخفاء شيء وإغماضه، وصفة الإنفاق إنّما هي من المعنى الأوّل، يقال نفق الشّيء: فني، وأنفق الرّجل افتقر أي ذهب ما عنده، قال ابن الأعرابيّ: ومنه قوله تعالى: إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ (الإسراء/ 100) والنّفقة ما أنفقت، واستنفقت على العيال وعلى نفسك: والنّفقة أيضا: ما أنفق، والجمع نفاق (بالكسر) ، ونفقات. وقال الجوهريّ: رجل منفاق أي كثير النّفقة. وقال ابن علّان: النّفقة من الإنفاق وهو الإخراج. والنّفقة: الدّراهم ونحوها من الأموال وتجمع على نفقات وعلى نفاق (بالكسر) «1» . واصطلاحا: الإنفاق إخراج المال الطّيّب في الطّاعات والمباحات «2» . والنّفقة على العيال والأهل: مقدّرة بالكفاية وتختلف باختلاف من تجب له النّفقة في مقدارها، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: هي مقدّرة بمقدار لا يختلف في القلّة والكثرة. وقال ابن علّان: النّفقة هي سائر المؤن من كسوة ونفقة وسكن على من يعول من زوجة وولد وخادم «3» . من معاني النفقة في القرآن الكريم: وردت النّفقة في القرآن على وجوه منها: (1) بمعنى فرض الزّكاة: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (البقرة/ 3) أي يزكّون ويتصدّقون. (2) بمعنى التّطوّع بالصّدقات: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ (آل عمران/ 134) أي يتطوّعون بالصّدقة وشبهها: وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً (الرعد/ 22) . (3) بمعنى الإنفاق في الجهاد: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (البقرة/ 195) . وقوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (البقرة/ 262) ، وقوله: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ   (1) لسان العرب لابن منظور (8/ 4508) ، والصحاح (1/ 1560) ، وو دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 216) ، ومقاييس اللغة 5/ 454. (2) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 514) . (3) المغني لابن قدامة (7/ 564، 565) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 598 وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (الحديد/ 10) . (4) بمعنى الإنفاق على العيال والأهل: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ (الطلاق/ 6) . وكذلك: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (الطلاق/ 7) . (5) بمعنى الفقر والإملاق. كقوله تعالى: إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ (الإسراء/ 100) «1» . الإنفاق والقرض الحسن: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في معنى قول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (البقرة/ 245) . صدّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمّن معنى الطّلب، وهو أبلغ في الطّلب من صيغة الأمر. والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن، فيجازى عليه أضعافا مضاعفة؟ وسمّي ذلك الإنفاق قرضا حسنا حثّا للنفوس، وبعثا لها على البذل؛ لأنّ الباذل متى علم أنّ عين ماله يعود إليه ولا بدّ طوّعت له نفسه، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أنّ المستقرض مليء وفيّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله وسماحة نفسه، فإن علم أنّ المستقرض يتّجر له بما اقترضه، وينمّيه له ويثمّره حتّى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنّه مع ذلك كلّه يزيده من فضله وعطائه أجرا آخر من غير جنس القرض، فإنّ ذلك القرض حظّ عظيم، وعطاء كريم؛ فإنّه لا يتخلّف عن قرضه إلّا لآفة في نفسه من البخل والشّحّ، أو عدم الثّقة بالضّمان. وذلك من ضعف إيمانه. ولهذا كانت الصّدقة برهانا لصاحبها. وهذه الأمور كلّها تحت هذه الألفاظ الّتي تضمّنتها الآية، فإنّه سمّاه قرضا، وأخبر أنّه هو المقترض- لا قرض حاجة- ولكن قرض إحسان إلى المقرض واستدعاء لمعاملته، وليعرف مقدار الرّبح فهو الّذي أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به ثمّ أخبر عمّا يعطيه فوق ذلك من الزّيادة وهو الأجر الكريم، وحيث جاء هذا القرض في القرآن قيّده بكونه حسنا، وذلك يجمع أمورا ثلاثة: أوّلها: أن يكون من طيّب ماله، لا من رديئه وخبيثه. ثانيها: أن يخرجه طيّبة به نفسه، ثابتة عند بذله، ابتغاء مرضاة الله. ثالثها: أن لا يمنّ به ولا يؤذي. فالأوّل يتعلّق بالمال، والثّاني يتعلّق بالمنفق بينه وبين الله، والثّالث بينه وبين الآخذ. وأمّا قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ 261) فقد شبّه الله سبحانه النّفقة في   (1) بصائر ذوي التمييز (5/ 104- 107) باختصار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 599 سبيله سواء كان المراد بها الجهاد أو جميع سبل الخير بمن بذر بذرا فأنبتت كلّ حبّة منه سبع سنابل اشتملت كلّ سنبلة على مائة حبّة. والله يضاعف لمن يشاء فوق ذلك بحسب حال المنفق وإيمانه وإخلاصه وإحسانه، ونفع نفقته وقدرها، ووقوعها موقعها. فإنّ ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان والإخلاص، والتّثبيت عند النّفقة، وهو إخراج المال بقلب ثابت، قد انشرح صدره بإخراجه وشرحت به نفسه وخرج من قلبه قبل خروجه من يده، فهو ثابت القلب عند إخراجه غير جزع ولا هلع، ولا متّبعته نفسه، ترجف يده وفؤاده. ويتفاوت بحسب نفع الإنفاق وبحسب مصادفته لموقعه، وبحسب طيب المنفق وزكائه. وتحت هذا المثل من النّفقة: أنّه سبحانه شبّه الإنفاق بالبذر، فالمنفق ماله الطّيّب لله، لا لغيره، باذر ماله في أرض زكيّة، فمغلّه «1» بحسب بذره، وطيب أرضه وتعاهد البذر بالسّقي، ونفي الدّغل والنّبات الغريب عنه. فإذا اجتمعت هذه الأمور ولم يحرق الزّرع نار، ولا لحقته جائحة جاء أمثال الجبال، وكان مثله كمثل جنّة بربوة فتتربّى الأشجار هناك أتمّ تربية. فنزل عليها من السّماء مطر عظيم القطر فروّاها ونمّاها. فآتت أكلها ضعفي ما يؤتيه غيرها، لسبب ذلك الوابل فإن لم يصبها وابل فطلّ، فيكفيها لكرم منبتها، فتزكو على الطّلّ، وتنمو عليه، وفي هذا إشارة إلى نوعي الإنفاق الكثير والقليل. فمن النّاس من يكون إنفاقه وابلا، ومنهم من يكون إنفاقه طلّا. والله لا يضيع مثقال ذرّة ... «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- الإيثار- البر- الزكاة- الصدقة- السخاء- الجود- الكرم. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأثرة- البخل- الشح- الكنز] .   (1) مغلّه: أي حاصد ما أغلّه. (2) التفسير القيم لابن القيم (148- 151) بتصرف يسير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 600 الآيات الواردة في «الإنفاق» الإنفاق دفع الزكاة (وذلك حيث قرنت بالصلاة) : 1- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1» 2- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) «2» 3- فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) «3» 4- قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) «4» 5- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) «5» 6- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «6»   (1) البقرة: 1- 5 مدنية (2) الأنفال: 2- 3 مدنية (3) الرعد: 19- 22 مدنية (4) إبراهيم: 31 مكية (5) الحج: 34- 35 مدنية (6) فاطر: 29- 30 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 601 7- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) «1» الإنفاق بمعنى التطوع بالصدقات: 8- يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) «2» 9- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «3» 10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «4» 11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) «5» 12- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272)   (1) الشورى: 36- 39 مكية (2) البقرة: 215 مدنية (3) البقرة: 219- 220 مدنية (4) البقرة: 254 مدنية (5) البقرة: 267 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 602 لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) «1» 13- قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «2» 14- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) «3» 15- وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) «4» 16- وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) «5» 17- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) «6» 18- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) «7»   (1) البقرة: 270- 274 مدنية. (2) آل عمران: 15- 17 مدنية. (3) آل عمران: 92 مدنية. (4) آل عمران: 133- 134 مدنية. (5) النساء: 38- 39 مدنية. (6) النحل: 75 مكية. (7) الفرقان: 63- 67 مكية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 603 19- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) «1» 20- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) «2» 21- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) «3» 22- آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «4» 23- هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) «5» 24- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «6» 25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «7» الإنفاق في الجهاد: 26- وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) «8» 27- مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261)   (1) القصص: 52- 54 مكية (2) السجدة: 15- 16 مكية (3) سبأ: 39 مكية (4) الحديد: 7 مدنية (5) المنافقون: 7 مدنية (6) المنافقون: 10- 11 مدنية (7) التغابن: 14- 16 مدنية (8) البقرة: 195 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 604 الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «1» 28- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «2» 29- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92) «3» 30- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) «4»   (1) البقرة: 261- 265 مدنية (2) الأنفال: 59- 60 مدنية (3) التوبة: 90- 92 مدنية (4) التوبة: 98- 99 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 605 31- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38) «1» 32- وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) «2» الإنفاق بمعنى دفع نفقة الأهل والعيال: 33- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «3» 34- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) «4» 35- وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) «5»   (1) محمد: 38 مدنية (2) الحديد: 10 مدنية (3) النساء: 34 مدنية (4) الممتحنة: 10- 11 مدنية (5) الطلاق: 4- 7 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 606 الإنفاق بمعنى إعطاء الرزق للعباد: 36- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «1» الإنفاق بمعنى بذل العطاء مطلقا: 37- وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «2» الآيات الواردة في «الإنفاق» لفظا ولها معنى آخر الإنفاق بمعنى الإقتار: 38- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) «3»   (1) المائدة: 64 مدنية (2) الأنفال: 61- 63 مدنية (3) الإسراء: 100 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 607 الأحاديث الواردة في (الإنفاق) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت. ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا» ) * «1» . 2- * (عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل دينار ينفقه الرّجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرّجل على دابّته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله» ) * «2» . 3- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا؛ كلّ مال نحلته عبدا حلال «3» ، وإنّي خلقت عبادي حنفاء «4» كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «5» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «6» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «7» ، وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «8» ، تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا «9» رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «10» ، وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «11» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، «والشّنظير «12» الفحّاش» ) * «13» . 4- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله   (1) البخاري- الفتح 3 (1425) . ومسلم (1024) . (2) مسلم (994) . (3) في الكلام حذف أي قال الله تعالى: كل مال ... إلخ، ومعنى نحلته: أعطيته. (4) حنفاء: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. (5) اجتالتهم: أي استخفّوهم فذهبوا بهم عن الحق إلى الباطل. (6) المقت: أشد البغض، والمراد بهذا ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (7) المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل (8) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب. (9) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (10) نغزك: أى نعينك. (11) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. (12) الشنظير: وهو السيىء الخلق. (13) مسلم (2865) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 608 عنهما- قال: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو على المنبر، وهو يذكر الصّدقة والتّعفّف عن المسألة: «اليد العليا خير من اليد السّفلى. واليد العليا المنفقة والسّفلى السّائلة» ) * «1» . 5- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة» ) * «2» . 6- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قلت يا رسول الله هل لي أجر في بني أبي سلمة؟، أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنّما هم بنيّ، فقال: «نعم لك فيهم أجر ما أنفقت عليهم» ) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال لي: أنفق أنفق عليك» ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يمين الله ملأى، سحّاء، لا يغيضها شيء اللّيل والنّهار «4» ، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السّماء والأرض، فإنّه لم يغض ما في يمينه» ، قال: «وعرشه على الماء وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض» ) * «5» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجرا الّذي أنفقته على أهلك» ) * «6» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه. إمام عدل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة، فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «7» . 10- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: عادني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع من وجع أشفيت «8» منه على الموت، فقلت: يا رسول الله، بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثنى إلّا ابنة لي واحدة أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . قال: قلت: أفأتصدّق بشطره؟ قال: «لا، الثّلث، والثّلث كثير إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس، ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها، حتّى اللّقمة تجعلها في في «9» امرأتك» . قال: قلت: يا رسول الله، أخلّف بعد أصحابي.   (1) البخاري- الفتح 3 (1429) . ومسلم (1033) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 7 (4006) . ومسلم (1002) واللفظ له. (3) مسلم (1001) . (4) سحاء الليل والنهار: سحّاء دائمة العطاء. (5) البخاري- الفتح 13 (7419) . ومسلم (993) واللفظ له. (6) مسلم (995) . (7) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) . (8) أشفيت على الموت: أى قاربته وأشرفت عليه. (9) في في امرأتك: في الأولى حرف جر والثانية معناها الفم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 609 قال: «إنّك لن تخلّف، فتعمل عملا تبتغي به وجه الله، إلّا ازددت به درجة ورفعة، ولعلكّ تخلّف حتّى ينفع بك أقوام، ويضرّ بك آخرون، اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة» ، قال: رثى له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أن توفّي بمكّة) * «1» . 11- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الغزو غزوان: فأمّا من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كلّه. وأمّا من غزا رياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لا يرجع بالكفاف» ) * «2» . 12- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنفقي (أو انضحي أو انفحي «3» ) ، ولا تحصي فيحصي الله عليك» ) * «4» . 13- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّ الله تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «5» . 14- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد مسلم ينفق من كلّ مال له زوجين في سبيل الله إلّا استقبلته حجبة «6» الجنّة كلّهم يدعوه إلى ما عنده» قلت: وكيف ذلك؟ قال: «إن كانت إبلا فبعيرين، وإن كانت بقرا فبقرتين» ) * «7» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكا تلفا» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1295) . ومسلم (1628) واللفظ له. (2) النسائي (6/ 49) وقال الألباني (2/ 671) : حسن وهو في الصحيحة برقم (199) وصحيح أبي داود برقم (2271) . (3) النضح والنفح: النضح هو الرش والنفح هو الضرب والرمي والمعني ضرب اليدين فيه بالعطاء. (4) البخاري- الفتح 5 (2590، 2591) . ومسلم (1029) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له. ومسلم (998) . (6) حجبة الجنة: جمع حاجب. (7) النسائي (6/ 48) وقال الألباني (2/ 670) : صحيح وذكره في الصحيحة برقم (2260) . (8) البخاري- الفتح 3 (1442) . ومسلم (1010) متفق عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 610 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد من ثديّهما إلى تراقيهما. فأمّا المنفق فلا ينفق إلّا سبغت أو وفرت على جلده حتّى تخفي بنانه، وتعفو أثره. وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلّا لزقت كلّ حلقة مكانها، فهو يوسّعها ولا تتّسع» ) * «1» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب- يعني الجنّة- يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الصّيام وباب الرّيّان. فقال أبو بكر: ما على هذا الّذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟ وقال: هل يدعى منها كلّها أحد يا رسول الله، قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر» ) * «2» . 18- * (عن خريم بن فاتك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (الإنفاق) معنى 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة، إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «4» . 20- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ألك مال غيره؟» فقال: لا. فقال: «من يشتريه منّي؟» فاشتراه نعيم بن عبد الله العدويّ بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدفعها إليه، ثمّ قال: «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك) * «5» . 21- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أمّي افتلتت «6» نفسها وأظّنّها   (1) البخاري- الفتح 3 (1443) واللفظ له. ومسلم (1021) . (2) البخاري- الفتح 7 (3666) واللفظ له. ومسلم (1027) . (3) النسائي (6/ 49) وقال الألباني (2/ 671) : صحيح وذكره في صحيح الجامع برقم (6110) . والترمذي في صحيحه برقم (1691) . وصححه محقق «جامع الأصول» (9/ 494) . (4) مسلم (1631) . (5) البخاري- الفتح 13 (7186) . ومسلم (997) واللفظ له وقوله (عن دبر) أي علّق عتقه بموته. (6) افتلتت: أي ماتت فلتة أي فجأة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 611 لو تكلّمت تصدّقت، فهل لها أجر إن تصدّقت عنها؟ قال: «نعم» ) * «1» . 22- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخازن المسلم الأمين الّذي ينفذ (وربّما قال يعطي) ما أمر به فيعطيه كاملا موفّرا، طيّبة به نفسه، فيدفعه إلى الّذي أمر له به أحد المتصدّقين» ) * «2» . 23- * (عن سلمان بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الصّدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرّحم اثنتان: صدقة وصلة» ) * «3» . 24- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ بعض أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلن للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّنا أسرع بك لحوقا؟ قال: «أطولكنّ يدا» فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهنّ يدا، فعلمنا بعد أنّما كانت طول يدها الصّدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحبّ الصّدقة) * «4» . 25- * (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا؛ فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز «5» نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهنّ:   (1) البخاري- الفتح 3 (1388) واللفظ له. ومسلم (1004) . (2) البخاري- الفتح 3 (1438) . ومسلم (1023) واللفظ له. (3) النسائي (5/ 92) وقال الألباني في صحيح النسائي: صحيح (2/ 546) حديث (2420) . وابن ماجة (1844) . (4) البخاري- الفتح 3 (1420) . (5) أحرز نفسه منهم: يقال أحرزت الشيء إحرازا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 612 السّمع، والطّاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة؛ فإنّه من جثى «1» جهنّم» فقال رجل: يا رسول الله وإن صلّى وصام؟ قال: «وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «2» . 26- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله ذهب أهل الدّثور «3» بالأجور، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضول أموالهم، قال: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» ، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «4» . 27- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال عمر- رضي الله عنه-: «أيّكم يحفظ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن الفتنة؟ قال: قلت: أنا أحفظه كما قال: قال: إنّك عليه لجريء، فكيف قال؟ قلت: فتنة الرّجل في أهله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّدقة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قال: ليس هذه أريد، ولكنّي أريد الّتي تموج كموج البحر. قال: قلت: ليس عليك بها يا أمير المؤمنين بأس، بينك وبينها باب مغلق. قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قال: قلت: لا بل يكسر. قال: فإنّه إذا كسر لم يغلق أبدا. قال: قلت: أجل. قال: فهبنا نسأله من الباب) * «5» . 28- * (عن حارثة بن وهب الخزاعيّ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تصدّقوا فيوشك الرّجل يمشي بصدقته فيقول الّذي أعطيها لو جئتنا بها بالأمس قبلتها. فأمّا الآن، فلا حاجة لي بها، فلا يجد من يقبلها» ) * «6» . 29- * (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة، وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» ) * «7» . 30- * (عن أبي كبشة- رضي الله عنه-   (1) الجثى: جمع جثوة وهو الشيء المجموع. (2) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح غريب. ابن خزيمة (3/ 195) . وابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) . وفيه (ربقة) بفتح الراء، وقد ورد فيها الكسر والفتح، والكسر أشهر وأوضح. (3) الدثور: جمع دثر وهو المال الكثير. (4) مسلم (1006) ، قوله (أجر) يجوز رفعه اسما لكان وخبره الجار والمجرور، ويجوز نصبه خبرا لكان والاسم ضمير مستتر أي كان وضعه أجرا له. (5) البخاري- الفتح 3 (1435) واللفظ له. ومسلم (144) . (6) البخاري- الفتح 3 (1411) . ومسلم (1011) واللفظ له. (7) الترمذي (1956) وقال: حسن غريب. والبخاري في الأدب المفرد (307) حديث (891) وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 122) حديث (572) ، وعزاه كذلك لابن حبان (864) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 613 قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: فأمّا الثّلاث الّذي أقسم عليهنّ فإنّه ما نقص مال عبد صدقة ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتقّي فيه ربّه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. قال: وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا، فهو يقول لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال: فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما وهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقّه فهذا بأخبث المنازل. قال: وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان. قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «1» . 31- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن الهجرة، فقال: «ويحك إنّ الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل؟» . قال: نعم، قال: «فتعطي صدقتها؟» قال: نعم. قال: «فهل تمنح منها شيئا؟» . قال: نعم. قال: «فتحلبها «2» يوم وردها؟» قال: نعم. قال: فاعمل من وراء البحار، فإنّ الله لن يترك «3» من عملك شيئا» ) «4» . 32- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ فقال: يا نبيّ الله علّمني عملا يدخلني الجنّة. قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «5» أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» . قال: أو ليستا واحدا؟ قال: «لا، عتق النّسمة أن تعتق النّسمة، وفكّالرّقبة أن تعين على الرّقبة، (والمنيحة الرّغوب) ، والفيء على ذي الرّحم، فإن لم تطق ذلك فأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير» ) * «6» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أيّ الصّدقة أعظم أجرا؟ قال: «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل   وقال بعد كلامه: والحديث حسن لغيره. والحديث في الشعب للبيهقي (6/ 503، 504) رقم (3056) وقال مخرجه: إسناده حسن. (1) الترمذي (2325) وقال: حسن صحيح. وأحمد (4/ 231) واللفظ له. وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 61) برقم (3021) وعزاه لأحمد. (2) فى اللسان: حلبها يحلبها ويحلبها بضم اللام وكسرها حلبا وحلبا وحلابا. (3) يترك: ينقصك. (4) البخاري- الفتح 5 (2633) . ومسلم (1865) . (5) لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: (لئن أوجزت الكلام فالمعنى كبير) . (6) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 151) . وقال مخرجه العلامة محب الدين الخطيب: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الشعب ورجاله ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 614 حتّى إذا بلغت الحلقوم «1» قلت: لفلان كذا وفلان كذا وقد كان لفلان» ) * «2» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحثّ عليه «3» . فقال رجل: عندي كذا وكذا. قال: فما بقي في المجلس رجل إلّا تصدّق عليه بما قلّ أو كثر. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استنّ خيرا فاستنّ به كان له أجره كاملا، ومن أجور من استنّ به ولا ينقص من أجورهم شيئا. ومن استنّ سنّة سيّئة، فاستنّ به، فعليه وزره كاملا ومن أوزار الّذي استنّ به. ولا ينقص من أوزارهم شيئا» ) * «4» . 35- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل بناقة مخطومة «5» . فقال: هذه في سبيل الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلّها مخطومة» ) * «6» . 36- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أضحى أو فطر إلى المصلّى، ثمّ انصرف فوعظ النّاس وأمرهم بالصّدقة. فقال: «أيّها النّاس تصدّقوا، فمرّ على النّساء فقال: يا معشر النّساء تصدّقن، فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النّار» . فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير «7» ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ يا معشر النّساء» ، ثمّ انصرف فلمّا صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب. فقال: «أيّ الزّيانب؟» فقيل: امرأة ابن مسعود. قال: «نعم. ائذنوا لها» فأذن لها. قالت: يا نبيّ الله إنّك أمرت اليوم بالصّدقة، وكان عندي حليّ لي فأردت أن أتصدّق بها، فزعم ابن مسعود أنّه وولده أحقّ من تصدّقت به عليهم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم» ) * «8» . 37- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس فقام فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ قام فأطال القيام وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد فأطال السّجود، ثم فعل في الرّكعة الثّانية مثل ما فعل في الأولي، ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ   (1) حتى إذا بلغت الحلقوم: أي بلغت الروح الحلقوم والمراد: قاربت بلوغ الحلقوم إذ لو بلغته حقيقة لم تصح صدقته ولا شيء من تصرفاته. (2) البخاري- الفتح 3 (1419) واللفظ له. ومسلم (1032) . (3) فحثّ عليه: أي حثّ على الإنفاق. (4) ابن ماجة (204) واللفظ له، وفي الزوائد إسناده صحيح. وأحمد (5/ 387) . والحاكم (2/ 516- 517) . والبزار (1/ 89) من حديث حذيفة. والبيهقي في الشعب (6/ 497) وقال مخرجه: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (5) مخطومة: فيها خطام وهو قريب من الزمام. (6) مسلم (1892) . (7) تكفرن العشير: أي يجحدن إحسان أزواجهن. (8) البخاري- الفتح 3 (1462) واللفظ له. ومسلم (1000) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 615 قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا» ثمّ قال: «يا أمّة محمّد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ) * «1» . 38- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئا غير تمرة فأعطيتها إيّاها، فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثمّ قامت فخرجت، فدخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم علينا، فأخبرته، فقال: «من ابتلي من هذه البنات بشيء كنّ له سترا من النّار» ) * «2» . 39- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» . قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: «يعتمل بيديه «3» فينفع نفسه ويتصدّق» ، قال: قيل: أرأيت إن لم يستطع؟، قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» ، قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟، قال: «يأمر بالمعروف أو الخير» ، قال: أرأيت إن لم يفعل؟، قال: «يمسك عن الشّرّ فإنّها صدقة» ) * «4» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال رجل لأتصدّقنّ اللّيلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق اللّيلة على زانية. قال: اللهمّ لك الحمد على زانية، لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ، فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق على غنيّ، قال اللهمّ لك الحمد على غنيّ، لأتصدّقنّ بصدقة، فخرج فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق على سارق. فقال: اللهمّ لك الحمد على زانية وعلى غنيّ وعلى سارق. فأتي، فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت. أمّا الزّانية فلعلّها تستعفّ بها عن زناها، ولعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله، ولعلّ السّارق يستعفّ بها عن سرقته» ) * «5» . 41- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنّث «6» بها في الجاهليّة من صلة وعتاقة وصدقة لى فيها أجر؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أسلمت على ما سلف لك من خير» ) * «7» . 42- * (عن سعد بن عبادة- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله إنّ أمّي ماتت أفأتصدّق عنها؟   (1) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له. ومسلم (901) . (2) البخاري- الفتح 3 (1418) واللفظ له. ومسلم (2629) . وأثبتنا لفظه من الفتح. ط. الشيخ ابن باز 4 (1418) ومن صحيح البخارى. ط. البغا ج 2 (1352) (3) يعتمل بيديه: الاعتمال افتعال من العمل، أي يقوم بما يحتاج إليه من عمارة وزراعة ونحوها. (4) البخاري- الفتح 10 (6022) . ومسلم (1008) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 3 (1421) . ومسلم (1022) واللفظ له. (6) التحنث: هو التّعبّد وصيغة تفعّل هنا تدل على الترك والمعنى ترك الحنث وهو الشرك والمعصية ومن ترك المعاصي دخل في الطاعات. (7) البخاري- الفتح 4 (2220) واللفظ له. وأحمد (402) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 616 قال: «نعم» ، قال: فأيّ الصّدقة أفضل؟، قال: «سقي الماء فتلك سقاية سعد بالمدينة» ) * «1» . 43- * (عن عمير مولى أبي اللّحم، قال: كنت مملوكا، فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أأتصدّق من مال مواليّ بشيء؟ قال: «نعم، والأجر بينكما نصفان» ) * «2» . 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى «3» من النّاس عليه صدقة، كلّ يوم تطلع فيه الشّمس» . قال: تعدل بين الاثنين «4» صدقة، وتعين الرّجل في دابّته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، قال: «والكلمة الطّيّبة صدقة، وكلّ خطوة تمشيها إلى الصّلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطّريق صدقة» ) * «5» . 45- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار «6» أو العباء متقلّدي السّيوف عامّتهم من مضر بل كلّهم من مضر، فتمعّر «7» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثمّ خرج، فأمر بلالا فأذّن وأقام فصلّى ثمّ خطب، فقال «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إلى آخر الآية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) . والآية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية/ 18) . تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره ... (حتّى قال) : ولو بشقّ تمرة» . قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين من طعام وثياب، حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبة «8» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «9» . 46- * (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- قال: لمّا ورد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، المدينة انجفل النّاس إليه «10» . وقيل قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فجئت في النّاس لأنظر، فلمّا تبيّنت وجهه، عرفت أنّ وجهه   (1) النسائي (6/ 254، 255) وقال الألباني في صحيحه: حسن (2/ 778) حديث (3427) . وأبو داود (1681) . وابن ماجة (3684) ، ومعناه في الصحيحين. (2) مسلم (1025) . (3) سلامى من الناس: والمعنى السلامى كل عظم مجوف من عظام الجسم الصغيرة، والمعنى إن على كل عظمة من عظام الإنسان صدقة. ويجمع على سلاميات وهي كل التي بين كل مفصلين. (4) تعدل بين الاثنين أو تصلح بينهما. (5) البخاري- الفتح 6 (2989) . ومسلم (1009) واللفظ له. (6) مجتابي النمار: أى لابسيها خارقين أوساطها، والنمار جمع نمرة وهي ثياب صوف فيها تنمير. (7) تمعر: تغير (8) مذهبة: فضة مذهبة، أو قربة من جلد فيها خطوط مذهبة بعضها على أثر بعض. (9) مسلم (1017) . (10) انجفل الناس إليه: أي ذهبوا مسرعين نحوه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 617 ليس بوجه كذّاب. وكان أوّل شيء سمعته يتكلّم به، أن قال: «يا أيّها النّاس أفشوا السّلام وأطعموا الطّعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام» ) * «1» . 47- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت آية الصّدقة كنّا نحامل «2» فجاء رجل فتصدّق بشيء كثير، فقالوا: مراء. وجاء رجل فتصدّق بصاع، فقالوا: إنّ الله لغنيّ عن صاع هذا. فنزلت الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79) » ) * «3» . 48- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على النّاس زمان يطوف الرّجل فيه بالصّدقة من الذّهب، ثمّ لا يجد أحدا يأخذها منه. ويرى الرّجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به «4» من قلّة الرّجال وكثرة النّساء» ) * «5» . 49- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقوم السّاعة حتّى يكثر فيكم المال فيفيض حتّى يهمّ ربّ المال من يقبله منه صدقة. ويدعى إليه الرّجل فيقول: لا أرب لي فيه» ) * «6» . 50- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصدّق أحد بصدقة من طيّب- ولا يقبل الله إلّا الطّيّب- إلّا أخذها الرّحمن بيمينه، وإن كانت تمرة. فتربو في كفّ الرّحمن حتّى تكون أعظم من الجبل. كما يربّي أحدكم فلوّه «7» أو فصيله» ) * «8» . 51- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استطاع منكم أن يستتر من النّار ولو بشقّ تمرة فليفعل» ) * «9» . وعند البخاري: قال: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السّبيل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا قطع السّبيل؛ فإنّه لا يأتي عليك إلّا قليل حتّى تخرج العير إلى مكّة بغير خفير. وأمّا العيلة؛ فإنّ السّاعة لا تقوم حتّى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه. ثمّ ليقفنّ أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان «10» يترجم له ثمّ ليقولنّ له: ألم أوتك مالا؟ فليقولنّ: بلى، ثمّ ليقولنّ: ألم أرسل إليك   (1) أحمد (5/ 451) والحاكم (3/ 13) واللفظ له. (2) نحامل أى نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة، أو نتصدق بها كلها. (3) البخاري- الفتح 3 (1415) واللفظ له. ومسلم (1018) . (4) يلذن به: أي ينتمين إليه ليقوم بحوائجهن ويذب عنهن. (5) البخاري- الفتح 3 (1414) . ومسلم (1012) . (6) البخاري- الفتح 3 (1424) . ومسلم (157) كتاب الزكاة (2/ 701) واللفظ له ويهمّ ضبطوه بوجهين أجودهما يهمّ وربّ المال مفعول به والفاعل «من» والمعنى يحزن ربّ المال آخذه، والثاني يهمّ ربّ المال من يقبل صدقته أي يقصده. (7) الفلو: المهر ولد الفرس، الفصيل: ولد الناقة. (8) البخاري- الفتح 3 (1410) . ومسلم (1014) واللفظ له (9) مسلم (1016) . (10) ترجمان: بفتح التاء وضمها وهو المعبر عن لسان بلسان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 618 رسولا؟ فليقولنّ: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا النّار، ثمّ ينظر عن شماله فلا يرى إلّا النّار، فليتّقينّ أحدكم النّار ولو بشقّ تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيّبة» ) * «1» . 52- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال (في حديثه) : وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، قال في آخر حديثه: وإنّ من توبتي أن أنخلع من مالي «2» صدقة إلى الله ورسوله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك فهو خير لك» ) * «3» . 53- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيت فاطمة فلم يدخل عليها، وجاء عليّ فذكرت له ذلك، فذكره للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّي رأيت على بابها سترا موشيّا، فقال: مالي وللدّنيا؟» فأتاها عليّ فذكر ذلك لها، فقالت: ليأمرني فيه بما شاء، قال: «ترسلي به إلى فلان، أهل بيت فيهم حاجة» ) * «4» . 54- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعون خصلة أعلاهنّ منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله الله بها الجنّة» قال حسّان بن عطيّة (راوي الحديث) : فعددنا ما دون منيحة العنز «5» ، من ردّ السّلام وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطّريق ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة) * «6» . 55- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه كان جالسا مع أصحابه إذ جاءه قهرمان «7» له، فدخل، فقال: أعطيت الرّقيق قوتهم؟ قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كفى بالمرء إثما أن يحبس عمّن يملك قوته» ) * «8» . 56- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام على المنبر فقال: «إنّما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض» ثمّ ذكر زهرة الدّنيا، فبدأ بإحداهما وثنّى بالأخرى، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشّرّ؟ فسكت عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلنا يوحى إليه، وسكت النّاس كأنّ على رءوسهم الطّير. ثمّ إنّه مسح عن وجهه الرّحضاء «9» فقال: «أين السّائل آنفا؟ أو خير هو- ثلاثا- إنّ الخير لا يأتي إلّا بالخير. وإنّه كلّ ما ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ «10» ، أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشّمس   (1) البخاري- الفتح 3 (1413) . (2) أنخلع من مالي: أي أتصدق به كله حتى لا يبقى شيء. (3) البخاري- الفتح 8 (4676) مختصر جدّا، ومسلم (2769) بطوله وفيه هذا اللفظ. (4) البخاري- الفتح 5 (2613) . (5) منيحة العنز: منيحة بمعنى منحة. (6) البخاري- الفتح 5 (2631) . (7) قهرمان: الخازن القائم بحوائج الإنسان، وهو بمعنى الوكيل. (8) مسلم (996) . (9) الرحضاء: أي العرق، وأكثر ما يسميه عرق الحمى. (10) يلم أي يقارب الإهلاك وقع في السياق حذف تقديره «إلا آكلة الخضرة» وقد أثبتت هذه العبارة في كل روايات مسلم وأثبتها الأصيلي وحده في عبارة البخاري. انظر فتح الباري (6/ 58) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 619 فثلطت «1» ، وبالت ثمّ رتعت. وإنّ هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم «2» لمن أخذه بحقّه فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين، ومن لم يأخذها بحقّه «3» فهو كالآكل الّذي لا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة» ) * «4» . 57- * (عن معن بن يزيد- رضي الله عنه- أنّه قال: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنا وأبي وجدّي، وخطب عليّ فأنكحني، وخاصمت إليه، وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدّق بها، فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إيّاك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن» ) * «5» . 58- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى أرض تهتزّ زرعا، فقال: «لمن هذه؟» فقالوا: اكتراها فلان. فقال: «أما إنّه لو منحها إيّاه كان خيرا له من أن يأخذ عليها أجرا معلوما» ) * «6» . 59- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» . قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل) * «7» . 60- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كانت لرجال منّا فضول أرضين، فقالوا: نؤاجرها بالثّلث والرّبع والنّصف، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه» ) * «8» . 61- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح منكم اليوم صائما؟» قال أبو بكر- رضي الله عنه- أنا. قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟» قال أبو بكر: أنا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما اجتمعن في امرىء إلّا دخل الجنّة» ) * «9» . 62- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ «10» ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها» ) * «11» .   (1) ثلطت: ثلط البعير إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا. (2) أي نعم المال صاحبا للمسلم. (3) وقع في رواية مسلم «وإنه من يأخذه بغير حقه» والضمير عائد على المال، أما هنا، فإن ضمير المؤنث يرجع إلى الخضرة الحلوة (أي الدنيا) . (4) البخاري- الفتح 6 (2842) واللفظ له. ومسلم (1052) . (5) البخاري- الفتح 3 (1422) . (6) البخاري- الفتح 5 (2634) واللفظ له. ومسلم (1550) . (7) مسلم (1728) (8) البخاري- الفتح 5 (2632) واللفظ له. ومسلم (1536) . (9) مسلم (1028) . (10) أي أنفقه في أوجه الخير المتعددة. (11) البخاري- الفتح 3 (1409) ومسلم (816) متفق عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 620 63- * (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّه قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ أتته امرأة فقالت: إنّي تصدّقت على أمّي بجارية. وإنّها ماتت. فقال: «وجب أجرك، وردّها عليك الميراث» . قالت: يا رسول الله، إنّه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: «صومي عنها» . قالت: إنّها لم تحجّ قطّ؟ أفأحجّ عنها؟، قال: «حجّي عنها» ) * «1» . 64- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا نساء المسلمات لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن «2» شاة» ) * «3» . 65- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله يا ابن آدم إنّك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شرّ لك، ولا تلام على كفاف «4» ، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «5» . 66- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول العبد مالي مالي. إنّما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى «6» ، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للنّاس» ) * «7» . 67- * (قال عثمان- رضي الله عنه- لمّا حوصر بعد أن أشرف عليهم: أنشدكم الله، ولا أنشد إلّا أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ألستم تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من حفر رومة «8» فله الجنّة فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنّه قال: من جهّز العسرة فله الجنّة، فجهّزته «9» ؟ فصدّقوه بما قال) * «10» . وفي هذا الموضع ذكر ابن حجر في الفتح: أنّ عثمان- رضي الله عنه- قال: هل تعلمون أنّ المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنّة؟» فاشتريتها من صلب مالي. وذكر أنّ في رواية النّسائيّ أنّه اشتراها بعشرين ألفا أو بخمسة وعشرين ألفا، وذكر من مرسل قتادة: أنّ عثمان حمل على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة) * «11» .   (1) مسلم (1149) . (2) فرسن شاة: هو بكسر الفاء والسين وهو الظلف، قال أهل اللغة: وأصله فى الإبل وهو فيها مثل القدم في الإنسان ويطلق على الغنم استعارة. (3) البخاري- الفتح 5 (2566) . ومسلم (1030) متفق عليه. (4) ولا تلام على كفاف أي لا لوم على صاحبه إذا لم يتوجه في الكفاف حق شرعي، والكفاف: قدر الحاجة. (5) مسلم (1036) . (6) أو أعطى فاقتنى: يعني ادخر ثوابه لآخرته، وفي بعض النسخ فأقنى أي أرضى. (7) مسلم (2959) . (8) رومة: بئر حفرها عثمان بناحية المدينة وقيل: اشتراها. (9) فجهزته: أي جيش العسرة. (10) البخاري- الفتح 5 (2778) . (11) الفتح- الموضع السابق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 621 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإنفاق) 68- * (عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث- رضي الله عنه- قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعبّاس بن عبد المطّلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي وللفضل بن عبّاس) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّماه، فأمّرهما على هذه الصّدقات، فأدّيا ما يؤدّي النّاس، وأصابا ممّا يصيب النّاس قال: فبينما هما في ذلك جاء عليّ بن أبي طالب فوقف عليهما، فذكرا له ذلك. فقال علىّ بن أبي طالب: لا تفعلا. فو الله ما هو بفاعل. فانتحاه «1» ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلّا نفاسة «2» منك علينا، فو الله لقد نلت صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما نفسناه عليك. قال عليّ: أرسلوهما، فانطلقا، واضطجع عليّ. قال: فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظّهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها، حتّى جاء فأخذ بآذاننا، ثمّ قال: «أخرجا ما تصرّران «3» » ثمّ دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال فتواكلنا الكلام، ثمّ تكلّم أحدنا فقال: يا رسول الله أنت أبرّ النّاس وأوصل النّاس، وقد بلغنا النّكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصّدقات فنؤدّي إليك كما يؤدّي النّاس، ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتّى أردنا أن نكلّمه. قال وجعلت زينب تلمع «4» علينا من وراء الحجاب أن لا تكلّماه. قال: ثمّ قال: «إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ النّاس، ادعوا لي محمية (وكان على الخمس) ونوفل بن الحارث بن عبد المطلّب» . قال فجاءاه. فقال لمحمية «5» : «أنكح هذا الغلام ابنتك» (للفضل بن عبّاس) فأنكحه. وقال لنوفل بن الحارث: «أنكح هذا الغلام ابنتك» (لي) فأنكحني، وقال لمحمية: «أصدق عنهما «6» من الخمس كذا وكذا» ) * «7» . 69- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أسأله لهم الحملان، إذ هم معه في جيش العسرة (وهي غزوة تبوك) فقلت: يا نبيّ الله إنّ أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم. فقال: «والله لا أحملكم على شيء» ووافقته وهو غضبان ولا أشعر. فرجعت حزينا من منع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن مخافة أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وجد في نفسه عليّ. فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الّذي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم ألبث إلّا سويعة «8» . إذ سمعت بلالا ينادي: أي عبد الله بن قيس! فأجبته. فقال: أجب، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوك.   (1) فانتحاه: عرض له وقصده. (2) نفاسة: حسدا. (3) ما تصرران: ما تسرران من السر. (4) تلمع أي تشير. (5) محمية: اسم رجل كان على الخمس. (6) أصدق عنهما: أدّ عنهما المهر من حقي. (7) مسلم (1072) . (8) سويعة: تصغير ساعة، المراد وقتا قصيرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 622 فلمّا أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «خذ هذين القرينين «1» وهذين القرينين، وهذين القرينين (لستّة أبعرة ابتاعهنّ حينئذ من سعد) فانطلق بهنّ إلى أصحابك، فقل: إنّ الله- أو قال إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يحملكم على هؤلاء فاركبوهنّ» . قال أبو موسى: فانطلقت إلى أصحابي بهنّ، فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملكم على هؤلاء، ولكن والله لا أدعكم حتّى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حين سألته لكم، ومنعه في أوّل مرّة ثمّ إعطاءه إيّاي بعد ذلك، لا تظنّوا أنّي حدّثتكم شيئا لم يقله. فقالوا لي: والله إنّك عندنا لمصدّق. ولنفعلنّ ما أحببت. فانطلق أبو موسى بنفر منهم، حتّى أتوا الّذين سمعوا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومنعه إيّاهم ثمّ إعطاءهم بعد. فحدّثوهم بما حدّثهم به أبو موسى سواء» ) * «2» . 70- * (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أميّة، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كلّ إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عبّاس بن مرداس دون ذلك، فقال عبّاس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع؟ فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع «3» وما كنت دون امرىء منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع قال: فأتمّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مائة) * «4» . 71- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارىء» قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارىء» . فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد «5» . ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثّالثة. ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3) فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوه حتّى ذهب عنه   (1) القرينين: البعيرين المقرون أحدهما بصاحبه. (2) البخاري- الفتح 7 (4415) . ومسلم (1649) واللفظ له. (3) العبيد: فرس عباس بن مرداس، وقد ورد في رواية مسلم «بدر» بدلا من «حصن» و «المجمع» بدلا من «مجمع» . انظر صحيح مسلم بشرح النووي (7/ 154) . (4) مسلم (1060) . (5) بلغ مني الجهد: يروى بنصب الجهد ورفعه ومعنى رواية النصب أن الغطّ بلغ منه المشقة والتعب، وعلى رواية الرفع بلغ منه الجهد مبلغا عظيما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 623 الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس «1» الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «2» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «3» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي» ) * «4» . 72- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: بينما هو يسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقفله «5» من حنين فعلقت النّاس «6» يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة «7» فخطفت رداءه، فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) * «8» . 73- * (عن ابن شهاب قال: غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة الفتح، فتح مكّة، ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ صفوان بن أميّة مائة من النّعم ثمّ مائة ثمّ مائة. قال ابن شهاب: حدّثنى سعيد بن المسيّب أنّ صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أعطاني، وإنّه لأبغض النّاس إليّ، فما برح يعطيني حتّى إنّه لأحبّ النّاس إليّ» ) * «9» . 74- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- قال: قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبية «10» ولم يعط مخرمة شيئا، فقال مخرمة: يا بنيّ انطلق بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت معه، قال ادخل فادعه لي، قال: فدعوته له، فخرج إليه وعليه قباء منها. فقال: «خبأت هذا لك» قال: فنظر إليه، فقال: «رضي مخرمة» ) * «11» . 75- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسما. فقلت: والله   (1) الناموس: هو جبريل، وقال أهل اللغة: الناموس صاحب سر الخير. (2) جذعا: أى شابا قويا. (3) لم ينشب: أى لم يلبث. (4) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. ومسلم (160) . (5) مقفله- بفتح الميم والفاء واللام وسكون القاف- أي زمان رجوعه. (6) علقت الناس: طفقوا. (7) السمرة: شجرة من شجر البادية ذات شوك. (8) البخاري- الفتح 6 (2821) . (9) مسلم (2313) . (10) أقبية: جمع قباء وهو ثوب يلبس فوق الثياب. (11) مسلم (1058) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 624 يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحقّ به منهم. قال: «إنّهم خيّروني «1» أن يسألوني بالفحش أو يبخّلوني، فلست بباخل» ) * «2» . 76- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كانت أموال بني النّضير ممّا أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب «3» ، فكانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّة، ينفق على أهله منها نفقة سنته، ثمّ يجعل ما بقي في السّلاح والكراع «4» عدّة في سبيل الله» ) * «5» . 77- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن؛ فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الرّيح المرسلة» ) * «6» . 78- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وكان أجود النّاس، وكان أشجع النّاس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصّوت فتلقّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راجعا، وقد سبقهم إلى الصّوت وهو على فرس لأبي طلحة عري «7» ، في عنقه السّيف، وهو يقول: «لم تراعوا. لم تراعوا» ، قال: وجدناه بحرا، أو إنّه لبحر قال: وكان فرسا يبطّأ) * «8» . 79- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرّة «9» المدينة عشاء، استقبلنا أحد فقال: «يا أبا ذرّ ما أحبّ أنّ أحدا ذهبا، تأتي عليّ ليلة أو ثلاث، عندي منه دينار إلّا أرصده لدين، إلّا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا» - وأرانا بيده «10» - ثمّ قال: «يا أبا ذرّ» قلت: لبّيك وسعديك يا رسول الله، قال: «الأكثرون هم الأقلّون إلّا من قال هكذا وهكذا» ثمّ قال لي: «مكانك لا تبرح يا أبا ذرّ حتّى أرجع» . فانطلق حتّى غاب عنّي فسمعت صوتا «11» فخشيت أن يكون عرض «12» لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأردت أن أذهب، ثمّ ذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تبرح» فمكثت، قلت: يا رسول الله سمعت صوتا خشيت أن يكون عرض لك، ثمّ ذكرت قولك فقمت، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك جبريل، أتاني فأخبرني أنّه من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة» قلت: يا رسول الله وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق» ) * «13» . 80- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه رداء   (1) خيرونى: معنى العبارة: أنّهم دفعوني إمّا إلى أن يسألوني مفحشين في سؤالهم أو أن يتهموني بالبخل.. (2) مسلم (1056) . (3) الإيجاف: سرعة السير، والركاب: الإبل. (4) الكراع: الدواب التي تصلح للحرب. (5) البخاري- الفتح 8 (4885) واللفظ له. ومسلم (1757) . (6) البخاري- الفتح 6 (3220) واللفظ له. ومسلم (2308) . (7) فرس عري: ليس عليه سرج. (8) البخاري- الفتح 6 (2820) . ومسلم (2307) واللفظ له. (9) الحرة: أرض ذات حجارة سوداء خارج المدينة. (10) وأرانا بيده: أي حثا بيده ورمى. (11) صوتا: أي صوتا غير مفهوم. (12) عرض له: عرض له الجن. (13) البخاري. الفتح 11 (6268) واللفظ له. ومسلم (94) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 625 نجرانيّ «1» غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه «2» بردائه جبذة شديدة نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد أثّرت بها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «3» . 81- * (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا» وقال بيديه جميعا. فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يجيء مال البحرين. فقدم على أبي بكر بعده، فأمر مناديا فنادى من كانت له على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عدة أو دين فليأت. فقمت، فقلت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو قد جاءنا مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا» فحثى أبو بكر مرّة، ثمّ قال لي: عدّها فعددتها فإذا هي خمسمائة، فقال: خذ مثليها) * «4» . 82- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام شيئا إلّا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين «5» فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم يعطي عطاء لا يخشى الفاقة) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإنفاق) 1- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرّة، فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ثمّ تلهّ «7» ساعة في البيت حتّى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمّ قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتّى أنفدها، فرجع الغلام وأخبره، فوجده قد أعدّ مثلها إلى معاذ بن جبل، فقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل ثمّ تلهّ في البيت حتّى تنظر ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذا في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله. تعالي يا جارية: اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا. فاطّلعت امرأة معاذ، فقالت: نحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق في الخرقة إلّا ديناران، فنحا بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره. وسرّ بذلك، وقال: إنّهم إخوة بعضهم من بعض» ) * «8» . 2- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- «لأن أصل أخا من إخواني بدرهم أحبّ إليّ من أن   (1) نجراني: منسوب إلى نجران موضع بين الحجاز واليمن. (2) جبذه وجذبه: لغتان مشهورتان. (3) البخاري- الفتح 6 (3149) . ومسلم (1057) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 6 (3137) . ومسلم (2314) واللفظ له. (5) بين جبلين: أي كثيرة كأنها تملأ ما بين جبلين. (6) مسلم (2312) . (7) تلهّ:- تلبّث. (8) رواه الطبراني في الكبير (2/ 33، 34) وقال مخرجه: رواه ابن المبارك في الزهد (511) وأبو نعيم في الحلية (1/ 27) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 626 أتصدّق بعشرين درهما، ولأن أصله بعشرين درهما أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمائة درهم ولأن أصله بمائة درهم أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة» ) * «1» . 3- * (عن الحسن بن علىّ- رضي الله عنهما- قال: يا هذا، لرجل سأله، حقّ سؤالك إيّاي يعظم لديّ ومعرفتي بما يجب لك تكبر عليّ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله قليل، وما في ملكي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور ورفعت عنّي مؤنة الاحتمال والاهتمام لما أتكلّفه من واجب حقّك فعلت، فقال: يا ابن بنت رسول الله أقبل وأشكر العطيّة وأعذر على المنع، فدعا الحسن بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها. فقال: هات الفضل من الثّلاثمائة ألف درهم، فأحضر خمسين ألفا، قال: فما فعلت بالخمسمائة دينار؟. قال: هي عندي. قال: أحضرها، فأحضرها فدفع الدّنانير والدّراهم إلى الرّجل. قال: هات من يحملها لك، فأتاه بحمّالين فدفع إليه الحسن رداءه لكراء الحمّالين، فقال له مواليه: والله ما عندنا درهم فقال: أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم) * «2» . 4- * (قال شبيب بن شيبة- رحمه الله تعالى-: كنّا بطريق مكّة وبين أيدينا سفرة لنا ببغداد في يوم قايظ فوقف علينا أعرابيّ ومعه جارية له زنجيّة، فقال: يا قوم: أفيكم أحد يقرأ كلام الله حتّى يكتب لي كتابا؟ قال: قلنا أصب من غدائنا حتّى نكتب لك ما تريد، قال: إنّي صائم فعجبنا من صومه في تلك البرّيّة، فلمّا فرغنا من غدائنا دعونا به فقلنا: ما تريد؟ فقال: أيّها الرّجل إنّ الدّنيا قد كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، فإنّي أردت أن أعتق جاريتي هذه لوجه الله، وليوم العقبة، أتدري ما يوم العقبة؟. قوله- عزّ وجلّ-: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ (البلد/ 11- 13) . فاكتب ما أقول لك ولا تزيدنّ عليّ حرفا، هذه فلانة خادم فلان قد أعتقها لوجه الله وليوم العقبة. قال شبيب: فقدمت البصرة فأتيت بغداد فحدّثت بهذا الحديث المهديّ، قال: مائة نسمة تعتق على عهدة الأعرابيّ) * «3» . 5- * (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى-: النّفقة تعمّ الواجبات والمندوبات، لكنّ الممسك عن المندوبات لا يستحقّ دعاء الملك (اللهم أعط منفقا خلفا) إلّا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحقّ الّذي عليه لو أخرجه) * «4» . 6- * (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: الإنفاق الممدوح ما كان في الطّاعات على العيال، والضّيفان، والتّطوّعات) * «5» .   (1) إحياء علوم الدين (1/ 220) . (2) إحياء علوم الدين (1/ 220) . (3) شعب الإيمان، للبيهقي (8/ 284) وقال مخرجه: إسناده صحيح. (4) دليل الفالحين (2/ 121) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 627 من فوائد (الإنفاق) (1) الإنفاق من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) دليل حسن الظّنّ بالله والثّقة به. (3) أداء شكر نعمة الله- عزّ وجلّ- بالمال إذ إنّ المالك على الحقيقة هو الله- عزّ وجلّ-. (4) سبب نيل حبّ الله- عزّ وجلّ- وحبّ الخلق. (5) تقوية العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأمّة. (6) مواساة الفقراء والمحتاجين وسدّ حاجة المعوزين. (7) الإسهام في حلّ مشكلة الفقر الّتي أعجزت العالم المعاصر. (8) إشاعة التّراحم والتّوادّ في المجتمع بدلا من الشّحناء والبغضاء. (9) تزكية النّفس وتطهيرها بإخراج الشّحّ منها. (10) الإنفاق سبب بركة المال ونمائه ووقاية للإنسان من المصائب والبلايا. (11) الإنفاق طريق موصّل إلى الجنّة. (12) الإنفاق يجعل لصاحبه مكانة اجتماعيّة مرموقة. (13) الإنفاق يدعم الرّوابط الأسريّة ويقوّي الصّلات بين أفراد المجتمع. (14) الإنفاق يكفّر فتنة الرّجل في أهله وجاره. (15) المنفق يستظلّ بظلّ الله- عزّ وجلّ-. (16) الإنفاق دليل الطّبع السّليم والأريحيّة الكريمة ومدعاة لنصرة الله- عزّ وجلّ-. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 628 الإيثار / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 5/ 14/ 10/ الإيثار لغة: الإيثار مصدر قولهم آثره عليه يؤثره إيثارا بمعنى فضّله وقدّمه وهو مأخوذ من مادّة (أث ر) الّتي تدلّ على تقديم الشّيء «1» ومن ذلك قولهم: الأثير وهو الكريم عليك الّذي تؤثره بفضلك وصلتك، وجمع الأثير أثراء، والمآثر ما يروى من مكارم الإنسان، ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتّفضّل، وفي التّنزيل: لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا (يوسف/ 91) . وآثر أن يفعل كذا: فضّل وقدّم، قال الأصمعيّ: آثرتك إيثارا أي فضّلتك وضدّه الأثرة من قولهم استأثر بالشّيء انفرد به أو اختصّ به نفسه، وفي الحديث: قال صلّى الله عليه وسلّم للأنصار: «إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا» . والاستئثار: الانفراد بالشّيء. والمأثرة بفتح الثّاء وضمّها: المكرمة وآثرت فلانا على نفسي من الإيثار وهو الاختيار والتّفضّل «2» . واصطلاحا: قال القرطبيّ: الإيثار هو تقديم الغير على النّفس في حظوظها الدّنيويّة رغبة في الحظوظ الدّينيّة، وذلك ينشأ عن قوّة اليقين وتوكيد المحبّة، والصّبر على المشقّة «3» . درجات الإيثار: قال ابن القيّم- رحمه الله-: الإيثار على درجات: الأولى: أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يخرم عليك دينا، ولا يقطع عليك طريقا، ولا يفسد عليك وقتا. يعني أن تقدّمهم على نفسك في مصالحهم، مثل أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدّي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدّين. وكلّ سبب يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثر به أحدا، فإن آثرت به فإنّما تؤثر الشّيطان على الله وأنت لا تعلم. الثّانية: إيثار رضا الله على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطّول والبدن وإيثار رضا الله- عزّ وجلّ- على غيره: هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق وهي درجة الأنبياء. وأعلاها للرّسل عليهم صلوات الله وسلامه. وأعلاها لأولي العزم منهم وأعلاها لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وعليهم؛ فإنّه قاوم العالم كلّه، وتجرّد   (1) لهذه المادة معنيان آخران هما: رسم الشي ءالباقي، وذكر الشيء انظر هذين المعنيين وأمثلتهما في مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 53) . (2) النهاية لابن الأثير (221) ، والصحاح للجوهري (5752) ولسان العرب (1/ 26) . (3) تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) (18/ 18) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 629 للدّعوة إلى الله، واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى، وآثر رضا الله على رضا الخلق من كلّ وجه، ولم يأخذه في إيثار رضاه لومة لائم بل كان همّه وعزمه وسعيه كلّه مقصورا على إيثار مرضاة الله وتبليغ رسالاته، وإعلاء كلماته، وجهاد أعدائه؛ حتّى ظهر دين الله على كلّ دين وقامت حجّته على العالمين وتمّت نعمته على المؤمنين، فبلّغ الرّسالة، وأدّى الأمانة ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده وعبد الله حتّى أتاه اليقين من ربّه فلم ينل أحد من درجة هذا الإيثار ما نال- صلوات الله وسلامه عليه. هذا وقد جرت سنّة الله- الّتي لا تبديل لها- أنّ من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يسخط عليه من آثر رضاه، ويخذله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامده ذامّا، ومن آثر مرضاته ساخطا «1» ، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربّه وصل. وهذا أعجز الخلق وأحمقهم. قال الشّافعيّ- رحمه الله-: رضا النّاس غاية لا تدرك فعليك بما فيه صلاح نفسك فالزمه. ومعلوم أن لا صلاح للنّفس إلّا بإيثار رضا ربّها ومولاها على غيره، ولقد أحسن من قال: فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الّذي بيني وبينك عامر ... وبيني وبين العالمين خراب إذا صحّ منك الودّ فالكلّ هيّن ... وكلّ الّذي فوق التّراب تراب الثّالثة: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنّه هو الّذي تفرّد بالإيثار لا أنت، فكأنّك سلّمت الإيثار إليه، فإذا آثرت غيرك بشيء؛ فإنّ الّذي آثره هو الحقّ لا أنت فهو المؤثر على الحقيقة، إذ هو المعطي حقيقة «2» . الأسباب التي تعين على الإيثار: (1) تعظيم الحقوق: فإن عظمت الحقوق عنده، قام بواجبها ورعاها حقّ رعايتها واستعظم إضاعتها، وعلم أنّه إن لم يبلغ درجة الإيثار لم يؤدّها كما ينبغي فيجعل إيثاره احتياطا لأدائها. (2) مقت الشّحّ: فإنّه إذا مقته وأبغضه التزم الإيثار؛ فإنّه يرى أنّه لا خلاص له من هذا المقت البغيض إلّا بالإيثار. (3) الرّغبة في مكارم الأخلاق: وبحسب رغبته فيها يكون إيثاره؛ لأنّ الإيثار أفضل درجات مكارم الأخلاق «3» . الفرق بين الإيثار والسخاء والجود: السّخاء أعلى مراتب العطاء والبذل، وهذه المراتب هي:   (1) ومن آثر: معطوف على «حامده» والمعنى يعود الذي آثره من الخلق ساخطا عليه. (2) أي الحقوق. (3) مدارج السالكين لابن القيم (3/ 303) - 304) بتصرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 630 الأولى: ألّا ينقصه «1» البذل ولا يصعب عليه العطاء وهذه مرتبة السّخاء. الثّانية: أن يعطي الأكثر- ويبقي له شيئا أو يبقي- مثل ما أعطى، وهذا هو الجود. الثّالثة: أن يؤثر غيره بالشّيء مع حاجته إليه وهذه مرتبة الإيثار «2» . الإيثار والأثرة: الأثرة عكس الإيثار؛ لأنّ الأثرة تعني استئثار المرء عن أخيه بما هو محتاج إليه، قال ابن القيّم: وهي المرتبة الّتي قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض «3» . [للاستزادة: انظر: صفات: السخاء- البر- الجود- الشهامة- الكرم- الصدقة- الزكاة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأثرة- البخل- الشح] .   (1) كما في الأصل، ولعل الصواب «يقضه» من قولهم (أقض مضجعه) أي آلمه وآذاه. (2) مدارج السالكين (2/ 304) . (3) المرجع السابق (2/ 309) بتصرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 631 الآيات الواردة في «الإيثار» 1- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «1» 2- وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) «2» الآيات الواردة في «الإيثار» ولها معنى آخر 3- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (71) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) «3» 4- فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) «4» 5- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17) «5»   (1) يوسف: 88- 92 مكية (2) الحشر: 9 مدنية (3) طه: 71- 72 مكية (4) النازعات: 37- 39 مكية (5) الأعلى: 14- 17 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 632 الأحاديث الواردة في (الإيثار) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أنا أولى النّاس بالمؤمنين في كتاب الله- عزّ وجلّ-، فأيّكم ما ترك دينا أو ضيعة فادعوني فأنا وليّه. وأيّكم ما ترك مالا فليؤثر بماله عصبته من كان» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يضمّ- أو يضيف- هذا؟ «2» » فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك وأصبحي سراجك «3» ونوّمي صبيانك «4» إذا أرادوا عشاء، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ضحك الله اللّيلة- أو عجب من فعالكما- فأنزل الله وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ «5» وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ) * «6» . 3- * (عن ابن أسيد الأنصاريّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير دور الأنصار دار بني النّجّار، ودار بني عبد الأشهل، ودار بني الحارث بن الخزرج، ودار بني ساعدة، والله لو كنت مؤثرا بها أحدا لآثرت بها عشيرتي» ) * «7» . الأحاديث الواردة في (الإيثار) معنى 4- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «8» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه، ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «9» فأتيتها فشربتها. فلمّا   (1) مسلم (1619) . (2) من يضم- أو يضيف هذا- أي من يؤوي هذا فيضيفه و «أو» للشك من الراوي. (3) أصبحي سراجك: أوقديه. (4) نومي صبيانك: علليهم بشيء. (5) الخصاصة: الفاقة. (6) البخاري- الفتح 7 (3798) واللفظ له، ومسلم (2054) . (7) مسلم (2511) . (8) الجهد: الجوع والمشقة. (9) الجرعة: يجوز فتح الجيم وضمها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 633 أن وغلت «1» في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل قال- ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: «اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني» قال فعمدت: إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة «2» ، فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «3» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» قال: قلت يا رسول الله: اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فقلت يا رسول الله: اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك يا مقداد» فقلت يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله. أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من النّاس) * «4» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقّت التّمرة الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الّذي صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة أو أعتقها بها من النّار» ) * «5» . 6- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «6» في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي، وأنا منهم» ) * «7» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله قال: «من عادى لي وليّا فقد آذنته «8» بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله   (1) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه. (2) الشفرة: هي السكين العريضة. (3) حافلة: كثيرة اللبن. (4) مسلم (2055) . (5) مسلم (2630) . (6) أرملوا: أي فني طعامهم. (7) البخاري- الفتح 5 (2486) ، ومسلم (2500) متفق عليه. (8) آذنته بالحرب: أي أعلمته بها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 634 الّتي يمشي بها «1» . وإن سألني لأعطينّه، وإن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «2» . 8- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية «3» شديدة فجاءوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: «أنا نازل» ثمّ قام وبطنه معصوب «4» بحجر ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا «5» أهيل «6» أو أهيم فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق فذبحت العناق «7» وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة «8» . ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافيّ «9» قد كادت أن تنضج. فقلت: طعيّم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال: «كم هو؟» فذكرت له فقال: «كثير طيّب» قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي، فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» . فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال: «كلي هذا وأهدي فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» ) * «10» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طعام الاثنين كافي الثّلاثة، وطعام الثّلاثة كافي الأربعة» . وفي لفظ لمسلم: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثّمانية» ) * «11» . 10- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-   (1) معنى قوله: «كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها» : قال الحافظ في الفتح: وقد استشكل كيف يكون البارئ جل وعلا سمع العبد، وبصره ... إلخ. والجواب من أوجه: أحدها: أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى: كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح وقال الخطابي: هذه أمثال، والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها، بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله، وإلى هذا نحا الداودي ومثله الكلاباذي. انظر الفتح (11/ 352) وما بعدها بتصرف يسير. (2) البخاري- الفتح 11 (6502) . (3) الكدية: القطعة الشديدة الصلبة من الأرض. (4) معصوب: مربوط. (5) كثيبا: رملا. (6) أهيل: غير متماسك. وأهيم بمعنى أهيل. (7) العناق: أنثى المعز. (8) البرمة: القدر. (9) الأثافي: الحجارة التي توضع عليها القدور. (10) البخاري 7 (4101) . (11) البخاري- الفتح 9 (5392) ، مسلم (2058، 2059) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 635 قال: قال أبو طلحة لأمّ سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير ثمّ أخرجت خمارا لها فلفّت الخبز ببعضه، ثمّ دسّته تحت يدي ولا ثتني «1» ببعضه ثمّ أرسلتني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد ومعه النّاس فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم. قال: «بطعام؟» قلت: نعم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن معه: «قوموا» فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتّى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتّى لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هلمّي يا أمّ سليم ما عندك «2» ، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففتّ، وعصرت أمّ سليم عكّة فأدمته «3» ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه ما شاء الله أن يقول، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأكل القوم كلّهم حتّى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا) * «4» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قدم عبد الرّحمن بن عوف فآخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ وعند الأنصاريّ امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك دلّوني على السّوق، فأتى السّوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن فرآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد أيّام وعليه وضر من صفرة «5» ، فقال: مهيم يا عبد الرّحمن «6» ؟ فقال: تزوّجت أنصاريّة. قال: «فما سقت؟» . قال: وزن نواة من ذهب قال: «أو لم ولو بشاة» ) * «7» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل- وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92)   (1) ولا ثتني ببعضه: أي لفتني به. يقال لاث العمامة على رأسه أي عصبها، والمراد أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على إبطه ... إلخ. (2) هلمي ... إلخ: أحضري الطعام الذي عندك. (3) وعصرت أم سليم عكة فأدمته: أي صيرت ما خرج من العكة له إداما، والعكة بضم المهملة وتشديد الكاف إناء جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل. (4) البخاري- الفتح 6 (3578) ، ومسلم (2040) متفق عليه. (5) وضر من صفرة: أي أثر من زعفران. (6) مهيم: كلمة يستفهم بها، معناه ما حالك وما شأنك وهي كلمة معربة. (7) البخاري- الفتح 9 (5072) واللفظ له، ومسلم (1427) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 636 قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ الله تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ ذلك مال رابح. ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإيثار) 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: الله الّذي لا إله إلّا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت «2» لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي. ثمّ قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك رسول الله قال: «الحق» ومضى. فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنا في قدح فقال: «من أين هذا اللّبن؟» قالوا: أهداه لك فلان- أو فلانة- قال: «أبا هرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «الحق إلى أهل الصّفّة فادعهم لي» . قال- وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون «3» على أهل ولا مال ولا على أحد. إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها- فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: يا أبا هرّ، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «خذ فأعطهم» . فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسّم فقال: «أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «بقيت أنا وأنت» ، قلت: صدقت يا رسول الله. قال: «اقعد فاشرب» ، فقعدت فشربت. فقال: «اشرب» ، فشربت فما زال يقول: «اشرب» . حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ ما أجد له مسلكا. قال: «فأرني» فأعطيته القدح فحمد الله   (1) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له، ومسلم (998) . (2) إن في الموضعين مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف والتقدير: إنه كنت، وفي هذه الصياغة توكيد فوق التوكيد بالقسم قبلها ليتلقى الخبر بالثقة فيه لأول وهلة. (3) لا يأوون: قال ابن حجر: «والأكثر إلى بدل على» والمعنى ليس لهم أهل ولا مال يأوون إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 637 وسمّى وشرب الفضلة) * «1» . 14- * (عن سهل بن سعد، قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة فقال سهل للقوم، أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟ فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها فلبسها فرآها عليه رجل من الصّحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها؟ فقال: «نعم» فلمّا قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذها محتاجا إليها ثمّ سألته إيّاها وقد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه فقال: رجوت بركتها حين لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعلّي أكفّن فيها) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإيثار) 1- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها- فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت كنت أريده لنفسي فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا ثمّ قل: يستأذن عمر ابن الخطّاب فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين، إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا. فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وولج «3» عليه شابّ من الأنصار فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله: كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ استخلفت فعدلت، ثمّ الشّهادة بعد هذا كلّه. فقال: ليتني يا ابن أخي وذلك كفافا لا عليّ ولا لي، أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين خيرا: أن يعرف لهم حقّهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا- الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان- أن يقبل من محسنهم، ويعفى عن مسيئهم. وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلّفوا فوق طاقتهم» ) * «4» . 2- * (عن قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله عنهما- وكان من الأجواد المعروفين- حتّى إنّه مرض مرّة فاستبطأ إخوانه في العيادة «5» ، فسأل عنهم، فقالوا: إنّهم كانوا يستحيون ممّا لك عليهم من الدّين؛   (1) البخاري- الفتح 11 (6452) . (2) البخاري- الفتح 10 (6036) . (3) ولج عليه شاب من الأنصار: دخل عليه. (4) البخاري- الفتح 3 (1392) . (5) العيادة: زيارة المريض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 638 فقال: أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزّيارة. ثمّ أمر مناديا ينادي من كان لقيس عليه مال فهو في حلّ. فما أمسى حتّى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده» ) * «1» . 3- * (عن حذيفة العدويّ، قال: «انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم. فإذا رجل يقول آه. فأشار ابن عمّي إليّ أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام: انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمّي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين» ) * «2» . 4- * (قال الغزاليّ: «والإيثار أعلى درجات السّخاء» ) * «3» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ مسكينا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلّا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إيّاه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه؟ فقالت: أعطيه إيّاه. قالت: ففعلت. قالت: فلمّا أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا: شاة وكفنها. فدعتني عائشة فقالت: كلي من هذا، فهذا خير من قرصك) * «4» . 6- * (روى النّسائيّ عن نافع أنّ ابن عمر اشتكى واشتهى عنبا، فأشري له عنقود بدرهم، فجاء مسكين فسأل، فقال: أعطوه إيّاه، فخالف إنسان فاشتراه بدرهم، ثمّ جاء به إلى ابن عمر، فجاء المسكين فسأل، فقال: أعطوه إيّاه، ثمّ خالف إنسان فاشتراه بدرهم، ثمّ جاء به إليه، فأراد السّائل أن يرجع فمنع. ولو علم ابن عمر أنّه ذلك العنقود ماذاقه. لأنّ ما خرج لله لا يعود فيه) * «5» . 7- * (عن مالك الدّار: أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه- أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرّة، ثمّ قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، ثمّ تلكّأساعة في البيت حتّى تنظر ماذا يصنع بها. فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمّ قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتّى أنفدها. فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل. وقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل، وتلكّأ في البيت ساعة حتّى تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك،   (1) مدارج السالكين (3/ 304) . (2) إحياء علوم الدين، للغزالي 3 (258) ، وتفسير ابن كثير (4/ 338) . (3) إحياء علوم الدين للعزالي (3/ 258) . (4) القرطبي (18/ 19) . وكفن الشّاة: عجين برّ تغطّى به ثم تعلّق في التّنّور فلا يخرج من الودك شيء. والودك: الدّسم. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 639 فقال: رحمه الله ووصله، وقال: يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا، فاطّلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا. ولم يبق في الخرقة إلّا ديناران فنحا «1» بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسرّ بذلك عمر وقال: إنّهم إخوة! بعضهم من بعض) * «2» . 8- * (سئل ذو النّون المصريّ: ما حدّ الزّاهد المنشرح صدره؟ قال ثلاث: تفريق المجموع، وترك طلب المفقود، والإيثار عند القوت) * «3» . 9- * (وحكي عن أبي الحسن الأنطاكيّ: أنّه اجتمع عنده نيّف وثلاثون رجلا بقرية من قرى الرّيّ، ومعهم أرغفة معدودة لا تشبع جميعهم، فكسروا الرّغفان، وأطفئوا السّراج، وجلسوا للطّعام، فلمّا رفع فإذا الطّعام بحاله لم يأكل منه أحد شيئا، إيثارا لصاحبه على نفسه» ) * «4» . 10- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأس شاة، فقال: إنّ أخي فلانا وعياله أحوج إلى هذا منّا. فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتّى تداولها أهل سبعة أبيات حتّى رجعت إلى الأوّل فنزلت وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر/ 9)) * «5» . من فوائد (الإيثار) (1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) طريق موصّل إلى محبّة الله ورضوانه. (3) حصول الألفة والمحبّة بين النّاس. (4) دليل سخاء النّفس وارتقائها. (5) مظهر من مظاهر حسن الظّنّ بالله. (6) علامة على حسن الخاتمة. (7) الإيثار دليل علوّ الهمّة والبعد عن صفة الأثرة الذّميمة. (8) الإيثار يجلب البركة وينمّي الخير. (9) الإيثار من علامات الرّحمة الّتي توجب لصاحبها الجنّة ويعتق بها من النّار. (10) الإيثار طريق موصّل إلى الفلاح لأنّه يقي الإنسان من داء الشّحّ.   (1) كذا في رواية الطبراني في الكبير (2/ 33، 34) ، وقد سبق في (ص 626) . (2) القرطبي (18/ 19) . (3) المرجع السابق (18/ 20) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) الدر المثنور (8/ 107) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 640 الإيمان / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 437/ 98/ 19/ الإيمان لغة: مصدر آمن وهو مأخوذ من مادّة (أم ن) الّتي تدلّ على معنيين هما: الأمانة الّتي هي ضدّ الخيانة ومعناها سكون القلب، والتّصديق الّذي هو ضدّ التّكذيب، ومن المادّة أيضا الأمان وضدّه الخوف. أمّا الإيمان فضدّه الكفر، وقد أخذ هذا المعنى الأخير (من التّصديق) بإجماع أهل العلم كما يقول ابن منظور، وهو راجع إلى معنى الأمان؛ لأنّ العبد إذا آمن بالله أمّنه الله وصار في أمانه، قال- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام/ 82) ، وإنّما قيل للمصدّق بالله مؤمن لأنّه لمّا صدّقه: استسلم له وأمن كلّ من كان على مثل تصديقه فلم يستحلّ ماله ودمه وعرضه فأمنه من كان مثله، فيكون المؤمنون بعضهم في أمان بعض. من ذلك قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم حين سئل من المؤمن؟ قال: «من أمن جاره بوائقه» وإذا كان الإيمان صفة للعبد عدّي بالباء واللّام فقيل: آمن بالله ولله؛ لأنّه يرجع إلى معنى التّصديق وإذا تكلّم به في صفة الله لم تدخل عليه اللّام أو الباء. لأنّه يراد به الأمان. «1» المؤمن في أسماء الله تعالى: قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى «المؤمن» وهو الّذي يصدق عباده وعده، فهو من الإيمان (بمعنى) التّصديق، أو يؤمّنهم في القيامة من عذابه، فهو من الأمان والأمن الّذي هو ضدّ الخوف «2» . وقال القرطبيّ: المؤمن هو المصدّق لرسله بإظهار معجزاته عليهم، ومصدّق المؤمنين ما وعدهم به من الثّواب، ومصدّق الكافرين ما أوعدهم من العقاب، وقيل المؤمن الّذي يؤمّن أولياءه من عذابه، ويؤمّن عباده من ظلمه؛ يقال: آمنه من الأمان كما قال تعالى وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (قريش/ 4) ، فهو مؤمن، وقال النّابغة: المؤمن العائذات الطّير يمسحها ... ركبان مكّة بين الغيل والسّند «3» . واصطلاحا: تحدّثت عن الإيمان اصطلاحا طوائف عديدة من أهل العلم من الفقهاء وأهل الحديث والمتكلّمين والمفسّرين وغيرهم، وقد تناول ذلك كلّ من التّهانويّ والعينيّ فقالا ما خلاصته:   (1) انظر في ذلك مقاييس اللغة (1/ 133) ، اللسان (140، 141) ، والصحاح (5/ 2071) . (2) النهاية في غريب الحديث 1/ 69. (3) تفسير القرطبي 18/ 31. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 641 معنى الإيمان باعتبار عرف الشّرع اختلف فيه أهل القبلة على أربع فرق: الأولى: الإيمان فعل القلب فقط أي تصديق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في كلّ ما علم مجيئه به بالضّرورة تصديقا جازما مطلقا. الثّانية: الإيمان عمل (إقرار) باللّسان فقط بشرط حصول المعرفة بالقلب، فإن لم تحصل كان صاحب ذلك مؤمن الظّاهر كافر السّريرة. الثّالثة: الإيمان عمل القلب واللّسان أي الاعتقاد الجازم والإقرار بالشّهادتين، وقد نسب هذا إلى أبي حنيفة وعامّة الفقهاء وبعض المتكلّمين. الرّابعة: الإيمان فعل القلب واللّسان وسائر الجوارح، وقد نسب القول بذلك إلى أصحاب الحديث ومالك والشّافعيّ والأوزاعيّ، ولأصحاب الحديث بعد ذلك أقوال ثلاثة: الأوّل: المعرفة إيمان كامل وهي الأصل ثمّ بعد ذلك كلّ طاعة إيمان على حدة، وكذلك الجحود وإنكار القلب كفر، ثمّ بعد ذلك كلّ معصية كفر على حدة. الثّاني: الإيمان اسم للطّاعات كلّها، فرائضها ونوافلها وهي بجملتها إيمان واحد، وترك الفرائض وحده هو الّذي ينقص الإيمان بخلاف النّوافل. الثّالث: الإيمان اسم للفرائض دون النّوافل «1» . وقد اقتصر الجرجانيّ على رأي الطّائفة الثّالثة عند ما عرّف الإيمان بأنّه: الاعتقاد بالقلب والإقرار باللّسان. قيل فيمن شهد (أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله) وعمل ولم يعتقد فهو منافق ومن شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق، ومن أخلّ بالشّهادة فهو كافر «2» . وذكر بعضهم رأي الطّائفة الرّابعة مقتصرا عليه فقال: وقيل في معناه: تصديق بالجنان وإقرار باللّسان وعمل بالأركان «3» ، أمّا ابن حجر فقد اقتصر على الطّائفة الأولى عند ما قرّر: أنّ الإيمان هو تصديق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به عن ربّه «4» . وقال الكفويّ: الإيمان عرفا: هو الاعتقاد الزّائد على العلم، وشرعا: هو إمّا فعل القلب فقط أو اللّسان فقط أو فعلهما جميعا، أو هما مع سائر الجوارح «5» . بماذا نؤمن؟ جاء في حديث جبريل المشهور بيان لأصل الإيمان الّذي هو التّصديق الباطن وفيه تفصيل لما يجب أن نؤمن به، وذلك جوابا عن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فأخبرني ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه، قال صلّى الله عليه وسلّم صدقت» «6» . فقسّم الإيمان بحسب ما يؤمن به إلى   (1) بتلخيص عن الإمامين العيني والتهانوي في المرجعين السابقين، عمدة القاريء (1/ 111) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 137) . (2) التعريفات للجرجاني (41) . (3) شرح العقيدة الطحاوية (373) . (4) فتح الباري (1/ 46) . (5) انظر الكليات للكفوي (213) وقد أفاض في شرح هذا التعريف في الصفحات (213- 217) ونقل كلامه بحذافيره يخرج عن أغراض هذه الموسوعة فليرجع إلى هناك من شاء. (6) انظر الحديث بتمامه في صحيح مسلم بشرح النووي ج 1 ص 157. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 642 ستّة أقسام هي: 1- الإيمان بالله تعالى. 2- الإيمان بالملائكة. 3- الإيمان بكتب الله. 4- الإيمان بالرّسل. 5- الإيمان باليوم الآخر. 6- الإيمان بالقدر. يقول الشّيخ أبو بكر الجزائريّ فيما يتعلّق بالأصناف الأربعة الأولى: المسلم يؤمن بالله تعالى بمعنى أنّه يصدّق بوجود الرّبّ تبارك وتعالى، وأنّه عزّ وجلّ- فاطر السّموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة ربّ كلّ شيء ومليكه، لا إله إلّا هو، ولا ربّ غيره، وأنّه جلّ وعلا موصوف بكلّ كمال، منزّه عن كلّ نقص، ويؤمن كذلك بربوبيّته لجميع العالمين، كما أنّه يؤمن بألوهيّة الله تعالى لجميع الأوّلين والآخرين، وأنّه لا إله غيره، ولا معبود بحقّ سواه، والمسلم يؤمن أيضا بما لله تعالى من أسماء حسنى، وصفات عليا، ولا يشرك غيره فيها ولا يتأوّلها فيعطّلها، ولا يشبّهها بصفات المحدثين فيكيّفها أو يمثّلها؛ فهو يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأسماء والصّفات، وينفي عنه تعالى ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلّى الله عليه وسلّم من كلّ عيب ونقص إجمالا وتفصيلا. ويؤمن المسلم بملائكة الله تعالى، وأنّهم خلق من أشرف خلقه وعباد مكرّمون من عباده، خلقهم من نور، كما خلق الإنسان من صلصال كالفخّار، وخلق الجانّ من مارج من نار. وأنه تعالى وكّلهم بوظائف، فمنهم الحفظة على العباد، والكاتبون لأعمالهم، ومنهم الموكّلون بالجنّة ونعيمها، ومنهم الموكّلون بالنّار وعذابها، ومنهم المسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون، وأنّه تعالى فاضل بينهم، فمنهم الملائكة المقرّبون؛ كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومنهم دون ذلك. ويؤمن المسلم بجميع ما أنزل الله تعالى من كتاب، وما آتى بعض رسله من صحف، وأنّها كلام الله أوحاه الله إلى رسله ليبلّغوا عنه شرعه ودينه وأنّ أعظم هذه الكتب الأربعة «القرآن الكريم» المنزّل على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، و «التّوراة» المنزّلة على نبيّ الله موسى عليه السّلام-، و «الزّبور» المنزّل على نبيّ الله داود- عليه السّلام-، و «الإنجيل» المنزّل على عبد الله ورسوله عيسى عليه السّلام، وأنّ «القرآن الكريم» هو أعظم هذه الكتب، والمهيمن عليها، والنّاسخ لجميع شرائعها وأحكامها، ويؤمن المسلم بأنّ «القرآن الكريم» هو الكتاب الشّامل لأعظم تشريع ربّانيّ، تكفّل منزّله لمن أخذ به أن يسعد في الدّارين، وتّوعّد من أعرض عنه فلم يأخذ به بالشّقاوة في الدّارين، وأنّه الكتاب الوحيد الّذي ضمن الله سلامته من النّقص والزّيادة، ومن التّبديل والتّغيير، وبقاءه حتّى يرفعه إليه عند آخر أجل هذه الحياة. ويؤمن المسلم بأنّ الله تعالى قد اصطفى من النّاس رسلا وأوحى إليهم بشرعه، وعهد إليهم بإبلاغه لقطع حجّة النّاس عليه- سبحانه- يوم القيامة، وأرسلهم بالبيّنات والهدى، وايّدهم بالمعجزات، ليخرجوا النّاس من الظّلمات إلى النّور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 643 وأنّهم وإن كانوا بشرا يجري عليهم الكثير من الأعراض البشريّة فيأكلون ويشربون، ويمرضون ويصحّون، وينسون ويذكرون، ويموتون ويحيون، فهم أكمل خلق الله تعالى على الإطلاق وأفضلهم بلا استثناء، وأنّه لا يتمّ إيمان عبد إلّا بالإيمان بهم جميعا جملة وتفصيلا. ويؤمن المسلم بأنّ النّبيّ محمّدا بن عبد الله بن عبد المطّلب الهاشميّ القرشيّ العربيّ المنحدر من صلب إسماعيل بن إبراهيم الخليل- عليه السّلام-، هو عبد الله ورسوله أرسله إلى كافّة النّاس أحمرهم وأبيضهم، وختم بنبوّته النّبوّات وبرسالته الرّسالات، فلا نبيّ بعده، ولا رسول، أيّده بالمعجزات، وفضّله على سائر الأنبياء، كما فضّل أمّته على سائر الأمم. فرض محبّته، وأوجب طاعته، وألزم متابعته، وخصّه بخصائص لم تكن لأحد سواه منها: الوسيلة، والكوثر، والحوض، والمقام المحمود. ويؤمن المسلم بأنّ لهذه الحياة الدّنيا ساعة أخيرة تنتهي فيها، ويوما آخر ليس بعده من يوم، ثمّ تأتي الحياة الثّانية في الدّار الآخرة فيبعث الله سبحانه الخلائق بعثا ويحشرهم إليه جميعا ليحاسبهم فيجزي الأبرار بالنّعيم المقيم في الجنّة، ويجزي الفجّار بالعذاب المهين في النّار. وأنّه يسبق هذا أشراط السّاعة وأماراتها، كخروج المسيح الدّجال، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى- عليه السّلام-، وخروج الدّابّة، وطلوع الشّمس من مغربها، وغير ذلك من الآيات، ثمّ ينفخ في الصّور نفخة الفناء والصّعق، ثمّ نفخة البعث والنّشور، والقيام لربّ العالمين، ثم تعطى الكتب، فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله، ويوضع الميزان، ويجري الحساب، وتنصب الصّراط، وينتهي الموقف الأعظم باستقرار أهل الجنّة في الّجنّة، وأهل النّار في النّار. ويؤمن المسلم بأنّ نعيم القبر وعذابه، وسؤال الملكين فيه حقّ وصدق، ويؤمن كذلك بقضاء الله وقدره وحكمته ومشيئته، وأنّه لا يقع شيء في الوجود حتّى أفعال العباد الاختياريّة إلّا بعد علم الله بها وتقديره، وأنّه تعالى عدل في قضائه وقدره حكيم في تصرّفه وتدبيره، وأن حكمته تابعة لمشيئته. ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا به تعالى. أ. هـ «1» . معنى الإيمان باليوم الآخر: يقول بعض الباحيثين: معنى ذلك بصورة إجماليّة: الإيمان بكلّ ما أخبر به الله- عزّ وجلّ- في كتابه، وأخبر به رسوله صلّى الله عليه وسلّم ممّا يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه، والبعث والحشر والصّحف والحساب والميزان والحوض والصّراط والشّفاعة والجنّة والنّار، وما أعدّ الله تعالى لأهلهما جميعا «2» . وقد اهتمّ القرآن الكريم اهتماما عظيما باليوم الآخر، فقرّره في كلّ موقع، ونبّه إليه في كلّ مناسبة، وأكّد وقوعه بشتّى الأساليب. ومن مظاهر هذا الاهتمام:   (1) بتصرف واختصار شديد من كتاب منهاج المسلم (10- 48) . (2) الإيمان: أركانه، حقيقته، نواقضه. د/ محمد نعيم ياسين ص 64. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 644 - ربط الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر في آيات كثيرة «1» . تفصيل القرآن للأحداث الّتي تحدث في ذلك اليوم. كثرة الأسماء الّتي سمّي بها «2» . الإيمان بالقدر: قال الإمام النّوويّ: اعلم أنّ مذهب أهل الحقّ إثبات القدر ومعناه: أنّ الله تبارك وتعالى قدّر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه أنّها ستقع في أوقات معلومة وعلى صفات مخصوصة على حسب ما قدّرها سبحانه، وقال الخطّابيّ: قد يحسب كثير من النّاس أنّ معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه وتعالى العبد وقهره على ما قدّره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهّمونه، وإنّما معناه الإخبار عن تقدّم علم الله بما يكون من اكتساب العبد وصدور ذلك عن تقدير منه وخلق لأعماله خيرها وشرّها، والقدر- على ذلك- اسم لما صدر مقدّرا عن فعل القادر، والقضاء في هذا (السّياق) معناه الخلق كما في قوله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ أي خلقهنّ «3» . الفرق بين الإيمان والإسلام: (انظر صفة الإسلام) . استعمالات اسم الإيمان في لسان الشّرع: قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: اسم الإيمان تارة يذكر مفردا غير مقرون باسم الإسلام ولا باسم العمل الصّالح ولا غيرهما، وتارة يذكر مقرونا، إمّا بالإسلام كما في حديث جبريل المشهور، وكقوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ... (الأحزاب/ 35) وغيرها. وإمّا مقرونا مع العمل الصّالح وذلك في مواضع من القرآن كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... (البروج/ 11) . وإمّا مقرونا بالّذين أوتوا العلم، كقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ (الروم/ 56) . ويذكر أيضا لفظ المؤمنين مقرونا بالّذين هادوا والنّصارى والصّابئين ثمّ يقول: ... مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة/ 62) . فالمؤمنون في ابتداء الخطاب غير الثّلاثة، والإيمان الآخر عمّهم كما عمّهم في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ «4» . ورود اسم «الإيمان» في القرآن: وقد ورد اسم الإيمان في التّنزيل العزيز على أوجه منها: الأوّل: بمعنى إقرار اللّسان كما في قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ... (المنافقون/ 3) . أي آمنوا باللّسان وكفروا بالجنان. الثّاني: بمعنى التّصديق، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ   (1) راجع الآيات الواردة في ذلك مع الهوامش. (2) راجع أسماء القيامة والآيات الواردة فيها. (3) صحيح مسلم بشرح النووي (154/ 155) باختصار وتصرف. (4) مجموعة الفتاوى (17/ 13، 14) والآية 7 من سورة البينة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 645 الْبَرِيَّةِ (البينة/ 7 مدنية) . الثّالث: بمعنى التّوحيد وكلمة الإيمان كما في قوله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (المائدة/ 5 مدنية) . أي يكفر بكلمة التّوحيد. الرّابع: إيمان يخالطه شرك ويلابسه. كما في قوله تعالى: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (يوسف/ 106 مكية) . فهم مؤمنون موحّدون توحيد الرّبوبيّة مشركون في توحيد الألوهيّة والأسماء والصّفات. الخامس: بمعنى الصّلاة كما في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ (البقرة/ 143 مدنية) . أي صلاتكم «1» . وقال أبو القاسم (الرّاغب) : الإيمان يستعمل تارة (في القرآن) اسما للشّريعة الّتي جاء بها محمّد صلّى الله عليه وسلّم ويوصف به كلّ من دخل في شريعته، مقرّا باللهو بنبوّته، وتارة يستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النّفس للحقّ على سبيل التّصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق (تصديق) بالقلب، وإقرار باللّسان، وعمل بحسب ذلك بالجوارح، ويقال لكلّ واحد من الاعتقاد، والقول الصّادق والعمل الصّالح: إيمان، إلّا أنّ الإيمان هو التّصديق الّذي يحصل معه الأمن «2» . وقد جعل ابن الجوزيّ الإذعان للحقّ على سبيل التّصديق وجها مستقلّا أطلق عليه «الإيمان الشّرعيّ» ، وهو ما جمع الأركان الثّلاثة المذكورة؛ وهي الإقرار والاعتقاد والعمل بمقتضى ذلك، ومثّل لذلك بقوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (البقرة/ 25) ، ثمّ ذكر وجها سابعا عن بعض المفسّرين هو الدّعاء ومثّل له بقوله تعالى ... إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا (يونس/ 98) أي دعوا «3» . ونخلص من ذلك إلى أنّ لفظ «الإيمان» وما اشتقّ منه قد ورد في القرآن الكريم على أوجه هي: 1- الإقرار. 2- التّصديق. 3- التّوحيد. 4- إيمان يخالطه شرك. 5- الصّلاة. 6- الإيمان الشّرعيّ وهو ما جمع بين الإقرار والتّصديق والعمل بمقتضاهما. 7- الدّعاء. وفيما يتعلّق بالسّياق اللّغويّ «4» الّذي ورد فيه اللّفظ وجدناه، إمّا أن يرد مفردا، وإمّا أن يقترن بالإسلام أو العمل الصّالح أو العلم أو بأصحاب الدّيانات الأخرى «5» أو بما ينبغي الإيمان به، وسنحاول تصنيف الآيات الّتي ورد فيها لفظ الإيمان بمراعاة الأمرين جميعا قدر الإمكان. (انظر ص 652) .   (1) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (3/ 150) . (2) المرجع السابق (3/ 151) نقلا عن الراغب الأصفهاني في المفردات. (3) نزهة الأعين النواظر (146) . (4) المراد بالسياق اللغوي جملة الألفاظ التي أحاطت باللفظ عند استخدامه في الجملة. (5) انظر ما نقلناه آنفا عن شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (17/ 13) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 646 الإيمان المطلق مستلزم للأعمال: قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: الإيمان المطلق مستلزم للأعمال بدليل قوله تعالى: إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (السجدة/ 15) ، فنفى الإيمان عن غير هؤلاء، فمن كان إذا ذكّر بالقرآن لا يفعل ما فرضه الله عليه من السّجود لم يكن من المؤمنين، ومثل هذه الآية قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (الأنفال/ 2) ، وقوله عزّ من قائل: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (المجادلة/ 22) ، وقوله سبحانه وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ (المائدة/ 81) ، وقد بيّن سبحانه في هذه الآيات أنّ الإيمان له لوازم وله أضداد موجودة، ومن أضداده موادّة من حادّ الله ورسوله، ومن هذا الباب قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن» «1» ، وقوله عليه الصّلاة والسّلام «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» «2» وأشباه هذا كثير «3» . الإيمان المقترن بالإسلام أو العمل الصالح يحتمل وجوها عديدة: إذا قرن الإيمان بالإسلام أو بالعمل الصّالح فإنّه قد يراد به ما في القلب من الإيمان (أي التّصديق الجازم) ، ولكن هل يراد به أيضا المعطوف «4» ، ويكون من باب عطف الخاصّ على العامّ؟ أو لا يكون داخلا فيه وإنّما لازم له؟ أو لا يكون هذا ولا ذاك؟ للنّاس في ذلك ثلاثة أقوال «5» ، ثمّ خلص إلى القول بأنّ لأئمّة السّنّة في تفسير الإيمان أقوالا كلّها صحيح، فمنهم من يقول: هو قول وعمل. ومنهم من يقول: هو قول وعمل ونيّة. ومنهم من يقول: هو قول وعمل ونيّة واتّباع للسّنّة، ومنهم من يقول هو قول باللّسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، فالّذين يقولون هو قول وعمل، فإنّه يدخل في القول «6» قول القلب واللّسان جميعا، وفي العمل عمل القلب والجوارح، ومن أراد الاعتقاد رأى أنّ لفظ القول لا يفهم منه إلّا القول الظّاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال: قول وعمل ونيّة قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللّسان، وأمّا العمل فقد لا يفهم منه النّيّة فزاد ذلك، ومن زاد اتّباع السّنّة فلأنّ ذلك كلّه لا يكون محبوبا لله إلّا باتّباع السّنّة، وأولئك لم يريدوا كلّ قول وكلّ عمل، وإنّما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال، ومقصودهم الرّدّ على المرجئة الّذين جعلوه قولا فقط، وأمّا الّذين جعلوه أربعة أقسام (قول، وعمل، ونيّة، واتّباع للسّنّة) ففسّروا مرادهم بما قاله سهل بن عبد الله التّستريّ عند ما سئل: ما الإيمان؟   (1) انظر الحديث رقم (78) . (2) انظر الحديث رقم (84) وفيه «لا يدخل الجنة» بدلا من «لا يؤمن» . ولعلها رواية أخرى وقف عليها شيخ الإسلام. (3) باختصار وتصرف يسير عن الفتاوى 7/ 160- 161. (4) الفتاوى 7/ 162، وقد وقع فيه- خطأ- المعطوف عليه بدلا من المعطوف. (5) أي ذهب بعضهم إلى أن المعطوف جزء من الإيمان، وبعضهم إلى أنه لازم له، وبعضهم إلى أنه مغاير له. (6) انظر في مسمى القول والكلام: صفة الكلم الطيب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 647 فقال: قول وعمل ونيّة، وسنّة، لأنّ الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولا وعملا بلا نيّة فهو نفاق، وإذا كان قولا وعملا ونيّة بلا سنّة فهو بدعة «1» . والخلاصة أنّ لفظ الإيمان إذا أطلق في القرآن والسّنّة يراد به ما يراد بلفظ البرّ، وبلفظ التّقوى، وبلفظ الدّين، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيّن أنّ الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق، وكذلك لفظ البرّ يدخل فيه جميع ذلك إذا أطلق، وكذلك لفظ التّقوى، وكذلك لفظ الدّين أو دين الإسلام «2» . أصل الإيمان: وأصل الإيمان تصديق وإقرار ومعرفة وهو من باب قول القلب المتضمّن عمل القلب، والأصل في عمل القلب التّصديق والعمل تابع له، ولهذا فسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإيمان بإيمان القلب وبخضوعه «3» ، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وفسّر الإسلام باستسلام مخصوص هو المباني (أي الأركان) الخمس، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم أيضا: «الإسلام علانية والإيمان في القلب» ، إشارة إلى أنّ أعمال الإسلام يراها النّاس، وما في القلب من تصديق ومعرفة وحبّ وخشية ورجاء فهذا باطن، لكن له لوازم تدلّ عليه، مصداق ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة جميعا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم» ففسّر المسلم بأمر ظاهر وهو سلامة النّاس منه، وفسّر المؤمن بأمر باطن هو أن يأمنوه على دمائهم وأموالهم، وهذه الصّفة أعلى من تلك، فإنّ من كان مأمونا سلم النّاس منه، وليس كلّ من سلموا منه يكون مأمونا فقد يترك أذاهم، وهم لا يأمنون إليه، خوفا أن يكون ترك أذاهم لرغبة أو رهبة، لا لإيمان في قلبه «4» . يؤكّد هذا أيضا ما جاء في حديث عمرو بن عبسة أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما الإسلام؟ قال: «إطعام الطّعام ولين الكلام» قال: فما الإيمان؟ قال: السّماحة والصّبر» حيث إنّ إطعام الطّعام عمل ظاهر وكذلك لين الكلام، وأمّا السّماحة والصّبر فخلقان في النّفس «5» . التصديق والإيمان ليسا مترادفين: نفى ابن تيميّة التّرادف التّامّ بين الإيمان والتّصديق عند ما ذهب إلى أنّ الإيمان أخصّ منه «6» لأنّه تصديق يستعمل على نحو مخصوص، فآمن بمعنى صدّق لا تستعمل متعدّية بنفسها ولا بالباء، وإنّما متعدّية باللّام فقط، فهذا فرق في الاستعمال اللّغويّ، وأمّا من جهة الدّلالة أو المعنى فقال- رحمه الله تعالى-: إنّ الإيمان ليس مرادفا للفظ التّصديق في المعنى، لأنّ كلّ مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في   (1) الفتاوى (7/ 170- 171) بتصرف واختصار. (2) المرجع السابق (7/ 179) باختصار. (3) يشير- رحمه الله- بذلك إلى ما جاء في حديث جبريل عند ما سأله: ما الإيمان؟. (4) باختصار وتصرف يسير عن «الفتاوى» (7/ 263- 264) . (5) المرجع السابق (264) . (6) وهذا لا ينفي أن يكون هناك ترادف جزئي أي أنهما قد يستعملان أحيانا في نفس السياق كأن يقال: ما أنت بمصدّق لي، وما أنت بمؤمن لي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 648 اللّغة صدقت، كما يقال: كذبت. وأمّا لفظ الإيمان فلا يستعمل إلّا في الخبر عن غائب، ولهذا يقال للشّهود صدّقناهم ولا يقال آمنّا لهم، ذلك أنّ الإيمان مشتقّ من الأمن (أو الأمانة) ولذلك فهو يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، ولم يستعمل لفظ آمن له في القرآن إلّا في هذا النّوع، والاثنان إذا اشتركا في معرفة الشّيء، يقال صدّق أحدهما صاحبه ولا يقال آمن له لأنّه لم يكن غائبا عنه، وعلى ذلك قوله سبحانه: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي يصدّقهم فيما أخبروا به ممّا غاب عنه، وهم مأمونون «1» عنده على ذلك فاللّفظ متضمّن مع التّصديق معنى الائتمان والأمانة. (ومن وجوه الفرق أيضا) أنّ لفظ الإيمان في اللّغة لم يقابل بالتّكذيب كما قوبل به لفظ التّصديق، وإنّما قوبل به لفظ الكفر. يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختصّ بالتّكذيب، لأنّ قائلا لو قال: أعلم أنّك صادق لكن لا أتّبعك، بل أعاديك وأبغضك ... لكان كفره أعظم، فلمّا كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التّكذيب فقط، وإنّما يكون تكذيبا ومخالفة وامتناعا بلا تكذيب، ولمّا كان الأمر كذلك لزم أن يكون الإيمان تصديقا مع موافقة وموالاة وانقياد لا مجرّد التّصديق، وهنا يكون الإسلام جزء مسمّى الإيمان، كما كان الامتناع مع التّصديق جزء مسمّى الكفر، ومن ثمّ وجب أن يكون كلّ مؤمن مسلما منقادا للأمر وهذا هو العمل. ومن وجوه الفرق أيضا ما قال به بعضهم (بعض اللّغويّين) من أنّ الإيمان أصله في اللّغة من الأمن الّذي هو ضدّ الخوف، وعلى ذلك يكون معنى آمن: صار داخلا في الأمن وأنشدوا على ذلك بيت النّابغة «2» : المؤمن العائذات الطّير يمسحها ... ركبان مكّة بين الغيل والسّبد وإذا سلّمنا بأنّ الإيمان أصله التّصديق، فهو تصديق مخصوص كما أنّ الصّلاة دعاء مخصوص، والحجّ قصد مخصوص، والصّيام إمساك مخصوص، وهذا التّصديق له لوازم تدخل في مسمّاه عند الإطلاق، لأنّ انتفاء اللّازم يقتضي انتفاء الملزوم «3» . الإيمان ومكارم الأخلاق: يقول ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: لفظ الإيمان إذا أطلق في القرآن والسّنّة يراد به ما يراد بلفظ البرّ، وبلفظ التّقوى، وبلفظ الدّين. وقد بيّن صلّى الله عليه وسلّم أنّ الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلّا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق، فكان كلّ ما يحبّه الله يدخل في اسم الإيمان «4» ، وإذا كان الإيمان أصله الإيمان الّذي في القلب، وأنّه لا بدّ فيه من شيئين: الأوّل تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته وهذا هو التّوحيد، والآخر عمل القلب وهو   (1) في الأصل (292) «وهو مأمون عنده على ذلك» والسياق يقتضي ما أثبتناه. (2) في الفتاوى «وأنشدوا.. ثم بياض» في الأصل لم يستطع المحقق إكماله، وقد أكملناه بفضل الله تعالى اعتمادا على ما ذكرته المصادر الأخرى. (3) بتلخيص وتصرف من الفتاوى (7/ 286- 297) . (4) المرجع السابق (7/ 179) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 649 التّوكّل على الله وحده ونحوه مثل حبّ الله ورسوله، وحبّ ما يحبّه الله ورسوله، وبغض ما يبغضه الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده «1» كانت أعمال القلب من الحبّ والإخلاص والخشية والتّوكّل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى، وكانت هذه الأخلاق الفاضلة ونحوها داخلة في الإيمان، وأمّا البدن فلا يمكن أن يتخلّف عن مراد القلب، لأنّه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضّرورة، ولهذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب» ، وقال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده. إنّه إذا كان عمل القلب من الأمور الباطنة، وعمل الجسد من الأمور الظّاهرة، فإنّ الظّاهر تابع للباطن لازم له، متى صلح الباطن صلح الظّاهر، وإذا فسد فسد، ولهذا قال من قال من الصّحابة عن المصلّي العابث: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه «2» ، وهكذا فإنّه لمّا كانت الطّاعات كلّها داخلة في الإيمان لم يفرّق الله عزّ وجلّ بينها وبينه في قوله سبحانه: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ (الحجرات/ 7) ، فأدخل في الإيمان جميع الطّاعات لأنّه سبحانه حبّب إليهم ذلك حبّ تديّن، وكرّه إليهم الكفر والفسوق وسائر المعاصي كراهة تديّن، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن» لأنّ الله سبحانه حبّب إلى المؤمنين الحسنات وكرّه إليهم السّيّئات «3» . إنّ الأخلاق الفاضلة من نحو صدق الحديث وأداء الأمانة وبرّ الوالدين وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والجهاد للكفّار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السّبيل والمملوك من الآدميّين والبهائم، والدّعاء والذّكر وتلاوة القرآن، وكذلك حبّ الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدّين له، والصّبر لحكمه، والشّكر لنعمه، والرّضا بقضائه، والتّوكّل عليه والرّجاء لرحمته، والخوف من عذابه وأمثال ذلك، كلّها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أنّ العبادة هي الغاية المحبوبة لله والمرضيّة له «4» ، كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ 56) وبها أرسل الله جميع الرّسل، كما قال نوح لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (المؤمنون/ 23) ، والدّين كلّه داخل في العبادة الّتي تتضمّن غاية الذّلّ لله بغاية المحبّة له «5» ، ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدّين وركنا أساسيّا من أركانه. إنّ هذه الأخلاق الإيمانيّة- كما أطلق عليها   (1) الفتاوى (7/ 186) بتصرف. (2) المرجع السابق (7/ 187) . (3) المرجع السابق (7/ 42- 43) بتصرف واختصار. (4) المرجع السابق (10/ 149- 150) بتصرف يسير. (5) المرجع السابق (10/ 152) . وانظر صفة «العبادة» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 650 ابن تيميّة-: هي وجه من الوجوه الّتي يتفاضل فيها النّاس فيما يتعلّق بزيادة الإيمان ونقصه، يقول- رحمه الله تعالى-: من المعلوم بالذّوق الّذي يجده كلّ مؤمن أنّ النّاس يتفاضلون في حبّ الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والتّوكّل عليه، والإخلاص له، وفي سلامة القلوب من الرّياء والكبر والعجب والرّحمة للخلق والنّصح لهم، ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانيّة «1» ، ومصداق هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «2» . الإيمان هو مصدر الإلزام الخلقي: إنّه لمّا كانت الأخلاق من الإيمان بهذه المثابة، كان الإيمان هو مصدر الإلزام الخلقيّ «3» بمعنى أنّ الإيمان له قوّته الإيجابيّة الّتي تعمل على تنمية المشاعر وتنقيتها، وأنّ القوّة الإيمانيّة تترك بصماتها على اتّجاهات السّلوك الإنسانيّ، ولا سيّما في مجال العلاقات الإنسانيّة «4» ، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (الأنفال/ 2- 4) . لقد نصّت هذه الآيات على خمس صفات للمؤمن الحقّ، وهذه الخمس- كما يقول ابن تيميّة تتضمّن ما عداها، فإنّه سبحانه ذكر وجل القلوب إذا ذكر الله، وزيادة الإيمان إذا تليت الآيات، مع التّوكّل على الله، وإقام الصّلاة، والإنفاق، فكان هذا مستلزما للباقي، لأنّ وجل القلب عند ذكر الله يقتضي خشيته والخوف منه «5» ، وإذا كان وجل القلب من ذكر الله يتضمّن خشيته ومخافته، فذلك يدعو صاحبه إلى فعل المأمور وترك المحظور «6» ، وقد استخلص من ذلك بعض الباحثين أنّ الالتزام الخلقيّ النّاتج عن الإيمان تكون له دوما مصادره أو روافده الّتي تذكيه وتزيد من عمقه وثباته سواء في مجال الإقدام على الخير، أو في مجال الابتعاد عن الشّرّ، وكلاهما لازم للآخر حسبما تقضي بذلك طبيعة الإيمان «7» . (للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الاتباع الاستقامة- الإحسان- الإخلاص- الأمانة- بر الولدين- البر- التقوى- التوحيد- الدعوة إلى الله- الصدق- الصلاح- العبادة- الطاعة- اليقين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكفر- الشرك- الإلحاد- الضلال- العصيان- الإعراض- الزندقة- النفاق- الفسوق- الرياء- الغي والإغواء- الردة- الفجور] .   (1) انظر الأخلاق الإيمانية في مواطنها من هذه الموسوعة. (2) بتصرف واختصار عن الفتاوى 7 (564) ، وانظر الحديث رقم 35 في هذه الصفة. (3) ذهب بعضهم إلى أن الذوق أو الوجدان هو مصدر هذا الإلزام، وذهب فريق آخر إلى أنه العقل، وفريق ثالث إلى أنه الضمير، وفريق رابع إلى أنه العرف. انظر هذه الآراء تفصيلا في «النظرية الخلقية عند ابن تيمية» ص 111. (4) النظرية الخلقية عند ابن تيمية ص 94. (5) الفتاوى (7/ 19) . (6) المرجع السابق (7/ 20) . (7) النظرية الخلقية عند ابن تيمية ص 94. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 651 الآيات الواردة في «الإيمان» أولا: الإيمان (مفردا) مرادا به الإذعان للحق والتصديق به على سبيل المدح: 1- إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) «1» 2- قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) «2» 3- وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) «3» 4- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) «4» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) «6» 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) «7» 8- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ   (1) البقرة: 26 مدنية (2) البقرة: 97 مدنية (3) البقرة: 103- 104 مدنية (4) البقرة: 165 مدنية (5) البقرة: 172 مدنية (6) البقرة: 183 مدنية (7) البقرة: 208 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 652 وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) «1» 9- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «2» 10- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «3» 11- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) «4» 12- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) «5» 13- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (253) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «6» 14- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) «7»   (1) البقرة: 213- 214 مدنية (2) البقرة: 218 مدنية (3) البقرة: 221 مدنية (4) البقرة: 223 مدنية (5) البقرة: 248- 249 مدنية (6) البقرة: 253- 254 مدنية (7) البقرة: 257 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 653 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) «1» 16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) «2» 17- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «3» 18- قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) «4» 19- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) «5» 20- وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) «6»   (1) البقرة: 267 مدنية (2) البقرة: 278 مدنية (3) البقرة: 282 مدنية (4) آل عمران: 15- 16 مدنية (5) آل عمران: 28 مدنية (6) آل عمران: 49 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 654 21- إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) «1» 22- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) «2» 23- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) «3» 24- ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) «4» 25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) «5» 26- وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) «6» 27- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) «7» 28- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) «8» 29- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) «9»   (1) آل عمران: 68 مدنية (2) آل عمران: 99- 100 مدنية (3) آل عمران: 118 مدنية (4) آل عمران: 119 مدنية (5) آل عمران: 130 مدنية (6) آل عمران: 139- 141 مدنية (7) آل عمران: 149- 150 مدنية (8) آل عمران: 156 مدنية (9) آل عمران: 159- 160 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 655 30- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «1» 31- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178) ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) «2» 32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) «3» 33- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) «4»   (1) آل عمران: 164- 173 مدنية (2) آل عمران: 178- 179 مدنية (3) آل عمران: 200 مدنية (4) النساء: 19 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 656 34- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «1» 35- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «2» 36- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «3» 37- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) «4» 38- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71) «5» 39- الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «6» 40- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) «7» 41- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ   (1) النساء: 25 مدنية (2) النساء: 29- 30 مدنية (3) النساء: 43 مدنية (4) النساء: 64- 65 مدنية (5) النساء: 71 مدنية (6) النساء: 76 مدنية (7) النساء: 84 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 657 فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) «1» 42- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «2» 43- الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) «3» 44- الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) «4» 45- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147) «5» 46- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَ   (1) النساء: 92- 95 مدنية (2) النساء: 135 مدنية (3) النساء: 139 مدنية (4) النساء: 141 مدنية (5) النساء: 144- 147 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 658 لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) «1» 47- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «2» 48- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «3» 49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «4» 50- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي   (1) النساء: 170 مدنية (2) المائدة: 1- 2 مدنية (3) المائدة: 6- 8 مدنية (4) المائدة: 11- 12 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 659 سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «1» 51- وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «2» 52- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) «3» 53- لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) «4» 54- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) «5» 55- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) «6» 56- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) «7» 57- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) «8» 58- الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) «9» 59- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) «10»   (1) المائدة: 54 مدنية (2) المائدة: 56- 58 مدنية (3) المائدة: 65 مدنية (4) المائدة: 82- 83 مدنية (5) المائدة: 87- 88 مدنية (6) المائدة: 90 مدنية (7) المائدة: 101 مدنية (8) المائدة: 105- 106 مدنية (9) الأنعام: 82 مكية (10) الأعراف: 32 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 660 60- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) «1» 61- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) «2» 62- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) «3» 63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «4» 64- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) «5» 65- وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) «6»   (1) الأعراف: 96 مكية (2) الأنفال: 12 مدنية (3) الأنفال: 15- 20 مدنية (4) الأنفال: 27- 29 مدنية (5) الأنفال: 45 مدنية (6) الأنفال: 61- 65 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 661 66- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «1» 67- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) «2» 68- ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «3» 69- قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) «4» 70- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) «5»   (1) الانفال: 72- 75 مدنية (2) التوبة: 23 مدنية (3) التوبة: 26- 28 مدنية (4) التوبة: 51 مدنية (5) التوبة: 71- 72 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 662 71- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) «1» 72- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) «2» 73- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) «3» 74- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «4» 75- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)   (1) التوبة: 111- 113 مدنية (2) التوبة: 119 مدنية (3) التوبة: 122- 125 مدنية (4) يونس: 1- 2 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 663 وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (58) «1» 76- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) «2» 77- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «3» 78- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) «4» 79- يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) «5» 80- وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) «6» 81- وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) «7» 82- وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) «8»   (1) هود: 53- 58 مكية (2) هود: 66 مكية (3) هود: 84- 86 مكية (4) هود: 94- 95 مكية (5) ابراهيم: 27 مكية (6) الحجر: 87- 89 مكية (7) النحل: 64- 65 مكية (8) النحل: 78- 79 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 664 83- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) «1» 84- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) «2» 85- وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (82) «3» 86- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «4» 87- إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) «5» 88- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «6» 89- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ   (1) النحل: 106- 109 مكية (2) الاسراء: 18- 21 مكية (3) الاسراء: 82 مكية (4) الانبياء: 87- 88 مكية (5) الحج: 38 مدنية (6) الحج: 56- 57 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 665 وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «1» 90- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «2» 91- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «3» 92- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «4» 93- إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (13) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)   (1) الحج: 77- 78 مدنية (2) المؤمنون: 1- 11 مكية (3) المؤمنون: 57- 61 مكية (4) المؤمنون: 109- 111 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 666 وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) «1» 94- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) «2» 95- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «3» 96- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) «4» 97- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) «5» 98- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) «6»   (1) النور: 11- 24 مدنية (2) النور: 27 مدنية (3) النور: 30- 31 مدنية (4) الشعراء: 8- 9 مكية (5) الشعراء: 67- 68 مكية (6) الشعراء: 103- 104 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 667 99- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) «1» 100- فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) «2» 101- فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) «3» 102- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) «4» 103- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) «5» 104- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «6» 105- وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) «7» 106- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) «8» 107- أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) «9» 108- وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) «10» 109- وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)   (1) الشعراء: 121- 122 مكية (2) الشعراء: 139- 140 مكية (3) الشعراء: 158- 159 مكية (4) الشعراء: 174- 175 مكية (5) الشعراء: 190- 191 مكية (6) النمل: 1- 3 مكية (7) النمل: 50- 53 مكية (8) النمل: 76- 77 مكية (9) النمل: 86 مكية (10) القصص: 10 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 668 فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) «1» 110- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (12) «2» 111- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) «3» 112- خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) «4» 113- وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) «5» 114- الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) «6» 115- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) «7» 116- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (6) «8» 117- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)   (1) القصص: 46- 48 مكية (2) العنكبوت: 12 مكية (3) العنكبوت: 24 مكية (4) العنكبوت: 44 مكية (5) العنكبوت: 50- 51 مكية (6) الروم: 1- 6 مكية (7) الروم: 36- 37 مكية (8) الأحزاب: 6 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 669 إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) «1» 118- وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) «2» 119- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) «3» 120- إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «4» 121- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70)   (1) الأحزاب: 9- 11 مدنية (2) الأحزاب: 22- 27 مدنية (3) الأحزاب: 41- 47 مدنية (4) الأحزاب: 56- 59 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 670 يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «1» 122- وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) «2» 123- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) «3» 124- سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) «4» 125- سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) «5» 126- سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «6» 127- سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) «7» 128- وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (148) «8» 129- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) «9» 130- أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) «10»   (1) الأحزاب: 69- 73 مدنية (2) سبأ: 20 مكية (3) يس: 47 مكية (4) الصافات: 79- 81 مكية (5) الصافات: 109- 111 مكية (6) الصافات: 120- 122 مكية (7) الصافات: 130- 132 مكية (8) الصافات: 139- 148 مكية (9) الزمر: 10 مكية (10) الزمر: 52 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 671 131- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) «1» 132- وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) «2» 133- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) «3» 134- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) «4» 135- وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) «5» 136- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) «6» 137- إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) «7» 138- قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) «8» 139- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) «9» 140- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) «10»   (1) غافر: 23- 25 مكية (2) غافر: 26- 27 مكية (3) غافر: 51 مكية (4) الشورى: 36 مكية (5) الشورى: 45 مكية (6) الدخان: 10- 12 مكية (7) الجاثية: 3- 6 مكية (8) الجاثية: 14 مكية (9) الأحقاف: 10- 11 (10 مدنية، 11 مكية) (10) محمد: 10- 11 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 672 141- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) «1» 142- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «2» 143- لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21) «3» 144- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) «4» 145- قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «5» 146- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «6»   (1) محمد: 19- 20 مدنية (2) الفتح: 11- 12 مدنية (3) الفتح: 18- 21 مدنية (4) الفتح: 25 مدنية (5) الذاريات: 31- 37 مكية (6) الذاريات: 55 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 673 147- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) «1» 148- أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «2» 149- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «3» 150- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «4» 151- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «5» 152- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «6»   (1) الطور: 21 مكية (2) الحديد: 16 مدنية (3) المجادلة: 9- 12 مدنية (4) الحشر: 18 مدنية (5) الممتحنة: 10 مدنية (6) الممتحنة: 12- 13 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 674 153- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14) «1» 154- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) «2» 155- هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) «3» 156- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «4» 157- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «5» 158- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) «6»   (1) الصف: 14 مدنية (2) الجمعة: 9- 11 مدنية (3) المنافقون: 7- 9 مدنية (4) التغابن: 13- 14 مدنية (5) الطلاق: 8- 11 مدنية (6) التحريم: 11- 12 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 675 159- وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «1» 160- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «2» 161- إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) «3» 162- قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «4» الإيمان (مقترنا بما يؤمن به) مرادا به التصديق الجازم: 163- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «5» 164- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)   (1) نوح: 26- 28 مكية (2) المدثر: 31 مكية (3) المطففين: 29- 35 مكية (4) البروج: 4- 11 مكية (5) البقرة: 1- 5 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 676 وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) «1» 165- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) «2» 166- قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) «3» 167- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «4» 168- وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) «5» 169- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) «6» 170- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «7» 171- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «8»   (1) البقرة: 40- 41 مدنية (2) البقرة: 121 مدنية (3) البقرة: 136- 137 مدنية (4) البقرة: 177 مدنية (5) البقرة: 186 مدنية (6) البقرة: 228 مدنية (7) البقرة: 232 مدنية (8) البقرة: 256 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 677 172- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) «1» 173- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) «2» 174- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «3» 175- فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54) «4» 176- وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) «5» 177- قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) «6» 178- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) «7» 179- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)   (1) البقرة: 264 مدنية (2) البقرة: 285 مدنية (3) ال عمران: 7 مدنية (4) ال عمران: 52- 54 مدنية (5) ال عمران: 81 مدنية (6) ال عمران: 84 مدني (7) ال عمران: 110 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 678 يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) «1» 180- ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) «2» 181- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) «3» 182- وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (199) «4» 183- يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) «5» 184- أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55) «6» 185- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «7» 186- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152) «8» 187- وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161)   (1) آل عمران: 113- 114 مدنية (2) آل عمران: 119 مدنية (3) آل عمران: 193- 194 مدنية (4) آل عمران: 199 مدنية (5) النساء: 47 مدنية (6) النساء: 54- 55 مدنية (7) النساء: 59 مدنية (8) النساء: 152 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 679 لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) «1» 188- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «2» 189- وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «3» 190- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) «4» 191- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (81) «5» 192- وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «6» 193- وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) «7» 194- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «8»   (1) النساء: 159- 162 مدنية (2) النساء: 175 مدنية (3) المائدة: 12 مدنية (4) المائدة: 59 مدنية (5) المائدة: 78- 81 مدنية (6) المائدة: 84- 85 مدنية (7) المائدة: 111- 112 مدنية (8) الأنعام: 54 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 680 195- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92) «1» 196- وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) «2» 197- وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) «3» 198- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) «4»   (1) الأنعام: 92 مكية (2) الاعراف: 117- 123 مكية (3) الاعراف: 156- 158 مكية (4) التوبة: 18- 20 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 681 199- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) «1» 200- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) «2» 201- نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) «3» 202- قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (71) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) «4» 203- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «5» 204- سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)   (1) التوبة: 86- 89 مدنية (2) التوبة: 99 مدنية (3) الكهف: 13 مكية (4) طه: 65- 73 مكية (5) المؤمنون: 57- 61 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 682 الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) «1» 205- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) «2» 206- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) «3» 207- قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) «4» 208- وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «5» 209- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (11) «6»   (1) النور: 1- 2 مدنية (2) النور: 46- 47 مدنية (3) النور: 62 مدنية (4) الشعراء: 43- 51 مكية (5) القصص: 51- 55 مكية (6) العنكبوت: 10- 11 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 683 210- وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) «1» 211- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) «2» 212- وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) «3» 213- إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «4» 214- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «5» 215- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (69) «6» 216- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) «7» 217- آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «8» 218- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «9»   (1) العنكبوت: 46- 47 مدنية (2) السجدة: 15 مكية (3) سبأ: 21 مكية (4) يس: 25- 27 مكية (5) غافر: 7 مكية (6) الزخرف: 66- 69 مكية (7) الأحقاف: 31 مكية (8) الحديد: 7- 8 مدنية (9) الحديد: 19 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 684 219- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «1» 220- ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) «2» 221- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «3» 222- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «4» 223- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «5» 224- فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ   (1) الحديد: 21 مدنية (2) الحديد: 27- 28 مدنية (3) الممتحنة: 1 مدنية (4) الممتحنة: 12- 13 مدنية (5) الصف: 10- 13 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 685 تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «1» 225- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) «2» 226- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) «3» 227- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «4» 228- وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (13) «5» 229- وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) «6» الإيمان بالقدر خيره وشره*: 230- وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) «7» 231- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ   (1) التغابن: 8- 9 مكية (2) التغابن: 11- 12 مكية (3) الطلاق: 1- 2 مدنية (4) الجن: 1- 2 مكية (5) الجن: 13 مكية (6) البروج: 8- 10 مكية * لم ترد آيات يقترن فيها الإيمان بلفظ القدر، وإنما وردت آيات كريمة مثبتة قدر الله- عزّ وجلّ- ومن ثمّ يجب الإيمان بالقدر ركنا سادسا من أركان الإيمان. (7) آل عمران: 145 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 686 لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) «1» 232- وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) «2» 233- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) «3» 234- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34) «4» 235- قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) «5» 236- وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (6) «6» 237- وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5) «7» 238- وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58) «8» 239- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (42) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (43) «9» 240- وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (74) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (75) «10» 241- وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) «11»   (1) آل عمران: 154 مدنية (2) آل عمران: 166- 168 مدنية (3) الأنعام: 2 مكية (4) الأعراف: 34 مكية (5) يونس: 49 مكية (6) هود: 6 مكية (7) الحجر: 4- 5 مكية (8) الإسراء: 58 مكية (9) المؤمنون: 42- 43 مكية (10) النمل: 74- 75 مكية (11) السجدة: 13 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 687 242- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) «1» 243- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «2» 244- وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) «3» 245- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) «4» 246- وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (3) «5» 247- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «6» 248- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) «7» 249- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) «8»   (1) الأحزاب: 38 مدنية (2) سبأ: 1- 3 مكية (3) فاطر: 11 مكية (4) الحديد: 22 مدنية (5) الحشر: 3 مدنية (6) المنافقون: 10- 11 مدنية (7) الطلاق: 2- 3 مدنية (8) نوح: 1- 4 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 688 250- قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28) «1» الإيمان (مقترنا بالعمل الصالح لفظا أو معنى) مرادا به الإذعان والتصديق: 251- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «2» 252- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «3» 253- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) «4» 254- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «5» 255- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) «6» 256- وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «7»   (1) الجن: 25- 28 مكية (2) البقرة: 25 مدنية (3) البقرة: 277 مدنية (4) آل عمران: 55- 57 مدنية (5) النساء: 57 مدنية (6) النساء: 122 مدنية (7) النساء: 124 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 689 257- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «1» 258- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) «2» 259- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «3» 260- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «4» 261- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) «5»   (1) النساء: 173 مدنية (2) المائدة: 9 مدنية (3) المائدة: 93 مدنية (4) الأنفال: 72- 75 مدنية (5) التوبة: 111- 113 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 690 262- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) «1» 263- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «2» 264- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) «3» 265- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «4» 266- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «5» 267- قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) «6» 268- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)   (1) يونس: 4 مكية (2) يونس: 9- 10 مكية (3) يونس: 62- 64 مكية (4) الرعد: 28- 30 مدنية (5) إبراهيم: 23 مكية (6) إبراهيم: 31 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 691 وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) «1» 269- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) «2» 270- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) «3» 271- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) «4» 272- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «5» 273- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «6»   (1) النحل: 97- 102 مكية (2) الإسراء: 9- 10 مكية (3) الإسراء: 18- 21 مكية (4) الكهف: 30- 31 مكية (5) الكهف: 107- 110 مكية (6) مريم: 56- 60 (56- 58 مدنية. 59- 60 مكية) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 692 274- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) «1» 275- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «2» 276- وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) «3» 277- فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94) «4» 278- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) «5» 279- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «6» 280- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) «7» 281- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «8» 282- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)   (1) مريم: 96 مكية (2) طه: 80- 82 مكية (3) طه: 111- 112 مكية (4) الأنبياء: 94 مكية (5) الحج: 14 مدنية (6) الحج: 23- 24 مدنية (7) الحج: 49- 50 مدنية (8) الحج: 56- 57 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 693 وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «1» 283- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «2» 284- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «3» 285- وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) «4» 286- يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) «5» 287- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) «6» 288- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «7»   (1) الفرقان: 63- 70 (63- 67 مكية، 68- 70 مدنية) (2) الشعراء: 224- 227 مدنية (3) القصص: 65- 67 مكية (4) العنكبوت: 6- 9 مكية (5) العنكبوت: 56- 58 مكية (6) الروم: 14- 16 مكية (7) الروم: 44- 45 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 694 289- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «1» 290- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) «2» 291- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «3» 292- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «4» 293- وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «5» 294- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «6» 295- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «7» 296- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) «8»   (1) لقمان: 8- 9 مكية (2) السجدة: 18- 19 مكية (3) سبأ: 3- 4 مكية (4) فاطر: 5- 7 مكية (5) ص: 21- 24 مكية (6) ص: 27- 28 مكية (7) غافر: 58 مكية (8) فصلت: 8 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 695 297- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «1» 298- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «2» 299- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) «3» 300- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) «4» 301- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) «5» 302- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) «6» 303- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ   (1) الشورى: 22- 23 (22 مكية، 23 مدنية) (2) الشورى: 25- 26 (25 مدنية، 26 مكية) (3) الجاثية: 21 مكية (4) الجاثية: 27- 30 مكية (5) محمد: 2- 3 مدنية (6) محمد: 12 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 696 وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38) «1» 304- رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «2» 305- بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) «3» 306- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «4» 307- ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) «5» 308- لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) «6» 309- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «7» 310- وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «8»   (1) محمد: 33- 38 مدنية (2) الطلاق: 11 مدنية (3) الانشقاق: 22- 25 مكية (4) البروج: 11 مكية (5) البلد: 17- 18 مكية (6) التين: 4- 6 مكية (7) البينة: 7- 8 مدنية (8) العصر: 1- 3 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 697 الإيمان (مقترنا بالإسلام) مرادا به الشريعة التي جاء بها محمد صلّى الله عليه وسلّم: 311- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) «1» 312- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) «2» 313- قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «3» الإيمان بمعنى التوحيد: 314- يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «4»   (1) آل عمران: 102 مدنية (2) الأحزاب: 35- 37 مدنية (3) الحجرات: 14 مدنية (4) المائدة: 4- 5 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 698 315- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) «1» 316- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) «2» 317- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) «3» 318- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «4» الإيمان بمعنى الإقرار باللسان: 319- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) «5»   (1) النحل: 106- 109 مكية (2) غافر: 10 مكية (3) غافر 28- 30 مكية (4) غافر: 38- 40 مكية (5) البقرة: 62 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 699 320- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) «1» 321- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) «2» 322- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) «3» الإيمان قد يخالطه شرك أو ظلم: 323- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (150) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) «4» 324- الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) «5» 325- وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) «6» الإيمان بمعنى الصلاة: 326- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «7» الإيمان بمعنى الدعاء: 327- فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98) «8»   (1) النساء: 136- 137 مدنية (2) المائدة: 69 مدنية (3) الحج: 17 مدنية (4) النساء: 150- 151 مدنية (5) الأنعام: 82 مكية (6) يوسف: 106 مكية (7) البقرة: 143 مدنية (8) يونس: 98 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 700 الآيات الواردة في «القيامة وأسمائها» 1- القيامة: 1- إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77) «1» 2- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) «2» 3- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) «3» 4- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37) «5» 6- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) «6» 7- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) «7» 8- إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93)   (1) آل عمران: 77 مدنية (2) آل عمران: 180 مدنية (3) آل عمران: 185 مدنية (4) النساء: 86- 87 مدنية (5) المائدة: 36- 37 مدنية (6) الأنعام: 12 مكية (7) الإسراء: 12- 14 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 701 لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) «1» 9- وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) «2» 10- وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) «3» 11- إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) «4» 2- يوم الدين: 12- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) «5» 3- الساعة: 13- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُم ُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) «6» 14- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) «7» 15- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) «8» 16- يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) «9» 17- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «10»   (1) مريم: 93- 95 مكية (2) الأنبياء: 47 مكية (3) الزمر: 60 مكية (4) فصلت: 40 مكية (5) الفاتحة: 1- 4 مكية (6) الأنعام: 31 مكية (7) الأعراف: 187 مكية (8) الحج: 1- 2 مدنية (9) الأحزاب: 63 مكية (10) سبأ: 3 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 702 18- إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (59) «1» 19- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46) «2» 4- اليوم الآخر: 20- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) «3» 21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «4» 22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136) «5» 23- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) «6» 24- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «7» 25- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) «8»   (1) غافر: 59 مكية (2) النازعات: 42- 46 مكية (3) البقرة: 62 مدنية (4) النساء: 59 مدنية (5) النساء: 136 مدنية (6) التوبة: 17- 19 مدنية (7) الأحزاب: 21 مدنية (8) المجادلة: 22 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 703 5- الحسرة: 26- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم َ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40) «1» 6- البعث: 27- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْم ِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) «2» 7- الفصل: 28- وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) هذا يَوْم ُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) «3» 29- إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) «4» 30- فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) «5» 31- هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) «6»   (1) مريم: 37- 40 مكية (2) الروم: 54- 57 مكية (3) الصافات: 20- 26 مكية (4) الدخان: 40- 42 مكية (5) المرسلات: 8- 15 مكية (6) المرسلات: 35- 40 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 704 32- إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (18) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (20) «1» 8- التلاقي: 33- فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) «2» 9- الجمع: 34- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْم َ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) «3» 35- زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) «4» 10- الوعيد: 36- وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) «5» 11- الواقعة: 37- إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)   (1) النبأ: 17- 20 مكية (2) غافر: 14- 17 مكية (3) الشورى: 7 مكية (4) التغابن: 7- 10 مدنية (5) ق: 19- 22 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 705 وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) «1» 12- التغابن: 38- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «2» 13- الحاقة: 39- الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) «3» 14- الحق: 40- وَاقْتَرَبَ الْوَعْد ُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) «4» 41- يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (39) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40) «5» 15- القارعة: 42- كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (4) «6» 43- الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ (11) «7» 16- الغاشية: 44- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2)   (1) الواقعة: 1- 7 مكية (2) التغابن: 9 مدنية (3) الحاقة: 1- 3 مكية (4) الأنبياء: 97 مكية (5) النبأ: 38- 40 مكية (6) الحاقة: 4 مكية (7) القارعة: 1- 11 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 706 عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) تَصْلى ناراً حامِيَةً (4) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) «1» 17- الصاخة: 45- فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «2» 18- الطامة الكبرى: 46- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «3» 19- التنادي: 47- وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «4» 20- الراجفة: 48- يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9) «5»   (1) الغاشية: 1- 16 مكية (2) عبس: 33- 42 مكية (3) النازعات: 34- 41 مكية (4) غافر: 32- 33 مكية (5) النازعات: 6- 9 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 707 21- الفتح: 49- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) «1» 22- الوقت المعلوم: 50- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) «2» 51- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) «3» 23- الحساب: 52- وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) «4» 53- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) «5» 54- هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (53) «6» 55- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) «7» 24- الخروج: 56- وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «8» 25- الخلود: 57- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)   (1) السجدة: 28- 29 مكية (2) الحجر: 36- 38 مكية (3) ص: 79- 81 مكية (4) ص: 16 مكية (5) ص: 26 مكية (6) ص: 49- 53 مكية (7) غافر: 27 مكية (8) ق: 41- 45 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 708 مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) «1» 26- الموعود: 58- وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) «2» 27- الازفة: 59- وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم َ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) «3» 60- أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) «4»   (1) ق: 31- 35 مكية (2) البروج: 1- 3 مكية (3) غافر: 18 مكية (4) النجم: 57- 58 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 709 الآيات الواردة في «وصف يوم القيامة» 61- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «1» 62- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «2» 63- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) «3» 64- يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) «4» 65- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) «5» 66- فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «6» 67- وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)   (1) البقرة: 254 مدنية (2) آل عمران: 30 مدنية (3) آل عمران: 106 مدنية (4) المائدة: 109 مدنية (5) إبراهيم: 42- 44 مكية (6) إبراهيم: 47- 52 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 710 وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) «1» 68- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) «2» 69- يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) «3» 70- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «4» 71- وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (47) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (48)   (1) النحل: 84- 89 مكية (2) الإسراء: 12- 13 مكية (3) الإسراء: 71- 72 مكية (4) الإسراء: 97- 99 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 711 وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53) «1» 72- كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً (104) «2» 73- وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) «3» 74- يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (104) «4» 75- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) «5» 76- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) «6»   (1) الكهف: 47- 53 مكية (2) طه: 99- 104 مكية (3) الأنبياء: 47 مكية (4) الأنبياء: 104 مكية (5) الحج: 1- 2 مدنية (6) الحج: 47 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 712 77- وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29) «1» 78- وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «2» 79- وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (87) «3» 80- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) «4» 81- وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) «5»   (1) الفرقان: 21- 29 مكية (2) الشعراء: 87- 89 مكية (3) النمل: 82- 87 مكية (4) لقمان: 33 مكية (5) الزمر: 60- 61 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 713 82- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70) «1» 83- رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) «2» 84- وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) «3» 85- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) «4» 86- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)   (1) الزمر: 67- 70 مكية (2) غافر: 15- 18 مكية (3) فصلت: 19- 24 مكية (4) الشورى: 47 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 714 ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) «1» 87- يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) «2» 88- وَالطُّورِ (1) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) «3» 89- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) «4» 90- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) «5» 91- يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) «6»   (1) الدخان: 10- 16 مكية (2) ق: 30 مكية (3) الطور: 1- 16 مكية (4) القمر: 6- 8 مكية (5) القمر: 47- 48 مكية (6) الحديد: 12- 15 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 715 92- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) «1» 93- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «2» 94- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) «3» 95- يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43) «4» 96- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16)   (1) المجادلة: 5- 6 مدنية (2) التحريم: 6- 8 مدنية (3) الملك: 6- 11 مكية (4) القلم: 42- 43 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 716 تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) «1» 97- فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44) «2» 98- يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا (14) «3» 99- فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (17) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) «4» 100- فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) «5» 101- فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) «6» 102- يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) «7» 103- إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (18) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (21) لِلطَّاغِينَ مَآباً (22) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (24) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزاءً وِفاقاً (26) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (30) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36)   (1) المعارج: 1- 18 مكية (2) المعارج: 40- 44 مكية (3) المزمل: 14 مكية (4) المزمل: 17- 18 مكية (5) المدثر: 8- 10 مكية (6) القيامة: 7- 10 مكية (7) الإنسان: 7 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 717 رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (39) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40) «1» 104- يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) «2» 105- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «3» 106- فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «4» 107- إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (4)   (1) النبأ: 17- 40 مكية (2) النازعات: 6- 14 مكية (3) النازعات: 34- 41 مكية (4) عبس: 33- 42 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 718 وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14) «1» 108- وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (15) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (16) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) «2» 109- فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (7) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (9) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (10) «3» 110- الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) «4»   (1) التكوير: 1- 14 مكية (2) الإنفطار: 3- 19 مكية (3) الطارق: 5- 10 مكية (4) القارعة: 1- 5 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 719 الأحاديث الواردة في (الإيمان) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النّفاق بغض الأنصار» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انتدب «2» الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلّا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنّة. ولولا أن أشقّ على أمّتي ما قعدت خلف سريّة، ولوددت أنّي أقتل في سبيل الله ثمّ أحيا، ثمّ أقتل ثمّ أحيا، ثمّ أقتل» ) * «3» . 3- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما: «أتدرون أين تذهب هذه الشّمس؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «إنّ هذه تجري حتّى تنتهي إلى مستقرّها تحت العرش، فتخرّ ساجدة فلا تزال كذلك حتّى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثمّ تجري حتّى تنتهي إلى مستقرّها تحت العرش فتخرّ ساجدة. ولا تزال كذلك حتّى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثمّ تجري لا يستنكر النّاس منها شيئا حتّى تنتهي إلى مستقرّها ذاك تحت العرش. فيقال لها ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون متى ذاكم؟، ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» ) * «4» . 4- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي «5» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبي. فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إلىّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا- أو مثل- فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) . فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا   (1) البخاري- الفتح 1 (17) . ومسلم (128) وأخرج مثله من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه (129) . (2) انتدب الله: أى سارع بثوابه وحسن جزائه، وقيل أجابه إلى المراد أو تكفّل بمطلوبه. (3) البخاري- الفتح 1 (36) واللفظ له. ومسلم (1876) . (4) البخاري- الفتح 6 (3199) . ومسلم (159) . (5) الغشي: طرف من الإغماء، تجلاني الغشي أي أصابني طرف من الإغماء، وعلاني مرض قريب من الإغماء لطول الوقوف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 720 بالبيّنات والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنّا نعلم، إنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «1» . 5- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيده نحو اليمن، فقال: «ألا إنّ الإيمان ههنا وإنّ القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين «2» عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشّيطان في ربيعة ومضر» ) * «3» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيارهم خيارهم لنسائهم» ) * «4» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به. فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله» ) * «5» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل النّاس تنشقّ الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيّد النّاس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يدخل الجنّة ولا فخر. وأنا آتي باب الجنّة فاخذ بحلقتها. فيقولون من هذا؟ فأقول: أنا محمّد. فيفتحون لي. فأجد الجبّار. تبارك وتعالى. مستقبلي فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد، وقل يسمع منك وقل يقبل منك واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي يا ربّ فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبّة من شعير من الإيمان فأدخله الجنّة فأقبل فمن وجدت في قلبه ذلك فأدخله الجنّة فإذا الجبّار مستقبلي فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّم يسمع منك واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي أي ربّ. فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه نصف حبّة من شعير من الإيمان فأدخلهم الجنّة، فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنّة. فأجد الجبّار- عزّ وجلّ- مستقبلي. فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّم يسمع منك وقل يقبل منك، واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي، فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبّة خردل من الإيمان فأدخله الجنّة فأذهب فمن وجدت في قلبه ذلك أدخلتهم الجنّة، وفرغ الله من حساب النّاس. وأدخل من بقي من أمّتي النّار مع   (1) البخاري- الفتح 1 (86) . ومسلم (905) . (2) في الفدادين: هم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم. (3) البخاري- الفتح 6 (3302) ، ومسلم (51) واللفظ له. (4) الترمذي (1162) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (4682) . وأحمد (2/ 527) . والبيهقي في الشعب (1/ 26) وقال مخرجه: إسناده عنده حسن. والحاكم في مستدركه (1/ 3) وسكت عنه وقال الذهبي: صحيح. وذكره الألباني في الصحيحة (284) . (5) مسلم (20) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 721 أهل النّار. فيقول أهل النّار: ما أغنى عنكم أنّكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئا. فيقول الجبّار: فبعزّتي لأعتقنّهم من النّار. فيرسل إليهم فيخرجون من النّار قد امتحشوا «1» فيدخلون الجنّة في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبّة في غثاء السّيل، ويكتب بين أعينهم هؤلاء عتقاء الله فيذهب بهم فيدخلون الجنّة فيقول لهم أهل الجنّة: هؤلاء الجهنّميّون. فيقول الجبّار بل هؤلاء عتقاء الجبّار عزّ وجلّ» ) * «2» . 9- * (عن عمرو بن الجموح- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحقّ العبد حقّ صريح الإيمان حتّي يحبّ لله ويبغض لله، فإذا أحبّ لله- تبارك وتعالى- وأبغض لله- تبارك وتعالى- فقد استحقّ الولاء من الله، وإنّ أوليائي من عبادي وأحبّائي من خلقي الّذين يذكرون بذكري، وأذكر بذكرهم) * «3» . 10- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع: سأخبركم من المسلم. من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه النّاس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذّنوب، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» ) * «4» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّها النّاس، إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا. وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (المؤمنون/ 51) . وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) . ثمّ ذكر: الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ يا ربّ ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذّي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك» ) * «5» . 12- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثمّ شهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فذلك قوله* (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ » ) * «6» . 13- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدّرّيّ «7» الغابر   (1) امتحشوا: أي احترقوا، من المحش بمعنى احتراق الجلد وظهور العظم كما في النهاية (4/ 302) . (2) أحمد (3/ 144) . وله شاهد عند الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود وقال الهيثمي في المجمع (7/ 260) : رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2536) . (3) أحمد (3/ 430) واللفظ له، ولأحمد أيضا (4/ 286) عن البراء: «إنّ أوسط عرى الإيمان أن تحبّ في الله وتبغض في الله» . وشرح السنة للبغوي (1/ 39، 40) . (4) ابن منده (1/ 452) حديث (315) وقال مخرجه: حسن. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 368) واللفظ متفق عليه عندهما، وعزاه للبزار والطبراني في الكبير. (5) مسلم (1015) . (6) البخاري- الفتح 3 (1369) . وهو جزء من حديث البراء الطويل في سؤال القبر. وجزء من الاية/ 27 من سورة إبراهيم. (7) الكوكب الدري: الكوكب العظيم المضيء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 722 من الأفق «1» من المشرق أو المغرب. لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: «بلى، والّذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين» ) * «2» . 14- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قام فيهم فذكر لهم أنّ الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال. فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفّر عنّي خطاياي؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف قلت؟» . قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» . وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلّا الدّين فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك» ) * «3» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سئل أيّ العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله. قيل ثمّ ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل ثمّ ماذا؟ قال: حجّ مبرور «4» » ) * «5» . 16- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مرّ عليه بجنازة، فقال: «مستريح ومستراح منه» . قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ قال: «العبد المؤمن مستريح من نصب الدّنيا وأذاها إلى رحمة الله- عزّ وجلّ- والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشّجر والدّوابّ» ) * «6» . 17- * (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟. وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ   (1) الغابر من الأفق: الذي يميل إلى جهة الغرب. (2) مسلم (2831) . (3) رواه مسلم (1885) . (4) الحج المبرور: الذي لا يخالطه شيء من الإثم، وقيل هو المتقبل. (5) البخاري- الفتح 1 (26) . ومسلم (135) . (6) البخاري- الفتح 11 (6512) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 723 ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر «1» فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا «2» جهنّم» ، فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلّى وصام؟ قال: «وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «3» . 18- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيّه من أهل الأرض، فصبر واحتسب وقال ما أمر به بثواب دون الجنّة» ) * «4» . 19- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يظلم مؤمنا حسنة. يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الاخرة. وأمّا الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدّنيا حتّى إذا أفضى «5» إلى الاخرة لم يكن له حسنة يجزى بها» ) * «6» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحدا في قلبه مثقال حبّة من إيمان إلّا قبضته» ) * «7» . 21- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟» قالوا: لا. يا رسول الله، قال: «ما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما «8» . إذا كان   (1) قيد شبر: أي قدر شبر، ويقال قيد رمح أي قدر رمح. (2) جثا جهنم: يقال بالحاء المهملة من حثا: إذا عزف وضم، ويقال بالجيم جثا: جمع جثوة وهي الشيء المجموع (انظر النهاية 1/ 239) . (3) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح. وابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) . وابن خزيمة (3/ 195) . (4) النسائي (4/ 23) وقال محقق جامع الأصول (6/ 434) إسناده حسن. (5) أفضى إلى الاخرة: أي صار إليها. (6) مسلم (2808) . (7) مسلم (117) . (8) ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما: معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 724 يوم القيامة أذّن مؤذّن ليتّبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله- سبحانه- من الأصنام والأنصاب، إلّا يتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ وفاجر. وغبّر أهل الكتاب «1» . فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد عزير ابن الله. فيقال: كذبتم ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربّنا فاسقنا. فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النّار كأنّها سراب «2» يحطم بعضها بعضا. فيتساقطون في النّار. ثمّ يدعى النّصارى. فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد المسيح ابن الله. فيقال لهم: كذبتم. ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربّنا فاسقنا. قال فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنّم كأنّها سراب يحطم بعضها بعضا «3» فيتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله تعالى من برّ وفاجر، أتاهم ربّ العالمين- سبحانه وتعالى- في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها. قال: فما تنتظرون؟ تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربّنا فارقنا النّاس في الدّنيا أفقر ما كنّا إليهم «4» ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. لا نشرك بالله شيئا (مرّتين أو ثلاثا) حتّى إنّ بعضهم ليكاد أن ينقلب «5» . فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق «6» . فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلّا أذن الله له بالسّجود. ولا يبقى من كان يسجد اتّقاء ورياء إلّا جعل الله ظهره طبقة واحدة «7» . كلّما أراد أن يسجد خرّ على قفاه. ثمّ يرفعون رءوسهم، وقد تحوّل في صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة. فقال: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. ثمّ يضرب الجسر على جهنّم. وتحلّ الشّفاعة «8» . ويقولون: اللهمّ سلّم سلّم. قيل: يا رسول   (1) وغبر أهل الكتاب: معناه بقاياهم. جمع غابر. (2) كأنها سراب: السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لا معا مثل الماء يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. (3) يحطم بعضها بعضا: معناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبا. والحطم الكسر والإهلاك. والحطمة اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما يلقى فيها. (4) فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم: معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم. (5) ليكاد أن ينقلب: هكذا هو في الأصل بإثبات أن: وإثباتها مع كاد لغة. كما أنّ حذفها مع عسى لغة. ومعنى ينقلب: أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى. (6) فيكشف عن ساق: ضبط يكشف بفتح الياء وضمها. وهما صحيحان. (7) ظهره طبقة واحدة: قال الهروي وغيره: الطبق فقار الظهر، أي صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى. (8) ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة: الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان: وهو الصراط. ومعنى تحل الشفاعة: بكسر الحاء وقيل بضمها: أي تقع ويؤذن فيها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 725 الله وما الجسر؟ قال: «دحض مزلّة «1» فيه خطاطيف وكلاليب وحسك «2» . تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السّعدان. فيمرّ المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالرّيح وكالطّير وكأجاويد الخيل والرّكاب «3» . فناج مسلّم. ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنّم «4» . حتّى إذا خلص المؤمنون من النّار، فو الّذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشدّ مناشدة لله، في استقصاء الحقّ «5» من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار. يقولون: ربّنا كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون. فيقال لهم أخرجوا من عرفتم. فتحرّم صورهم على النّار. فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النّار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه. ثمّ يقولون: ربّنا ما بقي فيها أحد ممّن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير «6» فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها أحدا ممّن أمرتنا. ثمّ يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها ممّن أمرتنا أحدا. ثمّ يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها خيرا «7» . وكان أبو سعيد الخدريّ يقول: إن لم تصدّقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (النساء/ 40) فيقول الله- عزّ وجلّ: (شفعت الملائكة وشفع النّبيّون وشفع المؤمنون. ولم يبق إلّا أرحم الرّاحمين. فيقبض قبضة من النّار «8» فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطّ. قد   (1) دحض مزلة: الدحض والمزلة بمعنى واحد. وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر. ومنه: دحضت الشمس أي مالت. وحجة داحضة أي لا ثبات لها. (2) فيها خطاطيف وكلاليب وحسك: أما الخطاطيف فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد. والكلاليب بمعناه. وأما الحسك فهو شوك صلب من حديد. (3) وكأجاويد الخيل والركاب: من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال في النهاية: الأجاويد جمع أجواد، وهو جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطي. والركاب أي الإبل، واحدتها راحلة من غير لفظها. فهو عطف على الخيل. والخيل جمع الفرس من غير لفظه. (4) فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم: معناه أنهم ثلاثة أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا. وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص. وقسم يكدس ويلقى فيسقط في جهنم. قال في النهاية: وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط. ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد. والكدش: الطرد والجرح أيضا. (5) في استقصاء الحق: أي تحصيله من خصمه والمتعدي عليه. (6) من خير: قال القاضي عياض. رحمه الله.: قيل: معنى الخير هنا اليقين. قال: والصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان. لأن مجرد الإيمان الذي هو التصديق، لا يتجزأ. وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي، أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى، ونية صادقة. (7) لم نذر فيها خيرا: هكذا هو خير بإسكان الياء أي صاحب خير. (8) فيقبض قبضة من النار: معناه يجمع جمعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 726 عادوا حمما «1» . فيلقيهم في نهر في أفواه الجنّة «2» ، يقال له نهر الحياة. فيخرجون كما تخرج الحبّة في حميل السّيل «3» . ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشّجر. ما يكون إلى الشّمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظّلّ يكون أبيض «4» ؟ فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال: «فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم «5» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله «6» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي. فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «7» . 22- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل، يعني عظيم الرّوم، قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل. فقال هرقل: هل ههنا أحد من قوم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ قالوا: نعم. قال: فدعيت في نفر من قريش. فدخلنا على هرقل. فأجلسنا بين يديه. فقال: أيّكم أقرب نسبا من هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا. فأجلسوني بين يديه. وأجلسوا أصحابي خلفي. ثمّ دعا بترجمانه «8» فقال له: قل لهم: إنّي سائل هذا عن   (1) قد عادوا حمما: معنى عادوا صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير الى حالة كان عليها قبل ذلك. بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة. (2) في أفواه الجنة: الأفواه جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس. وأفواه الأزفة والأنهار أوائلها. قال صاحب المطالع: كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها. (3) الحبة في حميل السيل: الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت في الحشيش. وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره. فعيل بمعنى مفعول. فاذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة. فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها. (4) ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض: أما يكون في الموضعين الأولين فتامة. ليس لها خبر. معناها ما يقع. وأصيفر وأخيضر مرفوعان. وأما يكون أبيض، فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها. (5) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. قال صاحب التحرير: المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ. (6) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله. (7) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (182) واللفظ له. (8) الترجمان: هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى أخرى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 727 الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ. فإن كذبني فكذّبوه «1» . قال: فقال أبو سفيان: وأيم الله لولا مخافة أن يؤثر عليّ الكذب «2» لكذبت. ثمّ قال لترجمانه: سله. كيف حسبه فيكم؟ قال قلت: هو فينا ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: ومن يتّبعه؟ أشراف النّاس أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قال قلت: لا. بل يزيدون. قال: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه، سخطة له؟ قال قلت: لا. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: كيف كان قتالكم إيّاه؟ قال قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالا «3» . يصيب منّا ونصيب منه. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو صانع فيها «4» . قال: فو الله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه. قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قال قلت: لا. قال لترجمانه: قل له. إنّي سألتك عن حسبه فزعمت أنّه فيكم ذو حسب، وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها. وسألتك: هل كان في آبائه ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك عن أتباعه، أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرّسل. وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فقد عرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على الله. وسألتك: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب. وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنّكم قد قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا، ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرّسل تبتلى ثمّ تكون لهم العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنّه لا يغدر، وكذلك الرّسل لا تغدر. وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله، قلت رجل ائتمّ بقول قيل قبله. قال: ثمّ قال: بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة والعفاف «5» . قال: إن يكن ما تقول فيه حقّا، فإنّه نبيّ، وقد كنت أعلم أنّه خارج، ولم أكن أظنّه منكم، ولو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه، لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغنّ ملكه ما   (1) إن كذبني فكذّبوه: كذب بمعني أخطأ والمعنى إن أخطأ في كلامه فقولوا قد أخطأ. (2) أن يؤثر علي الكذب: أي ينقل علي الكذب. (3) تكون الحرب سجالا: والسجل هو الدلو ومعنى الحرب سجالا تشبيها لها بالاستقاء فيستقي هذا دلوا وهذا دلوا، وقد قال أبو سفيان عن يوم أحد (يوم بيوم بدر) والحرب سجال. (4) المدة: هي صلح الحديبية التي عقدها الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع مشركي قريش في العام الثالث من الهجرة. (5) العفاف: هو طلب العفاف والتعفف هو الكف عن الحرام وسؤال الناس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 728 تحت قدميّ قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأه. فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «1» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) » فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللّغط. وأمر بنا فأخرجنا. قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة «2» إنّه ليخافه ملك بني الأصفر «3» . قال: فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سيظهر، حتّى أدخل الله عليّ الإسلام» ) * «4» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضع وستّون شعبة والحياء شعبة من الإيمان» ) * «5» . 24- * (عن معاوية بن الحكم السّلميّ- رضي الله عنه- قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ عطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم «6» . فقلت: واثكل أمّياه «7» . ما شأنكم؟ تنظرون إليّ. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلمّا رأيتهم يصمّتونني. لكنّي سكتّ. فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبأبي هو وأمّي ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه. فو الله ما كهرني «8» ولا ضربني ولا شتمني. قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس. إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» . أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله، إنّي حديث عهد بجاهليّة. وقد جاء الله بالإسلام. وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال: «فلا تأتهم» قال: ومنّا رجال يتطيّرون «9» . قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم. فلا يصدّنّهم» . قال: قلت: ومنّا   (1) الأريسيين: هو جمع أريس قال ابن سيده: الأريس هو الأكار أي الفلاح عند ثعلب، وعند قراعة هو الأمير، وقال الجوهري لغة شامية، وأنكر ابن فارس أن تكون عربية: والمعنى أنهم المزارعون في المملكة وهم الضعفاء المأمورون والأصاغر أتباع الأكابر، ولذا يكون عليه وزرهم إذا لم يسلموا تقليدا له. (2) لقد أمر أمر ابن أبي كبشة: أما أمر فبفتح الهمزة وكسر الميم، أي عظم. وأما قوله: ابن أبي كبشة، فقيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى، ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها. فشبهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم به لمخالفته إياهم في دينهم، كما خالفهم أبو كبشة. (3) بني الأصفر: بنو الأصفر هم الروم. (4) البخاري- الفتح 1 (6) . مسلم (1773) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 1 (9) ، مسلم 1 (57) وعند مسلم بلفظ آخر هو: «الايمان بضع وسبعون شعبة» . (6) رماني القوم بأبصارهم، أي نظرو إليّ حديدا كما يرمي بالسهم، زجرا بالبصر من غير كلام. (7) واثكل أمياه: بضم الثاء وإسكان الكاف، وبفتحهما جميعا، لغتان كالبخل والبخل، حكاهما الجوهري وغيره. وهو فقدان المرأة ولدها، أي وافقد أمي إياي فإني هلكت. (8) كهرني: نهرني. (9) يتطيرون: من التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرها، وكان ذلك بغرض التشاؤم والتفاؤل وقد حرمه الإسلام لأنه يصدّ عن المقاصد ولأنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر (النهاية 3/ 152) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 729 رجال يخطّون. قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ. فمن وافق خطّه فذاك «1» » قال: وكانت جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانيّة «2» . فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّيب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكنّي صككتها «3» صكّة. فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها قال «ائتني بها» فأتيته بها. فقال لها «أين الله؟» قالت: في السّماء. قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. قال: «أعتقها، فإنّها مؤمنة» ) * «4» . 25- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المسجد. دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد. ثمّ عقله ثمّ قال لهم: أيّكم محمّد؟ والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم متّكى بين ظهرانيهم فقلنا: هذا الرّجل الأبيض المتّكئ. فقال له الرّجل: يا ابن عبد المطّلب، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد أجبتك» . فقال الرّجل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّي سائلك فمشدّد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك «5» . فقال: «سل عمّا بدا لك» . فقال: أسألك بربّك وربّ من قبلك، الله أرسلك إلى النّاس كلّهم؟ فقال: «اللهمّ نعم» . قال: أنشدك بالله، الله أمرك أن نصلّي الصّلوات الخمس في اليوم واللّيلة؟ قال: «اللهمّ نعم» . قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشّهر من السّنة؟ قال: «اللهمّ نعم» . قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصّدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ نعم» فقال الرّجل: آمنت بما جئت به. وأنا رسول من ورائي من قومي. وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر) * «6» . 26- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم. إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثّياب. شديد سواد الشّعر، لا يرى عليه أثر السّفر. ولا يعرفه منّا أحد، حتّى جلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه، وقال: يا محمّد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا» . قال: صدقت. قال فعجبنا له يسأله ويصدّقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: «أن تؤمن بالله» ، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الاخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه» ، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: «أن تعبد الله   (1) ظاهر معناه الخط في الرمل وقال النووي في ذلك: الصحيح أن معناه: من وافق خطه فهو مباح، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح، والمقصود أنه حرام لا يباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها. (2) الجوانية: مكان شمال المدينة قرب أحد. (3) صككتها: لطمتها. (4) مسلم 1 (537) . (5) فلا تجد علي في نفسك: أي لا تغضب مني أو من سؤالي (النهاية 5/ 155) . (6) البخاري الفتح 1 (63) . مسلم (868) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- بلفظ مختلف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 730 كأنّك تراه. فإن لم تكن تراه، فإنّه يراك» . قال: فأخبرني عن السّاعة. قال «: ما المسئول عنها بأعلم من السّائل» . قال: فأخبرني عن أماراتها «1» . قال: «أن تلد الأمة ربّتها «2» . وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشّاء «3» ، يتطاولون في البنيان» . قال ثمّ انطلق. فلبثت مليّا. ثمّ قال لي: «يا عمر أتدري من السّائل» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّه جبريل، أتاكم يعلّمكم دينكم» ) * «4» . 27- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى» ) * «5» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشّمس من مغربها، والدّجّال، ودابّة الأرض» ) * «6» . 29- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، ومن أحبّ عبدا لا يحبّه إلّا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النّار» ) * «7» . 30- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، والعبد المملوك إذا أدّى حقّ الله وحقّ مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدّبها فأحسن تأديبها وعلمّها فأحسن تعليمها ثمّ أعتقها فتزوّجها فله أجران» ) * «8» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جاء أهل اليمن. وهم أرقّ أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية» ) * «9» . 32- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الاخر» ) * «10» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) أمارتها: الأمارة هي العلامة. (2) ربتها: أي سيدتها. (3) العالة، رعاء الشاء: العالة من العول وهو الإنفاق أو القيام بما يلزم من نفقة العيال من قوت وكسوة وغيرها وهي من عال الرجل عياله يعولهم إلا قام بما يحتاجون إليه من نفقة أو كسوة (النهاية ج 3 ص 321) . (4) مسلم 1 (8) . البخاري- الفتح 1 (40) من حديث أبي هريرة وكذا مسلم (9) . (5) البخاري- الفتح 10 (6011) ومسلم (2586) . (6) مسلم (158) ، البخاري الفتح 8 (4635) نحوه مختصرا. (7) البخاري- الفتح 1 (21) مسلم (43) . (8) البخاري- الفتح 1 (97) وهذا لفظه مسلم (154) (9) البخاري- الفتح 8 (4388) ومن حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- رقم (4390) . مسلم (52) واللفظ له. (10) الحاكم (1/ 22) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم وأقره الذهبي. وذكره الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 400) وقال: رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس. ورواه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان (8) وقال الألباني: موقوف على ابن عمر وسنده صحيح، وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (1681) وعزاه للحاكم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 731 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنّة، والبذاء «1» من الجفاء والجفاء في النّار» ) * «2» . 34- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: خطب عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام في مثل مقامي هذا فقال: «أحسنوا إلى أصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب حتّى يحلف الرّجل على اليمين قبل أن يستحلف عليها «3» . ويشهد على الشّهادة قبل أن يستشهد عليها «4» ، فمن أحبّ منكم أن ينال بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة؛ فإنّ الشّيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد. ألا لا يخلونّ رجل بامرأة فإنّ ثالثهما الشّيطان. ألا ومن كان منكم تسوءه سيّئته وتسرّه حسنته فهو مؤمن» ) * «5» . 35- * (عن العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا» ) * «6» . 36- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جنازة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس، إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها فإذا الإنسان دفن فتفرّق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده قال: ما تقول في هذا الرّجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فيقول: صدقت ثمّ يفتح له باب إلى النّار فيقول هذا كان منزلك لو كفرت بربّك فإذ آمنت فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنّة فيريد أن ينهض إليه فيقول له اسكن ويفسح له في قبره، وإن كان كافرا أو منافقا يقول له ما تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا. فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة فيقول هذا منزلك لو آمنت بربّك، فأمّا إذ كفرت فإنّ الله- عزّ وجلّ- أبدلكم به هذا ويفتح له باب إلى النّار ثمّ يقمعه قمعة بالمطراق يسمعها خلق الله، كلّهم غير الثّقلين» فقال بعض القوم: يا رسول الله، ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلّا هبل «7» عند ذلك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (إبراهيم/ 27) » ) * «8» .   (1) البذاء: الفحش في الكلام. (2) الترمذي (2009) ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 53) وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي. ورواه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان وقال الشيخ ناصر الألباني: حسن وصححه. الترمذي (14) . وذكره الدمياطي في المتجر الرابح وعزاه لابن حبان. وقال محقّق «جامع الأصول» (3/ 617) : إسناده حسن. (3) يستحلف عليها: أي يطلب منه الحلف من قولهم استحلفه أي طلب منه الحلف. (4) يستشهد (مثل يستحلف) أي تطلب منه الشهادة. (5) ابن منده في كتاب الإيمان (3/ 983) حديث (1087) . وقال مخرجه: إسناده صحيح، وعزاه للخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (6/ 57) . ورواه ابن حبان في «الإحسان» رقم (5586) . (6) مسلم (34) . (7) هبل: فقد عقله. (8) رواه أحمد (3/ 4) وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 552) : إسناده حسن لا بأس به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 732 37- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت قلت يا رسول الله، إنّي لأعلم أشدّ آية في القرآن. قال: «أيّة آية يا عائشة؟» قالت: قول الله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (النساء/ 123) قال: «أما علمت يا عائشة أنّ المؤمن تصيبه النّكبة أو الشّوكة فيكافأ بأسوأ عمله ومن حوسب عذّب» قالت: أليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (الانشقاق/ 8) قال: «ذاكم العرض، يا عائشة من نوقش الحساب عذّب» ) * «1» . 38- * (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: «قل آمنت بالله فاستقم» ) * «2» . 39- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله أيّ النّاس أفضل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله» . قال: ثمّ من؟ قال: «مؤمن في شعب «3» من الشّعاب يتّقي الله ويدع النّاس من شرّه» ) * «4» . 40- * (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر. فلمّا كبر قال للملك، إنّي قد كبرت فابعث إليّ غلاما أعلّمه السّحر. فبعث إليه غلاما يعلّمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه. فكان إذا أتى السّاحر مرّ بالرّاهب وقعد إليه. فإذا أتى السّاحر ضربه. فشكا ذلك إلى الرّاهب. فقال: إذا خشيت السّاحر فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني السّاحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابّة عظيمة قد حبست النّاس. فقال: اليوم أعلم السّاحر أفضل أم الرّاهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة، حتّى يمضي النّاس. فرماها فقتلها، ومضى النّاس. فأتى الرّاهب فأخبره، فقال له الرّاهب: أي بنيّ! أنت اليوم أفضل منّي، قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنّك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ. وكان الغلام يبرأ الأكمه والأبرص ويداوي النّاس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال: إنّي لا أشفي أحدا، إنّما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فامن بالله، فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس. فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربّي. قال: ولك ربّ غيري؟! قال: ربّي وربّك الله. فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الغلام. فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بنيّ! قد بلغ من سحرك ما تبرأ الأكمه «5» والأبرص وتفعل وتفعل؟. فقال: إنّي لا أشفي   (1) أبو داود (3093) . وروى البخاري بعضه في الفتح 8 (4939) . ومسلم رقم (2876) وانظر «جامع الأصول» (2/ 112) . (2) مسلم (38) . (3) الشعب: الوادي بين الجبلين. (4) البخاري- الفتح 11 (6494) . واللفظ لابن منده في الإيمان (2/ 403) حديث (247) . (5) الأكمه: الذي خلق أعمى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 733 أحدا. إنّما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الرّاهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار «1» ، فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه. فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا. فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته «2» فإن رجع عن دينه وإلّا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل. فقال: اللهمّ! اكفنيهم بما شئت. فرجف «3» بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور «4» فتوسّطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلّا فاقذفوه. فذهبوا به. فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السّفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع النّاس في صعيد «5» واحد وتصلبني على جذع ثمّ خذ سهما من كنانتي ثمّ ضع السّهم في كبد القوس «6» ثمّ قل باسم الله ربّ الغلام. ثمّ ارمني فإنّك إذا فعلت ذلك. قتلتني. فجمع النّاس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثمّ أخذ سهما من كنانته «7» ثمّ وضع السّهم في كبد القوس ثمّ قال: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ رماه. فوقع السّهم في صدغه. فوضع يده في صدغه في موضع السّهم. فمات. فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام. آمنّا بربّ الغلام. آمنّا بربّ الغلام. فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك. قد آمن النّاس. فأمر بالأخدود في أفواه السّكك فخذّت «8» وأضرم النّيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا. حتّى جاءت امرأة ومعها صبيّ لها. فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمّه! اصبري فإنّك على الحقّ» ) * «9» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا خيبر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل ممّن معه يدّعي الإسلام: هذا من أهل النّار، فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل أشدّ القتال حتّى كثرت به الجراحة فكاد بعض النّاس يرتاب، فوجد الرّجل ألم الجراحة، فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه، فاشتدّ رجال «10» من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدّق الله حديثك، انتحر فلان فقتل نفسه. فقال:   (1) بالمئشار: مهمموز في رواية الأكثرين ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياء وروي بالنون وهما لغتان صحيحتان. (2) ذروته: ذروة الجبل أعلاه. (3) فرجف بهم الجبل: أي اضطرب وتحرك حركة شديدة. (4) قرقور: القرقور السفينة الصغيرة. (5) صعيد: الصعيد هنا الأرض البارزة. (6) كبد القوس: مقبضها عند الرمي. (7) الكنانة: مجمع السهام. (8) أمر بالأخدود فخدّت: أي أمر بشق الأخدود فانشقّت، والأخدود هو الشق في الأرض وجمعها أخاديد (النهاية 2/ 13) . (9) مسلم (3005) . (10) اشتد رجال: أسرعوا المشي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 734 «قم يا فلان فأذّن أنّه لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن، إنّ الله يؤيّد الدّين بالرّجل الفاجر» ) * «1» . 42- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية في إثر السّماء «2» كانت من اللّيل. فلما انصرف أقبل على النّاس فقال: هل تدرون ماذا قال ربّكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب. وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا «3» فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» ) * «4» . 43- * (عن صهيب الرّوميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن. إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلّا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له» ) * «5» . 44- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: يا رسول الله إنّا هذا الحيّ من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفّار مضر فلا نخلص إليك إلّا في شهر الحرام فمرنا بأمر نعمل به وندعو إليه من وراءنا. قال: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع. الإيمان بالله (ثمّ فسّرها لهم فقال) شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم وأنهاكم عن: الدّبّاء «6» ، والحنتم «7» ، والنّقير «8» ، والمقيّر «9» » ) * «10» . 45- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو من اللّيل «اللهم لك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض، لك الحمد أنت قيّم «11» السّماوات والأرض ومن فيهنّ، لك الحمد أنت نور السّماوات والأرض، قولك الحقّ ووعدك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ والسّاعة حقّ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وأسررت وأعلنت؛ أنت إلهي لا إله لي غيرك» ) * «12» . 46- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص-   (1) البخاري- الفتح 7 (4203) ومسلم (111) . (2) السماء من الليل: أي المطر من الليل وسمي المطر سماء لأنه ينزل من السماء (النهاية 2/ 406) . (3) النوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع القمر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثة عشرة يوما، وهكذا كل نجم منها إلى انقضاء السنة وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والبرد والحر إلى الساقط منها (الصحاح 1/ 79) . (4) البخاري- الفتح 7 (4147) . مسلم (71) واللفظ له. (5) مسلم (2999) . (6) الدباء: الوعاء من القرع اليابس. (7) الحنتم: الجرار الخضر. والجرار جمع جرة نوع من الأوعية. (8) النقير: جذع ينقر من وسطه حتى يجوف ويصب فيه النبيذ. (9) المقير: المطلي بالزفت. (10) البخاري- الفتح 10 (6176) ومسلم (17) واللفظ له. (11) القيم في أسماء الله بمعنى القيوم والقيام، ومعناه: الذي لا يزول أو مدبر أمر الخلق. (12) البخاري- الفتح 13 (7385) واللفظ له. ومسلم (769) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 735 رضي الله عنهما- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «1» ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثمّ تنكشف، وتجىء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه «2» ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الاخر» ) * «3» . 47- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: كنت عند منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلّا أن أسقي الحاجّ. وقال آخر ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلّا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل ممّا قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يوم الجمعة. ولكن إذا صلّيت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله عزّ وجلّ: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (التوبة/ 19) » ) * «4» . 48- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: فلان شهيد. حتّى مرّوا على رجل فقالوا فلان شهيد. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّا إنّي رأيته في النّار في بردة غلّها أو عباءة «5» » ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا ابن الخطّاب: «اذهب فناد في النّاس أنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون» . قال فخرجت فناديت «ألا إنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون» ) * «6» . 49- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت هذه الاية: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ... الاية (البقرة/ 284) . قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من قبل. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قولوا سمعنا وأطعنا وسلّمنا» قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: قد فعلت) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً «7» كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: قد فعلت) وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا (البقرة/ 286) (قال: قد فعلت» ) * «8» .   (1) يرقق بعضها بعضا: أي يشبه بعضها بعضا، أو يدور بعضها في بعض. (2) يأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، أي يعاملهم بمثل ما يحبّ أن يعامل به. (3) مسلم (1844) . (4) مسلم (1879) . (5) بردة غلّها: أي أخذها غلولا والغلول هو الخيانة في الغنيمة خاصة أو هي الخيانة في كل شيء. (6) مسلم (114) . (7) الإصر: الأمر الشديد الثقيل. (8) مسلم (126) . وروى البخاري نحوه من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- الفتح 8 (5454) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 736 50- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت هذه الاية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الاية. جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النّار. واحتبس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سعد بن معاذ، فقال: يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ أشتكى؟ قال سعد: إنّه لجاري وما علمت له بشكوى. قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ثابت: أنزلت هذه الاية ولقد علمتم أنّي من أرفعكم صوتا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنا من أهل النّار. فذكر ذلك سعد للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بل هو من أهل الجنّة» ) * «1» . 51- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة أنّه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أوّلهم: أيّهم؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم. فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك اللّيلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه- وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم- فلم يكلّموه حتّى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولّاه منهم جبريل فشقّ جبريل ما بين نحره إلى لبّته حتّى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتّى أنقى جوفه ثمّ أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب «2» محشوّا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده- يعني عروق حلقه، ثمّ أطبقه ثمّ عرج به إلى السّماء الدّنيا ... الحديث» ) * «3» . 52- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن بالطّعّان «4» ولا اللّعان «5» ولا الفحّاش «6» ولا البذيء «7» » ) * «8» . 53- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «9» مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر» ) * «10» . 54- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإنّ الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء» ) * «11» .   (1) البخاري- الفتح 8 (4846) . مسلم (119) واللفظ له. (2) تور من ذهب: أي إناء من ذهب. (3) البخاري- الفتح 13 (7517) . ومسلم (162) . (4) الطعّان: أي الوقّاع في أعراض الناس بالذم والغيبة ونحوها. (5) اللعّان: أي الشتّام وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله. (6) الفحّاش: أي الذي يتفحش في كلامه والفحش هو التعدي في القول والجواب وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال أو الأفعال، وقد يراد بالفاحشة الزنا. (7) البذيء: من البذاءة وهي المفاحشة. (8) الترمذي (19772) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. أحمد (1/ 405، 406) وقال شاكر: إسناده صحيح (5/ 222) . الحاكم في مستدركه (1/ 12) وقال: هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين وسكت عنه الذهبي. (9) يفرك: يبغض. (10) مسلم (1469) . (11) الترمذي (2002) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح أبو داود (4799) . البخاري في الأدب المفرد (1/ 368) . وذكره ابن حجر في جملة أحاديث صحيحة في حسن الخلق الفتح (10/ 473) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 6) : إسناده حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 737 55- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من شيء يصيب المؤمن حتّى الشّوكة تصيبه إلّا كتب الله له بها حسنة أو حطّت عنه بها خطيئة» ) * «1» . 56- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي، إلّا كان له من أمّته حواريّون «2» وأصحاب يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره، ثمّ إنّها «3» تخلف من بعدهم خلوف «4» يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» ) * «5» . 57- * (عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله عنهما- أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما يصيب المؤمن من وصب «6» ولا نصب «7» ولا سقم ولا حزن حتّى الهمّ يهمّه «8» إلّا كفّر به من سيّئاته» ) * «9» . 58- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل خامة «10» الزّرع يفيء ورقه من حيث أتتها الرّيح تكفؤها، فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفّأ بالبلاء، ومثل الكافر كمثل الأرزة «11» صمّاء معتدلة حتّى يقصمها الله إذا شاء» ) * «12» . 59- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اتّبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتّى يصلّى عليها ويفرغ من دفنها، فإنّه يرجع من الأجر بقيراطين كلّ قيراط مثل أحد، ومن صلّى عليها ثمّ رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط» ) * «13» . 60- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعه فإنّ الحياء من الإيمان» ) * «14» . 61- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من آمن بالله وبرسوله وأقام الصّلاة وصام رمضان، كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه الّتي ولد   (1) مسلم (2572) واللفظ له، البخاري- الفتح 10 (5640) وفيه: المسلم بدلا من المؤمن. (2) الحواريون: وهم الخلصاء والأنصار وأصله من التحوير أي التبييض. (3) ثم إنها: الضمير في إنها هو الذي يسميه النحويون ضمير القصة والشأن. (4) خلوف: جمع خلف بفتح الخاء وهو القرن من الناس والمعنى تأتي من بعدهم قرون من الناس. (5) مسلم (49) . (6) الوصب: الوجع والألم. (7) النصب: التعب. (8) هكذا ضبطه القاضي، وغيره ضبطه (يهمّه) بفتح الياء وضم الهاء، أي يغمه، وكلاهما صحيح. (9) البخاري- الفتح 10 (5641، 5642) . ومسلم (2573) . (10) الخامة: النبات الصغير الضعيف. (11) الأرز: شجر معروف قوي يرتفع (من 70- 80 قدما) . (12) البخاري- الفتح 13 (7466) . مسلم (2809) وروى مسلم مثله من حديث كعب بن مالك (2810) . (13) البخاري- الفتح 1 (47) واللفظ له. مسلم (945) . (14) البخاري- الفتح 10 (6118) . مسلم (35) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 738 فيها» . فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشّر النّاس؟ قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة» . أراه قال: «وفوقه عرش الرّحمن ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «1» . 62- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده، فإنّ شبعه وريّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة» ) * «2» . 63- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» ) * «3» . 64- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «4» . 65- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه» ) * «5» . 66- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف وفي كلّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «6» . 67- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» وشبّك بين أصابعه) * «7» . 68- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والاخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والاخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه؛ ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة؛ وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن   (1) البخاري- الفتح 6 (2790) . (2) البخاري- الفتح 6 (2853) . (3) أبو داود (4681) . والترمذي (2521) وقال: حسن من حديث معاذ بن أنس. قال الحافظ في الفتح (1/ 62) خرجه أبو داود من حديث أبي أمامة وسكت عنه فهو صحيح أو حسن على شرطه وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 239) : وهو حديث حسن. (4) البخاري- الفتح 1/ قطعة في (37، 38) . مسلم (760) . (5) البخاري- الفتح 10 (6146) . ومسلم (47) واللفظ له. (6) مسلم (2664) . (7) البخاري- الفتح 5 (2446) . ومسلم (2585) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 739 عنده ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «1» . 69- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا «2» انظر أي ذلك فوق النّاس. قال فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأوّل فالأوّل. ثمّ يأتينا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟ فيقولون ننظر ربّنا. فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: حتّى ننظر إليك، فيتجلّى لهم يضحك. قال: فينطلق بهم ويتّبعونه ويعطى كلّ إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا، ثمّ يتّبعونه، وعلى جسر جهنّم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثمّ يطفأ نور المنافقين ثمّ ينجو المؤمنون فتنجو أوّل زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون، ثمّ الّذين يلونهم كأضوأ نجم في السّماء، ثمّ تحلّ الشّفاعة ويشفعون حتّى يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنّة ويجعل أهل الجنّة يرشّون عليهم الماء حتّى ينبتوا نبات الشّيء في السّيل ويذهب حراقه «3» ثمّ يسأل حتّى تجعل له الدّنيا وعشرة أمثالها معها» ) * «4» . 70- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ «أن لا يحبّني إلّا مؤمن ولا يبغضني إلّا منافق» ) * «5» . 71- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أو لا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟. أفشوا السّلام بينكم» ) * «6» . 72- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصرانيّ ثمّ يموت ولم يؤمن بالّذي أرسلت به إلّا كان من أصحاب النّار» ) * «7» . 73- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في النّار اجتماعا يضرّ أحدهما الاخر» . قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «مؤمن قتل كافرا ثمّ سدّد «8» » ) * «9» . 74- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين» ) * «10» .   (1) مسلم (2699) . (2) قوله في أول الحديث: عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس: هذه الجملة فيها تصحيف وصوابها: يحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتي على تل. (3) وقوله: فيذهب حراقه: أثر النار. (4) مسلم (191) . (5) مسلم (78) . (6) مسلم (54) . (7) مسلم (153) . (8) سدد: أي استقام على الطريقة المثلى ولم يخلط. (9) مسلم (1891) . (10) البخاري- الفتح 1 (15) . ومسلم (44) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 740 75- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «1» . 76- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر ولا يدخل النّار من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان» . قال: فقال رجل: إنّه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة. قال: «إنّ الله يحبّ الجمال ولكنّ الكبر من بطر «2» الحقّ وغمص النّاس «3» » ) * «4» . 77- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال النّاس يتساءلون حتّى يقال هذا: خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله» ) * «5» . 78- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينهب نهبة يرفع النّاس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» ) * «6» . 79- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين» ) * «7» . 80- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال لابنه: يا بنيّ إنّك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتّى تعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أوّل ما خلق الله القلم. فقال له: اكتب. قال: ربّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كلّ شيء حتّى تقوم السّاعة» . يا بنيّ، إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من مات على غير هذا فليس منّي» ) * «8» . 81- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يخرج الدّجّال فيتوجّه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح «9» ، مسالح الدّجّال فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الّذي خرج. قال: فيقولون له: أو ما تؤمن بربّنا. فيقول ما بربّنا خفاء. فيقولون: اقتلوه فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربّكم أن تقتلوا أحدا دونه. قال: فينطلقون به إلى الدّجّال فإذا رآه المؤمن   (1) البخاري- الفتح 1 (13) . ومسلم (45) . (2) بطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعا. (3) الغمص والغمط: الاحتقار. (4) مسلم (91) . والترمذي (1199) وقال: هذا حديث حسن صحيح واللفظ له. (5) مسلم (134) . (6) البخاري- الفتح 5 (2475) واللفظ له. مسلم (110) . (7) البخاري- الفتح 1. (6133) واللفظ له. مسلم (2998) . (8) أبو داود (4700) . الترمذي (2155) . أحمد (5/ 317) وقال الألباني في شرح العقيدة الطحاوية: صحيح (233) . وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 107) : هو حديث صحيح. (9) المسالح: ذوي السلاح. والمسلحة- هم القوم الذين يحفظون الثغور من العدو وسموا كذلك لأنهم يكونون ذوي سلاح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 741 قال: يا أيّها النّاس هذا الدّجّال الّذي ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فيأمر الدّجّال به فيشبّح «1» ، فيقول: خذوه وشجّوه «2» . فيوسع ظهره وبطنه ضربا قال فيقول: أو ما تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذّاب. قال: فيؤمر به فيؤشر بالمئشار من مفرقه «3» حتّى يفرّق بين رجليه. قال: ثمّ يمشي الدّجّال بين القطعتين. ثمّ يقول له: قم: فيستوي قائما. قال ثمّ يقول له أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلّا بصيرة. قال ثمّ يقول: يا أيّها النّاس إنّه لا يفعل بعدي بأحد من النّاس. قال فيأخذه الدّجّال ليذبحه. فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته «4» نحاسا «5» . فلا يستطيع إليه سبيلا قال فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به. فيحسب النّاس أنّما قذفه إلى النّار. وإنّما ألقي في الجنّة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أعظم النّاس شهادة عند ربّ العالمين» ) * «6» . 82- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخلص المؤمنون من النّار فيحبسون على قنطرة بين الجنّة والنّار فيقصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدّنيا حتّى إذا هذّبوا ونقّوا أذن لهم في دخول الجنّة. فوالّذي نفس محمّد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنّة منه بمنزله كان في الدّنيا» ) * «7» . 83- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدخل الله أهل الجنّة الجنّة، يدخل من يشاء برحمته ويدخل أهل النّار النّار ثمّ يقول انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان فأخرجوه فيخرجون منها حمما «8» قد امتحشوا «9» فيلقون في نهر الحياة أو الحيا «10» فينبتون فيه كما تنبت الحبّة إلى جانب السّيل ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية» ) * «11» 84- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه» ) * «12» . 85- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه- وإنّه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ - لمحمد صلّى الله عليه وسلّم- فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النّار،   (1) يشبّح: أي يمدّ على بطنه. (2) يشجّ: من الشجّ وهو أن يضربه بشيء فيجرحه به ويشقه والشج في الرأس خاصة هو الأصل ثم استعمل لسائر الأعضاء. (3) مفرقه: مفرق الرأس: وسطه. (4) الترقوة: العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. (5) هكذا الأصل (نحاسا) واللغة تقتضي أن يكون (نحاس) لأن الفعل يجعل مبني للمجهول. فهو نائب فاعل. (6) مسلم (2938) . (7) البخاري- الفتح 11 (6535) . (8) حمما: فحما. (9) امتحشوا: احترقوا. (10) الحيا: المطر. (11) البخاري- الفتح 11 (656) ومسلم (184) . (12) مسلم (46) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 742 قد أبدلك الله به مقعدا من الجنّة، فيراهما جميعا» . قال قتادة: وذكر لنا أنّه يفسح له في قبره. ثمّ رجع إلى حديث أنس، قال: «وأمّا المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول النّاس. فيقول: لا دريت ولا تليت. ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثّقلين» ) * «1» . 86- * (عن هانىء مولى عثمان بن عفّان رضي الله عنه- قال: كان عثمان- رضي الله عنه- إذا وقف على قبر بكى، حتّى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنّة والنّار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي؟ فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «القبر أوّل منزل من منازل الاخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه» قال: وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا القبر أفظع «2» منه» ) * «3» . 87- * (عن البراء بن عازب عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (إبراهيم/ 27) قال: نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله ونبيّي محمّد صلّى الله عليه وسلّم فذلك قوله عزّ وجلّ- يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» ) * «4» . 88- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحد بعد، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجلسنا حوله كأنّما على رؤوسنا الطّير، وبيده عود ينكت «5» به في الأرض، فرفع رأسه فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر مرّتين، أو ثلاثا» . زاد في رواية: وقال: «إنّ الميّت ليسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين حين يقال له: يا هذا، من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟» . وفي رواية: «ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فامنت به، وصدّقت» . زاد في رواية: فذاك قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم/ 27) ثمّ اتّفقا: فينادي مناد من السّماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنّة، وألبسوه من الجنّة، وافتحوا له بابا إلى الجنّة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له في قبره مدّ بصره، وإنّ الكافر ... فذكر موته، قال: وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من   (1) البخاري- الفتح 3 (137) واللفظ له، ومسلم (2870) . (2) أفظع: الفظيع: الشديد الشنيع. (3) أخرجه الترمذي (2309) قال محقق جامع الأصول (11/ 165) : إسناده حسن. وزاد رزين: قال هانىء: وسمعت عثمان ينشد على قبر: فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا وهذا من قوة إيمانه رضي الله عنه. (4) مسلم (2871) واللفظ له، والبخاري- الفتح 3 (1369) . (5) ينكت: نكت في الأرض بيده وبقضيب: إذا أثر فيها بذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 743 ربّك؟ فيقول: هاه هاه «1» ، لا أدري، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السّماء: أن كذب، فأفرشوه من النّار، وألبسوه من النّار، وافتحوا له بابا إلى النّار، فيأتيه من حرّها وسمومها، ويضيّق عليه قبره حتّى تختلف فيه أضلاعه» . وزاد في رواية: «ثمّ يقيّض له أعمى أبكم «2» ، معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا، فيضربه بها ضربة يسمعها من بين المشرق والمغرب، إلّا الثّقلين، فيصير ترابا، ثمّ تعاد فيه الرّوح» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (الإيمان) معنى 89- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التّثبيت، فإنّه الان يسأل» ) * «4» . 90- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه مرّ بقبرين يعذّبان فقال: «إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير. أمّا أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأمّا الاخر فكان يمشي بالنّميمة» . ثمّ أخذ جريدة رطبة فشقّها بنصفين، ثمّ غرز في كلّ قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ فقال: «لعلّه أن يخفّف عنهما ما لم ييبسا» ) * «5» . 91- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجّار على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت «6» به، فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستّة، أو خمسة، أو أربعة. فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» قال رجل: أنا، قال: «فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك، فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» ، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب القبر» . قالوا: نعوذ (بالله) من عذاب القبر، قال: «تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن» ، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» ، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «7» . 92- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل الجنّة فمن أهل   (1) هاه هاه: من عادة المشدوه الحائر إذا خوطب أن يقول: هاه هاه، كأنه يستفهم عما يسأل عنه. (2) أبكم: الأبكم: الذي خلق أخرس. (3) أبو داود برقم (3212) ، (4753) ، (4754) وقال محقق الجامع (11/ 179) : إسناده حسن. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 902) صحيح. وأصله عند البخاري ومسلم. (4) أبو داود (3221) وقال الألباني (2/ 620) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (11/ 149) : حسن. (5) البخاري- الفتح 3 (1361) واللفظ له، ومسلم (292) . (6) حادت: مالت عن الطريق. (7) مسلم (2867) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 744 الجنّة، وإن كان من أهل النّار فمن أهل النّار، فيقال: هذا مقعدك حتّى يبعثك الله يوم القيامة» ) * «1» . 93- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يصعق النّاس حين يصعقون فأكون أوّل من قام، فإذا موسى آخذ بالعرش، فما أدري أكان فيمن صعق؟» ) * «2» . 94- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا «3» » قلت: يا رسول الله، النّساء والرّجال جميعا، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة، الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض» ) * «4» . 95- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر النّاس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، ويحشر بقيّتهم النّار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا» ) * «5» . 96- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلّا هلك» فقلت يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (الانشقاق/ 7- 8) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلّا عذّب» ) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإيمان) 97- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «بينما راع في غنمه عدا عليه الذّئب فأخذ منه شاة، فطلبه الرّاعي فالتفت إليه الذّئب فقال: من لها يوم السّبع «7» ، يوم ليس لها راع غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلّمته فقالت إنّي لم أخلق لهذا ولكنّي خلقت للحرث، فقال النّاس سبحان الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّي أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطّاب رضي الله عنهما» ) * «8» . 98- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الغار فرأيت المشركين، قلت: يا رسول الله لو أنّ أحدهم رفع قدمه رآنا. قال: «ما ظنّك باثنين الله ثالثهما» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1379) ، ومسلم (2866) . (2) البخاري- الفتح 11 (6518) . (3) غرلا: أي غير مختونين، جمع أغرل وهو الذي لم يختن وبقيت معه غرلته، وهي القلفة التي تقطع في الختان، والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقدون شيئا. (4) مسلم (2859) واللفظ له، والبخاري- الفتح 11 (6527) . (5) البخاري- الفتح 11 (6522) . (6) البخاري- الفتح 11 (6537) واللفظ له، ومسلم (2876) ، والترمذي (2426) . (7) يوم السبع: يوم يطردك عنها السبع وأبقى فيها وحدي لا راعي لها غيري. (8) البخاري- الفتح 7 (3663) واللفظ له. مسلم (2388) . (9) البخاري- الفتح 8 (4663) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 745 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإيمان) 1- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: إنّ الإيمان يبدو لمظة «1» بيضاء في القلب فكلّما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض، فإذا استكمل الإيمان ابيضّ القلب كلّه، والنّفاق يبدو لمظة في القلب، فكلّما ازداد النّفاق عظما ازداد ذلك سوادا، فإذا استكمل النّفاق اسودّ القلب كلّه. وأيم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود. قال واللّمظة هي الذّوقة، وهو أن يلمظ الإنسان بلسانه شيئا يسيرا أي يتذوّقه. ذلك القلب يدخل فيه من الإيمان شيء يسير ثمّ يتّسع فيه فيكثر» ) * «2» . 2- * (قال عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما-: «ثلاث من جمعهنّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السّلام للعالم، والإنفاق من الإقتار» ) * «3» . 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «اللهمّ زدنا إيمانا ويقينا وفقها» ) * «4» . 4- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «اليقين الإيمان كلّه والصّبر نصف الإيمان» ) * «5» . 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «لقد لبثنا برهة من دهر وأحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن تنزل السّورة على محمّد صلّى الله عليه وسلّم فنتعلّم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما يتعلّم أحدكم السّورة. ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يعرف حلاله ولا حرامه ولا آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدّقل «6» » ) * «7» . 6- * (عن جندب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن غلمان حزاورة «8» فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلّم القرآن، ثمّ تعلّمنا القرآن فازددنا به إيمانا» ) * «9» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه   (1) قال ابن الأثير في «النهاية» (4/ 271) : اللّمظة: بالضم مثل النكتة من البياض. (2) شعب الإيمان للبيهقي (1/ 183) رقم (38) وقال مخرجه د. عبد العلي: رجاله ثقات وخرجه ابن أبي شيبة في كتابه الإيمان (605) ولم يتكلم عليه الشيخ ناصر الدين الألباني. وذكره المتقى النهدي في «كنز العمال» (1/ 406) وعزاه لجمع من الأئمة الحفاظ فليراجع. (3) الفتح (1/ 82) . (4) قال الحافظ في الفتح (1/ 48) : رواه أحمد في الإيمان وإسناده صحيح. (5) قال الحافظ في الفتح (1/ 48) : ذكره الطبراني بسند صحيح، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد مرفوعا ولا يثبت رفعه. (6) نثر الدقل: هو رديء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثورا. (7) المستدرك للحاكم (1/ 35) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ابن منده في كتاب الإيمان (1/ 369) واللفظ له. (8) حزاورة: جمع حزور، وحزور هو الصبي الذي قارب البلوغ. (9) ابن ماجة (61) . ابن منده في كتاب الإيمان (1/ 370) ، رقم (208) وقال مخرجه علي بن محمد بن ناصر الفقيهي: حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 746 قال: إنّ عمرو بن أقيش كان له ربا في الجاهليّة فكره أن يسلم حتّى يأخذه فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمّي؟ قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته «1» وركب فرسه، ثمّ توجّه قبلهم، فلمّا رآه المسلمون قالوا: إليك عنّا يا عمرو، قال: إنّي قد آمنت، فقاتل حتّى جرح فحمل إلى أهله جريحا، فجاءه سعد بن معاذ، فقال لأخته: سليه حميّة لقومك أو غضبا لهم أم غضبا لنا. فقال: بل غضب لله ورسوله، فمات فدخل الجنّة وما صنع لله صلاة» ) * «2» . 8- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «الإيمان نزه فمن زنا فارقه الإيمان، فمن راجع نفسه راجعه الإيمان» ) * «3» . 9- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال لابن الدّيلميّ لمّا أتاه يسأله أنّه وقع في نفسي شيء من القدر فحدّثني بشيء لعلّ الله أن يذهبه من قلبي فقال: لو أنّ الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه عذّبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم. ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتّى تؤمن بالقدر وتعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو متّ على غير هذا لدخلت النّار» ) * «4» . 10- * (قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: «مثل المؤمن مثل النّحلة تأكل طيّبا وتضع طيّبا» ) * «5» . 11- * (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: «من أقام الصّلاة، وآتى الزّكاة وأطاع محمّدا، فقد توسّط الإيمان، ومن أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان» ) * «6» . 12- * (قال عمير بن حبيب بن خماشة: «الإيمان يزيد وينقص. فقيل: فما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا ربّنا وخشيناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيّعنا فذلك نقصانه» ) * «7» . 13- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «أنّه حلف بالله الّذي لا إله إلّا هو ما مضى مؤمن قطّ ولا بقي إلّا وهو من النّفاق مشفق، ولا مضى منافق قطّ ولا بقي إلّا وهو من النّفاق آمن» ) * «8» . 14- * (قال عمرو بن عبيد بن عمر: «الإيمان هيوب «9» » ) * «10» . 15- * (قال زيد بن أسلم: «لا بدّ لأهل   (1) لبس لأمته: أي لبس درعه وقيل السلاح ولأمة الحرب أداته. وانظر «النهاية» لابن الأثير (4/ 220) . (2) أبو داود (2537) . وقال الحافظ في الإصابة: ذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهذا إسناده حسن (2/ 526) . وانظر «جامع الأصول» 4/ 549) . (3) الإيمان لابن أبي الدنيا (7) . (4) أبو داود (4699) . ابن ماجة (77) . (5) الإيمان لابن أبي الدنيا (30) . (6) المرجع السابق (43) . (7) الإيمان لابن أبي شيبة (7) . (8) فتح الباري (1/ 111) . وقال: رواه الفريابي وأحمد في كتاب الإيمان له. (9) هيوب: أي يهابه الناس، أو يهاب الذنوب. (10) الإيمان لابن أبي شيبة (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 747 هذا الدّين من أربع: دخول في دعوة الإسلام، ولا بدّ من الإيمان وتصديق بالله وبالمرسلين أوّلهم وآخرهم، وبالجنّة والنّار، وبالبعث بعد الموت، ولا بدّ من أن تعمل عملا تصدّق به إيمانك، ولا بدّ من أن تعلم علما تحسن به عملك، ثمّ قرأ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» ) * «1» . 16- * (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «أصل الإيمان عندنا وفرعه بعد الشّهادة والتّوحيد وبعد الشّهادة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبلاغ وبعد أداء الفرائض: صدق الحديث، وحفظ الأمانة وترك الخيانة، والوفاء بالعهد، وصلة الرّحم، والنّصيحة لجميع المسلمين والرّحمة للنّاس عامّة» ) * «2» . 17- * (وقال- رحمه الله-: «ليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، ولكن ما وقر في القلب وصدّقته الأعمال» ) * «3» . 18- * (عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- قال: «إنّ للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان» ) * «4» . 19- * (قال البخاريّ- رحمه الله تعالى-: «لقيت أكثر من ألف من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أنّ الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص» ) * «5» . من فوائد (الإيمان) (1) الرّضا بالقضاء والصّبر على البلاء إذ كلّه من عند الله. (2) بذل كلّ معروف ومحبوب للرّبّ الخالق، وترك كلّ مكروه له سبحانه. (3) سلامة النّفس من أمراضها والسّكينة والرّضا في القلب. (4) الطّاعة الكاملة مع الحبّ الغامر لمن كان سببا لكلّ خير وهو الرّبّ العظيم سبحانه. (5) ما فات في الدّنيا يعوّض في الاخرة. (6) حبّ ما يحبّه الله- سبحانه وتعالى- من النّبيّين والصّالحين والأعمال والأخلاق، وبغض ما يبغضه الله سبحانه من الأشرار والمفسدين والأعمال والأخلاق؛ لأنّ من أحبّ أحدا أحبّ ما يحبّه وأبغض ما يبغضه. (7) التّسليم الكامل لشرعه بل هوى نفس المؤمن وراحة فؤاده في تحكيم شرعه في القليل والكثير   (1) الإيمان لابن أبي شيبة (45) . (2) السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 376) رقم (817) . (3) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (43) . (4) البخاري معلقا مجزوما به وقال الحافظ في الفتح (1/ 61) : وصله أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان. (5) فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/ 61) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 748 والعظيم والحقير. (8) شرط قبول كلّ الأعمال. (9) نيل الرّضا والحبّ والإنعام من الله- عزّ وجلّ. (10) الحياة الطّيّبة في الدّنيا والفوز بالجنّة في الاخرة. (11) الفطنة والحذر من لوازم الإيمان. (12) الإيمان ينجّي من دخول النّار ومن البقاء فيها. (13) الإيمان الكامل يستلزم العمل الصّالح. (14) الإيمان هو التّطبيق الفعليّ للإسلام فمن أسلم بلسانه لا بدّ أن يصدّق بقلبه ويعمل بجوارحه حتّى يكون مؤمنا «قل آمنت بالله ثمّ استقم» . (15) يولّد الإيمان الحقيقيّ حلاوة في القلب تجعل صاحبها لا ينفكّ عن تحصيل أسبابها. (16) يجعل النّفس مطمئنّة راضية قانعة بما يقدّره الله ويقضيه عليها ولها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 749 [ حرف الباء ] البر / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 14/ 43/ 5/ البر لغة: البرّ مصدر برّ يبرّ وهو مأخوذ من مادّة (ب ر ر) الّتي تدلّ على معان عديدة، ومن هذه المعاني الصّدق، يقول ابن فارس: «فأمّا الصّدق فقولهم: صدق فلان وبرّ، وبرّت يمينه صدقت، وأبرّها أمضاها على الصّدق، وتقول برّ الله حجّك وأبرّه، وحجّة مبرورة أي قبلت قبول العمل الصّادق، ومن ذلك قولهم: يبرّ ربّه أي يطيعه وهو من الصّدق، قال الشّاعر: لا همّ لولا أنّ بكرا دونكا ... يبرّك النّاس ويفجرونكا «1» . ومنه قوله تعالى لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (البقرة/ 177) . وقال القرطبيّ في تفسير هذه الاية: البرّ هنا اسم جامع للخير، وتقدير الاية «ولكنّ البرّ برّ من آمن» حذف المضاف كما حذف في قوله سبحانه وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (يوسف/ 82) أي أهل القرية، وقيل المعنى: «ولكنّ ذا البرّ» كما في قوله تعالى هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ (آل عمران/ 163) ، وذلك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة وفرضت الفرائض، وصرفت القبلة إلى الكعبة، وحدّت الحدود أنزل الله هذه الاية فقال (ما معناه) : ليس البرّ كلّه أن تصلّوا، ولا تعملوا (شيئا) غير ذلك، ولكنّ ذا البرّ من آمن بالله ... إلخ. قال بذلك ابن عبّاس ومجاهد والضّحّاك وغيرهم، ويجوز أن يكون البرّ بمعنى البارّ والبرّ، لأنّ المصدر قد يطلق ويراد به اسم الفاعل، كما يقال: رجل عدل أي عادل، وفي التنزيل العزيز: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً (الملك/ 30) أي غائرا، وهذا اختيار أبي عبيدة «2» . وأمّا قول النّابغة: عليهنّ شعث عامدون لبرّهم فقالوا: أراد الطّاعة وقيل: أراد الحجّ.. وقولهم للسّابق: الجواد المبرّ هو من هذا؛ لأنّه إذا جرى صدق وإذا حمل عليه صدق «3» . ومن معاني البرّ أيضا حسن الخلق كما جاء في الحديث «البرّ حسن الخلق» والبرّ الخير، والبرّ: الصّلاح، يقال برّ يبرّ إذا صلح، والبرّ: الصّلة، يقال: برّ رحمه يبرّه إذا وصله، والبرّ الطّاعة، كما في قولهم: برّ ربّه، يقال: رجل برّ بذي قرابته. وبارّ من قوم بررة   (1) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (1/ 176) . (2) تفسير القرطبي 2/ 238. (3) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس 1/ 176. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 750 وأبرار، والمصدر البرّ. وتبارّوا، تفاعلوا: من البرّ، وفي حديث الاعتكاف: «آلبرّ يردن» ، أي الطّاعة والعبادة، ومنه الحديث: «ليس من البرّ الصّيام في السّفر» . وفي كتاب قريش والأنصار: وإنّ البرّ دون الإثم أي أنّ الوفاء بما جعل على نفسه دون الغدر والنّكث. وبرّت يمينه: صدقت. وأبرّها: أمضاها على الصّدق. والبرّ: الصّادق «1» . البر اصطلاحا: وقد اختلف العلماء في تفسير البرّ فقال بعضهم: البرّ الصّلاح، وقال بعضهم: البرّ الخير، قال ابن منظور: ولا أعلم تفسيرا أجمع منه؛ لأنّه يحيط بجميع ما قالوا، قال: وجعل لبيد البرّ التّقى حيث يقول: وما البرّ إلّا مضمرات من التّقى. قال أبو منصور: البرّ خير الدّنيا والاخرة فخير الدّنيا ما ييسّره الله تعالى للعبد من الهدى والنّعمة والخيرات، وخير الاخرة الفوز بالنّعيم الدّائم في الجنّة، جمع الله لنا بينهما بكرمه ورحمته «2» . قال ابن الأثير في أسماء الله تعالى (البرّ) وهو العطوف على عباده ببرّه ولطفه «3» . والأبرار معناها المتّقون «4» . مسمّى البرّ وعلاقته بالإيمان: قال الإمام ابن تيميّة: لفظ البرّ إذا أطلق تناول جميع ما أمر الله به كما في قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (الانفطار/ 13) ، وقوله سبحانه: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى (البقرة/ 189) ، وأيضا فإنّ البرّ إذا أطلق كان مسمّاه مسمّى التّقوى، والتّقوى إذا أطلقت كان مسمّاها مسمّى البرّ ثمّ قد يجمع بينهما كما في قوله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى «5» (المائدة/ 2) ، فعطف التّقوى على البرّ، وعطف الشّيء على الشّيء في القرآن الكريم وسائر الكلام يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع اشتراكهما في الحكم الّذي ذكر لهما «6» ، وقد يكون مسمّاه إذا أطلق هو مسمّى الإيمان فقد روي أنّهم سألوا عن الإيمان فأنزل الله هذه الاية لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (البقرة/ 177) ، وقد فسّر البرّ بالإيمان،   (1) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 588) والنهاية لابن الأثير (1/ 116) . ولسان العرب لابن منظور (4/ 51- 54) . (2) النهاية لابن الأثير (1/ 116) (3) انظر النهاية لابن الأثير (1/ 116) . (4) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 171) . (5) الفتاوى 7/ 165. (6) الفتاوى 7/ 172 وقد ذكر هنا أنواع المغايرة، وذكر أن أعلاها التباين، وأدناها عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين ويقع بينهما عطف الشيء على لازمه وعطف الجزء على الكل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 751 وفسّر بالتّقوى، وفسّر بالعمل الّذي يقرّب إلى الله، والجميع حقّ، فقد روي مرفوعا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه فسّر البرّ بالإيمان وجاء فى الأثر أنّ رجلا جاء إلى أبي ذرّ فسأله عن الإيمان فقرأ الاية السّابقة لَيْسَ الْبِرَّ ... إلخ الاية فقال الرّجل: ليس عن البرّ سألتك، فقال (أبو ذرّ) : جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن الّذي سألتني عنه، فقرأ الّذي قرأت عليك، فقال له الّذي قلت لي، فلمّا أبى أن يرضى قال له: إنّ المؤمن الّذي إذا عمل الحسنة سرّته، ورجا ثوابها، وإذا عمل السّيّئة ساءته وخاف عقابها «1» . والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يشير في هذا الحديث إلى ما يسبّبه فعل الحسنة أو الخير من إحساس نفسيّ بالسّعادة، وما يعقبه من راحة قلبيّة غامرة، الأمر الّذي يعكس بدوره فاعليّة الإيمان- وكذلك البرّ الّذي بمعناه- في تنمية قوّة الشّعور بالالتزام الخلقيّ تجاه عمل الخير، كما ترى أبعاد هذا الشّعور لدى النّفس المؤمنة، حتّى إذا ما عمل هذا المؤمن عملا خلقيّا فاضلا، ظهرت عليه الاثار النّفسيّة النّاتجة عن إنجاز ذلك العمل من سرور وسكينة، والأمر بالعكس بالنّسبة لفعل السّيّئة أو الشّرّ، لأنّ الأصداء النّفسيّة الّتي يسبّبها تراخي قبضة الإلزام الخلقيّ، والتّهاون فيه، تظهر سماتها في مظاهر الحزن والهمّ والقلق الّتي تبدو لدى المؤمن «2» . أنواع البرّ: والبرّ نوعان: صلة، ومعروف. فأمّا الصّلة: فهي التّبرّع ببذل المال في الجهات المحدودة لغير عوض مطلوب، وهذا يبعث عليه سماحة النّفس وسخاؤها، ويمنع منه شحّها وإباؤها قال الله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) . وأمّا النّوع الثّاني من البرّ فهو: المعروف: ويتنوّع أيضا نوعين: قولا وعملا. فأمّا القول: فهو طيب الكلام وحسن البشر، والتّودّد بجميل القول، وهذا يبعث عليه حسن الخلق، ورقّة الطّبع، ويجب أن يكون محدودا كالسّخاء؛ فإنّه إن أسرف فيه كان ملقا مذموما وإن توسّط واقتصد فيه كان معروفا وبرّا محمودا. وأمّا العمل: فهو بذل الجاه والمساعدة بالنّفس والمعونة في النّائبة، وهذا يبعث عليه حبّ الخير للنّاس وإيثار الصّلاح لهم، وليس في هذه الأمور سرف ولا لغايتها حدّ بخلاف النّوع الأوّل؛ لأنّها وإن كثرت فهي أفعال خير تعود بنفعين: نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذّكر، ونفع على المعان بها في التّخفيف عنه والمساعدة له «3» . وجوه استعمال البر في القرآن الكريم: ورد البرّ في القرآن الكريم على أوجه منها: أوّلا: البرّ بالفتح أربعة: الأوّل: بمعنى الصّادق جلّ اسمه وعلا: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (الطور/ 28 مكية) .   (1) الفتاوى 7/ 181. (2) النظرية الخلقية عند ابن تيمية لمحمد عبد الله عفيفي ص 91- 92. (3) أدب الدنيا والدين للماوردي (184 و200- 215) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 752 الثّاني: في مدح عيسى عليه السّلام: وَبَرًّا بِوالِدَتِي (مريم/ 32 مكية) . الثّالث: في مدح يحيى بن زكريّا: وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ (مريم/ 14 مكية) . الرّابع: في ساكني ملكوت السّماء: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ (عبس/ 15، 16 مكية) . ثانيا: أمّا البرّ بالكسر فأربعة: الأوّل: بمعنى البارّ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (البقرة/ 177 مدنية) الثّاني: بمعنى الخير: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92 مدنية) . الثّالث: بمعنى الطّاعة والخير: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ (البقرة/ 44 مدنية) الرّابع: بمعنى تصديق اليمين: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا (البقرة/ 224 مدنية) . وقد جاء البرّ في معنى صلة الرّحم: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ (الممتحنة/ 8 مدنية) . أي تصلوا أرحامكم «1» . قال الماورديّ- رحمه الله-: إنّ البرّ من أسباب الألفة: لأنّه يوصّل إلى القلوب ألطافا يثنّيها محبّة وانعطافا، ولذلك ندب الله تعالى إلى التّعاون به، وقرنه بالتّقوى له، فقال سبحانه وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى (المائدة/ 2) لأنّ له في التّقوى رضا الله تعالى، وفي البرّ رضا النّاس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا النّاس، فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته. [للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- بر الوالدين- التقوى- حسن الخلق- حسن المعاملة- حسن العشرة- الصدقة- صلة الرحم- التقوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: قطيعة الرحم- عقوق الوالدين- البخل- الشح- سوء الخلق- سوء المعاملة] .   (1) بصائر ذوي التمييز (2/ 211) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 753 الآيات الواردة في «البر» البر بمعنى الطاعة وفعل الخيرات: 1- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «1» 2- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) «2» 3- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «4» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) «5» البر بمعنى صلة الرحم: 6- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «6» البر بمعنى تصديق اليمين: 7- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) «7»   (1) البقرة: 177 مدنية (2) البقرة: 189 مدنية (3) آل عمران: 92 مدنية (4) المائدة: 2 مدنية (5) المجادلة: 9 مدنية (6) الممتحنة: 8- 9 مدنية (7) البقرة: 242 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 754 البر من صفات المولى- عز وجل-: 8- إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) «1» البر من صفات الملائكة: 9- وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «2» ما أعده الله لمن اتصف بالبر: 10- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) «3» 11- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198) «4» 12- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) «5» 13- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (15) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (16) «6» 14- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19) كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) «7»   (1) الطور: 28 مكية (2) عبس: 8- 16 مكية (3) آل عمران: 193- 194 مدنية (4) آل عمران: 196- 198 مدنية (5) الإنسان: 5- 12 مدنية (6) الانفطار: 13- 16 مكية (7) المطففين: 18- 28 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 755 الأحاديث الواردة في (البر) 1- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: «أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع. ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض، واتّباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الدّاعي، وإفشاء السّلام، ونهانا عن خواتيم، أو عن تختّم بالذّهب، وعن شرب بالفضّة، وعن المياثر «1» ، وعن القسّيّ «2» وعن لبس الحرير والإستبرق والدّيباج» ) * «3» . 2- * (عن رفاعة- رضي الله عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى فإذا النّاس يتبايعون، بكرة فناداهم: «يا معشر التّجّار» ، فلمّا رفعوا أبصارهم ومدّوا أعناقهم قال: «إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلّا من اتّقى الله وبرّ وصدق» ) * «4» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه دفع مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة فسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: «أيّها النّاس، عليكم بالسّكينة فإنّ البرّ ليس بالإيضاع «5» » ) * «6» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال أهللنا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحجّ خالصا ليس معه عمرة، فقدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صبح رابعة مضت من ذي الحجّة. فأمرنا أن نحلّ. قال عطاء: قال «حلّوا وأصيبوا النّساء» . قال عطاء: ولم يعزم عليهم. ولكن أحلّهنّ لهم فقلنا: لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلّا خمس، أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنيّ. قال: فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فينا. فقال: «قد علمتم أنّي أتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم. ولولا هديي لحللت كما تحلّون. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فحلّوا» فحللنا وسمعنا وأطعنا. قال جابر: فقدم عليّ من سعايته «7» . فقال: «بم أهللت؟» قال: بما أهلّ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأهد وامكث حراما» قال: وأهدى له عليّ هديا. فقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: «لا أبد» «8» ) * «9» . 5- * (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البرّ والإثم،   (1) المياثر: جمع ميثرة وهي مراكب للعجم تعمل من ديباج أو حرير سواء كانت على رحل أو سرج. (2) القسّيّ: وهي ثياب من حرير تجلب من مصر، وهي تنسب إلى اسم القرية التي جلبت منها واسمها القس. لسان العرب (4/ 3625) . والقسي: بفتح القاف وكسرها. (3) البخاري- الفتح 11 (6235) ، مسلم (2066) واللفظ له (4) ابن ماجة (2146) . وصححه الألباني. (5) الإيضاع: الإسراع. (6) البخاري- الفتح 3 (1671) واللفظ له. ومسلم (1282) . (7) من سعايته: أي من عمله في السعي في الصدقات. (8) اختلف العلماء في معناه. وأصحها وبه قال الجمهور. أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة. وفيه بيان إبطال ما كانت الجاهليّة تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج. والثاني معناه جواز القران. وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة. (9) البخاري- الفتح 13 (7367) . مسلم (1216) واللفظ بعضه للبخاري وبعضه لمسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 756 فقال: «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك «1» في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس» ) * «2» . 6- * (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة» قيل: وما برّه؟ قال: «إطعام الطّعام وطيب الكلام» ) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت ليلة أسري بي عفريتا من الجنّ يطلبني بشعلة من نار، كلّما التفتّ إليه رأيته» . فقال جبريل: ألا أعلّمك كلمات تقولهنّ، فتنطفىء شعلته ويخرّ لفيه؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى» فقال جبريل: قل: أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السّماء ومن شرّ ما يعرج فيها، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض ومن شرّ ما يخرج منها، ومن فتن اللّيل والنّهار، ومن طوارق اللّيل «4» ، إلّا طارقا يطرق بخير يا رحمن» ) * «5» . 8- * (عن محمّد بن عمرو بن عطاء، قال: سمّيت ابنتي برّة. فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن هذا الاسم، وسمّيت برّة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزكّوا أنفسكم. الله أعلم بأهل البرّ منكم» فقالوا: بم نسمّيها؟ قال: «سمّوها زينب» ) * «6» . 9- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ «7» . وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة. وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا. وإيّاكم والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنّ الفجور يهدي إلى النّار. وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا» ) * «8» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما «9» ، والحجّ المبرور «10» ليس له جزاء إلّا الجنّة» ) * «11» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة   (1) حاك: أي تحوك فيه وتردد، ولم ينشرح له الصدر وحصل في القلب منه الشك وخوف كونه ذنبا. (2) مسلم (2553) . (3) قال الحافظ الدمياطي: رواه أحمد والطبراني بإسناد حسن. وابن خزيمة والحاكم باختصار، وقال: صحيح الإسناد. انظر المتجر الرابح (ص: 286، 287) . (4) طوارق الليل: الطوارق جمع طارقة، وهي ما ينوب من النوائب في الليل. (5) أحمد في المسند (2/ 419) وقال محقق جامع الأصول (4/ 367) : حديث حسن. (6) مسلم (2142) . (7) البر: اسم جامع للخير كله. وقيل: البر الجنة. (8) البخاري- الفتح 10 (6094) . ومسلم (2607) واللفظ له. (9) كفارة لما بينهما: أي من الذنوب غير الكبائر. (10) والحج المبرور: الذي لا يخالطه إثم، أو المتقبل الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق. (11) البخاري- الفتح 3 (4372) ، ومسلم (1349) واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 757 المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الاية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ الله تبارك وتعالى يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء «1» ، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «2» . 12- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر. كبّر ثلاثا ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين «3» * وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل. اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء «4» السّفر وكابة «5» المنظر، وسوء المنقلب «6» في المال والأهل» . وإذا رجع قالهنّ وزاد فيهنّ «آيبون، تائبون، عابدون، لربّنا حامدون» ) * «7» . 13- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزيد في العمر إلّا البرّ، ولا يردّ القدر إلّا الدّعاء، وإنّ الرّجل ليحرم الرّزق بخطيئة يعملها» ) * «8» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استلجّ «9» في أهله بيمين فهو أعظم إثما، ليبرّ» يعني الكفّارة) * «10» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «11» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «12» ، يغضب لعصبة «13» ، أو يدعو إلى   (1) بيرحاء: موضع بالمدينة. (2) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له، ومسلم (998) . (3) وما كنا له مقرنين: معنى مقرنين: أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا. (4) وعثاء: المشقة والشدة. (5) وكابة: هي تغير النفس من حزن ونحوه. (6) المنقلب: المرجع. (7) مسلم (1342) . (8) الترمذي (2139) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (90) وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (73) . والحاكم في المستدرك (1/ 493) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصحّح محقق «جامع الأصول» (9/ 512) لفظ الترمذي منه. (9) استلج في أهله بيمين: استلج بمعنى استفعل من اللجاج، وهو التمادي في الأمر، فمن حلف على شيء ورأى أن غيره خير منه فيقيم على يمينه ولا يحنث فهو آثم، وهو إذا حنث يحصل له البر بأداء الكفارة عن اليمين الذي حلفه. (10) البخاري- الفتح 11 (6626) . (11) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. (12) عمية: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. (13) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره. لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 758 عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة. ومن خرج على أمّتي، يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاشى «1» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه» ) * «2» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الماهر بالقرآن «3» مع السّفرة الكرام البررة «4» . والّذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه «5» ، وهو عليه شاقّ له أجران» ) * «6» . 17- * (عن نبيشة- رضي الله عنه- نادى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّا كنّا نعتر عتيرة في الجاهليّة «7» في رجب فما تأمرنا؟ قال: «اذبحوا لله في أيّ شهر كان، وبرّوا الله- عزّ وجلّ- وأطعموا» قال: إنّا كنّا نفرّع «8» فرعا في الجاهليّة فما تأمرنا؟ قال: «في كلّ سائمة فرع تغذوه ما شيتك حتّى إذا استحمل» ) * «9» . 18- * (قالت عائشة- رضي الله عنها- سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هجاهم حسّان فشفى واشتفى» . قال حسّان: هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمّدا برّا «10» تقيّا ... رسول الله شيمته الوفاء فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء) * «11» .   (1) ولا يتحاشى: أي لا يخاف وباله وعقوبته. (2) مسلم (1848) . (3) الماهر بالقرآن: هو الحاذق الكامل الحفظ. الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه. (4) مع السفرة الكرام البررة: السفرة جمع سافر، والسافر الرسول. والسفرة الرسل؛ لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله. والبررة: المطيعون. من البر. وهو الطاعة. (5) ويتتعتع فيه: هو الذي يتردد في قراءته، ويتبلد فيها لسانه. (6) مسلم (798) . (7) نعتر عتيرة في الجاهلية: العتيرة ذبيحة كانوا يقدمونها لالهتهم في شهر رجب، وقد نهى عنها الإسلام كما نهى عن الفرعة. (8) نفرع فرعا: من أفرع، أي: نذبح فرعا. والفرع هو أول ما تلد الناقة، وكانوا يذبحون ذلك لالهتهم في الجاهلية ثم نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك. (9) النسائي (7/ 169) . وأبو داود (2830) وصححه الألباني صحيح سنن أبي داود (2454) وقال نصرة «استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت بلحمه» . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 507) : إسناده حسن. (10) برّا: البر الواسع الخير والنفع. وهو مأخوذ من البر بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان، وهو اسم جامع للخير. وقيل: البر هنا بمعنى المتنزه عن الماثم. (11) مسلم (2490) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 759 الأحاديث الواردة في (البر) معنى 19- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعون خصلة، أعلاهنّ منيحة العنز «1» ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله الله بها الجنّة» ) * «2» . 20- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطّعام وتقرأ السّلام على من عرفت ومن لم تعرف» ) * «3» . 21- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عمر بن الخطّاب، أصاب أرضا بخيبر فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستأمره فيها «4» ، فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قطّ أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: «إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها» قال: فتصدّق بها عمر أنّه لا يباع ولا يوهب ولا يورث وتصدّق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرّقاب وفي سبيل الله وابن السّبيل والضّيف ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم، غير متموّل «5» » ) * «6» . 22- * (عن سعد بن الأطول؛ أنّ أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم. وترك عيالا. فأردت أن أنفقها على عياله. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخاك محتبس بدينه فاقض عنه» فقال: يا رسول الله قد أدّيت عنه إلّا دينارين، ادّعتهما امرأة وليس لها بيّنة. قال: «فأعطها فإنّها محقّة» ) * «7» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل، يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطّريق فأخّره. فشكر الله له فغفر له» وقال: «الشّهداء خمسة: المطعون «8» ، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشّهيد في سبيل الله- عزّ وجلّ-» ) * «9» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثمّ خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثّرى من العطش فقال الرّجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفّة ثمّ أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له» . قالوا: يا رسول الله، وإنّ لنا   (1) منيحة العنز: بمعنى المنحة، وفي الحديث «أفضل الصدقة المنيحة تغدو بعساء وتروح بعساء» . (2) البخاري- الفتح 5 (2631) . (3) البخاري- الفتح 1 (12) . ومسلم (39) . (4) يستأمره: أي يستشيره طالبا في ذلك أمره. (5) غير متمول أي غير متأثل مالا. (6) البخاري- الفتح 5 (2737) واللفظ له. ومسلم (1632) . (7) ابن ماجة (2433) . وفي الزوائد: إسناده صحيح. (8) المطعون: الذي يموت في الطاعون. (9) البخاري- الفتح 5 (2472) . ومسلم (1914) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 760 في البهائم أجرا؟، فقال: «في كلّ ذات كبد رطبة أجر» ) * «1» . 25- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا. قالوا: تذكّر. قال: كنت أداين النّاس فامر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوّزوا عن الموسر. قال: قال الله- عزّ وجلّ-: تجوّزوا عنه» ) * «2» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «السّاعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» . وأحسبه. قال: «وكالقائم لا يفتر وكالصّائم لا يفطر» ) * «3» . 27- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرضت عليّ أعمال أمّتي، حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق. ووجدت في مساوئ أعمالها النّخامة «4» تكون في المسجد لا تدفن» ) * «5» . 28- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «6» » ) * «7» . 29- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قدم علينا عبد الرّحمن بن عوف وآخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع، وكان كثير المال. فقال سعد: قد علمت الأنصار أنّي من أكثرها مالا، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلّقها حتّى إذا حلّت تزوّجتها. فقال عبد الرّحمن: بارك الله لك في أهلك. فلم يرجع يومئذ حتّى أفضل شيئا من سمن وأقط. فلم يلبث إلّا يسيرا حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه وضر من صفرة «8» . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهيم «9» » . قال: تزوّجت امرأة من الأنصار. قال: «ما سقت فيها؟» قال: وزن نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال: «أولم ولو بشاة» ) * «10» . 30- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة لي، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟ فقال: «لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير أو كثير. إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة   (1) البخاري- الفتح 10 (6009) واللفظ له، ومسلم (2244) . (2) البخاري- الفتح 4 (7702) . ومسلم (1560) . (3) البخاري- الفتح 10 (6007) . ومسلم (2982) . (4) النخامة: هي البزقة تخرج من أصل الفم مما يلي أصل النخاع. (5) مسلم (553) . (6) بوجه طلق: أي سهل منبسط. (7) مسلم (2626) . (8) وضر من صفرة: أي أثر من زعفران. (9) مهيم: كلمة يستفهم بها، معناها ما حالك وما شأنك؟ (10) البخاري- الفتح 7 (3781) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 761 يتكفّفون النّاس «1» ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» . فقلت: يا رسول الله، أخلّف بعد أصحابي؟ قال: «إنّك لن تخلّف «2» ، فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون. اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم لكن البائس سعد ابن خولة» رثى له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة) * «3» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة. كلّ يوم تطلع فيه الشّمس» قال: «تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرّجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة» قال: «والكلمة الطّيّبة صدقة، وكلّ خطوة تمشيها إلى الصّلاة صدقة، وتميط الأذي عن الطّريق صدقة» ) * «4» . 32- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ معروف صدقة» ) * «5» . 33- * (عن زينب امرأة عبد الله- رضي الله عنهما- قالت: كنت في المسجد فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «تصدّقن ولو من حليّكنّ» وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيجزأ عنّي أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصّدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي، فمرّ علينا بلال، فقلنا: سل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيجزأ عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا: لا تخبر بنا. فدخل فسأله، فقال: «من هما؟» قال: زينب. قال: «أيّ الزّيانب؟» قال: امرأة عبد الله. قال: «نعم ولها أجران: أجر القرابة وأجر الصّدقة» ) * «6» . 34- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلّا كان له به صدقة» ) * «7» . 35- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استعاذ بالله فأعيذوه. ومن سألكم بالله فأعطوه. ومن استجار بالله فأجيروه. ومن آلى إليكم معروفا «8» فكافئوه. فإن لم تجدوا فادعوا له حتّى تعلموا أن قد كافأتموه» ) * «9» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل   (1) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم إليهم. (2) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه. (3) البخاري- الفتح 5 (2744) . ومسلم (1628) . (4) البخاري- الفتح 5 (2707) . ومسلم (1009) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 10 (6021) . ومسلم (1005) . (6) البخاري- الفتح 3 (1466) . ومسلم (1000) . (7) البخاري- الفتح 5 (2320) . ومسلم (1553) . (8) آلى معروفا إلى فلان: قدمه له. (9) النسائي (5/ 82) وصححه الألباني صحيح سنن النسائي (2407) وهو في الصحيحة له (254) . وأبو داود (4813) . وصححه محقق «جامع الأصول» (11/ 692) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 762 الله نودي من أبواب الجنّة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة «1» ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم» ) * «2» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «من منح منيحة غدت بصدقة وراحت بصدقة صبوحها «3» وغبوقها «4» » ) * «5» . 38- * (عن أمّ بجيد- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله- صلّى الله عليك- إنّ المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئا أعطيه إيّاه؟ فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لم تجدي شيئا تعطينه إيّاه إلّا ظلفا محرّقا «6» فادفعيه إليه فى يده» ) * «7» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أصابني جهد شديد فلقيت عمر بن الخطّاب فاستقرأته آية من كتاب الله، فدخل داره وفتحها عليّ، فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على رأسي، فقال: «يا أبا هريرة» فقلت: لبّيك رسول الله وسعديك، فأخذ بيدي فأقامني وعرف الّذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعسّ من لبن «8» فشربت منه. ثمّ قال: «عد فاشرب يا أبا هرّ» ، فعدت فشربت، ثمّ قال: «عد» ، فعدت فشربت حتّى استوى بطني فصار كالقدح «9» ، قال: فلقيت عمر وذكرت له الّذي كان من أمري، وقلت له تولّى ذلك «10» من كان أحقّ به منك يا عمر، والله لقد استقرأتك الاية ولأنا أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك أحبّ إليّ من أن يكون لي مثل حمر النّعم» ) * «11» . 40- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «12» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ   (1) من ضرورة: أي من ضرر. (2) البخاري- الفتح 4 (1897) واللفظ له، ومسلم (1027) . (3) الصبوح: ما حلب من اللبن بالغداة. (4) والغبوق: ما حلب من اللبن بالعشي. (5) مسلم (1020) . (6) ظلفا محرقا: الظلف خف الشاة، ومحرقا مبالغة في غاية ما يعطى من القلة. (7) أبو داود (1667) . والترمذي (665) وقال: حديث حسن صحيح. (8) العسّ: القدح الكبير. (9) القدح- بكسر القاف وسكون الدال. هو السهم الذي لا ريش له. (10) وفي رواية: «تولّى الله ذلك» الفتح (9/ 430) ، وفي أخرى: «فولّى الله ذلك من كان أحقّ منك يا عمر» البخاري (ط. البغا، 5/ 2056) . (11) البخاري- الفتح 9 (5375) . (12) الجهد: الجوع والمشقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 763 صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة. وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «1» في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم ثمّ أتى المسجد فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم ير فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الان يدعو عليّ فأهلك. فقال: «اللهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني» . قال فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «2» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ. فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة. فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟ قال: قلت يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك يا مقداد» فقلت: يا رسول الله، كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله. أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك، من أصابها من النّاس) * «3» . 41- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ أباه توفّي وعليه دين فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلّا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكيلا يفحش عليّ الغرماء، فمشى حول بيدر «4» من بيادر التّمر فدعا ثمّ آخر ثمّ جلس عليه فقال: «انزعوه» فأوفاهم الّذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم) * «5» . 42- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له؛ قال: إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا   (1) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه. (2) حافلة: كثيرة اللبن. (3) مسلم (2055) . (4) البيدر: البيدر للتمر كالجرن للحب. (5) البخاري- الفتح 6 (3580) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 764 ويغزو معنا ويواسينا بالقليل والكثير» ) * «1» . 43- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال أبو طلحة لأمّ سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير، ثمّ أخرجت خمارا لها فلفّت الخبز ببعضه، ثمّ دسّته تحت يدي ولاثتني «2» ببعضه ثمّ أرسلتني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد ومعه النّاس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آرسلك أبو طلحة؟» فقلت: نعم. قال: «بطعام؟» قلت: نعم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن معه: «قوموا» فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتّى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس، وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتّى لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلمّي يا أمّ سليم ما عندك» فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففتّ، وعصرت أمّ سليم عكّة فأدمته «3» ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه ما شاء الله أن يقول، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» ، فأذن لهم فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» ، فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا. ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأكل القوم كلّهم حتى شبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (البر) 1- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «توشك القرى أن تخرب وهي عامرة. قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارها أبرارها وساد القبيلة منافقوها» ) * «5» . 2- * (قال كعب الأحبار: «لولا كلمات أقولهنّ لجعلتني يهود حمارا، فقيل له: وما هنّ؟ قال: أعوذ بوجه الله العظيم، الّذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ» ) * «6» .   (1) أحمد في المسند (1/ 378) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (2) ولا ثتني ببعضه: أي لفتني به، يقال لاث العمامة على رأسه أي عصبها، والمراد أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على إبطه. في الفتح «ولا تثني» والصواب «ولاثتني» (3) وعصرت أم سليم عكة فأدمته: أي صيرت ما خرج من العكة له إداما، والعكة بضم المهملة وتشديد الكاف إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل. (4) البخاري- الفتح 6 (3578) . ومسلم (2040) . (5) الجواب الكافي (53) . (6) جامع الأصول (4/ 372) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 765 3- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (المؤمنون/ 60) قال: كانوا يعملون ما عملوا من أنواع البرّ وهم مشفقون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب الله» ) * «1» . ومن أقوال الشعراء في البر: 4- * (أنشد أبو الحسن الهاشميّ: النّاس كلّهم عيا ... ل الله تحت ظلاله فأحبّهم طرّا إلي ... هـ أبرّهم لعياله* «2» . 5- * (قال الشّاعر: إنّ المكارم أخلاق مطهّرة ... فالعقل أوّلها، والدّين ثانيها والعلم ثالثها، والحلم رابعها ... والجود خامسها، والعرف ساديها «3» والصّبر سابعها، والبرّ ثامنها ... والشّكر تاسعها واللّين عاشيها «4» والنّفس تعلم أنّي لا أصدّقها ... ولست أرشد إلّا حين أعصيها) * من فوائد (البر) (1) طريق موصل إلى الجنّة. (2) زيادة في العمر وبركة في المال والنّسل. (3) من أسباب سعادة المرء في الدّارين. (4) دليل على حسن الخاتمة. (5) نيل محبّة النّاس ومحبّة الله- عزّ وجلّ-. (6) البرّ يؤدّي إلى الألفة وشيوع روح المحبّة في المجتمع. (7) التّاجر البارّ يخرج من زمرة الفجّار يوم القيامة. (8) الأبرار تعمر بهم الأرض وذلك بخلاف الفجّار الّذين يخرّبونها وهي عامرة. (9) البرّ ينجّي من العذاب يوم القيامة. (10) البرّ إحدى الصّفات الّتى لا تكتمل مكارم الأخلاق إلّا بها وهو أعلى درجات الصّدق. (11) بالبرّ تطمئنّ النّفوس الحائرة وتهدأ القلوب الفزعة وتستقرّ الجماعات.   (1) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (1/ 390) . (2) أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 184) . (3) ساديها: يعني سادسها. (4) عاشيها: يعني عاشرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 766 بر الوالدين / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 8/ 32/ 9/ بر الوالدين لغة: البرّ مصدر مأخوذ من مادّة «ب ر ر» الّتي يقول عنها ابن فارس: الباء والرّاء في المضاعف أربعة أصول (أي لها أربعة معان أصليّة) هي: الصّدق، وحكاية صوت، وخلاف البحر، ونبت. ويرجع برّ الوالدين إلى المعنى الأوّل وهو الصّدق. يقول صاحب المقاييس: فأمّا الصّدق فقولهم صدق فلان وبرّ، وبرّت يمينه: صدقت، وأبرّها أمضاها على الصّدق، وتقول برّ الله حجّك وأبرّه، وحجّة مبرورة أي قبلت قبول العمل الصّادق، ومن ذلك قولهم: يبرّ ربّه أي يطيعه وهو من الصّدق، ومن هذا الباب قولهم: هو يبرّ (والديه) وذا قرابته، وأصله الصّدق في المحبّة يقال (في الوصف منه) رجل برّ وبارّ «1» وجمع البرّ أبرار وجمع البارّ بررة «2» وجاء في الصّحاح: البرّ خلاف العقوق تقول بررت والدي (بفتح الرّاء الأولى وكسرها) أبرّه برّا فأنا برّ به وبارّ به والمضارع منه على وزن يفعل عند من يكسر الرّاء وعلى وزن يفعل عند من يفتحها تقول: قد برّ والده يبرّه ويبرّه برّا فيبرّ على بررت ويبرّ على بررت «3» ، والبرّ إذا أضيف إلى الوالدين أو ذي القرابة كان معناه ضدّ العقوق يقول ابن منظور: وهو (البرّ) في حقّهما وحقّ الأقربين من الأهل ضدّ العقوق «4» ومن معاني البرّ أيضا: الصّلة، والجنّة، والخير، والطّاعة، والحجّ، والاتّساع في الإحسان، وحسن الخلق «5» ، وفي التّنزيل العزيز: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (الطور/ 28) قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى: البرّ وهو العطوف على عباده ببرّه أي بإحسانه ولطفه «6» . البر بالوالدين اصطلاحا: الإحسان إلى الوالدين والتّعطّف عليهما والرّفق بهما والرّعاية لأحوالهما وعدم الإساءة إليهما، وإكرام صديقهما من بعدهما «7» . وقد جاء البرّ في القرآن الكريم بمعنى صلة   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 78) . (2) الصحاح للجوهري (2/ 588) ، والقاموس المحيط (444) ، ولسان العرب «برر» (253) ط. دار المعارف. وقد اقتصر فى الصحاح على لغة الكسر (بررت) ومن ثم يكون المضارع بالفتح لا غير. (3) اللسان «برر» (253) . (4) وقد عرف ابن منظور العقوق هنا بأنه «الإساءة إليهم والتضييع لحقوقهم. انظر اللسان الموضع السابق. (5) انظر مادة (ب ر ر) فى المعاجم الاتية: الصحاح، المقاييس، اللسان، القاموس (6) ، النهاية (1/ 116) . (6) النهاية (1/ 116) . (7) بصائر ذوي التمييز، للفيروز ابادي (2/ 211) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 767 الرّحم- أيضا- قال الله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ (الممتحنة/ 8 مدنية) . أي تصلوا أرحامكم. من صور بر الوالدين: أورد القرطبي- رحمه الله- في تفسيره كلاما كثيرا مفاده: 1- أنّ الله أمر بعبادته وتوحيده، وجعل برّ الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره، فقال: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (الإسراء/ 23) ، وقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان/ 14) . وقد أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ برّ الوالدين أفضل الأعمال بعد الصّلاة الّتي هي أعظم دعائم الإسلام. 2- من البرّ بهما والإحسان إليهما ألّا يتعرّض لسبّهما ولا يعقّهما. 3- وعقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أنّ برّهما موافقتهما على أغراضهما. وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المندوب. 4- أنّ برّ الوالدين متساو عند بعض الفقهاء الشّافعيّة، والمالكيّة، وبعض الفقهاء يرجّح الأمّ على الأب، وإلى هذا ذهب اللّيث بن سعد والمحاسبيّ في كتابه (الرّعاية) . 5- لا يختصّ برّ الوالدين بأن يكونا مسلمين بل إن كانا كافرين يبرّهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد. 6- من الإحسان إليهما والبرّ بهما إذا لم يتعيّن الجهاد ألّا يجاهد إلّا بإذنهما. 7- ومن تمام البرّ صلة أهل ودّ الوالدين، وكان صلّى الله عليه وسلّم يهدي لصدائق خديجة برّا بها، ووفاء لها وهي زوجته- رضي الله عنها- فما ظنّك بالوالدين؟ 8- وخصّ ربّ العزّة حالة الكبر؛ لأنّها الحالة الّتي يحتاجان فيها إلى البرّ لتغيّر الحال عليهما بالضّعف والكبر، فألزم في هذه الحالة مراعاة أحوالهما أكثر ممّا ألزمها من قبل؛ لأنّهما في هذه الحالة قد صارا كلّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج إليه في صغره أن يليا منه، فلذلك خصّ هذه الحالة بالذّكر. 9- ومن برّهما والإحسان إليهما أن لا يقول لهما ما يكون فيه أدنى تبرّم، يقول الحقّ- تبارك وتعالى-: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ (الإسراء/ 23) وقوله: أفّ للأبوين أردأ شيء لأنّه رفضهما رفض كفر النّعمة، وجحد التّربية وردّ الوصيّة الإلهيّة. 10- أن يتلطّف معهما بقول ليّن لطيف، كريم، وأن يجعل نفسه مع أبويه في خير ذلّة، في أقواله، وسكناته ونظره، ولا يحدّ إليهما بصره؛ فإنّ تلك نظرة الغاضب. وهذا من برّ الوالدين. 11- ومن برّهما التّرحّم عليهما والدّعاء لهما، وأن ترحمهما كما رحماك، وترفق بهما كما رفقا بك، إذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 768 ولياك صغيرا، جاهلا، محتاجا، فاثراك على أنفسهما وأسهرا ليلهما، وجاعا وأشبعاك، وتعرّيا وكسواك، فلا تجزهما إلّا ببرّهما وطاعتهما وحين يبلغان من الكبر الحدّ الّذي كنت فيه من الصّغر، فعليك أن تلي منهما ماوليا منك، ويكون لهما حينئذ فضل التّقدّم «1» . للاستزادة: انظر صفات: الاعتراف بالفضل- الإحسان- البر- حسن الخلق- الرفق- صلة الرحم- الحنان- الشفقة- الرحمة- العطف- الكلم الطيب- اللين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجحود- عقوق الوالدين- نكران الجميل- الإساءة- سوء المعاملة- سوء الخلق- قطيعة الرحم- القسوة- العنف] .   (1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/ 155- 161) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 769 الآيات الواردة في «بر الوالدين» البر بالوالدين أو أحدهما من صفة الأنبياء: 1- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «1» 2- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) «2» بر الوالدين والإحسان إليهما مما أمر به المولى- عز وجل-: 3- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «3» 4- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «4» 5- قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «5»   (1) مريم: 12- 15 مكية (2) مريم: 27- 34 مكية (3) البقرة: 83 مدنية (4) النساء: 36 مدنية (5) الأنعام: 151 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 770 6- وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «1» 7- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «2» 8- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «3»   (1) الإسراء: 23- 24 مكية (2) لقمان: 14- 15 مكية (3) الأحقاف: 15- 16 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 771 الأحاديث الواردة في (بر الوالدين) بر الوالدين: 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ؟ قال: «الصّلاة على وقتها» . قال: ثمّ أيّ؟ قال: «برّ الوالدين» . قال: ثمّ أيّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» ) * «1» . 2- * (عن معاوية بن حيدة- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله! من أبرّ؟ قال: «أمّك» . قال: قلت: ثمّ من؟، قال: «أمّك» . قال: قلت: ثمّ من؟ قال: «أمّك» ، قال: قلت: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أباك ثمّ الأقرب فالأقرب» ) * «2» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من اليمن. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هجرت الشّرك ولكنّه الجهاد. هل باليمن أبواك؟» . قال: نعم. قال: «أذنا لك؟» قال: لا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ارجع إلى أبويك فإن فعلا، وإلّا فبرّهما» ) * «3» . 4- * (عن أبي أسيد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: فيما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصّلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرّحم الّتي لا توصل إلّا بهما، وإكرام صديقهما» ) * «4» . بر الأم: 5- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه. قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمّي. قال: «قابل الله في برّها فإذا فعلت ذلك فأنت حاجّ ومعتمر ومجاهد، فإذا رضيت عنك فاتّق وبرّها» ) * «5» . 6- * (عن معاوية بن جاهمة السّلميّ- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله إنّي كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدّار الاخرة. قال: «ويحك أحيّة أمّك؟» قلت: نعم. قال: «ارجع فبرّها» ، ثمّ أتيته من   (1) البخاري- الفتح 10 (5970) . ومسلم (85) واللفظ له. (2) الترمذي (1897) وقال: حديث حسن. أبو داود (5139) وقال محقق جامع الأصول (1/ 399) : إسناده حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 150) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (3) أبو داود (2530) . وقال الهيثمي في المجمع (8/ 138) : رواه أحمد وإسناده حسن واللفظ له. (4) أبو داود (5142) . وابن ماجة (3664) . وأحمد (3/ 498) . والحاكم في المستدرك (4/ 155) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (5) الهيثمي في المجمع (8/ 138) واللفظ له. وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح، والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 315) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط وإسنادهما جيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 772 الجانب الاخر، فقلت يا رسول الله: إنّي كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدّار الاخرة. قال: «ويحك، أحيّة أمّك؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: «فارجع إليها فبرّها» ، ثمّ أتيته من أمامه فقلت: يا رسول الله: إنّي كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدّار الاخرة. قال: «ويحك، أحيّة أمّك؟» قلت: نعم يا رسول الله. قال: «ويحك الزم رجلها فثمّ الجنّة» ) * «1» . 7- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ خير التّابعين رجل يقال له أويس وله والدة، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم» . وفي رواية: كان عمر بن الخطّاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن «2» سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال نعم، قال: من مراد ثمّ من قرن «3» ؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» ، فاستغفر لي، فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء النّاس أحبّ إليّ. قال: فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس. قال: تركته رثّ البيت، قليل المتاع. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن كان به برص فبرأ منه. إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ. لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» ، فأتى أويسا فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: استغفر لي «4» ، قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له ففطن له النّاس، فانطلق على وجهه، قال أسير: وكسوته بردة، فكان كلّما رآه إنسان، قال: من أين لأويس هذه البردة؟) * «5» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ودخلت الجنّة فسمعت فيها   (1) النسائي (6/ 11) . وابن ماجة (2781) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2441) وقال محقق جامع الأصول (1/ 403) : رواه أحمد في المسند (3/ 429) وإسناده حسن. وكذا أخرجه الحاكم (4/ 151) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. واللفظ لابن ماجة. (2) أمداد أهل اليمن: الأمداد جمع مدد وهم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد. النهاية، لابن الأثير (3/ 308) . (3) مراد وقرن من قبائل اليمن. (4) استغفر لي الأولى من كلام أويس والثانية من كلام الرجل الذي هو من أشراف اليمن واسمه «أسير» كما جاء في آخر الحديث. (5) مسلم (2542) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 773 قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النّعمان كذلكم البرّ، كذلكم البرّ» «1» وكان أبرّ النّاس بأمّه) *. بر الأب: 9- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم، وعفّوا تعفّ نساؤكم» ) * «2» . 10- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكّة فسلّم عليه عبد الله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه. فقال ابن دينار فقلنا له: أصلحك الله إنّهم الأعراب وإنّهم يرضون باليسير. قال عبد الله: إنّ أبا هذا كان ودّا لعمر بن الخطّاب، وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أبرّ البرّ صلة الولد أهل ودّ أبيه» ) * «3» . بر الأقارب (وخاصة الخالة) : 11- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت ذنبا عظيما فهل لي توبة؟ قال: «هل لك من أمّ؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم. قال: «فبرّها» ) * «4» . 12- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أوّل ما بعث وهو بمكّة وهو حينئذ مستخف. فقلت: ما أنت؟ قال: «أنا نبيّ» . قلت: وما النّبيّ؟ قال: «رسول الله» قلت: بم أرسلك؟ قال: «بأن يعبد الله وتكسر الأوثان وتوصل الأرحام بالبرّ والصّلة «5» » ) * «6» . البر يطيل العمر: 13- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزيد في العمر إلّا البرّ، ولا يردّ القضاء إلّا الدّعاء، وإنّ الرّجل ليحرم الرّزق بخطيئة يعملها» ) * «7» .   (1) أخرجه الحاكم في مستدركه (3/ 229) وصححه ووافقه الذهبي. وشرح السنة للبغوي (13/ 7) وقال محققه: إسناده صحيح. (2) ذكره الهيثمي في المجمع (8/ 138) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. وقال المنذري في الترغيب (3/ 317) : رواه الطبراني بإسناد حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 154) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (3) مسلم (2552) . (4) صحيح سنن الترمذي (1554) . والحاكم في مستدركه (2/ 155) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (5) المراد بالصلة هنا: الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم وكذلك إن بعدوا أو أساءوا وقطع الرحم ضد ذلك كله. (لسان العرب ص 4851) . (6) الحاكم في المستدرك (4/ 149) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (7) أحمد (5/ 277) ، (282) . والترمذي (2139) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (90) وهذا لفظه. الطبراني في المعجم الكبير (2/ 100) . وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (73) . والحاكم في المستدرك (1/ 493) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 774 الأحاديث الواردة في (بر الوالدين) معنى 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «احفظ ودّ أبيك لا تقطعه فيطفأ الله نورك» ) * «1» . 15- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي جئت أريد الجهاد معك أبتغي وجه الله والدّار الاخرة ولقد أتيت وإنّ والديّ ليبكيان، قال: «فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما» ) * «2» . 16- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله. قال: «فهل من والديك أحد حيّ؟» قال: نعم، بل كلاهما. قال: «فتبتغي الأجر من الله؟» قال: نعم. قال: «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» ) * «3» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة: إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «4» . 18- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا أتاه، فقال: إنّ لي امرأة وإنّ أمّي تأمرني بطلاقها. فقال أبو الدّرداء: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنّة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» ) * «5» . 19- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّ لي مالا وولدا وإنّ أبي يريد أن يحتاج مالي. فقال: «أنت ومالك لأبيك» ) * «6» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل لترفع درجته في الجنّة فيقول: أنّى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك» ) * «7» . 21- * (عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يوصيكم بأمّهاتكم (ثلاثا) وإنّ الله يوصيكم بابائكم. إنّ الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب» ) * «8» .   (1) الهيثمي في المجمع (8/ 147) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وحسنه الحافظ العراقي. انظر فيض القدير (1146) . (2) ابن ماجة (2782) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2243) . والحاكم في مستدركه (4/ 152) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (3) البخاري- الفتح 10 (5972) . مسلم (2549) واللفظ له (4) مسلم (1631) . (5) الترمذي (1900) وقال: حديث صحيح وهذا لفظه. والحاكم في مستدركه (4/ 152) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (6) أبو داود (3530) . وابن ماجة (2291) وهذا لفظه، وصححه الألباني، وقال محقق جامع الأصول (1/ 399) : إسناده حسن. (7) ابن ماجة (3660) وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (2953) . وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (8) ابن ماجة (3661) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2954) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 775 22- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ أتته امرأة فقالت: إنّي تصدّقت على أمّي بجارية وإنّها ماتت. قال: فقال: «وجب أجرك وردّها عليك الميراث» قالت: يا رسول الله، إنّه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: «صومي عنها» ، قالت: إنّها لم تحجّ قطّ، أفأحجّ عنها؟، قال: «حجّي عنها» ) * «1» . 23- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل، فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعلّ الله يفرجها عنكم «2» . فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم «3» حلبت، فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ، وأنّه نأى بي ذات يوم الشّجر «4» فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون «5» عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم «6» حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة نرى منها السّماء، ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السّماء. وقال الاخر: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها. فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها، قالت: يا عبد الله، اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه. فقمت عنها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم. وقال الاخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ «7» ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها، فجاءني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها «8» ، فخذها. فقال: اتّق الله ولا تستهزأ بي. فقلت: إنّي لا أستهزأ بك. خذ ذلك البقر ورعاءها. فأخذه فذهب به. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي. ففرج الله ما بقي» ) * «9» .   (1) مسلم (1149) . (2) يفرجها عنكم معناه يكشفها بأن يجعل فيها فروجا. (3) فإذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مراحها. يقال: أرحت الماشية وروحتها، بمعنى. (4) نأى بي ذات يوم الشجر: ومعناه بعد. والنأي البعد. (5) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع. (6) فلم يزل ذلك دأبي: أي حالي اللازمة. (7) بفرق: بفتح الراء وإسكانها، لغتان، الفتح أجود وأشهر. وهو إناء يسع ثلاثة آصع جمع صاع ومقداره خمسة أرطال وثلث على رأى الشافعي، أو ثمانية على رأي أبي حنيفة. ينظر: لسان العرب. (8) الرّعاء بكسر الراء وضمها: جمع راع وهو من يقوم بمهنة الرعي. (القاموس) . (9) البخاري- الفتح 6 (3465) . ومسلم (2743) واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 776 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحقّ النّاس بحسن صحابتي «1» ؟ قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟. قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟. قال: «ثمّ أبوك» ) * «2» . 25- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رضا الرّبّ في رضا الوالد، وسخط الرّبّ في سخط الوالد» ) * «3» . 26- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: قلت يا رسول الله، إنّ أمّي قدمت عليّ وهي راغبة أو راهبة أفأصلها؟ قال: «نعم» ) * «4» . 27- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كانت تحتي امرأة أحبّها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أبي أن أطلّقها، فأبيت، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا عبد الله بن عمر طلّق امرأتك» ) * «5» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «6» فسمعت أمّي خشف قدميّ «7» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «8» . قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال: قلت يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين وحبّب إليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «9» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجزي ولد والدا إلّا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» ) * «10» .   (1) الصحابة هنا بمعنى: الصحبة. (2) البخاري- الفتح 10 (5971) ، ومسلم (2548) . (3) الترمذي (1899) وصححه الألباني، صحيح الترمذي (1549) . والحاكم في المستدرك (4/ 151) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي. (4) البخاري- الفتح 10 (5978) . ومسلم (1003) واللفظ له. (5) الترمذي (1189) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند (4711، 5011) . والحاكم في المستدرك (4/ 153) وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (6) مجاف: مغلق (7) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض. (8) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه. (9) مسلم (2491) (10) مسلم (1510) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 777 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (بر الوالدين) 30- * (عن سهل بن معاذ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من برّ والديه طوبى له زاد الله في عمره» ) * «1» . 31- * (عن أبي الطّفيل- رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسّم لحما بالجعرانة وأنا غلام شابّ فأقبلت امرأة فلمّا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسط لها رداءه فقعدت عليه، فقلت: من هذه؟ قالوا: أمّه الّتي أرضعته «2» » ) * «3» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبر أمّه، فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنّها تذكّر الموت» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (بر الوالدين) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- إنّي لا أعلم عملا أقرب إلى الله- عزّ وجلّ- من برّ الوالدة» ) * «5» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح «6» إليهما محتسبا إلّا فتح الله له بابين (يعني من الجنّة) وإن كان واحدا فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتّى يرضى عنه، قيل: وإن ظلما؟ قال: «وإن ظلما» ) * «7» . 3- * (قال أبو موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- شهد ابن عمر- رضي الله عنهما- رجلا يمانيّا يطوف بالبيت حمل أمّه وراء ظهره يقول: إنّي لها بعيرها المذلّل ... إن أذعرت ركابها لم أذعر ثمّ قال: يا ابن عمر أتراني جزيتها قال: «لا، ولا بزفرة واحدة» ) * «8» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أمّه كانت في بيت وهو في آخر، فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها فقال: السّلام عليك يا أمّاه ورحمة الله وبركاته. فتقول: وعليك يا بنيّ ورحمة الله وبركاته،   (1) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 317) ، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني. والحاكم في المستدرك (4/ 154) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) أمه التي أرضعته هنا هي حليمة السعدية. (3) أخرجه أبو داود (5144) . الحاكم في المستدرك (4/ 164) ، وأقره الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر: والحديث أخرجه أبو داود وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه. الإصابة (4/ 274) . (4) مسلم (976) . (5) الأدب المفرد للبخاري (3) . (6) يصبح: يكون في وقت الصباح. (7) الأدب المفرد للبخاري (4) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 778 فيقول: رحمك الله كما ربّيتني صغيرا. فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرا) * «1» . 5- * (قال طاوس- رحمه الله-: «إنّ من السّنّة أن نوقّر أربعة: العالم، وذو الشّيبة، والسّلطان، والوالد» ) * «2» . 6- * (قال وهب بن منبّه- رحمه الله- قال: «إنّ البرّ بالوالدين يزيد في العمر» ) * «3» . 7- * (سئل الحسن البصريّ ما برّ الوالدين؟ قال: «أن تبذل لهما ما ملكت وأن تطيعهما فيما أمراك به إلّا أن يكون معصية» ) * «4» . 8- * (وقال الإمام أحمد- رحمه الله-: «برّ الوالدين كفّارة الكبائر» وذكر أبو اللّيث السّمرقنديّ: «أنّ من حقوق الوالد على ولده أن يطعمه إذا احتاج إلى طعمة، ويكسوه إذا قدر» وذكر أنّ في الحديث في تفسير قوله تعالى وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً عنه صلّى الله عليه وسلّم، قال: «المصاحبة بالمعروف أن يطعمهما إذا جاعا، ويكسوهما إذا عريا. ومن حقوقهما خدمتهما إذا احتاجا أو أحدهما إلى خدمة، وإجابة دعوتهما، وامتثال أمرهما ما لم يكن معصية، والتكلّم معهما باللّين، وأن لا يدعوهما باسمهما، وأن يمشي خلفهما، وأن يدعو الله لهما بالمغفرة» ) * «5» . ومن أقوال الشعراء فى بر الوالدين: 9- * (قال الشّاعر: عليك ببرّ الوالدين كليهما ... وبرّ ذوي القربى وبرّ الأباعد ولا تصحبن إلّا تقيّا مهذّبا ... عفيفا ذكيّا منجزا للمواعد) * «6» . من فوائد (بر الوالدين) (1) من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) من أفضل العبادات وأجلّ الطّاعات. (3) طريق موصّل إلى الجنّة. (4) الزّيادة في الأجل والنّماء في المال والنّسل. (5) رفع الذّكر في الاخرة وحسن السّيرة في النّاس. (6) من برّ آباءه برّه أبناؤه والجزاء من جنس العمل. (7) برّ الوالدين يفرّج الكرب. (8) من حفظ ودّ أبيه لا يطفأ الله نوره.   (1) المرجع السابق (5) . والدر المنثور للسيوطي (5/ 260) . (2) الدر المنثور للسيوطي (5/ 267) . (3) الدر المنثور للسيوطي (5/ 270) . (4) المرجع السابق (5/ 259) . وقال أخرجه عبد الرزاق في مصنفه. (5) تنبيه الغافلين (1/ 137) ، وغذاء الألباب، (1/ 389- 390) . (6) الترغيب والترهيب للمنذري (331) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 779 البشارة / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 54/ 51/ 2/ البشارة لغة: البشارة بضمّ الباء وكسرها الاسم من قولهم بشره بالأمر يبشره بشرا وبشورا، ويتعدّى بالهمزة فيقال أبشره، وبالتّضعيف فيقال بشّره، ويقال أيضا بشر بالشّيء إذا استبشر به وبابه طرب. وكلّه مأخوذ من مادّة (ب ش ر) الّتي تدلّ على الظّهور والحسن. يقول ابن فارس: الباء والشّين والرّاء أصل واحد: هو ظهور الشّيء مع حسن وجمال، فالبشرة ظاهر جلد الإنسان. وسمّي البشر بشرا لظهورهم، والبشير الحسن الوجه، والبشارة الجمال، قال: الأعشى: ورأت بأنّ الشّيب جا ... نبه البشاشة والبشارة ويقال: بشّرت فلانا أبشّره تبشيرا، وذلك يكون بالخير وربّما حمل عليه غيره من الشّرّ لضرب من التّبكيت، فأمّا إذا أطلق الكلام إطلاقا فالبشارة بالخير والنّذارة بغيره. ويقول الرّازيّ: والبشارة المطلقة لا تكون إلّا بالخير وإنّما تكون بالشّرّ إذا كانت مقيّدة به كقوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وتباشر القوم بشّر بعضهم بعضا، والبشر المبشّر، والمبشّرات الرّياح الّتي تبشّر بالغيث، ويقول صاحب اللّسان: والتّبشير يكون بالخير والشّرّ كقوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (آل عمران/ 21) والاسم البشرى. وقوله تعالى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ (يونس/ 64) . والاسم البشارة بالكسر والضّمّ. وتقول: أبشر بخير، بقطع الألف، وبشرت بكذا، بالكسر، أبشر أي استبشرت به. وتباشر القوم أي بشّر بعضهم بعضا. والبشارة أيضا: ما يعطاه المبشّر بالأمر وفي حديث توبة كعب «فأعطيته ثوبيّ بشارة» ، والبشير: المبشّر الذي يبشّر القوم بأمر خير أو شرّ. وقال الزّجّاج: معنى يبشرك يسرّك ويفرحك وبشرت الرّجل أبشره إذا أفرحته. قال: وأصل هذا كلّه أنّ بشرة الإنسان تنبسط عند السّرور ومن هذا قولهم فلان يلقاني ببشر أي بوجه منبسط «1» . واصطلاحا: كلّ خبر صدق تتغيّر به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشّرّ، وفي الخير أغلب «2» . ورود البشارة في القرآن الكريم: وردت البشارة في القرآن على اثني عشر وجها   (1) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 94) . ولسان العرب لابن منظور (1/ 287) ، ومختار الصحاح للرازى (46) ومقاييس اللغة لابن فارس (1/ 251) . (2) التعريفات للجرجاني (45) وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/ 171) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 780 لاثني عشر قوما باثنتي عشرة كرامة: الأوّل: بشارة أرباب الإنابة بالهداية: وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى إلى قوله: هَداهُمُ اللَّهُ (الزمر/ 17- 18) . الثّاني: بشارة المخبتين والمخلصين بالحفظ والرّعاية: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (الحج/ 34) . الثّالث: بشارة المستقيمين بثبات الولاية: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا إلى قوله: وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ (فصلت/ 30) . الرّابع: بشارة المتّقين بالفوز والحماية الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى (يونس/ 63- 64) . الخامس: بشارة الخائفين بالمغفرة والوقاية إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (يس/ 11) . السّادس: بشارة المجاهدين بالرّضا والعناية الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا إلى قوله يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ (التوبة/ 20- 21) . السّابع: بشارة العاصين بالرّحمة والكفاية نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ إلى قوله وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ (الحجر/ 49- 56) . الثّامن: بشارة المطيعين بالجنّة والسّعادة وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ (البقرة/ 25) . التّاسع: بشارة المؤمنين بالعطاء والشّفاعة وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (يونس/ 2) . العاشر: بشارة المنكرين بالعذاب والعقوبة بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (النساء/ 138) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (آل عمران/ 21) . وهذه استعارة ولكن تنبيه أنّ أسرّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب. الحادي عشر: بشارة الصّابرين بالصّلوات والرّحمة وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ إلى قوله: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ (البقرة/ 551- 157) . الثّاني عشر: بشارة العارفين باللّقاء والرّؤية وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (الأحزاب/ 41) «1» . ووردت البشارة وما اشتقّ منها في القرآن الكريم في مواضع عديدة وجاءت في بعض الايات صفة للمولى- عزّ وجلّ- وفي بعضها صفة للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم ونسبت للرّياح في بعض الايات. لقد اقترنت البشارة بالنّذارة خاصّة في صفة الأنبياء والمرسلين وانفردت وحدها في بعض الأحيان، أمّا المبشّرون فقد كانوا أصنافا عديدة منهم المؤمنون والمحسنون والصّابرون ... إلخ. (انظر تصنيف الايات) [للاستزادة: انظر صفات: البشاشة- السرور طلاقة الوجه- الفرح. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التنفير- التعسير- العبوس- التطير] .   (1) بصائر ذوي التمييز، للفيروز ابادي (2/ 200- 202) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 781 الآيات الواردة في «البشارة» البشارة من المولى- عز وجل- أو الملائكة: 1- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) «1» . 2- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) «2» . 3- أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) «3» 4- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِ   (1) آل عمران: 35- 40 مدنية (2) آل عمران: 45 مدنية (3) التوبة: 19- 22 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 782 رَضِيًّا (6) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) «1» 5- وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) «2» 6- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) «3» البشارة من صفة النبيين والمرسلين: 7- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «4»   (1) مريم: 1- 9 مكية (2) الصافات: 99- 113 مكية (3) فصّلت: 30- 32 مكية (4) البقرة: 213 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 783 8- إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) «1» 9- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) «2» 10- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) «3» 11- وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا (55) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «4» 12- وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ   (1) النساء: 163- 165 مدنية (2) الأنعام: 48- 49 مكية (3) يونس: 84- 87 مكية (4) الكهف: 55- 56 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 784 عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «1» البشارة من صفة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: 13- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «2» 14- وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) «3» 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) «4» 16- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) «5» 17- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) «6» 18- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «7»   (1) الصف: 6- 13 مدنية (2) البقرة: 25 مدنية (3) البقرة: 118- 119 مدنية (4) البقرة: 153- 155 مدنية (5) البقرة: 222- 223 مدنية (6) المائدة: 19 مدنية (7) يونس: 1- 2 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 785 19- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) «1» 20- وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) «2» 21- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) «3» 22- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «4» 23- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55) وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) «5» 24- هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46)   (1) هود: 1- 3 مكية (2) الإسراء: 105- 106 مكية (3) مريم: 96- 98 مكية (4) الحج: 34- 37 مدنية (5) الفرقان: 54- 58 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 786 وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) «1» 25- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (30) «2» 26- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) «3» 27- يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «4» 28- وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «5» 29- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) «6» البشارة من صفة القرآن الكريم: 30- قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) «7» 31- إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ   (1) الأحزاب: 43- 47 مدنية (2) سبأ: 28- 30 مكية (3) فاطر: 24- 26 مكية (4) يس: 1- 11 مكية (5) الزمر: 17- 18 مكية (6) الفتح: 8- 9 مدنية (7) البقرة: 97 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 787 تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «1» 32- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «2» 33- نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) «3» 34- وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) «4» 35- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) «5»   (1) آل عمران: 124- 126 مدنية (2) هود: 69- 75 مكية (3) الحجر: 49- 56 مكية (4) النحل: 89 مكية (5) النحل: 101- 102 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 788 36- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) «1» 37- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) «2» 38- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «3» 39- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (31) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (32) «4» 40- حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) «5» 41- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «6» 42- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) «7» البشارة للشهداء والمؤمنين: 43- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)   (1) الإسراء: 9- 10 مكية (2) الكهف: 1- 3 مكية (3) النمل: 1- 3 مكية (4) العنكبوت: 31- 32 مكية (5) فصلت: 1- 4 مكية (6) الأحقاف: 11- 12 مكية (7) الذاريات: 24- 28 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 789 فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) «1» 44- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «2» 45- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) «3» 46- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) «4» 47- يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) «5» 48- فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)   (1) آل عمران: 169- 171 مدنية (2) التوبة: 111- 112 مدنية (3) التوبة: 123- 125 مدنية (4) يونس: 62- 65 مكية (5) الحديد: 12 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 790 لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «1» البشارة من صفة الرياح: 49- وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) «2» 50- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) «3» 51- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «4» 52- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) «5» ومن البشارات الأخرى الواردة فى القرآن الكريم: 53- وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18)   (1) عبس: 33- 42 مكية (2) الأعراف: 57- 58 مكية (3) الفرقان: 47- 49 مكية (4) النمل: 63 مكية (5) الروم: 46- 49 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 791 وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) «1» 54- وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (96) «2»   (1) يوسف: 18- 20 مكية (2) يوسف: 94- 96 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 792 الأحاديث الواردة في (البشارة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتى جبريل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك «1» معها إناء فيه إدام «2» أو طعام أو شراب. فإذا هي أتتك «3» فاقرأ عليها السّلام من ربّها عزّ وجلّ- ومنّي. وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب «4» لا صخب «5» فيه ولا نصب «6» » ) * «7» . 2- * (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا انصرف تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال: «أظنّكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنّه جاء بشيء» . قالوا: أجل يا رسول الله قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها «8» كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «9» . 3- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه توضّأ في بيته ثمّ خرج، فقال: لألزمنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأكوننّ معه يومي هذا. قال فجاء المسجد فسأل عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: خرج ووجّه ههنا، فخرجت على إثره أسأل عنه حتّى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب- وبابها من جريد- حتّى قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجته فتوضّأ، فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس «10» وتوسّط قفّها «11» وكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر، فسلّمت عليه ثمّ انصرفت فجلست عند الباب. فقلت: لأكوننّ بوّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك، ثمّ ذهبت فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» . فأقبلت حتّى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبشّرك بالجنّة. فدخل أبو بكر   (1) قد أتتك: معناه توجهت إليك. (2) الإدام: ما يؤتدم به تقول منه أدم الخبز باللحم من باب ضرب. (3) فإذا هي أتتك: أي وصلتك. (4) من قصب: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف. (5) صخب: هو الصوت المختلط المرتفع. (6) نصب: المشقة والتعب. (7) البخاري- الفتح 9 (3820) . ومسلم (2432) واللفظ له. (8) تنافس القوم في الشيء إذا رغبوا فيه، وقد حذفت التاء تخفيفا والأصل فتتنافسوها بمعنى تتنافسوا فيها. (9) البخاري- الفتح 11 (6425) وهذا لفظه. ومسلم (2961) . (10) أريس: بستان بالمدينة معروف. وهو بالقرب من قباء. وفي بئرها سقط خاتم النبي صلّى الله عليه وسلّم من أصبع عثمان- رضي الله عنه-. (11) توسط قفها: بضم القاف وتشديد الفاء هو الدكة التي تجعل حول البئر، وأصله ما غلظ من الأرض وارتفع، والجمع قفاف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 793 فجلس عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه في القفّ ودلّى رجليه في البئر كما صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكشف عن ساقيه. ثمّ رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضّأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا (يريد أخاه) يأت به. فإذا إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطّاب، فقلت على رسلك، ثمّ جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه فقلت: هذا عمر بن الخطّاب يستأذن. فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» . فجئت فقلت: ادخل وبشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة. فدخل فجلس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القفّ عن يساره ودلّى رجليه في البئر. ثمّ رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يأت به، فجاء إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفّان، فقلت: على رسلك، فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة على بلوى تصيبه» ، فجئته فقلت له: ادخل وبشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة على بلوى تصيبك. فدخل فوجد القفّ قد ملأ، فجلس وجاهه «1» من الشّقّ الاخر) * «2» . 4- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثه ومعاذا إلى اليمن. فقال: «يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا. وتطاوعا «3» ولا تختلفا» ) * «4» . 5- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه وهو في سياقة الموت- أنّه بكى طويلا وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ قال فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي قد كنت على أطباق ثلاث «5» لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا «6» عليّ   (1) فجلس وجاهه: بضم الواو وبكسرها: أي مقابله. (2) البخاري- الفتح 7 (3674) واللفظ له. ومسلم (2403) . (3) تطاوعا: أي ليطع كل منكما الاخر. (4) البخاري- الفتح 6 (3038) . ومسلم (1733) واللفظ له. (5) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث. (6) شنّ التراب على الشيء: فرّقه عليه من كل وجه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 794 التّراب شنّا ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي) * «1» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ هذه الاية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً قال: في التّوراة: «يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا، وحرزا للأمّيّين أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكّل ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتّي يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلّا الله فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «2» . 7- * (عن سهل بن الحنظليّة، أنّهم ساروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين فأطنبوا السّير، حتّى كانت عشيّة، فحضرت الصّلاة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله، إنّي انطلقت بين أيديكم حتّى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله» ثمّ قال: «من يحرسنا اللّيلة؟» قال أنس بن أبي مرثد الغنويّ: أنا يا رسول الله، قال: «فاركب» فركب فرسا له، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال (له) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقبل هذا الشّعب «3» حتّى تكون في أعلاه، ولا نغرّنّ «4» من قبلك اللّيلة» فلمّا أصبحنا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مصلّاه فركع ركعتين ثمّ قال: «هل أحسستم فارسكم؟» قالوا: يا رسول الله، ما أحسسناه، فثوّب بالصّلاة «5» ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي وهو يلتفت إلى الشّعب حتّى إذا قضى صلاته وسلّم قال: «أبشروا فقد جاءكم فارسكم» فجعلنا ننظر إلى خلال الشّجر في الشّعب فإذا هو قد جاء حتّى وقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم فقال: إنّي انطلقت حتّى كنت في أعلى هذا الشّعب حيث أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أصبحت اطّلعت الشّعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل نزلت اللّيلة؟» قال: لا إلّا مصلّيا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أوجبت «6» فلا عليك أن لا تعمل بعدها» ) * «7» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال: «إذا اقترب الزّمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب؛ وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا؛ ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النّبوّة. والرّؤيا ثلاثة: فرؤيا الصّالحة «8» بشرى من الله، ورؤيا   (1) مسلم (121) . (2) البخاري- الفتح 8 (4838) . (3) الشعب: الطريق بالجبل وجمعه شعاب. (4) لا نغرّن من قبلك الليلة: أي لا نؤخذ على غرة من الناحية التي أنت بها. (5) ثوّب بالصّلاة: أي أقيمت الصلاة. (6) أوجبت: أي لنفسك الجنة. (7) أبو داود (2501) ، وصححه الألباني (2183) . (8) فرؤيا الصالحة: قال القاضي: يحتمل أن يكون معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها، ويحتمل أن المراد صحتها وهو من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 795 تحزين من الشّيطان، ورؤيا ممّا يحدّث المرء نفسه. فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصلّ، ولا يحدّث بها النّاس» ) * «1» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الدّين يسر ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه. فسدّدوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة «2» والرّوحة وشيء من الدّلجة «3» » ) * «4» . 10- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بشّر المشّائين في الظّلم إلى المساجد بالنّور التّامّ يوم القيامة» ) * «5» . 11- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «بشّر هذه الأمّة بالسّناء والرّفعة والنّصر والتّمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الاخرة للدّنيا لم يكن له في الاخرة نصيب» ) * «6» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما جبريل قاعد عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سمع نقيضا من فوقه «7» . فرفع رأسه فقال: «هذا باب من السّماء فتح اليوم، لم يفتح قطّ إلّا اليوم» . فنزل منه ملك، فقال: «هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطّ إلّا اليوم» ، فسلّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلّا أعطيته» ) * «8» . 13- * (عن أبي طلحة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء ذات يوم والبشرى في وجهه فقلنا: يا رسول الله إنّا لنرى البشرى في وجهك؟ فقال: «إنّه أتاني الملك فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقول أما يرضيك أنّه لا يصلّي عليك أحد إلّا صلّيت عليه عشرا ولا يسلّم عليك أحد إلّا سلّمت عليه عشرا» ) * «9» . 14- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: جاء نفر من بني تميم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا بني تميم أبشروا» . فقالوا: بشّرتنا فأعطنا. فتغيّر وجهه. فجاءه أهل اليمن، فقال: «يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم» . قالوا: قبلنا. فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحدّث بدء الخلق «10» والعرش، فجاء رجل   (1) البخاري- الفتح 12 (7017) . ومسلم (2263) واللفظ له. (2) الغدوة: السير أول النهار. (3) الدلجة: السير آخر الليل. (4) البخاري- الفتح 1 (39) . (5) أبو داود (561) وصححه الألباني (525) . والترمذي (1/ 223) . والبغوي في شرح السنة (2/ 358) وقال محققه: حديث صحيح له شواهد كثيرة بمعناه وصححه الألباني، صحيح الترمذي (185) . (6) المسند (5/ 134) . والحاكم (4/ 311) وصححه ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول (9/ 203) : حديث صحيح. وشرح السنة (14/ 335) . (7) النقيض: الصوت، ونقيض المحامل صوتها ونقيض السقف تحريك خشبه. (8) مسلم (806) . (9) النسائي (3/ 44) . والحاكم في المستدرك (2/ 420) وصححه ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول (4/ 405) : وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن أو الصحيح. (10) يحدث بدء الخلق: بمعنى يتحدث عن بدء الخلق: والمعنى هنا من التحدث هو التحدث عن إلهام من الله عز وجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 796 فقال: يا عمران راحلتك تفلّتت. ليتني لم أقم» ) * «1» . 15- * (عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله عنهما- قالا: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما، فقال: «والّذي نفسي بيده (ثلاث مرّات) ثمّ أكبّ، فأكبّ كلّ رجل منّا يبكي لا يدري على ماذا حلف، ثمّ رفع رأسه وفي وجهه البشرى فكانت أحبّ إلينا من حمر النّعم. ثمّ قال: «ما من عبد يصلّي الصّلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزّكاة ويجتنب الكبائر السّبع إلّا فتحت له أبواب الجنّة فقيل له ادخل بسلام» ) * «2» . 16- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: خرجت ليلة من اللّيالي، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمشي وحده. ليس معه إنسان. قال: فظننت أنّه يكره أن يمشي معه أحد. قال: فجعلت أمشي في ظلّ القمر. فالتفت فرآني فقال: «من هذا؟» فقلت: أبو ذرّ. جعلني الله فداءك. قال: «يا أبا ذرّ تعال» قال: فمشيت معه ساعة. فقال: «إنّ المكثرين هم المقلّون يوم القيامة. إلّا من أعطاه الله خيرا. فنفح فيه يمينه وشماله، وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيرا» قال: فمشيت معه ساعة. فقال: «اجلس ههنا» قال: فأجلسني في قاع حوله حجارة. فقال لي: «اجلس ههنا حتّى أرجع إليك» قال: فانطلق في الحرّة حتّى لا أراه. فلبث عنّي. فأطال اللّبث. ثمّ إنّي سمعته وهو مقبل وهو يقول: «وإن سرق وإن زنى» قال: فلمّا جاء لم أصبر فقلت: يا نبيّ الله جعلني الله فداءك. من تكلّم في جانب الحرّة؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا. قال: «ذاك جبريل. عرض لي في جانب الحرّة. فقال: بشّر أمّتك أنّه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. فقلت: «يا جبريل وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. قال: قلت: وإن سرق وإن زنى» ؟ قال: نعم. قال قلت: «وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. وإن شرب الخمر» ) * «3» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّها كانت تقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سدّدوا وقاربوا، وأبشروا؛ فإنّه لن يدخل الجنّة أحدا عمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا. إلّا أن يتغمّدني الله برحمة. واعلموا أنّ أحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ» ) * «4» . 18- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت الرّجل يعمل العمل من الخير ويحمده النّاس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» ) * «5» . 19- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا   (1) البخاري- الفتح 6 (3190) . (2) النسائي (5/ 8) وقال محقق جامع الأصول (9/ 543) وقال محققه: حديث حسن. (3) البخاري- الفتح 11 (6443) . ومسلم (94) ص (687) كتاب الزكاة. باب الترغيب في الصدقة. (4) البخاري- الفتح 11 (6464) . ومسلم (2818) واللفظ له. (5) مسلم (2642) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 797 الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) «1» اللّيالي أولات العدد. قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاء الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. قال: قلت: «ما أنا بقارى» . قال: فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارى» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ الاية 1- 5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره حتّى دخل على خديجة فقال «زمّلوني زمّلوني فزمّلوه» حتّى ذهب عنه الرّوع. ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة مالي؟» ، وأخبرها الخبر. قال: «لقد خشيت على نفسي» «2» قالت له خديجة: كلّا. أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. والله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «3» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم، ياليتني فيها جذعا «4» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «5» . 20- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. الحديث ... وفيه: قالت، فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان   (1) التحنث: أي التحنف وهو العبادة على دين إبراهيم عليه السلام. (2) لقد خشيت على نفسي: والخشية هنا حملت على اثني عشر وجها، وقد اختار ابن حجر منها ثلاثة أوجه ورجحها، أولها خشية الموت من شدة الرعب، وثانيها خشية المرض وثالثها خشية استمرار المرض. الفتح- ج 1 ص 33. (3) هذا الناموس: هو جبريل عليه السلام. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته. (4) يا ليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها، وجذعا: يعني قويّا، حتى أبالغ في نصرك. (5) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 798 أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك ... الحديث) * «1» . 21- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر فقال: «أيّها النّاس إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم. أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء. فقمن «2» أن يستجاب لكم» ) * «3» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» ، فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «4» فسمعت أمّي خشف قدميّ «5» ، فقالت مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «6» . قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال: «خيرا» . قال: قلت يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين وحبّب إليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «7» . 23- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: كنت أنا وأصحابي، الّذين قدموا معي في السّفينة نزولا في بقيع بطحان «8» ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة. فكان يتناوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند صلاة العشاء كلّ ليلة نفر منهم «9» . قال أبو موسى: فوافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا وأصحابي. وله بعض الشّغل في أمره، حتّى أعتم بالصّلاة. حتّى ابهارّ اللّيل «10» ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى بهم. فلمّا قضى صلاته قال لمن حضره: «على رسلكم «11» . أعلمكم، وأبشروا أنّ من نعمة الله   (1) البخاري- الفتح 7 (4141) . مسلم (2770) . (2) فقمن: بفتح الميم وكسرها، ومعناه حقيق وجدير. (3) البخاري- الفتح 12 (6990) من حديث أبي هريرة، ومسلم (479) واللفظ له. (4) مجاف: مغلق. (5) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض. (6) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه. (7) مسلم (2491) . (8) بقيع بطحان: البقيع من الأرض: المكان المتسع. وبطحان: موضع بعينه، واد بالمدينة. (9) يتناوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفر منهم: أي إن جماعة من القوم كانوا يأخذون نوبتهم في الجلوس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في ليلة فإذا كانت الليلة التالية جلست إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جماعة أخرى منهم وهكذا. (10) ابهار الليل: أي انتصف. (11) على رسلكم: أمر بالرفق والتأني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 799 عليكم أنّه ليس من النّاس أحد، يصلّي هذه السّاعة غيركم» أو قال: «ما صلّى هذه السّاعة أحد غيركم» . قال أبو موسى: فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 24- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت ردف «2» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على حمار يقال له عفير. فقال: «يا معاذ هل تدري حقّ الله على عباده وما حقّ العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحقّ العباد على الله، أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئا» . فقلت: يا رسول الله: أفلا أبشّر به النّاس. قال: «لا تبشّرهم فيتّكلوا» ) * «3» . 25- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنت عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نازل بالجعرانة بين مكّة والمدينة. ومعه بلال فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل أعرابيّ. فقال: ألا تنجز لي، يا محمّد ما وعدتني؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر» . فقال له الأعرابيّ: أكثرت عليّ من أبشر. فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي موسى وبلال، كهيئة الغضبان. فقال: «إنّ هذا قد ردّ البشرى. فاقبلا أنتما» . فقالا: قبلنا يا رسول الله. ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقدح فيه ماء. فغسل يديه ووجهه فيه، ومجّ فيه. ثمّ قال: «اشربا منه. وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا» . فأخذا القدح. ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنادتهما أمّ سلمة من وراء السّتر: أفضلا لأمّكما ممّا في إنائكما. فأفضلا لها منه طائفة) * «4» . 26- * (عن المغيرة- رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه العذر «5» من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشّرين والمنذرين، ولا أحد أحبّ إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «6» . 27- * (عن عبد الله الهوزنيّ؛ قال: لقيت بلالا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب «7» ، فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء، كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين   (1) البخاري- الفتح 2 (567) . مسلم (641) واللفظ له. (2) كنت ردف: الردف وهو الراكب خلف الراكب. (3) البخاري- الفتح 6 (2856) واللفظ له. مسلم (30) . (4) مسلم (2497) . (5) العذر: والمعنى هنا التوبة والإنابة: وقال ابن عياض، المعنى بعث المرسلين للأعذار والإنذار لخلقه قبل أخذهم بالعقوبة. (6) البخاري- الفتح 13 (7416) واللفظ له. ومسلم (1499) . (7) حلب: مدينة بالشام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 800 فقال: يا بلال، إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي، ففعلت، فلمّا أن كان ذات يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا (أن) رآني قال: يا حبشيّ؛ قلت: يالبّاه، فتجهّمني وقال لي قولا غليظا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال: قلت: قريب، قال: إنّما بينك وبينه أربع، فاخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس، حتّى إذا صلّيت العتمة «1» رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت (وأمّي) إنّ المشرك الّذي كنت أتديّن منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق «2» إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال، أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أبشر فقد جاءك الله بقضائك «3» ، ثمّ قال: «ألم تر الرّكائب المناخات الأربع؟» فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك «4» ، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت، فذكر الحديث، ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه فقال: «ما فعل ما قبلك؟» قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم، قال: «انظر أن تريحني منه، فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: «ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة يعني من الغد دعاني قال: «ما فعل الّذي قبلك؟» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى (إذا) جاء أزواجه فسلّم عليهنّ امرأة امرأة، حتّى أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه) * «5» . 28- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك ... الحديث وفيه: فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله- عزّ وجلّ- منّا. قد   (1) العتمة: الظلمة من الليل وتطلق على صلاة العشاء؛ لأنها تكون في وقت العتمة فسميت صلاة العتمة نسبة للوقت. (2) أبق العبد: أي هرب العبد. (3) قضاءك: القضاء أصله القطع والفصل، وقضاء الشيء إحكامه وإقصاؤه والفراغ منه، (4) فدك: قرية بشمال الحجاز قرب خيبر، انتصر فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلا قتال إذ أنّه نصر بالرعب. (5) أبو داود (3055) وصححه الألباني (2628) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 801 ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «1» يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، قال فاذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتوبة الله علينا، حين صلّى صلاة الفجر فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم «2» قبلي، وأوفى الجبل، فكان الصّوت أسرع من الفرس فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما، فانطلقت أتأمّم «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس، فقام طلحة ابن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، قال فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» قال فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال «لا. بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه، كأنّ وجهه قطعة قمر. قال وكنّا نعرف ذلك) * «4» . 29- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة أنّه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أوّلهم: أيّهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك اللّيلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلّموه حتّى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولّاه منهم جبريل فشقّ جبريل ما بين نحره إلى لبّته حتّى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتّى أنقى جوفه ثمّ أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب «5» محشوّا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده يعني عروق حلقه ثمّ أطبقه، ثمّ عرج به إلى السّماء الدّنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السّماء، من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمّد، قال: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السّماء ... الحديث) * «6» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن   (1) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف. (2) ساع من أسلم: أي من قبيلة أسلم. (3) أتأمم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي أقصد إليه. (4) البخاري- الفتح 7 (4418) ومسلم (2769) واللفظ له. (5) تور من ذهب: إناء كبير من ذهب. (6) البخاري- الفتح 13 (7517) واللفظ له. ومسلم (164) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 802 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أهلّ مهلّ قطّ إلّا بشّر» قيل: يا رسول الله بالجنّة؟ قال: «نعم» ) * «1» . 31- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنّا لنكره الموت. قال: «ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء الله وأحبّ الله لقاءه، وإنّ الكافر إذا حضر بشّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه ممّا أمامه. فكره لقاء الله وكره الله لقاءه» ) * «2» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الميّت تحضره الملائكة. فإذا كان الرّجل صالحا، قالوا: اخرجي أيّتها النّفس الطّيّبة كانت في الجسد الطّيّب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان وربّ غير غضبان فلا يزال يقال لها، حتّى تخرج. ثمّ يعرج بها إلى السّماء. فيفتح لها. فيقال: من هذا؟ فيقولون فلان. فيقال: مرحبا بالنّفس الطّيّبة، كانت في الجسد الطّيّب. ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان وربّ غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتّى ينتهى بها إلى السّماء الّتي فيها الله عزّ وجلّ. وإذا كان الرّجل السّوء قال: اخرجي أيّتها النّفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسّاق وآخر من شكله أزواج. فلا يزال يقال لها ذلك حتّى تخرج، ثمّ يعرج بها إلى السّماء، فلا يفتح لها. فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان. فيقال: لا مرحبا بالنّفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث. ارجعي ذميمة، فإنّها لا تفتح لك أبواب السّماء، فيرسل بها من السّماء، ثمّ تصير إلى القبر» ) * «3» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد ثمّ يطلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدون، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره، ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطلع عليهم ربّ العالمين، فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا وهو يأمرهم ويثبّتهم، ثمّ يتوارى ثمّ يطلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا وهو يأمرهم ويثبّتهم، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: «وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك   (1) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني بإسناد جيد. انظر المتجر الرابح (ص 298) ، وراجع الصحيحة (1621) . (2) البخاري- الفتح 11 (6507) واللفظ له. ومسلم (2683) . (3) النسائي (4/ 8) . وابن ماجة (4262) واللفظ له. وصححه الألباني. صحيح سنن الترمذي (3437) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 803 السّاعة، ثمّ يتوارى ثمّ يطلع فيعرّفهم نفسه، ثمّ يقول: أنا ربّكم فاتّبعوني فيقوم المسلمون، ويوضع الصّراط، فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب «1» وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال هل امتلأت؟ فتقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ثمّ يطرح فيها فوج، فيقال: هل امتلأت، فتقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حتّى إذا أوعبوا فيها «2» وضع الرّحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قط، قالت: قط قط «3» . فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، قال: أتي بالموت ملبّيا، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار: فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنّة وأهل النّار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون (هؤلاء وهؤلاء) : قد عرفناه، هو الموت الّذي وكّل بنا، فيضجع فيذبح ذبحا على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت» ) * «4» . 34- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله يا آدم، فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك، قال يقول: أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد. فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله أيّنا ذلك الرّجل؟ قال: «أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة. قال: فحمدنا الله وكبّرنا. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة، إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالرّقمة في ذراع الحمار «5» » ) * «6» .   (1) الركاب: هي الرواحل من الإبل. (2) حتى إذا أوعبوا فيها: حتى جاءوا جميعا ولم يتخلف منهم أحد. النهاية ج 5 ص 206. (3) قط: بمعنى حسب أو كفى. (4) البخاري- الفتح 8 (4730) . ومسلم (2849) . والترمذي (4/ 2557) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن صحيح. (5) الرقمة: الرقمة في الأصل هي النقش على القماش، وهي هنا: الهنة القاتمة في ذراع الدابة من داخل، وهما رقمتان في ذراعيها. النهاية ج 2 ص 254. (6) البخاري- الفتح 11 (6530) . ومسلم (222) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 804 الأحاديث الواردة في (البشارة) معنى 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «1» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة ... الحديث وفيه: ثمّ يقال: يا محمّد ارفع رأسك، سل تعطه. اشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا ربّ أمّتي، أمّتي. فيقال: يا محمّد أدخل الجنّة من أمّتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنّة. وهم شركاء النّاس «2» فيما سوى ذلك من الأبواب. والّذي نفس محمّد بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة «3» لكما بين مكّة وهجر «4» أو كما بين مكّة وبصرى «5» » ) * «6» . 36- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ قال الرّجل: ألي هذه؟ قال: «لمن عمل بها من أمّتي» ) * «7» . 37- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال يوم خيبر: «لأعطينّ هذه الرّاية رجلا يفتح الله على يديه. يحبّ الله ورسوله. ويحبّه الله ورسوله قال: فبات النّاس يدوكون «8» ليلتهم أيّهم يعطاها. قال: فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال فأرسلوا إليه. فأتي به، فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه. ودعا له فبرأ. حتّى كأن لم يكن به وجع. فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك «9» . حتّى تنزل بساحتهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام. وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم «10» » ) * «11» . 38- * (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به قال: «بينما أنا في الحطيم وربّما قال في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فقدّ- قال وسمعته يقول: فشقّ- ما بين   (1) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه. (2) شركاء الناس: يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب. (3) إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة: المصراعان جانبا الباب. (4) هجر: هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين. (5) وبصرى: بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل. (6) البخاري- الفتح 8 (4712) . ومسلم (194) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 8 (4687) . ومسلم (2763) . (8) يدوكون: أي يخوضون ويتحدثون في ذلك. (9) انفذ على رسلك: أي انفصل وامض سالما. النهاية ج 5 ص 94. (10) حمر النعم: هي الإبل الحمر. وهي أنفس أموال العرب. يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه. (11) البخاري- الفتح 7 (3701) . ومسلم (2406) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 805 هذه إلى هذه» ... الحديث. وفيه: «ثمّ فرضت عليّ الصّلاة خمسين صلاة كلّ يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يوم، وإنّي والله قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فرجعت، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بعشر صلوات كلّ يوم، فرجعت فقال مثله. فرجعت فأمرت بخمس صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإنّي قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة. فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك. قال: سألت ربّي حتّى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم» . قال: «فلمّا جاوزت نادى مناد. أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي» ) * «1» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإنّي سمعت دفّ «2» نعليك بين يديّ في الجنّة؟» . قال: ما عملت عملا أرجى عندي أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطّهور ما كتب لي أن أصلّي) * «3» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «4» . ثمّ يقال له: فيم كنت «5» ؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا «6» . فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله «7» ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر   (1) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له. ومسلم (164) . (2) الدّفّ: الحركة الخفيفة والسير اللين. (3) البخاري- الفتح 3 (1149) . (4) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب. (5) فيم كنت: أي في أي دين. (6) يحطم بعضها بعضا: أي تضطرب وتموج ويكسر بعضها بعضا. (7) إن شاء الله: للتبرك لا للشك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 806 إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «1» . 41- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة. وآخر أهل النّار خروجا منها. رجل يؤتى به يوم القيامة. فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها. فتعرض عليه صغار ذنوبه. فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيقول: نعم. لا يستطيع أن ينكر. وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه. فيقال له: فإنّ لك مكان كلّ سيّئة حسنة. فيقول: ربّ قد عملت أشياء لا أراها ههنا» فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه) * «2» . 42- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة عينا «3» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «4» . فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدّثه الحديث. قال: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتكلّم. فقال: «إنّ لنا طلبة «5» فمن كان ظهره «6» حاضرا فليركب معنا» فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم «7» في علو المدينة. فقال: «لا إلّا من كان ظهره حاضرا» فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه «8» » فدنا المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» قال: يقول عمير ابن الحمام الأنصاريّ: يا رسول الله جنّة عرضها السّماوات والأرض؟. قال: «نعم» . قال: بخ بخ «9» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ» . قال: لا. والله يا رسول الله إلّا رجاءة «10» أن أكون من أهلها. قال: «فإنّك من أهلها» فأخرج تمرات من قرنه «11» . فجعل يأكل منهنّ. ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة. قال فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى   (1) ابن ماجة 2 (4268) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (3443) . (2) مسلم (190) . (3) عينا: أي متجسسا ورقيبا، وبسيسة اسم رجل من الصحابة. (4) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره. (5) طلبة: أي شيئا نطلبه. (6) ظهره: الظهر: الدواب التي تركب. (7) ظهرانهم: أي مركوباتهم. (8) حتى أكون أنا دونه: أي قدامه متقدما في ذلك الشيء. (9) بخ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير، وفيها لغتان: سكون الخاء وكسرها منونا. (10) إلا رجاءة: أي والله ما فعلته لشيء إلا رجاء أن أكون من أهلها. (11) قرنه: جعبة النشاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 807 قتل) * «1» . 43- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: عرضت عليّ الأمم فأخذ النّبيّ يمرّ معه الأمّة، والنّبيّ يمرّ معه النّفر، والنّبيّ يمرّ معه العشرة، والنّبيّ يمرّ معه الخمسة، والنّبيّ يمرّ وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل هؤلاء أمّتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمّتك، وهؤلاء سبعون ألفا قدّامهم لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيّرون «2» ، وعلى ربّهم يتوكّلون. فقام إليه عكّاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: «اللهمّ اجعله منهم» . ثمّ قام إليه رجل آخر. فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: «سبقك بها عكّاشة» ) * «3» . 44- * (عن خرشة بن الحرّ. قال: كنت جالسا في حلقة مسجد المدينة. قال وفيها شيخ حسن الهيئة. وهو عبد الله بن سلام. قال فجعل يحدّثهم حديثا حسنا. قال فلمّا قام قال القوم: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. قال فقلت: والله لأتّبعنّه فلأعلمنّ مكان بيته. قال فتبعته. فانطلق حتّى كاد أن يخرج من المدينة. ثمّ دخل منزله. قال فاستأذنت عليه فأذن لي. فقال: ما حاجتك يا ابن أخي؟ قال فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لمّا قمت: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. فأعجبني أن أكون معك. قال: الله أعلم بأهل الجنّة. وسأحدّثك ممّ قالوا ذاك؟ إنّي بينما أنا نائم، إذ أتاني رجل فقال لي: قم. فأخذ بيدي فانطلقت معه. قال فإذا بجوادّ عن شمالي. قال فأخذت لاخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها فإنّها طرق أصحاب الشّمال. قال فإذا جوادّ منهج «4» على يميني، فقال لي: خذ ههنا، فأتى بي جبلا، فقال لي: اصعد. قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي. قال: حتّى فعلت ذلك مرارا. قال: ثمّ انطلق بي حتّى أتى بي عمودا، رأسه في السّماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة فقال لي: اصعد فوق هذا. قال قلت: كيف أصعد هذا؟ ورأسه في السّماء. قال: فأخذ بيدي فزجل بي «5» . قال: فإذا أنا متعلّق بالحلقة. قال ثمّ ضرب العمود فخرّ. قال: وبقيت متعلّقا بالحلقة حتّى أصبحت. قال: فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقصصتها عليه. فقال: «أمّا الطّرق الّتي رأيت عن يسارك فهي طرق أصحاب الشّمال. قال وأمّا الطّرق الّتي رأيت عن يمينك فهي طرق أصحاب اليمين؛ وأمّا الجبل فهو منزل الشّهداء، ولن تناله؛ أمّا العمود فهو عمود الإسلام؛ وأمّا العروة فهي عروة الإسلام ولن   (1) مسلم (1901) . (2) لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون: وصف للسبعين ألفا بأنهم تامّو التوكل على الله فلا يسألون غيرهم أن يكويهم أو يرقيهم ولا يتشاءمون من شيء. (3) البخاري- الفتح 11 (6541) . ومسلم (216) . (4) جوادّ منهج: الجوادّ جمع جادّة وهي الطرق المسلوكة، أما المنهج فالمراد به الطريق وكأنه تفسير للجوادّ، وقد جاء لفظ الطريق في رواية النسائي. (5) فزجل بي: أي رفعني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 808 تزال متمسّكا بها حتّى تموت» ) * «1» . 45- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (المائدة/ 93) فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت منهم» ) * «2» . 46- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: وقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرفات وقد كادت الشّمس تغرب فقال: «يا بلال أنصت لي النّاس» فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنصت النّاس. فقال: «يا معشر النّاس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربّي السّلام وقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- غفر لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام وضمن عنهم التّبعات «3» » فقام عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصّة؟ قال: «هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة» . فقال عمر ابن الخطّاب: كثر خير الله وطاب) * «4» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (البشارة) 47- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا «5» ، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر» ) * «6» . 48- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا قعودا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا، فكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيت حائطا للأنصار لبني النّجّار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والرّبيع الجدول «7» ) . فاحتفزت «8» كما يحتفز الثّعلب فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أبو هريرة؟» فقلت: نعم يا رسول الله. قال: «ما شأنك. قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أوّل من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب وهؤلاء النّاس ورائي فقال: «يا أبا هريرة» (وأعطاني نعليه) قال: «اذهب بنعليّ هاتين فمن لقيت   (1) البخاري- الفتح 12 (7010) . ومسلم (2484) واللفظ له. (2) الترمذي (3053) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (3) أي حمل عنهم المظالم التي بينهم. (4) قال الحافظ الدمياطي: رواه ابن المبارك بإسناد جيد ورواته ثقات أثبات. انظر المتجر الرابح ص 311. (5) أيس مقلوب يئس من اليأس بمعنى القنوط. (6) الترمذي (3610) وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (8/ 528) : تحديث حسن وله شواهد يتقوى بها. (7) الجدول: النهر الصغير. (8) احتفزت: تضاممت ليسعني المدخل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 809 من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنّة» ... الحديث) * «1» . 49- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة. فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله. ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة «2» فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم. وأرجو أن تكون منهم» ) * «3» . 50- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شرّ. كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل النّار، فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال: كذا وكذا، فرجع إليه المرّة الاخرة ببشارة عظيمة، فقال: اذهب إليه فقل له: إنّك لست من أهل النّار، ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «4» . 51- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيّد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟» . فقال: عندي يا محمّد خير، إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى كان بعد الغد فقال: «ما عندك يا ثمامة» قال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى كان من الغد فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أطلقوا ثمامة» ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، يا محمّد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلّها إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحبّ الدّين كلّه إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلّها إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ «فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر» ، فلمّا قدم مكّة قال له قائل: أصبوت «5» ؟ فقال: لا ولكنّي أسلمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .   (1) مسلم (31) وللحديث بقية. (2) من ضرورة: أي من ضرر. (3) البخاري- الفتح 4 (1897) . ومسلم (1027) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 8 (4846) واللفظ له. ومسلم (119) . (5) أي رجعت عن دين آبائك وأجدادك. (6) مسلم (1764) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 810 1- * (قال عبد الله بن زيد الأنصاريّ: «1» أحمد الله ذا الجلال وذا الإك ... رام حمدا على الأذان كثيرا إذ أتاني به البشير من الله ... فأكرم به لديّ بشيرا في ليال والى بهنّ ثلاث ... كلّما جاء زادني توقيرا) *. 2- * (قال الرّافعيّ: «2» إذا أمسى فراشي من تراب ... وصرت مجاور الرّب الرّحيم فهنّوني أحبّائي وقولوا ... لك البشرى قدمت على كريم) . من فوائد (البشارة) (1) حصول الفرج بعد الشّدّة. (2) انشراح الصّدر وسعادة القلب. (3) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (4) سبب لاستقرار النّفس وراحة البال. (5) دليل حسن الخاتمة. (6) حبّ المبشّر لمن يبشّره واستئناسه به. (7) البشارة تجلب الطّمأنينة وسكون النّفس وترفع الرّوح المعنويّة. (8) تعود البشارة بالنّفع العاجل للمبشّر كما في حديث كعب بن مالك.   (1) ابن ماجة (1/ 233) . (2) دليل الفالحين لابن علان (2/ 361) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 811 البشاشة / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 5/ 23/ 6/ البشاشة لغة: مصدر بشّ، وهو مأخوذ من مادّة (ب ش ش) الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على معنى واحد هو اللّقاء الجميل والضّحك إلى الإنسان سرورا به، أنشد ابن دريد: لا يعدم السّائل منه وفرا ... وقبله بشاشة وبشرا بشّ يبشّ بشّا وبشاشة والبشاشة: طلاقة الوجه. والبشّ: اللّطف في المسألة، والإقبال على الرّجل، وقيل: هو أن يضحك له، وقيل فرح الصّديق بالصّديق، ولقاؤه لقاء جميلا. ويقال: رجل هشّ بشّ: أي طلق الوجه طيّب. ويقال للوجه: البشيش، فيقال فلان مضيء البشيش. ويقال: تبشبش به أي آنسه وواصله «1» . والبشّ: اللّطف في المسألة والإقبال على الرّجل وقيل: هو أن يضحك له ويلقاه لقاء جميلا، والبشاشة طلاقة الوجه، وبشاشة اللّقاء: الفرح بالمرء والانبساط إليه والأنس به، ورجل هشّ بشّ وبشّاشّ: طلق الوجه طيّب، وقد بششت به (بالكسر) أبشّ بشّا وبشاشة «2» . واصطلاحا: هي سرور يظهر في الوجه يدلّ به على ما في القلب من حبّ اللّقاء والفرح بالمقابلة. [للاستزادة: انظر صفات: التودد- حسن السمت- السرور- طلاقة الوجه- الرضا- الفرح] . وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجفاء- الحزن العبوس- القنوط- الوهن- اليأس] .   (1) لسان العرب (288- 289) ، والصحاح (3/ 996) ، وتاج العروس (4/ 283) ، ومقاييس اللغة. (2) اللسان (مادة بشش وطلق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 812 الآيات الواردة في «البشاشة» معنى 1- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23) «1» 2- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) «2» 3- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) «3» 4- تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) «4» 5- وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) «5»   (1) القيامة: 22- 23 مكية (2) عبس: 38- 39 مكية (3) الغاشية: 8- 9 مكية (4) المطففين: 24 مكية (5) الانشقاق: 9 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 813 الأحاديث الواردة في (البشاشة) 1- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليّ بشاشة العرس. فقلت: تزوّجت امرأة من الأنصار. فقال: «كم أصدقتها؟» فقلت: نواة من ذهب) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما توطّن «2» رجل مسلم المساجد للصّلاة والذّكر إلّا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (البشاشة) معنى 3- * (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ عبد الله بن عبّاس أخبره أنّ أبا سفيان بن حرب أخبره أنّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجّارا بالشّام في المدّة الّتي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادّ فيها «4» أبا سفيان وكفّار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الرّوم، ثمّ دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيّكم أقرب نسبا بهذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا. فقال أدنوه منّي، وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثمّ قال لترجمانه: قل لهم إنّي سائل هذا الرّجل، فإن كذبني فكذّبوه. فو الله لولا الحياء من أن يأثروا علىّ كذبا لكذبت عنه. ثمّ كان أوّل ما سألني عنه أنّه قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قطّ قبله؟ قلت لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت لا. قال: فأشراف النّاس يتّبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتدّ أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال ولم تمكنّي كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إيّاه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منّا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصّلاة والصّدق والعفاف والصّلة. فقال للتّرجمان:   (1) البخاري- الفتح 9 (5148) . ومسلم (1427) . (2) توطّن: مطاوع وطن ووطن بالبلد اتخذه محلّا وسكنا يقيم فيه. (3) ابن ماجة (800) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وأحمد (2/ 307) رقم (8051) وقال شاكر (15/ 204) : إسناده صحيح. (4) مادّ فيها: أي عقد فيها المدّة وهي الهدنة التي كانت بين المسلمين والمشركين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 814 قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنّه فيكم ذو نسب، فكذلك الرّسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك؟ لقلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنّه لم يكن ليذر الكذب على النّاس ويكذب على الله، وسألتك أشراف النّاس اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل. وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنّهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرّسل لا تغدر. وسألتك بم يأمركم؟ فذكرت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين. وقد كنت أعلم أنّه خارج لم أكن أظنّ أنّه منكم، فلو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الرّوم. سلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين. فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. قال أبو سفيان: فلمّا قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصّخب، وارتفعت الأصوات، وأخرجنا. فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنّه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقنا أنّه سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام) * «1» .   (1) البخاري- الفتح 1 (6) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 815 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (البشاشة) 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: إنّ رجلا استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا رآه قال: بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة. فلمّا جلس تطلّق «1» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجهه وانبسط إليه. فلمّا انطلق الرّجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرّجل قلت له كذا وكذا. ثمّ تطلّقت في وجهه وانبسطت إليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا عائشة متى عهدتني فاحشا؟ إنّ شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه النّاس اتّقاء شرّه» ) * «2» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ معروف صدقة، وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك» ) * «3» . 6- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «4» » ) * «5» . 7- * (عن أبي جريّ جابر بن سليم، قال: رأيت رجلا يصدر «6» النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: عليك السّلام يا رسول الله، مرّتين، قال: لا تقل عليك السّلام؛ فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك. قال: قلت: أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول الله الّذي إذا أصابك «7» ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «8» فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة «9» فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك» . قلت: اعهد إليّ، قال: لا تسبّنّ أحدا. قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك، وأنت منبسط إليه وجهك إنّ ذلك من المعروف. وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار، فإنّها من المخيلة «10» ، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة. وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنّما وبال ذلك عليه) * «11» . 8- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة وهو يخطب بالمدينة فقال: قحط المطر، فاستسق ربّك، فنظر إلى السّماء وما نرى من سحاب، فاستسقى، فنشأ السّحاب بعضه   (1) تطلّق: تهلّل واستبشر. (2) البخاري- الفتح 10 (6032) . ومسلم (2591) . (3) الترمذي (1970) وقال: حسن. وأصله عند البخاري. الفتح 10 (6021) . ومسلم (1005) . (4) طلق: سهل منبسط. (5) مسلم (2626) . (6) يصدر: يستمدون منه الرأي. (7) كل هذه الأوصاف عائدة إلى المضاف إليه (الله) في قوله: «أنا رسول الله» . (8) السنة: الجدب. (9) فلاة: الصحراء، والأرض الواسعة المقفرة. (10) المخيلة: الكبر. (11) أبو داود (4084) وذكره الألباني في صحيح أبي داود (2/ 769) وقال: صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 816 إلى بعض، ثمّ مطروا حتّى سالت مثاعب «1» المدينة، فما زالت إلى الجمعة المقبلة ما تقلع ثمّ قام ذلك الرّجل، أو غيره- والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب فقال: غرقنا، فادع ربّك يحبسها عنّا، فضحك ثمّ قال: «اللهمّ حوالينا ولا علينا» - مرّتين أو ثلاثا، فجعل السّحاب يتصدّع عن المدينة يمينا وشمالا يمطر ما حوالينا، ولا يمطر فيها شيء، يريهم الله كرامة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وإجابة دعوته) * «2» . 9- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها إلّا في غزوة تبوك ... الحديث. وفيه: قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال فقلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ فقال: «لا، بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال وكنّا نعرف ذلك. قال: فلمّا جلست بين يديه قلت ... الحديث) * «3» . 10- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: لمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطّائف قال: إنّا قافلون غدا إن شاء الله، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا نبرح أو نفتحها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فاغدوا على القتال. قال: فغدوا فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثر فيهم الجراحات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّا قافلون غدا إن شاء الله. قال: فسكتوا فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «4» . 11- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه. فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه. وإذا دخل قرية سأل عن اسمها. فإن أعجبه اسمها فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه. وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه) * «5» . 12- * (عن أبي طلحة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوما وهو يرى البشر في وجهه، فقيل: يا رسول الله، إنّا نرى في وجهك بشرا لم نكن نراه؟ قال: «أجل إنّ ملكا أتاني فقال لي: يا محمّد إنّ ربّك يقول لك: أما يرضيك أن لا يصلّي عليك أحد من أمّتك إلّا صلّيت عليه عشرا، ولا يسلّم عليك إلّا سلّمت عليه عشرا.. قال: قلت: بلى» ) * «6» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتى رجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: هلكت، وقعت على أهلي في رمضان. قال: «أعتق رقبة» . قال: ليس لي.   (1) المثاعب: جمع مثعب- بفتح أوله وثالثه- وهو مسيل الماء. (2) البخاري- الفتح 10 (6093) . ومسلم (897) . (3) البخاري- الفتح 7 (4418) . ومسلم (2769) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 10 (6086) . (5) أبو داود (3920) وقال الألباني (2/ 742) : صحيح وهو في الصحيحة (2/ 401) برقم (762) ، وعزاه لابن حبان وتمام وغيرهما. وأحمد (5/ 347- 348) . (6) النسائي (3/ 44) . وقال الألباني (1/ 272) : حسن. والدارمي (2/ 408) رقم (2773) واللفظ له. وأحمد (3/ 332) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 817 قال: «فصم شهرين متتابعين» . قال: لا أستطيع. قال: «فأطعم ستّين مسكينا» . قال: لا أجد. فأتي بعرق «1» فيه تمر. فقال: «أين السّائل؟ تصدّق بها» . قال: على أفقر منّي؟ والله ما بين لابتيها «2» أهل بيت أفقر منّا. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه، قال: «فأنتم إذا» ) * «3» . 14- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به. أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشرق وجهه وسرّه (يعني قوله)) * «4» . 15- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: استأذن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ على صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا استأذن عمر تبادرن الحجاب، فأذن له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال أضحك الله سنّك يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي. فقال: «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، لمّا سمعن صوتك تبادرن الحجاب» . فقال: أنت أحقّ أن يهبن يا رسول الله. ثمّ أقبل عليهنّ فقال: يا عدوّات أنفسهنّ، أتهبنني ولم تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقلن: إنّك أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إيه يا ابن الخطّاب، والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان سالكا فجّا «5» إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «6» . 16- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كان أبو بكر يصلّي لهم في وجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي توفّي فيه حتّى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصّلاة كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستر الحجرة فنظر إلينا وهو قائم كأنّ وجهه ورقة مصحف ثمّ تبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضاحكا. قال فبهتنا ونحن في الصّلاة من فرح بخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصّفّ. وظنّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خارج للصّلاة فأشار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده أن أتمّوا صلاتكم قال: ثمّ دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرخى السّتر. قال فتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يومه ذلك) * «7» . 17- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود البشر فما هو إلّا أن   (1) عرق: هو المكتل ويقال إنه يسع خمسة عشر صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث كما هو رأي الشافعي أو ثمانية كما هو قول أبي حنيفة. (2) لابتيها: اللابة: الأرض ذات الحجارة السود. (3) البخاري- الفتح 10 (6087) ، ومسلم (1111) . (4) البخاري- الفتح 7 (3952) . (5) فجا: الفجّ الطريق الواسع. (6) البخاري- الفتح 10 (6085) (7) البخاري- الفتح 2 (679) . ومسلم (419) واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 818 يدخل شهر رمضان فيدارسه «1» جبريل صلّى الله عليه وسلّم فلهو أجود من الرّيح) * «2» . 18- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجبذ بردائه جبذة شديدة، قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد أثّرت فيها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال: يا محمّد، مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك، ثمّ أمر له بعطاء) * «3» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رفاعة القرظيّ طلّق امرأته فبتّ طلاقها «4» ، فتزوّجها بعده عبد الرّحمن بن الزّبير، فجاءت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله إنّها كانت عند رفاعة فطلّقها ثلاث تطليقات، فتزوّجها بعده عبد الرّحمن بن الزّبير، وإنّه والله ما معه يا رسول الله إلّا مثل هذه الهدبة- لهدبة أخذتها من جلبابها- قال وأبو بكر جالس عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وابن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة ليؤذن له، فطفق «5» خالد ينادي أبا بكر، يا أبا بكر ألا تزجر هذه عمّا تجهر به عند رسول الله؟ وما يزيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التّبسّم، ثمّ قال: «لعلّك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» ) * «6» . 20- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا اعتزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه قال: دخلت المسجد. فإذا النّاس ينكتون «7» بالحصى ويقولون: طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه ... إلى أن قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلت يا رسول الله! ما يشقّ عليك من شأن النّساء؟ فإن كنت طلّقتهنّ؛ فإنّ الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلّما تكلّمت، وأحمد الله بكلام إلّا رجوت أن يكون الله يصدّق قولي الّذي أقول. ونزلت هذه الاية: آية التّخيير: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ (التحريم/ 5) وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (التحريم/ 4) وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: يا رسول الله، أطلّقتهنّ؟ قال «لا» قلت: يا رسول الله، إنّي دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون: طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه. أفأنزل فأخبرهم أنّك لم تطلّقهنّ؟ قال: «نعم. إن شئت» فلم أزل أحدّثه حتّى تحسّر «8» الغضب عن وجهه.   (1) يدارسه: يذاكره ويقارئه. (2) أحمد (1/ 366- 367) رقم (3469) . وقال أحمد شاكر (5/ 157) : إسناده صحيح. وأصل الحديث في الصحيحين. (3) البخاري- الفتح 10 (6088) . ومسلم (1057) . (4) فبت طلاقها: طلقها من غير رجعة. (5) فطفق: فأنشأ. (6) البخاري- الفتح 10 (6084) . (7) ينكتون بالحصى: يضربون به الأرض كفعل المهموم المتفكر. (8) تحسّر: انكشف وزال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 819 وحتّى كشر «1» فضحك، وكان من أحسن النّاس ثغرا، ثمّ نزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلت. فنزلت أتشبّث «2» بالجذع ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده. فقلت: يا رسول الله! إنّما كنت في الغرفة تسعة وعشرين. قال: «إنّ الشّهر يكون تسعا وعشرين» . فقمت على باب المسجد، فناديت بأعلى صوتي: لم يطلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه. ونزلت هذه الاية: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (النساء/ 83) . فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. وأنزل الله- عزّ وجلّ- آية التّخيير) * «3» . 21- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: ما حجبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلّا تبسّم في وجهي ولقد شكوت إليه أنّي لا أثبت على الخيل. فضرب بيده في صدري وقال: اللهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا) * «4» . 22- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في المسجد فقال القوم: هذا عديّ بن حاتم وجئت بغير أمان ولا كتاب. فلمّا دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك «إنّي لأرجو أن يجعل الله يده في يدي» قال: فقام فلقيته امرأة وصبيّ معها فقالا: إنّ لنا إليك حاجة. فقام معهما حتّى قضى حاجتهما، ثمّ أخذ بيدي حتّى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها، وجلست بين يديه، (فحمد الله وأثنى عليه) ، ثمّ قال: «ما يفرّك «5» أن تقول لا إله إلّا الله. فهل تعلم من إله سوى الله؟» قال: قلت لا، قال: ثمّ تكلّم ساعة ثمّ قال: «إنّما تفرّ أن تقول الله أكبر، أو تعلم أنّ شيئا أكبر من الله؟» قال: قلت لا، قال «فإنّ اليهود مغضوب عليهم وإنّ النّصارى ضلّال» . قال: قلت: فإنّي جئت مسلما، قال: فرأيت وجهه تبسّط فرحا. قال: ثمّ أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جعلت أغشاه آتيه طرفي النّهار، قال فبينا أنا عنده عشيّة إذ جاءه قوم في ثياب من الصّوف من هذه النّمار «6» قال: فصلّى وقام فحثّ عليهم ثمّ قال: ولو صاع ولو بنصف صاع ولو بقبضة ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حرّ جهنّم أو النّار ولو بتمرة ولو بشقّ تمرة، فإنّ أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم: ألم أجعل لك سمعا وبصرا؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فيقول: بلى. فيقول: أين ما قدّمت لنفسك؟ فينظر قدّامه وبعده، وعن يمينه وعن شماله، ثمّ لا يجد شيئا يقي به وجهه حرّ جهنّم. ليق أحدكم وجهه النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيّبة فإنّي لا أخاف عليكم الفاقة، فإنّ الله ناصركم   (1) كشر: أبدى أسنانه تبسما ويقال أيضا في الغضب. (2) أتشبث: أستمسك. (3) البخاري- الفتح 9 (5191) . ومسلم (1479) . (4) البخاري- الفتح 6 (3035، 3036) . ومسلم (2475) . (5) ما يفرك: في الأصل: ما يفرّك بضم الياء وفتح الفاء وهو خطأ. والصواب: كسر الفاء. ما يفرّك أي يحملك على الفرار. (6) النمار: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 820 ومعطيكم حتّى تسير الظّعينة «1» فيما بين يثرب والحيرة ... الحديث) * «2» . 23- * (عن جرير- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار. قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار «3» أو العباء متقلّدي السّيوف. عامّتهم من مضر. بل كلّهم من مضر. فتمعّر «4» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة «5» . فدخل ثمّ خرج. فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلّى ثمّ خطب فقال يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الاية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. والاية الّتي في الحشر: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثمّ تتابع النّاس، حتّى رأيت كومين من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبة «6» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده. من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (البشاشة) 1- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «من الدّهاء حسن اللّقاء» ) * «8» . 2- * (قال ابن وكيع- رحمه الله تعالى-: «لاق بالبشر من لقيت من النّا ... س وعاشر بأحسن الإنصاف لا تخالف وإن أتوا بمحال ... تستفد ودّهم بترك الخلاف» ) * «9» . 3- * (قال ابن مفلح- رحمه الله تعالى-: على المسلم أن ينزّه نفسه عن كلّ وصف مذموم شرعا أو عقلا أو عرفا كغلّ وحقد وحسد ونكد وغضب   (1) الظعينة: المرأة في الهودج. (2) الترمذي (2953) ، وقال: حسن غريب، وأحمد في المسند (4/ 378) ، وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 111) : وفي سنده عباد بن حبيش لم يوثقه غير ابن حبّان وباقي رجاله ثقات. وقد أخرج البخاري ومسلم طرفا منه. (3) مجتابي النمار: نصب على الحالية أي لابسيها والنمار جمع نمرة وهي ثياب صوف فيها تنمير. (4) فتمعّر: تغيّر. (5) الفاقة: الحاجة. (6) مذهبة: من الشيء المموّه بالذهب، ويروى مدهنة مؤنث مدهن وهي النقرة في رءوس الجبال يستنقع فيها الماء شبه وجهه لإشراق السرور عليه بصفاء الماء المجتمع في الحجر، وقيل: المدهنة ما يجعل فيه الدهن فيكون قد شبهه بصفاء الدهن. (7) مسلم (1017) . (8) الآداب الشرعية (3/ 556) . (9) المرجع السابق (3/ 573) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 821 وعجب وخيلاء ورياء وهوى وغرض سوء وقصد رديء ومكر وخديعة ومجانبة كلّ مكروه لله تعالى، وإذا جلست مجلس علم أو غيره فاجلس بسكينة ووقار وتلقّ النّاس بالبشرى والاستبشار» ) * «1» . 4- * (عن سعيد بن عبد الرّحمن الزّبيديّ، قال: «يعجبني من القرّاء كلّ سهل طلق مضحاك: فأمّا من تلقاه ببشر ويلقاك بضرس، يمنّ عليك بعمله فلا كثّر الله في النّاس أمثال هؤلاء» ) * «2» . 5- * (قال الشّاعر: «لا يعدم السّائل منه وفرا ... وقبله بشاشة وبشرا» ) * «3» . 6- * (قال بعض الشّعراء: «أزور خليلي ما بدا لي هشّه ... وقابلني منه البشاشة والبشر فإن لم يكن هشّ وبشّ تركته ... ولو كان في اللّقيا الولاية والبشر وحقّ الّذي ينتاب داري زائرا ... طعام وبرّ قد تقدّمه بشر» ) * من فوائد (البشاشة) انظر فوائد صفة (طلاقة الوجه)   (1) الآداب الشرعية (3/ 556) . (2) كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا، ص 196. (3) لسان العرب (1/ 289) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 822 البصيرة والفراسة /الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 7/ 9/ 15/ البصيرة لغة: البصيرة على وزن فعيلة بمعنى مفعلة مأخوذة من مادّة (ب ص ر) الّتي تدلّ على العلم بالشّيء، يقال هو بصير به. قال الرّاغب: «البصر يقال للجارحة النّاظرة (أي العين) نحو قوله تعالى: كَلَمْحِ الْبَصَرِ (النحل/ 77) ، ويقال لقوّة القلب المدركة بصيرة وبصر نحو قوله تعالى: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (ق/ 22) .. وجمع البصر أبصار وجمع البصيرة بصائر قال تعالى: فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ (الأحقاف/ 26) ولا يكاد يقال لجارحة بصيرة، ويقال من الأوّل (البصر) أبصرت، ومن الثّاني (البصيرة) أبصرته وبصرت به وقلّما يقال: بصرت في الحاسّة إذا لم تضمّنه رؤية القلب.. وقوله- عزّ وجلّ- أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (يوسف/ 108) أي على معرفة وتحقّق، والضّرير يقال له بصير على سبيل العكس (كذا قالوا) والأولى أنّ ذلك يقال دعاء له من قوّة بصيرة القلب لا لما قالوه، ولهذا لا يقال له مبصر ولا باصر. ويقول صاحب اللّسان: يقال: بصر به بصرا وبصارة وأبصره وتبصّره: نظر إليه هل يبصره. قال سيبويه: بصر صار مبصرا، وأبصره إذا أخبر بالّذي وقعت عينه عليه، وحكاه اللّحيانيّ: بصر به، بكسر الصّاد: أي أبصره. وأبصرت الشّيء: رأيته، وباصره: نظر معه إلى شيء أيّهما يبصره قبل صاحبه. وبصر بصارة: صار ذا بصيرة، وبصّره الأمر تبصيرا وتبصرة: فهّمه إيّاه. وقال الأخفش في قوله: قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ (96 سورة طه) ، أي علمت ما لم يعلموا به من البصيرة، وقال اللّحيانيّ: والبصيرة: عقيدة القلب. قال اللّيث: البصيرة اسم لما اعتقد في القلب من الدّين وتحقيق الأمر، وقيل: البصيرة الفطنة، تقول العرب: أعمى الله بصائره أي فطنه، عن ابن الأعرابيّ، وفعل ذلك على بصيرة: أي على عمد، وعلى غير بصيرة: أي على غير يقين. التّبصّر. التّامّل والتّعرّف، والتّبصير: التّعريف والإيضاح، ورجل بصير بالعلم: عالم به. ويقال للفراسة الصّادقة: فراسة ذات بصيرة «1» . ومن أجل أنّ الفراسة بعض إطلاقات البصيرة وهما المقصودتان هنا فقد جئنا بتعريف الفراسة أيضا. قال الأصمعيّ: يقال فارس بيّن الفروسة والفراسة والفروسيّة، وإذا كان فارسا بعينه ونظره فهو   (1) لسان العرب (4/ 64- 66) ، ومقاييس اللغة (1/ 253) ، ومفردات الراغب (49) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 823 بيّن الفراسة، (بكسر الفاء) ، ويقال: إنّ فلانا لفارس بذلك الأمر إذا كان عالما به. ويقال هو يتفرّس إذا كان يتثبّت وينظر. ويقال: رجل فارس بيّن الفروسة والفراسة في الخيل، وهو الثّبات عليها والحذق بأمرها، ورجل فارس بالأمر أي عالم به بصير. والفراسة (بكسر الفاء) : في النّظر والتّثبّت والتّأمّل للشّيء والبصر به، يقال: إنّه لفارس بهذا الأمر إذا كان عالما به. والفراسة، (بالكسر) : الاسم من قولك: تفرّست فيه خيرا. وتفرّس في الشّيء: توسّمه، والاسم الفراسة بالكسر. واستعمل الزّجّاج منه أفعل فقال: أفرس النّاس أي أجودهم وأصدقهم فراسة ثلاثة: العزيز في يوسف- على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام- وابنة شعيب في موسى- على نبيّنا وعليهم الصّلاة والسّلام- وأبو بكر في تولية عمر بن الخطّاب- رضي الله عنهما- «1» . واصطلاحا: قال الجرجانيّ: البصيرة هي قوّة القلب المنوّر بنور الله يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها. وهي بمثابة البصر للنّفس يرى به صور الأشياء وظواهرها. وقال الكفويّ: البصيرة قوّة في القلب تدرك بها المعقولات «2» . والبصير: اسم من أسماء الله الحسنى. والبصير هو المبصر لجميع المبصرات، وفي «النّهاية» : أنّ البصير هو الّذي يشاهد الأشياء كلّها، ظاهرها وخفيّها، والبصر في حقّه تعالى عبارة عن الصّفة الّتي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات. وقيل: البصير المتّصف بالبصر لجميع الموجودات، فيعلم تعالى جميع المبصرات تمام العلم، وتنكشف له تمام الانكشاف والتّجلّي، فهو يبصر خائنة الأعين وما تخفي الصّدور. يشاهد ويرى، ولا يغيب عنه ما في السّموات العلى، وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى، وهو الحاضر الّذي لا يغيب «3» . منزلة الفراسة: قال ابن القيّم- رحمه الله-: ومن منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 4) منزلة الفراسة. قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (الحجر/ 75) قال مجاهد- رحمه الله: المتفرّسين. وقال: ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: للنّاظرين، وقال قتادة: للمعتبرين، وقال مقاتل: للمتفكّرين. ولا تنافي بين هذه الأقوال، فإنّ النّاظر متى نظر في آثار ديار المكذّبين ومنازلهم، وما آل إليه أمرهم أورثه فراسة وعبرة وفكرة، وقال تعالى في حقّ المنافقين: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ   (1) لسان العرب (6/ 159- 160) ، المصباح المنير (1/ 56- 57) ، محيط المحيط (42، 683) ، نزهة الأعين النواظر (199- 200) . (2) التعريفات (46) ، والكليات للكفوي (1/ 429) . (3) موسوعة له الأسماء الحسنى (155) ، وبعضه في المقصد الأسني (91) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 824 وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (محمد/ 30) ، فالأوّل: فراسة النّظر والعين، والثّاني: فراسة الأذن والسّمع. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله- يقول: علّق معرفته إيّاهم على المشيئة، ولم يعلّق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط، بل أخبر به خبرا مؤكّدا بالقسم، فقال: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (محمد/ 30) وهو تعريض الخطاب، وفحوى الكلام ومغزاه. والمقصود: أنّه سبحانه أقسم على معرفتهم من لحن خطابهم، فإنّ معرفة المتكلّم وما في ضميره من كلامه: أقرب من معرفته بسيماه وما في وجهه، فإنّ دلالة الكلام على قصد قائله وضميره أظهر من السّيماء المرئيّة، والفراسة تتعلّق بالنّوعين بالنّظر والسّماع. والفراسة ثلاثة أنواع: إيمانيّة. وسببها: نور يقذفه الله في قلب عبده، يفرّق به بين الحقّ والباطل، والحالي «1» والعاطل «2» ، والصّادق والكاذب. وحقيقتها: أنّها خاطر يرد على القلب ينفي ما يضادّه. وهذه الفراسة على حسب قوّة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانا فهو أحدّ فراسة. وأصل هذا النّوع من الفراسة: من الحياة والنّور اللّذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ، قال الله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها (الأنعام/ 122) كان ميتا بالكفر والجهل، فأحياه الله بالإيمان والعلم، وجعل له القرآن والإيمان نورا يستضيء به في النّاس على قصد السّبيل، ويمشي به في الظّلم والله أعلم. الفراسة الثّانية: فراسة الرّياضة والجوع والسّهر والتّخلّي، فإنّ النّفس إذا تجرّدت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجرّدها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدلّ على إيمان ولا على ولاية، وكثير من الجهّال يغترّ بها، وللرّهبان فيها وقائع معلومة، وهي فراسة لا تكشف عن حقّ نافع ولا عن طريق مستقيم، بل كشفها جزئيّ من جنس فراسة الولاة، وأصحاب عبارة الرّؤيا والأطبّاء ونحوهم. الفراسة الثّالثة: الفراسة الخلقيّة، وهي الّتي صنّف فيها الأطبّاء وغيرهم واستدلّوا بالخلق على الخلق لما بينهما من الارتباط الّذي اقتضته حكمة الله كالاستدلال بصغر الرّأس الخارج عن العادة على صغر العقل. ومعظم تعلّق الفراسة بالعين، فإنّها مرآة القلب وعنوان ما فيه، ثمّ باللّسان، فإنّه رسوله وترجمانه. وأصل هذه الفراسة: أنّ اعتدال الخلقة والصّورة: هو اعتدال المزاج والرّوح، وعن اعتدالها يكون اعتدال الأخلاق والأفعال، وبحسب انحراف   (1) الحالي: المملوء بالإيمان. (2) العاطل: الخالي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 825 الخلقة والصّورة عن الاعتدال يقع الانحراف في الأخلاق والأعمال. هذا إذا خلّيت النّفس وطبيعتها. وفراسة المتفرّس تتعلّق بثلاثة أشياء: بعينه، وأذنه، وقلبه، فعينه للسّيماء والعلامات، وأذنه: للكلام وتصريحه وتعريضه، ومنطوقه ومفهومه، وقلبه للعبور والاستدلال من المنظور والمسموع إلى باطنه وخفيّه، فيعبر إلى ما وراء ظاهره، وهو في ذلك كالصّير فيّ ينظر للجوهر من ظاهر السّكّة والنّقد فيعرف الصّحيح من الزّائف. البصيرة تنجم عن الفكرة: الفكرة هي تحديق القلب نحو المطلوب الّذي قد استعدّ له مجملا، ولمّا يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه، فإذا صحّت الفكرة أوجبت البصيرة، إذ هي نور في القلب يبصر به الوعد، والجنّة والنّار، وما أعدّ الله في هذه لأوليائه؛ لأنّ البصيرة نور يقذفه الله في قلب يرى به حقيقة ما أخبرت به الرّسل فيتحقّق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرّسل وتضرّره بمخالفتهم؛ وهذا معنى قول العارفين «البصيرة» تحقّق الانتفاع بالشّيء والتّضرّر به، والبصيرة ما خلّصك من الحيرة إمّا بإيمان أو بعيان «1» . الفرق بين الفراسة (البصيرة) والظن: الفرق بين الفراسة والظّنّ أنّ الظّنّ يخطىء ويصيب وهو يكون مع ظلمة القلب ونوره ولهذا أمر تعالى باجتناب كثير منه وأخبر أنّ بعضه إثم «2» . وأمّا الفراسة فقد أثنى الله على أهلها ومدحهم، وهي لا تحدث إلّا لقلب قد تطهّر وتصفّى وتنزّه من الأدناس وقرب من الله تعالى فأصبح صاحبه ينظر بنور الله الّذي جعله في قلبه، ذلك لأنّ القلب إذا قرب من الله انقطعت عنه معارضات السّوء المانعة من معرفة الحقّ وإدراكه، وكان تلقّيه من مشكاة قريبة من الله بحسب قربه منه، وأضاء الله له النّور بقدر قربه فرأى في ذلك النّور ما لم يره البعيد والمحجوب وصار قلبه كالمرآة الصّافية تبدو فيها صور الحقائق على ما هي عليه فلا تكاد تخطىء له فراسة. بين الفراسة والغيب: ليست الفراسة من علم الغيب بل علّام الغيوب قذف الحقّ في قلب قريب مستبشر بنوره غير مشغول بنقوش الأباطيل والخيالات والوساوس الّتي تمنعه من حصول صور الحقائق فيه، وإذا غلب على القلب النّور فاض على الأركان وبادر من القلب إلى العين فكشف بعين بصره بحسب ذلك النّور «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التأمل- التبين (التثبت) - التدبر- حسن الظن- التفكر- التقوى. اليقين. وفي ضد ذلك: نظر صفات: البلادة والغباء- سوء الظن- الشك- الطيش- الغفلة- الوسوسة- الوهم] .   (1) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 503- 505) بتصرف. (2) انظر صفة: الظن، الشك. (3) الروح لابن القيم ص 215. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 826 الآيات الواردة في «البصيرة» 1- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «1» 2- يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لا وَزَرَ (11) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15) «2» الايات الواردة في «البصيرة» معنى 3- قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) «3» 4- وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «4» 5- قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) «5» 6- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) «6» 7- وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) «7»   (1) يوسف: 108 مكية (2) القيامة: 10- 15 مكية (3) يوسف: 5- 6 مكية (4) يوسف: 18 مكية (5) يوسف: 26 مكية (6) الحجر: 75 مكية (7) محمد: 30- 31 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 827 الأحاديث الواردة في (البصيرة والفراسة) 1- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر قوما يكونون في أمّته، يخرجون في فرقة من النّاس، سيماهم التّحالق «1» . قال: «هم شرّ الخلق أو من أشرّ الخلق- يقتلهم أدنى الطّائفتين إلى الحقّ» قال: فضرب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لهم مثلا: أو قال قولا: «الرّجل يرمي الرّميّة- أو قال الغرض- فينظر في النّصل «2» فلا يرى بصيرة، وينظر في النّضيّ «3» فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق «4» فلا يرى بصيرة» ) * «5» قال: قال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق. 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما حديثا طويلا عن الدّجّال، فكان فيما حدّثنا قال: «يأتي وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب «6» المدينة، فينتهي إلى بعض السّباخ «7» الّتي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير النّاس، أو من خير النّاس، فيقول له: أشهد أنّك الدّجّال الّذي حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثه، فيقول الدّجّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثمّ أحييته، أتشكّون في الأمر؟ فيقولون: لا، قال: فيقتله ثمّ يحييه، فيقول حين يحييه: والله ما كنت فيك قطّ أشدّ بصيرة منّي الان، قال: فيريد الدّجّال أن يقتله فلا يسلّط عليه» ) * «8» . الأحاديث الواردة في (البصيرة والفراسة) معنى 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله، ثمّ قرأ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (الحجر/ 75) » ) * «9» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله عبادا يعرفون النّاس بالتّوسّم» ) * «10» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) سيماهم: أي علامتهم والتّحالق: المراد به حلق الرءوس. (2) النّصل: السهم والرمح ونحوهما. (3) النضيّ: بزنة الغني السهم بلا نصل ولا ريش. (4) الفوق: موضع الوتر من السهم، والجمع أفواق وفوق. (5) مسلم (1065) ونحوه عند البخاري 12 (6933) . (6) نقاب المدينة: أي طرقها وفجاجها، وهو جمع نقب، وهو الطريق بين جبلين. (7) السباخ: جمع سبخة. بفتحتين. وهي الأرض الرملة التي لا تنبت لملوحتها وهذه الصفة خارج المدينة من غير جهة الحرة. (8) البخاري- الفتح 13 (7132) ، مسلم (2938) . (9) الترمذي (3127) وقال: هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد روي عن بعض أهل العلم. وتفسير هذه الاية: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال: للمتفرسين. وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 90 ط. دار الفكر) وزاد نسبته لابن جرير من طريقين ذكرهما ابن كثير في تفسيره وابن أبي حاتم وساقه الهيثمي في المجمع من حديث أبي أمامة (10/ 268) ، وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن. (10) الهيثمي في المجمع (10/ 268) وقال: رواه الطبراني والبزار في الأوسط وإسناده حسن. وذكره ابن كثير في تفسيره من طريقين مج 2، ج 14، (ص 576) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 828 جاء رجل من بني فزارة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك من إبل؟» قال: نعم قال: «فما ألوانها؟» قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق؟» قال: إنّ فيها لورقا «1» ، قال: «فأنّى أتاها ذلك؟» قال: عسى أن يكون نزعه عرق «2» ، قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» ) * «3» . 6- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ قال: جاء عويمر العجلانيّ إلى عاصم بن عديّ فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله، أتقتلونه به؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأله فكره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسائل وعابها، فرجع عاصم فأخبره أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كره المسائل فقال عويمر: والله لاتينّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فجاء وقد أنزل الله تعالى القرآن خلف عاصم، فقال له: «قد أنزل الله فيكم قرآنا» ، فدعا بهما فتقدّما فتلاعنا، ثمّ قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، ففارقها، ولم يأمره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفراقها، فجرت السّنّة في المتلاعنين، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة «4» فلا أراه إلّا قد كذب، وإن جاءت به أسحم أعين «5» ذا أليتين «6» فلا أحسب إلّا قد صدق عليها، فجاءت به على الأمر المكروه» ) * «7» . 7- * (عن عمرو بن عبسة السّلميّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرض الخيل وعنده عيينة بن بدر الفزاريّ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أعلم بالخيل منك» فقال عيينة: وأنا أعلم بالرّجال منك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فمن خير الرّجال؟» قال: رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على مناسج خيولهم من رجال نجد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذبت بل خير الرّجال رجال اليمن، والإيمان يمان إلى لخم وجذام، ومأكول حمير خير من أكلها وحضر موت خير من بني الحارث، والله ما أبالي لو هلك الحارثان جميعا لعن الله الملوك الأربعة جمدا ومخوسا وأبضعة وأختهم العمرّدة» ثمّ قال: «أمرني ربّي أن ألعن قريشا مرّتين فلعنتهم، وأمرني أن أصلّي عليهم فصلّيت عليهم مرّتين مرّتين» ثمّ قال: «لعن الله تميم بن مرّة خمسا وبكر بن وائل سبعا ولعن الله قبيلتين من قبائل بني تميم: مقاعس وملادس» ثمّ قال: «عصيّة عصت الله ورسوله. عبد قيس وجعدة وعصمة» ثمّ قال: «أسلم وغفار ومزينة وأحلافهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند الله يوم القيامة» ثمّ قال: «شرّ قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب وأكثر القبائل في الجنّة مذحج» ) * «8» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) ورق: الورقة السمرة وسواد في غبرة أو سواد وبياض. (2) نزعه عرق: أشبه أصله. والمعنى: يحتمل أن يكون في أصولها ما هو باللون المذكور فاجتذبه إليه. (3) البخاري- الفتح 9 (5305) ، ومسلم (1500) . (4) وحرة: دويبة كالعظاءة تلزق بالأرض. (5) أسحم أعين: أسحم شديد السواد واسع العينين. (6) ذا أليتين: عظيم المقعدة. (7) البخاري- الفتح 13 (7304) ، واللفظ له ومسلم (1492) . (8) الحاكم في المستدرك (4/ 81) وقال: هذا حديث غريب المتن صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد (4/ 387) بلفظ: أنا أفرس، والهيثمي في المجمع (10/ 43) وقال: رواه أحمد متصلا ومرسلا والطبراني ورجال الجميع ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 829 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدّثون «1» ، فإن يك في أمّتي أحد فإنّه عمر» زاد زكريّاء: وعن سعد عن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلّمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن في أمّتي منهم أحد فعمر» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- من نبيّ ولا محدّث» ) * «2» . 9- * (عن عبد الله بن سلام قال: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة انجفل «3» النّاس إليه، وقيل قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجئت في النّاس لأنظر إليه فلمّا استبنت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب وكان أوّل شيء تكلّم به أن قال: «يا أيّها النّاس: أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلّوا والنّاس نيام تدخلوا الجنّة بسلام» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (البصيرة) 1- * (وروي أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- دخل عليه قوم من مذحج فيهم الأشتر، فصعّد فيه النّظر وصوّبه وقال: أيّهم هذا؟ قالوا: مالك بن الحارث، فقال: ما له قاتله الله، إنّي لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا، فكان منه في الفتنة ما كان) * «5» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: ما سألني أحد عن شيء إلّا عرفت أفقيه هو أو غير فقيه) * «6» . 3- * (روي عن الشّافعيّ ومحمّد بن الحسن أنّهما كانا بفناء الكعبة ورجل على باب المسجد فقال أحدهما: أراه نجّارا، وقال الاخر: بل حدّادا، فتبادر من حضر إلى الرّجل فسأله فقال: كنت نجّارا وأنا اليوم حدّاد) * «7» . 4- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: أفرس النّاس ثلاثة: العزيز في يوسف، حيث قال لامرأته أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً (يوسف/ 21) وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى: اسْتَأْجِرْهُ القصص/ 26) ، وأبو بكر في عمر- رضي الله عنهما- حيث استخلفه، وفي رواية أخرى: وامرأة فرعون حين قالت: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ   (1) محدّثون: ملهمون أو مصيبون وقيل تكلمهم الملائكة بغير نبوة وقال ابن حجر: يجري الصواب على ألسنتهم من غير قصد. (2) البخاري- الفتح 7 (3689) ، مسلم (2398) . ويشير ابن عباس بقوله: من نبي ولا محدّث إلى قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى.. الاية. كان ابن عباس زاد فيها «ولا محدّث» . (3) انجفل الناس إليه: أي ذهبوا إليه مسرعين. (4) الترمذي (2485) وقال: هذا حديث صحيح، وابن ماجة إقامة (174) ، أطعمة 1، الدارمي صلاة (156) . (5) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 44) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 830 نَتَّخِذَهُ وَلَداً (القصص/ 9)) * «1» . 5- * (قال عبد الله بن رواحة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّي توسّمت فيك الخير أعرفه ... والله يعلم أنّي ثابت البصر وقال آخر: توسّمته لمّا رأيت مهابة ... عليه وقلت المرء من آل هاشم) * «2» . 6- * (قال ابن القيّم: كان الصّدّيق- رضي الله عنه- أعظم الأمّة فراسة، وبعده عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ووقائع فراسته مشهورة فإنّه ما قال لشيء أظنّه كذا إلّا كان كما قال، ويكفي في فراسته: موافقته ربّه في المواضع المعروفة. ومرّ بعمر- رضي الله عنه- سواد بن قارب، ولم يكن يعرفه، فقال: لقد أخطأ ظنّي، وإنّ هذا كاهن، أو كان يعرف الكهانة في الجاهليّة. فلمّا جلس بين يديه قال له ذلك عمر، فقال: سبحان الله يا أمير المؤمنين ما استقبلت أحدا من جلسائك بمثل ما استقبلتني به، فقال له عمر رضي الله عنه: ما كنّا عليه في الجاهليّة أعظم من ذلك، ولكن أخبرني عمّا سألتك عنه، فقال: صدقت يا أمير المؤمنين كنت كاهنا في الجاهليّة ... وفراسة الصّحابة- رضي الله عنهم- أصدق الفراسة) * «3» . 7- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: كان إياس ابن معاوية من أعظم النّاس فراسة، وله الوقائع المشهورة، وكذلك الشّافعيّ رحمه الله، وقيل: إنّ له فيها تاليف) * «4» . 8- * (وقال أيضا: ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم، ووقائع فراسته تستدعي سفرا ضخما) * «5» . 9- * (روي عن الحسن البصريّ أنّه دخل عليه عمرو بن عبيد فقال: هذا سيّد فتيان البصرة إن لم يحدث، فكان من أمره من القدر ما كان، حتّى هجره عامّة إخوانه) * «6» . 10- * (قال ثعلب: الواسم النّاظر إليك من فرقك «7» إلي قدمك، وأصل التّوسّم التّثبّت والتّفكّر، مأخوذ من الوسم وهو التّأثير بحديدة في جلد البعير وغيره، وذلك يكون بجودة القريحة وحدّة الخاطر وصفاء الفكر، زاد غيره: وتفريغ القلب من حشو الدّنيا، وتطهيره من أدناس المعاصي وكدورة الأخلاق وفضول الدّنيا) * «8» . 11- * (قال عمرو بن نجيد: كان شاه الكرمانيّ حادّ الفراسة لا يخطىء، ويقول: من غضّ بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشّهوات، وعمّر باطنه بالمراقبة وظاهره باتّباع السّنّة، وتعوّد أكل الحلال لم تخطىء فراسته) * «9» .   (1) مدارج السالكين (2/ 506) . (2) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 43) . (3) مدارج السالكين (2/ 506) . (4) المرجع السابق (2/ 510) . (5) المرجع السابق (2/ 510) . (6) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 44) . (7) فرقك: أي من رأسك إلى قدمك. (8) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 44) . (9) مدارج السالكين (2/ 505) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 831 12- * (يقال في بعض الكتب القديمة: إنّ الصّدّيق لا تخطىء فراسته) * «1» . 13- * (قال الشّاعر طريف بن تميم العنبريّ: أو كلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم 14- * (وقال زهير بن أبي سلمى: وفيهنّ ملهى للصّديق ومنظر ... أنيق لعين النّاظر المتوسّم 15- * (وقيل في قول الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (الحجر/ 75) . قيل: معناه للمتفرّسين أو للنّاظرين أو للمعتبرين، أو للمتبصّرين، قال أبو عبيدة: والمعنى متقارب) * «2» . من فوائد (البصيرة والفراسة) (1) الفراسة الإيمانيّة نظر إلى الأشياء بنور الله. (2) تشعر المؤمن بكرامته على الله. (3) قوّة الفراسة على حسب قوّة الإيمان. (4) المتفرّس المؤمن يثق به النّاس ويطمئنّون إليه. (5) معظم تعلّق الفراسة بالعين والقلب. (6) بعض الفراسة يحصل بالرّياضة ولا علاقة لها بالإيمان ومعظم أصحابها مشعوذون.   (1) مدارج السالكين (2/ 506) . (2) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 43) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 832 البكاء / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 8/ 16/ 18/ البكاء لغة: مصدر قولهم بكى يبكى بكاء وبكى، فهو باك، والجمع بكاة وبكيّ، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ب ك ي) الّتي تدلّ في أصل اللّغة على معنيين: الأوّل: بمعنى خروج الدّمع، والاخر: نقصان الشّيء وقلّته «1» . ويرجع البكاء هنا إلى المعنى الأوّل، وهو يقصر ويمدّ فيقال فيه: البكا والبكاء. قال النّحويّون: من قصره أجراه مجرى الأدواء والأمراض، ومن مدّه أجراه مجرى الأصوات كالثّغاء والرّغاء والدّعاء، وأنشد الخليل في قصره ومدّه: بكت عيني وحقّ لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل وذكر ابن منظور عن الفرّاء وغيره: أنّ البكاء بالمدّ يكون إذا أردت الصّوت الّذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت أردت الدّموع وخروجها. ويقول الكفويّ: البكاء يمدّ إذا كان الصّوت أغلب، ويقصر إذا كان الحزن أغلب، وقيل: هو بالقصر خروج الدّمع فقط، وبالمدّ خروج الدّمع مع الصّوت، والمرء إن تهيّأ للبكاء قيل: أجهش، فإن امتلأت عينه دموعا قيل: اغرورقت، فإن سالت قيل: دمعت وهمعت. والفعل منه بكى، يقال: بكيت فلانا وبكّيته إذا بكيت عليه وبكّيته أيضا هيّجته للبكاء، وأبكيته إذا صنعت به ما يبكيه، قال الشّاعر: الشّمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا ويقال: استبكيته وأبكيته بمعنى واحد والبكيّ الكثير البكاء ووزنه فعيل. ويقال: رجل باك والجمع بكاة وبكيّ، فأمّا «بكاء» بكسر الباء في قوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّا معاشر الأنبياء بكاء» فإنّه مأخوذ من بكأ الّتي تدلّ على القلّة، قال أبو عبيد: معناه: قليلة دموعهم «2» . البكاء اصطلاحا: هو إراقة الدّموع من أثر الخوف من الله أو للتّعبير عن حزن في الفؤاد.   (1) من هذا المعنى قولهم للناقة القليلة اللبن هي بكيئة، وبكؤت تبكؤ بكاءة (ممدودة) أي قلّ لبنها، وقال زيد الخيل: وقالوا عامر سارت إليكم ... بألف أو بكا منه قليل. وقال الأسعر الجعفي: بل ربّ عرجلة أصابوا خلّة ... دأبوا وحارد ليلهم حتى بكا قال: حارد قلّ فيه المطر، وبكا: مثله، (وأصله بكأ) . (2) انظر مقاييس اللغة، لابن فارس (1/ 286) ، الكليات للكفوي (1/ 429) ، ولسان العرب (1/ 82- 83) ط. بيروت، وبصائر ذوي التمييز (2/ 268) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 833 والبكاء أنواع: (1) بكاء خشية من الله تعالى. (2) بكاء عند سماع القرآن. (3) بكاء الاعتبار والتّدبّر والخوف من الوعيد. (4) بكاء الرّحمة لفقدان عزيز. (5) بكاء التّصنّع وهو غير مستحبّ. (6) بكاء الاعتراض وهو المصحوب بحركات وأصوات تدلّ على الاعتراض على قدر الله. وهذا مذموم ومحرّم. (7) بكاء الخوف من حوادث الدّنيا وتغيّراتها وتقلّباتها. وهو يولّد المرض والاكتئاب. البكاء بين المدح والذم: المفروض أن يكون البكاء خشية من الله تعالى، وخوفا منه، وطمعا في رحمته، فهذا هو البكاء المحمود، أو أن يكون البكاء من سماع القرآن وما فيه بعد تدبّره وتأمّله، أو أن يكون لمعنى إنسانيّ نبيل كما فعل سيّد البشر صلّى الله عليه وسلّم حين مات ابنه إبراهيم، وهذا كلّه من البكاء المحمود المشروع. أمّا بكاء التّصنّع وما فيه، سواء كان ذلك لإثبات صدق قول أو دعوى أو ما إلى ذلك كما فعل إخوة يوسف، فهذا من البكاء المذموم؛ لأنّه لا يكاد يدلّ على صدق الإنسان في فعله أو فعاله، وقد قيل: إنّ المصنوع لا يخفى، وقال حكيم: إذا اشتبكت دموع في خدود ... تبيّن من بكى ممّن تباكى «1» وقد ذهب العلماء إلى القول بأنّ البكاء إنّما يكون عند تلاوة القرآن، يقول القرطبيّ: «ينبغي لمن قرأ سجدة أن يدعو فيها بما يليق باياتها، فإن قرأ سورة السّجدة الم تَنْزِيلُ ... قال: اللهمّ اجعلني من السّاجدين لوجهك، المسبّحين بحمدك، وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك، وإن قرأ سجدة سبحان قال: اللهمّ اجعلني من الباكين إليك، الخاشعين لك، وإن قرأ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا قال: اللهمّ اجعلني من عبادك المنعم عليهم، المهديّين السّاجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك» «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الخشوع- الخشية التذكر- تذكر الموت- التوبة- الرجاء- الخوف- الورع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- البلادة والغباء- الجفاء- الغفلة- القسوة الإعراض طول الأمل] .   (1) راجع تفسير القرطبي (9/ 96) . (2) المرجع السابق (11/ 81) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 834 الآيات الواردة في «البكاء» البكاء دليل الإيمان: 1- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) «1» 2- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) «2» البكاء من الله: 3- وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) «3» البكاء ندما: 4- فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «4» البكاء الكاذب (التباكي) : 5- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16) «5» الآيات الواردة في «البكاء» معنى 6- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) «6» 7- وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92) «7» 8- وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) «8»   (1) الإسراء: 107- 109 مكية (2) مريم: 58 مكية (3) النجم: 42- 43 مكية (4) التوبة: 82 مدنية (5) يوسف: 16 مكية (6) المائدة: 83 مدنية (7) التوبة: 92 مدنية (8) يوسف: 84 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 835 الأحاديث الواردة في (البكاء) 1- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طوبى لمن ملك نفسه ووسعه بيته وبكى على خطيئته» ) * «1» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أصحابه شيء. فخطب فقال: «عرضت عليّ الجنّة والنّار، فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ، قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أشدّ منه، قال: غطّوا رءوسهم ولهم خنين «2» ) * «3» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «عينان لا تمسّهما النّار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلج النّار رجل بكى من خشية الله حتّى يعود اللّبن في الضّرع «5» ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله «6» ودخان جهنّم» ) * «7» . الأحاديث الواردة في (البكاء) معنى 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه «8» ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «9» .   (1) المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 232) ، وقال: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وحسن إسناده. (2) خنين: صوت البكاء، وهو نوع من البكاء دون الانتحاب. ورواية البخاري «حنين» بالحاء المهملة وهو الصوت الذي يرتفع بالبكاء من الصدر، والخنين- بالخاء المعجمة- من الأنف، وقال الخطابي: الحنين بكاء دون الانتحاب، وقد يجعلون الحنين والخنين واحدا. (3) البخاري- الفتح 8 (4621) ، مسلم (2359) ، واللفظ له. (4) الترمذي (1639) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (9/ 487) : حديث صحيح بشواهده. (5) المعنى أنه من المحال أن يدخل النار من بكى من خشية الله. (6) المعنى أن من غبّر نفسه في سبيل الله فلن يغبر بدخان جهنم، وكل ذلك مبني على فضل الله. (7) الترمذي (1633) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (6/ 12) ، وابن ماجة (2774) . (8) المراد المبالغة في كتمان الصدقة. (9) البخاري- الفتح 3 (1423) ، مسلم (1031) واللفظ له، وقوله: ففاضت عيناه أي: بكت من خشية الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 836 6- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ليس شيء أحبّ إلى الله من قطرتين وأثرين. قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تهراق «1» في سبيل الله. وأمّا الأثران، فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله» ) * «2» . 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذكر الله ففاضت عيناه «3» من خشية الله حتّى يصيب الأرض من دموعه لم يعذّبه الله تعالى يوم القيامة» ) * «4» . 8- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة «5» موعظة بليغة ذرفت «6» منها العيون، ووجلت «7» منها القلوب. فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع فبماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ «8» » ) * «9» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (البكاء) 9- * (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي وفي صدره أزيز كأزيز «10» الرّحى من البكاء صلّى الله عليه وسلّم) * «11» . 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ القرآن» قال: فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟. قال: «إنّي أشتهي أن أسمعه من غيري» ، فقرأت النّساء حتّى إذا بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً، رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل) * «12» . 11- * (عن عبد الله بن عمرو قال:   (1) تهراق: بمعنى تراق. (2) الترمذي (1669) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (9/ 576) : إسناده حسن. (3) ففاضت عيناه: فبكى. (4) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 260) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (5) صلاة الغداة: الصبح. (6) ذرفت: انصب الدمع منها. (7) وجلت: خافت وفزعت. (8) النواجذ: آخر الأضراس، والمعنى استمسكوا بها. (9) الترمذي (2676) ، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (4607) ، وابن ماجة في المقدمة (42) . (10) أزيز: صوت كصوت الرحى في التحرك والاضطراب. (11) أبو داود (904) ، والنسائي (3/ 18) كتاب السهو، وقال محقق جامع الأصول (5/ 435) : حديث صحيح. (12) البخاري- الفتح 8 (4582) . ومسلم (800) ، واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 837 انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الصّلاة، وقام الّذين معه فقام قياما فأطال القيام ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ رفع رأسه، وسجد فأطال السّجود، ثمّ رفع رأسه وجلس فأطال الجلوس، ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ رفع رأسه وقام، فصنع في الرّكعة الثّانية مثل ما صنع في الرّكعة الأولى من القيام والرّكوع والسّجود والجلوس فجعل ينفخ في آخر سجوده من الرّكعة الثّانية ويبكي ويقول: «لم تعدني هذا وأنا فيهم، لم تعدني هذا ونحن نستغفرك «1» ثمّ رفع رأسه وانجلت الشّمس» . فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله عزّ وجلّ فإذا رأيتم كسوف أحدهما فاسعوا إلى ذكر الله- عزّ وجلّ- والّذي نفس محمّد بيده لقد أدنيت الجنّة منّي حتّى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها ولقد أدنيت النّار منّي حتّى لقد جعلت أتّقيها خشية أن تغشاكم، حتّى رأيت فيها امرأة من حمير تعذّب في هرّة، ربطتها فلم تدعها تأكل من خشاش الأرض «2» فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها حتّى ماتت فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت، وإذا ولّت تنهش أليتها وحتّى رأيت فيها صاحب السّبتيّتين أخا بني الدّعداع يدفع بعصا ذات شعبتين في النّار، وحتّى رأيت فيها صاحب المحجن «3» الّذي كان يسرق الحاجّ بمحجنه متّكئا على محجنه في النّار يقول: أنا سارق المحجن» ) * «4» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين وكان ظئرا «5» لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه. ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان. فقال له عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة» . ثمّ أتبعها بأخرى فقال صلّى الله عليه وسلّم «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضي ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ) * «6» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبر أمّه. فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي. واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي. فزوروا القبور. فإنّها تذكّر الموت» ) * «7» . 14- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: شهدنا بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس   (1) أي في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الأنفال/ 33) . (2) خشاش الأرض: حشراتها وتفسيرها بالنبات غلط (فتح الباري/ المقدمة 117) . (3) المحجن: خشبة في طرفها اعوجاج، وكل عود معطوف الرأس. والسّبتيّتان: النعلان. انظر «جامع الأصول» (6/ 181) . (4) النسائي (3/ 137- 139) ، وقال الألباني: صحيح، وصحيح سنن النسائي (1/ 1401) ، وأبو داود (1194) وبعضه في الصحيحين. وانظر «جامع الأصول» (6/ 181) . (5) الظئر: المرضع غير ولدها والمراد به هنا زوج مرضعة إبراهيم. (6) البخاري- الفتح 3 (1303) . ومسلم (2315) . (7) مسلم (976) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 838 على القبر. فرأيت عينيه تدمعان، فقال: هل فيكم من أحد لم يقارف اللّيلة؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: «فانزل في قبرها» . فنزل في قبرها فقبرها. قال ابن مبارك قال فليح: أراه يعني الذّنب. قال أبو عبد الله: (ليقترفوا) أي ليكتسبوا) * «1» . 15- * (وعن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: «لمّا نزلت أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ. بكى أصحاب الصّفّة حتّى جرت دموعهم على خدودهم فلمّا سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكى معهم فبكينا ببكائه؛ فقال صلّى الله عليه وسلّم لا يلج النّار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنّة مصرّ على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم» ) * «2» . 16- * (عن هاني مولى عثمان- رضي الله عنه- قال: كان عثمان، إذا وقف على قبر يبكي حتّى يبلّ لحيته. فقيل له: تذكر الجنّة والنّار ولا تبكي، وتبكي من هذا؟ قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ القبر أوّل منزل من منازل الاخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه. وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه» قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا والقبر أفظع منه» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (البكاء) 1- * (عن عرفجة قال: قال أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه-: من استطاع منكم أن يبكي فليبك ومن لم يستطع فليتباك «4» ) * «5» . 2- * (قرأ ابن عمر- رضي الله عنهما- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فلمّا بلغ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (المطففين/ 1- 6) بكى حتّى خرّ وامتنع من قراءة ما بعده) * «6» . 3- * (خرج عمر يوما إلى السّوق ومعه الجارود «7» ، فإذا امرأة عجوز فسلّم عليها عمر، فردّت عليه، وقالت: هيه يا عمير، عهدتك وأنت تسمّى عميرا في سوق عكاظ تصارع الصّبيان فلم تذهب الأيام حتّى سمعت عمر، ثمّ قليل سمعت أمير المؤمنين. فاتّق الله في الرّعيّة، واعلم أنّه من خاف الموت خشي الفوت. فبكى عمر، فقال الجارود: لقد   (1) البخاري- الفتح 3 (1342) . (2) شعب الإيمان- البيهقي (تحقيق أبى هاجر محمد السعيد ابن بسيوني (1/ 489) حديث رقم (798) ، والدر المنثور السيوطي (6/ 5131) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبيي (17/ 80) . (3) الترمذي (2308) ، ابن ماجة (2/ 4267) ، البغوي في شرح السنة (5/ 418) ، وقال محققه: سنده حسن. وحسّنه أيضا محقق «جامع الأصول» (11/ 165) . (4) يتباكى: يتكلف البكاء ويتصنعه. (5) الزهد لابن المبارك (42) . (6) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 253) . (7) الجارود: رجل من الصحابة واسمه بشر بن عمرو من عبد القيس وسمي الجارود؛ لأنه فر بإبله إلى أخواله من بني شيبان وبإبله داء ففشا ذلك الداء في إبل أخواله فأهلكها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 839 اجترأت على أمير المؤمنين وأبكيته، فأشار إليه عمر أن دعها، فلمّا فرغ قال: أما تعرف هذه؟ قال: لا، قال: هذه خولة ابنة حكيم الّتي سمع الله قولها، فعمر أحرى أن يسمع كلامها، أشار إلى قوله تعالى قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (المجادلة/ 1) وهي خولة هذه) * «1» . 4- * (بكى أبو هريرة في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أما إنّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلّة زادي، وإنّي أمسيت في صعود على جنّة أو نار، لا أدري إلى أيّتهما يؤخذ بي) * «2» . 5- * (عن حفص بن عمر- رضي الله عنهما- قال: بكى الحسن، فقيل: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدا في النّار ولا يبالي) * «3» . 6- * (عن القاسم بن عبد الرّحمن قال: قال رجل لابن مسعود: يا أبا عبد الرّحمن أوصني قال: ليسعك بيتك، وابك من ذكر خطيئتك، وكفّ لسانك) * «4» . 7- * (عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك، فقال: فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر «5» » ) * «6» . 8- * (قالت فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر ابن عبد العزيز للمغيرة بن حكيم: يا مغيرة، إنّه قد يكون في النّاس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر، وما رأيت أحدا قطّ كان أشدّ فرقا «7» من ربّه من عمر، كان إذا صلّى العشاء قعد في مسجده ثمّ رفع يديه، فلم يزل يبكي حتّى تغلبه عيناه، ثمّ ينتبه فلا يزال يبكي حتّى تغلبه عيناه) * «8» . 9- * (عن الحسن أنّه قرأ هذه الاية أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (النجم/ 59- 60) ، قال: والله إن كان أكيس القوم في هذا الأمر لمن بكى، فأبكوا هذه القلوب، وابكوا هذه الأعمال؛ فإنّ الرّجل لتبكي عيناه وإنّه لقاسي القلب) * «9» . 10- * (قال الحسن البصريّ: «إنّ المؤمنين قوم ذلّت والله منهم الأسماع والأبصار والأبدان حتّى حسبهم الجاهل مرضى، وهم والله أصحاب القلوب، ألا تراه يقول: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (فاطر/ 34) ، والله لقد كابدوا في الدّنيا حزنا   (1) الشفاء لابن الجوزي (87) . (2) شرح السنة للبغوي (14/ 373) . (3) التخويف من النار لابن رجب (23) . (4) الزهد لابن المبارك (42) . (5) ادّكر: تذكّر. (6) تفسير ابن كثير (1/ 438) . (7) فرقا: خوفا. (8) شعب الإيمان للبيهقي (3/ 209) ، ورجاله ثقات. (9) الزهد لابن المبارك (41) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 840 شديدا، وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم، والله ما أحزنهم ما أحزن النّاس، ولكن أبكاهم وأحزنهم الخوف من النّار» ) * «1» . 11- * (عن ابن أبي مليكة قال: مرّ رجل على عبد الله بن عمرو وهو ساجد في الحجر وهو يبكي، فقال: أتعجب أن أبكي من خشية الله، وهذا القمر يبكي من خشية الله؟! قال: ونظر إلى القمر حين شفّ أن يغيب) * «2» . 12- * (قال مالك: دخل عمر بن عبد العزيز على فاطمة امرأته فطرح عليها خلق ساج «3» عليه، ثمّ ضرب على فخذها، فقال: يا فاطمة لنحن ليالي دابق أنعم منّا اليوم، فذكّرها ما كانت نسيته من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف، فنحّتها عنها، وقالت: لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ، فقام وهو يقول بصوت حزين: يا فاطمة، إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم، فبكت فاطمة وقالت: اللهمّ أعذه من النّار) * «4» . 13- * (قال أبو سليمان: عوّدوا أعينكم البكاء، وقلوبكم التّفكّر. وقال: «الفكر في الدّنيا حجاب عن الاخرة، والفكر في الاخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب» ) * «5» . 14- * (عن عبد الأعلى التّيميّ قال: من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألّا يكون أوتي علما ينفع، لأنّ الله تعالى نعت العلماء فقال: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ- إلى قوله- وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ (الإسراء/ 107- 109) » ) * «6» . 15- * (عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال عيسى عليه السلام: طوبى لمن بكى على خطيئته، وخزن لسانه، ووسعه بيته) * «7» . 16- * (قال سريّ السّقطيّ: للخائف مقامات منها الحزن اللّازم، والهمّ الغالب، والخشية المقلقة وكثرة البكاء، والتّضرّع في اللّيل والنّهار، والهرب من مواطن الرّاحة، ووجل القلب) * «8» . 17- * (عن يزيد بن ميسرة قال: «البكاء من سبعة أشياء: البكاء من الفرح، والبكاء من الحزن، والفزع، والرّياء، والوجع والشّكر، وبكاء من خشية الله تعالى، فذلك الّذى تطفأ الدّمعة منها أمثال البحور من النّار» ) * «9» . من أقوال الشعراء: 18- قال كعب بن مالك: بكت عيني وحقّ لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل   (1) التخويف من النار لابن رجب (23) . (2) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 251) . (3) خلق ساج: ضرب من الملاحف قديم. (4) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (164) . (5) الإحياء للغزالي (4/ 425) . (6) الزهد لابن المبارك (41) . (7) حسن السمت في الصمت (65) . (8) الزهد، هناد بن السريّ الكوفي (267- 268) . (9) حلية الأولياء لابن نعيم (10/ 118) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 841 على أسد الإله غداة قالوا: ... أحمزة ذاكم الرّجل القتيل؟ أبا يعلى لك الأركان هدّت ... وأنت الماجد البرّ الوصول عليك سلام ربّك في جنان ... مخالطها نعيم لا يزول «1» من فوائد (البكاء) (1) البكاء دليل على خشية الله ومراقبته. (2) البكاء دليل على صلاح العبد واستقامته. (3) البكاء يورث الخوف من الله وهو علامة على صحّة الإيمان. (4) البكاء طريق موصّل إلى محبّة الله ورضوانه. (5) البكاء دليل على رقّة القلب واستجابته. (6) البكاء سمة من سمات الخاشعين.   (1) لسان العرب (1/ 82- 83) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 842 [ حرف التاء ] التأمل / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 34/ 3/ 21/ التأمل لغة: مصدر تأمّل وهو مأخوذ من مادة (أم ل) الّتي تفيد معنيين: الأوّل: التّثبّت والانتظار، والثّاني: الحبل من الرّمل ومن المعنى الأوّل قول الخليل: الأمل الرّجاء تقول أمّلته أؤمّله تأميلا، وأملته آمله أملا وإملة على بناء جلسة، وهذا لما فيه من الانتظار. والتّأمّل: التثبّت في النّظر، قال الشّاعر (زهير) : تأمّل خليلي هل ترى من ظعائن ... تحمّلن بالعلياء من فوق جرثم وقال المرار: تأمّل ما تقول وكنت قدما ... قطاميّا تأمّله قليل القطاميّ الصّقر وهو يكتفي بنظرة واحدة «1» . وقال ابن منظور: (يقال) تأمّلت الشّيء أي نظرت إليه متثبّتا له، وتأمّل الرّجل: تثبّت في الأمر والنّظر «2» . التّأمّل اصطلاحا: هو تدقيق النّظر في الكائنات بغرض الاتّعاظ والتّذكّر، وقال الكفويّ: التّأمّل هو استعمال الفكر، ونقل عن بعض الأفاضل: أنّ قولهم: تأمّل بلا فاء إشارة إلى الجواب القويّ، وبالفاء إلى الجواب الضّعيف وبالفاء واللام (فليتأمّل) إلى الجواب الأضعف قال: ومعنى «تأمّل» : أنّ في هذا المحلّ دقّة، ومعنى «فتأمّل» أنّ في هذا المحلّ أمرا زائدا على الدّقة بتفصيل، ومعنى «فليتأمّل» ، هكذا مع زيادة اللّام والفاء، أي تأمّل ما سبق مع زيادة في الدّقّة، بناء على أنّ كثرة الحروف تدلّ على كثرة في المعنى «3» . تأمل القرآن: قال ابن القيّم: أمّا التّأمّل في القرآن فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه. وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله. وهو المقصود بإنزاله، لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر، قال الله تعالى كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (ص/ 29) . فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبّر القرآن، وإطالة التّأمّل فيه وجمع الفكر على معاني آياته. فإنّها تطلع العبد على معالم الخير والشّرّ بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومال أهلهما،   (1) ومن المعنى الثاني: الأميل وجمعه أمل ومن ذلك ما أنشده ابن الأعرابيّ: وقد تجشّمت أميل الأمل، أي أعظم الأمل. انظر مقاييس اللغة (1/ 140) . (2) لسان العرب (11/ 27) . (3) الكليات (2/ 60) بتصرف يسير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 843 وتتلّ «1» في يده مفاتيح كنوز السّعادة والعلوم النّافعة. وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه. وتشيّد بنيانه، وتوطّد أركانه. وتريه صورة الدّنيا والاخرة، والجنّة والنّار في قلبه. وتحضره بين الأمم وتريه أيّام الله فيهم. وتبصّره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله. وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبّه وما يبغضه، وصراطه الموصّل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطّريق وآفاتها. وتعرّفه النّفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصحّحاتها وتعرّفه طريق أهل الجنّة وأهل النّار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السّعادة وأهل الشّقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه. وبالجملة تعرّفه الرّبّ المدعوّ إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه. وتعرّفه مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشّيطان، والطّريق الموصّلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه. فهذه ستّة أمور ضروريّ للعبد معرفتها، ومشاهدتها ومطالعتها. فتشهده الاخرة حتّى كأنّه فيها، وتغيّبه عن الدّنيا حتّى كأنّه ليس فيها، وتميّز له بين الحقّ والباطل في كلّ ما اختلف فيه العالم، فتريه الحقّ حقّا، والباطل باطلا، وتعطيه فرقانا ونورا يفرّق به بين الهدى والضّلال، والغيّ والرّشاد، وتعطيه قوّة في قلبه، وحياة وسعة وانشراحا وبهجة وسرورا. فيصير في شأن والنّاس في شأن آخر. فإنّ معاني القرآن دائرة على التّوحيد وبراهينه، والعلم بالله وما له من أوصاف الكمال، وما ينزّه عنه من سمات النّقص، وعلى الإيمان بالرّسل، وذكر براهين صدقهم، وأدلّة صحّة نبوّتهم، والتّعريف بحقوق مرسلهم، وعلى الإيمان بملائكته، وهم رسله في خلقه وأمره، وتدبيرهم الأمور بإذنه ومشيئته، وما جعلوا عليه من أمر العالم العلويّ والسّفليّ، وما يختصّ بالنّوع الإنسانيّ منهم، من حين يستقرّ في رحم أمّه إلى يوم يوافي ربّه ويقدم عليه، وعلى الإيمان باليوم الاخر وما أعدّ الله فيه لأوليائه من دار النّعيم المطلق، الّتي لا يشعرون فيها بألم ولا نكد ولا تنغيص، وما أعدّ لأعدائه من دار العقاب الوبيل الّتي لا يخالطها سرور ولا رخاء ولا راحة ولا فرح؛ وعلى تفصيل ذلك أتمّ تفصيل وأبينه؛ وعلى تفاصيل الأمر والنّهي، والشّرع والقدر، والحلال والحرام، والمواعظ والعبر، والقصص والأمثال، والأسباب والحكم، والمبادى والغايات، في خلقه وأمره. فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربّه بالوعد الجميل، وتحذّره وتخوّفه بوعيده من العذاب الوبيل «2» ، وتحثّه على التّضمّر «3» والتّخفّف للقاء اليوم   (1) تلّ الشيء في يده- بالمثناة الفوقية-: وضعه فيها. (2) الوبيل: الوخيم وزنا ومعنى. (3) التّضمّر: الإسراع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 844 الثّقيل، وتهديه في ظلم الاراء والمذاهب إلى سواء السّبيل. وتصدّه عن اقتحام طرق البدع والأضاليل وتبعثه على الازدياد من النّعم بشكر ربّه الجليل، وتبصّره بحدود الحلال والحرام، وتوقفه عليها لئلّا يتعدّاها فيقع في العناء الطّويل، وتثبّت قلبه عن الزّيغ والميل عن الحقّ والتّحويل. وتسهّل عليه الأمور الصّعاب والعقبات الشّاقّة غاية التّسهيل. وتناديه كلّما فترت «1» عزماته، وونى «2» في سيره: تقدّم الرّكب وفاتك الدّليل. فاللّحاق اللّحاق، والرّحيل الرّحيل، وتحدو به وتسير أمامه سير الدّليل وكلّما خرج عليه كمين من كمائن العدوّ أو قاطع من قطّاع الطّريق نادته: الحذر الحذر، فاعتصم بالله، واستعن به، وقل: حسبي الله ونعم الوكيل. وفي تأمّل القرآن وتدبّره، وتفهّمه أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد «3» . الفرق بين التأمل والتفكر والتدبر: قد يظنّ المرء للوهلة الأولى أنّ هذه الصّفات الثّلاثة مترادفة أي أنّها ذات معنى واحد، ولكن لا يلبث هذا الظنّ أن يتلاشى عند التّحقيق العلمي؛ لأنّ بينها فروقا دقيقة تحتّم أن نجعلها صفات مستقلّة، فالتّأمّل في أصل اللّغة مأخوذ من مادّة (أم ل) الّتي تدلّ على التثبّت. والانتظار، والتّفكّر مأخوذ من مادة (ف ك ر) الّتي تدلّ على تردّد القلب في الشّيء، أمّا التّدبّر فمأخوذ من مادّة (د ب ر) الّتي يقصد بها النّظر في عواقب الأمور. ومن النّاحية الاصطلاحيّة نجد التّفكّر يشير إلى جولان الفكرة وهي القوّة المطرقة للعلم بحسب نظر العقل وذلك للإنسان دون الحيوان كما يقول الرّاغب «4» ، ولا يقال هذا إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب، ولهذا روي: «تفكّروا في آلاء الله ولا تفكّروا في الله» . وقد عرّفه الجرجانيّ بأنّه تصرّف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب «5» ، ونقل عن بعضهم: أنّ الفكر مقلوب عن الفرك، لكن يستعمل الفكر في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى الحقيقة، أمّا الفرك فيكون في الأمور الحسّيّة لا المعنويّة، وهذا دليل على ما ذهب إليه فقهاء اللّغة العربيّة من دوران المادّة حول معنى (عامّ) واحد، مع اختلاف في التّفاصيل ولا يشترط في التّفكّر إدامة النّظر ولا أن يتجاوز الحاضر إلى ما يئول إليه الشّيء مستقبلا. أمّا التّأمّل فقد روعي فيه إدامة النّظر والتّثبّت إذ جاء في تعريفه أنّه «تدقيق النّظر في الكائنات بغرض الاتّعاظ والتّذكّر «6» أي إنّه قد روعي إدامة الفكر واستمراريّته ومن ثمّ فلا تكون النّظرة   (1) فترت: ضعفت. (2) ونى: أبطأ. (3) مدارج السالكين (1/ 485- 487) . (4) انظر المفردات للراغب (374) . (5) التعريفات (66) . (6) انظر التعريف الاصطلاحي للتأمل، وقد عرفه الكفوي بأنه استعمال الفكر مطلقا، انظر الكليات (2/ 60) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 845 الواحدة تأمّلا وإن كان يمكن أن تكون من قبيل التّفكّر. وإذا انتقلنا إلى التّدبّر وجدناه يعني (اصطلاحا) النّظر في عواقب الأمور وما تصير إليه الأشياء أي إنّه يتجاوز الحاضر إلى المستقبل لأنّ التّدبّر يعني التّفكير في دبر الأمور ومن ثمّ عرّفه الجرجاني بأنّه عبارة عن النّظر في عواقب الأمور «1» ، وكلّ من التّدبّر والتّفكّر من عمل القلب وحده إلّا أنّ التّفكّر تصرّف القلب بالنّظر في الدّليل والتّدبّر تصرّفه بالنّظر في العواقب، وكلاهما لا يشترط فيه الدّيمومة أو الاستمرار بخلاف التّأمّل، وهناك فرق جوهريّ آخر بين التّأمّل وكلّ من التّفكّر والتّدبّر يتمثّل في أنّ التّأمّل قد يحدث بالبصر وحده أو بالبصر يعقبه التّفكّر، أمّا التّفكّر والتّدبّر فبالبصيرة وحدها إذ هما من أعمال القلب (أو العقل) . والخلاصة أنّ التّأمّل قد يكون بالبصر مع استمرار وتأنّ يؤدّي إلى استخلاص العبرة، وأنّ التّفكّر جولان الفكر في الأمر الّذي تكون له صورة عقليّة عن طريق الدّليل. أمّا التّدبّر؛ فإنّه يعني النّظر العقليّ إلى عواقب الأمور. وهكذا رأينا أنّ هذه المعاني الثّلاثة وإن كانت متقاربة إلّا أنّها ليست واحدة وإذا ذكر بعض أهل العلم أنّها مترادفة فإنّما يقصد فقط التّرادف الجزئيّ الّذي قد يوجد في بعض الأحيان دون بعضها الاخر. التأمل في القرآن الكريم: لم يرد لفظ التّأمّل في القرآن الكريم صراحة ولكن أشارت إليه عديد من الايات الّتي تأمر بالنّظر في خلق الله والتّثبّت في رؤية عجائب الكون وآثار السّابقين، وقد نعت آيات كثيرة على المشركين عدم تأمّلهم فيما تشاهده أعينهم ويقع تحت أيديهم من عجائب صنع الله، وقد اقترنت آيات كثيرة بالأفعال «يروا، ينظروا» بصيغة المضارع الّتي تدلّ على الاستمرار وإدامة الرّؤية أو النّظر. مثال ذلك قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنكبوت/ 19، 20) . إنّ التّأمّل الّذي دعا إليه القرآن الكريم ونعى على الكفّار والمشركين عدم تنبّههم له وغفلتهم عنه ممّا جعلهم في غيّهم يعمهون، يتعلّق بأشياء كثيرة منها: التّأمّل في عجائب صنع الله- عزّ وجلّ- ومنها التّأمّل في خلق الإنسان، ومنها التّأمّل في إحياء الله الأرض بعد موتها، ومنها التّأمّل في آثار الأمم السّابقة، وقد كان تأمّل ذلك حريّا بأن يردّهم إلى الصّواب ويحملهم على التّصديق بالوحدانيّة والإيمان بالبعث، ولكن أنّى لهم ذلك، وقد صاروا كالبهائم الّتي لا عقل لها فلا تستنبط شيئا ممّا تراه الأعين، ولو كانوا يعقلون لما فاتهم استخلاص العبر والوصول إلى   (1) التعريفات (56) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 846 النّتائج، قال تعالى:.. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (يوسف/ 109) . وسوف نذكر فيما يلي الايات الكريمة الّتي تحضّ على التّأمّل وفقا للسّياقات الّتي وردت فيها «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التدبر- التفكر- التذكر- الوعظ- التبين (التثبت) - تذكر الموت- التذكير- النظر والتبصر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- البلادة والغباء- العجلة- الغفلة- طول الأمل- الجهل] .   (1) لم تذكر كتب الوجوه والنظائر وجوها للفظ التأمل لأنه لم يرد بنصه في القرآن الكريم، وقد صنفنا الايات الواردة بالمعنى وفقا للأشياء المتأملة كخلق السماوات والأرض وأحوال السابقين ونحو ذلك مما تراه مفصلا في ص 848 وما بعدها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 847 الآيات الواردة في «التأمل» معنى التأمل في خلق السماوات والأرض: 1- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) «1» 2- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) «2» 3- قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) «3» 4- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «4» 5- أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) «5» 6- أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) «6» 7- خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) «7» 8- أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) «8» 9- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) «9»   (1) البقرة: 164 مدنية (2) آل عمران: 190 مدنية (3) يونس: 101 مكية (4) الإسراء: 99 مكية (5) الأنبياء: 30 مكية (6) النمل: 60 مكية (7) لقمان: 10- 11 مكية (8) لقمان: 20 مكية (9) الأحقاف: 33 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 848 التأمل فيما تنبت الأرض: 10- وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) «1» 11- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) «2» 12- أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «3» 13- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) «4» التأمل في أحوال الأمم السابقة: 14- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «5» 15- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) «6» 16- وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) «7» 17- أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) «8» 18- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) «9»   (1) البقرة: 164 مدنية (2) آل عمران: 190 مدنية (3) يونس: 101 مكية (4) الإسراء: 99 مكية (5) الأنبياء: 30 مكية (6) النمل: 60 مكية (7) لقمان: 10- 11 مكية (8) طه: 128 مكية (9) الروم: 9 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 849 19- أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) «1» 20- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) «2» 21- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) «3» 22- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «4» التأمل في خلق الإنسان: 23- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) «5» 24- أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «6» 25- أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) «7» التأمل في أحوال الطير: 26- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) «8»   (1) السجدة: 26 مكية (2) فاطر: 44 مكية (3) غافر: 21 مكية (4) غافر: 82 مكية (5) الحج: 5 مدنية (6) العنكبوت: 19- 20 مكية (7) يس: 77 مكية (8) الملك: 19 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 850 التأمل في نعم الله وعجائب مخلوقاته: 27- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) «1» 28- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) «2» 29- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «3» 30- أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) «4» 31- إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) «5» 32- بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) «6» 33- أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)   (1) العنكبوت: 67 مكية (2) لقمان: 29 مكية (3) لقمان: 31 مكية (4) سبأ: 9 مكية (5) الجاثية: 3- 5 مكية (6) ق: 5- 11 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 851 أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) «1» 34- أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) «2»   (1) الواقعة: 58- 74 مكية (2) الغاشية: 17- 21 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 852 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التأمل) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بتّ عند خالتي ميمونة فتحدّث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أهله ساعة ثمّ رقد، فلمّا كان ثلث اللّيل الاخر قعد فنظر إلى السّماء فقال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) » ، ثمّ قام فتوضّأ واستنّ «1» فصلّى إحدى عشرة ركعة ثمّ أذّن بلال فصلّى ركعتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح) * «2» . 2- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثمّ مضى. فقلت: يصلّي بها في ركعة. فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النّساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا، إذا مرّ باية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ ... الحديث) * «3» . 3- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى فجئه الحقّ «4» وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني «5» حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني «6» . فقال: اقرأ. قال: «قلت ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ 1- 5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره «7» حتّى دخل على خديجة. فقال: «زمّلوني، زمّلوني» فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع «8» . ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة مالي؟» ، وأخبرها الخبر. قال: «لقد خشيت على نفسي» . قالت له خديجة: كلّا. أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. والله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة   (1) استن: الاستنان استعمال السواك؛ لأن من استعمله يمرّه على أسنانه. البخاري. (2) البخاري- الفتح 8 (4569) واللفظ له، ومسلم (763) . (3) مسلم (772) . (4) فجئه الحق: أي جاءه الوحي بغتة. (5) غطّنى: عصرني. (6) أرسلني: تركني أو أطلقني. (7) بوادره: أطرافه. (8) الروع: هو الفزع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 853 أخي أبيها، وكان امرأ تنصرّ في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ، اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «1» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم يا ليتني فيها جذعا «2» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «3» . من الاثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التأمل) 1- * (كان لقمان يطيل الجلوس وحده، فكان يمرّ به مولاه فيقول: يا لقمان، إنّك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع النّاس كان آنس لك. فيقول لقمان: «إنّ طول الوحدة أفهم للفكر، وطول الفكر دليل على طريق الجنّة» ) * «4» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الاية: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) ، قال: بلى يا ربّ، بلى يا ربّ) * «5» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة بلا قلب» ) * «6» . 4- * (عن عبد الله بن عتبة قال: سألت أمّ الدّرداء، ما كان أفضل عبادة أبي الدّرداء، قالت: «التّفكّر والاعتبار» ) * «7» . 5- * (بينا أبو شريح يمشي إذ جلس فتقنّع «8» بكسائه فجعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟. قال: «تأمّلت في ذهاب عمري وقلّة عملي واقتراب أجلي» ) * «9» . 6- * (عن عامر بن عبد قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم يقولون: إنّ ضياء الإيمان أو نور الإيمان التّفكّر) * «10» . 7- * (كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز   (1) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير. والجاسوس صاحب سر الشر يقال نمست السر أنمسه أي كتمته. (2) جذعا: شابّا قويّا حتى أبالغ في نصرك، ونصب على الحال وخبر ليت قوله «فيها» . (3) البخاري- الفتح 1 (3) ، ومسلم (160) واللفظ له. (4) الإحياء للغزالي (4/ 424- 425) . (5) الدر المنثور للسيوطي (8/ 59) . (6) الإحياء للغزالي (4/ 425) . (7) الزهد لوكيع بن الجراح (ص 474) . (8) تقنّع: غطى رأسه ووجهه أو بعضه. (9) الإحياء للغزالي (4/ 425) . (10) الدر المنثور (2/ 409) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 854 - رحمه الله-: اعلم أنّ التّفكّر يدعو إلى الخير والعمل به، والنّدم على الشّرّ، يدعو إلى تركه، وليس ما يفنى- وإن كان كثيرا- يعدل ما يبقى، وإن كان طلبه عزيزا، واحتمال المئونة المنقطعة الّتي تعقب الرّاحة الطّويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مئونة باقية) * «1» . 8- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: تفكّر ساعة خير من قيام ليلة) * «2» . 9- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: «التّأمّل في نعم الله- عزّ وجلّ- من أفضل العبادة» ) * «3» . 10- * (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله-: إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كلّ شيء له عبرة) * «4» . 11- * (عن محمّد بن كعب القرظيّ قال: «لأن أقرأ في ليلتي حتّى أصبح ب «إذا زلزلت والقارعة» لا أزيد عليهما وأتردّد فيهما وأتفكّر أحبّ إليّ من أن أهذّ «5» ليلتي هذّا- أو قال-: أنثره نثرا) » * «6» . 12- * (قال أبو نواس: تأمّل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين «7» شاخصات ... بأحداق هي الذّهب السّبيك على قضب الزّبرجد شاهدات ... بأنّ الله ليس له شريك) * «8» 13- * (قال الفضيل: «إنّما نزل القرآن ليعمل به فاتّخذ النّاس قراءته عملا. قال: قيل: كيف العمل به؟. قال: أي ليحلّوا حلاله، ويحرّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهية، ويقفوا عند عجائبه» ) * «9» . 14- * (قال الشّيخ أبو سليمان الدّارانيّ: «إنّي لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلّا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة» ) * «10» . 15- * (قال بشر بن الحارث الحافي: «لو تفكّر النّاس في عظمة الله ما عصوا الله عزّ وجلّ» ) * «11» . 16- * (قال مغيث الأسود: «زوروا القبور كلّ يوم تذكّركم الاخرة، وشاهدوا الموقف بقلوبكم. وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنّة أو إلى النّار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النّار، ومقامعها وأطباقها. وكان يبكي عند ذلك حتّى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله» ) * «12» .   (1) إحياء علوم الدين (4/ 424) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق (4/ 425) . (4) المرجع السابق (4/ 424) . (5) أهذّ: أي أقرأه بسرعة. (6) كتاب الزهد لابن المبارك 97) . (7) لجين: الفضة الذائبة. (8) تاريخ الأدب العربي لأحمد حسن الزيات (300) . (9) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (76) . (10) تفسير ابن كثير (1/ 438) . (11) الإحياء للغزالي (4/ 425) . (12) تفسير ابن كثير (1/ 438) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 855 17- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «كثر الحثّ في كتاب الله تعالى على التّدبّر والاعتبار والنّظر والافتكار، ولا يخفى أنّ الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار، وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر النّاس قد عرفوا فضله، ورتبته لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره) * «1» . 18- * (وقال رحمه الله: «اعلم أنّ كلّ ما في الوجود ممّا سوى الله تعالى فهو فعل الله وخلقه، وكلّ ذرّة من الذّرّات، فيها عجائب وغرائب تظهر بها حكمة الله وقدرته وجلاله وعظمته، وإحصاء ذلك غير ممكن؛ لأنّه لو كان البحر مدادا لذلك لنفد البحر قبل أن ينفد عشر عشيره، ولكنّا نشير إلى جمل منه ليكون ذلك كالمثال لما عداه. فنقول: الموجودات المخلوقة منقسمة إلى (ما لا يعرف أصلها) فلا يمكننا التّفكّر فيها وكم من الموجودات الّتي لا نعلمها كما قال الله تعالى: وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (النحل/ 8) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (يس/ 36) وقال: وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (الواقعة/ 61) وإلى ما يعرف أصلها وجملتها، ولا يعرف تفصيلها) فيمكننا أن نتفكّر في تفصيلها، وهي منقسمة إلى ما أدركناه بحسّ البصر، وإلى ما لا ندركه بالبصر أمّا الّذي لا ندركه بالبصر، فكالملائكة والجنّ والشّياطين والعرش والكرسيّ وغير ذلك، ومجال الفكر في هذه الأشياء ممّا يضيق ويغمض. فلنعدل إلى الأقرب إلى الأفهام وهي المدركات بحسّ البصر: وذلك هو السّماوات السّبع والأرض وما بينهما، فالسّماوات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها وحركتها ودورانها وطلوعها وغروبها، والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها، وما بين السّماء والأرض وهو الجوّ مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعدها وبرقها وصواعقها وشهبها وعواصف رياحها. فهذه هي الأجناس المشاهدة من السّماوات والأرض وما بينهما، وكلّ جنس منها ينقسم إلى أنواع، وكلّ نوع ينقسم إلى أقسام، ويتشعّب كلّ قسم إلى أصناف. ولا نهاية لانشعاب ذلك وانقسامه في اختلاف صفاته وهياته ومعانيه الظّاهرة والباطنة. وجميع ذلك مجال التّأمّل فلا تتحرّك ذرّة في السّموات والأرض من جماد ولا نبات ولا حيوان ولا فلك ولا كوكب إلّا والله تعالى هو محرّكها وفي حركتها حكمة أو حكمتان أو عشر أو ألف حكمة، كلّ ذلك شاهد لله تعالى بالوحدانيّة ودالّ على جلاله وكبريائه، وهي الايات الدّالّة عليه. وقد ورد في القرآن الحثّ على التّفكّر في هذه الايات كما قال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي   (1) الإحياء للغزالي (4/ 423) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 856 الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) ، وكما قال تعالى: في آياته من أوّل القرآن إلى آخره. فلنذكر كيفيّة الفكر في بعض الايات: (وما أكثر الايات وما أعظمها) . فمن آياته: الإنسان المخلوق من النّطفة- وأقرب شيء إلى نفسك- وفيك من العجائب الدّالّة على عظمة الله تعالى ما تنقضي الأعمار في الوقوف على عشر عشيره وأنت غافل عنه. فيا من هو غافل عن نفسه وجاهل بها، كيف تطمع في معرفة غيرك؟ وقد أمرك الله تعالى بالتّدبّر في نفسك في كتابه العزيز فقال: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (الذاريات/ 21) وذكر أنّك مخلوق من نطفة قذرة فقال: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ* ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ* ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ* ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (عبس/ 17- 22) وقال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (الروم/ 20) ، وقال تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى القيامة/ 37- 38) وقال تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ* فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ* إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (المرسلات/ 20- 22) وقال: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (يس/ 77) ، وقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ (الإنسان/ 2) ثمّ ذكر: كيف جعل النّطفة علقة، والعلقة مضغة، والمضغة عظاما، فقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً (المؤمنون/ 12- 14) الاية. فتكرير ذكر النّطفة في الكتاب العزيز ليس ليسمع لفظه ويترك التّفكّر في معناه، فانظر الان إلى النّطفة وهي قطرة من الماء قذرة لو تركت ساعة ليضربها الهواء فسدت وأنتنت- كيف أخرجها ربّ الأرباب من الصّلب والتّرائب، وكيف جمع بين الذّكر والأنثى وألقى الألفة والمحبّة في قلوبهم، وكيف قادهم بسلسلة المحبّة والشّهوة إلى الاجتماع، وكيف استخرج النّطفة من الرّجل بحركة الوقاع، وكيف استجلب دم الحيض من أعماق العروق وجمعه في الرّحم؟. ثمّ كيف خلق المولود من النّطفة وسقاه بماء الحيض وغذّاه حتّى نما وربا وكبر، وكيف جعل النّطفة وهي بيضاء مشرقة علقة حمراء، ثمّ كيف جعلها مضغة، ثمّ كيف قسّم أجزاء النّطفة وهي متساوية متشابهة إلى العظام والأعصاب والعروق والأوتار واللّحم؟ ثمّ كيف ركّب من اللّحوم والأعصاب والعروق الأعضاء الظّاهرة، فدوّر الرّأس وشقّ السّمع والبصر والأنف والفم وسائر المنافذ، ثمّ مدّ اليد والرّجل، وقسّم رءوسها بالأصابع وقسّم الأصابع بالأنامل؟ ثمّ كيف ركّب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطّحال والرّئة والرّحم والمثانة والأمعاء كلّ واحد على شكل مخصوص ومقدار مخصوص لعمل مخصوص، ثمّ كيف قسّم كلّ عضو من هذه الأعضاء بأقسام أخر، فركّب العين من سبع طبقات، لكلّ طبقة وصف مخصوص وهيئة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 857 مخصوصة لو فقدت طبقة منها أو زالت صفة من صفاتها تعطّلت العين عن الإبصار، فلو ذهبنا إلى نصف ما في آحاد هذه الأعضاء من العجائب والايات لانقضى فيها الأعمار. فانظر الان إلى العظام، وهي أجسام صلبة قويّة كيف خلقها من نطفة سخيفة رقيقة، ثمّ جعلها قواما للبدن وعمادا له، ثمّ قدّرها بمقادير مختلفة وأشكال مختلفة فمنه صغير وكبير وطويل ومستدير ومجوّف ومصمت وعريض ودقيق. ولمّا كان الإنسان محتاجا إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه، مفتقرا للتّردّد في حاجاته، لم يجعل عظمه عظما واحدا بل عظاما كثيرة بينها مفاصل حتّى تتيسّر بها الحركة، وقدّر شكل كلّ واحدة منها على وفق الحركة المطلوبة منها، ثمّ وصل مفاصلها وربط بعضها ببعض بأوتار أنبتها من أحد طرفي العظم وألصقه بالعظم الاخر كرباط له، ثمّ خلق في أحد طرفي العظم زوائد خارجة منه وفي الاخر حفرا غائصة فيه موافقة لشكل الزّوائد لتدخل فيها وتطبق عليها، فصار العبد إن أراد تحريك جزء من بدنه لم يمتنع عليه، ولولا المفاصل لتعذّر عليه ذلك. ثمّ انظر كيف خلق عظام الرّأس وكيف جمعها وركّبها، وقد ركّبها من خمسة وخمسين عظما مختلفة الأشكال والصّور فألّف بعضها إلى بعض بحيث استوى به كرة الرّأس. كما تراه. فمنها ستّة تخصّ القحف، وأربعة عشر للّحي الأعلى، واثنان للّحي الأسفل، والبقيّة هي الأسنان بعضها عريضة تصلح للطّحن وبعضها حادّة تصلح للقطع، وهي الأنياب والأضراس والثّنايا، ثمّ جعل الرّقبة مركبا للرّأس وركّبها من سبع خرزات مجوّفات مستديرات فيها تحريفات وزيادات ونقصانات لينطبق بعضها على بعض- ويطول ذكر وجه الحكمة فيها. ثمّ ركّب الرّقبة على الظّهر، وركّب الظّهر من أسفل الرّقبة إلى منتهى عظم العجز من أربع وعشرين خرزة، وركّب عظم العجز من ثلاثة أجزاء مختلفة، فيتّصل به من أسفله عظم العصعص وهو أيضا مؤلّف من ثلاثة أجزاء. ثمّ وصل عظام الظّهر بعظام الصّدر وعظام الكتف وعظام اليدين وعظام العانة وعظام العجز وعظام الفخذين والسّاقين وأصابع الرّجلين، فلا نطوّل بذكر عدد ذلك. ومجموع عدد العظام في بدن الإنسان مئتا عظم وثمانية وأربعون عظما، سوى العظام الصّغيرة الّتي حشا بها خلل المفاصل، فانظر كيف خلق جميع ذلك من نطفة سخيفة رقيقة. وليس المقصود من ذكر أعداد العظام أن يعرف عددها؛ فإنّ هذا علم قريب يعرفه الأطبّاء والمشرّحون، إنّما الغرض أن ينظر منها في مدبّرها وخالقها أنّه كيف قدّرها ودبّرها، وخالف بين أشكالها وأقدارها، وخصّصها بهذا العدد المخصوص لأنّه لو زاد عليها واحدا لكان وبالا على الإنسان يحتاج إلى قلعه، ولو نقص منها واحدا لكان نقصانا يحتاج إلى جبره، فالطّبيب ينظر فيها ليعرف وجه العلاج في جبرها وأهل البصائر ينظرون فيها ليستدلّوا بها على جلالة خالقها، ومصوّرها، فشتّان بين النّظرين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 858 ثمّ انظر كيف خلق الله تعالى آلات لتحريك العظام وهي العضلات. فخلق في بدن الإنسان تسعا وعشرين وخمس مائة عضلة- والعضلة مركّبة من لحم وعصب ورباط وأغشية- وهي مختلفة المقادير والأشكال بحسب اختلاف مواضعها وقدر حاجاتها، فأربع وعشرون عضلة منها هي لتحريك حدقة العين وأجفانها، لو نقصت واحدة من جملتها اختلّ أمر العين. وهكذا لكلّ عضو عضلات بعدد مخصوص وقدر مخصوص. وكلّ ذلك صنع الله في قطرة ماء قذرة، فترى من هذا صنعه في قطرة ماء فما صنعه في ملكوت السّماوات وكواكبها. وما حكمته في أوضاعها وأشكالها ومقاديرها وأعدادها واجتماع بعضها وتفرّق بعضها واختلاف صورها وتفاوت مشارقها ومغاربها؟ فلا تظنّنّ أنّ ذرّة من ملكوت السّماوات تنفكّ عن حكمة، وحكم، بل هي أحكم خلقا وأتقن صنعا، وأجمع للعجائب من بدن الإنسان؛ بل لا نسبة لجميع ما في الأرض إلى عجائب السّماوات ولذلك قال تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها* رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها* وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (النازعات/ 27- 29) . فارجع الان إلى النّطفة وتأمّل حالها أوّلا وما صارت إليه ثانيا، وتأمّل أن لو اجتمع الجنّ والإنس على أن يخلقوا للنّطفة سمعا أو بصرا أو عقلا أو قدرة أو علما أو روحا أو يخلقوا فيها عظما أو عرقا أو عصبا أو جلدا أو شعرا هل يقدرون على ذلك؟. أنت ترى النّطفة القذرة كانت معدومة فخلقها خالقها في الأصلاب والتّرائب، ثمّ أخرجها منها وشكّلها فأحسن تشكيلها وقدّرها فأحسن تقديرها وتصويرها. وقسّم أجزاءها المتشابهة إلى أجزاء مختلفة فأحكم العظام في أرجائها، وحسّن أشكال أعضائها وزيّن ظاهرها وباطنها ورتّب عروقها وأعصابها وجعلها مجرى لغذائها ليكون ذلك سبب بقائها، وجعلها سميعة بصيرة عالمة ناطقة. وخلق لها الظّهر أساسا لبدنها والبطن حاويا لآلات غذائها والرّأس جامعا لحواسّها، ففتح العينين ورتّب طبقاتها وأحسن شكلها ولونها وهيئاتها، ثمّ حماها بالأجفان لتسترها وتحفظها وتصقلها وتدفع الأقذاء عنها، ثمّ أظهر في مقدار عدسة منها صورة السّماوات مع اتّساع أكنافها وتباعد أقطارها، فهو ينظر إليها. ثمّ شقّ أذنيه وأودعهما ماء مرّا ليحفظ سمعها ويدفع الهوامّ عنها وحوّطها بصدفة الأذن لتجمع الصّوت فتردّه إلى صماخها ولتحسّ بدبيب الهوامّ إليها، وجعل فيها تحريفات واعوجاجات لتكثر حركة ما يدبّ فيها شكله، وفتح منخريه وأودع فيها حاسّة الشّمّ ليستدلّ باستنشاق الرّوايح على مطاعمه وأغذيته، وليستنشق بمنفذ المنخرين روح الهواء غذاء لقلبه وترويحا لحرارة باطنه، وفتح الفم وأودعه اللّسان ناطقا وترجمانا ومعربا عمّا في القلب وزيّن الفم بالأسنان لتكون آلة الطّحن والكسر والقطع فأحكم أصولها وحدّد رءوسها وبيّض لونها ورتّب صفوفها متساوية الرّءوس متناسقة التّرتيب كأنّها الدّر المنظوم، وخلق الشّفتين وحسّن لونها وشكلها لتنطبق على الفم فتسدّ منفذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 859 وليتمّ بها حروف الكلام، وخلق الحنجرة وهيّأها لخروج الصّوت، وخلق للّسان قدرة للحركات والتّقطيعات لتقطيع الصّوت في مخارج مختلفة تختلف بها الحروف وليتّسع بها طريق النّطق بكثرتها. ثمّ خلق الحناجر مختلفة الأشكال في الضّيق والسّعة والخشونه والملاسة وصلابة الجوهر ورخاوته والطّول والقصر، حتّى اختلفت بسببها الأصوات، فلا يتشابه صوتان؛ بل يظهر بين كلّ صوتين فرق حتّى يميّز السّامع بعض النّاس عن بعض بمجرّد الصّوت في الظّلمة. ثمّ زيّن الرّأس بالشّعر والأصداغ، وزيّن الوجه باللّحية والحاجبين، وزيّن الحاجب برقّة الشّعر واستقواس الشّكل، وزيّن العينين بالأهداب. ثمّ خلق الأعضاء الباطنة وسخّر كلّ واحد لفعل مخصوص. وإذا عرفت طريق الفكر في نفسك فتفكّر في الأرض الّتي هي مقرّك، ثمّ أنهارها وجبالها، ومعادنها، ثمّ ارتفع منها إلى ملكوت السّماوات، والأرض فمن آياته أن خلق الأرض فراشا ومهادا وسلك فيها سبلا فجاجا وجعلها ذلولا لتمشوا في مناكبها، وجعلها قارّة لا تتحرّك، وأرسى فيها الجبال أوتادا لها تمنعها من أن تميد. ثمّ وسّع أكنافها حتى عجز الادميّون عن بلوغ جميع جوانبها وإن طالت أعمارهم وكثر تطوافهم، فقال تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ* وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (الذاريات/ 47- 48) وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها (الملك/ 15) وقال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً (البقرة/ 22) وقد أكثر في كتابه العزيز من ذكر الأرض ليتفكّر في عجائبها فظهرها مقرّ للأحياء وبطنها مرقد للأموات، قال الله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً* أَحْياءً وَأَمْواتاً (المرسلات/ 25- 26) . ومن آياته الجواهر المودعة تحت الجبال، والمعادن الحاصلة من الأرض: ففي الأرض قطع متجاورات مختلفة، فانظر إلى الجبال كيف يخرج منها الجواهر النّفيسة من الذّهب والفضّة والفيروز واللّعل وغيرها. ومن آياته أصناف الحيوانات وانقسامها إلى ما يطير وإلى ما يمشي، وانقسام ما يمشي إلى ما يمشي على رجلين، وإلى ما يمشي على أربع، وعلى عشر، وعلى مئة، كما يشاهد في بعض الحشرات، ثمّ انقسامها في المنافع والصّور والأشكال والأخلاق والطّباع. ومن آياته البحار العميقة المكتنفة لأقطار الأرض، الّتي هي قطع من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض، حتّى إنّ جميع المكشوف من البوادي والجبال والأرض بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم وبقيّة الأرض مستورة بالماء. وقد شاهدت عجائب الأرض وما فيها فتأمّل الان عجائب البحر، فإنّ عجائب ما فيه من الحيوان والجواهر أضعاف عجائب ما تشاهده على وجه الأرض. ومن آياته الهواء اللّطيف المحبوس بين مقعّر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 860 السّماء ومحدّب الأرض يدرك بحسّ اللّمس عند هبوب الرّياح جسمه، ولا يرى بالعين شخصه، وجملته مثل البحر الواحد والطّيور محلّقة في جوّ السّماء ومستبقة سبّاحة فيه بأجنحتها كما تسبح حيوانات البحر في الماء، وتضطرب جوانبه وأمواجه عند هبوب الرّياح كما تضطرب أمواج البحر، فإذا حرّك الله الهواء وجعله ريحا هابّة، فإن شاء جعله نشرا بين يدي رحمته كما قال سبحانه وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ (الحجر/ 22) فيصل بحركته روح الهواء إلى الحيوانات والنّباتات فتستعدّ للنّماء، وإن شاء جعله عذابا على العصاة من خليقته كما قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ* تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (القمر/ 19- 20) . ثمّ انظر إلى عجائب الجوّ وما يظهر فيه من الغيوم والرّعود والبروق والأمطار والثّلوج والشّهب والصّواعق، فهي عجائب ما بين السّماء والأرض، وقد أشار القرآن إلى جملة ذلك في قوله تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (الدخان/ 38) . ومن آياته ملكوت السّماوات والأرض، وما فيها من الكواكب، وهو الأمر كلّه، ومن أدرك الكلّ وفاته عجائب السّماوات فقد فاته الكلّ تحقيقا. فالأرض والبحار والهواء وكلّ جسم سوى السّماوات بالإضافة إلى السّماوات قطرة في بحر وأصغر. ثمّ انظر كيف عظّم الله أمر السّماوات والنّجوم في كتابه، فما من سورة إلّا وتشتمل على تفخيمهما في مواضع، وكم من قسم في القرآن بها كقوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (البروج/ 1) ، وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (الطارق/ 1) ، وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (الذاريات/ 7) ، وَالسَّماءِ وَما بَناها (الشمس/ 5) ، وكقوله: وَالشَّمْسِ وَضُحاها* وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، (الشمس/ 1- 2) وكقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الْجَوارِ الْكُنَّسِ (التكوير/ 15- 16) ، وقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، النجم/ 1) فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (الواقعة/ 75- 76) وقد علمت أنّ عجائب النّطفة القذرة عجز عن معرفتها الأوّلون والاخرون، وما أقسم الله بها- فما ظنّك بما أقسم الله تعالى به وأحال الأرزاق عليه وأضافها إليه فقال تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (الذاريات/ 22) وأثنى على المفكّرين فيه فقال: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (آل عمران/ 191) . وذمّ المعرضين عنها فقال: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (الأنبياء/ 32) فأيّه نسبة لجميع البحار والأرض إلى السّماء وهي متغيّرات على القرب، والسّماوات صلاب شداد محفوظات عن التّغيّر إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ولذلك سمّاه الله تعالى محفوظا فقال: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً (الأنبياء/ 32) ، وقال سبحانه: وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (النبأ/ 12) وقال: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها* رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (النازعات/ 27- 28) ، فانظر إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 861 الملكوت لترى عجائب العزّ والجبروت. فتأمّل أيّها العاقل في الملكوت فعسى أن تفتح لك أبواب السّماء فتجول بقلبك في أقطارها إلى أن يقوم قلبك بين يدي عرش الرّحمن، وأدنى شيء إليك نفسك ثمّ الأرض الّتي هي مقرّك، ثمّ الهواء المكتنف لك، ثمّ النّبات والحيوان وما على وجه الأرض، ثمّ عجائب الجوّ وهو ما بين السّماء والأرض، ثمّ السّماوات السّبع بكواكبها، ثمّ الكرسيّ، ثمّ العرش، ثمّ الملائكة الّذين هم حملة العرش وخزّان السّماوات. فارفع الان رأسك إلى السّماء وانظر فيها: في كواكبها وفي دورانها وطلوعها وغروبها وشمسها وقمرها واختلاف مشارقها ومغاربها ودءوبها في الحركة على الدّوام- من غير فتور في حركتها ومن غير تغّير في سيرها؛ بل تجري جميعا في منازل مرتّبة بحساب مقدّر لا يزيد ولا ينقص إلى أن يطويها الله تعالى طيّ السّجلّ للكتاب- وتدبّر عدد كواكبها وكثرتها واختلاف ألوانها، فبعضها يميل إلى الحمرة وبعضها إلى البياض وبعضها إلى اللّون الرّصاصيّ. ثمّ انظر كيفيّة أشكالها، فبعضها على صورة العقرب وبعضها على صورة الحمل والثّور والأسد والإنسان، وما من صورة في الأرض إلّا ولها مثال في السّماء. ثمّ انظر إلى مسير الشّمس في فلكها في مدّة سنة، ثمّ هي تطلع في كلّ يوم وتغرب، بسير آخر سخّرها له خالقها، ولولا طلوعها وغروبها لما اختلف اللّيل والنّهار ولم تعرف المواقيت، ولأطبق الظّلام على الدّوام، أو الضّياء على الدّوام، فكان لا يتميّز وقت المعاش عن وقت الاستراحة، فانظر كيف جعل الله تعالى اللّيل لباسا والنّوم سباتا والنّهار معاشا، وانظر إلى إيلاجه اللّيل في النّهار، والنّهار في اللّيل، وإدخاله الزّيادة والنّقصان عليهما على ترتيب مخصوص. وانظر إلى إمالته مسير الشّمس عن وسط السّماء حتّى اختلف بسببه الصّيف والشّتاء والرّبيع والخريف، فإذا انخفضت الشّمس من وسط السّماء في مسيرها برد الهواء وظهر الشّتاء، وإذا استوت في وسط السّماء اشتدّ القيظ «1» ، وإذا كانت فيما بينهما اعتدل الزّمان، وعجائب السّماوات لا مطمع في إحصاء عشر عشير جزء من أجزائها، وإنّما هذا تنبيه على طريق الفكر) * «2» . 19- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: أصل الخير والشّرّ من قبل التّفكّر، فإنّ الفكر مبدأ الإرادة والطّلب في الزّهد والتّرك والحبّ والبغض، وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد، وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها، فهذه أربعة أفكار هي أجلّ الأفكار، ويليها أربعة: فكر في مصالح الدّنيا وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدّنيا وطرق الاحتراز منها، فعلى هذه الأقسام الثّمانية دارت أفكار العقلاء. ورأس القسم الأوّل   (1) القيظ: شدة الحر. (2) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 434- 446) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 862 الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنّة نبيّه وما والاهما، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبّة والمعرفة، فإذا فكّر في الاخرة وشرفها ودوامها، وفي الدّنيا وخسّتها وفنائها أثمر له ذلك الرّغبة في الاخرة والزّهد في الدّنيا. وكلّما فكّر في قصر الأمل وضيق الوقت أورث ذلك الجدّ والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت. وهذه الأفكار تعلي همّته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والنّاس في واد، وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرّديئة الّتي تجول في قلوب أكثر هذا الخلق، كالفكر فيما لم يكلّف الفكر فيه، ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الّذي لا ينفع، كالفكر في كيفيّة ذات الرّبّ ممّا لا سبيل للعقول إلى إدراكه) * «1» . 20- * (قال الشّاعر: إذا كنت في نعمة فارعها ... فإنّ الذّنوب تزيل النّعم وحطها بطاعة ربّ العباد ... فربّ العباد سريع النّقم وإيّاك والظّلم مهما استطعت ... فظلم العباد شديد الوخم وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصر آثار من قد ظلم) * «2» . 21- * (قيل لإبراهيم بن أدهم: إنّك تطيل الفكرة، فقال: «الفكرة مخّ العقل» ) * «3» . من فوائد (التأمل) (1) التّأمّل نافع للعبد في معاشه ومعاده، حيث يعرف به العبد معالم الخير والشّرّ. (2) التّأمّل خير معين على التّقوى والموعظة. (3) التّأمّل قيمة عقليّة كبرى تجعل صاحبها في مأمن من تقلّب الأيّام وصروف الزّمان. (4) التّأمّل يؤدّي بالمسلم أن يكون إيمانه عن اقتناع ويخرجه من دائرة العامّة إلى الخاصّة. (5) التّأمّل دليل البصر. (6) التّأمّل رأس رجاحة العقل.   (1) الفوائد (255) . (2) الجواب الكافي لابن القيم (ص 86) . (3) الإحياء للغزالي (4/ 424) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 863 التأني / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 6/ 10/ 9/ التأني لغة: لفظ التّأنّي مصدر تأنّى ومعناه ترفقّ وانتظر وهو مأخوذ من مادّة (همزة/ نون/ الحرف المعتل) الّتي تدلّ بحسب أصل اللّغة على أربعة معان: الأوّل: البطء وما أشبهه من الحلم وغيره. الثّاني: ساعة من الزّمان. الثّالث: إدراك الشّيء. الرّابع: ظرف من الظّروف. والتّأنّي هنا مأخوذ من المعنى الأوّل، يقول الخليل: الأناة: الحلم، والفعل منه أنى وتأنّى واستأنى، وأنشد بيت الكميت: قف بالدّيار وقوف زائر ... وتأنّ إنّك غير صاغر ويروى وتأيّ، ويقال للتّمكّث في الأمور التّأنّي ومنه الحديث الشّريف الّذي قيل فيمن يتخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة، رأيتك آذيت وآنيت يعني أخّرت المجيء وأبطأت، ويقال من الأناة: رجل أنيّ ذو أناة قال الشّاعر: واحلم فذو الرّأي الأنيّ الأحلم ويقال: تأنّى في الأمر أي ترفّق، واستأنى به أي انتظر به يقال: استؤني به حولا أي انتظر به حولا، ويقال: تأنّيتك حتّى لا أناة بي، والأناة هي الاسم على وزن قناة؛ قال النّابغة: الرّفق يمن والأناة سعادة ... فاستأن في رفق تلاق نجاحا. وأصل هذا كلّه وني يني (ونا) ونيا من بابي تعب ووعد. والأناة الحلم أبدلت الواو المفتوحة في الوناة همزة فصارت أناة. يقول الرّاغب: يقال آنيت الشّيء إيناء أي أخّرته عن أوانه والأناة التّؤدة، وتأنّى فلان تأنّيا وأنى يأني فهو آن أي وقور واستأنيته انتظرت أوانه. والاسم من ذلك الأناء على فعال، قال الحطيئة: وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشّعرى فطال بي الأناء ويقال امرأة أناة أي رزينة لا تصخب ولا تفحش، وقال اللّحيانيّ: هي الّتي فيها فتور عن القيام والقعود والمشي، وقال الأزهريّ: هي الّتي فيها فتور لنعمتها، قال الشّاعر: أناة كأنّ المسك تحت ثيابها ... وريح خزامى الطّلّ في دمث الرّمل «1»   (1) الصحاح (6/ 2273) ، لسان العرب (161) ، المصباح المنير (673) ، ومفردات الراغب (ص 39) . ومقاييس اللغة، لأحمد بن فارس (1/ 141) . وكتاب العين (8/ 400) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 864 واصطلاحا: التّأنّي عدم العجلة في طلب شيء من الأشياء والتّمهّل في تحصيله والتّرفّق فيه «1» . التأني عند نزول القرآن: وجملة وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (طه/ 114) ناشئة على ما تقدّم من التّنويه بالقرآن وما اشتمل عليه من تصاريف إصلاح النّاس. فلمّا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حريصا على صلاح الأمّة شديد الاهتمام بنجاتها لا جرم أنّه خطر بقلبه الشّريف عقب سماع تلك الايات رغبة أو طلبة في الإكثار من نزول القرآن وفي التّعجيل به إسراعا بعظة النّاس وصلاحهم فعلّمه الله أن يكل الأمر إليه؛ فإنّه أعلم بما يناسب حال الأمّة العامّ. ومعنى مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أي من قبل أن يتمّ وحي ما قضي وحيه إليك، أي ما نفّذ إنزاله فإنّه هو المناسب، فالمنهيّ عنه هو سؤال التّعجيل أو الرّغبة الشّديدة في النّفس الّتي تشبه الاستبطاء لا مطلق مودّة الازدياد، فقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شأن قصّة موسى مع الخضر- عليهما السّلام- «وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ الله علينا من أمرهما أو من خبرهما» . ويجوز أن يكون معنى العجلة بالقرآن العجلة بقراءته حال إلقاء جبريل آياته. فعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل حرصا على الحفظ وخشية من النّسيان فأنزل الله وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ الاية. وهذا كما قال ابن عبّاس في قوله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (القيامة/ 16) كما في صحيح البخاريّ. وعلى هذين التّأويلين يكون المراد بقضاء وحيه إتمامه وانتهاءه، أي انتهاء المقدار الّذي هو بصدد النّزول. وعن مجاهد وقتادة أنّ معناه: لا تعجل بقراءة ما أنزل إليك لأصحابك ولا تمله عليهم حتّى تتبيّن لك معانيه. وعلى هذا التّأويل يكون قضاء الوحي تمام معانيه. وعلى كلا التّفسيرين يجري اعتبار موقع قوله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (طه/ 114) «2» . فإذا ما كان التّأنّي مطلوبا من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين تنزّل القرآن عليه؛ فإنّ التّأنّي يكون مطلوبا من الإنسان في أمور حياته كلّها. [للاستزادة: انظر صفات: التدبر- التفكر- النظر والتبصر- التأمل- التبين (التثبت) . وفي ضد ذلك انظر صفات: العجلة- الطيش- التفريط والإفراط] .   (1) لم تذكر كتب المصطلحات لفظ التأني مصطلحا وقد أخذنا هذا من جملة كلام المفسرين وخاصة التحرير والتنوير (16/ 316) . (2) التحرير والتنوير، (ج 6/ 316- 317) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 865 الآيات الواردة في «التأني» معنى 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «1» 2- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) «2» 3- فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) «3» 4- فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «4» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) «5» 6- لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) «6»   (1) النساء: 94 مدنية (2) الأعراف: 150 مكية (3) مريم: 84 مكية (4) طه: 114 مكية (5) الحجرات: 6 مدنية (6) القيامة: 16 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 866 الأحاديث الواردة في (التأني) 1- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ أناسا من عبد القيس قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا نبيّ الله، إنّا حيّ من ربيعة، وبيننا وبينك كفّار مضر. ولا نقدر عليك إلأ في الأشهر الحرم فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنّة إذا نحن أخذنا به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم. وأنهاكم عن أربع: عن الدّبّاء، والحنتم، والمزفّت، والنّقير «1» » . قالوا: يا نبيّ الله، ما علمك بالنّقير؟ قال: «بلى جذع تنقرونه، فتقذفون فيه من القطيعاء «2» ، (قال سعيد: أو قال من التّمر) ثمّ تصبّون فيه من الماء، حتّى إذا سكن غليانه شربتموه حتّى إنّ أحدكم (أو أحدهم) ليضرب ابن عمّه بالسّيف وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك» . قال: وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: ففيم نشرب يا رسول الله؟ قال: «في أسقية الأدم الّتي يلاث على أفواهها» قالوا: يا رسول الله، إنّ أرضنا كثيرة الجرذان «3» ولا تبقى بها أسقية الأدم، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم «وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان» وقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم لأشجّ عبد القيس: «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله ورسوله الحلم والأناة» ) * «4» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «التّأنّي من الله والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما شيء أحبّ إلى الله من الحمد» ) * «5» .   (1) الدّبّاء: القرع واحدها دبّاءة وكانوا ينتبذون فيها فتسرع الشّدّة في الشراب. النهاية (2/ 96) . والحنتم: هي الجرة أو هي الجرار الخضر، وقيل: إنها جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم. فتح الباري (1/ 163) . أما النقير فقد ورد تفسيره في الحديث. والمزفت ما طلي بالزفت من الانية والزفت نوع من القار. النهاية (2/ 304) . يقول الإمام النووي: ومعنى النهي عن هذه الأربع فهو أنه نهى عن الانتباذ فيها وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب، وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليه الإسكار فيها فيصير حراما نجسا. صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 185) . (2) القطيعاء: نوع من التمر الصغير. (3) الجرذان جمع جرذ وهو الفأر أو نوع منه. (4) البخاري- الفتح 1 (87) ، ومسلم (18) . (5) الترغيب والترهيب، وقال المنذري، رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 418) ، وهو في مجمع الزوائد (8/ 19) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 867 الأحاديث الواردة في (التأني) معنى 3- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضيا، فقلت يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السّنّ ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: «إنّ الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتّى تسمع من الاخر كما سمعت من الأوّل؛ فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء» قال: فما زلت قاضيا، أو ما شككت في قضاء بعد) * «1» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها لعلّه يفرجها. فقال أحدهم: اللهمّ، إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنّه نأى بي الشّجر يوما فما أتيت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصّبية قبلهما والصّبية يتضاغون عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السّماء، ففرج الله لهم فرجة حتّى يرون «2» منها السّماء «3» ... الحديث) * «4» . 5- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التّؤدة «5» في كلّ شيء إلّا في عمل الاخرة» ) * «6» . 6- * (عن فضالة بن عبيد الأوسيّ- رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول   (1) أبو داود (3582) ، ابن ماجة (2310) وقال في الزوائد: هذا إسناد رجاله ثقات، أحمد (1/ 111) وقال أحمد شاكر في المسند: صحيح، رقم (666) ، النسائي في خصائص على (9) ، الحاكم (4/ 88) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال الألباني: صحيح، إرواء الغليل (8/ 226) رقم (2500) . (2) حتى يرون: كذا هي في البخاري. (3) انظر الحديث كاملا، مع شرح ما فيه من الغريب في صفة «بر الوالدين» (الصفة رقم 35) . (4) البخاري- الفتح 10 (5974) ، مسلم (2743) . (5) والتؤدة هي التأنّي والتمهل يقال: اتّئد في أمرك (أي تمهل وتأنّ) . مختار الصحاح (ص 318) . (6) أبو داود (4810) وقال الألباني (3/ 913) : صحيح، وذكره ابن مفلح في الاداب الشرعية (2/ 240) ، وقال: رجاله كلهم ثقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 868 الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت ربّي فلم يستجب لي» ) * «2» . 8- * (عن عبد الله بن سرجس المزنيّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّمت الحسن والتّؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التأني) 9- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ (ملويّ) جريء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن الهجرة، إليك أينما كنت، أو لقوم خاصّة أم إلى أرض معلومة أم إذا متّ انقطعت؟. قال: فسكت «4» عنه يسيرا ثمّ قال: «أين السّائل؟» قال: ها هو ذا يا رسول الله. قال: «الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتقيم الصّلاة وتؤتي الزّكاة ثمّ أنت مهاجر وإن متّ بالحضر» ، ثمّ قال: (عبد الله بن عمرو) : جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن ثياب أهل الجنّة خلقا تخلق أم نسجا تنسج فضحك بعض القوم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ممّ تضحكون؟ من جاهل يسأل عالما؟» ثمّ أكبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «أين السّائل؟» قال: هو ذا أنا يا رسول الله، قال: «بل تشقّق عنها ثمار الجنّة ثلاث مرّات» ) * «5» . 10- * (عن مروان والمسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- أنّهما قالا: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «معي من ترون، وأحبّ الحديث إليّ أصدقه فاختاروا إحدى الطّائفتين: إمّا السّبيّ وإمّا المال، وقد كنت استأنيت «6» بكم، وكان أنظرهم «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضع عشرة ليلة حين قفل «8» من الطّائف فلمّا تبيّن لهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير رادّ إليهم إلّا إحدى الطّائفتين، قالوا: فإنّا نختار سبينا. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين: فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّ إخوانكم قد جاءونا   (1) النسائي (3/ 44) وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 275) حديث (1217) ، الترمذي (6/ 347) ، وقال: حديث حسن. (2) البخاري- الفتح 11 (6340) ، مسلم (2735) واللفظ له. (3) الترمذى 4 (2010) وقال: حديث حسن غريب. (4) فسكت: إنما كان سكوته صلّى الله عليه وسلّم للتأمل قبل الجواب. (5) أحمد (2/ 224- 225) ، وقال شاكر: إسناده صحيح (12- 45- 46) . (6) استأنيت: تأخرت. (7) أنظرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي أمهلهم. (8) قفل: رجع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 869 تائبين، وإنّي قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم، فمن أحبّ منكم أن يطيّب ذلك فليفعل «1» . ومن أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتّى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفأ الله علينا فليفعل. فقال النّاس قد طيّبنا ذلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممّن لم يأذن» فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم «2» أمركم، فرجع النّاس فكلّمهم عرفاؤهم، ثمّ رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبروه أنّهم قد طيّبوا وأذنوا) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التأني) 1- * (بلغ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس أيّتها الرّعيّة إنّ لنا عليكم حقّا: النّصيحة بالغيب والمعاونة على الخير، أيّتها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، وليس جهل أبغض إلى الله ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه «4» ) * «5» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لرجل: حدّث النّاس كلّ جمعة مرّة، فإن أبيت فمرّتين، فإن أكثرت فثلاث مرّات ولا تملّ النّاس هذا القرآن، ولا ألفينّك «6» تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقصّ عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملّهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدّثهم وهم يشتهونه. فانظر السّجع من الدّعاء فاجتنبه، فإنّي عهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لا يفعلون إلّا ذلك الاجتناب) * «7» . 3- * (قال أبو حاتم- رحمه الله تعالى-: «إنّ العاجل لا يكاد يلحق، كما أنّ الرّافق لا يكاد يسبق، والسّاكت لا يكاد يندم، ومن نطق لا يكاد يسلم، وإنّ العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم ويحمد قبل أن يجرّب ... » ) * «8» . 4- * (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: «التّأنّي في الحركات واجتناب العبث هو السّكينة المحمودة. أمّا غضّ البصر وخفض الصّوت وعدم الالتفات فهو الوقار» ) * «9» .   (1) يطيّب ذلك أي يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض (ابن حجر- فتح الباري (7/ 629) . (2) العرفاء: جمع عريف والعريف هو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يتولى أمورهم ويتعرف أحوالهم. (3) البخاري- الفتح 7 (4318) . (4) الخرق ضدّ الرّفق والوصف منه أخرق. (5) الإحياء (3/ 186) . (6) لا ألفينّك معناها لا أجدنّك، وهذا النهي بحسب الظاهر للمتكلم وهو في الحقيقة للمخاطب وهو كقولك لا أرينّك ههنا. (7) البخاري- الفتح 11 (6337) . (8) روضة العقلاء (216) . (9) صفوة الأخبار (92) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 870 5- * (قال الشّاعر: لا تعجلنّ فربّما ... عجل الفتى فيما يضرّه ولربّما كره الفتى ... أمرا عواقبه تسرّه) * «1» . 6- * (وقال آخر: لا تعجلنّ فليس الرّزق بالعجل ... الرّزق في اللّوح مكتوب مع الأجل فلو صبرنا لكان الرّزق يطلبنا ... لكنّه خلق الإنسان من عجل) * «2» . 7- * (وقال آخر: انطق مصيبا لا تكن هذرا ... عيّابة ناطقا بالفحش والرّيب وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر ... فإن نطقت فلا تكثر من الخطب ولا تجب سائلا من غير تروية ... وبالّذي مثله تسأل فلا تجب) * «3» . 8- * (الرّفق يمن والأناة سعادة) * «4» . 9- * (وقال أبو العتاهية: والصّمت أجمل بالفتى ... من منطق في غير حينه كلّ امرئ فى نفسه ... أعلى وأشرف من قرينه) * «5» . من فوائد (التأني) (1) أنّ التّأنّي وعدم العجلة يؤدّي إلى إجابة الدّعاء. (2) الأناة والحلم من الصّفات الّتى يحبّها الله ورسوله. (3) بالتّأنّي يتبيّن القضاء ويصلح أمر القضاة. (4) التّأنّي يؤدّي إلى عدم وقوع العالم في كراهية الحديث عند من لا يقبلون عليه كما يؤدّي إلى عدم وقوعه في الخطأ. (5) التّأنّي نوع من السّكينة المحمودة.   (1) بصائر ذوي التمييز (4/ 24) . (2) حسن السمت في الصمت (47) . (3) المرجع السابق/ 47. (4) أنشده ابن بري. كما في اللسان (161) ط. دار المعارف. (5) البيان والتبيين للجاحظ (1/ 197) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 871 التبتل / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 3/ 2/ 6/ التبتل لغة: التّبتّل مصدر تبتّل بمعنى انقطع للعبادة وأخلص فيها وهو مأخوذ من مادّة (ب ت ل) الّتي تدلّ على إبانة الشّيء من غيره، يقال بتلت الشّيء إذا أبنته، يقول ابن منظور: البتل: القطع. بتله يبتله ويبتله بتلا، وبتّله، فانبتل وتبتّل: أبانه من غيره. البتول والبتيل والبتيلة من النّخل: الفسيلة المنقطعة عن أمّها المستغنية عنها. وتبتّل إلى الله تعالى: انقطع وأخلص. وفي التّنزيل: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (المزمل/ 8) ، جاء المصدر فيه على غير طريق الفعل، وله نظائر، ومعناه: أخلص له إخلاصا، والتّبتّل: الانقطاع عن الدّنيا إلى الله تعالى، وكذلك التّبتيل: يقال للعابد إذا ترك كلّ شيء أو أقبل على العبادة، قد تبتّل أي قطع كلّ شيء إلّا أمر الله وطاعته. والبتول من النّساء: المنقطعة عن الرّجال، لا أرب لها فيهم، وبها سمّيت مريم البتول. وقيل لفاطمة- رضي الله عنها-: البتول، لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمّة عفافا وفضلا ودينا وحسبا. وقيل لانقطاعها عن الدّنيا لله- عزّ وجلّ-. وامرأة مبتّلة الخلق: أي منقطعة الخلق عن النّساء لها عليهنّ فضل «1» . قال ابن حجر- رحمه الله-: في باب ما يكره من التبتّل المراد بالتّبتّل هنا الانقطاع عن النّكاح وما يتبعه من الملاذّ إلى العبادة، وأمّا المأمور به في قوله تعالى وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا، فقد فسّره مجاهد فقال: أخلص له إخلاصا، وهو تفسير معنى، وإلّا فأصل التّبتّل الانقطاع، والمعنى: انقطع إليه انقطاعا، لكن لمّا كانت حقيقة الانقطاع إلى الله، إنّما تقع بإخلاص العبادة له فسّرها بذلك، ومنه (صدقة بتلة) أي منقطعة عن الملك. ومريم البتول لانقطاعها عن التّزويج إلى العبادة. وقيل لفاطمة البتول إمّا لانقطاعها عن الأزواج غير عليّ أو لانقطاعها عن نظائرها في الحسن والشّرف «2» . التبتل في الاصطلاح: يراد بالتّبتّل في الاصطلاح أحد أمرين: 1- التّبتّل: الانقطاع إلى الله في العبادة وإخلاص النّيّة انقطاعا يختصّ به. وإلى هذا المعنى أشار المولى بقوله: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (الأنعام/ 91) .   (1) مقاييس اللغة (1/ 195) ، ولسان العرب (1/ 206) . (2) فتح الباري (9/ 20) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 872 2- التّبتّل: الانقطاع عن النّكاح. والأوّل مأمور به شرعا والثّاني منهيّ عنه «1» والبتول صفة للسّيّدة مريم أخذت من هذا المعنى الثّاني لأنّها انقطعت عن الأزواج. يقول التّهانويّ: البتول: هي العذراء المنقطعة عن الأزواج «2» . ومن الأوّل أخذ وصف السّيّدة فاطمة- رضي الله عنها- لأنّ المعنى كما يقول التّهانويّ أيضا: المنقطعة إلى الله عن الدّنيا المتّصلة به في العقبى وهذا نعت فاطمة- رضي الله عنها- «3» . درجات التبتل: قال الهرويّ- رحمه الله-: التّبتّل على درجات: منها: تجريد الانقطاع عن الحظوظ واللّحوظ إلى العالم، خوفا أو رجاء، أو مبالاة بحال. قال ابن القيّم- رحمه الله-: التّبتّل يجمع أمرين: اتّصالا وانفصالا، لا يصحّ إلّا بهما. فالانفصال: انقطاع قلبه عن حظوظ النّفس، المزاحمة لمراد الرّبّ منه، وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله، خوفا منه، أو رغبة فيه، أو مبالاة به، أو فكرا فيه. بحيث يشغل قلبه عن الله. والاتّصال: لا يصحّ إلّا بعد هذا الانفصال. وهو اتّصال القلب بالله، وإقباله عليه، وإقامة وجهه له، حبّا وخوفا ورجاء، وإنابة وتوكّلا «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الإخلاص- الإنابة- الخوف- التقوى- الرجاء- الطاعة- التوكل- الخشوع- الخشية- الزهد- الورع- الاحتساب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- العصيان- الفجور- القسوة- الإساءة] .   (1) مفردات الراغب (36) . (2) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 204) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، بتصرف يسير. (4) مدارج السالكين (31) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 873 الآيات الواردة في «التبتل» 1- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) «1» الآيات الواردة في «التبتل» معنى 2- وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) «2» 3- فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) «3»   (1) المزمل: 8 مكية (2) مريم: 64- 65 مكية (3) الشرح: 7- 8 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 874 الأحاديث الواردة في (التبتل) المنهي عنه 1- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: «ردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عثمان بن مظعون التّبتّل، ولو أذن له لاختصينا) * «1» . 2- * (قال عبد الله- رضي الله عنه-: كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟، فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثّوب، ثمّ قرأ علينا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (المائدة/ 87)) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التبتل) المأمور به 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال: أخلص له إخلاصا» ) * «3» . 2- * (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (المزمل/ 8) قال: أخلص إليه المسألة والدّعاء» ) * 4. 3- * (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال أخلص له العبادة والدّعوة» ) * 5. 4- * (عن ابن وهب- رضي الله عنه- في قوله تعالى وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال تفرّغ لعبادته. فحبّذا التبتّل إلى الله وقرأ قول الله تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال: إذا فرغت من الجهاد فانصب في عبادة الله وإلى ربّك فارغب» ) * 6. من أقوال المفسرين: 5- * (يقول العلّامة النّيسابوريّ: «فصّل المولى أشرف الأعمال عند قيام اللّيل في شيئين: ذكر اسم الرّبّ، والتّبتّل إليه وهو الانقطاع إلى الله بالكلّيّة، والأوّل مقام السّالك، والثّاني مقام المشاهد فالأوّل كالأثر والثّاني كالعين» ) * «7» . 6- * (ومن أقوال الشّعراء قول ربيعة بن مقروم: لو أنّها عرضت لأشمط راهب ... عبد الإله صرورة «8» متبتّل) * «9» . من فوائد (التبتل) (1) دليل على إيمان العبد والقرب من الرّبّ. (2) التّبتّل من مسالك استجابة الدّعاء. (3) ينقّي القلب وينير الفؤاد. (4) دليل على قوّة الصّلة وتمام الإخلاص. (5) يثمر عظيم الثّواب ورضا ربّ الأرباب.   (1) البخاري- الفتح 9 (5073) . ومسلم (1402) . (2) البخاري- الفتح 9 (5075) . 3، 4، 5، 6 جامع البيان للطبري (29/ 84) . (7) غرائب القرآن المطبوع بهامش الطبري (29/ 70) . (8) الصرورة: الذي لا يأتي النساء. (9) لسان العرب (207) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 875 التبليغ والتبيين / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 59/ 34/ 16/ التبليغ لغة: مصدر قولهم: بلّغ يبلّغ تبليغا، وهو مأخوذ من مادّة (ب ل غ) الّتي تدلّ على «الوصول إلى الشّيء» ، ومن ذلك: بلغت المكان إذا وصلت إليه، ومن هذا الباب قولهم: هو أحمق بلغ وبلغ أي أنّه مع حماقته يبلغ ما يريده. والبلغة ما يتبلّغ به من عيش، كأنّه يراد أنّه يبلغ رتبة المكثر إذا رضي وقنع، وكذلك البلاغة الّتي يمدح بها الفصيح، لأنّه يبلغ بها ما يريده. ولي في هذا بلاغ: أي كفاية «1» . وقال الرّاغب: البلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور المقدّرة، وربّما يعبّر به عن المشارفة على الانتهاء، والبلاغ: التّبليغ في نحو قوله عزّ وجلّ هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ (إبراهيم/ 52) . والبلاغ أيضا: الكفاية في قوله تعالى: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (الأنبياء/ 106) «2» . وقال الجوهري: الإبلاغ: الإيصال وكذلك التّبليغ، والاسم منه: البلاغ، يقال بلّغت الرّسالة، وبالغ فلان في أمري إذا لم يقصّر فيه. وتبلّغ بكذا، أي اكتفى به، وتبلّغت به العلّة أي اشتدّت، والبلاغة: الفصاحة وبلغ فلان (بالضّمّ) إذا صار بليغا «3» ، وقال ابن منظور: بلغ الشّيء يبلغ بلوغا وبلاغا: وصل وانتهى، وأبلغه هو إبلاغا وبلّغه تبليغا أوصل الشّيء إليه وتبلّغ بالشّيء: وصل إلى مراده، وبلغ مبلغ فلان ومبلغته، والبلاغ في حديث الاستسقاء «واجعل ما أنزلت لنا قوّة وبلاغا إلى حين» هو ما يتبلّغ به ويتوصّل إلى الشّيء المطلوب. التبليغ اصطلاحا: التّبليغ من الصّفات الّتي يجب اعتقادها للرّسل الكرام عليهم الصّلاة والسّلام، وقد عرّفه العلماء فقالوا: التّبليغ: أن يبلّغ الرّسول كلّ ما أمر بتبليغه فلا يخفي منه شيئا، ولا يكتمه بحال من الأحوال وألّا تحمله رهبة على أن يكتم بعضا ممّا أوحي إليه وأمر بإبلاغه للنّاس «4» . ويوخذ ممّا ذكر القرطبيّ وغيره من المفسّرين: أنّ التّبليغ منوط أيضا بحملة العلم من هذه الأمّة بحيث يجب عليهم ألّا يكتموا شيئا من أمر هذه الشّريعة وأن يبلّغوها للنّاس ومن ثمّ يكون التّبليغ:   (1) مقاييس اللغة (بتصرف يسير) 1/ 302. (2) المفردات للراغب (60) . (3) الصحاح (4/ 1316) . (4) عقيدة المؤمن، لأبي بكر الجزائري (272) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 876 تبليغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّ ما أمر بتبليغه من الوحي، وتبليغ حملة العلم من أمّته أمور الشّريعة إلى كلّ من لم تبلغه دون خوف أو وجل. التبليغ وظيفة الرّسل الكرام: يقول الشيخ عبد الله بن جبرين: مقتضى شهادة أنّ محمّدا رسول الله الاعتقاد الجازم بأنّه صلّى الله عليه وسلّم مرسل من ربّه عزّ وجلّ، وقد حمّله الله هذه الشّريعة كرسالة، وكلّفه بتبليغها إلى الأمّة، وفرض على جميع الأمّة تقبّل رسالته والسّير على نهجه «1» . وأنّه من الأمور الّتي يحصل بها التّأثّر والتّحقّق لأداء هذه الشّهادة والانتفاع بها تبليغه الرّسالة «2» : لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (المائدة/ 67) ، وهذا تكليف من ربّه تعالى، فلا بدّ من حصوله مع أنّ هذا هو وظيفة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم من جملتهم، وقد قال تعالى: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ (الشورى/ 48) ، وقال عزّ من قائل: وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (النور/ 54) ، وقد شهد له صحابته- رضي الله عنهم- بهذا البلاغ والبيان، وقد اشتهر أنّه صلّى الله عليه وسلّم بدأ بدعوة أهل بلده وقومه، ثمّ بدعوة العرب في أنحاء الجزيرة، ثمّ بمن وراءهم، فكان يرسل الرّسل إلى القبائل في البوادي والقرى للدّعوة إلى الله وقبول هذه الرّسالة، ثمّ بعث الدّعاة إلى اليمن والبحرين وغيرهما، ثمّ بعث كتبا تتضمّن الدّعوة إلى هذه الشّريعة إلى ملوك الفرس والرّوم وغيرهم، فما توفّي حتّى انتشرت دعوته، واشتهر أمره عند القريب والبعيد، وقد قام صحابته من بعده بالدّعوة إلى دينه وقتال من أبى وامتنع من قبولها حتّى يدخل في الإسلام أو يعطي الجزية، حتّى بلغت هذه الدّعوة أقطار الأرض في أقصر مدّة ... » «3» . أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتبليغ ودعاؤه للمبلّغين: قال الإمام ابن تيمية: أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأمّة أن يبلّغ عنه من شهد لمن غاب، ودعا للمبلّغين بالدّعاء المستجاب، فقال في الحديث الصّحيح: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ، وقال أيضا في خطبته في حجّة الوداع: «ألا ليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع» ، وقال أيضا: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا فبلّغه إلى من لم يسمعه، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مسلم «4» : إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم» . وفي هذا دعاء منه لمن بلّغ حديثه وإن لم يكن فقيها، ودعاء لمن   (1) الشهادتان (39) . (2) من الأمور الأخرى التي يحصل بها ذلك: أهليته لهذه الرسالة وعصمته من الخطايا، وعموم رسالته، وختم النبوة به.. انظر تفصيل ذلك في المرجع السابق (39- 101) . (3) الشهادتان (49) بتصرف. (4) المعنى: أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر (النهاية لابن الأثير (3/ 381) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 877 بلغه وإن كان المستمع أفقه من المبلّغ لما أعطي المبلّغون من النّضرة، ولهذا قال سفيان بن عيينة: لا تجد أحدا من أهل الحديث إلّا وفي وجهه نضرة لدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يزل أهل العلم في القديم والحديث يعظّمون نقلته حتّى قال الشّافعيّ- رحمه الله- إذا رأيت رجلا من أهل الحديث فكأنّي رأيت رجلا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما قال الشّافعيّ ذلك لأنّهم في مقام الصّحابة- رضوان الله عليهم- من تبليغ حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال الشّافعيّ أيضا: أهل الحديث حفظوا فلهم علينا الفضل لأنّهم حفظوا «1» لنا» «2» . أنواع التبليغ: قال ابن حجر: التّبليغ على نوعين، أحدهما وهو الأصل- أن يبلّغه بعينه، وهو خاصّ بما يتعبّد بتلاوته وهو القرآن، وثانيهما: أن يبلّغ ما يستنبط من أصول ما تقدّم إنزاله فينزل عليه موافقته فيما استنبطه، إمّا بنصّه وإمّا بما يدلّ على موافقته بطريق الأولى «3» . وقال القرطبيّ- رحمه الله- في قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى.. يعمّ المنصوص عليه والمستنبط لشمول اسم الهدى للجميع «4» . حكم تبليغ العلم: قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- استدلّ العلماء على وجوب تبليغ العلم الحقّ بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (البقرة/ 159) ، وتحقيق الاية هو أنّ العالم إذا قصد كتمان العلم عصى، وإذا لم يقصده لم يلزمه التّبليغ إذا عرف أنّه مع غيره، وأمّا من سئل فقد وجب عليه التّبليغ لهذه الاية، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» «5» . أمّا ما يتعلّق ب «غير البيّنات والهدى» فإنّه يجوز كتمه وعدم تبليغه، لا سيّما إن كان مع ذلك خوف، وقد ترك أبو هريرة ذلك حين قال: «حفظت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته، وأمّا الاخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم «6» ، قال البخاريّ: وهذا الّذي لم يبثّه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنّما هو ممّا يتعلّق بأمر الفتن والنّصّ على أعيان المرتدّين والمنافقين، ونحو هذا ممّا لا يتعلّق بالبيّنات والهدى» «7» .   (1) حفظ الأولى من الحفظ نقيض النسيان، وهو التعاهد وقلة الغفلة والثانية من الحفظ الذي هو نقيض الضّياع. (2) مجموع الفتاوى (1/ 11) . (3) الفتح (13/ 516) كتاب التوحيد. كذا نصه، والمراد: أن التبليغ إما أن يكون تبليغ نصّ بعينه كالقرآن. وإما أن يكون استنباطا ثم تنزل من الله آية تدل على موافقة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. (4) تفسير القرطبي (1/ 185) . (5) تفسير القرطبي (1/ 185) ، والحديث في سنن ابن ماجة، المقدمة (98) ، رقم الحديث (266) . (6) انظر الحديث في الفتح (1/ 261) . (7) تفسير القرطبي (1/ 186) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 878 التبيين لغة: التّبيين مصدر قولهم «بيّن» الشّيء أي جعله بيّنا واضحا لا غموض فيه ولا خفاء، يقول ابن منظور: بان الشّيء بيانا: اتّضح فهو بيّن، وأبان الشّيء فهو مبين، والتّبيين: الإيضاح، والمبين: البيّن، ومنه قول الله تعالى: حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (الزخرف/ 1- 2) أي والكتاب البيّن، وقيل: معنى المبين أنّه بيّن طرق الهدى من طرق الضّلالة، وأبان كلّ ما تحتاج إليه الأمّة، أمّا البيان فيعني إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللّسن وأصله: الكشف والظّهور «1» . التبيين اصطلاحا: لم يرد لفظ التّبيين ضمن المصطلحات المذكورة في مؤلّفات هذا الفنّ، بيد أنّ مرادفه وهو لفظ البيان قد عرّفه الجاحظ بقوله: البيان: اسم جامع لكلّ شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضّمير حتّى يفضي السّامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أيّ جنس كان الدّليل؛ لأنّ مدار الأمر والغاية الّتي يجري إليها القائل والسّامع إنّما هو الفهم والإفهام فبأيّ شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع «2» . بين التبيين والتبليغ: العلاقة بين التّبيين والتّبليغ واضحة تماما، ذلك أنّ التّبليغ لا بدّ أن يكون واضحا بيّنا لا لبس فيه ولا غموض، ومن أراد أن يبلّغ شيئا فعليه أن يبلّغه بلغة القوم المبلّغين به، مصداق ذلك قول الله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ... (إبراهيم/ 4) وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخاطب أبناء القبائل بلغاتهم، ويترتّب على هذا أن يكون الدّاعية عارفا بلغة القوم الّذين يدعوهم وأن يستخدم هذه اللّغة على نحو لا غموض فيه ولا التباس. [للاستزادة: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإنذار- الإرشاد- التذكير- الدعوة إلى الله- النصيحة- الوعظ. وفي ضد ذلك: الإعراض- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الإهمال- التهاون- الغي والإغواء- الكسل] .   (1) لسان العرب 1/ 406 (ط. دار المعارف) . (2) البيان والتبين للجاحظ (1/ 76) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 879 الآيات الواردة في «التبليغ» أولا: أمر الله- عزّ وجلّ- بالتبليغ: 1- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67) «1» ثانيا: مهمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم هي التبليغ: 2- فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «2» 3- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «3» 4- ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99) «4» 5- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39) وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (40) «5» 6- وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) «6» 7- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83) «7» 8- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) «8»   (1) المائدة: 67 مدنية (2) آل عمران: 20 مدنية (3) المائدة: 92 مدنية (4) المائدة: 99 مدنية (5) الرعد: 38- 40 مدنية (6) النحل: 35 مكية (7) النحل: 82- 83 مكية (8) النور: 53- 54 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 880 9- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) «1» 10- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «2» 11- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) «3» ثالثا: التبليغ وظيفة الرّسل الكرام لا يسألون عليه أجرا: 12- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) «4» 13- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «5» 14- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ   (1) العنكبوت: 16- 18 مكية (2) الشورى: 47- 48 مكية (3) التغابن: 12 مدنية (4) الأعراف: 59- 62 مكية (5) الأعراف: 65- 68 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 881 رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) «1» 15- الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93) «2» 16- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) «3» 17- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) «4» 18- وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) «5» 19- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) «6» 20- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)   (1) الأعراف: 76- 79 مكية (2) الأعراف: 92- 93 مكية (3) هود: 53- 57 مكية (4) الأحزاب: 38- 39 مدنية (5) يس: 13- 17 مكية (6) الأحقاف: 21- 23 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 882 لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28) «1» رابعا: القرآن الكريم بلاغ للناس: 21- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) «2» 22- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «3» 23- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106) «4» 24- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «5» خامسا: التبليغ طاعة لله- عزّ وجلّ-: 25- قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (23) «6»   (1) الجن: 26- 28 مكية (2) الأنعام: 19 مكية (3) إبراهيم: 52 مكية (4) الأنبياء: 105- 106 مكية (5) الأحقاف: 35 مكية (6) الجن: 20- 23 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 883 الايات الواردة في «التبليغ» معنى ودور الرّسل في التبليغ وأجرهم به 26- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) «1» 27- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «2» 28- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) «3» 29- قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (45) «4» 30- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) «5» 31- أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) «6» 32- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) «7» 33- وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) «8»   (1) الأنعام: 48 مكية (2) الأنعام: 70 مكية (3) الأنعام: 104 مكية (4) الأنبياء: 45 مكية (5) الحج: 49- 51 مدنية (6) المؤمنون: 72- 73 مكية (7) الفرقان: 56- 57 مكية (8) الشعراء: 104- 110 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 884 34- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) «1» 35- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) «2» 36- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) «3» 37- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) «4» 38- فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) «5» 39- وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) «6» 40- قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) «7»   (1) الشعراء: 123- 127 مكية (2) الشعراء: 141- 145 مكية (3) الشعراء: 160- 164 مكية (4) الشعراء: 176- 180 مكية (5) النمل: 79- 81 مكية (6) النمل: 90- 92 مكية (7) سبأ: 46- 47 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 885 41- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) «1» 42- قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) «2» 43- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) «3» 44- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) «4» 45- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «5» 46- أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) «6» 47- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «7» 48- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «8» 49- فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) «9» 50- أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) «10» 51- سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) «11»   (1) يس: 20- 21 مكية (2) ص: 86- 88 مكية (3) غافر: 78 مكية (4) الشورى: 6- 7 مكية (5) الشورى: 22- 23 مكية (6) الزخرف: 40 مكية (7) ق: 45 مكية (8) الذاريات: 54- 55 مكية (9) الطور: 29 مكية (10) الطور: 40 مكية (11) الأعلى: 6- 10 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 886 52- فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24) «1» الايات الواردة في «التبيين» * 53- وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) «2» 54- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) «3» 55- ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) «4» 56- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) «5» 57- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) «6» 58- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «7» 59- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «8»   * ورد الحث على التبيين في آيات أخرى عديدة منها: البقرة/ 187، 230، المائدة/ 75، الأنعام/ 105، النحل/ 64، الزخرف/ 63، الحديد/ 17. (1) الغاشية: 21- 24 مكية (2) البقرة: 118 مدنية (3) البقرة: 159- 160 مدنية (4) آل عمران: 179 مدنية (5) النساء: 26 مدنية (6) المائدة: 19 مدنية (7) إبراهيم: 4 مكية (8) النحل: 43- 44 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 887 الأحاديث الواردة في (التبليغ) 1- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «الزّمان قد استدار كهيئتة يوم خلق الله السّماوات والأرض: السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات- ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم- ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان. أيّ شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس ذا الحجّة؟» قلنا: بلى. قال: «أيّ بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس البلدة؟» قلنا: بلى. قال: «فأيّ يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه. قال: «أليس يوم النّحر؟» قلنا: بلى. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم- قال محمّد «1» : وأحسبه قال: وأعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا. وستلقون ربّكم، فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلّالا يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا ليبلغ الشّاهد الغائب، فلعلّ بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» - فكان محمّد إذا ذكره قال: صدق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- ثمّ قال: «ألا هل بلّغت، ألا هل بلّغت» ) * «2» . 2- * (عن أبي جمرة قال: «كان ابن عبّاس يقعدني على سريرة فقال: إنّ وفد عبد القيس لمّا أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من الوفد؟» قالوا: ربيعة. قال: «مرحبا بالوفد والقوم غير خزايا ولا ندامى» قالوا: يا رسول الله إنّ بيننا وبينك كفّار مضر، فمرنا بأمر ندخل به الجنّة ونخبر به من وراءنا، فسألوا عن الأشربة، فنهاهم عن أربع وأمرهم بأربع: أمرهم بالإيمان بالله، قال: «أتدرون ما الإيمان بالله؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة وأظنّ فيه صيام رمضان، وتؤتوا من المغانم الخمس، ونهاهم عن الدّبّاء والحنتم والنّقير، وربّما قال: المقيّر، قال: «احفظوهنّ وأبلغوهنّ من وراءكم» ) * «3» . 3- * (عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عبّاس رضي الله عنهما- يقول: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: يا رسول الله إنّا هذا الحيّ من ربيعة، قد حالت بيننا وبينك كفّار مضر فلسنا نخلص إليك إلّا في كلّ شهر حرام فلو أمرتنا بأمر نأخذه عنك، ونبلّغه من وراءنا. قال صلّى الله عليه وسلّم: «آمركم بأربعة وأنهاكم عن أربعة: الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلّا الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأن تؤدّوا إلى الله   (1) محمد هو محمّد بن المثنى الذي روى الحديث عن عبد الوهاب عن ... عن أبي بكرة. (2) الفتح (13/ 7447) ، واللفظ له، مسلم (1679) . (3) الفتح (13/ 7266) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 888 خمس ما غنمتم. وأنهاكم عن الدّبّاء، والحنتم، والنّقير، والمزفّت» ) * «1» . 4- * (عن عبد الله بن عبيد الله قال: «دخلت على ابن عبّاس في شباب من بني هاشم فقلنا لشابّ منّا: سل ابن عبّاس، أكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في الظّهر والعصر؟ فقال: لا، فقيل له: فلعلّه كان يقرأ في نفسه، فقال: خمشا «2» ، هذه شرّ من الأولى، كان عبدا مأمورا بلّغ ما أرسل به، وما اختصّنا دون النّاس بشيء إلّا بثلاث خصال: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وألّا نأكل الصّدقة، وألّا ننزي الحمار على الفرس» ) * «3» . 5- * (عن أبي اليعفور عن أبي الصّلت عن أبي عقرب قال: غدوت إلى ابن مسعود ذات غداة في رمضان، فوجدته فوق بيته جالسا، فسمعنا صوته وهو يقول: صدق الله وبلّغ رسوله، فقلنا: سمعناك تقول: صدق الله وبلّغ رسوله؟ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ ليلة القدر في النّصف من السّبع الأواخر من رمضان، تطلع الشّمس غداتئذ صافية ليس لها شعاع، فنظرت إليها فوجدتها كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» . 6- * (عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجاء بنوح يوم القيامة، فيقال: هل بلّغت؟ فيقول: نعم يا ربّ. فتسأل أمّته هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمّد وأمّته، فيجاء بكم فتشهدون. ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً- قال: عدلا- لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» ) * «5» . 7- * (عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة عن أبيه ذكر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه- أو بزمامه- قال: «أيّ يوم هذا؟» فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه سوى اسمه. قال: «أليس يوم النّحر؟» قلنا: بلى. قال: «فأيّ شهر هذا؟» فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه. فقال: «أليس بذي الحجّة؟» قلنا: بلى. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ليبلغ «6» الشّاهد الغائب؟، فإنّ الشّاهد عسى أن يبلّغ من هو أوعى له منه» ) * «7» . 8- * (عن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالخيف من منى فقال: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مؤمن: إخلاص العمل لله،   (1) الفتح (6/ 624) ، حديث رقم (3510) . (2) خمشا: دعاء على القائل بأن يخمش وجهه أو جلده، كما يقال: جدعا له، وصلبا وطعنا ونحو ذلك من الدعاء بالسوء. (3) أبو داود (1/ 214) ، حديث رقم (808) . (4) أحمد 5/ 785، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (5) البخاري- الفتح (7349) . (6) هكذا بفتح الغين في الفتح، والقياس الكسر. (7) البخاري- الفتح (67) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 889 والنّصيحة لولاة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم» ) * «1» . 9- * (عن شعبة (قال) أخبرني عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطّاب قال: سمعت عبد الرّحمن بن أبان بن عثمان يحدّث عن أبيه قال: خرج زيد بن ثابت من عند مروان نصف النّهار، قلنا: ما بعث إليه هذه السّاعة إلّا لشيء يسأله عنه، فقمنا فسألناه، فقال: نعم، سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا، فحفظه حتّى يبلّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» ) * «2» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينا نحن في المسجد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «انطلقوا إلى يهود» ، فخرجنا معه حتّى جئنا بيت المدارس «3» ، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فناداهم فقال: «يا معشر يهود أسلموا تسلموا» ، فقالوا: بلّغت يا أبا القاسم، قال: فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك أريد، أسلموا تسلموا» ، فقالوا: قد بلّغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك أريد» ، ثمّ قالها الثّالثة، فقال: «اعلموا أنّما الأرض لله ورسوله، وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّما الأرض لله ورسوله» ) * «4» . 11- * (عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من فارق الدّنيا على الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، مات والله عنه راض» قال أنس: وهو دين الله الّذي جاءت به الرّسل وبلّغوه عن ربّهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء) * «5» . 12- * (عن أنس بن مالك قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببراءة مع أبي بكر، ثمّ دعاه فقال: «لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلّا رجل من أهلي، فدعا عليّا فأعطاه إيّاها» ) * «6» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أراد أن يضحّي اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فذبح أحدهما عن أمّته لمن شهد لله بالتّوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الاخر عن محمّد وعن آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم) * «7» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) ابن ماجه (3056) واللفظ له، قال في الزوائد: هذا إسناد فيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة. والمتن على حاله صحيح. وسنن الترمذي رقم (2795) . (2) الترمذي (2794) ، وسنن أبي داود برقم (3660) . (3) المدارس: المراد به كبير اليهود ونسب البيت إليه لأنه هو الذي كان صاحب دراسة كتبهم أي قراءتها (وتفسيرها) . فتح الباري (12/ 333) . (4) الفتح 13 (7348) . (5) ابن ماجه- المقدمة، حديث رقم (70) ، والحاكم في المستدرك (2/ 338) وصححه ووافقه الذهبي. (6) الترمذي، حديث رقم (5085) ، وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث أنس. (7) ابن ماجه، (2/ 1043) ، حديث رقم (3122) . وله شاهد عند أبي داود (2795) ، والبيهقي (9/ 287) . فهو حسن لغيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 890 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنّة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش، فلمّا وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلّغ إخواننا عنّا أنّا أحياء في الجنّة نرزق لئلّا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا «1» عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلّغهم عنكم، قال: فأنزل الله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... إلخ الاية (آل عمران/ 169) » ) * «2» . 15- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلّغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإنّي أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصّدر» ) * «3» . 16- * (عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله في الأرض ملائكة سيّاحين، يبلّغوني من أمّتي السّلام» ) * «4» . 17- * (عن عديّ بن حاتم قال: بينا أنا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل، فقال: يا عديّ، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلّا الله- قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعّار طيّئ الّذين قد سعّروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى. قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه. وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنّ: ألم أبعث إليك رسولا فيبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلّا جهنّم. قال عديّ: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة فبكلمة طيّبة» . قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: يخرج ملء كفّه» ) * «5» . 18- * (عن عبد الله بن عمرو أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعدة من النّار» ) * «6» . 19- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الّذين قتلوا أصحاب بئر معونة «7» ثلاثين صباحا، يدعو على رعل وذكوان   (1) نكل عن الشيء ينكل ونكل ينكل أي امتنع (النهاية 5/ 116) . (2) أبو داود (3/ 15) حديث رقم (2520) . (3) أبو داود (4/ 265) حديث رقم (4860) . وله شاهد عند أحمد (1/ 396) وسنده حسن، وقد: حسنه الشيخ أحمد شاكر. (4) أحمد (3666، 4210) ، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (5) البخاري- الفتح (3595) . (6) البخاري- الفتح (3461) . (7) بئر معونة: موضع في أرض بني سليم فيما بين مكة والمدينة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 891 ولحيان وعصيّة (عصت الله ورسوله) . قال أنس: أنزل الله- عزّ وجلّ- في الّذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه حتّى نسخ بعد: أن بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنّا ورضينا عنه) * «1» . 20- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّه قال: «دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا قلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا. فقال: «ألا أدلّكم على ما يجمع ذلك كلّه؟ نقول: اللهمّ إنّا نسألك من خير ما سألك منه نبيّك محمّد، ونعوذ بك من شرّ ما استعاذ منه نبيّك محمّد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «2» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره. ثمّ قال: لا ألفينّ «3» أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء «4» ، يقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة «5» ، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء «6» ، يقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح «7» ، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته رقاع «8» تخفق «9» ، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته صامت «10» ، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك) * «11» . 22- * (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من الأسد «12» . يقال له «ابن اللّتبيّة» «13» (على الصّدقة) فلمّا قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي لي، قال: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي   (1) مسلم (677) . (2) الترمذي (5/ 538) ، حديث رقم (3521) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. (3) لا ألفين: أي لا أجدن أحدكم على هذه الصفة، ومعناه: لا تعملوا عملا أجدكم بسببه على هذه الصفة. (4) رغاء: صوت البعير. (5) حمحمة: صوت الفرس، دون الصهيل. (6) ثغاء: صوت الشاة. (7) صياح: صوت الإنسان. (8) رقاع: جمع رقعة، والمراد بها هنا: الثياب. (9) تخفق: تضطرب. (10) الصامت من المال: الذهب والفضة، والمعنى أن كل شيء يغله الغال يجيء يوم القيامة حاملا له ليفتضح به على رءوس الأشهاد سواء أكان هذا المغلول حيوانا أو انسانا أو ذهبا أو فضة، وهذا تفسير لقوله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ. (11) مسلم (1831) . (12) وقيل: الأزد، أزد شنوءة. (13) وقيل: الأتبيّة، وقيل: الأتبيّة أو الأتبيّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 892 أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر «1» ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه «2» ثمّ قال: «اللهمّ هل بلّغت؟ مرّتين) * «3» . 23- * (عن جابر بن عبد الله قال: لمّا قتل عبد الله بن عمرو بن حرام، يوم أحد، لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا جابر، ألا أخبرك ما قال الله لأبيك؟» وقال يحيى في حديثه: فقال «يا جابر، ما لي أراك منكسرا؟» قال: قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالا «4» ودينا، قال: «أفلا أبشّرك بما لقي الله به أباك؟ قال: بلى: يا رسول الله! قال: «ما كلّم الله أحدا قطّ إلّا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحا «5» ، فقال: يا عبدي، تمنّ عليّ أعطك. قال: يا ربّ، تحييني فأقتل فيك ثانية. فقال الرّبّ سبحانه: إنّه سبق منّي أنّهم إليها لا يرجعون. قال: يا ربّ، فأبلغ من ورائي، قال: فأنزل الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران/ 169) » ) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التبليغ) 24- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ هذه الاية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. قال وفي التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا ... الحديث) *. «7» . 25- * (عن معاوية بن أبي سفيان) - رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما أنا مبلّغ والله يهدي، وقاسم والله يعطي، فمن بلغه منّي شيء بحسن رغبة وحسن هدى، فإنّ ذلك الّذي يبارك له فيه، ومن بلغه عنّي شيء بسوء رغبة وسوء هدى، فذلك الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «8» . 26- * (عن سليمان بن عمرو الأحوص، عن أبيه؛ قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول في حجّة الوداع: «يا أيّها النّاس! ألا أيّ يوم أحرم «9» ؟» ثلاث مرّات. قالوا: يوم الحجّ الأكبر. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم   (1) تيعر: تصيح، واليعار: صوت الشاة. (2) عفرتي ابطيه: بضم العين وفتحها- والأول أشهر: أي بياضهما. (3) البخاري- الفتح 13/ 7197، مسلم (1832) واللفظ له. (4) عيالا: عيال الرجل: من يعوله. (5) كفاحا: أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول. (6) ابن ماجة- المقدمة (1/ 68) ، حديث رقم (190) ، وعند الترمذي رقم (4097) وقال: حسن غريب من هذا الوجه. (7) البخاري- الفتح 8 (4838) . (8) المرجع السابق (4/ 101، 102) ، وجزء منه عند البخاري (6/ 152) ، ومسلم رقم (1037) . (9) أحرم: أي أشدّ حرمة وأكثر احتراما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 893 وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا لا يجني جان إلّا على نفسه «1» ، ولا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده. ألا إنّ الشّيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا، ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم، فيرضى بها، ألا وكلّ دم من دماء الجاهليّة موضوع «2» . وأوّل ما أضع منها، دم الحارث بن عبد المطّلب (كان الحارث مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل) ، ألا وإنّ كلّ ربا من ربا الجاهليّة موضوع، لكم رءوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، ألا يا أمّتاه! هل بلّغت؟» ثلاث مرّات. قالوا: نعم، قال: «اللهمّ اشهد» ثلاث مرّات) * «3» . 27- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام أنا وأخي أنيس وأمّنا، فانطلقنا حتّى نزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا ... قال أبو ذرّ- بعد أن حكى ما حدث له في رحلته ومدّة إقامته بمكّة-: ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّي قد وجّهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلّا يثرب، فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم» . فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت، قال: ما بي رغبة عن دينك «4» ، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فأتينا أمّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فاحتملنا «5» حتّى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمّهم أإيماء «6» بن رحضة الغفاريّ، وكان سيّدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسلمنا، فقدم صلّى الله عليه وسلّم المدينة فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم «7» فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الّذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله» ) * «8» . 28- * (عن سمرة بن جندب قال: بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي في غرضين لنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كانت الشّمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين النّاظر اسودّت حتّى آضت «9» كأنّها تنّومة «10» . قال: فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فو الله ليحدثنّ شأن هذه الشّمس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أمّته حديثا، قال: فدفعنا إلى المسجد فإذا هو بارز، قال: ووافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خرج إلى النّاس فاستقدم، فقام بنا كأطول ما قام بنا فى صلاة   (1) لا يجني: أي لا يرجع وبال جنايته من الإثم أو القصاص إلّا إليه. (2) موضوع: أي باطل. (3) ابن ماجة (3055) . وله شاهد عند مسلم من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- رقم (1218) . (4) يقال: رغب عن الشيء: كرهه. ورغب فيه: أحبه. والمعنى: لا أجد كراهية لهذا الدين. (5) احتملنا: أي حملنا أنفسنا ومتاعنا على الإبل وسرنا. (6) إيماء: بكسر الهمزة وفتحها. (7) أسلم: قبيلة من قبائل العرب كانت تجاور غفارا. (8) مسلم (2473) ، واللفظ له، وأحمد (5/ 175) . وينظر فيهما الحديث بتمامه في هذين الموضعين. (9) آضت: أي رجعت وصارت. النهاية (1/ 53) . (10) التّنّومة: نوع من نبات الأرض فيها وفي ثمرها سواد قليل. النهاية (1/ 199) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 894 قطّ، لا نسمع له صوتا، ثمّ ركع كأطول ما ركع بنا في صلاة قطّ، لا نسمع له صوتا، ثمّ فعل في الرّكعة الثّانية مثل ذلك فوافق تجلّي الشّمس جلوسه في الرّكعة الثّانية، قال زهير: حسبته قال: فسلّم، فحمد الله وأثنى عليه وشهد أنّه عبد الله ورسوله، ثمّ قال: أيّها النّاس: أنشدكم بالله إن كنتم تعلمون أنّي قصّرت عن شيء من تبليغ رسالات ربّي- عزّ وجلّ- لمّا أخبرتموني ذاك، فبلّغت رسالات ربّي كما ينبغي لها أن تبلّغ، وإن كنتم تعلمون أنّي بلّغت رسالات ربّي لمّا أخبرتموني ذاك. قال: فقام رجال فقالوا: نشهد أنّك قد بلّغت رسالات ربّك ونصحت لأمّتك وقضيت الّذي عليك. ثمّ سكتوا، ثمّ قال: أمّا بعد؛ فإنّ رجالا يزعمون أنّ كسوف هذه الشّمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النّجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وأنّهم قد كذبوا، ولكنّها آيات من آيات الله- تبارك وتعالى- يعتبر بها عباده فينظر من يحدث له منهم توبة، وأيم الله لقد رأيت منذ قمت أصلّي ما أنتم لاقون في أمر دنياكم وآخرتكم، وإنّه والله لا تقوم السّاعة حتّى يخرج ثلاثون كذّابا آخرهم الأعور الدّجّال ... الحديث» ) * «1» . 29- * (عن ابن عبّاس قال: «لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما حتّى حجّ عمر وحججت معه فصببت عليه من الإداوة فتوضّأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما؟ فقال لي: وا عجبا لك يا ابن عبّاس. قال الزّهريّ: وكره والله ما سأله عنه ولم يكتمه. فقال لي: هي عائشة وحفصة ... الحديث ... وكان أقسم ألّا يدخل على نسائه شهرا، فعاتبه الله في ذلك فجعل له كفّارة اليمين. قال الزّهريّ فأخبرني عروة عن عائشة قالت: فلمّا مضت تسع وعشرون دخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدأ بي- قال يا عائشة إنّي ذاكر لك شيئا فلا تعجلي حتّى تستأمري أبويك، قالت: ثمّ قرأ هذه الاية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ... * الاية قالت: علم والله أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: فقلت: أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الاخرة. قال: معمر: فأخبرني أيّوب أنّ عائشة قالت له: يا رسول الله؛ لا تخبر أزواجك أنّي اخترتك، فقال: النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّما بعثني الله مبلّغا ولم يبعثني متعنّتا» ) * «2» . 30- * (عن عبد الله بن مسعود قال: إيّاكم أن تقولوا مات فلان شهيدا، أو قتل فلان شهيدا، فإنّ الرّجل يقاتل ليغنم، ويقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه، فإن كنتم شاهدين لا محالة فاشهدوا للرّهط الّذين بعثهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة فقتلوا، فقالوا:   (1) أحمد (5/ 16) ط. دار الفكر. وعند مسلم مختصرا (913) . (2) البخاري- الفتح (8/ 503 و504) في تفسير سورة التحريم، ومسلم رقم (1479) في الطلاق. وهذا لفظه. والترمذي برقم (3374) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب قد روي من غير وجه عن ابن عباس- رضي الله عنهما-. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 895 اللهمّ بلّغ نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم عنّا أنّا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنّا) * «1» . 31- * (عن أنس بن مالك قال: جاء ناس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلّمونا القرآن والسّنّة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القرّاء فيهم خالي حرام يقرءون القرآن، ويتدارسون باللّيل يتعلّمون. وكانوا بالنّهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد. ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطّعام لأهل الصّفّة «2» وللفقراء فبعثهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهمّ بلّغ عنّا نبيّنا، أنّا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنّا. قال: وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتّى أنفذه فقال حرام: فزت وربّ الكعبة! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «إنّ إخوانكم قد قتلوا وإنّهم قالوا: اللهمّ بلّغ عنّا نبيّنا، أنّا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنّا» ) * «3» . 32- * (عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرض نفسه على النّاس في الموقف، فقال: «ألا رجل يحملني إلى قومه، فإنّ قريشا قد منعوني أن أبلّغ كلام ربّي» ) * «4» . ومن الأحاديث الواردة في (التبيين) 33- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: سألوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أحفوه بالمسألة، فصعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم المنبر فقال: لا تسألوني عن شيء إلّا بيّنت لكم، فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كلّ رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال: يا نبيّ الله، من أبي؟ فقال: «أبوك حذافة» . ثمّ أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد رسولا، نعوذ بالله من سوء الفتن، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت في الخير والشّرّ كاليوم قطّ، إنّه صوّرت لي الجنّة والنّار حتّى رأيتهما دون الحائط» . قال قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الاية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (المائدة/ 101) » ) * «5» . 34- * (عن حطّان بن عبد الله الرّقاشيّ، قال:   (1) المسند (6/ 24) الحديث (3952) . والمرفوع منه من قوله «اللهم بلغ نبينا ... » إلخ الحديث. عند مسلم من حديث أنس. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (13/ 47) . (2) لأهل الصّفّة، أصحاب الصّفّة: هم الفقراء الغرباء الذين كانوا يأوون إلى مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم وكانت لهم في آخره صفة وهو مكان منقطع من المسجد مظلّل عليه يبيتون فيه. قال إبراهيم الحربي والقاضي وأصله من صفة البيت وهي شيء كالظلة أمامه. (3) مسلم (677) . (4) أبو داود (4/ 234) رقم الحديث (4724) ، واللفظ له، وابن ماجة- المقدمة (حديث 201) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 291) : إسناده صحيح. (5) البخاري- الفتح (7089) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 896 صلّيت مع أبي موسى الأشعريّ صلاة. فلمّا كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرّت الصّلاة بالبرّ والزّكاة «1» ؟ قال: فلمّا قضى أبو موسى الصّلاة وسلّم انصرف فقال: أيّكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرمّ القوم «2» . ثمّ قال: أيّكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرمّ القوم. فقال: لعلّك يا حطّان قلتها؟ قال: ما قلتها. ولقد رهبت أن تبكعني بها «3» . فقال رجل من القوم: أنا قلتها. ولم أرد بها إلّا الخير. فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبنا فبيّن لنا سنّتنا وعلّمنا صلاتنا. فقال: «إذا صلّيتم فأقيموا صفوفكم ... الحديث» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التبليغ والتبيين) 1- * (أخرج ابن أبي حاتم عن عنترة، أنّه قال لعليّ: هل عندكم شيء لم يبده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: ألم تعلم أنّ الله قال يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ والله ما ورّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سوداء في بيضاء) * «5» . 2- * (عن مسروق عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: من حدّثك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئا من الوحي فلا تصدّقه، إنّ الله تعالى يقول يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ* «6» . 3- * (قالت عائشة- رضي الله عنها- من قال إنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كتم فقد كذب وأعظم الفرية على الله فقد قال سبحانه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ... الاية) * «7» . 4- * (قال الزّهريّ في قول الله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ قال: من الله عزّ وجلّ الرّسالة، وعلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البلاغ، وعلينا التّسليم) * «8» . 5- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: ... فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (آل عمران/ 20) «أي: إنّما عليك أن تبلّغ، وقيل: إنّه ممّا نسخ بالجهاد. وقال ابن عطيّة: وهذا يحتاج إلى معرفة تاريخ نزولها؛   (1) أقرت الصلاة بالبر والزكاة: قالوا: معناه قرنت به، وأقرت معهما، وصار الجميع مأمورا به. (2) فأرم القوم: أي سكتوا ولم يجيبوا. (3) ولقد رهبت أن تبكعني بها: أي قد خفت أن تستقبلني بما أكره. قال ابن الأثير: البكع نحو التقريع. وفسره النووي بالتبكيت والتوبيخ، والمعاني متقاربة. (4) مسلم (حديث رقم 62) . (5) الدر المنثور (3/ 117) . (6) البخاري- الفتح 13 (7531) ، وتفسير القرطبي (6/ 242، 243) . (7) مجموع فتاوى ابن تيمية (1/ 11) . (8) الفتح (3/ 512) كتاب التوحيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 897 وأمّا على ظاهر نزول هذه الآيات في وفد نجران فإنّما المعنى فإنّما عليك أن تبلّغ ما أنزل إليك بما فيه من قتال وغيره» ) * «1» . 6- * (قال ابن حجر: « ... وكلّ ما أنزل على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فله بالنّسبة إليه طرفان: طرف الأخذ من جبريل- عليه السّلام-، وطرف الأداء للأمّة وهو المسمّى بالتّبليغ» ) * «2» . 7- * (قال الحميديّ: حدّثنا سفيان قال: قال رجل للزّهريّ يا أبا بكر، قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ليس منّا من شقّ الجيوب» ما معناه؟. فقال الزّهريّ: من الله العلم، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التّسليم) * «3» . 8- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... (الأنعام/ 19) أي ومن بلغه القرآن، وقيل: ومن بلغ الحلم. ودلّ بهذا على أنّ من لم يبلغ الحلم ليس بمخاطب ولا متعبّد) * «4» . 9- * (عن ابن عبّاس- في قوله تعالى- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... الاية قال: المعنى: بلّغ جميع ما أنزل إليك من ربّك، فإن كتمت شيئا منه فما بلّغت رسالته؛ وهذا تأديب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتأديب لحملة العلم من أمّته ألّا يكتموا شيئا من أمر شريعته، وقد علم الله تعالى من أمر نبيّه أنّه لا يكتم شيئا من وحيه) * «5» . 10- * (قال ابن حجر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ: اختلف في المراد بهذا الأمر، فقيل: المراد: بلّغ كما أنزل، وهو على ما فهمت عائشة وغيرها، وقيل: المراد: بلّغه ظاهرا ولا تخش من أحد فإنّ الله يعصمك من النّاس، والثّاني أخصّ من الأوّل) * «6» . 11- * (قال ابن بطّال: أشار «البخاريّ» بذكر قول الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ... إلخ الاية إلى أنّ الله تعالى ذكر نوحا بما بلّغ به من أمره، وذكّر بآيات ربّه، وكذلك فرض على كلّ نبيّ تبليغ كتابه وشريعته «7» . 12- قال الكرمانيّ: المقصود من ذكر هذه الاية: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر بالتّلاوة على الأمّة والتّبليغ إليهم أنّ نوحا كان يذكّرهم (أنباء أمّته) بايات الله وأحكامه) * «8» . 13- * (قال القرطبيّ- في قوله تعالى- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ قيل: معناه: أظهر التّبليغ؛ لأنّه كان في أوّل الإسلام يخفيه خوفا من المشركين، ثمّ أمر بإظهاره في هذه الاية،   (1) تفسير القرطبي (4/ 46) . (2) الفتح (13/ 516) كتاب التوحيد. (3) التفح (13/ 513) كتاب التوحيد. ورد هذا الأثر شرحا للحديث «ليس منا من شق الجيوب ... » . (4) تفسير القرطبي (6/ 399) . (5) المرجع السابق (6/ 242) . (6) الفتح (13/ 513) كتاب التوحيد. (7) الفتح (13/ 498) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 898 وأعلمه الله أنّه يعصمه من النّاس. وكان عمر- رضي الله عنه- أوّل من أظهر إسلامه وقال: لا نعبد الله سرّا، وفى ذلك نزلت: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فدلّت الاية على ردّ قول من قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئا من أمر الدّين تقيّة، وعلى بطلانه، وهم الرّافضة، ودلّت على أنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يسرّ إلى أحد شيئا من أمر الدّين؛ لأنّ المعنى: بلّغ جميع ما أنزل إليك ظاهرا، ولولا هذا ما كان من قوله عزّ وجلّ-: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ فائدة. وقيل: بلّغ ما أنزل إليك في أمر زينب بنت جحش الأسديّة- رضي الله عنها- وقيل غير هذا، والصّحيح: القول بالعموم) * «1» . 14- * (قال سفيان بن عيينة: «لا تجد أحدا من أهل الحديث إلّا وفي وجهه نضرة لدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 15- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: «لقد تركنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وما يحرّك طائر جناحيه في السّماء إلّا أذكرنا منه علما) * «3» . 16- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: ثلاث لأن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيّنهنّ، أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها: الكلالة والرّبا والخلافة» ) * «4» . من فوائد (التبليغ) (1) التّبليغ هو أساس نشر الإسلام في شتّى بقاع الأرض. (2) التّبليغ يكسب المبلّغ نضرة بدعاء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم للمبلّغين. (3) التّبليغ يجعل الغائب بمنزلة الشّاهد فيتساوى بذلك من شهد ومن لم يشهد. (4) في تبليغ الله عن الشّهداء ما يحفز الهمم على الاستشهاد ويطمئن قلوب أهليهم أنّهم في الجنّة. (5) التّبليغ يقطع حجّة الكفّار الّذين لم يدخلوا في الإسلام كبرا وعنادا. (6) التّبليغ وسيلة الملائكة السّيّاحين الّذين ينقلون سلام الأمّة إلى المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. (7) في التّبليغ ما يقطع حجّة المعاندين ويبشّر المتّقين. (8) في التّبليغ ما ينشر معرفة النّاس بكتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم.   (1) تفسير القرطبي (6/ 243) . (2) مجموع فتاوي ابن تيمية (1/ 11) . (3) أحمد (5/ 153، 162) . (4) ابن ماجة (2727) ، قال في الزوائد: رجال إسناده ثقاة إلّا أنه منقطع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 899 (9) التّبليغ يعود بالنّفع على المبلّغ وبالأجر على المبلّغ. (10) في تبليغ الله عزّ وجلّ عن الشّهداء ما ثبّت فؤاد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حيث أخبره المولى بأنه رضي عنهم ورضوا عنه. من فوائد (التبيين) (11) التّبيين يعين المبلّغ على أداء رسالته. (12) التّبيين يقطع حجّة المعاندين الّذين يحتجّون بغموض ما يدعون إليه. (13) التّبيين مثل التّبليغ من وظيفة الرّسل الكرام وأتباعهم من الدّعاة والعلماء. (14) التّبيين من الوسائل النّاجعة لإنجاح الدّعوة والوصول بها إلى تحقيق هدفها المنشود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 900 التبين (التثبت) / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 15/ 11/ 3/ التبين لغة: مصدر تبيّن إذا تثبّت في الأمر، والتّثبّت في الأمر والتّأنّي فيه، وقرأ قوله- عزّ وجلّ-: إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا (النساء/ 94) وقرأ: فتثبّتوا؟، والمعنيان متقاربان. ويقال: تبيّنت الأمر أي تأمّلته وتوسّمته، واستبنت الشّيء إذا تأمّلته حتّى تبيّن لك. والبيان: ما بيّن به الشّيء من الدّلالة وغيرها. وبان الشّيء بيانا: اتّضح، فهو بيّن، وكذلك أبان الشّيء فهو مبين. وأبنته أنا أي أوضحته، واستبان الشّيء: ظهر. واستبنته أنا: عرفته وتبيّن الشّيء: ظهر «1» . قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- عقب قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (الحجرات/ 6) : يأمر تعالى بالتثبّت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلّا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبا أو مخطئا فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه وقد نهى الله- عزّ وجلّ- عن اتّباع سبيل المفسدين ومن ههنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في الأمر نفسه، وقبلها آخرون لأنّا إنّما أمرنا بالتثبّت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقّق الفسق لأنّه مجهول الحال «2» . ويقول الجاحظ: البيان اسم جامع لكلّ شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضّمير حتّى يفضي السّامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أيّ جنس كان الدّليل؛ لأنّ مدار الأمر والغاية الّتي يجري إليها القائل والسّامع إنّما هو الفهم والإفهام فبأيّ شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع «3» . واصطلاحا: التّبيّن مرتبة من مراتب وصول العلم يراد بها ما يحصل من العلم بعد الالتباس. يقول الكفويّ: اعلم أنّ مراتب وصول العلم إلى النّفس: الشّعور ثمّ الإدراك ثمّ الحفظ ثمّ التّذكّر ثمّ الذّكر ثمّ الرّأي وهو استحضار المقدّمات وإجالة الخاطر فيها ثمّ التّبيّن وهو علم يحصل بعد الالتباس ثمّ الاستبصار وهو العلم بعد التّأمّل ... إلخ «4» . [للاستزادة: انظر صفات: التأني- التدبر- التذكر- التفكر- العلم- النظر والتبصر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجهل- الطيش العجلة- الغفلة- التفريط والإفراط] .   (1) لسان العرب (13/ 67- 68) . (2) تفسير ابن كثير (4/ 208) ط. دار إحياء الكتب العربية. (3) البيان والتبيين للجاحظ (1/ 76)) . (4) الكليات للكفوي (1/ 89) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 901 الآيات الواردة في «التبين» 1- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «1» 2- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «2» 3- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «4» 5- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) «5» 6- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) «6» 7- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) «7» 8- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113)   (1) البقرة: 109 مدنية (2) البقرة: 187 مدنية (3) البقرة: 256 مدنية (4) النساء: 94 مدنية (5) النساء: 115 مدنية (6) الأنفال: 6 مدنية (7) التوبة: 43 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 902 وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) «1» 9- وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) «2» 10- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) «3» 11- وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14) «4» 12- سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) «5» 13- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) «6» 14- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32) «7» 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) «8»   (1) التوبة: 113- 114 مدنية (2) إبراهيم: 44- 45 مكية (3) العنكبوت: 38 مكية (4) سبأ: 12- 14 مكية (5) فصلت: 53 مكية (6) محمد: 25 مدنية (7) محمد: 32 مدنية (8) الحجرات: 6 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 903 الأحاديث الواردة في (التبين) 1- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم فتلقّوه يعظّمون أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: فحدّثه الشّيطان أنّهم يريدون قتله، قالت: فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون، قالت: فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصفّوا له حين صلّى الظّهر فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله بعثت إلينا رجلا مصّدّقا «1» فسررنا بذلك وقرّت به أعيننا، ثمّ إنّه رجع من بعض الطّريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله تعالى ومن رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يزالوا يكلّمونه حتّى جاء بلال فأذّن بصلاة العصر، قالت: ونزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (الحجرات/ 6) . وروى ابن جرير أيضا من طريق العوفيّ عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في هذه الاية قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصّدقات وأنّهم لمّا أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقّون رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه لمّا حدّث الوليد أنّهم خرجوا يتلقّونه رجع الوليد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ بني المصطلق قد منعوا الصّدقة، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك غضبا شديدا، فبينا هو يحدّث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد، فقالوا: يا رسول الله إنّا حدّثنا أنّ رسولك رجع من نصف الطّريق، وإنّا خشينا أنّما ردّه كتاب جاء منك غضب غضبته علينا، وإنّا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، وإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استغشّهم «2» وهمّ بهم فأنزل الله تبارك وتعالى عذرهم في الكتاب فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا إلى آخر الاية. وقال مجاهد وقتادة: أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليصّدّقهم فتلقّوه بالصّدقة فرجع فقال: إنّ بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك. زاد قتادة: وأنّهم قد ارتدّوا عن الإسلام. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد- رضي الله عنه- وأمره أن يتثبّت ولا يعجل فانطلق حتّى أتاهم ليلا فبعث عيونه فلمّا جاءوا أخبروا خالدا- رضي الله عنه- أنّهم مستمسكون بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلمّا أصبحوا أتاهم خالد- رضي الله عنه- فرأى الّذي يعجبه فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره الخبر، فأنزل الله تعالى هذه الاية. قال قتادة فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «التثبّت من الله والعجلة من الشيطان» ) * «3» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) المصّدّق هنا الذي يأخذ صدقات الغنم، وقد يأتي بمعنى الذي يصدقك في حديثك. الصحاح (4/ 1505) . (2) استغشّهم من «الغشّ» ضد استنصحهم، والمراد أنه ظن بهم الغشّ، انظر اللسان (غشش) (ص 3260) ط، دار المعارف. (3) تفسير ابن كثير (4/ 210، 211) ، وقال الحافظ ابن كثير: أن قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 904 قال: مرّ رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعه غنم فسلّم عليهم، قالوا: ما سلّم عليكم إلّا ليتعوّذّ منكم، فقاموا فقاتلوه، وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (النساء/ 94)) * «1» . الأحاديث الواردة في (التبين) معنى 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء ... الحديث؛ وفيه: «فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الأمر الّذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء؟ ... » الحديث) * «2» . 4- * (عن بريدة أنّ ماعز بن مالك الأسلميّ أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي قد ظلمت نفسي وزنيت وإنّي أريد أن تطهّرني، فردّه. فلمّا كان من الغد أتاه فقال: يا رسول الله، إنّي قد زنيت، فردّه الثانية. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قومه فقال: «أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا؟» فقالوا: ما نعلمه إلّا وفيّ العقل، من صالحينا، فيما نرى. فأتاه الثّالثة، فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه أنّه لا بأس به ولا بعقله، فلمّا كان الرّابعة حفر له حفرة ثمّ أمر به فرجم) * «3» . 5- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا والزّبير والمقداد، قال: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ «4» ... » الحديث؛ وفيه: وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه قد صدقكم» فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه. فقال: «إنّه شهد بدرا، وما يدريك لعلّ الله- عزّ وجلّ- اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ) * «5» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك من   فَتَبَيَّنُوا نزلت في الوليد بن عقبة، وقد روى ذلك من طرق، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده (المسند 4/ 279) . (1) البخاري مختصرا. الفتح 8 (4591) ، الترمذي (3030) وقال: هذا حديث حسن، والحاكم في المستدرك (2/ 235) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) البخاري- الفتح 8 (4921) . (3) البخاري- الفتح 12 (6824) ، ومسلم (1695) . (4) روضة خاخ: مكان كانت فيه ظعينة (امرأة) تحمل كتابا من حاطب بن أبي بلتعة يخبر فيه قريشا ببعض أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم. (5) البخاري- الفتح 8 (4890) واللفظ له، ومسلم (2494) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 905 إبل؟» قال: نعم. قال: «فما ألوانها؟» قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق؟» قال: إنّ فيها لورقا «1» ، قال: «فأنّى أتاها ذلك؟» قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» ) * «2» . 7- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ قال: جاء عويمر العجلانيّ إلى عاصم بن عديّ فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله، أتقتلونه به؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأله فكره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسائل وعابها، فرجع عاصم فأخبره أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كره المسائل، فقال عويمر: والله لاتينّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فجاء وقد أنزل الله تعالى القرآن خلف عاصم، فقال له: «قد أنزل الله فيكم قرآنا، فدعا بهما فتقدّما فتلاعنا، ثمّ قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، ففارقها، ولم يأمره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفراقها، فجرت السّنّة في المتلاعنين، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة «3» فلا أراه إلّا قد كذب، وإن جاءت به أسحم «4» أعين ذا أليتين فلا أحسب إلّا قد صدق عليها، فجاءت به على الأمر المكروه» ) * «5» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خرجت جارية عليها أوضاح «6» بالمدينة، قال: فرماها يهوديّ بحجر، قال: فجيء بها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبها رمق، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلان قتلك؟» فرفعت رأسها. فأعاد عليها قال: «فلان قتلك؟» فرفعت رأسها. فقال لها الثّالثة: «فلان قتلك؟» فخفضت رأسها، فدعا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقتله بين الحجرين) * «7» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخلت عليّ عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا لي: إنّ أهل القبور يعذّبون في قبورهم، فكذّبتهما، ولم أنعم أن أصدّقهما فخرجتا. ودخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله إنّ عجوزين ... وذكرت له. فقال: «صدقتا إنّهم يعذّبون عذابا تسمعه البهائم كلّها» فما رأيته بعد في صلاة إلّا يتعوّذ من عذاب القبر) * «8» . 10- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شيء. فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية، العاقل فيسأله ونحن نسمع. فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمّد أتى رسولك فزعم لنا أنّك تزعم أنّ الله   (1) الورق: جمع أورق وهو من الإبل: الذي في لونه بياض إلى سواد وهو أطيب الإبل لحما. الصحاح (4/ 1565) . (2) البخاري- الفتح 9 (5305) ، ومسلم (1500) واللفظ له. (3) الوحرة: دويبة حمراء تلزق بالأرض كالعظاء والجمع وحر. الصحاح (2/ 844) . (4) الأسحم: الأسود، والأعين واسع العين وجمعه عين ومنه قيل لبقر الوحش عين، وللثور أعين، والبقرة عيناء. الصحاح (6/ 2172) . (5) البخاري- الفتح 13 (7304) ، ومسلم (1492) . (6) أوضاح: حلي لها من قطع فضة ذكر أهل اللغة أن الفضة تسمى وضحا لبياضها، ويجمع على أوضاح. (7) البخاري- الفتح 12 (6877) ، ومسلم (1672) . (8) البخاري- الفتح 11 (6366) ، ومسلم (903) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 906 أرسلك؟. قال: «صدق» ، قال: فمن خلق السّماء؟ قال: «الله» ، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: «الله» ، قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟. قال: «الله» ، قال: فبالّذي خلق السّماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ قال: «نعم» ، قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال: «صدق» ، قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» ... الحديث) * «1» . 11- * (كان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟. قال: نعم، قال: من مراد ثمّ من قرن؟. قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟. قال: نعم، قال: لك والدة؟. قال نعم قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فاستغفرلي. فاستغفر له. فقال عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟. قال: أكون من غبراء النّاس أحبّ إليّ) * «2» . من الآثار الواردة في (التبين) 1- * (روي عن عليّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا سعى إليه برجل، فقال له: يا هذا نحن نسأل عمّا قلت، فإن كنت صادقا مقتناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين) * «3» . 2- * (روي عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- أنّه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الاية: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (الحجرات/ 6) ، وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الاية: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (القلم/ 11) ، وإن شئت عفونا عنك؟. فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا) * «4» . 3- * (عن جابر بن سلمة أنّ أهل الكوفة شكوا سعدا إلى عمر في كلّ شيء حتّى قالوا: لا يحسن يصلّي، فقال سعد: أما إنّي لا آلو أن أصلّي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أطيل الأوليين، وأحذف الأخريين، فقال: الظّنّ بك يا أبا إسحاق، وكان قد بعث من   (1) مسلم (12) . (2) مسلم (2542) . (3) الإحياء للغزالي (3/ 157) . (4) الإحياء للغزالي (3/ 156) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 907 يسأل عنه بمحالّ الكوفة، فجعلوا لا يسألون أهل مسجد إلّا أثنوا خيرا، حتّى مرّوا بمسجد لبني عبس، فقام رجل يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة، فقال: إنّ سعدا كان لا يسير في السّريّة، ولا يقسم بالسّويّة، ولا يعدل في الرّعيّة القضيّة. فبلغ سعدا فقال: اللهمّ إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة فأطل عمره وأدم فقره، وأعم بصره وعرّضه للفتن، قال: فأنا رأيته بعد ذلك شيخا كبيرا قد سقط حاجباه على عينيه، يقف في الطّريق فيغمز الجواري، فيقال له، فيقول: شيخ مفتون أصابته دعوة سعد) * «1» . من فوائد (التبين) (1) حفظ الأرواح وصيانة الدّماء. (2) دليل رجاحة العقل وسلامة التّفكير. (3) يقي المجتمع من مخاطر القرارات السّريعة غير المدروسة. (4) يثمر الثّقة بالنّفس. (5) البعد عن الشّكّ وهواجس الشّيطان. (6) التّبيّن يحفظ حقوق الأفراد والجماعات ولا يجعلها عرضة للظّنّ.   (1) البداية والنهاية لابن كثير (8/ 78) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 908 التدبر / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 4/ 5/ 9/ التدبر لغة: التّدبّر مصدر تدبّر وهو مأخوذ من مادّة (د ب ر) الّتي يقول عنها ابن فارس: أصل هذا الباب أنّ جلّه في قياس واحد وهو آخر الشّيء وخلفه خلاف قبله. فمعظم الباب أنّ الدّبر خلاف القبل، وفي الحديث لا تدابروا، وهو من الباب، وذلك أن يترك كلّ واحد منهما الإقبال على صاحبه بوجهه.. «1» وقال ابن منظور: دبّر الأمر وتدبّره: نظر في عاقبته، واستدبره: رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، وعرف الأمر تدبّرا أي بأخرة، قال جرير: ولا تتّقون الشّرّ حتّى يصيبكم ... ولا تعرفون الأمر إلّا تدبّرا والتّدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما تئول إليه عاقبته، والتّدبّر في الأمر: التّفكّر فيه، وفلان ما يدري قبال الأمر من دباره أي أوّله من آخره، ويقال: إنّ فلانا لو استقبل من أمره ما استدبره لهدي لوجهة أمره أي لو علم في بدء أمره ما علمه في آخره لاسترشد لأمره، وقال أكثم بن صيفيّ لبنيه: يا بنيّ، لا تتدبّروا أعجاز أمور قد ولّت صدورها «2» . واصطلاحا: النّظر في عواقب الأمور وهو قريب من التّفكّر، إلّا أنّ التّفكّر تصرّف القلب بالنّظر في الدّليل والتّدبّر تصرّفه بالنّظر في العواقب «3» . تدبّر القرآن: أمّا تدبّر القرآن فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر على تدبّره «4» وتعقّله وهو المقصود بإنزاله لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر. الناس عند سماع القرآن أنواع: قال تعالى في آياته المشهودة: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 36- 37) . قال ابن القيّم- رحمه الله-: النّاس ثلاثة: رجل قلبه ميّت، فذلك الّذي لا قلب له، فهذا ليست الاية ذكرى في حقّه. الثّاني: رجل له قلب حيّ مستعد، لكنّه غير مستمع للايات المتلوّة، الّتي يخبر بها الله عن الايات المشهودة، إمّا لعدم ورودها، أو لوصولها إليه وقلبه   (1) مقاييس اللغة (2/ 324) . (2) لسان العرب (4/ 273) دار صادر. (3) انظر التعريفات للجرجاني (54) . (4) مدارج السالكين (1/ 475) وقد استعمل في الأصل «تأم» وهو بمعنى التدبر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 909 مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذّكرى، مع استعداده ووجود قلبه. والثّالث: رجل حيّ القلب مستعدّ، تليت عليه الايات، فأصغى بسمعه، وألقى السّمع وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملقي السّمع، فهذا القسم هو الّذي ينتفع بالايات المتلوّة والمشهودة. فالأوّل: بمنزلة الأعمى الّذي لا يبصر. والثّاني: بمنزلة البصير الطّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه. والثّالث: بمنزلة البصير الّذي قد حدّق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسّط من البعد والقرب، فهذا هو الّذي يراه. فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصّدور. فاعلم أنّ الرّجل قد يكون له قلب وقّاد، مليء باستخراج العبر، واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التّذكّر والاعتبار، فإذا سمع الايات كانت له نورا على نور. وهؤلاء أكمل خلق الله. وأعظمهم إيمانا وبصيرة، حتّى كأنّ الّذي أخبرهم به الرّسول مشاهد لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله وأنواعه، حتّى قيل: إنّ مثل حال الصّدّيق مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كمثل رجلين دخلا دارا، فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزئيّاته، والاخر وقعت يده على ما في الدّار ولم ير تفاصيله ولا جزئياته، لكن علم أنّ فيها أمورا عظيمة، لم يدرك بصره تفاصيلها، ثمّ خرجا فسأله عمّا رأى في الدّار فجعل كلّما أخبره بشيء صدّقه، لما عنده من شواهد، وهذه أعلى الدّرجات الصّدّيقيّة، ولا تستبعد أن يمنّ الله المنّان على عبد بمثل هذا الإيمان. فإنّ فضل الله لا يدخل تحت حصر ولا حسبان. فصاحب هذا القلب إذا سمع الايات وفي قلبه نور من البصيرة ازداد بها نورا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السّمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التّذكّر أيضا فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ (البقرة/ 265) والوابل والطّلّ في جميع الأعمال وآثارها وموجباتها. وأهل الجنّة سابقون مقرّبون وأصحاب يمين وبينهما في درجات التّفضيل ما بينهما «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاعتبار- التأمل التذكر- التفكر- الوعظ- النظر والتبصر- التبين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الطيش- التفريط والإفراط- اتباع الهوى] .   (1) مدارج السالكين (1/ 475- 477) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 910 الآيات الواردة في «التدبر» 1- أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) «1» 2- أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) «2» 3- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) «3» 4- أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (24) «4»   (1) النساء: 82 مدنية (2) المؤمنون: 68 مكية (3) ص: 29 مكية (4) محمد: 24 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 911 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التدبر) * 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بتّ عند خالتي ميمونة فتحدّث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أهله ساعة ثمّ رقد، فلمّا كان ثلث اللّيل الاخر قعد فنظر إلى السّماء فقال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) » ، ثمّ قام فتوضّأ واستنّ فصلّى «1» إحدى عشرة ركعة ثمّ أذّن بلال فصلّى ركعتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح) * «2» . 2- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما، صلاة، فأطال فيها. فلمّا انصرف قلنا (أو قالوا) : يا رسول الله أطلت اليوم الصّلاة. قال: «إنّي صلّيت صلاة رغبة ورهبة، سألت الله عزّ وجلّ لأمّتي ثلاثا، فأعطاني اثنتين، وردّ عليّ واحدة، سألته أن لا يسلّط عليهم عدوّا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم غرقا، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردّها عليّ» ) * «3» . 3- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثمّ مضى، فقلت: يصلّي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسّلا «4» ، إذا مرّ باية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ) * «5» . 4- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النّساء، حتّى بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) ، قال: «أمسك» ، فإذا عيناه تذرفان) * «6» . 5- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة «7» في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد ... الحديث) * «8» .   * ذكرت هذه الأحاديث في صفة التأمل، نظرا لأن التأمل مقدمة للتفكر ومؤدّ إلى التدبر. (1) استن فصلّى: بمعنى: أمرّ السواك على أسنانه. (2) البخاري- الفتح 8 (4569) ، مسلم (763) . (3) ابن ماجة (3951) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح، والترمذي (2175) ، وقال: حديث حسن صحيح. (4) الترسل في القراءة التّمهل فيها. (5) مسلم (772) . (6) البخاري- الفتح 8 (4582) واللفظ له، ومسلم (800) . (7) معنى الصدق في الرؤيا: أن تكون مطابقة في الواقع لما رآه النائم في نومه، وفلق الصبح ضياؤه وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه. ابن حجر- فتح الباري (1/ 31) . (8) البخاري- الفتح 8 (4953) ، مسلم (160) واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 912 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التدبر) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة بلا قلب» ) * «1» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الاية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) قال: «بلى يا ربّ، بلى يا ربّ» ) * «2» . 3- * (عن قرظة بن كعب قال: بعثنا عمر بن الخطّاب إلى الكوفة وشيّعنا، فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار، فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قلنا: لحقّ صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولحقّ الأنصار، قال: «لكنّي مشيت معكم لحديث أردت أن أحدّثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنّكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزير كهزير المرجل «3» ، فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمّد، فأقلّوا الرّواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أنا شريككم» ) * «4» . 4- * (عن طاوس قال: «قال الحواريّون لعيسى ابن مريم: يا روح الله، هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم، من كان منطقه ذكرا، وصمته فكرا، ونظره عبرة فإنّه مثلي» ) * «5» . 5- * (قال عبد الله بن المبارك: «مرّ رجل براهب عند مقبرة ومزبلة، فناداه فقال: يا راهب، إنّ عندك كنزين من كنوز الدّنيا لك فيهما معتبر، كنز الرّجال، وكنز الأموال» ) * «6» . 6- * (عن محمّد بن كعب القرظيّ قال: «لأن أقرأ في ليلتي حتّى أصبح بإذا زلزلت، والقارعة، لا أزيد عليهما، وأتردّد فيهما، وأتفكّر أحبّ إليّ من أن أهذّ «7» القرآن ليلتي هذّا- أو قال- أنثره نثرا» ) * «8» . 7- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: «استعينوا على الكلام بالصّمت، وعلى الاستنباط بالفكر» . وقال أيضا: «صحّة النّظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرّأي سلامة من التّفريط والنّدم، والرّؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة، ومشاورة الحكماء ثبات في النّفس وقوة في البصيرة، ففكّر قبل أن تعزم، وتدبّر قبل أن تهجم، وشاور قبل أن تقدم» ) * «9» . 8- * (قال الفضيل: «إنّما نزل القرآن ليعمل به فاتّخذ النّاس قراءته عملا، قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلّوا حلاله، ويحرّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه» ) * «10» .   (1) الإحياء للغزالي (4/ 425) . (2) الدر المنثور للسيوطي (8/ 59) . (3) الهزير (لعلها الهزيز) والمراد صوت المرجل إذا غلا فيه الماء. (4) ابن ماجة (28) . (5) الإحياء للغزالي (4/ 424) . (6) تفسير ابن كثير (1/ 438) . (7) أهذّ: أي أن أقرأه بسرعة. (8) كتاب الزهد لابن المبارك (97) . (9) الإحياء (4/ 425) . (10) انظر اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (76) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 913 9- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «كثر الحثّ في كتاب الله تعالى على التّدبّر والاعتبار والنّظر والافتكار، ولا يخفى أنّ الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر النّاس قد عرفوا فضله ورتبته لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره» ) * «1» . ثمار تدبر القرآن قال ابن القيّم: أمّا التّأمّل في القرآن: فهو تحديق نظر القلب إلى معانيه. وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله. وهو المقصود بإنزاله، لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر، قال الله تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (ص/ 29) ، وقال تعالى أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (محمد/ 24) وقال تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (المؤمنون/ 68) ، وقال تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الزخرف/ 3) وقال الحسن: «نزل القرآن ليتدبّر ويعمل به. فاتّخذوا تلاوته عملا» . فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبّر القرآن، وإطالة التّأمّل. وجمع الفكر على معاني آياته. فإنّها تطلع العبد على معالم الخير والشّرّ بحذافيرها، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتتلّ في يده «2» مفاتيح كنوز السّعادة والعلوم النّافعة وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه. وتشيّد بنيانه، وتوطّد أركانه. وتريه صورة الدّنيا والاخرة، والجنّة والنّار في قلبه. وتحضره بين الأمم وتريه أيّام الله فيهم. وتبصّره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله. وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبّه وما يبغضه، وصراطه الموصّل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطّريق وآفاتها. وتعرّفه النّفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصحّحاتها وتعرّفه طريق أهل الجنّة وأهل النّار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السّعادة وأهل الشّقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه. وبالجملة تعرّفه الرّبّ المدعوّ إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه. وتعرّفه مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشّيطان، والطّريق الموصّلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه. فهذه ستّة أمور ضروريّ للعبد معرفتها، ومشاهدتها ومطالعتها. فتشهده الاخرة حتّى كأنّه فيها، وتغيّبه عن الدّنيا حتّى كأنّه ليس فيها، وتميّز له بين الحقّ والباطل في كلّ ما اختلف فيه العالم، فتريه الحقّ حقّا، والباطل باطلا. وتعطيه فرقانا ونورا يفرّق   (1) الإحياء للغزالي (4/ 423) . (2) تل الشيء في يده: وضعه فيها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 914 به بين الهدى والضّلال، والغيّ والرّشاد، وتعطيه قوّة في قلبه، وحياة واسعة وانشراحا وبهجة وسرورا. فيصير في شأن والنّاس في شأن آخر. فإنّ معاني القرآن دائرة على التّوحيد وبراهينه، والعلم بالله وما له من أوصاف الكمال، وما ينزّه عنه من سمات النّقص، وعلى الإيمان بالرّسل، وذكر براهين صدقهم، وأدلّة صحّة نبوّتهم، والتّعريف بحقوق مرسلهم، وعلى الإيمان بملائكته، وهم رسله في خلقه وأمره، وتدبيرهم الأمور بإذنه ومشيئته، وما جعلوا عليه من أمر العالم العلويّ والسّفليّ، وما يختصّ بالنّوع الإنسانيّ منهم، من حين يستقّر في رحم أمّه إلى يوم يوافي ربّه ويقدم عليه، وعلى الإيمان باليوم الاخر وما أعدّ الله فيه لأوليائه من دار النّعيم المطلق، الّتي لا يشعرون فيها بألم ولا نكد ولا تنغيص. وما أعدّ لأعدائه من دار العقاب الوبيل، الّتي لا يخالطها سرور ولا رخاء ولا راحة ولا فرح. وتفاصيل ذلك أتمّ تفصيل وأبينه. وعلى تفاصيل الأمر والنّهي، والشّرع والقدر، والحلال والحرام، والمواعظ والعبر، والقصص، والأمثال، والأسباب، والحكم، والمبادىء، والغايات، في خلقه وأمره. فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربّه بالوعد الجميل، وتحذّره وتخوّفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتحثّه على التّضمّر والتّخفّف للقاء اليوم الثّقيل، وتهديه في ظلم الاراء والمذاهب إلى سواء السّبيل. وتصدّه عن اقتحام طرق البدع والأضاليل وتبعثه على الازدياد من النّعم بشكر ربّه الجليل، وتبصّره بحدود الحلال والحرام، وتوقفه عليها لئلّا يتعدّاها فيقع في العناء الطّويل، وتثبّت قلبه عن الزّيغ والميل عن الحقّ والتّحويل. وتسهّل عليه الأمور الصّعاب والعقبات الشّاقّة غاية التّسهيل. وتناديه كلّما فترت عزماته، وونى في سيره: تقدّم الرّكب وفاتك الدليل. فاللّحاق اللّحاق، والرّحيل الرّحيل، وتحدو به وتسير أمامه سير الدّليل. وكلّما خرج عليه كمين من كمائن العدوّ أو قاطع من قطّاع الطّريق نادته: الحذر الحذر، فاعتصم بالله، واستعن به، وقل: حسبي الله ونعم الوكيل. وفي تأمّل القرآن وتدبّره، وتفهّمه أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد «1» . من فوائد (التدبر) (1) يفضي إلى رسوخ الإيمان في القلب. (2) يجعل الإنسان راغبا راهبا. (3) النّجاة من الغرور. (4) الحزم والفطنة من ثمراته. (5) دقّة التّمييز بين الطّيّب والخبيث والفاسد والصّحيح. وانظر أيضا فوائد صفة التفكر   (1) مدارج السالكين (1/ 485- 487) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 915 التذكر / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 47/ 13/ 9/ التذكر لغة: مصدر تذكّر على وزن تفعّل وهذا الوزن يفيد التّدرّج والارتقاء شيئا فشيئا، يقول الجوهريّ: وذكرت الشّيء بعد النّسيان وذكرته بلساني وبقلبي، وتذكّرته وأذكرته غيري وذكّرته بمعنى (واحد) قال الله تعالى وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ 45) أي ذكره بعد نسيان وأصله اذتكر فأدغم، والتّذكرة ما تستذكر به الحاجة «1» ... ونقل في اللّسان عن الفرّاء قوله: يكون الذّكرى بمعنى الذّكر، ويكون بمعنى التّذكّر، في قوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات/ 55) ، والذّكر والذّكرى، بالكسر: نقيض النّسيان، وكذلك الذّكرة «2» . واصطلاحا: قال ابن القيّم- رحمه الله- في منزلة التّذكّر: والتّذكّر تفعّل من الذّكر، وهو ضدّ النّسيان، وهو حضور صورة المذكور العلميّة في القلب، واختير له بناء التّفعّل لحصوله بعد مهلة وتدرّج، كالتّبصّر والتّفهّم والتّعلّم. العلاقة بين التذكر والتفكر: قال ابن القيّم: فمنزلة التّذكّر من التّفكّر منزلة حصول الشّيء المطلوب بعد التّفتيش عليه، ولهذا كانت آيات الله- المتلوّة والمشهودة ذكرى، كما قال في المتلوّة وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ* هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (غافر/ 53- 54) وقال عن القرآن: وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (الحاقة/ 48) ، وقال في آياته المشهودة: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ* وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (ق/ 6- 8) . فالتّبصرة آلة البصر، والتّذكرة آلة الذّكر، وقرن بينهما وجعلهما لأهل الإنابة؛ لأنّ العبد إذا أناب إلى الله أبصر مواقع الايات والعبر، فاستدلّ بها على ما هي آيات له. فزال عنه الإعراض بالإنابة، والعمى بالتّبصرة، والغفلة بالتّذكرة؛ لأنّ التّبصرة توجب له حصول صورة المدلول في القلب بعد غفلته عنها. فترتيب المنازل الثّلاثة أحسن ترتيب، ثمّ إنّ كلّا منها يمدّ صاحبه ويقوّيه ويثمره. وقال تعالى في آياته المشهودة: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ «3» إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 36- 37) .   (1) الصحاح (2/ 565) . (2) لسان العرب (4/ 308- 309) ، المصباح المنير (1/ 223) . (3) محيص: أي محيد ومهرب. انظر تفسير الطبري (17/ 23) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 916 والنّاس ثلاثة: رجل قلبه ميّت، فذلك الّذي لا قلب له، فهذا ليست الاية ذكرى في حقّه. الثّاني: رجل له قلب حيّ مستعدّ، لكنّه غير مستمع للايات المتلوّة، الّتي يخبر بها الله عن الايات المشهودة، إمّا لعدم ورودها، أو لوصولها إليه، ولكنّ قلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذّكرى، مع استعداده ووجود قلبه. والثّالث: رجل حيّ القلب مستعدّ، تليت عليه الايات، فأصغى بسمعه، وألقى السّمع وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملقي السّمع، فهذا القسم هو الّذي ينتفع بالايات المتلوّة والمشهودة. فالأوّل: بمنزلة الأعمى الّذي لا يبصر. والثّاني: بمنزلة البصير الطّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه. والثّالث: بمنزلة البصير الّذي قد حدّق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسّط من البعد والقرب، فهذا هو الّذي يراه. فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصّدور. فاعلم أنّ الرّجل قد يكون له قلب وقّاد، مليء باستخراج العبر، واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التّذكّر والاعتبار، فإذا سمع الايات كانت له نورا على نور. وهؤلاء أكمل خلق الله. وأعظمهم إيمانا وبصيرة، حتّى كأنّ الّذي أخبرهم به الرّسول مشاهد لهم. فصاحب هذا القلب إذا سمع الايات وفي قلبه نور من البصيرة ازداد بها نورا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السّمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التّذكّر أيضا «1» . التذكر في القرآن الكريم: ورد التّذكّر والذّكرى في القرآن الكريم في مواضع عديدة اقترن بعضها بالاستفهام الإنكاريّ كما في قوله سبحانه: أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (الأنعام/ 80، والسجدة/ 4) واقترن بعضها بلفظ «لعلّ» الّتي تفيد الحثّ على التّذكر ببيان الأسباب الدّاعية إليه، وجاءت آيات أخرى تمدح المتذكّرين وتجعل الذّكرى من صفات أولى الألباب، وقد سجّلت آيات أخرى على الإنسان قلّة تذكّره أو عدم تذكّره مع وجود الدّاعي لذلك من تلاوة آي القرآن أو جعل اللّيل والنّهار خلفة أو إطالة العمر ونحو ذلك. وسنقوم فيما يلي بتصنيف الايات الكريمة الواردة في التّذكّر تبعا لسياقاتها الّتي أشرنا إليها. [للاستزادة: انظر صفات: الاعتبار- التأمل التفكر- تذكر الموت- التذكير. وفي ضد ذلك انظر صفات: الإعراض- اتباع الهوى- التفريط والإفراط- الغفلة- طول الأمل] .   (1) مدارج السالكين (1/ 474- 477) باختصار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 917 الآيات الواردة في «التذكر» التذكر مقترنا بالاستفهام الإنكارى (يراد منه التعجّب) : 1- وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) «1» 2- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) «2» 3- مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) «3» 4- وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) «4» 5- أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) «5» 6- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) «6» 7- قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) «7» 8- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) «8» 9- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «9»   (1) الأنعام: 80 مكية (2) يونس: 3 مكية (3) هود: 24 مكية (4) هود: 30 مكية (5) النحل: 17 مكية (6) الإسراء: 41 مكية (7) المؤمنون: 84- 85 مكية (8) السجدة: 4 مكية (9) فاطر: 36- 37 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 918 10- أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) «1» 11- أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) «2» القرآن يحثنا على التذكر ويمتدح المتذكرين: 12- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «3» 13- يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (269) «4» 14- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «5» 15- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) «6» 16- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) «7» 17- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) «8» 18- وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِ   (1) الصافات: 151- 155 مكية (2) الجاثية: 23 مكية (3) البقرة: 221 مدنية (4) البقرة: 269 مدنية (5) آل عمران: 7 مدنية (6) الأنعام: 126 مكية (7) الأنعام: 152 مكية (8) الأعراف: 26 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 919 الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) «1» 19- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) «2» 20- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) «3» 21- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «4» 22- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «5» 23- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) «6» 24- سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) «7» 25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) «8» 26- وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (50) «9» 27- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) «10» 28- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) «11» 29- وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) «12» 30- وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) «13»   (1) الأعراف: 57 مكية (2) الأعراف: 201 مكية (3) إبراهيم: 24- 25 مكية (4) إبراهيم: 52 مكية (5) النحل: 90 مكية (6) طه: 43- 44 مكية (7) النور: 1 مدنية (8) النور: 27 مدنية (9) الفرقان: 48- 50 مكية (10) الفرقان: 62 مكية (11) القصص: 43 مكية (12) القصص: 46 مكية (13) القصص: 51 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 920 31- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) «1» 32- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «2» 33- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) «3» 34- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «4» 35- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «5» 36- أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) «6» 37- فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) «7» 38- وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) «8» 39- وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) «9» 40- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) «10» 41- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) «11» القرآن يصف الإنسان بقلة التذكر: 42- اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) «12» 43- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «13»   (1) ص: 29 مكية (2) الزمر: 9 مكية (3) الزمر: 27 مكية (4) غافر: 13 مكية (5) غافر: 58 مكية (6) الدخان: 13 مكية (7) الدخان: 58 مكية (8) الذاريات: 47- 49 مكية (9) الواقعة: 62 مكية (10) عبس: 1- 4 مكية (11) الأعلى: 9- 11 مكية (12) الأعراف: 3 مكية (13) النمل: 62 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 921 44- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «1» 45- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) «2» تذكر الإنسان يوم القيامة: 46- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35) «3» 47- كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23) «4»   (1) غافر: 58 مكية (2) الحاقة: 38- 42 مكية (3) النازعات: 34- 35 مكية (4) الفجر: 21- 23 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 922 الأحاديث الواردة في (التذكر) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبر أمّه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور؛ فإنّها تذكّر بالموت» ) * «1» . 2- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ رجلا مات فدخل الجنّة، فقيل له: ما كنت تعمل؟ (قال: فإمّا ذكر وإمّا ذكّر) فقال: إنّي كنت أبايع النّاس، فكنت أنظر المعسر وأتجوّز في السّكّة أو في النّقد. فغفر له» فقال أبو مسعود: وأنا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 3- * (عن سعيد بن المسيّب وعطاء بن يزيد اللّيثيّ أنّ أبا هريرة- رضي الله عنه- أخبرهما: أنّ النّاس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فهل تمارون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» ، قالوا لا، قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يحشر النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبع، فمنهم من يتّبع الشّمس، ومنهم من يتّبع القمر، ومنهم من يتّبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول أنا ربّكم، فيقولون: هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا، فيدعوهم فيضرب الصّراط بين ظهراني جهنّم، فأكون أوّل من يجوز من الرّسل بأمّته، ولا يتكلّم يومئذ أحد إلّا الرّسل وكلام الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم سلّم، وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «3» ، هل رأيتم شوك السّعدان؟» ، قالوا: نعم، قال: «فإنّها مثل شوك السّعدان غير أنّه لا يعلم قدر عظمها إلّا الله، تخطف النّاس بأعمالهم، فمنهم من يوبق «4» بعمله، ومنهم من يخردل «5» ثمّ ينجو. حتّى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النّار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجوهم، ويعرفونهم باثار السّجود، وحرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود، فيخرجون من النّار، فكلّ ابن آدم تأكله النّار إلّا أثر السّجود، فيخرجون من النّار قد امتحشوا «6» ، فيصبّ عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبّة «7» في حميل السّيل «8» . ثمّ يفرغ   (1) مسلم (976) . (2) مسلم (1560) . (3) السعدان: نبت ذو شوك، من مراعي الإبل الجيدة. (4) يوبق: أو بقته الذنوب: أي أهلكته. (5) يخردل: المخردل: المرمي المصروع، وقيل: هو المقطع، والمعنى أنه تقطعه كلاليب الصراط، حتى يقع في النار. (6) امتحشوا: الامتحاش: الاحتراق، وقيل: هو أن تذهب النار الجلد وتبدي العظم. (7) الحبة: بكسر الحاء: البزورات، وبفتحها: كالحنطة والشعير. (8) حميل السيل: الزبد وما يلقيه على شاطئه، وهو فعيل بمعنى مفعول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 923 الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنّة والنّار وهو آخر أهل النّار دخولا الجنّة- مقبل بوجهه قبل النّار، فيقول: يا ربّ اصرف وجهي عن النّار، قد قشبني «1» ريحها وأحرقني ذكاؤها «2» . فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزّتك. فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النّار، فإذا أقبل به على الجنّة رأى بهجتها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثمّ قال: يا ربّ قدّمني عند باب الجنّة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي كنت سألت؟ فيقول: يا ربّ، لا أكون أشقى خلقك، فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره، فيقول: لا، وعزّتك لا أسأل غير ذلك. فيعطي ربّه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدّمه إلى باب الجنّة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها «3» وما فيها من النّضرة والسّرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول: يا ربّ، أدخلني الجنّة، فيقول الله: ويحك يا ابن آدم، ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي أعطيت؟، فيقول: يا ربّ لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله- عزّ وجلّ- منه، ثمّ يأذن له في دخول الجنّة، فيقول: تمنّ، فيتمنّى. حتّى إذا انقطع أمنيّته، قال الله- عزّ وجلّ-: من كذا وكذا- أقبل يذكّره ربّه- حتّى إذا انتهت به الأمانيّ قال الله تعالى «لك ذلك ومثله معه» ، قال أبو سعيد الخدريّ لأبي هريرة- رضي الله عنهما-: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله» ، قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا قوله: «لك ذلك ومثله معه» ، قال أبو سعيد: إنّي سمعته يقول: «ذلك لك وعشرة أمثاله» ) * «4» . 4- * (عن معاوية بن حيدة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه كان عبد من عباد الله- جلّ وعزّ- أعطاه الله مالا وولدا فكان لا يدين لله تبارك وتعالى دينا فلبث حتّى إذا ذهب منه عمر أو بقي عمر تذكّر فعلم أنّه لن يبتئر «5» عند الله تبارك وتعالى خيرا، دعا بنيه فقال أيّ أب تعلموني؟. قالوا: خيره «6» يا أبانا، قال: والله لا أدع عند أحد منكم مالا هو منّي إلّا أنا آخذه منه ولتفعلنّ بي ما آمركم، قال: فأخذ منهم ميثاقا- وربّيّ-. فقال: أمّا لا فإذا أنا متّ فألقوني في النّار حتّى إذا كنت حمما فدقّوني، قال: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول بيده على فخذه «ثمّ أذروني في الرّيح لعلّي أضلّ الله- تبارك وتعالى- قال: ففعلوا ذلك به وربّ محمّد حين مات فجيء به في أحسن ما كان قطّ فعرض على ربّه تبارك وتعالى فقال: ما حملك على النّار، قال: خشيتك يا   (1) قشبني ريحها: آذاني، والقشب السم، والقشيب: المسموم، فكأنه قال: قد سمني ريحها. (2) ذكاؤها: ذكا النار: مفتوح الأول مقصورا: اشتعالها ولهبها. (3) الزهرة: الحسن والنضارة والبهجة. (4) البخاري- الفتح 2 (806) واللفظ له، مسلم (182) . (5) يبتئر: أي يدّخر يقال بأرت الشيء وابتأرته إذا ادخرته. الصحاح (2/ 583) . (6) خيره: أي خير أب نعلمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 924 ربّاه، قال: إنّي أسمعك لراهبا فتيب عليه» ) * «1» . 5- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بئسما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسّي، استذكروا القرآن، فلهو أشدّ تفصّيا «2» من صدور الرّجال من النّعم بعقلها» ) * «3» . 6- * (عن ربعيّ بن حراش أنّ حذيفة حدّثه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ فقال: لا، قالوا: تذكّر، قال: كنت أداين النّاس، فامر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوّزوا عن الموسر، قال: قال الله: تجوزّوا عنه» ) * «4» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا يقرأ في المسجد، فقال: «رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهنّ من سورة كذا وكذا» ، وزاد عبّاد بن عبد الله عن عائشة «تهجّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فسمع صوت عبّاد يصلّي في المسجد فقال: يا عائشة، أصوت عبّاد هذا؟ قلت: نعم، قال: اللهمّ ارحم عبّادا» ) * «5» . 8- * (عن علقمة قال: قال عبد الله- رضي الله عنه-: صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص- فلمّا سلّم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصّلاة شيء؟ قال: «وما ذاك؟» قالوا: صلّيت كذا وكذا، فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثمّ سلّم، فلمّا أقبل علينا بوجهه قال: «إنّه لو حدث في الصّلاة شيء لنبّأتكم به، ولكن إنّما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكّروني وإذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب، فليتمّ ما عليه ثمّ ليسلّم، ثمّ يسجد سجدتين» ) * «6» . 9- * (عن حنظلة الأسيّديّ «7» قال: (وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت؟ يا حنظلة، قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله ما تقول؟، قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين «8» ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عافسنا «9» الأزواج والأولاد والضّيعات «10» . فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق   (1) أحمد (5/ 5) وعند البخاري في حديث أبي سعيد (7508) ، مسلم (2757) ، وهذا لفظ أحمد. (2) تفصّيا: أصل الفصية الشيء تكون فيه ثم تخرج منه، ومنه يقال: ما كدت أتفصّى من فلان أي ما كدت أتخلص منه، وتفصّيت من الديون خرجت منها. الصحاح (6/ 2455) . (3) البخاري- الفتح 8 (5032) ، مسلم (790) . (4) البخاري- الفتح 4 (2077) ، مسلم (1560) واللفظ له، والدارمي (2549) وهذا لفظ الدارمي. (5) البخاري- الفتح 5 (2655) ، مسلم (788) . (6) البخاري- الفتح 1 (401) ، مسلم (572) . (7) الأسيدي: ضبطوه بوجهين، أصحهما وأشهرهما ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة، والثاني كذلك إلا أنه بإسكان الياء، ولم يذكر القاضي إلا هذا الثاني. وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم. (8) حتى كأنا رأي عين: قال القاضي: ضبطناه رأي العين، بالرفع، أي كأنا بحال من يراها بعينه، قال: ويصح النصب على المصدر، أي نراها رأي العين. (9) عافسنا: قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا. (10) والضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو عقار أو حرفة أو صناعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 925 حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» ، قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ثلاث مرّات) * «1» . 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا كان ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لقي إبراهيم، وموسى، وعيسى، فتذاكروا السّاعة متى هي؟ فبدءوا بإبراهيم، فسألوه عنها، فلم يكن عنده منها علم، فسألوا موسى، فلم يكن عنده منها علم، فردّوا «2» الحديث إلى عيسى، فقال: قد عهد الله إليّ فيما دون وجبتها، فلا يعلمها إلّا الله، فذكر خروج الدّجّال، قال: فأهبط فأقتله، ثمّ يرجع النّاس إلى بلادهم، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج، وهم من كلّ حدب ينسلون، لا يمرّون بماء إلّا شربوه، ولا بشيء إلّا أفسدوه، فيجأرون إلى الله، فأدعو الله فيميتهم، فتخوى الأرض من ريحهم، فيجأرون إلى الله، فأدعو الله، فيرسل السّماء بالماء فيحملهم فيلقيهم في البحر، ثمّ تنسف الجبال وتمدّ الأرض مدّ الأديم، فعهد الله إليّ أنّه إذا كان ذلك، أنّ السّاعة من النّاس، كالحامل المتمّ لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو نهارا. قال العوّام. فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ثمّ قرأ حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ (الأنبياء/ 96- 97)) * «3» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ولّاه الله من أمر المسلمين شيئا فأراد به خيرا جعل له وزير صدق، فإن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه» ) * «4» . 12- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّ في زيارتها تذكرة» ) * «5» . 13- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر الرّقيم فقال: «إنّ ثلاثة كانوا في كهف فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم. قال قائل منهم: تذاكروا أيّكم عمل حسنة لعلّ الله عزّ وجلّ برحمته يرحمنا،   (1) مسلم (2750) . (2) ردّ: بمعنى صار. (3) ابن ماجة (4081) ، وفي الزوائد: هذا إسناده صحيح رجاله ثقات، ومؤثر بن غفارة، ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 488- 489) واللفظ له، وقال: هذا صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (4) الهيثمي في المجمع (5/ 210) وقال: رواه أحمد والبزار ورجال البزار رجال الصحيح. والنسائي (7/ 159) . (5) مسلم (977) ، وأبو داود (3235) واللفظ له، وقال الألباني صحيح- الأحكام (188) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 926 فقال رجل منهم: قد عملت حسنة مرّة كان لي أجراء يعملون فجاءني عمّال لي فاستأجرت كلّ رجل منهم بأجر معلوم فجاءني رجل ذات يوم وسط النّهار فاستأجرته بشطر أصحابه فعمل في بقيّة نهاره كما عمل كلّ رجل منهم في نهاره كلّه فرأيت عليّ في الذّمام أن لا أنقصه ممّا استأجرت به أصحابه لمّا جهد في عمله، فقال رجل منهم: أتعطي هذا مثل ما أعطيتني ولم يعمل إلّا نصف نهار؟، فقلت: يا عبد الله، لم أبخسك شيئا من شرطك وإنّما هو مالي أحكم فيه ما شئت، قال فغضب وذهب وترك أجره، قال: فوضعت حقّه في جانب البيت ما شاء الله ثمّ مرّت بي بعد ذلك بقر فاشتريت به فصيلة من البقر فبلغت ما شاء الله، فمرّ بي بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه فقال: إنّ لي عندك حقّا فذكّرنيه حتّى عرفته، فقلت: إيّاك أبغي هذا حقّك فعرضتها عليه جميعا، فقال: يا عبد الله، لا تسخر بي إن لم تصدّق عليّ فأعطني حقّي، قال: والله لا أسخر بك إنّها لحقّك ما لي منها شيء فدفعتها إليه جميعا، اللهمّ، إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنّا. قال: فانصدع الجبل حتّى رأوا منه وأبصروا. قال الاخر: قد عملت حسنة مرّة، كان لي فضل فأصابت النّاس شدّة فجاءتني امرأة تطلب منّي معروفا، قال: فقلت والله ما هو دون نفسك فأبت عليّ، فذهبت ثمّ رجعت فذكّرتني بالله فأبيت عليها وقلت: لا والله ما هو دون نفسك فأبت عليّ وذهبت فذكرت لزوجها فقال لها: أعطيه نفسك، وأغني عيالك، فرجعت إليّ فناشدتني بالله فأبيت عليها، وقلت: والله ما هو دون نفسك فلمّا رأت ذلك أسلمت إليّ نفسها فلمّا تكشّفتها وهممت بها ارتعدت من تحتي فقلت لها: ما شأنك، قالت: أخاف الله ربّ العالمين، قلت لها: خفتيه «1» في الشّدّة ولم أخفه في الرّخاء فتركتها وأعطيتها ما يحقّ عليّ بما تكشّفتها، اللهمّ، إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنّا، قال: فانصدع حتّى عرفوا وتبيّن لهم. قال الاخر: وعملت حسنة مرّة، كان لي أبوان شيخان كبيران، وكانت لي غنم فكنت أطعم أبويّ وأسقيهما، ثمّ رجعت إلى غنمي قال: فأصابني يوما غيث حبسني فلم أبرح حتّى أمسيت فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت وغنمي قائمة فمضيت إلى أبويّ فوجدتهما قد ناما، فشقّ عليّ أن أوقظهما، وشقّ عليّ أن أترك غنمي، فما برحت جالسا ومحلبي على يدي حتّى أيقظهما الصّبح فسقيتهما اللهمّ، إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنّا» ، قال النّعمان: لكأنّي أسمع هذه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال الجبل: طاق ففرّج الله عنهم فخرجوا) * «2» .   (1) خفتيه: هكذا رواية أحمد، واللغة ترى أن يكون بغير ياء هكذا (خفته) . (2) البخاري- الفتح 4 (2215) ، مسلم (2743) ، أحمد (4/ 274) وهذا لفظ أحمد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 927 الأحاديث الواردة في (التذكر) معنى انظر صفة (التفكر) من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التذكر) 1- * (عن شقيق بن سلمة أبي وائل أنّ رجلا من بني تغلب يقال له الصّبيّ بن معبد وكان نصرانيّا فأسلم، فأقبل في أوّل ما حجّ فلبّى بحجّ وعمرة جميعا فهو كذلك يلبّي بهما جميعا فمرّ على سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان، فقال أحدهما: لأنت أضلّ من جملك هذا، فقال الصّبيّ: فلم يزل في نفسي حتّى لقيت عمر بن الخطّاب، فذكرت ذلك له، فقال: هديت لسنّة نبيّك صلّى الله عليه وسلّم، قال شقيق: وكنت أختلف أنا ومسروق بن الأجدع إلى الصّبيّ بن معبد نستذكره فلقد اختلفنا إليه مرارا أنا ومسروق بن الأجدع) * «1» . 2- * (عن مطرّف بن عبد الله قال: صلّيت خلف عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنا وعمران ابن حصين، فكان إذا سجد كبّر وإذا رفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الرّكعتين كبّر، فلمّا قضى الصّلاة أخذ بيدي عمران بن حصين، فقال: قد ذكّرني هذا صلاة محمّد صلّى الله عليه وسلّم- أو قال- لقد صلّى بنا صلاة محمّد صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أمّ الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (المرسلات/ 1) ، فقالت له: يا بنيّ لقد ذكّرتني بقراءتك هذه السّورة. إنّها لاخر ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ بها في المغرب» ) * «3» . 4- * (قال عصام بن المصطلق: «دخلت المدينة فرأيت الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- فأعجبني سمته وحسن روائه، فأثار منّي الحسد ما كان يجنّه صدري لأبيه من البغض، فقلت: أنت ابن أبي طالب، قال: نعم، فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليّ نظرة عاطف رءوف، ثمّ قال: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم بسم الله الرّحمن الرّحيم خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199- 201) فقرأ إلى قوله تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ، ثمّ قال لي: خفّض عليك، استغفر الله لي ولك، إنّك لو استعنتنا أعنّاك، ولو استرفدتنا أرفدناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، فتوسّم فيّ النّدم على ما فرط منّي فقال: قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ   (1) النسائي (5/ 147- 148) . (2) البخاري- الفتح 2 (786) ، مسلم (393) . (3) تنوير الحوالك (1/ 100) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 928 يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف/ 92) أمن أهل الشّام أنت؟ قلت: نعم. فقال: «شنشنة أعرفها من أخزم» حيّاك الله وبيّاك، وعافاك، وآداك «1» ؛ انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك، تجدنا عند أفضل ظنّك، إن شاء الله، قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رحبت، ووددت أنّها ساخت بي، ثمّ تسلّلت منه لواذا، وما على وجه الأرض أحبّ إليّ منه ومن أبيه» ) * «2» . 5- * (قال سعيد بن جبير في قوله تعالى: تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 201) هو الرّجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ» ) * «3» . 6- * (وقال مجاهد: الرّجل يهمّ بالذّنب فيذكر الله فيدعه» ) * «4» . 7- * (وقال مقاتل: «إنّ المتّقي إذا أصابه نزغ من الشّيطان تذكّر وعرف أنّه معصيه فأبصر فنزع عن مخالفة الله» ) * «5» . 8- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 201) أي تذكّروا عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب» ) * «6» . 9- * (ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عمرو ابن جامع من تاريخه أنّ شابّا كان يتعبّد في المسجد فهويته امرأة فدعته إلى نفسها فما زالت به حتّى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الاية إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 201) فخرّ مغشيّا عليه ثمّ أفاق فأعادها فمات، فجاء عمرو فعزّى فيه أباه وكان قد دفن ليلا فذهب فصلّى على قبره بمن معه ثمّ ناداه عمرو فقال يا فتى، وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (الرحمن/ 46) فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمرو قد أعطانيها ربّي- عزّ وجلّ- في الجنّة مرّتين» ) * «7» .   (1) آداك بمعنى أعانك وقواك. (2) تفسير القرطبي مج 2، ج 9، ص (350- 351) . (3) تفسير البغوي، مج 5، ج 9، ص (225) . (4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) تفسير ابن كثير، مج 2، ج 9، ص (290) . (7) المصدر السابق، مج 2، ج 9، ص (291) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 929 من فوائد (التذكر) (1) يجعل المسلم على صلة مع ربّه عند ما يتذكّر آلاءه. (2) يديم النّظر في مخلوقات الله فيزداد إيمانا ويقينا. (3) تنعكس على صاحبه ملامح النّجابة والفطنة والذّكاء. (4) يكسب الوجه نضارة واستنارة. (5) يحبّه الله والملائكة المقرّبون وعباد الله الصّالحون. (6) التّذكّر يزيل الغفلة ويمدّ صاحبه بزاد من الإيمان لا ينفد. (7) التّذكّر يبعث على العظة والاعتبار خاصّة ما حدث للأمم السّابقة. (8) بالتّذكر يتغلّب الإنسان على هوى الشّيطان ويمدّه بالبصيرة النّافذة إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 201) . (9) التّذكّر يرفع الرّوح المعنويّة لصاحبه ويجعله ضمن أولى الألباب ويدخله في المنيبين. (10) التّذكّر يبعد الإنسان عن الذّنوب ويحثّه على الإنابة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 930 تذكر الموت (قصر الأمل) /الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 56/ 73/ 38/ 1- التذكر لغة: قال ابن منظور: الذّكر: الحفظ للشّيء تذكره، والذّكر جري الشّيء على لسانك. واستذكره: كاذّكره، وأذكره إيّاه: ذكّره، والاسم الذّكرى. يكون الذّكرى بمعنى الذّكر ويكون بمعنى التّذكّر، والذّكر والذّكرى بالكسر نقيض النّسيان وكذلك الذّكرة. والتّذكرة: ما تستذكر به الحاجة. والتّذكّر: تذكّر ما أنسيته. وذكرت الشّيء بعد النّسيان وذكرته بلساني وبقلبي وتذكّرته وأذكرته غيري وذكّرته بمعنى. قال الله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ 45) أي ذكر بعد نسيان وأصله اذتكر فأدغم «1» . قال ابن القيّم: والتّذكّر: تفعّل من الذّكر وهو ضدّ النّسيان. واختير له بناء التّفعّل لحصوله بعد مهلة وتدرّج. كالتّبصّر والتّفهّم والتّعلّم. التذكر اصطلاحا: هو حضور صورة المذكور العلميّة (أي الّتي يعلم بها) في القلب «2» . أنواع التذكر: قال الرّاغب: الذّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلّا أنّ الحفظ يقال اعتبارا لإحرازه والذّكر يقال اعتبارا لاستحضاره وتارة يقال لحضور الشّيء القلب أو القول ولذلك قيل الذّكر ذكران: ذكر بالقلب وذكر باللّسان وكلّ واحد منهما ضربان، ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ وكلّ قول يقال له ذكر فمن الذّكر باللّسان قوله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ (الأنبياء/ 10) وقوله تعالى: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ (الأنبياء/ 50) ومن الذّكر عن النّسيان قوله تعالى: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ (الكهف/ 63) ومن الذّكر بالقلب واللّسان معا قوله تعالى فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (البقرة/ 200) «3» . 2- الموت لغة: قال ابن منظور: الموت والموتان ضدّ الحياة.   (1) لسان العرب: (4/ 308، 309) . وانظر محيط المحيط: (309) (2) مدارج السالكين (1/ 442) . (3) مفردات الراغب (179) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 931 والموات، بالضّمّ: الموت. مات يموت موتا والأصل فيه موت. والموت: خلق من خلق الله تعالى. ورجل ميت وميّت، وقيل: الميت الّذي مات، والميّت والمائت: الّذي لم يمت بعد. قيل وهذا خطأ وإنّما ميّت يصلح لما قد مات ولما سيموت. قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (الزمر/ 30) . وجمع بين اللّغتين عديّ بن الرّعلاء فقال: ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء وقوم موتى وأموات وميّتون وميتون. وفي التّنزيل العزيز: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً (الفرقان/ 49) قال الزّجّاج: الميت هو الميّت بالتّشديد إلّا أنّه يخفّف والمعنى واحد، ويستوي فيه المذكّر والمؤنّث. وقوله تعالى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة/ 132) . قال أبو إسحاق: إن قال قائل كيف ينهاهم عن الموت وهم إنّما يماتون؟ قيل: إنّما وقع هذا على سعة الكلام وما تكثر العرب استعماله، والمعنى الزموا الإسلام، فإذا أدرككم الموت صادفكم مسلمين. وحديث دعاء الانتباه: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور» . وسمّي النّوم موتا لزوال العقل والحركة. والميتة: ضرب من الموت. وجمعها ميت. ومنه ما جاء في حديث الفتن: «فقد مات ميتة جاهليّة» . أنواع الموت: الموت يقع على أنواع بحسب أنواع الحياة: فمنها ما هو بإزاء القوّة النّامية الموجودة في الحيوان والنّبات كقوله تعالى: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها (الروم/ 50) . ومنها زوال القوّة الحسّيّة كقوله تعالى: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا (مريم/ 23) . ومنها زوال القوّة العاقلة، وهي الجهالة، كقوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (الأنعام/ 122) . ومنها الحزن والخوف المكدّر للحياة كقوله تعالى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ (إبراهيم/ 17) . ومنها المنام كقوله تعالى: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها (الزمر/ 42) ، وقد قيل: المنام الموت الخفيف، والموت: النّوم الثّقيل. والمستميت المستقتل الّذي لا يبالي الموت في الحرب وفي حديث بدر «أرى القوم مستميتين» أي مستقتلين، وهم الّذين يقاتلون على الموت «1» . واصطلاحا: قال الجرجانيّ: الموت: صفة وجوديّة خلقت ضدّا للحياة. وقال ابن الجوزيّ: الموت: حادث تزول معه   (1) لسان العرب (2/ 90- 94) بتصرف. وانظر بصائر ذوي التمييز (4/ 536- 538) ومحيط المحيط (868) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 932 الحياة «1» . 3- وتذكر الموت اصطلاحا: حضور صورته وأهواله وما بعده في القلب وانعكاسها على الجوارح سلوكا. قال ابن الجوزيّ: الواجب على العاقل أخذ العدّة لرحيله؛ فإنّه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربّه، ولا يدري متى يستدعى؟ وإنّي رأيت خلقا كثيرا غرّهم الشّباب ونسوا فقدان الأقران، وألهاهم طول الأمل. وربّما قال العالم المحض لنفسه: أشتغل بالعلم اليوم ثمّ أعمل به غدا، فيتساهل في الزّلل بحجّة الرّاحة، ويؤخّر الأهبة لتحقيق التّوبة ولا يتحاشى من غيبة أو سماعها، ومن كسب شبهة يأمل أن يمحوها بالورع. وينسى أنّ الموت قد يبغته. فالعاقل من أعطى كلّ لحظة حقّها من الواجب عليه. فإن بغته الموت رئي سعيدا، وإن نال الأمل ازداد خيرا «2» . وقال أيضا: إذا علم الإنسان بأنّ الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته. فإن كان له شيء من الدّنيا وقف وقفا وغرس غرسا وأجرى نهرا، ويسعى في تحصيل ذرّيّة تذكر الله بعده فيكون الأجر له، أو أن يصنّف كتابا من العلم؛ فإنّ تصنيف العالم ولده المخلّد. وأن يكون عاملا بالخير عالما فيه فينقل من فعله ما يقتدي الغير به فذلك الّذي لم يمت «3» . من معاني الموت في القرآن: قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ الموت في القرآن على أوجه: أحدها: الموت نفسه، ومنه قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (آل عمران/ 185) . الثّاني: الضّلال، ومنه قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (الأنعام/ 122) . الثّالث: الجدب، ومنه قوله تعالى: فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ (فاطر/ 9) . الرّابع: الجماد، ومنه قوله تعالى: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ (النحل/ 21) يعني الأوثان. الخامس: الكفر، ومنه قوله تعالى: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ (آل عمران/ 27) وهو الكافر «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- التذكير- التفكر- التوبة- الذكر- الخوف- الخشية الدعاء- الرجاء- الضراعة والتضرع- الورع- اليقين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: طول الأمل- الإعراض- الأمن من المكر- التفريط والإفراط- الغفلة- اللهو واللعب- الكبر والعجب] .   (1) التعريفات (235) . ونزهة الأعين النواظر (569) . (2) صيد الخاطر (6- 7) . (3) المرجع السابق (12) . (4) نزهة الأعين النواظر (570) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 933 الآيات الواردة في «تذكر الموت» 1- كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) «1» 2- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) «3» 4- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) «4» 5- وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) «5» 6- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) «6» 7- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) «7»   (1) البقرة: 28 مدنية (2) البقرة: 130- 132 مدنية (3) آل عمران: 102 مدنية (4) آل عمران: 185 مدنية (5) النساء: 18 مدنية (6) النساء: 78 مدنية (7) الأنعام: 61- 62 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 934 8- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «1» 9- وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) «2» 10- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (16) «3» 11- قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) «4» 12- يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) «5» 13- اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)   (1) الأنعام: 93 مكية (2) الأنبياء: 34- 35 مكية (3) المؤمنون: 12- 16 مكية (4) الشعراء: 75- 82 مكية (5) العنكبوت: 56- 59 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 935 وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) «1» 14- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) «2» 15- وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) «3» 16- إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12) «4» 17- إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) «5» 18- اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) «6» 19- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) «7» 20- وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) «8»   (1) الروم: 48- 52 مكية (2) لقمان: 33- 34 مكية (3) السجدة: 10- 11 مكية (4) يس: 12 مكية (5) الزمر: 30- 31 مكية (6) الزمر: 42 مكية (7) ق: 16- 24 مكية (8) ق: 41- 43 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 936 21- أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) «1» 22- قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «2» 23- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «3» 24- بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) «4» 25- قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22) «5» الآيات الوارد فيها لفظ «الموت» في سياق غير التذكير به 26- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) «6» 27- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)   (1) الواقعة: 58- 62 مكية (2) الجمعة: 6- 8 مكية (3) المنافقون: 10- 11 مكية (4) الملك: 1- 2 مكية (5) عبس: 17- 22 مكية (6) البقرة: 94- 95 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 937 أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) «1» 28- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) «2» 29- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «3» 30- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (25) «4» 31- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) «5» 32- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) «6»   (1) البقرة: 258- 259 مدنية (2) النساء: 15 مدنية (3) الأنعام: 161- 163 مكية (4) الأعراف: 19- 25 مكية (5) الأعراف: 158 مكية (6) الأنفال: 5- 6 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 938 33- إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116) «1» 34- أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) «2» 35- وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) «3» 36- وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) «4» 37- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا (74) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) «5» 38- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «6» 39- فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) «7» 40- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ   (1) التوبة: 116 مدنية (2) يونس: 55- 57 مكية (3) الحجر: 23- 25 مكية (4) النحل: 20- 21 مكية (5) الإسراء: 73- 75 مكية (6) مريم: 12- 15 مكية (7) مريم: 22- 26 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 939 ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) «1» 41- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66) «2» 42- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) «3» 43- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) «4» 44- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ   (1) الحج: 5- 7 مدنية (2) الحج: 65- 66 مدنية (3) المؤمنون: 99- 104 مكية (4) الروم: 40 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 940 فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14) «1» 45- فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (50) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (55) قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) «2» 46- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) «3» 47- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) «4» 48- رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) «5» 49- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) «6» 50- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) «7»   (1) سبأ: 10- 14 مكية (2) الصافات: 50- 59 مكية (3) غافر: 10- 12 مكية (4) غافر: 67- 68 مكية (5) الدخان: 7- 8 مكية (6) الدخان: 51- 57 مكية (7) الجاثية: 21 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 941 51- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) «1» 52- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) «2» 53- ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) «3» 54- وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (47) «4» 55- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) «5» 56- أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (39) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40) «6»   (1) الجاثية: 25- 26 مكية (2) الأحقاف: 31- 34 مكية (3) ق: 1- 4 مكية (4) النجم: 42- 47 مدنية (5) الحديد: 1- 2 مدنية (6) القيامة: 36- 40 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 942 الأحاديث الواردة في (تذكر الموت) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عاشر عشرة، فقام رجل من الأنصار، فقال: يا نبيّ الله، من أكيس «1» النّاس وأحزم النّاس؟ قال: «أكثرهم ذكرا للموت، وأكثرهم استعدادا للموت، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدّنيا وكرامة الاخرة» ) * «2» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «استحيوا من الله حقّ الحياء» . فقلنا: يا نبيّ الله، إنّا لنستحيي. قال: «ليس ذلك، ولكن من استحيا من الله حقّ الحياء فليحفظ الرّأس وما حوى، والبطن وما وعى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الاخرة ترك زينة الدّنيا، ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء» ) * «3» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده غدوة وعشيّا: إمّا النّار وإمّا الجنّة، فيقال: هذا مقعدك حتّى تبعث إليه» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استكثروا ذكر هاذم اللّذّات فإنّه ما ذكره أحد في ضيق إلّا وسّعة ولا ذكره في سعة إلّا ضيّقها عليه» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره «6» ؟» قالوا: بلى. قال: «فذلك حين يتبع بصره نفسه» ) * «7» . 6- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون. ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة. حتّى إذا كانوا فحما، أذن بالشّفاعة. فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثّوا «8» على أنهار الجنّة. ثمّ قيل: يا أهل الجنّة، أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون   (1) أكيس الناس: أظرف وأفطن. (2) المنذري في الترغيب (4/ 238) وقال: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت والطبراني في الصغير بإسناد حسن. ورواه ابن ماجة مختصرا بإسناد جيد، والبيهقي في الزهد، وذكره الهيثمي (10/ 309) . (3) الترمذي (2458) وقال المباركفوري في التحفة (7/ 155) : أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي. وقال المناوي: قال: الحاكم في المستدرك (4/ 323) : واللفظ له هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال مخرج جامع الأصول (3/ 616) بعد أن ذكر كلام الحاكم: وهو كما قال. (4) البخاري- الفتح 11 (6515) . (5) ذكره الهيثمي 10 (309) وقال: رواه الترمذي- ينظر في جامع الأصول- وغيره باختصار رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، وكذلك من حديث ابن عمر وحديث أنس وغيره وعند المنذري (4/ 236) . (6) شخص بصره: أي ارتفع ولم يرتد. (7) مسلم (921) . (8) ضبائر ضبائر: جماعات جماعات في تفرقة، فبثوا: فرقوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 943 في حميل السّيل «1» » فقال رجل من القوم: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كان بالبادية» ) * «2» . 7- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ رجلا كان قبلكم رغسه «3» الله مالا، فقال لبنيه لمّا حضر: أيّ أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب. قال فإنّي لم أعمل خيرا قطّ، فإذا متّ فأحرقوني، ثمّ اسحقوني ثمّ ذرّوني في يوم عاصف. ففعلوا. فجمعه الله عزّ وجلّ فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك. فتلقّاه برحمته) * «4» . 8- * (عن جابر بن عتيك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غلب عليه، فصاح به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «غلبنا عليك يا أبا الرّبيع» فصاح النّسوة وبكين فجعل جابر يسكّتهنّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعهنّ، فإذا وجب فلا تبكينّ باكية» قالوا: يا رسول الله، وما الوجوب؟ قال: «إذا مات» قالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا؛ فإنّك كنت قد قضيت جهازك، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- قد أوقع أجره على قدر نيّته، وما تعدّون الشّهادة» ؟ قالوا: القتل في سبيل الله تعالى، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الشّهداء سبع سوى القتل في سبيل الله، المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب «5» شهيد، والمبطون «6» شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والّذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع «7» شهيد» ) * «8» . 9- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أكثروا من ذكر هاذم اللّذّات، الموت «9» » «10» . 10- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه-: أنّ النّساء قلن للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: اجعل لنا يوما فوعظهنّ وقال:   (1) حميل السيل: فعيل بمعني مفعول: أي ما يحمله السيل من غثاء. (2) مسلم (185) . (3) رغسه: أي أكثر له وبارك له فيه. (4) البخاري- الفتح 6 (3478) . مسلم (2757) . (5) صاحب ذات الجنب: هو من أصيب بالتهاب غلاف الرئة فيحدث منه حمى في الجنب تزداد عند التنفس. (6) المبطون: هو الذي يموت بمرض بطنه. (7) والمرأة تموت بجمع: إذا ماتت وفي بطنها ولد. (8) أخرجه مالك في الموطأ (331 و334) . وأبو داود (3111) وقال الألباني (2/ 601) : صحيح. والنسائي (4/ 13- 14) وقال محقق الجامع (11/ 101) : حديث صحيح. (9) هاذم اللذات: هاذم أي قاطع فمعناه مزيل الشيء من أصله. قال السّهيلى: الرواية بالمعجمة (الموت) أزجر عن المعصية وأدعى إلى الطاعة فإكثار ذكره سنة مؤكدة، وقال الحفني: هاذم أي مفرق ومشتت اللذات، وبالمهملة مزيل الشيء من أصله كهدم الجدار. يأمر ض أن يتذكر المسلمون الموت دائما، فكل نفس ذائقته ليقل الطمع والشره على جمع الدنيا ولتؤدى الحقوق كاملة تامة، وليكثر الإنسان من الأعمال الصالحة ادخارا لثواب الله، وليقصر الأمل في اتساع الثروة وتشييد القصور، وغيرها من الأشياء التي تجلب الغفلة عن الله تعالى. (10) رواه الترمذي (2307) وقال: حديث حسن غريب، والنسائي (4/ 4) ، وابن ماجه (4258) . قال محقق «جامع الأصول» (11/ 14) : وهو حديث حسن لشواهده الكثيرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 944 «أيّما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النّار. قالت امرأة: واثنان؟ قال: «واثنان» ) * «1» . 11- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه لمّا حضره الموت، دعا بثياب جدد فلبسها، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الميّت يبعث في ثيابه الّتي يموت فيها» ) * «2» . 12- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان «3» فقال: يا كريب! انظر ما اجتمع له من النّاس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له. فأخبرته. فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «4» . 13- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان إذا أدخل الميّت القبر. وقال أبو خالد: إذا وضع الميّت في لحده قال صلّى الله عليه وسلّم مرّة: «بسم الله، وبالله، وعلى ملّة رسول الله» ، وقال مرّة: «بسم الله، وبالله، وعلى سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ، لك أسلمت، وبك آمنت. وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهمّ، إنّي أعوذ بعزّتك، لا إله إلّا أنت، أن تضلّني، أنت الحيّ الّذي لا يموت، والجنّ والإنس يموتون» ) * «6» . 15- * (عن عروة؛ قال: ذكر عند عائشة أنّ ابن عمر يرفع إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الميّت يعذّب في قبره ببكاء أهله عليه. فقالت: وهل «7» ، إنّما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليعذّب بخطيئته أو بذنبه، وإنّ أهله ليبكون عليه الان» . وذاك مثل قوله: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام على القليب «8» يوم بدر. وفيه قتلى بدر من المشركين. فقال لهم ما قال «9» : «إنّهم ليسمعون ما أقول» وقد وهل. إنّما قال: «إنّهم ليعلمون أنّ ما كنت أقول لهم حقّ» ثمّ قرأت: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى (النمل/ 80) ، وَما   (1) البخاري- الفتح 3 (1249) . وعند مسلم (2632) من حديث أبي هريرة. (2) أبو داود (3114) وقال الألباني (2/ 602) : صحيح وذكره في الصحيحة (1671) . (3) قديد وعسفان: موضعان بين الحرمين. (4) مسلم (948) . (5) أخرجه الترمذي (1057) . وعند أبي داود: باسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (3213) . وقال الألباني (2/ 619) : صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (6) البخاري- الفتح 13 (7384) . ومسلم (2717) واللفظ له. (7) وهل: بفتح الواو، وفتح الهاء وكسرها: أي غلط ونسي. (8) القليب: يعني قليب بدر. وهو حفرة رميت فيها جيف كفار قريش المقتولين ببدر. وفسر بالبئر العادية القديمة، ولفظه مذكر، ليس كلفظ البئر. ولقد قال: وفيه قتلى بدر. والقتلى جمع قتيل. (9) فقال لهم ما قال: هو قوله: هل وجدتم ما وعدتم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 945 أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (فاطر/ 22) . يقول: حين تبوّءوا مقاعدهم من النّار «1» » ) * «2» . 16- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجّار على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت «3» به، فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستّة، أو خمسة، أو أربعة. فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» قال رجل: أنا، قال: «فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك، فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» ، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب القبر» . قالوا: نعوذ (بالله) من عذاب القبر، قال: «تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن» ، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» ، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «4» . 17- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: دخل عبيد الله بن زياد على معقل بن يسار وهو وجع. فسأله فقال: إنّي محدّثك حديثا لم أكن حدّثتكه. إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يسترعي الله عبدا رعيّة، يموت حين يموت وهو غاشّ لها، إلّا حرّم الله عليه الجنّة» . قال: ألا كنت حدّثتني هذا قبل اليوم؟ قال: ما حدّثتك، أو لم أكن لأحدّثك» ) * «5» . 18- * (عن بريدة. رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أذن لمحمّد في زيارة قبر أمّه، فزوروها، فإنّها تذكّر الاخرة» ) * «6» . وفي رواية مسلم وأبي داود والنّسائيّ: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النّبيذ «7» إلّا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلّها، ولا تشربوا مسكرا» ) * «8» . 19- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التّثبيت، فإنّه الان يسأل» ) * «9» . 20- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان فى بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثمّ خرج يسأل، فأتى راهبا   (1) حين تبوّءوا مقاعدهم من النار: أي اتخذوا منازل منها، ونزلوها. (2) مسلم (932) . (3) حادت: مالت عن الطريق. (4) مسلم (2867) . (5) البخاري- الفتح 13 (7151) . ومسلم (142) . (6) هذه رواية الترمذي (1066) . (7) وكنت نهيتكم عن النبيذ: يعني إلقاء التمر ونحوه في ماء الظروف، إلا في سقاء، أي إلا في قربة، إنما استثناها لأن السقاء يبرد الماء، فلا يشتد ما يقع فيه اشتداد ما في الظروف. (8) مسلم (977) . (9) أبو داود (3221) وقال الألباني (2/ 620) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (11/ 149) : حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 946 فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله. فجعل يسأل، فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقرّبي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له» ) * «1» . 21- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: كنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أنّ صبيّا لها، أو ابنا لها، في الموت. فقال للرّسول: «ارجع إليها فأخبرها أنّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلّ شيء عنده بأجل مسمّى، فمرها فلتصبر ولتحتسب» . فعاد الرّسول فقال: إنّها قد أقسمت لتأتينّها. قال فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقام معه سعد ابن عبادة ومعاذ بن جبل، وانطلقت معهم، فرفع إليه الصّبيّ ونفسه تقعقع «2» كأنّها في شنّة. ففاضت عيناه. فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده. وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء» ) * «3» . 22- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل وفاته بثلاث، يقول: «لا يموتنّ أحدكم إلّا وهو يحسن بالله الظّنّ» ) * «4» . 23- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقّنوا موتاكم «5» : لا إله إلّا الله» ) * «6» . 24- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: مات رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يثنون عليه، ويذكرون من عبادته ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساكت، فلمّا سكتوا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل كان يكثر ذكر الموت؟» قالوا: لا. قال: «فهل كان يدع كثيرا ممّا يشتهي؟» قالوا: لا. قال: «ما بلغ صاحبكم كثيرا ممّا تذهبون إليه» ) * «7» . 25- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نفس تموت، لها عند الله خير، يسرّها أنّها ترجع إلى الدّنيا، ولا أنّ لها الدّنيا وما فيها، إلّا الشّهيد، فإنّه يتمنّى أن يرجع فيقتل في الدّنيا لما يرى من فضل الشّهادة» ) * «8» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن   (1) البخاري- الفتح 6 (3470) واللفظ له. ومسلم (2766) . (2) ونفسه تقعقع: القعقعة حكاية حركة الشيء يسمع له صوت. والشن القربة البالية. المعنى: روحه تضطرب وتتحرك، لها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ألقي في القربة البالية. (3) البخاري- الفتح 3 (1284) . ومسلم (923) واللفظ له. (4) مسلم (2877) . (5) المقصود هنا: المحتضر عند الموت. (6) مسلم (916) . (7) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 308) . والمنذري (4/ 239) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن، ورواه البزار من حديث أنس قال: ذكر عند النبي ض رجل بعبادة واجتهاد فقال: كيف ذكر صاحبكم للموت؟ قالوا: ما نسمعه يذكره. قال: ليس صاحبكم هناك. (8) البخاري- الفتح 6 (2795) . ومسلم (1877) واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 947 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما ينتظر أحدكم إلّا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدّجّال، والدّجّال شرّ غائب ينتظر أو السّاعة والسّاعة أدهى وأمرّ» ) * «1» . 27- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «مرّت جنازة، فقام لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنّها يهوديّة، فقال: «إنّ الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا» ) * «2» . 28- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتبع الميّت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله» ) * «3» . 29- * (عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كلّ امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه الحمّى يرفع عقيرته يقول: ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر «4» وجليل وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل وقال: «اللهمّ، العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأميّة بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ، حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكّة أو أشدّ. اللهمّ، بارك لنا في صاعنا وفي مدّنا، وصحّحها لنا، وانقل حمّاها إلى الجحفة» . قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، فكان بطحان يجري نجلا «5» . تعني ماء آجنا) * «6» . 30- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثمّ أتيته وقد استيقظ، فقال: «ما من عبد قال لا إله إلّا الله ثمّ مات على ذلك إلّا دخل الجنّة» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟. قال: «وإن زنى وإن سرق» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذرّ» . وكان أبو ذرّ إذا حدّث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذرّ. قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم، وقال: لا إله إلّا الله، غفر له) * «7» .   (1) الترمذي (2307) بلفظ «بادروا بالأعمال سبعا» وساقه وقال عنه: حسن غريب. وذكره الحاكم (4/ 321) وقال: إن كان معمر بن راشد سمع من المقبري فالحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وكذا الذهبي. وصححه السيوطي في الجامع الصغير حديث رقم (3021) . (2) مسلم (960) . (3) البخاري- الفتح 11 (6514) . ومسلم (2960) . (4) الإذخر: حشيش طيب الريح، والجليل الثّمام وهو نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت. وقيل هو الثّمام إذا عظم وجلّ. لسان العرب: مادة (ذخر، جلّ) . (5) بطحان: موضع بالمدينة، والنّجل: الماء النّزّ وهو الذي يتحلّب من الأرض. (6) البخاري- الفتح 4 (1889) ، ومسلم (1376) . (7) البخاري- الفتح 10 (5827) ، ومسلم (94) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 948 31- * (عن الصّنابجيّ، أنّه دخل على عبادة ابن الصّامت؛ وهو في الموت، فبكى الصّنابجيّ فقال: مهلا لم تبكي؟ فو الله لئن استشهدت لأشهدنّ لك، ولئن شفّعت لأشفعنّ لك، ولئن استطعت لأنفعنّك. ثمّ قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكم فيه خير إلّا حدّثتكموه إلّا حديثا واحدا. وسوف أحدّثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من شهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، حرّم الله عليه النّار» ) * «1» . 32- * (عن ابن شماسة المهريّ قال: حضرنا عمرو بن العاص- رضي الله عنه- وهو في سياقة الموت «2» . فبكى طويلا وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أمّا بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ قال فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي كنت على أطباق ثلاث «3» لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» قال: قلت أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا «4» ؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله «5» ؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه، ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التراب شنّا «6» ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي» ) * «7» .   (1) مسلم (29) . (2) في سياقة الموت: أي حال حضور الموت. (3) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث. قال الله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ فلهذا أنّث ثلاثا إرادة لمعنى أطباق. (4) تشترط بماذا: هكذا ضبطناه بما، بإثبات الباء. فيجوز أن تكون زائدة للتوكيد كما في نظائرها. ويجوز أن تكون دخلت على معنى تشترط وهو: تحتاط. أي تحتاط بماذا. (5) إن الإسلام يهدم ما قبله: أي يسقطه ويمحو أثره. (6) فشنوا علي التراب: ضبطناه بالسين المهملة وبالمعجمة. وكذا قال القاضي إنه بالمعجمة والمهملة. قال: وهو الصب. وقيل بالمهملة، الصب في سهولة. وبالمعجمة التفريق. (7) مسلم (121) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 949 الأحاديث الواردة في (تذكر الموت) معنى 33- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبّة من أدم فقال: «اعدد ستّا بين يدي السّاعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان «1» يأخذ فيكم كعقاص «2» الغنم، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة «3» تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية «4» ، تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «5» . 34- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» . وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) * «6» . 35- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحد بعد، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجلسنا حوله كأنّما على رءوسنا الطّير، وبيده عود ينكت «7» به في الأرض، فرفع رأسه فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر مرّتين، أو ثلاثا» . زاد في رواية: وقال: «إنّ الميّت ليسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين حين يقال له: يا هذا، من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟» . وفي رواية: «ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فامنت به وصدّقت» . زاد في رواية: فذاك قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم/ 27) ثمّ اتّفقا: فينادي مناد من السّماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنّة، وألبسوه من الجنّة، وافتحوا له بابا إلى الجنّة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له في قبره مدّ بصره، وإنّ الكافر ... فذكر موته، قال: وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: هاه هاه «8» ، لا أدري، فيقولان:   (1) الموتان: هو الموت الكثير الوقوع بالضم على لغة تميم. وغيرهم يفتحونها. (2) عقاص الغنم: داء يأخذ الغنم فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. وهو بضم العين وتخفيف القاف. (3) في الفتح هدنة بفتح الهاء والدّال والصواب ما ذكره ابن حجر في الشرح 6/ 321 من أنها بضم الهاء وسكون الدال. ومعنى الهدنة الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه. (4) الغاية: يراد بها الراية وسميت بذلك؛ لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف. (5) البخاري- الفتح 6 (3176) . (6) البخاري- الفتح 11 (6416) . (7) ينكت: نكت في الأرض بيده وبقضيب: إذا أثر فيها بذلك. (8) هاه هاه: من عادة المشدوه الحائر إذا خوطب أن يقول: هاه هاه، كأنه يستفهم عما يسأل عنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 950 ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السّماء: أن كذب، فأفرشوه من النّار، وألبسوه من النّار، وافتحوا له بابا إلى النّار، فيأتيه من حرّها وسمومها، ويضيّق عليه قبره حتّى تختلف فيه أضلاعه» . وزاد في رواية: «ثمّ يقيّض له أعمى أبكم «1» ، معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا، فيضربه بها ضربة يسمعها من بين المشرق والمغرب، إلّا الثّقلين، فيصير ترابا، ثمّ تعاد فيه الرّوح» ) * «2» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا قبر الميّت- أو قال: أحدكم- أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر، والاخر النّكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فيقولان له: إن كنّا لنعلم أنّك لتقول ذلك، ثمّ يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينوّر له فيه، فيقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الّذي لا يوقظه إلّا أحبّ أهله إليه حتّى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال: سمعت النّاس يقولون شيئا، فقلت مثله لا أدري، فيقولان: قد كنّا نعلم أنّك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه حتّى تختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذّبا حتّى يبعثه الله من مضجعه» ) * «3» . 37- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرّجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت قدّموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كلّ شيء إلّا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق» ) * «4» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدّمونها إليه، وإن يك سوى ذلك فشرّ تضعونه عن رقابكم» ) * «5» . 39- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلنا: بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما «6» ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا «7» ، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «8» رويدا. فجعلت درعي في   (1) أبكم: الأبكم: الذي خلق أخرس. (2) أبو داود برقم (3212) ، (4753) ، (4754) وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 179) : إسناده حسن. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 902) صحيح. وأصله عند البخاري ومسلم. (3) الترمذي (1071) وقال: حسن غريب. في موارد الظمان في الزوائد رقم (780) . وشرح السنة (5/ 416) . والمشكاة (103) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 176) : حديث حسن. (4) البخاري- الفتح 3 (1316) . (5) البخاري- الفتح 3 (1315) . ومسلم (944) . (6) إلا ريثما: معناه إلا قدر ما. (7) أخذ رداءه رويدا: أي قليلا لطيفا لئلا ينبهها. (8) ثم أجافه: أي أغلقه. وإنما فعل ذلك ض في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها، فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 951 رأسي «1» ، واختمرت «2» وتقنّعت إزاري «3» ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام، فأطال القيام، ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات، ثمّ انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت «4» ، فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل، فقال «مالك يا عائش؟ حشيا رابية» «5» ، قالت: قلت: لا شيء. قال: «لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي فأخبرته. قال: «فأنت السّواد «6» الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم. فلهدني «7» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله، نعم، قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «8» . 40- * (عن بشر بن جحّاش القرشيّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بزق في كفّه ثمّ وضع عليها إصبعه ثمّ قال: «يقول الله- تبارك وتعالى-: يا ابن آدم، تعجزني وقد خلقتك من مثل هذا حتّى إذا سوّيتك وعدلتك مشيت وجمعت ومنعت حتّى إذا بلغت التّراقي قلت: أتصدّق، وأنّى أوان الصّدقة؟» ) * «9» . 41- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهوديّة دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عذاب القبر؟ فقال: «نعم، عذاب القبر حقّ» ، قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد صلّى صلاة إلّا تعوّذ من عذاب القبر) * «10» . 42- * (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- أنّه انتهى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (التكاثر/ 1) قال: يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك يابن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت أو   (1) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة قميصها. (2) واختمرت: أي ألقيت على رأسي الخمار، وهو ما تستر به المرأة رأسها. (3) وتقنعت إزاري: هكذا هو في الأصول: إزاري، بغير باء في أوله. وكأنه بمعنى لبست إزاري، فلهذا عدي بنفسه. (4) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو، أي فعدا فعدوت، فهو فوق الهرولة. (5) مالك يا عائش حشيا رابية: يجوز في عائش فتح الشين وضمها. وهما وجهان جاريان في كل المرخمات. وحشيا: معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النفس وتواتره. يقال: امرأة حشيا وحشية. ورجل حشيان وحش. قيل: أصله من أصاب الربو حشاه. رابية أي مرتفعة البطن. (6) فأنت السواد: أي الشخص. (7) فلهدني: قال أهل اللغة: لهده ولهده، بتخفيف الهاء، وتشديدها، أي دفعه. (8) مسلم (974) . وأخفاه منك: أي النداء. (9) أحمد في المسند (4/ 210) . ذكره الحاكم في المستدرك (4/ 323) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، وقال الذهبي: تابعه ثور بن يزيد عن عبد الرحمن ووافق الحاكم في تصحيحه. (10) البخاري 3 (1372) واللفظ له، ومسلم (584) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 952 لبست فأبليت أو تصدّقت فأمضيت» ) * «1» . 43- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أوصني. قال: «عليك بالإياس ممّا في أيدي النّاس وإيّاك والطّمع؛ فإنّه الفقر الحاضر، وصلّ صلاتك وأنت مودّع، وإيّاك وما تعتذر منه» ) * «2» . 44- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا، حتّى تجلّاني الغشي «3» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبى، فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء، قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس، فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «أمّا بعد، ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا، حتّى الجنّة والنّار، وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات والهدى، فأجبنا وأطعنا- ثلاث مرار- فيقال له: نم قد كنّا نعلم أنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري، سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت) * «4» . 45- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: خطّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خطّا مربّعا، وخطّ خطّا في الوسط خارجا منه، وخطّ خطوطا صغارا إلى هذا الّذي في الوسط، من جانبه الّذي في الوسط فقال: «هذا الإنسان وهذا أجله محيط به أو قد أحاط به، وهذا الّذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصّغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا» ) * «5» . 46- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سلمة وقد شقّ بصره «6» فأغمضه. ثمّ قال: «إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر «7» فضجّ ناس من أهله. فقال: لا تدعوا على   (1) مسلم (2958) . (2) المنذري في الترغيب (4/ 247) وقال: رواه الحاكم والبيهقي في الزهد، وقال الحاكم (4/ 326) واللفظ له: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (3) الغشي: بفتح الغين وسكون الشين. وهو الغشاوة أو ما يعرف الان بالإغماء. ولهذا جعلت تصب عليها الماء- وتجلاني الغشي: أصبت به. (4) مسلم (905) . (5) البخاري- الفتح 11 (6417) . والمنذري في الترغيب (4/ 244) وهذا لفظ المنذري. (6) وقد شق بصره: بفتح الشين، ورفع بصره. هكذا ضبطناه وهو المشهور. وضبطه بعضهم: بصره، بالنصب وهو صحيح أيضا. والشين مفتوحة، بلا خلاف. قال القاضي: قال صاحب الأفعال: يقال: شق بصر الميت، وشق الميت بصره، ومعناه شخص، كما في الرواية الأخرى. وقال ابن السكيت في الأصح، والجوهري، حكاية عن ابن السكيت: يقال: شق بصر الميت، ولا تقل شق الميت بصره، هو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه. (7) إن الروح إذا قبض تبعه البصر: معناه: إذا خرج الروح من الجسد، يتبعه البصر ناظرا أين يذهب. وفي الروح لغتان: التذكير والتأنيث. وهذا الحديث دليل للتذكير. وفيه دليل أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن، وتذهب الحياة من الجسد بذهابها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 953 أنفسكم إلّا بخير. فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» ثمّ قال: «اللهمّ، اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين واخلفه في عقبه في الغابرين «1» واغفر لنا وله يا ربّ العالمين. وافسح له في قبره. ونوّر له فيه» ) * «2» . 47- * (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- قالت: دخل علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن نغسل ابنته. فقال: «اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ ذلك، بماء وسدر. واجعلن في الاخرة «3» كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتنّ فآذنّني «4» » فلما فرغنا آذنّاه. فألقى إلينا حقوه «5» . قال: «أشعرنها إيّاه «6» » ) * «7» . 48- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «العبد إذا وضع في قبره وتولّي عنه وذهب أصحابه حتّى إنّه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرّجل محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله. فيقال: انظر إلى مقعدك من النّار، أبدلك الله به مقعدا من الجنّة. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فيراهما جميعا. وأمّا الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول النّاس. فيقال: لا دريت، ولا تليت، ثمّ يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلّا الثّقلين» ) * «8» . 49- * (عن هانىء مولى عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: كان عثمان- رضي الله عنه- إذا وقف على قبر بكى، حتّى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنّة والنّار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي؟ فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «القبر أوّل منزل من منازل الاخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه» قال: وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «ما رأيت منظرا قطّ إلّا القبر أفظع «9» منه» ) * «10» . 50- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: لمّا جاء نعي جعفر قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اصنعوا لآل جعفر طعاما، فإنّه قد أتاهم أمر شغلهم» ) * «11» . 51- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما حقّ امرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلّا ووصيّته مكتوبة عنده» تابعه محمّد بن مسلم عن عمرو عن ابن عمر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «12» . 52- * (عن مستورد أخي بني فهر- رضي   (1) واخلفه في عقبه في الغابرين: أي كن خليفة له في ذريته. والعقب مؤخر الرجل: واستعير للولد وولد الولد. وقولهم: لا عقب له، أي لم يبق له ولد ذكر. والغابرين أي الباقين. كقوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (العنكبوت/ 32) . (2) مسلم (920) . (3) في الاخرة: أي في الغسلة الأخيرة. (4) فآذنني: أي أعلمنني. (5) حقوه: بالفتح والكسر يعني: إزاره. (6) أشعرنها إياه: أي اجعلنه شعارا لها وهو الثوب الذي يلي الجسد. (7) البخاري- الفتح 3 (1261) ، ومسلم (939) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 3 (1338) واللفظ له. ومسلم (2870) . (9) أفظع: الفظيع: الشديد الشنيع. (10) أخرجه الترمذي (2309) قال محقق جامع الأصول (11/ 165) : إسناده حسن. وزاد رزين: قال هانىء: وسمعت عثمان ينشد على قبر: فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا (11) أخرجه أبو داود (3132) واللفظ له. والترمذي (998) وقال: حسن صحيح. وقال الألباني (2/ 606) : حسن. (12) البخاري- الفتح 5 (2738) . ومسلم (1637) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 954 الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما الدّنيا في الاخرة إلّا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه- وأشار يحيى بالسّبّابة- في اليمّ فلينظر بم يرجع؟» ) * «1» . 53- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: مرّ بجنازة فأثني عليها خيرا «2» . فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم «وجبت وجبت وجبت» ، ومرّ بجنازة فأثني عليها شرّا. فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت وجبت وجبت» . قال عمر: فدى لك أبي وأمّي، مرّ بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت: وجبت وجبت وجبت. ومرّ بجنازة فأثني عليها شرّا، فقلت: وجبت وجبت وجبت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنّة. ومن أثنيتم عليه شرّا وجبت له النّار. أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض» ) * «3» . 54- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهم- قال: مرّ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نعالج خصّا لنا، فقال: «ما هذا؟» فقلنا: قد وهى فنحن نصلحه، قال: ما أرى الأمر إلّا أعجل من ذلك) * «4» . 55- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ عليه بجنازة، فقال: «مستريح أو مستراح منه» ، فقالوا: يا رسول الله، ما المستريح وما المستراح منه؟. فقال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدّنيا، والعبد الفاجر: يستريح منه العباد والبلاد، والشّجر والدّوابّ» ) * «5» . 56- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رجل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: «أن تصدّق وأنت صحيح حريص، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم» . قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (تذكر الموت) 57- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: اجتمع نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يغادر منهنّ امرأة. فجاءت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «مرحبا بابنتي» فأجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثمّ إنّه أسرّ إليها حديثا فبكت فاطمة. ثمّ إنّه سارّها فضحكت أيضا. فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن. فقلت لها حين بكت: أخصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحديثه دوننا ثمّ تبكين؟ وسألتها عمّا قال فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. حتّى إذا قبض سألتها فقالت: إنّه كان حدّثني: أنّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلّ عام   (1) مسلم (2858) . (2) خيرا: هكذا في بعض الأصول بالنصب وهو منصوب بإسقاط الجار وفي بعضها مرفوع. (3) البخاري- الفتح 3 (1367) ، ومسلم (949) واللفظ له. (4) الترمذي (2335) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة وابن حبان في صحيحه. (5) البخاري- الفتح 11 (6512) . ومسلم (950) . (6) البخاري- الفتح 5 (2748) . ومسلم (1032) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 955 مرّة. وإنّه عارضه به في العام مرّتين «1» ولا أراني «2» إلّا قد حضر أجلي. وإنّك أوّل أهلي لحوقا بي. ونعم السّلف «3» أنا لك. فبكيت لذلك. ثمّ إنّه سارّني فقال: «ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين. أو سيّدة نساء هذه الأمّة» ؟ فضحكت لذلك) * «4» . 58- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده مع عبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنهم- فلمّا دخل عليه فوجده في غاشية «5» أهله فقال: «قد قضى؟» قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رأى القوم بكاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكوا. فقال: «ألا تسمعون؟ إنّ الله لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا (وأشار إلى لسانه) أو يرحم. وإنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه» . وكان عمر- رضي الله عنه- يضرب فيه بالعصا، ويرمي بالحجارة ويحثي بالتّراب) * «6» . 59- * (عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ، أحيني مسكينا، وتوفّني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين، وإنّ أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدّنيا وعذاب الاخرة» ) * «7» . 60- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ، إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات. اللهمّ، إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم» فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف» ) * «8» . 61- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ العبّاس مرّ بمجلس فيه قوم من الأنصار يبكون، حين اشتدّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعه، فقال لهم العبّاس: ما يبكيكم؟ فقالوا: ذكرنا مجلسنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل العبّاس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فعصب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه بعصابة دسماء «9» أو قال: بحاشية برد وخرج وصعد المنبر، وخطب النّاس وأثنى على الأنصار خيرا، وأوصى بهم، ثمّ قال: «إنّ الله خيّر عبدا بين الدّنيا وبين ما عنده، فاختار العبد ما عنده فبكى أبو بكر، وقال: يا رسول الله، فديناك بابائنا وأمّهاتنا، فقلنا: ما لهذا الشّيخ يبكي أن ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبدا خيّره الله بين الدّنيا وما عنده فاختار العبد ما عنده؟ فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا» ) * «10» .   (1) مرة أو مرتين: هكذا وقع في هذه الرواية. وذكر المرتين شك من بعض الرواة. والصواب حذفها كما في باقي الروايات. (2) لا أراني: أي لا أظن. (3) نعم السلف: السلف المتقدم. ومعناه أنا متقدم قدامك فستردين علي. (4) البخاري- الفتح 7 (3715 و3716) . ومسلم (2450) واللفظ له. (5) الغاشية: أراد غشية من غشيات الموت. (6) البخاري- الفتح 3 (1304) واللفظ له. ومسلم (2924) . (7) الحاكم في المستدرك (4/ 322) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (8) البخاري- الفتح 2 (832) . ومسلم (2706) . (9) دسماء: الدسمة: لون بين الغبرة والسواد. (10) أخرجه البخاري إلى قوله: «فصعد المنبر» . انظر الفتح (1/ 665) كتاب الصلاة، باب الخوخة في المسجد رقم (466- 476) من حديث أبي سعيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 956 ثمّ قال: «ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أوصيكم بالأنصار، فإنّهم كرشي وعيبتي «1» ، وقد قضوا الّذي عليهم، وبقي الّذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» والباقي ذكره رزين) * «2» . 62- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ من نعم الله عليّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفّى في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأنّ الله جمع بين ريقي وريقه عند موته: دخل عليّ عبد الرّحمن وبيده السّواك، وأنا مسندة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنّه يحبّ السّواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتدّ عليه، وقلت: أليّنه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فليّنته فأمرّه- وبين يده ركوة أو علبة- يشكّ عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: «لا إله إلّا الله، إنّ للموت سكرات» . ثمّ نصب يده فجعل يقول: «في الرّفيق الأعلى، حتّى قبض ومالت يده» ) * «3» . 63- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج يوما فصلّى على أهل أحد صلاته على الميّت، ثمّ انصرف إلى المنبر فقال: «إنّي فرط لكم «4» ، وأنا شهيد عليكم، وإنّي والله لأنظر إلى حوضي الان، وإنّي أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض. وإنّي والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها» ) * «5» . 64- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين «6» وكان ظئرا «7» لإبراهيم عليه السّلام فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه. ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان. فقال له عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة» . ثمّ أتبعها بأخرى فقال صلّى الله عليه وسلّم «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضي ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ) * «8» . 65- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبر أمّه. فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي. واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي. فزوروا القبور. فإنّها تذكّر الموت» ) * «9» . 66- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: شهدنا بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس   (1) الكرش- بوزن كتف. وبكسر الكاف وسكون الراء: الجماعة من الناس، والعيبة وعاء من أدم يكون فيها المتاع، أو ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده والمعنى: أن الأنصار بطانتي وخاصتي الذين أطلعهم على سري. (2) البخاري- الفتح 7 (3654 و3799) . وعند مسلم من حديث أبي سعيد مختصرا (2382) . (3) البخاري- الفتح 7 (4449) . وعند مسلم نحوه (418) . (4) الفرط: المتقدم إلى الماء يهيىء لوارديه الحبال والدلاء ويستقي لهم والمعنى أنه ض متقدّمنا إلى الحوض. (5) البخاري- الفتح 3 (1344) . ومسلم (2296) . (6) القين: بفتح القاف هو الحدّاد، ويطلق على كل صانع. (7) الظئر: المرضع غير ولدها والمراد به هنا زوج مرضعة إبراهيم. (8) البخاري- الفتح 3 (1303) . ومسلم (2315) . (9) مسلم (976) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 957 على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: هل فيكم من أحد لم يقارف اللّيلة؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: فانزل في قبرها. فنزل في قبرها فقبرها. قال ابن مبارك قال فليح: أراه يعني الذّنب. قال أبو عبد الله: (ليقترفوا) أي ليكتسبوا) * «1» . 67- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أخذ مضجعه من اللّيل وضع يده تحت خدّه ثمّ يقول: «اللهمّ، باسمك أموت وأحيا» وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النّشور» ) * «2» . 68- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو صحيح: «لن يقبض نبيّ قطّ حتّى يرى مقعده من الجنّة، ثمّ يخيّر» . فلمّا نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة، ثمّ أفاق، فأشخص بصره إلى السّقف ثمّ قال: «اللهمّ، الرّفيق الأعلى» ، قلت: إذا لا يختارنا، وعلمت أنّه الحديث الّذي كان يحدّثنا وهو صحيح، قالت: فكانت تلك آخر كلمة تكلّم بها: «اللهمّ الرّفيق الأعلى» ) * «3» . 69- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا حضرت بنت لرسول الله صغيرة، أخذها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضمّها إلى صدره، ثمّ وضع يده عليها، فقبضت وهي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبكت أمّ أيمن، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا أمّ أيمن، أتبكين ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندك؟ فقالت: مالي لا أبكي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لست أبكي، ولكنّها رحمة» ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن بخير على كلّ حال، تنزع نفسه من بين جنبيه، وهو يحمد الله- عزّ وجلّ-» ) * «4» . 70- * (عن عبيد الله بن عتبة أنّ عائشة وعبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قالا: «لمّا نزل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم طفق يطرح خميصة «5» له على وجهه فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه وهو كذلك يقول: «لعنة الله على اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذّر ما صنعوا» ) * «6» . 71- * (عن القاسم بن محمّد قال: قالت عائشة- رضي الله عنها-: وا رأساه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك. فقالت عائشة: واثكلياه، والله إنّي لأظنّك تحبّ موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرّسا «7» ببعض أزواجك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أنا وا رأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنّى المتمنّون، ثمّ قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبي المؤمنون» ) * «8» . 72- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله   (1) البخاري- الفتح 3 (1342) . (2) البخاري- الفتح 11 (6314) . ومسلم (2710) . (3) البخاري- الفتح 11 (6348) . ومسلم (2444) . (4) أخرجه النسائي (4/ 12) وقال محقق جامع الأصول (11/ 91) : حديث حسن. (5) الخميصة ثوب من خزّ أو صوف معلم أي به خطوط وكانت من لباس الناس قديما، ولونها أسود أو أحمر. (6) البخاري- الفتح 7 (4443 و4444) . ومسلم (531) . (7) عرّس وأعرس: اتخذ عرسا ودخل بها، والمعرس: الذي يغشى امرأته. (8) البخاري- الفتح 13 (7217) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 958 عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: وجّهت وجهي «1» للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا «2» وما أنا من المشركين «3» . إنّ صلاتي ونسكي «4» ومحياي ومماتي «5» لله ربّ العالمين «6» لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق «7» . لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك «8» وسعديك «9» والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك «10» . تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ، لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» . وإذا رفع قال: «اللهمّ، ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ، لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم «اللهمّ، اغفر لي ما قدّمت وما أخرّت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «11» . 73- * (عن عائشة- رضي الله عنها- كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول في مرضه الّذي مات فيه: «يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطّعام الّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السّمّ» ) * «12» .   (1) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي للذي فطر السماوات والأرض. أي ابتداأ خلقها. (2) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام. وأصل الحنف الميل. ويكون في الخير والشر. وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة: وقيل: المراد بالحنيف، هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم ض: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي. (3) وما أنا من المشركين: بيان للحنيف وإيضاح لمعناه: والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم. (4) إن صلاتي ونسكي: قال أهل اللغة: النسك العبادة. وأصله من النسيكة، وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط. والنسيكة، أيضا، ما يتقرب به إلى الله تعالى. (5) ومحياي ومماتي: أي حياتي وموتي. ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانهما. والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي. (6) رب العالمين: في معنى رب أربعة أقوال: حكاها الماوردي وغيره: الملك والسيد والمدبر والمربي. فإن وصف الله تعالى برب، لأنه مالك أو سيد، فهو من صفات الذات. وإن وصف به لأنه مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله. ومتى دخلته الألف واللام، فقيل الرب، اختص بالله تعالى. وإذا حذفتا جاز إطلاقه على غيره، فيقال: رب المال ورب الدار ونحو ذلك. والعالمين: جمع عالم، وليس للعالم واحد من لفظه. (7) واهدني لأحسن الأخلاق: أي أرشدني لصوابها، ووفقني للتخلق بها. (8) لبيك: قال العلماء: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة. يقال: لب بالمكان لبا، وألب إلبابا، إذا أقام به. وأصل لبيك لبين لك. فحذفت النون للإضافة. (9) وسعديك: قال الأزهري وغيره: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة. (10) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك، وتوفيقى بك. (11) مسلم (771) . (12) البخاري- الفتح 8 (4428) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 959 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (تذكر الموت) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات وأبو بكر بالسّنح «1» قال إسماعيل: يعني بالعالية. فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلّا ذاك، وليبعثنّه الله فليقطّعنّ أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقبّله فقال: بأبي أنت وأمّي، طبت حيّا وميّتا والّذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا ثمّ خرج فقال: أيّها الحالف، على رسلك. فلمّا تكلّم أبو بكر جلس عمر. فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فإنّ محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت وقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (الزمر/ 30) ، وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ 144) قال: فنشج «2» النّاس يبكون. قال واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطّاب وأبو عبيدة بن الجرّاح، فذهب عمر يتكلّم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلّا أنّي قد هيّأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثمّ تكلّم أبو بكر فتكلّم أبلغ النّاس فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منّا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه النّاس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر قتله الله» ) * «3» . 2- * (قال الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثير: كان أبو بكر الصّدّيق يقول في خطبته: «أين الوضأة الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم، الّذين كانوا لا يعطون الغلبة في مواطن الحرب. أين الّذين بنوا المدائن وحصّنوها بالحيطان قد تضعضع بهم، وصاروا في ظلمات القبور الوحا الوحا «4» النّجا النّجا» ) * «5» . 3- * (عن أبي سفيان عن أشياخه قال: دخل سعد على سلمان يعوده، قال فبكى فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنك   (1) السّنح- بضم السين والنون-: موضع بعوالي المدينة فيه منازل بني الحارث بن الخزرج- كما في لسان العرب، وقد فسره إسماعيل بالعالية. (2) النّشج: ترجيع الصوت بالبكاء. (3) البخاري- الفتح 7 (3667 و3668) . (4) جاء في لسان العرب: الوحى: العجلة. يقولون: الوحى الوحى، والوحاء كالوحاء: البدار. وفي حديث أبي بكر: الوحا الوحا أي السرعة السرعة. (5) أهوال القبور (154) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 960 راض وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك. قال: فقال سلمان: أما إنّي لا أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدّنيا ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إلينا عهدا حيّا وميّتا. قال: لتكن بلغة أحدكم من الدّنيا مثل زاد الرّاكب وحولي هذه الأساودة «1» . قال: فإنّما حوله إجّانة «2» وجفنة «3» ومطهرة فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد إلينا بعهد نأخذ به بعدك. قال: فقال: يا سعد، اذكر الله عند همّك إذا هممت وعند يدك إذا قسمت وعند حكمك إذا حكمت» ) * «4» . 4- * (عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير- رحمه الله- قال: «القبر منزل بين الدّنيا والاخرة، فمن نزله بزاد ارتحل به إلى الاخرة، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ» ) * «5» . 5- * (عن أبي معاوية قال: «ما لقيني مالك ابن مغول إلّا قال لي: لا تغرّنّك الحياة واحذر القبر أنّ للقبر شأنا» ) * «6» . 6- * (روى أبو نعيم الحافظ بإسناده؛ أنّ عمر بن عبد العزيز شيّع مرّة جنازة من أهله، ثمّ أقبل على أصحابه ووعظهم، فذكر الدّنيا فذمّها وذكر أهلها، وتنعّمهم فيها، وما صاروا إليه بعدها من القبور، فكان من كلامه أنّه قال: «إذا مررت بهم فنادهم إن كنت مناديا، وادعهم إن كنت داعيا، ومرّ بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم، سل غنيّهم: ما بقي من غناه؟ وسل فقيرهم: ما بقي من فقره؟ واسألهم عن الألسن الّتي كانوا بها يتكلّمون، وعن الأعين الّتي كانوا للّذّات بها ينظرون، وسلهم عن الجلود الرّقيقة والوجوه الحسنة والأجساد النّاعمة ما صنع بها الدّيدان تحت الأكفان، وأكلت اللّحيان «7» وعفرت الوجوه، ومحيت المحاسن وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء، ومزّقت الأشلاء، وأين حجابهم وقبابهم؟ وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم وكنوزهم (وكأنّهم) ما وطئوا فراشا، ولا وضعوا هنا متّكأ ولا غرسوا شجرا ولا أنزلوهم من اللّحد قرارا، أليسوا في منازل الخلوات؟ أليس اللّيل والنّهار عليهم سواء؟ أليسوا في مدلهمّة ظلماء، قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبّة، وكم من ناعم وناعمة أضحوا ووجوهم بالية، وأجسادهم من أعناقهم بائنة، وأوصالهم ممزّقة، وقد سالت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه دما وصديدا، ودبّت دوابّ الأرض في أجسادهم، ففرّقت أعضاءهم، ثمّ لم يلبثوا إلّا يسيرا حتّى عادت العظام رميما، فقد فارقوا الحدائق وصاروا بعد السّعة إلى المضائق، قد تزوّجت نساؤهم، وتردّدت في الطّرق أبناؤهم، وتوّزعت القرابات ديارهم وقراهم فمنهم والله الموسّع له في قبره الغضّ النّاظر فيه المتنعّم بلذّاته، يا ساكن القبر غدا ما   (1) جاء في لسان العرب: الأساودة: جمع قلّة لسواد وهو الشخص. وصرّح أبو عبيد بأنه شخص كلّ شيء من متاع وغيره. (2) الإجّانة بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب والجمع أجاجين. (3) الجفنة: قصعة الطعام. (4) الحاكم في المستدرك (4/ 317) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (5) أهوال القبور (155) . (6) المرجع السابق (156) . (7) اللّحيان- بالفتح-: حائطا الفم وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 961 الّذي غرّك من الدّنيا أين دارك الفيحاء ونهرك المطّرد؟ وأين ثمارك الينيعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك، وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ أما رأيته قد زلّ به الأمر، فما يدفع عن نفسه دخلا وهو يرشح عرقا، ويتلمّظ عطشا، يتقلّب في سكرات الموت وغمراته، جاء الأمر من السّماء، وجاء غالب القدر والقضاء، هيهات: يا مغمض الوالد والأخ والولد، وغاسله، يا مكفّن الميّت ويا مدخله في القبر، وراجعا عنه، ليت شعري بأيّ خدّيك بدأ البلى، يا مجاور الهلكات صرت في محلّة الموت، ليت شعري ما الّذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدّنيا وما يأتيني به من رسالة ربّي» . ثمّ انصرف فما عاش بعد ذلك إلّا جمعة) * «1» . 7- * (عن أبي سريج الشّاميّ؛ قال: قال عمر ابن عبد العزيز لرجل من جلسائه: «يا فلان، قد أرقت اللّيل متفكّرا» قال: فيم يا أمير المؤمنين؟ قال: «في القبر وساكنه، لو رأيت الميّت بعد ثالثة في القبر لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتا تجول فيه الهوامّ، ويجري فيه الصّديد وتخترقه الدّيدان مع تغيّر الرّائحة وبلى الأكفان بعد حسن الهيئة وطيب الرّائحة ونقاء الثّوب» قال: ثمّ شهق شهقة خرّ مغشيّا) * «2» . 8- * (وقد روي عن عمر بن عبد العزيز من وجوه متعدّدة أنّه قال في آخر خطبة خطبها- رحمه الله عليه-: «ألا ترون أنّكم في أسلاب الهالكين، ثمّ يرثها بعدكم الباقون كذلك حتّى يردّ إلى خير الوارثين، وفي كلّ يوم تشيّعون غاديا ورائحا قد قضى نحبه فتودّعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير ممهّد ولا موسّد، قد فارق الأحباب وخلع الأسباب وسكن التّراب، وواجه الحساب، غنيّا عمّا خلّف، فقيرا إلى ما قدّم» . وكان ينشد هذه الأبيات: من كان حين تصيب الشّمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشّين والشّعثا ويألف الظّلّ كي تبقى بشاشته ... فكيف يسكن يوما راغما جدثا؟ في ظلّ مقفرة غبراء مظلمة ... يطيل تحت الثّرى في غمّه اللّبثا تجهّزي بجهاز تبلغين به ... يا نفس قبل الرّدى لم تخلقي عبثا) * «3» . 9- * (عن سليم بن عامر قال: خرجنا في جنازة على باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهليّ فلمّا صلّى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة: إنّكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تغنمون فيه الحسنات والسّيّئات توشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا- يشير إلى القبر- بيت الوحشة وبيت الظّلمة وبيت الضّيق إلّا ما وسّع الله ثمّ تنتقلون منه إلى يوم القيامة) * «4» . 10- * (روى البراء بإسناده عن الفضيل بن عياض قال: رأيت رجلا يبكي، قلت: وما يبكيك؟   (1) أهوال القبور (151- 152) . (2) المرجع السابق (150) . (3) المرجع السابق (152) . (4) المرجع السابق (127) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 962 قال: أبكاني كلامه. قلت: ما هو؟ قال: كنّا وقوفا في المقابر فأنشدوا: أتيت القبور فساءلتها ... أين المعظّم والمحتقر؟ وأين المدلّ بسلطانه؟ ... وأين القويّ إذا ما قدر ففالوا جميعا فما مخبر ... وماتوا جميعا ومات الخبر فيا سائلي عن أناس مضوا ... أما لك فيما ترى معتبر؟ تروح وتغدو عليه الثّرى ... فتمحو محاسن تلك الصّور) * «1» . 11- * (عن خالد بن أحمد بن أسد قال: «أخذت بيدي عليّ بن جبلة يوما فأتينا أبا العتاهية فوجدناه في الحرم فانتظرناه فلم يلبث أن جاء فدخل عليه إبراهيم بن مقاتل بن سهل وكان جميلا فتأمّله أبو العتاهية وقال متمثّلا: يا حسان الوجوه سوف تموتو ... ن وتبلى الوجوه تحت التّراب فأقبل عليّ بن جبلة فقال: اكتب: يا مربّي شبابه للتّراب ... سوف يمضي البلى بغضّ الشّباب يا ذوي الوجوه الحسان المصونا ... ت وأجسامها الغضاض الرّطاب أكثروا من نعيمها أو أقلّوا ... سوف تهدونها لعفر التّراب قد نعتك الأيّام نعيا صحيحا ... بفراق الإخوان والأصحاب فقال أبو العتاهية: قل يا حامد، قلت: معك ومع أبي الحسن، قال: نعم، فقلت: يا مقيمين رحّلوا للذّهاب ... لشفير القبور وحطّوا الركاب نعّموا الأوجه الحسان فما ... صونكموها إلّا بعفر التّراب والبسوا ناعم الثّياب ففى ال ... حفرة تعرون من جميع الثّياب قد ترون الشّباب كيف يمو ... تون إذا استنضروا بماء الشّباب) * «2» . 12- * (عن الحسن؛ قال: «يومان وليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهنّ قطّ: يوم تبيت مع أهل القبور ولم تبت ليلة قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة ويوم يأتيك البشير من الله تعالى، إمّا بالجنّة أو النّار، ويوم تعطى كتابك بيمينك وإمّا بشمالك» ) * «3» . 13- * (وقال بشر بن الحارث: «نعم المنزل القبر لمن أطاع الله» ) * «4» . 14- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله-: «ما أكثر عبد ذكر الموت إلّا كفاه اليسير» ) * «5» . 15- * (قال ابن رجب- رحمه الله-: «والله   (1) أهوال القبور (144) . (2) المرجع السابق (156) . (3) المرجع السابق (154) . (4) المرجع السابق (155) . (5) عن كتاب الأموال لابن زنجويه (61) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 963 المسئول أن يجعلنا ممّن يبادر الفوت، ويراقب الموت ويتأهّب للرّحلة قبل الممات، وينتفع بما سمع من العظات بمنّه وكرمه» ) * «1» . 16- * (قال عديّ بن الرّعلاء: ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء إنّما الميت من يعيش شقيّا ... كاسفا باله قليل الرّجاء فأناس يمصّصون ثمادا «2» ... وأناس حلوقهم في الماء) * «3» . 17- * (لمّا انصرف النّاس من جنازة داود الطّائيّ- رحمه الله-، أنشد ابن السّمّاك- رحمه الله-: انصرف النّاس إلى دورهم ... وغودر الميّت في رمسه مرتهن النّفس بأعماله ... لا يرتجي الإطلاق من حبسه لنفسه صالح أعماله ... وما سواها فعلى نفسه) * «4» 18- * (قال الشاعر: قف بالمقابر وانظر إن وقفت بها ... لله درّك ماذا تستر الحفر؟ ففيهم لك يا مغرور موعظة ... وفيهم لك يا مغترّ معتبر) * «5» . 19- * (أنشد أبو جعفر القرشيّ: تناجيك أجداث وهنّ سكوت ... وساكنها تحت التّراب خفوت أيا جامع الدّنيا لغير بلاغه ... لم تجمع الدّنيا وأنت تموت؟) * «6» . 20- * (عن الفضل بن مهلهل أخي الفضل وكان من العابدين قال: «كان جليس لنا حسن التّخشّع والعبادة يقال له: مجيب، وكان من أجمل الرّجال فصلّى حتّى انقطع عن القيام، وصام حتّى اسودّ، ثمّ مرض فمات، وكان محمّد بن النّضر الحارثيّ له صديقا ومات محمّد قبله قال: فرأيت محمّدا في منامي بعد موت مجيب فقلت: ما فعل أخوك مجيب قال لحق بعمله قلت: فكيف وجهه ذاك الحسن؟ قال: أبلاه والله التّراب. قال: وقلت: كيف وأنت تقول لحق بعمله؟ قال: يا أخي علمت أنّ الأجساد في القبور تبلى وأنّ الأعمال في الاخرة تحيا. قلت: يبلون حتّى لا يبقى منهم شيء ثمّ يجيئون يوم القيامة، إي والله يا أخي يبلون حتّى يصيروا رفاتا ثمّ يحيون عند الصّيحة، وأنشد بعضهم: ما حال من سكن الثّرى ما حاله؟ ... أمسى وقد رثّت هناك حباله أمسى ولا روح الحياة تصيبه ... أبدا ولا لطف الحبيب يناله   (1) مقدمة أهوال القبور (4) . (2) الثّماد: الماء القليل. (3) لسان العرب (2/ 91) . (4) يتبع الميت ثلاث لابن رجب (28) ، وفي أهوال القبور (142) ، والبحور الزاخرة (1/ 343) . (5) أهوال القبور (157) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 964 أمسى وقد درست محاسن وجهه ... وتفرّقت في قبره أوصاله واستبدلت منه المجالس غيره ... وتقسّمت من بعده أمواله ما زالت الأيّام تلعب بالفتى ... والمال يذهب صفوه وحلاله) * «1» . 21- * (عن عمر بن ذرّ أنّه كان يقول في مواعظه: «لو علم أهل العافية ما تضمّنته القبور من الأجساد البالية لجدّوا واجتهدوا في أيّامهم الخالية خوفا من يوم تتقلّب فيه القلوب والأبصار» ) * «2» . 22- * (وقال النّضر بن المنذر لإخوانه: «زوروا الاخرة بقلوبكم، وشاهدوا الموقف بتوهّمكم، وتوسّدوا القبور بقلوبكم، واعلموا أنّ ذلك كائن لا محالة، فاختار لنفسه (امرؤ) ما أحبّ من المنافع والضّرر» ) * «3» . 23- * (وروى ابن أبي الدّنيا عن الحسن أنّه مرّ به شابّ، وعليه بردة له حسنة فقال: «ابن آدم معجب بشبابه، معجب بجماله كأنّ القبر قد وارى بدنك وكأنّك لاقيت عملك، ويحك داو قلبك، فإنّ مراد الله إلى عباده صلاح قلوبهم» ) * «4» . 24- * (شهد الحسن جنازة فاجتمع عليه النّاس، فقال: «اعملوا لمثل هذا اليوم- رحمكم الله- فإنّما هم إخوانكم يقدمونكم، وأنتم بالأثر، أيّها المخلّف بعد أخيه إنّك الميّت غدا، والباقي بعدك الميّت في أثرك أوّلا بأوّل حتّى توافوا جميعا قد عمّكم الموت واستويتم جميعا في كربه وغصصه، ثمّ تخلّيتم إلى القبور، ثمّ تنشرون جميعا، ثمّ تعرضون على ربّكم عزّ وجلّ» ) * «5» . 25- * (عن الحسن قال: «أوذنوا بالرّحيل، وجلس أوّلهم على آخرهم وهم يلعبون» ) * «6» . 26- * (وقال رجل لبعض السّلف: أوصني قال: عسكر الموتى ينتظرونك» ) * «7» . 27- * (قال أبو العتاهية: رويدك يا ذا القصر في شرفاته ... فإنّك عنه سوف تسحى «8» وتزعج ولا بدّ من بيت انقطاع ووحشة ... وإن غرّك البيت الأنيق المبهج) * «9» . 28- * (قال ابن أبي الدّنيا: أنشدني الحسين بن عبد الرّحمن: لبيك لأهوال القيامة من بكى ... ولا تنسينّ القبر يوما ولا البلى كفى حزنا يوما ترى فيه مكرما ... كرامته أن يرقدوا جسمه الثّرى) * «10» . 29- * (قال أحمد بن أبي الحواريّ: سمعت   (1) أهوال القبور: 144. (2) المرجع السابق (154) . (3) المرجع السابق (152) . (4) المرجع السابق (154) . (5) المرجع السابق (155) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) تسحى: من سحوت الطّين عن وجه الأرض.. إذا جرفته، والفعل الماضي: سحا مضارعه مضموم العين، أو مفتوحها أو مكسورها: يسحو، يسحاه ويسحيه ومعناه: جرفه يجرفه وما في معناه: لسان العرب. (9) أهوال القبور (157) . (10) المرجع السابق (153) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 965 مضر بن عبس يقول: «رحم الله قوما زاروا إخوانهم بقلوبهم في قبورهم وهم قيام في ديارهم، يشيرون إلى زيارتهم بالفكر فى أحوالهم» ) * «1» . 30- * (وقال ابن أبي الدّنيا، حدّثنا محمّد السّبغي قال: «انتفض غنّام بن عليّ يوما وهو مع أصحابه فقال له بعضهم: ما الّذي أصابك؟ قال: ذكرت اللّحد» ) * «2» . 31- * (عن مغيث الأسود الزّاهد؛ قال: «زوروا القبور كلّ يوم تفكّركم» ) * «3» . 32- * (حدّث محمّد بن خلف قال: سمعت أبي قال: رجعنا من ميّت مع ابن السّمّاك فأنشأ ابن السّمّاك يقول: تمرّ أقاربي جنبات قبري ... كأنّ أقاربي لا يعرفوني ذوو الأموال يقتسمون مالي ... ولا يألون أن جحدوا ديوني وقد أخذوا سهامهم وعاشوا ... فيا لله ما أسرع ما نسوني) * «4» . 33- * (عن عقبة البزّار قال: «رأى أعرابي جنازة فأقبل يقول: هنيئا يا صاحبها. فقلت: علام تهنّئه؟ قال: كيف لا أهنّىء من يذهب به إلى حبس جواد كريم، نزله عظيم، عفوه جسيم؟ قال: كأنّي لم أسمع القول إلّا تلك السّاعة» ) * «5» . 34- * (قال بعضهم: ولقد وقفت كما وقف ... ت وقد نظرت فما اعتبرت حصّل لنفسك منزلا ... قبل الحصول كما حصلت) * «6» . 35- * (وأوصى بعض الوزراء أن يكتب (على سبيل الموعظة) : أيّها المغرور في الدّن ... يا بعزّ تقتنيه وبأهل وبمال ... وبقصر تبتنيه كم عليها قد سحبنا ... ذيل سلطان بتيه تحسب الأقدار تجري ... بخلود ترتجيه إذ طواك الموت طيّا ... فاعتبر ما نحن فيه» ) * «7» . 36- * (وأنشدوا: خليليّ ما أفضي وما أنا قائل ... إذا جئت عن نفسي بنفسي أجادل؟ وقد وضع الرّحمن بالحشر عدله ... وسيق جميع النّاس واليوم باسل وجيء بحزم النّار خاضعة له ... وثلّث عروش عندها وتجادل فياليت شعري ذلك اليوم هل أنا ... ل الغفر أم أجزى بما أنا فاعل فإن أك مجزيّا فعدل وحجّة ... وإن يك غفران ففضل ونائل) * «8» .   (1) أهوال القبور (153) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق (152) . (4) المرجع السابق (156) . (5) المرجع السابق (155) . (6) المرجع السابق (146) . (7) المرجع السابق (146- 147) . (8) العاقبة في أحوال الاخرة لعبد الحق الأزدي (582 هـ) مخطوط (124- أ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 966 37- * (قال بعضهم: تزوّد قرينا من فعالك إنّما ... قرين الفتى في القبر ما كان يفعل وإن كنت مشغولا بشيء فلا تكن ... بغير الّذي يرضى به الله تشغل فلن يصحب الإنسان من بعد موته ... إلى قبره إلّا الّذي كان يعمل ألا إنّما الإنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلا عندهم ثمّ يرحل) * «1» . 38- * (وقال بعضهم: يا غافل القلب عن ذكر المنيّات ... عمّا قليل ستثوي بين أموات فاذكر محلّك من قبل الحلول به ... وتب إلى الله من لهو ولذّات إنّ الحمام له وقف «2» إلى أمد «3» ... فاذكر مصائب أيّام وساعات لا تطمئنّ إلى الدّنيا وزينتها ... قد حان للموت يا ذا اللّبّ أن يأتي) * «4» . من فوائد (تذكر الموت) (1) إنّ تذكّر الموت بصورة دائمة يجعل المسلم يعطي كلّ لحظة حقّها من الواجب، ويبتعد عن المخالفات الشّرعيّة. (2) ويجعل المؤمن يعمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته. (3) بما أنّ الموت حتم على كلّ حيّ وتبدأ بعده مرحلة السّؤال والحساب فلا بدّ من التّذكّر والتّدبّر قبل فوات الأوان. (4) كثير من النّاس وعلى مرّ التّاريخ يسعفهم الله بالحظّ ويمدّ لهم الأسباب فتتوفّر لهم الحماية الصّحّيّة والسّعادة الدّنيويّة فيستبعدون ذكر الموت من حسابهم فيبطشون ويتجبّرون ثمّ تقع الطّامّة عليهم فلا يجدون عدلا ولا صرفا وهؤلاء لا ينبغي أن يغترّ بما هم فيه. (5) أحزم النّاس وأملكهم لشأنه أكثرهم ذكرا واستعدادا للموت. (6) تذكّر الموت يدفع المرء إلى الحياء من الله فلا يقارف المعصية. (7) إنّ من أشدّ الحياء من الله- عزّ وجلّ- تذكّر الموت والعمل لما بعده. (8) موت المسلم وغسله وتكفينه والصّلاة عليه وحمله إلى المقابر ودفنه كلّها مظاهر تذكير وإنذار لكلّ أحد بأنّ هذا مصيره ولا يأخذ معه إلّا ما قدّم من خير أو شرّ.   (1) ذكره السفاريني في البحور الزاهرة (1/ 343) . (2) الوقف: الحبس. (3) الأمد: الأجل: أى إن الحمام- وهو الموت- محبوس إلى أجل يأتي فيه. (4) أهوال القبور (145) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 967 التذكير / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 14/ 14/ 10/ التذكير لغة: مصدر ذكّر وهو مأخوذ من مادّة (ذ ك ر) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على أصلين عنهما يتفّرع كلم الباب: الأوّل الذّكر خلاف الأنثى، ومن ذلك قولهم: المذكر الّتي ولدت ذكرا والمذكار الّتي تلد الذّكران عادة، والأصل الاخر: الذّكر خلاف النّسيان ومن ذلك قولهم ذكرت الشّيء خلاف نسيته ثمّ حمل عليه الذّكر باللّسان، ويقول اجعله منك على ذكر أي لا تنسه. والذّكر: الحفظ للشّيء تذكره. والذّكر أيضا: الشّيء يجري على اللّسان ذكره يذكره ذكرا وذكرا. وقوله تعالى: وَاذْكُرُوا ما فِيهِ (البقرة/ 63) أي: ادرسوا ما فيه. وتذكّره واذّكره وادّكره واذدكره، قلبوا تاء افتعل في هذا مع الذّال بغير إدغام، وأذكره إيّاه: ذكّره، والاسم الذّكرى. قال الفرّاء: يكون الذّكرى بمعنى الذّكر، ويكون بمعنى التّذكّر في قوله تعالى وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات/ 55) والذّكر والذّكرى، بالكسر: نقيض النّسيان، وكذلك الذّكرة، قال كعب بن زهير: أنّى ألمّ بك الخيال يطيف ... ومطافه لك ذكرة وشعوف «1» وتقول: ذكّرته ذكرى، غير مجراة. ويقال: اجعله منك على ذكر وذكر، وما زال ذلك منّي على ذكر وذكر والضّمّ أعلى. أي تذكّر، وقال الفرّاء: الذّكر ما ذكرته بلسانك، والذّكر: بالقلب. والتّذكرة ما تستذكر به الحاجة. وذكّره إيّاه وبه جعله يذكره، والنّاس وعظهم ومنه فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (الغاشية/ 21) «2» . واستذكر الشّيء: درسه للذّكر، والاستذكار: الدّراسة للحفظ، والتّذكّر: تذكّر ما أنسيته. وذكرت الشّيء بعد النّسيان، وذكرته بلساني وبقلبي وتذكّرته وأذكرته غيري، وذكّرته بمعنى قال الله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ 45) أيّ ذكر بعد نسيان وأصله: اذتكر فأدغم. وقال الرّاغب: الذّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ، إلّا أنّ الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه والذّكر يقال اعتبارا باستحضاره، وتارة يقال   (1) طاف الخيال: يطيف طيفا ومطافا، والشعوف: الولوع بالشيء حتى لا يعدل عنه. (2) مقاييس اللغة (2/ 358) ، لسان العرب (4/ 308) ، ومفردات الراغب (192) ، كشاف اصطلاحات الفنون (2/ 318) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 968 (الذّكر) لحضور الشّيء القلب أو القول ولذلك قيل الذّكر ذكران: ذكر بالقلب وذكر باللّسان وكلّ واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ وكلّ قول يقال له ذكر، فمن الذّكر باللّسان، قوله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ (الأنبياء/ 10) ومن الذّكر عن النّسيان قوله سبحانه: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ (الكهف/ 63) ومن الذّكر بالقلب واللّسان معا قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ... (البقرة/ 200) والذّكرى كثرة الذّكر قال تعالى: رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (ص/ 43) وقوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات/ 55) والتّذكرة ما يتذكّر به الشّيء، وهو أعمّ من الدّلالة والأمارة قال تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (المدثر/ 49) «1» . التذكير اصطلاحا: لم يرد التّذكير مصطلحا في الكتب الّتي تهتمّ بإيراد المعاني الاصطلاحيّة بيد أنّه يمكن استنباط تعريف له من خلال تعريفهم للذّكر من ناحية ومن خلال كتب اللّغة والتّفسير من ناحية أخرى فتقول: التّذكير: أن تجعل غيرك يستحضر ما تذكّره به بغرض الاتّعاظ والخروج من ميدان الغفلة والنّسيان إلى مجال المشاهدة والحضور. أو هو أن تجعل المخاطب على ذكر ممّا تظنّ أنّه غافل عنه إمّا حقيقة وإمّا على سبيل التّغافل فيخرج بذلك من دائرة الغفلة والنّسيان إلى مجال الذّكرى الّتى تنفع المؤمنين. [للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- التذكر- الدعوة إلى الله- النصيحة- الوعظ. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون- الغي والإغواء- الهجر] .   (1) مفردات الراغب (179) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 969 الآيات الواردة في «التذكير» 1- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «1» 2- وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) «2» 3- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) «3» 4- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) «4» 5- وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73) «5» 6- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) «6» 7- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «7» 8- قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) «8»   (1) الأنعام: 70 مكية (2) الأعراف: 164- 165 مدنية (3) إبراهيم: 5 مكية (4) الكهف: 57 مكية (5) الفرقان: 73 مكية (6) السجدة: 15 مكية (7) السجدة: 22 مكية (8) يس: 18- 19 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 970 9- فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) «1» 10- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «2» 11- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «3» 12- فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) «4» 13- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) «5» 14- فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) «6»   (1) الصافات: 11- 13 مكية (2) ق: 45 مكية (3) الذاريات: 55 مكية (4) الطور: 29 مكية (5) الأعلى: 9- 10 مكية (6) الغاشية: 21 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 971 الأحاديث الواردة في (التذكير) 1- * (عن عكرمة: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال له يعني لابن صوريا: «أذكّركم بالله الّذي نجّاكم من آل فرعون، وأقطعكم البحر، وظلّل عليكم الغمام، وأنزل عليكم المنّ والسّلوى، وأنزل عليكم التّوراة على موسى، أتجدون في كتابكم الرّجم» ؟ قال: ذكّرتني بعظيم، ولا يسعني أن أكذبك- وساق الحديث) * «1» . 2- * (عن ابن أبي مليكة؛ أنّ امرأتين كانتا تخرزان «2» في بيت- أو في الحجرة- فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفى «3» في كفّها، فادّعت على الأخرى، فرفع إلى ابن عبّاس، فقال ابن عبّاس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو يعطى النّاس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم» ، ذكّروها بالله واقرءوا عليها إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ (آل عمران/ 77) فذكّروها، فاعترفت. فقال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين على المدّعى عليه» ) * «4» . 3- * (عن يزيد بن حيّان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت، يا زيد، خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت، يا زيد، خيرا كثيرا، حدّثنا، يا زيد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: يا ابن أخي، والله، لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما حدّثتكم فاقبلوا، وما لا، فلا تكلّفونيه، ثمّ قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر. ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي» ، فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس. قال: كلّ هؤلاء حرم الصّدقة؟ قال: نعم) * «5» . 4- * (حدّثنا أبيّ بن كعب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه بينما موسى عليه السّلام، في قومه يذكّرهم بأيّام الله- وأيّام الله نعماؤه وبلاؤه-   (1) أبو داود 2 (3626) ، وقال الألباني (2/ 691) : صحيح. (2) الخرز: خياطة الأدم، وقوله: تخرزان: يعني تخيطان أدما أي جلدا. (3) الإشفى: المثقب وهو ما يستخدم في خياطة القرب ونحوها. (4) البخاري- الفتح 8 (4552) . (5) مسلم (2408) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 972 إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلا خيرا أو أعلم منّي، قال فأوحى الله إليه، إنّي أعلم بالخير منه، أو عند من هو، إنّ في الأرض رجلا هو أعلم منك، قال: يا ربّ! فدلّني عليه، قال: فقيل له: تزوّد حوتا مالحا؛ فإنّه حيث تفقد الحوت. قال: فانطلق هو وفتاه حتّى انتهيا إلى الصّخرة فعمّي عليه، فانطلق وترك فتاه، فاضطرب الحوت في الماء، فجعل لا يلتئم عليه، صار مثل الكوّة «1» ، قال: فقال فتاه: ألا ألحق نبيّ الله فأخبره؟ قال: فنسّي، فلمّا تجاوزا قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال: ولم يصبهم نصب حتّى تجاوزا، قال: «فتذكّر، قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت، وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. فأراه مكان الحوت، قال: ههنا وصف لي، قال: فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر مسجّى ثوبا، مستلقيا على القفا، أو قال: على حلاوة القفا «2» ، قال: السّلام عليكم، فكشف الثّوب عن وجهه قال: وعليكم السّلام، من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: ومن موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل، قال: مجيء ما جاء بك «3» ؟ قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدا، قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، شيء أمرت به أن أفعله إذا رأيته لم تصبر، قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا حتّى إذا ركبا في السّفينة خرقها، قال: انتحى عليها «4» ، قال له موسى عليه السّلام: أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا، قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا، فانطلقا حتّى إذا لقيا غلمانا يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرّأي «5» فقتله، فذعر عندها موسى عليه السّلام، ذعرة منكرة؛ قال: أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامة «6» ، قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرا، ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه «رحمة الله علينا وعلى أخي كذا، رحمة الله علينا- فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية لئاما فطافا   (1) الكوة: بفتح الكاف، ويقال بضمها، وهي الطاق. (2) على حلاوة القفا: هي وسط القفا، ومعناه لم يمل إلى أحد جانبيه، وهي بضم الحاء وفتحها وكسرها، أفصحها الضم. (3) مجيء ما جاء بك: قال القاضي: ضبطناه مجيء مرفوع غير منون عن بعضهم وعن بعضهم منونا، قال: وهو أظهر، أي أمر عظيم جاء بك. (4) انتحى عليها: أي اعتمد على السفينة وقصد خرقها. (5) بادي الرأي: بالهمزة وتركه، فمن همزه معناه: أول الرأي وابتداؤه، أي انطلق إليه مسارعا إلى قتله من غير فكر، ومن لم يهمز فمعناه ظهر له رأي في قتله، من البداء، وهو ظهور رأي لم يكن، قال القاضي: ويمد البداء ويقصر. (6) أخذته من صاحبه ذمامة: أي حياء وإشفاق من اللوم والذم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 973 في المجالس فاستطعما أهلها، فأبوا أن يضيّفوهما، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه قال: لو شئت لاتّخذت عليه أجرا، قال: هذا فراق بيني وبينك وأخذ بثوبه، قال: سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا، أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ... إلى آخر الاية، فإذا جاء الّذي يسخّرها وجدها منخرقة فتجاوزها فأصلحوها بخشبة، وأمّا الغلام فطبع يوم طبع كافرا، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنّه أدرك أرهقهما طغيانا وكفرا «1» ، فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما «2» ، وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته ... » إلى آخر الاية) * «3» . 5- * (عن عمرو بن الأحوص أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ ثمّ قال: أيّ يوم أحرم؟ أيّ يوم أحرم؟ أيّ يوم أحرم؟ قال: فقال النّاس يوم الحجّ الأكبر يا رسول الله، قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا لا يجني جان إلّا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده، ألا إنّ المسلم أخو المسلم، فليس يحلّ لمسلم من أخيه شيء إلّا ما أحلّ من نفسه، ألا وإنّ كلّ ربا في الجاهليّة موضوع، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون غير ربا العبّاس بن عبد المطّلب فإنّه موضوع كلّه، ألا وإنّ كلّ دم كان في الجاهليّة موضوع، وأوّل دم أضع من دم الجاهليّة دم الحارث بن عبد المطّلب، كان مسترضعا بني ليث فقتلته هذيل، ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان عندكم ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا، ألا وإنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا، فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإنّ حقّهن عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ) * «4» . 6- * (عن سعيد بن جبير قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب «5» ، أيفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول، فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة، فقلت للغلام: استأذن لي، قال: إنّه قائل «6» ، فسمع صوتي، قال: ابن جبير؟ قلت: نعم، قال: ادخل، فو الله ما جاء بك هذه السّاعة إلّا حاجة، فدخلت،   (1) أرهقهما طغيانا وكفرا: أي حملهما عليهما وألحقهما بهما، والمراد بالطغيان هنا، الزيادة في الضلال. (2) خيرا منه زكاة وأقرب رحما: قيل: المراد بالزكاة الإسلام. وقيل الصلاح، وأما الرحم فقيل: معناه الرحمة لوالديه وبرهما، وقيل المراد: يرحمانه. (3) البخاري- الفتح 1 (122) ، مسلم (2380) واللفظ له. (4) الترمذي (3087) ، وقال: هذا حديث حسن، وأصله عند مسلم. (5) إمرة مصعب: أي في عهد إمارته وهو مصعب بن الزبير. (6) قائل: من القيلولة وهو النوم نصف النهار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 974 فإذا هو مفترش برذعة «1» متوسّد وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرّحمن، المتلاعنان، أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله، نعم، إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان ابن فلان. قال: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال: فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه، فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الايات في سورة النّور وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/ 6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الاخرة، قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها، ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الاخرة، قالت: لا والّذي بعثك بالحقّ! إنّه لكاذب فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين ثمّ فرّق بينهما) * «2» . 7- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: لقد تركنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وما يحرّك طائر جناحيه في السّماء إلّا أذكرنا منه علما) * «3» . 8- * (عن حنظلة الأسيّديّ «4» - رضي الله عنه- قال:- وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله ما تقول؟، قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين «5» ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا «6» الأزواج والأولاد والضّيعات «7» فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» ، قلت: يا رسول   (1) البرذعة: الحلس الذي يوضع فوق ظهر الدابة وخص بعضهم به الحمار. (2) مسلم (1493) ، وعند البخاري نحوه، من حديث سهل ابن سعد، البخاري- الفتح 9 (5308) . (3) أحمد (5/ 153، 162) ، والهيثمي في المجمع (8/ 263) ، وقال: رواه أحمد والطبراني وزاد فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما بقي شيء يقرب من الجنة يباعد من النار إلا وقد بين لكم» ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة، وفي إسناد أحمد من لم يسم. (4) الأسيدي: ضبطوه بوجهين، أصحهما وأشهرهما ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة، والثاني كذلك إلا أنه بإسكان الياء، ولم يذكر القاضي إلا هذا الثاني. وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم. (5) حتى كأنا رأي عين: قال القاضي: ضبطناه رأي العين، بالرفع، أي كأنا بحال من يراها بعينه، قال: ويصح النصب على المصدر، أي نراها رأي عين. (6) عافسنا: قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا. (7) والضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 975 الله نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ثلاث مرّات) * «1» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ولّاه الله من أمر المسلمين شيئا فأراد به خيرا جعل له وزير صدق؛ فإن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (التذكير) معنى انظر: صفات (الإرشاد- الدعوة- النصيحة- الوعظ) المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التذكير) 10- * (عن بريدة قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فنادى ثلاث مرّات، فقال: «يا أيّها النّاس، أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ مثل قوم خافوا عدوّا يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم فبينا هو كذلك أبصر العدوّ وأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدوّ قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيّها النّاس أتيتم أيّها النّاس أتيتم ثلاث مرّات) * «3» . 11- * (عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه «4» ، حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم، ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين «5» » ويقرن «6» بين إصبعيه السّبّابة «7» والوسطى، ويقول: «أمّا بعد فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمّد «8» وشرّ الأمور   (1) مسلم (2750) . (2) رواه أبو داود (3/ 31) / (2932) والنسائي (7/ 159) وصححه الألباني، والهيثمي في المجمع (5/ 210) ، وقال: رواه أحمد والبزار ورجال البزار رجال الصحيح. (3) الهيثمي في المجمع (2/ 188) ، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ونحوه في الصحيحين. (4) واشتد غضبه: قال النووي: ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما وتحذيره خطبا جسيما. (5) بعثت أنا والساعة كهاتين: روي بنصبها ورفعها، والمشهور نصبها على المفعول معه، قال القاضي: يحتمل أنه تمثيل لمقاربتها، وأنه ليس بينهما أصبع أخرى، كما أنه لا نبي بينه وبين الساعة. (6) يقرن: هو بضم الراء على المشهور الفصيح، وحكي كسرها. (7) السبابة: سميت بذلك لأنهم كان يشيرون بها عند السب. (8) وخير الهدي هدي محمد صلّى الله عليه وسلّم: هو بضم الهاء وفتح الدال فيهما، وبفتح الهاء وإسكان الدال أيضا، ضبطناه بالوجهين، وكذا ذكره جماعة بالوجهين، وقال القاضي عياض: رويناه في مسلم بالضم وفي غيره بالفتح وبالفتح ذكره الهروي، وفسّره الهروي، على رواية الفتح، بالطريق، أي أحسن الطرق طريق محمد، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 976 محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة «1» » ، ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه «2» ، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» ) * «4» . 12- * (وعن عليّ أو عن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطبنا فيذكّرنا بأيّام الله حتّى يعرف ذلك في وجهه وكأنّه نذير قوم يصبّحهم الأمر غدوة وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يبتسم ضاحكا حتّى يرتفع) * «5» . 13- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال: رأيت الجيش بعيني، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء النّجاء، فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا، وكذّبته طائفة فصبّحهم الجيش فاجتاحهم» ) * «6» . 14- * (عن النّعمان- رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب يقول: أنذركم النّار أنذركم النّار حتّى لو أنّ رجلا كان بالسّوق لسمعه من مقامي هذا، قال: «حتّى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه» ، وفي رواية وسمع أهل السّوق صوته وهو على المنبر) * «7» .   يقال: فلان، حسن الهدي، أي الطريقة والمذهب. ومنه: اهتدوا بهدي عمار، وأما على رواية الضم فمعناه الدلالة والإرشاد، قال العلماء: لفظ الهدى له معنيان: أحدهما بمعنى الدلالة والإرشاد، وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد، وقال الله تعالى وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، ومنه قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أي بينا لهم الطريق. ومنه قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ، وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ. والثاني بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد وهو الذي تفرد الله به، ومنه قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ. (1) وكل بدعة ضلالة: هذا عام مخصوص، والمراد غالب البدع، قال أهل اللغة: هي كل شيء عمل على غير مثال سابق. (2) أنا أولى بكل مؤمن من نفسه: هو موافق لقول الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي أحق. (3) ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ: قال أهل اللغة: الضياع، بفتح الضاد، العيال، قال ابن قتيبة: أصله مصدر ضاع يضيع ضياعا، والمراد ترك أطفالا وعيالا ذوي ضياع. فأوقع المصدر موضع الاسم. (4) مسلم (867) . (5) أحمد (1/ 167) ، ومسند أبي يعلى (1/ 324) / (673) ، والهيثمي في المجمع (2/ 188) ، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه وأبو يعلى عن الزبير وحده ورجاله رجال الصحيح. وذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (228) . وصححه الشيخ أحمد شاكر في المسند (3/ 22) برقم (1437) . (6) البخاري- الفتح 11 (6482) . (7) الهيثمي في المجمع (2/ 187) ، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وهو في المسند (4/ 267) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 977 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التذكير) 1- * (عن أبي سلمة أنّ أبا موسى كان يأتي عمر فيقول له عمر: «ذكّرنا ربّنا، فيقرأ عنده» ) * «1» . 2- * (عن عوف بن مالك بن الطّفيل هو ابن الحارث وهو ابن أخي عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأمّها، أنّ عائشة حدّثت أنّ عبد الله بن الزّبير قال بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهينّ عائشة أو لأحجرنّ عليها، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله عليّ نذر أن لا أكلّم ابن الزّبير أبدا. فاستشفع ابن الزّبير إليها حين طالت الهجرة «2» ، فقالت: لا والله لا أشفّع فيه «3» أبدا ولا أتحنّث إلى نذري، فلمّا طال ذلك على ابن الزّبير كلّم المسور بن مخرمة وعبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث- وهما من بني زهرة- وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة فإنّها لا يحلّ لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبد الرّحمن مشتملين بأرديتهما حتّى استأذنا على عائشة فقالا: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلّنا؟، قالت: نعم ادخلوا كلّكم- ولا تعلم أنّ معهما ابن الزّبير- فلمّا دخلوا دخل ابن الزّبير الحجاب فاعتنق عائشة «4» وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرّحمن يناشدانها إلّا ما كلّمته وقبلت منه، ويقولان: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عمّا قد عملت من الهجرة؛ فإنّه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلمّا أكثروا على عائشة، من التّذكرة والتّحريج «5» طفقت تذكّرهما وتبكي وتقول: إنّي نذرت والنّذر شديد، فلم يزالا بها حتّى كلّمت ابن الزّبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتّى تبلّ دموعها خمارها) * «6» . 3- * (عن أبي وائل قال: كان عبد الله يذكّر النّاس في كلّ خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرّحمن، لوددت أنّك ذكّرتنا كلّ يوم. قال: أما إنّه يمنعني من ذلك أنّي أكره أن أملّكم، وإنّي أتخوّلكم بالموعظة، كما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتخوّلنا بها مخافة السّامة علينا) * «7» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها-: «أنّ ناسا طافوا بالبيت بعد صلاة الصّبح، ثمّ قعدوا إلى المذكّر «8» ، حتّى إذا طلعت الشّمس قاموا يصلّون، فقالت عائشة- رضي الله عنها-: قعدوا، حتّى إذا   (1) الدارمي (3499) . (2) الهجرة- بكسر الهاء وسكون الجيم- المراد بها هنا ترك الشخص مكالمة الاخر إذا تلاقيا وهي في الأصل: الترك فعلا كان أو قولا. (3) الشفاعة: طلب التجاوز عن الذنوب والجرائم، والمشفّع: الذي يقبل الشفاعة، والمشّفع: الذي تقبل شفاعته. (4) وكان ابن الزبير ابن أخت السيدة عائشة وهي التي كانت تتولى تربيته غالبا. (5) التحريج: أي الوقوع في الحرج وهو الضيق لما ورد في القطيعة من النهي. (6) البخاري- الفتح 10 (6073) ، (6074) ، (6075) . (7) البخاري- الفتح 1 (70) ، مسلم (2821) . (8) ثم قعدوا إلى المذكر: بالمعجمة وتشديد الكاف أي الواعظ، وضبطه ابن الأثير في «النهاية» بالتخفيف بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه قال: وأرادت موضع الذّكر، إما الحجر، وإما الحجر. الفتح (3/ 572) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 978 كانت السّاعة الّتي تكره فيها الصّلاة قاموا يصلّون» ) * «1» . 5- * (قال أبو عمرو بن الصّلاح: والنّصيحة لأئمّة المسلمين: معاونتهم على الحقّ، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدّعاء لهم بالتّوفيق، وحثّ الأغيار على ذلك) * «2» . 6- * (قال ابن كثير في قوله تعالى وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ (الأنعام/ 70) : أي ذكّر النّاس بهذا القرآن وحذّرهم نعمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة) * «3» . 7- * (قال ابن كثير في قوله تعالى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (الأعلى/ 9) : ذكّر حيث تنفع التّذكرة ومن هنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله) * «4» . 8- * (وفي قوله تعالى: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (الأعلى/ 10) أي سيتّعظ بما تبلّغه يا محمّد من قلبه يخشى الله ويعلم أنّه ملاقيه) * «5» . 9- * (قال البغويّ في تفسير قوله تعالى وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ ... (الأنعام/ 70) : أي وعظ بالقرآن) * «6» . 10- * (قال ابن رجب- رحمه الله-: كان السّلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرّا حتّى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس النّاس فإنّما وبّخه) * «7» . من فوائد (التذكير) (1) في التّذكير تنفيذ لأمر الله- عزّ وجلّ-. (2) يصل المسلم بربّه. (3) ينبّهه إلى غفلاته ويبعده عن زلّاته. (4) يدخل تحت باب التّعاون على البرّ والتّقوى. (5) التّذكير ينتفع به المؤمن، بل هو دليل على كمال هذا الإيمان. (6) التّذكير حقّ واجب على كلّ مسلم تجاه إخوانه المسلمين بقدر استطاعته ومؤهّلاته. (7) فيه صلاح المجتمع وسعادة الدّارين.   (1) البخاري- الفتح 3 (1628) . (2) جامع العلوم والحكم (70) . (3) تفسير ابن كثير، مج 2، ج 7، ص (149) . (4) تفسير ابن كثير، مج 4، ج 30، ص (534) . (5) المصدر السابق. (6) تفسير البغوي، مج 2، ج 7، ص (106) . (7) جامع العلوم والحكم (71) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 979 التسبيح / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 78/ 32/ 10/ التسبيح لغة: مصدر سبّح وهو مأخوذ من مادّة (س ب ح) الّتي تدور حول معنيين: الأوّل: جنس من العبادة والاخر جنس من السّعي «1» ، فالأوّل السّبحة وهي الصّلاة، وتختصّ بذلك ما كان نفلا غير فرض، يقول الفقهاء: يجمع المسافر بين الصّلاتين ولا يسبّح بينهما أي لا يتنفّل بينهما بصلاة، ومن هذا الباب: التّسبيح وهو تنزيه الله- جلّ ثناؤه- من كلّ سوء، والتّنزيه التّبعيد والعرب تقول: سبحان من كذا، أي ما أبعده، قال الأعشى: أقول لمّا جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر وقال قوم: تأويله: عجبا له إذا يفخر وقولهم: سبحان الله: معناه تنزيها لله من الصّاحبة والولد، وقيل: تنزيه الله تعالى عن كلّ ما لا ينبغي له أن يوصف به، قال: ونصبه أنّه في موضع فعل على معنى تسبيحا له، تقول: سبّحت الله تسبيحا أي نزّهته تنزيها، قال: وكذلك روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال الزّجّاج في قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (الإسراء/ 1) ، قال: منصوب على المصدر، المعنى أسبّح الله تسبيحا. وسبّح الرّجل: قال سبحان الله، وفي التّنزيل: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ (النور/ 41) ، قال رؤبة: سبّحن واسترجعن من تألّه. وسبح: لغة، حكى ثعلب سبّح تسبيحا وسبحانا، وعندي أنّ سبحانا ليس بمصدر سبّح، إنّما هو مصدر سبح. وفي التّهذيب: سبّحت الله تسبيحا وسبحانا بمعنى واحد. فالمصدر تسبيح، والاسم سبحان يقوم مقام المصدر «2» . واصطلاحا: قال ابن حجر: التّسبيح يعني قول سبحان الله، ومعناه: تنزيه الله عمّا لا يليق به من كلّ نقص، فيلزم نفي الشّريك والصّاحبة والولد وجميع الرّذائل. ويطلق التّسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذّكر، وجماع معناه. وقال الجرجانيّ: التّسبيح تنزيه الحقّ عن نقائص الإمكان والحدوث «3» . تسبيح المخلوقات: أمّا قوله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (الإسراء/ 44) ، قال   (1) ومن ذلك السباحة العوم في الماء والسابح من الخيل الحسن مد اليدين في الجري. (2) مقاييس اللغة (3/ 125) ، واللسان (2/ 472) . (3) فتح الباري (11/ 210) ، والتعريفات للجرجاني (58) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 980 أبو إسحق: قيل إنّ كلّ ما خلق الله يسبّح بحمده، وإنّ صرير السّقف، وصرير الباب من التّسبيح، فيكون على هذا الخطاب للمشركين وحدهم: وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، وجائز أن يكون تسبيح هذه الأشياء بما الله به أعلم لا نفقه منه إلّا ما علّمناه، قال: وقال قوم وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ: أي ما من دابّة إلّا وفيه دليل أنّ الله- عزّ وجلّ- خالقه وأنّ خالقه حكيم مبرّأ من الأسواء ولكنّكم، أيّها الكفّار، لا تفقهون أثر الصّنعة في هذه المخلوقات، قال أبو إسحاق: وليس هذا بشيء؛ لأنّ الّذين خوطبوا بهذا كانوا مقرّين أنّ الله خالقهم وخالق السّماء والأرض ومن فيهنّ، فكيف يجهلون الخلقة وهم عارفون بها؟. قال الأزهريّ: وممّا يدلّك على أنّ تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تعبّدت به قول الله- عزّ وجلّ- للجبال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ (سبأ/ 10) ، ومعنى أوّبي سبّحي مع داود النّهار كلّه إلى اللّيل، ولا يجوز أن يكون معنى أمر الله- عزّ وجلّ- للجبال بالتّأويب إلّا تعبّدا لها، وكذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ (الحج/ 18) فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نفقهها عنها كما لا نفقه تسبيحها، وكذلك قوله: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (البقرة/ 74) وقد علم الله هبوطها من خشيته ولم يعرّفنا ذلك فنحشن نؤمن بما أعلمنا، ولا ندّعي بما لا نكلّف بأفهامنا من علم فعلها كيفيّة نحدّها. ومن صفات الله- عزّ وجلّ-: السّبّوح القدّوس، قال أبو إسحاق: السّبّوح الّذي ينزّه عن كلّ سوء، والقدّوس: المبارك، وقيل: الطّاهر، وقال ابن سيده: سبّوح قدّوس من صفة الله- عزّ وجلّ- لأنّه يسبّح ويقدّس، ويقال: سبّوح قدّوس، قال اللّحيانيّ: المجتمع عليه فيها الضّمّ، قال: سيبويه: إنّما قولهم سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، فليس بمنزلة سبحان لأنّ سبّوحا قدّوسا صفة، كأنّك قلت ذكرت سبّوحا قدّوسا فنصبته على إضمار الفعل المتروك إظهاره، كأنّه خطر على باله أنه ذكره ذاكر، فقال: سبّوحا أي ذكرت سبّوحا، أو ذكره هو نفسه فأضمر مثل ذلك، فأمّا رفعه فعلى إظهار المبتدأ وترك إظهار ما يرفع، كترك إظهار ما ينصب. قال أبو إسحاق: وليس في كلام العرب بناء على فعّول، بضمّ أوّله، غير هذين الاسمين الجليلين. وسبحات وجه الله، بضمّ السّين والباء: أنواره وجلاله وعظمته. قال ابن شميل: سبحات وجهه نور وجهه، وفي حديث آخر: حجابه النّور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره. سبحات وجه الله: جلاله وعظمته، وهي في الأصل جمع سبحة، وقيل: أضواء وجهه، قيل: سبحات الوجه محاسنه، لأنّك إذا رأيت الحسن الوجه، قلت: سبحان الله، وقيل: معناه تنزيه له أي سبحان وجهه. قال: وأقرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 981 من هذا كلّه أنّ المعنى: لو انكشف من أنوار الله الّتي تحجب العباد عنه شيء لأهلك كلّ من وقع عليه ذلك النّور، كما خرّ موسى على نبيّنا وعليه السّلام صعقا وتقطّع الجبل دكّا لمّا تجلّى الله- سبحانه وتعالى. من معاني التسبيح: قد يكون التّسبيح بمعنى الصّلاة والذّكر، تقول: قضيت سبحتي؛ وروي أنّ عمر- رضي الله عنه- جلد رجلين سبّحا بعد العصر أي صلّيا. وعليه فسّر قوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (الروم/ 17) يأمرهم بالصّلاة في هذين الوقتين، وقال الفرّاء: حين تمسون المغرب والعشاء، وحين تصبحون صلاة الفجر، وعشيّا العصر، وحين تظهرون الأولى. وقوله: وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (آل عمران/ 41) أي وصلّ، وقوله- عزّ وجلّ-: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (الصافات/ 143) أراد من المصلّين قبل ذلك، وقيل: إنّما ذلك لأنّه قال في بطن الحوت: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء/ 87) وقوله: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (الأنبياء/ 20) يقال: إنّ مجرى التّسبيح فيهم كمجرى النّفس منّا لا يشغلنا عن النّفس شيء. وقوله: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (القلم/ 28) أي تستثنون، وفي الاستثناء تعظيم الله والإقرار بأنّه لا يشاء أحد إلّا أن يشاء الله، فوضع تنزيه الله موضع الاستثناء. والسّبحة: الدّعاء وصلاة التّطوّع، والنّافلة، يقال: فرغ فلان من سبحته أي من صلاة النّافلة، سمّيت الصّلاة تسبيحا لأنّ التّسبيح تعظيم الله وتنزيهه من كلّ سوء، قال ابن الأثير: وإنّما خصّت النّافلة بالسّبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التّسبيح، لأنّ التّسبيحات في الفرائض نوافل، فقيل لصلاة النّافلة سبحة لأنّها نافلة كالتّسبيحات والأذكار في أنّها غير واجبة، وقد تكرّر ذكر السّبحة في الحديث كثيرا، فمنها: «اجعلوا صلاتكم معهم سبحة» أي نافلة، ومنها: «كنّا إذا نزلنا منزلا لا نسبّح حتّى نحلّ الرّحال» ، أراد صلاة الضّحى، بمعنى أنّهم كانوا مع اهتمامهم بالصّلاة لا يباشرونها حتّى يحطّوا الرّحال ويريحوا الجمال رفقا بها وإحسانا. والسّبحة: التّطوّع من الذّكر والصّلاة، قال ابن الأثير: وقد يطلق التّسبيح على غيره من أنواع الذّكر مجازا كالتّحميد والتّمجيد وغيرهما، وسبحة الله: جلاله. وقال ابن عرفة الملقّب بنفطويه في قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ* (الواقعة/ 74، 96) أي سبّحه بأسمائه ونزّهه عن التّسمية بغير ما سمّى به نفسه. قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها (الأعراف/ 180) وهي صفاته الّتي وصف بها نفسه ... وكلّ من دعا الله بأسمائه فقد أطاعه ومدحه ولحقه ثوابه. وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ما أحد أغير من الله، ولذلك حرّم الفواحش، وليس أحد أحبّ إليه المدح من الله تعالى» «1» .   (1) لسان العرب (2/ 471- 474) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 982 التسبيح في القرآن الكريم: قال صاحب البصائر: التّسبيح ورد في القرآن على نحو من ثلاثين وجها، منها للملائكة، ومنها لنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومنها لغيره من الأنبياء، ومنها للحيوانات والجمادات، ومنها للمؤمنين خاصّة، ومنها لجميع الموجودات. أمّا الّتي للملائكة: فدعوى جبريل عليه السّلام في وصف العبادة: وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (الصافات/ 166) . الثّاني: دعوى الملائكة في حال الخصومة: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (البقرة/ 30) . الثّالث: تسبيحهم الدّائم من غير سامة: يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (فصلت/ 38) . الرّابع: تسبيحهم المعرّى عن الكذب: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (الأنبياء/ 20) . الخامس: تسبيحهم المقترن بالسّجدة: وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (الأعراف/ 206) . السّادس: تسبيحهم مقترنا بتسبيح الرّعد على سبيل السّياسة والهيبة: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ (الرعد/ 13) . السّابع: أنّ حملة العرش والكرسيّ في حال الطّواف بالعرش والكرسيّ مستغرقون في التّسبيح والاستغفار: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (غافر/ 7) ، وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ (الزمر/ 75) . وأمّا الّتي لنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم: فالأوّل: تسبيح مقترن بسجدة اليقين، والعبادة: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر/ 98، 99) . الثّاني: تسبيح في طرفي النّهار، مقترن بالاستغفار من الزّلّة: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (غافر/ 55) . الثّالث: تسبيح في بطون الدّياجر والخلوة: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (الإنسان/ 26) . الرّابع: تسبيح في الابتداء، والانتهاء، حال العبادة: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ* وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (الطور/ 48، 49) . الخامس: تسبيح مقترن بالطّلوع، والغروب لأجل الشّهادة: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها (طه/ 130) ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (ق/ 40) . السّادس: تسبيح دائم لأجل الرّضا والكرامة: فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (طه/ 130) . السّابع: تسبيح لطلب المغفرة: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ (النصر/ 3) . وأمّا الّتي للأنبياء فالأوّل لزكريّا علامة على ولادة يحيى: قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً إلى قوله: وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (آل عمران/ 41) . الثّاني: في وصيّته لقومه محافظة على وظيفة التّسبيح: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (مريم/ 11) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 983 الثّالث: في موافقة الجبال، والظّباء، والحيتان، والطّيور لداود في التّسبيح: يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (ص/ 18) . الرّابع: في نجاة يونس من ظلمات البحر وبطن الحوت ببركة التّسبيح: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (الصافات/ 143) . وأمّا الّتي لخواصّ المؤمنين، فالأوّل في أمر الله تعالى لهم بالجمع بين الذّكر والتّسبيح دائما: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الأحزاب/ 41، 42) . الثّاني: في ثناء الحقّ تعالى على قوم إذا ذكر الله تجدهم سجدوا له وسبّحوا: خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ (السجدة/ 15) . الثّالث: في أناس يتّخذون في المساجد مجالس ويواظبون على التّسبيح والذّكر: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ ... (النور/ 36، 37) . أمّا الّتي في الحيوانات، والجمادات، فالأوّل: في أنّ كلّ نوع من الموجودات مشتغل بنوع من التّسبيحات: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (الإسراء/ 44) . الثّاني: في أنّ الطّيور في الهواء مصطفّة لأداء ورد التّسبيح: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ (النور/ 41) . وأمّا الّتي للعامّة. فالأوّل: على العموم في تسبيح الحقّ على الإحياء والإماتة: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله يُحْيِي وَيُمِيتُ (الحديد/ 1- 2) . الثّاني: في أنّ كلّ شيء في تسبيح الحقّ على إخراج أهل الكفر، وإزعاجهم: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إلى قوله: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ (الحشر/ 1- 2) . الثّالث: أنّ الكلّ في التّسبيح، ومن خالف فعله مستحقّ للذّمّ والشّكاية: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ إلى قوله لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (الصف/ 1- 2) . الرّابع: في أنّ الكلّ في التّسبيح للقدس والطّهارة: يُسَبِّحُ لِلَّهِ إلى قوله الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ (الجمعة/ 1- 3) . الخامس: في أنّ الكلّ في التّسبيح على تحسين الخلقة والصّورة: يُسَبِّحُ لِلَّهِ إلى قوله وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (التغابن/ 1) . السّادس: في الملامة والتّعيير من أصحاب ذلك النّسيان بعضهم لبعض من جهة التّقصير في تسبيح الحقّ تعالى: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ «1» . (القلم/ 28) . [للاستزادة: انظر صفات: التكبير- الحمد- الحوقلة- تلاوة القرآن- التهليل- الثناء- الذكر- الكلم الطيب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر الجحود- الغفلة- اللهو واللعب- التفريط والإفراط- الإعراض] .   (1) بصائر ذوي التمييز (2/ 285- 289) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 984 الآيات الواردة في «التسبيح» آيات فيها أمر بالتسبيح مطلقا: 1- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) «1» 2- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) «2» 3- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) «3» 4- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) «4» 5- فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) «6» 7- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) «7» 8- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) » 9- وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49) «9» 10- فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ* (74) «10» 11- إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) «11»   (1) الحجر: 97- 99 مكية (2) طه: 130 مكية (3) الفرقان: 58 مكية (4) النمل: 7- 8 مكية (5) الروم: 17- 18 مكية (6) الأحزاب: 41- 42 مدنية (7) غافر: 55 مكية (8) ق: 39- 40 مكية (9) الطور: 48- 49 مكية (10) الواقعة: 74 مكية (11) الواقعة: 95- 96 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 985 12- وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) «1» 13- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) «2» 14- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) «3» 15- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) «4» آيات التسبيح من صفات المؤمنين: 16- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «5» 17- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) «6» 18- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «7» 19- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) «8» 20- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) «9» آيات التسبيح من الملائكة فيها من مظاهر العظمة: 21- وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «10»   (1) الحاقة: 51- 52 مكية (2) الإنسان: 25- 26 مدنية (3) الأعلى: 1- 5 مكية (4) النصر: 1- 3 مدنية (5) يوسف: 108 مكية (6) الإسراء: 107- 108 مكية (7) النور: 36- 38 مدنية (8) السجدة: 15 مكية (9) الفتح: 8- 9 مدنية (10) الزمر: 75 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 986 22- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «1» آيات تسبيح الملائكة فيها من علامات العبودية: 23- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «2» 24- وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) «3» 25- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) «4» 26- فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) «5» 27- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) «6» آيات التسبيح فيها لتنزيه الله عن الشريك والولد: 28- وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116) «7» 29- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «8» 30- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) «9»   (1) غافر: 7 مكية (2) الأعراف: 205- 206 مكية (3) الرعد: 13 مدنية (4) الأنبياء: 19- 20 مكية (5) فصلت: 38 مكية (6) الشورى: 5 مكية (7) البقرة: 116 مدنية (8) النساء: 171 مدنية (9) الأنعام: 100 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 987 31- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) «1» 32- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) «2» 33- قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (68) «3» 34- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) «4» 35- وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) «5» 36- قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «6» 37- ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) «7» 38- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) «8» 39- وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) «9» 40- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) 1» 41- فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) «11» 42- وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) «12»   (1) التوبة: 31 مدنية (2) يونس: 18 مكية (3) يونس: 68 مكية (4) النحل: 1 مكية (5) النحل: 56- 57 مكية (6) الإسراء: 42- 44 مكية (7) مريم: 35 مكية (8) الأنبياء: 22 مكية (9) الأنبياء: 26 مكية (10) المؤمنون: 91 مكية (11) النمل: 8 مكية (12) القصص: 68 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 988 43- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) «1» 44- وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) «2» 45- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «3» 46- لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4) «4» 47- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) «5» 48- قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) «6» 49- أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) «7» 50- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «8» آيات التسبيح فيها تبرؤ من أمر مزعوم: 51- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) «9» 52- وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) «10» 53- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)   (1) الروم: 40 مكية (2) الصافات: 158- 159 مكية (3) الصافات: 180- 182 مكية (4) الزمر: 4 مكية (5) الزمر: 67 مكية (6) الزخرف: 81- 82 مكية (7) الطور: 43 مكية (8) الحشر: 23- 24 مدنية (9) المائدة: 116 مدنية (10) النور: 16 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 989 قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) «1» 54- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) «2» آيات التسبيح فيها علامة تحقيق المطلوب: 55- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (41) «3» آيات التسبيح فيها بعد استشراف: 56- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) «4» 57- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «5» 58- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)   (1) الفرقان: 17- 18 مكية (2) سبأ: 40- 41 مكية (3) آل عمران: 38- 41 مدنية (4) الأعراف: 143 مكية (5) الأنبياء: 87 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 990 قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) «1» آيات التسبيح فيها سبب الامتنان بالنعمة: 59- وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) «2» آيات التسبيح فيها من دلائل القدرة والتملك: 60- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) «3» 61- سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) «4» 62- إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) «5» آيات التسبيح فيها علامة شكر: 63- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «6» 64- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) «7»   (1) القلم: 17- 29 مكية (2) الصافات: 139- 144 مكية (3) آل عمران: 190- 191 مدنية (4) يس: 36 مكية (5) يس: 82- 83 مكية (6) يونس: 9- 10 مكية (7) طه: 24- 34 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 991 65- لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) «1» آيات التسبيح فيها استعظام أمر: 66- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) «2» 67- وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «3» 68- قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) «4» آيات التسبيح فيها من جميع الكائنات: 69- فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79) «5» 70- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (41) «6» 71- اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18) «7» 72- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) » 73- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «9» 74- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «10»   (1) الزخرف: 13 مكية (2) الإسراء: 1 مكية (3) الإسراء: 90- 93 مكية (4) مريم: 10- 11 مكية (5) الأنبياء: 79 مكية (6) النور: 41 مدنية (7) ص: 17- 18 مكية (8) الحديد: 1 مدنية (9) الحشر: 1 مدنية (10) الصف: 1 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 992 75- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) «1» 76- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) «2» الملائكة دائبون على التسبيح: 77- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) «3» 78- وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) «4»   (1) الجمعة: 1 مدنية (2) التغابن: 1 مدنية (3) البقرة: 30- 32 مدنية (4) الصافات: 165- 166 مكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 993 الأحاديث الواردة في (التسبيح) 1- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أهل الجنّة يأكلون فيها ويشربون «1» ، ولا يتفلون «2» ولا يبولون، ولا يتغوّطون ولا يمتخطون» . قالوا: فما بال الطّعام؟، قال: «جشاء «3» ورشح كرشح المسك، يلهمون التّسبيح والتّحميد، كما يلهمون النّفس» ) * «4» . 2- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصّلاة، فجاء المؤذّن إلى أبي بكر. فقال: أتصلّي بالنّاس فأقيم؟ قال: نعم، قال: فصلّى أبو بكر، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس في الصّلاة، فتخلّص حتّى وقف في الصّفّ، فصفّق النّاس، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصّلاة، فلمّا أكثر النّاس التّصفيق التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله- عزّ وجلّ- على ما أمره به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك، ثمّ استأخر أبو بكر حتّى استوى في الصّفّ، وتقدّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصلّى، ثمّ انصرف فقال: «يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟» ، قال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما لي رأيتكم أكثرتم التّصفيق؟ من نابه «5» شيء في صلاته فليسبّح، فإنّه إذا سبّح التفت إليه. وإنّما التّصفيح «6» للنّساء» ) * «7» . 3- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّ فاطمة اشتكت ما تلقى من الرّحى في يدها، وأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة، فأخبرتها، فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على مكانكما» فقعد بيننا حتّى وجدت برد قدمه على   (1) إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون: مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذها وأنواع نعيمها، تنعما دائما لا آخر له ولا انقطاع أبدا، وأن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا، إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا تشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية وأصل الهيئة، وإلا فإنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبصقون، وقد دلت دلائل القرآن والسنة في هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره أن نعيم الجنة دائم لا انقطاع له أبدا. (2) ولا يتفلون: بكسر الفاء وضمها، حكاهما الجوهري، وغيره، أي لا يبصقون. (3) جشاء: هو تنفس المعدة من الامتلاء. (4) مسلم (2835) . (5) من نابه: أي أصابه شيء يحتاج فيه إلى إعلام الغير. (6) التصفيح: في النهاية: التصفيح والتصفيق واحد، وهو ضرب صفحة الكف على صفحة الكف الاخر، وقال النووي: التصفيح أن تضرب المرأة بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللعب واللهو، فإن فعلت هكذا على جهة اللعب بطلت صلاتها، لمنافاة الصلاة. (7) مسلم (421) وعند البخاري مختصرا 3 (1203) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 994 صدري، ثمّ قال: «ألا أعلّمكما خيرا ممّا سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أن تكبّرا الله أربعا وثلاثين، وتسبّحاه ثلاثا وثلاثين، وتحمداه ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم» ) * «1» . 4- * (عن أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قالا: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الكلام أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر» ) * «2» 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- (وهذا حديث قتيبة) : أنّ فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذهب أهل الدّثور «3» بالّدرجات العلى «4» والنّعيم المقيم «5» ، فقال: «وما ذاك» ، قالوا: يصلّون كما نصلّي «6» ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون ولا نتصدّق ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلا أعلّمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم؟ ولا يكون أحد أفضل منكم إلّا من صنع مثل ما صنعتم» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبّحون وتكبّرون وتحمدون دبر «7» كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين مرّة» قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» . وزاد غير قتيبة في هذا الحديث عن اللّيث عن ابن عجلان: قال سميّ: فحدّثت بعض أهلي هذا الحديث، فقال: وهمت، إنّما قال: «تسبّح الله ثلاثا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثا وثلاثين، وتكبّر الله ثلاثا وثلاثين» فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك، فأخذ بيدي فقال: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله. الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، حتّى تبلغ من جميعهنّ ثلاثة وثلاثين. قال ابن عجلان: فحدّثت بهذا الحديث رجاء ابن حيوة، فحدّثني بمثله عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «8» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله- تبارك وتعالى- ملائكة   (1) البخاري- الفتح 9 (5361) ، ومسلم (2727) . (2) النسائي من طريقين، وأخرجه ابن حبان عن سمرة بن جندب (3/ 120، برقم 839) وصححه، انظر الفتح 11 (575) ، وصحيح ابن خزيمة (2/ 180 برقم 1142) . (3) الدثور: واحدها دثر وهو المال الكثير. (4) بالدرجات العلى: جمع العليا، تأنيث الأعلى، ككبرى وكبر، قيل: الباء للتعدية أي أذهبوها وأزالوها. وقيل: للمصاحبة، فيكون المعنى استصحبوها معهم ولم يتركوا لنا شيئا. (5) النعيم المقيم: أي الدائم، وهو نعيم الاخرة وعيش الجنة. (6) يصلون كما نصلي: ما كافة تصحح دخول الجار على الفعل وتفيد تشبيه الجملة بالجملة. كقولك يكتب زيد كما يكتب عمرو. أو مصدرية كما في قوله تعالى: بِما رَحُبَتْ* أي صلاتهم وصومهم مثل صومنا. (7) دبر: هو بضم الدال، هذا هو المشهور في اللغة، وقال أبو عمر المطرزي في كتابه اليواقيت: دبر كل شيء بفتح الدال، آخر أوقاته من الصلاة وغيرها، وقال: هذا هو المعروف في اللغة، وأما الجارحة فبالضم. (8) البخاري- الفتح 2 (843) ، ومسلم (595) واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 995 سيّارة «1» . فضلا «2» يتّبعون «3» مجالس الذّكر. فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم. وحفّ «4» بعضهم بعضا بأجنحتهم. حتّى يملأوا ما بينهم وبين السّماء الدّنيا. فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السّماء. قال فيسألهم الله عزّ وجلّ، وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبّحونك ويكبّرونك ويهلّلونك ويحمدونك ويسألونك. قال: وما يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنّتك. قال: وهل رأوا جنّتي؟ قالوا: لا أي ربّ. قال: فكيف لو رأوا جنّتي؟ قالوا: ويستجيرونك «5» . قال: وممّ يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا ربّ. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم. فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم ممّا استجاروا. قال فيقولون: ربّ، فيهم فلان. عبد خطّاء «6» . إنّما مرّ فجلس معهم. قال فيقول: وله غفرت. هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» ) * «7» . 7- * (عن صفيّة بنت حييّ زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها جاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوره- وهو معتكف في العشر الغوابر من رمضان- فتحدّثت عنده ساعة من العشاء، ثمّ قامت تنقلب، فقام معها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقلبها حتّى إذا بلغت باب المسجد الّذي عند مسكن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّ بهما رجلان من الأنصار فسلّما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ نفذا، فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلكما، إنّما هي صفيّة بنت حييّ» . قالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما ما قال. قال: «إنّ الشّيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما» ) * «8» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل زمرة تلج الجنّة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوّطون، آنيتهم فيها الذّهب،   (1) سيارة: معناه: سياحون في الأرض. (2) فضلا: ضبطوه على أوجه، أرجحها وأشهرها: فضلا. والثانية: فضلا ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب. والثالثة: فضلا. قال القاضي: هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم. والرابعة: فضل على أنه خبر مبتدأ محذوف. والخامسة: فضلاء. قال العلماء: معناه على جميع الروايات، أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر. (3) يتبعون: أي يتتبعون، من التتبع، وهو البحث عن الشيء والتفتيش، والوجه الثاني: يبتغون من الابتغاء، وهو الطلب، وكلاهما صحيح. (4) وحف: هكذا هو في كثير من النسخ، حف، وفي بعضها: حض أي حث على الحضور والاستماع. وحكى القاضي عن بعض رواتهم: وحط، واختاره القاضي. قال: ومعناه أشار إلى بعض بالنزول، ويؤيد هذه الرواية قوله بعده، في البخاري: هلموا إلى حاجتكم، ويؤيد الرواية الأولى، وهي حف، قوله في البخاري: يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم. (5) ويستجيرونك من نارك: أي يطلبون الأمان منها. (6) خطّاء: أي كثير الخطايا. (7) البخاري- الفتح 11 (6408) ، ومسلم (2689) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 10 (6219) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 996 أمشاطهم من الذّهب والفضّة، ومجامرهم الألوّة «1» ، ورشحهم المسك، ولكلّ واحد منهم زوجتان، يرى مخّ سوقهما من وراء اللّحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبّحون الله بكرة وعشيّا» ) * «2» . 9- * (عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاص قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب كلّ يوم ألف حسنة؟» فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: «يسبّح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحطّ عنه ألف خطيئة» ) *» . 10- * (عن معاوية بن الحكم السّلميّ، قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم «4» ، فقلت: واثكل أمّياه «5» ما شأنكم «6» ؟ تنظرون إليّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتهم «7» يصمتونني «8» لكنّي سكتّ، فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبأبي هو وأمّي، ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما كهرني «9» ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس، إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» . أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله، إنّي حديث عهد بجاهليّة «10» ، وقد جاء الله بالإسلام، وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال: «فلا تأتهم» ، قال: ومنّا رجال يتطيّرون. قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم «11» ، فلا يصدّنّهم» - قال ابن الصّبّاح: فلا يصدّنّكم- قال: قلت: ومنّا رجال يخطّون. قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ «12» فمن وافق خطّه فذاك» . قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانيّة «13» فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّيب قد ذهب   (1) الألوّة: العود الذي يتبخّر به. والجمر: النار، والمجمرة: التى يوضع فيها الجمر مع الدّخنة. (2) البخاري- الفتح 6 (3245) ، ومسلم (2834) . (3) مسلم (2698) . (4) فرماني القوم بأبصارهم: أي نظروا إليّ حديدا كما يرمى بالسهم، زجرا بالبصر من غير كلام. (5) واثكل أمياه: بضم الثاء وإسكان الكاف، وبفتحهما جميعا، لغتان كالبخل والبخل، حكاهما الجوهري وغيره، وهو فقدان المرأة ولدها، وامرأة ثكلى وثاكل، وثكلته أمه، وأثكل الله تعالى أمّه، أي فقد أمي إياي فإني هلكت ف (وا) كلمة تختص في النداء بالندبة، وثكل أمياه مندوب. ولكونه مضافا منصوبا، وهو مضاف إلى أم إظهارا لشدة الحزن، والهاء التي بعدها هي هاء السكت ولا تكون إلا في الاخر. (6) ما شأنكم: أي ما حالكم وأمركم. (7) رأيتهم: أي علمتهم. (8) يصمتونني: أي يسكتونني، غضبت وتغيرت. (9) كهرني قالوا: القهر والكهر والنهر، متقاربة، أي ما قهرني ولا نهرني. (10) بجاهلية: قال العلماء: الجاهلية ما قبل ورود الشرع، سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم. (11) ذاك شيء يجدونه في صدورهم: قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة، ولا عتب عليكم في ذلك، لكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم. (12) يخط: إشارة إلى الخط في الرمل. وانظر (ص 730) حاشية رقم (1) . (13) قبل أحد والجوانية: الجوانية بقرب أحد، موضع في شمال المدينة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 997 بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون «1» ، لكنّي صككتها صكّة «2» ، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظم ذلك عليّ، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: «ائتني بها» ، فأتيته بها، فقال لها: «أين الله؟» ، قالت: في السّماء، قال: «من أنا؟» ، قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنّها مؤمنة» ) * «3» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التّسبيح للرّجال والتّصفيق للنّساء» . زاد حرملة في روايته: قال ابن شهاب: وقد رأيت رجالا من أهل العلم يسبّحون ويشيرون في الصّلاة) * «4» . 12- * (عن سعد بن أبي وقّاص، قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» قال: فهؤلاء لربّي، فما لي؟ قال: «قل: اللهمّ، اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «5» . 13- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ونحن معه بالمدينة- الظّهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى استوى به على البيداء حمد الله وسبّح وكبّر، ثمّ أهلّ بحجّ وعمرة وأهلّ النّاس بهما، فلمّا قدمنا أمر النّاس فحلّوا، حتّى كان يوم التّروية أهلّوا بالحجّ، قال: ونحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدنات بيده قياما، وذبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة كبشين أملحين) * «6» . 14- * (عن أبي مالك الأشعريّ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور «7» شطر «8» الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملان (أو تملأ) ما بين السّماوات والأرض، والصّلاة نور «9» ، والصّدقة برهان «10» والصّبر ضياء «11» ، والقرآن حجّة لك أو عليك «12» كلّ النّاس يغدو «13» فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها» ) * «14» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) آسف كما يأسفون: أي أغضب كما يغضبون، والأسف الحزن والغضب. (2) صككتها صكة: أي ضربتها بيدي مبسوطة. (3) مسلم (537) . (4) مسلم (422) . (5) مسلم (2696) . (6) البخاري- الفتح 3 (1551) . (7) الطهور: قال جمهور أهل اللغة: يقال: الوضوء، والطهور، بضم أولهما، إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر، ويقال: الوضوء والطهور، بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به. (8) شطر: أصل الشطر النصف. (9) الصلاة نور: فمعناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب، كما أن النور يستضاء به. (10) والصدقة برهان: قال صاحب التحرير: معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين، كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال، فيقول: تصدقت به. (11) والصبر ضياء: فمعناه الصبر المحبوب في الشرع، وهو الصبر على طاعة الله والصبر عن معصيته، والصبر على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا، والمراد الصبر المحمود، ولا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب. (12) والقرآن حجة لك أو عليك: معناه ظاهر، أي تنتفع به إن تلوته وعملت به، وإلا فهو حجة عليك. (13) كل الناس يغدو ... الخ: فمعناه كل إنسان يسعى بنفسه، فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعها فيوبقها، أي يهلكها. (14) مسلم (223) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 998 عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأمّا تكذيبه إيّاي فزعم أنّي لا أقدر أن أعيده كما كان، وأمّا شتمه إيّاي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتّخذ صاحبة أو ولدا» ) * «1» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قرصت نملة نبيّا من الأنبياء، فأمر بقرية النّمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمّة من الأمم تسبّح الله» ) * «2» . 17- * (عن أنس، أنّ أخت الرّبيّع أمّ حارثة جرحت إنسانا، فاختصموا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «القصاص، القصاص» ، فقالت أمّ الرّبيّع: يا رسول الله أيقتصّ من فلانة؟ والله لا يقتصّ منها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله! يا أمّ الرّبيّع القصاص كتاب الله» قالت: لا. والله لا يقتصّ منها أبدا. قال: فما زالت حتّى قبلوا الدّية. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» ) * «3» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن. سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» ) * «4» . 19- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنّا إذا صعدنا كبّرنا، وإذا نزلنا سبّحنا) * «5» . 20- * (عن جرير بن عبد الله قال: كنّا جلوسا ليلة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: «إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشّمس، وقبل غروبها فافعلوا، ثمّ قرأ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ» ) * «6» . 21- * (عن عبد الله. قال: كنّا نعدّ الايات بركة، وأنتم تعدّونها تخويفا، كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فقلّ الماء، فقال: «اطلبوا فضلة من ماء» فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثمّ قال: «حيّ على الطّهور المبارك، والبركة من الله» ، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولقد كنّا نسمع تسبيح الطّعام، وهو يؤكل) * «7» . 22- * (عن عبد الرّحمن بن سمرة، وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: كنت أرتمي» بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ كسفت الشّمس،   (1) البخاري- الفتح 8 (4482) . (2) البخاري- الفتح 6 (3019) . (3) البخاري- الفتح 5 (2703) ، ومسلم (1675) ، وهذا لفظ مسلم. (4) البخاري- الفتح 13 (7563) ، ومسلم (2694) . (5) البخاري- الفتح 6 (2993) . (6) البخاري- الفتح 8 (4851) . (7) البخاري- الفتح 6 (3579) . (8) ارتمى: أي: أرمى. كما قال في الرواية الأولى: يقال: أرمي وأرتمي وأترمى، كما قاله في الرواية الأخيرة. بمعنى المراماة، والارتماء كالترامي، قال ابن الأثير: يقال رميت بالسهم رميا وارتميت ارتماء وتراميت تراميا وراميت مراماة، إذا رميت بالسهام عن القسي، وقيل: خرجت أرتمي إذا رميت القنص. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 999 فنبذتها، فقلت: والله لأنظرنّ إلى ما حدث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كسوف الشّمس، قال: فأتيته وهو قائم في الصّلاة، رافع يديه، فجعل يسبّح ويحمد ويهلّل ويكبّر ويدعو، حتّى حسر «1» عنها. قال: فلمّا حسر عنها، قرأ سورتين وصلّى ركعتين) * «2» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة حطّت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» ) * «3» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرّة، لم يأت أحد يوم القيامة، بأفضل ممّا جاء به إلّا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه» ) * «4» . 25- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يصبح على كلّ سلامى من أحدكم صدقة، فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزأ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضّحى» ) * «5» . الأحاديث الواردة في (التسبيح) معنى انظر صفة (الذكر) المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التسبيح) 26- * (عن هند بنت الحارث؛ أنّ أمّ سلمة رضي الله عنها- قالت: استيقظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «سبحان الله، ماذا أنزل من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجر- يريد به أزواجه- حتّى يصلّين، ربّ كاسية في الدّنيا عارية في الاخرة» . وقال ابن أبي ثور عن ابن عبّاس عن عمر قال: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: طلّقت نساءك؟ قال: «لا» قلت: الله أكبر) * «6» .   (1) حسر عنها: أي كشف، وهو بمعنى قوله في الرواية الأولى: جلي عنها. (2) مسلم (913) . (3) البخاري- الفتح 11 (6405) . (4) مسلم (2692) . (5) مسلم (720) . (6) البخاري- الفتح 10 (6218) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1000 27- * (عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير، أنّ عائشة نبّأته أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبّوح قدّوس. ربّ الملائكة والرّوح» ) * «1» . 28- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن جويرية. أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصّبح، وهي في مسجدها «2» ، ثمّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة. فقال: «ما زلت على الحال الّتي فارقتك عليها؟» قالت: نعم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرّات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد «3» كلماته» ) * «4» . 29- * (عن حذيفة. قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت «5» : يركع عند المائة، ثمّ مضى فقلت: يصلّي بها في ركعة «6» . فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النّساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا، إذا مرّ باية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ، ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» ، فكان ركوعه نحوا من قيامه. ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» ، ثمّ قام طويلا، قريبا ممّا ركع. ثمّ سجد فقال: «سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه» . قال: وفي حديث جرير من الزّيادة. فقال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد» ) * «7» . 30- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك. اللهمّ اغفر لي» يتأوّل القرآن «8» ) * «9» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها-   (1) مسلم (487) . (2) في مسجدها: أي موضع صلاتها. (3) مداد: بكسر الميم. قيل معناه مثله في العدد، وقيل: مثلها في أنها لا تنفد. وقيل: في الثواب، والمداد هنا مصدر بمعنى المدد وهو ما كثرت به الشيء، قال العلماء: واستعماله، هنا مجاز، لأن كلمات الله تعالى لا تحصر بعدد ولا غيره، والمراد المبالغة به في الكثرة. (4) مسلم (2726) . (5) فقلت: أي في نفسي، يعني ظننت أنه يركع عند مئة آية. (6) فقلت يصلي بها في ركعة: معناه ظننت أنه يسلم بها، فيقسمها ركعتين، وأراد بالركعة الصلاة بكاملها، وهي ركعتان، ولا بد من هذا التأويل لينتظم الكلام بعده، وعلى هذا فقوله: ثم مضى، معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أن لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة، فحينئذ قلت: يركع الركعة الأولى بها، فجاوز وافتتح النساء. (7) مسلم (772) . (8) يتأول القرآن: أي يفعل ما أمر به فيه. أي في قوله. عز وجل. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً جملة وقعت حالا عن ضمير يقول. أي يقول متأولا القرآن، أي مبينا ما هو المراد من قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ آتيا بمقتضاه. قال النووي: قال أهل اللغة وغيرهم: التسبيح التنزيه، وقولهم: سبحان الله، منصوب على المصدر، يقال: سبحت الله تسبيحا وسبحانا، فسبحان الله معناه براءة وتنزيها له من كل نقص وصفة للمحدث، قالوا: وقوله: وبحمدك أي وبحمدك سبحتك، ومعناه بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك عليّ، سبحتك، لا بحولي وقوتي. (9) مسلم (484) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1001 قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر من قول: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك تكثر من قول «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» ؟. فقال: «خبّرني ربّي أنّي سأرى علامة في أمّتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها، إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (فتح مكّة) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (سورة النصر) * «1» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التسبيح) 1- * (عن عبدة، أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: «سبحانك اللهمّ وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدّك، ولا إله غيرك» ) * «3» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «أمره أن يسبّح في أدبار الصّلوات كلّها» ، يعني قوله وَأَدْبارَ السُّجُودِ) * «4» . 3- * (عن أبي وائل. قال: غدونا على عبد الله ابن مسعود يوما بعد ما صلّينا الغداة، فسلّمنا بالباب، فأذن لنا، قال: فمكثنا بالباب هنيّة. قال: فخرجت الجارية فقالت: ألا تدخلون؟ فدخلنا. فإذا هو جالس يسبّح. فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم؟. فقلنا: لا. إلّا أنّا ظننّا أنّ بعض أهل البيت نائم. قال: ظننتم بآل ابن أمّ عبد «5» غفلة؟ قال: ثمّ أقبل يسبّح حتّى ظنّ أنّ الشّمس قد طلعت. فقال: يا جارية، انظري. هل طلعت؟ قال: فنظرت فإذا هي لم تطلع، فأقبل يسبّح. حتّى إذا ظنّ أنّ الشّمس قد طلعت. قال: يا جارية انظري. هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت. فقال: الحمد لله الّذي أقالنا يومنا هذا، (فقال مهديّ وأحسبه قال) ولم يهلكنا بذنوبنا. قال: فقال رجل من القوم: قرأت المفصّل البارحة كلّه قال: فقال عبد الله: هذا كهذّ الشّعر؟ إنّا لقد سمعنا القرائن. وإنّي لأحفظ القرائن «6» الّتي كان يقرؤهنّ رسول الله   (1) البخاري- الفتح (794) مختصرا، ومسلم (484) . (2) مسلم (2695) . (3) مسلم (399) . (4) البخاري- الفتح 8 (4852) . (5) ابن أم عبد: يعني نفسه، فإن أم عبد الهذلية أمه، والنبي صلّى الله عليه وسلّم وغيره كانوا يقولون لابن مسعود: ابن أم عبد. (6) القرائن: ما يقرن بعضه مع بعض في القراءة أي السور التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرن بينها في قراءته في ركعة واحدة. ينظر صحيح مسلم بشرح النووي ج 6/ ص 108. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1002 صلّى الله عليه وسلّم، ثمانية عشر من المفصّل «1» وسورتين من آل حم) * «2» . 4- * (قال ابن بطّال- رحمه الله-: التّسبيح والتّكبير معناه تعظيم الله وتنزيهه من السّوء، واستعمال ذلك عند التّعجّب واستعظام الأمر حسن، وفيه تمرين اللّسان على ذكر الله تعالى) * «3» . 5- * (قال ابن رجب- رحمه الله-: كان لأبي هريرة خيط فيه ألف عقدة فلا ينام حتّى يسبّح به) * «4» . 6- * (وقال- رحمه الله-: وكان الحسن البصريّ كثيرا ما يقول إذا لم يحدّث ولم يكن له شغل: سبحان الله العظيم، فذكر ذلك لبعض فقهاء مكّة فقال: إنّ صاحبكم لفقيه) * «5» . 7- * (وقال: وكان خالد بن معدان يسبّح كلّ يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن، فلمّا مات وضع على سريره ليغسّل فجعل يشير بإصبعه يحرّكها بالتّسبيح) * «6» . 8- * (وقال أيضا: كان عامّة كلام ابن سيرين: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده) * 7. 9- * (وقيل لعمير بن هانىء: ما نرى لسانك يفتر فكم تسبّح كلّ يوم؟ قال: مائة ألف تسبيحة إلّا أن تخطأ الأصابع: يعني أنّه يعدّ ذلك بأصابعه) * 8. 10- * (روى الأزهريّ بإسناده أنّ ابن الكوّا سأل عليّا- رضوان الله تعالى عليه- عن سبحان الله. فقال: كلمة رضيها الله لنفسه فأوصى بها) * 9. من فوائد (التسبيح) (1) يصل المؤمن بربّه. (2) يعمّق الإيمان في القلب بالاستحضار الدّائم لعظمة الله. (3) وسيلة تعجّب يعلن بها المسلم إعجابه بما يملأ نفسه من استحسان أو ضيقه ممّا هو محطّ الاستنكار. (4) وسيلة قربى إلى الله واستزادة من فيض عطائه. (5) يبقي اللّسان رطبا بذكر الله. (6) شعار بين المسلمين يتعارفون ويتواصلون منه. (7) تنبيه الإمام حين يسهو في الصّلاة. (8) من الوسائل العالية في تحصيل الثّواب. (9) التّحلّي به يؤدّي إلى الجنّة والرّضوان. (10) وسيلة الفقراء في إدراك درجات ثواب الأغنياء. (11) فيه كسب لحبّ الله ومرضاته. (12) يحمي من غائلات الشّياطين. (13) صدقة على جوارح الإنسان.   (1) ثمانية عشر من المفصل: هكذا هو في الأصول المشهورة ثمانية عشر في نادر منها، ثمان عشرة، والأول صحيح أيضا على تقدير ثمانية عشر نظيرا. (2) مسلم (822) . (3) فتح الباري (10/ 614) . (4) جامع العلوم والحكم (388) . (5) جامع العلوم والحكم (388) . 6- 9 جامع العلوم والحكم (388) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1003 التعارف / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 2/ 1/ 9/ التعارف لغة: مصدر تعارف القوم أي عرف بعضهم بعضا وهو من مادّة (ع ر ف) الّتي تدلّ على السّكون والطّمأنينة، يقول ابن فارس: العين والرّاء والفاء أصلان صحيحان يدلّ أحدهما على تتابع الشّيء متّصلا بعضه ببعض، والاخر على السّكون والطّمأنينة.. ومن هذا المعرفة والعرفان تقول: عرف فلان فلانا عرفانا ومعرفة وهذا أمر معروف وهذا يدلّ على ما قلناه من سكونه إليه؛ لأنّ من أنكر شيئا توحّش منه ونبا عنه «1» ، والعرفان: العلم، عرفه يعرفه عرفة وعرفانا ومعرفة. وتعارف القوم عرف بعضهم بعضا «2» . التعارف اصطلاحا: هو أن يعرف النّاس بعضهم بعضا بحسب انتسابهم جميعا إلى أب واحد وأمّ واحدة ثمّ بحسب الدّين والشّعوب والقبائل، بحيث يكون ذلك مدعاة للشّفقة والألفة والوئام لا إلى التّنافر والعصبيّة «3» . أهمية التعارف في الإسلام: قال الشّيخ أبو بكر الجزائريّ في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ... : هذا نداء هو آخر نداءات الله تعالى عباده في هذه السّورة، وهو أعمّ من النّداء بعنوان الإيمان فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى من آدم وحوّاء باعتبار الأصل، كما أنّ كلّ آدميّ مخلوق من أبوين أحدهما ذكر والاخر أنثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ وبطون وأفخاذ وفصائل، كلّ هذا لحكمة التّعارف فلم يجعلكم كجنس الحيوان لا يعرف الحيوان الاخر، ولكن جعلكم شعوبا وقبائل وعائلات وأسرا لحكمة التّعارف المقتضي للتّعاون، إذ التّعاون بين الأفراد ضروريّ لقيام مجتمع صالح سعيد. فتعارفوا وتعاونوا ولا تتفرّقوا لأجل التّفاخر بالأنساب. فإنّه لا قيمة للحسب ولا للنّسب إذا كان   (1) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (4/ 281) . (2) لسان العرب (9/ 236/ 237) . (3) أغفلت كتب التعريفات ذكر التعارف مصطلحا فاقتبسنا ذلك من جملة أقوال المفسرين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1004 المرء هابطا في نفسه وخلقه وفاسدا في سلوكه إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ. إنّ الشّرف والكمال فيما عليه الإنسان من زكاة روحه وسلامة خلقه وإصابة رأيه وكثرة معارفه «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الاجتماع- الألفة- البر- التناصر- التعاون على البر والتقوى تفريج الكربات- المحبة- المواساة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغي والإغواء- التفرق- التعاون على الإثم والعدوان- الضلال- الهجر- البغض] . الآيات الواردة في «التعارف» 1- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) » 2- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «3»   (1) أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (4/ 295) . (2) يونس: 45 مكية (3) الحجرات: 13 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1005 الأحاديث الواردة في (التعارف) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يرفعه. قال: «النّاس معادن كمعادن الفضّة والذّهب. خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. والأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف. وما تناكر منها اختلف» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التعارف) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا (الحجرات/ 13) قال: الشّعوب: القبائل العظام. والقبائل: البطون) * «2» . 2- * (وقال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: لِتَعارَفُوا كما يقال فلان بن فلان من كذا وكذا أي من قبيلة كذا) * «3» . 3- * (وقال رحمه الله: قوله تعالى: لِتَعارَفُوا: أي ليعرف بعضكم بعضا بالنّسب يقول فلان ابن فلان وفلان ابن فلان) * «4» . 4- * (وقال سفيان الثّوريّ في قوله عزّ وجلّ لِتَعارَفُوا: كانت حمير ينتسبون إلى مخاليفها وكانت عرب الحجاز ينتسبون إلى قبائلها) * «5» . 5- * (عن الشّعبيّ في الرّجل يعرف وجه الرّجل ولا يعرف اسمه قال: تلك معرفة النّوكى «6» ) * «7» . 6- * (وقال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى: لِتَعارَفُوا: يقول ليعرف بعضكم بعضا في النّسب يقول تعالى ذكره: إنّما جعلنا هذه الشّعوب والقبائل لكم أيّها النّاس ليعرف بعضكم بعضا في قرب ذي القرابة منه وبعده لا لفضيلة لكم في ذلك وقربة تقرّبكم إلى الله بل أكرمكم عند الله أتقاكم» ) * «8» . 7- * (وقال الإمام النّيسابوريّ في قوله تعالى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا: أي ليقع التّعارف بينكم بسبب ذلك لا أن تتفاخروا بالأنساب) * «9» . 8- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا: «أي   (1) مسلم (2638) . والقسم الأخير عند البخاري- الفتح 6 (3336) . (2) البخاري- الفتح 6 (3489) . (3) تفسير ابن كثير (4/ 232) . (4) فتح الباري (6/ 609) . (5) تفسير ابن كثير (4/ 232) . (6) النوكى: جمع أنوك وهو الأحمق. (7) المنتقى من مكارم الأخلاق: (171) . (8) جامع البيان في تفسير القرآن: مج 11 ج 26 ص (89) . (9) حاشية جامع البيان: مج 11، ج 26، ص (94) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1006 ليحصل التّعارف بينهم كلّ يرجع إلى قبيلته» ) * «1» . 9- * (روى الحكيم التّرمذيّ بسنده عن الحسن قال: «بني الإسلام على عشرة أركان، الإخلاص لله تعالى وهو الفطرة، والصّلاة وهي الملّة، والزّكاة وهي الطّهرة، والصّيام وهو الجنّة، والحجّ وهو الشّريعة، والجهاد وهو العزّة، والأمر بالمعروف وهو الحجّة، والنّهي عن المنكر وهو الوفيّة، والطّاعة وهي العصمة، والجماعة وهي الألفة» ) * «2» . من فوائد (التعارف) (1) يقوّي روابط الأخوّة في الله. (2) يجد المسلم له أعوانا وأنصارا حيثما كان. (3) يورث الحبّ في الله وينمّيه. (4) يقضي على التّناحر والتّخاصم بين أفراد المجتمع المسلم. (5) يزيل التّمايز الطّبقيّ ويبدله بالألفة والوئام. (6) وهو سبيل للتّعاون على البرّ والتّقوى. (7) يورث السّكينة والطّمأنينة في القلب؛ لأنّ من عرف شيئا اطمأنّ إليه.   (1) تفسير ابن كثير (4/ 232) . (2) شرح شأن الصلاة: الورقة الأخيرة شرح شأن الصلاة ومعالمها محمد بن علي الحكيم الترمذي، أبو عبد الله مخطوط بمركز إحياء التراث بجامعة أم القرى رقم (516) فقه عام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1007 التعاون على البر والتقوى / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 1/ 47/ 13/ التعاون لغة: مصدر تعاون وهو مأخوذ من «العون» الّذي يراد به المظاهرة على الشّيء يقال: فلان عوني أي معيني وقد أعنته، والعون أيضا الظّهير على الأمر، الواحد والاثنان والجمع والمؤنّث فيه سواء، وقد حكي في تكسيره أعوان، والعرب تقول: إذا جاءت السّنة جاء معها أعوانها يعنون بالسّنة الجدب وبالأعوان الجراد والذّئاب والأمراض. وتقول: أعنته إعانة واستعنته واستعنت به فأعانني وتعاونوا عليّ واعتونوا: أعان بعضهم بعضا، وتعاونّا أعان بعضنا بعضا. والمعونة: الإعانة، ورجل معوان حسن المعونة، وكثير المعونة للنّاس وكلّ شيء أعانك فهو عون لك، كالصّوم عون على العبادة «1» . قال الفيرزآباديّ- رحمه الله تعالى-: والعوين: اسم للجمع، واستعنته وبه فأعانني، قال تعالى فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ (الكهف/ 95) . وتعاون الأعوان: إعانة بعضهم بعضا. قال تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) وعاونه معاونة وعوانا «2» . أقسام الناس في باب التعاون: قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: «تنقسم أحوال من دخل في عداد الإخوان أربعة أقسام: منهم من يعين ويستعين، ومنهم من لا يعين ولا يستعين، ومنهم من يستعين ولا يعين، ومنهم من يعين ولا يستعين. فأمّا المعين والمستعين فهو معاوض منصف يؤدّي ما عليه ويستوفي ماله، فهو كالمقرض يسعف عند الحاجة ويستردّ عند الاستغناء، وهو مشكور في معونته، ومعذور في استعانته، فهذا أعدل الإخوان. وأمّا من لا يعين ولا يستعين فهو متروك قد منع خيره وقمع شرّه فهو لا صديق يرجى، ولا عدوّ يخشى، وإذا كان الأمر كذلك فهو كالصّورة الممثّلة، يروقك حسنها، ويخونك نفعها، فلا هو مذموم لقمع شرّه، ولا هو مشكور لمنع خيره، وإن كان باللّوم أجدر. وأمّا من يستعين ولا يعين فهو لئيم كلّ، ومهين مستذلّ قد قطع عنه الرّغبة وبسط فيه الرّهبة،   (1) لسان العرب لابن منظور (5/ 3179- 3180) . وانظر الصحاح للجوهري (6/ 2168- 2169) . (2) بصائر ذوي التمييز (4/ 113) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1008 فلا خيره يرجى ولا شرّه يؤمن، وحسبك مهانة من رجل مستثقل عند إقلاله، ويستقلّ عند استقلاله فليس لمثله في الإخاء حظّ، ولا في الوداد نصيب. وأمّا من يعين ولا يستعين فهو كريم الطّبع، مشكور الصّنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء، فلا يرى ثقيلا في نائبة، ولا يقعد عن نهضة في معونة. فهذا أشرف الإخوان نفسا وأكرمهم طبعا فينبغي لمن أوجد له الزّمان مثله، وقلّ أن يكون له مثل؛ لأنّه البرّ الكريم والدّرّ اليتيم، أن يثني عليه خنصره، ويعضّ عليه بناجذه ويكون به أشدّ ضنّا منه بنفائس أمواله، وسنيّ ذخائره؛ لأنّ نفع الإخوان عامّ، ونفع المال خاصّ، ومن كان أعمّ نفعا فهو بالادّخار أحقّ، ثمّ لا ينبغي أن يزهد فيه لخلق أو خلقين ينكرهما منه إذا رضي سائر أخلاقه، وحمد أكثر شيمه؛ لأنّ اليسير مغفور والكمال معوز «1» . التعاون واجب ديني وضرورة اجتماعية: قال ابن خلدون- رحمه الله تعالى-: إنّ الاجتماع الإنسانيّ ضروريّ، ويعبّر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدنيّ بالطّبع أي لا بدّ له من الاجتماع وبيانه أنّ الله سبحانه خلق الإنسان وركّبه على صورة لا يصحّ حياتها وبقاؤها إلّا بالغذاء وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركّب فيه من القدرة على تحصيله إلّا أنّ قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفّية له بمادّة حياته منه ولو فرضنا منه أقلّ ما يمكن فرضه وهو قوت يوم واحد من الحنطة مثلا فلا يحصل إلّا بعلاج كثير من الطّحن والعجن والطّبخ وكلّ واحد من هذه الأعمال الثّلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتمّ إلّا بصناعات متعدّدة من حدّاد ونجّار وفاخوريّ وهب أنّه يأكله حبّا من غير علاج فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبّا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه الزّراعة والحصاد والدّراس الّذي يخرج الحبّ من غلاف السّنبل ويحتاج كلّ واحد من هذه إلى آلات متعدّدة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير، ويستحيل أن تفي بذلك كلّه أو ببعضه قدرة الواحد فلا بدّ له من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم فيحصل بالتّعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف، وكذلك يحتاج كلّ منهم أيضا في الدّفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه؛ لأنّ الله سبحانه لمّا ركّب الطّباع في الحيوانات كلّها وقسّم القدر بينها جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظّ الإنسان، فقدرة الفرس مثلا، أعظم بكثير من قدرة الإنسان، وكذا قدرة الحمار والثّور والأسد والفيل أضعاف من قدرته. ولمّا كان العدوان طبيعيّا في الحيوان جعل لكلّ واحد منها عضوا يختصّ بمدافعة ما يصل إليه من عادية غيره، وجعل للإنسان عوضا عن ذلك كلّه الفكر واليد، فاليد مهيّأة للصّنائع بخدمة الفكر، والصّنائع تحصّل له الالات الّتي تنوب له عن الجوارح   (1) أدب الدنيا والدين للماوردي (211- 213) بتصرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1009 المعدّة في سائر الحيوانات للدّفاع. فالواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة واحد من الحيوانات العجم سيّما المفترسة فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالجملة، ولا تفي قدرته أيضا باستعمال الالات المعدّة للمدافعة لكثرتها وكثرة الصّنائع والمواعين المعدّة لها، فلا بدّ في ذلك كلّه من التّعاون عليه بأبناء جنسه، وما لم يكن ذلك التّعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء ولا تتمّ حياته لما ركّبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته، ولا يحصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السّلاح، فيكون فريسة حيوانات ويعاجله الهلاك عن مدى حياته ويبطل نوع البشر، وإذا كان التّعاون حصل له القوت للغذاء والسّلاح للدّفاع، وتمّت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه، فإذن هذا الاجتماع ضروريّ للنّوع الإنسانيّ، وإلّا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إيّاهم «1» . البر والتقوى: انظر في المعنى اللّغوي لهذين اللّفظين في صفتي: «البرّ» و «التّقوى» . التعاون على البر والتقوى اصطلاحا: لا يختلف المعنى اللّغويّ للفظ التّعاون عن معناه الّذي تقرّر له في عرف الشّرع، ومن ثمّ يمكن تعريف صفة التّعاون على البرّ والتّقوى بأنّها: أن يظاهر المسلم أخاه ويعينه في فعل الخيرات، وعلى طاعة الله- عزّ وجلّ- وتجنّب معصيته. [للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الاجتماع الإغاثة- الألفة- التناصر- تفريج الكربات- المحبة- المواساة- البر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التعاون على الإثم والعدوان- التخاذل- الأثرة- البخل- الشح التفرق- الأذى- التنازع] . الآيات الواردة في «التعاون على البر والتقوى» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «2» وانظر الايات الكريمة الواردة في صفتي: الاعتصام والاستعانة   (1) المقدمة لابن خلدون (41- 43) بتصرف يسير. (2) المائدة: 2 مدنية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1010 الأحاديث الواردة في (التعاون على البر والتقوى) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين يسر ولن يشادّ «1» الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة «2» والرّوحة «3» وشيء من الدّلجة «4» » ) * «5» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها ليلا. قالت: فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع. فقال: «مالك يا عائشة أغرت؟» فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقد جاءك شيطانك؟» قالت: يا رسول الله أو معي شيطان. قال: «نعم» . قلت: ومع كلّ إنسان؟. قال: «نعم» قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: «نعم، ولكن ربّي أعانني عليه حتّى أسلم» ) * «6» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للمساجد أوتادا «7» هم أوتادها لهم جلساء من الملائكة فإن غابوا سألوا عنهم وإن كانوا مرضى عادوهم وإن كانوا في حاجة أعانوهم» ) * «8» . 4- * (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا «9» لتعفّي أثرها على سارّة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتّى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيّعنا. ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة «10» ، حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ   (1) المشادة: أصلها المشاددة، ومعناها المغالبة. (2) الغداة: السير أول النهار من الغداة إلى طلوع الشمس. (3) الروحة: السير فيما بعد الزوال. (4) الدلجة: السير آخر الليل، وقيل سير الليل. (5) البخاري- الفتح 1 (39) . (6) مسلم (2815) . (7) الأوتاد هنا معناها الرجال الملازمون للمساجد. شبههم بالأوتاد لملازمتهم للمساجد وطول مكثهم بها. (8) أحمد (2/ 418) وقال مخرجه (الحسيني هاشم) : إسناده حسن وعزاه للحاكم. أحمد ط. شاكر (17/ 110) من حديث عبد الله بن سلام. وهو في المستدرك (2/ 398) موقوف على عبد الله بن سلام. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (9) المنطق: كل ما شد الإنسان به وسطه. (10) الثّنيّة: طريق العقبة، والطريقة في الجبل، وقيل هي الجبل نفسه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1011 مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ إلى قوله يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ما في السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى أو قال: يتلبّط «1» . فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصّفا، حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها، ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي، ثمّ أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرّات. قال ابن عبّاس قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فلذلك سعي النّاس بينهما» . فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه «2» - تريد نفسها- ثمّ تسمّعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال ابن عبّاس قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم» أو قال: «لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» . قال فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة، فإنّ ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرّابية «3» ، تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقة «4» من جرهم- أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء» ، فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرا عائفا «6» ، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريّا «7» أو جريّين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا- قال وأمّ إسماعيل عند الماء- فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحبّ الأنس» ، فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتّى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأة منهم. وماتت أمّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة. فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا فقال: هل   (1) يتلبّط: أي يتمرغ. (2) صه: اسم فعل أمر بمعني اسكت، والمعنى أنها أنصتت لتعرف مصدر الصوت. (3) الرابية: كل ما ارتفع من الأرض وربا. (4) الرّفقة: الجماعة المترافقون في السفر. (5) كداء: جبل بمكة، وهي الثّنيّة العليا مما يلى المقابر. (6) عائفا: أي يتردد على الماء ويحوم ولا يمضي. (7) الجريّ: الرسول والوكيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1012 جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه» ، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبّت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة- وأثنت عليه- فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته، أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة «1» قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد. ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة «2» مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127) قال فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ) * «3» . 5- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح «4» . ثمّ حبّب إليه الخلاء «5» . فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه. (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها.   (1) الدوحة: الشجرة العظيمة. (2) الأكمة: هو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد. (3) البخاري- الفتح 6 (3364) . (4) فلق الصبح: قال أهل اللغة: فلق الصبح وفرق الصبح هو ضياؤه. وإنما يقال هذا في الشيء الواضح البين. (5) ثم حبب إليه الخلاء: الخلاء هو الخلوة. قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: حببت العزلة إليه صلّى الله عليه وسلّم لأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر، وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويتخضع قلبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1013 حتّى فجأه الحقّ) وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» قال فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد «1» . ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال قلت: «ما أنا بقارىء» . قال فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (96/ العلق: الاية 1- 5) فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره «2» حتّى دخل على خديجة فقال: «زمّلوني «3» زمّلوني» فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع «4» . ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة مالي» وأخبرها الخبر. قال «لقد خشيت على نفسي» قالت له خديجة: كلّا أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. والله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث. وتحمل الكلّ «5» ، وتكسب المعدوم «6» ، وتقري الضّيف «7» ، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى. وهو ابن عمّ خديجة، أخي أبيها. وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة. وكان يكتب الكتاب العربيّ ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب. وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «8» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم. يا ليتني فيها جذعا «9» يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال ورقة: نعم. لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي. وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا» ) * «10» . 6- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال للمعرور بن سويد لمّا لقيه بالرّبذة «11» وعليه حلّة «12» وعلى غلامه حلّة: ساببت رجلا فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة. إخوانكم خولكم «13» جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل،   (1) فغطني حتى بلغ مني الجهد: غطني معناه عصرني وضمني حتى بلغ مني الجهد مبلغه وغايته. (2) ترجف بوادره: معنى ترجف ترعد وتضطرب. (3) زملوني: أي غطوني بالثياب ولفوني. (4) الروع: هو الفزع. (5) الكلّ: هو من لا يستقل بنفسه كاليتيم والعيال وغيرهم. (6) تكسب المعدوم: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك. (7) تقري الضيف: تحسن إليه. (8) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير. والجاسوس صاحب سر الشر. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته. (9) يا ليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها. وجذعا يعني شابا قويّا. حتى أبالغ في نصرك. (10) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له. (11) الربذة: قرية قرب المدينة. (12) الحلّة: لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد والجمع حلل. (13) الخول: الحشم، وقيل الخدم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1014 وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «1» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها كانت تدّاين «2» فقيل لها مالك وللدّين؟ قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد كانت له نيّة في أداء دينه إلّا كان له من الله عزّ وجلّ عون» فأنا ألتمس ذلك العون) * «3» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة حقّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الّذي يريد الأداء، والنّاكح الّذي يريد العفاف» ) * «4» . 9- * (عن مخارق- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: الرّجل يأتيني فيريد مالي؟ قال: «ذكّره بالله» قال: فإن لم يذكر؟ قال: «فاستعن عليه من حولك من المسلمين» قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين، قال: «فاستعن عليه بالسّلطان» قال: فإن نأى السّلطان عنّي، قال: «قاتل دون مالك حتّى تكون من شهداء الاخرة، أو تمنع مالك» ) * «5» . 10- * (عن قبيصة بن المخارق الهلاليّ- رضي الله عنه- قال: حمّلت حمالة «6» فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسألته فيها فقال: «أقم حتّى تأتينا الصّدقة فإمّا أن نحملها وإمّا أن نعينك فيها» وقال: «إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لثلاثة لرجل تحمّل حمالة قوم فيسأل فيها حتّى يؤدّيها ثمّ يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ما له فيسأل فيها حتّى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثمّ يمسك، ورجل أصابته فاقة فيسأل حتّى يصيب قواما من عيش «7» أو سدادا من عيش ثمّ يمسك. وما سوى ذلك من المسائل، سحتا يا قبيصة يأكل صاحبه سحتا» ) * «8» . 11- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود في نواصيها الخير والنّيل إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها، فامسحوا بنواصيها وادعوا لها بالبركة وقلّدوها ولا تقلّدوها بالأوتار «9» » ) * «10» . 12- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:   (1) البخاري- الفتح 1 (30) . ومسلم (1661) . (2) تداين: تأخذ الدين وتقترض. (3) أحمد (6/ 72، 99، 131) . وقال في مجمع الزوائد: رواه كله أحمد والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح، إلا أن محمد بن علي بن الحسين لم يسمع من عائشة، وإسناد الطبراني متصل، إلا أن فيه سعيد بن الصلت عن هشام بن عروة (4/ 132) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (563) . (4) الترمذي (1655) وقال: هذا حديث حسن. والنسائي (6/ 61) وقال الألباني (2/ 677) : حسن، حديث (3017) . وابن ماجه (2518) . (5) النسائي، نسخة الألباني (3/ 856) برقم (3803) وقال: حسن صحيح. والنسائي (7/ 113) . (6) الحمالة: هي ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة. (7) القوام من العيش: أي ما يقوم بحاجة الإنسان الضرورية. (8) أحمد (5/ 60) وأصل الحديث في صحيح مسلم (1044) . (9) لا تقلدوها بالأوتار: الأوتار هي أوتار الأقواس، وهي شديدة على الخيل. (10) أحمد (3/ 352) وأصله في الصحيحين. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورواته ثقات، وكذا الطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1015 قلت يا رسول الله أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» . قال قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا» . قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق «1» » . قال قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك» ) *» . 13- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» فقالوا: يا نبيّ الله، فمن لم يجد؟ قال: «يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدّق» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشّرّ فإنّها له صدقة» ) * «3» . 14- * (عن ربيعة بن كعب الأسلميّ رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: «سل» . فقلت: أسألك مرافقتك في الجنّة. قال: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك. قال «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» ) * «4» . 15- * (عن سلمان- رضي الله عنه- قال: كنت رجلا فارسيّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جيّ وكان أبي دهقان «5» قريته وكنت أحبّ خلق الله إليه فلم يزل به حبّه إيّاي حتّى حبسني في بيته كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسيّة حتّى كنت قطن النّار «6» الّذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة قال وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال فشغل في بنيان له يوما فقال لي يا بنيّ إنّي قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطّلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النّصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلّون وكنت لا أدري ما أمر النّاس لحبس أبي إيّاي في بيته فلمّا مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون قال فلمّا رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الدّين الّذي نحن عليه فو الله ما تركتهم حتّى غربت الشّمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدّين قالوا بالشّام قال ثمّ رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كلّه قال فلمّا جئته قال أي بنيّ أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت قال قلت يا أبت مررت بناس يصلّون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فو الله ما زلت عندهم حتّى غربت الشّمس قال: أي بنيّ ليس في ذلك الدّين خير. دينك ودين آبائك خير منه، قال قلت: كلّا والله إنّه خير من ديننا. قال: فخافني فجعل في رجلي قيدا ثمّ حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النّصارى فقلت لهم إذا قدم   (1) الأخرق: الجاهل والأحمق، أي تعليمه صنعة يتكسب منها. (2) البخاري- الفتح 5 (2518) . ومسلم (84) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 3 (1445) . ومسلم (1008) . (4) مسلم (489) . (5) الدهقان: كلمة فارسية ومعناها التاجر. (6) قطن النار: أي خازنها وخادمها الذي يوقدها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1016 عليكم ركب من الشّام تجّار من النّصارى فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشّام تجّار من النّصارى، قال: فأخبروني بهم، قال: فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرّجعة إلى بلادهم فاذنوني بهم، قال: فلمّا أرادوا الرّجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثمّ خرجت معهم حتّى قدمت الشّام، فلمّا قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدّين؟ قالوا الأسقفّ في الكنيسة، قال: فجئته فقلت: إنّي قد رغبت في هذا الدّين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلّم منك وأصلّي معك. قال: فادخل فدخلت معه. قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصّدقة ويرغّبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتّى جمع سبع قلال من ذهب وورق. قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثمّ مات فاجتمعت إليه النّصارى ليدفنوه. فقلت لهم: إنّ هذا كان رجل سوء يأمركم بالصّدقة ويرغّبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا قالوا وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلّكم على كنزه قالوا فدلّنا عليه قال فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، قال: فلمّا رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا فصلبوه ثمّ رجموه بالحجارة ثمّ جاءوا برجل آخر فجعلوه بمكانه. قال يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلّي الخمس أرى أنّه أفضل منه، ولا أزهد في الدّنيا ولا أرغب في الاخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه، قال: فأحببته حبّا لم أحبّه من قبل وأقمت معه زمانا ثمّ حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إنّي كنت معك وأحببتك حبّا لم أحبّه من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك النّاس وبدّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلّا رجلا بالموصل وهو فلان فهو على ما كنت عليه فالحق به. قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب الموصل. فقلت له: يا فلان إنّ فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنّك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات، فلمّا حضرته الوفاة قلت له يا فلان إنّ فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللّحوق بك وقد حضرك من الله عزّ وجلّ ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنّا عليه إلّا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به. قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب نصيبين فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبه، قال: فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبه فأقمت مع خير رجل فو الله ما لبث أن نزل به الموت فلمّا حضر، قلت: له يا فلان إنّ فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثمّ أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلّا رجلا بعمّوريّة فإنّه بمثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته. قال: فإنّه على أمرنا. قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب عمّوريّة وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1017 وأمرهم. قال: واكتسبت حتّى كان لي بقرات وغنيمة. قال: ثمّ نزل به أمر الله فلمّا حضر، قلت له: يا فلان إنّي كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثمّ أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ والله ما أعلمه أصبح على ما كنّا عليه أحد من النّاس آمرك أن تأتيه ولكنّه قد أظلّك زمان نبيّ هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرّتين «1» بينهما نخل به علامات لا تخفى: يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة، بين كتفيه خاتم النّبوّة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثمّ مات وغيّب فمكثت بعمّوريّة ما شاء الله أن أمكث، ثمّ مرّ بي نفر من كلب تجّارا، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم فأعطيتهموها وحملوني حتّى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدا فكنت عنده، ورأيت النّخل ورجوت أن تكون البلد الّذي وصف لي صاحبي، ولم يحقّ لي في نفسي، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عمّ له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة، فو الله ما هو إلّا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث الله رسوله فأقام بمكّة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرّق، ثمّ هاجر إلى المدينة فو الله إنّي لفي رأس عذق «2» لسيّدي أعمل فيه بعض العمل وسيّدي جالس إذ أقبل ابن عمّ له حتّى وقف عليه فقال فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنّهم الان لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكّة اليوم يزعمون أنّه نبيّ. قال: فلمّا سمعتها أخذتني العرواء «3» حتّى ظننت سأسقط على سيّدي. قال: ونزلت عن النّخلة فجعلت أقول لابن عمّه ذلك: ماذا تقول ماذا تقول؟ قال: فغضب سيّدي فلكمني لكمة شديدة، ثمّ قال: مالك ولهذا أقبل على عملك، قال: قلت: لا شيء إنّما أردت أن أستثبت عمّا قال، وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلمّا أمسيت أخذته ثمّ ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بقباء، فدخلت عليه فقلت له إنّه قد بلغني أنّك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصّدقة، فرأيتكم أحقّ به من غيركم، قال: فقرّبته إليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «كلوا» وأمسك يده فلم يأكل. قال: فقلت في نفسي هذه واحدة ثمّ انصرفت عنه، فجمعت شيئا وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، ثمّ جئت به فقلت: إنّي رأيتك لا تأكل الصّدقة وهذه هديّة أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه. قال: فقلت في نفسي هاتان اثنتان، ثمّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ببقيع الغرقد «4» . قال: وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه،   (1) الحرّتان: مثنى حرّة، وهي أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كبيرة. (2) العذق: كل غصن له شعب، والعذق أيضا: النخلة عند أهل الحجاز. (3) العرواء: الرّعدة مثل الغلواء. (4) بقيع الغرقد: مقابر بالمدينة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1018 فسلّمت عليه، ثمّ استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الّذي وصف لي صاحبي فلمّا رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استدرته عرف أنّي أستثبت في شيء وصف لي. قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبّله وأبكي. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تحوّل» فتحوّلت فقصصت عليه حديثي كما حدّثتك يا ابن عبّاس. قال: فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يسمع ذلك أصحابه ثمّ شغل سلمان الرّقّ حتّى فاته مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدر وأحد. قال: ثمّ قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كاتب سلمان» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أجيبها له بالفقير وبأربعين أوقيّة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أعينوا أخاكم» فأعانوني بالنّخل الرّجل بثلاثين وديّة «1» ، والرّجل بعشرين، والرّجل بخمس عشرة، والرّجل بعشر. يعني: الرّجل بقدر ما عنده- حتّى اجتمعت لي ثلاثمائة وديّة، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اذهب يا سلمان ففقّر لها فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي» ففقرت لها «2» وأعانني أصحابي حتّى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معي إليها فجعلنا نقرّب له الودى ويضعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده فو الّذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها وديّة واحدة، فأدّيت النّخل، وبقي عليّ المال، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثل بيضة الدّجاجة من ذهب من بعض المغازي. فقال: «ما فعل الفارسيّ المكاتب؟» قال: فدعيت له، فقال: «خذ هذه فأدّ بها ما عليك يا سلمان» فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله ممّا عليّ؟ قال: «خذها فإنّ الله. عزّ وجلّ. سيؤدّي بها عنك» . قال: فأخذتها فوزنت لهم منها والّذي نفس سلمان بيده أربعين أوقيّة، فأوفيتهم حقّهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخندق ثمّ لم يفتني معه مشهد» ) * «3» . 16- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ (التوبة/ 34) قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أنزل في الذّهب والفضّة ما أنزل: لو علمنا أيّ المال خير فنتّخذه؟ فقال: «أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه» ) * «4» . 17- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابي فقال: يا نبيّ الله، علّمني عملا يدخلني الجنّة، قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «5» . أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» . قال: أو ليستا واحدا؟ قال: «لا، عتق النّسمة أن تعتق النّسمة،   (1) الوديّة: مفرد وديّ وهي صغار الفسيل. (2) فقر لها: احفر لها موضعا تغرس فيه. (3) أحمد (5/ 441- 444) . والبزار (3/ 268) حديث (2726) من حديث بريدة. وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد كله والطبراني بنحوه في الكبير بأسانيد وإسناد إحداها، رجالها رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع والرواية الثانية انفرد بها (9/ 332- 336) . (4) الترمذي (3094) وقال: هذا حديث حسن. واللفظ له. وابن ماجه (1856) . وأحمد (5/ 278) . (5) لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: أي لئن أوجزت الكلام فالمعنى كبير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1019 وفكّ الرّقبة أن تعين على الرّقبة، والمنيحة الرّغوب «1» ، والفيء على ذي الرّحم «2» ، فإن لم تطق ذلك فأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير» ) * «3» . 18- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ضحّى منكم فلا يصبحنّ بعد ثالثة وبقي في بيته منه شيء» فلمّا كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: «كلوا وأطعموا وادّخروا فإنّ ذلك العام كان بالنّاس جهد فأردت أن تعينوا فيها» ) * «4» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر عن معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والاخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والاخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «5» . 20- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ولّاه الله- عزّ وجلّ- من أمر المسلمين شيئا فأراد به خيرا جعل له وزير صدق، فإن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه» ) * «6» . 21- * (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الّذي هو خير وكفّر عن يمينك» ) * «7» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه» ) * «8» .   (1) المنيحة الرغوب: المعارة للبن خاصة. (2) الفيء على ذي الرحم: العطف عليه، والرجوع إليه بالبر. (3) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 151) . وقال مخرجه العلامة محب الدين الخطيب: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الشعب ورجاله ثقات. وذكره في مجمع الزوائد وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات (4/ 40) . (4) البخاري- الفتح 10 (5569) . ومسلم (1974) . (5) مسلم (2699) . (6) النسائي (7/ 159) وقال الألباني عنه: صحيح (صحيح النسائي (3/ 881) . وأبو داود (2932) بأطول منه. وأحمد (6/ 70) واللفظ له. وقال مخرج جامع الأصول: إسناده صحيح (4/ 73) . (7) البخاري- الفتح 13 (7147) . ومسلم (1652) . (8) أبو داود (4918) . وقال الألباني: حسن (3/ 929) . وقال الأرناؤوط في جامع الأصول: حسن (6/ 563) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1020 الأحاديث الواردة في (التعاون على البر والتقوى) معنى 23- * (عن أنس بن مالك رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» . قال: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟. قال: «تأخذ فوق يديه» ) * «1» . 24- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «2» في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة. فهم منّي وأنا منهم» ) * «3» . 25- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أيّ النّاس أحبّ إلى الله تعالى؟ وأيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ النّاس إلى الله تعالى أنفعهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد» - يعني مسجد المدينة- شهرا، «ومن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتّى يتهيّأ له أثبت الله قدمه يوم تزول قدمه» ) * «4» . 26- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من النّاس مفاتيح للخير مغاليق للشّرّ، وإنّ من النّاس مفاتيح للشّرّ مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشّرّ على يديه» ) * «5» . 27- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا أتاه السّائل أو صاحب الحاجة، قال: «اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان رسوله ما شاء» ) * «6» . 28- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: إنّه طلب غريما له فتوارى عنه ثمّ وجده، فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجّيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر أو يضع عنه» ) * «7» . 29- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله   (1) البخاري- الفتح 5 (2444) كما في التحفة. (2) أرملوا: أي فني طعامهم. (3) البخاري- الفتح 5 (2486) . ومسلم (2500) واللفظ له. (4) الطبراني في الكبير (12/ 453) . وذكره الشيخ ناصر الدّين الألباني في الصحيحة (2/ 608، 609) وعزاه كذلك لابن عساكر في التاريخ وقال: هذا إسناد ضعيف جدا، ثم قال لكن رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وأبو إسحاق المزكي في الفوائد المنتخبة وابن عساكر بأسانيد وهذا إسناد حسن، وراجع صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 97) برقم (176) . (5) ابن ماجه (237) . والسنة لابن أبي عاصم (1/ 128) برقم (299) وقال مخرجه: حسن وعزاه للطيالسي في مسنده (2082) والخرائطي في المكارم ص 59. (6) البخاري- الفتح 10 (6028) . ومسلم (2627) . (7) مسلم (1563) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1021 عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتي الله بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء/ 42) قال: يا ربّ، آتيتني مالك فكنت أبايع النّاس وكان من خلقي الجواز «1» ، فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله: أنا أحقّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي» ) * «2» . 30- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع ونهانا عن سبع. فذكر عيادة المريض واتّباع الجنائز وتشميت العاطس وردّ السّلام، ونصر المظلوم وإجابة الدّاعي وإبرار القسم) * «3» . 31- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثا قبل السّاحل وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجرّاح وهم ثلاثمائة فخرجنا وكنّا ببعض الطّريق فني الزّاد فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكان مزودي تمر، فكان يقوتنا كلّ يوم قليلا قليلا حتّى فني فلم يكن يصيبنا إلّا تمرة تمرة، فقلت ما تغني عنكم تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت. ثمّ انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظّرب» ، فأكل منه القوم ثماني عشرة ليلة. ثمّ أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثمّ أمر براحلة فرحلت ثمّ مرّت تحتهما فلم تصبهما» . وفي رواية مسلم: «فلمّا قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرنا ذلك له فقال: «هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟» فأرسلنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه فأكله) * «5» . 32- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» فذكر من أصناف المال ما ذكر حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل) * «6» . 33- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: خفّت أزواد القوم وأملقوا «7» ، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نحر إبلهم فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه، فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل عمر على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ناد في النّاس يأتون بفضل أزوادهم» ، فدعا وبرّك عليه، ثمّ دعاهم بأوعيتهم فاحتثى النّاس حتّى فرغوا، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله» ) * «8» .   (1) الجواز: التسامح والتساهل. (2) البخاري- الفتح 6 (3451) . مسلم (1560) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 5 (2445) . ومسلم (2066) . (4) الظّرب: الجبل الصغير. (5) البخاري- الفتح 5 (4360) . ومسلم (1935) بلفظ آخر. (6) مسلم (1728) . (7) أملقوا: أي افتقروا. (8) البخاري- الفتح 6 (2982) واللفظ له. ومسلم (27) من حديث أبي هريرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1022 34- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: صارت صفيّة لدحية في مقسمه، وجعلوا يمدحونها عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ويقولون: ما رأينا في السّبى مثلها. قال: فبعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد، ثمّ دفعها إلى أمّي فقال: «أصلحيها» قال: ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر حتّى إذا جعلها في ظهره نزل، ثمّ ضرب عليها القبّة، فلمّا أصبح قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان عنده فضل زاد فليأتنا به» قال فجعل الرّجل يجيء بفضل التّمر وفضل السّويق حتّى جعلوا من ذلك سوادا حيسا «1» ، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض «2» إلى جنبهم من ماء السّماء، قال: فقال أنس: فكانت تلك وليمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليها، قال: فانطلقنا حتّى إذا رأينا جدر المدينة هششنا إليها فرفعنا مطيّنا ورفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مطيّته قال: وصفيّة خلفه قد أردفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فعثرت مطيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصرع وصرعت «3» قال: فليس أحد من النّاس ينظر إليه ولا إليها، حتّى قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسترها، قال: فأتيناه فقال: «لم نضر» قال فدخلنا المدينة، فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها) * «4» . 35- * (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كنّا نداوي الكلمى «5» ، ونقوم على المرضى فسألت أختي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: «تلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين» ) * «6» . 36- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا ثمّ شبّك بين أصابعه» ) * «7» . 37- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» ) * «8» . 38- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «9» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أقال مسلما «10» أقال   (1) سوادا حيسا الحيس: الخلط، وقيل الأقط يخلط بالتمر والسمن. (2) الحياض: الماء السائل. (3) فصرع وصرعت: أي وقع ووقعت. (4) مسلم (1365) ص 1047 من مسلم. (5) الكلمى: الجرحى. (6) البخاري- الفتح 1 (324) واللفظ له. ومسلم (890) . (7) البخاري- الفتح 10 (6026) . ومسلم (2585) . (8) البخاري- الفتح 10 (6011) . ومسلم (2586) . (9) البخاري- الفتح 5 (2442) . ومسلم (2580) . (10) أقال مسلما: أي رفعه من عثرته وفرّج كربه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1023 الله عثرته» ) * «1» . 40- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جهّز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا» ) * «2» . 41- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النّار ثلاث خنادق كلّ خندق أبعد ممّا بين الخافقين «3» » ) * «4» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ» ) * «5» . 43- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه» ) * «6» . 44- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يابن آدم إنّك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شرّ لك، ولا تلام على كفاف «7» ، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «8» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التعاون على البر والتقوى) 45- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة» ) * «9» . 46- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينقل التّراب يوم الخندق حتّى أغمر بطنه أو اغبرّ بطنه يقول: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا   (1) أبو داود (3460) . وأحمد (2/ 252) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (13/ 168) حديث (7425) . والحاكم (2/ 45) وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) البخاري- الفتح 6 (2843) . ومسلم (1895) . (3) الخافقان: المشرق والمغرب، وقيل: هما طرفا السماء والأرض. (4) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 391) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والحاكم وقال: صحيح الإسناد. (5) البخاري- الفتح 5 (2354) . (6) الطبراني في الكبير (5/ 118) . وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (407) برقم 1618 وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد.. وذكره المنذري في الترغيب وقال: رواه الطبراني ورواته ثقات: (3/ 392) برقم (11) وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات (8/ 193) . (7) الكفاف: هو ما كفّ عن الناس أي أغنى، وقيل هو الذي لا يفضل عن الشيء، ويكون بقدر الحاجة إليه. (8) مسلم (1036) . (9) البخاري- الفتح 10 (6039) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1024 إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ويرفع بها صوته: أبينا أبينا» ) * «1» . 47- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه كان يخطب فقال: «إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التعاون على البر والتقوى) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «عليك بإخوان الصّدق فعش في أكنافهم فإنّهم زين في الرّخاء وعدّة في البلاء» ) * «3» . 2- * (وقال أيضا: «آخ الإخوان على قدر التّقوى، ولا تجعل حديثك بذلة إلّا عند من يشتهيه، ولا تضع حاجتك إلّا عند من يحبّ قضاءها، ولا تغبط الأحياء إلّا بما تغبط الأموات، وشاور في أمرك الّذين يخشون الله عزّ وجلّ» ) * «4» . 3- * (قال عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- «آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بيني وبين سعد بن الرّبيع، فقال لي سعد: إنّي أكثر الأنصار مالا، فأقاسمك مالي شطرين، ولي امرأتان، فانظر أيّتهما شئت حتّى أنزل لك عنها، فإذا حلّت تزوّجتها، فقلت: لا حاجة لي في ذلك، دلّوني على السّوق، فدلّوني على سوق بني قينقاع، فما رحت حتّى استفضلت أقطا وسمنا» ) * ... الحديث «5» . 4- * (قال المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه-: «التّارك للإخوان متروك» ) * «6» . 5- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنه- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا فقال: يا بنيّ، بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعباد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا   (1) البخاري- الفتح 7 (4104) . ومسلم (1803) . (2) مسند أحمد، ط. شاكر (1/ 378) وقال: حسن. (3) الإخوان لابن أبي الدنيا (116) . وإحياء علوم الدين (2/ 171) . (4) الإخوان لابن أبي الدنيا (126) . والحلية (1/ 55) بعضه. (5) البخاري- الفتح 4 (2048) . واللفظ من جامع الأصول (6/ 567/ 568) . (6) أدب الدنيا والدين (211) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1025 ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- قال عبد الله بن الزّبير فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف قال: فلقي حكيم ابن حزام عبد الله بن الزّبير فقال: يا ابن أخي: كم على أخي من الدّين؟ فكتمه فقال مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف «1» . ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر- وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم. فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة. قال عبد الله: لك من ههنا إلى ههنا. قال فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو ابن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة- فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف. قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر ابن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه، قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم. فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف) * «2» . 6- * (قال عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى-: «تفقّدوا إخوانكم بعد ثلاث فإن كانوا مرضى فعودوهم أو مشاغيل فأعينوهم أو كانوا نسوا فذكّروهم» ) *» . 7- * (قال أبو جعفر بن صهبان- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: أوّل المودّة طلاقة الوجه، والثّانية التّودّد، والثّالثة قضاء حوائج النّاس» ) * «4» . 8- * (قال داود الطّائيّ لرجل طلب منه الوصيّة: «اصحب أهل التّقوى، فإنّهم أيسر أهل   (1) ضبطت مائة فى الأصل بفتح الميم وهو خطأ والصواب الكسر. (2) البخاري- الفتح 6 (3129) . (3) إحياء علوم الدين (2/ 176) . (4) الإخوان لابن أبي الدنيا (194) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1026 الدّنيا عليك مئونة، وأكثرهم لك معونة» ) * «1» . 9- * (قال أبو حمزة الشّيبانيّ- رحمه الله تعالى- لمن سأله عن الإخوان في الله من هم؟ قال: «هم العاملون بطاعة الله- عزّ وجلّ- المتعاونون على أمر الله- عزّ وجلّ- وإن تفرّقت دورهم وأبدانهم» ) * «2» . 10- * (قال ابن المعتزّ- رحمه الله تعالى-: «من اتّخذ إخوانا كانوا له أعوانا» ) * «3» . 11- * (قال بعض الحكماء: «من جاد لك بمودّته، فقد جعلك عديل نفسه، فأوّل حقوقه اعتقاد مودّته، ثمّ إيناسه بالانبساط إليه في غير محرّم، ثمّ نصحه في السّرّ والعلانية، ثمّ تخفيف الأثقال عنه، ثمّ معاونته فيما ينوبه من حادثة، أو يناله من نكبة، فإنّ مراقبته في الظّاهر نفاق، وتركه في الشّدّة لؤم» ) * «4» . 12- * (قال بعض الشّعراء: هموم رجال في أمور كثيرة ... وهمّي من الدّنيا صديق مساعد نكون كروح بين جسمين قسّمت ... فجسماهما جسمان والرّوح واحد) * «5» . 13- * (وقال بعض البلغاء: «صديق مساعد، عضد وساعد» ) * «6» . من فوائد (التعاون على البر والتقوى) (1) إمكان إنجاز الأعمال الكبيرة الّتي لا يقدر عليها الأفراد. (2) شعور الفرد بالقوّة ونزع شعور العجز من نفسه. (3) دليل حبّ الخير للاخرين. (4) مواجهة الأخطار المحدقة بالإنسان ممّن حوله من الإنسان والحيوان. (5) ثمرة من ثمرات الإيمان فضلا عن كونه حاجة ملحّة للإنسان. (6) أساس التّقدّم والإنتاج والنّجاح والتّفوّق. (7) من ثمرات الأخوّة الإسلاميّة. (8) الشّعور بالمساواة في الإنسانيّة يدفع إليه ويحضّ عليه. (9) ينزع الحقد من القلوب الضّعيفة ويزيل أسباب الحسد. (10) طريق موصّل إلى محبّة الله ورضاه وجنّته. (11) سبب من أهمّ أسباب الألفة والمحبّة بين النّاس. (12) يحقّق سنّة الله في خلقه ويوافق طبيعة الأشياء وفي هذا يقول الشّاعر: النّاس للنّاس من بدو وحاضرة ... بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم   (1) الإخوان لابن أبي الدنيا (124) . والحلية (7/ 346) . (2) الإخوان لابن أبي الدنيا (126- 127) . (3) أدب الدنيا والدين (200) . (4) أدب الدنيا والدين (216) . (5) المصدر السابق (200) . (6) الموضع السابق نفسه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1027 تعظيم الحرمات / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ / 12/ 41/ 25/ تعظيم الحرمات: تتكوّن صفة تعظيم الحرمات من لفظين هما: التّعظيم والحرمات وسنعرض أوّلا للمعنى اللّغويّ لكلّ منهما ثمّ نذكر المعنى الاصطلاحيّ لتعظيم الحرمات. التعظيم لغة: التّعظيم في اللّغة مصدر عظّم يقال عظّم فلان الأمر تعظيما بمعنى فخّمه وبجّله، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ع ظ م) الّتي تدور حول معنى الكبر والقوّة كما يقول ابن فارس «1» ، وأصل ذلك العظم خلاف اللّحم يقول الرّاغب «2» وعظم الشّيء أصله كبر عظمه، ثمّ استعير لكلّ كبير فأجري مجراه محسوسا كان أو معقولا عينا كان أو معنى. «والعظيم» إذا استعمل في الأعيان فأصله أن يقال في الأجزاء المتّصلة و «الكثير» يقال في الأجزاء المنفصلة، ثمّ قد يستعمل العظيم أيضا في الأشياء المنفصلة الأجزاء نحو: جيش عظيم ومال عظيم، وذلك في معنى الكثير، ويقول الجوهريّ: عظم الشّيء عظما كبر فهو عظيم، وعظم الشّيء أكثره ومعظمه ويقال: أعظم الأمر وعظّمه أي فخّمه والتّعظيم: التّبجيل، واستعظمه عدّه عظيما واستعظم وتعظّم، تكبّر، والاسم العظم، وتقول أصابنا مطر لا يتعاظمه شيء أي لا يعظم عنده شيء، والعظيمة والمعظّمة: النّازلة الشّديدة، والإعظامة والعظامة (شيء) كالوسادة تعظّم به المرأة عجيزتها. والعظمة الكبرياء، وعظمة الذّراع أيضا لمستغلظها، والعظم واحد العظام، وعظم الرّحل خشبة بلا أنساع ولا أداة «3» ، والعظم خلاف الصّغر يقال منه عظم الشّيء يعظم عظما وعظامة: كبر، وعظّم الشّيء كبّره. والعظيم من صفات المولى- عزّ وجلّ- ويسبّح العبد ربّه فيقول سبحان ربّي العظيم، العظيم هنا الّذي جاوز قدره وجلّ عن حدود العقول حتّى لا تتصوّر الإحاطة بكنهه وحقيقته. والعظم في صفات الأجسام كبر الطّول والعرض والعمق، والله تعالى جلّ عن ذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ، أي اجعلوه في أنفسكم ذا عظمة. وعظمة الله سبحانه. لا تكيّف ولا تحدّ ولا تمثّل بشيء، ويجب على العباد أن يعلموا أنّه عظيم كما وصف نفسه وفوق ذلك بلا كيفيّة ولا تحديد «4» وعظمات القوم: سادتهم وذوو شرفهم، وعظم الشّيء ومعظمه جلّه وأكثره، وعظم   (1) المقاييس (4/ 355) . (2) المفردات (339) بتصرف يسير. (3) الصحاح (5/ 1987) وما بعدها. (4) اللسان (3004) وما بعدها. ط. دار المعارف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1028 الصّلاة الفريضة كما جاء في حديث (لا يقوم فيها إلّا إلى عظم صلاة) قال ابن منظور: كأنّه أراد لا يقوم إلّا إلى الفريضة «1» . الحرمات لغة: الحرمات في اللّغة جمع حرمة «2» وهي ما لا يحلّ انتهاكه وهي مأخوذة من مادّة (ح ر م) الّتي تدور حول معنى «المنع والتّشديد» ، يقال: الحرام: ضدّ الحلال، والحريم: حريم البئر وهو ما حولها، يحرّم على غير صاحبها أن يحفر فيه، والحرمان مكّة والمدينة، سمّيا بذلك لحرمتهما وأنّه حرّم أن يحدث فيهما أو يؤوى محدث، ويقال: أحرم الرّجل بالحجّ؛ لأنّه يحرّم عليه ما كان حلالا له من الصّيد والنّساء وغير ذلك، وأحرم الرّجل دخل في الشّهر الحرام قال الشّاعر: قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما ... فمضى ولم أر مثله مقتولا ويقال أيضا المحرم الّذي له ذمّة، والحريم: الّذي حرّم مسّه فلا يدنى منه، ويقال بين القوم حرمة ومحرمة (بفتح الراء وضمها) وذلك مشتقّ من أنّه حرام إضاعته وترك حفظه «3» . وقال الرّاغب: الحرام: الممنوع منه إمّا بتسخير إلهيّ كما في قوله تعالى: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ (القصص/ 12) ، وإمّا بمنع قهريّ كما في قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ (المائدة/ 72) وإمّا بمنع من الشّرع كما في قوله سبحانه: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ (الأنعام/ 145) «4» . وقال في الصّحاح: الحرم بالضّمّ الإحرام، قالت عائشة- رضي الله عنها-: «كنت أطيّبه صلّى الله عليه وسلّم لحلّه وحرمه» ، أى عند إحرامه، وحرمة الرّجل: حرمه وأهله، ورجل حرام أي محرم ومن الشّهور أربعة حرم وهي ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب، والحرمة بالكسر: الغلمة، والحرمة أيضا الحرمان، والحرمي المنسوب إلى الحرم، وعن الأصمعيّ يقال: إنّ لي محرمات (بضم الراء وفتحها) فلا تهتكها، والمحرّم أوّل الشّهور (الهجرية) وأحرم الرّجل إذا دخل في حرمة لا تهتك قال زهير: وكم بالقنان من محلّ ومحرم وقوله تعالى: لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ* قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- هو المحارف «5» (أي الّذي لم   (1) اللسان (ط. دار المعارف) (ص 3006) . (2) جاء في تفسير التحرير والتنوير (17/ 252) أن الحرمات جمع حرمة بضمتين، وذكر أن معناها (ما يجب احترامه) وأن الاحترام هو: اعتبار الشيء ذا حرم وذلك كناية عن عدم الدخول فيه أي عدم انتهاكه بمخالفة أمر الله في شأنه. (3) انظر في ذلك مقاييس اللغة (2/ 45) . (4) مفردات الراغب (ص 114) وقد ذكر الراغب نوعين آخرين ولم يمثل لهما هما: الممنوع منه بحكم العقل أو الممنوع منه من جهة من ترتسم أمره. (5) الصحاح (5/ 1898) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1029 يوسّع له في رزقه) ، ويقال: أحرمت عن الشّيء، إذا أمسكت عنه، وذكر الزّجّاجيّ عن اليزيديّ أنّه قال: سألت عمّي عن قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (كلّ مسلم عن مسلم محرم) قال المحرم: الممسك، ومعناه أنّ المسلم ممسك عن مال المسلم وعرضه «1» . وعليه؛ فالحرمات جمع حرمة، وهي ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص، والأزمنة والأماكن، وتعظيمها: توفيتها حقّها وحفظها عن الإضاعة «2» . الحرمات اصطلاحا: يراد بالحرمة اصطلاحا: الحكم بطلب ترك فعل ينتهض فعله سببا للعقاب، وهي بذلك ترادف التّحريم أمّا الفعل الّذي وقع عليه في ذلك فيسمّى حراما ومحظورا «3» . أمّا حرمات الله ففيها أقوال منها: 1- المراد بها في قول مجاهد: مكّة، والحجّ، والعمرة، وما نهى الله عنه من معاصيه كلّها. 2- وعن زيد بن أسلم أنّ الحرمات المرادة هنا خمس هي: الكعبة الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام (مكّة المكرمة) ، والشّهر الحرام، والمحرم حتّى يحلّ. 3- وقال ابن عاشور: حرمات الله تشمل كلّ ما أوصى الله بتعظيم أمره فتشمل مناسك الحجّ كلّها. تعظيم الحرمات اصطلاحا: ورد في تعظيم الحرمات أقوال عديدة أهمّها: 1- قال الطّبريّ ما خلاصته: تعظيم الحرمات يعني اجتناب المرء ما أمر الله باجتنابه في حال إحرامه تعظيما منه لحدود الله أن يواقعها وحرمه أن يستحلّها. 2- وقال النّيسابوريّ: تعظيم الحرمات: العلم بوجوبها والقيام بحقوقها. 3- وقال الزّمخشريّ: تعظيم الحرمات: العلم بأنّها واجبة المراعاة والحفظ، والقيام بمراعاتها. 4- وقال القرطبيّ: الحرمات المقصودة هنا (في الاية الكريمة) هي أفعال الحجّ ويدخل في ذلك تعظيم المواضع «4» . درجات تعظيم الحرمات: ويأتي تعظيم الحرمات على درجات ثلاث: الدّرجة الأولى: تعظيم الأمر والنّهي، بحيث لا يعارضا بترخّص جاف، ولا يعارضا بتشدّد غال، ولا يحمل الأمر والنّهي على علّة توهن الانقياد لهما. وهناك   (1) لسان العرب (ص 847) ، ط. دار المعارف. (2) مدارج السالكين (2/ 77) . (3) انظر في هذا التعريف وشرحه، كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (2/ 129 وما بعدها) . (4) انظر في هذه الأقوال المراجع الاتية: تفسير ابن كثير (3/ 19) 2، وتفسير الطبري (جامع البيان) ج 17 ص 111، 112، تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور 17/ 252، وغريب القرآن للنيسابوري (بهامش الطبري) 17/ 75، والكشاف للزمخشري (3/ 11، 12) ، وتفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ج 12/ 54. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1030 أمور تنافي تعظيم الأمر والنّهي: أحدها: التّرخّص الّذي يمنع صاحبه عن كمال الامتثال. الثّاني: الغلوّ الّذي يتجاوز بصاحبه حدود الأمر والنّهي. الأوّل: تفريط، والثّاني: إفراط. ومن الأمور الّتي تؤدّي إلى عدم تعظيم الأمر والنّهي: تأويل الأمر والنّهي بعلّة تعود عليهما بالإبطال، كما تأوّل بعضهم تحريم الخمر بأنّه معلّل بإيقاع العداوة والبغضاء، والتّعرّض للفساد، فإذا أمن من هذا المحذور منه جاز شربه. الدّرجة الثّانية: «تعظيم الحكم أن يبغى له عوج، أو يدافع بعلم، أو يرضى بعوض» . ومعنى هذا تعظيم الحكم الكونيّ القدريّ بألّا يطلب له عوجا أو يرى فيه عوجا؛ بل يراه كلّه مستقيما، لأنّه صادر عن عين الحكمة، فلا عوج فيه. ومن كمال التّعظيم أن لا يرضى العبد بعوض يطلبه بعمله وإن طلب ثواب الله وجزاء عمله. الدّرجة الثّالثة: «تعظيم الحقّ سبحانه، وهو أن لا يجعل دونه سببا، ولا يرى عليه حقّا، أو ينازع له اختيارا» . وهذه الدّرجة تتضمّن تعظيم الحاكم سبحانه، صاحب الخلق والأمر والّتي قبلها تتضمّن تعظيم قضائه لا مقضيّه، والأولى تتضمّن تعظيم أمره. وفي هذه الدّرجة يتيقّن المسلم من أنّ الّذي يوصّله إلى الله هو الله، ولا يتوصّل إلى رضاه إلّا به، ما دلّ على الله إلّا الله، ولا هدى إليه سواه. ولا يرى لأحد من الخلق حقّا على الله، بل الحقّ لله على خلقه. فالحقّ في الحقيقة لله على عبده، وحقّ العبد هو ما اقتضاه جوده وبرّه وإحسانه إليه بمحض جوده وكرمه. ويعني هذا أن لّا ينازع المسلم اختيار الله بل يرضى بما اختاره له؛ فإنّ ذلك من تعظيم الله ومن تعظيم حرمات الله «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التقوى الصلاة- الطاعة- الزكاة- الصوم- الحج والعمرة- العبادة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: انتهاك الحرمات ترك الصلاة- العصيان- التفريط والإفراط- الفسوق- الفجور- الفساد] .   (1) مدارج السالكين (2/ 516- 523) بتصرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1031 الآيات الواردة في «تعظيم الحرمات» 1- وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) «1» الآيات الواردة في «تعظيم الحرمات» معنى 2- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «2» 3- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) «3» 4- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) «4»   (1) الحج: 26- 33 مدنية (2) البقرة: 187 مدنية (3) البقرة: 191 مدنية (4) البقرة: 229 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1032 5- وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) «1» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «2» 7- جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) «3» 8- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «4» 9- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «5» 10- التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «6» 11- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) » 12- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) «8»   (1) النساء: 14 مدنية (2) المائدة: 1- 2 مدنية (3) المائدة: 97 مدنية (4) التوبة: 5 مدنية (5) التوبة: 36 مدنية (6) التوبة: 112 مدنية (7) الحج: 34- 36 مدنية (8) الطلاق: 1 مدنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1033 الأحاديث الواردة في (تعظيم الحرمات) 1- * (عن أبي شريح العدويّ- رضي الله عنه- أنّه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكّة: ائذن لي أيّها الأمير أحدّثك قولا قام به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للغد من يوم الفتح فسمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلّم به أنّه حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد «1» بها شجرة. فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقولوا له: إنّ الله أذن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلّغ الشّاهد الغائب» ) * «2» . 2- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّعمان بن قوقل فقال: يا رسول الله أرأيت إذا صلّيت المكتوبة. وحرّمت الحرام وأحللت الحلال أأدخل الجنّة؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» ) * «3» . 3- * (عن عبد الله بن قرط- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعظم الأيّام عند الله تبارك وتعالى يوم النّحر، ثمّ يوم القرّ «4» » وقرّب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدنات خمس أو ستّ، فطفقن يزدلفن إليه بأيّتهنّ يبدأ، فلمّا وجبت جنوبها قال: «من شاء اقتطع» ) * «5» . 4- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع: «ألا أيّ شهر تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا ألا شهرنا هذا. قال: ألا أيّ بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا بلدنا هذا. قال: ألا أيّ يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا. قال: فإنّ الله- تبارك وتعالى- قد حرّم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلّا بحقّها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. ألا هل بلّغت (ثلاثا؟ كلّ ذلك يجيبونه: ألا نعم) قال: «ويحكم أو ويلكم لا ترجعنّ بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ) * «6» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يحرّم حرمة إلّا وقد علم أنّه سيطّلعها منكم مطّلع «7» ألا وإنّي آخذ بحجزكم «8» أن تهافتوا في النّار كتهافت الفراش أو الذّباب» ) * «9» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حرّم ما بين لابتي المدينة «10» على لساني» . قال: وأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بني حارثة فقال:   (1) يعضد: يقطع. (2) البخاري- الفتح 4 (1832) واللفظ له. ومسلم (1354) . (3) مسلم (15) . (4) يوم القر: هو أول أيام التشريق (وهو الحادي عشر من ذي الحجة) . (5) أبو داود (1765) وقال الألباني: صحيح (1/ 331) . وقال محقق «جامع الأصول» (3/ 355) : إسناده قوي. (6) البخاري- الفتح 12 (6785) واللفظ له. ومسلم (65) مختصر. (7) سيطّلعها منكم مطّلع: أي سيرتكبها بعضكم. (8) بحجزكم: أصل الحجزة موضع شد الإزار ثم قيل للإزار حجزة للمجاورة، واستعير للتمسك بالشيء والتعلق به. (9) أحمد (1/ 390) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 63) رقم (3704) . (10) لابتي المدينة: مثنّى لابة وهي الحرة السوداء الحجارة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1034 «أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم. ثمّ التفت فقال: بل أنتم فيه» ) * «1» . 7- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس. فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ألا وإنّ حمى الله في أرضه محارمه ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «2» . 8- * (عن أبي مالك عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قال لا إله إلّا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله» ) * «3» . 9- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدّنيا» ) * «4» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث. من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين» ) * «5» . 11- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح عنه فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد؟ فو الله لأنا أغير منه والله أغير منّي من أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا شخص أغير من الله. ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشّرين ومنذرين ولا شخص أحبّ إليه المدحة من الله. من أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «6» . 12- * (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- أنّها قالت: لمّا توفّي ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (إبراهيم) بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له المعزّي (إمّا أبو بكر وإمّا عمر) أنت أحقّ من عظّم الله حقّه؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرّبّ. لولا أنّه وعد صادق وموعود جامع، وأنّ الاخر تابع للأوّل لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل ممّا وجدنا. وإنّا بك لمحزونون» ) * «7» . 13- * (عن عروة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: لمّا سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح، فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) البخاري- الفتح 4 (1869) واللفظ له. ومسلم (1372) . (2) البخاري- الفتح 1 (52) . مسلم (1599) واللفظ له. (3) مسلم (23) . (4) النسائي (7/ 83) عن عبد الله بن عمرو. وقال مخرج جامع الأصول: هو حديث حسن (10/ 208) . (5) البخاري- الفتح 4 (1867) واللفظ له. ومسلم (1367) . (6) البخاري- الفتح 13 (7416) . ومسلم (1499) واللفظ له. (7) ابن ماجة (1589) وقال في الزوائد: إسناده حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1035 فأقبلوا يسيرون حتّى أتوا مرّ الظّهران «1» فإذا هم بنيران كأنّها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنّها نيران عرفة. فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو فقال أبو سفيان: عمرو أقلّ من ذلك. فرآهم ناس من حرس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم أبو سفيان، فلمّا سار قال للعبّاس: «احبس أبا سفيان عند خطم الجبل «2» حتّى ينظر إلى المسلمين» فحبسه العبّاس، فجعلت القبائل تمرّ مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كتيبة كتيبة على أبي سفيان فمرّت كتيبة فقال: يا عبّاس من هذه؟ فقال: هذه غفار. قال: مالي ولغفار. ثمّ مرّت جهينة، قال: مثل ذلك، ثمّ مرّت سعد بن هذيم. فقال: مثل ذلك، ومرّت سليم، فقال: مثل ذلك. حتّى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، قال: من هذه؟، قال: هؤلاء الأنصار، عليهم سعد بن عبادة معه الرّاية، فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحلّ الكعبة. فقال أبو سفيان: يا عبّاس حبّذا يوم الذّمار «3» ثمّ جاءت كتيبة وهي أقلّ الكتائب فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وراية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع الزّبير بن العوّام، فلمّا مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأبي سفيان. قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: «ما قال؟» قال: كذا وكذا، فقال: «كذب سعد «4» ولكن هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة» ) * «5» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» فقال أبو هريرة: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «6» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام أعظم عند الله ولا أحبّ إلى الله العمل فيهنّ من أيّام العشر فأكثروا فيهنّ التّسبيح والتّحميد والتّهليل والتّكبير» ) * «7» . 16- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال المؤمن معنقا «8» صالحا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلّح «9» » ) * «10» .   (1) مر الظهران: موضع من منازل مكة، وقيل هو واد بين مكة وعسفان. (2) خطم الجبل: أي رعن الجبل وهو الأنف العظيم منه تراه متقدما عليه. (3) يوم الذمار: أي يوم الحرب. (4) وقوله كذب سعد: يعني أخطأ فيما قال. (5) البخاري- الفتح 7 (4280) . (6) الترمذي (2305) . وابن ماجة (4217) . وقال في الزوائد: هذا إسناد حسن. وأحمد (2/ 310) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 687) : وأخرجه البيهقي في الشعب وهو حديث حسن. (7) ذكره الدمياطي في المتجر الرابح وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد، والبيهقي بإسناد لا بأس به نحوه (306) . السنن الكبرى (4/ 471) . ونحوه عند البخاري- الفتح (2/ 457) / (969) . (8) معنقا: أي مسرعا إلى الخير. (9) بلّح: يعني انقطع. (10) أبو داود (4270) وقال الألباني: صحيح (3/ 805) . والحاكم (4/ 351) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 24) / 511 وعزاه لابن حبان وابن عساكر. ومعنى الحديث: أن المؤمن لا يزال مسرعا في طاعته منبسطا في عمله، وقيل المراد يوم القيامة (النهاية: 3/ 310) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1036 الأحاديث الواردة في (تعظيم الحرمات) معنى 17- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله. ويقيموا الصّلاة. ويؤتوا الزّكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله» ) * «1» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلّا المسجد الحرام» ) * «2» . 19- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عرضت عليّ أعمال أمّتي، حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق. ووجدت في مساوي أعمالها النّخاعة «3» تكون في المسجد لا تدفن» ) *» . 20- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من بلد إلّا سيطؤه الدّجّال، إلّا مكّة والمدينة، ليس له من نقابها «5» نقب إلّا عليه الملائكة صافّين يحرسونها. ثمّ ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات. فيخرج الله كلّ كافر ومنافق» ) * «6» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على النّاس فقال: «ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربّه فيتنخّع أمامه؟ أيحبّ أحدكم أن يستقبل فيتنخّع في وجهه؟ فإذا تنخّع أحدكم فليتنخّع عن يساره تحت قدمه. فإن لم يجد فليقل هكذا» يعني تفل في ثوبه ثمّ مسح بعضه على بعض) * «7» . 22- * (عن عبد الله بن زيد المازنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة» ) * «8» . 23- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النّار من يوم عرفة. وإنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟» ) * «9» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمّه» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 1 (25) . ومسلم (22) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 3 (1190) . مسلم (1394) واللفظ له. (3) النخاعة ما يخرجه الإنسان من حلقه، وقيل هي النخامة وهي ما يخرج من الخيشوم. (4) مسلم (553) . (5) نقابها: أي طرقاتها ومداخلها. (6) البخاري- الفتح 4 (1881) . ولمسلم نحوه من حديث أبي هريرة (1380) . (7) البخاري- الفتح 1 (408) . ومسلم (550) واللفظ له من حديث ابن عمر وأبي سعيد وأنس وعائشة رضي الله عنهم. (8) البخاري- الفتح 3 (1195) . ومسلم (1390) . (9) مسلم (1348) . (10) البخاري- الفتح 4 (1819) . ومسلم (1350) واللفظ له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1037 25- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن أكل البصل والكرّاث. فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: «من أكل من هذه الشّجرة المنتنة فلا يقربنّ مسجدنا. فإنّ الملائكة تأذّى ممّا يتأذّى منه الإنس» ) * «1» . 26- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حمل علينا السّلاح فليس منّا» ) * «2» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سمع رجلا ينشد ضالّة في المسجد فليقل: لا ردّها الله عليك؛ فإنّ المساجد لم تبن لهذا» ) * «3» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى» ) * «4» . 29- * (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار. فقاتلني فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها. ثمّ لاذ منّي بشجرة، فقال: أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» . قال: فقلت: يا رسول الله إنّه قد قطع يدي. ثمّ قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «5» . 30- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله إلّا بإحدى ثلاث: النّفس بالنّفس، والثّيّب الزّاني والمفارق لدينه التّارك للجماعة» ) * «6» . 31- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لأحدكم أن يحمل بمكّة السّلاح» ) * «7» . 32- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: خرجنا مع رسول الله يعني في غزوة ذات الرّقاع «8» فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين، فحلف أن لا أنتهي حتّى أهريق دما في أصحاب محمّد، فخرج يتبع أثر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منزلا، فقال: «من رجل يكلؤنا؟» فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال: «كونا بفم الشّعب «9» » قال: فلمّا خرج الرّجلان إلى فم الشّعب، اضطجع المهاجريّ، وقام الأنصاريّ يصلّي، وأتى الرّجل فلما رأى شخصه عرف أنّه   (1) البخاري- الفتح 13 (7359) . ومسلم (564) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 12 (6874) . ومسلم (98) (3) مسلم (568) . (4) البخاري- الفتح 3 (1189) . ومسلم (1397) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 12 (6865) . ومسلم (95) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 12 (6878) واللفظ له. ومسلم (1676) . (7) مسلم (1356) . (8) ذات الرقاع: سميت غزوة ذات الرقاع؛ لأنهم لفوا على أرجلهم الخرق لمّا نقبت أرجلهم. (9) فم الشعب: أي ما انفرج بين جبلين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1038 ربيئة «1» للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتّى رماه بثلاثة أسهم، ثمّ ركع وسجد ثمّ انتبه صاحبه، فلمّا عرف أنّهم قد نذروا به «2» هرب، ولمّا رأى المهاجريّ ما بالأنصاريّ من الدّم قال: سبحان الله ألا أنبهتني أوّل ما رمى. قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحبّ أن أقطعها) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (تعظيم الحرمات) 33- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّهم شأن المرأة الّتي سرقت في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح. فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالوا ومن يجترأ عليه إلّا أسامة بن زيد، حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأتي بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فكلمّه فيها أسامة بن زيد فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أتشفع في حدّ من حدود الله؟ فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلمّا كان العشيّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله. ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّما أهلك الّذين من قبلكم، أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ، وإنّي والّذي نفسي بيده لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها» ، ثمّ أمر بتلك المرأة فقطعت يدها) * «4» . 34- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: لقيت خالي ومعه راية، فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله) * «5» . 35- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا فيصلّي فيه ركعتين» ) * «6» . 36- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: «لم أر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح من البيت إلّا الرّكنين اليمانيّين» ) * «7» . 37- * (عن عبد الله بن عديّ بن الحمراء- رضي الله عنه- أنّه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو على ناقته واقف بالحزورة «8» يقول: «والله إنّك لخير أرض الله، وأحبّ أرض الله إليّ، والله لولا أنّي أخرجت منك ما خرجت» ) * «9» . 38- * (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي   (1) الربيئة: الطليعة الذي يرقب الخصم من فوق مكان مرتفع. (2) نذروا به: عرفوا مكانه وعرفوه. (3) أبو داود (198) . (4) البخاري- الفتح 7 (3733) . ومسلم (1688) واللفظ له. (5) أبو داود (4457) . وابن ماجة (2607) . والنسائي (6/ 109) وقال الألباني: صحيح (2/ 701) رقم (3123) . والترمذي (1362) وقال: حسن غريب. والدارمي (2/ 205) رقم (2239) . (6) مسلم (1399) . (7) البخاري- الفتح 3 (1609) . ومسلم (1267) واللفظ له. (8) الحزورة: هي التل الصغير. (9) الترمذي (3925) واللفظ له وقال: حسن غريب صحيح. وابن ماجة (3108) وقال الألباني في صحيح ابن ماجة: صحيح برقم (2533) . وأحمد (4/ 305) وقال مخرجا زاد المعاد (1/ 49) : إسناده صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1039 الله عنهما- قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ خالد ابن الوليد بالغميم «1» في خيل لقريش طليعة «2» ، فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش «3» ، فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة «4» الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «5» . فألحّت «6» . فقالوا خلأت «7» القصواء. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده لا يسألونني خطّة» يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قد سهل لكم من أمركم. فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بسم الله الرّحمن الرّحيم فقال سهيل: أمّا الرّحمن فو الله ما أدري ما هي، ولكن اكتب باسمك اللهمّ كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا «بسم الله الرّحمن الرّحيم» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب «محمّد بن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني» ، اكتب «محمّد بن عبد الله» وذلك لقوله: «لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به» ... الحديث) * «9» . 39- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يأثم «10» ، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه. والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قطّ حتّى تنتهك حرمات الله فينتقم لله» ) * «11» . 40- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا: هذا اليوم الّذي أظفر الله فيه موسى وبني اسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن أولى بموسى منكم. فأمر بصومه» ) * «12» . 41- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الحرقة «13» من جهينة. فصبّحنا القوم فهزمناهم. ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم. فلمّا غشيناه. قال: لا إله إلّا الله. فكفّ عنه الأنصاريّ. فطعنته برمحي حتّى قتلته. قال:   (1) الغميم: موضع بالحجاز. (2) طليعة: القوم الذين يبعثون لمطالعة خبر العدو. (3) قترة الجيش: أي غبرته. (4) الثنّيّة: هي الطريقة في الجبل، قيل: هي الجبل نفسه. (5) حل حل: زجر للناقة إذا حثثتها على السير. (6) فألحّت: أي لزمت مكانها ولم تتحرك. (7) خلأت القصواء: أي بركت أو حرنت من غير علّة. (8) لا يسألونني خطّة: أي أمرا واضحا في الهدى والاستقامة. (9) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) . (10) ما لم يأثم: أي ما لم يكن إثما. (11) البخاري- الفتح 12 (6786) . ومسلم (2327) . (12) البخاري- الفتح 7 (3943) . ومسلم (1134) . (13) الحرقة: حيّ من العرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1040 فلمّا قدمنا. بلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله؟» قال: فقلت يا رسول الله، إنّما كان متعوّذا. قال: قال: «قتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله؟» فمازال يكرّرها حتّى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (تعظيم الحرمات) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لمّا طعنه أبو لؤلؤة المجوسيّ: الحمد لله الّذي لم يجعل موتي برجل يدّعي الإسلام. ثمّ سكت كالمطرق فقالوا: ألا ننبّهه للصّلاة فقيل الصّلاة يا أمير المؤمنين فقال: نعم. ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة، ثمّ صلّى وجرحه يثغب «2» دما) * «3» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «يا صاحب الذّنب لا تأمن سوء عاقبته، ولما يتبع الذّنب أعظم من الذّنب، إذا عملته: قلّة حيائك ممّن على اليمين وعلى الشّمال، وأنت على الذّنب أعظم من الذّنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذّنب، وفرحك بالذّنب إذا ظفرت به أعظم من الذّنب، وحزنك على الذّنب إذا فاتك أعظم من الذّنب، وخوفك من الرّيح إذا حرّكت ستر بابك وأنت على الذّنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذّنب إذا عملته» ) * «4» . 3- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه» فقال به (وأشار بيده) هكذا) * «5» . 4- * (وقال- رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ (الحج/ 25) : «لو أنّ رجلا أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بعدن أبين، لأذاقه الله من العذاب الأليم» ) * «6» . 5- * (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يوما بعد ما نظر إلى الكعبة: «ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمنون عند الله أعظم حرمة منك» ) * «7» . 6- * (وقال: «من ورطات الأمور الّتي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدّم الحرام بغير حلّه» ) * «8» . 7- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «لو رأيت الظّباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها «9» » ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 12 (6872) واللفظ له. ومسلم (96) . (2) يثغب: أي يسيل. (3) الثقات لابن حبان (2/ 238) . (4) الحلية (1/ 324) وذكره ابن القيم في الداء والدواء (57) . (5) البخاري- الفتح 11 (6308) . (6) أضواء البيان (5/ 59) وعدن أبين مكان سحيق في جنوب الجزيرة العربية. (7) الداء والدواء وعزاه للترمذي وحسنه (176) . (8) الداء والدواء وعزاه للبخاري (176) وهو فيه (12/ 194) . (9) ما ذعرتها: أي ما أفزعتها. (10) مسلم (1372) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1041 8- * (عن السّائب بن يزيد رضي الله عنه- قال: كنت قائما في المسجد فحصبني «1» رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطّاب فقال: «اذهب فأتني بهذين» فجئته بهما. قال: «من أنتما أو من أين أنتما؟» قالا: من أهل الطّائف. قال: «لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما. ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 9- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «إنّكم لتعملون أعمالا هي أدقّ في أعينكم من الشّعر، إن كنّا لنعدّها على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الموبقات» ) * «3» . 10- * (قال عروة بن مسعود الثّقفيّ وهو يرمق أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعينيه. قال: «فو الله ما تنخّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له» ) * «4» . 11- * (وفد هلال بن سراج بن مجّاعة إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، بعد ما ولي الخلافة بكتاب كتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى مجّاعة فأخذه عمر ووضعه على عينيه ومسح به وجهه رجاء أن يصيب وجهه موضع يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . إنّما قصد- رحمه الله تعالى- التّبرّك بالآثار الحسّيّة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يجوز فعل ذلك مع غيره عليه الصّلاة والسّلام. 12- * (قال بلال بن سعد- رحمه الله تعالى-: «لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت» ) * «6» . 13- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: «لا يكتب القرآن على شيء منصوب ولا ستر ولا غيره، ويكره توسّد المصحف «7» » ) * «8» . 14- * (وقال القاضي (أبو يعلى) : إنّما كره ذلك لأنّ فيه ابتذالا له ونقصانا من حرمته فإنّه يفعل به كما يفعل بالمتاع. واختار ابن حمدان التّحريم وقطع به. وكذا سائر كتب العلم إن كان فيها قرآن وإلّا كره فقط. ويقرب من ذلك مدّ الرّجلين إلى شيء من ذلك وقال الحنفيّة يكره لما فيه من أسماء الله تعالى وإساءة الأدب» ) * «9» . 15- * (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: «أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته» ) * «10» . 16- * (وقال القاضي عياض- رحمه الله تعالى-: من استخفّ بالقرآن أو بالمصحف أو بشيء منه فهو كافر بإجماع المسلمين) * «11» .   (1) فحصبني: أي رماني بالحصباء وهي الحصى. (2) البخاري- الفتح 1 (470) . (3) البخاري- الفتح 11 (6492) . (4) البخاري- الفتح 5 (2731- 2732) . (5) لسان العرب (4/ 2307) . (6) سير أعلام النبلاء (5/ 91) . (7) توسد المصحف: أن يضع المصحف تحت رأسه فينام عليه. (8) الاداب الشرعية (2/ 285) . (9) المرجع السابق نفسه. (10) الاداب الشرعية (2/ 285- 286) بتصرف. (11) المرجع السابق نفسه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1042 17- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «كان الإمام مالك- رحمه الله تعالى-: إذا أراد أن يحدّث تنظّف وتطيّب وسرّح لحيته ولبس أحسن ثيابه» ) * «1» . 18- * (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «بقدر ما يصغر الذّنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله» ) * «2» . 19- * (قال أبو بكر بن منير- رحمه الله تعالى: «كان محمّد بن إسماعيل البخاريّ- رحمه الله تعالى- ذات يوم يصلّي فلسعه الزّنبور سبع عشرة مرّة فلمّا قضى صلاته قال: انظروا أيّ شيء هذا الّذي آذاني في صلاتي فنظروا فإذا الزّنبور قد ورّمه في سبعة عشر موضعا ولم يقطع صلاته. وقال مرّة: كنت في آية فأحببت أن أتمّها» ) * «3» . 20- * (قال محمّد بن منصور- رحمه الله تعالى-: «كنّا في مجلس أبي عبد الله البخاريّ فرفع إنسان من لحيته قذاة وطرحها إلى الأرض. فرأيت محمّد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى النّاس فلمّا غفل النّاس رأيته مدّ يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمّه فلمّا خرج من المسجد رأيته أخرجها وطرحها على الأرض فكأنّه صان المسجد عمّا تصان عنه لحيته» ) * «4» . 21- * (قال زيد بن أسلم: الحرمات: المشعر الحرام، والبيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، هؤلاء الحرمات. قال النّيسابوريّ: وتعظيمها العلم بوجوبها (أى بوجوب حرمتها) والقيام بحقوقها) * «5» . 22- * (أورد أبو جعفر النّحّاس في معانيه: قال مجاهد: الحرمات: الحجّ والعمرة وقال عطاء: المعاصي. قال أبو جعفر: والقولان يرجعان إلى شيء واحد؛ لأنّ حرمات الله- عزّ وجلّ- (تشمل) ما فرضه وأمر به و (تشمل) ما نهى عنه فلا ينبغي أن يتجاوز كأنّه الّذي يحرم تركه (أي ترك أمر الله فيه) *» . 23- * (قال الزّمخشريّ: الحرمة ما لا يحلّ هتكه وجميع ما كلّفه الله تعالى بهذه الصّفة من مناسك الحجّ وغيرها) * «7» . 24- * (قال ابن عاشور: الحرمات تشمل كلّ ما أوصى الله بتعظيم أمره فتشمل مناسك الحجّ كلّها وغيرها أيضا) * «8» . 25- * (قال ابن كثير: تعظيم الحرمات اجتناب المعاصي والمحارم، بحيث يكون ارتكابها عظيما في نفسه) * «9» .   (1) البداية والنهاية (10/ 180) . (2) الداء والدواء (58) (3) مقدمة فتح الباري (505) (4) مقدمة الفتح (505) . (5) غرائب القرآن للنيسابوري (17/ 85) ، والكشاف للزمخشري (3/ 12) . (6) معاني القرآن لأبي جعفر النحاس (4) . (7) الكشاف (3/ 12) . (8) تفسير التحرير والتنوير (17/ 252) . (9) تفسير ابن كثير (3/ 219) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1043 من فوائد (تعظيم الحرمات) (1) دليل قوّة الإيمان وتمام الإذعان وكمال العبوديّة. (2) يتّسع مدلوله حتّى يشمل ما لله- عزّ وجلّ- وأنبيائه وسائر الخلق حتّى الكافر المعاهد. (3) أسباب التّعظيم منها ما يرجع للإنسان أو الزّمان أو المكان. (4) ما يجتمع فيه أكثر من سبب من أسباب التّعظيم حرمته أعظم ممّا يجتمع فيه أقلّ. (5) سبب لنيل أعلى الدّرجات. (6) يباعد بين الإنسان وبين ارتكاب المعاصي بدافع الحبّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1044 التفاؤل / الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ /-/ 7/ 3/ الفأل لغة: ضدّ الطّيرة «1» والجمع فئول، وتفاءلت به «2» والفأل: أن يكون الرّجل مريضا فيسمع آخر يقول يا سالم، أو يكون طالب ضالّة فيسمع آخر يقول يا واجد فيقول تفاءلت بكذا، ويتوّجه له في ظنّه كما سمع أنّه يبرأ من مرضه أو يجد ضالّته. والفأل يكون فيما يحسن وفيما يسوء. قال أبو منصور: من العرب من يجعل الفأل فيما يكره أيضا. وفي نوادر الأعراب يقال: لا فأل عليك بمعنى لا ضير عليك ولا طير عليك ولا شرّ عليك، وفي الحديث «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصّالح» ، والفأل الصّالح: الكلمة الحسنة. وقال: وهذا يدلّ على أنّ من الفأل ما يكون صالحا ومنه ما يكون غير صالح، وإنّما أحبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الفأل؛ لأنّ النّاس إذا أمّلوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كلّ سبب ضعيف أو قويّ فهم على خير، ولو غلطوا في وجهة الرّجاء فإنّ الرّجاء لهم خير، ألا ترى أنّهم إذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشّرّ؟ وإنّما أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الفطرة كيف هي وإلى أيّ شيء تنقلب «3» . قال الماورديّ: فأمّا الفأل ففيه تقوية للعزم، وباعث على الجدّ، ومعونة على الظّفر؛ فقد تفاءل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزواته وحروبه. وروى أبو هريرة «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذنا فألك من فيك» . فينبغي لمن تفاءل أن يتأوّل بأحسن تأويلاته، ولا يجعل لسوء الظّنّ على نفسه سبيلا، فقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ البلاء موكّل بالمنطق» . وروي أنّ يوسف- عليه السّلام- شكا إلى الله تعالى طول الحبس، فأوحى الله تعالى إليه: يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت: «ربّ السّجن أحبّ إليّ» ولو قلت: العافية أحبّ إليّ لعوفيت. وحكي أنّ المؤمّل بن أميل الشّاعر لمّا قال يوم الحيرة:   (1) الطيرة المشار إليها هنا من الصفات المذمومة وهي الاسم من قولهم تطيرت من كذا وبه أي تشاءمت به وهي من الفأل الرديء. انظر الصحاح (2/ 728) . (2) والتفاؤل هو المصدر من هذا الفعل يقال تفاءلت تفاؤلا والصيغة هنا تدل على المطاوعة وهي قبول أثر الفعل أي أن المتفائل قد قبل وتأثر بما رأى من فأل حسن أو سمع من كلمة طيبة. انظر في معاني صيغة تفاعل (شرح الشافية للرضي (1/ 99) . (3) لسان العرب (11/ 513- 514) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1045 شفّ المؤمّل يوم الحيرة النّظر ... ليت المؤمّل لم يخلق له بصر عمي، فأتاه آت في منامه، فقال له هذا ما طلبت «1» . واصطلاحا: الفأل هو الكلمة الصّالحة أو الكلمة الطّيّبة أو الكلمة الحسنة مصداق ذلك ما جاء في الحديث الشّريف من أنّه صلّى الله عليه وسلّم سئل ما الفأل؟ فقال: «الكلمة الصّالحة يسمعها أحدكم» وجاء في حديث أنس- رضي الله عنه-: «أنّ الفأل: الكلمة الحسنة والكلمة الطّيّبة» «2» . ومن ثمّ يكون المراد بالتّفاؤل: انشراح قلب الإنسان وإحسانه الظّنّ، وتوقّع الخير بما يسمعه من الكلم الصّالح أو الحسن أو الطّيّب. [للاستزادة: انظر صفات: البشارة- البشاشة الرضا- التوكل- حسن الظن. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التطير- العبوس- التنفير- القنوط- سوء الظن- الوسوسة] .   (1) انظر أدب الدنيا والدين (20) . (2) انظر الحديثين رقمي 3، 4. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1046 الأحاديث الواردة في (التفاؤل) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمع كلمة فأعجبته فقال «أخذنا فألك من فيك» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطّيرة) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول «لا طيرة وخيرها الفأل» . قيل: يا رسول الله. وما الفأل؟ قال: «الكلمة الصّالحة يسمعها أحدكم» ) * «3» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل: الكلمة الحسنة، والكلمة الطّيّبة» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (التفاؤل) معنى 5- * (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان لا يتطيّر من شيء وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه: فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه، رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها، رؤي كراهة ذلك في وجهه) * «5» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما جبريل قاعد عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سمع نقيضا من فوقه. فرفع رأسه فقال: هذا باب من السّماء فتح اليوم. لم يفتح قطّ إلّا اليوم. فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض. لم ينزل قطّ إلّا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة. لن تقرأ بحرف منهما إلّا أعطيته) * «6» . 7- * (عن ابن مالك- رضي الله عنه- قال: ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة أنّه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد   (1) أبو داود (3917) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3317) ، وهو في الصحيحة (726) . (2) ابن ماجة (3536) وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (3) البخاري- الفتح 10 (5755) . ومسلم (2223) . (4) البخاري- الفتح 10 (5756) . ومسلم (2224) . (5) أبو داود (3920) . وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3319) ، وهو في الصحيحة (762) . (6) مسلم (806) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1047 الحرام فقال أوّلهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم هو خيرهم، فقال أحدهم خذوا خيرهم فكانت تلك اللّيلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلّموه حتّى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولّاه منهم جبريل فشقّ جبريل ما بين نحره إلى لبّته حتّى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتّى أنقى جوفه ثمّ أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوّا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده- يعني عروق حلقه- ثمّ أطبقه ثمّ عرج به إلى السّماء الدّنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السّماء، من هذا؟ فقال جبريل، قالوا ومن معك؟ قال: معي محمّد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السّماء لا يعلم أهل السّماء بما يريد الله به في الأرض حتّى يعلمهم فوجد في السّماء الدّنيا آدم فقال له جبريل: هذا أبوك فسلّم عليه فسلّم عليه وردّ عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا يا بنيّ نعم الابن أنت. فإذا هو في السّماء الدّنيا بنهرين يطّردان، فقال: ما هذان النّهران يا جبريل؟ قال: هذان النّيل والفرات عنصرهما ثمّ مضى به في السّماء فإذا بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده فإذا هو مسك أذفر قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الّذي خبّأ لك ربّك ثمّ عرج إلى السّماء الثّانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى، من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا. ثمّ عرج به إلى السّماء الثّالثة وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثّانية، ثمّ عرج به إلى الرّابعة فقالوا له مثل ذلك، ثمّ عرج به إلى السّماء الخامسة فقالوا مثل ذلك، ثمّ عرج به إلى السّادسة فقالوا له مثل ذلك، ثمّ عرج به إلى السّماء السّابعة فقالوا له مثل ذلك كلّ سماء فيها أنبياء قد سمّاهم فوعيت منهم إدريس في الثّانية وهارون في الرّابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم فى السّادسة وموسى في السّابعة بفضل كلامه لله، فقال موسى: ربّ لم أظنّ أن ترفع عليّ أحدا ثمّ علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلّا الله، حتّى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبّار ربّ العزّة فتدلىّ حتّى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على أمّتك كلّ يوم وليلة ثمّ هبط حتّى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال يا محمّد: ماذا عهد إليك ربّك قال عهد إليّ خمسين صلاة كلّ يوم وليلة، قال: إنّ أمّتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفّف عنك ربّك وعنهم فالتفت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى جبريل كأنّه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبريل أن نعم، إن شئت فعلا به إلى الجبّار، فقال وهو مكانه يا ربّ خفّف عنّا فإنّ أمّتي لا تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات ثمّ رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردّده موسى إلى ربّه حتّى صارت إلى خمس صلوات ثمّ احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمّد، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمّتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفّف عنك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1048 ربّك، كلّ ذلك يلتفت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: يا ربّ إنّ أمّتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفّف عنّا، فقال الجبّار: يا محمّد، قال لبّيك وسعديك، قال: إنّه لا يبدّل القول لديّ كما فرضت عليك في أمّ الكتاب قال فكلّ حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أمّ الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفّف عنّا، أعطانا بكلّ حسنة عشر أمثالها. قال موسى: قد والله راودت بنى إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربّك فليخفّف عنك أيضا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا موسى، قد والله استحييت من ربّى ممّا اختلفت إليه، قال: فاهبط باسم الله، قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التفاؤل) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- الفرق بين الفأل والطّيرة أنّ الفأل من طريق حسن الظّنّ بالله، والطّيرة لا تكون إلّا في السّوء فلذلك كرهت) * «2» . 2- * (قال الحليميّ: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل؛ لأنّ التّشاؤم سوء ظنّ بالله تعالى بغير سبب محقّق. والتّفاؤل حسن ظنّ به، والمؤمن مأمور بحسن الظّنّ بالله تعالى على كلّ حال) * «3» . 3- * (قال الطّيبيّ: معنى التّرخّص في الفأل والمنع من الطّيرة هو أنّ الشّخص لو رأى شيئا فظنّه حسنا محرّضا على طلب حاجته فليفعل ذلك. وإن رآه بضدّ ذلك فلا يقبله بل يمضي لسبيله. فلو قبل وانتهى عن المضيّ فهو الطّيرة الّتي اختصّت بأن تستعمل في الشّؤم) * «4» . من فوائد (التفاؤل) (1) حسن الظّنّ بالله تعالى. (2) يجلب السّعادة إلى النّفس والقلب. (3) ترويح للمؤمن وسرور له. (4) في الفأل تقوية للعزائم ومعونة على الظّفر وباعث على الجدّ. (5) في التّفاؤل اقتداء بالسّنّة المطهّرة وأخذ بالأسوة الحسنة حيث كان المصطفى صلّى الله عليه وسلّم يتفاءل في حروبه وغزواته.   (1) البخاري- الفتح 13 (7517) . (2) المرجع السابق (10/ 225) . (3) المرجع السابق (10/ 226) . (4) المرجع السابق- الصفحة نفسها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1049 المجلد الرابع محتويات المجلد الرابع م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة تابع حرف التاء 58 تفريج الكربات 1050 59 التفكر 1065 60 التقوى 1079 61 التكبير 1121 62 تكريم الإنسان 1135 63 تلاوة القرآن 1176 64 التناصر 1230 65 التهليل 1245 66 التواضع 1255 67 التوبة 1269 68 التوحيد 1296 69 التودد 1343 70 التوسط 1352 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 71 التوسل 1367 72 التوكل 1377 73 التيسير 1399 74 التيمن 1420 حرف الثاء 75 الثبات 1437 76 الثناء 1450 حرف الجيم 77 جهاد الأعداء 1481 78 الجود 1506 حرف الحاء 79 الحجاب 1514 80 الحج والعمرة 1529 81 الحذر 1553 الجزء: 4 [تابع حرف التاء] تفريج الكربات الآيات الأحاديث الآثار 15 26 6 أ- التفريج لغة: مصدر فرّج وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ج) قال ابن منظور: الفرج: الخلل بين الشّيئين والجمع فروج لا يكسّر على غير ذلك. قال ابن الأعرابيّ: فتحات الأصابع يقال لها التّفاريج واحدها تفراج. والفرجة: الرّاحة من حزن أو مرض، وقيل: التّفصّي من الهمّ. وقد فرج له يفرج فرجا وفرجة. ويقال: ما لهذا الغمّ من فرجة، ولا فرجة ولا فرجة. يقال: فرّج الله غمّك تفريجا، وكذلك فرج الله عنك غمّك يفرج بالكسر فرجا: كشفه وأذهبه. وهو لغة في فرّج. وتفرّج الغمّ تكشّف «1» . واصطلاحا: كشف الهمّ وإذهاب الغمّ ورفع الضّرر. ب- الكربات لغة: الكربات جمع كربة، والكرب مصدر كرب وهو مأخوذ من مادّة (ك ر ب) الّتي تدلّ على الشّدّة والقوّة يقال مفاصل مكرّبة أي شديدة قويّة وأصله الكرب وهو عقد غليظ في رشاء الدّلو، ومن الباب الكرب وهو الغمّ الشّديد «2» . قال ابن منظور: الكرب، على وزن الضّرب مجزوم الرّاء: الحزن والغمّ الّذي يأخذ بالنّفس. وجمعه كروب. وكربه الأمر والغمّ يكربه كربا اشتدّ عليه، فهو مكروب وكريب، والاسم الكربة. وفي الحديث: كان إذا أتاه الوحي كرب له. أي أصابه الكرب «3» . واصطلاحا: قال ابن حجر- رحمه الله-: الكرب (بفتح الكاف وسكون الرّاء بعدها موحّدة) هو ما يدهم المرء ممّا يأخذ بنفسه فيغمّه ويحزنه «4» . تفريج الكربات اصطلاحا: يمكن- في ضوء ما سبق- أن نعرّف تفريج الكربات بأنّه: رفع الضّرّ وإذهاب ما يدهم الإنسان ويأخذ بنفسه فيغمّه ويحزنه. [للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- السرور التناصر- الاجتماع- الإخاء- الألفة- البر- التعاون على البر والتقوى- المواساة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأثرة- البخل- التخاذل- الشح] .   (1) لسان العرب (2/ 342- 342) . انظر: محيط المحيط: (681) . (2) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (5/ 174) . (3) لسان العرب (1/ 711- 712) . وانظر: محيط المحيط: (744- 775) . (4) فتح الباري (11/ 150) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1050 الآيات الواردة في «تفريج الكربات» 1- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «1» 2- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «2» 3- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) «3» 4- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «4» الآيات الواردة في «تفريج الكربات» معنى * 5- إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153)   (1) الأنعام: 63- 64 مكية (2) الأنبياء: 76- 77 مكية (3) الصافات: 75- 82 مكية (4) الصافات: 114- 122 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1051 ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) «1» 6- فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (64) «2» 7- فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) «3» 8- فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) «4» 9- فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) «5» 10- فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98) » 11- إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) «7» 12- فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) «8» 13- فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «9» 14- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «10» 15- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) «11»   (1) آل عمران: 153- 154 مدنية. (2) الأعراف: 64 مكية. (3) الأعراف: 72 مكية. (4) الأعراف: 83 مكية. (5) الأعراف: 135 مكية. (6) يونس: 98 مكية. (7) طه: 40 مكية. (8) الأنبياء: 84 مكية. (9) الأنبياء: 88 مكية. (10) النمل: 62 مكية. (11) العنكبوت: 24 مكية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1052 الأحاديث الواردة في (تفريج الكربات) 1- * (عن أسماء بنت عميس- رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أعلّمك كلمات تقولينهنّ عند الكرب، أو في الكرب: الله ربّي لا أشرك به شيئا» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن أبي قتادة؛ أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه. ثمّ وجده. فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله «2» . قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجّيه الله من كرب «3» يوم القيامة فلينفّس «4» عن معسر، أو يضع عنه» ) * «5» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم» ) * «6» . 4- * (عن طلحة بن عبيد الله؛ أنّ عمر رآه كئيبا فقال: مالك يا أبا محمّد كئيبا؟ لعلّه ساءتك إمرة ابن عمّك؟ يعني أبا بكر، قال: لا، وأثنى على أبي بكر، ولكنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلمة لا يقولها عبد عند موته إلّا فرّج الله عنه كربته وأشرق لونه، فما منعني أن أسأله عنها إلّا القدرة عليها حتّى مات، فقال له عمر: إنّي لأعلمها، فقال له طلحة: وما هي؟ فقال له عمر: هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمّه: لا إله إلّا الله؟ فقال طلحة: هي والله هي» ) * «7» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يرقي يقول: «امسح البأس ربّ النّاس بيدك الشّفاء لا يكشف الكرب إلّا أنت» ) * «8» . 6- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ   (1) أبو داود (1525) وقال الألباني (1/ 284) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (4/ 297) : وللحديث شاهد عند ابن حيان في صحيحه من حديث عائشة- رضي الله عنها- رقم (2369) موارد، فالحديث به حسن. (2) فقال: آلله. قال آلله: الأول قسم سؤال. أي أبالله؟ وباء القسم تضمر كثيرا مع الله. قال الرضى: وإذا حذف القسم الأصلي، أعني الباء، فالمختار النصب بفعل القسم. ويختص لفظة الله بجواز الجر مع حذف الجار، بلا عوض. وقد يعوض من الجار فيها همزة الاستفهام، أو قطع همزة الله في الدرج. (3) كرب: جمع كربة، وهي الغم الّذي يأخذ بالنفس. (4) فلينفس: أي يمد ويؤخر المطالبة، وفي ذلك تنفيس وتفريج الكربة؛ لأن التنفيس يعني تفريج الكرب قال الجوهري: «ونفست عنه تنفيسا أي رفّهت يقال: نفّس الله عنه كربته أي فرّجها. (الصحاح 3/ 984) . ومعنى يضع عنه «أي يتنازل عن دينه» . (5) مسلم (1563) . (6) البخاري- الفتح (11/ 123) الدعوات باب الدعاء عند الكرب، ومسلم (2730) . (7) أحمد (1386) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (8) أحمد (6/ 50) واللفظ له. وعند البخاري: لا كاشف له إلا أنت (5744) . وكذا عند مسلم (2191) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1053 أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ «1» ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة «2» . فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا؛ وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع «3» ، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «4» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: خسفت الشّمس في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد. فقام وكبّر وصفّ النّاس وراءه. فاقترأ «5» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قراءة طويلة. ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا. ثمّ رفع رأسه فقال: «سمع الله لمن حمده. ربّنا ولك الحمد» ثمّ قام فاقترأ قراءة طويلة. هي أدنى من القراءة الأولى. ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا. هو أدنى من الرّكوع الأوّل. ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده. ربّنا ولك الحمد» ثمّ سجد (ولم يذكر أبو الطّاهر: ثمّ سجد) ثمّ فعل في الرّكعة الأخرى مثل ذلك. حتّى استكمل أربع ركعات. وأربع سجدات وانجلت الشّمس قبل أن ينصرف. ثمّ قام فخطب النّاس. فأثنى على الله بما هو أهله. ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموها   (1) الفرق: إناء يأخذ ستة عشر مدّا وذلك ثلاثة آصع وبعضهم يرويه بفتح الراء. ومنه الحديث الشريف: «ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حرام» . (2) انساخ هنا بمعنى اتسع، يقال انساخ باله أى اتّسع. (3) يتضاغون: يتضورون جوعا، ولعل الصواب بالعين أي يتضاعون يقول ابن منظور: وضاع يضوع وتضوع: تضور في البكاء في شدة، وقد غلب على بكاء الصبي. (4) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743) . (5) اقترأ: يعني قرأ في صلاته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1054 فافزعوا للصّلاة» وقال أيضا: «فصلّوا حتّى يفرّج الله عنكم» وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت في مقامي هذا كلّ شيء وعدتم. حتّى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنّة حين رأيتموني جعلت أقدّم «1» . (وقال المراديّ: أتقدّم) ولقد رأيت جهنّم يحطم «2» بعضها بعضا، حين رأيتموني تأخّرت. ورأيت فيها ابن لحيّ. وهو الّذي سيّب السّوائب «3» » . وانتهى حديث أبي الطّاهر عند قوله: «فافزعوا للصّلاة» ولم يذكر ما بعده) * «4» . 8- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوات المكروب: اللهمّ رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كلّه لا إله إلّا أنت» ) * «5» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سمعتم بمدينة جانب منها في البرّ وجانب منها في البحر؟» قالوا: نعم. يا رسول الله قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق. فإذا جاءوها نزلوا. فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم. قالوا: لا إله إلّا الله والله أكبر. فيسقط أحد جانبيها» قال ثور: لا أعلمه إلّا قال: «الّذي في البحر. ثمّ يقولوا الثّانية: لا إله إلّا الله والله أكبر. فيسقط جانبها الآخر. ثمّ يقولوا الثّالثة: لا إله إلّا الله والله أكبر فيفرّج لهم. فيدخلوها فيغنموا. فبينما هم يقتسمون المغانم، إذ جاءهم الصّريخ «6» فقال: إنّ الدّجّال قد خرج. فيتركون كلّ شيء، ويرجعون» ) * «7» . 10- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل بي كرب أن أقول: «لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين» ) * «8» . 11- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (55/ سورة الرحمن/ الآية 29) قال: «من شأنه أن   (1) أقدم: ضبطناه بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة. ومعناه أقدم نفسي أو رجلي. وكذا صرح القاضي عياض بضبطه. (2) يحطم: أي يكسر. (3) وهو الذي سيب السوائب: تسييب الدواب إرسالها تذهب وتجيء كيف شاءت والسوائب جمع سائبة وهي التي نهى الله سبحانه عنها في قوله: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ. فالبحيرة هي الناقة التي يمنح درها للطواغيت. فلا يحلبها أحد من الناس. والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم. فلا يحمل عليها شيء. (4) البخاري- الفتح 2 (1046) . ومسلم (901) واللفظ له. (5) أبو داود (5090) وقال الألباني: حسن. الكلم الطيب (121) صحيح الكلم الطيب (ص 49) . (6) الصريخ: قال في الصحاح: الصريخ صوت المستصرخ، والصريخ أيضا الصارخ وهو المراد هنا. انظر الصحاح مادة (ص ر خ) 1/ 426. (7) مسلم (2920) . (8) أحمد (1/ 91) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 87) : إسناده صحيح، وجاء في رقمين (701) و (1363) إسنادهما صحيحان. وقال ابن حجر في الفتح (13/ 396) : في حديث علي عند النسائي وصححه الحاكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1055 يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما، ويخفض آخرين» ) * «1» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كربه أمر، يقول: يا حيّ يا قيّوم، برحمتك أستغيث) * «2» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام، أو يا غليّم، ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. قد جفّ القلم بما هو كائن. فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «3» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي. فسألتني عن أشياء من بيت المقدّس لم أثبتها «4» . فكربت كربة ما كربت مثله قطّ «5» . قال فرفعه الله لي أنظر إليه. ما يسألوني عن شيء إلّا أنبأتهم به. وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء. فإذا موسى قائم يصلّي، فإذا رجل ضرب» جعد كأنّه من رجال شنوءة. وإذا عيسى ابن مريم عليه السّلام قائم يصلّي. أقرب النّاس به شبها عروة بن مسعود الثّقفيّ. وإذا إبراهيم عليه السّلام قائم يصلّي. أشبه النّاس به صاحبكم (يعني نفسه) فحانت الصّلاة فأممتهم. فلمّا فرغت من الصّلاة قال قائل: يا محمّد هذا مالك صاحب النّار فسلّم عليه. فالتفتّ إليه فبدأني   (1) ابن ماجة (202) واللفظ له، وقال الزوائد: إسناده حسن. وقال الحافظ ابن حجر (8/ 490) : وأصله البخاري في التاريخ وابن حبان في الصحيح وابن ماجة وابن أبي عاصم والطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا وغير هؤلاء موقوف عند البخاري تعليقا- انظر الفتح (8/ 487) تفسير سورة الرحمن. (2) أخرجه الترمذي (3524) واللفظ له قال محقق جامع الأصول (4/ 296) بعد تخريجه: قال الحافظ في تخريج الأذكار بعد ذكر حديث الترمذي هذا: وقد وقع لنا حديث أنس من وجه آخر أقوى من هذا لكنه مختصر، ثم أخرجه من طريقين، وقال بعد ذلك: حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة، وله شاهد من حديث علي- رضي الله عنه-. (3) الترمذي (2518) مختصرا. وقال محقق جامع الأصول (11/ 686) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وهو كما قال. ورواه أحمد في المسند وصححه الشيخ أحمد شاكر رقم (2669) و (2763) و (2804) وهذا لفظه. (4) لم أثبتها: أي لم أحفظها ولم أضبطها لاشتغالي بأهم منها. (5) فكربت كربة ما كربت مثله قط: الضمير في مثله يعود على معنى الكربة، وهو الكرب أو الغم أو الهم أو الشيء. قال الجوهري: الكربة الغم الذي يأخذ بالنفس. وكذلك الكرب. وكربه الغم اذا اشتد عليه. (6) الرّجل الضّرب: أي الرجل الماضي النافذ، قال طرفة: أنا الرجل الضّرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحيّة المتوقّد (الصحاح 1/ 168) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1056 بالسّلام» ) * «1» . 15- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لهذا العبد الصّالح الّذي تحرّك له العرش وفتحت له أبواب السّماء شدّد عليه ففرّج الله عنه» . وقال مرّة: «فتحت» . وقال مرّة: «ثمّ فرّج الله عنه» . وقال مرّة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسعد «2» يوم مات وهو يدفن) * «3» . 16- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «4» . 17- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرّج عن معسر» ) * «5» . الأحاديث الواردة في (تفريج الكربات) معنى 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: «مالك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا. قال: «فهل تجد إطعام ستّين مسكينا؟» قال: لا. قال: فمكث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبينا نحن على ذلك أتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرق فيها تمر والعرق: المكتل قال: أين السّائل؟ فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدّق به» . فقال الرّجل: على أفقر منّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها (يريد الحرّتين) أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت أنيابه ثمّ قال: «أطعمه أهلك» ) * «6» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا حزبه «7» أمر يدعو: يتعوّذ من   (1) مسلم (172) . (2) أي سعد بن معاذ رضي الله عنه. (3) أحمد (3/ 327) . وهو عند الترمذي (3848) وقال: حديث حسن صحيح. وأصله عند البخاري 7 (4: 38) . (4) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له. ومسلم (2580) . (5) أحمد (2/ 23) . وذكره الهيثمي (4/ 133) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات. (6) البخاري- الفتح 4 (1936) واللفظ له. ومسلم (1111) . (7) في القاموس المحيط. وحزبه الأمر: نابه واشتد عليه أو ضغطه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1057 جهد البلاء، ودرك الشّقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء» ) * «1» . 20- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين. إنّه لم يدع بها مسلم في شيء قطّ إلّا استجاب الله له بها» ) * «2» . 21- * (عن سليمان التّيميّ، عن أبيه، قال: كنّا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاتلت معه وأبليت «3» . فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريح شديدة وقرّ «4» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا رجل يأتيني بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟» فسكتنا، فلم يجبه منّا أحد. ثمّ قال: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟» فسكتنا، فلم يجبه منّا أحد. فقال: «قم. يا حذيفة فأتنا بخبر القوم» فلم أجد بدّا، إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال: «اذهب. فأتني بخبر القوم. ولا تذعرهم عليّ «5» » فلمّا ولّيت من عنده جعلت كأنّما أمشي في حمّام «6» . حتّى أتيتهم. فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره «7» بالنّار. فوضعت سهما في كبد القوس «8» . فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا تذعرهم عليّ» ولو رميته لأصبته. فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمّام. فلمّا أتيته فأخبرته بخبر القوم، وفرغت، قررت «9» . فألبسني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من فضل عباءة «10» كانت عليه يصلّي فيها. فلم أزل نائما حتّى أصبحت «11» . فلمّا أصبحت   (1) أخرجه رزين، قاله محقق الجامع (4/ 295) وهذا لفظ جامع الأصول وأصله عند البخاري 11 (6347) . ومسلم (2707) . دون قوله: «كان إذا حذبه أمر يدعو» . (2) ذكره الحاكم في المستدرك (1/ 505) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (3) وأبليت: أي بالغت في نصرته. كأنه أراد الزيادة على نصرة الصحابة. (4) وقر: القر هو البرد. (5) ولا تذعرهم علي: أي لا تفزعهم علي ولا تحركهم علي. وقيل: معناه لا تنفرهم وهو قريب من المعنى الأول. والمراد لا تحركهم عليك. فإنهم، إن أخذوك، كان ذلك ضررا علي؛ لأنك رسولي وصاحبي. (6) كأنما أمشي في حمام: يعني أنه لم يجد البرد الذي يجده الناس، ولا من تلك الريح الشديدة، شيئا بل عافاه الله منه ببركة إجابته النبي صلّى الله عليه وسلّم وذهابه فيما وجهه له، ودعائه صلّى الله عليه وسلّم له. واستمر ذلك اللطف به ومعافاته من البرد حتى عاد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. فلما عاد ووصل عاد إليه البرد الذي يجده الناس. ولفظ الحمام عربية، وهو مذكر مشتق من الحميم، وهو الماء الحار. (7) يصلي ظهره: أي يدفئه ويدنيه منها. وهو الصلا، بفتح الصاد والقصر. والصلاء، بكسرها والمد. (8) كبد القوس: هو مقبضها. وكبد كل شيء وسطه. (9) قررت أي بردت. وهو جواب فلما أتيته. (10) عباءة: العباءة والعباية، بزيادة ياء، لغتان مشهورتان معروفتان. قال في المنجد: العباءة كساء مفتوح من قدام يلبس فوق الثياب. (11) أصبحت: أي طلع علي الفجر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1058 قال: «قم. يا نومان «1» » ) * «2» . 22- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن فقال: اللهمّ، إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، إلّا أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا» قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلّمها؟ فقال: «بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلّمها» ) * «3» . 23- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله: يا آدم، فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك. قال يقول: أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكرى وما هم بسكرى ولكنّ عذاب الله شديد. فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أيّنا ذلك الرّجل؟ قال: «أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل» . ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة» . قال فحمدنا الله وكبّرنا. ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة. إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود- أو كالرّقمة في ذراع الحمار» ) * «4» .   (1) يا نومان: هو كثير النوم. وأكثر ما يستعمل في النداء. كما استعمله هنا. (2) مسلم (1788) . وعند البخاري مختصرا (4113) من حديث جابر وأن الذي استعد لذلك الزبير. (3) أحمد (3712) وهذا لفظه وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 266) إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 501) . والألباني في الصحيحة (1/ 336) رقم (199) وعزاه لابن حبان والطبراني. (4) البخاري- الفتح 11 (6530) واللفظ له. ومسلم (222) . والرقمة- بفتح القاف وسكونها-: الخط. والرقمتان في الحمار هما الأثران اللذان في باطن عضديه، وقيل: الدائرة في ذراعه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1059 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (تفريج الكربات) 24- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: توفّي أبي وعليه دين، فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التّمر بما عليه فأبوا، ولم يروا أنّ فيه وفاء، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له فقال: «إذا جددته فوضعته في المربد آذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» «1» . فجاء ومعه أبو بكر وعمر، فجلس عليه ودعا بالبركة ثمّ قال: «ادع غرماءك فأوفهم» . فما تركت أحدا له على أبي دين إلّا قضيته، وفضل ثلاثة عشر وسقا «2» سبعة عجوة وستّة لون، أو ستّة عجوة وسبعة لون «3» . فوافيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المغرب فذكرت ذلك له، فضحك فقال: «ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما» ، فقالا: لقد علمنا إذ صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما صنع أن سيكون ذلك. وقال هشام عن وهب عن جابر: «صلاة العصر» . ولم يذكر «أبا بكر» ولا «ضحك» . وقال «وترك أبي عليه ثلاثين وسقا دينا» . وقال ابن إسحاق عن وهب عن جابر «صلاة الظّهر» ) * «4» . 25- * (عن عبد الله الهوزنيّ؛ قال: لقيت بلالا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب، فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء، كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال، إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي، ففعلت، فلمّا أن كان ذات يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا أن رآني قال: يا حبشيّ، قلت: يالبّاه، فتجهّمني وقال لي قولا غليظا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال: قلت: قريب، قال: إنّما بينك وبينه أربع، فآخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت (وأمّي) إنّ المشرك الّذي كنت أتديّن منه قال   (1) الجداد: صرام النخل أي قطع ثمرتها، النهاية (1/ 244) والمربد: الموضع الذي يجعل فيه التمر لينشف كالبيدر للحنطة. النهاية (2/ 182) . (2) الوسق: ستون صاعا، وهو ثلاث مئة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربع مئة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمد. النهاية (5/ 185) . (3) العجوة واللون: العجوة نوع من تمر المدينة يضرب إلى السواد. النهاية (3/ 183) واللون نوع من النخل، وقيل: هو الدقل وقيل: النخل كله لون ما عدا البرني والعجوة ويسميه أهل المدينة الألوان واحدته لينة. النهاية (5/ 278) . (4) البخاري- الفتح 5 (2709) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1060 لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي، وهو فاضحي، فائذن لي أن آبق «1» إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي «2» عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال، أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر فقد جاءك الله بقضائك» ثمّ قال: «ألم تر الرّكائب المناخات الأربع؟» فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ؛ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك «3» ، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت فذكر الحديث ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه، فقال: «ما فعل ما قبلك «4» ؟» قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم، قال: «انظر أن تريحني منه، فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: «ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة- يعني من الغد- دعاني قال: «ما فعل الّذي قبلك؟» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى (إذا) جاء أزواجه فسلّم على امرأة امرأة حتّى أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه» ) * «5» . 26- (جاء في وصف السيّدة خديجة- رضي الله عنها- للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحقّ ... ) *» وهذا يدلّ على أنّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم كان يفرّج كرب المعدوم ومن أصابته النّوائب.   (1) أبق: يقال أبق العبد يأبق بكسر الباء وفتحها أي هرب. مختار الصحاح (85) . (2) المجنّ: التّرس، وسمي بذلك لأنه يواري حامله أي يستره. اللسان (702) . (مأخوذ من جن بمعنى ستر) . (3) فدك: محركة: بلدة بخيبر. القاموس (1266) . (4) القبل يكون لما ولي الشيء، تقول ذهب قبل السوق وقالوا: لي قبلك مال- ثم اتسع فيه فأجري مجرى على إذا قلت لي عليك مال، ولي قبل فلان حق أي عنده. اللسان (3502) . (5) أبو داود (3055) وهذا لفظه وقال الألباني (2/ 592) : صحيح الإسناد. وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 7) : رجاله ثقات. (6) البخاري- الفتح 1 (3) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1061 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (تفريج الكربات) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب، وكان لها حفش في المسجد، قالت فكانت تأتينا فتحدّث عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربّنا ... ألا إنّه من بلدة الكفر نجّاني فلمّا أكثرت قالت لها عائشة وما يوم الوشاح؟ قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم «1» ، فسقط منها، فانحطّت عليه الحديّا وهي تحسبه لحما، فأخذته. فاتّهموني به، فعذّبوني، حتّى بلغ من أمري أنّهم طلبوا في قبلي، فبيناهم حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحديّا حتّى وازت برءوسنا، ثمّ ألقته فأخذوه، فقلت لهم: هذا الّذي اتّهمتموني به وأنا منه بريئة) * «2» . 2- * (قال الحسن: «أرسل إليّ الحجّاج فقلت: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله ربّ العرش العظيم والحمد لله ربّ العالمين فقال الحجّاج: والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد قتلك فلأنت اليوم أحبّ إليّ من كذا وكذا. وفي لفظ سل حاجتك» ) * «3» . 3- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- قال   (1) الأدم: جمع ومعناه الجلد أو الجلد الأحمر أو المدبوغ. القاموس (1388) . (2) البخاري- الفتح 7 (3835) . (3) فضل الله الصمد (2/ 158) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1062 عبد الله بن الزّبير فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزّبير. فقال: يابن أخي: كم على أخي من الدّين؟ فكتمه فقال: مائة ألف، فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر- وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم. فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة قال عبد الله: لك من ههنا إلى ههنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة- فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف، قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله ابن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف» ) * «1» . 4- * (قال الشّاعر: يا فارج الكرب مسدولا عساكره ... كما يفرّج غمّ الظّلمة الفلق) * «2» . 5- * (وقال أبو ذؤيب الهذليّ: فإنّي صبرت النّفس بعد ابن عنبس ... وقد لجّ من ماء الشّئون لجوج ليحسب جلدا أو ليخبر شامت ... وللشّرّ بعد القارعات فروج) * «3» . 6- * (وقال الرّاجز: يا فارج الهمّ وكشّاف الكرب) * 4   (1) البخاري- الفتح 6 (3129) . (2) محيط المحيط (681) . 3، 4 لسان العرب (فرج) (ص 3370) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1063 من فوائد (تفريج الكربات) (1) الفرج الأعظم يأتي من الله- عزّ وجلّ- فهو ينجّي كلّ مكروب يستغيثه في الدّنيا والآخرة. (2) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم علّم أصحابه أدعية يقولها ذو الكرب فيفرّج عنه. (3) سبب لتفريج كربات القيامة وأهوالها. (4) الإيمان والطّاعة وبرّ الوالدين والإحسان والابتعاد عمّا حرّم الله من أعظم أسباب تفريج الكربات واستجابة الدّعوات. (5) من أعظم أسبابه التزام آدابه من الأذكار والأدعية الثّابتة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. (6) سبب لنيل القرب من الله والمحبّة من النّاس. (7) دليل حبّ الخير للآخرين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1064 التفكر الآيات/ الأحاديث/ الآثار 17/ 10/ 27 التفكر لغة: التفكّر مأخوذ من مادّة (ف ك ر) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على تردّد القلب في الشّيء، يقال تفكّر إذا ردّد قلبه معتبرا «1» . ولفظ التّفكّر مصدر لتفكّر أو أنّها اسم (اسم مصدر) من فكّر التي مصدرها التّفكير، ومن المادّة أيضا أخذ الفكر والفكر، يقول صاحب اللّسان: والفكر التأمّل وإعمال الخاطر في الشّيء قال سيبويه: ولا يجمع الفكر، وحكى ابن دريد في جمعه أفكارا. والفكرة: كالفكر، وقد فكر في الشّيء وأفكر فيه وتفكّر بمعنى، ورجل فكّير: كثير الفكر. والتّفكّر اسم التّفكير، وقال الجوهريّ: التّفكّر: التأمّل والاسم: الفكر، والمصدر: الفكر بالفتح «2» . واصطلاحا: تصرّف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب «3» . حقيقة التفكر: قال ابن القيّم- رحمه الله-: أصل الخير والشّرّ من قبل التّفكّر؛ فإنّ الفكر مبدأ الإرادة والطّلب في الزّهد والتّرك والحبّ والبغض. وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها، فهذه أربعة أفكار هي أجلّ الأفكار، ويليها أربعة: فكر في مصالح الدّنيا وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدّنيا وطرق الاحتراز منها، فعلى هذه الأقسام الثّمانية دارت أفكار العقلاء. ورأس القسم الأوّل الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنّة نبيّه وما والاهما، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبّة والمعرفة، فإذا فكّر في الآخرة وشرفها ودوامها وفي الدّنيا وخسّتها وفنائها أثمر له ذلك الرّغبة في الآخرة والزّهد في الدّنيا، وكلّما فكّر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجدّ والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت. وهذه الأفكار تعلي همّته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والنّاس في واد. وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرّديئة الّتي تجول في قلوب أكثر الخلق. كالفكر فيما لم يكلّف الفكر فيه ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الّذي لا ينفع، كالفكر في كيفيّة ذات الرّبّ ممّا لا سبيل للعقول إلى إدراكه «4» .   (1) مقاييس اللغة (4/ 446) . (2) لسان العرب (5/ 65) . (3) التعريفات للجرجاني (66) . (4) الفوائد (255) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1065 الحثّ على التّفكّر والتّدبّر: قال الغزاليّ- رحمه الله-: كثر الحثّ في كتاب الله تعالى على التّدبّر والاعتبار والنّظر والافتكار، ولا يخفى أنّ الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر النّاس قد عرفوا فضله ورتبته لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التأمل- التأني- التبين (التثبت) - التدبر- تذكر الموت- التذكير- الذكر- النظر والتبصر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- الأمن من المكر- لبلادة والغباء- العجلة- الغفلة- اللهو واللعب- الإعراض] .   (1) الإحياء (4/ 423) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1066 الآيات الواردة في «التفكر» 1- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) «1» 2- أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) «2» 3- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) «3» 4- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) «4» 5- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) «5» 6- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) «6»   (1) البقرة: 219 مدنية (2) البقرة: 266 مدنية (3) آل عمران: 190- 192 مدنية (4) الأنعام: 50 مكية (5) الأعراف: 175- 176 مكية (6) الأعراف: 184- 185 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1067 7- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) «1» 8- اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) «2» 9- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) «3» 10- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «4» 11- وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) «5» 12- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8)   (1) يونس: 24 مكية (2) الرعد: 2- 3 مدنية (3) النحل: 10- 14 مكية (4) النحل: 43- 44 مكية (5) النحل: 68- 69 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1068 أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) «1» 13- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (22) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «2» 14- * قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) «3» 15- اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) «4» 16- * اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) «5» 17- لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) «6»   (1) الروم: 8- 9 مكية (2) الروم: 20- 24 مكية (3) سبأ: 46 مكية (4) الزمر: 42 مكية (5) الجاثية: 12- 13 مكية (6) الحشر: 20- 21 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1069 الأحاديث الواردة في (التفكر) 1- * (عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمّه كما قال الأوّل: زر غبّا تزدد حبّا. قال فقالت: دعونا من رطانتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فسكتت ثمّ قالت: لمّا كانت ليلة من اللّيالي قال: «يا عائشة، ذريني أتعبّد اللّيلة لربّي» قلت والله إنّي لأحبّ قربك وأحبّ ما سرّك. قالت: فقام فتطهّر ثمّ قام يصلّي. قالت: فلم يزل يبكي حتّى بلّ حجره، قالت: ثمّ بكى فلم يزل يبكي حتّى بلّ لحيته، قالت: ثمّ بكى فلم يزل يبكي حتّى بلّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصّلاة، فلمّا رآه يبكي. قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم وما تأخّر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا، لقد نزلت عليّ اللّيلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية (آل عمران/ 190)) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟ قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فو الّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. قال فيلقى العبد فيقول: أي فل «2» ألم أكرمك، وأسوّدك «3» ، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس» وتربع «5» ؟ فيقول: بلى. قال فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل: ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي ربّ! فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا ربّ آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت.   (1) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (2/ 620) ص 387، وقال محققه: إسناده قوي على شرط مسلم. وانظر: تفسير ابن كثير (1/ 437) . وهو عند البخاري- الفتح (8/ 4837) بلفظ مختصر. (2) أي فل: معناه يا فلان: وهو ترخيم على خلاف القياس. وقيل: هي لغة بمعنى فلان. حكاها القاضي. (3) أسوّدك: أي أجعلك سيدا على غيرك. (4) ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم. (5) تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها يقال: ربعتهم، أي أخذت ربع أموالهم. ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا. قال القاضي، بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. من قولهم: أربع على نفسك، أي ارفق بها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1070 ويثني بخير ما استطاع. فيقول ههنا إذا «1» . قال ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر «2» من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (التفكر) معنى 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل. وشابّ نشأ بعبادة الله. ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في الله، اجتمعا عليه وتفرّقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إنّي أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خاليّا، ففاضت عيناه» ) * «4» . 4- * (عن عمرو بن عبسة السّلميّ قال: كنت وأنا في الجاهلية أظنّ أنّ النّاس على ضلالة وأنّهم ليسوا على شيء. وهم يعبدون الأوثان. فسمعت برجل بمكّة يخبر أخبارا. فقعدت على راحلتي. فقدمت عليه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستخفيا جراء «5» عليه قومه. فتلطّفت حتّى دخلت عليه بمكّة. فقلت له: ما أنت؟ «6» قال: «أنا نبيّ» فقلت: وما نبيّ؟ قال: «أرسلني الله» فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء» قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: «حرّ وعبد» (قال ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممّن آمن به) فقلت: إنّي متّبعك. قال: «إنّك لا تستطيع ذلك يومك هذا. ألا ترى حالي وحال النّاس؟ ولكن ارجع إلى أهلك. فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» قال فذهبت إلى أهلي. وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبّر الأخبار وأسأل النّاس حين قدم المدينة. حتّى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة. فقلت: ما فعل هذا الرّجل الّذي قدم المدينة؟ فقالوا: النّاس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك. فقدمت المدينة. فدخلت عليه.   (1) هاهنا إذا: معناه هاهنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت منكرا. (2) ليعذر: من الإعذار. والمعنى ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه، بحيث لم يبق له عذر يتمسك به. (3) مسلم (2968) وبعضه عند البخاري (13/ 7437) . (4) البخاري- الفتح 3 (1423) . مسلم (1031) واللفظ له. (5) جرآء- بالجيم المضمومة- جمع جريء من الجراءة، وهى الإقدام والتسلط. (6) قال: ما أنت؟ ولم يقل: من أنت؟ لأنه سأله عن صفته لا عن ذاته، والصفات مما لا يعقل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1071 فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: «نعم. أنت الّذي لقيتني بمكّة؟» قال فقلت: بلى. فقلت: يا نبيّ الله أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله. أخبرني عن الصّلاة قال: «صلّ صلاة الصّبح. ثمّ أقصر «1» عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع. فإنّها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفّار. ثمّ صلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. «2» حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح «3» . ثمّ أقصر عن الصّلاة فإنّ حينئذ، تسجر «4» جهنّم. فإذا أقبل الفيء فصلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. حتّى تصلّي العصر. ثمّ أقصر عن الصّلاة. حتّى تغرب الشّمس. فإنّها تغرب بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار» قال: فقلت: يا نبيّ الله فالوضوء؟ حدّثني عنه. قال: «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلّا خرّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه. ثمّ إذا غسل وجهه كما أمره الله إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء. ثمّ يغسل يديه إلى المرفقين إلّا خرّت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثمّ يمسح رأسه إلا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء. ثمّ يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن هو قام فصلّى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجّده بالّذي هو له أهل، وفرّغ قلبه لله، إلّا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمّه» فحدّث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول في مقام واحد يعطى هذا الرّجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سنّي، ورقّ عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسول الله. لو لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا مرّة أو مرّتين أو ثلاثا (حتّى عدّ سبع مرّات) ما حدّثت به أبدا. ولكنّي سمعته أكثر من ذلك) * «5» .   (1) أقصر عن الصلاة: بمعنى امتنع عنها، يقال: قصر عن الأمر قصورّا وأقصر وقصّر وتقاصر: انتهى. القاموس (595) . (2) مشهودة: يشهدها الملائكة محضورة، يحضرها أهل الطاعات. (3) حتى يستقل الظل بالرمح: أي يقوم مقابله في جهة الشمال وهذه حالة الاستواء. (4) تسجر جهنم: أي توقد كأنه أراد الإبراد بالظهر لقوله: «أبردوا بالظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم» . النهاية (2/ 343) . (5) مسلم (832) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1072 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التفكر) 5- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) «1» اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد «2» . ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3) فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف «3» فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم «4» ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى- ابن عمّ خديجة- وكان امرءا تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «5» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «6» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي» ) * «7» . 6- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فقال: «لا والله ما أخشى عليكم، أيّها النّاس إلّا ما يخرج الله   (1) قوله «وهو التعبد» تفسير من الراوي؛ لأن المعنى ترك الحنث أي المعصية ومن ترك المعصية دخل في الطاعة. (2) الجهد: بالفتح يعني المشقة وبالضم يعني الوسع والطاقة. (3) يرجف: أي يضطرب من شدة الخوف. (4) تكسب المعدوم، قيل تكسب المال الذي لا يستطيع أحد كسبه وكانت العرب تمتدح بذلك، وقيل تكسب بالبناء للمجهول أي تجعل الشخص الضعيف يكسب المال. (5) يا ليتني فيها جذعا: أي أكون في سن الشباب وجذعا خبر أكون المحذوفة مع اسمها. وقيل: النصب على الحال والجذع- بفتحتين- هو الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الإسلام شابّا قويّا ليكون أمكن لنصره. (6) لم ينشب: أي لم يلبث. (7) البخاري- الفتح 1 (3) ، ومسلم (160) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1073 لكم من زهرة الدّنيا» فقال رجل: يا رسول الله أيأتي الخير بالشّرّ؟ فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة. ثمّ قال: «كيف قلت؟» قال: قلت يا رسول الله، أيأتي الخير بالشّرّ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخير لا يأتي إلّا بخير أو خير هو. إنّ كلّ ما ينبت الرّبيع يقتل حبطا «1» أو يلمّ. إلّا آكلة الخضر أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها «2» استقبلت الشّمس. ثلطت «3» أو بالت. ثمّ اجترّت «4» ، فعادت فأكلت. فمن يأخذ مالا بحقّه يبارك له فيه. ومن يأخذ مالا بغير حقّه فمثله كمثل الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «5» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بتّ عند خالتي ميمونة فتحدّث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أهله ساعة ثمّ رقد، فلمّا كان ثلث اللّيل الآخر قعد فنظر إلى السّماء فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) ثمّ قام فتوضّأ واستنّ «6» فصلّى إحدى عشرة ركعة ثمّ أذّن بلال فصلّى ركعتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح) * «7» . 8- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فافتتح البقرة. فقلت «8» يركع عند المائة. ثمّ مضى. فقلت: يصلّي بها فى ركعة. فمضى. فقلت: يركع بها. ثمّ افتتح النّساء فقرأها. ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا. إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح. وإذا مرّ بسؤال سأل. وإذا مرّ بتعوذّ تعوّذ. ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» فكان ركوعه نحوا من قيامه ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» ثمّ قام طويلا قريبا ممّا ركع. ثمّ سجد فقال: «سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه» . (قال) وفي حديث جرير من الزّيادة: فقال «سمع الله لمن حمده. ربّنا لك الحمد» ) * «9» . 9- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ القرآن» قال فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «إنّي أشتهي أن أسمعه من غيري» . فقرأت النّساء حتّى إذا بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل) * «10» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج   (1) يقال حبطت الدابة حبطا بالتحريك إذا أصابت مرعى طيّبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت. النهاية (1/ 331) . (2) امتلأت خاصرتاها: أي امتلأت شبعا وعظم جنباها. (3) ثلطت من الثلط وهو الرجيع الرقيق وأكثر ما يقال للإبل والبقر والفيلة. النهاية (1/ 220) . (4) اجترّت: أي أخرجت الجرة وهي ما تخرجه الماشية من كرشها لتمضغه ثم تبلعه. (5) البخاري- الفتح 6 (2842) . ومسلم (1052) واللفظ له. (6) استنّ: أي استعمل السواك. (7) البخاري- الفتح 8 (4569) . ومسلم (763) . (8) فقلت: أي في نفسي، يعني ظننت أنه يركع عند مئة آية. (9) مسلم (772) . (10) البخاري- الفتح 8 (4582) . مسلم (800) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1074 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبدياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب «1» فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «2» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا» ) *» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التفكر) 1- * (كان لقمان يطيل الجلوس وحده، فكان يمرّ به مولاه فيقول: «يا لقمان، إنّك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع النّاس كان آنس لك فيقول لقمان: «إنّ طول الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليل على طريق الجنّة» ) * «4» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة بلا قلب» ) * «5» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم موسى من الآيات؟ قالوا: عصاه، ويده بيضاء للنّاظرين. وأتوا النّصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم؟ قالوا: كان يبرأ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ادع لنا ربّك يجعل لنا الصّفا ذهبا. فدعا ربّه فنزلت: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) فليتفكّروا فيها» ) *. «6» 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «تفكّروا في كلّ شيء ولا تفكّروا في ذات الله» ) * «7» . 5- * (قال عمر بن عبد العزيز: «الفكرة في نعم الله- عزّ وجلّ- من أفضل العبادة» ) * «8» .   (1) قرن الثعالب: مكان قريب من مكة. (2) الأخشبين: جبلان بمكة. قال ابن الأثير: الأخشبان الجبلان المطيفان بمكة، وهما أبو قبيس والأحمر وهو جبل مشرف وجهه على قعيقعان (موضع بمكة أيضا) والأخشب كل جبل خشن غليظ الحجارة. النهاية (2/ 32) . (3) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. ومسلم (1795) . (4) الإحياء (4/ 424- 425) . (5) المصدر نفسه (4/ 425) . (6) الدر المنثور (2/ 407) . (7) المصدر نفسه (2/ 409) . (8) الإحياء (4/ 425) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1075 6- * (وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك، فقال: «فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر» ) * «1» . 7- * (عن عبد الله بن عتبة قال: سألت أمّ الدّرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدّرداء؟ قالت: «التفكّر والاعتبار» ) * «2» . 8- * (عن عامر بن عبد قيس قال: «سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم يقولون: «إنّ ضياء الإيمان أو نور الإيمان التّفكّر» ) * «3» . 9- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: «إنّ من أفضل العمل الورع والتّفكّر» ) * «4» . 10- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: «تفكّر ساعة خير من قيام ليلة» ) * «5» . 11- * (كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: «اعلم أنّ التّفكّر يدعو إلى الخير والعمل به، والنّدم على الشّرّ يدعو إلى تركه، وليس ما فني وإن كان كثيرا يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزا، واحتمال المئونة المنقطعة الّتي تعقب الرّاحة الطّويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مئونة باقية» ) * «6» . 12- * (عن محمّد بن كعب القرظيّ قال: «لأن أقرأ في ليلتي حتّى أصبح بإذا زلزلت، والقارعة لا أزيد عليهما وأتردّد فيهما وأتفكّر أحبّ إليّ من أن أهذّ «7» القرآن ليلتي هذّا أو قال أنثره نثرا» ) * «8» . 13- * (عن طاوس قال: «قال الحواريّون لعيسى ابن مريم، يا روح الله هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: «نعم، من كان منطقه ذكرا وصمته فكرا ونظره عبرة فإنّه مثلي» ) * «9» . 14- * (قال وهب بن منبّه: «ما طالت فكرة امرئ قطّ إلّا علم، وما علم امرؤ قطّ إلّا عمل» ) * «10» . 15- * (قال عبد الله بن المبارك: «مرّ رجل براهب عند مقبرة ومزبلة فناداه فقال: يا راهب، إنّ عندك كنزين من كنوز الدّنيا لك فيهما معتبر. كنز الرّجال، وكنز الأموال» ) * «11» . 16- * (قال الشّيخ أبو سليمان الدّارانيّ: «إنّي لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلّا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة» ) * «12» . 17- * (قال بشر بن الحارث الحافي: «لو تفكّر النّاس في عظمة الله ما عصوا الله- عزّ   (1) تفسير ابن كثير (1/ 438) . (2) انظر الزهد لوكيع بن الجراح (ص 474) . (3) الدر المنثور (2/ 409) . (4) كتاب الزهد لابن المبارك (ص 96) . (5) الإحياء (4/ 424) . (6) المصدر نفسه (4/ 424) . (7) أهذ: أي أن أقرأه بسرعة. (8) كتاب الزهد لابن المبارك (ص 97) . (9) الإحياء (4/ 424) . (10) المصدر نفسه (4/ 424) . (11) المصدر نفسه (4/ 425) . (12) تفسير ابن كثير (1/ 438) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1076 وجلّ» ) * «1» . 18- * (قال مغيث الأسود: «زوروا القبور كلّ يوم تفكّركم، وشاهدوا الموقف بقلوبكم. وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنّة أو النّار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النّار ومقامعها وأطباقها، وكان يبكي عند ذلك حتّى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله» ) * «2» . 19- * (قيل لإبراهيم بن أدهم: «إنّك تطيل الفكرة» فقال: «الفكرة مخّ العقل» ) * «3» . 20- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: «استعينوا على الكلام بالصّمت وعلى الاستنباط بالفكر» . وقال أيضا: «صحّة النّظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرّأي سلامة من التّفريط والنّدم، والرّؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة، ومشاورة الحكماء ثبات في النّفس، وقوّة في البصيرة، ففكّر قبل أن تعزم، وتدبّر قبل أن تهجم، وشاور قبل أن تقدم» ) * «4» . 21- * (عن الفضيل بن عياض قال: «الفكر مرآة تريك حسناتك وسيّئاتك» ) * «5» . 22- * (قال أبو سليمان: «عوّدوا أعينكم البكاء وقلوبكم التّفكّر» ) * «6» . وقال: «الفكر في الدّنيا حجاب عن الآخرة والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب» ) * «7» . 23- * (عن امرأة كانت تسكن البادية قريبا من مكّة أنّها قالت: «لو تطالعت قلوب المتّقين بفكرها إلى ما قد ادّخر لها في حجب الغيب من خير الآخرة لم يصف لهم في الدّنيا عيش ولم تقرّ لهم في الدّنيا عين» ) * «8» . 24- * (قال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله-: «أنفع الدّواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كلّ شرّ، ومن فكّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمّة أحقّ شيء بإصلاحه من نفسك؛ فإنّ هذه خاصّتك وحقيقتك الّتي لا تبتعد أو تقترب من إلهك ومعبودك الّذي لا سعادة لك إلّا في قربه ورضاه عنك إلّا بها، وكلّ الشّقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلّا كذلك» ) * «9» .   (1) الإحياء (4/ 424) . (2) المصدر نفسه (4/ 425) . (3) المصدر نفسه (4/ 424) . (4) المصدر نفسه (4/ 425) . (5) المصدر نفسه (4/ 424) . (6) المصدر نفسه (4/ 425) . (7) الإحياء (4/ 424) . (8) المصدر نفسه (4/ 424) . (9) الجواب الكافي، لابن القيم (ص 86) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1077 ومن أقوال الشعراء: 25- * (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله-: إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كلّ شيء له عبرة) * «1» 26- * (أنشد بعض الأدباء: إنّي رأيت عواقب الدّنيا ... فتركت ما أهوى لما أخشى فكّرت في الدّنيا وعالمها ... فإذا جميع أمورها تفنى وبلوت أكثر أهلها فإذا ... كلّ امرئ في شأنه يسعى أسنى منازلها وأرفعها ... في العزّ أقربها من المهوى تعفو مساويها محاسنها ... لا فرق بين النّعي والبشرى وقد مررت على القبور فما ... ميّزت بين العبد والمولى أتراك تدري كم رأيت من ... الأحياء ثمّ رأيتهم موتى) * «2» 27- * (قال الشّاعر: إذا كنت في نعمة فارعها ... فإنّ الذّنوب تزيل النّعم وحطها بطاعة ربّ العباد ... فربّ العباد سريع النّقم وإيّاك والظّلم مهما استطعت ... فظلم العباد شديد الوخم وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصر آثار من قد ظلم) * «3» من فوائد (التفكر) (1) طريق موصّل إلى رضوان الله ومحبّته. (2) انشراح للصّدر وسكينة للقلب. (3) التّفكّر يورث الخوف والخشية من الله- عزّ وجلّ-. (4) التّفكّر يورث الحكمة ويحيي القلوب. (5) كثرة الاعتبار والاتّعاظ من سير السّابقين. (6) التّفكّر قيمة عقليّة كبرى تؤدّي إلى يقظة الأفراد ونهضة الأمم.   (1) تفسير ابن كثير (1/ 438) . (2) الفوائد لابن القيم (227) . (3) أدب الدنيا والدين للماوردي (285) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1078 التقوى الآيات/ الأحاديث/ الآثار 158/ 47/ 8 التقوى لغة: هي الاسم من قولهم اتّقى والمصدر الاتّقاء وكلاهما مأخوذ من مادّة (وق ى) الّتي تدلّ على دفع شيء عن شيء بغيره، والثّلاثيّ من هذه المادّة «وقى» يقال: وقيت الشّيء أقيه وقيا، والوقاية ما يقي الشّيء، والاتّقاء اتّخاذ الوقاية وهو بمعنى التّوقّي، يقال: توقّيت الشّيء واتّقيته بمعنى، ومعنى قولهم: اتّق الله: توقّه أي اجعل بينك وبينه كالوقاية، وقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة» كأنّه أراد اجعلوها (أي شقّ التّمرة) وقاية بينكم وبينها (النّار) . وقال الرّاغب ما خلاصته: الوقاية: حفظ الشّيء ممّا يؤذيه ويضرّه وهي بهذا المعنى مصدر مثل الوقاء، يقال: وقيت الشّيء أقيه وقاية ووقاء، وعلى ذلك قوله- عزّ وجلّ-:- ووقاهم عذاب السّعير والتّقوى جعل النّفس في وقاية ممّا يخاف، هذا تحقيقه، ثمّ يسمّى الخوف تارة تقوى، والتّقوى خوفا، حسب تسمية مقتضى الشّيء بمقتضيه، والمقتضي للشّيء بمقتضاه، ويقال: اتّقى فلان بكذا: إذا جعله وقاية لنفسه، وعلى ذلك قوله سبحانه: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (الزمر/ 24) وفيه تنبيه على شدّة ما ينالهم، وأنّ أجدر شيء يتّقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم «1» . قال الجوهريّ: التّقوى والتّقى واحد والتّقيّ: المتّقي. وقد قالوا: ما أتّقاه لله. وقال الشاعر: ومن يتّق فإنّ الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغادي «2» قال ابن منظور: وفي التّنزيل العزيز:- وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (محمد/ 17) أي جزاء تقواهم. وقيل معناه: ألهمهم تقواهم. وقوله تعالى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (المدثر/ 56) ، أي هو أهل أن يتّقى عقابه، وأهل أن يعمل بما يؤدّي إلى مغفرته. قال أبو بكر: رجل تقيّ ويجمع أتقياء، معناه أنّه موقّ نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصّالح، وأصله من وقيت نفسي أقيها» .   (1) بتصرف عن: المقاييس (6/ 13) ، ومفردات الراغب (ص 530) . (2) البيت في الصاحبي (28) وشرح الشافية (2/ 299) وسكنت القاف في يتق لضرورة الوزن وكان القياس كسرها، وكذا سكنت عين «مع» لضرورة الوزن. راجع شرح شواهد الشافية (4/ 225) . (3) المقاييس لابن فارس (6/ 131) ، والمفردات للراغب (ص 530) ، والصحاح للجوهري (6/ 2527) ولسان العرب لابن منظور (15/ 402) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1079 التقوى اصطلاحا: قال الرّاغب: التّقوى في تعارف الشّرع: حفظ النّفس عمّا يؤثم وذلك بترك المحظور، ويتمّ ذلك بترك بعض المباحات، لما روي: الحلال بيّن والحرام بيّن، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه، وقال الجرجانيّ: التّقوى في الطّاعة يراد بها الإخلاص وفي المعصية يراد بها التّرك والحذر، وقيل هي: «الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته وصيانة النّفس عمّا تستحقّ به العقوبة من فعل أو ترك» ، وقيل: هي المحافظة على آداب الشّريعة ومجانبة كلّ ما يبعد المرء عن الله تعالى، وقيل: هي ترك حظوظ النّفس ومباينة الهوى. وقال الفيروز آباديّ: التّقوى البالغة الجامعة: اجتناب كلّ ما فيه ضرر وهو المعصية، والفضول، فعلى ذلك تنقسم إلى فرض ونفل. وقيل: هي التّجنّب عن كلّ ما يؤثّم من فعل أو ترك. وقيل: هي امتثال أوامره تعالى واجتناب نواهيه، بفعل كلّ مأمور به وترك كلّ منهيّ عنه حسب الطّاقة. قال الحليميّ: حقيقة التّقوى فعل المأمور به والمندوب إليه واجتناب المنهيّ عنه والمكروه المنزّه عنه لأنّ المراد من التّقوى وقاية العبد نفسه من النّار وهو إنّما يقي نفسه من النّار بما ذكرت «1» . من معاني كلمة التقوى في القرآن: ورد لفظ التّقوى في القرآن الكريم على خمسة أوجه: 1- الخوف والخشية كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (الحج/ 1) . 2- العبادة كما في قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (النحل/ 2) . 3- ترك المعصية كما في قوله تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (البقرة/ 189) أي لا تعصوه. 4- التّوحيد كما في قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى (الحجرات/ 3) أي للتّوحيد. 5- الإخلاص كما في قوله سبحانه: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج/ 32) «2» . بين التقوى والورع: التّقوى تقارب الورع إلّا أنّ بينهما فروقا منها: 1- التّقوى أخذ عدّة، والورع دفع شبهة.   (1) التعريفات للجرجاني (65) ، وانظر شعب الإيمان للبيهقي (7/ 157) ، ودليل الفالحين (1/ 642) ، والمفردات للأصفهاني (ص 530) ، وبصائر ذوي التمييز (2/ 300) . (2) كشف الأسرار لابن العماد (ص 222 وما بعدها) ، وقارن ببصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (2/ 300) ، ونزهة الأعين النواظر لابن الجوزي (219) وما بعدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1080 2- التّقوى متحقّق السّبب، والورع مظنون السّبب. 3- التّقوى احتراز عما يتّقيه الإنسان ويحصل به الحيلولة بينه وبين ما يكره، والورع تجاف بالنّفس عن الانبساط فيما لا يؤمن عاقبته «1» . بشارات القرآن للمتقين: بشّر القرآن الكريم المتّقين ببشارات عديدة منها: العون والنّصرة، والتّكريم، والعلم والحكمة، وتكفير الذّنوب وتعظيم الأجر، والمغفرة، واليسر والسّهولة في الأمر، والخروج من الغمّ والمحنة، ومنها الرّزق الواسع في الدّنيا، والنّجاة من العقوبة في الآخرة، ومنها التّوفيق والعصمة والفوز بالمراد، وشهادة الله لهم بالصّدق، ومحبّة الله وإكرامه ونيل الوصال وقبول الصّدقة والصّفاء وكمال العبوديّة، ومنها المقام الأمين والجنّات والعيون والأمن من البليّة وعزّ الفوقيّة وزوال الحزن والخوف من العقوبة والزّوجات الحسان (الكواعب الأتراب) في الجنّة، وأعظم من هذا كلّه القرب من الحضرة الإلهيّة عند الفوز بمقعد صدق عند مليك مقتدر «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الإيمان- الخشية- الخوف- الطاعة- تعظيم الحرمات- الخشوع- السكينة- الورع- الإخلاص. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الضلال- العصيان- الفجور- النفاق- الرياء- الغفلة- انتهاك الحرمات] .   (1) بتصرف يسير من: نزهة الأعين النواظر (219) . (2) انظر الآيات الدالة على هذه البشارات في بصائر ذوي التمييز (5/ 300- 303) ، وقارن بفوائد الصفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1081 الآيات الواردة في «التقوى» من هم المتقون (صفات المتقين) : 1- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1» 2- * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «2» 3- * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) «3»   (1) البقرة: 1- 5 مدنية (2) البقرة 177 مدنية (3) آل عمران: 133- 138 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1082 التقوى بمعنى تنزيه القلب عن المعاصي وترك الذنوب: 4- وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) «1» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) «2» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) «3» 7- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) .   (1) البقرة: 101- 103 مدنية (2) البقرة: 178- 179 مدنية (3) البقرة: 183- 184 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1083 * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) «1» 8- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) «2» 9- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) «3» 10- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «4» 11- وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) «5» 12- * لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ   (1) البقرة: 187- 189 مدنية (2) البقرة: 196- 197 مدنية (3) البقرة: 223- 224 مدنية (4) البقرة: 236- 237 مدنية (5) البقرة: 241- 242 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1084 فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) «1» 13- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) «2» 14- وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «3» 15- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «4» 16- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178) ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) «5» 17- * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «6» 18- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ   (1) آل عمران: 113- 115 مدنية (2) آل عمران: 120 مدنية (3) آل عمران: 123- 126 مدنية (4) آل عمران: 172- 174 مدنية (5) آل عمران: 178- 179 مدنية (6) آل عمران: 186 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1085 اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) «1» 19- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) «2» 20- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «3» 21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «4» 22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) «5» 23- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «6» 24- أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) «7»   (1) النساء: 77- 80 مدنية (2) النساء: 128- 130 مدنية (3) المائدة: 7- 8 مدنية (4) المائدة: 11 مدنية (5) المائدة: 87- 88 مدنية (6) المائدة: 93 مدنية (7) المائدة: 96 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1086 25- قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) «1» 26- وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) «2» 27- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «3» 28- وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) » 29- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «5» 30- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) «6»   (1) المائدة: 100 مدنية (2) المائدة: 111- 115 مدنية (3) الأنعام: 50- 51 مكية (4) الأنعام: 68- 70 مكية (5) الأنعام: 152- 153 مكية (6) الأعراف: 26 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1087 31- * وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) «1» 32- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) «2» 33- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) «3» 34- إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) «4» 35- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «5» 36- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) «6» 37- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) «7» 38- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)   (1) الأعراف: 171 مكية (2) الأعراف: 200- 201 مكية (3) الأنفال: 67- 69 مدنية (4) التوبة: 4 مدنية (5) التوبة: 36 مدنية (6) يونس: 62- 64 مكية (7) هود: 77- 78 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1088 قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) «1» 39- فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) «2» 40- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) «3» 41- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) «4» 42- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) «5» 43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54)   (1) يوسف: 87- 90 مكية (2) الحجر: 61- 69 مكية (3) النور: 51- 52 مدنية (4) النمل: 51- 53 مكية (5) الأحزاب: 1- 3 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1089 لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) «1» 44- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) «2» 45- وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) «3» 46- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) «4» 47- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) «5» 48- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)   (1) الأحزاب: 53- 55 مدنية (2) الزمر: 10 مكية (3) الزمر: 55- 61 مكية (4) محمد: 36 مدنية (5) الحجرات: 1- 3 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1090 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «1» 49- ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7) «2» 50- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) «3» 51- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «4» 52- فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19)   (1) الحجرات: 9- 13 مدنية (2) الحشر: 7 مدنية (3) الممتحنة: 10- 11 مدنية (4) الطلاق: 8- 11 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1091 إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «1» 53- أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) «2» التقوى بمعنى الخوف والخشية: 54- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) «3» 55- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) «4» 56- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) «5» 57- * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) «6»   (1) الليل: 5- 21 مكية (2) العلق: 9- 14 مكية (3) البقرة: 47- 48 مدنية (4) البقرة: 62- 66 مدنية (5) البقرة: 122- 123 مدنية (6) البقرة: 203- 206 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1092 58- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «1» 59- * وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) «2» 60- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) » 61- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «4» 62- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)   (1) البقرة: 231 مدنية (2) البقرة: 233 مدنية (3) البقرة: 278- 279 مدنية (4) البقرة: 282 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1093 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) «1» 63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) «2» 64- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) «3» 65- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) «4» 66- وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9) «5» 67- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) «6» 68- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) «7» 69- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «8»   (1) آل عمران: 45- 50 مدنية (2) آل عمران: 130- 132 مدنية (3) آل عمران: 200 مدنية (4) النساء: 1 مدنية (5) النساء: 9 مدنية (6) المائدة: 27 مدنية (7) المائدة: 35 مدنية (8) المائدة: 57- 58 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1094 70- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) «1» 71- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «2» 72- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) «3» 73- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) «4» 74- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) * وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «5»   (1) المائدة: 65 مدنية (2) المائدة: 106- 108 مدنية (3) النمل: 51- 53 مكية (4) الأعراف: 96- 99 مكية (5) الأعراف: 155- 156 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1095 75- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) «1» 76- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «2» 77- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «3» 78- وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) «4» 79- لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) «5»   (1) الأعراف: 165- 169 مكية (2) الأنفال: 1- 4 مدنية (3) الأنفال: 24- 25 مدنية (4) التوبة: 3- 4 مدنية (5) التوبة: 44- 45 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1096 80- * وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) «1» 81- وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) «2» 82- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) «3» 83- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) «4» 84- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «5» 85- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) «6» 86- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) «7»   (1) النحل: 30- 32 مكية (2) النحل: 126- 128 مكية (3) مريم: 12- 19 مكية (4) مريم: 96- 98 مكية (5) طه: 113- 114 مكية (6) الأنبياء: 48- 49 مكية (7) الحج: 1- 2 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1097 87- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «1» 88- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) «2» 89- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) «3» 90- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) «4» 91- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «5» 92- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) » 93- وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) «7» 94- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) «8» 95- وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (42)   (1) الحج: 36- 37 مدنية (2) المؤمنون: 23 مكية (3) المؤمنون: 31- 32 مكية (4) العنكبوت: 16- 17 مكية (5) الروم: 30- 32 مكية (6) لقمان: 33 مكية (7) الأحزاب: 37 مدنية (8) الأحزاب: 70- 71 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1098 وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (44) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (46) «1» 96- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «2» 97- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) «3» 98- وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (18) «4» 99- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) «5» 100- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا   (1) يس: 41- 46 مكية (2) ص: 27- 28 مكية (3) الزمر: 27- 33 مكية (4) فصلت: 17- 18 مكية (5) الزخرف: 63- 67 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1099 بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «1» 101- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) «2» 102- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (19) «3» 103- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) «4» 104- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) «5» 105- كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (55) وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) «6» التقوى بمعنى الطاعة: 106- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) «7»   (1) الحجرات: 9- 13 مدنية (2) الحديد: 28 مدنية (3) الحشر: 18- 19 مدنية (4) الحاقة: 38- 48 مكية (5) نوح: 1- 4 مكية (6) المدثر: 54- 56 مكية (7) البقرة: 183- 184 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1100 107- * وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) «1» 108- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) «2» 109- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «3» 110- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132) «4» 111- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)   (1) آل عمران: 75- 76 مدنية (2) آل عمران: 102- 105 مدنية (3) المائدة: 2 مدنية (4) طه: 130- 132 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1101 وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «1» 112- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) «2» 113- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «3» 114- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) «4» 115- وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4) وَالسَّماءِ وَما بَناها (5) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) «5» التقوى بمعنى العبادة: 116- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) «6» 117- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) «7» 118- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) «8»   (1) الأحزاب: 32- 34 مدنية (2) المجادلة: 9 مدنية (3) التغابن: 14- 16 مدنية (4) الطلاق: 1 مدنية (5) الشمس: 1- 10 مكية (6) البقرة: 40- 41 مدنية (7) الأعراف: 128 مكية (8) النحل: 1- 2 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1102 119- * وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) «1» 120- قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20) «2» التقوى بمعنى التوحيد والإيمان: 121- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) «3» 122- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) «4» 123- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) «5» 124- وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) » 125- يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) «7» 126- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)   (1) النحل: 51- 52 مكية (2) الزمر: 14- 20 مكية (3) البقرة: 212 مدنية (4) آل عمران: 137- 138 مدنية (5) النساء: 131 مدنية (6) الأنعام: 30- 32 مكية (7) الأعراف: 35 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1103 قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) «1» 127- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «2» 128- أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) «3» 129- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) «4» 130- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) «5» 131- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132)   (1) الأعراف: 59- 63 مكية (2) يوسف: 108- 109 مكية (3) مريم: 67- 72 مكية (4) المؤمنون: 86- 89 مكية (5) الشعراء: 105- 110 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1104 أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) «1» 132- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) «2» 133- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) «3» 134- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) «4» 135- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) «5» التقوى بمعنى الإخلاص: 136- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)   (1) الشعراء: 123- 135 مكية (2) الشعراء: 141- 152 مكية (3) الشعراء: 160- 166 مكية (4) الشعراء: 176- 184 مكية (5) الصافات: 123- 126 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1105 أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) «1» 137- * لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) «2» جزاء المتقين: 138- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198) «3» 139- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «4»   (1) التوبة: 107- 109 مدنية (2) الفتح: 18- 26 مدنية (3) آل عمران: 196- 198 مدنية (4) الأنفال: 29 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1106 140- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «1» 141- * مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) «2» 142- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) «3» 143- جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) «4» 144- بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا (16) «5»   (1) التوبة: 5- 7 مدنية (2) الرعد: 35 مدنية (3) الحجر: 45- 48 مكية (4) مريم: 61- 64 مكية (5) الفرقان: 11- 16 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1107 145- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) «1» 146- تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84) «2» 147- وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) * وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) «3» 148- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) «4» 149- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) «5» 150- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16)   (1) الشعراء: 90- 91 مكية (2) القصص: 83- 84 مكية (3) ص: 45- 52 مكية (4) الدخان: 51- 57 مكية (5) الجاثية: 16- 19 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1108 وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) «1» 151- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) «2» 152- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) «3» 153- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) «4» 154- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) «5» 155- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5) «6» 156- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) » 157- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) «8» 158- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) «9»   (1) محمد: 15- 17 مدنية (2) ق: 31- 35 مكية (3) الذاريات: 15- 18 مكية (4) الطور: 17- 19 مكية (5) القمر: 54- 55 مكية (6) الطلاق: 2- 5 مدنية (7) القلم: 34- 36 مكية (8) المرسلات: 41- 44 مكية (9) النبأ: 31- 36 مكية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1109 الأحاديث الواردة في (التقوى) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اتّقوا الظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ «1» ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» ) * «2» . 2- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع فقال: «اتّقوا الله ربّكم، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «3» . 3- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة» ) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «5» أو حائش نخل «6» ، قال: فدخل حائطا «7» لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «8» ، فقال: «من ربّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟» . فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي، يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «9» » ) * «10» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا جاءه فقال: أوصني فقال: سألت عمّا سألت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبلك فقال: «أوصيك بتقوى الله؛ فإنّه رأس كلّ شيء، وعليك بالجهاد فإنّه رهبانيّة الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنّه روحك في السّماء، وذكرك في الأرض» ) * «11» . 6- * (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيقبّل الصّائم؟. فقال له   (1) الشح: أشد البخل. (2) مسلم (2578) . (3) الترمذي (616) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم (1/ 9، 389) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وأقرّه محقق «جامع الأصول» (9/ 545) . (4) البخاري- الفتح 3 (1417) واللفظ له. ومسلم (1016) . (5) هدفا: الهدف ما ارتفع من بناء ونحوه. (6) حائش نخل: هو النخل الملتف المجتمع لا واحد له من لفظه. راجع اللسان مادة «حوش» . (7) الحائط: ههنا: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار وجمعه حوائط. اللسان «حوط» . (8) ذفراه: ذفرى البعير- بكسر الذال الموضع الذي يعرق من قفاه أو العظم الشاخص خلف الأذن. «القاموس: ذفر» . (9) تدئبه: تتعبه وتشقيه. (10) أبو داود (2549) قال محقق جامع الأصول (4/ 527) : إسناده صحيح. وهو عند مسلم بدون قصة الجمل. (11) أحمد في المسند (3/ 82) . والهيثمي في المجمع (4/ 215) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات والحديث في الصحيحة للألباني (555) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1110 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سل هذه» (لأمّ سلمة) فأخبرته أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصنع ذلك. فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والله إنّي لأتقاكم لله، وأخشاكم له» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّي أريد أن أسافر فأوصني. قال: «عليك بتقوى الله، والتّكبير على كلّ شرف «2» ، فلمّا أن ولّى الرّجل، قال: «اللهمّ اطو له البعد وهوّن عليه السّفر» ) * «3» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا، ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده، اللهم أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكابة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل» ) * «4» . 9- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّ سائلا جاءه فسأله نفقة في ثمن خادم، أو في بعض ثمن خادم، فقال: «ليس عندي ما أعطيك، إلّا درعي ومغفري «5» فأكتب إلى أهلي أن يعطوكها، فلم يرض، فغضب عديّ فقال، أما والله لا أعطيك شيئا، ثمّ إنّ الرّجل رضي، فقال: أما والله لولا أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف على يمين ثمّ رأى أتّقى لله منها فليأت التّقوى» ما حنثت يميني «6» ) * «7» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: بلغ صفيّة أنّ حفصة قالت: بنت يهوديّ فبكت فدخل عليها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي، فقال: «ما يبكيك؟» فقالت: قالت لي حفصة: إنّي بنت يهوديّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك لابنة نبيّ، وإنّك لتحت نبيّ. ففيم تفخر عليك؟، ثمّ قال: اتّقي الله يا حفصة» ) * «8» . 11- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: تصدّق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت أمّي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلق أبي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفعلت هذا بولدك كلّهم؟» قال: لا. قال: «اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم» ، فرجع أبي   (1) مسلم (1108) . (2) الشرف: المكان المرتفع. (3) الترمذي (3445) وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2740) . وصححه الحاكم في المستدرك (3/ 98) ووافقه الذهبي. وحسّنه أيضا محقق «جامع الأصول» (4/ 290) . (4) مسلم (1342) . (5) المغفر- بكسر- أوله حلق يجعلها الرجل أسفل البيضة تسبغ على العنق فتقيه. (6) ما حنثت يميني: أي ما جعلتها ذات حنث؛ بل جئت بارّا بها وفيّا بموجبها. (7) مسلم (1651) . (8) إسناده صحيح، أخرجه أحمد (3/ 135- 136) ، والترمذي (3894) ، والطبراني (24/ 186) ، وابن حبان (7212) . وصححه محقق «جامع الأصول» (9/ 144) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1111 فردّ تلك الصّدقة) * «1» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها «2» ، فقالوا وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟، قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟، أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنّى أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «3» . 13- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّق الله وأمسك عليك زوجك» ) * «4» . 14- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، إنّي أريد سفرا فزوّدني. قال: «زودّك الله التّقوى» قال: زدني. قال: «وغفر ذنبك» . قال: زدني بأبي أنت وأمّي. قال: «ويسّر لك الخير حيثما كنت» ) * «5» . 15- * (عن سمرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحسب: المال، والكرم: التّقوى» ) * «6» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكثر ما يدخل النّاس الجنّة قال: «تقوى الله وحسن الخلق» ) * «7» . 17- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- في حديثه الطّويل في حجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث وفيه: «فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله وأنتم تسألون عنّي. فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس: «اللهمّ اشهد. اللهم اشهد» (ثلاث مرّات) الحديث ... » ) * «8» . 18- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت وأتبع السّيّئة   (1) البخاري- الفتح 5 (2587) . ومسلم (1623) واللفظ له. (2) تقالوها: تقللوها. أي عدوها قليلة وعبارة ابن حجر في الفتح (9/ 7) أي استقلوها. (3) البخاري- الفتح 9 (5063) واللفظ له. ومسلم (1108) . (4) البخاري- الفتح 13 (7420) . (5) الترمذي (3444) وقال: حديث حسن غريب، وحسنه الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2739) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 290) : إسناده حسن. (6) الترمذي (3271) ، والحاكم (2/ 163) و (4/ 325) ، وأحمد (5/ 10) ، وصححه الألباني في الإرواء (1870) . (7) الترمذي (616) وقال: حديث حسن غريب. (8) مسلم (1218) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1112 الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «1» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أذهب الله عنكم عبّيّة الجاهليّة «2» وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ، والنّاس بنو آدم، وآدم من تراب» ) *» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من أكرم النّاس؟ قال: «أكرمهم أتّقاهم» ، قالوا: يا نبيّ الله، ليس عن هذا نسألك. قال: «وأكرم النّاس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» . قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «أفعن معادن العرب تسألونني؟» . قالوا: نعم. قال: «فخياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا» ) * «4» . 21- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله، أيّ النّاس أفضل؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله» . قالوا: ثمّ من؟. قال: «مؤمن في شعب «5» من الشّعاب يتّقي الله ويدع النّاس من شرّه» ) * «6» . 22- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: كان آخر كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلاة الصّلاة، اتّقوا الله فيما ملكت أيمانكم» ) * «7» . 23- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثمّ قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا «8» ولا تغدروا ولا تمثلوا «9» ولا تقتلوا وليدا «10» . وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) ، فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام «11» ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحوّلوا منها فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون   (1) الترمذي (2053) وقال: حديث حسن صحيح. وحسّنه محقق و «جامع الأصول» (11/ 694) . (2) عبية الجاهلية: المراد به الكبر. وقال ابن الأثير هي فعّولة أو فعّيلة، فإن كانت فعّولة فهي من التّعبية؛ لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية، خلاف من يسترسل على سجيته، وإن كانت فعّلية فهي من عباب الماء وهو أوله وارتفاعه، وقيل: إن اللام قلبت ياء. النهاية 3/ 169. (3) أبو داود (5116) . والترمذي (3965) وحسنه الألباني (صحيح الترمذي: 3101) . (4) البخاري- الفتح 6 (3374) . (5) الشعب: بكسر أوله- ما انفرج بين جبلين. (6) البخاري- الفتح 6 (2786) واللفظ له. ومسلم (1888) . (7) أبو داود (5156) وقال محقق جامع الأصول (11/ 804) : حديث صحيح. (8) ولا تغلوا: من الغلول. ومعناه الخيانة في المغنم. أي لا تخونوا في الغنيمة. (9) ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأطراف والآذان. (10) وليدا: أي صبيّا؛ لأنّه لا يقاتل. (11) ثم ادعهم إلى الإسلام: قال القاضي عياض- رضي الله تعالى عنه-: صواب الرواية: ادعهم، بإسقاط ثم، وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد وفي سنن أبي داود وغيرهما؛ لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها. وقال المازري: ليست ثم، هنا، زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1113 لهم في الغنيمة والفيء شيء إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله «1» وذمّة نبيّه، فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك؛ فإنّكم إن تخفروا «2» ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «3» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التّقوى ههنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرّات) بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ) * «4» . 25- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا تصاحب إلّا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلّا تقيّ» ) * «5» . 26- * (عن عطيّة السّعديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين حتّى يدع ما لا بأس به حذرا ممّا به البأس» ) * «6» . 27- * (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة «7» ، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) * «8» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:» من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتّقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإنّ عليه منه» ) * «9» .   (1) ذمة الله: الذمة، هنا، العهد. (2) أن تخفروا: يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده، وخفرته أمنته وحميته. (3) مسلم (1731) . (4) مسلم (2564) . (5) أبو داود (4832) . والترمذي (2395) وقال: حديث حسن، والحاكم في المستدرك (4/ 128) وصححه ووافقه الذهبي. وحسّنه أيضا محقق «جامع الأصول» (6/ 666) . (6) الترمذي (2451) وقال: حديث حسن غريب. وسنن ابن ماجة (4215) ، وفي سنده عبد الله بن يزيد، وثقه ابن حبان، التهذيب (6/ 83) . وصححه السيوطي أيضا برقم 9942، وأخرجه الحاكم بلفظ «إن الرجل لا يكون من المتقين ... » وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي (4/ 320) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 612) حديث حسن. (7) المعجمة: التي لا تنطق. (8) أبو داود (2548) وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) : إسناده حسن. (9) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له. ومسلم (1841) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1114 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ- أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك؛ فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «1» . 30- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: «وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم يرى «2» اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «3» . 31- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل. فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل. فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها لعلّ الله يفرجها عنكم. فقال أحدهم: اللهم إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم «4» ، حلبت، فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ، وأنّه نأى بي ذات يوم الشّجر «5» ، فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون «6» عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم «7» حتّى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، نرى منها السّماء، ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السّماء. وقال الآخر: اللهّمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها. فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين   (1) أحمد في المسند (2/ 310) . والترمذي (2305) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1876) . وابن ماجة (4217) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) : حديث حسن. (2) هكذا النص في الترمذي، وقد رويت في سنن أبي داود [فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى ... ] ورواية ابن ماجة: [من يعش منكم فسيرى ... ] . (3) أبو داود (4607) والترمذي (2676) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة في المقدمة (42) . وقال محقق «جامع الأصول» 1/ 279) : إسناده صحيح. (4) فإذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مراحها. يقال: أرحت الماشية وروحتها، بمعنى. (5) نأى بي ذات يوم الشجر: ومعناه بعد. والنأي البعد. (6) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع. (7) فلم يزل ذلك دأبي: أي حالي اللازمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1115 رجليها، قالت: يا عبد الله اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه. فقمت عنها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم. وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ «1» ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها، فجاءني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها، فخذها. فقال: اتّق الله ولا تستهزأ بي. فقلت: إنّي لا أستهزأ بك خذ ذلك البقر ورعاءها. فأخذه فذهب به، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي. ففرج الله ما بقي» ) * «2» . 32- * (عن رفاعة- رضي الله عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرأى النّاس يتبايعون، فقال: «يا معشر التّجّار» فاستجابوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: «إنّ التّجار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلّا من اتّقى الله وبرّ وصدق» ) * «3» . 33- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان يقول: «اللهمّ إنّي أسألك الهدى والتّقى والعفاف والغنى» ) * «4» . 34- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أهللنا أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالحجّ خالصا وحده، فقدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صبح رابعة مضت من ذي الحجّة، فأمرنا أن نحلّ، قال عطاء: قال: «حلّوا وأصيبوا النّساء «5» » . قال عطاء: ولم يعزم عليهم «6» ، ولكن أحلّهنّ لهم، فقلنا: لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلّا خمس: أمرنا أن نفضي إلى نسائنا «7» فنأتي عرفة» تقطر مذاكيرنا المنيّ، قال: يقول جابر بيده (كأنّي أنظر إلى قوله بيده يحرّكها) قال: فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فينا، فقال: «قد علمتم أنّي أتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم ولولا هديي لحللت كما تحلّون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فقدم عليّ من سعايته «9» فقال: «بم أهللت؟» . قال: بما أهلّ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأهد وامكث حراما» قال: وأهدى له عليّ هديا فقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد «10» ؟ فقال: «لأبد» ) * «11» .   (1) بفرق: بفتح الراء وإسكانها، لغتان، الفتح أجود وأشهر. وهو إناء يسع ثلاثة آصع. (2) البخاري- الفتح 6 (3465) . ومسلم (2743) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 5 (2448) واللفظ له. ومسلم (19) . (4) مسلم (2721) . (5) حلوا وأصيبوا النساء: أي اخرجوا من إحرامكم، وباشروا حلائلكم. (6) ولم يعزم عليهم: أي لم يأمرهم أمرا جازما في وطء النساء، بل أباحه لهم. وأما الإحلال فعزم فيه على من لم يكن معه هدي. (7) نفضي إلى نسائنا: أي نصل إليهن بالجماع. (8) فنأتي عرفة: أراد بها عرفات. (9) من سعايته: أي من عمله في السعي في الصدقات. (10) لأبد: اختلف العلماء في معناه، وأصحها وبه قال الجمهور: أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، وفيه بيان إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج. والثاني معناه: جواز القران. وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة. (11) البخاري- الفتح 13 (7367) . ومسلم (1216) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1116 35- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إذا أدّب الرّجل أمته فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثمّ أعتقها فتزوّجها كان له أجران، وإذا آمن بعيسى ثمّ آمن بي فله أجران، والعبد إذا اتّقى ربّه وأطاع مواليه فله أجران» ) * «1» . 36- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- رفعه، قال: «إذا أصبح ابن آدم فإنّ الأعضاء كلّها تكفّر اللّسان، فتقول: اتّق الله فينا فإنّما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» ) * «2» . 37- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يحبّ العبد التّقيّ الغنيّ الخفيّ» ) * «3» . 38- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: أهدي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرّوج «4» حرير، فلبسه فصلّى فيه ثمّ انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له وقال: «لا ينبغي هذا للمتّقين» ) * «5» . 39- * (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: بعث علىّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اليمن بذهيبة «6» في أديم مقروظ «7» لم تحصّل من ترابها «8» قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع: إمّا علقمة وإمّا عامر بن الطّفيل «9» فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» . قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة «10» كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار. فقال: يا رسول الله اتّق الله. قال: «ويلك أو لست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال: ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لم أومر أن أنقّب عن قلوب النّاس «11» . ولا أشّق بطونهم» . قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ «12» . فقال: «إنّه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» قال: أظنّه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود» ) * «13» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3446) ، ومسلم (2249) . (2) الترمذي (2407) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1962) . (3) مسلم (2965) . (4) الفروج: قباء شق من خلفه. (5) البخاري- الفتح 1 (375) واللفظ له. ومسلم (2075) . (6) بذهيبة: تصغير ذهبة. (7) في أديم مقروظ: أي في جلد مدبوغ بالقرظ. والقرظ: حب معروف يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاه. (8) لم تحصل من ترابها: أي لم تميز ولم تصفّ من تراب معدنها. (9) وإما عامر بن الطفيل: قال العلماء: ذكر عامر، هنا غلط ظاهر. لأنه توفي قبل هذا بسنين. والصواب الجزم بأنه: علقمة بن علاثة، كما هو مجزوم به في باقي الروايات. (10) ناشز الجبهة: أي مرتفعها. (11) لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس: أي أفتش وأكشف. ومعناه: إني أمرت بأن أحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.. (12) وهو مقفّ: أي مولّ، قد أعطانا قفاه. (13) البخاري- الفتح 7 (4351) واللفظ له. ومسلم (1064) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1117 الأحاديث الواردة في (التقوى) معنى 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) * «1» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «2» . 42- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها، فلمّا قعد منها مقعد الرّجل من امرأته، أرعدت فبكت، فقال: ما يبكيك، أكرهتك؟ قالت: لا، ولكنّه عمل ما عملته قطّ، وما حملني عليه إلّا الحاجة. فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته؟ اذهبي فهي لك. وقال: لا والله لا أعصي الله بعدها أبدا، فمات من ليلته، فأصبح مكتوبا على بابه: إنّ الله قد غفر للكفل» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التقوى) 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث» يعني بذلك ابن رواحة قال: فينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع) * «4» . 44- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم، أو ليصلّي حتّى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له، فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا» . وفي رواية عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ نبيّ   (1) مسلم (2564) . (2) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له. (3) الترمذي (2496) وقال: هذا حديث حسن، وأحمد- المسند (ت: شاكر) رقم 4747. وقال الشيخ أحمد شاكر: صحيح، ورواه الحاكم (4/ 254- 255) ، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (4) البخاري- الفتح 10 (6151) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1118 الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا» ) * «1» . 45- * (عن عبد الله بن الشّخّير رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلبّي وفي صدره أزيز كأزيز الرّحى من البكاء صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 46- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قيل له: ما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 47- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» قلت: اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» ، فقرأت عليه سورة النّساء حتّى بلغت: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) قال: «أمسك» ، فإذا عيناه تذرفان) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التقوى) 1- * (سأل رجل أبا هريرة- رضي الله عنه-: ما التّقوى؟ قال: «هل أخذت طريقا ذا شوك؟» قال: نعم، قال: «فكيف صنعت؟» . قال: إذا رأيت الشّوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: «ذاك التّقوى» ) * «5» . 2- * (عن مالك بن أنس- رضي الله عنه- قال: «بلغني أنّ رجلا من بعض الفقهاء كتب إلى ابن الزّبير- رضي الله عنهما- يقول: ألا إنّ لأهل التّقوى علامات يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم، من رضي بالقضاء، وصبر على البلاء، وشكر على النّعماء، وصدق في اللّسان، ووفّى بالوعد والعهد، وتلا لأحكام القرآن، وإنّما الإمام سوق من الأسواق، فإن كان من أهل الحقّ حمل إليه أهل الحقّ حقّهم، وإن كان من أهل الباطل حمل إليه أهل الباطل باطلهم» ) * «6» . 3- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه. «تمام التّقوى أن يتّقي الله العبد حتّى يتّقيه من مثقال ذرّة وحتّى يترك بعض ما يرى أنّه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام» ) * «7» . 4- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 3 (1130) ، 8 (4837) . (2) أبو داود (904) . والنسائي (3/ 13) . وقال محقق جامع الأصول (5/ 135) : حديث صحيح. (3) البخاري- الفتح 3 (1135) . ومسلم (772) . (4) البخاري- الفتح 8 (4582) واللفظ له. ومسلم (800) . (5) الدر المنثور للسيوطي (1/ 61) . (6) جامع الأصول (11/ 703، 704) . (7) الدر المنثور للسيوطي (1/ 61) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1119 قال: «آخ الإخوان على قدر التّقوى، ولا تجعل حديثك بذلة إلّا عند من يشتهيه، ولا تضع حاجتك إلّا عند من يحبّ قضاءها» ) * «1» . 5- * (قال لبيد بن ربيعة- رضي الله عنه-: إنّ تقوى ربّنا خير نفل ... وبإذن الله ريثي «2» والعجل أحمد الله فلا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل) * «3» 6-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «التّقيّ ملجم لا يفعل كلّ ما يريد» ) * «4» . 7- * (قال طلق بن حبيب- رحمه الله-: «التّقوى العمل بطاعة الله على نور من الله، رجاء رحمة الله، والتّقوى ترك معاصي الله على نور من الله، مخافة عذاب الله» ) *» . 8- * (قال الشّاعر: ابل الرّجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسّمنّ أمورهم وتفقّد فإذا وجدت أخا الأمانة والتّقى ... فبه اليدين- قرير عين- فاشدد ودع التّذلّل والتخشّع تبتغي ... قرب امرئ إن تدن منه تبعّد) * «6» . من فوائد (التقوى) (1) معيّة الله تعالى للمتّقين. (2) البشرى بالتّكريم للمتّقين. (3) تكفير الذّنوب وتعظيم الأجر. (4) الوعد بالمغفرة وزوال الخوف من النّفوس. (5) اليسر والسّهولة في الأمر. (6) في التّقوى تكفير للذّنوب وتعظيم للأجر من الله- سبحانه وتعالى-. (7) العون والنّصرة من الله للمتّقين. (8) الأمن من البليّة ونيل الوصال والقربة. (9) عزّ الفوقيّة على سائر الخلق. (10) الخروج من الهمّ والمحنة والوعد بالرّزق الواسع. (11) النّجاة من العذاب والعقوبة. (12) الفوز بالجنّة. (13) التّوفيق والشّهادة لهم بالصّدق. (14) محبّة الله للمتّقين.   (1) الإخوان لابن أبي الدنيا (126) . (2) الريث: الإبطاء. (3) تاريخ الأدب العربي للزيات (119) . (4) شرح السنة للبغوي (14/ 341) . (5) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 23) . والدر المنثور للسيوطي (1/ 61) (6) كتاب الإخوان، لابن أبي الدنيا (115) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1120 التكبير الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 31/ 13 التكبير لغة: مصدر «كبّر» وهو مأخوذ من مادّة (ك ب ر) الّتي تدلّ على خلاف الصّغر «1» ، وإذا كان الصّغر يدلّ على القلّة والحقارة؛ فإنّ الكبر يدلّ على الكثرة والعظمة، والوصف منهما صغير وكبير وهما كما يقول الرّاغب: من الأسماء المتضايفة الّتي تقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشّيء قد يكون صغيرا في جنب شيء، وكبيرا في جنب غيره «2» ، ويستعملان في الكمّيّة المتّصلة (غير القابلة للتّجزيء) وذلك كالكثير والقليل في الكمّيّة المنفصلة كالعدد، وربّما يتعاقب الكثير والكبير في شيء واحد بنظرين مختلفين نحو قوله تعالى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ (البقرة/ 219) وكثير، قرئ بهما، وأصل ذلك في الأعيان ثمّ استعير للمعاني نحو قوله عزّ وجلّ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها (الكهف/ 49) والكبير من صفات المولى- عزّ وجلّ- وكذلك المتكبّر، قال ابن الأثير: «في أسماء الله تعالى المتكبّر والكبير» أي العظيم ذو الكبرياء، وقيل المتعالي عن صفات الخلق، وقيل المتكبّر على عتاة خلقه، والتّاء فيه للتّفرّد والتّخصّص لا تاء التّعاطي والتّكلّف «3» ، والكبرياء هي العظمة والملك، وقيل هي عبارة عن كمال الذّات وكمال الوجود ولا يوصف بهما سوى الله تعالى، وهذان الوصفان (المتكبّر- ذو الكبرياء) مأخوذان من الكبر بالكسر وهو العظمة، يقال كبر يكبر أي عظم فهو كبير، أمّا وصفه عزّ وجلّ بأنّه: «أكبر» كما في حديث الأذان «الله أكبر» فاختلف في معناه على وجهين: الأوّل: أنّ معناه «الله الكبير» فوضع أفعل موضع فعيل (أي أنّ التّفضيل على غير بابه) وذلك كما في قول الفرزدق: إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول أي عزيزة طويلة. الآخر: أنّ المعنى «الله أكبر من كلّ شيء» أي أعظم فحذفت «من» من أسلوب التّفضيل   (1) كذا قال ابن فارس في المقاييس (5/ 153) ، وقد ذكر معنى الصغر في مادة (ص غ ر) في (3/ 290) ، واستنتجنا معنى الكبر من جملة ما قاله في الموضعين. (2) مثال ذلك أن يقال: الفيل الصغير حيوان كبير فهو صغير إذا أضيف إلى سائر الفيلة وكبير إذا أضيف إلى القط أو الفأر أو غير ذلك من الحيوانات الصغار. انظر مفردات الراغب (421) . (3) يشير ابن الأثير هنا إلى أن صيغة تفعّل في تكبّر التي اشتق منها الوصف متكبر تفيد معنى التفرد وليست على معناها الشائع وهو التكلف في مثل تشجّع وتحلّم أي تكلف الحلم والشجاعة، وقد يفيد تكبر هذا المعنى أيضا إذا أضيف إلى الإنسان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1121 لوضوح معناها و «أكبر» خبر والأخبار يجوز حذفها وحذف ما تعلّق بها، وقيل معناه الله أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته، وإنّما قدّر له ذلك؛ لأنّ أفعل التّفضيل (الّذي مؤنّثه فعلى) يلزمه الألف واللّام أو الإضافة كالأكبر وأكبر القوم، وراء أكبر في الآذان والصّلاة ساكنة للوقف، فإذا وصل بكلام ضمّ «1» . وقال الإمام الغزاليّ: المتكبّر هو الّذي يرى الكّلّ حقيرا بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى العظمة والكبرياء إلّا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد، فإن كانت هذه الرّؤية صادقة كان التّكبّر حقّا وكان صاحبها متكبّرا حقّا، ولا يتصوّر ذلك على الإطلاق إلّا لله- عزّ وجلّ- وإن كان ذلك التّكبّر والاستعظام باطلا، ولم يكن ما يراه من التّفرّد بالعظمة كما يراه، كان التّكبّر باطلا ومذموما، وكلّ من رأى العظمة والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رؤيته كاذبة ونظره باطلا، إلّا الله سبحانه وتعالى «2» . وقال الجوهري: الكبر في السّنّ يقال فيه: كبر الرّجل يكبر كبرا أي أسنّ، وكبر بالضّمّ يكبر أي عظم فهو كبير وكبار فإذا أفرط قيل كبّار بالتّشديد، والكبر بالكسر العظمة وكذلك الكبرياء، والتّكبير التّعظيم والتّكبّر والاستكبار التّعظّم، وذكر ابن منظور أنّ كبّر الأمر تكون بمعنى جعله كبيرا وتكون بمعنى: قال: الله أكبر، أمّا أكبر في قوله سبحانه: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ (يوسف/ 31) فأكثر المفسّرين يقولون أعظمنه «3» . وروي عن مجاهد أنّه قال: أكبرنه «حضن» وليس ذلك بالمعروف في اللّغة، وروى الأزهريّ عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه: أنّه رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي قال: فكبّر وقال: الله أكبر كبيرا، ثلاث مرّات ... قال أبو منصور: نصب كبيرا؛ لأنّه أقامه مقام المصدر لأنّ معنى قوله: الله أكبر: أكبّر الله كبيرا بمعنى تكبيرا، يدلّ على ذلك ما روي عن الحسن: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قام إلى صلاته من اللّيل قال: لا إله إلّا الله، الله أكبر كبيرا، ثلاث مرّات، فقوله كبيرا بمعنى تكبيرا فأقام الاسم مقام المصدر الحقيقيّ، وقوله: الحمد لله كثيرا، أي أحمد الله حمدا كثيرا «4» والتّكبير في قوله تعالى: لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (الحج/ 37) معناه تعظيم الله بالذّكر له وهو التّكبير يوم الفطر «5» . وقوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (البقرة/ 185) ، جاء في تفسيرها أنّ المعنى: لتعظّموه   (1) النهاية (4/ 140) . (2) المقصد الأسنى ص 75. (3) لسان العرب (3808) ، ومعنى أعظمنه أي وجدنه عظيما ومن ثم يكون «أفعل» هنا لمصادفة الشيء على صفة كما قولهم: قاتلناكم فما أجبنّاكم أي ما وجدناكم جبناء. (4) المرجع السابق (3910) . (5) انظر تفسير الطبري (2/ 92) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1122 على ما أرشدكم إليه من الشّرائع «1» ، وقوله سبحانه: وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (الإسراء/ 111) ، قال القرطبيّ: المعنى: عظّمه عظمة تامّة، يقال: أبلغ لفظ للعرب في معنى التّعظيم والإجلال: الله أكبر «2» أي وصفه بأنّه أكبر من كلّ شيء. التكبير اصطلاحا: قال المناويّ: يقال: التّكبير لتعظيم الله بقولك: الله أكبر ولعبادته ولاستشعار تعظيمه «3» . أنواع التكبير: قال الإمام النّيسابوريّ: التّكبير أنواع منها: 1- تكبيره في صفاته بأن يعتقدها كلّها من صفات الجلال والإكرام وفي غاية العظمة ونهاية الكمال، وأنّها منزّهة عن سمات التّغيّر والزّوال والحدوث والانتقال. 2- تكبير الله في أحكامه، وهو أن يعتقد أنّ أحكامه كلّها جارية على سنن الصّواب، وقانون العدالة «4» . التكبير في العيدين: قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى-: يستحبّ للنّاسي إظهار التّكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم، مسافرين كانوا أو مقيمين. ومعنى إظهار التّكبير رفع الصّوت به، واستحبّ ذلك لما فيه من إظهار شعائر الإسلام، وتذكير الغير ... ثمّ قال: قال القاضي (يعني أبا يعلى) : التّكبير في الأضحى مطلق ومقيّد؛ فالمقيّد عقيب الصّلوات، والمطلق في كلّ حال في الأسواق، وفي كلّ زمان. وأمّا الفطر فمسنونه مطلق غير مقيّد «5» . والتّكبير أن يقول: «الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله والله أكبر ولله الحمد» وهذا مرويّ عن عمر وعليّ، وابن عبّاس- رضي الله عنهم-. وروي عن عليّ- رضي الله عنه- أيضا، وعن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما-: «أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد» «6» . مواطن التكبير: التّكبير بمعنى تعظيم المولى عزّ وجلّ مطلوب من المسلم في كلّ وقت أو- بعبارة أخرى- لا يتحرّى له وقت بعينه، أمّا التّكبير بمعنى قول «الله أكبر» فإن اقترن بالتّسبيح والتّحميد والتّهليل فإنّه نوع من الذّكر. أمّا إذا انفرد فإنّ له مواطن معيّنة وأوقاتا معلومة ومناسبات يطلب فيها، ويمكننا في ضوء ما جاءت به السّنّة المطهّرة أن نذكر أهمّ هذه المواطن فيما يلي: 1- التّكبير في الأذان والإقامة ممّن يقوم بذلك (انظر الحديث 16) . 2- التّكبير ممّن يسمع الأذان أو الإقامة (الحديث 7، 17) .   (1) تفسير القرطبي 2/ 308. (2) السابق 10/ 345. (3) التوقيف على مهمات التعارف ص 107، وانظر أيضا المفردات للراغب. (4) غرائب القرآن للنيسابوري (8/ 104) بهامش الطبري. (5) المغنى (3/ 255- 256) بتصرف. (6) المرجع السابق (289- 290) ، وينظر زاد المعاد (1/ 449) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1123 3- التّكبير عند الدّخول في الصّلاة (تكبيرة الإحرام) . 4- التّكبير عند الرّكوع والسّجود، وعند رفع الرّأس من السّجود (الحديث 18) . 5- التّكبير خلف الصّلوات (الحديث 6، 28) . 6- التّكبير في خطبة صلاة الاستسقاء، وفي صلاة الاستسقاء ذاتها (الحديث 13) . 7- التّكبير في صلاة الجنازة (أربع تكبيرات) (الحديث 21) . 8- التّكبير في صلاة العيدين، في الأولى سبعا وفي الثّانيّة خمسا (الحديث 29) . 9- التّكبير في خطبتي العيدين، في الأولى تسعا وفي الثّانية سبعا «1» . 10- التّكبير في ليلة عيد الفطر من أوّل ليلة العيد إلى دخول الإمام للصّلاة، ويرفع المسلم صوته بالتّكبير في الطّرق والأسواق ونحوها (الأثر 2، 4) . 11- التّكبير لرؤية هلال شوّال (الأثر 3) . 12- التّكبير عقب الصّلوات من صبح يوم عرفة إلى عقب عصر آخر أيّام التّشريق «2» . 13- التّكبير عند الخروج للحجّ قبل الإهلال (الحديث 27) ، وعند الرّجوع منه أو من العمرة (الحديث 10) . 14- التّكبير عند رمي الجمرات مع إلقاء الحصيات (الحديث 1) . 15- التّكبير عند الصّعود من منى إلى عرفات (الحديث 22) . 16- التّكبير عند الطّواف خاصّة عند إتيان الرّكن (الحديث 26) . 17- التّكبير عند الجهاد (الحديث 30) ، وعند القفول منه خاصّة على الشّرف (الحديث 10) ، وعند اعتلاء الثّنايا (المرتفعات) (الحديث 24) . 18- التّكبير للمسافر عموما عند الشّرف «3» من الأرض (الحديث 25) ، وعند الخروج للسّفر (الحديث 11) . 19- التّكبير عند الذّبح (الحديث 23) ، قال ابن حجر: وفي هذا الحديث ما يدلّ على استحباب التّكبير مع التّسمية في الذّبح «4» (عموما) ، أي في الأضحية وغيرها. 20- التّكبير عند سماع خبر مفرح (الحديث 9) . 21- التّكبير عند ختم القرآن، عند آخر كلّ سورة من الضّحى إلى آخر القرآن «5» . 22- التّكبير (ضمن الأذان) في أذن المولود   (1) المغني لابن قدامة (2/ 242) ، وانظر الترغيب والترهيب (2/ 156) هامش (1) . (2) الترغيب والترهيب (2/ 156) ، هامش 1 (فضلا عن كتب الفقه) . (3) الشّرف من الأرض: الأماكن المرتفعة، ويمكن أن يقاس على ذلك صعود الطائرات، ولما كان الوارد أن السّنّة عند النزول هي التسبيح فإن ذلك يجيز لنا أن نفعل ذلك عند هبوط الطائرات. (4) فتح الباري (9/ 20) . (5) المغني لابن قدامة (1/ 595) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1124 اقتداء بما فعله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم مع الحسن بن عليّ (الحديث 23) . 23- التّكبير عند قيام اللّيل (الحديث 4) . حكم التكبير: تناول الفقهاء بالتّفصيل أحكام التّكبير في كتب الفقه ونوجز ذلك فيما يلي: أوّلا: الوجوب، وذلك في تكبيرة الإحرام، إذ لا تنعقد الصّلاة بدونها لأنّها ركن منها «1» ، أمّا تكبير الخفض للرّكوع والسّجود والرّفع من السّجود فالمشهور من مذهب أحمد أنّه واجب، وعنه أيضا أنّه غير واجب وهو مذهب أكثر الفقهاء «2» . ثانيا: التّكبير في الأذان والإقامة سنّة مؤكّدة، لأنّ الأذان والإقامة كذلك، وقال قوم هو فرض كفاية «3» . ثالثا: التّكبير في أيّام التّشريق مستحبّ، والظّاهر أنّه لا يختصّ بوقت دون وقت، ولقد قصره بعضهم على أعقاب الصّلوات، ومنهم من خصّ ذلك بالمكتوبات دون النّوافل، ومنهم من خصّه بالرّجال دون النّساء، وبالجماعة دون المنفرد، وبالمؤدّاة دون المقضيّة، وبالمقيم دون المسافر «4» . رابعا: التّكبير في صلاة العيدين يأخذ حكم الصّلاة ذاتها وهي فرض كفاية، أمّا إظهار التّكبير في ليلتي العيد فهو مستحبّ، وفي عيد الفطر أكثر، لقوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (البقرة/ 185) ، وقيل: والتّكبيرات في العيدين سنّة وليس بواجب «5» (على الكفاية) . خامسا: التّكبير في الجنازة ركن من أركانها (وهي لا تنعقد بدونه) . سادسا: التّكبير في الطّواف، وعند رمي الجمار من السّنن، ومن لم يكبّر فلا شيء عليه «6» . سابعا: التّكبير في المواطن الأخرى الّتي ذكرناها قبلا من قبيل السّنن الّتي يثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها إلّا إذا صحب ذلك رفض للسّنّة ورغبة عنها. [للاستزادة: انظر صفات: التسبيح- التهليل الحمد- الحوقلة- الذكر- الكلم الطيب- الشكر الدعاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللهو واللعب- اللغو- الكبر والعجب- الشرك] .   (1) المغني لابن قدامة (1/ 505- 506) ، وفقه السّنّة للشيخ سيد سابق (1/ 133) . (2) المغني (1/ 534) . (3) قال بذلك أكثر الحنابلة وأصحاب مالك، انظر التفاصيل والأدلة في المغني (1/ 227) . (4) انظر تفصيل هذه الأحكام وأدلتها في فقه السّنّة للشيخ سيد سابق (1/ 326) وما بعدها. (5) المغني لابن قدامة (2/ 224) ، و (2/ 242) ؛ وفقه السّنّة (1/ 320) . (6) حكى بعضهم الإجماع على أن من لم يكبّر لا شيء عليه، انظر فقه السّنّة (1/ 734) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1125 الآيات الواردة في «التكبير» 1- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «1» 2- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) «2» 3- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «3» 4- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) «4»   (1) البقرة: 185 مدنية. (2) الإسراء: 111 مكية. (3) الحج: 36- 37 مدنية. (4) المدثر: 1- 5 مكية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1126 الأحاديث الواردة في (التكبير) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّه كان يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيات يكبّر على إثر كلّ حصاة، ثمّ يتقدّم حتّى يسهل «1» ، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا، ويدعو ويرفع يديه، ثمّ يرمي الوسطى، ثمّ يأخذ ذات الشّمال» ، فيستهلّ ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثمّ يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثمّ ينصرف فيقول: «هكذا رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله» ) * «3» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستّين وثلاثمائة مفصل فمن كبّر الله وحمد الله وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق النّاس أو شوكة أو عظما عن طريق النّاس، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك السّتّين والثّلاثمائة السّلامى؛ فإنّه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النّار» ) * «4» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنّة. قال يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟ قال يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال: يقولون: من النّار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم) * «5» . 4- * (عن عاصم بن حميد قال: سألت   (1) يسهل: أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المستوي الذي لا ارتفاع فيه. (2) يأخذ ذات الشمال: أي يقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي إلى جهة شماله. (3) البخاري- الفتح 3 (1751) . (4) مسلم (1007) . (5) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له، مسلم (2689) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1127 عائشة- رضي الله عنها-: بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قيام اللّيل. فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبّر عشرا، وحمد الله عشرا، وسبّح عشرا، وهلّل عشرا، واستغفر عشرا، وقال: «اللهمّ اغفر لي واهدني وارزقني وعافني» ويتعوّذ من ضيق المقام يوم القيامة) * «1» . 5- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له. الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا. سبحان الله ربّ العالمين. لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» . قال: فهؤلاء لربّي فما لي؟ قال قل: «اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «2» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم، يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموالهم يحجّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدّقون. قال: «ألا أحدّثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلّا من عمل مثله: تسبّحون الله وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين» ، فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا: نسبّح ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبّر أربعا وثلاثين، فرجعت إليه، فقال: «تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «3» . 7- * (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي ببني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري، وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه، فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» ، فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتدّ النّهار، فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأذنت له، فلم يجلس حتّى قال: «أين تحبّ أن أصلّي من بيتك» ؟، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم. فحبسته على خريز «4» يصنع له، فسمع أهل الدّار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال رجل منهم: ذلك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذلك؛؛ ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» فقال: الله ورسوله أعلم، أمّا نحن   (1) أبو داود (766) والنسائي (3/ 209) ، وابن ماجة (1356) ، وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (1115) . (2) مسلم (2696) . (3) البخاري- الفتح 2 (843) واللفظ له، مسلم (595) . (4) الخريز: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1128 فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال: لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «1» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس» ) * «2» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله: يا آدم، فيقول: لبّيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟، قال: من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكرى وما هم بسكرى، ولكنّ عذاب الله شديد» . فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله أيّنا ذلك الرّجل؟ قال: «أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل» . ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة» ، قال: فحمدنا الله وكبّرنا، ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة، إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالرّقمة في ذراع الحمار» ) * «3» . 10- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا قفل من غزو أو حجّ أو عمرة يكبّر على كلّ شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثمّ يقول: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ) * «4» . 11- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا، ثم قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين «5» ، وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده، اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء «6» السّفر وكآبة «7» المنظر وسوء المنقلب «8» في المال والأهل» ، وإذا رجع قالهنّ: وزاد فيهنّ: «آيبون، تائبون، عابدون، لربّنا حامدون» ) * «9» . 12- * (عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه أنّه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي صلاة، فقال: «الله أكبر   (1) البخاري- الفتح 3 (1186) ، واللفظ له ومسلم (33) . (2) مسلم (2695) . (3) البخاري- الفتح 11 (6530) ، واللفظ له ومسلم (222) . (4) البخاري- الفتح 11 (6385) ، واللفظ له. ومسلم (1344) . (5) وما كنا له مقرنين: معنى مقرنين مطيقين، أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا. (6) وعثاء: المشقة والشدة. (7) كآبة: هي تغير النفس من حزن ونحوه. (8) المنقلب: المرجع. (9) مسلم (1342) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1129 كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا» ثلاثا «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم من نفخه ونفثه وهمزه» قال: نفثه الشّعر، ونفخه الكبر، وهمزه الموتة) * «1» . 13- * (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن استسقاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد) * «2» . 14- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمّد أقرأ أمّتك منّي السّلام، وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء، وأنّها قيعان، وأنّ غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ) * «3» . 15- * (عن أبي محذورة- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه هذا الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد ألّا إله إلّا الله، أشهد ألّا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّدا رسول الله، أشهد أنّ محمّدا رسول الله، حيّ على الصّلاة (مرّتين) ، حيّ على الفلاح (مرّتين) . زاد إسحاق: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله) * «4» . 16- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إذا قال المؤذّن: الله أكبر، الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر. ثمّ قال: أشهد ألّا إله إلّا الله. قال (أحدكم) : أشهد ألّا إله إلّا الله. ثمّ قال (المؤذّن) أشهد أنّ محمّدا رسول الله. قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله. ثمّ قال (المؤذّن) : حيّ على الصّلاة. قال (أحدكم) : لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: حيّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: الله أكبر، الله أكبر. قال (أحدكم) : الله أكبر، الله أكبر. ثمّ قال: لا إله إلّا الله. قال (أحدكم) : لا إله إلّا الله، من قلبه دخل الجنّة) * «5» . 17- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام للصّلاة، رفع يديه حتّى تكون حذو منكبيه، ثمّ كبّر فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع من الرّكوع فعل مثل ذلك «6» ، ولا يفعله حين يرفع رأسه من السّجود) * «7» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام إلى الصّلاة يكبّر حين يقوم، ثمّ يكبّر حين يركع ثمّ يقول: «سمع الله لمن حمده» حين   (1) أبو داود (764) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 186) : للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن، وكذا الحاكم في المستدرك (1/ 235) ، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (2) الترمذي (555) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني. (3) الترمذي (3462) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (4/ 379) : حديث حسن. (4) مسلم 1 (379) . (5) مسلم 1 (385) . (6) أي رفع يديه حتى تكون حذو منكبيه. (7) مسلم 1/ (390) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1130 يرفع صلبه من الرّكوع، ثمّ يقول وهو قائم: «ربّنا ولك الحمد» ، ثمّ يكبّر حين يهوي ساجدا، ثمّ يكبّر حين يرفع رأسه، ثمّ يفعل مثل ذلك في الصّلاة كلّها حتّى يقضيها، ويكبّر حين يقوم من المثنى «1» بعد الجلوس) * «2» . 19- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: خسفت الشّمس في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد. فقام وكبّر وصفّ النّاس «3» وراءه، فاقترأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قراءة طويلة، ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا، ثمّ رفع رأسه فقال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا! ولك الحمد» ثمّ قام فاقترأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا، هو أدنى من الرّكوع الأوّل، ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا! ولك الحمد» ، ثمّ سجد (ولم يذكر أبو الطّاهر: ثمّ سجد) ثمّ فعل في الرّكعة الأخرى مثل ذلك. حتّى استكمل أربع ركعات، وأربع سجدات، وانجلت الشّمس، قبل أن ينصرف، ثمّ قام فخطب النّاس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال!: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصّلاة» ... الحديث) * «4» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعى للنّاس النّجاشيّ في اليوم الّذي مات فيه، فخرج بهم إلى المصلّى، وكبّر أربع تكبيرات) * «5» . 21- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: غدونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من منّى إلى عرفات، منّا الملبّي ومنّا المكبّر) * «6» . 22- * (عن أبي رافع- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أذّن في أذن الحسن بن عليّ حين ولدته فاطمة بالصّلاة) * «7» . 23- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: ضحّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين أقرنين، قال: ورأيته يذبحهما بيده ورأيته واضعا يديه على صفاحهما، قال: ثمّ سمّى وكبّر «8» . وفي رواية، ويقول: «بسم الله، الله أكبر» . 24- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجيوشه إذا علوا الثّنايا كبّروا وإذا هبطوا سبّحوا) *» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ   (1) من المثنى: أي حين يقوم للركعة الثانية. (2) مسلم 1 (392) واللفظ له؛ وأبو داود 1 (836) . (3) وصفّ الناس: بالبناء للمجهول ورفع الناس أي صاروا صفّا ويجوز فيها البناء للمعلوم، والناس بالنصب مفعول به والفاعل محذوف والمراد به النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله ابن حجر في الفتح. (4) البخاري- الفتح 2 (1046) ، مسلم (901) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح (1333) ، ومسلم 2 (951) . (6) البخاري- الفتح (1659) ؛ ومسلم 2 (128) واللفظ له. (7) الترمذي 4 (1514) ؛ وأبو داود 4 (5105) ؛ قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (8) البخاري- الفتح 9 (5558) . ومسلم (1966) واللفظ له. (9) أبو داود (2793) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1131 رجلا قال: يا رسول الله، إنّي أريد أن أسافر فأوصني. قال: «عليك بتقوى الله، والتّكبير على كلّ شرف «1» » ) * «2» . 26- * (عن عكرمة عن ابن عبّاس- رضي الله عنهم- قال: طاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبيت على بعير، كلّما أتى الرّكن أشار إليه بشيء كان عنده وكبّر) * «3» . 27- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ونحن معه بالمدينة- الظّهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى (إذا) استوت به على البيداء حمد الله وسبّح وكبّر، ثمّ أهلّ بحجّ أو عمرة، وأهلّ النّاس بهما، فلمّا قدمنا أمر النّاس فحلّوا، حتّى كان يوم التّروية أهلّوا بالحجّ، قال: ونحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدنات بيده قياما، وذبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة كبشين أملحين) * «4» . 28- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان يعلم انقضاء صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالتّكبير) * «5» . 29- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكبّر في الفطر والأضحى، في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثّانية خمسا) * «6» . 30- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: صبّح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيبر وقد خرجوا بالمساحي «7» على أعناقهم، فلمّا رأوه قالوا: محمّد والخميس «8» ، محمّد والخميس، فلجأوا إلى الحصن، فرفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يديه وقال: «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، وأصبنا حمرا فطبخناها، فنادى منادي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فأكفئت القدور بما فيها) * «9» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التكبير) 31- * (عن عبد الله الهوزنيّ قال: لقيت بلالا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب، فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ ... الحديث. وفيه: «فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة- يعني من الغد- دعاني فقال: ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ... الحديث) * «10» .   (1) الشرف: المكان العالي المرتفع. (2) الترمذي (3441) ؛ وأبو داود 2 (2771) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 290) : وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو كما قال: وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (3) البخاري- الفتح 3 (1613) . (4) البخاري- الفتح 3 (1551) . (5) أبو داود 1 (1002) وسنده صحيح. (6) أبو داود 1 (1149 وسنده صحيح. (7) المساحي: جمع مسحاة، وهي آلة كالفأس تستخدم للزراعة. (8) الخميس: الجيش. (9) البخاري- الفتح 6 (2991) . (10) أبو داود (3055) ، قال الألباني: صحيح الإسناد، صحيح سنن أبي داود (2628) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1132 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التكبير) 1- * (عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعلّم أهله هذه الآية وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (الإسراء/ 111) الصّغير من أهله والكبير) * «1» . 2- * (عن داود بن قيس قال: سمعت زيد ابن أسلم يقول: قوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (البقرة/ 185) قال: إذا رؤي الهلال فالتّكبير من حين يرى الهلال حتّى ينصرف الإمام في الطّريق وفي المسجد، إلّا أنّه إذا حضر الإمام فلا يكبّر إلّا بتكبيره) * «2» . 3- * (أخبر ابن المبارك قال: سمعت سفيان (الثّوريّ) يقول: قوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ قال: «بلغنا أنّه التّكبير يوم الفطر) * 3. 4- * (كان ابن عبّاس يقول: حقّ على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوّال أن يكبّروا الله حتّى يفرغوا من عيدهم؛ لأنّ الله تعالى ذكره يقول: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ) * 4. 5- * (قال ابن زيد: «ينبغي لهم إذا غدوا إلى المصلّى كبّروا فإذا جلسوا كبّروا فإذا جاء الإمام صمتوا فإذا كبّر الإمام كبّروا ولا يكبّرون إذا جاء الإمام إلّا بتكبيره حتّى إذا فرغ وانقضت الصّلاة فقد انقضى العيد) * 5. 6- * (قال عبد الرّحمن بن زيد: والجماعة عندنا على أن يغدوا بالتّكبير إلى المصلّى) * 6. 7- * (قال الإمام الطّبريّ: قوله تعالى ذكره: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ معناه ولتعظّموا الله بالذّكر له بما أنعم عليكم به من الهداية. والذّكر الّذي حضّهم الله على تعظيمه به هو التّكبير يوم الفطر) * 7. 8- * (وقال الإمام النّيسابوريّ: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي ولتعظّموه على ما هداكم إلى عالم الوصال بتجلّي صفات الجمال ولعلّكم تشكرون نعمة الوصال بتنزيه ذي الجلال عن إدراك عقول أهل الكمال وإحاطة الوهم والخيال) * «8» . 9- * (كان القرظيّ يقول في هذه الآية الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ... قال: إنّ اليهود والنّصارى قالوا اتّخذ الله ولدا، وقالت العرب لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك، وقال الصّابئون والمجوس لولا أولياء الله لذلّ الله فأنزل الله وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً أي كبّره أنت يا محمّد على ما يقولون تكبيرا) * «9» . 10- * (عن أبي قلابة- رضي الله عنه- أنّه   (1) تفسير الطبري (8/ 126) . 2- 7 انظر هذه الآثار في تفسير الطبري (2/ 92) . (8) غرائب القرآن (2/ 219) بهامش الطبري. (9) تفسير الطبري (8/ 126) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1133 رأى مالك بن الحويرث، إذا صلّى كبّر، ثمّ رفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الرّكوع رفع يديه وحدّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك) * «1» . 11- * (عن عبد الرّحمن بن يزيد- رضي الله عنه- قال: رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة، من بطن الوادي، بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة) * «2» . 12- * (عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن- رضي الله عنه- أنّ أبا هريرة- رضي الله عنه- كان يصلّي لهم فيكبّر كلّما خفض أو رفع، فلمّا انصرف قال: والله إنّي لأشبهكم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 13- * (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى- في باب ما يقرأ في صلاة الجنازة: يكبّر أربع تكبيرات، يتعوّذ «4» بعد الأولى، ثمّ يقرأ بالفاتحة أمّ الكتاب، ثمّ يكبّر الثّانية، ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يكبّر الثّالثة ويدعو للميّت، ثمّ يكبّر الرّابعة، ويدعو ... ) * «5» . من فوائد (التكبير) إنّ للتّكبير بمعنييه أي- قول «الله أكبر» أو تعظيم المولى سبحانه بما يليق بجلاله وكماله- كلّ فوائد الذّكر (انظر فوائد صفة الذكر) ولا يمنع هذا أن يكون للتّكبير- بوصفه نوعا خاصّا من الذّكر- فوائد خاصّة به يمكن استنباطها من جملة الأحاديث الواردة فيه. فمن ذلك: (1) أنّ التّكبير في العيدين وعند القفول من الغزو أو الحجّ أو العمرة يظهر فرح المسلمين وفيه شكر للخالق- عزّ وجلّ-. (2) أنّ التّكبير من دواعي إجابة الدّعاء وخاصّة في الاستسقاء. (3) «الله أكبر» من غراس الجنّة فمن سرّه أن يرى ذلك في الآخرة فعليه بذلك في الدّنيا. (4) التّكبير (مع التّسبيح والتّحميد والتّمجيد) مدعاة لأن تحفّ الملائكة بصاحبه ويباهي الله به هؤلاء الملائكة. (5) التّكبير يزحزح صاحبه عن النّار. (6) في التّكبير عند رمي الجمار اتّباع لسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. (7) التّكبير عقب الصّلاة ثلاثا وثلاثين يجعل صاحبه ممّن يدرك من سبقه ولا يلحق به من بعده في الأجر إلّا من فعل مثله. (8) التّكبير من أساليب التّعجّب، والإعجاب عند المسلمين.   (1) مسلم 1 (391) . (2) مسلم 2 (1296) . (3) مسلم 1 (392) . (4) يتعوّذ المصلّي صلاة الجنازة. (5) رياض الصالحين (309) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1134 تكريم الإنسان الآيات/ الأحاديث/ الآثار 96/ 24/ 23 التكريم لغة: مصدر قولهم: كرّمته أكرّمه، وهو مأخوذ من مادّة (ك ر م) الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما: شرف الشّيء في نفسه، أو شرف في خلق من الأخلاق، يقال: رجل كريم، ونبات كريم، وأكرم الرّجل: إذا أتى بأولاد كرام، واستكرم: اتّخذ عرقا كريما. والكرم في الخلق: يقال: هو الصّفح عن ذنب المذنب. والآخر: الكرم، وهو القلادة، وسمّي العنب كرما لأنّه مجتمع الشّعب، منظوم الحبّ «1» . ومن المعنى الأوّل أخذ تكريم الإنسان في معنى تشريفه وتعظيم شأنه. وذكر الرّاغب الفضل والفضيلة من معاني الكرم، وأنّ من ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء: ... أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ وفيها أيضا: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... «2» . وقال الجوهريّ: التّكريم والإكرام بمعنى (واحد) ، والاسم منه الكرامة «3» . وجاء في القاموس: يقال أكرمه وكرّمه: عظّمه ونزّهه. والكريم: الصّفوح، ورجل مكرام: مكرم للنّاس، وله عليّ كرامة أي عزازة. واستكرم الشّيء: طلبه كريما، أو وجده كريما، وتكرّم عنه وتكارم: تنزّه. والمكروم، والمكرمة، والأكرومة: فعل الكرم، وكرّم السّحاب تكريما كثر ماؤه، والكريمان: الحجّ والجهاد، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم «خير النّاس مؤمن بين كريمين» قيل معناه: بين فرسين يغزو عليهما، أو بعيرين يستقى عليهما «4» ، وقال ابن الأثير معنى الحديث: بين أبوين مؤمنين، وقيل بين أب مؤمن هو أصله، وابن مؤمن هو فرعه، والكريم: هو الّذي كرّم نفسه عن التدنّس بشيء من مخالفة ربّه، والتّكرمة: الموضع الخاصّ لجلوس الرّجل من فراش أو سرير ممّا يعدّ لإكرامه، وهي (على وزن) تفعلة من الكرامة «5» . والمكارمة: أن تهدي لإنسان شيئا ليكافئك عليه، وهي مفاعلة من الكرم «6» . أمّا الكريم فهو الجامع لأنواع الخير والشّرف والفضائل، ويقال: تكرّم فلان عمّا يشينه: إذا تنزّه وأكرم نفسه عن الشّائنات، والمكرّم المتكرّم على كلّ أحد، والتّكرّم (أيضا) تكلّف الكرم، قال: المتلمّس: تكرّم لتعتاد الجميل، ولن ترى ... أخا كرم إلّا بأن يتكرّما وكريمة القوم، كريمهم وشريفهم، الهاء «7» فيه للمبالغة، وفي الحديث: إذا أتاكم كريمة قوم فأكرموه» «8» .   (1) مقاييس اللغة (5/ 171- 172) . (2) المفردات في غريب القرآن 2 (46) . (3) الصحاح (5/ 2021) . (4) القاموس المحيط (1489) ط. بيروت. (5) النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 168) ، وانظر الحديث في المسند 5/ 430. (6) المرجع السابق (167) . (7) كثيرا ما يعبرون عن تاء التأنيث بالهاء لأنه يوقف عليها بالهاء، ويزعم الكوفيون أن الهاء هي الأصل والتاء بدل منها. (8) لسان العرب (12/ 512) ط. بيروت، وانظر أيضا: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1135 الكريم من أسماء المولى عزّ وجلّ وصفاته: قال الغزاليّ: الكريم: هو الّذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفّى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرّجاء، ولا يبالي كم أعطى، ولا من أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذبه والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشّفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلّف فهو الكريم المطلق وذلك هو الله تعالى، فقط «1» . تكريم الإنسان اصطلاحا: قال القرطبيّ ما خلاصته: تكريم الإنسان هو ما جعله الله له من الشّرف والفضل وهذا هو كرم نفي النقصان لا كرم المال «2» . وقال الطّبريّ: تكريم الإنسان (بني آدم) هو تسليط الله عزّ وجلّ إيّاهم على غيرهم من الخلق، وتسخيره سائر الخلق لهم «3» . وقال ابن كثير: تكريم الله للإنسان يتجلّى في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها وفي أن جعل له سمعا وبصرا وفؤادا، يفقه بذلك كلّه وينتفع به ويفرّق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصّها ومضارّها في الأمور الدّينيّة والدّنيويّة «4» . وقال أبو حيّان: تكريم بني آدم: جعلهم ذوي كرم بمعنى الشّرف والمحاسن الجمّة، كما تقول: ثوب كريم وفرس كريم أي جامع للمحاسن وليس من كرم المال (في شيء) . وقال- رحمه الله- وما جاء عن أهل التّفسير من تكريمهم وتفضيلهم بأشياء ذكروها هو على سبيل التّمثيل لا الحصر في ذلك «5» . أنواع التكريم: للتّكريم أنواع عديدة يمكن تلخيصها في أمور ثلاثة هي: تكريم الله للإنسان، وتكريم الإنسان لنفسه، وتكريم الإنسان لأخيه الإنسان. أولا: تكريم الله للإنسان: لتكريم الله للإنسان صور عديدة لا يمكن إحصاؤها نذكر منها مايلي:- 1- اختصّ الله الإنسان بأن خلقه بيديه إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (ص/ 71- 74) . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (السجدة/ 9) . وهذا يدلّ على علوّ مكانة الرّوح الّتي حلّت في الإنسان وأنّ لها منزلة سامية، وكرّمه بذلك الاستقبال الفخم الّذي استقبله به الوجود، وبذلك الموكب الّذي تسجد فيه الملائكة ويعلن فيه الخالق جلّ شأنه تكريم هذا الإنسان، بقوله عزّ من قائل: ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (الأعراف/ 11) . 2- الصّورة الحسنة، مصداق ذلك قوله تعالى وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ* (التغابن/ 3) . والقامة المعتدلة، كما قال عزّ وجلّ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي   النهاية (4/ 167) ، وفي روآية ابن ماجه اذا أتاكم كريم كرم، سنن ابن ماجه (3712) (1) المقصد الأسنى ص 117. (2) تفسير القرطبي (10/ 293) . (3) تفسير الطبري (15/ 85) . (4) بتصرف عن تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 55) . (5) البحر المحيط لأبي حيان (6/ 58) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1136 أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (التين/ 4) «1» . والأكل باليدين والعمل بهما، وذلك لا يستطيعه غالب الحيوان. وتكريم الله للإنسان بهدايته هداية عامّة بما جعل فيه بالفطرة، من المعرفة وأسباب العلم.. ففي كلّ أحد ما يقتضي معرفته بالحقّ ومحبّته له، وقد هداه ربّه إلى أنواع من العلم يمكنه أن يتوصّل بها إلى سعادة الدّنيا والآخرة، وجعل في فطرته محبّة لذلك مصداق ذلك قوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ (الرحمن/ 3- 4) ، وقوله تعالى وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (البلد/ 10) (والنّجدان هما الخير والشّرّ) «2» . 4- ومنحه العقل والنّطق والتّمييز (لأنّ الإنسان يمكنه أن يعرّف غيره كلّ ما عرفه) بخلاف سائر الحيوان، كما قال عزّ وجلّ الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ (الرحمن/ 1- 4) . وبهذا تمكّن الإنسان من معرفة الخطّ (الكتابة) إذ به يقدر الإنسان على إيداع العلوم الّتي استنبطها هو أو غيره الدّفاتر فتبقى على وجه الأرض مصونة من الاندراس، محفوظة عن الانطماس، مصداق ذلك قوله سبحانه اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (العلق/ 3، 4) . وبذلك كرّم الله الإنسان بهذه الفطرة الّتي تجمع بين الطّين والنّفخة. وكرّمه بالاستعدادات الّتي أودعها فطرته فاستأهل بها الخلافة في الأرض. تكريم الله للإنسان بتسخير ما في السماء والأرض: 5- بعد أن خلق الله الإنسان أكرمه بالنّعم العظيمة الّتي لا تعدّ ولا تحصى لقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها (إبراهيم/ 34) ، ومن هذه النّعم تسخير ما في السّماء الأرض ليرزقه بها، وهو القائل: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (الأنبياء/ 16) ، وقد سأل الله عزّ وجلّ الإنسان عن ذلك بقوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (فاطر/ 3) «3» ، وقوله: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (يونس/ 31) . ومن هذه النّعم إنزال الله الماء من السّماء وخلق منه كلّ شيء حيّ لقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (الأنبياء/ 30) ، وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ (الزمر/ 21) ، وقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ (البقرة/ 22) . لقد سخّر الله عزّ وجلّ للإنسان- تكريما له- ملكوت السّموات بما تشتمل عليه من نجوم وشموس وأقمار وجعل في نظامها البديع ما ينفع الإنسان من تعاقب اللّيل والنّهار واختلاف في الفصول ودرجات الحرارة ونحو ذلك، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (النحل/ 12) ، وقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الجاثية/ 13) . والمراد بهذا التّسخير هو تمكين الله- عزّ وجلّ- الإنسان من أن يستخدم   (1) غرائب القرآن ورغائب الفرقان (بتصرف واختصار) ، مجلد (15/ 62- 64) . (2) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 14/ 295، وفي تفسير النجدين، تفسير ابن كثير 4/ 547. (3) السؤال هنا سؤال إنكاري بمعنى النفي. والمعنى: لا خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1137 ما خلقه الله في تطبيقات عمليّة نافعة له في مجالات حياته المختلفة دون ثمن يدفعه مقابل ذلك، مثل استخدامه لضياء الشّمس ودفئها، ومعرفته السّنين والحساب بدوران هذه الأفلاك حول نفسها من ناحية وحول بعضها من ناحية أخري، قال تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس/ 40) ، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ (يونس/ 5) ، وبمنازل القمر قدّر سبحانه وتعالى الأيّام والشّهور الّتي يحسب بها عمر الإنسان على الأرض، فقال عزّ وجلّ: وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (غافر/ 67) ، وقدّر بها فصول السّنة الّتي تحكم محاصيله الزّراعّية وأمورا عديدة أخرى تعينه على حياته فقال عزّ من قائل: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (الإسراء/ 12) ، وخلق الله عزّ وجلّ النّجوم والكواكب وأشار إلى عظمتها بقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (الواقعة/ 75- 76) ، فكانت مواقع النّجوم هي وسيلة الإنسان الّتي يهتدي بها إلى الاتّجاهات المختلفة لقوله تعالى: وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (النحل/ 16) . وبها نحدّد جهة القبلة، وهذه كلّها نعم في السّماء خلقها الله وسخّرها للإنسان تكريما له. 6- وكرّم الله الإنسان بتفضيله على كثير من خلقه فقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (الإسراء/ 70) وكرّم الله بني الإنسان بتسليطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم بقوله عزّ وجلّ: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (الرحمن/ 10) . وقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ (البقرة/ 22) . وحملهم في البرّ والبحر ورزقهم من كلّ غذاء نباتيّ أو حيوانيّ ألطفه وألذّه، لقوله تعالى لهم: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (البقرة/ 29) . 7- ومن التّكريم تحميل الإنسان الأمانة ونفي الجبر عنه وإعطاؤه الحرّيّة كاملة، قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (الأحزاب/ 72) ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (النجم/ 39) ، كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (الطور/ 21) . وبهذا تحمّل الإنسان مسئوليّته عن نفسه كأمانة وهو مسئول عنها، ويكمن فيها عنصر التّكليف بحمايتها وصيانتها وتكريمها كفرد وأسرة ومجتمع. وبهذا التكريم يكون الإنسان قيّما على نفسه، محتملا تبعة اتّجاهه وعمله، وهذه هي الصّفة الأولى الّتي كان بها الإنسان إنسانا: حرّيّة الاتّجاه، وفرديّة التّبعة، وبهذه الحرّيّة استخلف في دار العمل، ومن العدل أن يلقى جزاء اتّجاهه وثمرة عمله في دار الحساب. تكريم الله للإنسان بمحبته له وهدايته إياه بإرسال الرسل- عليهم الصلاة والسلام-: 8- من أجلّ مظاهر التّكريم من المولى للإنسان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1138 أن أرسل الرّسل لهداية الخلق ودعاهم لما يحييهم وضمن لهم الفوز في الدّنيا والآخرة، وجعل خاتمهم محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (الأنفال/ 24) ، فكان من أعظم النّعم الّتي أنعم الله بها على الإنسان تكريما له نعمة الإسلام ونعمة الإيمان ونعمة الإحسان، وأن هدانا الله إليها، فقال عزّ من قائل: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (طه/ 123) ، وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ (الأعراف/ 43) . وأرسل لنا خاتم الأنبياء والمرسلين محمّدا صلّى الله عليه وسلّم برسالته العالميّة لتكريم البشر جميعا، فقال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (الأعراف/ 158) ، وقال عزّ من قائل: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً (سبأ/ 28) . وقال عزّ وجلّ: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (المائدة/ 15- 16) ، ومن مظاهر هذا التّكريم حصر مظاهر شرف الإنسان في العبوديّة لله وحده، وتحريره من عبادة الأصنام والأوثان والبشر، وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل/ 36) . ومن ذلك جعل التّقوى هي المعيار الأساسي الّذي يتفاضل به بنو البشر وليس الجنس أو اللّون أو المال ونحو ذلك، يقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات/ 13) . حب الله للإنسان وذكره في الملأ الأعلى: 9- ومن أروع مظاهر تكريم المولى سبحانه للإنسان، أن جعله أهلا لحبّه ورضاه، وأرشده في القرآن الكريم إلى ما يجعله خليقا بهذا الحبّ، وأوّل ذلك اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما دعا النّاس إليه كي يحيوا حياة طيّبة في الدّنيا ويظفروا بالنّعيم المقيم في الآخرة، فقال عزّ من قائل قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وقد أشار المولى إلى ثمرة هذا الاتّباع وما أحلاها من ثمرة، ألا وهي التّمتّع بخيري الدّنيا والآخرة، مصداق ذلك قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (النحل/ 97) ومن تلك المظاهر الّتي يحيا بها البشر، وينعم بها المجتمع الإنسانيّ، وتجلب رضا الله وحبّه ما نصّت عليه الآيات الكريمة الّتي أعلنت هذا الحبّ الإلهيّ بكلّ وضوح: (1) للمحسنين، وذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) . وقد ورد إعلان هذا الحبّ في أربعة مواضع أخرى من الذّكر الحكيم «1» . (2) للمتّقين، وذلك قوله عزّ وجلّ: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (آل عمران/ 76) ، وجاء مثل ذلك في موضعين آخرين من القرآن الكريم «2» . (3) للمقسطين، وذلك في قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (المائدة/ 42) ، وجاء إعلان هذا الحبّ لأهل العدل والإنصاف في موضعين آخرين «3» . (4) للمتطهّرين وذلك كما في قوله سبحانه وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة/ 222) ، وقوله عزّ من   (1) انظر الآيات الواردة في: آل عمران/ 134، 148، المائدة/ 13، 93. (2) انظر الآيات الواردة في: التوبة/ 4، 7. (3) انظر الآيات الواردة في: الحجرات/ 9، الممتحنة/ 8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1139 قائل وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (التوبة/ 108) . (5) للصّابرين، وذلك قوله سبحانه وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران/ 146) . (6) للمتوكّلين، وقد جاء ذلك في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران/ 159) . (7) للتّوابين، وقد جاء ذلك في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ (البقرة/ 222) . (8) للمجاهدين المتوحّدي الصّفوف، وذلك كما في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف/ 4) «1» . أمّا ذكره سبحانه للإنسان في الملأ الأعلى فقد جاء في القرآن الكريم في قوله عزّ من قائل فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (البقرة/ 152) ، كما جاء ذلك في الحديث القدسيّ الّذي رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله عزّ وجلّ: أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأهم خير منهم، وإن تقرّب منّي شبرا تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة «2» » «3» . معية الله للإنسان: 10- ومن أجل مظاهر تكريمه عزّ وجلّ للإنسان تقريبه منه ومعيّته له ويتجلّى هذا القرب في قوله تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ 186) ، أمّا معّيته سبحانه فإنّها تتحقّق في مظاهر عديدة منها: أ- معيّة المراقبة، وذلك كما في قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ (الحديد/ 4) ، وقوله سبحانه (لبني إسرائيل) وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (المائدة/ 12) . ب- معيّة النّصرة والتّأييد والهداية وذلك كما جاء على لسان سيّدنا إبراهيم عليه السّلام كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (الشعراء/ 62) ، وكقوله سبحانه لموسى وهارون إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (طه/ 46) ، وكما جاء على لسان الرّسول الخاتم محمّد صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر، في قوله تعالى لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا (التوبة/ 40) . وهذه المعيّة ليست قاصرة على الأنبياء وحدهم وإنّما تشمل المؤمنين الطّائعين أيضا، مصداق ذلك قوله تعالى للمؤمنين وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (محمد/ 35) . ج- معيّة التّوفيق والمحبّة، وقد جعلها الله تعالى للمتّقين والصّابرين وأهل الإحسان فقال عزّ وجلّ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ* (البقرة/ 194) (ومثلها في التوبة/ 36، 123) ، وقال عزّ من قائل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 153) (ومثل ذلك في البقرة/ 249، والأنفال/ 36) ، أمّا معّية الله للمحسنين فقد أثبتها الذّكر الحكيم في موضعين: قوله   (1) وانظر في معية الله للإنسان وما يقتضيه ذلك من حياد منه سبحانه في صفة الحياء. (2) البخاري- الفتح (7536) ، ومسلم (2675) واللفظ له. (3) انظر «صفة الذكر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1140 عزّ وجلّ (في النحل/ 128) : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت/ 69) . حفظ الإنسان ورعايته: 11- ومن مظاهر تكريم الإنسان أن يحظى برعاية الله عزّ وجلّ وحفظه من السّوء، قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (الانفطار/ 1) ، وسخّر له الملائكة لحفظه، قال تعالى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (الطارق/ 4) ، وحفظه من وساوس وإغواء الشّيطان بتمكينه من الاستعاذة بربّ العالمين ليحميه من كيد هذا الشّيطان الرّجيم، يقول الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (فصلت/ 36) ، وعلّمنا ربّنا كيف نستعيذ به من الشّيطان ومن كلّ شرّ في المعوّذتين: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «1» . ومن تكريم الله عزّ وجلّ للإنسان المسلم أن جعل في القرآن شفاء لعلل النّفس والجسد وجعله بصائر للنّاس، فقال تعالى: هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ «2» ، وتتضمّن هذه البصائر القرآنية حقوق الإنسان الشّرعيّة العامّة والخاصّة وتجعلهم يقفون على ما لهم ويعرفون ما عليهم، فيؤدّون الواجبات المتعلّقة بالنّفس وبالغير، وقبل ذلك وبعده ما يجب عليهم من عبادة الواحد القهّار فيحفظون بذلك دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم، كما أرشد القرآن إلى مكارم الأخلاق وحثّ عليها، يقول الله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ (الإسراء/ 9) . 12- تحريم دم الإنسان وماله وعرضه وتشديد النّكير وتغليظ العقوبة على من يفعل ذلك يقول الله عزّ وجلّ: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (المائدة/ 32) . وسنّ الله عزّ وجلّ الشّرائع السّماويّة العادلة الرّادعة لحماية هذه النّفس الإنسانيّة لقوله عزّ وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة/ 179) . 13- ومن تكريم الإنسان في الإسلام إعطاء حقّ المساواة لكلّ فرد مع الاخرين، فلا يتفاضل أحد على أحد إلّا بالتّقوى والعمل الصّالح إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات/ 13) ، وبهذا الحقّ يتساوى النّاس جميعا في تطبيق أحكام الشّرع الحنيف، ويحصلون جميعا على فرص متكافئة في العمل والتّعليم والعلاج ونحو ذلك، لا فرق بين غنيّ وفقير وشريف ووضيع، وقويّ وضعيف، وعربيّ وعجميّ، وفي ظلّ مجتمع المساواة يسود الإنصاف وتعمّ العدالة وتنتشر الألفة، ويتلاشى الكبر، ولا أدلّ على ذلك من هذا التّطبيق العمليّ المتمثّل في فرائض الصّلاة والصّيام والحجّ حيث يقف المصلّون والصّائمون والحجّاج جميعا أمام الله سواء. 14- وأخيرا يأتي التّكريم الأعظم في الاخرة بما أعدّه الله للطّائعين من الكرامة في دار المقام حيث يدخلهم الجنّة يتمتّعون فيها بنضرة النّعيم ويحظون بالرّضوان والفضل العظيم، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ   (1) انظر: صفة الاستعاذة. (2) انظر: صفة النظر والتبصر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1141 مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة/ 72) . ثانيا: تكريم الإنسان لنفسه: أ- بالعلم والمعرفة: 1- إنّ الإنسان إذا علم أنّه مكرّم من الله عزّ وجلّ، وأنّ من تكريم الله له قربه منه ومعيّته له فإنّ أبسط مظاهر تكريمه لنفسه أن يعمل عقله وقلبه وجوارحه بأن يتفكّر ويتأمّل ويتدبّر في ملكوت الله عزّ وجلّ ونعمه الّتي لا تعدّ ولا تحصى، فمتى ما تعلّم المرء كيف يقرأ باسم ربّه الكريم كرّم فكره وقلبه بمعرفة الله عزّ وجلّ- في كلّ شيء يراه، قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (الزمر/ 9) . ومتى ما أقبل الإنسان بفكره وقلبه على الله بإخلاص ونيّة حسنة أقبل الله عليه وزاده نورا على نور وهداه إلى سبل الخير والتّقوى وفقّهه في الدّين، مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» «1» . فالإنسان يكرّم نفسه بالعلم والمعرفة حتّى يكون أهلا لتكريم الله له، ومن يفعل ذلك وهو مؤمن بالله فيقدّم عملا فكريّا أو ثقافيّا، أو اكتشافا علميّا يثري به الحياة، يلق من النّاس التّكريم والثّناء العطر ومن الله عزّ وجلّ عظيم الجزاء في الدّنيا والآخرة. ب- تكريم الإنسان نفسه بالعبادة والطاعة: من تكريم الإنسان نفسه أن يزكّيها بالعبادة ويطهّرها بالطّاعة، وذلك دون تطرّف أو غلوّ، ذلك أنّ التّيسير والرّفق بالنّفس من الأمور الّتي دعانا إليها القرآن وحثّنا على اتّباعها الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم فقال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ... (النساء/ 171) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق» «2» ، وإذا فعلنا ذلك كنّا أهلا لمعيّة الله عزّ وجلّ، ويكون ذلك بالتّقوى والإحسان والصّبر وغيرها من مظاهر الطّاعة، وهذه المعيّة تجعل الإنسان موقنا بأنّ الله عزّ وجلّ رقيب عليه مطّلع على سرّه وعلانيته ومن ثمّ فعليه العمل بموجب ذلك أي بغاية الإخلاص والحياء والخوف والخشية وأن يعبد الله بأقواله وأفعاله كأنّه يراه، وإذا علم أنّ معيّة النّصر والتّأييد لا تكون إلّا للرّسل وأهل الإيمان، فلا شكّ أنّ من تكريمه لنفسه أن يجعلها من أهل هذا الإيمان، ولمّا كانت هذه المعيّة الإيمانيّة تتأكدّ من خلال التّوفيق والمحبّة وأنّ لها شروطها الّتي اقترنت بها، فإنّ الإنسان (المسلم) لابدّ أن يكرّم نفسه بأن يجعلها ممّن تنطبق عليه شروط هذه المعيّة من التّقوى والصّبر والإحسان. أمّا التّقوى وهي الصّفة الأولى الّتي اقترنت بها المعّيّة فالمراد بها العبادة مطلقا، يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة: «واسم التّقوى» إذا أفرد دخل فيه فعل كلّ مأمور به وترك كلّ محظور، ونقل عن ابن حبيب قوله: «التّقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو رحمة الله وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عذاب الله» «3» . فالتّقوى الّتي تقتضي المعيّة هنا تشمل الطّاعات بأسرها وأنواع العبادة بكاملها من صلاة وصوم وحجّ وغيرها، وقوله على نور من الله تقتضي التّبصّر والتّفكّر والتّدبّر، وهذا يؤدّي إلى العلم والحكمة والمعرفة، أمّا   (1) البخاري- الفتح 1 (71) ، وانظر صفة الفقه. (2) انظر هذا الحديث وغيره في صفة «الغلو» ، وقارن أيضا بصفة «الرفق» . (3) مجموع الفتاوى (7/ 163) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1142 رجاء رحمة الله فإنّه يشمل الرّجاء والرّغبة فيما عند الله عزّ وجلّ. وإذا انتقلنا إلى الصّفة الثّانية الّتي اقترنت بالمعيّة فهي الصّبر والصّبر يشمل: صبر على الطّاعة وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله «1» . وأمّا الصّفة الثّالثة الّتي نصّ القرآن على اقترانها بالمعيّة فهي الإحسان، وركنه هو أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك والإحسان بمعناه الشّامل الّذي يتضمّن إحسان العمل مثل الفضل، وكظم الغيظ والإنفاق في سبيل الله، والتّصدّق والزّكاة ونحوها، والإخلاص التّامّ في كلّ ذلك «2» . من أعمال البرّ والتّقوى، فكلّها أعمال يقوم بها الإنسان ابتغاء الحسنات من الله- عزّ وجلّ- ومرضاته تعالى. أمّا أجلّ مظاهر تكريم الإنسان لنفسه فهو جعلها أهلا لحبّ الله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ويكون ذلك بالإيمان بالله أوّلا، ثمّ باتّباع رسوله صلّى الله عليه وسلّم ثانيا، ثمّ بالاستمرار في هذه الأمور الثّلاثة: التّقوى والإحسان والصّبر من ناحية، والعدل والقسط والتّطهّر والتّوكّل والتّوبة والجهاد «3» من ناحية ثانية، أمّا الأمر الثّالث الّذي يكرّم الإنسان به نفسه ويجعلها أهلا للمعيّة والقرب من الله عزّ وجلّ فهو الذّكر والدّعاء ونحوهما من الاستغفار والاستعانة والحمد والشّكر والثّناء، قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد/ 28) ، ولا يوجد أعظم من هذه الطّمأنينة، وتلك السّكينة اللّتين تمثّلان غاية السّعادة الإنسانيّة، وقد كان المصطفى صلّى الله عليه وسلّم خير من يقتدى به في هذا المجال حيث كان يصبح ذاكرا ويظلّ ذاكرا حتّى يمسي، وكان بذلك الذّكر في معيّة مولاه. ج- تكريم الإنسان نفسه بالحفظ والصيانة والتزكية: على الإنسان الّذي يكرّم نفسه أن يحفظ هذه النّفس الّتي حرّمها الله تعالى بالعفّة والتّطهّر، وأن يصونها عن كلّ ما يدنّسها أو يشينها من الموبقات المهلكة مثل الزّنا واللّواط والخمر والميسر، ونحو ذلك ممّا يذلّ النّفس وينتقص من كرامتها وعزّتها، ناهيك عمّا يؤذي الجسد والعقل من المخدّرات وما في حكمها، إنّ الإنسان بذلك يجعل نفسه في فريق السّعداء في الدّنيا والآخرة. قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ «4» مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) ، المعنى كما يقول ابن تيميّة- رحمه الله-: «قد أفلح من كبّرها وأعلاها بالطّاعة، وخسر من أخفاها وحقّرها وصغّرها بمعصية الله- عزّ وجلّ-، فالطّاعة والبرّ تكبر النّفس وتعزّها وتعليها حتّى تصير أشرف شيء وأكبره، وأزكاه وأعلاه، ويكون ذلك بالإيمان بآيات الله وسننه الكونيّة وآياته العلميّة، فبالتّفكّر والتّدبّر لهذه الآيات، وبالفهم والتّعقّل لآيات القرآن تزكو النّفس وتسمو وتعلو على مدارج هذه الكمالات حتّى تكون مع الأبرار «5» ، وقد صدق الله العظيم إذ قال: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي   (1) انظر صفة الصبر في هذه الموسوعة. (2) انظر صفة الإحسان في هذه الموسوعة، وقارن بما ذكره الشيخ الغزالي في كتابه «المحاور الخامسة» حيث ذكر معاني الإحسان في القرآن الكريم ص 192 وما بعدها. (3) انظر الفقرة الخاصة بمعية الله للإنسان واقتران ذلك بكل هذه الصفات. (4) أقسم الله- عز وجل- على ذلك بسبعة أشياء هي: 1- الشمس، 2- القمر، 3- النهار، 4- الليل، 5- السماء، 6- الأرض، 7- النفس. (5) التفسير القيم (511- 512) . وانظر هامش (511) بتصرف يسير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1143 وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (المطففين/ 22- 24) . د- الأخذ بالأسباب: على المرء إذا أراد أن يكرّم نفسه أن يصونها عن ذلّ سؤال الخلق، ولا يتأتّى له ذلك إلّا إذا سعى في طلب الرّزق موقنا أنّ الله عزّ وجلّ هو الرّزّاق ذو القوّة المتين وأنّه المتكفّل بذلك مصداقا لقوله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ* فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (الذاريات/ 22- 23) ، وإذا فعل ذلك فإنّ عليه أن يرضى بما قسم الله له من الرّزق الحلال، فإذا سعى وكدح ورزق ما قدّر الله له أن يرزقه ورضي بذلك انكسرت حواجز الشّك والقلق، وتخلّص من وساوس الشّيطان وحبّ التّكاثر من أجل استهلاك زائف في دنيا فانية، وأنّه لابدّ ملاق ربّه يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (الانشقاق/ 6) ، بذلك فقط تصبح نفسه عزيزة بإيمانها، قويّة بعزّتها، لا تغرّها الدّنيا ولا يعميها الطّمع حيث آمنت بقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ (الحديد/ 20) «1» ، واعتقدت بأنّ النّجاح والرّزق بيد الله عزّ وجلّ، يقول سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ إلى قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (الطلاق/ 2- 3) ، وقال عزّ وجلّ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً* ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (الطلاق/ 4- 5) . إنّ الارتباط بين التّقوى والتّوكّل وقضاء الله وقدره من ناحية وبين الرّزق من ناحية أخرى كفيل أن يحرّر الإنسان من الخوف من فقدان الرّزق، ذلك أنّ الرّزق قد تكفّل به المولى عزّ وجلّ في قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها (هود/ 6) ، وليس على الإنسان إلّا أن يأخذ بالأسباب الّتي أجملتها الاية الكريمة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ويعتقد جازما أنّ الله وحده صاحب الفضل في توفير هذا الرّزق له وتأمينه من الخوف أيّا كان نوعه من مرض أو جوع أو عدوّ أو نحو ذلك، ولا مهرب من ذلك كلّه إلّا بالفرار إلى الله عزّ وجلّ، قال تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (الذاريات/ 50) . إنّ الإنسان الّذي يكرّم نفسه حقّا هو الّذي لا ينسى نصيبه من الدّنيا ولكنّه في الوقت نفسه لا ينسى نصيبه من الاخرة، فالاخرة كما قال تعالى: خَيْرٌ وَأَبْقى (الأعلى/ 16) ، وتحصيل نصيب الاخرة يكون بالإنفاق وإخراج الزّكاة والمواساة وإغاثة الملهوف ونحو ذلك، يقول الله تبارك وتعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا (القصص/ 77) . والخلاصة أنّ الإنسان الّذي يكرّم نفسه هو الّذي يستحقّ التّكريم من الله عزّ وجلّ ومن النّاس، وتكريم النّفس يكون بإعمال قواها العقليّة بالتّفكّر والتّدبّر والتأمّل، وقواها القلبيّة بالحبّ والتّذكّر والإيمان، وقواها البدنيّة بالسّعي للرّزق وبالعبادة والعمل الصّالح، إذ هما وسيلة العبد إلى التّقرّب منه سبحانه، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ   (1) انظر صفة «التكاثر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1144 وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (المائدة/ 35) ، كلّ ذلك تزكية للنّفس وسموّ بها وقد قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) . ثالثا: تكريم الإنسان لأخيه الإنسان: نصّ القرآن الكريم في مواضع عديدة على تكريم الإنسان للإنسان بوجه عامّ، وجاءت السّنّة المطّهرة مؤيّدة ومبيّنة هذا التّكريم الّذي يشمل الأناسيّ جميعا، والله عزّ وجلّ القائل: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب/ 21) واصفا إيّاه عليه الصّلاة والسّلام وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم/ 4) . فشمل ذلك التّكريم الرّجل والمرأة، الصّغير والكبير، الغنيّ والفقير، المريض والسّليم، المسافر والمقيم، القريب والبعيد، الحيّ والميّت، وغير ذلك ممّا يشمله لفظ «إنسان» أو آدميّ، إلّا أنّ القرآن والسّنّة قد أكّدا في غير موضع على أنواع خاصّة من التكريم لأنواع خاصّة من النّاس، اهتماما بها وتذكيرا بما لها من حقوق على المجتمع الإنسانيّ. وعلى رأس قائمة الّذين ينبغي تكريمهم ورعايتهم الوالدين الّذين جعل الله الإحسان إليهما تاليا لعبادته عزّ وجلّ ممّا يدلّ على عظيم شأن البرّ بهما وتكريمهما يقول الله تبارك: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (الإسراء/ 23) . ويتسّع نطاق هذا التّكريم ليشمل ذوي الأرحام الّذين قال الله فيهم: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ (الأحزاب/ 6) ، وقال عزّ وجلّ: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (النساء/ 36) . ومن هذا المنطلق الرّحيم ينطلق الإنسان في تكريم أخيه الإنسان بالإحسان إليه، وحسن الظّنّ به، وحسن معاملته، والتّعامل معه بالرّقّة والشّفقة والتّسامح، والتّواصي بالحقّ وبالمرحمة مصداقا لقوله تعالى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (البلد/ 17) ، وفي دائرة التّواصي بالحقّ تدخل النّصيحة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وفي دائرة المرحمة يدخل الفضل والتّناصر والتّعاون على البرّ والتّقوى، وبهذه الأمور يتحقّق تكريم الإنسان لأخيه الإنسان في أروع صوره وأبهى حلله وما ذلك إلّا لأنّ مبنى حقوق الإنسان الّتي أمرنا أن نتواصى بها قائمة على أنّ الإنسان مكرّم لتكريم الله تعالى له، ومنحه إيّاه ذلك، وذلك التّكريم يرتبط بعبوديّة الإنسان لربّه وإيمانه به «1» . وبهذا الرّباط الإيمانيّ يعدّ المسلمون جميعا إخوة في الدّين، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات/ 10) ، وهذه الرّابطة الإيمانيّة تفرض على كلّ منهم الالتزام بعدل الإسلام وسماحته، والبرّ بالنّاس جميعا حتّى ولو خالفونا في الرّأي أو العقيدة ويقول الله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (المائدة/ 8) . إنّ حقوق الإنسان مرتبطة بأداء ما عليه من واجب، وبقدر ما يلتزم من مسئوليّة إزاء حقوق الاخرين، وقد جعل الإسلام للحرّيّة الشّخصيّة   (1) الإنسان المعاصر، الإسلام وحقوق الإنسان للدكتور عبد الرحيم سعيد التلب ص 44. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1145 حدودا لا ينبغي تجاوزها تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها (البقرة/ 229) ، وقال عزّ وجلّ: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (الشورى/ 42) ، وبهذا فإنّ الحرّيّة الإسلاميّة ليست اتّباعا للهوى أو جريا وراء الشّهوات وتحقيق المكاسب المادّيّة بالحقّ أو بالباطل، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ (القصص/ 50) ، وقال عزّ وجلّ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف/ 28) ، بل على العكس من ذلك على الإنسان أن يتّبع شريعة الله الحاكمة، قال تعالى: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (الأعراف/ 3) ، وكما نهى الإسلام الإنسان عن أن يتّبع هواه في الحكم على حقوق الاخرين فإنّه نهي أيضا عن اتّباع هوى الغير من الضّالّين المضلّين، قال تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة/ 49- 50) . تكريم المرأة: لقد اتّخذ تكريم المرأة في الإسلام صورا عديدة ومظاهر متنوّعة منها على سبيل المثال: 1- ضرورة المحافظة على حياتها، وقد جاء ذلك عندما نعى القرآن الكريم على عرب الجاهليّة ما كانوا يقدمون عليه من وأدهنّ «1» . يقول تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (التكوير/ 8- 9) ، وقد وسم القرآن الكريم هؤلاء الجاهلين بسوء حكمهم وخطأ تقديرهم عند ما كانوا يشعرون بالهوان ويتوارون من الخجل عندما يرزق أحدهم بالبنت فقال عزّ من قائل: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (النحل/ 58- 59) ، ويستنكر إليه مثل هذا التصرّف بقوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ (الأنعام/ 140) . 2- إعطاؤها الحقّ كاملا في ممارسة العبادة والحصول على الأجر العظيم والمغفرة من الله عزّ وجلّ إن هي فعلت ما أمر الله تبارك وتعالى به، مصداق ذلك قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 35) . 3- يسّر الإسلام السّبيل أمام المرأة لتتفرّغ لأجلّ مهمّة في الحياة وهي حفظ النّسل والقيام عليه بالرّعاية والتّعليم والتّربية والتّهذيب وهي كما قال الشّاعر: هي الأخلاق تنبت كالنّبات ... إذا سقيت بماء المكرمات   (1) الوأد: يعني إهالة التراب على الفتاة وهي حيّة حتى تموت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1146 تقوم إذا تعهّدها المربّي ... على ساق الفضيلة مثمرات ولم أر للخلائق من محلّ ... يهذّبها كحضن الأمّهات «1» وحتّى تستطيع الأمّ القيام بهذه المهمّة فلا بدّ من أن يتهيّأ لها من يكفل أمر القيام بمعاشها والسّعي على رزقها ورعاية مصالحها، ولذلك فقد ارتبطت قوامة الرّجال على أمور الأسرة بدرجة الرّجولة وبالإنفاق، قال تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (النساء/ 34) . 4- حقّ المعاشرة بالمعروف أو المفارقة بالمعروف، يقول الله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء/ 19) ، وقال عزّ وجلّ: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (الطلاق/ 2) . 5- جعل الإسلام للمرأة نصيبا مفروضا في تركة الرّجل سواء أكانت هذه المرأة أمّا أو ابنة أو زوجا أو أختا، وضمن لها بذلك الحقّ في الحياة الحرّة الكريمة في حياة أهلها أو بعد رحيلهم. تكريم الأقليات في المجتمع الإسلامي: لقد قضى الإسلام قضاء مبرما على كافّة أنواع التّمييز العنصريّ القائم على اختلاف اللّون أو الجنس، فالأبيض كالأسود والعربيّ كالعجميّ لا يتفاضلون ولا يتمايزون إلّا بالتّقوى والعمل الصّالح، فأكرم النّاس أتقاهم كما جاء في الآية الكريمة يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات/ 13) . أمّا غير المسلم فإنّه يعيش مكرّما لا يجوز لأحد أن ينتقصه أو ينتهك عرضه أو ماله أو دمه، أو يجبره على ما يكره، قال تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (البقرة/ 256) ، وقال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم حاثّا على استقرار وتلاحم المجتمع بكافّة عناصره: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما» «2» ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «ألا من ظلم معاهدا أو انتقص منه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» «3» . ومن مظاهر التّكريم نهي الإسلام عن التّعذيب سواء كان المعذّب مسلما أو ذمّيّا، روى عروة ابن الزّبير أنّ هشام بن حكيم وجد رجلا وهو (وال) على حمص يشمّس ناسا من القبط في أداء الجزية، فقال: ما هذا؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا» «4» . ولو لم يعرف هشام أنّ هذا الوعيد يشمل المعذّبين من أهل الذمّة كما يشمل المسلمين لمّا ذكّر به الوالي الّذي كان يقوم- عن جهل بقواعد الإسلام السّمحة- بتعذيب بعض القبط. [للاستزادة: انظر صفات: الإنصاف- الألفة- بر الوالدين- حسن العشرة- حسن الخلق- حسن المعاملة- صلة الرحم- عيادة المريض- كفالة اليتيم التعاون على البر والتقوى- المواساة- المروءة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإساءة- الاستهزاء- السخرية- العدوان- عقوق الوالدين- قطيعة الرحم- نكران الجميل- القسوة- الجحود- سوء المعاملة] .   (1) هذه أبيات شعر لكبير شعراء العراق معروف عبد الغني الوصافي. (2) البخاري- الفتح 6 (3166) . (3) أبو داود 3 (3052) . (4) المرجع السابق 3 (3045) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1147 الآيات الواردة في «تكريم الإنسان» تكريم الإنسان على كثير مما خلق الله تعالى: 1- * وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) «1» 2- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) «2» تكريم الإنسان في الآخرة: 3- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (31) «3» 4- إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «4» تكريم الإنسان على إبليس: 5- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) «5» الآيات الواردة في «تكريم الإنسان» معنى أولا: تسخير ما في الكون له: 6- يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) «6» 7- هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) «7» 8- * إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)   (1) الإسراء: 70 مكية (2) الفجر: 15- 20 مكية (3) النساء: 31 مدنية (4) يس: 25- 27 مكية. (5) الإسراء: 61- 62 مكية (6) البقرة: 21- 22 مدنية (7) البقرة: 29 مدنية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1148 فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) «1» 9- * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) «2» 10- اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) «3» 11- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) «4» 12- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8)   (1) الأنعام: 95- 97 مكية (2) الأنعام: 141- 142 مكية (3) الرعد: 2- 4 مدنية (4) ابراهيم: 32- 34 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1149 وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) «1» 13- وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) «2» 14- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ   (1) النحل: 4- 18 مكية (2) النحل: 65- 72 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1150 سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) «1» 15- رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) «2» 16- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «3» 17- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) «4» 18- وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) «5» 19- أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) «6» 20- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)   (1) النحل: 81 مكية (2) الإسراء: 66 مكية (3) الحج: 36- 37 مكية (4) الحج: 65 مكية (5) المؤمنون: 18- 22 مكية. (6) النمل: 60- 64 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1151 وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (63) «1» 21- وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «2» 22- أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) «3» 23- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «4» 24- وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) «5» 25- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) «6» 26- خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) «7» 27- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (79)   (1) العنكبوت: 61- 63 مكية (2) الروم: 24 مكية (3) لقمان: 20 مكية (4) لقمان: 29- 31 مكية (5) فاطر: 12- 13 مكية (6) يس: 71- 73 مكية (7) الزمر: 5- 6 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1152 وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) «1» 28- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14) «2» 29-* اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) «3» 30- أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (7) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (8) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (11) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (13) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (16) «4» 31- أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (31) وَالْجِبالَ أَرْساها (32) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (33) «5» 32- فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا (29) وَحَدائِقَ غُلْباً (30) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (32) «6»   (1) غافر: 79- 81 مكية (2) الزخرف: 9- 14 مكية (3) الجاثية: 12- 13 مكية (4) النبأ: 6- 16 مكية (5) النازعات: 27- 33 مكية (6) عبس: 24- 32 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1153 ثانيا: خلق الإنسان في أحسن تقويم: 33- الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14) «1» 34- ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (9) «2» 35- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) «3» 36- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) «4» 37- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «5» 38- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8) «6» 39- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) «7» 40- أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) «8» 41- وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) «9» 42- وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) «10»   (1) المؤمنون: 11- 14 مكية (2) السجدة: 6- 9 مكية (3) الصافات: 123- 126 مكية (4) غافر: 64 مكية (5) التغابن: 2- 3 مدنية (6) الانفطار: 6- 8 مكية (7) الأعلى: 1- 3 مكية (8) البلد: 7- 10 مكية (9) الشمس: 7- 10 مكية (10) التين: 1- 4 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1154 ثالثا: استخلافه في الأرض وإسجاد الملائكة له: 43- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) «1» 44- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) «2» 45- وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) «3» 46- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) «4» 47- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) «5» 48- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) «6» 49- هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً (39) «7»   (1) البقرة: 30- 34 مدنية (2) الأنعام: 165 مكية (3) الأعراف: 11- 12 مكية (4) الحجر: 28- 31 مدنية (5) الكهف: 50 مكية (6) طه: 116- 119 مكية (7) فاطر: 39 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1155 50- فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) «1» رابعا: إرسال الرسل لإسعاده في الدنيا والاخرة: 51- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) «2» 52- يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) «3» 53- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «4» 54- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) «5» 55- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «6» 56- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «7» 57- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) «8» 58- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) «9» 59- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) «10»   (1) ص: 73- 75 مكية (2) البقرة: 151 مدنية (3) التوبة: 32- 33 مدنية (4) يوسف: 109 مكية (5) الرعد: 38 مدنية (6) ابراهيم: 4 مكية (7) النحل: 43- 44 مكية (8) الأنبياء: 7- 9 مكية (9) الأنبياء: 25 مكية (10) الأنبياء: 107 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1156 60- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (42) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (46) «1» 61- لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) «2» 62- وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) «3» 63- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) «4» 64- وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) «5» 65- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) «6» خامسا: صيانة الإنسان في دمه وعرضه وماله: 66- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) «7» 67- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) «8»   (1) المؤمنون: 42- 46 مكية (2) الروم: 47 مكية (3) الصافات: 71- 74 مكية (4) غافر: 78 مكية (5) الزخرف: 6- 8 مكية (6) الحديد: 25 مدنية (7) البقرة: 188 مدنية (8) المائدة: 32- 33 مدنية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1157 68- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «1» 69- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) «2» سادسا: تعليمه القراءة والكتابة والبيان وغير ذلك مما لم يكن يعلمه: 70- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «3» 71- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) «4» 72- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) «5» 73- هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) «6» 74- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) «7»   (1) الأنعام: 151 مكية (2) الإسراء: 31- 35 مكية (3) البقرة: 238- 239 مدنية (4) النساء: 113 مدنية (5) الأنعام: 91 مكية (6) يونس: 5 مكية (7) الإسراء: 12 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1158 75- الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) «1» 76- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «2» سابعا: أنواع خاصة من التكريم: أ- تكريم المرأة: 77- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «3» 78- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «4» 79- وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) «5»   (1) الرحمن: 1- 4 مدنية (2) العلق: 1- 5 مكية (3) البقرة: 229- 232 مدنية (4) البقرة: 236- 237 مدنية (5) النساء: 4 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1159 80- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) «1» 81- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21) «2» 82- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) «3» 83- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) «4» 84- وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) «5» 85- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) «6» 86- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) «7» 87- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) «8» 88- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ   (1) النساء: 7 مدنية (2) النساء: 19- 21 مدنية (3) النساء: 32 مدنية (4) النساء: 128- 129 مدنية (5) النحل: 58- 59 مكية. (6) النور: 4 مدنية (7) النور: 23 مدنية (8) الروم: 21 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1160 وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) «1» 89- أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (6) «2» ب- تكريم أهل الذمة والأقليات العرقية: 90- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «3» 91- فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «4» 92- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «5» 93- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) «6» 94- * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «7» 95- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) «8» 96- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) «9»   (1) الطلاق: 1- 2 مدنية (2) الطلاق: 6 مدنية (3) البقرة: 256 مدنية (4) آل عمران: 20 مدنية (5) آل عمران: 64 مدنية (6) يونس: 99 مكية (7) العنكبوت: 46 مكية (8) الممتحنة: 8 مدنية (9) الكافرون: 1- 6 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1161 الأحاديث الواردة في (تكريم الإنسان) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فو الّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. قال: «فيلقى العبد فيقول: أي فل «1» ألم أكرمك، وأسوّدك «2» ، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس «3» وتربع «4» ؟ فيقول: بلى. قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني «5» . ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى أي ربّ. قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا ربّ! آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت، ويثني بخير ما استطاع. فيقول ههنا إذا «6» قال: ثمّ يقال له: الان نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «7» . 2- * (عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أكرم سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أهانة الله يوم القيامة» ) * «8» . 3- * (عن خارجة بن زيد بن ثابت «أنّ أمّ العلاء- امرأة من نسائهم- بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرته أنّ عثمان بن مظعون طار لهم في السّكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين. قالت أمّ العلاء: فاشتكى عثمان عندنا، فمرّضته حتّى توفّي، وجعلناه في أثوابه، فدخل علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، شهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله قد أكرمه؟ قالت قلت: لا أدري، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، فمن؟ قال: «أمّا   (1) أي فل: معناه يا فلان: وهو ترخيم على خلاف القياس وقيل: هي لغة بمعنى فلان. (2) أسوّدك: أي أجعلك سيدا على غيرك. (3) ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم. (4) تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها. ومعناه: ألم أجعلك رئيسا مطاعا. (5) فإني أنساك كما نسيتني: أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي. (6) ههنا إذا: معناه قف ههنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت منكرا. (7) البخاري- الفتح 11 (6573) ، ومسلم (2981) واللفظ له. (8) أحمد في مسنده (5/ 42، 49) . والترمذي (2224) وقال حديث حسن غريب وابن حبّان في الثقات (4/ 259) وابن أبي عاصم في السنة 2/ 478) وحسنه الألباني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1162 هو فقد جاءه- والله- اليقين. والله إنّي لأرجو له الخير، وما أدري والله- وأنا رسول الله- ما يفعل بي. قالت: فو الله لا أزكّي أحدا بعده قالت: فأحزنني ذلك، فنمت، فرأيت لعثمان عينا تجري، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبرته، فقال: ذلك عمله) * «1» . 4- * (عن عمرو بن يحيى بن سعيد قال: أخبرني جدّي «أنّ أبان بن سعيد أقبل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم عليه، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، هذا قاتل ابن قوقل. وقال أبان لأبي هريرة: واعجبا لك وبر تدأدأ «2» من قدوم ضأن، ينعى «3» عليّ امرأ أكرمه الله بيدي «4» ، ومنعه أن يهينني بيده) * «5» . 5- * (عن شهاب بن عبّاد أنّه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون: قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاشتدّ فرحهم بنا، فلمّا انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا، فقعدنا، فرحّب بنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودعا لنا، ثمّ نظر إلينا فقال: «من سيّدكم وزعيمكم؟» . فأشرنا بأجمعنا إلى المنذر بن عائذ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أهذا الأشجّ؟» وكان أوّل يوم وضع عليه هذا الاسم بضربة لوجهه بحافر حمار- قلنا: نعم يا رسول الله. فتخلّف بعد القوم فعقل رواحلهم، وضمّ متاعهم، ثمّ أخرج عيبته فألقى عنه ثياب السّفر، ولبس من صالح ثيابه، ثمّ أقبل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد بسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجله واتّكأ، فلمّا دنا منه الأشجّ أوسع القوم له، وقالوا: ههنا يا أشجّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- واستوى قاعدا وقبض رجله-: «ههنا يا أشجّ» . فقعد عن يمين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرحّب به، وألطفه، وسأله عن بلاده، وسمّى له قرية، الصّفا والمشقر وغير ذلك من قرى هجر، فقال: بأبي وأمّي يا رسول الله، لأنت أعلم بأسماء قرانا منّا. فقال: «إنّي قد وطئت بلادكم وفسح لي فيها» ، قال: ثمّ أقبل على الأنصار فقال: «يا معشر الأنصار: أكرموا إخوانكم، فإنّهم أشباهكم في الإسلام، أشبه شيئا بكم أشعارا وأبشارا، أسلموا طائعين غير مكرهين، ولا موتورين إذ أبى قوم أن يسلموا حتّى قتلوا» ، قال: فلمّا أن أصبحوا قال: «كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إيّاكم؟ قالوا: خير إخوان، ألانوا فراشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلّمونا كتاب ربّنا- تبارك وتعالى- وسنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فأعجبت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفرح بها ... » الحديث) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من أكرم النّاس؟ قال: «أكرمهم أتقاهم» . قالوا: يا نبيّ الله، ليس عن هذا نسألك. قال: «فأكرم النّاس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» . قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال:   (1) البخاري- الفتح 7 (3929) . (2) الدّأدأة: صوت الحجارة في المسيل. (3) ينعى علي: يعيبني ويوبخني. (4) أكرمه الله بيدي: أي نال الشهادة حين قتلته. (5) البخاري- الفتح 7 (4239) . والفتح 6 (2827) . (6) أحمد 3/ 432. وقصة وفد عبد القيس في الصحيحين وهي مشهورة، فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس- رضي الله عنهما ان امرأة أتته تسأله عن نبيذ الجر فقال: إن وفد عبد القيس ... الحديث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1163 «أفعن معادن العرب «1» تسألونني؟ قالوا: نعم. قال: «فخياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا» ) * «2» . 7- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا. فيقول: لا. إنّ بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله لهذه الأمّة» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (تكريم الإنسان) معنى أولا: تسخير ما في الكون للإنسان: 8- * (عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخّرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع فكنت تظنّ أنّك ملاقي يومك هذا؟ قال: فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني» ) * «4» . ثانيا: صيانة الإنسان في دمه وماله وعرضه: 9- * (عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فقلت: أخبرني عن حجّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال بيده، فعقد تسعا، فقال إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ، ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ، فقدم المدينة بشر كثير، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويعمل مثل عمله ... إلى أن يقول: فأجاز «5» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أتى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء، فرحلت «6» له، فأتى بطن الوادي «7» فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة   (1) معادن العرب: أي أصولهم التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها، وإنما جعلت معادن لما فيها من الاستعداد المتفاوت، أو شبههم بالمعادن لكونهم أوعية الشرف كما أن المعادن أوعية للجواهر. (2) البخاري- الفتح 6 (3374) . (3) البخاري- الفتح 13 (7311) ومسلم (156) ، وأحمد في مسنده (3/ 34) ونصه: « ... ليكرم الله هذه الأمة» . (4) الترمذي- (2428) وقال: في الصحيح وهذا حديث صحيح غريب، ومعناه عند مسلم. (5) أجاز: جاوز المزدلفة ولم يقف بها، بل توجه إلى عرفات. (6) رحلت: وضع عليها الرحل. (7) هو وادي عرنة: وعرنة ليست من أرض عرفات، وقال مالك: هي من عرفات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1164 يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه ... الحديث» ) * «1» . 10- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذو المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» ) * «2» . ثالثا: تكريم المرأة: 11- * (عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فقلت أخبرني عن حجّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: الحديث: وفيه: اتّقوا الله في النّساء فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله «3» ، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «4» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله «5» . وأنتم تسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة، يرفعها إلى السّماء وينكتها «6» إلى النّاس: «اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد» . ثلاث مرّات ... الحديث» ) * «7» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إيّاها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئا، ثمّ قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدّثته حديثها، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من ابتلي «8» من البنات   (1) مسلم (1218) . (2) الترمذي- كتاب البر والصلة برقم (2032) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث الحسين بن واقد. البغوي في شرح السنة (13/ 104) وقال محققه اسناده حسن وله شاهد عند أبي داود (4880) وسنده حسن، وكذا ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 240) ، وقال رواه أبويعلي بإسناد حسن. (3) كلمة الله: قيل: معناه قوله تعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي لا إله إلّا الله محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم. وقيل: قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وهذا الثالث هو الصحيح. (4) قال النووي: معناه أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم. والنهي يتناول الأجنبي ومحارم الزوجة. (5) كتاب الله: بالنصب على أنها بدل عما قبلها، وبالرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف. (6) وروي: ينكبها. أييميلها إليهم. انظر «النهاية» (5/ 112) . (7) مسلم (1218) . (8) ابتلي: إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة، قال تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1165 بشيء فأحسن إليهنّ كنّ له سترا من النّار» «1» ) * «2» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلّم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنّساء، فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضّلع أعلاه «3» ، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنّساء خيرا» ) * «4» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «5» مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر- أو قال- (غيره) » ) * «6» . رابعا: تكريم المعاهد (الذّمي) : 15- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قتل معاهدا لم يرح «7» رائحة الجنّة، وإنّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما» ) * «8» . 16- * (عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قتل معاهدا في غير كنهه حرّم الله عليه الجنّة» ) * «9» . 17- * (عن عروة بن الزّبير أنّ هشام بن حكيم وجد رجلا وهو على حمص «10» يشمّس ناسا من القبط فى أداء الجزية فقال: ما هذا؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا» ) * «11» . خامسا: تكريم المحاربين: 18- * (عن ابن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر رجلا على سريّة أوصاه في خاصّة نفسه بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، فقال: «اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثلوا «12» ولا تقتلوا وليدا. وإذا أنت لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، أو خصال، فأيّتهنّ أجابوك إليها فاقبل منهم وكفّ عنهم، ادعهم إلى   (1) كن له سترا من النار: أي يكون جزاؤه على ذلك وقاية بينه وبين نار جهنم، حائلا بينه وبينها. (2) البخاري (الفتح 10/ 5995) ومسلم (2629) . (3) يعني: أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع، فلا يتهيأ الانتفاع بها إلّا بالصبر على عوجها. (4) رواه البخاري (الفتح 9/ 5185، 5186) ومسلم (1468) واللفظ له. (5) لا يفرك مؤمن مؤمنة: قال أهل اللغة: فركه يفركه: إذا أبغضه، والفرك: البغض. (6) مسلم (1469) . (7) لم يرح: قال ابن حجر: قوله (لم يرح) بفتح الياء والراء، وأصله: يراح، أي وجد الريح. وحكى ابن التين ضم أوله وكسر الراء (يرح) ، وحكى ابن الجوزي ثالثة وهي: فتح أوله وكسر ثانيه (يرح) من راح يريح. والأول أجود. والله أعلم. (8) البخاري- الفتح 6 (3166) . (9) أبو داود (2760) . وصححه الألباني في سنن أبي داود (2398) . (10) حمص: بلد من بلاد الشام وهي الآن في سورية. (11) رواه مسلم (2613) . (12) تمثلوا: بضم الثاء، وضبط من باب التفعيل أيضا، لكن التفعيل للمبالغة، ولا يناسب النهي، يقال: مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به. ومثلت بالقتيل: إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه. والاسم المثلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1166 الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم إن فعلوا ذلك أنّ لهم ما للمهاجرين، وأنّ عليهم ما على المهاجرين، وإن أبوا فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين ... الحديث» ) * «1» . 19- * (عن ابن عمر قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل النّساء والصّبيان» ) * «2» . 20- * (عن سمرة بن جندب قال: كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يحثّنا على الصّدقة، وينهانا عن المثلة» ) * «3» . سادسا: تكريم الخادم والأجير ومن على شاكلتهما: 21- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، أخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ أنسا غلام كيّس فليخدمك. قال: فخدمته في السّفر والحضر. والله، ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لم لم تصنع هذا هكذا» ) * «4» . 22- * (وعن أنس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا. فأرسلني يوما لحاجة. فقلت: والله لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فخرجت حتّى أمرّ «5» على صبيان وهم يلعبون في السّوق. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قبض بقفاي من ورائي. قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: «يا أنيس، أذهبت حيث أمرتك؟» قلت: نعم. أنا أذهب يا رسول الله» ) * «6» . 23- * (عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا «7» فعيّرته بأمّه «8» فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة «9» . إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «10» .   (1) رواه مسلم (1731) . (2) البخاري- الفتح 6 (301) واللفظ له. ومسلم (1744) . (3) أبو داود (2667) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (2322) . (4) مسلم (2309) . (5) حتى أمر: المراد حتى مررت. وقد عبّر بالمضارع عن الماضي استحضارا للصورة. (6) مسلم (2310) . (7) قيل: هذا الرجل هو بلال مؤذن الرسول صلّى الله عليه وسلّم. (8) عيرته بأمه: نسبته إلى العار. (9) فيك جاهلية: أي خصلة من خصال الجاهلية. (10) البخاري- الفتح 1 (30) واللفظ له، ومسلم (40) ، والترمذي (1945) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1167 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (تكريم الإنسان) 24- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «1» على رأس جبل وعر «2» ، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «3» ، إنّي أخاف أن لا أذره «4» ، إن أذكره أذكر عجره وبجره «5» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «6» ، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق، قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «7» ، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سامة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «8» ، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «9» وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «10» طباقاء، كلّ داء له داء «11» ، شجّك أو فلّك «12» أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي الرّيح ريح زرنب «13» ، والمسّ مسّ أرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «14» ، طويل النّجاد «15» ، عظيم الرّماد «16»   (1) غث: مهزول، وهو هنا صفة اللحم ويجوز فيه الجر صفة للجمل. (2) على رأس جبل وعر: المعنى أنه قليل الخير من أوجه منها: كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن، ومنها أنه غث مهزول رديء، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة، وقولها لاسمين فينتقل: أي تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يتركوه رغبة عنه لرداءته. (3) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (4) إنى أخاف أن لا أذره: إني أخاف أن لا أترك من خبره شيئا. (5) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه وقال ابن الأعرابي: العجرة: نفخة في الظهر، فإن كانت في السرة فهي بجرة. (6) زوجي العشنق: العشنق: أي الطويل أو المذموم الطول أو طويل العنق، وكل ذلك بغير نفع. (7) زوجي كليل تهامة: ليس في أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة: معتدل لا حر ولا برد مفرط. (8) زوجي إن دخل فهد: تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وتصفه إذا صار بين النّاس أو مارس الحرب بالأسد. (9) زوجي إن أكل لفّ: قال ابن الأعرابي: هذا ذم له أرادت وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته. (10) زوجي غياياء أو عياياء: بالعين المهملة العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وبالغين المعجمة مأخوذ من الغياية. وهي الظلمة ومعناه: لا يهتدي إلى مسلك، أو أنها وصفته بثقل الروح، وأما طباقاء فمعناه المطبقة عليه أموره قمعا أو العاجز عن الكلام. (11) كل داء له داء: أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه. (12) شجك أو فلك: أي أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو أو جمع بينهما. (13) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثنائه في الناس. (14) زوجي رفيع العماد موصوف بالشرف وسناء الذكر. (15) طويل النجاد: كناية عن طول القامة. (16) عظيم الرماد: كناية عن الجود وكثرة الأضياف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1168 قريب البيت من النّادي «1» . قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك «2» ، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر «3» ، أيقنّ أنهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع، أناس من حليّ أذنيّ «4» ، وملأ من شحم عضديّ «5» ، وبجّحني «6» فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ «7» ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «8» فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح «9» . أمّ أبي زرع فما أمّ أبي زرع، عكومها رداح «10» ، وبيتها فساح «11» . ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع، مضجعه كمسلّ شطبة «12» ، ويشبعه ذراع الجفرة «13» . بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها «14» ، وغيظ جارتها «15» . جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، لا تبثّ حديثنا تبثيثا «16» ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «17» ، ولا تملأ بيتنا تعشيشا «18» ؛ قالت خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «19» ، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين «20» ، فطلّقني   (1) قريب البيت من النادي: الضيفان يقصدون النادي وأصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب للنادي واللئام يتباعدون من النادي. (2) زوجي مالك وما مالك الأولى وما عطف عليها اسم زوجها كررته تفخيما لشأنه؛ وقولها مالك خير من ذلك أي خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر. (3) المزهر: هو العود الذي يضرب به. (4) أناس من حلي أذني حلاني قرطة وشنوفا فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها. (5) وملأ من شحم عضدي: معناه أسمنني وملأ بدني شحما. (6) وبجّحني فبجحت: عظّمني فعظمت عليّ نفسي أو فرّحني ففرحت. (7) وجدني في أهل غنيمة بشق: أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل وحنينها، والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم وإنما يعتدون بأصحاب الخيل. (8) ودائس ومنق: المقصود أنه صاحب زرع يدرسه وينقيه. (9) فأتقنّح: بعض الناس يرويه بالميم وبعضهم يرويه بالنون فالميم معناه أروى حتى أدع الشراب من شدة الري، وبالنون معناه أقطع الشراب وأتمهل فيه. (10) عكومها رداح: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة، ورداح: أي عظام كبيرة. (11) وبيتها فساح: واسع. (12) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. (13) وتشبعه ذراع الجفرة والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به. (14) وملء كسائها: أي سمينة الجسم. (15) وغيظ جارتها: يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها. (16) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله. (17) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة. (18) ولا تملأ بيتنا تعشيشا: أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر. (19) والأوطاب تمخض: أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع، والأوطاب جمع وطب وهو وعاء اللبن. (20) يلعبان من تحت خصرها برمانتين: معناه أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1169 ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا «1» وأخذ خطّيّا «2» ، وأراح عليّ نعما ثريّا «3» ، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، قال كلي أمّ زرع، وميري أهلك «4» ، فلو جمعت كلّ شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع «5» » ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (تكريم الإنسان) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «المؤمن أكرم على الله من ملائكته» ) * «7» . 2- * (نظر ابن عمر- رضي الله عنهما- يوما إلى البيت- أو إلى الكعبة- فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك» ) * «8» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... الآية (الإسراء/ 70) أنّ التّفضيل بالعقل) * «9» . 4- * (وعنه أيضا أنّ التّفضيل بأكله بيده، وغيره يأكل بفمه) * «10» . 5- * (وعن الضّحّاك- رضي الله عنه- في الآية الكريمة نفسها: أنّ التّفضيل بالنّطق) * «11» . 6- * (وعن عطاء- رضي الله عنه- في الآية نفسها: أنّ التّكريم بتعديل القامة وامتدادها) * «12» . 7- * (وعن زيد بن أسلم- رضي الله عنه- أنّ التّكريم بالمطاعم واللّذّات) * «13» . 8- * (عن ابن جريج قال في قوله تعالى:   (1) رجلا سريّا ركب شريّا: سريّا معناه سيدا شريفا وشريا هو الفرس الذي يستشري في سيره. (2) وأخذ خطيا: الخطي الرمح. (3) وأراح عليّ نعما ثريا: أي أتى بها إلى مراحها وهو موضع مبيت الماشية. (4) وميري أهلك: أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم بالميرة وهي الطعام. (5) كنت لك كأبي زرع لأم زرع: قال العلماء: هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها. (6) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له. (7) الدر المنثور (5/ 315) . (8) الترمذي (2032) . (9) البحر المحيط (6/ 58) . (10) المرجع السابق والصفحة نفسها، والدر المنثور (5/ 317) وعبارته عن ابن عباس- رضي الله عنه-: الكرامة الأكل بالأصابع. (11) البحر المحيط (6/ 58) . (12) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (13) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1170 وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ قال: فضّلناهم في اليدين يأكلون بهما ويعملون بهما، وما سوى الإنس يأكل بغير ذلك) * «1» . 9- * (وعن يمان- رضي الله عنه- أنّ التّفضيل بحسن الصّورة) * «2» . 10- * (وعن محمّد بن كعب القرظيّ: أنّ التّفضيل بجعل محمّد صلّى الله عليه وسلّم منهم) * «3» . 11- * (وقال ابن عطيّة: إنّما التّكريم والتّفضيل بالعقل الّذي يملك به (الإنسان) الحيوان كلّه، وبه يعرف الله ويفهم كلامه) * «4» . 12- * (وقال أبو حيّان:- رحمه الله- قيل عن بعضهم: إنّ التّفضيل بالخطّ. وقيل: باللّحية للرّجل والذّؤابة للمرأة. وقيل بتدبير المعاش والمعاد. وقيل: بخلق الله آدم بيده) * «5» . 13- * (قال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الآية: يقول- تعالى ذكره- ولقد كرّمنا بني آدم بتسليطنا إيّاهم على غيرهم من الخلق، وتسخيرنا سائر الخلق لهم، وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على ظهور الدّوابّ والمراكب، وفي البحر في الفلك الّتي سخّرناها لهم، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي طيّبات المطاعم والمشارب، وهي حلالها ولذيذاتها وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا وذلك تمكّنهم من العمل بأيديهم، وأخذ الأطعمة والأشربة بها، ورفعها بها إلى أفواههم، وذلك غير متيسّر لغيرهم من الخلق» ) * «6» . 14- * (ذكر النّيسابوريّ في تفسيره أنّه يحكى عن الرّشيد أنّه حضر لديه طعام فأحضرت الملاعق وعنده أبو يوسف (من أصحاب أبي حنيفة) فقال له: جاء في تفسير جدّك ابن عبّاس أنّ هذا التّكريم (لبني آدم) هو أنّه جعل لهم أصابع يأكلون بها فردّ الملاعق وأكل بيده) * «7» . 15- * (وقال النّيسابوريّ: من وجوه تكريم بني آدم تسليطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم فالأرض لهم كالأمّ الحاضنة، منها خلقهم وفيها يعيدهم، وهي لهم فراش ومهاد ينتفعون به في الشّرب والعمارة والزّراعة، وماء البحر ينتفع به (الإنسان) في التّجارة واستخراج الحليّ منه، والهواء مادّة الحياة، ولولا هبوب الرّياح لاستولى النّتن على المعمورة، والنّار ينتفع بها في الطّبخ والإنضاج ودفع البرد وغير ذلك، وانتفاع (الآدميّين) بالمركّبات المعدنيّة والنّباتيّة   (1) تفسير الطبري (15/) 85. (2) البحر المحيط (6/ 58) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها. قال أبو حيان- رحمه الله: «ما جاء عن أهل التفسير من تكريمهم وتفضيلهم بأشياء ذكروها هو على سبيل التمثيل لا الحصر» . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) تفسير الطبري (51/ 85) . (7) تفسير النيسابوري، غرائب القرآن ورغائب الفرقان (منشور بهامش الطبري) (15/ 63) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1171 والحيوانيّة ظاهر، وبالجملة فهذا العالم بأسره كقرية معمورة أو خوان معدّ والإنسان فيه كالرّئيس المخدوم والملك المطاع فأيّ تكريم يكون أزيد من هذا؟ ولا شكّ أنّ الإنسان لكونه مستجمعا للقوّة العقليّة القدسيّة، وللقوّتين الشّهويّة البهيميّة، الغضبيّة السّبعيّة «1» ، ولقوّتي الحسّ والحركة الإراديّة، وللقوى النباتيّة وهي الاغتذاء والنّموّ والتوليد يكون أشرف ممّا لم يستجمع الجميع (أي كلّ هذه القوى) * «2» . 16- * (يروى عن زيد بن أسلم أنّ الملائكة قالت: ربّنا إنّك أعطيت بني آدم الدّنيا، يأكلون منها ويتمتّعون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة، فقال: «وعزّتي وجلالي، لا أجعل ذرّيّة من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان» ) * «3» . 17- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الآية (الإسراء/ 70) أي: جعلنا لهم كرما أي شرفا وفضلا. وهذا هو كرم نفي النّقصان، لا كرم المال. وهذه الكرامة يدخل فيها خلقهم على هذه الهيئة في امتداد القامة وحسن الصّورة، وحملهم في البرّ والبحر ممّا لا يصحّ لحيوان سوى بني آدم أن يكونه، يتحمّل ذلك بإرادته وقصده وتدبيره، وتخصيصهم بما خصّهم به من المطاعم والمشارب والملابس، وهذا لا يتّسع فيه حيوان اتّساع بني آدم، لأنّهم يكسبون المال خاصّة دون الحيوان، ويلبسون الثّياب ويأكلون المركّبات من الأطعمة. وغاية كلّ حيوان يأكل لحما نيّئا أو طعاما غير مركّب) * «4» . 18- * (وقال في قوله تعالى: ... وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أي على البهائم والدّوابّ والوحش والطّير بالغلبة والاستيلاء، والثّواب والجزاء والحفظ والتّمييز وإصابة الفراسة) * «5» . 19- * (وقال- رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر أقوال العلماء فيما فضّل به الإنسان: «والصّحيح الّذي يعوّل عليه أنّ التّفضيل إنّما كان بالعقل الّذي هو عمدة التّكليف، وبه يعرف الله ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله، إلّا أنّه لمّا لم ينهض بكلّ المراد بعثت الرّسل وأنزلت الكتب ... » ) * «6» . 20- * (قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... الآية: يخبر الله تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إيّاهم وخلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كقوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا   (1) السبعية نسبة إلى السّبع، وهي تلك القوة التي يحدث بها الغضب والجرأة والحمية وغير ذلك. انظر في عمل هذه القوى الثلاث، ابن مسكوية تهذيب الأخلاق ص 39 وما بعدها، وقارن بالجاحظ: تهذيب الأخلاق ص 15 وقد أطلق على هذه القوة مصطلح النفس الغضبية. (2) غرائب القرآن ورغائب الفرقان (بهامش الطبري) (5/ 64) . (3) غرائب القرآن للنيسابوري (15/ 64) ، وتفسير الطبري، (15/ 85) ، والدر المنثور (5/ 315) ، وقال السيوطي: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان مرسلا. (4) تفسير القرطبي (10/ 293، 294) . (5) المرجع السابق (10/ 295) . (6) تفسير القرطبي (10/ 294) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1172 الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ بأن يمشي قائما منتصبا على رجليه، ويأكل بيديه، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع، ويأكل بفمه، وجعل له سمعا وبصرا وفؤادا، يفقه بذلك كلّه وينتفع به، ويفرّق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصّها ومضارّها في الأمور الدّينيّة والدّنيويّة) * «1» . 21- * (وقال- رحمه الله-: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أي: من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات. وقد استدلّ بهذه الآية الكريمة على أفضليّة جنس البشر على جنس الملائكة) * «2» . 22- * (قال النّيسابوري في قوله تعالى: ... ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (الانفطار/ 6- 8) . «.. الكرم بالخلق والتّسوية وهي انتصاب القامة، أو سلامة الأعضاء، وبالتّعديل وهو: تناسبها ... » ) * «3» . 23- * (عن أبيّ بن كعب في قول الله- عزّ وجلّ- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ... الآية (الأعراف/ 172) . قال: «جمعهم فجعلهم أرواحا، ثمّ صوّرهم فاستنطقهم فتكلّموا، ثمّ أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربّكم؟ قال: فإنّي أشهد عليكم السّموات السّبع والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم عليه السّلام- أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنّه لا إله غيري، ولا ربّ غيري، فلا تشركوا بي شيئا، إنّي سأرسل إليكم رسلي يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي. قالوا: شهدنا بأنّك ربّنا وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك. فأقرّوا بذلك، ورفع عليهم آدم ينظر إليهم، فرأى الغنيّ والفقير، وحسن الصّورة ودون ذلك، فقال: ربّ، لولا سوّيت بين عبادك، قال إنّي أحببت أن أشكر) * «4» .   (1) تفسير ابن كثير (3/ 55) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) غرائب القرآن ورغائب الفرقان من تفسير الطبري، (30/ 41) . (4) مسند الإمام أحمد (5/ 135) ، وتفسير الطبري (9/ 79) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1173 من فوائد (تكريم الإنسان) (1) لتكريم الإنسان في الإسلام قيمة عظمى تدفع المسلم للاعتزاز بكرامته وعدم التّفريط فيها ممّا يجعله يرفض الظّلم ويأبى الضّيم فيعيش مرفوع الهامة قويّ العزيمة رابط الجأش لا يخشى في الحقّ لومة لائم. (2) إنّ قناعة المسلم بتكريم الله له ولغيره من البشر تجعله يحافظ على أرواح النّاس ويبتعد عن إيذائهم أو إرهابهم لأنّه مطالب بأن يكرّم من كرّمه الله ورسوله، ومن يكرّمه ربّه ينبغي ألّا يهينه أحد وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ (الحج/ 18) . (3) إنّ تكريم الإنسان يدفع المؤمن الحقّ إلى شكر المولى عزّ وجلّ على تلك النّعم العظيمة الّتي حباه بها وفضّله على كثير ممّن خلق. (4) إنّ من عرف إكرام الله له، لابدّ وأنّ يبتعد عن معاصيه، وإذا غلبه الشّيطان فعصى، فعليه المبادرة بالتّوبة. (5) إنّ تكريم الخادم كما أمر الإسلام- كفيل بأن يقضي على الحقد والحسد من هؤلاء الخدم الّذين قد تدفعهم الإهانات المنافية لروح الإسلام إلى ارتكاب حماقات تصل إلى حدّ القتل. (6) إنّ تكريم الإسلام للمرأة (أمّا وبنتا وزوجا) يجعلها تشعر بقيمتها في المجتمع، وتعتزّ بدورها في بناء الأسرة، ولا شكّ أنّ المرأة إذا كانت راضية النّفس، موفورة الكرامة ستحوّل بيتها إلى جنّة وارفة الظّلال، وصدق شاعر النّيل إذ قال: الأمّ مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعبا طيّب الأعراق (7) تكريم الإسلام- ومن ثمّ المسلمين لأهل الذّمة من المعاهدين والكتابيّين وغيرهم يجعل هؤلاء يستشعرون عظمة الإسلام، ويوحّد كلمة المجتمع فيصبح آمنا من الدّسائس والمكائد الّتي يلجأ إليها من هضمت حقوقهم أو انتهكت حرماتهم، ويجعل من هؤلاء الذّميّين عناصر صالحة تعمل وتعطي دون خوف أو وجل. (8) إنّ تكريم المحارب- حتّى وإن كان كافرا- يحمي البشريّة من تلك المجازر الجماعيّة الّتي تقشعرّ لها الأبدان ويروح فيها الضّحايا من النّساء والولدان، وما ضحايا لبنان والبوسنة وغيرهما على أيدي سفّاحي العصر الحديث عنّا ببعيد، ولو كان هؤلاء يعرفون كرامة الإنسان كما أقرّها الإسلام ما سمعنا عن هذه الأهوال الّتي يشيب لها الوليد. (9) إنّ كرامة الإنسان تحتّم على من يقوم باحتلال أرض الغير ألّا يطرد أهلها من ديارهم وألّا يروّعهم وألّا يأكل من ثمار أرضهم إلّا بإذنهم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1174 وألّا تنتهك حرمات بيوتهم وألّا تضرب نساؤهم أو يعذّب ذووهم. (10) إنّ تكريم سلطان الله في الأرض كفيل بأن يقضي على الفوضى ويقطع دابر الشّقاق، ويجعل له من الهيبة ما يخيف المجرمين. (11) إكرام الإنسان إذا كان غريبا أو لاجئا يشعره بعظمة الإسلام، ويفرّج كربته. (12) إكرام الإنسان إذا كان شيخا فيه بشارة للمكرم بأنّه سيعيش طويلا وأنّه سيرزق بمن يكرمه حينذاك (انظر الحديث رقم 7) . (13) إنّ من يعرف إكرام الله له بخلقه من طين، وتسويته، ونفخه فيه من روحه، لا يتكبّر ولا يتجبّر ولا يمنع خيرا رزقه إيّاه (انظر الحديث رقم (9) . (14) إنّ من يعرف أنّ الله أكرمه فسخّر له ما في الكون ورزقه السّمع والبصر والفؤاد، لابدّ أن يدفعه ذلك إلى ذكر الله، وإن نسي نسيه الله يوم القيامة (انظر الحديث رقم 10) . (15) إنّ من يعذّب النّاس وينتهك بذلك آدميّتهم ولا يعبأ بكرامتهم عليه أن ينتظر عذاب الله يوم القيامة، فإذا منعه تكريم الإنسان من ذلك فقد أمن العذاب- من هذه الجهة- يوم القيامة (انظر الحديث رقم 19) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1175 تلاوة القرآن الآيات/ الأحاديث/ الآثار 67/ 101/ 38 التلاوة لغة: مصدر تلا الشّيء يتلوه، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ت ل و) الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على معنى واحد هو الاتّباع يقال: تلوته إذا تبعته، ومنه تلاوة القرآن؛ لأنّ القارأ يتبع آية بعد آية، ويختلف مصدر الفعل «تلا» باختلاف الشّيء المتلوّ، يقول الرّاغب: تلا الشّيء أي تبعه متابعة ليس بينها ما ليس منها، وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتداء في الحكم، والمصدر حينئذ هو التّلوّ والتّلو، وتارة بالقراءة وتدبّر المعنى، والمصدر في هذه الحالة هو «التّلاوة» . وقال ابن منظور: تلوته أتلوه وتلوت عنه تلوّا، كلاهما: خذلته وتركته، وتلوته تلوا: تبعته. يقال: ما زلت أتلوه حتّى أتليته أي تقدّمته وصار خلفي. وأتليته: أي سبقته وتلوت القرآن: تلاوة: قرأته، وعمّ به بعضهم كلّ كلام. وقوله عزّ وجلّ: فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (الصافات/ 3) قيل: هم الملائكة، وجائز أن يكون الملائكة وغيرهم ممّن يتلون ذكر الله تعالى. وقوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ (البقرة/ 121) معناه يتّبعونه حقّ اتّباعه ويعملون به حقّ عمله. وقوله عزّ وجلّ: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ (البقرة/ 102) قال عطاء: على ما تحدّث وتقصّ، وقيل: ما تتكلّم به كقولك فلان يتلو كتاب الله أي يقرؤه ويتكلّم به «1» . التلاوة اصطلاحا: ويراد بترتيل القرآن: تلاوته تلاوة تبيّن حروفها ويتأنّى في أدائها ليكون أدنى إلى فهم المعاني. والتّلاوة عند القرّاء: قراءة القرآن الكريم متتابعا كالأوراد والأسباع «2» . الفرق بين القراءة والتلاوة: القراءة أعمّ من التّلاوة فكلّ تلاوة قراءة وليس كلّ قراءة تلاوة، لا يقال تلوت رقعتك وإنّما يقال في القرآن في شيء إذا قرأته وجب عليك اتّباعه، كذا قال الرّاغب، ويفهم منه أنّ التّلاوة خاصّة بالقرآن الكريم مع الاتّباع وليست القراءة كذلك، وفرّق التّهانويّ بين القراءة والتّلاوة والأداء فقال: والفرق بينها وبين الأداء والقراءة: أنّ الأداء الأخذ عن المشايخ،   (1) لسان العرب (14/ 102- 104) ، ومقاييس اللغة (1/ 351) ، والمفردات للراغب ص 75. (2) فتح الباري (8/ 707) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 224) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1176 والقراءة تطلق عليهما معا أي الأداء والتّلاوة إذ هي أعمّ منهما «1» . من معاني التلاوة في القرآن الكريم: ذكر أهل التّفسير أنّ التّلاوة في القرآن على أوجه: أحدها: القراءة، ومنه قوله تعالى في آل عمران/ 93: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. والثّاني: الاتّباع، ومنه قوله تعالى في الشّمس/ 2: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها. والثّالث: العمل، ومنه قوله تعالى في البقرة/ 121: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، أي يعملون به حقّ عمله، قاله مجاهد في تفسيره (1/ 87) . والرّابع: الرّواية كما في قوله تعالى في البقرة/ 102: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. الخامس: الإنزال كما في قوله تعالى في (القصص/ 3) : نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ «2» . حسن التلاوة: قال ابن بطّال: المراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «زيّنوا القرآن بأصواتكم» المدّ والتّرتيل، والمهارة في القرآن جودة التّلاوة بجودة الحفظ فلا يتلعثم ولا يتشكّك وتكون قراءته سهلة بتيسير الله تعالى كما يسّره على الكرام البررة «3» . حسن الصوت مطلوب: وقال ابن حجر- رحمه الله-: والّذي يتحصّل من الأدلّة أنّ حسن الصّوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسّنه ما استطاع. ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النّغم؛ فإنّ الحسن الصّوت يزداد حسنا بذلك، وإن خرج عنها أثّر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربّما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الأداء، فإن وجد من يراعيهما معا فلا شكّ في أنّه أرجح من غيره لأنّه يأتي بالمطلوب من تحسين الصّوت ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء والله أعلم «4» . مراتب التلاوة: اتّفق الباحثون في علم التّجويد على أنّ للقراءة ثلاث مراتب: هي التّرتيل والحدر والتّدوير، وأضاف بعضهم مرتبة رابعة هي التّحقيق، وزاد آخرون مرتبة خامسة أطلقوا عليها «الزّمزمة» وقد جاء في القرآن   (1) المفردات للراغب (75) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 244) . (2) نزهة الأعين النواظر (221، 222) ، وانظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 470) ، والمجمل لابن فارس: (105) ، والمفردات للراغب (ص 75) . (3) فتح الباري (13/ 528) . (4) فتح الباري (8/ 690) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1177 الكريم الحثّ على التّرتيل خاصّة «1» . ويكاد يجمع العلماء على أنّه أفضل الأنواع يليه التّدوير ثمّ الحدر، وسنعرض بإيجاز لهذه الأنواع لغة واصطلاحا حتّى يتبيّن المراد: قال صاحب نهاية القول المفيد: 1- التّرتيل في اللغة: مصدر مأخوذ من قولهم رتّل فلان كلامه إذا أتّبع بعضه بعضا على مكث وتفهّم من غير عجلة وهو الّذي نزل به القرآن، قال تعالى: وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (الفرقان/ 32) وروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إنّ الله يحبّ أن يقرأ القرآن كما أنزل» ، وقد أمر الله تعالى به نبيّه فقال: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (المزمل/ 4) قال ابن عبّاس: (معناه) بيّنه، وقال مجاهد تأنّ فيه، وقال الضّحّاك انبذه حرفا حرفا، كأنّ الله تعالى قال: تثبّت في قراءتك وتمهّل فيها وافصل الحرف من الحرف الّذي بعده «2» . وفي الاصطلاح: قال ابن حجر: يراد بترتيل القرآن تلاوته تلاوة تبيّن حروفها ويتأنّى في أدائها ليكون (ذلك) أدنى إلى فهم المعاني «3» . وهو: القراءة بتؤدة واطمئنان وإخراج كلّ حرف من مخرجه، وإعطاؤه حقّه ومستحقّه مع تدبّر المعاني «4» . 2- الحدر في اللغة: مصدر حدر يحدر إذا أسرع وهو من الحدور الّذي هو الهبوط؛ لأنّ الإسراع من لازمه. الحدر في الاصطلاح: إدراج القراءة وسرعتها مع مراعاة أحكام التّجويد من إظهار وإدغام وقصر ومدّ ووقف إلى آخره، سئل الأهوازيّ عن الحدر فقال: الحدر هو القراءة السّمحة العذبة الألفاظ الّتي لا تخرج القارأ عن طباع العرب العرباء وعمّا تكلّمت به الفصحاء بعد أن يأتي بالرّواية عن إمام من أئمة القراءة «5» . 3- التّدوير في اللغة : مصدر دوّر الشّيء جعله مدوّرا. التّدوير في الاصطلاح: هو عبارة عن التّوسّط بين الحدر والتّرتيل، قال صاحب نهاية القول المفيد وهو الّذي ورد عن أكثر الأئمّة ممّن روى مدّ المنفصل «6» ولم يصل فيه حدّ الإشباع كابن عامر والكسائيّ «7» . التحقيق: ذهب كثير من علماء الأداء إلى أنّ التّحقيق   (1) انظر الآيات الواردة في الترتيل. فيما بعد. (2) نهاية القول المفيد (16) . (3) فتح الباري (8/ 707) . (4) البرهان في تجويد القرآن (6) ، والمراد ب «مستحق الحرف» ما يعرض له في التركيب مثل الإخفاء والإدغام وغير ذلك. (5) نهاية القول المفيد (15) ، وانظر هداية القاري (43) ، والبرهان في تجويد القرآن (6) . (6) المراد بمد المنفصل: أي إطالة الصوت بحرف الد من ثلاث إلى ست حركات. إذا جاء بعده الهمزة بحيث تكون الهمزة في كلمة مستقلة مثل قوله تعالى بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ*. (7) نهاية القول المفيد 15) ، والبرهان في تجويد القرآن (6) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1178 مرتبة مستقلّة من مراتب التّلاوة. وذهب آخرون إلى أنّه نوع من التّرتيل. وهو في اللّغة: مصدر حقّقت الشّيء إذا بلغت يقينه، ومعناه المبالغة في الشّيء بالإتيان على حقيقته من غير زيادة فيه ولا نقص عنه. وهو عند علماء التّجويد إعطاء الحروف حقّها من إشباع المدّ وتحقيق الهمز وإتمام الحركات وتوفية الغنّات وتفكيك الحروف (وهو بيانها) وإخراج بعضها من بعض بالسّكت والتّرسّل والتّؤدة والوقف على الوقوف الجائزة والإتيان بالظهار والإدغام على وجهه وهو الّذي يستحسن ويستحبّ الأخذ به للمتعلّمين، من غير أن يتجاوز به حدّ الإفراط. يقول الشّيخ مكّيّ نصر: ذكر بعض شرّاح الجزريّة أنّ التّرتيل نوع من التّحقيق عند الأكثرين فكلّ تحقيق ترتيل ولا عكس، وفرّق بعضهم بينهما بأنّ التّحقيق يكون للرّياضة والتّعليم، وبأنّ التّرتيل يكون للتّدبّر والتّفكّر والاستنباط. الزّمزمة: هي القراءة في النّفس خاصّة «1» . أيّ هذه الأنواع أفضل؟: اختلف العلماء- رحمهم الله- في الأفضل. هل هو التّرتيل مع قلّة القراءة أو السّرعة مع كثرة القراءة؟ قال ابن الجزريّ والصّواب ما عليه معظم السّلف والخلف وهو أنّ التّرتيل والتّدوير مع قلّة القراءة أفضل من السّرعة مع كثرتها؛ لأنّ المقصود من القرآن فهمه والتّدبّر فيه والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى فهم معانيه «2» . من آداب التلاوة: لتلاوة القرآن الكريم آداب عديدة أفردها بعض العلماء بالتّصنيف ولخّصها السّيوطيّ وزاد عليها في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) أمورا عديدة، فمن ذلك: استحباب الوضوء؛ لأنّ القرآن الكريم أفضل الأذكار، وكان صلّى الله عليه وسلّم يكره أن يذكر الله إلّا على طهر، قال إمام الحرمين: ولا تكره القراءة للمحدث؛ لأنّه صحّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ مع الحدث (الأصغر) وإذا كان يقرأ تعرّضت له ريح أمسك عن القراءة حتّى يستتمّ خروجها وأمّا الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة وإن كان يجوز لهما النّظر في المصحف وإمراره على القلب أي التّلاوة بغير صوت. من السّنّة القراءة في مكان نظيف وأفضل ذلك المسجد. يسنّ أن يستاك تعظيما وتطهيرا.   (1) نهاية القول المفيد (16) . (2) نهاية القول المفيد (17) ، وقد نقل عن بعض أئمة القراءة أن ثواب الترتيل أرفع قدرا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددا فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة والثاني كمن تصدق بعدد من الدنانير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1179 - أن يجلس القارئ مستقبلا القبلة متخشّعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه. من السّنّة التّعوّذ قبل القراءة. تسنّ التّلاوة بالتّدبّر والتّفهّم إذ هو المقصود الأعظم والمطلوب الأهمّ وبه تنشرح الصّدور (انظر صفة التدبر) . يستحبّ البكاء عند قراءة القرآن. والتّباكي لمن لا يقدر على ذلك. كما يسنّ التحزّن والخشوع «1» . القرآن الكريم لغة: القرآن في اللّغة مصدر قرأ بالهمزة، وتدلّ المادّة الّتي اشتقّ منها (ق ر أ) على جمع واجتماع وهذا المعنى يشاركها فيه مادّة (ق ر ى) ، فمن الأصل المهموز يقال: ما قرأت هذه النّاقة سلى قطّ كأنّه يراد أنّها ما حملت قطّ قال عمرو بن كلثوم: ذراعي عيطل أدماء بكر ... هجان اللّون لم تقرأ جنينا ومن الثّاني: القرية لاجتماع النّاس فيها. ومن المادّة الأولى أخذ لفظ القرآن كأنّه سميّ بذلك لجمعه ما فيه من الأحكام والقصص وغير ذلك «2» ، قال الجوهريّ: يقال قرأت الشّيء قرآنا جمعته وضممت بعضه إلى بعض، ومنه قولهم ما قرأت هذه النّاقة سلى قطّ، وما قرأت جنينا أي لم تضمّ رحمها على ولد. (ويقال) قرأت الكتاب قراءة وقرآنا ومنه سمّي القرآن قال أبو عبيدة: سمّي القرآن لأنّه يجمع السّور فيضمّها، وقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ أي جمعه وقراءته، وقوله عزّ من قائل فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أي قراءته قال ابن عبّاس: (معناه) فإذا بيّنّاه لك بالقراءة فاعمل بما بيّنّاه لك «3» . القرآن اصطلاحا: قال الجرجانيّ: القرآن هو الكتاب المنزّل على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة لها. وقال الرّاغب: القرآن في الأصل مصدر مثل رجحان. قال تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (القيامة/ 17- 18) . وقد خصّ بالكتاب المنزّل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم فصار له كالعلم كما أنّ التّوراة (علم) لما أنزل على موسى، والإنجيل علم لما أنزل على عيسى، ونقل الرّاغب عن بعض العلماء قوله: وتسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب الله لكونه جامعا لثمرة كتبه؛ بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار إليه سبحانه وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ (يوسف/ 111) وقوله تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (النحل/ 89) «4» ، وقد لخصّ بعض الباحثين المحدثين آراء القدامى في التّعريف الاصطلاحيّ للقرآن فقال:   (1) انظر هذه الآداب وغيرها في الإتقان في علوم القرآن للسيوطى (1/ 18) . (2) المقاييس (5/ 78) ، والصحاح (1/ 65) . (3) كتاب التعريفات (ص 181) ، والمفردات للراغب (402) . (4) دراسات في علوم القرآن ومناهج المفسرين (13) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1180 القرآن: الكلام المنزّل من عند الله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المتعبّد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتّواتر، المعجز بسورة من جنسه، المجمع عليه «1» . فضل تلاوة القرآن وحفظه: إنّ لتلاوة القرآن الكريم وحفظه وتعهّده بالقراءة من الفضل ما لا يخفى، ويكفي لإثبات ذلك ما جاءت به الآيات الكريمة والأحاديث الشّريفة وآثار الصّحابة- رضوان الله عليهم- فمن الآيات قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر/ 29- 30) ، وقد كان قتادة رضي الله عنه- إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القرّاء «2» ، وذلك لما أثبتته لهم من الأجر العظيم والثّواب المضاعف، فهم لا ينعمون بالأجر وافيا وإنّما يزيدهم الله إكراما وفضلا، قال القرطبيّ: هذه الزّيادة هي الشّفاعة في الآخرة «3» ، وقد ربط المولى عزّ وجلّ بين تلاوة القرآن والإيمان به، فقال: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (البقرة/ 121) . وقد جاء عن ابن مسعود في تفسير هذه الآية أنّ من حقّ التّلاوة أن يقرأه كما أنزله الله ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئا على غير تأويله «4» ، وهنا ربط واضح بين التّلاوة الحقّة والإيمان بكتاب الله، أمّا الّذين أوتوا الكتاب فقيل: هم أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والكتاب على هذا هو القرآن، وقيل هم من أسلم من بني إسرائيل، والصّواب- كما قال القرطبيّ أنّ الآية تعمّ «5» ، وحقّ التّلاوة يجوز أن يكون بمعنى الاتّباع أو العمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه، ويجوز أن تكون بمعنى: يقرءونه- كما ذكرنا عن ابن مسعود آنفا- ولا تعارض بين الرّأيين «لأنّ بترتيل ألفاظه وفهم معانيه يكون الاتّباع لمن وفّق» «6» . لقد شبّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الّذي يقرأ القرآن بالأترجّة «7» . ريحها طيّب وطعمها طيّب «8» ، كما أخبرنا صلّى الله عليه وسلّم أنّ الماهر مع السّفرة الكرام البررة، وأنّ الّذي يقرأ القرآن ويتتعتع «9» فيه وهو عليه شاقّ له أجران «10» . وأيّ فضل وأيّ شرف يرنو إليه مسلم يعلو ما أخبر به صلّى الله عليه وسلّم من أنّ القرآن يأتي يوم القيامة يلبسه تاج الكرامة، ويجعله ممّن رضي الله عنهم، وعندما يتمّ الرّضوان يقال له: اقرأ وارق، ورتّل كما   (1) هداية القاري إلى تجويد كلام الباري، للمرصفي (43) . (2) تفسير ابن كثير (3/ 562) . (3) تفسير القرطبي (14/ 345) . (4) انظر الأثر رقم (16) وقارن بالمصادر التي ذكرت هناك. (5) انظر تفسير القرطبي (2/ 95) ، وقد نسب الرأي الأول لقتادة والآخر لابن زيد. (6) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (7) الأترجة ثمرة جامعة لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون. (8) انظر الحديث رقم (29) . (9) التّتعتع، هو التردد في القراءة لضعف الحفظ، والأجران أحدهما بالقراءة والآخر لمحاولة الحفظ. (10) انظر الحديث رقم (84) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1181 كنت ترتّل في الدّنيا فإنّ منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها «1» ، وأخبر الصّادق المصدوق أيضا: «أنّ القرآن يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة «2» ، وقال أبو موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- من يتّبع القرآن يهبط به على رياض الجنّة «3» . لقد عقد القرطبيّ في مقدّمة تفسيره بابا أسماه «باب ذكر جمل من فضائل القرآن، والتّرغيب فيه، وفضل طالبه وقارئه ومستمعه والعامل به» ، وقال- رحمه الله-: اعلم أنّ هذا الباب واسع كبير نذكر منه نكتا تدلّ على فضله، وما أعدّ الله لأهله، إذا أخلصوا الطّلب لوجهه، وعملوا به، فأوّل ذلك أن يستشعر المؤمن من فضل القرآن أنّه كلام ربّ العالمين، غير مخلوق، كلام من ليس كمثله شيء، وصفة من ليس له شبيه ولا ندّ، فهو من نور ذاته جلّ وعزّ، وأنّ القراءة أصوات القرّاء ونغماتهم، وهي أكسابهم الّتي يؤمرون بها إيجابا في بعض العبادات وندبا في بعضها الآخر، ويثابون عليها ويعاقبون على تركها، هذا ممّا أجمع عليه المسلمون، ونطقت به الآثار، ودلّ عليه المستفيض من الأخبار، ولولا أنّه سبحانه جعل في قلوب عباده من القوّة ما جعله، ليتدبّروه وليعتبروا به وليتذكّروا ما فيه من طاعته وعبادته، لضعفت واندكّت بثقله، أو لتضعضعت له، وأنّى تطيقه؟ وهو القائل: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ... (الحشر/ 21) ، فأين قوّة القلوب من قوّة الجبال؟ ولكنّ الله رزق عباده من القوّة على حمله ما شاء أن يرزقهم فضلا منه ورحمة، (ثمّ ذكر الأحاديث والآثار الواردة في فضل القرآن وتلاوته) «4» . ثمرات قراءة القرآن: لقراءة القرآن من الثّمرات ما لا يحصى، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصّحيحة، والآثار الواردة عن الصّحابة والتّابعين وقد لخّصها الشّيخ مصطفى عمارة فيما يأتي: 1- إنّ قارئ القرآن في مصافّ العظماء ومن أفضل النّاس، وأعلاهم درجة. 2- يكتسب القارئ عن كلّ حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها. 3- تشمل القارئ ظلّة الرّحمة ويحاط بالملائكة وتتنزّل عليه السّكينة. 4- يضيء الله قلب القارئ، ويقيه ظلمات يوم القيامة ويبعد عنه الشّدائد. 5- القارئ رائحته زكيّة ومذاقه حلو كالأترجّة، ومن هنا فهو جليس صالح يقترب إليه الصّالحون العاملون ليشمّوا منه عطره، وينفحوا من شذاه.   (1) انظر الحديثين رقمي (36، 37) . (2) انظر الحديث رقم (6) . (3) تفسير القرطبي (2/ 95) . (4) مقدمة تفسير القرطبي (1/ 4- 9) ، وقد أوردنا ما صحّ من ذلك في قسمي الأحاديث والآثار، ولم نذكرها هنا تجنبّا للتكرار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1182 6- قارئ القرآن لا يحزنه الفزع الأكبر لأنّه في حماية الله ولأنّ القرآن يشفع له. 7- قارئ القرآن سبب في رحمة والديه، وإغداقهما بالنّعيم ويمدّهما الله بالأنوار المتلألئة جزاء قراءة ابنهما. 8- قارئ القرآن يرقى إلى قمّة المعالي في الجنّة ويصعد إلى ذروة النّعيم. 9- يغبط الصّالحون قارئ القرآن ويتمنّون أن يكونوا في درجته السّامية عند الله تعالى، ويودّون أن يعملوا مثله. 10- قارئ القرآن تدعو له الملائكة الكرام بالرّحمة والمغفرة. 11- قارئ القرآن مستمسك بالعروة الوثقى، ويتمتّع بالشّفاء النّاجع ويعصم من الزّيغ، وينجو من الشّدائد. 12- قارئ القرآن من أهل الله وخاصّته المتقرّبين إليه، ومن العاملين الشّغوفين بطاعة الله والقانتين له «1» . ويمكن أن نضيف إلى هذه الثّمار ثمرات أخرى يانعة منها: 13- قارئ القرآن يرتفع به درجات في الدّنيا أيضا إذ يرفع الله به أقواما ويخفض آخرين (ممّن أعرضوا عنه أو هجروه) . 14- قارئ القرآن يكتب عند الله من الذّاكرين والقانتين. 15- قارئ القرآن ممّن يشهد لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة. 16- الماهر بالقرآن يبعث يوم القيامة مع السّفرة الكرام البررة. 17- قارئ القرآن تبتعد عنه الشّياطين وتخرج من بيته. 18- قارئ القرآن يستنير عقله ويمتلئ قلبه بالحكمة وتتفجّر منه ينابيع العلم. 19- قارئ القرآن فيه قبس من النبوّة (غير أنّه لا يوحى إليه) . 20- حامل القرآن لا يجهل مع من يجهل لأنّ القرآن في جوفه يحميه من الحدّة والغضب. 21- بالقرآن الكريم تعمر القلوب والبيوت، ويعمّها الخير والبركة. 22- قراءة القرآن تورث القلب خشوعا والنّفس صفاء. 23- قارئ القرآن يسأل الله به فيجيبه فضلا منه وكرما. 24- أهل القرآن يذكرهم الله فيمن عنده وكفى بذلك فضلا وشرفا. 25- في القرآن غنى لأهله تسعد به قلوبهم كما يسعد صاحب الأموال بما له، وهو غنى لا دخل فيه.   (1) الترغيب والترهيب (2/ 385) (بحاشية الصفحة) . وقد تصرفنا في بعض العبارات ولخصنا بعضها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1183 فضل تلاوة بعض سور وآيات القرآن: القرآن الكريم كلّه كلام الله الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن أنعم الله عليه بقراءته كلّه أو حفظه كلّه، فتلك هي الغاية العليا، والمنزلة السّامية الّتي تشرئبّ إليها الأعناق، أمّا إذا لم يتيسّر ذلك، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يحرم غير القادر أو غير المستطيع، وجعل لقراءة بعض السّور أو الآيات من الثّواب الجزيل والأجر العظيم ما يطيب به خاطر القارئ ويجعله مطمئنّا إلى سعة رحمة الله تعالى وعظيم فضله. فمن ذلك: 1- قراءة الفاتحة وهي أمّ الكتاب (الحديث 2، 41، 81) . 2- قراءة آية الكرسيّ (الحديث 34، 43) . 3- قراءة خواتيم سورة البقرة (الحديث 12، 32، 41) . 4- قراءة البقرة وآل عمران (الحديث 6، 40) . 5- قراءة البقرة أو عشر آيات منها (الأثر 11، 12) . 6- قراءة خواتيم آل عمران (الحديث 49) . 7- قراءة سورة الكهف (الحديث 58) . 8- قراءة عشر آيات من سورة الكهف (الحديث 42) . 9- قراءة سورة السّجدة (الحديث 68) . 10- قراءة سورة يس (الحديث 60) . 11- قراءة سورة ص (الحديث 63) . 12- قراءة سورة الدّخان (الحديث 62) . 13- قراءة سورة الفتح (الحديث 27، 47) . 14- قراءة سورة الملك تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ (الحديث 61) . 15- قراءة سورة البيّنة لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ (الحديث 9) . 16- قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الحديث 1، 44، 59) . 17- قراءة المعوّذتين قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (الحديث 45، 48، 89) . حكم القراءة ومقدار ما يقرأ: قراءة القرآن سنّة من سنن الإسلام، والإكثار منها مستحبّ حتّى يكون المسلم مستنير الفؤاد بما يقرأ من كتاب الله، والتّلاوة مع إخلاص النّيّة وحسن القصد عبادة يؤجر عليها المسلم بدليل ما ورد عن ابن مسعود من قوله صلّى الله عليه وسلّم «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة ... الحديث» «1» ، وما جاء في حديث أبي أمامة «اقرءوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ... » «2» ، وكان السّلف رضوان الله عليهم يحافظون على قراءة القرآن «3» . أمّا القدر الّذي تنبغي قراءته فإنّه يختلف باختلاف النّاس يقول النّوويّ: وقد كانت للسّلف رضي الله عنهم- عادات مختلفة في القدر الّذي   (1) انظر الحديث (39) . (2) انظر الحديث (6) . (3) مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان (190) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1184 يختمون فيه، فكان جماعة منهم يختمون في كلّ شهرين ختمة وآخرون في كلّ شهر ختمة. وآخرون في كلّ عشر ليال ختمة، وآخرون في كلّ سبع ليال ختمة، وهذا فعل الأكثرين من السّلف، ... ووصل الأمر ببعضهم إلى أن ختم أربعا في اللّيل وأربعا في النّهار، قال النّوويّ والمختار أنّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له فيه فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو فصل الحكومات بين المسلمين أو غير ذلك من مهمّات الدّين والمصالح العامّة للمسلمين فليقتصر على قدر لا يحصل له بسببه إخلال بما هو مرصد (مكلّف) به، ولا فوت كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل، أو الهذرمة في القراءة «1» . وقد كره جماعة من المتقدّمين الختم في يوم وليلة مستدلّين بالحديث الشّريف «لا يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث» «2» . قلت: الختم في أقلّ من ذلك أدخل في الكراهة «3» . الأوقات التي تستحب فيها القراءة: قال النّوويّ: أفضل القراءة ما كان في الصّلاة، وأمّا في غير الصّلاة فأفضلها قراءة اللّيل، والنّصف الأخير منه أفضل من الأوّل، والقراءة بين المغرب والعشاء مستحبّة. وأمّا قراءة النّهار، فأفضلها ما بعد صلاة الصّبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النّهي عن الصّلاة (النّافلة) «4» . ومن السّنّة كثرة الاعتناء بالقراءة في شهر رمضان، وفي العشر الأخير منه أفضل وليالي الوتر آكد ومن ذلك العشر الأول من ذي الحجّة ويوم عرفة «5» . سور مخصوصة في صلوات مخصوصة: قال النّوويّ: السّنّة أن يقرأ في صلاة الصّبح يوم الجمعة بعد الفاتحة في الرّكعة الأولى سورة السّجدة بكمالها، وفي الثّانيّة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ بتمامها، ولا يفعل ما يفعله كثير من الأئمّة من الاقتصار على آيات من كلّ واحدة منهما مع تمطيط القراءة، بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما ويدرج قراءته مع ترتيل، والسّنّة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الرّكعة الأولى سورة الجمعة بكمالها، وإن شاء سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وفي الثّانية هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ وكلاهما صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسّنّة في صلاة العيد في الرّكعة الأولى سورة (ق) ، وفي الثّانية سورة (القمر) ، وإن شاء «سبّح» «وهل أتاك» ، وكلاهما صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقرأ في ركعتي سنّة الصّبح بعد الفاتحة في الأولى ب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثّانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وإن شاء قرأ في الأولى قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا (البقرة/ 126) ، وفي الثّانية قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (آل عمران/ 64)   (1) الهذرمة: هي الإسراع الزائد. (2) قال النووي في الأذكار: رويناه بأسانيد صحيحة؛ وجاء في سنن أبي داود 2/ 56 حديث رقم 1394. (3) الأذكار النووية (144) . (4) الأذكار النووية (146) . (5) التبيان في آداب حملة القرآن ص 14. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1185 وكلاهما صحيح من فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقرأ في سنّة المغرب في الأولى قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثّانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ويقرأ بهما أيضا في ركعتي الطّواف، وركعتي الاستخارة ويقرأ من أوتر بثلاث ركعات في الرّكعة الأولى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثّانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثّالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوّذتين قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «1» . سور مخصوصة في أوقات ومواضع مخصوصة: أمّا في غير الصّلاة فمن المستحبّ أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، كما يستحبّ أيضا أن يقرأها ليلة الجمعة لما جاء في حديث الدّارميّ: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النّور فيما بينه وبين البيت العتيق «2» ، ويستحبّ الإكثار من تلاوة آية الكرسيّ في جميع المواطن، وأن يقرأها كلّ ليلة إذا أوى إلى فراشه، وأن يقرأ المعوذّتين، وقل هو الله أحد، وخواتيم البقرة، ومن السّنّة أيضا أن يقرأ المعوّذتين، عقب كلّ صلاة. وأن يقرأ إذا استيقظ من نومه آخر آل عمران من قوله تعالى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... (الآية 190- إلى آخر السّورة) لما ثبت في الصّحيحين أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ خواتيم آل عمران إذا استيقظ «3» ، ويستحبّ أن يقرأ عند المريض بالفاتحة، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوّذتين وعند الميّت سورة يس) «4» . [للاستزادة: انظر صفات: التسبيح- التكبير الحمد- الذكر- الكلم الطيب- التهليل- الحوقلة الدعاء- الشكر- الخشوع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: هجر القرآن- الغفلة- اللغو- اللهو واللعب- الإعراض] .   (1) التبيان في آداب حملة القرآن للنووي (140- 142) (بتصرف يسير) . (2) رواه الدّارمي في فضائل القرآن، في فضل سورة الكهف، قال محقق التبيان، وهو حديث صحيح. انظر التبيان (141) . (3) في البخاري- الفتح 8 (4572) «استيقظ رسول الله، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران» ، وانظر الحديث بتمامه في قسم الأحاديث رقم (49) . (4) التبيان في آداب حملة القرآن (140- 146) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1186 الآيات الواردة في «تلاوة القرآن» التلاوة بمعنى القراءة: 1- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) «1» 2- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «2» 3- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) «3» 4- تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) «4» 5- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) «6»   (1) البقرة: 121 مدنية (2) البقرة: 127- 129 مدنية (3) البقرة: 151- 152 مدنية (4) البقرة: 252 مدنية (5) آل عمران: 55- 58 مدنية (6) آل عمران: 100- 102 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1187 7- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) «1» 8- * لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) «2» 9- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «3» 10- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «4» 11- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205)   (1) آل عمران: 105- 108 مدنية (2) آل عمران: 113- 114 مدنية (3) آل عمران: 164 مدنية (4) الأنعام: 151- 153 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1188 إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «1» 12- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «2» 13- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16) «3» 14- وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61) «4» 15- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31) «5» 16- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) «6» 17- وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «7»   (1) الأعراف: 201- 206 مكية (2) الأنفال: 1- 4 مدنية (3) يونس: 15- 16 مكية (4) يونس: 61 مكية (5) الرعد: 30- 31 مدنية (6) النحل: 98- 99 مكية (7) الإسراء: 45- 47 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1189 18- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) «1» 19- وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) «2» 20- وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «3» 21- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «4» 22- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74) «5» 23- وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا   (1) الإسراء: 78- 79 مدنية (2) الإسراء: 105- 109 مكية (3) الكهف: 27- 28 مكية (4) مريم: 58- 60 (58 مكية، 59- 60 مدنية) . (5) مريم: 73- 74 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1190 ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) «1» 24- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) «2» 25- وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (63) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) «3» 26- فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)   (1) الحج: 27- 31 مدنية (2) الحج: 71- 72 مدنية (3) المؤمنون: 62- 73 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1191 فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «1» 27- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) «2» 28- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «3» 29- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) «4» 30- * وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «5» 31- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) «6»   (1) المؤمنون: 101- 111 مكية (2) الفرقان: 32 مكية (3) النمل: 91- 93 مكية (4) القصص: 43- 46 مكية (5) القصص: 51- 55 (51 مكية، 52- 55 مدنية) . (6) سبأ: 40- 43 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1192 32- اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) «1» 33- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «2» 34- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «3» 35- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «4»   (1) العنكبوت: 45- 51 مكية (2) لقمان: 6- 7 مكية (3) الأحزاب: 32- 34 مكية (4) فاطر: 29- 30 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1193 36- وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (5) «1» 37- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) «2» 38- تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) «3» 39- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) «4» 40- وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) «5» 41- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5)   (1) الصافات: 1- 5 مكية (2) الزمر: 71- 72 مكية (3) الجاثية: 6- 9 مكية (4) الجاثية: 25- 26 مكية (5) الجاثية: 28- 31 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1194 وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «1» 42- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) «2» 43- وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* (17) «3» 44- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «4» 45- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «5» 46- وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (14) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) «6»   (1) الأحقاق: 1- 8 مكية (2) الأحقاف: 29- 32 مكية (3) القمر: الايات 17، 22، 32، 40 مكية (4) الجمعة: 1- 2 مدنية (5) الطلاق: 8- 11 مدنية (6) القلم: 10- 16 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1195 47- يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) «1» 48- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «2» 49- لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19) «3» 50- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) «4» 51- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (7) «5» 52- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «6» 53- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) «7»   (1) المزمل: 1- 4 مكية (2) المزمل: 20 مكية (3) القيامة: 16- 19 مكية (4) المطففين: 7- 14 مكية (5) الأعلى: 1- 7 مكية (6) العلق: 1- 5 مكية (7) البينة: 1- 3 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1196 التلاوة بمعنى الذكر: 54- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) «1» 55- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «2» 56- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) «3» 57- وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) «4» 58- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70)   (1) المائدة: 27- 30 مدنية (2) الأعراف: 172- 177 (3) يونس: 71- 72 مكية (4) الكهف: 83- 85 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1197 قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) «1» التلاوة بمعنى الإنزال: 59- طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) «2» التلاوة بمعنى العمل: 60- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) «3» التلاوة بمعنى الاتباع: 61- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) «4» 62- وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3) «5» الايات الواردة في «التلاوة» معنى 63- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94)   (1) الشعراء: 69- 77 مكية (2) القصص: 1- 4 مكية (3) البقرة: 121 مدنية (4) هود: 17 مكية (5) الشمس: 1- 3 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1198 وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) «1» 64- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «2» 65- وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «3» 66- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «4» 67- فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) «5»   (1) يونس: 93- 95 مكية (2) طه: 113- 114 مكية (3) ق: 41- 45 مكية (4) الجن: 1- 2 مكية (5) الإنشقاق: 20- 24 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1199 الأحاديث الواردة في (التلاوة والقراءة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احشدوا «1» . فإنّي سأقرأ عليكم ثلث القرآن» فحشد من حشد. ثمّ خرج نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. ثمّ دخل. فقال بعضنا لبعض: إنّي أرى هذا خبرا جاءه من السّماء. فذاك الّذي أدخله. ثمّ خرج نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّي قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن. ألا إنّها تعدل ثلث القرآن» ) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قال القارئ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. فقال من خلفه: آمين. فوافق قوله قول أهل السّماء. غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «3» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف السّتر، وقال: «ألا إنّ كلّكم مناج ربّه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» أو قال: «في الصّلاة» ) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» ، قلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «نعم» فقرأت سورة النّساء حتّى أتيت على هذه الاية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) . قال: «حسبك الان، فالتفتّ إليه فإذا عيناه تذرفان» ) * «5» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرف» ) * «6» . 6- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اقرءوا القرآن. فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. اقرءوا الزّهراوين «7» : البقرة وسورة آل عمران. فإنّهما تأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان. أو كأنّهما غيايتان «8» . أو كأنّهما فرقان من طير صوافّ «9» . تحاجّان عن   (1) احشدوا: أي اجتمعوا واستحضروا الناس. (2) البخاري- الفتح 8 (5013) . ومسلم (812) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 8 (4475) . ومسلم (410) واللفظ له. (4) أخرجه أبو داود (1332) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (2/ 460) : إسناده صحيح. وقال الألباني (1/ 247) : صحيح. (5) البخاري- الفتح 8 (5050) . ومسلم (800) . (6) البخاري- الفتح 8 (4991) . ومسلم (819) . (7) الزهراوين: سميتا الزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما. (8) كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان: قال أهل اللغة: الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه: سحابة وغبرة وغيرهما. قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين. (9) إنهما فرقان من طير صواف: وفي الرواية الأخرى: كأنهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1200 أصحابهما «1» . اقرءوا سورة البقرة؛ فإنّ أخذها بركة. وتركها حسرة. ولا تستطيعها «2» البطلة» ) * «3» . 7- * (عن جندب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه» ) * «4» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده «5» ، إذ جالت فرسه، فقرأ، ثمّ جالت أخرى، فقرأ، ثمّ جالت أيضا، قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى «6» ، فقمت إليها، فإذا مثل الظّلّة فوق رأسي، فيها أمثال السّرج عرجت في الجوّ حتّى ما أراها، قال: فغدوت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله، بينما أنا البارحة من جوف اللّيل أقرأ في مربدي، إذ جالت فرسي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت، ثمّ جالت أيضا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت ثمّ جالت أيضا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال: فانصرفت، وكان يحيى قريبا منها، فخشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظّلّة، فيها أمثال السّرج عرجت في الجوّ حتّى ما أراها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها النّاس ما تستتر منهم» ) * «7» . 9- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبيّ: إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. قال أبيّ: الله سمّاني لك؟ قال: الله سمّاك لي، فجعل أبيّ يبكي. قال قتادة: فأنبئت أنّه قرأ عليه لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ (البينة/ 1)) * «8» . 10- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ امرأة جاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي. فنظر إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصعّد النّظر إليها وصوّبه، ثمّ طأطأ رأسه. فلمّا رأت المرأة أنّه لم يقض فيها شيئا جلست. فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها. فقال له هل عندك من شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله. قال اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا. فذهب ثمّ رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئا. قال انظر ولو خاتما من حديد. فذهب ثمّ رجع فقال: لا والله يا رسول الله   حزقان من طير صواف. الفرقان والحزقان معناهما واحد. وهما قطيعان وجماعتان. يقال في الواحد: فرق وحزق وحزيقة. وقوله: من طير صواف جمع صافة، وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء. (1) تحاجان عن أصحابهما: أي تدافعان الجحيم والزبانية. وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة. (2) ولا يستطيعها: أي لا يقدر على تحصيلها. (3) مسلم (804) . (4) البخاري- الفتح 8 (5060) . ومسلم (2667) . (5) المربد: موقف الإبل، والمراد: موضعه الذي كان فيه. (6) يحيى: هو ابنه. (7) أخرجه مسلم (796) وهذا لفظه. والبخاري- الفتح 8 (5018) نحوه. (8) البخاري- الفتح 8 (4960) . وسلم (799) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1201 ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري. قال سهل ماله رداء فلها نصفه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك شيء» ، فجلس الرّجل حتّى طال مجلسه، ثمّ قام، فرآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مولّيا، فأمر به فدعي. فلمّا جاء قال: «ماذا معك من القرآن؟» قال: معي سورة كذا وسورة كذا عدّها. قال: «أتقرؤهنّ عن ظهر قلبك؟» قال: نعم. قال: «اذهب، فقد ملّكتكها بما معك من القرآن» ) * «1» . 11- * (عن يحيى؛ قال: انطلقت أنا وعبد الله ابن يزيد حتّى نأتي أبا سلمة. فأرسلنا إليه رسولا. فخرج علينا. وإذا عند باب داره مسجد. قال: فكنّا في المسجد حتّى خرج إلينا. فقال: إن تشاءوا أن تدخلوا، وإن تشاءوا أن تقعدوا ههنا. قال فقلنا: لا. بل نقعد ههنا. فحدّثنا. قال: حدّثني عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: كنت أصوم الدّهر وأقرأ القرآن كلّ ليلة. قال: فإمّا ذكرت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإمّا أرسل إليّ فأتيته. فقال لي: «ألم أخبر أنّك تصوم الدّهر وتقرأ القرآن كلّ ليلة؟» فقلت: بلى. يا نبيّ الله ولم أرد بذلك إلّا الخير. قال: «فإنّ بحسبك أن تصوم «2» من كلّ شهر ثلاثة أيّام» قلت: يا نبيّ الله إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «فإنّ لزوجك عليك حقّا. ولزورك «3» عليك حقّا. ولجسدك عليك حقّا» قال: «فصم صوم داود نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّه كان أعبد النّاس» . قال قلت: يا نبيّ الله وما صوم داود؟ قال: «كان يصوم يوما ويفطر يوما» قال: «واقرإ القرآن في كلّ شهر «4» » قال قلت: يا نبيّ الله إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «فاقرأه في كلّ عشرين» قال: قلت: يا نبيّ الله إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «فاقرأه في كلّ عشر» : قال: قلت: يا نبيّ الله إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «فاقرأه في كلّ سبع، ولا تزد على ذلك. فإنّ لزوجك عليك حقّا ولزورك عليك حقّا ولجسدك عليك حقّا» قال: فشدّدت. فشدّد عليّ. قال: وقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك لا تدري لعلّك يطول بك عمر» . قال: فصرت إلى الّذي قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا كبرت وددت أنّي كنت قبلت رخصة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» . 12- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب كتابا قبل أن يخلق السّماوات والأرض بألفي عام، وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشّيطان» ) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 8 (5030) . ومسلم (1425) . (2) فإن بحسبك أن تصوم: الباء فيه زائدة. ومعناه أن صوم الثلاثة الأيام من كل شهر كافيك. (3) ولزورك: قال في النهاية: هو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم. كصوم ونوم بمعنى صائم ونائم. وقد يكون الزور جمعا لزائر، كركب في جمع راكب. أي لضيفك ولأصحابك الزائرين حق عليك. وأنت تعجز، بسبب توالي الصيام والقيام، عن القيام بحسن معاشرتهم. (4) واقرأ القرآن في كل شهر: أي اختمه. (5) البخاري- الفتح 4 (1978) . ومسلم (1159) واللفظ له. (6) الترمذي (2882) واللفظ له وقال: حسن غريب. والدارمي (3390) . والحاكم في المستدرك (2/ 260) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1202 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل قبرا ليلا. فأسرج له سراج. فأخذه من قبل القبلة وقال: «رحمك الله إن كنت لأوّاها تلّاء للقرآن» وكبّر عليه أربعا) * «1» . 14- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه بات ليلة عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا انتصف اللّيل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجلس يمسح النّوم عن وجهه بيده. ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران. ثمّ قام إلى شنّ «2» معلّقة فتوضّأ منها فأحسن وضوءه، ثمّ قام يصلّي. قال ابن عبّاس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها. فصلّى ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ أوتر. ثمّ اضطجع حتّى أتاه المؤذّن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين. ثمّ خرج فصلّى الصّبح» ) * «3» . 15- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعرف أصوات رفقة الأشعريّين بالقرآن، حين يدخلون باللّيل، وأعرف منازلهم من أصواتهم، بالقرآن باللّيل. وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنّهار. ومنهم حكيم «4» إذا لقي الخيل أو قال العدوّ قال لهم: إنّ أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم «5» » ) * «6» . 16- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. فكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» قال، فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: «زمّلوني زمّلوني» .   وصححه ووافقه الذهبي. (1) الترمذي (1057) واللفظ له وقال: حديث ابن عباس حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (11/ 143) : وهو حديث حسن. (2) الشن: القربة. (3) البخاري- الفتح (183) و (4572) . ومسلم (763) . (4) حكيم: قيل هو صفة لرجل منهم وقيل: هو علم على رجل من الأشعريين. انظر الفتح (7/ 557) .. (5) تنظرونهم: تنتظرونهم. (6) البخاري- الفتح 7 (4232) . ومسلم (2499) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1203 فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي» . فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّي- ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «1» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا، ثمّ لم ينشب «2» ورقة أن توفّي وفتر الوحي» ) * «3» . 17- * (عن زيد بن وهب الجهنيّ؛ أنّه كان في الجيش الّذين كانوا مع عليّ- رضي الله عنه- الّذين ساروا إلى الخوارج. فقال عليّ- رضي الله عنه-: أيّها النّاس إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يخرج قوم من أمّتي يقرءون القرآن. ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء. ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء. ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء. يقرءون القرآن. يحسبون أنّه لهم وهو عليهم. لا تجاوز صلاتهم تراقيهم «4» يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة» لو يعلم الجيش الّذين يصيبونهم، ما قضي لهم على لسان نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، لاتّكلوا عن العمل. وآية ذلك أنّ فيهم رجلا له عضد. وليس له ذراع. على رأس عضده مثل حلمة الثّدي. عليه شعرات بيض. فتذهبون إلى معاوية وأهل الشّام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم والله إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم. فإنّهم قد سفكوا الدّم الحرام. وأغاروا في سرح النّاس «5» . فسيروا على اسم الله. حتّى قال: سلمة بن كهيل: فنزّلني زيد بن وهب منزلا «6» . حتّى قال: مررنا على قنطرة. فلمّا التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الرّاسبيّ. فقال لهم: ألقوا الرّماح وسلّوا سيوفكم من جفونها «7» . فإنّي أخاف أن يناشدوكم «8» كما   (1) الجذع: الصغير من البهائم، يريد: يا ليتني أكون شابّا. (2) لم ينشب: لم يلبث. (3) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. ومسلم (160) . (4) لا تجاوز صلاتهم تراقيهم: المراد بالصلاة، هنا، القراءة، لأنها جزؤها. (5) وأغاروا في سرح الناس: السرح والسارح والسارحة الماشية. أي أغاروا على مواشيهم السائمة. (6) فنزلني زيد بن وهب منزلا: هكذا هو في معظم النسخ: منزلا، مرة واحدة. وفي نادر منها. منزلا منزلا، مرتين. وهو وجه الكلام أي ذكر لي مراحلهم بالجيش منزلا منزلا حتى بلغ القنطرة التي كان القتال عندها. (7) وسلوا سيوفكم من جفونها: أي أخرجوها من أغمادها. جمع جفن، وهو الغمد. (8) فإني أخاف أن يناشدوكم يقال: نشدتك الله وناشدتك الله أي سألتك بالله وأقسمت عليك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1204 ناشدوكم يوم حروراء. فرجعوا فوحّشوا برماحهم «1» . وسلّوا السّيوف. وشجرهم النّاس برماحهم «2» . قال: وقتل بعضهم على بعض. وما أصيب من النّاس يومئذ إلّا رجلان. فقال عليّ- رضي الله عنه-: التمسوا فيهم المخدج. فالتمسوه فلم يجدوه. فقام عليّ- رضي الله عنه- بنفسه حتّى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض. قال: أخّروهم. فوجدوه ممّا يلي الأرض. فكبّر. ثمّ قال: صدق الله. وبلّغ رسوله. قال: فقام إليه عبيدة السّلمانيّ. فقال: يا أمير المؤمنين، الله الّذي لا إله إلّا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: إي. والله الّذي لا إله إلّا هو حتّى استحلفه ثلاثا «3» . وهو يحلف له) * «4» . 18- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصّل من ترابها، قال فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع إمّا علقمة، وإمّا عامر بن الطّفيل. فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» قال فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار فقال: يا رسول الله: اتّق الله. قال: «ويلك: أو لست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: لا لعلّه أن يكون يصلّي، فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لم أومر أن أنقّب قلوب النّاس ولا أشقّ بطونهم» . قال ثمّ نظر إليه وهو مقفّ فقال: «إنّه يخرج من ضئضئ «5» هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» . وأظنّه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود» ) * «6» . 19- * (عن سليمان بن يسار؛ قال: تفرّق النّاس عن أبي هريرة. فقال له ناتل أهل الشّام «7» : أيّها الشّيخ حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: نعم. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أوّل النّاس   (1) فوحشوا برماحهم: أي رموا بها عن بعد منهم، ودخلوا فيهم بالسيوف حتى لا يجدوا فرصة. (2) وشجرهم الناس برماحهم: أي مدوها إليهم وطاعنوهم بها. ومنه التشاجر، في الخصومة. وسمي الشجر شجرا لتداخل أغصانه، والمراد بالناس أصحاب علي. (3) حتى استحلفه ثلاثا: قال الإمام النووي: وإنما استحلفه ليسمع الحاضرين ويؤكد ذلك عندهم، ويظهر لهم المعجزة التي أخبر بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويظهر لهم أنّ عليّا وأصحابه أولى الطائفين بالحق، وأنهم محقون في قتالهم. (4) مسلم (1066) . وقد أورده البخاري مختصرا (7/ 5058) من رواية أبي سعيد. (5) ضئضئ: أي نسل. (6) البخاري- الفتح 7 (4351) وهذا لفظ البخاري. ومسلم (1064) . (7) ناتل أهل الشام: هو ناتل بن قيس الحزامي الشامي من أهل فلسطين وهو تابعي وكان أبوه صحابيا، وكان ناتل كبير قومه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1205 يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد. فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتّى استشهدت. قال كذبت. ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء. فقد قيل. ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن. فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنّك تعلّمت العلم ليقال عالم. وقرأت القرآن ليقال هو قارئ. فقد قيل. ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه. فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها إلّا أنفقت فيها لك. قال: كذبت ولكنّك فعلت ليقال هو جواد. فقد قيل. ثمّ أمر به فسحب على وجهه ثمّ ألقي في النّار» ) * «1» . 20- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نقترئ، فقال: «الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرءوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقام السّهم، يتعجّل أجره ولا يتأجّله» ) * «2» . 21- * (عن مسروق قال: ذكر عبد الله عند عبد الله بن عمرو فقال: ذاك رجل لا أزال أحبّه بعد ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل» . قال: لا أدري، بدأ بأبيّ أو بمعاذ) * «3» . 22- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- سألها يعلى بن مملك عن قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلاته؟ فقالت: ما لكم وصلاته؟ ثمّ نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا. هذه رواية النّسائي. وفي رواية التّرمذيّ؛ قالت: ما لكم وصلاته؟ كان يصلّي ثمّ ينام قدر ما صلّى، ثمّ يصلّي قدر ما نام، ثمّ ينام قدر ما صلّى، حتّى يصبح، ثمّ نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا. وللتّرمذيّ من رواية ابن أبي مليكة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقطّع قراءته؛ ولأحمد من رواية ابن أبي مليكة قال: قالت: كان يقطّع قراءته آية آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) * «4» . 23- * (عن المسور بن مخرمة وعبد الرّحمن ابن عبد القاريّ حدّثاه أنّهما سمعا عمر بن الخطّاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في   (1) مسلم (1905) . (2) أبو داود (831) واللفظ له وقال الألباني (1/ 157) : حسن صحيح، نحوه عند الترمذي (2918) وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات. (3) البخاري- الفتح 7 (3758) واللفظ له. ومسلم (2464) . (4) الترمذي رقم (2923) . وأبو داود رقم (1466) . وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وأخرجه أحمد في المسند (6/ 302) . واللفظ بعضه للترمذي وبعضه لأبي داود وبعضه لأحمد. وأخرجه الطحاوي (1/ 117) ، والحاكم (1/ 132) من طرق أخرى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1206 حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكدت أساوره في الصّلاة، فتصبّرت حتّى سلّم، فلبّبته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السّورة الّتي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: كذبت «1» ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّي سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرسله، اقرأ يا هشام» . فقرأ عليه القراءة الّتي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذلك أنزلت» . ثمّ قال: «اقرأ يا عمر» ، فقرأت للقراءة الّتي أقرأني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسّر منه» ) * «2» . 24- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يقرأ في سورة باللّيل فقال: «يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا» ) * «3» . 25- * (عن أبي وائل؛ قال: كنّا بصفّين، فقام سهل بن حنيف «4» قال: أيّها النّاس اتّهموا أنفسكم، فإنّا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا؛ فجاء عمر بن الخطّاب فقال: «يا رسول الله ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ فقال: «بلى» . قال: أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟ قال: «بلى» . قال: فعلام نعطي الدّنيّة «5» في ديننا؟ أنرجع ولا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: «يا ابن الخطّاب إنّي رسول الله، ولن يضيّعني الله أبدا» . فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّه رسول الله، ولن يضيّعه الله أبدا. فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عمر إلى آخرها، فقال عمر: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: «نعم» ) * «6» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» ) * «7» . 27- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- يبلغ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة لمن لم يقرأ   (1) معنى قوله: كذبت: أي أخطأت. (2) البخاري- الفتح 8 (4992) . واللفظ له ومسلم (818) . (3) البخاري- الفتح 8 (5038) واللفظ له. ومسلم (788) . (4) قام سهل بن حنيف يوم صفين ... إلخ: أراد بهذا تصبير الناس على الصلح وإعلامهم بما يرجى بعده من الخير، وإن كان ظاهره في الابتداء مما تكرهه النفوس، كما كان شأن صلح الحديبية. (5) الدنية: أي النقيصة والحالة الناقصة. (6) البخاري- الفتح 6 (3182) وهذا لفظ البخاري. ومسلم (1785) . (7) البخاري- الفتح 8 (5026) . وعند مسلم (815) مختصرا من حديث ابن عمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1207 بفاتحة الكتاب» * «1» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة/ آية 284) قال فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق. الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» قالوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» . فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ آية 285) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله- عزّ وجلّ- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ قال: نعم» ) * «2» . 29- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة «3» ، ريحها طيّب، وطعمها طيّب، ومثل المؤمن الّذي لا يقرأ القرآن مثل التّمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الّذي يقرأ القرآن مثل الرّيحانة، ريحها طيّب، وطعمها مرّ، ومثل المنافق الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، لا ريح لها، وطعمها مرّ» ) * «4» . وفي رواية: «ومثل الفاجر» في الموضعين. أخرجه الجماعة إلّا الموطّأ، إلّا أنّ التّرمذيّ قال في الحنظلة: وريحها مرّ. 30- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ وما رآهم. انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ «5» ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء   (1) البخاري الفتح 2 (756) . واللفظ له ومسلم (394) . (2) عند البخاري- الفتح (4545) مختصرا. ومسلم (125) واللفظ له. (3) الأترجة: ثمر جامع لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون يشبه البطيخ. (4) البخاري- الفتح 8 (5020) . ومسلم (797) واللفظ له. (5) سوق عكاظ: هو موضع بقرب مكة كانت تقام به في الجاهلية سوق يقيمون فيه أياما، قال النووي: تصرف ولا تصرف، والسوق تؤنث وتذكر، وفي القاموس: وعكاظ كغراب، سوق بصحراء بين نخلة والطائف، كانت تقوم هلال ذي القعدة، وتستمر عشرين يوما تجتمع قبائل العرب فيتعاكظون، أي يتفاخرون ويتناشدون، قال النووي: قيل سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1208 وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب، قالوا: ما ذاك إلّا من شيء حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها «1» ، فانظروا ما هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ النّفر الّذين أخذوا نحو تهامة (وهو بنخل) «2» ، عامدين إلى سوق عكاظ، (وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر) فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له، وقالوا: هذا حال بيننا وبين خبر السّماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. فأنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (الجن/ 1) * «3» . 31- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّه مرّ على قارئ يقرأ القرآن ثمّ يسأل النّاس به، فاسترجع عمران، وقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قرأ القرآن، فليسأل الله به، فإنّه سيجيء أقوام يقرءون القرآن ويسألون به النّاس» ) * «4» . 32- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» ) * «5» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة. ومن ستر مسلما، ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه» ) * «6» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: وكّلني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطّعام، فأخذته، وقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: إنّي محتاج، وعليّ عيال، وبي حاجة شديدة، قال: فخلّيت عنه، فأصبحت، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة ما فعل   (1) فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها: الضرب في الأرض الذهاب فيها، وهو ضربها بالأرجل. (2) وهو بنخل: هكذا وقع في صحيح مسلم: بنخل، وصوابه بنخلة، بالهاء، وهو موضع معروف هناك، كذا جاء صوابه في صحيح البخاري. (3) البخاري- الفتح 8 (4921) . ومسلم (449) واللفظ له. (4) الترمذي (2917) وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (8/ 510) : حديث حسن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن. واللفظ في جامع الأصول. (5) البخاري- الفتح 8 (5009) . ومسلم (808) . (6) مسلم (2699) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1209 أسيرك البارحة» ؟ قلت: يا رسول الله، شكا حاجة وعيالا، فرحمته فخلّيت سبيله، قال: «أما إنّه قد كذبك وسيعود» ، فعرفت أنّه سيعود، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرصدته فجاء يحثو من الطّعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: دعني، فإنّي محتاج، وعليّ عيال، لا أعود، فرحمته فخلّيت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟» قلت: يا رسول الله، شكا حاجة (شديدة) وعيالا فرحمته، فخلّيت سبيله، فقال: «أما إنّه قد كذبك وسيعود» ، فرصدته (الثّالثة) ، فجاء يحثو من الطّعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا آخر ثلاث مرّات، إنّك تزعم لا تعود، ثمّ تعود، فقال: دعني، فإنّي أعلّمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هنّ؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيّ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حتّى تختم الآية، فإنّه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنّك شيطان حتّى تصبح، فخلّيت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما فعل أسيرك البارحة؟» قلت: يا رسول الله، زعم أنّه يعلّمني كلمات ينفعني الله بها، فخلّيت سبيله، قال: «ما هي؟» قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيّ من أوّلها، حتّى تختم الآية اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتّى تصبح وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟» قال: قلت: لا، قال: «ذاك شيطان» ) * «1» . 35- * (عن أبي العلاء- رضي الله عنه- أنّ عثمان بن أبي العاص أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ الشّيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي. يلبسها «2» عليّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك شيطان يقال له خنزب. فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه. واتفل على يسارك ثلاثا» قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عنّي) * «3» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يا ربّ حلّه، فيلبس تاج الكرامة ثمّ يقول: يا ربّ زده، فيلبس حلّة الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، وتزاد بكلّ آية حسنة» ) * «4» . 37- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق، ورتّل كما كنت ترتّل في الدّنيا؛   (1) أخرجه البخاري تعليقا في الوكالة برقم 4 (2311) ومختصرا برقم 8 (5010) . وانظر تعليق الحافظ ابن حجر عليه (4/ 571) . (2) معنى يلبسها: أي يخلطها ويشككني فيها. (3) مسلم (2203) . (4) أخرجه الترمذي (2915) وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1210 فإنّ منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها» ) * «1» . 38- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله. فإن كانوا في القراءة سواء. فأعلمهم بالسّنّة. فإن كانوا في السّنّة سواء. فأقدمهم هجرة. فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلما. ولا يؤمّنّ الرّجل الرّجل في سلطانه. ولا يقعد في بيته على تكرمته إلّا بإذنه» ) * «2» . 39- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ) * «3» . 40- * (عن النّوّاس بن سمعان الكلابيّ قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الّذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أمثال ما نسيتهنّ بعد، قال: كأنّهما غمامتان أو ظلّتان سوداوان بينهما شرق «4» ، أو كأنّهما حزقان من طير صوافّ، تحاجّان عن صاحبهما» ) * «5» . 41- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما جبريل قاعد عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سمع نقيضا «6» من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السّماء فتح اليوم، لم يفتح قطّ إلّا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قطّ إلّا اليوم فسلّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلّا أعطيته» ) * «7» . 42- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف، عصم من الدّجّال» ) * «8» . 43- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا المنذر، أتدري أيّ آية من كتاب الله معك؛ أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: قلت: الله لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم. قال: فضرب في صدري وقال: «والله، ليهنك العلم «9» أبا المنذر» ) * «10» . 44- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث رجلا على سريّة، وكان يقرأ   (1) أحمد (2/ 192) . والترمذي (2914) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (1464) وقال الألباني في تخريجه (1/ 275) : صحيح. والحاكم (1/ 552) واللفظ عند الجميع وسكت عنه وصححه الذهبي. وابن حبان في الموارد (1790) . (2) مسلم (673) . (3) سنن الترمذي 5 (2910) ، وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه عنه المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 342) . وقال محقق «جامع الأصول» (8/ 498) : وهو حديث حسن. (4) الشّرق أو الشّرق هو الضياء والنور. (5) مسلم (805) . (6) النقيض: صوت كصوت الباب إذا فتح. (7) مسلم (806) . (8) مسلم (809) . (9) ليهنك العلم: أي ليكن العلم هنيئا لك. (10) مسلم 1 (810) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1211 لأصحابه في صلاتهم، فيختم ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ «1» فلمّا رجعوا ذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «سلوه، لأيّ شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنّها صفة الرّحمن، فأنا أحبّ أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخبروه أنّ الله يحبّه» ) * «2» . 45- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تر آيات أنزلت اللّيلة لم ير مثلهنّ قطّ؟ قل أعوذ بربّ الفلق، قل أعوذ بربّ النّاس» ) * «3» . 46- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين «4» ، فتغشّته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلمّا أصبح أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال: تلك السّكينة تنزّلت بالقرآن» ) * «5» . 47- * (عن زيد بن أسلم عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطّاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ سأله فلم يجبه، ثمّ سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمّك، نزرت «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات كلّ ذلك لا يجيبك. قال عمر: فحرّكت بعيري حتّى كنت أمام النّاس، وخشيت أن ينزل فيّ قرآن، فما نشبت «7» أن سمعت صارخا يصرخ، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن، قال: فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه فقال: «لقد أنزلت عليّ اللّيلة سورة لهي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس، ثمّ قرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» ) * «8» . 48- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات وينفث، فلمّا اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح بيده رجاء بركتها) * «9» . 49- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه بات عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا انتصف اللّيل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يمسح النّوم عن عينه بيده، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنّ معلّقة فتوضّأ منها فأحسن وضوء، ثمّ قام يصلّي ... الحديث) * «10» . 50- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله   (1) المراد بالختم هنا ختم القراءة في الركعات وهو قراءة السورة بعد الفاتحة. (2) مسلم (813) . (3) مسلم (814) . (4) الشطن: الحبل. (5) البخاري- الفتح 8 (1511) . (6) نزرت رسول الله: أي ألححت عليه إلحاحا أدّبك بسكوته عن جوابك (النهاية 5/ 40) . (7) نشب بالشيء: تعلق به، والمعنى أنه لم يمض عليه وقت طويل. (8) البخاري- الفتح 8 (5012) . (9) البخاري- الفتح 8 (5017) . (10) البخاري- الفتح 8 (4572) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1212 عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من قرأ القرآن فقد استدرج النّبوّة بين جنبيه غير أنّه لا يوحى إليه، لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد، ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله» ) * «1» . 51- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إنّ هذا القرآن حبل الله، والنّور المبين، والشّفاء النّافع عصمة لمن تمسّك به، ونجاة لمن اتّبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوجّ فيقوّم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرّدّ، اتلوه فإنّ الله يأجركم على تلاوته كلّ حرف عشر حسنات، أما إنّي لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ) * «2» . 52- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصّيام: أي ربّ منعته الطّعام والشّهوات بالنّهار فشفّعني فيه، ويقول القرآن: ربّ منعته النّوم باللّيل فشفّعني فيه فيشفّعان» ) * «3» . 53- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله أهلين من النّاس» . قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته» ) * «4» . 54- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في الصّفّة فقال: «أيّكم يحبّ أن يغدو كلّ يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟» فقلنا: يا رسول الله، كلّنا يحبّ ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلّم، أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عزّ وجلّ خير له من أربع، ومن أعدادهنّ من الإبل» ) * «5» . وفي رواية أبي داود: « ... كوماوين زهراوين بغير إثم لله- عزّ وجلّ- ولا قطيعة رحم. قالوا: كلّنا يا رسول الله. قال: «فلأن يغدو أحدكم كلّ يوم إلى المسجد فيعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهنّ» .   (1) الترغيب والترهيب (2/ 352) . قال المنذري: رواه الحاكم. وقال: صحيح الإسناد. (2) الترغيب والترهيب (2/ 354) ، قال المنذري: رواه الحاكم من رواية صالح بن عمر عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عنه، وقال: تفرد به صالح بن عمر عنه، وهو صحيح. راجع الصحيحة للألباني (660) . (3) أحمد 2 (174) واللفظ له؛ وقال الشيخ شاكر (10/ 118) (6626) : إسناده صحيح، والترغيب والترهيب 2/ 353. قال المنذري: رواه أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع، والطبراني في الكبير والحاكم. وقال: صحيح على شرط مسلم. (4) ابن ماجة المقدمة (215) ، أحمد (3/ 127) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 354) . قال: وقال الحاكم: يروى من ثلاثة أوجه عن أنس هذا أجودها، وقال الحافظ عبد العظيم: وهو إسناد صحيح. (5) مسلم (803) ، وأبو داود (1456) والترغيب والترهيب (2/ 345) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1213 55- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ القرآن وتعلّمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجا من نور، ضوءه مثل ضوء الشّمس، ويكسى والداه حلّتين، لا يقوم بهما الدّنيا، فيقولان بم كسينا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن» ) * «1» . 56- * (عن البراء قال: بينما رجل يقرأ سورة الكهف إذ رأى دابّته تركض، فنظر فإذا مثل الغمامة أو السّحابة. فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تلك السّكينة نزلت مع القرآن، أو نزلت على القرآن» . وفي الباب عن أسيد بن حضير» ) * «2» . 57- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا سمع رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يردّدها، فلمّا أصبح جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له- وكأنّ الرّجل يتقالّها-، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إنّها لتعدل ثلث القرآن» ) * «3» . 58- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتّى غفر له، وهي سورة تبارك الّذي بيده الملك» ) * «4» . 59- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه رأى رؤيا: أنّه يكتب ص فلمّا بلغ إلى سجدتها قال: رأى الدّواة والقلم وكلّ شيء بحضرته انقلب ساجدا. قال: فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يزل يسجد بها بعد) * «5» . 60- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب، هم على كثيب من مسك حتّى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله. وأمّ به قوما وهم راضون به، وداع يدعو إلى الصّلوات ابتغاء وجه الله، وعبد أحسن فيما بينه وبين ربّه، وفيما بينه وبين مواليه» ) * «6» . 61- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أوصني. قال: «عليك بتقوى الله فإنّه رأس الأمر كلّه» . قلت: يا رسول الله، زدني. قال: «عليك بتلاوة القرآن، فإنّه نور لك في الأرض وذخر لك في السّماء» ) * «7» .   (1) الحاكم (1/ 568) ، وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي، وله شاهد من حديث معاذ بن أنس الجهني عند أبي داود (1453) ، وأحمد في المسند (3/ 440) . (2) الترمذي (2885) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (3) البخاري- الفتح 9 (5013) . (4) الترمذي (2891) وقال: هذا حديث حسن. وقال الألباني في «صحيح الجامع الصغير» : صحيح. (5) أحمد (3/ 78) ، والترغيب والترهيب (2/ 356) . قال المنذري: ورواته رواة الصحيح. (6) قال الهيثمي: رواه الترمذي باختصار (انظر سنن الترمذي 1986، 2566) والطبراني في الأوسط والصغير، وفيه عبد الصمد بن عبد العزيز المقري، ذكره ابن حبان في الثقات، مجمع الزوائد (1/ 328) ، وقال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد لا بإس به (الترغيب والترهيب (2/ 351) ، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (ح 3499) . (7) المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 349) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه في حديث طويل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1214 62- * (عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي رأيت فيما يرى النّائم كأنّي أصلّي خلف شجرة، فرأيت كأنّي قرأت سجدة فرأيت الشّجرة كأنّها تسجد بسجودي فسمعتها وهي ساجدة تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وضع عنّي بها وزرا، واقبلها منّي كما تقبّلت من عبدك داود. قال ابن عبّاس: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ السّجدة. فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما قال الرّجل عن كلام الشّجرة) * «1» . 63- * (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «القرآن شافع مشفّع، وما حل «2» مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النّار» ) * «3» . 64- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتبت عنده سورة النّجم، فلمّا بلغ السّجدة سجد وسجدنا معه، وسجدت الدّواة والقلم) * «4» . 65- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين» ) * «5» . الأحاديث الواردة في (التلاوة والقراءة) معنى 66- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:؟ «إذا قام أحدكم من اللّيل فاستعجم «6» القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول، فليضطجع» ) * «7» . 67- * (عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته فقال: كنّا بما «8» ممرّ النّاس، وكان يمرّ بنا الرّكبان فنسألهم: ما للنّاس، ما للنّاس؟ ما هذا الرّجل؟ فيقولون: يزعم أنّ الله أرسله، أوحي إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذاك فكأنّما يقرّ في صدري، وكانت العرب تلوّم بإسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه، فإنّه إن ظهر عليهم فهو نبيّ صادق. فلمّا كانت وقعة أهل الفتح بادر كلّ قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلمّا قدم قال:   (1) الترمذي (3424) . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه. والترغيب والترهيب (2/ 357) . قال المنذري: ورواه ابن حبان في صحيحه، واللفظ له، وانظر موارد الظمآن (691) . (2) ما حل: ساع، وقيل: خصم مجادل. (3) الترغيب والتّرهيب (2/ 3493) . قال المنذري: رواه ابن حبان في صحيحه. (4) الترغيب والترهيب (2/ 3584) . قال المنذري: رواه البزار بإسناد جيّد. (5) الترغيب والترهيب (2/ 356) . قال المنذري: رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم. (6) فاستعجم: استعجم القرآن على القارئ: إذا أرتج عليه، فلم يقدر أن يقرأه. (7) مسلم (787) . (8) الميم في (بما) زائدة، والمعنى: كنا في الطريق الذي يمر به الناس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1215 جئتكم والله من عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقّا، فقال: «صلّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلّوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن أحدكم، وليؤمّكم أكثركم قرآنا» فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنا منّي، لما كنت أتلقّى من الرّكبان، فقدّموني بين أيديهم وأنا ابن ستّ أو سبع سنين، وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلّصت «1» عنّي، فقالت امرأة من الحيّ: ألا تغطّون عنّا است «2» قارئكم، فاشتروا، فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص) * «3» . 68- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يجمع بين الرّجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثمّ يقول: «أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟» فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء» . وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسّلهم» ) * «4» . 69- * (عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقّلة «5» إن عاهد «6» عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت» . وزاد مسلم في رواية أخرى: و «إذا قام صاحب القرآن فقرأه باللّيل والنّهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه» ) * «7» . 70- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل نسّي، واستذكروا القرآن؛ فإنّه أشدّ تفصّيا «8» من صدور الرّجال من النّعم بعقلها» ) * «9» . 71- * (عن خبّاب في قول الله- عزّ وجلّ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ إلى قوله: فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. قال: جاء الأقرع بن حابس التّميميّ وعيينة بن حصن الفزاريّ فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع صهيب وبلال وعمّار وخبّاب. قاعدا في ناس من الضّعفاء من المؤمنين فلمّا رأوهم حول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقروهم فأتوه فخلوا به، وقالوا: إنّا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فإنّ وفود العرب تأتيك، فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنّا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت فقال: نعم. فقالوا: فاكتب لنا عليك كتابا، قال: فدعا بصحيفة ودعا عليّا ليكتب ونحن قعود في ناحية. فنزل جبرائيل- عليه السّلام- فقال: وَلا   (1) تقلصت: أي انجمعت وارتفعت. (2) است: الاست العجز وتجمع على أستاه. (3) البخاري- الفتح 7 (4302) . (4) البخاري- الفتح 3 (1347) . (5) المعقلة: هي الإبل التي شدت بالعقال لئلا تهرب، والعقال حبيل صغير يشد به ساعد البعير إلى فخذه ملويا. (6) عاهد: التعاهد والتعهد: المراجعة والمعاودة، قاله الهروي. (7) البخاري- الفتح 8 (5031) . ومسلم (789) . (8) معنى تفصيا: أي تفلتا. (9) البخاري- الفتح 8 (5032) . ومسلم (790) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1216 تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ثمّ ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن. فقال- عزّ وجلّ-: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ثمّ قال عزّ وجلّ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ قال: فدنونا منه حتّى وضعنا ركبنا على ركبته وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عزّ وجلّ-: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ (ولا تجالس الأشراف) تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (يعني عيينة والأقرع) وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (يعني هلاكا) ثمّ ضرب لهم مثل الرّجلين ومثل الحياة الدّنيا. قال خبّاب: فكنّا نقعد مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا بلغنا السّاعة الّتي يقوم فيها قمنا وتركناه حتّى يقوم) * «1» . 72- * (عن عثمان- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» . قال وأقرأ أبو عبد الرّحمن في إمرة عثمان حتّى كان الحجّاج، قال: وذاك أقعدني مقعدي هذا) * «2» . 73- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «زيّنوا القرآن بأصواتكم «3» » ) * «4» . 74- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا في مسير لنا، فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: إنّ سيّد الحيّ سليم «5» ، وإنّ نفرنا غيّب، فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنّا نأبنه برقية، فرقاه فبرأ، فأمر لنا بثلاثين شاة وسقانا لبنا. فلمّا رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت إلّا بأمّ الكتاب. قلنا: لا تحدثوا شيئا حتّى نأتي أو نسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا قدمنا المدينة ذكرناه للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «وما كان يدريه أنّها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم» ) * «6» . 75- * (عن أبي سعيد بن المعلّى- رضي الله عنه- قال: كنت أصلّي في المسجد فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه، قلت: يا رسول الله إنّي كنت أصلّي، فقال:   (1) ابن ماجة (2/ 1382) حديث رقم (4127) وقال: قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقد روى مسلم والنسائي والمصنف بعضه من حديث سعد بن أبي وقاص. (2) البخاري- الفتح 8 (5027) . (3) ويكون ذلك بتحسين الصوت عند القراءة؛ فإن الكلام الحسن يزيد حسنا وزينة بالصوت الحسن، وفي أدائه بحسن الصوت وجودة الأداء بعث للقلوب على الاستماع والإصغاء إليه، قال التوربشتي: هذا إذا لم يخرجه التغني عن التجويد، ولم يصرفه عن مراعاة النظم في الكلمات والحروف، فإن انتهى إلى ذلك، عاد الاستحباب كراهة، وأماما أحدثه المتكلفون بمعرفة الأوزان والموسيقا فيأخذون في كلام الله مأخذهم في التشبب والغزل؛ فإنه من أسوأ البدع فيجب النكير. (جامع الأصول 2/ 454) . (4) أبو داود (1468) واللفظ له وقال الألباني (1/ 275) : صحيح. والنسائي (2/ 179) وقال محقق جامع الأصول (2/ 455) : إسناده صحيح وصححه ابن حبان والحاكم. (5) سليم: أي لدغته حية. (6) البخاري- الفتح 8 (5007) . ومسلم (2201) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1217 ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ (الأنفال/ 24) ؟ ثمّ قال لي: «ألا أعلّمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» فأخذ بيدي، فلمّا أراد أن يخرج قلت: يا رسول الله إنّك قلت: لأعلّمنّك أعظم سورة في القرآن قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هي السّبع المثاني والقرآن العظيم الّذي أوتيته» ) * «1» . 76- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» ) * «2» . 77- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبيّ أن يتغنّى «3» بالقرآن» ) * «4» . قال سفيان: تفسيره يستغني به. 78- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الماهر بالقرآن مع السّفرة «5» الكرام البررة «6» ، والّذي يقرأ القرآن ويتتعتع «7» فيه وهو عليه شاقّ له أجران» ) * «8» . 79- * (عن عامر بن واثلة؛ أنّ نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان. وكان عمر يستعمله على مكّة. فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنّه قارئ لكتاب الله- عزّ وجلّ- وإنّه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إنّ نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» ) * «9» . 80- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كثر همّه فليقل: اللهمّ إنّي عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، وفي قبضتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت «10» به في مكنون الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع   (1) البخاري- الفتح 8 (4474) ، 8 (5006) . (2) أخرجه أبو داود (1469 و1470 و1471) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (2/ 458) : إسناده صحيح. وقال الألباني (1/ 276) : صحيح. (3) ابن الجوزي: اختلفوا في معنى قوله «يتغنى» على أربعة أقوال: أحدها: تحسين الصوت. والثاني: الاستغناء. والثالث: التحزن. قاله الشافعي. والرابع: التشاغل به. تقول العرب: غني بالمكان: أقام به. قال ابن الأعرابي: كانت العرب إذا ركبت الإبل تتغنى، وإذا جلست في أفنيتها وفي أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يكون هجّيراهم القرآن مكان التغني. وفيه قول آخر حكاه ابن الأنباري في «الزاهر» قال: المراد به: التلذذ والاستحلاء له، كما يستلذ أهل الطرب بالغناء، وأطلق عليه «تغنيا» من حيث إنه يفعل عنده ما يفعل الغناء، وهو كقول النابغة: بكاء حمامة تدعو هديلا ... مفجعة على فنن تغني أطلق على صوتها غناء لأنه يطرب، كما يطرب الغناء، وإن لم يكن غناء حقيقة. وانظر فتح الباري 8 (687) ففيه شرح. (4) البخاري- الفتح 8 (5024) . (5) السفرة: جمع سافر، وهو الكاتب، والمراد بهم: الملائكة الحفظة. (6) البررة: جمع بار، وهو الصادق، والمراد بهم أيضا الملائكة. (7) يتتعتع: التتعتع في القول: التردد فيه. (8) البخاري- الفتح 8 (4937) . ومسلم (798) . (9) مسلم (817) . (10) استأثرت: الاستئثار بالشيء: التخصص به والانفراد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1218 قلبي «1» ، وجلاء همّي وغمّي، ما قالها عبد قطّ إلّا أذهب الله غمّه، وأبدله به فرحا» ) * «2» . 81- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «يا أبا موسى لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» ) * «3» . 82- * (عن بريدة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجيء القرآن يوم القيامة كالرّجل الشّاحب فيقول: أنا الّذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك» ) * «4» . 83- * (عن أبي بردة- رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كلّ واحد منهما على مخلاف، قال: واليمن مخلافان ثمّ قال: «يسّرا ولا تعسّرا. وبشّرا ولا تنفّرا» فانطلق كلّ واحد منهما إلى عمله، وكان كلّ واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلّم عليه. فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتّى انتهى إليه، وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه النّاس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه. قال: لا أنزل حتّى يقتل. قال: إنّما جيء به لذلك، فأنزل. قال: ما أنزل حتّى يقتل. فأمر به فقتل، ثمّ نزل فقال: يا عبد الله، كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوّقه تفوّقا. قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أوّل اللّيل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النّوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي، كما أحتسب قومتي» ) * «5» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التلاوة والقراءة) 84- * (عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه كلّ ليلة جمع كفّيه ثمّ نفث فيهما فقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثمّ يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرّات» ) * «6» .   (1) ربيع قلبي: جعل القرآن ربيع قلبه؛ لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان ويميل إليه. (2) أخرجه رزين. قال محقق جامع الأصول (4/ 298) : حديث صحيح واللفظ له. ورواه أحمد (3712 و4318) . وصححه ابن حبان في الموارد رقم (2372) . والحاكم (1/ 509) . والهيثمي في المجمع (1/ 136) وزاد نسبته لأبي يعلى والبزار. (3) البخاري- الفتح 8 (5048) . ومسلم (793) واللفظ له. (4) ابن ماجة (3781) واللفظ له. وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات، ورواه أحمد مطولا (5/ 348) . والحاكم مختصرا (1/ 556) وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي (7/ 159) : قلت: وفيه بشير بن مهاجر الغنوي، وقد وثقه ابن معين، وقال عنه النسائي: لا بأسس به. (5) البخاري- الفتح 7 (4341، 4342) واللفظ له. ومسلم (1733) مختصرا. (6) البخاري- الفتح 8 (5017) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1219 85- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: «سبحان ربّي الأعلى» ) * «1» . 86- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه سئل عن قراءة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كيف كانت؟ فقال: كانت مدّا. ثمّ قرأ «بسم الله الرّحمن الرّحيم يمدّ ببسم الله، ويمدّ بالرّحمن، ويمدّ بالرّحيم» ) * «2» . 87- * (عن سراقة بن مالك بن جعشم؛ قال: جاءنا رسل كفّار قريش يجعلون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر دية كلّ واحد منهما لمن قتله أو أسره. فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتّى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة، إنّي قد رأيت آنفا أسودة بالسّاحل أراها محمّدا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنّهم هم، فقلت له: إنّهم ليسوا بهم ولكنّك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا. ثمّ لبثت في المجلس ساعة، ثمّ قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها عليّ وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجّه «3» الأرض، وخفضت عاليه، حتّى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرّب بي، حتّى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرّهم أم لا؟ فخرج الّذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرّب بي، حتّى إذا سمعت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت «4» يدا فرسي في الأرض حتّى بلغتا الرّكبتين، فخررت عنها، ثمّ زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلمّا استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان «5» ساطع في السّماء مثل الدّخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الّذي أكره فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتّى جئتهم. ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت له: إنّ قومك قد جعلوا فيك الدّية. وأخبرتهم أخبار ما يريد النّاس بهم، وعرضت عليهم الزّاد والمتاع، فلم يرزآني «6» ، ولم يسألاني إلّا أن قال: «أخف عنّا» . فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثمّ مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «7» . 88- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: خسفت الشّمس في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد. فقام وكبّر وصفّ النّاس وراءه. فاقترأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قراءة   (1) أخرجه أبو داود (883) واللفظ له وقال: وروي موقوفا على ابن عباس- رضي الله عنهما- وأحمد (2066) وقال أحمد شاكر (2067) : إسناده حسن. وقال محقق جامع الأصول (2/ 468) : هذا سند حسن. (2) البخاري- الفتح 8 (5046) . (3) الزّجّ: الحديدة التي في أسفل الرمح. (4) ساخت: أي غاصت. (5) والعثان: هو الدخان. (6) يرزآني: أي ينقصاني مما معي شيئا. (7) البخاري- الفتح 7 (3906) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1220 طويلة. ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا. ثمّ رفع رأسه فقال: «سمع الله لمن حمده. ربّنا ولك الحمد» ثمّ قام فاقترأ قراءة طويلة. هي أدنى من القراءة الأولى. ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا. هو أدنى من الرّكوع الأوّل. ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده. ربّنا ولك الحمد» ثمّ سجد (ولم يذكر أبو الطّاهر: ثمّ سجد) ثمّ فعل في الرّكعة الأخرى مثل ذلك حتّى استكمل أربع ركعات. وأربع سجدات. وانجلت الشّمس قبل أن ينصرف. ثمّ قام فخطب النّاس. فأثنى على الله بما هو أهله. ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموها «1» فافزعوا للصّلاة» . وقال أيضا: «فصلّوا حتّى يفرّج الله عنكم» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت في مقامي هذا كلّ شيء وعدتم. حتّى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنّة حين رأيتموني جعلت أقدّم «2» . (وقال المراديّ: أتقدّم) ولقد رأيت جهنّم يحطم «3» بعضها بعضا، حين رأيتموني تأخّرت. ورأيت فيها ابن لحيّ وهو الّذي سيّب السّوائب «4» » وانتهى حديث أبي الطّاهر عند قوله: «فافزعوا للصّلاة» . ولم يذكر ما بعده) * «5» . 89- * (عن عبد الله بن سلمة يقول: دخلت على عليّ بن أبي طالب فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (لا) يحجبه أو قال (لا) يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلّا الجنابة) * «6» . 90- * (عن سعيد بن جبير؛ قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب. أيفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول: فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة. فقلت للغلام استأذن لي. قال: إنّه قائل «7» . فسمع صوتي. قال: ابن جبير؟ قلت: نعم. قال: ادخل. فو الله ما جاء بك هذه السّاعة إلّا حاجة. فدخلت. فإذا هو مفترش برذعة، متوسّد وسادة حشوها ليف. قلت: أبا عبد الرّحمن! المتلاعنان، أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك؟ قال: فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه. فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات في سورة النّور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/   (1) رأيتموها: أي رأيتم الشمس كسفت. (2) أقدم: ضبطناه بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة. ومعناه أقدم نفسي أو رجلي. وكذا صرح القاضي عياض بضبطه. (3) يحطم: أي يكسر. (4) وهو الذي سيب السوائب: تسييب الدواب إرسالها تذهب وتجيء كيف شاءت. والسوائب جمع سائبة. وهي التي نهى الله سبحانه عنها في قوله: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ. فالبحيرة هي الناقة التي يمنع درها للطواغيت. فلا يحلبها أحد من الناس. والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم. فلا يحمل عليها شيء. (5) البخاري- الفتح 2 (1046) . ومسلم (901) واللفظ له. (6) الحاكم (4/ 107) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (7) قائل: من القيلولة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1221 6- 9 ) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها. ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا، والّذي بعثك بالحقّ إنّه لكاذب. فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين. والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين. والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين. ثمّ فرّق بينهما) * «1» . 91- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله- عزّ وجلّ-: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها (الإسراء/ 110) قال: نزلت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم متوار بمكّة. فكان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن. فإذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به. فقال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: ولا تجهر بصلاتك فيسمع المشركون قراءتك. ولا تخافت بها عن أصحابك أسمعهم القرآن. ولا تجهر ذلك الجهر. وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا. يقول بين الجهر والمخافتة) * «2» . 92- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل عليه جبريل بالوحي، وكان ممّا يحرّك به لسانه وشفتيه، فيشتدّ عليه، وكان يعرف منه، فأنزل الله الآية الّتي في: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فإنّ علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ فإذا أنزلناه فاستمع ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ قال: إنّ علينا أن نبيّنه بلسانك. قال: وكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله) * «3» . 93- * (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- قال: قرأ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة سورة الفتح فرجّع فيها، قال معاوية لو شئت أن أحكي لكم قراءة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لفعلت) * «4» . 94- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للنّاس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه وبرسله وتؤمن بالبعث» قال: ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصّلاة وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ، قال: متى السّاعة؟ قال «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل وسأخبرك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة ربّها. وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهنّ إلّا الله» ثمّ تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية (لقمان/ 43)   (1) مسلم (1493) ، والبخاري- الفتح 9 (5308) نحوه من حديث سهل بن سعد الساعدي. (2) البخاري- الفتح 8 (4722) ، ومسلم (446) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 8 (5044) واللفظ له، ومسلم (448) . (4) البخاري- الفتح 8 (4835) وهذا لفظه. ومسلم (794) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1222 ثمّ أدبر فقال: «ردّوه» فلم يروا شيئا. فقال: «هذا جبريل جاء يعلّم النّاس دينهم» ) * «1» . 95- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ علينا السّورة فيها السّجدة فيسجد ونسجد حتّى ما يجد أحدنا موضع جبهته) * «2» . 96- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: «لمّا أنزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلاهنّ في المسجد، فحرّم التّجارة في الخمر» ) * «3» . 97- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض» ) * «4» . 98- * (عن حفصة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: «ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سبحته قاعدا حتّى كان قبل وفاته بعام فكان يصلّي في سبحته قاعدا وكان يقرأ بالسّورة فيرتّلها حتّى تكون أطول من أطول منها» ) * «5» . 99- * (عن عامر، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجنّ؟ قال فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجنّ؟ قال: لا. ولكنّا كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. ففقدناه. فالتمسناه في الأودية والشّعاب. فقلنا: استطير أو اغتيل. قال فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فلمّا أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فقال: «أتاني داعي الجنّ. فذهبت معه. فقرأت عليهم القرآن» قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزّاد. فقال: «لكم كلّ عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحما. وكلّ بعرة علف لدوابّكم» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلا تستنجوا بهما فإنّهما طعام إخوانكم» ) * «6» . 100- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ في العشاء، وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه أو قراءة) * «7» . 101- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في شيء من صلاة اللّيل جالسا. حتّى إذا كبر «8» قرأ جالسا. حتّى إذا بقي عليه من السّورة ثلاثون أو أربعون آية، قام فقرأهنّ ثمّ ركع) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 1 (50) واللفظ له. ومسلم (9) . (2) البخاري- الفتح 2 (1075) . (3) البخاري- الفتح 8 (4541) . ومسلم (1580) . (4) البخاري- الفتح 13 (7549) واللفظ له. ومسلم (301) . (5) مسلم (733) . (6) مسلم (450) . (7) البخاري- الفتح 2 (769) واللفظ له. ومسلم (464) . (8) في رواية البخاري: أسنّ. (9) البخاري- الفتح 2 (1118) . ومسلم (731) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1223 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (تلاوة وقراءة القرآن) 1- * (عن إياس بن عامر يقول: أخذ عليّ ابن أبي طالب بيدي ثمّ قال: إنّك إن بقيت سيقرأ القرآن ثلاثة أصناف: فصنف لله، وصنف للجدال وصنف للدّنيا، ومن طلب به أدرك) * «1» . 2- * (عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ أنّ عليّا كان يحثّ عليه ويأمر به (يعني السّواك) وقال: إنّ العبد إذا قام يصلّي أتاه الملك فقام خلفه يستمع القرآن فلا يزال يستمع ويدنو حتّى يضع فاه على فيه فلا يقرأ آية إلّا كانت في جوف الملك» ) * «2» . 3- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: من النّاس من يؤتى الإيمان ولا يؤتى القرآن، ومنهم من يؤتى القرآن ولا يؤتى الإيمان، ومنهم من يؤتى القرآن والإيمان، ومنهم من لا يؤتى القرآن ولا الإيمان، ثمّ ضرب لهم مثلا قال: فأمّا من أوتي الإيمان ولم يؤت القرآن، فمثله مثل التّمرة حلوة الطّعم لا ريح لها، وأمّا مثل الّذي أوتي القرآن ولم يؤت الإيمان، فمثل الآسة طيّبة الرّيح مرّة الطّعم، وأمّا الّذي أوتي القرآن والإيمان فمثل الأترجّة طيّبة الرّيح حلوة الطّعم، وأمّا الّذي لم يؤت القرآن ولا الإيمان، فمثل الحنظلة مرّة الطّعم لا ريح لها» ) * «3» . 4- * (عن أيّوب عن أبي جمرة الصّنيعيّ قال: قلت لابن عبّاس: إنّي سريع القراءة إنّي أقرأ القرآن في ثلاث قال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبّرها وأرتّلها أحبّ إليّ من أن أقرأ كما تقول) * «4» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ما يمنع أحدكم إذا رجع من سوقه، أو من حاجته، فاتّكأ على فراشه، أن يقرأ ثلاث آيات من القرآن» ) * «5» . 6- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: «سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثّوب فيتهافت يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذّة، يلبسون جلود الضّأن على قلوب الذّئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف إن قصّروا قالوا سنبلغ وإن أساءوا قالوا: سيغفر لنا إنّا لا نشرك بالله شيئا» ) * «6» . 7- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «غدونا على عبد الله فقال رجل: قرأت المفصّل البارحة، فقال: هذا كهذّ الشّعر إنّا قد سمعنا القراءة وإنّي لأحفظ القرناء الّتي كان يقرأ بهنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ثماني عشرة سورة من المفصّل وسورتين من آل حم» ) * «7» .   (1) الدارمي (3329) . (2) البيهقي في السنن الكبري (1/ 38) . والضياء في المختارة (1/ 201) . وهو موقوف وله حكم الرفع. وانظر تخريجه عند محقق الآجري أخلاق أهل القرآن (147) . (3) الدارمي (3362) . (4) قال محقق أخلاق أهل القرآن (170) : إسناده صحيح ورجال ثقات. (5) الدارمي (3336) . (6) الدارمي (3346) . (7) البخاري- الفتح 8 (5043) . واللفظ له ومسلم (722) من حديث طويل. والقرناء: السور التي كان يقرنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعضها في قراءته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1224 8- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن لكم ذكرا، وكائن بكم نورا، وكائن عليكم وزرا، اتّبعوا هذا القرآن، ولا يتبعنّكم القرآن، فإنّه من يتبع القرآن يهبط به في رياض الجنّة، ومن أتّبعه القرآن يزخّ في قفاه فيقذفه في جهنّم، قال أبو محمّد: يزخّ يدفع» ) * «1» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «من قرأ في ليلة عشر آيات كتب من الذّاكرين، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ بخمسمائة آية إلى الألف، أصبح وله قنطار من الأجر. قيل: وما القنطار؟ قال: ملء مسك «2» الثّور ذهبا» ) * «3» . 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «ما من بيت يقرأ فيه سورة البقرة، إلّا خرج منه الشّيطان وله ضراط» ) * «4» . 11- * (عن الشّعبيّ قال: قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك اللّيلة حتّى يصبح: أربع من أوّلها، وآية الكرسيّ، وآيتان بعدها، وثلاث خواتيمها أوّلها: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ» ) * «5» . 12- * (عن مسروق؛ قال: قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «والله الّذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلّا أنا أعلم أين أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلّا أنا أعلم فيمن أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم منّي بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه» ) * «6» . 13- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «أكثروا من تلاوة القرآن قبل أن يرفع، قالوا: هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور الرّجال؟ قال: يسرى عليه ليلا فيصبحون منه فقراء، وينسون قول لا إله إلّا الله، ويقعون في قول الجاهليّة وأشعارهم، وذلك حين يقع عليهم القول» ) * «7» . 14- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «تعلّموا القرآن واتلوه فإنّكم تؤجرون به، إنّ بكلّ اسم منه عشرا أما إنّي لا أقول ب (الم) عشر ولكن بالألف عشر وباللّام عشر وبالميم عشر» ) * «8» . 15- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «لا تنثروه نثر الدّقل «9» ولا تهذّوه هذّ الشّعر «10» قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ولا   (1) الدارمي (3328) . (2) مسك: أي جلد. (3) الدارمي (3458) . (4) المرجع السابق (3375) . (5) الدارمي (3382) . (6) البخاري الفتح 8 (5002) . (7) الدارمي (3341) . (8) رواه الدارمي (2/ 429) وسنده صحيح. وابن المبارك في الزهد (279) . والحاكم (1/ 566) بسندين قال في الثاني: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: رفعه وصححه الترمذي مرفوعا من وجه آخر (4/ 248) . (9) الدقل: التمر اليابس. (10) هذا الشعر: الهذ سرعة القطع والمراد عدم الإسراع أثناء التلاوة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1225 يكن همّ أحدكم آخر السّورة» ) * «1» . 16- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «والّذي نفسي بيده إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرّف الكلم عن مواضعه ولا يتأوّل منه شيئا على غير تأويله» ) * «2» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان أبو بكر إذا قرأ القرآن كثير البكاء» . زاد بعضهم: «في صلاة وغيرها» ) * «3» . 18- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «القرآن أكرم من أن يزيل عقول الرّجال» ) * «4» . 19- * (قال الآجريّ: وروى عن أمّ الدّرداء أنّها قالت: سألت عائشة عمّن دخل الجنّة ممّن قرأ القرآن ما فضله على من لم يقرأه؟ فقالت عائشة: «إنّ عدد درج الجنّة بعدد آي القرآن فمن دخل الجنّة ممّن قرأ القرآن فليس فوقه أحد» ) * «5» . 20- * (عن عروة بن الزّبير؛ أنّ عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قالت: «لم أعقل أبويّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين» ) * «6» . 21- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: «ما كان أحد من السّلف يغشى عليه ولا يصعق عند قراءة القرآن، وإنّما يبكون ويقشعرّون، ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله» ) * «7» . 22- * (عن كعب- رضي الله عنه- قال: «عليكم بالقرآن، فإنّه فهم العقل، ونور الحكمة وينابيع العلم، وأحدث الكتب بالرّحمن عهدا، وقال: في التّوراة: «يا محمّد، إنّي منزّل عليك توراة حديثة، تفتح فيها «8» أعينا عميا وآذانا صمّا وقلوبا غلفا» ) * «9» .   (1) البيهقي في السنن (3/ 13) وأصله في الصحيحين. (2) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (1/ 411) . ولابن عباس نحو هذا الكلام أيضا. (3) أخرجه ابن الأثير في جامع الأصول (2/ 466) . (4) أخرجه ابن الأثير في جامع الأصول (2/ 466) . (5) أخلاق أهل القرآن (50) وقال محققه: لم أقف عليه موصولا موقوفا. وقال الخطابي: «قلت: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة، يقال للقارى*: «ارق في الدرج ... فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ... » مختصر سنن أبي داود (2/ 136) وكذلك الترغيب (2/ 586) . (6) البخاري- الفتح 1 (476) . (7) أخرجه البغوي (7/ 238) في تفسير الآية عن هشام بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عزّ وجلّ: تدمع عيونهم، وتقشعر جلودهم، قال: فقلت لها: إن ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه؟ فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» . وروي عن ابن عمر أنه مر برجل من أهل العراق ساقط، فقال: ما بال هذا؟ قالوا: اذا قرئ عليه القرآن أو سمع ذكر الله سقط. قال ابن عمر: «إنا لنخشى الله، وما نسقط» وقال ابن عمر: «إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم» . (8) قوله (فيها) : لو قال (بها) لكان أصح والله أعلم. (9) الدارمي (3330) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1226 23- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ قال: «من جمع القرآن فقد حمل أمرا عظيما، لقد أدرجت النّبوّة بين كتفيه غير أنّه لا يوحى إليه فلا ينبغي لحامل القرآن أن يحدّ مع من يحدّ «1» ولا يجهل مع من يجهل؛ لأنّ القرآن في جوفه» ) * «2» . 24- * (عن ثابت- رضي الله عنه- قال: كان عبد الرّحمن بن أبي ليلى إذا صلّى الصّبح قرأ المصحف حتّى تطلع الشّمس، قال: وكان ثابت يفعله) * «3» . 25- * (عن مجاهد في قول الله- عزّ وجلّ-: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ قال: على تؤدة. قال محمّد بن الحسين: «والقليل من الدّرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبّره أحبّ إليّ من قراءة الكثير من القرآن بغير تدبّر ولا تفكّر فيه وظاهر القرآن يدلّ على ذلك والسّنّة وقول أئمّة المسلمين» ) * «4» . 26- * (وقال محمّد بن الحسين- أيضا-: «أحقّ النّاس باستعمال هذا التّعظيم بعد رسول صلّى الله عليه وسلّم أهل القرآن إذا جلسوا لتعليم القرآن يريدون به الله- عزّ وجلّ-» ) * «5» . 27- * (عن مجاهد؛ قال: «إذا تثاء بت وأنت تقرأ فأمسك حتّى يذهب عنك» ) * «6» . 28- * (عن قتادة- رضي الله عنه- قال: «اعمروا به قلوبكم، واعمروا به بيوتكم، قال: أراه يعني القرآن» ) * «7» . 29- * (عن قتادة- رضي الله عنه- قال: «ما جالس القرآن أحد فقام عنه إلّا بزيادة أو نقصان ثمّ قرأ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) * «8» . 30- * (عن قتادة- رضي الله عنه- في قول الله- عزّ وجلّ-: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ قال: البلد الطّيّب: المؤمن سمع كتاب الله فوعاه فأخذ به فانتفع به كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً عسرا مثل الكافر قد سمع القرآن فلم يعقله ولم يأخذ به ولم ينتفع به كمثل هذه الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئا ولا تمرع شيئا» ) * «9» . 31- * (عن سفيان- رضي الله عنه- قال لي ابن شبرمة: «نظرت كم يكفي الرّجل من القرآن، فلم   (1) يحد: يعني يغضب. (2) رواه الحاكم (1/ 552) ليس هذا لفظ الحاكم مرفوعا وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. والآجري (56) موقوفا وهو أصح وليس فيه مطعن. (3) الدارمي (3353) . (4) قال محقق أخلاق أهل القرآن (169) : إسناده صحيح ورجاله كلهم ثقات. (5) الآجري في أخلاق أهل القرآن (115) . (6) قال محقق أخلاق حملة القرآن للآجري (149) : إسناده صحيح ورجاله كلهم ثقات. (7) الدارمي (3345) . (8) الدارمي (3347) . (9) قال محقق أخلاق أهل القرآن للآجري (157) : رجاله كلهم ثقات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1227 أجد سورة أقلّ من ثلاث آيات، فقلت لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقلّ من ثلاث آيات. قال عليّ حدّثنا سفيان أخبرنا منصور عن إبراهيم عن عبد الرّحمن بن يزيد أخبره علقمة عن ابن مسعود ولقيته وهو يطوف بالبيت، فذكر قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» ) * «1» . 32- * (عن زاذان قال: «من قرأ القرآن يتأكّل به النّاس جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم» ) * «2» . 33- * (عن أبي المليح؛ قال: «كان ميمون ابن مهران يقول: «لو صلح أهل القرآن صلح النّاس» ) * «3» . 34- * (عن الحسن بن محمّد الصّباح الزّعفرانيّ (من أصحاب الشّافعيّ) قال: «الزموا كتاب الله وتتبّعوا ما فيه من الأمثال وكونوا فيه من أهل البصر» . ثمّ قال: «رحم الله عبدا عرض نفسه وعمله على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله حمد الله وسأله الزّيادة، وإن خالف كتاب الله أعتب نفسه ورجع من قريب» ) * «4» . 35- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر، وذلك قوله تعالى: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا قال: الّذين قرءوا القرآن) * «5» . 36- * (عن أبي سعيد الخدريّ- قال: عليك بتقوى الله فإنّه رأس كلّ شيء وعليك بالجهاد فإنّه رهبانيّة الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنّه روحك في أهل السّماء، وذكرك فى أهل الأرض، وعليك بالصّمت إلّا في حقّ، فإنّك تغلب الشّيطان) * «6» . 37- * (عن جندب «7» قال: أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالقرآن فإنّه نور باللّيل المظلم، وهدى بالنّهار، فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة، فإن عرض بلاء فقدّم مالك دون دينك، فإن تجاوز البلاء، فقدّم مالك ونفسك دون دينك فإنّ المخروب من خرب دينه، والمسلوب من سلب دينه، واعلم أنّه لا فاقة بعد الجنّة، ولا غنى بعد النّار) * «8» . 38- * (وعنه- رضي الله عنه- أيضا: كنّا غلمانا حزاورة «9» مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلّم القرآن، ثمّ تعلّمنا القرآن فازددنا به إيمانا) * «10» .   (1) البخاري- الفتح (5051) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» . (2) رواه أبو نعيم (4/ 199) وقال: سنده حسن ورجاله كلهم ثقات، وورد مرفوعا لكنه ضعيف. وانظر تخريجه عند الآجري (130) . (3) أبو نعيم (4/ 83) وقال محقق أخلاق حملة القرآن (105) : سنده صحيح. (4) الآجري، أخلاق أهل القرآن (39) . (5) الترغيب والترهيب (2/ 355) . قال المنذري: رواه الحاكم. وقال: صحيح على الإسناد. (6) نزهة الفضلاء (1/ 248) . (7) جندب: هو أبو عبد الله البجلي صاحب النبي صلّى الله عليه وسلّم. (8) نزهة الفضلاء (1/ 258) . (9) الحزاورة: جمع حزور، وهو الغلام إذا قارب البلوغ. (10) نزهة الفضلاء (1/ 383) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1228 من فوائد (تلاوة وقراءة القرآن) (1) القرآن عصمة لمن اعتصم به وحرز من النّار لمن عمل بما جاء به. (2) من تلا القرآن وأراد به رضا مولاه كان من المفلحين. (3) تلاوة القرآن تهدي المؤمن إلى صراط مستقيم وتشفي صدور قوم مؤمنين. (4) القرآن هو حبل الله المتين فمن تمسّك به وتلاه حقّ تلاوته فاز بنعيم الدّنيا والآخرة. (5) الّذين يستمعون القرآن من عباده المؤمنين فيتّبعون أحسنه أولئك على هدى من ربّهم وكلّ كلام ربّنا حسن لمن تلاه. (6) والاستماع إلى القرآن والإصغاء إليه بأدب وتعظيم فيه مهابط الرّحمة وعميمها. (7) سبب من أسباب انشراح الصّدر. (8) فيه الشّفاء من أدواء الجسم والنّفس. (9) فوائد القرآن كثيرة لا تحصى. (10) وانظر ثمرات القرآن (ص 1182) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1229 التناصر الآيات/ الأحاديث/ الآثار 14/ 21/ 5 التناصر لغة: التّناصر مصدر قولهم: تناصر القوم إذا نصر بعضهم بعضا وهو مأخوذ من مادّة (ن ص ر) الّتي تدلّ على إتيان خير أو إيتائه فمن المعنى الأوّل قولهم: نصرت بلد كذا إذا أتيته، قال الرّاعي: إذا دخل الشّهر الحرام فودّعي ... بلاد تميم وانصري أرض عامر ولذلك يسمّى المطر نصرا، يقال نصرت الأرض فهي منصورة (أي مطرت) . والنّصر بمعنى العطاء من هذا، ومثاله قول رؤبة: إنّي وأسطار سطرن سطرا ... لقائل يا نصر نصرا نصرا ومن المعنى الثّاني قولهم: نصر الله المسلمين أي آتاهم الظّفر على عدوّهم. والنّصير: النّاصر وجمعه أنصار مثل شريف وأشراف وجمع النّاصر نصر مثل صاحب وصحب، قال الشّاعر: والله سمّى نصرك الأنصارا ويقال: استنصره على عدوّه، سأله أن ينصره عليه، وتناصروا نصر بعضهم بعضا، وانتصر منه واستنصر بمعنى، وقيل: انتصر منه انتقم، وقال الرّاغب: النّصر والنّصرة العون، كما في قوله تعالى: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ (الصف/ 13) وقوله عزّ وجلّ: وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ (الأنبياء/ 68) ، ونصرة الله للعبد ظاهرة (أي إعانته له) أمّا نصرة العبد لله فهي نصرته لعباده، والقيام بحفظ حدوده، ورعاية عهوده، واعتناق أحكامه، واجتناب نهيه، وذلك كما في قوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ (الحديد/ 25) وقوله عزّ وجلّ: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ (محمد/ 7) والانتصار والاستنصار: طلب النّصرة كما في قوله عزّ من قائل: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (الشورى/ 39) وقوله سبحانه: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ (الأنفال/ 72) . يقول ابن منظور: النّصر إعانة المظلوم، يقال: نصره على عدوّه ينصره نصرا، وفي الحديث «انصر أخاك ظالما، أو مظلوما» ، وتفسيره أن يمنعه من الظّلم إن وجده ظالما، وإن كان مظلوما أعانه على ظالمه، والاسم النّصرة (وهي ما يقدّم للعون) . والأنصار: أنصار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غلبت عليهم الصّفة، فجرى مجرى الأسماء وصار كأنّه اسم الحيّ ولذلك أضيف إليه بلفظ الجمع فقيل: أنصاريّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1230 وقالوا: رجل نصر، وقوم نصر، فوصفوا بالمصدر كرجل عدل وقوم عدل، وقوله عزّ وجلّ مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ... (الحج/ 15) . معناه: من ظنّ من الكفّار أنّ الله لا يظهر محمّدا صلّى الله عليه وسلّم على من خالفه فليختنق غيظا حتّى يموت كمدا، فإنّ الله عزّ وجلّ يظهره ولا ينفعه غيظه وموته خنقا، فالهاء في قوله أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ للنّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم. ويقال: انتصر الرّجل إذا امتنع من ظالمه، قال الأزهريّ: يكون الانتصار من الظّالم الانتصاف والانتقام، وانتصر منه: انتقم، قال تعالى مخبرا عن نوح فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (القمر/ 10- 11) كأنّه قال لربّه انتقم منهم، كما قال: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (نوح/ 26) وقال الرّاغب: وإنّما قال فانتصر ولم يقل انصر تنبيها على أنّ ما يلحقني يلحقك من حيث إنّي جئتهم بأمرك فإن نصرتني فقد انتصرت لنفسك. والتّناصر: التّعاون على النّصر، وتناصروا نصر بعضهم بعضا. وفي الحديث «كلّ المسلم على المسلم محرّم، أخوان نصيران» أي هما أخوان يتناصران ويتعاضدان، والنّصير فعيل بمعنى فاعل أو مفعول» ، لأنّ كلّ واحد من المتناصرين ناصر ومنصور، وقد نصره ينصره نصرا إذا أعانه على عدوّه وشدّ منه، ومنه حديث الضّيف المحروم «فإنّ نصره حقّ على كلّ مسلم ومسلمة حتّى يأخذ بقرى ليلته» . وقيل: يشبه هذا أن يكون في المضطّر الّذي لا يجد ما يأكل ويخاف على نفسه التّلف، فله أن يأكل من مال أخيه بقدر حاجته الضّروريّة وعليه الضّمان «1» . التناصر اصطلاحا: يذكر التّناصر ويراد به اصطلاحا أحد أمرين: الأوّل: تناصر المسلمين ويراد به: أن يقدّم كلّ منهم العون لأخيه ليدفع عنه الظّلم إن كان مظلوما ويردّه عن ظلمه إن كان ظالما. الثّاني: التّناصر بين العبد وربّه ويراد به: أن يلتزم المسلم بتقديم النّصرة لعباد الله وأن يلتزم بحدوده عزّ وجلّ بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وإذا فعل ذلك أعانه الله وأعطاه ما يظفر به تنفيذا لوعده عزّ وجلّ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ؟ (الحج/ 40) «2» . ضرورة التناصر وأهميته: للتّناصر أهمّية عظمى في حياة الأمّة، وبدونه يصبح المجتمع الإسلاميّ مكشوفا أمام أعدائه معرّضا للهزيمة في كلّ وقت وعلى العكس من ذلك؛ فإنّ   (1) باختصار وتصرف يسير عن: مقاييس اللغة (5/ 435) ، وبصائر ذوي التمييز (5/ 69) ، والصحاح (2/ 828) ومفردات الراغب (495) ، ولسان العرب ط. دار المعارف ص (444) . (2) لم نجد في كتب المصطلحات تعريفا للتناصر فيما عدا ما ذكره الكفوي في كلياته (2/ 103) ، من أن التناصر: هو التعاون،، وهذا أقرب إلى أن يكون تفسيرا لغويا، وقمنا باستنباط ما ذكرناه من كتب التفسير وكتب شرح الأحاديث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1231 التزام المجتمع بنصر الله من ناحية ونصرة بعضهم البعض من ناحية أخرى يؤدّي حتما إلى ظفر المسلمين وظهورهم على عدوّهم تحقيقا لوعده عزّ وجلّ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ونصر المسلم لربّه يكون بتقديم العون لأخيه المسلم، وقيامه بحفظ حدود الله واجتنابه لمعاصيه، وفي هذه الحالة فقط؛ فإنّ عليه أن يتيقّن من نصر الله له لأنّ التّناصر تفاعل من الجانبين، فإذا حدث أحدهما حدث الآخر لا محالة، وممّا لا يشكّ فيه كذلك أنّ نصر المسلم لأخيه بتقديم العون له إن كان مظلوما، وردعه عن ظلمه إن كان ظالما، يثبّت دعائم المجتمع الإسلاميّ. فتسود فيه روح التّعاون والألفة، واحترام الحقوق، والتزام الواجبات، وتكون محصّلة ذلك مجتمعا قويّا متآلفا لا شحناء فيه ولا بغضاء ممّا يجعل نسيج الأمّة كالبنيان يشدّ بعضه بعضا. إنّ الأخذ بيد المظلوم، والضّرب على يد الظّالم يؤدّي إلى نجاة المجتمع بأسره ووصوله إلى برّ الأمان. إنّ ما ينطبق على الأفراد فيما يتعلّق بالتّناصر ينطبق أيضا على الدّول الّتي تدين بالإسلام، فإذا ظلمت دولة وجدت من الدّول كافّة ما يقدّم لها العون والمساعدة حتّى يتحقّق لها النّصر على البغاة والظّالمين، وإذا كان الباغي مسلما فعليه أن يتيقّن أنّ ردعه عن ظلمه ما هو إلّا نصرة له وقيام بتنفيذ أمر الله حتّى يفيء إلى الحقّ والعدل. إنّ التّناصر هو صفة المسلمين أفرادا وجماعات ودولا، أمّا أن ينكفأ كلّ فرد أو كلّ دولة على شأنه الخاصّ؛ فإنّ ذلك كفيل بتعرّض الجميع للضّياع ولن يفيد في هذه الحالة أن يتّصف هذا أو ذاك بالإسلام، لأنّ الإسلام الحقيقيّ يقتضي تنفيذ ما أمر الله به، ومن ذلك تحقيق التّناصر فيما بين المسلمين بعضهم وبعض من ناحية وفيما بينهم وبين ربّهم من ناحية أخرى. [للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الإغاثة- التعاون على البر والتقوى- تفريج الكربات- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- المواساة- الاجتماع- الألفة- المحبة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- الأثرة- التهاون- التفرق- التنازع- الفتنة- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- البغض] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1232 الآيات الواردة في «التناصر» 1- وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) «2» 3- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) «4» 5- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «5» 6- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) «6» 7- * ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «7» 8- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ   (1) آل عمران: 81 مدنية (2) آل عمران: 149- 150 مدنية (3) الأنفال: 26 مدنية (4) الأنفال: 72 مدنية (5) التوبة: 40 مدنية (6) الحج: 39- 40 مدنية (7) الحج: 60 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1233 وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «1» 9- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) «2» 10- لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) «3» 11-* احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) «4» 12- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) «5» 13- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7) «6» 14- * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) «7»   (1) الحج: 78 مدنية (2) القصص: 15- 19 مكية (3) الروم: 47 مكية. (4) الصافات: 22- 26 مكية (5) غافر: 51 مكية (6) محمد: 7 مدنية (7) القمر: 9- 15 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1234 الأحاديث الواردة في (التناصر) 1- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه من الظّلم، فإنّ ذلك نصره» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لبث عشر سنين يتبع النّاس في منازلهم في الموسم ومجنّة وعكاظ، ومنازلهم من منى «من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتّى أبلّغ رسالات ربّي فله الجنّة» ، فلا يجد أحدا ينصره ولا يؤويه حتّى إنّ الرّجل ليرحل من مصر أو من اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتننّك، ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ يشيرون إليه بالأصابع، حتّى بعثنا الله من يثرب فيأتيه الرّجل منّا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتّى لم يبق دار من دور الأنصار إلّا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام. وبعثنا الله إليه فائتمرنا واجتمعنا، وقلنا: حتّى متى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطرد في جبال مكّة ويخاف؟ فرحلنا حتّى قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا بيعة العقبة، فقال له عمّه العبّاس: يابن أخي لا أدري ما هؤلاء القوم الّذين جاؤوك، إنّي ذو معرفة بأهل يثرب، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين، فلمّا نظر العبّاس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث، فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟، قال: «تبايعوني على السّمع والطّاعة في النّشاط والكسل، وعلى النّفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنّة» فقمنا نبايعه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السّبعين إلّا أنّه قال: رويدا يا أهل يثرب، إنّا لم نضرب إليه أكباد المطيّ إلّا ونحن نعلم أنّه رسول الله، وإنّ إخراجه اليوم مفارقة العرب كافّة، وقتل خياركم، وأن يعضكم السّيف، فإمّا أنتم قوم تصبرون عليها إذا مسّتكم وعلى قتل خياركم ومفارقة العرب كافّة، فخذوه وأجركم على الله، وإمّا أنتم تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه فهو عذر عند الله عزّ وجلّ. فقالوا: يا أسعد، أمط عنّا يدك، فو الله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. قال: فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا ليعطينا بذلك الجنّة) * «2» . 3- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من   (1) البخاري- الفتح 12 (6952) . (2) أحمد (3/ 322) . وذكره الحاكم في المستدرك (2/ 624) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد جامع لبيعة العقبة ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1235 الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة، حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3) ، فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني، زمّلوني. فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: لا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزّى- ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «1» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» ، قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك، أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي) * «2» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل مستصرخ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: جارية له يا رسول الله!، فقال: «ويحك مالك؟» قال: شرّا، أبصر لسيّده جارية له فغار فجبّ مذاكيره، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليّ بالرّجل» فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اذهب فأنت حرّ» فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال: «على كلّ مؤمن» أو قال: «كلّ مسلم» ) * «3» . 5- * (عن معاوية بن سويد بن مقرّن، قال:   (1) الجذع: الصغير من البهائم يريد ليتني أكون شبابّا. (2) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. مسلم (160) . (3) أبو داود (4519) ، وقال الألباني (3/ 586) : حسن، وابن ماجه (2680) . قال أبو داود: الذي عتق كان اسمه روح بن دينار، قال أبو داود: الذي جبّه زنباع، قال أبو داود: هذا زنباع أبو روح كان مولى العبد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1236 دخلت على البراء بن عازب فسمعته يقول: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع، ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس «1» ، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الدّاعي «2» ، وإفشاء السّلام «3» . ونهانا عن خواتيم، أو عن تختّم بالذّهب، وعن شرب بالفضّة، وعن المياثر «4» ، وعن القسّيّ «5» ، وعن لبس الحرير والإستبرق «6» والدّيباج «7» ) * «8» . 6- * (عن شرحبيل بن السّمط أنّه قال لعمرو ابن عبسة: هل أنت محدّثي حديثا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس فيه نسيان ولا كذب. قال: نعم. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله عزّ وجلّ: قد حقّت محبّتي للّذين يتحابّون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتزاورون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتباذلون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتصادقون من أجلي، ما من مؤمن ولا مؤمنة يقدّم الله له ثلاثة أولاد من صلبه لم يبلغوا الحنث إلّا أدخله الله الجنّة بفضل رحمته إيّاهام» وفي رواية: «وحقّت محبّتي للّذين يتناصرون من أجلي، وحقّت محبّتي للّذين يتصادقون من أجلي» ) * «9» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو أبو القاسم: «لو أنّ الأنصار سلكوا واديا أو شعبا وسلك النّاس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من   (1) وتشميت العاطس: هو أن يقال له: يرحمك الله، ويقال بالسين المهملة والمعجمة، لغتان مشهورتان. قال الأزهري: قال الليث: التشميت ذكر الله تعالى على كل شيء، ومنه قوله للعاطس: يرحمك الله، وقال ثعلب: يقال شمّتّ العاطس وسمّتّه إذا دعوت له بالهدى وقصد السّمت المستقيم، قال: والأصل فيه السين المهملة، فقلبت شينا معجمة. (2) وإجابة الداعي: المراد به الداعي إلى وليمة ونحوها من الطعام. (3) وإفشاء السلام: إشاعته وإكثاره، وأن يبذله لكل مسلم. (4) وعن المياثر: قال العلماء: هو جمع ميثرة، بكسر الميم، وهو وطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن على السروج، كان من مراكب العجم، ويكون من الحرير ويكون من الصوف وغيره. وقيل: أغشية للسروج تتخذ من الحرير، وقيل: هي سروج من الديباج، وقيل: هي كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل، والمئثرة مهموزة، وهي مفعلة بكسر الميم، من الوثارة، يقال: وثر وثارة فهو وثير، أي وطئ لين، وأصلها موثرة، فقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها. كما في ميزان وميقات وميعاد من الوزن والوقت والوعد، وأصله موزان وموقات وموعاد. (5) وعن القسي: بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة، وهذا الذي ذكرناه من فتح القاف وهو الصحيح المشهور، وبعض أهل الحديث يكسرها، قال أبو عبيدة: أهل الحديث يكسرونها وأهل مصر يفتحونها. قال أهل اللغة وغريب الحديث: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس، بفتح القاف، وهو موضع من بلاد مصر، وهو قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس. (6) والإستبرق: هو غليظ الديباج. (7) الديباج: بفتح الدال وكسرها جمعه ديابيج، وهو عجمي معرب، وهي الثياب المتخذة من الإبريسم. (8) البخاري. الفتح 5 (2445) ، مسلم (2066) . (9) أحمد (4/ 386) وقال الهيثمي (10/ 279) : رواه الطبراني في الثلاثة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات واللفظ للهيثمي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1237 الأنصار» قال: فكان أبو هريرة يقول: ما ظلم بأبي وأمّي، لقد آووه ونصروه وكلمة أخرى) * «1» . 8- * (عن جابر وأبي أيّوب الأنصاري- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا نصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته» ) * «2» . 9- * (عن سهل بن حنيف؛ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من أذلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله- عزّ وجلّ- على رءوس الخلائق يوم القيامة» ) * «3» . 10- * (عن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيع قالا: نشد عليّ النّاس في الرّحبة: من سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خمّ إلّا قام؟ قال: فقام من قبل سعيد ستّة، ومن قبل زيد ستّة، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعليّ يوم غدير خمّ: «أليس الله أولى بالمؤمنين؟» قالوا: بلى. قال «اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه» . حدّثنا عليّ بن حكيم أنبأنا شريك عن أبي إسحق عن عمرو ذي مرّ بمثل حديث أبي إسحق، يعني عن سعيد وزيد، وزاد فيه: «وانصر من نصره، واخذل من خذله» ) * «4» . 11- * (عن حنظلة بن نعيم أنّ عمر بن عصام جاءه فقال: يا أبا رباح ما الّذي ذكر لك أمير المؤمنين عمر حين قدمت عليه في قومك. قال: مررت عليه فقال لي: من أنت؟ وممّن أنت؟. فقلت: يا أمير المؤمنين أنا حنظلة بن نعيم العنزيّ، فقال: عنزة. قلت: نعم، فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر قومك ذات يوم فقال أصحابه: يا رسول الله وما عنزة؟ فأشار بيده نحو المشرق. فقال «حيّ من ههنا مبغيّ عليهم منصورون» ) * «5» . 12- * (عن معاوية بن حيدة العسيريّ، قال: قلت: يا نبيّ الله ما أتيتك حتّى حلفت أكثر من عددهنّ لأصابع يديه، ألّا آتيك ولا آتي دينك وإنّي كنت امرأ لا أعقل شيئا إلّا ما علّمني الله ورسوله وإنّي   (1) أحمد (2/ 410- 411) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: (18/ 63) : إسناده صحيح، وأصله في الصحيحين. (2) الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 267) ، وقال: رواه أبو داود (4884) ، ورواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن واللفظ في مجمع الزوائد. (3) أحمد (3/ 487) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 267) وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف، وقد صرح بالحديث هنا، وبقية رجاله ثقات. (4) أحمد (1/ 118) وقال الشيخ أحمد شاكر (ح 950- 951) : إسناده صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1750) ، وقد أورد الهيثمي الزيادة المروية عن علي بن حكيم، وقال: رواه البزار ورجاه رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة روى عنه البخاري، مجمع الزوائد 9/ 104. (5) الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 51) ، وقال: رواه أبو يعلى في الكبير، والبزار بنحوه باختصار عنه والطبراني في الأوسط وأحمد إلا أنه قال عن العصان بن حنظلة أن أباه وفد على عمر ولم يذكر حنظلة، وأحد إسنادي أبي يعلى رجاله ثقات كلهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1238 أسألك بوجه الله- عزّ وجلّ- بم بعثك ربّك إلينا؟ قال: «بالإسلام» ، قال: قلت: وما آيات الإسلام؟. قال: «أن تقول أسلمت وجهي إلى الله- عزّ وجلّ- وتخلّيت «1» ، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة. كلّ مسلم على مسلم محرّم «2» ، أخوان نصيران «3» ، لا يقبل الله عزّ وجلّ- من مشرك بعد ما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (التناصر) معنى 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّين النّصيحة» ثلاث مرار، قالوا: يا رسول الله لمن؟ قال: «لله، ولكتابه، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كلّ المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التّقوى ههنا بحسب امرئ من الشّرّ أن يحتقر أخاه المسلم، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا، إنّ أحدكم مرآة أخيه: فإن رأى به أذى فليمطه عنه) * «5» . 14- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذبّ عن عرض أخيه ردّ الله النّار عن وجهه يوم القيامة» ) * «6» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة «7» ، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم «8» الملائكة،   (1) تخليت: تبرأت من الشرك، وانقطعت عنه. (2) كل مسلم على مسلم محرم: يقال: أحرم الرجل: إذا اعتصم بحرمة تمنع عنه، ويقال: إنه لمحرم عنك: أي يحرم أذاك عليه، يقال: مسلم محرّم، وهو الذي لم يحلّ من نفسه شيئا يوقع به، يريد: أن المسلم معتصم بالإسلام، ممتنع بحرمته ممن أراده، أو أراد ماله. (3) أخوان نصيران: أي هما أخوان نصيران أي: يتناصران ويتعاضدان، والنصير: فعيل بمعنى فاعل، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول. (4) النسائي (5/ 83) واللفظ له. وروى ابن ماجه؟ بعضه (2536) ، وابن حبان في صحيحه (28) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 234) : حديث حسن. (5) الترمذي (1926) ، (1927) ، (1928) ، (1929) . ومحقق «جامع الأصول» (6/ 563) : وهو حديث حسن، وانظر «جامع الأصول» (11/ 557- 559) . (6) أخرجه الترمذي (1931) وقال: حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (6/ 570) : هو كما قال الترمذي، أحمد (6/ 449) واللفظ في جامع الأصول. (7) السكينة: فعيلة من السكون والطمأنينة. (8) حفتهم الملائكة: أي أحاطت بهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1239 وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «1» . 16- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» وشبّك بين أصابعه) * «2» . 17- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلمّا رأى ما بهم من النّصب والتّعب والجوع، قال: «اللهمّ إنّ العيش عيش الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره» . فقالوا مجيبين له: نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التناصر) 18- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «شهدت حلف المطيّبين «4» مع عمومتي وأنا غلام، فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه» . قال الزّهريّ: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يصب الإسلام حلفا إلّا زاده شدّة، ولا حلف في الإسلام» ، وقد ألّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين قريش والأنصار) * «5» .   (1) مسلم (2699) . (2) البخاري- الفتح 5 (2446) واللفظ له، مسلم (2585) . (3) البخاري- الفتح 7 (4099) واللفظ له، مسلم (1805) . (4) قال ابن حجر: حلف المطيبين كان قبل المبعث بمدة، ذكره ابن إسحاق وغيره، وكان جمع من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين الناس، ونحو ذلك من خلال الخير، واستمر ذلك بعد المبعث، ويستفاد من حديث عبد الرحمن بن عوف أنهم استمروا على ذلك في الإسلام، وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم. وتضمن جواب أنس إنكار صدر الحديث لأن فيه الحلف وفيما قاله هو إثباته، ويمكن الجمع بأن المنفي ما كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالما، ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ومن التوارث ونحو ذلك. والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم والقيام في أمر الدين ونحو ذلك من المستحبات الشرعية كالمصادقة والمواددة وحفظ العهد، وقد تقدم حديث ابن عباس في نسخ التوارث بين المتعاقدين، وذكر الداودي أنهم كانوا يورثون الحليف السدس دائما فنسخ ذلك. وقال ابن عيينة: حمل العلماء قول أنس «حالف» على المؤاخاة. قلت: لكن سياق حديث عاصم عنه يقتضي أنه أراد المحالفة حقيقة، وإلا لما كان الجواب مطابقا، وترجمة البخاري ظاهرة في المغايرة بينهما وتقدم في الهجرة إلى المدينة «باب كيف آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه» وذكر الحديثين المذكورين هنا أولا، ولم يذكر حديث الحلف، وتقدم ما يتعلق بالمؤاخاة المذكورة هناك. قال النووي: المنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله تعالى فهو أمر مرغوب فيه. فتح الباري (10/ 518) . (5) أحمد (1/ 190) وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 122) إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (8/ 172) وقال: رجاله رجال الصحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1240 19- * (عن عاصم الأحول قال: قيل لأنس ابن مالك: بلغك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حلف في الإسلام؟» فقال أنس: قد حالف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين قريش والأنصار في داره) * «1» . 20- * (عن عروة عن المسور بن مخرمة أنّه كان في الشّرط: من أحبّ أن يدخل في عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعهده فليدخل، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل، فدخلت بنو بكر- أي ابن عبد مناة بن كنانة- في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن إسحاق: وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهليّة، فتشاغلوا عن ذلك لمّا ظهر الإسلام، فلمّا كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية الدّيليّ من بني بكر في بني الدّيل حتّى بيّت «2» خزاعة على ماء لهم يقال له الوتير، فأصاب منهم رجلا يقال له منبّه، واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال، وأمدّت قريش بني بكر بالسّلاح، وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية، فلمّا انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعيّ، حتّى قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في المسجد فقال: يا ربّ إنّي ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا فانصر هداك الله نصرا أيّدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا إنّ قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكّدا هم بيّتونا بالوتير هجّدا ... وقتّلونا ركّعا وسجّدا وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذّلّ وأقلّ عددا قال ابن إسحق: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نصرت يا عمرو بن سالم» فكان ذلك ما هاج فتح مكّة) * «3» . 21- * (عن أبي إسحاق قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله ما ولّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّه خرج شبّان أصحابه «4» وخفافهم «5» حسّرا «6» ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم «7» جمع هوازن وبني نضر، فرشقوهم رشقا «8» ما   (1) مسلم (2529) . (2) بيّت: أي أتاهم بياتا أي ليلا. (3) فتح الباري (7/ ص 593) ، وقال ابن حجر في الفتح: وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة، وهو إسناد حسن موصول. (4) شبان أصحابه: جمع شاب كواحد ووحدان. (5) خفافهم: جمع خفيف، كطبيب وأطباء، وهم المسارعون المستعجلون.. في فتح الباري (6/ 2930) : وأخفافهم. (6) حسّرا: جمع حاسر، كساجد وسجّد، أي بغير دروع، وقد فسره بقوله: ليس عليهم سلاح، والحاسر من لا درع له ولا مغفر. (7) لا يكاد يسقط لهم سهم: يعني أنهم رماة مهرة، تصل سهامهم إلى أغراضهم، كما قال: ما يكادون يخطئون. (8) فرشقوهم رشقا: هو بفتح الراء. وهو مصدر. وأما الرّشق بالكسر فهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة. وضبط القاضي الرواية هنا بالكسر. وضبط غيره بالفتح، وهو الأجود، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1241 يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب يقود به، فنزل فاستنصر «1» ، وقال: «أنا النّبيّ لا كذب «2» ... أنا ابن عبد المطّلب» ثمّ صفّهم) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التناصر) 1- * (عن سماك قال: سمعت عياضا الأشعريّ قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجرّاح، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض- وليس عياض هذا بالّذي حدّث سماكا- قال: وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة، قال: فكتبنا إليه: إنّه قد جاش إلينا الموت، واستمددناه، فكتب إلينا: إنّه قد جاءني كتابكم تستمدّوني، وإنّي أدلّكم على من هو أعزّ نصرا وأحضر جندا، الله- عزّ وجلّ- فاستنصروه، فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم قد نصر يوم بدر في أقلّ من عدّتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال: فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، قال: وأصبنا أموالا، فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كلّ رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنّي؟ فقال شابّ: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان «4» وهو خلفه على فرس عري) * «5» . 2- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: عن عمر- رضي الله عنه- قال: «بينما هو في الدّار خائفا إذ جاءه العاص بن وائل السّهميّ أبو عمرو، عليه حلّة حبر وقميص مكفوف بحرير- وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهليّة- فقال: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنّهم سيقتلونني إن أسلمت، قال: لا سبيل إليك. بعد أن قالها أمنت، فخرج العاص فلقي النّاس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطّاب الّذي صبأ، قال: لا سبيل إليه. فكرّ النّاس) * «6» . 3- * (عن ابن أخي عبد الله بن سلام: لمّا أريد عثمان جاء عبد الله بن سلام، فقال له عثمان: ما   وإن كانا جيدين، وأما قوله في الرواية التي بعد هذه: فرموه برشق من نبل، فهو بالكسر لا غير. قال أهل اللغة: رشقه يرشقه وأرشقه، ثلاثي ورباعي والثلاثي أشهر وأفصح. (1) فاستنصر: أي طلب من الله تعالى النصرة، ودعا بقوله: اللهم أنزل نصرك. (2) أنا النبي لا كذب: أي أنا النبي حقّا، فلا أفر ولا أزول. (3) البخاري- الفتح 6 (2930) ، مسلم (1776) . (4) العقيصتان: خصلتا الشعر. وتنقزان: أي ترتفعان. (5) أحمد (1/ 49) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 304) : إسناده صحيح، وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 409) : هذا إسناد صحيح. (6) البخاري- الفتح 7 (3864) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1242 جاء بك؟ قال: جئت في نصرك، قال: اخرج إلى النّاس فاطردهم عنّي فإنّك خارجا خير لي منك داخلا، فخرج عبد الله إلى النّاس فقال: أيّها النّاس، إنّه كان اسمي في الجاهليّة فلان فسمّاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله، ونزل فيّ آيات من كتاب الله. نزلت فيّ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الأحقاف/ 10) ، ونزلت فيّ قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (الرعد/ 43) إنّ لله سيفا مغمودا عنكم، وإنّ الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الّذي نزل فيه نبيّكم، فالله الله في هذا الرّجل أن تقتلوه، فو الله إن قتلتموه، لتطردنّ جيرانكم الملائكة ولتسلّنّ سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة، قال: فقالوا: اقتلوا اليهوديّ واقتلوا عثمان) * «1» . 4- * (لمّا ضرب ابن ملجم- لعنه الله- عليّا- رضي الله عنه- دخل منزله فاعترته غشية، ثمّ أفاق فدعا الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- وقال: أوصيكما بتقوى الله تعالى والرّغبة في الآخرة والزّهد في الدّنيا ولا تأسفا على شيء فاتكما منها، فإنّكما عنها راحلان، افعلا الخير وكونا للظّالم خصما، وللمظلوم عونا، ثمّ دعا محمّدا ولده وقال له: أما سمعت ما أوصيت به أخويك، قال: بلى. قال: فإنّي أوصيك به) * «2» . 5- * (قال الشّيخ أبو بكر الطّرطوشيّ «3» رحمة الله تعالى عليه- دخلت على الأفضل بن أمير الجيوش، وهو أمير على مصر فقلت: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردّ السّلام على نحو ما سلّمت ردّا جميلا، وأكرمني إكراما جزيلا، أمرني بدخول مجلسه وأمرني بالجلوس فيه، فقلت: أيّها الملك إنّ الله تعالى قد أحلّك محلّا عليّا شامخا، وأنزلك منزلا شريفا باذخا، وملّكك طائفة من ملكه، وأشركك في حكمه، ولم يرض أن يكون أمر أحد فوق أمرك، فلا ترض أن يكون أحد أولى بالشّكر منك، وليس الشّكر باللّسان، وإنّما هو بالفعال والإحسان، قال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً (سبأ/ 13) واعلم أنّ هذا الّذي أصبحت فيه من الملك إنّما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عنك بمثل ما صار إليك، فاتّق الله فيما خوّلك من هذه الأمّة فإنّ الله تعالى سائلك عن الفتيل والنّقير والقطمير «4» ، قال الله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر/ 92- 93) وقال تعالى: وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ   (1) الترمذي (3256 و3803)) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. (2) المستطرف (1/ 123) . (3) هو محمد بن الوليد بن محمد بن خلف الرشي الفهري الأندلسي- أبو بكر- الطرطوشي، ويقال له ابن أبي رندقة، أديب من فقهاء المالكية، الحفاظ، من أهل طرطوشة بشرقي الأندلس، رحل إلى المشرق سنة (476 هـ) من كتبه: سراج الملوك، والفتن، والحوادث والبدع، وغيرها، توفي سنة (520 هـ/ 1126 م) . (4) القطمير: القطمير بكسر القاف هو شق النواة، أو القشرة التي فيها، أو القشرة الرقيقة بين النواة والتمرة أو النكتة البيضاء في ظهرها. والنقير: النكتة في ظهر النواة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1243 خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (الأنبياء/ 47) واعلم أيّها الملك أنّ الله تعالى قد آتى ملك الدّنيا بحذافيرها سليمان بن داود عليهما السّلام، فسخّر له الإنس والجنّ والشّياطين والطّير والوحش والبهائم وسخّر الرّيح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، ثمّ رفع عنه حساب ذلك أجمع، فقال له: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (ص/ 39) فو الله ما عدّها نعمة كما عددتموها، ولا حسبها كرامة كما حسبتموها، بل خاف أن تكون استدراجا من الله تعالى ومكرا به فقال: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ (النمل/ 40) . فافتح الباب وسهّل الحجاب، وانصر المظلوم، وأغث الملهوف أعانك الله على نصر المظلوم، وجعلك كهفا للملهوف، وأمانا للخائف، ثمّ أتممت المجلس بأن قلت: قد جبت البلاد شرقا وغربا فما اخترت مملكة وارتحت إليها، ولذّت لي الإقامة فيها غير هذه المملكة، ثمّ أنشدته: والنّاس أكيس من أن يحمدوا رجلا ... حتّى يروا عنده آثار إحسان) * «1» . من فوائد (التناصر) (1) يرضي الرّبّ- عزّ وجلّ- ويسخط الشّيطان. (2) يكون في إحقاق الحقّ ورفع الظّلم عن المظلوم. (3) يعلو به جانب المؤمن ويقوى إيمانه. (4) تقوى شوكة المؤمنين ويمتنعون من أعدائهم. (5) سبب في تكوين المجتمع المسلم القويّ المتعاون. (6) يفشي المحبّة بين المؤمنين. (7) التّناصر يساعد على انتشار الحقّ وهزيمة الباطل. (8) في نصر المسلم نجاة من الذّلّة يوم العرض على الله. (9) في التّناصر نجاة من النّار. (10) في التّناصر عز للمسلمين وذل لأعدائهم.   (1) المستطرف (1/ 125) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1244 التهليل الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 38/ 2 التهليل لغة: مصدر هلّل وهو مأخوذ من مادّة (هـ ل ل) الّتي تدلّ على رفع الصّوت ثمّ يتوسّع فيه. فيسمّى الشّيء الّذي يصوّت عنده ببعض ألفاظ الهاء واللّام (المضعّفة) ثمّ يشبّه بهذا المسمّى غيره فيسمّى به والأصل قولهم: أهلّ بالحجّ رفع صوته بالتّلبية، واستهلّ الصّبيّ صارخا صوّت عند ولادته، قال ابن أحمر في الإهلال: يهلّ بالفرقد ركبانها ... كما يهلّ الرّاكب المعتمر ويقال: انهلّ المطر في شدّة صوبه وصوته انهلالا. وقال الرّاغب: والإهلال رفع الصّوت عند رؤية الهلال، ثمّ استعمل لكلّ صوت وبه شبّه إهلال الصّبيّ، وقوله عزّ وجلّ: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ (البقرة/ 173) أي ما ذكر عليه غير اسم الله وهو ما كان يذبح لأجل الأصنام، وقيل الإهلال والتهلّل أن يقول: لا إله إلّا الله، ومن هذه الجملة ركّبت هذه اللّفظة كقولهم التّبسمل والبسملة، والتّحوقل والحوقلة إذا قال: بسم الله الرّحمن الرّحيم، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، ومنه الإهلال بالحجّ، وتهلّل السّحاب ببرقه تلألأ ويشبّه في ذلك بالهلال، وثوب مهلّل خفيف النّسج، ومنه شعر مهلهل أي رقيق، والخلاصة أنّ اشتقاق التّهليل فيه لعلماء العربيّة رأيان: الأوّل: أنّه مصدر ل «هلّل» الّتي تدلّ على الصّوت. الآخر: أنّه مصدر لفعل منحوت من قوله «لا إله إلّا الله» «1» . هلّل الرّجل، أي قال: لا إله إلّا الله. ويقال: قد أكثرت من الهيللة أي من قول: لا إله إلّا الله، وكذا قولهم: قد أخذنا في الهيللة، إذا أخذوا في التّهليل، وهو مثل قولهم: حوقل الرّجل وحولق إذا قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، وكذا حيعل الرّجل إذا قال حيّ على الصّلاة. قال الخليل: العرب تفعل هذا إذا كثر استعمالهم للكلمتين ضمّوا بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى. قال أبو العبّاس: أربع كلمات هي الحوقلة، والبسملة، والسّبحلة، والهيللة، أحرفها جاءت هكذا، قيل له: فالحمدلة؟ قال: لا وأنكره، يقال أيضا: أهلّ الرّجل أي رفع صوته بذكر الله تعالى عن نعمة أو رؤية شيء يعجبه «2» . التهليل اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات هذا اللّفظ: بيد أنّه من الممكن أن نستخلص ذلك من جملة أقوال اللّغويّين فنقول: التّهليل: أن يرفع المسلم صوته بقول لا إله إلّا الله. انظر تفاصيل تعريف ذلك في صفة «التّوحيد» . [للاستزادة: انظر صفات: التسبيح- التكبير- التوحيد- الحمد- الحوقلة- الذكر- الكلم الطيب- تعظيم الحرمات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الشرك- الإعراض- الغفلة- الكفر- اللغو- اللهو واللعب] .   (1) مقاييس اللغة (6/ 11) ، مفردات الراغب (ص 544) . (2) لسان العرب (8/ 4688- 4692) . والصحاح (6/ 1851- 1853) . والمصباح المنير (2/ 639) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1245 الآيات الواردة في «التهليل» 1- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «1» 2- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «2» 3- إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) «3» 4- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) «4»   (1) الرعد: 30 مدنية (2) الأنبياء: 87 مكية (3) الصافات: 35 مكية (4) محمد: 19 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1246 الأحاديث الواردة في (التهليل) 1- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثمّ شهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فذلك قوله يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (إبراهيم/ 27) » ) *» . 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قال المؤذّن: الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. ثمّ قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله. قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله. ثمّ قال: حيّ على الصّلاة. قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: حيّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، ثمّ قال: الله أكبر الله أكبر. قال: الله أكبر الله أكبر. ثمّ قال: لا إله إلّا الله. قال: لا إله إلّا الله من قلبه دخل الجنّة» ) * «2» . 3- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ممّا تذكرون من جلال الله، التّسبيح والتّهليل والتّحميد ينعطفن حول العرش لهنّ دويّ كدويّ النّحل. تذكّر بصاحبها، أما يحبّ أحدكم أن يكون له (أو لا يزال له) من يذكّر به؟» ) * «3» . 4- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يا رسول الله ذهب أهل الدّثور بالأجور. يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضول أموالهم. قال: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» . قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «4» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: إنّ هذه الآية الّتي في القرآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) قال في التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين «5» ، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى   (1) البخاري- الفتح 3 (1369) . (2) مسلم (385) . (3) ابن ماجة (3809) في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. (4) مسلم (1006) . (5) الأميين: العرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1247 يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا وقلوبا غلفا) * «1» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستّين وثلاثمائة مفصل فمن كبّر الله وحمد الله وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق النّاس أو شوكة أو عظما عن طريق النّاس، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك السّتّين والثّلاثمائة السّلامى «2» فإنّه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النّار» ) * «3» . 7- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر. لا يضرّك بأيّهنّ بدأت ولا تسمّينّ غلامك يسارا، ولا رباحا، ولا نجيحا، ولا أفلح. فإنّك تقول: أثمّ هو؟ فلا يكون. فيقول: لا إنّما هنّ أربع فلا تزيدنّ عليّ» ) * «4» . 8- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبّح به فقال: «أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل» فقال: «سبحان الله عدد ما خلق في السّماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلّا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله مثل ذلك» ) * «5» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الدّعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنّبيّون من قبلي لا إله إلّا الله وحده لا شريك له» ) * «6» . 10- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الذّكر لا إله إلّا الله، وأفضل الدّعاء الحمد لله» ) * «7» . 11- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص-   (1) البخاري- الفتح 8 (4838) . (2) السلامى: كالحبارى، عظام صغار طول الإصبع في اليد والرجل وجمعه سلاميات. (3) مسلم (1007) . (4) مسلم (2137) . والبخاري تعليقا: الفتح (11/ 566) . (5) أبو داود (1500) وهذا لفظه. والترمذي (3568) وقال: حسن غريب. وذكره النووي في الأذكار (62) . وعزاه للترمذي ونقل تحسينه، وقال مخرجه: قال الحافظ: حديث صحيح. (6) الموطأ مرسلا (ص 188) وهذا لفظه، وقال ابن عبد البر: روي موصولا من طرق. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (4/ 6) : الحديث ثابت بمجموع الشواهد (وقد ذكر له عدة شواهد، فانظرها هناك) . وكذلك في المشكاة (2598) وقال: رواه الترمذي وحسنه في بعض الروايات. وقال: هو كما قال باعتبار شاهده. وهو حديث مالك المذكور. (7) الترمذي (2333) ، وابن ماجة (3800) وهذا لفظه، وذكره في المشكاة (2306) ، وقال الألباني (2/ 714) : حسنه الترمذي وهو كما قال. وكذلك في صحيح الجامع (1/ 362) رقم (1115) وعزاه للترمذي والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان والمستدرك وهو في الصحيحة (3/ 484) رقم (1497) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1248 رضي الله عنهما- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء رجل من أهل البادية عليه جبّة سيجان «1» مزرورة بالدّيباج فقال: «ألا إنّ صاحبكم هذا قد وضع كلّ فارس ابن فارس» أو قال: «يريد أن يضع كلّ فارس ابن فارس، ويرفع كلّ راع ابن راع. قال: فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمجامع جبّته، وقال: «ألا أرى عليك لباس من لا يعقل!» ثمّ قال: «إنّ نبيّ الله نوحا صلّى الله عليه وسلّم لمّا حضرته الوفاة قال لابنه: إنّي قاصّ عليك الوصيّة: آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلّا الله فإنّ السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، لو وضعت في كفّة ووضعت لا إله إلّا الله في كفّة، رجحت بهنّ لا إله إلّا الله ولو أنّ السّماوات السّبع والأرضين السّبع، كنّ حلقة مبهمة قصمتهنّ لا إله إلّا الله وسبحان الله، وبحمده، فإنّها صلاة كلّ شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشّرك والكبر» ، قال: قلت أو قيل: يا رسول الله هذا الشّرك قد عرفناه، فما الكبر؟ قال: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: «لا» ، قال: هو أن يكون لأحدنا حلّة يلبسها؟، قال: «لا» ، قال: الكبر هو أن يكون لأحدنا دابّة يركبها؟ قال: «لا» ، قال:، فهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟. قال: «لا» ، قيل يا رسول الله، فما الكبر؟ قال: «سفه الحقّ وغمص «2» النّاس» ) * «3» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا يعني ورجل قائم يصلّي فلمّا ركع وسجد وتشهّد دعا فقال في دعائه: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «تدرون بم دعا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «4» . 13- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول: «اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي، اغفرلي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. من قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) * «5» .   (1) السيجان: جمع ساج وهو الطيلسان الأخضر، وقيل: هو الطيلسان المقوّر، ينسج كذلك. (2) غمص الناس: احتقارهم والتهاون بحقهم- القاموس «غمص» . (3) أحمد (2/ 170) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (8/ 87) حديث (6583) . والبخاري في الأدب المفرد (80، 81) . وغمص الناس: (احتقارهم والتهاون بحقهم) . (4) النسائي (3/ 25) وذكره الألباني في الصحيح منه (1/ 279) حديث (1233) وهذا لفظه وقال: صحيح. وابن ماجة (3858) . (5) البخاري- الفتح 11 (6306) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1249 14- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين، فإنّه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قطّ إلّا استجاب الله له» ) * «1» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال أبو بكر- رضي الله عنه-: يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت؟ قال: «قل اللهمّ عالم الغيب والشّهادة فاطر السّماوات والأرض ربّ كلّ شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلّا أنت، أعوذ بك من شرّ نفسي ومن شرّ الشّيطان وشركه» قال: «قله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك» ) * «2» . 16- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. الله أكبر كبيرا. والحمد لله كثيرا. سبحان الله ربّ العالمين. لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» . قال: فهؤلاء لربّي فما لي؟ قال: قل: «اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «3» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس» ) * «4» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله، من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلّا الله خالصا من قلبه أو نفسه» ) * «5» . 19- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمّد أقرأ أمّتك منّي السّلام، وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء، وأنّها قيعان، وأنّ غراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ) * «6» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك. إلّا غفر له ما كان في مجلسه ذلك» ) * «7» .   (1) الترمذي (3505) وهذا لفظه. والحاكم (1/ 105) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والطبراني في الدعاء (2/ 838) وقال مخرجه: إسناده حسن. وقال الحافظ في الفتح: رواه النسائي والحاكم (11/ 225) . (2) أبي داود (5067) . والترمذي (3392) واللفظ له وقال: حسن صحيح. (3) مسلم (2696) . (4) مسلم (2695) . (5) البخاري- الفتح 1 (99) . (6) الترمذي (3462) وقال: حسن غريب. وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: حسن لشواهده وهو في المسند وصحيح ابن حبان والطبراني (64) . (7) الترمذي (3433) وهذا لفظه وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه. وعزاه شاكر إلى النسائي في عمل اليوم والليلة (ص/ 134) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1250 21- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ «1» من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير. الحمد الله وسبحان الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، ثمّ قال: اللهمّ اغفرلي أو. دعا. استجيب. فإن توضّأ قبلت صلاته» ) * «2» . 22- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، اللهمّ اجعلني من التّوّابين واجعلني من المتطهّرين. فتحت له ثمانية أبواب الجنّة يدخل من أيّها شاء» ) * «3» . 23- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال أستغفر الله العظيم الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه (ثلاثا) غفرت له ذنوبه وإن كان فرّ من الزّحف» ) * «4» . 24- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع المؤذّن: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. وأنّ محمّدا عبده ورسوله. رضيت بالله ربّا وبمحمّد رسولا وبالإسلام دينا. غفر له ذنبه» ) * «5» . 25- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يصبح: اللهمّ أصبحنا نشهدك، ونشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك بأنّك لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّدا عبدك ورسولك، إلّا غفر له ما أصاب في يومه ذلك، وإن قالها حين يمسي غفر الله له ما أصاب في تلك اللّيلة من ذنب» ) * «6» . 26- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير عشر مرار. كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل» ) * «7» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من قال لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كلّ شيء   (1) تعارّ: أي استيقظ مع صوت، وقيل: هو التمطي والتقلب في الفراش ليلا، وقيل: انتبه. (2) البخاري- الفتح 3 (1154) . (3) الترمذي (55) وهذا لفظه وصححه الشيخ أحمد شاكر كما في (1/ 79) . ومسلم (234) بسياق مختلف وليس فيه (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) . (4) الترمذي (3397) وفيه زيادة. وأبو داود (1517) من حديث بلال بن يسار بن زيد مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والحاكم (1/ 511) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وهذا لفظه. (5) مسلم (386) . (6) الترمذي (3501) ، وله طريق أخرى بمعناه عند أبي داود (5069) ، وينظر أيضا: النسائي في عمل اليوم والليلة ص 21. (7) البخاري- الفتح 11 (6404) وفيه (كمن أعتق رقبه) . ومسلم (2693) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1251 قدير. في يوم مائة مرّة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيّئة وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك حتّى يمسي، ولم يأت أحد أفضل ممّا جاء به إلّا أحد عمل أكثر من ذلك. ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة حطّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر» ) * «1» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ .. الحديث وفيه: «حتّى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النّار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممّن أراد الله تعالى أن يرحمه، ممّن يقول: لا إله إلّا الله. فيعرفونهم في النّار يعرفونهم بأثر السّجود. تأكل النّار من ابن آدم إلّا أثر السّجود. حرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود. فيخرجون من النّار وقد امتحشوا» فيصبّ عليهم ماء الحياة فينبتون منه «3» كما تنبت الحبّة في حميل السّيل «4» ... الحديث) * «5» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ به وهو يغرس غرسا فقال يا أبا هريرة: «ما الّذي تغرس؟» قلت: غراسا لي. قال: «ألا أدلّك على غراس خير لك من هذا؟» قال: بلى يا رسول الله! قال: «قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر. يغرس لك بكلّ واحدة شجرة في الجنّة» ) * «6» . 30- * (عن أمّ رافع- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله! دلّني على عمل يأجرني الله عزّ وجلّ عليه؟ قال: يا أمّ رافع إذا قمت إلى الصّلاة فسبّحي الله تعالى عشرا وهلّليه عشرا واحمديه عشرا وكبّريه عشرا واستغفريه عشرا. فإنّك إذا سبّحت قال: هذا لي، وإذا هلّلت قال: هذا لي، وإذا حمدت قال: هذا لي، وإذا كبّرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال: قد فعلت) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6403) . ومسلم (2691) واللفظ له. (2) قد امتحشوا: معناه: احترقوا. (3) فينبتون منه: معناه ينبتون بسببه. (4) كما تنبت الحبة في حميل السيل: الحبة هي بذر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول. وجمعها حبب. وحميل السيل ما جاء به السيل من طين أو غثاء، ومعناه محمول السيل. والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته. (5) مسلم (182) . (6) ابن ماجة (3807) وقال في الزوائد: إسناده حسن. (7) ابن السني في اليوم والليلة (105) . وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: قال الحافظ ابن حجر: حديث حسن ورجاله موثقون (97) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1252 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التهليل) 31- * (عن زينب بنت جحش- رضي الله عنها- أنّها قالت: استيقظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من النّوم محمرّا وجهه، وهو يقول: «لا إله إلّا الله، ويل للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وعقد سفيان تسعين أو مائة- قيل: أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» ) * «1» . 32- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت. اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك لا إله إلّا أنت أن تضلّني. أنت الحيّ الّذي لا يموت. والجنّ والإنس يموتون» ) * «2» . 33- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان إذا استيقظ من اللّيل قال: «لا إله إلّا أنت سبحانك اللهمّ أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب» ) * «3» . 34- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ أسألك خير هذه اللّيلة، وأعوذ بك من شرّ هذه اللّيلة وشرّ ما بعدها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر) * «4» . 35- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهنّ ويقولهنّ عند الكرب، يعني «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم «5» ، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «6» . 36- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا قفل من غزو أو حجّ أو عمرة يكبّر على كلّ شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثمّ يقول: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده؛ وهزم الأحزاب وحده» ) * «7» . 37- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في دبر كلّ صلاة إذا   (1) البخاري- الفتح 13 (7059) واللفظ له. ومسلم (2280) . (2) البخاري- الفتح 13 (7383) . ومسلم (2717) واللفظ له. (3) أبو داود (5061) والحاكم (1/ 540) وصححه وأقره الذهبي. وذكره النووي في الأذكار وعزاه مخرجه (67) إلى ابن حبان رقم (5531) . (4) مسلم (2723) . والكبر بسكون الباء وفتحها. (5) يروى بضم العظيم على أنه صفة لله- عزّ وجل- ويروى بالجر صفة للعرش وكذلك الكريم. (6) البخاري- الفتح 13 (7426) . ومسلم (2730) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 11 (6385) واللفظ له. ومسلم (1342) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1253 سلّم: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» ) * «1» . 38- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت لعاصم بن حميد، لمّا سألها بم كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستفتح قيام اللّيل: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك. كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكبّر عشرا ويحمد عشرا ويسبّح عشرا ويهلّل عشرا ويستغفر عشرا ويقول: «اللهمّ اغفرلي واهدني وارزقني وعافني. أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة» ) * «2» . من الآثار الواردة في (التهليل) 1- * (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّه كان لا يؤتى أبدا بطعام ولا شراب، حتّى الدّواء فيطعمه أو يشربه، إلّا قال: الحمد لله الّذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعّمنا. الله أكبر. اللهمّ ألفتنا نعمتك بكلّ شرّ، فأصبحنا منها وأمسينا بكلّ خير. نسألك تمامها وشكرها. لا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، إله الصّالحين، ربّ العالمين، الحمد لله ولا إله إلّا الله ما شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله، اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النّار) * «3» . 2- * (قال ميمون بن مهران- رحمه الله تعالى- الذّكر ذكران: ذكر الله باللّسان حسن، وأفضل من ذلك أن يذكر الله العبد عند المعصية فيمسك عنها) » * «4» . من فوائد (التهليل) (1) فيه مغضبة للشّيطان ومرضاة للرّحمن. (2) فيه تحصيل للثّواب وأمن من العذاب. (3) التّهليل من العبد يقرّبه من الله ويكون كدويّ النّحل حول العرش. (4) التّهليل يفتح الأعين العمي والآذان الصّمّ والقلوب الغلف. (5) فيه تأسّ بأخلاق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. (6) فيه تكفير للسّيّئات.   (1) البخاري- الفتح 11 (6330) . ومسلم (593) . (2) النسائي (3/ 209) وهذا لفظه وقال الألباني: حسن صحيح (1/ 356) رقم (1525) . وأبو داود (5085) . وابن ماجة (1356) . وذكره النووي في أذكاره وقال مخرجه: إسناده حسن (67) . (3) الموطأ (934- 935) . (4) الورع لابن أبي الدنيا (58) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1254 التواضع الآيات/ الأحاديث/ الآثار 8/ 43/ 15 التواضع لغة: مصدر تواضع أي أظهر الضّعة، وهو مأخوذ من مادّة (وض ع) الّتي تدلّ على الخفض للشّيء وحطّه، يقال: وضعته بالأرض وضعا، ووضعت المرأة ولدها. والوضائع قوم ينقلون من أرض إلى أرض يسكنون بها، والوضيع الرّجل الدّنيّ، والدّابة تضع في سيرها وضعا وهو سير سهل يخالف المرفوع قال الشّاعر: «1» مرفوعها زول وموضوعها ... كمرّ صوب لجب وسط ريح وقال الرّاغب في مفرداته: الوضع أعمّ من الحطّ ومنه الموضع قال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ* (النساء/ 46) و (المائدة/ 13) وقد يستعمل هذا في الإيجاد والخلق كما في قوله سبحانه وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (الرحمن/ 10) . ويقال رجل وضيع بيّن الضّعة في مقابل: رفيع بيّن الرّفعة، وقال في الصّحاح «ووضع الرّجل (بالضم) يوضع ضعة وضعة أي صار وضيعا، ووضع منه فلان أي حطّ من درجته والتّواضع التّذلّل، والاتّضاع أن تخفض رأس البعير لتضع قدمك على عنقه فتركب قال الكميت: إذا اتّضعونا كارهين لبيعة ... أنا خوا لأخرى والأزمّة تجذب ورجل موضّع أي مطّرح ليس بمستحكم الخلق «2» . قلت: وصيغة تفاعل من هذا الأصل تدلّ على الإظهار كما في تغافل بمعنى أظهر الغفلة وإن لم يكن غافلا على الحقيقة وكما في تعامى أي أظهر العمى، وتباكى أظهر البكاء، ومن هنا تكون صفة التّواضع سمة لمن أظهر الضّعة والذّلّ لله ورسوله والمؤمنين وإن كان المرء عزيزا في نفسه كما قال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (المائدة/ 54) . واصطلاحا: إظهار التّنزّل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه، وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله، وفي الرّسالة القشيريّة: التّواضع هو الاستسلام للحقّ وترك الاعتراض في الحكم «3» . درجات التواضع : للتّواضع ثلاث درجات: الأولى: التّواضع للدّين، وهو أن لا يعارض بمعقول منقولا. ولا يتّهم للدّين دليلا، ولا يرى إلى الخلاف سبيلا. والتّواضع للدّين: هو الانقياد لما جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والاستسلام له والإذعان وذلك بثلاثة أشياء: الأوّل: أن لا يعارض شيئا ممّا جاء به بشيء من المعارضات الأربعة السّارية في العالم، المسمّاة بالمعقول، والقياس، والذّوق، والسّياسة. الثّاني: أن لا يتّهم دليلا من أدلّة الدّين، بحيث يظنّه فاسد الدّلالة، أو ناقص الدّلالة أو قاصرها، أو أنّ غيره كان أولى منه. ومتى عرض له شيء من ذلك فليتّهم فهمه، وليعلم أنّ الآفة منه، والبليّة فيه، كما قيل: وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السّقيم ولكن تأخذ الأذهان منه ... على قدر القرائح والفهوم   (1) البيت ينسب إلى طرفة بن العبد (ديوانه ص 171) تحقيق د. الجندي. (2) المقاييس لابن فارس (6/ 118) ، والمفردات (525 وما بعدها) ، والصحاح (3/ 1300) . (3) مدارج السالكين (6/ 134) . وفتح الباري (11/ 341) ، دليل الفالحين لابن علان (3/ 50) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1255 وهكذا في الواقع حقيقة: أنّه ما اتّهم أحد دليلا للدّين إلّا وكان المتّهم هو الفاسد الذّهن، المأفون في عقله وذهنه. فالآفة من الذّهن العليل لا في نفس الدّليل. وإذا رأيت من أدلّة الدّين ما يشكل عليك، وينبو فهمك عنه فاعلم أنّه لعظمته وشرفه استعصى عليك، وأنّ تحته كنزا من كنوز العلم، فلم تؤت مفتاحه بعد، هذا في حقّ نفسك. وأمّا بالنّسبة إلى غيرك، فاتّهم آراء الرّجال على نصوص الوحي وليكن ردّها أيسر شيء عليك للنّصوص، فما لم تفعل ذلك فلست على شيء. قال الشّافعيّ: أجمع المسلمون على أنّ من استبانت له سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يحلّ له أن يدعها لقول أحد «1» . الثّالث: أن لا يجد إلى خلاف النّصّ سبيلا ألبتّة، لا بباطنه، ولا بلسانه، ولا بفعله، ولا بحاله؛ بل إذا أحسّ بشيء من الخلاف فهو كخلاف المقدم على الزّنا، وشرب الخمر، وقتل النّفس. بل هذا الخلاف أعظم عند الله من ذلك، وهو داع إلى النّفاق وهو الّذي خافه الكبار والأئمّة على نفوسهم. الدّرجة الثّانية: أن ترضى بما رضي الحقّ به لنفسه عبدا من المسلمين أخا، وأن لا تردّ على عدوّك حقّا، وأن تقبل من المعتذر معاذيره. ومعنى: أن لا تردّ على عدوّك حقّا: أي لا تصحّ لك درجة التّواضع حتّى تقبل الحقّ ممّن تحبّ وممّن تبغض، فتقبله من عدوّك، كما تقبله من وليّك. الدّرجة الثّالثة: أن تتّضع للحقّ، فتنزل عن رأيك وعوائدك في الخدمة، ورؤية حقّك في الصّحبة، وعن رسمك في المشاهدة. وحاصل ذلك: أن تعبد الحقّ سبحانه بما أمرك به على مقتضى أمره لا على ما تراه من رأيك ولا يكون الباعث لك داعي العادة، وأن لا يكون باعثك على العبوديّة مجرّد رأي وموافقة هوى ومحبّة وعادة؛ بل الباعث مجرّد الأمر. والرّأي والمحبّة والهوى والعوائد منفّذة تابعة لا أنّها مطاعة باعثة. وأمّا نزوله عن رؤية حقّة في الصّحبة فمعناه: أن لا يرى لنفسه حقّا على الله لأجل عمله فمتى رأى لنفسه عليه حقّا فسدت الصّحبة «2» . الفرق بين التواضع والذل والمهانة: والفرق بين التّواضع والمهانة (أو الذّلّ) أنّ التّواضع يتولّد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبّته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولّد من ذلك كلّه خلق هو التّواضع وهو انكسار القلب لله وخفض جناح الذّلّ والرّحمة لعباده فلا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقّا بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنّما يعطيه الله عزّ وجلّ من يحبّه ويكرّمه ويقرّبه «3» . وأمّا المهانة (الذّلّ) فهي الدّناءة والخسّة وبذل النّفس أو ابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها كتواضع السّفل في نيل شهواتهم وتواضع طالب كلّ حظّ لمن يرجو نيل حظّه منه فهذا كلّه ضعة لا تواضع والله سبحانه يحبّ التّواضع ويبغض الضّعة والمهانة «4» . والتّواضع المحمود على نوعين:- النّوع الأوّل: تواضع العبد عند أمر الله امتثالا وعند نهيه اجتنابا فإنّ النّفس لطلب الرّاحة تتلكأ في أمره فيبدو منها نوع إباء وشرود هربا من العبوديّة وتثبت عند نهيه طلبا للظّفر بما منع منه، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله   (1) انظر صفات: الاتباع والابتداع والعبادة والمحبة. (2) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 348- 351) . (3) انظر صفات: معرفة الله والإخبات والخوف والخشية والخشوع. (4) انظر صفات الذل والمعصية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1256 ونهيه فقد تواضع للعبوديّة. والنّوع الثّاني: تواضع لعظمة الرّبّ وجلاله وخضوعه لعزّته وكبريائه فكلّما شمخت نفسه ذكر عظمة الرّبّ تعالى وتفرّده بذلك وغضبه الشّديد على من نازعه ذلك فتواضعت إليه نفسه وانكسر لعظمة الله قلبه واطمأنّ لهيبته، وأخبت لسلطانه، فهذا غاية التّواضع، وهو يستلزم الأوّل من غير عكس، والمتواضع حقيقة من رزق الأمرين معا «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإخبات- الأدب- إفشاء السلام- الإنابة- البشاشة- الحياء- الخشوع- الرضا- الزهد- السماحة- طلاقة الوجه- الطمأنينة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الابتداع- التكلف- الجفاء- الذل- الكبر والعجب- الغرور- الطغيان- العتو] . الآيات الواردة في «التواضع» معنى 1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «2» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «3» 3- لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) «4» 4- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «5» 5- وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) «6» 6- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) «7» 7- وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) «8» 8- وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) »   (1) الروح لابن القيم، ص 210- 211. (2) آل عمران: 159 مدنية (3) المائدة: 54 مدنية (4) الحجر: 88 مكية (5) الإسراء: 23- 24 مكية (6) الإسراء: 37 مكية (7) الفرقان: 63 مكية (8) الشعراء: 215 مكية (9) لقمان: 18 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1257 الأحاديث الواردة في (التواضع) 1- * (عن ركب المصريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طوبى لمن تواضع في غير منقصة «1» ، وذلّ في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذّلّ والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة. طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن النّاس شرّه، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله» ) * «2» . 2- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا» ... الحديث، وفيه: «وإنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» ) * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من امرئ إلّا وفي رأسه حكمة «4» والحكمة بيد ملك إن تواضع قيل للملك: ارفع الحكمة، وإن أراد أن يرفع قيل للملك: ضع الحكمة أو حكمته» ) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله» ) * «6» . 5- * (عن معاذ بن أنس الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ترك اللّباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتّى يخيّره من أيّ حلل الإيمان شاء يلبسها» ) * «7» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذّهب، جاءني ملك إنّ حجزته «8» لتساوي الكعبة، فقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام ويقول: إن شئت نبيّا عبدا. وإن شئت نبيّا ملكا. فنظرت إلى جبريل عليه السّلام. فأشار إليّ أن ضع نفسك،   (1) منقصة: أي معصية وارتكاب دنيئة. (2) الترغيب والترهيب (3/ 558) وقال: رواه الطبراني ورواته إلى نصيح ثقات. وقد حسّن الحديث أبو عمر النمري في الاستيعاب (1/ 534) ، وعنه نقل ابن حجر في الإصابة (1/ 521) ، وركب مختلف في صحبته. قال المنذري: ولا أعرف له غير هذا الحديث. (3) مسلم (2865) . (4) الحكمة- بفتحات: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه عن مخالفة راكبه. (5) الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 83) وقال: رواه البزار وإسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب، وقال: رواه الطبراني والبزار وإسنادهما حسن، وحسنه الألباني، الصحيحة (538) . (6) مسلم (2588) . (7) أحمد في المسند (3/ 439) . والترمذي (2481) واللفظ له وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني. والحاكم في المستدرك (1/ 61) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (8) الحجزة في الأصل موضع شدّ الإزار ثمّ قيل للإزار حجزة للمجاورة، يقال: احتجز الرجل بالإزار إذا شده على وسطه. انظر «النهاية» لابن الأثير (1/ 344) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1258 فقلت: نبيّا عبدا» .. الحديث) * «1» . 7- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لا أعلمه إلّا رفعه قال: يقول الله تبارك وتعالى: «من تواضع لي هكذا، (وجعل يزيد باطن كفّه إلى الأرض وأدناها) رفعته هكذا» ، (وجعل باطن كفّيه إلى السّماء ورفعهما نحو السّماء)) * «2» . الأحاديث الواردة في (التواضع) معنى 8- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ابغوني في ضعفائكم فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» ) * «3» 9- * (عن حارثة بن وهب الخزاعيّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟» قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ضعيف متضعّف لو أقسم على الله لأبرّه» . ثمّ قال: «ألا أخبركم بأهل النّار؟» قالوا: بلى. قال: «كلّ عتلّ «4» جوّاظ «5» مستكبر» ) * «6» . 10- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان يحضر أحدكم عند كلّ شيء من شأنه حتّى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللّقمة فليمط «7» ما كان بها من أذى «8» ثمّ ليأكلها، ولا يدعها للشّيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنّه لا يدري في أيّ طعامه تكون البركة» ) * «9» . 11- * (عن أبي أمامة الحارثيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البذاذة «10» من الإيمان» قال البذاذة: القضافة يعني التّقشّف. وفي لفظ لأبي داود: ذكر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما عنده الدّنيا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تسمعون، ألا تسمعون، إنّ البذاذة من الإيمان. إنّ البذاذة من الإيمان، يعني التّقحّل» ) * «11» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن   (1) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 348) وقال محققه: حديث صحيح. ذكره الهيثمي في المجمع (9/ 19) وقال: رواه أبو يعلى وإسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب (4/ 196) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن. (2) الهيثمي في المجمع (8/ 82) وقال: رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 560) وقال: رواه أحمد والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح. (3) الترمذي (1702) وقال: حديث حسن صحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 106) وأقره الذهبي. (4) العتل: الجافي الشديد الخصومة. وقيل: الفظ الغليظ. (5) الجواظ: الضخم المختال في مشيته. (6) البخاري- الفتح 01 (6071) . مسلم (2853) واللفظ له. (7) فليمط: فليزل. (8) الأذى: المستقذر من غبار وتراب ونحوه. (9) مسلم (2033) . (10) البذاذة: رثاثة الهيئة وترك الزينة والمراد التواضع في اللباس وترك التبجح به. (11) أبو داود (4161) . وابن ماجة (4118) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2/ 3324) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 680) : وهو حديث حسن. والتقحل: سوء الحال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1259 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعس «1» عبد الدّينار وعبد الدّرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس «2» وإذا شيك فلا انتقش «3» ، طوبى «4» لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرّة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في السّاقة كان في السّاقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفّع» ) * «5» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ربّ أشعث «6» مدفوع بالأبواب «7» لو أقسم على الله لأبرّه «8» » ) * «9» . 14- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كانت ناقة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسمّى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابيّ على قعود له فسبقها، فاشتدّ ذلك على المسلمين، وقالوا: سبقت العضباء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ حقّا على الله أن لا يرفع شيئا من الدّنيا إلّا وضعه» ) * «10» . 15- * (عن سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنّة وأهل النّار» ؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: «أمّا أهل النّار فكلّ جعظريّ «11» جوّاظ «12» مستكبر، وأمّا أهل الجنّة فالضّعفاء المغلوبون» ) *1» .   (1) تعس: أي انكب وعثر ومعناه الدعاء عليه. (2) انتكس: انقلب على رأسه. (3) اذا شيك فلا انتقش: أي إذا أصابته شوكة لا يستطيع إخراجها. (4) طوبى: شجرة في الجنّة. (5) البخاري- الفتح 6 (2887) . (6) أشعث: الأشعث الملبد الشعر المغبر. (7) مدفوع بالأبواب: لا قدر له عند الناس. (8) لو أقسم على الله لأبره: أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراما له بإجابة سؤاله. وهذا لعظم منزلته عند الله. (9) مسلم (2622) . (10) البخاري- الفتح 11 (6501) . قال ابن حجر تعليقا على هذا الحديث: فيه إشارة إلى الحثّ على عدم التّرفّع، والحثّ على التّواضع والإعلام بأنّ أمور الدّنيا ناقصة غير كاملة. قال ابن بطّال: فيه هوان الدّنيا على الله، والتّنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة، وأنّ كلّ شيء هان على الله فهو في محلّ الضّعة، فحقّ على كلّ ذي عقل أن يزهد فيه، ويقلّل منافسته في طلبه. وقال ابن حجر: فيه أيضا حسن خلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتواضعه لكونه رضي أنّ أعرابيّا يسابقه. وانظر في هذه التعليقات فتح الباري (11/ 349) . (11) الجعظري: الفظ الغليظ المتكبر. (12) الجواظ: المختال في مشيته. (13) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 563- 564) . وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن والحاكم في المستدرك (4/ 619) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1260 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التواضع) 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» ) * «1» . 17- * (قال ابن الزّبير لابن جعفر- رضي الله عنهم-: «أتذكر إذ تلقّينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا وأنت وابن عبّاس؟ قال: نعم فحملنا وتركك» ) * «2» . 18- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: أحبّوا المساكين فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في دعائه: «اللهمّ أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة» ) * «3» . 19- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ أباه توفّي وعليه دين فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلّا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه فانطلق معي لكي لا يفحش عليّ الغرماء فمشى حول بيدر من بيادر التّمر «4» فدعا، ثمّ آخر، ثمّ جلس عليه فقال: «انزعوه» فأوفاهم الّذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم) «5» . 20- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ جدّته مليكة دعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لطعام صنعته فأكل منه ثمّ قال: «قوموا فأصلّي لكم» ، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس «6» فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين ثمّ انصرف) * «7» . 21- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- حدّث: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر له صومي، فدخل عليّ، فألقيت له وسادة من أدم، حشوها ليف، فجلس على الأرض، وصارت الوسادة بيني وبينه، فقال: «أما يكفيك من كلّ شهر ثلاثة أيّام؟» قال: قلت: يا رسول الله ... قال: «خمسا» . قلت: يا رسول الله ... قال: «سبعا» . قلت: يا رسول الله ... قال: «تسعا» . قلت: يا رسول الله ... قال: «إحدى عشرة» . ثمّ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صوم فوق صوم داود عليه السّلام: شطر الدّهر، صم يوما وأفطر يوما» ) * «8» .   (1) شرح السنة للبغوي (13/ 248) وقال محققه: للحديث شاهد يتقوى به. والهيثمي في المجمع (9/ 19) وقال: رواه أبو يعلى وإسناده حسن،. وهو في الصحيحة للألباني (544) . (2) البخاري- الفتح 6 (3082) . ومسلم (2427) . (3) الترمذي (2471) وحسنه الألباني: صحيح الترمذي (1917) . وابن ماجة (4126) وهو في الصحيحة (308) ، وإرواء الغليل (861) . (4) البيدر: الموضع الذي تداس فيه الحبوب. (5) البخاري- الفتح 6 (3580) . (6) من طول مالبس: لبس كل شيء بحسبه واللبس هنا معناه الافتراش. (7) البخاري- الفتح 3 (727) . ومسلم (658) واللفظ له. (8) البخاري الفتح 4 (1980) . ومسلم (1159) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1261 22- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركب على حمار على إكاف عليه قطيفة فدكيّة وأردف أسامة وراءه) * «1» . 23- * (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقي الزّبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا «2» قافلين من الشّام، فكسا الزّبير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر ثياب بياض. وسمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكّة، فكانوا يغدون كلّ غداة إلى الحرّة فينتظرونه، حتّى يردّهم حرّ الظّهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم، فلمّا أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه مبيّضين يزول بهم السّراب، فلم يملك اليهوديّ أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدّكم الّذي تنتظرون. فثار المسلمون إلى السّلاح، فتلقّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات اليمين حتّى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل، فقام أبو بكر للنّاس، وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممّن لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحيّي أبا بكر، حتّى أصابت الشّمس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبل أبو بكر حتّى ظلّل عليه بردائه، فعرف النّاس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك فلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسّس المسجد الّذي أسّس على التّقوى، وصلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ركب راحلته، فسار يمشي معه النّاس، حتّى بركت عند مسجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، وهو يصلّي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتّمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بركت به راحلته «: هذا إن شاء الله المنزل» . ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغلامين فساومهما بالمربد ليتّخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقبله منهما هبة حتّى ابتاعه منهما، ثمّ بناه مسجدا، وطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينقل معهم اللّبن في بنيانه ويقول- وهو ينقل اللّبن: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربّنا وأطهر ويقول: اللهمّ إنّ الأجر أجر الآخره ... فارحم الأنصار والمهاجره فتمثّل بشعر رجل من المسلمين لم يسمّ لي) * «3» . 24- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه مرّ على صبيان فسلّم عليهم وقال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله» ) * «4» . 25- * (عن أبي بردة- رضي الله عنه- قال:   (1) البخاري- الفتح 10 (5964) . (2) رجل تاجر والجمع تجار- بالكسر والتخفيف- وتجّار- بالضم والتشديد، وتجر- بالفتح والسكون-. (3) البخاري- الفتح 7 (3906) . (4) البخاري- الفتح 11 (6247) واللفظ له. ومسلم (2168) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1262 أخرجت لنا عائشة- رضي الله عنها- كساء وإزارا غليظا، فقالت: قبض روح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذين) * «1» . 26- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية «2» شديدة فجاءوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: «أنا نازل» ثمّ قام وبطنه معصوب بحجر- ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا- فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا أهيل «3» أو أهيم. فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر. فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق. فذبحت العناق «4» وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة «5» . ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافيّ قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي «6» فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال: «كم هو؟» فذكرت له. فقال: كثير طيّب. قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي» . فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار، فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» «7» . فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال: «كلي هذا وأهدي، فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» ) * «8» . 27- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له؛ إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير) * «9» . 28- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليخالطنا حتّى يقول لأخ لي صغير «يا أبا عمير ما فعل النّغير؟ «10» » ) * «11» . 29- * (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: سأل رجل عائشة- رضي الله عنها- هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل في بيته؟ قالت: نعم. كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخصف نعله «12» ، ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته) * «13» .   (1) البخاري- الفتح 10 (5818) واللفظ له. ومسلم (2080) . (2) الكدية: القطعة الشديدة الصلبة من الأرض. (3) معصوب: مربوط وكثيبا: رملا، وأهيل: غير متماسك. (4) العناق بفتح العين وهي: أنثى المعز. (5) البرمة: القدر. (6) طعيم لي: بتشديد الياء على طريق المبالغة في تحقيره، وقالوا من تمام المعروف تعجيله وتحقيره. (7) ولا تضاغطوا: أي لا تزدحموا. (8) البخاري- الفتح 7 (4101) . ومسلم (2039) . (9) أحمد في المسند رقم (504) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (10) النغير: طائر معروف يشبه العصفور والراجح أنه طائر أحمر المنقار. (11) البخاري- الفتح 01 (6129) . ومسلم (0215) . (12) يخصف نعله: يطبق طاقة على طاقة ويخرزها. وأصل الخصف الجمع والضم. (13) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 242) وقال محققه: إسناده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1263 30- * (عن عائشة- رضي الله عنها- وقد سئلت عمّا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصنع في أهله قالت: كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة) * «1» . 31- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر الذّكر ويقلّ اللّغو ويطيل الصّلاة ويقصر الخطبة ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة) * «2» . 32- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينقل التّراب يوم الخندق حتّى اغبرّ بطنه يقول: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ويرفع بها صوته: أبينا، أبينا) * «3» . 33- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نجني الكباث «4» وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «عليكم بالأسود منه فإنّه أطيبه» . قالوا: أكنت ترعى الغنم؟ قال: «وهل من نبيّ إلّا وقد رعاها» ) * «5» . 34- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزاة فأبطأ بي جملي وأعيا، فأتى عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «جابر؟» . فقلت: نعم. قال: «ما شأنك؟» قلت: أبطأ عليّ جملي وأعيا فتخلّفت، فنزل يحجنه بمحجنه «6» . ثمّ قال: «اركب» . فركبت. فلقد رأيته أكفّه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث» ) » . 35- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سمع عمر- رضي الله عنه- يقول على المنبر: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تطروني «8» كما أطرت النّصارى ابن مريم، فإنّما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» ) * «9» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما بعث الله نبيّا إلّا رعى الغنم» فقال أصحابه: وأنت فقال: «نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة» ) * «10» . 37- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما ينبغي لعبد أن يقول إنّي خير من يونس بن متّى» ) * «11» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: الله «12» الّذي لا إله إلّا هو، إن كنت   (1) البخاري- الفتح 10 (6039) . (2) سنن النسائي (3/ 109) وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (1341) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 251) : إسناده حسن. (3) البخاري- الفتح 7 (4104) . ومسلم (1803) . (4) الكباث: النضيج من ثمر الأراك. (5) البخاري- الفتح 6 (3406) . ومسلم (2050) . (6) يحجنه بمحجنه: أي يجذبه بالمحجن وهو عصا معوجة. (7) البخاري- الفتح 4 (2097) . ومسلم (1089) . (8) والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه، وأطرى فلان فلانا إذا مدحه بما ليس فيه. (9) البخاري- الفتح 6 (3445) . (10) البخاري- الفتح 4 (2262) . (11) البخاري- الفتح 6 (3413) واللفظ له ومسلم (2377) . (12) ألله: كذا بحذف حرف الجر من القسم، قال ابن حجر: هو في روايتنا بالخفض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1264 لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ بي أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي. ثمّ قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك رسول الله، قال: الحق «1» ، ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنا في قدح، فقال: من أين هذا اللّبن؟ قالوا: أهداه لك- فلان- أو فلانة- قال: أبا هرّ، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصفّة فادعهم لي. قال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله قال: «خذ فأعطهم» ، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم فقال: «أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله. فقال: اشرب فشربت فما زال يقول: «اشرب» ، حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ، ما أجد له مسلكا، قال: «فأرني» ، فأعطيته القدح، فحمد الله وسمّى وشرب الفضلة) * «2» . 39- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا خير البريّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك إبراهيم عليه السّلام» ) * «3» . 40- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول الله إنّ لي إليك حاجة. فقال: «يا أمّ فلان انظري أيّ السّكك شئت حتّى أقضي لك حاجتك» ، فخلا معها في بعض الطّرق «4» حتّى فرغت من حاجتها) * «5» . 41- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت) * «6» . 42- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-   (1) الحق- بهمزة وصل وفتح الحاء- أي: اتبع. (2) البخاري- الفتح 11 (6452) واللفظ له ومسلم (2369) . (3) مسلم (2369) . (4) ومعنى خلا معها في بعض الطرق: أي وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة. ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية؛ فإن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها لكن لا يسمعون كلامها لأن مسألتها مما لا يظهره. (5) مسلم (2326) . (6) البخاري- الفتح 10 (6072) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1265 قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ خير التّابعين رجل يقال له أويس وله والدة، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم» . وفي رواية: «كان عمر بن الخطّاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال نعم، قال: من مراد ثمّ من قرن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» ، فاستغفر لي، فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء النّاس أحبّ إليّ، قال: فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس. قال: تركته رثّ البيت، قليل المتاع. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ. لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» فأتى أويسا فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، ففطن له النّاس، فانطلق على وجهه، قال أسير: وكسوته بردة، فكان كلّما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة) * «1» . 43- عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آية «2» ... الحديث وفيه: «وإنّه- أي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ... فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: «ما يبكيك؟» فقلت: يا رسول الله، إنّ كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: «أما ترضى أن تكون لهم الدّنيا ولنا الآخرة» ) * «3» .   (1) مسلم (2542) . (2) وهي قوله تعالى إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (التحريم/ 4) وقد سأله ابن عباس عن هاتين المرأتين من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم اللتين تظاهرتا عليه فأجابه عمر بأنهما حفصة وعائشة. (3) البخاري- الفتح 8 (4913) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1266 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التواضع) معنى 1- * (قال المسيح- عليه السّلام-: طوبى للمتواضعين في الدّنيا، هم أصحاب المنابر يوم القيامة، طوبي للمصلحين بين النّاس في الدّنيا، هم الّذين يرثون الفردوس يوم القيامة) * «1» . 2- * (قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- وجدنا الكرم في التّقوى، والغنى في اليقين، والشّرف في التّواضع» ) * «2» . 3- * (خرج عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى الشّام ومعه أبو عبيدة بن الجرّاح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفّيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا؟ تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟. ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوّه «3» ، لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم إنّا كنّا أذّل قوم فأعزّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله) * «4» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «تغفلون أفضل العبادة: التّواضع» ) * «5» . 5- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه أنّه قال له سلمان- رضي الله عنه-: «يا جرير تواضع لله. فإنّ من تواضع لله في الدّنيا رفعه الله يوم القيامة» ) * «6» . 6- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من تواضع لله تخشّعا رفعه الله يوم القيامة.، ومن تطاول تعظّما وضعه الله يوم القيامة» ) * «7» . 7- * (سئل الحسن البصريّ عن التّواضع. فقال: «التّواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلّا رأيت له عليك فضلا» ) * «8» . 8- * (قيل لعبد الملك بن مروان: «أيّ الرّجال أفضل؟ قال: من تواضع من قدرة، وزهد عن رغبة» ) * «9» . 9- * (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله-: «رأس التّواضع أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدّنيا حتّى تعلمه أنّه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمّن هو فوقك في الدّنيا حتّى   (1) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 341) . (2) إحياء علوم الدين (3/ 343) . (3) أوه: كلمة توجع وتضجر. (4) الحاكم في المستدرك (1/ 62) وصححه ووافقه الذهبي. (5) وكيع في الزهد (2/ 463) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح. (6) وكيع في الزهد (2/ 466) . ورجاله ثقات. (7) أخرجه وكيع في الزهد (2/ 467) . (8) إحياء علوم الدين (342) . (9) إحياء علوم الدين (3/ 342) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1267 تعلمه أنّه ليس له بدنياه عليك فضل» ) * «1» . 10- * (سئل الفضيل بن عياض- رحمه الله عن التّواضع؟ فقال: «يخضع للحقّ، وينقاد له ويقبله ممّن قاله، ولو سمعه من صبيّ قبله، ولو سمعه من أجهل النّاس قبله» ) * «2» . 11- * (قال كعب: «ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدّنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلّا أعطاه الله نفعها في الدّنيا، ورفع بها درجة في الآخرة» ) * «3» . 12- * (قال الجنيد بن محمّد: «التّواضع هو خفض الجناح ولين الجانب» ) * «4» . 13- * (قال عروة بن الورد: «التّواضع أحد مصايد الشّرف، وكلّ نعمة محسود عليها صاحبها إلّا التّواضع» ) * «5» . 14- * (عن عمرو بن شيبة؛ قال: «كنت بمكّة بين الصّفا والمروة فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان يعنّفون النّاس. قال: ثمّ عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر فإذا أنا برجل جاف حاسر طويل الشّعر. قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله، فقال لي: مالك تنظر إليّ؟. فقلت له: شبّهتك برجل رأيته بمكّة ووصفت له الصّفة، فقال له: أنا ذلك الرّجل. فقلت ما فعل الله بك؟ فقال: إنّي ترفّعت في موضع يتواضع فيه النّاس فوضعني الله حيث يترفّع النّاس» ) * «6» . 15- * (قال إبراهيم بن شيبان: «الشّرف في التّواضع، والعزّ في التّقوى، والحرّيّة في القناعة» ) * «7» . من فوائد (التواضع) (1) التّواضع خلق كريم من أخلاق المؤمنين ودليل محبّة ربّ العالمين. (2) وهو طريق موصل إلى مرضاة الله وإلى جنّته. (3) وهو السّبيل إلى القرب من الله ومن ثمّ القرب من النّاس. (4) التّواضع عنوان سعادة العبد في الدّارين. (5) يحبّ الله المتواضعين ويكلؤهم برعايته ويحيطهم بعنايته. (6) المتواضعون آمنون من عذاب الله يوم الفزع الأكبر. (7) وهو دليل على حسن الخاتمة وعلى حسن الخلق. (8) التّواضع يؤدّي إلى حصول النّصر والبركة في المال والعمر.   (1) إحياء علوم الدين (3/ 343) . (2) مدارج السالكين (2/ 342) . (3) إحياء علوم الدين (3/ 343) . (4) مدارج السالكين (2/ 342) . (5) إحياء علوم الدين (3/ 343) . (6) المرجع السابق (3/ 343) . (7) مدارج السالكين (2/ 342) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1268 التوبة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 47/ 43/ 20 التوبة لغة: التّوبة مصدر قولك: تاب يتوب وهو مأخوذ من مادّة (ت وب) الّتي تدلّ على الرّجوع، يقال: تاب من ذنبه، أي رجع عنه توبة ومتابا، والوصف منه تائب، والتّوب: ترك الذّنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الاعتذار؛ فإنّ الاعتذار على ثلاثة أوجه: إمّا أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول فعلت لأجل كذا، أو يقول: فعلت وأسأت وقد أقلعت، ولا رابع لذلك وهذا الأخير هو التّوبة، يقال: تاب إلى الله أي تذكّر ما يقتضي الإنابة، نحو قوله سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً (النور/ 31) أي عودوا إلى طاعته وأنيبوا إليه.. ويقال: تاب الله عليه أي قبل منه التّوبة، والتّائب يقال لباذل التّوبة ولقابل التّوبة فالعبد تائب إلى الله. والله تائب على عبده، والتّوّاب العبد الكثير التّوبة، وذلك بتركه كلّ وقت بعض الذّنوب على التّرتيب حتّى يصير تاركا لجميعه، وقد يقال لله عزّ وجلّ ذلك (أي توّاب) وذلك لكثرة قبوله توبة العباد حالا بعد حال، والمتاب في قوله تعالى وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (الفرقان/ 71) يقصد به التّوبة التّامّة وهي الجمع بين ترك القبيح وتحرّي الجميل. وجاء في الصّحاح: التّوبة الرّجوع من الذّنب، وفي الحديث: «النّدم توبة» وكذلك التّوب مثله، خلافا للأخفش الّذي ذهب إلى أنّ التّوب جمع توبة مثل عوم وعومة، ويقال تاب إلى الله توبة ومتابا، وقد تاب الله عليه، وفّقه للتّوبة وعاد عليه بالمغفرة. واستتبت فلانا عرضت عليه التّوبة أو سألته أن يتوب، والتّابة في قول الشّاعر: تبت إليك فتقبّل تابتي. يراد بها التّوبة، أبدلت الواو ألفا لضرب من الخفّة «1» . التوبة في الاصطلاح: قال الرّاغب: التّوبة في الشّرع: ترك الذّنب لقبحه والنّدم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة. وقال الجرجانيّ: التّوبة هي الرّجوع إلى الله بحلّ عقدة الإصرار عن القلب، ثمّ القيام بكلّ حقوق   (1) انظر مقاييس اللغة (1/ 357) ، ومفردات الراغب (75) والصحاح (1/ 92) ، ولسان العرب (1/ 454) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1269 الرّبّ، وقيل: التوبة الاعتراف والنّدم والإقلاع. وقيل: التوبة في الشّرع: النّدم على معصيته من حيث هي معصية، مع عزم ألّا يعود إليها إذا قدر عليها. فقولهم على معصية: لأنّ النّدم على المباح أو الطّاعة لا يسمّى توبة، وقولهم من حيث هي معصية: لأنّ من ندم على شرب الخمر لما فيه من الصّداع أو خفّة العقل أو الإخلال بالمال والعرض لم يكن تائبا شرعا، وقولهم: مع عزم ألّا يعود، زيادة تقرير؛ لأنّ النّدم على الشّيء لا يكون إلّا كذلك، ولذلك ورد في الحديث «النّدم توبة» . وقولهم: إذا قدر عليها، إشارة إلى أنّ من سلب القدرة على معصية مثل الزّنا وانقطع طمعه عن عود القدرة إليه لم يكن ذلك توبة منه» . التوبة النصوح: قال الجرجانيّ: التّوبة النّصوح هي توثيق العزم على ألّا يعود بمثله. وقيل هي ألّا يبقي (التّائب) على عمله أثرا من المعصية سرّا وجهرا، وهذه التّوبة هي الّتي تورث صاحبها الفلاح عاجلا وآجلا. وقال التّهانويّ: التّوبة النّصوح وهي من أعمال القلب تعني تنزيه القلب عن الذّنوب، وعلامتها أن يكره العبد المعصية ويستقبحها فلا تخطر له على بال ولا ترد في خاطره أصلا. معاني التوبة وأنواعها: قال صاحب التّعريفات: التّوبة على ثلاثة معان: أوّلها: النّدم. وثانيها: العزم على ترك العود إلى ما نهى الله عنه. وثالثها: السّعي في أداء المظالم. أمّا أنواعها: فقيل هي نوعان: توبة الإنابة وتوبة الاستجابة، فتوبة الإنابة أن تخاف من الله من أجل قدرته عليك، وتوبة الاستجابة أن تستحي من الله لقربه منك، قال تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق/ 16) وقيل: بل ثلاثة: التّوبة الصّحيحة: وهي أنّه إذا اقترف العبد ذنبا تاب عنه بصدق في الحال. والتّوبة الأصحّ: وهي التّوبة النّصوح (وقد سبق تعريفها) . والتّوبة الفاسدة: هي التّوبة باللّسان مع بقاء لذّة المعصية في الخاطر «3» . التوبة والإنابة والأوبة: يقال لمن خاف العقاب هو صاحب توبة، ولمن يتوب بطمع الثّواب هو صاحب إنابة، ولمن يتوب لمحض مراعاة أمر الله فهو صاحب أوبة. وقيل: التّوبة صفة عامّة المؤمنين. قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (النور/ 31) . والإنابة صفة الأولياء والمقرّبين. قال تعالى: وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (ق/ 33) والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين. قال تعالى:   1، 2 مفردات الراغب (76) والتعريفات للجرجاني (74) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 231) . (3) التعريفات (74) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 233) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1270 نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص/ 30) «1» . إطلاقات الكلمة في القرآن الكريم: وردت كلمة التّوبة في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه: 1- بمعنى التّجاوز والعفو. وهذا مقيّد بعلى، كقوله تعالى فَتابَ عَلَيْكُمْ (البقرة/ 54) . 2- بمعنى الرّجوع والإنابة. وهذا مقيّد بإلى، كقوله تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (النور/ 31) . 3- بمعنى النّدامة. وهذا غير مقيّد لا ب (إلى) ولا ب (على) : كقوله تعالى: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (التوبة/ 3) . شروط التوبة: قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: التّوبة واجبة من كلّ ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلّق بحقّ آدميّ فلها شروط ثلاثة وهي: 1- أن يقلع عن المعصية. 2- أن يندم على فعلها. 3- أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثّلاثة لم تصحّ توبته «2» . ويزاد شرط رابع إذا كان الذّنب يتعلّق بحقّ آدميّ: أن يبرأ من حقّ صاحبه؛ فإن كان مالا أو نحوه ردّه إليه، وإن كان حدّ قذف مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كان غيبة استحلّه منها، هذا إذا لم يترتّب على ذلك مفسدة أعظم. ويجب أن يتوب من جميع الذّنوب، فإن تاب من بعضها صحّت توبته من ذلك الذّنب «3» . التوبة من ترك المأمور أولى من التوبة من فعل المحظور: قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: من تاب توبة عامّة كانت هذه التّوبة مقتضية لغفران الذّنوب، وإن لم يستحضر أعيان الذّنوب إلّا أن يعارض هذا العامّ معارض يوجب التّخصيص مثل أن يكون بعض الذّنوب لو استحضره لم يتب منه، لقوّة حبّه إيّاه، أو لاعتقاده أنّه حسن ليس بقبيح، فما كان من ذنب لو استحضره لم يتب منه لم يدخل في التّوبة، وأمّا ما كان لو استحضره بعينه لكان ممّا يتوب منه؛ فإنّ التّوبة العامّة شاملة له. وأمّا التّوبة المطلقة: وهي أن يتوب توبة مجملة، فإنّها لا تستلزم التّوبة من كلّ ذنب. فهذه لا توجب دخول كلّ فرد من أفراد الذّنوب فيها ولا تمنع دخوله كاللّفظ المطلق، لكن هذه تصلح أن تكون سببا لغفران المعيّن، كما تصلح سببا لغفران الجميع، بخلاف التّوبة العامّة فإنّها مقتضية للغفران العامّ.   (1) راجع: لسان العرب، مادة: أوب، وتوب. (2) يتفق ما ذكره الإمام النووي مع قول أهل السنة الذي لخصه التهانوي فقال: قال أهل السنة شروط التوبة ثلاثة: ترك المعصية في الحال، وقصد تركها في الاستقبال، والندم على فعلها في الماضى انظر كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 233) . (3) رياض الصالحين (11، 12) بتصرف، وانظر مدارج السالكين (1/ 305) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1271 وكثير من النّاس لا يستحضر عند التّوبة إلّا بعض المعاصي المتّصفات بالفاحشة أو مقدّماتها أو بعض الظّلم باللّسان أو اليد، وقد يكون ما تركه من المأمور الّذي يجب عليه في باطنه وظاهره من شعب الإيمان وحقائقه أعظم ضررا عليه ممّا فعله من بعض الفواحش؛ فإنّ ما أمر الله به من حقائق الإيمان الّتي بها يصير العبد من المؤمنين حقّا أعظم نفعا من نفع ترك بعض الذّنوب الظّاهرة، كحبّ الله ورسوله، فإنّ هذا أعظم الحسنات الفعليّة. والنّاس في غالب أحوالهم لا يتوبون توبة عامّة مع حاجتهم إلى ذلك؛ فإنّ التّوبة واجبة على كلّ عبد في كلّ حال، لأنّه دائما يظهر له ما فرّط فيه من ترك مأمور أو ما اعتدى فيه من فعل محظور، فعليه أن يتوب دائما «1» . شمول التوبة لكل مراتب الدين (الإسلام، الإيمان، الإحسان) : قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: التّوبة هي حقيقة دين الإسلام، والدّين كلّه داخل في مسمّى التّوبة وبهذا استحقّ التائب أن يكون حبيب الله. فإنّ الله يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين. وإنّما يحبّ الله من فعل ما أمر به. وترك ما نهي عنه. فإذا التّوبة هي الرّجوع عمّا يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبّه ظاهرا وباطنا. ويدخل في مسمّاها الإسلام، والإيمان، والإحسان. وتتناول جميع المقامات. ولهذا كانت غاية كلّ مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته وهي الغاية الّتي وجد لأجلها الخلق. والأمر والتّوحيد جزء منها، بل هو جزؤها الأعظم الّذي عليه بناؤها. وأكثر النّاس لا يعرفون قدر التّوبة ولا حقيقتها، فضلا عن القيام بها علما وعملا وحالا. ولم يجعل الله تعالى محبّته للتّوّابين إلّا وهم خواصّ الخلق لديه، ولولا أنّ التّوبة اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان لم يكن الرّبّ تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم، فجميع ما يتكلّم فيه النّاس من المقامات والأحوال هو تفاصيلها وآثارها «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- الإنابة الدعاء- الرجاء- الضراعة والتضرع- الخوف- الخشية- تذكر الموت- الإخبات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإصرار على الذنب- طول الأمل- اتباع الهوى- الإعراض- الغفلة- القنوط- التفريط والإفراط- اللهو واللعب] .   (1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 328- 330) بتصرف. (2) مدارج السالكين (1/ 306، 307) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1272 الآيات الواردة في «التوبة» * قبول التوبة من صفات الرحمن: 1- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) «1» 2- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) «2» 3- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «3» 4- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «4» 5- قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) «5» 6- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) «6»   * قد تتضمن الاية الكريمة أكثر من وجه في تصنيفها وسوف نقتصر على الوجه الذي هو أبرز هذه الوجوه حتى لا تتكرر المواضع. (1) البقرة: 54 مدنية. (2) البقرة: 159- 160 مدنية. (3) البقرة: 187 مدنية. (4) النساء: 64 مدنية. (5) التوبة: 14- 15 مدنية. (6) التوبة: 25- 27 مدنية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1273 7- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) «1» 8- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) «2» 9- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) «3» 10- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)   (1) التوبة: 101- 106 مدنية (2) التوبة: 117- 118 مدنية (3) طه: 116- 123 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1274 وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «1» . 11- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «2» 12- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «3» 13- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) «4» 14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «5» 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «6» 16- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) «7» التوبة من صفة الأنبياء وصالحي المؤمنين: 17- وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36)   (1) النور: 6- 10 مدنية (2) الأحزاب: 23- 24 مكية (3) غافر: 1- 3 مكية (4) الشورى: 25 مدنية (5) الحجرات: 12 مدنية (6) المجادلة: 12- 13 مدنية (7) النصر: 1- 3 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1275 فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) «1» 18- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) «2» 19- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) «3» 20- * إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «4» 21- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) «5» 22- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) «6» 23- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «7»   (1) البقرة: 35- 37 مدنية (2) البقرة 127- 128 مدنية (3) الأعراف: 143- 144 مكية (4) التوبة: 111- 112 مدنية (5) هود: 1- 4 مكية (6) هود: 112- 113 مكية (7) الرعد: 30 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1276 24- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «1» 25- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) » 26- وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) «3» التوبة من الكفر أو النفاق لا تكون إلا بالإيمان الصادق: 27- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «4» 28- وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)   (1) مريم: 58- 60 مكية (2) الأحقاف: 15- 16 مكية (3) التحريم: 3- 5 مدنية (4) آل عمران: 86- 89 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1277 بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) «1» 29- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) «2» 30- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) «3» . 31- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ   (1) آل عمران: 123- 129 مدنية (2) النساء: 15- 18 مدنية (3) النساء: 92 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1278 يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) «1» 32- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) «2» 33- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «3» 34- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) «4» 35- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) «5» 36- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «6» جزاء التوبة حب الله تعالى ومغفرته والفلاح والفوز بالجنة: 37- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) «7» 38- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81)   (1) النساء: 144- 146 مدنية (2) المائدة: 33- 34 مدنية (3) المائدة: 38- 39 مدنية (4) المائدة: 72 مدنية (5) الأنعام: 54- 55 مكية (6) النور: 4- 5 مدنية (7) البقرة: 222 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1279 وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «1» 39- وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «2» 40- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) «3» 41- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «4» 42- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «5» التوبة من مظاهر رحمته تعالى لعبادة: 43- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28) «6»   (1) طه: 80- 82 مكية (2) النور: 31 مدنية (3) الفرقان: 68- 71 (68- 70 مدنية و71 مكية) (4) القصص: 65- 67 مكية (5) التحريم: 8 مدنية. (6) النساء: 26- 28 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1280 44- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «1» دعوة الأنبياء السابقين للتوبة: 45- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «2» 46-* وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «3» 47- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) «4»   (1) الأحزاب: 72- 73 مدنية (2) هود: 50- 52 مكية (3) هود: 61 مكية (4) هود: 87- 90 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1281 الأحاديث الواردة في (التوبة) 1- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أحدنا يذنب. قال: «يكتب عليه» . قال: ثمّ يستغفر منه ويتوب. قال: «يغفر له ويتاب عليه» . قال: فيعود فيذنب. قال: «فيكتب عليه» . قال: ثمّ يستغفر منه ويتوب. قال: «يغفر له ويتاب عليه، ولا يملّ الله حتّى تملّوا» ) * «1» . 2- * (عن مروان والمسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- قالا: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «معي من ترون، وأحبّ الحديث إليّ أصدقه فاختاروا إحدى الطّائفتين، إمّا السّبي وإمّا المال، وقد كنت استأنيت «2» بكم- وكان أنظرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضع عشرة ليلة حين قفل «3» من الطّائف- فلمّا تبيّن لهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير رادّ إليهم إلّا إحدى الطّائفتين. قالوا: فإنّا نختار سبينا. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين: فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّ إخوانكم قد جاءوا تائبين، وإنّي قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحبّ منكم أن يطيّب ذلك فليفعل، ومن أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتّى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفيء الله علينا فليفعل» . فقال النّاس: قد طيّبنا ذلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممّن لم يأذن، فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم «4» أمركم» . فرجع النّاس فكلّمهم عرفاؤهم، ثمّ رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبروه أنّهم قد طيّبوا وأذنوا) * «5» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد إذا أخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيه حتّى تعلو قلبه وهو الرّان «6» الّذي ذكر الله كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين/ 14) » ) * «7» . 4- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل، حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «8» .   (1) قال الهيثمي في المجمع (10/ 200) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناده حسن. (2) استأنيت: تأخرت. (3) قفل: رجع. (4) العرفاء: جمع عريف والعريف هو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يتولى أمورهم ويتعرف أحوالهم. (5) البخاري- الفتح 7 (4318- 4319) . (6) الران: الطبع والختم. (7) الترمذي (3334) وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له. وابن ماجة (4244) . والحاكم (2/ 517) من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي. (8) مسلم (2759) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1282 5- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» ) * «1» . 6- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: إنّها اشترت نمرقة» فيها تصاوير، فلمّا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهة، فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بال هذه النّمرقة؟» . قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسّدها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أصحاب هذه الصّور يوم القيامة يعذّبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم. وقال إنّ البيت الّذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة» ) * «3» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سجد في (ص) وقال: «سجدها داود توبة ونسجدها شكرا» ) * «4» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ هلال بن أميّة قذف امرأته فجاء فشهد والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعلم أنّ أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟، ثمّ قامت فشهدت» ) * «5» . 9- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت ذنبا عظيما فهل من توبة؟ قال: «هل لك من أمّ؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم. قال: «فبرّها» ) * «6» . 10- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- حدّث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة، لا يتركونهنّ: الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة» . وقال: «النّائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» ) * «7» . وعند ابن ماجة بلفظ: «النّياحة من أمر الجاهليّة وإنّ النّائحة إذا ماتت ولم تتب قطّع الله لها ثيابا من قطران. ودرعا من لهب النّار» ) * «8» . 11- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: جاء ماعز بن مالك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله طهّرني. فقال: «ويحك «9» ارجع فاستغفر الله وتب إليه» قال: فرجع غير بعيد ثمّ جاء فقال: يا رسول الله   (1) الترمذي (3537) وهذا لفظه وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجة (4253) وأحمد برقم (6160، 6400) . والحاكم (4/ 257) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند: إسناده صحيح (9/ 17) حديث (6160) . (2) النمرقة: الوسادة. (3) البخاري- الفتح 4 (2105) واللفظ له. ومسلم (2107) . (4) النسائي (2/ 957) وقال الشيخ ناصر (1/ 209) : صحيح، حديث (917) واللفظ في هذا الرقم. وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 34) : تفرد بروايته النسائي ورجال إسناده كلهم ثقات. (5) البخاري- الفتح 9 (5307) واللفظ له. ومسلم (1493) . (6) الترمذي (1985) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ذكره الألباني في صحيح الترمذي (1554) واللفظ فى هذا الرقم. (7) مسلم (934) . (8) ابن ماجة (1581) وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (9) ويحك: كلمة ترحم تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1283 طهّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» قال: فرجع غير بعيد. ثمّ جاء فقال: يا رسول الله طهّرني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك. حتّى إذا كانت الرّابعة قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيم أطهّرك؟» فقال: من الزّنى. فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبه جنون؟» فأخبر أنّه ليس بمجنون. فقال: «أشرب خمرا؟» فقام رجل فاستنكهه «1» فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أزنيت؟» فقال: نعم. فأمر به فرجم. فكان النّاس فيه فرقتين. قائل يقول: لقد هلك. لقد أحاطت به خطيئته. وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز. أنّه جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده في يده. ثمّ قال اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة. ثمّ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم جلوس فسلّم ثمّ جلس. فقال: «استغفروا لما عز ابن مالك» . قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد تاب توبة لو قسمت بين أمّة لوسعتهم» . قال ثمّ جاءته امرأة من غامد «2» من الأزد. فقالت: يا رسول الله طهّرني. فقال: «ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه» فقالت: أراك تريد أن تردّدني كما ردّدت ما عز بن مالك. قال: «وما ذاك؟» قالت: إنّها حبلى من الزّنى، فقال: «أنت؟» قالت: نعم. فقال لها: «حتّى تضعي ما في بطنك» قال: فكفلها رجل من الأنصار حتّى وضعت. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قد وضعت الغامديّة. فقال: «إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه» فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبيّ الله، قال: فرجمها) * «3» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرّجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، بضعا وعشرين درجة. وذلك أنّ أحدهم إذا توّضأ فأحسن الوضوء، ثمّ أتى المسجد. لا ينهزه إلّا الصّلاة «4» . لا يريد إلّا الصّلاة. فلم يخط خطوة إلّا رفع له بها درجة. وحطّ عنه بها خطيئة. حتّى يدخل المسجد. فإذا دخل المسجد كان في الصّلاة ما كانت الصّلاة هي تحبسه. والملائكة يصلّون على أحدكم ما دام في مجلسه الّذي صلّى فيه. يقولون: «اللهمّ ارحمه. اللهمّ اغفر له. اللهمّ تب عليه. ما لم يؤذ فيه. مالم يحدث فيه» ) * «5» 13- * (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر صلّى الله عليه وسلّم فلمّا بلغ السّجدة نزل فسجد وسجد النّاس معه، فلمّا كان يوم آخر قرأها فلمّا بلغ السّجدة تشزّن «6» النّاس للسّجود فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما هي توبة نبيّ، ولكنّي رأيتكم تشزّنتم للسّجود فنزل فسجد   (1) فاستنكهه: شم رائحته. (2) غامد: بطن من قبيلة جهينة. (3) مسلم 3 (1695) . بعضه عند البخاري. (4) لا ينهزه إلا الصلاة: لا تنهضه ولا تقيمه إلا الصلاة. (5) البخاري- الفتح 1 (445) . ومسلم (649) باب (49) ص (459) واللفظ له. (6) تشزن الناس: استعدوا للسجود. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1284 وسجدوا» ) * «1» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك ثمّ تندّم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران/ 86- 89) فأرسل إليه فأسلم) * «2» . 15- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* «3» وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (الزخرف/ 13/ 14) ، اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده، اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر، والخليفة في الأهل، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر «4» وكآبة المنظر «5» وسوء المنقلب «6» في المال والأهل» (وإذا رجع) «7» قالهنّ وزاد فيهنّ: «آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون» ) * «8» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب.. الحديث، وفيه: وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبّرئك الله، وإن كنت الممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به.   (1) أبو داود (1410) وهذا لفظه وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 35) : تفرد بإسناده أبو داود على شرط الصحيح. وقال الألباني: في صحيح سنن أبي داود (1/ 655) : صحيح. (2) صحيح النسائي (3792) وهذا لفظه وقال مخرجه: صحيح الإسناد وهو في السنن (7/ 107) . والحاكم في مستدركه (4/ 316) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 379) وقال: رواه ابن جرير ومثله النسائي. والحاكم وابن حبان، وقال شاكر في المسند: إسناده صحيح (4/ 37) حديث رقم (2218) . (3) مقرنين: مطيقين. (4) وعثاء السفر: مشقته وتعبه. (5) كآبة المنظر: قبحه بحزن أو غيره. (6) المنقلب: المرجع. (7) وإذا رجع: أي من السفر. (8) مسلم (1342) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1285 فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) . قالت ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأنّ الله مبرّئي ببراءتي، ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى، ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «2» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «3» من العرق، في اليوم الشّاتي، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّاك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله، هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (24/ النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (24/ النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري: «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «4» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «5» فهلكت فيمن هلك) * «6» . 17- * (عن أبي طويل شطب الممدود «7» رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال:   (1) ما رام: أي ما فارق. (2) البرحاء: هي الشدة. (3) الجمان: الدّرّ. شبهت قطرات عرقه بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن. (4) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم. (5) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك. (6) البخاري- الفتح 7 (4141) . ومسلم (2770) واللفظ له. (7) ذكر المنذري أن «شطب» ذكره غير واحد في الصحابة إلا أن البغوي ذكر في معجمه أن الصواب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير مرسلا: أن رجلا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم طويل شطب والشطب في اللغة: الممدود فصحفه بعض الرواة وظنه اسم رجل. راجع الترغيب والترهيب (4/ 133- 116) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1286 أرأيت من عمل الذّنوب كلّها ولم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة «1» إلّا أتاها، فهل لذلك من توبة؟ قال: «فهل أسلمت» . قال: أمّا أنا فأشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله، قال: «تفعل الخيرات وتترك السّيّئات فيجعلهنّ الله لك خيرات كلّهنّ» قال: وغدراتي وفجراتي. قال: «نعم» قال: الله أكبر فما زال يكبّر حتّى توارى) * «2» . 18- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمّي لنا نفسه أسماء، فقال: «أنا محمّد، وأحمد، والمقفّي «3» ، والحاشر، ونبيّ التّوبة» ، ونبيّ الرّحمة» ) * «5» . 19- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على راهب فأتاه، فقال: إنّه قتل تسعة وتسعين نفسا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمّل به مائة، ثمّ سأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجل عالم، فقال: إنّه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التّوبة. انطلق إلى أرض كذا وكذا فإنّ بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنّها أرض سوء، فانطلق حتّى إذا نصف «6» الطّريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرّحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنّه لم يعمل خيرا قطّ. فأتاهم ملك في صورة آدميّ فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيّتهما كان أدنى فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض الّتي أراد. فقبضته ملائكة الرّحمة» ) * «7» . 20- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التّوابون» ) * «8» . 21- * (عن صفوان بن عسّال المراديّ رضي الله عنه- أنّه جاءه زرّ بن حبيش فقال: ما جاء بك؟ قلت: ابتغاء العلم. قال: بلغني أنّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يفعل، قال: قلت: إنّه حاك- أو قال: حكّ- في نفسي شيء من المسح على الخفّين. فهل حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه شيئا؟ قال: نعم، كنّا إذا كنّا في سفر أو مسافرين أمرنا أن لا نخلع خفافنا ثلاثا إلّا من جنابة،   (1) الداجة: الحاجة الكبيرة. (2) ذكره في الترغيب والترهيب وقال: رواه البزار والطبراني واللفظ له وهذا إسناد جيد قوي (4/ 112- 113) . وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد (1/ 32) : ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن هارون أبي نشيط وهو ثقة. (3) المقفي: الآخر والمتبع للأنبياء. (4) نبي التوبة: جاء بالتوبة. (5) مسلم (2355) . (6) نصف الطريق: في منتصف الطريق. (7) البخاري- الفتح 6 (3470) . ومسلم برقم (2766) واللفظ له. (8) الترمذي (2499) وهذا لفظه وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة. ابن ماجة (4251) وقال الحافظ: سنده قوي (4/ 346) والدارمي (2/ 393) وأحمد (3/ 198) والحاكم (4/ 244) . وقال محقق جامع الأصول (2/ 515) : حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1287 ولكن من غائط وبول ونوم، قال: فقلت: فهل حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الهوى شيئا؟ قال: نعم، كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره، فناداه رجل كان في آخر القوم بصوت جهوريّ أعرابيّ جلف جاف، فقال: يا محمّد، يا محمّد، فقال له القوم: مه إنّك قد نهيت عن هذا، فأجابه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نحوا من صوته هاؤم، فقال: الرّجل يحبّ القوم ولمّا يلحق بهم، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء مع من أحبّ» ، قال: زرّ: فما برح حتّى حدّثني أنّ الله جعل بالمغرب بابا عرضه مسيرة سبعين عاما للتّوبة لا يغلق ما لم تطلع الشّمس من قبله، وذلك قول الله عزّ وجلّ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها (الأنعام/ 158) الآية) * «1» . 22- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتّى اشتدّ عليه الحرّ والعطش، أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة ثمّ رفع رأسه فإذا راحلته عنده» ) * «2» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أخطأتم حتّى تبلغ خطايكم السّماء، ثمّ تبتم لتاب عليكم» ) * «3» . 24- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو كان لابن آدم واد من ذهب أحبّ أنّ له واديا آخر، ولن يملأ فاه إلّا التّراب، والله يتوب على من تاب» ) * «4» . 25- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للجنّة ثمانية أبواب، سبعة مغلقة وباب مفتوح للتّوبة حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «5» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تاب قبل أن تطلع الشّمس من مغربها تاب الله عليه» ) * «6» . 27- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، اللهمّ اجعلني من التّوّابين واجعلني من المتطهّرين. فتحت له ثمانية أبواب الجنّة يدخل من أيّها   (1) الترمذي (3536) وقال: حسن صحيح واللفظ له. وأحمد (4/ 240) . وقال مخرج رياض الصالحين: إسناده حسن وعزاه لابن حبان رقم (186) «موارد» ... (2) البخاري- الفتح 11 (6308) واللفظ له ومسلم (3744) . (3) ابن ماجة (4248) وفي الزوائد: هذا إسناد حسن، وشيخ ابن ماجة مختلف فيه وباقي رجاله ثقات. وقال العراقي في تخريج الإحياء (4/ 13) : إسناده حسن. وذكره في الترغيب والترهيب (4/ 90) وقال: رواه ابن ماجة بإسناد جيد. (4) البخاري- الفتح 11 (6439) ، مسلم (1048) . (5) ذكره في الترغيب والترهيب (4/ 89) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد. (6) مسلم (2703) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1288 شاء» ) * «1» . 28- * (عن أبيّ هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب اليك. إلّا غفر له ما كان في مجلسه ذلك» ) * «2» . 29- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شرب الخمر في الدّنيا ثمّ لم يتب منها حرمها في الآخرة» ) * «3» . 30- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرّابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال» ، قيل يا أبا عبد الرّحمن: وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النّار) * «4» . 31- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: أستغفر الله العظيم الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه (ثلاثا) غفر له وإن كان فرّ من الزّحف» ) * «5» . 32- * (عن عبد الله بن مسعود الهذليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «النّدم توبة» ) * «6» . 33- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما   (1) الترمذي (55) وهذا لفظه، وصححه الشيخ أحمد شاكر كما في (1/ 79) . ومسلم (234) بسياق مختلف وليس فيه: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. وقال محقق جامع الأصول: رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي (9/ 374) . (2) أبو داود (4858) . والترمذي (3433) وهذا لفظه وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه. وعزاه شاكر إلى النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 134) وهذا لفظه، وقال مخرج جامع الأصول: إسناده حسن وعزاه لابن حبان (4/ 277) . (3) البخاري- الفتح 10 (5575) واللفظ له. ومسلم (2003) . (4) الترمذي (1862) وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (5/ 101) : إسناده حسن. وخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 146) من حديث الله بن عمرو، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي، وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 306) : صحيح عن ابن عمرو. (5) أبو داود (1517) وهذا لفظه من حديث بلال بن يسار بن زيد مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والترمذي (3397) وفيه زيادة. وقال محقق جامع الأصول: حسن (4/ 389) رواه الحاكم (1/ 511) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وهذا لفظه. (6) ابن ماجة (4252) وأحمد (1/ 376) وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 164) : إسناده صحيح، حديث (3568) . والحاكم (4/ 243) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 98) وعزاه للحاكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1289 أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها، وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك ... الحديث، وفيه: فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله- عزّ وجلّ- منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «1» يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج، قال: فأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتوبة الله علينا، حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا. وسعى ساع من أسلم قبلي. وأوفى الجبل. فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» قال فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال «لا. بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال وكنّا نعرف ذلك. قال فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك. فهو خير لك» قال فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال وقلت: يا رسول الله إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق. وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال فو الله ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا، أحسن ممّا أبلاني الله به. والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (9/ التوبة/ 117، 118) حتّى بلغ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (9/ التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ، بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم في نفسي، من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شرّ ما قال لأحد. وقال الله:   (1) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1290 سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (9/ التوبة/ 95- 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا، أيّها الثّلاثة، عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم. وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال الله- عزّ وجلّ- وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا، تخلّفنا عن الغزو. وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «1» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر. كلاهما يدخل الجنّة» فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «يقاتل هذا في سبيل الله- عزّ وجلّ- فيستشهد ثمّ يتوب الله على القاتل فيسلم. فيقاتل في سبيل الله- عزّ وجلّ- فيستشهد» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (التوبة) معنى 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يحكيه عن ربّه- عزّ وجلّ- قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهمّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك» ) * «3» . 36- * (عن عروة- رضي الله عنه- قال: إنّ امرأة سرقت في غزوة الفتح فأتي بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أمر بها فقطعت يدها. قالت عائشة: فحسنت توبتها وتزوّجت، وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول صلّى الله عليه وسلّم) * «4» . 37- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول: اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، قال: ومن قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 7 (4418) . ومسلم 4 (2769) واللفظ له. (2) مسلم (1890) . (3) البخاري- الفتح 13 (7507) . مسلم (2758) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 5 (2648) واللفظ له. ومسلم (1688) . (5) البخاري- الفتح 11 (6306) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1291 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التوبة) 38- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قالت قريش للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ادع ربّك يجعل لنا الصّفا ذهبا، فإن أصبح ذهبا اتّبعناك، فدعا ربّه فأتاه جبريل عليه السّلام، فقال: إنّ ربّك يقرئك السّلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصّفا ذهبا فمن كفر منهم عذّبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التّوبة والرّحمة. قال: بل باب التّوبة والرّحمة» ) * «1» . 39- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ، اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبّت حجّتي، واهد قلبي وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي» ) * «2» . 40- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر من قول: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» . قالت: فقلت: يا رسول الله: أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه. فقال: «خبّرني ربّي أنّي سأرى علامة في أمّتي فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه. فقد رأيتها إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ «3» * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً» ) * «4» . 41- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إن كنّا لنعدّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المجلس الواحد مائة مرّة من قبل أن يقوم: «ربّ اغفر لي وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم» ) * «5» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة» ) * «6» . ومسلم: من حديث الأغرّ بن يسار المزنيّ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه   (1) أحمد (1/ 345) . والحاكم (4/ 240) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ومجمع الزوائد (10/ 196) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح واللفظ في مجمع الزوائد. (2) أبو داود (1510) واللفظ له. والترمذي (3552) وقال: هذا حديث صحيح. وابن ماجة (3830) . (3) الفتح: فتح مكة. (4) البخاري- الفتح 8 (4968) . ومسلم (484) واللفظ له. (5) أبو داود (1516) وهذا لفظه والترمذي (3434) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجة (3814) ، وعزاه شاكر للنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 148) . (6) البخاري- الفتح 11 (6307) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1292 ليغان «1» على قلبي وإنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة» ) * «2» . 43- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلاة بعد أن نزلت عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلّا يقول فيها: «سبحانك ربّنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوبة) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: «اجلسوا إلى التّوّابين فإنّهم أرقّ أفئدة» ) *» . 2- * (وقال أيضا- رضي الله عنه- في معنى قوله تعالى: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (التحريم/ 8) . يذنب العبد ثمّ يتوب فلا يعود فيه» ) * «5» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال الله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (النجم/ 32) قال: هو الرّجل يصيب الفاحشة يلمّ بها ثمّ يتوب منها. قال يقول: إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا ... وأيّ عبد لك لا ألّما» ) * «6» . 4- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «يابن آدم ترك الخطيئة أيسر من طلب التّوبة» ) * «7» . 5- * (وقال أيضا- رحمه الله- في معنى التّوبة النّصوح: «أن يكون العبد نادما على ما مضى، مجمعا على أن لا يعود فيه» ) * «8» . وقال فيها أيضا: «ندم بالقلب، واستغفار باللّسان وترك بالجوارح، وإضمار ألّا يعود» ) * 9. 6- * (وقال الكلبيّ: «أن يستغفر باللّسان، ويندم بالقلب، ويمسك بالبدن» ) * 10. 7- * (وقال سعيد بن المسيّب: «التّوبة النّصوح ما تنصحون بها أنفسكم» ) * 11. 8- * (وقال محمّد بن كعب القرظيّ: «التّوبة يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللّسان، الإقلاع بالأبدان،   (1) الغين والغيم: بمعنى الغفلة عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه. (2) مسلم (2702) . (3) البخاري- الفتح 8 (4967) . (4) إحياء علوم الدين (4/ 15) . (5) مدارج السالكين (1/ 309- 310) . والمستدرك (2/ 495) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي. وفي الآداب الشرعية زيادة: ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن في الضرع. (1/ 86) . (6) الترمذي (3284) مرفوعا، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلّا من حديث زكريا بن إسحاق وقال ابن كثير: وفي صحة رفعه نظر (4/ 274) . والحاكم (4/ 245) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (7) الزهد للإمام أحمد (340) . 8- 11 كلها من مدارج السالكين (1/ 309- 310) . والآداب الشرعية (1/ 86) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1293 إضمار ترك العود بالجنان، مهاجرة سيّئ الإخوان» ) * «1» . 9- * (قال أبو حازم- رحمه الله-: «عند تصحيح الضّمائر تغفر الكبائر، إذا عزم العبد على ترك الآثام أمّه الفتوح «2» » ) * «3» . 10- * (قال يحيى بن معاذ- رحمه الله تعالى: «الّذي حجب النّاس عن التّوبة طول الأمل، وعلامة التّائب إسبال الدّمعة وحبّ الخلوة والمحاسبة للنّفس عند كلّ همّة» ) * «4» . 11- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «التّوبة من أفضل مقامات السّالكين لأنّها أوّل المنازل، وأوسطها، وآخرها. فلا يفارقها العبد أبدا ولا يزال فيها إلى الممات. وإن ارتحل السّالك منها إلى منزل آخر ارتحل به، ونزل به. فهي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النّهاية ضروريّة، كما حاجته إليها في البداية كذلك» ) * «5» . 12- * (قال محمود الورّاق- رحمه الله-: «قدّم لنفسك توبة مرجوّة ... قبل الممات وقبل حبس الألسن بادر بها غلق النّفوس فإنّها ... ذخر وغنم للمنيب المحسن» ) * «6» . 13- * (قال بعض أهل العلم: «من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشّكر، لم يمنع المزيد، ومن أعطي التّوبة، لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصّواب» ) * «7» . 14- * (عن النّعمان بن بشير قال: سئل عمر ابن الخطّاب عن التّوبة النّصوح قال: «التّوبة النّصوح أن يتوب الرّجل من العمل السّيّئ ثمّ لا يعود إليه أبدا» ) * «8» . 15- * (عن سماك بن حرب قال: سمعت النّعمان بن بشير يخطب قال: سمعت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (التحريم/ 8) قال: يذنب الذّنب ثمّ لا يرجع فيه» ) * 9. 16- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ألّا يعود صاحبها لذلك الذّنب الّذي يتوب منه» ) * 10.   (1) الآداب الشرعية (1/ 86) . (2) أمه الفتوح: أتاه وقصده. (3) حلية الأولياء، للأصبهاني (2/ 230) . (4) ذم الهوى، لابن الجوزي (174) بواسطة قطار المستغفرين لجاسم المطوع. (5) مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 198) . (6) تفسير القرطبي (5/ 92) . (7) إحياء علوم الدين (1/ 206) . 8- 10 وردت هذه الآثار في تفسير الطبري (28/ 107، 108) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1294 17- * (عن أبي الأحوص عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال: «التّوبة النّصوح الرّجل يذنب الذّنب ثمّ لا يعود فيه» ) * «1» . 18- * (روي عن مجاهد قوله: تَوْبَةً نَصُوحاً قال: «يستغفرون ثمّ لا يعودون» ) * 2. 19- * (روي عن الضّحّاك في قوله: تَوْبَةً نَصُوحاً قال: «النّصوح أن تتحوّل عن الذّنب ثمّ لا تعود له أبدا» ) * 3. 20- * (عن قتادة قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً قال: «هي الصّادقة النّاصحة» ) * 4. من فوائد (التوبة) (1) التّوبة من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) سبب حبّ الله تعالى ورضاه؛ لأنّ الله يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين. (3) سعة رحمة الله تعالى للتّائب. (4) ضعف الإنسان لكون الخطيئة جزءا منه. (5) عموم وشمول مغفرة الله ورحمته لكلّ ذنب تاب العبد منه وإن كان شركا. (6) حرمة المسلم (عرضه وماله) فلا تقبل التّوبة من حقوق العباد إلّا بأن يأخذ حقّه أو يعفو. (7) يتجلّى الله على التّائب برضوانه وإحسانه. (8) يقبل الله على التّائب أضعاف إقبال عبده عليه بطاعته. (9) تسبّب التّوبة ذهاب الضّيق وإزالة الهمّ. (10) الرّجاء في العفو والتّوبة ما دامت الرّوح في الجسد إلى طلوع الشّمس من مغربها، وقبل الغرغرة. (11) وجوب التّوبة على العموم وعلى الخصوص والمبادرة بها. (12) المعاصي سواد والتّوبة جلاؤها.   1- 4 وردت هذه الآثار في تفسير الطبري (28/ 107- 108) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1295 التوحيد الآيات/ الأحاديث/ الآثار 91/ 37/ 20 التوحيد لغة: مصدر قولهم: «وحّد يوحّد» وهو مأخوذ من مادّة (وح د) الّتي تدلّ على الانفراد، يقول ابن فارس: ومن ذلك الوحدة، (ومنه) هو واحد قبيلته إذا لم يكن فيهم مثله، قال الشّاعر: يا واحد العرب الّذي ... ما في الأنام له نظير والواحد أيضا: المنفرد، وقول عبيد (بن الأبرص) : والله لو متّ ما ضرّني ... وما أنا إن عشت في واحده يريد: ما أنا (على ما يرام) إن عشت في خلّة واحدة تدوم، لأنّه لابدّ لكلّ شيء من انقضاء «1» . وقال الرّاغب: الواحد في الحقيقة هو الشّيء الّذي لا جزء له البتّة، ثمّ يطلق على كلّ موجود حتّى إنّه ما من عدد إلّا ويصحّ أن يوصف به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد، وإذا وصف الله تعالى بالواحد فمعناه هو الّذي لا يصحّ عليه التّجزّؤ ولا التكثّر، ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (الزمر/ 45) «2» . قال القرطبيّ: كان المشركون إذا قيل لهم: «لا إله إلّا الله» نفروا وكفروا، (وإذا ذكر الّذين من دونه) - أي: الأوثان- يظهر في وجوههم البشر والسّرور، ومعنى «اشمأزّت» قيل: «انقبضت، وقيل: نفرت واستكبرت وكفرت وتعصّت، وقيل: أنكرت «3» . والوحد: المفرد، ويوصف به غير الله تعالى، كقول الشّاعر: على مستأنس وحد وأحد مطلقا لا يوصف به غير الله تعالى «4» . ويقال: رجل وحد، ووحد، ووحيد أي: منفرد. وفلان واحد دهره، وفلان لا واحد له، وفلان واحد أهل زمانه، أي: لا نظير له. والجمع: وحدان مثل شابّ وشبّان، وراع ورعيان، وأحدان وأصله: وحدان (أبدلت الواو همزة) ، ويقال: لست في هذا الأمر بأوحد، ولا يقال للأنثى وحداء. وقولهم: أعط كلّ واحد منهم على حدة أي: على حياله «5» . وقال ابن منظور: يقال: وحد فلان يوحد أي   (1) مقاييس اللغة (6، 90، 91) . (2) المفردات (514، 515) . (3) تفسير القرطبي (15/ 172) . (4) المفردات (515) . (5) الصحاح للجوهري (2/ 548) ، وقارن أيضا بالمفردات (516) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1296 بقي وحده، ويقال أيضا وحد ووحد وفرد وفرد ... ونقل عن ابن سيده أنّه يقال في (مصدر) وحد ووحد وحادة وحدة ووحدا، وقولهم توحّد: بقي وحده، وفي حديث ابن الحنظليّة وكان رجلا متوحّدا أي منفردا لا يخالط النّاس ولا يجالسهم، وأوحد الله جانبه أي بقيّ وحده وأوحده للأعداء، وتوحّد برأيه تفرّد به «1» ، وتوحّده الله بعصمته أي عصمه ولم يكله إلى غيره وأوحدت الشّاة فهي موحد أي وضعت واحدا «2» ، وقولهم: مررت به وحده مصدر لا يثنّى ولا يجمع ولا يغيّر عن المصدر، وهو بمنزلة إفرادا وإن لم يتكلّم به، وأصله أوحدته بمروري إيحادا ثمّ حذفت زياداته فجاء على الفعل ومثله قولهم: عمرك الله، والعرب تنصب «وحده» في الكلام كلّه لا ترفعه ولا تخفضه إلّا في ثلاثة أحرف: نسيج وحده، وعيير وحده، وجحيش وحده «3» ، ووجه النّصب أنّه مصدر أي توحّد وحده، وقال (الكوفيّون) «4» إنّه نصب على أنّه صفة، وقال أبو عبيد: وقد يدخل الأمران فيه جميعا، أمّا قولهم نسيج وحده فمدح، وأمّا جحيش وحده وعيير وحده فموضوعان موضع الذّمّ، وهما اللّذان لا يشاوران أحدا ولا يخالطان (غيرهما) ، وفيهما مع ذلك مهانة وضعف، وقيل معنى قولهم: نسيج وحده أنّه لا ثاني له «5» ، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- من يدلّني على نسيج وحده ومنه أيضا حديث عائشة- رضي الله عنها- تصف عمر- رضي الله عنه- «كان نسيج وحده» «6» . والوحد: حدة كلّ شيء، يقال وحد الشّيء يحد حدة، وكلّ شيء على حدة فهو ثاني آخر، يقال: ذلك على حدته، وهما على حدتهما، وهم على حدتهم وفي حديث جابر ودفن أبيه: فجعله في قبر على حدة أي منفردا وحده وهي مثل عدة وزنة من الوعد والوزن، قال ابن سيدة: وحدة الشّيء توحّده، يقال: هذا الأمر على حدته وعلى وحده، وقولهم: أوحده النّاس أي تركوه وحده، وأمّا قوله عزّ وجلّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فإنّ أكثر القرّاء على تنوين أحد وقد قرأه بعضهم بترك التّنوين وقرئ أيضا بإسكان الدّال، وأجودها الرّفع في المرور (أي في الوصل) ، وإنّما كسر التّنوين لسكونه وسكون اللّام من لفظ الجلالة، ومن حذف التّنوين فلالتقاء السّاكنين أيضا. وروي في التّفسير أنّ المشركين قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: انسب لنا ربّك فأنزل الله- عزّ وجلّ-: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ (الإخلاص/ 1، 2) . ومعنى ذلك نفي   (1) لسان العرب «وحد» (4780) . (2) الصحاح (2/ 548) . (3) هكذا نقل ابن منظور عن أبي عبيد، وقد أضاف الراغب إلى هذه الثلاثة قولهم رجيل وحده. انظر المفردات (515) . (4) في الأصل وقال أصحابنا أي أصحاب أبي عبيد والمراد بهم الكوفيون، وقال ابن الأثير: هو منصوب عند أهل البصرة على الحال أو المصدر وعند أهل الكوفة على الظرف. النهاية (5/ 160) . (5) لسان العرب «وحد» (4780) وما بعدها (ط. دار المعارف) . (6) النهاية (5/ 160) وفي اللسان «كان- رحمه الله- أحوذيّا نسيج وحده» المعنى أنّه ليس له شبيه في رأيه وجميع أموره (اللسان 4781) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1297 النّسب عن الله الواحد- تعالى عمّا يقول المشركون علوّا كبيرا- لأنّ الأنساب إنّما تكون للمخلوقين، والله تعالى صفته أنّه لم يلد ولدا ينسب إليه، ولم يولد فينتسب إلى والده، ولم يكن له مثل- ولا يكون- فيشبّه به «1» ، وقال القرطبيّ: معنى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ: أي الواحد الوتر الّذي لا شبيه له ولا نظير ولا صاحبة، ولا ولد ولا شريك «2» ، وذكر الطّبريّ في سبب نزولها أنّ المشركين سألوا النّبيّ عن نسب ربّ العزّة، وقيل إنّ اليهود سألوه فقالوا: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله، فأنزلت جوابا لهم «3» . وجوه استعمال لفظ الواحد: قال الرّاغب: الواحد لفظ مشترك يستعمل على ستّة أوجه: الأوّل: ما كان واحدا في الجنس أو في النّوع كقولنا الإنسان والفرس واحد، في الجنس وزيد وعمرو واحد في النّوع. الثّاني: ما كان واحدا بالاتصال إمّا من حيث الخلقة كقولك شخص واحد وإمّا من حيث الصناعة كقولك حرفة واحدة. الثّالث: ما كان واحدا لعدم نظيره إمّا في الخلقة كقولك الشّمس واحدة وإمّا في دعوى الفضيلة كقولك فلان واحد دهره وكقولك نسيج وحده. الرّابع: ما كان واحدا لامتناع التّجزّي فيه إمّا لصغره كالهباء وإمّا لصلابته كالألماس. الخامس: لمبدإ العدد كقولك واحد اثنان. السّادس: لمبدإ الخطّ كقولك النّقطة الواحدة. والوحدة كلّها عارضة وإذا وصف الله تعالى بالواحد فمعناه هو الّذي لا يصحّ عليه التّجزّي ولا التّكثّر ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ والوحد المفرد ويوصف به غير الله تعالى «4» . وجوه استعمال «أحد» في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ الأحد في القرآن على أربعة أوجه: أحدها: الله عزّ وجلّ، ومنه قوله تعالى في البلد أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ* يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً* أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (البلد/ 5- 7) . والثّاني: محمّد عليه السّلام ومنه قوله تعالى في سورة آل عمران إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ (آل عمران/ 153) . وقوله: وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً (الحشر/ 11) . والثّالث: بلال بن حمامة ومنه قوله تعالى في «الليل» وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى   (1) لسان العرب «وحد» (4782) ط. دار المعارف. (2) تفسير القرطبي (20/ 167) . (3) تفسير القرطبي (12/ 221) . (4) المفردات (514، 515) وقد أدمج- رحمه الله- الوجهين الخامس والسادس فجعلهما وجها واحدا وقد فصلناهما ليكتمل العدد الذي ذكره في صدر كلامه وهو ستة وقد تبعه في ذلك الفيروزابادي في البصائر (5/ 171) فذكر أن الوجوه ستة ولم يذكر عند التفصيل سوى خمسة أوجه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1298 (الليل/ 19) أي في بلال عند أبي بكر حين اشتراه وأعتقه من نعمة تجزى. والرّابع: بمعنى الواحد ومنه قوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الإخلاص/ 1) «1» . الواحد والأحد من أسماء الله تعالى وصفاته: قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى «الواحد» وهو الفرد الّذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر، وقيل الواحد هو الّذي لا يتجزّأ ولا يثنّى ولا يقبل الانقسام ولا نظير له ولا مثل «2» ، وقال الأزهريّ: الواحد من صفات الله تعالى معناه أنّه لا ثاني له، ويجوز أن ينعت الشّيء بأنّه واحد، فأمّا أحد فلا ينعت به غير الله تعالى لخلوص هذا الاسم الشّريف له جلّ ثناؤه تقول: وحّدت الله وأحّدته، وهو الواحد الأحد، وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رجلا ذكر الله وأومأ بإصبعيه، فقال له أحّد أحّد أي أشر بإصبع واحدة، وأمّا قول النّاس: توحّد الله بالأمر وتفرّد فإنّه وإن كان صحيحا فإنّي لا أحبّ أن ألفظ به في صفة الله تعالى إذ لا يوصف عزّ وجلّ إلّا بما وصف به نفسه في التّنزيل أو في السّنّة، ولم أجد المتوحّد في صفاته ولا المتفرّد، وإنّما ننتهي في صفاته إلى ما وصف به نفسه ولا نجاوزه إلى غيره لمجازه في العربيّة «3» . وقال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: ليس في الموجودات ما يسمّى أحدا في الإثبات مفردا غير مضاف إلّا الله تعالى، بخلاف النّفي وما في معناه: كالشّرط والاستفهام، فإنّه يقال: هل عندك أحد، وإن جاءني أحد من جهتك أكرمته» . وذلك أنّه سبحانه هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله «5» . الفرق بين الواحد والأحد: قال أبو منصور الأزهريّ وغيره: الفرق بينهما أنّ الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد تقول ما جاءني أحد، والواحد اسم بني لمفتتح العدد تقول: جاءنى واحد من النّاس، ولا تقول جاءني أحد، فالواحد منفرد بالذّات في عدم المثل والنّظير، والأحد منفرد بالمعنى؛ وقيل: الواحد هو الّذي لا يتجزّأ ولا يثنّى ولا يقبل الانقسام ولا نظير له ولا مثل ولا يجمع هذين الوصفين إلّا الله عزّ وجلّ «6» ، وأمّا اسم الله عزّ وجلّ «أحد» فإنّه لا يوصف شيء بالأحديّة غيره لا يقال رجل أحد، ولا درهم أحد كما يقال رجل وحد أي فرد، لأنّ أحدا صفة من صفات الرّبّ عزّ وجلّ الّتي استخلصها لنفسه ولا يشركه فيها شيء، وليس ذلك كقولك: الله واحد، وهذا شيء واحد» «7» . وقال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين واحد   (1) نزهة الأعين النواظر (115- 116) . (2) النهاية (5/ 159) . (3) لسان العرب «وحد» (4781- 4782) ط. دار المعارف، والنهاية لابن الأثير 5/ 195. (4) الفتاوى 17/ 235. (5) تفسير ابن كثير 4/ 609. (6) لسان العرب «وحد» (4782) ط. دار المعارف. (7) لسان العرب «وحد» (4781) ط. دار المعارف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1299 وأحد أنّ معنى الواحد أنّه لا ثاني له فلذلك لا يقال في التّثنية واحدان، كما يقال رجل ورجلان ولكن قالوا: اثنان حين أرادوا أنّ كلّ واحد منهما ثان للآخر «1» . وقال النّيسابوريّ: الفرق بين الواحد والأحد من ثلاثة أوجه: الأوّل: أنّ الواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه. الثّاني: أنّك إذا قلت فلان لا يقاومه واحد جاز أن يقال: لكنّه يقاومه اثنان، وليس كذلك الأحد. والثّالث: أنّ الواحد يستعمل في الإثبات والأحد يستعمل في النّفي فيفيد العموم «2» . ولعلّ وجه تخصيص الله بالأحد هو هذا المعنى «3» . التوحيد اصطلاحا: قال الجرجانيّ: التّوحيد ثلاثة أشياء معرفة الله بالرّبوبيّة، والإقرار بالوحدانيّة، ونفي الأنداد عنه جملة «4» . وقال ابن منظور: التّوحيد: الإيمان بالله وحده لا شريك له، والله الواحد الأحد: ذو الوحدانيّة والتّوحّد «5» . وقال صاحب البصائر: التّوحيد الحقيقيّ الّذي هو سبب النّجاة ومادّة السّعادة في الدّار الآخرة هو ما بيّنه الله تعالى وهدانا إليه في كتابه العزيز: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران/ 18) . وقال الإمام محمّد بن عبد الوهّاب: التّوحيد: هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وهو دين الرّسل الّذين أرسلهم الله به إلى عباده «6» . وقال الدّكتور ناصر العمر: التّوحيد شرعا: إفراد الله بحقوقه، وهو لله ثلاثة حقوق: حقوق ملك، وحقوق عبادة، وحقوق أسماء وصفات «7» . أنواع التوحيد: قال الفيروز اباديّ: التّوحيد توحيدان: الأوّل: توحيد الرّبوبيّة، وصاحب هذا التوحيد يشهد قيّوميّة الرّبّ فوق عرشه يدبّر أمر عباده وحده فلا خالق ولا رازق ولا معطي ولا مانع ولا مميت ولا محيي ولا مدبّر لأمر المملكة (والملكوت) ظاهرا وباطنا غيره، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا تتحرّك ذرّة إلّا بإذنه، ولا يجري حادث إلّا بمشيئته، ولا تسقط ورقة إلّا بعلمه، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في السّموت ولا في الأرض.. إلّا وقد أحصاها علمه وأحاطت بها قدرته، ونفذت فيها مشيئته واقتضتها حكمته. والآخر: توحيد الألوهيّة ويعني أن يجمع   (1) الفروق لأبي هلال (134) . (2) وقد يستعمل الأحد في الإثبات أيضا كما في قوله تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ ... (التوبة/ 6) . (3) غرائب القرآن ورغائب الفرقان (بهامش الطبري) مجلد (12 جزء 3 ص 204) . (4) التعريفات (73) . (5) لسان العرب «وحد» . (6) مجموعة التوحيد، الرسالة الثالثة، (70) . (7) التوحيد أولا (15) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1300 الموحّد همّه وقلبه وعزمه وإرادته وحركاته على أداء حقّه والقيام بعبوديّته «1» . وقال شارح كتاب التّوحيد: التّوحيد نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الرّبوبيّة والأسماء والصّفات، وتوحيد في الطّلب والقصد وهو توحيد الألوهيّة والعبادة «2» . وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة: التّوحيد ثلاثة أنواع: 1- أمّا توحيد الرّبوبيّة: فهو الّذي أقرّ به الكفّار على زمن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ولم يدخلهم في الإسلام، وقاتلهم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم واستحلّ دماءهم وأموالهم، وهو توحيد بفعله تعالى، والدّليل قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (يونس/ 31) وقوله تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (المؤمنون/ 84- 89) . 2- توحيد الألوهيّة: وهو الّذي وقع فيه النّزاع في قديم الدّهر وحديثه، وهو توحيد الله بأفعال العباد كالدّعاء، والنّذر، والنّحر، والرّجاء، والخوف، والتوكّل، والرّغبة، والرّهبة، والإنابة. 3- توحيد الذّات والأسماء والصّفات: قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (سورة الإخلاص) وقال عزّ من قائل: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (الأعراف/ 180) «3» . وقد ذكر الشّيخ ابن عثيمين أنّ التّوحيد ينقسم إلى هذه الأقسام الثّلاثة، ثمّ عرّفها قائلا: توحيد الرّبوبيّة: وهو إفراد الله- عزّ وجلّ- بالخلق والملك والتّدبير، فلا خالق إلّا الله، ولا مالك إلّا الله، ولا مدبّر إلّا الله. إذ هو سبحانه المتفرّد بالخلق، والمتفرّد بالملك، والمتفرّد بالتّدبير ... وما يوجد من المخلوق من صنع الأشياء أو الملك أو التّدبير فكلّه ناقص، وهم غير مستقلّين به، بل ذلك من خلق الله- عزّ وجلّ- (أجراه على أيديهم) أمّا المنفرد بذلك على وجه الاستقلال فهو الله سبحانه وتعالى. أمّا توحيد الألوهيّة فهو مستمدّ من قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء/ 25) أي (إفراد المولى   (1) بصائر ذوي التمييز (5/ 172) . (2) فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل شيخ (15) . (3) مجموعة التوحيد لابن تيمية (7، 8) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1301 - عزّ وجلّ- بالعبادة) . والعبادة مبنيّة على شيئين: المحبّة، والتّعظيم. ففي المحبّة يكون الرّجاء، وفعل الأوامر طلبا للوصول إلى محبّة الله- عزّ وجلّ- وثوابه. والتّعظيم: به يترك الإنسان المناهي الّتي نهى الله عنها ويخاف من عقابه، وللعبادة- أيضا- شرطان، أوّلهما: الإخلاص لله. وثانيهما: المتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأمّا توحيد الأسماء والصّفات فيعني إفراد المولى- عزّ وجلّ- بأسمائه وصفاته وذلك بإثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، ونفي ما نفاه عن نفسه، والسّكوت عمّا سكت عنه الله ورسوله، أو أثبتاه إثباتا بلا تمثيل، ونفيا بلا تعطيل «1» . أسس توحيد الأسماء والصفات: يقوم توحيد الأسماء والصّفات على ثلاثة أسس، من حاد عنها لم يكن موحّدا لربّه في الأسماء والصّفات: الأساس الأوّل: تنزيه الله عن مشابهته الخلق، وعن أيّ نقص. الأساس الثّاني: الإيمان بالأسماء والصّفات الثّابتة في الكتاب والسّنة، دون تجاوزها بالنّقص منها أو الزّيادة عليها أو تحريفها أو تعطيلها. الأساس الثّالث: قطع الطّمع عن إدراك كيفيّة هذه الصّفات «2» . أدلة هذا التوحيد: أمّا الأسماء فقد دلّ عليها قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ... (الأعراف/ 180) ، وقوله: لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (الحشر/ 24) . وأمّا الصّفات فقد دلّ عليها إقراره صلّى الله عليه وسلّم لقول الصّحابيّ في الحديث الّذي أخرجه البخاريّ: «إنّها صفة الرّحمن» . وهذا التّوحيد لا يكفي في حصول الإسلام، بل لابدّ مع ذلك من الإتيان بلازمه من توحيد الرّبوبيّة والألوهيّة، ولم يكن الكفّار ينكرون هذا النّوع، إلّا أنّ بعضهم قد ينكر بعضه، إمّا جهلا، وإمّا عنادا «3» . اشتمال الفاتحة على التوحيد بأنواعه المختلفة: قال ابن قيّم الجوزيّة: اشتملت سورة الفاتحة على أنواع التّوحيد الثّلاثة الّتي اتّفقت عليها الرّسل صلوات الله وسلامه عليهم، وهو نوعان (إجمالا) هما التّوحيد العلمي المتعلّق بالأخبار والمعرفة. والثّاني: التّوحيد القصديّ الإراديّ أي المتعلّق بالقصد والإرادة، وهذا الثّاني نوعان: توحيد في الرّبوبيّة وتوحيد في الألوهيّة. (فتصبح الأنواع ثلاثة تفصيلا) .   (1) الجواب المفيد في بيان أقسام التوحيد (8- 17) بتصرف وإيجاز، وانظر أيضا فتاوي الشيخ العثيمين (2/ 112) وما بعدها. (2) التوحيد أولا (321) نقلا عن منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات/ للشنقيطي (3، 5) . (3) التوحيد أولا (22) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1302 فأمّا توحيد العلم: فمداره على إثبات صفات الكمال، وعلى نفي التّشبيه والمثال، والتّنزيه عن العيوب والنّقائص، وقد دلّ على هذا شيئان: مجمل ومفصّل. أمّا المجمل فإثبات الحمد له سبحانه، وأمّا المفصّل: فذكر صفة الإلهيّة والرّبوبيّة والرّحمة «1» والملك، وعلى هذه الأربع مدار الأسماء والصّفات، فأمّا تضمّن الحمد لذلك فإنّ الحمد يتضمّن مدح المحمود بصفات كماله ونعوت جلاله، مع محبّته والرّضا عنه والخضوع له فلا يكون حامدا من جحد صفات المحمود ولا من أعرض عن محبّته والخضوع له ... ومن المعلوم بالفطر والعقول السّليمة والكتب السّماويّة أنّ فاقد صفات الكمال لا يكون إلها ولا مدبّرا، ولا ربّا بل هو مذموم معيب ناقص ليس له حمد في الأولى ولا في الآخرة، وإنّما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال، ونعوت الجلال الّتي لأجلها استحقّ الحمد. أمّا دلالة الأسماء الخمسة وهي: الله، الرّبّ، الرّحمن، الرّحيم، الملك فمبنيّة على أصلين: الأصل الأوّل: أنّ أسماء الرّبّ تبارك وتعالى دالّة على صفات كماله. فهي مشتقّة من الصّفات فهي أسماء وهي أوصاف وبذلك كانت حسنى، إذ لو كانت ألفاظا لا معاني فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالّة على مدح ولا كمال، ولشاع وقوع أسماء الانتقام والغضب في مقام الرّحمة والإحسان ... وأيضا لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنه بأفعالها، فلا يقال: يسمع ويرى ويعلم ويقدر ويريد، ذلك أنّ ثبوت أحكام الصّفات فرع ثبوتها لأنّه إذا انتفى أصل الصّفة استحال ثبوت حكمها، ونفي معاني أسمائه عزّ وجلّ من أعظم الإلحاد فيها «2» . أمّا الأصل الثّاني: فهو أنّ الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدلّ على الذّات والصّفة الّتي اشتقّ منها بالمطابقة فإنّه يدلّ على دلالتين أخريين بالتّضمّن واللّزوم، فيدلّ على الصّفة نفسها بالتّضمنّ، وكذلك على الذّات المجرّدة عن الصّفة، فاسم السّميع (مثلا) يدلّ على ذات الرّبّ وسمعه بالمطابقة وعلى الذّات وحدها وعلى السّمع وحده بالتّضمّن، ويتفاوت النّاس في معرفة اللّزوم وعدمه، ومن هنا يقع اختلافهم في كثير من الأسماء والصّفات والأحكام، فإنّ من علم أنّ الفعل الاختياريّ لازم للحياة، وأنّ السّمع والبصر لازم للحياة الكاملة، وأنّ سائر الكمال من لوازم الحياة الكاملة أثبت من صفات الرّبّ وصفاته وأفعاله ما ينكره من لم يعرف لزوم ذلك، ولا   (1) ذكر ابن القيم في الصفحة التالية أن الأسماء الدالّة على ذلك خمسة هي: الله، الرب، الرحمن، الرحيم، الملك. ومن ثمّ تكون الصفات أربعا والأسماء خمسا فليتأمّل. (2) ذكر الشيخ للإلحاد صورا أخرى عديدة، انظر (38، 39) من المدارج، وقارن بصفة الإلحاد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1303 عرف حقيقة الحياة ولوازمها وكذلك سائر صفاته كذلك «1» . قال ابن القيّم: إذا تقرّر هذان الأصلان فاسم الله دالّ على جميع الأسماء الحسنى والصّفات العليا بالدّلالات كلّها، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهيّة الّتي اشتقّ منها اسم «الله» وهو دالّ على كونه مألوها معبودا تألّهه الخلائق محبّة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنّوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيّته ورحمته المتضمّنين لكمال الملك والحمد، وإلهيّته وربوبيّته ورحمته وملكه مستلزمة لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحيّ، ولا سميع ولا بصير، ولا قادر ولا متكلّم ولا فعّال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله وعلى ذلك: فصفات الجلال والكمال أخصّ باسم «الله» وصفات الفعل والقدرة والتّفرّد بالضرّ والنّفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة، وكمال القوّة، وتدبير أمر الخليقة أخصّ باسم «الرّبّ» . وصفات الإحسان والجود والبرّ والحنان والمنّة، والرّأفة واللّطف أخصّ باسم «الرّحمن» الّذي الرّحمة وصفه، والرّحيم الّذي هو راحم لعباده. وصفات العدل والقبض والبسط، والخفض والرّفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم ونحوها أخصّ باسم «الملك» «2» . التوحيد أصل الدين: قال ابن تيميّة: «والتّوحيد هو أصل الدّين الّذي لا يقبل الله من الأوّلين والآخرين دينا غيره، وبه أرسل الله الرّسل، وأنزل الكتب، كما قال الله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (الزخرف/ 45) . وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء/ 25) ... وقد ذكر الله- عزّ وجلّ- عن كلّ من الرّسل أنّه افتتح دعوته بأن قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ* (هود/ 50، 61) . والمشركون- من قريش وغيرهم- الّذين أخبر القرآن بشركهم واستحلّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دماءهم وأموالهم، وسبي حريمهم وأوجب لهم النّار- كانوا مقرّين بأنّ الله وحده خلق السّماوات والأرض كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (لقمان/ 25) . وكان المشركون الّذين جعلوا مع الله آلهة أخرى مقرّين بأنّ آلهتهم مخلوقة، ولكنّهم كانوا يتّخذونهم   (1) ضرب ابن القيم لذلك أسئلة عديدة، من ذلك على سبيل المثال اسم العليّ فإنّ من لوازم هذا الاسم العلو المطلق، بكل اعتبار، فله العلو المطلق من جميع الوجوه: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذّات، ومن جحد علوّ الذّات فقد جحد لوازم اسمه «العلي» مدارج السالكين (1/ 40) . (2) مدارج السالكين (1/ 33- 43) باختصار وتصرف. وانظر أيضا شرح العقيدة الطحاوية (89) حيث ذكر تحت عنوان أنواع التوحيد التي دعت إليها الرّسل نوعين: هما توحيد في الإثبات والمعرفة، والآخر توحيد في الطلب والقصد (ص 89 وما بعدها) وقد لخّص كلام ابن القيم هنا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1304 شفعاء ويتقرّبون بعبادتهم إليه كما قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (يونس/ 18) «1» . وقال أيضا: الدّاخلون في الإسلام إذا لم يحقّقوا التّوحيد واتّباع الرّسول، بل دعوا الشّيوخ الغائبين واستغاثوا بهم، فلهم من الأحوال الشّيطانيّة نصيب بحسب ما فيهم ممّا يرضي الشّيطان. ومن هؤلاء قوم فيهم عبادة ودين مع نوع جهل. ودين الإسلام مبنيّ على أصلين: على أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيء، وعلى أن يعبد الله بما شرعه على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. وهذان هما حقيقة قولنا: (أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله) . فالإله هو الّذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبّة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا وإكراما. والله- عزّ وجلّ- له حقّ لا يشركه فيه غيره، فلا يعبد إلّا الله، ولا يدعى إلّا الله، ولا يخاف إلّا الله، ولا يطاع إلّا الله» «2» . وقال عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ: وقوله أي محمّد بن عبد الوهّاب- «أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» أي: يوحّدوه بالعبادة، فلابدّ من التّجرّد من الشّرك في العبادة، ومن لم يتجرّد من الشّرك في هذه العبادة لم يكن آتيا بعبادة الله وحده، بل هو مشرك قد جعل لله ندّا.. وفيه أيضا: أنّ العبادة هي التّوحيد؛ لأنّ الخصومة فيه. وفي بعض الآثار الإلهيّة: (إنّي والجنّ والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر سواي، خيري إلى عبادي نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتحبّب إليهم بالنّعم، ويتبغّضون إليّ بالمعاصي ... ) «3» . معنى كلمة التوحيد (لا إله إلّا الله) : قال شارح العقيدة الطّحاويّة: «هذه كلمة التّوحيد الّتي دعت إليها الرّسل كلّهم، وإثبات التّوحيد بهذه الكلمة باعتبار النّفي والإثبات المقتضي للحصر، فإنّ الإثبات المجرّد قد يتطرّق إليه الاحتمال. ولهذا- والله أعلم- لمّا قال تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (البقرة/ 163) ، قال بعده: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (البقرة/ 163) . فإنّه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطانيّ: هب أنّ إلهنا واحد، فلغيرنا إله غيره، فقال تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. وقد اعترض صاحب «المنتخب» على النّحويّين في تقدير الخبر في «لا إله إلّا هو» فقالوا: تقديره: لا إله في الوجود إلّا الله، فقال: يكون ذلك نفيا لوجود الإله. ومعلوم أنّ نفي الماهيّة أقوى في التّوحيد   (1) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ابن تيمية (16، 17) باختصار. (2) المرجع السابق (179، 180) بإيجاز. (3) فتح المجيد- شرح كتاب التوحيد (28) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1305 الصّرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أولى. وقد أجاب أبو عبد الله المرسيّ في «ريّ الظّمان» فقال: هذا كلام من لا يعرف لسان العرب، فإنّ (إله) في موضع المبتدأ على قول سيبويه، وعند غيره اسم (لا) ، وعلى التّقديرين فلابدّ من خبر المبتدأ، وإلّا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد» «1» . وقد علّق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على ذلك فقال: ما قاله صاحب المنتخب ليس بجيّد، وهكذا ما قاله النّحاة وأيّده الشّيخ أبو عبد الله المرسيّ من تقدير الخبر بكلمة (في الوجود) ليس بصحيح؛ لأنّ الآلهة المعبودة من دون الله كثيرة وموجودة، وتقدير الخبر بلفظ «في الوجود لا يحصل به المقصود من بيان أحقّيّة الوهيّة الله سبحانه، وبطلان ما سواها» ؛ لأنّ لقائل أن يقول: كيف تقولون: «لا إله في الوجود إلّا الله» ؟ وقد أخبر الله سبحانه عن وجود آلهة كثيرة للمشركين، كما في قوله سبحانه: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وقوله سبحانه فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً الآية. فلا سبيل إلى التّخلّص من هذا الاعتراض وبيان عظمة هذه الكلمة وأنّها كلمة التّوحيد المبطلة لآلهة المشركين وعبادتهم من دون الله، إلّا بتقدير الخبر بغير ما ذكره النّحاة، وهو كلمة «حقّ» ؛ لأنّها هي الّتي توضّح بطلان جميع الآلهة وتبيّن أنّ الإله الحقّ والمعبود بالحقّ هو الله وحده، كما نبّه على ذلك جمع من أهل العلم منهم أبو العبّاس ابن تيميّة وتلميذه العلّامة ابن القيّم وآخرون- رحمهم الله-. ومن أدلّة ذلك قوله سبحانه: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ فأوضح سبحانه في هذه الآية أنّه هو الحقّ، وأنّ ما دعاه النّاس من دونه هو الباطل، فشمل ذلك جميع الآلهة المعبودة من دون الله من البشر والملائكة والجنّ وسائر المخلوقات، واتّضح بذلك أنّه المعبود بالحقّ وحده، ولهذا أنكر المشركون هذه الكلمة وامتنعوا من الإقرار بها لعلمهم بأنّها تبطل آلهتهم؛ لأنّهم فهموا أنّ المراد بها نفي الألوهيّة بحقّ عن غير الله- سبحانه-، ولهذا قالوا جوابا لنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم لمّا قال لهم: «قولوا لا إله إلّا الله» أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ، وقالوا أيضا: أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ وما في معنى ذلك من الآيات. وبهذا التّقدير يزول جميع الإشكال ويتّضح الحقّ المطلوب» «2» . وقال الشّيخ عبد الله بن جبرين: معنى لا إله إلّا الله، هو عبادة الله وترك عبادة ما سواه، وهو الكفر   (1) شرح العقيدة الطحاوية (109- 111) . (2) تعليق الشيخ عبدة العزيز بن باز في هامش (ص 109- 110) شرح العقيدة الطحاوية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1306 بالطّاغوت والإيمان بالله، فتضمّنت هذه الكلمة العظيمة أنّ ما سوى الله ليس بإله، وأنّ إلهيّة ما سواه من أبطل الباطل، وإثباتها أظلم الظّلم، فلا يستحقّ العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهيّة لغيره، فتضمّنت نفي الإلهيّة عمّا سواه، وإثباتها له وحده لا شريك له، وذلك يستلزم الأمر باتّخاذه إلها وحده، والنّهي عن اتّخاذ غيره معه إلها، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النّفي والإثبات ... وقد دخل في الإلهيّة جميع أنواع العبادة الصّادرة عن تألّه القلب لله بالحبّ والخضوع، والانقياد له وحده لا شريك له، فيجب إفراد الله تعالى بها كالدّعاء والخوف والمحبّة، والتّوكّل والإنابة والتّوبة والذّبح والنّذر والسّجود، وجميع أنواع العبادة، فيجب صرف جميع ذلك لله وحده لا شريك له، فمن صرف شيئا ممّا لا يصلح إلّا من العبادات لغير الله فهو مشرك ولو نطق ب «لا إله إلّا الله، إذ لم يعمل بما تقتضيه من التّوحيد والإخلاص» «1» . شروط كلمة التوحيد: لشهادة أن لا إله إلّا الله شروط يجب على كلّ مسلم أن يحقّقها وهي: 1- العلم: ودليله قول الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (محمد/ 19) . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلّا الله دخل الجنّة» والمراد: العلم الحقيقيّ بمدلول الشّهادتين، وما تستلزمه كلّ منهما من العمل. 2- اليقين: وضدّه الشّكّ والتّوقّف، أو مجرّد الظّنّ والرّيب، والمعنى: أنّ من أتى بالشّهادتين فلابدّ أن يوقن بقلبه ويعتقد صحّة ما يقوله من أحقّيّة إلهيّة الله تعالى وصحّة نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وبطلان ما عدا ذلك. 3- القبول المنافي للرّدّ: ذلك أنّ هناك من يعلم معنى الشّهادتين ويوقن بمدلولهما، ولكنّه يردّهما كبرا وحسدا، وهذه حالة علماء اليهود والنّصارى، فقد شهدوا بإلهيّة الله وحده، وعرفوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك لم يقبلوه، قال تعالى: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ... (البقرة/ 109) . وهكذا كان المشركون يعرفون معنى «لا إله إلّا الله» ولكنّهم يستكبرون عن قبوله، ومصداق ذلك قوله سبحانه: إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. 4- الانقياد: والفرق بينه وبين القبول: أنّ الانقياد هو الاتّباع بالأفعال، والقبول: إظهار صحّة معنى ذلك بالقول. والانقياد: هو الاستسلام والإذعان، وعدم التّعقّب بشيء من أحكام الله تعالى، قال سبحانه: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ (الزمر/ 54) . 5- الصّدق: ودليله قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «من قال لا إله إلّا الله صادقا من قلبه دخل الجنّة» «2» . فأمّا من قالها بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإنّها لا تنجيه،   (1) الشهادتان.. معناها وما تستلزمه كل منهما (22، 23) . (2) انظر الحديث رقم (13) ولفظه «مخلصا) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1307 وذلك حال المنافقين. 6- الإخلاص: ودليله قوله سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (الزمر/ 2) . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أسعد النّاس بشفاعتي من قال لا إله إلّا الله خالصا من قلبه» «1» . 7- المحبّة لله ورسوله: وكلّ ما يحبّه الله ورسوله من الأعمال والأقوال وكذلك محبّة أوليائه وأهل طاعته. سئل ذو النّون المصريّ- رحمه الله-: متى أحبّ ربّي؟ فقال: إذا كان ما يبغضه أمرّ عندك من الصّبر. 8- الكفر بما يعبد من دون الله: وأخذ هذا الشّرط من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال لا إله إلّا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه «2» ... الحديث» «3» . منزلة التوحيد ومكانته: قال العلّامة ابن أبي العزّ الحنفيّ: «اعلم أنّ التّوحيد أوّل دعوة الرّسل، وأوّل منازل الطّريق، وأوّل مقام يقوم فيه السّالك إلى الله عزّ وجلّ. قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (الأعراف/ 59) . وقال هود عليه السّلام لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (الأعراف/ 65) . وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل/ 36) . ولهذا كان أوّل واجب يجب على المكلّف شهادة أن لا إله إلّا الله، لا النّظر، ولا القصد إلى النّظر، ولا الشّكّ، كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم. بل أئمّة السّلف كلّهم متّفقون على أنّ أوّل ما يؤمر به العبد الشّهادتان، ومتّفقون على أنّ من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه، بل يؤمر بالطّهارة والصّلاة إذا بلغ أو ميّز عند من يرى ذلك. ولم يوجب أحد منهم على وليّه أن يخاطبه حينئذ بتجديد الشّهادتين وإن كان الإقرار بالشّهادتين واجبا باتّفاق المسلمين، ووجوبه يسبق وجوب الصّلاة، لكن هو أدّى هذا الواجب قبل ذلك ... فالتّوحيد أوّل ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدّنيا، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» وهو أوّل واجب، وآخر واجب. فالتّوحيد أوّل الأمر وآخره، أعني توحيد الألوهيّة ... » «4» . شفاعة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم خاصة بالموحدين: قال الإمام ابن تيميّة: لا ينتفع بشفاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا أهل التّوحيد المؤمنون دون أهل الشّرك، ولو كان المشرك محبّا له ومعظّما إيّاه لم تنقذه شفاعته من النّار، وإنّما ينجّيه من النّار التّوحيد والإيمان به صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا فإنّ أبا طالب وغيره ممّن يحبّونه ولم يقرّوا بالتّوحيد الّذي جاء به لم يكن ليخرج من النّار بشفاعته ولا   (1) ذكره أبو نعيم في الحلية (9/ 363) . (2) انظر الحديث رقم (15) . (3) انظر في الشروط السبعة الأولى كتاب: الشهادتان (106- 113) ، وكتاب مختصر شرح أركان الإسلام (21- 126) . وقد انفرد الأخير بالشرط الثامن. (4) شرح العقيدة الطحاوية (77، 78) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1308 بغيرها. ودليل ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم جوابا عمّن سأله: أيّ النّاس أسعد بشفاعتك يوم القيامة، قال عليه الصّلاة والسّلام: أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلّا الله خالصا من قلبه، وقد اختار المصطفى عليه الصّلاة والسّلام الشّفاعة وجعلها خاصّة بمن مات لا يشرك بالله شيئا» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الإحسان الإسلام- التهليل- العبادة- الكلم الطيب- التكبير- العلم- الحكم بما أنزل الله- الطاعة- معرفة الله عز وجل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الشرك- الإلحاد- الكفر- النفاق- الزندقة- الحكم بغير ما أنزل الله- الضلال-] .   (1) باختصار وتصرف عن مجموع الفتاوي (153، 154) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1309 الآيات الواردة في «التوحيد» 1- وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) «1» 2- وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) «2» 3- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «3» 4- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «4» 5- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) «5» 6- أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) «6» 7- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) «7»   (1) البقرة: 132- 133 مدنية (2) البقرة: 163 مدنية (3) النساء: 171 مدنية (4) المائدة: 73 مدنية (5) الأنعام: 19 مكية (6) الأعراف: 69- 70 مكية (7) التوبة: 31 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1310 8- يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) «1» 9- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) «2» 10- يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) «3» 11- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «4» 12- إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) «5» 13- * وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) «6» 14- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «7» 15- قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) «8» 16- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) «9» 17- * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «10» 18- وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4) «11» 19- وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) «12»   (1) يوسف: 39 مكية (2) الرعد: 16 مدنية (3) إبراهيم: 48 مكية (4) إبراهيم: 52 مكية (5) النحل: 22 مكية (6) النحل: 51 مكية (7) الكهف: 110 مكية (8) الأنبياء: 108 مكية (9) الحج: 34 مدنية (10) العنكبوت: 46 مكية (11) الصافات: 1- 4 مكية (12) ص: 4- 5 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1311 20- قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) «1» 21- لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4) «2» 22- وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) «3» 23- ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) «4» 24- يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) «5» 25- فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) «6» 26- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) «7» 27- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) «8» 28- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «9» 29- وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) «10» 30- قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) «11»   (1) ص: 65 مكية (2) الزمر: 4 مكية (3) الزمر: 45 مكية (4) غافر: 12 مكية (5) غافر: 16 مكية (6) غافر: 84 مكية (7) فصلت: 6 مكية (8) الممتحنة: 4 مدنية (9) الجن: 1- 2 مكية (10) الجن: 18- 20 مكية (11) الإخلاص: 1- 4 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1312 الآيات الدالة على «الوحدانية» معنى 31- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) «1» 32- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) » 33- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «3» 34- إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) «4» 35- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «5» 36- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) * وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)   (1) البقرة: 255 مدنية (2) آل عمران: 1- 6 مدنية (3) آل عمران: 18 مدنية (4) آل عمران: 59- 63 مدنية (5) النساء: 86- 87 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1313 قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) «1» 37- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41) «2» 38- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) «3» 39- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) «4» 40- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) «5» 41- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى   (1) الأنعام: 12- 14 مكية (2) الأنعام: 39- 41 مكية (3) الأنعام: 46- 47 مكية (4) الأنعام: 100- 106 مكية (5) الأنعام: 114 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1314 ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) «1» 42- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) «2» 43- * وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) «3» 44- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «4» 45- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) «5» 46- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (139) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) «6» 47- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) «7» 48- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128)   (1) الأنعام: 161- 164 مكية (2) الأعراف: 59 مكية (3) الأعراف: 65 مكية (4) الأعراف: 73 مكية (5) الأعراف: 85 مكية (6) الأعراف: 138- 141 مكية (7) الأعراف: 158 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1315 فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «1» 49- * وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «2» 50- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) «3» 51- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) «4» 52- * وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «5» 53- * وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) «6» 54- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «7» 55- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) «8»   (1) التوبة: 128- 129 مدنية (2) يونس: 90- 92 مكية (3) هود: 13- 14 مكية (4) هود: 50 مكية (5) هود: 61 مكية (6) هود: 84 مكية (7) الرعد: 30 مدنية (8) النحل: 1- 4 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1316 56- لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا (22) «1» 57- ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) «2» 58- نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) «3» 59- طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8) «4» 60- فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) «5» 61- إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) «6» 62- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) «7» 63- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20)   (1) الإسراء: 22 مكية (2) الإسراء: 39- 43 مكية (3) الكهف: 13- 15 مكية (4) طه: 1- 8 مكية (5) طه: 11- 14 مكية (6) طه: 98 مكية (7) الأنبياء: 22 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1317 أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) «1» 64- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) » 65- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) «3» 66- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) «4» 67- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) «5» 68- أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) «6» 69- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «7» 70- فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) «8»   (1) الأنبياء: 19- 25 مكية (2) الأنبياء: 87- 88 مكية (3) المؤمنون: 23 مكية. (4) المؤمنون: 31- 32 مكية (5) المؤمنون: 91- 92 مكية (6) المؤمنون: 115- 117 مكية (7) الفرقان: 68- 70 مكية (8) الشعراء: 213 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1318 71- وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) «1» 72- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) «2» 73- وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) «3» 74- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (86) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) «4»   (1) النمل: 24- 26 مكية (2) النمل: 59- 64 مكية (3) القصص: 70- 72 مكية (4) القصص: 85- 88 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1319 75- يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) «1» 76- إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) «2» 77- خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «3» 78- وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (64) «4» 79- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «5» 80- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) «6» 81- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) «7»   (1) فاطر: 3 مكية (2) الصافات: 35- 37 مكية (3) الزمر: 6- 7 مكية (4) الزمر: 61- 64 مكية (5) غافر: 1- 3 مكية (6) غافر: 61- 62 مكية (7) غافر: 64- 65 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1320 82- أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) «1» 83- وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) «2» 84- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) «3» 85- وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) «4» 86- فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) «5» 87- مْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) «6» 88- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ   (1) الزخرف: 42- 45 مكية (2) الزخرف: 84- 85 مكية (3) الدخان: 1- 8 مكية (4) محمد: 17- 19 مدنية (5) الذاريات: 50- 51 مكية (6) الطور: 39- 43 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1321 الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «1» 89- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) «2» 90- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (10) «3» 91- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) «4»   (1) الحشر: 22- 24 مدنية (2) التغابن: 10- 13 مدنية (3) المزمل: 8- 10 مكية (4) الناس: 1- 6 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1322 الأحاديث الواردة في «التوحيد» 1- * (عن عمرو بن عبسة السّلميّ قال: كنت وأنا في الجاهليّة، أظنّ أنّ النّاس على ضلالة، وأنّهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكّة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله مستخفيا، جرآء عليه قومه «1» ؛ فتلطّفت حتّى دخلت عليه بمكّة، فقلت له: ما أنت؟ قال: «أنا نبيّ» ، فقلت: وما نبيّ؟ قال: «أرسلني الله» ، فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء» ، قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: «حرّ وعبد» (قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممّن آمن به) ، فقلت: إنّي متّبعك. قال: «إنّك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال النّاس؟ ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» قال: فذهبت إلى أهلى وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، وكنت في أهلي فجعلت أتخبّر الأخبار وأسأل النّاس حين قدم المدينة، حتّى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة. فقلت: ما فعل هذا الرّجل الّذي قدم المدينة؟ فقالوا: النّاس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه. فقلت: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أتعرفني؟ قال: «نعم. أنت الّذي لقيتني بمكّة؟» . قال: فقلت: بلى. فقلت: يا نبيّ الله، أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله. أخبرني عن الصّلاة. قال: «صلّ صلاة الصّبح، ثمّ أقصر عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع، فإنّها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفّار. ثمّ صلّ، فإنّ الصّلاة مشهودة «2» محضورة «3» حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح، ثمّ أقصر عن الصّلاة فإنّ حينئذ تسجر جهنّم «4» ، فإذا أقبل الفيء فصلّ، فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة حتّى تصلّي العصر، ثمّ أقصر عن الصّلاة حتّى تغرب الشّمس فإنّها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفّار» قال فقلت: يا نبيّ الله، فالوضوء؟ حدّثني عنه. قال: «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلّا خرّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثمّ إذا غسل وجهه كما أمره الله إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثمّ يغسل يديه إلى المرفقين إلّا خرّت خطايا يديه مع أنامله مع الماء، ثمّ يمسح رأسه إلّا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثمّ يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلّى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجّده بالّذي هو له   (1) جرآء جمع جرئ مثل برآء، والمراد أنّهم يتجرّأون على إيذائه. (2) مشهودة: يشهدها الملائكة. (3) محضورة: يحضرها أهل الطاعات. (4) اسم إن محذوف وهو ضمير الشأن. ومعنى تسجر جهنم: يوقد عليهم إيقادا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1323 أهل، وفرّغ قلبه لله، إلّا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمّه» ) *» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معاذا إلى نحو أهل اليمن، قال له: إنّك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أوّل ما تدعوهم إلى أن يوحّدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلّوا فأخبرهم أنّ الله افترض عليهم زكاة أموالهم تؤخذ من غنيّهم فتردّ على فقيرهم، فإذا أقرّوا بذلك فخذ منهم وتوقّ كرائم أموال النّاس» ) * «2» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «بني الإسلام على خمسة: على أن يوحّد الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصيام رمضان، والحجّ، فقال رجل: الحجّ وصيام رمضان؟ قال: لا: صيام رمضان، والحجّ، هكذا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» . 4- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النّجاشيّ، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى، ولا نسمع شيئا نكرهه، فلمّا بلغ قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النّجاشيّ فينا رجلين جلدين «4» ، وأن يهدوا للنّجاشيّ هدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة ... ثمّ إنّهما قرّبا هداياهم إلى النّجاشيّ، فقبلها منهما ثمّ كلّماه فقالا له: أيّها الملك إنّه قد صبا إلى بلدك منّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه، قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النّجاشيّ كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيّها الملك، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما فليردّاهم إلى بلادهم وقومهم، قال: فغضب النّجاشيّ ثمّ قال: لاها الله، أيم الله، إذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد، قوما جاوروني نزلوا بلادي واختاروني على من سواي، حتّى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم؟ فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني، قالت: ثمّ أرسل إلى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعاهم، فلمّا جاءهم رسوله اجتمعوا، ثمّ قال بعضهم لبعض، ما تقولون للرّجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، كائن في ذلك ما هو كائن، فلمّا جاءوه، وقد دعا النّجاشيّ أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدّين الّذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الّذي كلّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد   (1) مسلم (832) واللفظ له، وأحمد (4/ 112) . (2) البخاري- الفتح (7372) ، ومسلم (19) . (3) البخاري- الفتح 1 (8) ، وسلم (16) . (4) جلدين مثنى جلد وهو الرّجل القوي في نفسه وجسده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1324 الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف. فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلّ ما كنّا نستحلّ من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقّوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيّها الملك، قالت: فقال له النّجاشيّ: هل معك ممّا جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال جعفر: نعم: فقال النّجاشيّ: فاقرأه عليّ، فقرأ صدرا من (كهيعص) ، قالت: فبكى والله النّجاشيّ حتّى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتّى أخضلو، امصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثمّ قال النّجاشيّ: إنّ هذا والله والّذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فو الله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد ... ) * «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أراد أن يضحّي اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين «2» ، فذبح أحدهما عن أمّته لمن شهد لله بالتّوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمّد وعن آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم، زاد في رواية أحمد عن أبي رافع قال: فكأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كفانا) * «3» . 6- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه: أنّ العاص بن وائل نذر في الجاهليّة أن ينحر مائة بدنة، وأنّ هشام بن العاص نحر حصّته، خمسين بدنة، وأنّ عمرا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: «أمّا أبوك فلو كان أقرّ بالتّوحيد فصمت وتصدّقت عنه نفعه ذلك» ) * «4» . 7- * (عن ما عز التّميميّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه سئل أيّ الأعمال أفضل؟. قال: «إيمان بالله وحده، ثمّ حجّة برّة تفضل سائر   (1) أحمد (1/ 202- 203) برقم (1740) ، قال الشيخ شاكر: إسناده صحيح، وهو بطوله في مجمع الزوائد (1/ 24- 27) . (2) الأملح: ما كان فيه بيان وسواد، وبياضه أكثر، والأقرن: ما كان له قرنان معتدلان، والموجوء: هو الخصيّ أي نزع منه عرق الأنثيين، وذلك أسمن له. (3) ابن ماجة (2/ 3122) واللفظ له. وفي الزوائد في إسناده عبد الله بن محمد مختلف فيه، وله شاهد من حديث أنس- رضي الله عنه- في السنن الكبرى (3/ 66) ، وأحمد (من رواية أبي رافع) (6/ 8) . (4) أحمد (2/ 182) حديث رقم (6704) ، قال الشيخ شاكر إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (4/ 192) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1325 الأعمال، كما بين مطلع الشّمس إلى مغربها» ) * «1» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رجل ممّن كان قبلكم لم يعمل خيرا قطّ إلّا التّوحيد فلمّا احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا متّ أن يحرقوه حتّى يدعوه حمما، ثمّ اطحنوه، ثمّ أذروه في يوم ريح، فلمّا مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله- عزّ وجلّ- يا ابن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربّ، من مخافتك، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيرا قطّ إلّا التّوحيد» ) * «2» . 9- * (عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من وحّد الله تعالى وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه وحسابه على الله عزّ وجلّ» ) * «3» . 10- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يعذّب ناس من أهل التّوحيد في النّار حتّى يكونوا فيها حمما «4» . ثمّ تدركهم الرّحمة، فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنّة، قال: فترشّ عليهم أهل الجنّة الماء فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السّيل «5» . ثمّ يدخلون الجنّة» ) * «6» . الأحاديث الواردة في (التوحيد) معنى 11- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة كذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو النّاس. خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم ويذكر ذنبه، فيستحي- ائتوا نوحا، فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول: ائتوا خليل الرّحمن. فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ائتوا موسى عبدا كلّمه الله وأعطاه التّوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم ويذكر قتل النّفس بغير نفس، فيستحي من ربّه فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. فيأتوني، فأنطلق حتّى أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا   (1) أحمد (4/ 342) وقال الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (ص 218) : إسناده جيد. (2) أحمد (2/ 304) واللفظ له، وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. (3) مسلم (23) وأحمد (3/ 472) واللفظ له، وانظر أيضا (6/ 394، 395) . (4) الحمم: جمع حممة وهي الفحمة. (5) ينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل. المراد أنهم سرعان ما تعود إليهم أبدانهم وأجسامهم بعد إحراق النار لها، وذلك مثل ما يجىء به السيل من غثاء ونحوه فيستقر على الشاطئ فينبت في يوم وليلة. (6) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (4/ 713) رقم (2597) واللفظ له، ورواه أحمد (3/ 391) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1326 رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفّع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي مثله- ثمّ أشفّع فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة. ثمّ أعود الرّابعة فأقول: ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثمّ يخرج من النّار من قال: لا إله إلّا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برّة، ثمّ يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرّة» ) * «1» . 12- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان، فقال: يا كريب، انظر ما اجتمع له من النّاس، قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «2» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قيل يا رسول الله: من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلّا الله خالصا من قلبه، أو نفسه» ) * «3» . 14- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني آت من عند ربّي فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا» ) * «4» . 15- * (عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قال: لا إله إلّا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله» ) * «5» . 16- * (عن جابر- رضي الله عنه- أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله: ما الموجبتان؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة، ومن مات يشرك بالله دخل النّار» «6» . 17- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: أتاني جبريل فبشّرني أنّه من مات لا   (1) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له. ومسلم (193) . (2) مسلم (948) . (3) البخاري- الفتح 1 (99) . (4) الترمذي (2441) ، والحاكم في المستدرك (1/ 67) وأقره الذهبي. (5) مسلم (23) . (6) مسلم (93) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1327 يشرك بالله شيئا دخل الجنّة، قلت وإن سرق وإن زنى؟ قال: وإن سرق وإن زنى» ) * «1» . 18- * (عن عبادة بن الصّامت، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنّ الجنّة حقّ، وأنّ النّار حقّ أدخله الله من أيّ أبواب الجنّة الثّمانية شاء» ) * «2» . 19- * (عن عثمان، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو يعلم أنّه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» ) * «3» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا قعودا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، معنا أبو بكر وعمر، في نفر، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا، فكنت أوّل من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيت حائطا للأنصار لبني النّجّار، فدرت به هل أجد له بابا؟، فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والرّبيع: الجدول) فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب «4» ، فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أبو هريرة؟» ، فقلت: نعم يا رسول الله. قال: «ما شأنك» ؟ قلت: كنت بين أظهرنا، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أوّل من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب، وهؤلاء النّاس ورائي، فقال: «يا أبا هريرة (وأعطاني نعليه) قال: اذهب بنعليّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنّة» فكان أوّل من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النّعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعثني بهما، من لقيت يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّرته بالجنّة. فضرب عمر بيده بين ثدييّ فخررت لاستي فقال: ارجع يا أبا هريرة. فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجهشت بكاء وركبني عمر فإذا هو على أثري، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما لك يا أبا هريرة؟» قلت: لقيت عمر فأخبرته بالّذي بعثتني به، فضربني بين ثدييّ ضربة خررت لاستي، قال: ارجع. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمر، ما حملك على ما فعلت» ؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي «5» يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّره بالجنّة؟ قال: «نعم» قال: فلا تفعل، فإنّي أخشى أن يتّكل النّاس عليها، فخلّهم يعملون. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فخلّهم» ) * «6» . 21- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ. ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ. فقدم المدينة بشر كثير، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويعمل مثل عمله. فخرجنا معه،   (1) البخاري- الفتح 13 (7487) ، ومسلم (94) . (2) البخاري- الفتح 6 (3435) ، ومسلم (28) . (3) مسلم (26) . (4) احتفزت كما يحتفز الثعلب: معناه: تضاممت ليسعني المدخل. (5) أي من لقيه أبو هريرة وهو يشهد أن لا إله إلّا الله. (6) مسلم (31) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1328 حتّى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمّد ابن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، واستثفري «1» بثوب وأحرمي» . فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، ثمّ ركب القصواء «2» ، حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مدّ بصري بين يديه، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلّ بالتّوحيد «3» : لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك. وأهلّ النّاس بهذا الّذي يهلّون به، فلم يردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم شيئا منه، ولزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلبيته، قال جابر- رضي الله عنه-: لسنا ننوي إلّا الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتّى إذا أتينا البيت معه، استلم الرّكن فرمل ثلاثا «4» ومشى أربعا، ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السّلام فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (2/ البقرة/ الآية 125) ، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول (ولا أعلمه ذكره إلّا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) : كان يقرأ في الرّكعتين قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. ثمّ رجع إلى الرّكن فاستلمه، ثمّ خرج من الباب «5» إلى الصّفا، فلمّا دنا من الصّفا قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ (البقرة/ 158) ، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصّفا، فرقي عليه، حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبّره، وقال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلّا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثمّ دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرّات، ثمّ نزل إلى المروة، حتّى إذا انصبّت قدماه «6» في بطن الوادي سعى، حتّى إذا صعدتا» مشى، حتّى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصّفا، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ، وليجعلها عمرة» . فقام سراقة بن مالك ابن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟، فشبّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: «دخلت العمرة في الحجّ (مرّتين) لا بل لأبد أبد» ، وقدم عليّ من اليمن ببدن «8» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجد فاطمة- رضي الله عنها-   (1) واستثفري: الاستثفار: هو أن تشد في وسطها شيئا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها، من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها. (2) القصواء: هي ناقته صلّى الله عليه وسلّم، قال أبو عبيد: القصواء: المقطوعة الأذن عرضا. (3) فأهل بالتوحيد: يعني قوله: لبيك لا شريك لك. (4) رمل ثلاثا: الرّمل هو إسراع المشي مع تقارب الخطا. (5) ثم خرج من الباب: أي من باب بني مخزوم، وهو الذي يسمى باب الصفا؛ لأنه أقرب الأبواب إلى الصفا. (6) حتى إذا انصبت قدماه: أي انحدرت، فهو مجاز من انصباب الماء. (7) حتى إذا صعدتا: أي ارتفعت قدماه عن بطن الوادي. (8) ببدن: هو جمع بدنة، وأصله الضم، كخشب في جمع خشبة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1329 ممّن حلّ، ولبست ثيابا صبيغا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إنّ أبي أمرني بهذا. قال: فكان عليّ يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله محرّشا «1» على فاطمة للّذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما ذكرت عنه فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها. فقال: «صدقت، صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحجّ؟» . قال: قلت: اللهمّ إنّي أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال: «فإنّ معي الهدي فلا تحلّ» . قال: فكان جماعة الهدي الّذي قدم به عليّ من اليمن والّذي أتى به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مائة. قال: فحلّ النّاس كلّهم وقصّروا، إلّا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن كان معه هدي. فلمّا كان يوم التّروية توجّهوا إلى منى، فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى بها الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثمّ مكث قليلا حتّى طلعت الشّمس، وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة «2» فسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تشكّ قريش إلّا أنّه واقف عند المشعر الحرام «3» كما كانت قريش تصنع في الجاهليّة، فأجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي «4» فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «5» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده، إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون   (1) محرشا: التحريش الإغراء، والمراد هنا: أن يذكر له ما يقتضي عتابها. (2) بنمرة: بفتح النون وكسر الميم، هذا أصلها. وهي موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات. (3) ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام: معنى هذا أن قريشا كانت في الجاهلية، تقف بالمشعر الحرام، وهو جبل في المزدلفة يقال له (قزح) . وقيل: إنّ المشعر الحرام كل المزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات، فظنت قريش أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه. فتجاوزه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عرفات؛ لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، أي سائر العرب غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه. (أ. هـ. نووي) . (4) بطن الوادي: هو وادي عرنة، وليست عرنة من أرض عرفات إلا عند مالك فقال: إنها من عرفات. (نووي) . (5) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه: قال الإمام النووي: المختار أن معناه: أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيّا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1330 عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس: «اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد. ثلاث مرّات» . ثمّ أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئا، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصّخرات «1» وجعل حبل المشاة بين يديه «2» ، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتّى غربت الشّمس، وذهبت الصّفرة قليلا حتّى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد شنق «3» للقصواء الزّمام حتّى إنّ رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: «أيّها النّاس السّكينة السّكينة» كلّما أتى حبلا من الحبال «4» أرخى لها قليلا، حتّى تصعد. حتّى أتى المزدلفة «5» فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبّح بينهما شيئا. ثمّ اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى طلع الفجر، وصلّى الفجر، حيّن تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة، ثمّ ركب القصواء حتّى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده، فلم يزل واقفا حتّى أسفر جدّا فدفع قبل أن تطلع الشّمس، وأردف الفضل بن عبّاس وكان رجلا حسن الشّعر أبيض وسيما، فلمّا دفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّت به ظعن يجرين «6» فطفق الفضل ينظر إليهنّ، فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على وجه الفضل. فحوّل الفضل وجهه إلى الشّقّ الآخر ينظر. فحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده من الشّقّ الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشّقّ الآخر ينظر. حتّى أتى بطن محسّر «7» فحرّك قليلا ثمّ سلك الطّريق الوسطى الّتي تخرج على الجمرة الكبرى، حتّى أتى الجمرة الّتي عند الشّجرة، فرماها بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة منها حصى الخذف «8» ، رمى من بطن الوادي، ثمّ انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستّين بيده، ثمّ أعطى عليّا فنحر ما غبر «9» . وأشركه في هديه. ثمّ أمر من كلّ بدنة ببضعة   (1) الصخرات: هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، فهذا هو الموقف المستحب. (2) وجعل حبل المشاة بين يديه: روي حبل وروي جبل، قال القاضي عياض- رحمه الله-: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة أي مجتمعهم، وأما بالجيم فمعناه طريقهم. (3) شنق: ضمّ، وضيّق. (4) كلما أتى حبلا من الحبال: الحبال جمع حبل، وهو التل اللطيف من الرمل الضخم. (5) المزدلفة: معروفة، سميت بذلك من التزلف والازدلاف، وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليها وتقربوا منها، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أي ساعات. (6) مرت به ظعن يجرين: الظعن: بضم الظاء والعين، ويجوز إسكان العين: جمع ظعينة، كسفينة وسفن، وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة، ثم تسمى به المرأة مجازا لملابستها البعير. (7) حتى أتى بطن محسّر: سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي أعيا وكلّ، ومنه قوله تعالى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ. (8) حصى الخذف: أي حصى صغار بحيث يمكن أن يرمي بأصبعين، والخذف: في الأصل مصدر سمي به، يقال: خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب ضرب، أي رميتها بطرفي الإبهام والسبابة. (9) ما غبر: أي ما بقي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1331 فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأفاض إلى البيت «1» ، فصلّى بمكّة الظّهر فأتى بني عبد المطّلب يسقون على زمزم، فقال: «انزعوا «2» بني عبد المطّلب فلولا أن يغلبكم النّاس «3» على سقايتكم لنزعت معكم» ، فناولوه دلوا فشرب منه) * «4» . 22- * (عن جعفر قال: حدّثني أبي قال: أتينا جابر بن عبد الله وهو في بني سلمة فسألناه عن حجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدّثنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحجّ. ثمّ أذّن في النّاس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ هذا العام، قال: فنزل المدينة بشر كثير، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يفعل مثل ما يفعل. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعشر بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه، حتّى أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنت عميس بمحمّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، ثمّ استثفري بثوب، ثمّ أهلّي» . فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء أهلّ بالتّوحيد، لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك. ولبّى النّاس، والنّاس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسمع فلم يقل لهم شيئا، فنظرت مدّ بصري وبين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من راكب وماش، ومن خلفه مثل ذلك، وعن يمينه مثل ذلك، وعن شماله مثل ذلك، قال جابر: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فخرجنا لا ننوي إلّا الحجّ حتّى أتينا الكعبة، فاستلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم الحجر الأسود، ثمّ رمل ثلاثا، ومشى أربعة، حتّى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلّى خلفه ركعتين، ثمّ قرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى قال أبو عبد الله- يعني جعفرا- فقرأ فيهما بالتّوحيد، وقل يأيّها الكافرون، ثمّ استلم الحجر، وخرج إلى الصّفا، ثمّ قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، ثمّ قال: «نبدأ بما بدأ الله به» ، فرقي على الصّفا حتّى إذا نظر إلى البيت كبّر قال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلّا الله، أنجز وعده، وصدق عبده، وغلب الأحزاب وحده. ثمّ دعا، ثمّ رجع إلى هذا الكلام، ثمّ نزل حتّى إذا انصبّت قدماه في الوادي رمل، حتّى إذا صعد مشى، حتّى أتى المروة فرقي عليها حتّى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصّفا، فلمّا كان السّابع عند المروة قال: يأيّها النّاس، إنّي لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، ولجعلتها عمرة، فمن لم يكن معه هدي   (1) فأفاض إلى البيت: فيه محذوف تقديره (فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة ثم صلّى الظهر) فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه. (2) انزعوا: معناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء. (3) لولا أن يغلبكم الناس، أي لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه، بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم، لكثرة فضيلة هذا الاستقاء. (4) مسلم (1218) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1332 فليحلل وليجعلها عمرة» فحلّ النّاس كلّهم، فقال سراقة بن مالك بن جعشم وهو في أسفل المروة: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟، فشبّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابعه فقال: «للأبد» ثلاث مرّات ... الحديث» ) * «1» . 23- * (عن جابر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى الصّفا فرقي عليها حتّى بدا له البيت ثمّ وحّد الله عزّ وجلّ- وكبّره وقال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير، ثمّ مشى حتّى إذا انصبّت قدماه سعى، حتّى إذا صعدت قدماه مشى، حتّى أتى المروة ففعل عليها كما فعل على الصّفا حتّى قضى طوافه» ) * «2» . 24- * (عن يعقوب بن إبراهيم قال حدّثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدّثني عن افتراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخذه اليسرى في وسط الصّلاة وفي آخرها، وقعوده على وركه اليسرى، ووضعه يده اليسرى على فخذه اليسرى، ونصبه قدمه اليمنى، ووضعه يده اليمنى على فخذه اليمنى، ونصبه إصبعه السّبّابة يوحّد بها ربّه- عزّ وجلّ-» ) * «3» . 25- * (عن أنس بن مالك قال: حدّثني محمود بن الرّبيع عن عتبان بن مالك، قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان، فقلت: حديث بلغني عنك. قال: أصابني في بصري بعض الشّيء، فبعثت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي أحبّ أن تأتيني فتصلّي فى منزلى، فأتّخذه مصلّى. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن شاء الله من أصحابه، فدخل وهو يصلّي في منزلي، وأصحابه يتحدّثون بينهم، ثمّ أسندوا عظم ذلك وكبره «4» إلى مالك بن دخشم. قالوا: ودّوا أنّه دعا عليه فهلك، وودّوا أنّه أصابه شرّ، فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة، وقال: «أليس يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله؟» قالوا: إنّه يقول ذلك، وما هو في قلبه. قال: «لا يشهد أحد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله فيدخل النّار، أو تطعمه» . قال أنس: فأعجبني هذا الحديث، فقلت لابني: أكتبه. فكتبه» ) * «5» . 26- * (عن الصّنابحيّ عن عبادة بن الصّامت، أنّه قال: دخلت عليه وهو في الموت، فبكيت، فقال: مهلا «6» لم تبكي؟ فو الله لئن استشهدت لأشهدنّ لك، ولئن شفّعت لأشفعنّ لك، ولئن استطعت لأنفعنّك. ثمّ قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكم فيه خير إلّا حدّثتكموه إلّا حديثا واحدا، وسوف أحدّثكموه   (1) أحمد (3/ 320) واللفظ له، وأبو داود في كتاب المناسك حديث رقم (1905) (باب صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم) ، (2/ 182- 186) ، وأصله عند مسلم (1218) . (2) النسائي برقم 2985 (5/ 244) واللفظ له، وأبو داود (1905) (باب صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم) ، وأصله عند مسلم. (3) أحمد (4/ 57) . (4) عظم: أي معظم ومعناه: أنهم تحدثوا وذكروا شأن المنافقين وأفعالهم القبيحة وما يلقون منهم، ونسبوا معظم ذلك إلى مالك. (5) مسلم (54) . (6) مهلا: أي أنظرني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1333 اليوم، وقد أحيط بنفسي «1» . سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من شهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله حرّم الله عليه النّار» ) * «2» . 27- * (عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد قال: لمّا كان غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة، قالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا «3» ، فأكلنا وادّهنّا «4» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «افعلوا» ، قال: فجاء عمر، فقال: يا رسول الله، إن فعلت قلّ الظّهر «5» ، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثمّ ادع الله لهم عليها بالبركة، لعلّ الله أن يجعل في ذلك «6» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» ، قال: فدعا بنطع فبسطه، ثمّ دعا بفضل أزوادهم. قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة. قال: ويجيء الآخر بكفّ تمر. قال: ويجيء الآخر بكسرة حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليه بالبركة، ثمّ قال: «خذوا في أوعيتكم» ، قال: فأخذوا في أوعيتهم، حتّى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملئوه، قال: فأكلوا حتّى شبعوا وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد، غير شاك، فيحجب عن الجنّة» ) *» . 28- * (بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وإنّهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله. وإنّ رجلا من المسلمين قصد غفلته، قال: وكنّا نحدّث أنّه أسامة بن زيد، فلمّا رفع عليه السّيف قال: لا إله إلّا الله، فقتله. فجاء البشير إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأله فأخبره، حتّى أخبره خبر الرّجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: «لم قتلته؟» قال: يا رسول الله، أوجع «8» في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمّى له نفرا، وإنّي حملت عليه، فلمّا رأى السّيف قال: لا إله إلّا الله. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقتلته؟» قال: نعم. قال: «فكيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» قال: يا رسول الله، استغفر لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» . قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: «كيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» ) * «9» . 29- * (عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة فصبّحنا الحرقات «10» من جهينة، فأدركت رجلا، فقال: لا إله إلّا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقال: لا إله إلّا الله وقتلته؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنّما قالها خوفا من السّلاح، قال: «أفلا   (1) أحيط بنفسي: أي قربت من الموت وأيست من النجاة والحياة. (2) مسلم (47) . (3) النواضح من الإبل: التي يستقي عليها. (4) ادّهنا: أي اتخذنا من شحومها دهنا. (5) الظهر: الدواب، سميت ظهرا لكونها يركب على ظهرها، أو لكونها يستظهر بها ويستعان على السفر. (6) فيه محذوف تقديره: يجعل في ذلك بركة أو خيرا، فحذف المفعول. (7) مسلم (45) . (8) أوجع في المسلمين: أي أوقع بهم وآلمهم. (9) مسلم (160) . (10) فصبحنا الحرقات: أي أتيناهم صباحا. والحرقات: موضع ببلاد جهينة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1334 شققت عن قلبه «1» حتّى تعلم أقالها أم لا» ، فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنّيت أنّي أسلمت يومئذ. قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتّى يقتله ذو البطين- يعني أسامة- قال: قال رجل: ألم يقل الله: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ؟. فقال سعد: قد قاتلنا حتّى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنة» ) * «2» . 30- * (عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يصاح برجل من أمّتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلّا كلّ سجلّ منها مدّ البصر ثمّ يقال: أتنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا ربّ، فيقال: ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرّجل فيقول: لا، فيقال: بلى، إنّ لك عندنا حسنة وإنّه لا ظلم عليك، فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله. فيقول: يا ربّ ما هذه البطاقة مع هذه السّجلّات؟ فيقال: إنّك لا تظلم، فتوضع السّجلّات في كفّة والبطاقة في كفّة، فطاشت السّجلّات وثقلت البطاقة» ) * «3» . 31- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال موسى: يا ربّ، علّمني شيئا أذكرك وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلّا الله. قال: يا ربّ، كلّ عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى، لو أنّ السّموات السّبع وعامرهنّ غيري، والأرضين السّبع في كفّة، ولا إله إلّا الله في كفّة مالت بهنّ لا إله إلّا الله» ) * «4» . 32- * (عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا تبوّأ مضجعه قال: «الحمد لله الّذي كفاني، وآواني، وأطعمني، وسقاني، والّذي منّ عليّ وأفضل، والّذي أعطاني فأجزل، الحمد لله على كلّ حال، اللهمّ ربّ كلّ شيء، وملك كلّ شيء، وإله كلّ شيء، ولك كلّ شيء، أعوذ بك من النّار) * «5» . 33- * (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أوحى إلى يحيى ابن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بهنّ، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ فكأنّه أبطأ بهنّ، فأتاه عيسى فقال: إنّ الله أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهنّ، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، فإمّا أن تخبرهم، وإمّا أن أخبرهم، فقال: يا أخي! لا تفعل فإنّي أخاف   (1) أفلا شققت عن قلبه: معناه: إنما كلفت بالعمل الظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه، فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان. (2) مسلم (158) . (3) الترمذي- باب الإيمان (2641) ، أحمد في مسنده (2/ 213) ، ابن ماجة في الزهد برقم (4300) . وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «المسند» رقم (1994) : إسناده صحيح. (4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة برقم (834) ، وابن حبان في صحيحه (2324) موارد، والحاكم في المستدرك (1/ 528) ، وصححه ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في الفتح (11/ 175) : أخرجه النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه-. (5) أحمد (2/ 117) حديث رقم (5983) . قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وأبو داود (4/ 473) ، وفي مجمع الزوائد (10/ 123) حديث مختصر نحو هذا من حديث بريدة مرفوعا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1335 إن تسبقني بهنّ أن يخسف بي، أو أعذّب. قال: فجمع بني إسرائيل ببيت المقدس حتّى امتلأ المسجد وقعدوا على الشّرفات، ثمّ خطبهم فقال: إنّ الله أوحى إليّ بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، أوّلهنّ: أن لا تشركوا بالله شيئا، فإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق، ثمّ أسكنه دارا. فقال: اعمل وارفع إليّ فجعل يعمل ويرفع إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك، فإنّ الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئا، وإذا قمتم إلى الصّلاة فلا تلتفتوا، فإنّ الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده ما لم يلتفت وآمركم بالصّيام، ومثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة مسك، كلّهم يحبّ أن يجد ريحها، وإنّ الصّيام أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصّدقة ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ فأوثقوا يده إلى عنقه، وقرّبوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم، وجعل يعطي القليل والكثير حتّى فدى نفسه، وآمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذكر الله كمثل رجل طلبه العدوّ سراعا في أثره حتّى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشّيطان إلّا بذكر الله ... الحديث» ) * «1» . 34- * (روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في تفسير هذه الآية رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قالوا: إذا أخرج أهل التّوحيد من النّار وأدخلوا الجنّة ودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين) * «2» . 35- * (عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقيت ليلة أسري بي إبراهيم الخليل عليه السّلام فقال: يا محمّد! أقرأ أمّتك منّي السّلام وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة، عذبة الماء، وأنّها قيعان، وأنّ غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر) * «3» . 36- * (عن سعيد بن المسيّب عن أبيه قال: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أي عمّ، قل: لا إله إلّا الله، أحاجّ لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب، أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» ، فنزلت (الآية الكريمة) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (التوبة/ 113) * «4» .   (1) سنن الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب (2863) وزاد فيه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: وأنا آمركم بخمس والمنذري في الترغيب (2/ 397) وقال: رواه الترمذي والنسائي ببعضه وابن خزيمة في صحيحه (3/ 195، 196) برقم (1895) واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم (1/ 421) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي. (2) الترمذي (5/ 24) كتاب الإيمان/ باب (17) . (3) صحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب، سليم بن عيد الهلالي (87) ، وقال الترمذي: حديث حسن غريب من حديث ابن مسعود. (4) البخاري- الفتح 8 (4675) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1336 37- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد نجران فقالوا (للرّسول صلّى الله عليه وسلّم) : صف لنا ربّك. أزبرجد؟ أم ياقوت؟ أم ذهب؟ أم فضّة؟. فقال: «إنّ ربي ليس من شيء، وأنّه خلق الأشياء، فنزلت «قل هو الله أحد» فقالوا: هو واحد وأنت واحد، فقال «ليس كمثله شيء» ، قالوا: زدنا من الصّفة. قال: «الله الصّمد» . فقالوا: وما الصّمد؟ قال: «الّذي يصمد الخلق إليه في الحوائج» . فقالوا: زدنا. فقال: «لم يلد كما ولدت مريم، ولم يولد كما ولد عيسى، ولم يكن له كفوا أحد» يريد: نظيرا من خلقه» . ولشرف هذه السّورة سمّيت بأسماء كثيرة أشهرها الإخلاص. وقد يقال لها سورة التّفريد، أو التّوحيد، أو النّجاة، أو الولاية، لأنّ من قرأها صار من أولياء الله «1» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوحيد) 1- * (قال ابن جريح في تفسير قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ... الآية (آل عمران/ 64) . يعني: يطيع بعضنا بعضا في معصية الله) * «3» . 2- * (وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى ... أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ... لا وثنا ولا صليبا ولا صنما ولا طاغوتا ولا نارا، بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له، وهذه دعوة جميع الرّسل، قال تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ «4» . 3- * (قال أبو العالية: في تفسير «السّواء» في قوله عزّ من قائل: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ.. كلمة السّواء «لا إله إلّا الله» ) * «5» . 4- * (قال مجاهد: كلمة التّقوى: لا إله إلّا الله) * «6» . 5- * (سئل الزّهريّ عن قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «من قال لا إله إلّا الله دخل الجنّة» فقال: «إنّما كان هذا في أوّل الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنّهي» قال التّرمذيّ: ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أنّ أهل التّوحيد سيدخلون الجنّة، وإن عذّبوا بالنّار بذنوبهم فإنّهم لا يخلّدون في النّار) * «7» . 6- * (قال الإمام البخاريّ: قال: عدّة من   (1) وذلك مصروف إلى من قالها خالصا من قلبه، عاملا بمقتضى ما تضمنته من توحيد. (2) رواه أحمد في المسند والترمذي (3364) ، والحاكم (2/ 540) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وابن جرير في تفسيره وهو حديث صحيح. (3) تفسير ابن كثير (1/ 379) . (4) المرجع نفسه. (5) تفسير الطبري (3/ 215) . (6) فتح الباري (8/ 575) . (7) الترمذي (5/ 24) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1337 أهل العلم في قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ عن قول لا إله إلّا الله «1» . قال ابن حجر: من هؤلاء أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر ومجاهد) * «2» . 7- * (قال النّيسابوريّ في تفسير سورة الإخلاص: وردت الأخبار الكثيرة بفضل سورة الإخلاص وأنّها تعدل ثلث القرآن، فاستنبط العلماء لذلك وجها مناسبا: وهو أنّ القرآن مع غزارة فوائده اشتمل على ثلاثة معان فقط هي: معرفة ذات الله تعالى، ومعرفة أفعاله وسننه مع عباده. ولمّا تضمّنت سورة الإخلاص أحد هذه الأقسام الثّلاثة وهو التّقديس (أي التّوحيد) وازنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلث القرآن) * «3» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ هذه الآية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً قال: في التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ونذيرا وحرزا للأمّيّين أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا «4» ، قال ابن حجر: فيفتح بها أي بكلمة التّوحيد) * «5» . 9- * (قال الطّبريّ في قوله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (يوسف/ 108) يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم (قل) يا محمّد (هذه) الدّعوة الّتي أدعو إليها والطّريقة الّتي أنا عليها من الدّعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته (سبيلي) وطريقتي ودعوتي (أدعو إلى الله) وحده لا شريك له) * «6» . 10- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (آل عمران/ 64) أي لا نتّبعه في تحليل شيء أو تحريمه إلّا فيما حلّله الله تعالى، وهو نظير قوله عزّ وجلّ: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة/ 31) معناه أنّهم أنزلوهم منزلة ربّهم في قبول تحليلهم وتحريمهم لما لم يحلّله الله تعالى ولم يحرّمه) * «7» . 11- وقال- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة/ 31) ، قال أهل المعاني: جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم في كلّ شيء) * «8» .   (1) فتح الباري (1/ 97) . (2) المرجع السابق (1/ 98) . (3) رغائب الفرقان للنيسابوري (30/ 201) على هامش الطبري. (4) البخاري- الفتح (4838) . (5) فتح الباري ج (8/ 451) . (6) الطبري (13/ 52) . (7) تفسير القرطبي (4/ 106) . (8) المرجع السابق (8/ 120) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1338 12- * (سئل حذيفة عن قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ هل عبدوهم؟ فقال: لا، ولكن أحلّوا لهم الحرام فاستحلّوه، وحرّموا عليهم الحلال فحرّموه) * «1» . 13- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله-: «إنّ التّوحيد الّذي بعث الله به رسوله قوليّ وعمليّ، فالتّوحيد القوليّ مثل سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، والتّوحيد العمليّ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ولذا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ بهاتين السّورتين في ركعتي الفجر وركعتي الطّواف قوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا (البقرة/ 136) ، وفي الرّكعة الثّانية بقوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) فإنّ هاتين الآيتين فيهما دين الإسلام، وفيهما الإيمان القوليّ والعمليّ، فقوله تعالى قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ إلى آخرها (البقرة/ 136) يتضمّن الإيمان القوليّ والإسلام. وقوله قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا ... الآية إلى آخرها (آل عمران/ 64) يتضمّن الإسلام والإيمان العمليّ، فأعظم نعمة أنعمها الله على عباده الإسلام والإيمان وهما في هاتين الآيتين) * «2» . 14- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «لا ريب أنّ أهل التّوحيد يتفاوتون في توحيدهم علما ومعرفة وحالا- تفاوتا لا يحصيه إلّا الله. فأكمل النّاس توحيدا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، والمرسلون منهم أكمل في ذلك. وأولو العزم من الرّسل أكمل توحيدا ... وأكمل أولي العزم الخليلان: محمّد وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليهما، إذ قاما من التّوحيد بما لم يقم به غيرهما علما ومعرفة وحالا، ودعوة للخلق وجهادا. ولمّا كان أكمل التّوحيد توحيد الأنبياء أمر الله نبيّه أن يقتدي بهم فيه كما قال سبحانه- بعد ذكر إبراهيم ومناظرته أباه وقومه في بطلان الشّرك وصحّة التّوحيد وذكر الأنبياء من ذريّته- أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ* أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (الأنعام/ 89- 90) . فلا أكمل من توحيد من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقتدي بهم) * «3» . 15- * (وقال ابن القيّم أيضا في قوله تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ أي: لا ينال عهدي بالإمامة مشرك، ولهذا أوصى نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم أن يتّبع ملّة   (1) تفسير القرطبي (8/ 120) . (2) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (182، 183) . (3) مدارج السالكين (3/ 501، 502) بإيجاز. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1339 إبراهيم، وكان يعلّم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وملّة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين، فملّة إبراهيم التّوحيد، ودين محمّد: ما جاء به من عند الله قولا وعملا واعتقادا. وكلمة الإخلاص: هي شهادة أن لا إله إلّا الله، وفطرة الإسلام: هي ما فطر الله عليه عباده من محبّته وعبادته وحده لا شريك له والاستسلام له عبوديّة وذلّا، وانقيادا وإنابة) * «1» . 16- * (قال عبد الرّحمن بن حسن بن محمّد بن عبد الوهّاب: إنّ حقيقة معنى كلمة «لا إله إلّا الله» الإخلاص ونفي الشّرك. وكلاهما متلازمان، لا يوجد أحدهما بدون الآخر، فإنّ من لم يكن مخلصا فهو مشرك، ومن لم يكن صادقا فهو منافق، والمخلص أن يقولها مخلصا الإلهيّة لله عزّ وجلّ، وهذا التّوحيد هو أساس الإسلام الّذي قال الخليل عليه السّلام: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ.. ولذا قيّدت في الحديث بقوله صلّى الله عليه وسلّم «غير شاكّ» فلا تنفع إلّا من قالها بعلم ويقين لقوله صدقا من قلبه خالصا من قلبه..) *» . 17- * (وقال أيضا في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ. «ترك الشّرك يتضمّن كمال التّوحيد ومعرفته على الحقيقة ومحبّته وقبوله والدّعوة إليه كما قال تعالى: قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ، وتضمّنت هذه الآية كمال التّوحيد وتحقيقه) * «3» . 18- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: حقّ الإله عبادة بالأمر لا ... بهوى النّفوس فذاك للشّيطان من غير إشراك به شيئا هما ... سبب النّجاة فحبّذا السّببان لم ينج من غضب الإله وناره ... إلّا الّذي قامت به الأصلان «4» . والنّاس بعد فمشرك بإلهه ... أو ذو ابتداع أو له الوصفان «5» . 19- * (وقال بعض الشّعراء: فيا عجبا كيف يعصى الإل ... هـ أم كيف يجحده الجاحد ؟! وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنّه الواحد ) * «6» . 20- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى قُلْ   (1) مدارج السالكين (3/ 502) . (2) قرة عيون الموحدين الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد ابن عبد الوهاب (108) . (3) المرجع السابق (2) . (4) الأصلان هما توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية. (5) كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين- للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (9) . (6) الإملا في إشكالات الإحياء (20) ملحق إحياء علوم الدين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1340 هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يعني: هو الواحد، الأحد، الّذي لا نظير له، ولا وزير، ولا نديد، ولا شبيه، ولا عديل. ولا يطلق هذا اللّفظ على أحد في الإثبات «1» . إلّا على الله عزّ وجلّ، لأنّه الكامل في جميع صفاته وأفعاله) * «2» . من فوائد (التوحيد) (1) التّوحيد أعظم أسباب انشراح الصّدر لأنّه أعظم درجات التّأدّب مع الله عزّ وجلّ. (2) من حقّق التّوحيد دخل الجنّة بغير حساب ولا عذاب. (3) يمنع الخلود في النّار إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبّة من خردل، وأنّه إذا كمل في القلب يمنع دخول النّار بالكليّة. (4) به تغفر الذّنوب وتكفّر السّيّئات. (5) هو السّبب الأعظم لتفريج كربات الدّنيا والآخرة. (6) يحترز به من الشّيطان. (7) يدفع شرّ الحاسد. (8) الموحّدون يشفع لهم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. (9) الموحّدون يشفعون بإذن الله لذويهم يوم القيامة ممّا يدلّ على عظيم مكانتهم عند الله. (10) يحصل لصاحبه الهدى والكمال والأمن التّامّ في الدّنيا والآخرة. (11) السّبب الأساسيّ لنيل رضا الله وثوابه. (12) أنّ جميع الأعمال والأقوال الظّاهرة والباطنة متوقّفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتيب الثّواب عليها على التّوحيد. (13) أنّه يسهّل على العبد فعل الخير وترك المنكرات، ويسلّيه عن المصيبات. (14) بالتّوحيد يحرم مال الموحّد ودمه. (15) إذا كمل في القلب حبّب الله لصاحبه الإيمان وزيّنه في قلبه وكرّه إليه الكفر والفسوق والعصيان. (16) أنّه يخفّف عن العبد المكاره، ويهوّن عليه الالام. (17) يحرّر العبد من رقّ المخلوقين والتّعلّق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم، وهذا هو العزّ الحقيقيّ والشّرف العالي. (18) إذا تحقّق تحقّقا كاملا تضاعف به الأعمال.   (1) لعل مراده أن هذا اللفظ لا يطلق مقصودا بها معينا، وإلّا فقد ورد مقصودا به العموم في قوله تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ (التوبة/ 6) . (2) تفسير ابن كثير (4/ 609) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1341 (19) تكفّل الله لأهله بالفتح والنّصر في الدّنيا والعزّ والشّرف وحصول الهداية والتّيسير لليسر وإصلاح الأحوال. (20) يدفع الله تعالى عن الموحّدين شرور الدّنيا والآخرة، ويمنّ عليهم بالحياة الطّيّبة والطّمأنينة بذكره. (21) التّوحيد الخالص يدفع الرّياء والغلّ وغيرهما من كبائر الباطن. (22) الصّلاة والصّدقة من الأبناء لا تنفع سوى الموحّدين «1» .   (1) اقتبسنا بعض هذه الفوائد عن ابن القيم في بدائع الفوائد (2/ 245) ، وزاد المعاد (2/ 23- 28) وانظر أيضا ناصر العمر في «التوحيد أولا» (80- 82) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1342 التودد الآيات/ الأحاديث/ الآثار 9/ 10/ 23 التودد لغة: مصدر تودّد إلى فلان، وهو مأخوذ من مادّة (ودد) الّتي تدلّ على المحبّة يقال وددته أحببته ووددت أنّ ذاك كان: إذا تمنّيته، والمصدر في باب المحبّة الودّ وفي باب التّمنّي الودادة، وقال الرّاغب: الودّ محبّة الشّيء وتمنّي كونه، ويستعمل في كلّ واحد من المعنيين أي المحبّة والتّمنّي، على أنّ التّمنّي يتضمّن معنى الودّ، لأنّ التّمنّي هو تشهّي حصول ما نودّه، وقوله- عزّ وجلّ- وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم/ 21) وقوله- عزّ من قائل- سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (مريم/ 96) فإشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة في قوله: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (الأنفال/ 63) ، وفي المودّة الّتي تقتضي المحبّة المجرّدة جاء قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (الشورى/ 23) . وقال ابن منظور: الودّ الحبّ يكون في جميع مداخل الخير. ودّ الشّيء ودّا وودّا وودّا وودادة وودادا وودادا وودّة وموددة: أحبّه. ووددت الشّيء أودّه، وهو من الأمنيّة قال الفرّاء: هذا أفضل الكلام، يقال: ودّك ووديدك. كما تقول حبّك وحبيبك، والودّ الوديد، والجمع أودّ مثل قدح وأقدح وذئب وأذؤب، وهما يتوادّان وهم أودّاء. ووددت الرّجل أودّه ودّا إذا أحببته، وتودّد إليه: تحبّب، وتودّده: اجتلب ودّه، عن ابن الأعرابيّ، أنشد: أقول: تودّدني إذا ما لقيتني ... برفق، ومعروف من القول ناصع «1» وقال ابن الأثير: الودود في أسماء الله تعالى، فعول بمعى مفعول، من الودّ والمحبّة. يقال: وددت الرّجل إذا أحببته، فالله تعالى ودود أي محبوب في قلوب أوليائه، قال: أو هو فعول بمعنى فاعل أي يحبّ عباده الصّالحين بمعنى يرضى عنهم «2» . واصطلاحا: هو التّواصل الجالب للمحبّة، أو هو التّواصل على المحبّة «3» ، وقال الجرجانيّ: التّودّد هو طلب مودّة الأكفاء بما يوجب ذلك.   (1) لسان العرب (3/ 453- 455) . ومقاييس اللغة (6/ 75) . (2) النهاية (5/ 165) . (3) فتح الباري- ابن حجر (10/ 454) . ومفردات الراغب (ص 516) . وكتاب التعريفات للجرجاني (ص 75) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1343 الوداد مرتبة من مراتب المحبة: قال ابن القيّم- رحمه الله-: الخامسة- من مراتب المحبّة- الوداد: وهو صفو المحبّة وخالصها ولبّها «1» . الودود من أسماء الله تعالى: وفيه قولان: أحدهما: أنّه المودود. قال البخاريّ- رحمه الله- في صحيحه: الودود الحبيب. والثّاني: أنّه الوادّ لعباده، أي المحبّ لهم. وقرنه باسمه (الغفور) : إعلاما بأنّه يغفر الذّنب ويحبّ التّائب منه، فحظّ التّائب نيل المغفرة منه. وعلى القول الأوّل (الودود) يكون في معنى سرّ الاقتران، أي اقتران (الودود بالغفور) ، استدعاء مودّة العباد له، ومحبّتهم إيّاه باسم الغفور «2» . بين التواد والتعاطف والتراحم: قال ابن أبي جمرة: الّذي يظهر أنّ التّراحم والتّوادد والتّعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف، فأمّا التّراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوّة الإيمان لا بسبب شيء آخر، وأمّا التّوادد فالمراد به التّواصل الجالب للمحبّة كالتّزاور والتّهادي. وأمّا التّعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضا كما يعطف الثّوب عليه ليقوّيه «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- حسن الخلق- حسن العشرة- حسن المعاملة- الحنان- الرفق- العطف- الرأفة- الرحمة- المحبة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإساءة- الإعراض- التحقير- سوء المعاملة- العنف- القسوة- الجهل] .   (1) تهذيب مدارج السالكين (520) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) فتح الباري- ابن حجر (10/ 453- 454) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1344 الآيات الواردة في «التودد» 1- وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) «1» 2- * لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) «2» 3- وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) «4» 5- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) «5» 6- ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «6» 7- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) «7» 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)   (1) النساء: 73 مدنية (2) المائدة: 82 مدنية (3) هود: 90 مكية (4) مريم: 96 مكية (5) الروم: 21 مكية (6) الشورى: 23 مدنية (7) المجادلة: 22 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1345 لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «1» 9- إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) «2»   (1) الممتحنة: 1- 5 مدنية. (2) البروج: 12- 14 مكية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1346 الأحاديث الواردة في (التودد) 1- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكّة، فسلّم عليه عبد الله. وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقيل له: أصلحك الله! إنّهم الأعراب وإنّهم يرضون باليسير. فقال عبد الله: إنّ أبا هذا كان ودّا لعمر بن الخطّاب، وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أبرّ البرّ صلة الولد أهل ودّ أبيه» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه أتى المقبرة فسلّم على المقبرة، فقال: «السّلام عليكم، دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون. وددت أنّا قد رأينا إخواننا» . قالوا: يا رسول الله! أو لسنا إخوانك؟ قال: «أنتم أصحابي وإخواننا الّذين لم يأتوا بعد» ) * «2» . 3- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تضمّن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادا «4» في سبيلي، وإيمانا بي وتصديقا برسلي، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة. أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والّذي نفس محمّد بيده ما من كلم يكلم «5» في سبيل الله، إلّا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم وريحه مسك، والّذي نفس محمّد بيده! لولا أن يشقّ على المسلمين، ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة، ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي، والّذي نفس محمّد بيده! لوددت أنّي أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل ثمّ أغزو فأقتل» ) * «6» . 5- * (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنّها لا تلد، أفأتزوّجها؟ قال: «لا» ، ثمّ أتاه الثّانية فنهاه، ثمّ أتاه الثّالثة، فقال: «تزوّجوا الودود الولود فإنّي مكاثر بكم الأمم) » * «7» . 6- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خطب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ الله خيّر عبدا بين   (1) مسلم (2552) . (2) مسلم (249) . (3) البخاري- الفتح 10 (6011) . ومسلم (2586) واللفظ له. (4) لا يخرجه إلا جهادا: هكذا هو في جميع النسخ: جهادا بالنصب، وكذا قال بعده «وإيمانا بي، وتصديقا» وهو منصوب على أنه مفعول له أي: لا يخرجه المخرج إلا للجهاد والإيمان والتصديق، ومعناه لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى. (5) كلم يكلم: أي جرح يجرح. (6) البخاري- الفتح 1 (36) . ومسلم 1876) واللفظ له. (7) أبو داود (2050) . والنسائي (6/ 65) وقال محقق جامع الأصول (11/ 428) : إسناده حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1347 الدّنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله» فبكى أبو بكر رضي الله عنه- فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشّيخ، إن يكن الله خيّر عبدا بين الدّنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله؟ فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا. قال: «يا أبا بكر لا تبك، إنّ أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلا من أمّتي لاتّخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته، لا يبقينّ في المسجد باب إلّا سدّ، إلّا باب أبي بكر) * «1» . 7- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، فقيل له: أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا» ... الحديث وفيه: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما» ) * «2» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه ... الحديث، وفيه: فأمّا أسامة فأشار عليه بالّذي يعلم في نفسه من الودّ لهم، فقال أسامة: أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلّا خيرا ... الحديث) *» . 9- * (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّن شهد بدرا من الأنصار أنّه أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلّي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الّذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصليّ بهم، ووددت يا رسول الله أنّك تأتيني فتصلّي في بيتي فأتّخذه مصلّى. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأفعل إن شاء الله. قال عتبان: فغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- حين ارتفع النّهار، فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأذنت له فلم يجلس حتّى دخل البيت، ثمّ قال: أين تحبّ أن أصلّي من بيتك؟ قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر فقمنا، فصلّى ركعتين ثمّ سلّم. قال: وحبسناه على خزيرة «4» صنعناها له، قال: فثاب في البيت رجال من أهل الدّار ذوو عدد فاجتمعوا، فقال قائل منهم: أين مالك بن الدّخيشن- أو ابن الدّخشن-؟ فقال بعضهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك ألا تراه قال لا إله إلّا الله يريد بذلك وجه الله» قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «5» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: «من أشدّ أمّتي لي حبّا، ناس يكونون بعدي يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 1 (466) واللفظ له. ومسلم (2382) . (2) البخاري- الفتح 8 (4727) . (3) البخاري- الفتح 5 (2661) واللفظ. له ومسلم (2770) . (4) الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه دقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة. (5) البخاري- الفتح 1 (425) واللفظ له. ومسلم (33) . (6) مسلم (2832) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1348 الأحاديث الواردة في (التودد) معنى انظر: صفة (المحبة) من الآثار الواردة في (التودد) 1- * (قال عمر- رضي الله عنه-: «ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته أوّلا، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه» ) * «1» . 2- * (قال الأحنف بن قيس: «خير الإخوان إن استغنيت عنه لم يزدك في المودّة، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها، وإن كوثرت عضّدك، وإن استرفدت رفدك، وأنشد: أخوك الّذي إن تدعه لملمّة ... يجبك وإن تغضب إلى السّيف يغضب) * «2» . 3- * (عن زهدم الجرميّ قال: «كان بين هذا الحيّ من جرم وبين الأشعريّين ودّ وإخاء فكنّا عند أبي موسى الأشعريّ. فقرّب إليه طعام فيه لحم دجاج. فدخل رجل من بني تيم الله ... الحديث) * «3» . 4- * (قال التّابيّ: «الإخوان ثلاثة أصناف: فرع بائن من أصله، وأصل متّصل بفرعه، وفرع ليس له أصل. فأمّا الفرع البائن من أصله فإخاء بني على مودّة، ثمّ انقطعت فحفظ على ذمام الصّحبة؛ وأمّا الأصل المتّصل بفرعه، فإخاء أصله الكرم وأغصانه التّقوى، وأمّا الفرع الّذي لا أصل له، فالمموّه الظّاهر الّذي ليس له باطن) * «4» . 5- * (قال شبيب بن شيبة: «إخوان الصّفاء خير مكاسب الدّنيا، هم زينة في الرّخاء، وعدّة في البلاء، ومعونة على الأعداء» ) * «5» . 6- * (قال الجاحظ: الودّ هو المحبّة المعتدلة من غير اتّباع الشّهوة، والودّ مستحسن من الإنسان إذا كان ودّه لأهل الفضل والنّبل، وذوي الوقار والأبّهة، والمتميّزين من النّاس، فأمّا التودّد إلى أراذل النّاس وأصاغرهم والأحداث والنّسوان وأهل الخلاعة فمكروه جدّا. وأحسن الودّ ما نسجته بين منوالين متناسبة الفضائل، وهو أوثق الودّ وأثبته، فأمّا ما كان ابتداؤه اجتماعا على هزل، أو لطلب لذّة فليس محمودا، وليس بباق ولا ثابت» ) * «6» . 7- * (كتب سعيد بن حميد إلى أحد أصحابه «إنّي أهديت مودّتي إليك رغبة، ورضيت بالقبول منك مثوبة، فصرت بقبولها قاضيا لحقّ ومالكا لرقّ   (1) إحياء علوم الدين للغزالي (2/ 181) . (2) انظر العقد الفريد (4/ 211) . (3) مسلم (1649) . (4) انظر العقد الفريد (4/ 211) . (5) المصدر السابق (4/ 211) . (6) انظر تهذيب الأخلاق (23) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1349 وصرت بالتّسرّع إلى الهديّة، والتنظّر للمثوبة، مرتهن اللّسان بالجزاء واليدين بالوفاء» ) * «1» . 8- * (قال الماوردي: «البرّ هو المعروف، ويتنوّع نوعين قولا وعملا، فأمّا القول فهو طيب الكلام وحسن البشر، والتّودّد بجميل القول، وهذا يبعث عليه حسن الخلق، ورقّة الطّبع، ويجب أن يكون محدودا كالسّخاء، فإنّه إن أسرف فيه كان ملقا مذموما، وإن توسّط واقتصد فيه كان معروفا وبرّا محمودا» ) * «2» . 9- * (كتب إبراهيم بن العبّاس إلى أحد إخوانه: المودّة يجمعنا حبلها، والصّناعة تؤلّفنا أسبابها، وما بين ذلك من تراخ في لقاء، أو تخلّف في مكاتبة، موضوع بيننا يجب العذر فيه) * «3» . 10- * (عن الحسين بن عبد الرّحمن، قال: كان يقال: «إنّ المودّة قرابة مستفادة» ) * «4» . 11- * (وقالوا: «الصّديق من صدقك ودّه وبذل لك رفده» ) * «5» . 12- * (قيل: «القرابة تحتاج إلى مودّة والمودّة لا تحتاج إلى قرابة» ) * «6» . 13- * (قال جعفر الصّادق- رحمه الله-: «مودّة يوم صلة، ومودّة شهر قرابة، ومودّة سنة رحم مائية من قطعها قطعه الله) * «7» . من أقوال الشعراء: 14- * (كتب رجل إلى أبي العتاهية: يا أبا إسحاق إنّي ... واثق منك بودّك فأعنّي بأبي أن ... ت على عيبي برشدك فأجابه بقوله: أطع الله بجهدك ... راغبا أو دون جهدك أعط مولاك الّذي تط ... لب من طاعة عبدك) * «8» 15-* (وقال آخر: إن كنت متّخذا خليلا ... فتنقّ وانتقد الخليلا من لم يكن لك منصفا ... في الودّ فابغ به بديلا ولقلّما تلقى اللّئيم عليك إلّا مستطيلا) * «9» . 16- * (للعطويّ: صن الودّ إلّا عن الأكرمين ... ومن بمؤاخاته تشرف ولا تغترر من ذوي خلّة ... بما موّهوا لك أو زخرفوا) * «10» . 17- * (وقال شاعر: إذا ذهب العتاب فليس ودّ ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب) * «11» . 18- * (وقال آخر:   (1) العقد الفريد، لابن عبد ربه (4/ 212) . (2) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص 200) . (3) العقد الفريد، لابن عبد ربه (4/ 211) . (4) كتاب الإخوان، لابن أبي الدنيا (ص 143) . (5) العقد الفريد، لابن عبد ربه (2/ 292) . (6) إحياء علوم الدين، للغزالي (2/ 185) . (7) المرجع السابق نفسه. (8) أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 131) . (9) العقد الفريد (2/ 292- 297) . (10) المرجع السابق (2/ 292- 297) . (11) العقد الفريد (2/ 292- 297) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1350 تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني ... صديقك إنّ الرّأي عنك لعازب وليس أخي من ودّني رأي عينه ... ولكن أخي من ودّني وهو غائب) * «1» . 19- * (وللمبرّد: ما القرب إلّا لمن صحّت مودّته ... ولم يخنك وليس القرب للنّسب) * 2. كم من قريب زويّ الصّدر مضطغن ... ومن بعيد سليم غير مقترب) * 3. 20- * (وأنشد ابن الأعرابيّ: لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ... ولكنّ إخوان الصّفا لذخائر) * 4. 21- * (قال الشّاعر: يا صديقي الّذي بذلت له الو ... دّ وأنزلته على أحشائي إنّ عينا أقذيتها لتراعي ... ك على ما بها من الأقذاء ما بها حاجة إليك ولكن ... هي معقودة بحبل الوفاء) * 5. 22- * (وقال آخر: ارض من المرء في مودّته ... بما يؤدّي إليك ظاهره من يكشف النّاس لا يرى أحدا ... تصحّ منه له سرائره) * 6. 23- * (قال الشّاعر: لعمري لئن قرّت بقربك أعين ... لقد سخنت بالبين منك عيون فسر أو أقم، وقف عليك مودّتي ... مكانك من قلبي عليك مصون) * 7. من فوائد (التودد) (1) يزيد الألفة ويقوّي التّضافر والتّناصر. (2) يقرّب بين النّاس وينشر الرأفة والرّحمة بينهم. (3) يترجم عن قوّة النّفس المسلمة بتمسّكها بحبل الله المتين. (4) ما تواصلت حبال المودّة بين النّاس إلّا بسط الله عليهم رداء الرّحمة والغفران. (5) يزيل ما بين النّفوس من الإحن والأحقاد. (6) إنّه مدعاة إلى حسن الثّناء على الإنسان من الله والنّاس. (7) يسدّ الخلل في المجتمع الإسلاميّ ويقوّي العلاقات الاجتماعيّة فيه.   1- 7 انظر العقد الفريد لابن عبد ربه (2/ 296) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1351 التوسط الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 29/ 19 التوسط لغة: مصدر توسّط الشّيء وهو مأخوذ من مادّة (وس ط) الّتي تدلّ على العدل والنّصف، وأعدل الشّيء أوسطه ووسطه، ويقال هو أوسطهم حسبا إذا كان في واسطة قومه وأرفعهم محلّا، ووسط الشّيء: ما بين طرفيه. ويكون ساكنا، فتقول: وسط القوم، وحينئذ فهو ظرف. ويكون متحرّكا فتقول: جلست في وسط الدّار، وذلك لأنّه اسم. والضّابط في ذلك أنّ كلّ موضع يصلح أن يكون فيه كلمة (بين) فهو ساكن، وإلّا فهو متحرّك. وقال ثعلب: إنّ كلّ ما كان مصمتا يكون متحرّكا بالفتح، وما كان أجزاء مخلخلة يكون ساكنا (وسط) . وقد يكون كلّ واحد مكان الآخر. وأوسط الشيء أفضله وخياره كوسط المرعى خير من طرفيه وكوسط الدّابّة للرّكوب خير من طرفيها لتمكّن الرّاكب، وفي التّنزيل: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً (البقرة/ 143) أي: عدلا أو خيارا. وتقول: توسّط وسط الشّيء: أي صار بأوسطه، ويقال: وسطت القوم أوسطهم وسطا وسطة أي توسّطتهم. وأمّا قولهم: فلان من أوسط قومه: أي من أشرفهم وأحسبهم. وكذلك الوسيط: الحسيب والحسن، ومنه سمّيت الصلاة الوسطى، لأنّها أفضل الصّلوات وأعظمها أجرا، ولذلك خصّت بالمحافظة عليها، وقيل لأنّها وسط بين صلاتي اللّيل وصلاتي النّهار. وقال الرّاغب: وسط الشّيء ماله طرفان متساويا القدر، ويقال ذلك في الكمّيّة المتّصلة كالجسم الواحد إذا قلت وسطه صلب وضربت وسط رأسه بفتح السّين، ويقال بسكون السّين في الكمّيّة المنفصلة، كشيء يفصل بين جسمين نحو وسط القوم، والوسط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان، يقال هذا أوسطهم حسبا إذا كان في واسطة قومه وأرفعهم محلّا. وكالجود الّذي هو بين البخل والسّرف ... وتارة يقال فيما له طرف محمود وآخر مذموم كالخير والشّرّ أو الجودة والرّداءة، تقول من هذا المعنى: شيء وسط: أي بين الجيّد والرّديء، ويقال: فلان وسط في قومه، إذا كان أوسطهم نسبا وأرفعهم مجدا. وفي صفة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان من أوسط قومه: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1352 أي خيارهم. فوسط الوادي: خير مكان فيه، وكذلك كان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من خير مكان في نسب العرب، وأمّته أيضا كذلك جعلت وسطا أي خيارا «1» . والتوسط اصطلاحا: أن يتحرّى المسلم الاعتدال ويبتعد عن التطرّف قولا وفعلا بحيث لا يقصّر ولا يغالي، وقال الرّاغب: التّوسّط: القصد المصون عن الإفراط والتّفريط «2» . خير الأمور الوسط: قال ابن الأثير- رحمه الله تعالى- في بيان أفضليّة التّوسّط: كلّ خصلة محمودة لها طرفان مذمومان: فالسّخاء وسط بين البخل والتّبذير، والشّجاعة وسط بين الجبن والتّهوّر، والإنسان مأمور أن يتجنّب كلّ وصف مذموم، وتجنّبه يكون بالتّعرّي منه، والبعد عنه، فكلّما ازداد منه بعدا ازداد إلى الوسط تقرّبا؛ ولذلك فإنّ أبعد الجهات والمقادير والمعاني من كلّ طرفين وسطها، فإذا كان في الوسط، فقد بعد عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان «3» . التوسط خصيصة لأهل الملة ولأهل السنة: قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: أهل السنّة والجماعة: «الفرقة الناجية» وسط في النّحل كما أنّ ملّة الإسلام وسط في الملل، فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصّالحين، لم يغلوا فيهم كما غلت النّصارى، ولم يجفوا عنهم كما جفت اليهود. وهم وسط في شرائع دين الله، فلم يحرّموا على الله أن ينسخ ما شاء ويمحو ما شاء ويثبت ما شاء، كما قالته اليهود. ولا جوّزوا لأكابر علمائهم وعبّادهم أن يغيّروا دين الله فيأمروا بما شاءوا وينهوا عمّا شاءوا كما يفعله النّصارى. وهم كذلك وسط في باب صفات الله تعالى: فإنّ اليهود وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق النّاقصة، والنّصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصّة به، هذا في باب يطول حصره. وأمّا أهل السّنّة والجماعة في الفرق فهم وسط كذلك، فهم في باب أسماء الله وصفاته وسط بين أهل التّعطيل الّذين يلحدون في أسماء الله وآياته ويعطّلون حقائق ما نعت الله به نفسه، حتّى يشبّهوه بالعدم والموات، وبين أهل (التمثيل والتّشبيه) الّذين يضربون له الأمثال ويشبّهونه بالمخلوقات. وأمّا هم: فيؤمنون بما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وأمّا في باب الخلق والأمر، فهم وسط بين المكذّبين بقدرة الله الّذين لا يؤمنون بقدرته الكاملة ومشيئته الشّاملة وخلقه لكلّ شيء، وبين المفسدين لدين الله الّذين يجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل فيعطّلون الأمر والنّهي والثّواب والعقاب،   (1) لسان العرب لابن منظور (8/ 4831- 4834) بتصرف، والصحاح للجوهري (3/ 1167- 1168) ، ومقاييس اللغة- لابن فارس (6/ 108) ، ومفردات الراغب (522) . (2) استنبطنا التعريف الأول من كتب التفسير والثاني من مفردات الراغب (ص 533) . (3) النهاية (5/ 184) . ولسان العرب (8/ 4833) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1353 فيصيرون بمنزلة المشركين الّذين قالوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ (الأنعام/ 148) . وأمّا أهل السّنّة والجماعة فوسطيّتهم في إيمانهم بأنّ الله على كلّ شيء قدير، فيقدر أن يهدي العباد، ويقلّب قلوبهم، وأنّه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يعجز عن إنفاذ أمره وأنّه خالق كلّ شيء من الأعيان والصّفات والحركات، كما يؤمنون في الوقت نفسه أنّ العبد له قدرة ومشيئة وعمل وأنّه مختار، ولا يسمّونه مجبورا (أي فيما كلّف به) إذ إنّ المجبور من أكره على خلاف اختياره، والله سبحانه وتعالى جعل العبد مختارا لما يفعله فهو مختار مريد، والله خالقه وخالق اختياره. وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وسط بين الوعيديّة الّذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلّدين في النّار ويخرجونهم من الإيمان بالكلّيّة، ويكذّبون بشفاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبين المرجئة الّذين يقولون: إيمان الفسّاق مثل إيمان الأنبياء، والأعمال الصّالحة ليست من الدّين والإيمان، ويكذّبون بالوعيد والعقاب بالكلّيّة، فيؤمن أهل السّنّة والجماعة بأنّ فسّاق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله وليس معهم جميع الإيمان الواجب الّذي يستوجبون به الجنّة وأنّهم لا يخلّدون في النّار، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبّة من إيمان أو مثقال خردلة من إيمان. وهم في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسط بين الغالية الّذين يغالون في عليّ- رضي الله عنه- وأهل البيت، فيفضّلون عليّا على أبي بكر وعمر، ويعتقدون أنّه الإمام المعصوم دونهما، وأنّ الصّحابة ظلموا وفسقوا، وكفّروا الأمّة بعدهم كذلك، وربّما جعلوه نبيّا وإلها، وبين الجافية الّذين يعتقدون كفره وكفر عثمان، ويستحلّون دماءهما ودماء من تولّاهما، ويستحبّون سبّ عليّ وعثمان ونحوهما، ويقدحون في خلافة عليّ رضي الله عنه- وإمامته. ووسطيّتهم في سائر أبواب السّنّة راجع لتمسّكهم بكتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وما اتّفق عليه السّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان «1» . أمّا ابن القيّم- رحمه الله تعالى- فإنّه يحضّ على الأخذ بالوسط؛ لأنّ فيه النّجاة من الظّلم، فقال: الوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتّفريط هو العدل وهو الّذي عليه بناء مصالح الدّنيا والآخرة، بل حتّى مصلحة البدن لا تقوم إلّا به؛ لأنّه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحّته وقوّته بحسب ذلك، ومثل ذلك الأفعال الطّبيعيّة كالنّوم والسّهر والأكل والشّرب والحركة والرّياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك، إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا وأثمرت نقصا «2» .   (1) انتهى بتصرف من مجموع الفتاوى (3/ 370- 375) . (2) الفوائد (139) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1354 وسطية الشريعة: قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: الشّريعة جارية في التّكليف بمقتضاها على الطّريق الوسط الأعدل الأخذ من الطّرفين بقسط لا ميل فيه، الدّاخل تحت كسب العبد من غير مشقّة عليه ولا انحلال؛ بل هو تكليف جار على موازنة تقتضي في جميع المكلّفين غاية الاعتدال ... ، فإن كان التّشريع لأجل انحراف المكلّف، أو وجود مظنّة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطّرفين، كان التّشريع رادّا إلى الوسط الأعدل، لكن على وجه يميل فيه إلى الجانب الآخر ليحصل الاعتدال فيه، وفعل الطّبيب الرّفيق يحمل المريض على ما فيه صلاحه بحسب حاله وعادته، وقوّة مرضه وضعفه، حتّى إذا استقلّت صحّته هيّأ له طريقا في التّدبير وسطا لائقا به في جميع أحواله، فهكذا تجد الشّريعة أبدا في مواردها ومصادرها جارية على هذا التّرتيب الوسط المعتدل، فإذا نظرت إلى كلّيّة من كلّيّات الشّريعة فتأمّلتها وجدتها حاملة على التّوسّط، فإن رأيت ميلا إلى جهة طرف من الأطراف فذلك لعلاج انحراف واقع أو متوقّع في أحد الجانبين، فطرف التّشديد- وعامّة ما يكون في التّخويف والتّرهيب والزّجر- يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدّين، وطرف التّخفيف- وعامّة ما يكون في التّرجية والتّرغيب والتّرخيص- يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التّشديد، فإذا لم يكن انحراف إلى هذا أو ذاك رأيت التّوسّط لائحا، ومسلك الاعتدال واضحا، وهو الأصل الّذي يرجع إليه والمعقل الّذي يلجأ إليه «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الجود- الشجاعة- العدل والمساواة- القسط- الإنصاف. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغلو- الإسراف- التفريط والإفراط- العدوان] .   (1) الموافقات (2/ 163- 168) بتصرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1355 الآيات الواردة في «التوسط» 1- * سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «1» 2- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «2» 3- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) «3» 4- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) «4» الآيات الواردة في «التوسط» معنى 5- وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) » 6- وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) «6»   (1) البقرة: 142- 143 مدنية (2) البقرة: 238- 239 مدنية (3) المائدة: 89 مدنية (4) القلم: 17- 32 مكية (5) الإسراء: 29 مكية (6) الفرقان: 67 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1356 الأحاديث الواردة في (التوسط) 1- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا أتاه، فقال: إنّ لي امرأة وإنّ أمّي تأمرني بطلاقها، قال: أبو الدّرداء: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنّة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتي بجفنة أو قال قصعة من ثريد فقال: «كلوا من حافّاتها،- أو قال جوانبها- ولا تأكلوا من وسطها، فإنّ البركة تنزل في وسطها» ) * «2» . 3- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنّا جلوسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيّ عرى الإسلام أوسط؟» قالوا: الصّلاة، قال: «حسنة وما هي بها» . قالوا: الزّكاة، قال: «حسنة وما هي بها» . قالوا: صيام رمضان. قال: «حسن وما هو به» . قالوا: الحجّ. قال: «حسن وما هو به» . قالوا: الجهاد. قال: «حسن وما هو به» قال: «إنّ أوسط عرى الإيمان أن تحبّ في الله وتبغض في الله» ) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آمن بالله وبرسوله وأقام الصّلاة وصام رمضان كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها» . فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشّر النّاس؟ قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة، وفوقه عرش الرّحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «4» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجيء نوح وأمّته فيقول الله تعالى: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، أي ربّ، فيقول لأمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا. ما جاءنا من نبيّ. فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأمّته فنشهد أنّه قد بلّغ، وهو قوله جلّ ذكره: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً «5» لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ (البقرة/ 143)) * «6» . 6- * (عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء، فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة فقال لها:   (1) الترمذي (1900) وقال: صحيح. وابن ماجة (3663) . (2) أبو داود (3772) . والترمذي (1805) وقال: حسن صحيح. والدارمي (2/ 137) رقم (2046) وهذا لفظه. وقال ابن حجر في بلوغ المرام: رواه الأربعة وسنده صحيح (سبل السلام: 3/ 335) . (3) أحمد (4/ 286) رقم (18551) . وذكره في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد وفيه ليث بن أبي سليم وضعفه الأكثر وذكر له شواهد عدة (1/ 98، 90) . (4) البخاري- الفتح 6 (2790) . (5) الوسط: العدل. (6) البخاري- الفتح 6 (3339) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1357 ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء فصنع له طعاما فقال له: كل. قال: فإنّي صائم. قال: ما أنا بآكل حتّى تأكل. قال: فأكل. فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم. قال: نم. فنام. ثمّ ذهب يقوم. فقال: نم. فلمّا كان من آخر اللّيل قال سلمان: قم الآن، فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قام أحدكم من اللّيل فاستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فليضطجع» ) * «2» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نعس أحدكم في الصّلاة فليرقد حتّى يذهب عنه النّوم، فإنّ أحدكم إذا صلّى وهو ناعس لعلّه يذهب يستغفر فيسبّ نفسه» ) * «3» . 9- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- حرّم عليكم عقوق الأمّهات ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال» ) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السّؤال وإضاعة المال» ) * «5» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: «إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة. قال: «من هذه؟» . قالت: فلانة تذكر من صلاتها. قال: «مه، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا، وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه» ) * «6» . 12- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الهدي الصّالح والسّمت الصّالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «7» . 13- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم   (1) البخاري- الفتح 4 (1968) . (2) مسلم (787) . (3) مسلم (786) . (4) البخاري- الفتح 3 (1477) . ومسلم (593) كتاب الأقضية باب (5) ، ص 1341 واللفظ له. (5) مسلم (1715) . (6) البخاري- الفتح 1 (43) . ومسلم (785) . (7) أبو داود (4776) وقال الألباني حسن (3/ 907) وأحمد (1/ 296) وقال أحمد شاكر إسناده صحيح (4/ 244) رقم (1698) والبخاري في الأدب المفرد (267) رقم (791) وقال الحافظا بن حجر في الفتح: إسناده حسن (10/ 509) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1358 يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا. أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «1» . 14- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: خرجت ذات يوم لحاجة فإذا أنا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمشي بين يديّ فأخذ بيدي، فانطلقنا نمشي جميعا، فإذا نحن بين أيدينا برجل يصلّي، يكثر الرّكوع والسّجود فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أتراه يرائي، فقلت: الله ورسوله أعلم، فترك يده من يدي ثمّ جمع بين يديه، فجعل يصوّبهما ويرفعهما ويقول: «عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، فإنّ من يشادّ هذا الدّين يغلبه» ) * «2» . 15- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا حبل ممدود بين السّاريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلّقت به. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد» ) * «3» . 16- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجال يجتهدون في العبادة اجتهادا شديدا. فقال «تلك ضراوة الإسلام وشرّته ولكلّ ضراوة شرّة، ولكلّ شرّة فترة. فمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنّة فلا أمّ ما هو، ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك» ) * «4» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: «أدومها وإن قلّ» . وقال: «اكلفوا من العمل ما تطيقون» ) * «5» . 18- * (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- أنّه قال: صلّيت صلاة فأوجزت فيها، فقال له بعض القوم: لقد خفّفت أو أوجزت الصّلاة. فقال: أمّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول   (1) البخاري- الفتح 9 (5063) وهذا لفظه. ومسلم (1401) . (2) أحمد (5/ 350) . والحاكم (1/ 312) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وسنن البيهقي (3/ 18) . والسنة لابن أبي عاصم (46) . وقال الألباني: إسناده صحيح وعزاه كذلك للطحاوي في مشكل الآثار والمروزي في زوائد الزهد والخطيب في التاريخ. (3) البخاري- الفتح 3 (1150) ومسلم (784) . (4) أحمد (2/ 165) رقم (6539) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (10/ 50) . وذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه الطبراني في الكبير وأحمد بنحوه. ورجال أحمد ثقات (2/ 259، 260) . والسنة لابن أبي عاصم (28) رقم (51) وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين وعزاه لابن حبان والطحاوي. (5) البخاري- الفتح 11 (6465) ومسلم (783) نحوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1359 الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا قام تبعه رجل من القوم هو أبيّ غير أنّه كنى عن نفسه، فسأله عن الدّعاء، ثمّ جاء فأخبر به القوم: «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهمّ وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب (وأسألك القصد في الفقر والغنى) وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة. اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» ) * «1» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طعام الاثنين كافي الثّلاثة، وطعام الثّلاثة كافي الأربعة» ) * «2» . 20- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ (فاطر/ 32) . فأمّا الّذين سبقوا بالخيرات فأولئك الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب. وأمّا الّذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا. وأمّا الّذين ظلموا أنفسهم فأولئك الّذين يحبسون في طول المحشر ثمّ هم الّذين تلافاهم الله برحمته فهم الّذين يقولون وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. إلى قوله: لُغُوبٌ (فاطر/ 34- 35)) * «3» . 21- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان لا يأكل حتّى يؤتى بمسكين يأكل معه، فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا. فقال (لمولاه نافع) : يا نافع لا تدخل هذا عليّ. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» ) * «4» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن ينجي أحدا منكم عمله» . قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني الله برحمة. سدّدوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدّلجة. والقصد القصد تبلغوا» ) * «5» . 23- * (عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن   (1) النسائي (3/ 55) وقال الألباني: صحيح (1/ 281) رقم (1237) وعزاه في الكلم الطيب إلى الحاكم، وقال: صححه ووافقه الذهبي (66) . وأحمد (4/ 264) بعضه. (2) البخاري- الفتح 9 (5392) . ومسلم (2058) . (3) أحمد (5/ 198) رقم (1775) وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه كذلك للبغوي والطبري في التفسير من طرق أخرى (3/ 555) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح وذكر طرقا أخرى (7/ 95) . (4) البخارى- الفتح 9 (5393) ومسلم (2060) . (5) البخاري- الفتح 11 (6463) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1360 صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه» ) * «1» . 24- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غداة العقبة وهو على راحلته: «هات القط لي» . فلقطت له حصيات هي حصى الخذف فلمّا وضعتهنّ في يده، قال: «بأمثال هؤلاء، وإيّاكم والغلوّ في الدّين فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين» ) * «2» . 25- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلك المتنطّعون «3» (قالها ثلاثا) » ) * «4» . 26- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الله ألم أخبر أنّك تصوم النهار وتقوم اللّيل؟» فقلت: بلى، يا رسول الله. قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقّا، وإنّ لعينك عليك حقّا، وإنّ لزوجك عليك حقّا، وإنّ لزورك عليك حقّا، وإنّ بحسبك أن تصوم كلّ شهر ثلاثة أيّام، فإنّ لك بكلّ حسنة عشر أمثالها، فإذن ذلك صيام الدّهر كلّه» ، فشدّدت فشدّد عليّ. قلت: يا رسول الله إنّي أجد قوّة. قال: «فصم صيام نبيّ الله داود عليه السّلام، ولا تزد عليه» . قلت: وما كان صيام نبيّ الله داود عليه السّلام؟ قال: «نصف الدّهر» ) * «5» . فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التوسط) 27- * (عن سعد بن هشام بن عامر؛ أنّه أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السّلاح والكراع «7» . ويجاهد الرّوم حتّى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة. فنهوه عن ذلك. وأخبروه؛ أنّ رهطا ستّة أرادوا ذلك في حياة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم. فنهاهم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال: «أليس لكم فيّ أسوة؟» فلمّا حدّثوه بذلك راجع امرأته. وقد كان طلّقها. وأشهد على رجعتها. فأتى   (1) الترمذي (2380) وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (3349) . والحاكم (4/ 121) وصححه ووافقه الذهبي. وعزاه كذلك مخرج جامع الأصول لابن حبان (7/ 410) وحسّنه. (2) النسائي (5/ 268) وقال الألباني: صحيح (2/ 640) رقم (2863) . وابن ماجة (3029) . وأحمد (1/ 215) رقم (1851) . وقال فيه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 257) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 278) برقم (1283) وعزاه كذلك لابن خزيمة وابن حبان والمقدسي في المختارة. (3) المتنطعون: المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. (4) مسلم (2670) . (5) البخاري- الفتح 4 (1975) واللفظ له. ومسلم (1159) . (6) البخاري- الفتح 4 (1975) واللفظ له. ومسلم (1159) . (7) الكراع: نوع من أنواع الخيل. أو اسم لجميع الخيل (النهاية: 4/ 165) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1361 ابن عبّاس فسأله عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال ابن عبّاس: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: من؟ قال: عائشة. فأنها فاسألها. ثمّ ائتني فأخبرني بردّها عليك. فانطلقت إليها. فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها، قال: ما أنا بقاربها؛ لأنّي نهيتها أن تقول في هاتين الشّيعتين» شيئا فأبت فيهما إلّا مضيّا «2» . قال فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنّا عليها. فأذنت لنا، فدخلنا عليها. فقالت: أحكيم؟ (فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام. قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر. فترحّمت عليه. وقالت خيرا. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) فقلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن، قال فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحدا عن شيء حتّى أموت. ثمّ بدا لي فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ قلت: بلى. قالت: فإنّ الله- عزّ وجلّ- افترض قيام اللّيل في أوّل هذه السّورة. فقام نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه حولا. وأمسك الله خاتمتها اثنى عشر شهرا في السّماء. حتّى أنزل الله، في آخر هذه السّورة، التّخفيف. فصار قيام اللّيل تطوّعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: كنّا نعدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من اللّيل، فيتسوّك ويتوضّأ ويصلّي تسع ركعات. لا يجلس فيها إلّا في الثّامنة. فيذكر الله، ويحمده ويدعوه. ثمّ ينهض ولا يسلّم. ثمّ يقوم فيصلّي التّاسعة. ثمّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ يسلّم تسليما يسمعنا. ثمّ يصلّي ركعتين بعد ما يسلّم وهو قاعد. فتلك إحدى عشرة ركعة، يا بنيّ. فلمّا سنّ «3» نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخذه اللّحم، أوتر بسبع. وصنع في الرّكعتين مثل صنيعه الأوّل. فتلك تسع، يا بنيّ. وكان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة أحبّ أن يداوم عليها. وكان إذا غلبه نوم، أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ القرآن كلّه في ليلة، ولا صلّى ليلة إلى الصّبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال: فانطلقت إلى ابن عبّاس فحدّثته بحديثها. فقال: صدقت. لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتّى تشافهني به. قال قلت: لو علمت أنّك لا تدخل عليها ما حدّثتك حديثها» ) * «4» . 28- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفطر من الشّهر حتّى نظنّ أن لا يصوم منه، ويصوم حتّى نظنّ أن لا يفطر منه شيئا. وكان لا تشاء أن تراه من اللّيل مصلّيا إلّا رأيته، ولا نائما إلّا رأيته» ) * «5» .   (1) الشيعتين: الشيعتان الفرقتان. والمراد تلك الحروب التي جرت. يريد شيعة علي وأصحاب الجمل. (2) فأبت فيهما إلا مضيّا: أي فامتنعت من غير المضي، وهو الذهاب، مصدر مضى يمضي: قال تعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا (يس/ 67) . (3) فلما سن: هكذا هو في معظم الأصول سن. وفي بعضها، أسنّ. وهذا هو المشهور في اللغة. (4) مسلم (746) . (5) البخاري- الفتح 3 (1141) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1362 29- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- أنّه قال: «كنت أصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوسط) 1- * (قال أبو بكر- رضي الله عنه- لمّا وقف خطيبا يوم السقيفة مخاطبا الأنصار: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر «2» إلّا لهذا الحيّ من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا. وقد رضيت لكم أحد هذين الرّجلين فبايعوا أيّهما شئتم يعني عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة بن الجرّاح» ) * «3» . 2- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «خير النّاس هذا النمط الأوسط، يلحق بهم التّالي ويرجع إليهم الغالي» ) * «4» 3- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ: «يعني في غير إسراف ولا تقتير» ) * «5» . 4- * (وعنه أيضا- رضي الله عنهما-؛ أنّه قال: «ما عال «6» مقتصد قطّ» ) * «7» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال لأبي جعفر محمّد الباقر، لمّا دخل عليه وعنده قوم فسألوه عن الغسل فقال: يكفيك صاع. فقال رجل: ما يكفيني. فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرا وخير منك، ثمّ أمّنا في ثوب» ) * «8» . 6- * (قال وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى-: «إنّ لكلّ شيء طرفين ووسطا، فإذا أمسك بأحد الطّرفين مال الآخر، فإذا أمسك بالوسط اعتدل الطّرفان فعليكم بالأوسط من الأشياء» ) * «9» . 7- * (قال محمّد بن الحنفيّة- رحمه الله تعالى: «الكمال في ثلاثة: العفّة في الدّين، والصبر على النّوائب، والاقتصاد وحسن التّدبير في المعيشة» ) * «10» . 8- * (قال الحسن البصريّ رحمه الله تعالى: «خير الأمور أوساطها» ) * «11» . 9- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-   (1) مسلم (866) . (2) والمراد بالأمر هنا: الخلافة. (3) البخاري- الفتح 12 (6830) جزء من حديث طويل. (4) لسان العرب (8/ 4833) . (5) الأدب المفرد، للبخاري (158- 159) . (6) عال: أي افتقر. (7) ذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف (10/ 252) . وذكره ابن كثير في التفسير من حديث ابن مسعود وقال: لم يخرجوه (3/ 325) . (8) البخاري- الفتح 1 (252) . (9) المقاصد الحسنة (332) . (10) أدب الدنيا والدين (393- 394) . (11) لسان العرب (8/ 4833) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1363 لرجل قال له: «يا أمير المؤمنين، إنّ الله قد أعطاك فلو لبست- وذلك بعد أن رآه يلبس قميصا مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه- فقال: «أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند المقدرة» ) * «1» . 10- * (عن أبي الصّلت قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: «أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنّته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنّة فإنّها لك بإذن الله عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والتعمّق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم: «إنّما حدث بعدهم» . ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير- بإذن الله- وقعت، ما أعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهليّة الجهلاء، يتكلّمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثمّ لم يزده الإسلام بعد إلّا شدّة، ولقد ذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلّموا به في حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربّهم، وتضعيفا لأنفسهم، أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنّه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه، ومنه تعلّموه. ولئن قلتم: «لم أنزل الله آية كذا؟» ولم قال: كذا؟ لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كلّه بكتاب وقدر، وكتبت الشّقاوة، وما يقدّر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا، ثمّ رغبوا بعد ذلك ورهبوا» ) * «2» . 11- * (قال أبو جعفر الطّحاويّ- رحمه الله تعالى- في الطّحاويّة: «دين الله في الأرض والسّماء واحد، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلوّ والتّقصير، وبين التّشبيه والتّعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس» ) * «3» . 12- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-: «ما من أمر أمر الله به إلّا عارض الشّيطان فيه بخصلتين ولا يبالي أيّهما أصاب: الغلوّ أو التّقصير» ) * «4» . 13- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:   (1) سير أعلام النبلاء (5/ 134) . (2) أبو داود (4612) . وقال الألباني (3/ 873) صحيح مقطوع. (3) شرح الطحاوية، لابن أبي العز، نسخة الألباني (585) . (4) المقاصد الحسنة للسخاوي (332) ط. دار الكتاب العربي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1364 «إنّ الصّراط المستقيم الّذي وصّانا الله به وباتّباعه هو الصّراط الّذي كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه، وهو قصد السّبيل، وما خرج عنه فهو من السّبل الجائرة، والجائر عنه، إمّا مفرّط ظالم أو مجتهد متأوّل أو مقلّد جاهل، وكلّ ذلك قد نهى الله عنه، فلم يبق إلّا الاقتصاد والاعتصام بالسّنّة وعليهما مدار الدّين» ) * «1» . 14- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «من كيد الشّيطان العجيب: أنّه يشامّ النّفس، حتّى يعلم أيّ القوّتين تغلب عليها: أقوّة الإقدام والشّجاعة أم قوّة الانكفاف والإحجام والمهانة. وقد اقتطع أكثر النّاس إلّا أقلّ القليل في هذين الواديين: وادي التّقصير ووادي المجاوزة والتّعدّي. والقليل منهم جدّا الثّابت على الصّراط الّذي كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (وهو الوسط) » ) * «2» . 15- * (قال ابن مفلح: «إنّما يستعين الكريم على الإمساك بذكر الحاجة إلى الأنذال، وقيل لبعض الحكماء لم يحفظ العقلاء المال؟ قال: لئلّا يقفوا مواقف لا تليق بهم» ) * «3» . 16- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً: «لمّا أمر الله بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه بل يكون وسطا» ) * «4» . كما قال عند تفسير قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً: «يقول تعالى آمرا بالاقتصاد في العيش ذامّا للبخل، ناهيا عن الإسراف، أي لا تكن بخيلا منوعا لا تعطي أحدا شيئا، ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملوما محسورا» ) * «5» . 17- * (قال شاعر: عليك بأوساط الأمور فإنّها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا وقال آخر: حبّ التّناهي غلط ... خير الأمور الوسط) * «6» . 18- * (وقال زهير بن أبي سلمى: هم وسط ترضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى اللّيالي بمعظم) * «7» . 19- * (وقال آخر: (لا تذهبنّ في الأمور فرطا ... لا تسألنّ إن سألت شططا وكن من النّاس جميعا وسطا) * «8» .   (1) اغاثة اللهفان (1/ 131) . (2) المرجع السابق (1/ 115- 116) . (3) الآداب الشرعية (1/ 221) . (4) التفسير (3/ 36) . (5) التفسير (3/ 37) . (6) المقاصد الحسنة (332) . (7) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (2/ 5) ، والقرطبي (2/ 153) . (8) تفسير القرطبي (2/ 154) ... الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1365 من فوائد (التوسط) (1) السّلامة من الزّيادة والنّقصان. (2) الأمن من الفقر والحاجة. (3) حصول البركة والنّماء. (4) دليل كمال العقل وتمام الرّشد. (5) ضمان النّجاة حتّى الممات. (6) ضمان الاستمرار في الخير. (7) هو صفة مميّزة للأمّة. (8) فيه تأسّ بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم وبالأصحاب الكرام. (9) فيه أمان من الملال. (10) فيه مخالفة لطريق الشّيطان. (11) التّوسّط هو الاعتدال والقصد وفي ذلك الخير كلّه. (12) التّوسّط مدار الفضائل في كثير من الأمور، فالشّجاعة مثلا وسط بين الجبن والتّهوّر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1366 التوسل الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 15/ 11 التوسل لغة: قال ابن فارس: الواو والسّين واللّام أصل له معنيان متباينان جدّا: الأوّل: الرّغبة والطّلب يقال: وسل إذا رغب، والواسل الرّاغب إلى الله- عزّ وجلّ- وهو في قول لبيد: أرى النّاس لا يدرون ما قدر أمرهم ... بلى كلّ ذي دين إلى الله واسل ومن ذلك القياس الوسيلة. والآخر: السّرقة «1» . والوسيلة: ما يتقرّب به إلى الغير والجمع الوسل والوسائل، والتّوسيل والتّوسّل واحد، يقال: وسّل فلان إلى ربّه وسيلة، وتوسّل إليه بوسيلة أي تقرّب إليه بعمل» «2» . وتقول: توسّل إليه بوسيلة إذا تقرّب إليه بعمل، كما تقول: توسّل إليه بكذا: أي تقرّب إليه بحرمة آصرة تعطفه عليه «3» . واصطلاحا: قال الرّاغب: الوسيلة التّوصّل إلى الشّيء برغبة، وهي أخصّ من الوصيلة لتضمّنها معنى الرّغبة، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرّي مكارم الشّريعة «4» . قال الجرجانيّ: الوسيلة ما يتقرّب به إلى الغير» ، أو هو: كلّ سبب مشروع يوصّل إلى المقصود «6» . التوسل في الكتاب والسنة ولغة الصحابة والمحدثين: قال ابن تيمية: «لفظ الوسيلة فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه، ويعطى كلّ ذي حقّ حقّه، فيعرف ماورد به الكتاب والسّنّة من ذلك ومعناه، وما كان يتكلّم به الصّحابة ويفعلونه ومعنى ذلك، ويعرف ما أحدثه المحدثون «7» في هذا اللّفظ ومعناه. فالوسيلة الّتي أمر الله أن تبتغى إليه، وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنّهم يبتغونها إليه: هي ما يتقرّب به إليه من الواجبات والمستحبّات. والثّاني: لفظ الوسيلة في الأحاديث   (1) مقاييس اللغة (6/ 110) . (2) الصحاح (5/ 1841) . (3) لسان العرب (8/ 4837- 4838) . (4) مفردات الراغب (523، 524) . (5) التعريفات (272) . (6) التوسل أنواعه وأحكامه للألباني (ص 18 بتصرف) . (7) أي المحدثين في عصر ابن تيمية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1367 الصّحيحة كقوله صلّى الله عليه وسلّم «سلوا الله لي الوسيلة» ... وهذه الوسيلة أمرنا الله أن نسألها للرّسول صلّى الله عليه وسلّم. وأمّا التّوسّل بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والتّوجّه به في كلام الصّحابة فيريدون به التوسّل بدعائه وشفاعته. والتوسّل في عرف كثير من المتأخّرين يراد به الإقسام به، والسّؤال به كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصّالحين، ومن يعتقدون فيه الصّلاح» «1» . أنواع التوسل وأحكامه: قال ابن تيميّة: «لفظ التّوسّل يراد به ثلاثة معان. أحدها: التّوسّل بطاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهذا فرض لا يتمّ الإيمان إلّا به. والثّاني: التّوسّل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسّلون بشفاعته. والثّالث: التّوسّل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسّؤال بذاته، فهذا هو الّذي لم تكن الصّحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته، ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنّما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عن من ليس قوله حجّة. وهذا هو الّذي قاله أبو حنيفة وأصحابه إنّه لا يجوز ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق. قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلّا به، وأكره أن يقول: «بمعاقد العزّ من عرشك» . وقال أبو يوسف: بمعقد العزّ من عرشه هو الله فلا أكره هذا، وأكره أن يقول بحقّ فلان أو بحقّ أنبيائك ورسلك وبحقّ البيت الحرام والمشعر الحرام ... قال القدوريّ: المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنّه لا حقّ للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا» «2» . التوسل بدعاء الصالح لا بذاته: قال ابن تيميّة: «وأمّا التّوسّل بدعائه وشفاعته فهو جائز بإجماع المسلمين، ومنه قول عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه-: «اللهمّ إنّا كنّا إذا أجدبنا توسّلنا إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا» ، فإنّه توسّل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التّوسّل به إلى التّوسّل بعمّه العبّاس ولو كان التّوسّل هو بذاته لكان هذا أولى من التّوسّل بالعبّاس» «3» . «فإنّ دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم وفي مغيبهم وسؤالهم والاستغاثة بهم والاستشفاع بهم في هذه الحال، ونصب تماثيلهم بمعنى طلب الشّفاعة منهم هو من الدّين الّذي لم يشرعه الله ولا ابتعث به رسولا ولا أنزل به كتابا وليس هو واجبا ولا مستحبّا باتّفاق المسلمين، ولا فعله أحد من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمّة المسلمين، وإن كان ذلك ممّا يفعله كثير من النّاس ممّن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات فهذا كلّه من الشّيطان ... فهذا كلّه ليس بمشروع، ولا واجب ولا مستحبّ باتّفاق أئمّة المسلمين، ومن تعبّد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبّة، وهو يعتقدها واجبة   (1) مجموع الفتاوى (1/ 199- 202، 1/ 356) . (2) المرجع السابق (1/ 202- 203) . (3) المرجع السابق (1/ 201) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1368 أو مستحبّة فهو ضالّ مبتدع بدعة سيّئة لا بدعة حسنة باتّفاق أئمّة الدّين؛ فإنّ الله لا يعبد إلّا بما هو واجب أو مستحبّ ... وعلم أنّه لم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للنّاس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصّالحين ولا يستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم فلا يقول أحد: يا ملائكة الله اشفعوا لي عند الله، سلوا الله لنا أن ينصرنا أو يرزقنا أو يهدينا ... ولا يكتب أحد ورقة ويعلّقها عند القبور، ولا يكتب أحد محضرا أنّه استجار بفلان ويذهب بالمحضر إلى من يعمل بذلك المحضر» «1» . حكم الإقسام على الله بمخلوقاته: قال ابن تيميّة: «قد تبيّن أنّ قول القائل: أسألك بكذا نوعان: فإنّ الباء قد تكون للقسم، وقد تكون للسّبب، فقد تكون قسما به على الله وقد تكون سؤالا بسببه. فأمّا الأوّل: فالقسم بالمخلوقات لا يجوز على المخلوق فكيف على الخالق؟ وأمّا الثّاني: وهو السّؤال بالمعظّم كالسّؤال بحقّ الأنبياء، فهذا فيه نزاع وقد تقدّم ... ومن النّاس من يجوّز ذلك فنقول: قول السّائل الله تعالى أسألك بحقّ فلان، وفلان من الملائكة والأنبياء والصّالحين وغيرهم، أو بجاه فلان أو بحرمة فلان يقتضي أنّ هؤلاء لهم عند الله جاه وهذا صحيح ... ولكن ليس نفس مجرّد قدرهم وجاههم ممّا يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتّى يسأل الله بذلك، بل جاههم ينفعه أيضا إذا اتّبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله أو تأسّى بهم فيما سنّوه للمؤمنين، وينفعه أيضا إذا دعوا له وشفّعوا فيه، فأمّا إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة ولا منه سبب يقتضي الإجابة لم يكن متشفّعا بجاههم ولم يكن سؤاله بجاههم نافعا له عند الله» . ويقول في موضع آخر: ومعلوم أنّ السّؤال لله بهذه المخلوقات أو الإقسام عليه بها من أعظم البدع المنكرة في دين الإسلام، وممّا يظهر قبحه للخاصّ والعامّ «2» . وذلك مبنيّ عنده على ما يلي: «اتّفق العلماء على أنّه لا يجوز لأحد أن ينذر لغير الله لا لنبيّ ولا لغير نبيّ، وأنّ هذا النّذر شرك لا يوفّى به، وكذلك الحلف بالمخلوقات لا تنعقد به اليمين، ولا كفّارة فيه حتّى لو حلف بالنّبيّ صلى الله عليه وسلّم لم تنعقد يمينه ولم يجب عليه كفّارة عند جمهور العلماء، فإذا لم يجز أن يحلف بها الرّجل ولا يقسم بها على مخلوق، فكيف يقسم بها على الخالق جلّ جلاله؟» «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الضراعة والتضرع تلاوة القرآن- الشفاعة- الدعاء- الاستغاثة- الاستغفار- الابتهال. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- الغفلة- القنوط اليأس] .   (1) مجموع الفتاوى (1/ 159- 161) . (2) المرجع السابق (1/ 213، 290) . (3) المرجع السابق (1/ 286) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1369 الآيات الواردة في «التوسل» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) «1» 2- أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «2» الآيات الواردة في «التوسل» معنى 3- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) «3» 4- أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «4»   (1) المائدة: 35 مدنية (2) الإسراء: 57 مكية (3) يونس: 18 مكية (4) الزمر: 3 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1370 الأحاديث الواردة في (التوسل) 1- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ. فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا. ثمّ سلوا الله لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة «1» » ) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّيتم عليّ فاسألوا الله لي الوسيلة» . قيل يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال: «أعلى درجة في الجنّة لا ينالها إلّا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو» ) * «3» . 3- عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوا الله لي الوسيلة، فإنّه لم يسألها لي عبد في الدّنيا إلّا كنت له شهيدا، أو شفيعا يوم القيامة» ) * «4» . 4- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يقول حين يسمع النّداء يكبّر ويكبّر ويشهد أن لا إله إلّا الله ويشهد أنّ محمّدا رسول الله، ثمّ يقول: اللهمّ أعط محمّدا الوسيلة والفضيلة واجعله في الأعلين درجته وفي المصطفين محبّته وفي المقرّبين ذكره إلّا وجبت له الشّفاعة يوم القيامة» ) * «5» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النداء اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته. حلّت له شفاعتي يوم القيامة» ) * «6» . 6- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة والفضيلة» ) * «7» .   (1) حلّت له الشفاعة: أي وجبت. (2) مسلم (384) . (3) أحمد (2/ 7588) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وفيه كعب المدنيّ، وثقه ابن حبان، وقد روى عنه أيضا أبو عوانه مع ليث بن سليم، ويشهد لهذا الحديث الحديث الذي قبله. (4) ذكره الهيثمي في المجمع (1/ 333) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه الوليد بن عبد الملك الحراني وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات. (5) ذكره الهيثمي في المجمع (1/ 333) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. (6) البخاري- الفتح 2 (614) . (7) أحمد (3/ 83) . وذكره ابن كثير في التفسير وعزاه أيضا لابن مردويه (2/ 53) . وذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة، وقال الطبراني فيه: فسلوا الله عز وجل أن يؤتيني الوسيلة على خلقه (1/ 332) وله شواهد قد مرت من قبل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1371 الأحاديث الواردة في (التوسل) معنى 7- * (عن عثمان بن حنيف- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: «إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك» . قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضّأ، فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدّعاء: «اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك «1» محمّد نبيّ الرّحمة، إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهمّ فشفّعه فيّ» ) * «2» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر؛ فإنّها من ذلك الفرق. فساقها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا؛ وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها، فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها، فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «3» . 9- * (عن محجن بن الأدرع الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دخل المسجد إذا رجل قد قضى صلاته وهو يتشهّد. فقال: اللهمّ   (1) قوله (أتوجه إليك بنبيك) : أي بدعائه صلّى الله عليه وسلّم. (2) الترمذي (3578) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. ابن ماجة (1385) وقال عقبة قال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح. النسائي في عمل اليوم والليلة (204) . المسند (4/ 138) . الحاكم (1/ 313) وقال: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي. وعند ابن ماجة والحاكم «فيصلي ركعتين» بعد قوله «فيحسن وضوءه» . (3) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743) واستشهد به في صفات عديدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1372 إنّي أسألك يا ألله بأنّك الواحد الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنّك أنت الغفور الرّحيم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد غفر له» (ثلاثا) » ) * «1» . 10- * (عن فضالة بن عبيد الأوسيّ- رضي الله عنه- قال: «سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله، ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» . ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «2» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: «كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا ورجل قائم يصلّي، فلمّا ركع وسجد وتشهّد دعا، فقال في دعائه: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «تدرون بما دعا؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «3» . 12- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن، فقال: اللهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إلّا أذهب الله همّه وحزنه وأبدله مكانه فرحا» . فقيل: يا رسول الله ألا نتعلّمها؟. فقال: «بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلّمها» ) * «4» .   (1) النسائي (3/ 52) وصححه الألباني (1/ 280) رقم (1234) واللفظ له. أبو داود (1493) . (2) الترمذي (3476) وقال: حديث حسن. أبو داود (1481) . النسائي (3/ 44) واللفظ له وذكره الألباني في الصحيح لسنن النسائي (1/ 275) حديث (1217) . (3) النسائي (3/ 52) واللفظ له، أبو داود (1493) ، ابن ماجة (3858) وصححه الألباني في صحيح النسائي (1/ 279) رقم (1233) . (4) أحمد (1/ 391) رقم (3712) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 267) : إسناده صحيح. وعزاه للحاكم (1/ 509) وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 336- 341) رقم (199) . وعزاه كذلك لابن حبان والطبراني وغيرهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1373 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التوسل) 13- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة، فقام رجل فقال: يا رسول الله ادع الله أن يسقينا، فتغيّمت السّماء ومطرنا، حتّى ما كاد الرّجل يصل إلى منزله، فلم تزل تمطر إلى الجمعة المقبلة، فقام ذلك الرّجل أو غيره. فقال: ادع الله أن يصرفه عنّا فقد غرقنا. فقال: «اللهمّ حوالينا ولا علينا» . فجعل السّحاب يتقطّع حول المدينة، ولا يمطر أهل المدينة» ) * «1» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: شكا النّاس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قحوط المطر فأمر بمنبر، فوضع له في المصلّى ووعد النّاس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بدا حاجب الشّمس فقعد على المنبر، فكبّر صلّى الله عليه وسلّم وحمد الله- عزّ وجلّ- ثمّ قال: «إنّكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبّان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم» ثمّ قال: «الحمد لله ربّ العالمين، الرّحمن الرّحيم ملك يوم الدّين، لا إله إلّا الله يفعل ما يريد. اللهمّ أنت الله لا إله إلّا أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوّة وبلاغا إلى حين» ، قالت: ثمّ رفع يديه فلم يزل في الرّفع حتّى بدا بياض إبطيه، ثمّ حوّل إلى النّاس ظهره وقلب أو حوّل رداءه وهو رافع يديه ثمّ أقبل على النّاس، ونزل فصلّى ركعتين فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثمّ أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتّى سالت السّيول، فلمّا رأى سرعتهم إلى الكنّ، ضحك صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه، فقال: «أشهد أنّ الله على كلّ شيء قدير وأنّي عبد الله ورسوله» ) * «2» . 15- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا كربه «3» أمر، قال: «يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث» ) * «4» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6342) واللفظ له. مسلم (897) . (2) أبو داود (1173) وقال: وهذا حديث غريب وإسناده جيد، وذكره الألباني في صحيح سنن أبي داود (1064) . (3) كربه: أهمّه. (4) الترمذي (3524) بلفظه، والحاكم في المستدرك (1/ 509) عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل به همّ أو غمّ قال: «يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1374 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوسل) 1- * (عن أنس أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال-: «اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا. قال: فيسقون» ) * «1» . 2- * (قال العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه- لمّا وقف يستسقي للمسلمين: «اللهمّ إنّه لم ينزل بلاء إلّا بذنب، ولم يكشف إلّا بتوبة، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيّك، وهذه أيدينا إليك بالذّنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث» ، قال الرّاوي: فأرخت السّماء مثل الجبال حتّى أخصبت الأرض، وعاش النّاس) *» . 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه تلا قول الله تعالى قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا* أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ «3» . فقال: «كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجنّ، فأسلم الجنّ وتمسّك هؤلاء بدينهم» ) * «4» . 4- * ((قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما-: «لقد علم المحظوظون من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم أنّ ابن أمّ عبد «5» من أقربهم إلى الله وسيلة» ) * «6» . 5- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير الوسيلة في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ «7» . قال: الوسيلة: القربة، وهذا قول مجاهد وأبي وائل والحسن وعبد الله ابن كثير والسّدّيّ وابن زيد- رحمهم الله- جميعا، وقال قتادة- رحمه الله- في نفس الموضع: أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه» ) * «8» . 6- * (قال سليم بن عامر الخبائريّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ السّماء قحطت، فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل الشّام يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر، قال: أين يزيد بن الأسود الجرشيّ؟ فناداه النّاس، فأقبل يتخطّى النّاس، فأمره معاوية فصعد على المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهمّ إنّا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهمّ إنّا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشيّ، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ورفع النّاس أيديهم، فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنّها ترس، وهبّت لها ريح فسقتنا، حتّى كاد النّاس أن لا يبلغوا منازلهم» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 2 (1010) . (2) الفتح (2/ 577) . (3) الإسراء: 56- 57. (4) البخاري- الفتح 8 (4714، 4715) . (5) ابن أم عبد: هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (6) فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 841) . وقال مخرجه (وحيد الله محمد عباس) : إسناده صحيح. (7) المائدة: 35. (8) تفسير ابن كثير (2/ 53) . (9) وحدث مثل هذا في ولاية الضحاك بن قيس. هذا السياق من التوسل للألباني (45) وقال: سندها صحيح والقصة ذكرها ابن تيمية في الفتاوى المجلد الأول في عدة مواضع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1375 7- * (وقال الماورديّ- رحمه الله- في تفسير قوله- عزّ وجلّ-: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ (الإسراء/ 57) يحتمل وجهين: أحدهما: يدعون الله تعالى لأنفسهم. الثّاني: يدعون عباد الله إلى طاعته. يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ (الإسراء/ 57) وهي: القربة: وينبغي تأويلها على احتمال الوجهين في الدّعاء، فإن قيل: إنّه الدّعاء لأنفسهم كان معناه: يتوسّلون إلى الله بالدّعاء إلى ما سألوا. وإن قيل: دعاء عباد الله إلى طاعته، كان معناه: أنّهم يتوسّلون لمن دعوه إلى مغفرته) * «1» . 8- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ الله تعالى يحبّ أن نتوسّل إليه بالإيمان والعمل الصّالح والصّلاة والسّلام على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ومحبّته وطاعته وموالاته» ) * «2» . 9- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «إنّ التّوسّل بالإيمان بنبيّه صلّى الله عليه وسلّم وطاعته فرض على كلّ أحد في كلّ حال، باطنا وظاهرا في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد موته في مشهده ومغيبه، لا يسقط التّوسّل بالإيمان به، وبطاعته عن أحد من الخلق في حال من الأحوال بعد قيام الحجّة عليه، ولا بعذر من الأعذار، ولا طريق إلى كرامة الله ورحمته والنّجاة من هوانه وعذابه إلّا التّوسّل بالإيمان به وبطاعته» ) * «3» . 10- * (قال ابن القيّم- رحمه الله- تعالى عند قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ «4» ذكر الله- عزّ وجلّ- في هذه الآية المقامات الثّلاثة: الحبّ وهو ابتغاء القرب إليه، والتّوسّل إليه بالأعمال الصالحة، والرجاء والخوف» ) * «5» . 11- * (وقال الشّنقيطيّ- رحمه الله-: «التّحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامّة العلماء من أنّها التّقرّب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» . من فوائد (التوسل) (1) دليل قوّة إيمان الإنسان وحسن ظنّه بربّه. (2) من أعظم أسبابه العمل الصالح من الشخص المتوسّل نفسه. (3) دليل خضوع الإنسان وتذلله لربّه الرّحمن. (4) قرب استجابة الله- عزّ وجلّ- لعباده وتفريجه كرباتهم.   (1) النكت والعيون (2/ 251) . (2) الرد على البكري لابن تيمية (70) . (3) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، لابن تيمية (5) . (4) الإسراء: 57. (5) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (99) . (6) أضواء البيان (2/ 87) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1376 التوكل الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 53/ 27/ 12 التوكل لغة: التّوكّل مصدر توكّل يتوكّل وهو مأخوذ من مادّة (وك ل) الّتي تدلّ على اعتماد على الغير في أمر ما، ومن ذلك التّوكّل وهو إظهار العجز في الأمر والاعتماد على غيرك، وواكل فلان إذا ضيّع أمره متّكلا على غيره والوكال في الدّابة: أن يسير بسير الآخر. وقال الرّاغب: التّوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك، وتواكل القوم إذا اتّكل كلّ على الآخر، والاسم من التّوكيل الوكالة (بالفتح والكسر) . والاسم: التّكلان، وتقول: اتّكلت على فلان في أمري إذا اعتمدته، ويقال: فلان وكلة أو تكلة، أي عاجز يكل أمره إلى غيره، كما يقال: فرس واكل يعني يتّكل على صاحبه في العدو، ويحتاج إلى الضّرب. والمتوكّل على الله: الّذي علم أنّ الله كافل رزقه وأمره فيركن إليه وحده، ولا يتوكّل على غيره. قال ابن سيده: يقال وكل بالله وتوكّل عليه واتّكل بمعنى استسلم إليه، ويقال توكّل بالأمر إذا ضمن القيام به، ووكلت أمري إلى فلان أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه، ووكل فلانا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته، أو عجزا عن القيام بأمر نفسه، ووكل إليه الأمر سلّمه، ووكله إلى رأيه وكلا ووكولا: تركه «1» . الوكيل من أسماء الله الحسنى: قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى «الوكيل» وهو القيّم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنّه يستقلّ بأمر الموكول إليه «2» . وقال الغزاليّ: الوكيل هو الموكول إليه الأمور ولكنّ الموكول إليه ينقسم إلى من يوكل إليه بعض الأمور، وذلك ناقص، وإلى من يوكل إليه الكلّ، وليس ذلك إلّا الله، سبحانه وتعالى. والموكول إليه ينقسم إلى من يستحقّ أن يكون موكولا إليه، لا بذاته ولكن بالتّفويض والتّوكيل، وهذا ناقص، لأنّه فقير إلى التّفويض والتّولية؛ وإلى من يستحقّ بذاته أن تكون الأمور موكولة إليه والقلوب متوكّلة عليه، لا بتولية وتفويض من جهة غيره، وذلك هو الوكيل المطلق، والوكيل أيضا ينقسم إلى من يفي بما وكلّ إليه وفاء تامّا من غير قصور، وإلى من لا يفي بالجميع. والوكيل المطلق هو الّذي الأمور موكولة إليه، وهو مليّ بالقيام بها، وفيّ بإتمامها، وذلك هو الله تعالى فقط «3» . وقد ورد لفظ «الوكيل» في القرآن الكريم مرّات عديدة «4» وذكر فيه المفسّرون أقوالا منها: حفيظا   (1) مقاييس اللغة (6/ 136) (مع تصرف يسير) والمفردات للراغب (ص 531) ، الصحاح (5/ 1845) ولسان العرب (8/ 4909) . (2) النهاية (5/ 221) . (3) المقصد الأسنى ص 129. (4) انظر الشواهد القرآنية 10، 11، 14، 15، 16، 17، 19، 21، 24. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1377 لكم «1» ، كفيلا بأموركم، شريكا (عن مجاهد) وقيل غير ذلك «2» . قال الشّنقيطيّ في أضوائه: المعاني كلّها متقاربة، ومرجعها إلى شيء واحد هو أنّ الوكيل: من يتوكّل عليه، فتفوّض الأمور إليه، ليأتي بالخير ويدفع الشّرّ. وهذا لا يصحّ إلّا لله وحده جلّ وعلا. ولهذا حذّر من اتّخاذ وكيل دونه لأنّه لا نافع ولا ضارّ ولا كافي إلّا هو وحده جلّ وعلا، عليه توكّلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل «3» . من أسماء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: المتوكّل. كما في الحديث: « ... وسمّيتك المتوكّل» وإنّما قيل له ذلك صلّى الله عليه وسلّم لقناعته باليسير والصّبر على ما كان يكره «4» . واصطلاحا: صدق اعتماد القلب على الله- عزّ وجلّ- في استجلاب المصالح ودفع المضارّ من أمور الدّنيا والآخرة، وكلة الأمور كلّها إليه، وتحقيق الإيمان بأنّه لا يعطي ولا يمنع ولا يضرّ ولا ينفع سواه «5» . وقال الجرجاني: التّوكّل هو الثّقة بما عند الله واليأس عمّا في أيدي النّاس «6» . الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل: قال ابن قيّم الجوزيّة: التّوكّل من أعظم الأسباب الّتي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه. فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التّوكّل. ولكن من تمام التّوكّل: عدم الرّكون إلى الأسباب. وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها. فالأسباب محلّ حكمة الله وأمره ونهيه. والتّوكّل متعلّق بربوبيّته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبوديّة الأسباب إلّا على ساق التّوكّل ولا يقوم ساق التّوكّل إلّا على قدم العبوديّة «7» . بين التوكل والاتّكال: إنّ الأخذ بالأسباب مع تفويض أمر النّجاح لله تعالى والثّقة بأنّه عزّ وجلّ لا يضيع أجر من أحسن عملا، هو من التّوكّل المأمور به، أمّا القعود عن الأسباب وعدم السّعي فليس من التّوكّل في شيء وإنّما هو اتّكال أو تواكل حذّرنا منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونهى عن الأسباب المؤدّية إليه، مصداق ذلك ما جاء في حديث معاذ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معاذ، تدري ما حقّ الله على العباد وما حقّ العباد على الله؟» قال (معاذ) : قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحقّ العباد على الله عزّ وجلّ ألّا يعذّب من لا يشرك به شيئا» قال: قلت: يا رسول الله، أفلا أبشّر النّاس؟ قال: «لا تبشّرهم فيتّكلوا» «8» ، وهنا يضع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قاعدة جليلة، هي أنّ كلّ ما يؤدّي   (1) انظر تفسير الطبري مجلد 8 جزء 15 ص 15. (2) انظر تفسير القرطبي (10/ 213) . (3) أضواء البيان (3/ 367) . (4) فتح الباري (8/ 450) . (5) جامع العلوم والحكم لابن رجب (409) . (6) التعريفات (74) . (7) مدارج السالكين (2/ 125) . (8) مسلم (30) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1378 إلى ترك العمل أو ما يكون مظنّة للاتّكال أو التّواكل ليس من التّوكّل في شيء، وقد جاء في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- ما يؤكّد هذه الحقيقة، ففي الحوار الّذي رواه أبو هريرة عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وعمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- هذا الحوار- كما جاء في رواية مسلم: قال عمر: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي يشهد ألّا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّره بالجنّة؟ قال: «نعم» ، قال (عمر) : فلا تفعل، فإنّي أخشى أن يتّكل النّاس عليها، فخلّهم يعملون» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فخلّهم يعملون» «1» . ويفهم من الحديث والّذي قبله أنّ الاتّكال يعني ترك العمل وعدم الأخذ بالأسباب وأنّ ذلك ليس من التّوكّل في شيء. بين التوكل والتفويض: بين التّوكّل على الله وتفويض الأمر إليه علاقة العموم والخصوص إذ التّفويض أوسع من معنى التّوكّل، والتّوكّل أخصّ من التّفويض، قال صاحب المنازل: والتّفويض ألطف إشارة، وأوسع معنى من التّوكّل، والتّوكّل يكون بعد وقوع السّبب، أمّا التّفويض فإنّه يكون قبل وقوع السّبب وبعده، والتّفويض هو عين الاستسلام، أمّا التّوكّل فهو شعبة منه «2» . وقال ابن القيّم: يعني بذلك من يفوّض أمره إلى الله يتبرّأ من الحول والقوّة، ويفوّض الأمر لصاحب الأمر من غير أن يقيم المفوّض إليه مقام نفسه في مصالحه، بخلاف التّوكّل، فإنّ الوكالة تقتضي أن يقوم الوكيل مقام الموكّل. وقال- رحمه الله تعالى-: لو قال قائل: التّوكّل فوق التّفويض، وأجلّ منه وأرفع لكان مصيبا، ولهذا كان القرآن الكريم مملوءا به (أي بالتّوكّل) أمرا وإخبارا عن خاصّة الله وأوليائه، وصفوة المؤمنين، وأمر الله به رسوله في مواضع عديدة من كتابه «3» ، وسمّاه المتوكّل «4» . أمّا التّفويض فلم يجىء في القرآن الكريم إلّا فيما حكاه المولى عزّ وجلّ عن مؤمن آل فرعون، وذلك قوله عزّ وجلّ: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ (غافر/ 44) ، ثمّ خلص إلى القول: إنّ اتّخاذ المولى عزّ وجلّ وكيلا هو محض العبوديّة، وخالص التّوحيد، إذا قام به صاحبه حقيقة، وهو بذلك أوسع من التّفويض، وأعلى وأرفع «5» . بين التوكل والثقة بالله- عزّ وجلّ-: نقل ابن القيّم عن صاحب المنازل قوله: الثّقة: سواد عين التّوكّل، ونقطة دائرة التّفويض. وذكر من   (1) انظر الحديث بتمامه في صحيح مسلم ج 1 ص 60، 61 ولم نذكره ضمن أحاديث الصفة لأنه في الاتكال (التواكل) ، وشتان ما هما. (2) مدارج السالكين 2/، 143. (3) انظر الآيات الواردة في التوكل أرقام 1، 2، 4، 6، 7، 8، 9، 10، 14، وقد ذكر ابن القيم أن الأمر بالتوكل للرسول صلّى الله عليه وسلّم قد جاء في أربعة مواضع، ولكنها في الحقيقة تسعة مواضع، وربما كانت هذه الأربعة هي التي حضرت الشيخ ولم يرد الاستقصاء. (4) انظر الحديث رقم (3) . (5) مدارج السالكين 2/ 145. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1379 أمثلة ذلك ما جاء في القرآن الكريم عن أمّ موسى فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي (القصص/ 7) قال: فإنّ فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى، إذ لولا كمال ثقتها بربّها لما ألقت بولدها في تيّار الماء، قال ابن القيّم: والمراد أنّ الثّقة خلاصة التّوكّل ولبّه، كما أنّ سواد العين أشرف ما فيها، أمّا العلاقة بين الثّقة والتّفويض فتتلخّص في أنّ الثّقة هي الّتي يدور عليها التّفويض، قال: وكثير من النّاس يفسّر التّوكّل بالثّقة «1» . ومنهم من يفسّره بالتّفويض، ومنهم من يفسّره بالتّسليم ومقام التّوكّل يشمل ذلك كلّه» . قلت: وممّا يدلّ على صحّة ما قال ابن القيّم من شمول معنى التّوكّل لكلّ من التّفويض والثّقة ما ذكره الإمام الغزاليّ في تعريف التّوكّل حيث قال: التّوكّل مشتقّ من الوكالة، يقال: وكل أمره إلى فلان: أي فوّضه إليه واعتمد عليه فيه، ويسمّى المفوّض إليه: متّكلا عليه ومتوكّلا عليه متى اطمأنّت إليه نفسه ووثق به، ولم يتّهمه فيه بتقصير، ولم يعتقد فيه عجزا أو قصورا، وهو (التّوكّل) عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده «3» . مواطن التوكل: إنّ التّوكّل على الله عزّ وجلّ مطلوب في كلّ شئون الحياة، بيد أنّ هناك مواطن كثيرة ورد فيها الحضّ على التّوكّل والأمر به للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين، وقد ذكر الفيروز آباديّ من ذلك: 1- إن طلبتم النّصر والفرج فتوكّلوا عليه: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (آل عمران/ 160) . 2- إذا أعرضت عن أعدائك فليكن رفيقك التّوكّل: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (النساء/ 81) . 3- إذا أعرض عنك الخلق فاعتمد على التّوكّل: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ (التوبة/ 129) . 4- إذا تلي القرآن عليك أو تلوته فاستند على التّوكّل: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (الأنفال/ 2 مدنية) . 5- إذا طلبت الصّلح والإصلاح بين قوم لا تتوسّل إلى ذلك إلّا بالتّوكّل: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (الأنفال/ 61) . 6- إذا وصلت قوافل القضاء فاستقبلها بالتّوكّل: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (التوبة/ 51) . 7- إذا نصبت الأعداء حبالات المكر فادخل أنت في أرض التّوكّل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي   (1) انظر مثلا تعريف الجرجاني للتوكّل الذي ذكرناه آنفا. (2) المرجع السابق، ص 149، 150. (3) إحياء علوم الدين 2/ 259. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1380 بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ (يونس/ 71) . 8- إذا عرفت أنّ مرجع الكلّ إلى الله وتقدير الكلّ فيها لله فوطّن نفسك على فرش التّوكّل: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (هود/ 123) . 9- إذا علمت أنّ الله هو الواحد على الحقيقة، فلا يكن اتّكالك إلّا عليه: قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (الرعد/ 30) . 10- إذا كانت الهداية من الله، فاستقبلها بالشّكر والتّوكّل: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (إبراهيم/ 12) . 11- إذا خشيت بأس أعداء الله والشّيطان والغدّار فلا تلتجئ إلّا إلى باب الله: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (النحل/ 99) . 12- إذا أردت أن يكون الله وكيلك في كلّ حال، فتمسّك بالتّوكّل في كلّ حال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (النساء/ 81) . 13- إذا أردت أن يكون الفردوس الأعلى منزلك فانزل في مقام التّوكّل: الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (النحل/ 42) . 14- إن شئت أن تنال محبّة الله فانزل أوّلا في مقام التّوكّل: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران/ 159) . 15- إذا أردت أن يكون الله لك، وتكون لله خالصا فعليك بالتّوكّل: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (الطلاق/ 3) . فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (النمل/ 79) «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستعانة- التقوى- الطاعة- القنوت- حسن الظن- الطمأنينة- الصبر والمصابرة- اليقين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغرور- الكبر والعجب- القلق- الشك- سوء الظن] .   (1) بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروز ابادي. (2/ 313- 315) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1381 الآيات الواردة في «التوكل» أمر الله- عز وجل- بالتوكل عليه: 1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «1» 2- وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «3» 4-* وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) «4» 5- قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) «5» 6- وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) «6» 7- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59) «7» . 8- وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)   (1) آل عمران: 159 مدنية (2) النساء: 81- 83 مدنية (3) المائدة: 11 مدنية (4) الأنفال: 61 مدنية (5) التوبة: 51 مدنية (6) هود: 123 مكية (7) الفرقان: 56- 59 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1382 وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) «1» 9- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) «2» 10- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) «3» 11- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «4» 12- إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) «5» 13- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) «6» 14- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) «7» نعم الوكيل (الله- عز وجل-) : 15- * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «8» 16- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) «9»   (1) الشعراء: 214- 220 مكية (2) النمل: 76- 79 مكية (3) الأحزاب: 1- 3 مدنية (4) الأحزاب: 45- 48 مدنية (5) المجادلة: 10 مدنية (6) التغابن: 12- 13 مدنية (7) المزمل: 8- 9 مكية (8) آل عمران: 171- 173 مدنية (9) النساء: 132 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1383 17- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «1» 18- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) «2» 19- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) «3» 20- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) «4» الله- عز وجل- وكيل على كل شيء: 21- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) «5» 22- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) «6» 23- قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28) «7» 24- اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) «8»   (1) النساء: 171 مدنية (2) الأنفال: 49 مدنية (3) الإسراء: 65 مكية (4) الطلاق: 2- 3 مدنية (5) الأنعام: 100- 103 مكية (6) هود: 12 مكية (7) القصص: 28 مكية (8) الزمر: 62- 63 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1384 نفي الوكالة عما سوى الله- عز وجل-: 25- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) «1» 26- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) «2» 27- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109) «3» 28- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) «4» 29- أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) «5» 30- إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) » 31- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) «7» التوكل من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين: 32- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) «8» 33- إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) «9»   (1) الأنعام: 65- 67 مكية (2) الأنعام: 106- 107 مكية (3) يونس: 108- 109 مكية (4) الإسراء: 1- 3 مكية (5) الإسراء: 68 مكية (6) الزمر: 41 مكية (7) الشورى: 6 مكية (8) آل عمران: 121- 122 مدنية (9) آل عمران: 160 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1385 34- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) «1» 35- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «2» 36- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «3» 37- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) «4» 38- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) «5» 39- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ «6» 40- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) «7» 41- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) «8» 42- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) «9» 43- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ   (1) الأنفال: 2 مدنية (2) التوبة: 128- 129 مدنية (3) الرعد: 30 مدنية (4) النحل: 41- 42 مكية (5) النحل: 98- 100 مكية (6) العنكبوت: 57- 59 مكية (7) الزمر: 38 مكية (8) الشورى: 9- 10 مكية (9) الشورى: 36 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1386 لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) «1» . 44- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30) «2» الأمر بالتوكل في كل الشرائع وهو من صفات الأنبياء جميعا- صلوات الله وسلامه عليهم-: 45- قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) «3» 46- * قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «4» 47- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) «5» 48- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «6» 49- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) «7»   (1) الممتحنة: 4- 6 مدنية (2) الملك: 28- 30 مكية (3) المائدة: 23 مدنية (4) الأعراف: 88- 89 مكية (5) يونس: 71 مكية (6) يونس: 84- 86 مكية (7) هود: 53- 56 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1387 50- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) «1» 51- قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) «2» 52- * قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) «3» من الآيات الواردة في «التوكل» معنى 53- فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) «4» وانظر أيضا الآيات الكريمة الواردة في صفة الاستعانة   (1) هود: 87- 88 مكية (2) يوسف: 66- 67 مكية (3) إبراهيم: 10- 12 مكية (4) غافر: 44- 45 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1388 الأحاديث الواردة في (التوكل) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خرج الرّجل من بيته فقال: بسم الله، توكّلت على الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله. قال: يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت فتتنحّى «1» له الشّياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟» ) * «2» . 2- * (عن هاشم بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ رأس الدّجّال من ورائه حبك حبك «3» فمن قال: أنت ربّي افتتن، ومن قال: كذبت، ربّي الله عليه توكّلت فلا يضرّه، أو قال فلا فتنة عليه» ) * «4» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ هذه الآية الّتي في القرآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً «5» قال في التّوراة: «يأيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا «6» للأمّيّين «7» أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكّل ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب «8» بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» *» . 4- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه-: أنّه كان مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط بعيد وبيد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عود يضرب به بين الماء والطّين، فجاء رجل يستفتح، فقال: «افتح له وبشّره بالجنّة» ، فإذا هو أبو بكر- رضي الله عنه-. قال: ففتحت له وبشّرته بالجنّة، ثمّ جاء رجل يستفتح، فقال «افتح له وبشّره بالجنّة» فإذا هو عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- ففتحت له وبشّرته بالجنّة، ثمّ جاء رجل فاستفتح، فقال: «افتح له وبشّره بالجنّة على بلوى تصيبه أو بلوى تكون» . قال: فإذا هو عثمان- رضي الله تعالى عنه- ففتحت له وبشّرته بالجنّة فأخبرته، فقال: الله المستعان اللهمّ صبرا وعليه التّكلان) * «10» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:   (1) تتنحى: تتأخر. (2) أبو داود (5095) واللفظ له. الترمذي (2426) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 274) : وهو حديث صحيح. (3) حبك: شعر رأسه متكسر من الجعودة. (4) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 342، 343) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني وهو في المسند (4/ 20) . (5) الأحزاب: 45 مدنية. (6) حرزا: عصمة. (7) الأميين: العرب. (8) سخاب وصخاب: من الصخب وهو الصياح وشدة الصوت واختلاطه. (9) البخاري- الفتح 8 (4838) . (10) أحمد (4/ 407) ، وهو في البخاري- الفتح 7 (3674) وليس فيه قول عثمان- رضي الله عنه- وفي مسلم (2402) وفيه من قول عثمان- رضي الله عنه-: اللهم صبرا أو الله المستعان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1389 حسبنا الله ونعم الوكيل. قالها إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار، وقالها محمّد صلّى الله عليه وسلّم حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ «1» ) * «2» . 6- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّيرة «3» شرك، وما منّا إلّا ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل) » * «4» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو من اللّيل: «اللهمّ لك الحمد، أنت ربّ السّماوات والأرض، لك الحمد، أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ، لك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض، قولك الحقّ، ووعدك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله لي غيرك) * «5» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف أنعم وصاحب القرن «6» قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنّفخ فينفخ» . فكأنّ ذلك ثقل على أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم: «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكّلنا» ) * «7» . 9- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ قال: «اعقلها وتوكّل» ) * «8» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا. فاتّخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمّه وهو يصلّي فقالت: يا جريج! فقال: يا ربّ! أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلمّا كان من الغد، أتته وهو يصلّي فقالت: يا جريج! فقال: يا ربّ! أميّ وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت،   (1) آل عمران: 173 مدنية. (2) البخاري- الفتح 8 (4563) . (3) الطيرة: التشاؤم. (وما منا إلا) أي وما منا إلا ويعتريه شيء منه في أوّل الأمر قبل التأمّل. (4) الترمذي (1614) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ابن ماجة (3538) واللفظ له، أحمد (1/ 389) وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح (5/ 253) حديث (2687) ، وقال جماعة من العلماء: ان كلمة (وما منا ولكن الله يذهبه بالتوكل) : من كلام ابن مسعود- رضي الله عنه-. (5) البخاري- الفتح 13 (7385) واللفظ له، مسلم (769) . (6) القرن: الصور. (7) الترمذي (2431) ، قال الحافظ في الفتح 1 (376) : حسنه الترمذي. وقال: أخرجه الطبراني، من حديث زيد ابن أرقم وابن مردويه من حديث أبي هريرة وأحمد والبيهقي. (8) الترمذي (2517) وهذا لفظه، وقال: هذا حديث غريب من حديث أنس. الحاكم (3/ 623) وقال الذهبي في التلخيص: إسناده جيد، البيهقي في الشعب (3/ 1414) من حديث عمرو بن أمية الضمري، وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء بعد أن عزاه للترمذي: رواه ابن خزيمة في التوكل والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمري، وقال: إسناده جيد. وذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع (4809) وقال: حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1390 فلمّا كان من الغد أتته وهو يصلّي، فقالت: يا جريج! فقال: أي ربّ! أمّي وصلاتي فأقبل على صلاته، فقالت: اللهمّ لا تمته حتّى ينظر إلى وجوه المومسات «1» . فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثّل بحسنها «2» ، فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم. قال: فتعرّضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها، فوقع عليها فحملت فلمّا ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغيّ فولدت منك. فقال: أين الصّبيّ؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتّى أصلّي، فصلّى، فلمّا انصرف أتى الصّبيّ فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الرّاعي. قال: فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا. أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبيّ يرضع من أمّه، فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة «3» وشارة حسنة «4» ، فقالت أمّه: اللهمّ اجعل ابني مثل هذا، فترك الثّدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع، قال: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه فجعل يمصّها. قال: ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمّه: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فترك الرّضاع ونظر إليها، فقال: اللهمّ اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث «5» . فقالت: حلقى «6» مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ اجعل ابني مثله، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت، سرقت، فقلت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها، قال إنّ ذاك الرّجل كان جبّارا، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، وإنّ هذه يقولون لها زنيت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها» ) * «7» . 11- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّكم توكّلتم على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطّير تغدو «8» خماصا وتروح «9» بطانا» ) * «10» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عرضت عليّ الأمم،   (1) المومسات: جمع مومسة، وهي الزانية المجاهرة بذلك. (2) يتمثل بحسنها: يضرب بجمالها المثل. (3) الفارهة: النشيطة القوية. (4) شارة حسنة: هيئة حسنة. (5) تراجعا الحديث: أقبلت على الرضيع تحدثه، وكانت أولا لا تراه أهلا للكلام. (6) حلقى: أصابك الله بوجع في حلقك. وهي كلمة لا يقصد بها الدعاء. (7) البخاري- الفتح 6 (3436) ، مسلم (2550) واللفظ له. (8) تغدو: تذهب أول النهار. (9) تروح: ترجع آخر النهار. (10) الترمذي (2324) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ابن ماجة (4164) وهذا لفظه، أحمد (1/ 30) وقال أحمد شاكر (1/ 343) : إسناده صحيح، البيهقي في شعب الإيمان (3/ 378) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1391 فرأيت النّبيّ ومعه الرّهيط «1» ، والنّبيّ ومعه الرّجل والرّجلان، والنّبيّ ليس معه أحد. إذ رفع لي سواد عظيم، فظننت أنّهم أمّتي، فقيل لي: هذا موسى صلّى الله عليه وسلّم وقومه ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمّتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب. ثمّ نهض فدخل منزله فخاض النّاس في أولئك الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب. فقال بعضهم: فلعلّهم الّذين صحبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال بعضهم فلعلّهم الّذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله، وذكر أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما الّذي تخوضون فيه؟» فأخبروه. فقال: «هم الّذين لا يرقون ولا يسترقون «2» ، ولا يتطيّرون «3» وعلى ربّهم يتوكّلون» . فقام عكّاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: «أنت منهم» ، ثمّ قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: «سبقك بها عكّاشة» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (التوكل) معنى 13- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن ثمّ قل: اللهمّ أسلمت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، اللهمّ آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت، فإن متّ من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهنّ آخر ما تتكلّم به» . قال: فردّدتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا بلغت: اللهمّ آمنت بكتابك الّذي أنزلت. قلت: ورسولك. قال: «لا وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «5» . 14- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أخوان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكان أحدهما يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والآخر يحترف فشكا المحترف أخاه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لعلّك ترزق به» ) * «6» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه   (1) الرهيط: مصغر رهط وهم الجماعة دون العشرة. (2) لا يسترقون: لا يطلبون من أحد أن يرقيهم. (3) لا يتطيرون: لا يتشاءمون. (4) البخاري- الفتح (6541، 5705) ، مسلم (220) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 1 (247) واللفظ له، مسلم (2710) . (6) الترمذي (2345) وقال: حسن صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1392 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج «1» (ثلاثا) غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصّلاة «2» بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين، قال: مجّدني عبدي (وقال مرّة: فوّض إليّ عبدي) فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «3» . 16- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نزلت به فاقة فأنزلها بالنّاس لم تسدّ فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» ) * «4» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. الكلمة الحسنة الكلمة الطّيّبة» ) * «5» . 18- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما، فقال: «يا غلام إنّي أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف» ) * «6» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدخل الجنّة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطّير» ) *» .   (1) خداج: أي ناقصة. يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج، وأخدجته: إذا ولدته ناقصا. (2) المراد بالصلاة هنا: الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها. (3) مسلم (395) . (4) الترمذي (2326) وهذا لفظه وقال: حسن صحيح غريب، أبو داود (1645) ، أحمد بتخريج أحمد شاكر (5/ 257) وقال: صحيح، حديث (3696) . (5) البخاري- الفتح 10 (5756) ، مسلم (2224) واللفظ له. (6) الترمذي (2516) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، أحمد (1/ 293، 303) وقال الشيخ أحمد شاكر: صحيح (4/ 293) برقم (2763) . (7) مسلم (2840) . والمعنى: أن قلوبهم مثل قلوب الطير في التوكل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1393 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التوكل) 20- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: اشترى أبو بكر- رضي الله عنه- من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمل إليّ رحلي. فقال عازب: لا، حتّى تحدّثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خرجتما من مكّة والمشركون يطلبونكم. قال: ارتحلنا من مكّة فأحيينا- أو سرينا- ليلتنا ويومنا حتّى أظهرنا، وقام قائم الظّهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظلّ فآوي إليه، فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقيّة ظلّ لها فسوّيته، ثمّ فرشت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيه، ثمّ قلت له: اضطجع يا نبيّ الله، فاضطجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ انطلقت أنظر ما حولي، هل أرى من الطّلب أحدا؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصّخرة يريد منها الّذي أردنا فسألته فقلت له: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش سمّاه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، قلت: فهل أنت حالب لنا؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثمّ أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثمّ أمرته أن ينفض كفّيه، فقال: هكذا- ضرب إحدى كفّيه بالأخرى- فحلب لي كثبة من لبن، وقد جعلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إداوة على فمها خرقة، فصببت على اللّبن حتّى برد أسفله فانطلقت به إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتّى رضيت، ثمّ قلت: قد آن الرّحيل يا رسول الله. وقال: بلى فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له. فقلت: هذا الطّلب قد لحقنا يا رسول الله. فقال: لا تحزن إنّ الله معنا» ) * «1» . 21- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا قال: «اللهمّ أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أجول، وبك أصول، وبك أقاتل» ) * «2» . 22- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك لا إله إلّا أنت أن تضلّني، أنت الحيّ الّذي لا يموت والجنّ والإنس يموتون» ) * «3» . 23- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان لا يتطيّر من شيء وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي   (1) البخاري- الفتح 7 (3652) واللفظ له، مسلم (2009) بعضه. (2) الترمذي (3584) وقال: حسن غريب وقال: عضدي يعني عوني. أبو داود (2632) وهذا لفظه. وعزاه المزي في التحفة (1/ 342) إلى سنن النسائي الكبرى وعمل اليوم والليلة أيضا. (3) مسلم (2717) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1394 كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه» ) * «1» . 24- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد رجل مجذوم «2» فأدخلها معه في القصعة ثمّ قال: «كلّ ثقة بالله وتوكّلا عليه» ) * «3» . 25- * (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ- رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة قبل نجد فأدركنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في واد كثير العضاه «4» فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة فعلّق سيفه بغصن من أغصانها. قال: وتفرّق النّاس في الوادي يستظلّون بالشّجر، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السّيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلّا والسّيف صلتا «5» في يده فقال لي: من يمنعك منّي؟» قال: قلت: «الله» . ثمّ قال في الثّانية: من يمنعك منّي؟ قال: قلت: «الله» . قال: «فشام السّيف «6» ها هو ذا جالس» . ثمّ لم يعرض له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «7» . 26- * (عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا في الغار: «لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا» . فقال: «ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» ) * «8» . 27- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وأشجع النّاس. ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصّوت، فاستقبلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد استبرأ الخبر «9» ، وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السّيف وهو يقول: «لم تراعوا «10» ، لم تراعوا» ثمّ قال: «وجدناه بحرا» «11» أو قال: «إنّه لبحر» ) * «12» .   (1) أبو داود (3920) وهذا لفظه، وقال محقق جامع الأصول (7/ 628) : إسناده صحيح، والترمذي (1818) وقال: هذا حديث غريب وأوقفه شعبة على ابن عمر وهو أثبت عندي وأصح. (2) مجذوم: أي مصاب بمرض الجذام. (3) أبو داود (3925) ، ابن ماجة (3542) وهذا لفظه. (4) العضاه: كل شجرة ذات شوك. (5) صلتا: مسلولا. (6) فشام السيف: أغمده. (7) البخاري الفتح 6 (2910) ، مسلم (843) في كتاب الفضائل، واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 7 (3653) واللفظ له، مسلم (2381) . (9) استبرأ الخبر: تبين حقيقته. (10) لم تراعوا: أي روعا مستقرّا. أو روعا يروّعكم. (11) وجدناه بحرا: أي واسع الجري. (12) البخاري- الفتح 6 (2908) واللفظ له، مسلم (2307) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1395 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوكل) 1- * (كان موسى عليه السّلام يقول: «اللهمّ لك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بك» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «كان أهل اليمن يحجّون ولا يتزوّدون ويقولون: نحن المتوكّلون، فإذا قدموا مكّة سألوا النّاس، فأنزل الله تعالى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» ) * «2» . 3- * (قال الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه-: «كان أوّل من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عبد الله بن مسعود. قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ فمن رجل يسمعهموه؟ قال عبد الله بن مسعود: أنا. قالوا: إنّا نخشاهم عليك. إنّما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإنّ الله- عزّ وجلّ- سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتّى أتى المقام في الضّحى، وقريش في أنديتها، حتّى قام عند المقام ثمّ قرأ: بسم الله الرّحمن الرّحيم رافعا بها صوته الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ «3» قال: ثمّ استقبلها يقرؤها. قال: فتأمّلوه فجعلوا يقولون ما يقول ابن أمّ عبد؟ قال: ثمّ قالوا: إنّه ليتلو بعض ما جاء به محمّد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتّى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثمّ انصرف إلى أصحابه وقد أثّروا في وجهه، فقالوا هذا الّذي خشينا عليك. قال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينّهم بمثلها، قالوا: حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون» ) * «4» . 4- * (عن عون بن عبد الله قال: بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزّبير «5» مكتئبا معه شيء ينكت به في الأرض، إذ رفع رأسه فسنح له «6» صاحب مسحاة، فقال له: يا هذا مالي أراك مكتئبا حزينا؟ قال: فكأنّه ازدراه «7» . فقال: لا شيء. قال صاحب المسحاة «8» : أللدّنيا فإنّ الدّنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر، والآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر، يفصل بين الحقّ والباطل. فلمّا سمع ذلك منه كأنّه أعجبه، قال: فقال: لما فيه المسلمون. قال: فإنّ الله سينجّيك بشفقتك على المسلمين، وسل، فمن ذا الّذي سأل الله- عزّ وجلّ- فلم يعطه، ودعاه فلم يجبه وتوكّل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه؟ قال: فعلقت   (1) مجموع الفتاوى (1/ 112) . (2) البخاري- الفتح 3 (1523) . (3) أي قرأ سورة «الرحمن» . (4) فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 837- 838) ، سيرة ابن هشام (1/ 314) وذكره ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 56) . (5) فتنة ابن الزبير: قتاله مع الحجاج. (6) فسنح له: عرض له. (7) ازدراه: استصغر شأنه. (8) مسحاة: مجراف من الحديد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1396 لدعاء «1» : اللهمّ سلّمني وسلّم منّي فتمحّلت «2» ولم تصب منهم أحدا» ) * «3» . 5- * (قال سعيد بن جبير- رحمه الله-: «التّوكّل على الله عزّ وجلّ جماع الإيمان» ) * «4» . 6- * (قال عياض الأشعريّ- رحمه الله تعالى: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وابن حسنة وخالد بن الوليد وعياض. وقال عمر- رضي الله عنه-: «إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة. قال فكتبنا إليه: أنّه قد جاش إلينا الموت، واستمددناه فكتب إلينا أنّه قد جاءني كتابكم تستمدّوني وإنّي أدلّكم على من هو أعزّ نصرا وأحضر جندا، الله- عزّ وجلّ- فاستنصروه فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم قد نصر يوم بدر في أقلّ من عدّتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني. فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، وأصبنا أموالا» ) * «5» . 7- * (قال شقيق بن سلمة أبو وائل؛ قال: خرجنا في ليلة مخوفة، فمررنا بأجمة «6» فيها رجل نائم، وقيّد فرسه فهي ترعى عند رأسه فأيقظناه، فقلنا له: تنام في مثل هذا المكان؟ قال: فرفع رأسه فقال: «إنّي أستحي من ذي العرش أن يعلم أنّي أخاف شيئا دونه» ثمّ وضع رأسه فنام) * «7» . 8- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: «ينبغي للنّاس كلّهم (يتوكّلون) على الله- عزّ وجلّ- ولكن يعوّدون أنفسهم بالكسب فمن قال بخلاف هذا القول فهذا قول إنسان أحمق» ) * «8» . 9- * (وقال أيضا: «الاستغناء عن النّاس بطلب العمل أعجب إلينا من الجلوس وانتظار ما في أيدي النّاس» ) *» . 10- * (وقال أيضا: «صدق المتوكّل على الله عزّ وجلّ- أن يتوكّل على الله ولا يكون في قلبه أحد من الآدميّين يطمع أن يجيئه بشيء، فإذا كان كذلك كان الله يرزقه وكان متوكّلا» ) * «10» . 11- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: «التّوكّل من أقوى الأسباب الّتي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم» ) * «11» . 12- * (قال ابن القيّم والفيروز آباديّ- رحمهما الله تعالى-: «التّوكّل نصف الدّين، والنّصف الثّاني الإنابة، فإنّ الدّين استعانة وعبادة، فالتّوكّل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة» ) * «12» .   (1) فعلقت لدعاء: فاغتنمته. (2) فتمحلت: فانكشفت الفتنة. (3) التوكل لابن أبي الدنيا (52) وقال مخرجه: إسناده صحيح. (4) الزهد لهناد بن السري (1/ 304) . (5) أحمد (1/ 49) . (6) الأجمة: الشّجر الكثير الملتفّ. (7) الزهد لهناد بن السري (1/ 306) ، قال محققه: إسناده صحيح. (8) الآداب الشرعية (3/ 270) . (9) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها. (10) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها. (11) التفسير القيم لابن القيم (587) . (12) مدارج السالكين (2/ 118) ، وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 315) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1397 من فوائد (التوكل) (1) أنّه من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) يجلب محبّة الله تعالى ومعونته ونصره وتأييده. (3) دوام طلب المعونة من الله الملك ليقين المتوكّل بالعجز التّامّ عن تحصيل ما يريده وتمام قدرة الله على إنجاز كلّ ما يريد وفوق ما يريد. (4) الحفظ والمنعة من الشّيطان الرّجيم ومن البشر اللّئيم. (5) الوقوف على الحدود الشّرعيّة وعدم الخوض في الحرام. (6) ترك المزاحمة مع النّاس؛ لأنّ المتوكّل لا يخاف فوت شيء قدّر له. (7) قطع الطمع فيما في أيدي النّاس توكّلا على ما عند الله. (8) راحة البال واستقرار الحال. (9) لا يمنع الأخذ بالأسباب المشروعة المباحة مع الخروج من أسرها. (10) يحقّق طاعة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. (11) يحقّق رضا الله، فيجعل للعبد مخرجا ويكفّر عنه سيّئاته. (12) يهيّأ صاحبه للفوز بصحبة النّبيّين في جنّات النّعيم. (13) من أسباب سعة الرّزق. (14) به تمام المعونة من الله- عزّ وجلّ- ممّا يدفع عن المتوكّل شرّ الأشرار من الشّيطان ومن كلّ من يكيده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1398 التيسير الآيات/ الأحاديث/ الآثار 29/ 51/ 13 التيسير لغة: مصدر يسّر وهو مأخوذ من مادّة (ى س ر) الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على معنيين: أحدهما يدلّ على انفتاح شيء وخفّته والآخر على عضو من الأعضاء «1» ، ويرجع التّيسير الّذي معنا إلى المعنى الأوّل، ومنه اليسر ضدّ العسر واليسرات القوائم الخفاف، ومن الباب يسّرت الغنم إذا كثر لبنها ونسلها، ويقال: رجل يسر ويسر أي حسن الانقياد، واليسار: الغنى ... ومن ذلك قول الله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة/ 185) يقال: تيسّر كذا واستيسر أي تسهّل، ومن ذلك قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (البقرة/ 196) أي تسهّل وتهيّأ ومنه أيسرت المرأة تيسّرت في كذا أي سهّلته وهيّأته، أمّا قوله تعالى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (الليل/ 7) ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (الليل/ 10) ، فهذا وإن كان قد أعاره لفظ التّيسير فهو على حسب ما قال الله- عزّ وجلّ- فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* (آل عمران/ 21، والتوبة/ 34) «2» ، واليسير والميسور: السّهل، واليسير يقال (أيضا) في الشّيء القليل، والميسرة واليسار عبارة عن الغنى، والمياسرة: الملاينة. وفي الحديث إنّ هذا الدّين يسر، اليسر هنا ضدّ العسر أراد أنّه سهل سمح قليل التّشديد، وفي الحديث (أيضا) «يسّروا ولا تعسّروا» وفي الحديث الآخر «من أطاع الإمام وياسر الشّريك» أي ساهله. أمّا ما جاء في قوله صلّى الله عليه وسلّم «تياسروا في الصّداق» فمعناه: تساهلوا فيه ولا تغالوا. واليسر واليسر يستعملان في معنى اللّين والانقياد، أمّا اليسر بضمّ الياء واليسر (بضمّتين) فهو نقيض العسر، والعسر واليسرى: الأمر السّهل. قال الجوهري يقال يسّره الله لليسرى: أي وفّقه لها» «3» ، وقال بعض المفسّرين المراد بها الخلّة اليسرى   (1) ومن هذا المعنى: اليسار لليد، يقال: تياسروا إذا أخذوا ذات اليسار، ويقال ياسروا وهو أجود (مقاييس اللغة 6/ 156) . (2) يريد أن ذلك من باب المشاكلة قال في اللسان: البشارة في الأصل الفرح (ثم استعملت في الحزن) وكذلك التيسير يستعمل في اليسرى أي السهل، فإن جمعت في كلامين أحدهما خير والآخر شر جاز التيسير فيهما. (3) انظر المقاييس (6/ 156) ومفردات الراغب (ص 551) والصحاح (2/ 856) واللسان (ص 4957) وما بعدها (ط. دار المعارف) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1399 وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدّنيا وهو من قولهم قد يسّرت غنم فلان إذا تهيّأت للولادة «1» . واصطلاحا: اليسر عمل فيه لين وسهولة وانقياد أو هو رفع المشقّة والحرج عن المكلّف بأمر من الأمور لا يجهد النّفس ولا يثقل الجسم «2» . [للاستزادة: انظر صفات: حسن العشرة- حسن المعاملة- الرفق- تفريج الكربات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التعسير- الجفاء سوء المعاملة- الغلو- التنفير- التفريط والإفراط] .   (1) تفسير الطبري (30/ 143) . (2) تفسير القاسمي (3/ 427) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1400 الآيات الواردة في «التيسير» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «1» 2- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) «3» 4- وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (61) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)   (1) البقرة: 183- 185 مدنية (2) البقرة: 196 مدنية (3) البقرة: 278- 280 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1401 فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (66) «1» 5- وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (89) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) «2» 6- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) «3» 7- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) «4» 8- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)   (1) يوسف: 58- 66 مكية (2) الكهف: 82- 90 مكية (3) مريم: 96- 98 مكية (4) طه: 24- 28 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1402 لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59) «1» 9- وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) «2» 10- زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) «3» 11- وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) «4» 12- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا   (1) الدخان: 51- 59 مكية (2) القمر: 17- 40 مكية (3) التغابن: 7- 8 مكية (4) الطلاق: 4 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1403 ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «1» 13- قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22) «2» 14- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) «3» 15- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) «4» 16- فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) «5» 17- أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) «6» الآيات الواردة في «التيسير» لفظا ولها معنى آخر 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «7»   (1) المزّمل: 20 مكية (2) عبس: 17- 22 مكية (3) الانشقاق: 6- 9 مكية (4) الأعلى: 1- 10 مكية (5) الليل: 5- 7 مكية (6) الشرح: 1- 8 مكية (7) النساء: 29- 30 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1404 19- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169) «1» 20- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) «2» 21- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) «3» 22- أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) «4» 23- أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «5» 24- * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)   (1) النساء: 167- 169 مدنية (2) الإسراء: 23- 28 مكية (3) الحج: 67- 70 مدنية (4) الفرقان: 45- 49 مكية (5) العنكبوت: 19- 20 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1405 أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) » 25- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) «2» 26- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) «3» 27- إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «4» 28- وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) «5» 29- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) «6»   (1) الأحزاب: 18- 19 مدنية (2) الأحزاب: 30- 31 مدنية (3) فاطر: 10- 11 مكية (4) ق: 43- 45 مكية (5) الذاريات: 1- 14 مكية (6) الحديد: 22- 23 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1406 الأحاديث الواردة في (التيسير) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اهجوا قريشا. فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل» فأرسل إلى ابن رواحة، فقال: «اهجهم» فهجاهم فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك. ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت. فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه «1» . ثمّ أدلع لسانه «2» . فجعل يحرّكه. فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم بلساني فري الأديم «3» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعجل. فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإنّ لي فيهم نسبا. حتّى يلخّص لك نسبي» فأتاه حسّان. ثمّ رجع فقال: يا رسول الله قد لخّص لي نسبك. والّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قالت عائشة: لحسّان «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحت عن الله ورسوله» وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هجاهم حسّان فشفى واشتفى» . قال حسّان: هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمّدا برّا تقيّا ... رسول الله شيمته الوفاء فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء ثكلت بنيّتي إن لم تروها ... تثير النّقع من كنفي كداء «4» يبارين الأعنّة مصعدات ... على أكتافها الأسل الظّماء تظلّ جيادنا متمطّرات ... تلطّمهنّ بالخمر النّساء فإن أعرضتمو عنّا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلّا فاصبروا لضراب يوم ... يعزّ الله فيه من يشاء وقال الله: قد أرسلت عبدا ... يقول الحقّ ليس به خفاء وقال الله: قد يسّرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللّقاء لنا في كلّ يوم من معدّ ... سباب أو قتال أو هجاء فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء) * «5» 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقرأنيها، وكدت أن   (1) الضارب بذنبه: قال العلماء: المراد بذنبه هنا لسانه. (2) أدلع لسانه: أي أخرجه عن الشفتين. (3) لأفرينّهم فري الأديم: أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد. (4) كنفي كداء: أي جانبي كداء. وكداى ثنية على باب مكة (وفي البيت إقواى) . (5) البخاري- الفتح 10 (6150) . ومسلم (2490) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1407 أعجل عليه، ثمّ أمهلته حتّى انصرف، ثمّ لببته بردائه فجئت به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّي سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها. فقال لي: «أرسله» . ثمّ قال له: «اقرأ» فقرأ. قال: «هكذا أنزلت» . ثمّ قال لي: «اقرأ» . فقرأت. فقال: «هكذا أنزلت. إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا منه ما تيسّر» ) * «1» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا بال في المسجد، فثار إليه النّاس ليقعوا به. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ) * «2» . 4- * (عن محجن بن الأدرع- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيدي فانطلق يمشي حتّى صعد أحدا فأشرف على المدينة فقال: «ويل أمّها من قرية يتركها أهلها كأعمر ما تكون يأتيها الدّجّال فيجد على كلّ باب من أبوابها ملكا مصلتا فلا يدخلها» قال: ثمّ انحدر حتّى إذا كنّا بشدّة المسجد رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي في المسجد ويسجد ويركع ويسجد ويركع قال: فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هذا؟» . قال: فأخذت أطريه له. قال: قلت يا رسول الله، هذا فلان وهذا وهذا. قال: «اسكت لا تسمعه فتهلكه» . قال: ثمّ انطلق يمشي حتّى إذا كنّا عند حجرة لكنّه رفض يدي، ثمّ قال: «إنّ خير دينكم أيسره إنّ خير دينكم أيسره، إنّ خير دينكم أيسره» وقال في لفظ آخر: «إنّكم أمّة أريد بكم اليسر» ) * «3» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين يسر ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه فسدّدوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «4» . 6- * (عن عثمان- رضي الله عنه- أنّه كان إذا وقف على قبر بكى حتّى يبلّ لحيته. فقيل له: تذكر الجنّة والنّار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ القبر أوّل منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه» . قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا والقبر أفظع منه» ) * «5» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها» ) * «6» . 8- * (عن أبي موسى قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال:   (1) البخاري- الفتح 5 (2419) . ومسلم (818) . (2) البخاري- الفتح 10 (6128) . وأخرجه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه (284) . (3) أحمد (5/ 32) ، وقال الحافظ: سنده صحيح، الفتح 1 (94) . (4) البخاري- الفتح 1 (39) والسداد: هو التوسط فى العمل وقاربوا: أي إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه، والغدوة: السير أول النهار والروحة السير بعد الزوال، والدلجة: السير آخر الليل، وقيل: سير الليل كله. (5) الترمذي (2308) وقال: حسن غريب. وابن ماجة (4267) وذكره الألباني في صحيح الجامع، وقال: حسن (1/ 85) رقم (1680) . (6) أحمد (6/ 77، 91) . وقال الهيثمي: رواه أحمد وفيه أسامة ابن زيد بن أسلم وهو ضعيف. وقد وثق، وبقية رجاله ثقات (4/ 55) ، ورواه الحاكم من طريق أخرى (2/ 178) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ومن طريقه رواه البيهقي في الكبرى (7/ 235) وأخرجه أحمد (6/ 91) ، والبزار (2/ 158) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1408 «بشّروا ولا تنفّروا، ويسّروا ولا تعسّروا» ) * «1» . 9- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي أريد سفرا فزوّدني. قال: «زوّدك الله التّقوى» . قال: زدني. قال: «وغفر ذنبك» . قال: زدني بأبي أنت وأمّي. قال: «ويسّر لك الخير حيثما كنت» ) * «2» . 10- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خصلتان، أو خلّتان لا يحصيهما رجل مسلم إلّا دخل الجنّة: ألا وهما يسير ومن يعمل بهما قليل، يسبّح الله في دبر كلّ صلاة عشرا، ويحمده عشرا ويكبّره عشرا» قال: فأنا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعقدها بيده، قال: «فتلك خمسون ومائة باللّسان وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذت مضجعك تسبّحه وتكبّره وتحمده مائة فتلك مائة باللّسان وألف في الميزان، فأيّكم يعمل في اليوم واللّيلة ألفين وخمسمائة سيّئة؟» قالوا: وكيف لا يحصيهما، قال: «يأتي أحدكم الشّيطان وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا اذكر كذا، حتّى ينتقل فلعلّه لا يفعل، ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينوّمه حتّى ينام» ) * «3» . 11- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّه قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد النّاس جلوسا ببابه، لم يؤذن لأحد منهم. قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثمّ أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جالسا حوله نساؤه، واجما ساكتا. قال فقال: لأقولنّ شيئا أضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النّفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «هنّ حولي كما ترى. يسألنني النّفقة» . فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما ليس عنده. فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا أبدا ليس عنده. ثمّ اعتزلهنّ شهرا أو تسعا وعشرين ثمّ نزلت عليه هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ حتّى بلغ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 28، 29) فبدأ بعائشة فقال: «يا عائشة إنّي أريد أن أعرض عليك أمرا أحبّ أن لا تعجلي فيه حتّى تستشيري أبويك؟» قالت: وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية. فقالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبويّ؟ بل اختار الله ورسوله والدّار الآخرة. وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك الّذي قلت. قال: «لا تسألني امرأة منهنّ إلّا أخبرتها. إنّ الله لم يبعثني معنّتا ولا متعنّتا، ولكن بعثني معلّما ميسّرا» ) * «4» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) البخاري- الفتح 8 (4341- 4342) . ومسلم (1733) واللفظ له. (2) الترمذي (3444) وقال: حسن غريب. وقال مخرج الأذكار النووية: قال الحافظ (يعني في تخريج الأذكار) : حديث حسن. وأخرجه الطبراني والخرائطي والمحاملي (355) . (3) الترمذي (3410) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (5065) . والنسائي (3/ 74) وقال الألباني: صحيح (1/ 290) رقم (1277) . وابن ماجة (926) . (4) مسلم (1478) واللفظ له. وأخرج البخاري مثله من حديث عائشة في عدة مواضع منها (5268) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1409 قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ. اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «1» وأجب دعوتي وثبّت حجّتي، واهد قلبي وسدّد لساني واسلل سخيمة قلبي» ) * «2» . 13- * (قال جنادة بن أبي أميّة: دخلنا على عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وهو مريض. قلنا: أصلحك الله. حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: دعانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه. فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السّمع والطّاعة في منشطنا ومكرهنا «3» وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر «4» أهله، إلّا أن تروا كفرا بواحا «5» عندكم من الله فيه برهان» ) * «6» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك السّمع والطّاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك، ومكرهك، وأثرة عليك» ) * «7» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «علّموا ويسّروا ولا تعسّروا، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت. وإذا غضبت فاسكت» ) * «8» . 16- * (عن عويمر بن ساعدة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالأبكار فإنّهنّ أعذب أفواها، وأنتق أرحاما وأرضى باليسير» ) * «9» . 17- * (عن معاذ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الغزو غزوان فأمّا من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشّريك واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كلّه. وأمّا من غزا رياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لا يرجع بالكفاف» ) * «10» . 18- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كما يعلّمنا السّورة من القرآن يقول: «إذا همّ أحدكم   (1) حوبتي: بفتح الحاء وسكون الواو يجوز أن تكون هنا توجّعي وأن تكون تخشعي وتمسكني لك. (2) أبو داود (1510) واللفظ له. والترمذي (3551) وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (3830) . وأحمد (1/ 227) رقم (1997) قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 309) وعزاه كذلك للنسائي وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة. والسخيمة: الحقد والضغينة والموجدة في النفس. (3) منشطنا ومكرهنا: أي في حالة نشاطنا وفي الحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به. (4) والمراد بالأمر: الإمارة. (5) والكفر البواح: الكفر الظاهر الذي لا يخفى. (6) البخاري الفتح 13 (7055- 7056) . ومسلم (1709) . (7) مسلم (1836) . والأثرة- بفتح الهمزة والثاء- وهي الاستئثار والاختصاص. (8) أحمد (1/ 239، 283) رقم (2136 و2556) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 12، 191) . والبخاري في الأدب المفرد (95) رقم (245، 1320) ص 447. (9) ابن ماجة (1861) ، والبيهقي في الكبرى (7/ 81) ، والحديث في المشكاة (2/ 929) رقم (3092) . وذكره الألباني في الصحيحة وعزاه أيضا للمقابري، وتمام في فوائده، والطبراني في الأوسط، وابن أبي شيبة موقوفا ثم قال: والحديث حسن بمجموع طرقه (2/ 192- 196) رقم (623) . (10) النسائي (6/ 49- 10) وقال الألباني: حسن (2/ 671) رقم (2987) . وأبو داود (2515) . وأحمد (5/ 234) الموطأ (2/ 467466) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1410 بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ ليقل: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علّام الغيوب، اللهمّ إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسّره لي، ثمّ بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال عاجل أمري وآجله- فاصرفه عنّي واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ أرضني به. قال: ويسمّي حاجته» ) * «1» . 19- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه عود ينكت» به في الأرض فنكس «3» وقال: «ما منكم من أحد إلّا قد كتب مقعده من النّار أو من الجنّة» . فقال رجل من القوم: ألا نتّكل يا رسول الله؟ قال: «لا، اعملوا فكل ميسّر» ، ثمّ قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (الآية)) * «4» . 20- * (عن عروة الفقيميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: كنّا ننتظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فخرج رجلا يقطر رأسه من وضوء أو غسل فصلّى فلمّا قضى الصّلاة جعل النّاس يسألونه: يا رسول الله أعلينا حرج في كذا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أيّها النّاس إنّ دين الله- عزّ وجلّ- في يسر (ثلاثا يقولها) » ) * «5» . 21- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة وتؤتي الزّكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت» ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا- تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟» . قلت: بلى يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» . ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟» قلت: بلى يا نبيّ الله، فأخذ بلسانه. قال: «كفّ عليك هذا» ، فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ قال: «ثكلتك أمّك يا معاذ. وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «6» . 22- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها   (1) البخاري- الفتح 3 (1162) . (2) ينكت: يضرب الأرض بعود أو بإصبع. (3) نكس: أى أطرق. (4) البخاري- الفتح 11 (6605) واللفظ له. ومسلم (2647) . (5) أحمد (5/ 69) وذكره الهيثمي في المجمع (1/ 62) وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير، وأبو يعلى وفيه عاصم بن هلال وثقه أبو حاتم وأبو داود. والحديث ذكره ابن حجر في ترجمته في الإصابة، وقال: رواه أحمد والبغوي وأبو يعلى وغيرهم وفيه راو مختلف في الاحتجاج به (2/ 479) . وذكره كذلك ابن كثير في التفسير (1/ 217) وعزاه أيضا لابن مردويه في تفسيره. (6) الترمذي (2616) وقال: حسن صحيح- واللفظ له. وابن ماجة (3973) . وأحمد (5/ 231، 237، 245) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1411 قالت؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس أحد يحاسب إلّا هلك» ، قالت: قلت: يا رسول الله، جعلني الله فداءك، أليس يقول الله عزّ وجلّ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال: «ذاك العرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك» ) * «1» . 23- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- أنّه قال: وقف عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية ورأسي يتهافت «2» قملا، فقال: «يؤذيك هوامّك؟» قلت: نعم. قال: «فاحلق رأسك» . أو قال: «احلق» . قال: فيّ نزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صم ثلاثة أيّام أو تصدّق بفرق «3» بين ستّة أو انسك بما تيسّر» ) * «4» . 24- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقال للكافر يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك» ) * «5» . الأحاديث الواردة في (التيسير) معنى 25- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رجل يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصّلاة ممّا يطوّل بنا فلان فما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في موعظة أشدّ غضبا من يومئذ. فقال: «أيّها النّاس إنّكم منفّرون، فمن صلّى بالنّاس فليخفّف؛ فإنّ فيهم المريض والضّعيف وذا الحاجة» ) * «6» . 26- * (عن أسامة بن شريك- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عنده، كأنّما على رؤوسهم الطّير. قال: فسلّمت عليه وقعدت قال: فجاءت الأعراب فسألوه فقالوا: يا رسول الله نتداوى. قال: «نعم تداووا؛ فإنّ الله لم يضع داء إلّا وضع له دواء غير داء واحد الهرم» قال: وسألوه عن أشياء هل علينا حرج في كذا وكذا؟ قال: «يا عباد الله وضع الله الحرج إلّا امرأ اقتضى امرأ مسلما ظلما فذلك حرج وهلك» . قالوا: ما خير ما أعطي النّاس يا رسول الله؟. قال: «خلق حسن» ) * «7» . 27- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال: أقرأني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين عند الله الحنيفيّة السّمحة لا اليهوديّة ولا النّصرانيّة» ) * «8» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه   (1) البخاري- الفتح 8 (4939) . ومسلم (2876) . (2) يتهافت: أي يتساقط شيئا فشيئا. (3) الفرق: مكيال يزن ستة عشر رطلا أو ثلاثة آصع. (4) البخاري- الفتح 4 (1815) . ومسلم (1201) وقوله: انسك بما تيسّر المراد به الذبح. (5) البخاري- الفتح 11 (6557) . ومسلم (2805) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 1 (90) واللفظ له. ومسلم (466) . (7) أبو داود (3855) وقال الألباني (2/ 731) : صحيح. وابن ماجة (3436) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. والبخاري في الأدب المفرد (109) حديث (291) وقال في شرح فضل الله الصمد: أخرجه الترمذي وصححه وابن خزيمة والحاكم وصححاه. وأحمد (4/ 278) واللفظ له. (8) فوائد أبي عمر بن منده بواسطة رفع الحرج لصالح بن حميد (158) وقال: سنده صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1412 قال: إنّ رجلا قال يا رسول الله إنّي أريد أن أسافر فأوصني. قال: «عليك بتقوى الله والتّكبير على كلّ شرف «1» » . فلمّا أن ولّى الرّجل. قال: «اللهمّ اطو له الأرض وهوّن عليه السّفر» ) * «2» . 29- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يحبّ أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» ) * «3» . 30- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض. جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود وبين ذلك والسّهل والحزن والخبيث والطّيّب» ) * «4» . 31- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: إنّه اشترى من رجل أرضا فأبطأ عليه، فلقيه فقال له: ما منعك من قبض مالك؟ قال: إنّك غبنتني، فما ألقى من النّاس أحدا إلّا وهو يلومني، قال: أو ذلك يمنعك؟ قال: نعم، قال: فاختر بين أرضك ومالك، ثمّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أدخل الله- عزّ وجلّ- الجنّة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا» ) * «5» . 32- * (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بينا أنا عند البيت بين النّائم واليقظان- وذكر يعني رجلا بين الرّجلين- فأتيت بطست من ذهب ملآن حكمة وإيمانا، فشقّ من النّحر إلى مراقّ البطن، ثمّ غسل البطن بماء زمزم، ثمّ ملأ حكمة وإيمانا. وأتيت بدابّة أبيض دون البغل وفوق الحمار (البراق) ، فانطلقت مع جبريل، حتّى أتينا السّماء الدّنيا، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمّد. قيل. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به؛ ولنعم المجيء جاء. فأتيت على آدم فسلّمت عليه فقال: مرحبا بك من ابن ونبيّ. فأتينا السّماء الثّانية. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟. قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قيل: أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على عيسى، ويحيى، فقالا: مرحبا بك من أخ ونبيّ. فأتينا السّماء الثّالثة. قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل من معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على يوسف فسلّمت، فقال: مرحبا بك من أخ ونبيّ. فأتينا السّماء الرّابعة، قيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل من معك؟ قيل محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء. فأتيت   (1) المراد بالشرف: المكان المرتفع. (2) الترمذي (3445) وقال: حسن. وابن ماجة (2771) مختصر. والحاكم (2/ 98) وصححه ووافقه الذهبي. (3) أحمد (2/ 108) رقم (5866) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (8/ 135) . وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن (3/ 162) . (4) أبو داود (4693) وقال الألباني (3/ 888) : صحيح. الترمذي (2955) وقال: حسن صحيح. (5) النسائي (7/ 318- 319) . ابن ماجه (2202) . أحمد (1/ 58) رقم (410) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 335) واللفظ له. وخرج الترمذي مثله من حديث جابر (1320) وقال: حسن صحيح غريب وكذلك ابن ماجة (2203) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1413 على إدريس فسلّمت عليه فقال: مرحبا بك من أخ ونبيّ. فأتينا السّماء الخامسة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل ومن معك؟ قيل: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. فأتينا على هارون، فسلّمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبيّ. فأتينا على السّماء السّادسة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل من معك؟ قيل: محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، نعم المجيء جاء. فأتيت على موسى فسلّمت عليه. فقال: مرحبا بك من أخ ونبيّ. فلمّا جاوزت بكى، فقيل: ما أبكاك؟ قال: يا ربّ، هذا الغلام الّذي بعث بعدي يدخل الجنّة من أمّته أفضل ممّا يدخل من أمّتي. فأتينا السّماء السّابعة، قيل من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: من معك؟ قيل: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء. فأتيت على إبرهيم فسلّمت عليه فقال: مرحبا بك من ابن ونبيّ. فرفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور، يصلّي فيه كلّ يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم. ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنّه قلال هجر، وورقها كأنّه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران. فسألت جبريل فقال: أمّا الباطنان ففي الجنّة، وأمّا الظّاهران النّيل والفرات. ثمّ فرضت عليّ خمسون صلاة، فأقبلت حتّى جئت موسى، فقال: ما صنعت؟ قلت فرضت عليّ خمسون صلاة. قال: أنا أعلم بالنّاس منك، عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، وإنّ أمّتك لا تطيق، فارجع إلى ربّك فسله. فرجعت فسألته، فجعلها أربعين، ثمّ مثله ثمّ ثلاثين، ثمّ مثله فجعل عشرين، ثمّ مثله فجعل عشرا. فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا. فأتيت موسى، فقال: ما صنعت؟ قلت جعلها خمسا. فقال مثله. قلت فسلّمت. فنودي: إنّي قد أمضيت فريضتي. وخفّفت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا» ) * «1» . 33- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: حجم أبو طيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخفّفوا من خراجه) * «2» . 34- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حرّم على النّار كلّ هيّن ليّن سهل قريب من النّاس» ) * «3» . 35- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دخل رجل الجنّة بسماحته قاضيا ومتقاضيا» ) * «4» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3207) واللفظ له. ومسلم (162) . (2) البخاري- الفتح 4 (2102) . ومسلم (1577) . (3) الترمذي (2488) وقال: حسن غريب. وأحمد (1/ 415) رقم (3938) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (6/ 18- 19) واللفظ له. (4) أحمد (2/ 210) رقم (6963) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 160) . والحديث ذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات (4/ 74) . وكذلك المنذري في الترغيب، وقال: رواه أحمد ورواته ثقات مشهورون (3/ 19) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1414 36- * (عن عبد الله بن عمرو قال: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألم أخبر أنّك تقوم اللّيل وتصوم النّهار؟» قلت: بلى. قال: «فلا تفعل، قم ونم وصم وأفطر، فإنّ لجسدك عليك حقّا، وإنّ لعينك عليك حقّا، وإنّ لزورك «1» عليك حقّا، وإنّ لزوجك عليك حقّا، وإنّك عسى أن يطول بك عمر وإنّ من حسبك أن تصوم كلّ شهر ثلاثة أيّام، فإنّ بكلّ حسنة عشر أمثالها، فذلك الدّهر كلّه» ، قال: فشدّدت فشدّد عليّ قلت: فإنّي أطيق غير ذلك. قال: «فصم من كلّ جمعة ثلاثة أيّام» ، قال: فشدّدت فشدّد عليّ، قلت: إنّي أطيق غير ذلك، قال: «فصم صوم نبيّ الله داود» . قلت: وما صوم نبيّ الله داود؟ قال: «نصف الدّهر» ) * «2» . 37- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: «دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه. ودخل أبو بكر فانتهرني. وقال: مزمارة الشّيطان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأقبل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعهما» . فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب فيه السّودان بالدّرق والحراب. فإمّا سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإمّا قال: تشتهين تنظرين؟. فقلت: نعم. فأقامني وراءه خدّي على خدّه وهو يقول: «دونكم يا بني أرفدة» . حتّى إذا مللت قال: «حسبك؟» قلت: نعم. قال: «فاذهبي» ) * «3» . 38- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى» ) * «4» . 39- * (عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السّوائي- رضي الله عنه- أنّه قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء، فصنع له طعاما، فقال: كل فإنّي صائم. فقال: ما أنا بآكل حتّى تأكل، فأكل. فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم، فقال: نم، فنام، ثمّ ذهب يقوم، فقال: نم، فنام فلمّا كان آخر اللّيل، قال سلمان: قم الآن، قال: فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» ) * «5» . 40- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فرأى رجلا قد اجتمع النّاس عليه، وقد ظلّل عليه، فقال: ما له؟ قالوا: رجل صائم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر. عليكم برخصة الله الّذي رخّص لكم» ) * «6» .   (1) الزور: بفتح الزاي وسكون الواو: الزائر. (2) البخاري- الفتح 10 (6134) . (3) البخاري- الفتح 2 (949- 950) واللفظ له. ومسلم (892) . الزيادة ذكرها الحافظ في الفتح وسكت عنها (2/ 442) . وقال ابن كثير: الزيادة لها شواهد من طرق عدة، التفسير 3 (139) . (4) البخاري- الفتح 4 (2076) . (5) البخاري- الفتح 10 (6139) . (6) البخاري الفتح 4 (1946) . ومسلم (1115) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1415 41- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ لا سهل إلّا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن «1» إذا شئت سهلا» ) * «2» . 42- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحلّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية؛ فإنّ الله لم يكن نسيّا ثمّ تلا هذه الآية وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» ) * «3» . 43- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً (المجادلة/ 12) قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى دينارا؟» قال: لا يطيقونه، قال: «فنصف دينار» . قلت: لا يطيقونه. قال: «فكم؟» قلت: شعيرة. قال: «إنّك لزهيد» . قال: فنزلت: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الآية. قال: «فبي خفّف الله عن هذه الأمّة» ) * «4» . 44- * (عن قيس بن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنهما- قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبل أن يهلكوا. فكان أوّل من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف وعلى أبي اليسر بردة ومعافريّ» ، وعلى غلامه بردة «6» ومعافريّ. فقال له أبي: يا عمّ إنّي أرى في وجهك سفعة من غضب «7» . قال: أجل. كان لي على فلان ابن فلان الحراميّ مال. فأتيت أهله فسلّمت. فقلت: ثمّ هو؟ قالوا: لا. فخرج عليّ ابن له جفر «8» . فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي. فقلت: اخرج إليّ. فقد علمت أين أنت، فخرج. فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا، والله أحدّثك. ثمّ لا أكذبك، خشيت، والله أن أحدّثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكنت والله معسرا. قال قلت: آلله. قال: آلله. قلت: آلله. قال: آلله. قلت: آلله. قال: الله. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال: إن وجدت قضاء فاقضني. وإلّا، أنت في حلّ. فأشهد بصر عينيّ هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذنيّ هاتين، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط   (1) الحزن: بإسكان الزاي غليظ الأرض وخشنها والمراد هنا الأمر الصعب العسير. (2) ابن السني في عمل اليوم والليلة (353) . وذكره النووي في أذكاره وعزاه إليه، وقال مخرجه: قال الحافظ: إسناده صحيح وعزاه أيضا لابن حبان (ص 221) . (3) الحاكم (2/ 375) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير وإسناده حسن ورجاله موثقون (1/ 171) . (4) الترمذي (3300) وقال: حسن غريب. وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للترمذي ونقل كلامه عنه وسكت (4/ 327) . وقد كان سفيان (الذي روى عنه الترمذي الحديث) شيخا للترمذي وابن ماجه والطبري، قال عنه ابن حبان: كان شيخا فاضلا صدوقا يروى عنه ابن خريمة الحرف بعد الحرف وهو من الضرب الذين لأن يخروا من السماء أحبّ إليهم من أن يكذبوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي هذا دليل على أن هؤلاء الأئمة كانوا ينتقون من حديثه، ومن ثمّ حسّن له الترمذي الحديث، أما الغرابة في في تفرّد علي بن علقمة الأنماري عنه، وقد وثقه ابن حبان، وقال عنه ابن عدي: ما أرى بحديثه بأسا، ينظر في ذلك: التهذيب 4/ 124، 7/ 366. (5) معافري: نوع من الثياب يعمل بقرية تسمى معافر. (6) بردة: البردة شملة مخططة. وقيل: كساء مربع فيه صغر، يلبسه الأعراب وجمعه برد. (7) سفعة من غضب: أي علامة وتغير. (8) جفر: الجفر هو الذي قارب البلوغ. وقيل: هو الذي قوي على الأكل. وقيل: ابن خمس سنين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1416 قلبه) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من أنظر معسرا- أو وضع عنه- أظلّه في ظلّه» ) * «1» . 45- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنظر معسرا كان له كلّ يوم صدقة، ومن أنظره بعد حلّه كان له مثله في كلّ يوم صدقة» ) * «2» . 46- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: كان له دين على رجل وكان يأتيه يتقاضاه فيختبأ منه فجاء ذات يوم فخرج صبيّ فسأله عنه؛ فقال: نعم، هو في البيت يأكل خريزة فناداه. فقال: يا فلان اخرج فقد أخبرت أنّك ههنا، فخرج إليه، فقال: ما يغيّبك عنّي؟ فقال: إنّي معسر وليس عندي شيء، قال: آلله إنّك معسر؟ قال: نعم. فبكى أبو قتادة ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من نفّس عن غريمه أو محا عنه كان في ظلّ العّرش يوم القيامة» . ولفظ مسلم: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر أو يضع عنه» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التيسير) 47- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ عائشة- رضي الله عنها- في حجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أهلّت بعمرة (حديث الحجّ المشهور) ، وفيه: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا سهلا إذا هويت الشّيء تابعها عليه «4» فأرسلها مع عبد الرّحمن بن أبي بكر فأهلّت بعمرة من التّنعيم» ) * «5» . 48- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأدخل الصّلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصّبيّ فأخفّف من شدّة وجد أمّه به» ) * «6» . 49- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تضمّن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلّا جهادا «7» في سبيلي، وإيمانا بي وتصديقا برسلي. فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة. أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والّذي نفس محمّد بيده ما من كلم   (1) مسلم (3006) . (2) أحمد (5/ 351) وقال الهيثمي: روى ابن ماجة طرفا منه ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (4/ 135) . وذكره ابن كثير في التفسير بسياق آخر (1/ 331) . (3) مسلم (1563) . (4) قوله: إذا هويت الشيء تابعها عليه: أي من الأمور التي لا نقص فيها في الدين. (5) مسلم (1213) . (6) البخاري- 7 (708) . ومسلم (470) واللفظ له، والوجد يطلق على الحزن وعلى الحب وكلاهما سائغ، والحزن أظهر. (7) إلا جهادا: هكذا بالنصب على أنه مفعول له، وتقديره: لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق ومعناه لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1417 يكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم وريحه مسك، والّذي نفس محمّد بيده لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم. ولا يجدون سعة ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي. والّذي نفس محمّد بيده لوددت أنّي أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل» ) * «1» . 50- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين قطّ إلّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه، وما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه في شيء قطّ، إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله) * «2» . 51- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاة» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التيسير) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لمن سأله عن الصّوم في السّفر: «يسر وعسر. فخذ بيسر الله» ) * «4» . 2- * (قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله تعالى: «إذا تخالجك أمران فظنّ أنّ أحبّهما إلى الله أيسرهما» ) * «5» . 3- * (قال القاسم بن محمّد بن أبي بكر- رحمه الله تعالى-: «لقد نفع الله باختلاف أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أعمالهم لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلّا رأى أنّه في سعة ورأى أنّه خير منه قد عمله» ) * «6» . 4- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «كانوا يقولون لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين» ) * «7» . 5- * (قال قتادة- رحمه الله تعالى-: «قال الله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فأريدوا لأنفسكم الّذي أراد الله لكم» ) * «8» . 6- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «ما أحبّ أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يختلفوا؛ لأنّه لو كانوا قولا واحدا كان النّاس في ضيق وإنّهم أئمّة يقتدى بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 6 (2972) . ومسلم (1876) واللفظ له. (2) البخاري الفتح 10 (6126) واللفظ له. ومسلم (2327) . (3) البخاري- الفتح 2 (887) . ومسلم (252) . (4) تفسير ابن جرير نسخة أحمد شاكر (3/ 476) . (5) الآثار لأبي يوسف (285) بواسطة رفع الحرج للشيخ صالح بن حميد. (6) جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 80) . (7) تفسير ابن كثير (4/ 525) . (8) تفسير ابن جرير نسخة أحمد شاكر (3/ 76) . (9) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 80) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1418 7- * (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «إذا اختلف عليك أمران فإنّ أيسرهما أقربهما إلى الحقّ لقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» ) * «1» . 8- * (قال الخطّابيّ- رحمه الله تعالى- في معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم «اكلفوا من العمل ما تطيقون» : هذا أمر بالاقتصاد وترك الحمل على النّفس؛ لأنّ الله تعالى إنّما أوجب على العباد وظائف من الطّاعات في وقت دون وقت تيسيرا ورحمة» ) * «2» . 9- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «جمع الله عزّ وجلّ في هذه الشّريعة بين كونها حنيفيّة وكونها سمحة. فهي حنيفيّة في التّوحيد. سمحة في العمل» ) * «3» . 10- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جاء بالتّيسير والسّماحة. وقد كانت الأمم الّتي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم فوسّع الله على هذه الأمّة أمورها وسهّلها لهم) * «4» . 11- * (قال الزّمخشريّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الله عزّ وجلّ لا يكلّف النّفس إلّا ما يتّسع فيه طوقها ويتيسّر عليها دون مدى غاية الطّاقة والمجهود فقد كان في طاقة الإنسان أن يصلّي أكثر من الخمس ويصوم أكثر من الشّهر ويحجّ أكثر من حجّة» ) * «5» . 12- * (قال الشّاعر: ولربّ نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنّها لا تفرج) * «6» 13- * (قال الجشميّ- رحمه الله- تعالى في تفسير قوله تعالى في وصف نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ: «دلّت الآية على أن شريعته أسهل الشّرائع وأنّه وضع عن أمّته كلّ ثقل كان في الأمم السّابقة» ) * «7» . من فوائد (التيسير) (1) القيام بأوامر الله تعالى كاملة. (2) سمة ظاهرة في الدّين تتجلّى في عقائده وعباداته ومعاملاته وأخلاقه. (3) يجلب معونة الله للعبد. (4) الرّجل السّهل يحبّه الخلق لما يبذله لهم. (5) المداومة على الأمر والقدرة على الاستمرار وعدم الانقطاع. (6) من يسّر أمور النّاس يسّر الله له أموره. (7) من اختار الأيسر- ما لم يكن إثما- فهو متّبع لسنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.   (1) تفسير القاسمي (3/ 427) . (2) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني رحمه الله تعالى (1/ 239) بتصرف يسير جدّا. (3) إغاثة اللهفان (1/ 158) (4) تفسير ابن كثير (2/ 254) . (5) المرجع السابق (1/ 408) . (6) المرجع السابق (4/ 526) . (7) تفسير القاسمي (7/ 2882) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1419 التيمن الآيات/ الأحاديث/ الآثار 22/ 32/ 3 التيمن لغة: مصدر تيمّن وهو مأخوذ من مادّة (ى م ن) الّتي تدور في استعمالاتها المختلفة حول قياس واحد هو الجارحة أي يمين اليد، يقول ابن فارس: الياء والميم والنّون، كلمات من قياس واحد. فاليمين: يمين اليد ويقال: اليمين: القوّة يقول الأصمعيّ في قول الشّمّاخ: إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين أراد اليد اليمنى، واليمن: البركة، وهو ميمون (أي مبارك) ، واليمين الحلف، وكلّ ذلك من اليد اليمنى، وكذلك اليمن، وهو بلد (لأنّه عن يمين الكعبة) ويقال (منه) رجل يمان وسيف يمان، وسمّي الحلف يمينا؛ لأنّ المتحالفين كأنّ أحدهما يصفّق بيمينه على يمين صاحبه «1» ، وقال الرّاغب: اليمين أصله الجارحة ... وقوله تعالى لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (الحاقة/ 45) أي منعناه ودفعناه فعبّر عن ذلك الأخذ باليمين كقولك خذ بيمين فلان عن تعاطي الهجاء، وقيل معناه بأشرف جوارحه وأشرف أحواله، وقوله سبحانه وَأَصْحابُ الْيَمِينِ (الواقعة/ 27) أي أصحاب السّعادات والميامن وذلك على حسب تعارف النّاس في العبارة عن الميامن باليمين، واستعير اليمين للتّيمّن والسّعادة ... وقوله: «الحجر الأسود يمين الله» أي به يتوصّل إلى السّعادة المقرّبة إليه، ومن اليمين يتأوّل اليمن. يقال: هو ميمون النّقيبة أي مبارك، والميمنة ناحية اليمين «2» وجاء في الصّحاح: ويقال: أيمن الرّجل، ويمّن، ويامن: إذا أتى اليمين وكذلك إذا أخذ في سيره يمينا، يقال: يامن يا فلان بأصحابك، أي خذ بهم يمنة ولا تقل تيامن، والعامّة تقوله «3» . واليمن: البركة، وقد يمن فلان على قومه فهو ميمون: إذا صار مباركا عليهم، والأيامن خلاف الأشائم ... واليمنة بالفتح: خلاف اليسرة والأيمن والميمنة خلاف الأيسر والميسرة ... وقوله تعالى: تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (الصافات/ 28) . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:   (1) المقاييس لابن فارس (6/ 159) . (2) باختصار وتصرف يسير عن المفردات للراغب (552) وقد تأول الراغب قول الشماخ «تلقاها عرابة باليمين» على أنه بمعنى تلقاها باليمن والسعادة. (3) هكذا قال الجوهري، وقد أثبت ابن منظور صيغة تيامن في معنى ذهب به ذات اليمين انظر اللسان (4968) ط دار المعارف، ولكنه نقل عن ابن السكيت وابن الأنباري أن ذلك من كلام العامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1420 أي من قبل الدّين فتزيّنون لنا ضلالتنا كأنّه أراد تأتوننا عن المأتى السّهل «1» ، وقيل من النّاحية الّتي كان فيها الحقّ فتصرفوننا عنها «2» ، وقال الزّجّاج: هذا قول الكفّار للّذين أضلّوهم أي كنتم تخدعوننا بأقوى الأسباب فكنتم تأتوننا من قبل الدّين فترونا أنّ الدّين والحقّ ما تضلّوننا به وتزيّنون لنا ضلالتنا: كأنّه أراد تأتوننا عن المأتى السّهل، وقيل معناه كنتم تأتوننا من قبل الشّهوة لأنّ اليمين موضع الكبد، والكبد مظنّه الشّهوة والإرادة» ، وقال أبو منصور (الأزهريّ) : اليمن في كلام العرب على وجوه: يقال لليد اليمنى: يمين، واليمين: القوّة والقدرة، واليمين: المنزلة. يقول الأصمعيّ: هو عندنا باليمين أي بمنزلة حسنة، وقوله في الحديث: إنّه كان يحبّ التّيمّن في جميع أموره ما استطاع، التّيمّن: الابتداء في الأفعال باليد اليمنى والرّجل اليمنى، والجانب الأيمن وفي الحديث فأمرهم أن يتيامنوا عن الغميم أي يأخذوا عنه يمينا وفي حديث غيره: فينظر أيمن منه فلا يرى إلّا ما قدّم أي عن يمينه، قال ابن السّكيت: يقال: يامن بأصحابك وشائم بهم أي خذ بهم يمينا وشمالا، ولا يقال تيامن بهم ولا تياسر بهم ... قال ابن الأنباريّ العامّة تغلط في معنى تيامن فتظنّ أنّه أخذ عن يمينه. وليس كذلك معناه عند العرب، إنّما يقولون: تيامن إذا أخذ ناحية اليمن، وتشاءم إذا أخذ ناحية الشّام، (ويقولون) : يامن إذا أخذ عن يمينه «4» ، ويفهم من جملة ما ذكره الجوهريّ وابن منظور أنّه يقال تيمّن ويامن إذا أخذ جهة اليمين وهو المراد هنا ويقال تيامن إذا أخذ ناحية اليمن، ويستعمل في هذا المعنى الأخير أيضا الأفعال: أيمن ويمّن ويامن وتيمّن. معنى كلمة اليمين في القرآن: قال بعض المفسّرين: اليمين ورد في القرآن على أوجه منها: الأوّل: بمعنى القوّة، قال تعالى: فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (الصافات/ 93) . أي بالقوّة، قيل: ومنه قوله تعالى: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (الحاقة/ 45) . الثّاني: بمعنى القسم: قال الله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ (البقرة/ 224) ، لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (البقرة/ 225) ، وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ (المائدة/ 89) ، بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ (المائدة/ 89) . الثّالث: بمعنى العهد: قال الله تعالى: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا (القلم/ 39) . أي عهود. الرّابع: بمعنى الجارحة: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (طه/ 17) ، يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ   (1) الصحاح (6/ 2219، 2220) . (2) المفردات للراغب (553) . (3) لسان العرب (4969) ط. دار المعارف. (4) انظر لسان العرب (4967، 4971) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1421 وَبِأَيْمانِهِمْ (الحديد/ 12) ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* (الحاقة/ 19، الانشقاق/ 7) . الخامس: بمعنى ناحية الشّيء قال تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (المعارج/ 37) . وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ (مريم/ 52) «1» . التيمن اصطلاحا: قال ابن الأثير: التيمّن: الابتداء في الأفعال باليد اليمنى والرّجل اليمنى والجانب الأيمن «2» ، وقال ابن حجر: قال النّوويّ: قاعدة الشّرع المستمرّة استحباب البداءة باليمين في كلّ ما كان من باب التّكريم والتّزيين وما كان بضدّهما استحبّ فيه التّياسر «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الأسوة الحسنة- الأدب- حسن الخلق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التشامل- القدوة السيئة- سوء الخلق] .   (1) بصائر ذوي التمييز (5/ 406- 410) بتصرف. وانظر نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي (641- 643) . (2) النهاية في غريب الحديث (5/ 302) . (3) الفتح (1/ 325) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1422 الآيات الواردة في «التيمن» 1- * وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) «1» 2- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) «2» 3- وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) «3» 4- قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69) «4»   (1) الإسراء: 70- 72 مكية (2) مريم: 51- 53 مكية (3) طه: 9- 18 مكية (4) طه: 65- 69 مكية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1423 5- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) «1» 6- * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) «2» 7- * احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) «3» 8- * وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) «4» 9- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) «5» 10- إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3)   (1) طه: 80- 81 مكية (2) العنكبوت: 46- 49 مكية (3) الصافات: 22- 30 مكية (4) الصافات: 83- 93 مكية (5) الزمر: 67 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1424 إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36) عُرُباً أَتْراباً (37) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) «1» 11- فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) «2» 12- يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19)   (1) الواقعة: 1- 40 مكية (2) الواقعة: 83- 91 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1425 إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22) قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24) «1» 13- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) «2» 14- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) وَيَصْلى سَعِيراً (12) «3» 15- لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) «4»   (1) الحاقة: 18- 24 مكية (2) المدثر: 38- 48 مكية (3) الانشقاق: 6- 12 مكية (4) البلد: 1- 18 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1426 الآيات الواردة في «التيمن» لفظا ولها معنى آخر 16- أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) «1» 17- * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) «2» 18- * فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (30) «3» 19- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) «4» 20- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) «5» 21- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) «6» 22- فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) «7»   (1) النحل: 45- 50 مكية (2) الكهف: 17- 18 مكية (3) القصص: 29- 30 مكية (4) سبأ: 15 مكية (5) ق: 16- 18 مكية (6) الحاقة: 40- 48 مكية (7) المعارج: 36- 38 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1427 الأحاديث الواردة في (التيمن) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «1» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «2» . فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر «3» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون. ومالا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: ائتوا آدم. فيأتون آدم. فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر. خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله. وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح أنت أوّل الرّسل إلى الأرض. وسمّاك الله عبدا شكورا. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبّيّ الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم ابراهيم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله. وذكر كذباته. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم، فيقولون: يا موسى أنت رسول الله. فضّلك الله برسالاته وبتكليمه على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟. ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قتلت نفسا لم أومر بقتلها. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى عيسى صلّى الله عليه وسلّم، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله، وكلّمت النّاس في المهد. وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه. فاشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر له ذنبا. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيأتونّي فيقولون: يا محمّد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء. وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. اشفع لنا إلى ربّك ألا   (1) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه. (2) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية. (3) وينفذهم البصر: أي ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1428 ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربّي. ثمّ يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي. ثمّ يقال: يا محمّد ارفع رأسك، سل تعطه. واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا ربّ أمّتي. أمّتي. فيقال: يا محمّد أدخل الجنّة من أمّتك، من لا حساب عليه، من الباب الأيمن من أبواب الجنّة. وهم شركاء النّاس «1» فيما سوى ذلك من الأبواب. والّذي نفس محمّد بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة «2» لكما بين مكّة وهجر» أو كما بين مكّة وبصرى «4» » ) * «5» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا انتزع فليبدأ بالشّمال لتكن اليمنى أوّلهما تنعل وآخرهما تنزع» ) * «6» . 3- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن، وقل اللهمّ أسلمت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك. آمنت بكتابك الّذي أنزلت، ونبيّك الّذي أرسلت فإن متّ متّ على الفطرة، فاجعلهنّ آخر ما تقول» فقلت أستذكرهنّ: وبرسولك الّذي أرسلت. قال: «لا وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «7» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» . وفي رواية: «لا يأكلنّ أحد منكم بشماله ولا يشربنّ بها ولا يأخذ بها ولا يعط بها؛ فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بها» ) * «8» . 5- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: للسّدّيّ لمّا سأله كيف أنصرف إذا صلّيت؟ عن يميني؟ أو عن يساري؟ قال: أمّا أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ينصرف عن يمينه» ) * «9» . 6- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا أكل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشماله. فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت» ما منعه إلّا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه) * «10» .   (1) شركاء الناس: يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب. (2) إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة: المصراعان جانبا الباب. (3) هجر: هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين. (4) وبصرى: بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل. (5) البخاري- الفتح 8 (4712) . ومسلم (194) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 10 (5856) . ومسلم (2097) . (7) البخاري- الفتح 11 (6311) واللفظ له. ومسلم (2710) . (8) مسلم (2020) . (9) مسلم (708) . (10) مسلم (2021) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1429 7- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ. فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء» فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. فتلّه «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يده) * «2» . 8- * (عن أبي ذرّ، وأبي الدّرداء- رضي الله عنهما- أنّهما قالا: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّي لأعرف أمّتي يوم القيامة من بين الأمم» قالوا: يا رسول الله وكيف تعرف أمّتك؟. قال: «أعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السّجود وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم» ) * «3» . 9- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا قدم مكّة أتى الحجر فاستلمه ثمّ مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا) * «4» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله وملائكته يصلّون على ميامن الصّفوف» ) * «5» . 11- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور. عن يمين الرّحمن- عزّ وجلّ- وكلتا يديه يمين، الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا» ) * «6» . 12- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبصر نخامة في قبلة المسجد فحكّها بحصاة ثمّ نهى أن يبزق الرّجل بين يديه أو عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه اليسرى) * «7» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّه بات ليلة عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي خالته. فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا انتصف اللّيل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجلس يمسح النّوم عن وجهه بيده، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثمّ قام إلى شنّ معلّقة فتوضّأ منها فأحسن وضوءه ثمّ قام يصلّي. فقمت فصنعت مثل ما صنع ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه. فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلّى ركعتين ثمّ   (1) تله: ألقاه في يده. (2) البخاري- الفتح 5 (2451) . ومسلم (2030) واللفظ له. (3) أحمد (5/ 199) رقم (21789) . وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وفيه ضعف وقد وثق (10/ 344) . وذكره الحافظ ابن كثير في التفسير وعزاه لابن أبي حاتم وساق سنده وليس فيه ابن لهيعة (4/ 330) . وقال مقبل بن هادي: إسناده حسن لشواهده في كتاب الشفاعة. (4) مسلم (1218) . (5) أبو داود (676) وهذا لفظه. وابن ماجة (1005) . وقال الحافظ: إسناده حسن (الفتح 2/ 213) . (6) مسلم (1827) . (7) البخاري الفتح 1 (414) . ومسلم (548) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1430 ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ أوتر ثمّ اضطجع حتّى أتاه المؤذّن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح) * «1» . 14- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: إنّه رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رفع يديه حين دخل في الصّلاة. كبّر وصف همّام (حيال أذنيه) ثمّ التحف بثوبه، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى. فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثّوب. ثمّ رفعهما. ثمّ كبّر فركع. فلمّا قال: «سمع الله لمن حمده» ، رفع يديه، فلمّا سجد سجد بين كفّيه) * «2» . 15- * (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال لنا المشركون: إنّي أرى صاحبكم يعلّمكم. حتّى الخراءة «3» . فقال: أجل. إنّه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة، ونهى عن الرّوث والعظام، وقال: «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» ) * «4» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحّاء «5» اللّيل والنّهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السّموات والأرض؛ فإنّه لم ينقص ما في يمينه وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض أو القبض يرفع ويخفض) * «6» . 17- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفناء بيته بمكّة جالس إذ مرّ به عثمان بن مظعون فتكشّر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجلس» قال: بلى فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستقبله فبينما هو يحدّثه إذ شخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببصره إلى السّماء فنظر ساعة إلى السّماء فأخذ يضع بصره حتّى وضعه على يمينه في الأرض فتحرّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن جليسه عثمان حيث وضع بصره وأخذ ينفض رأسه كأنّه يستفقه ما يقال له وابن مظعون ينظر فلمّا قضى حاجته واستفقه ما يقال له شخص بصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السّماء كما شخص أوّل مرّة فأتبعه بصره حتّى توارى في السّماء فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى قال: يا محمّد فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة قال: «وما رأيتني فعلت؟» قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السّماء ثمّ وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرّفت إليه وتركتني فأخذت تنفض رأسك كأنّك تستفقه شيئا يقال لك. قال: «وفطنت لذاك؟» . قال عثمان: نعم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آنفا وأنت جالس» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «نعم» . قال: فما قال لك؟ قال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى   (1) البخاري- الفتح 1 (183) واللفظه له. ومسلم (763) . (2) مسلم (401) . (3) الخراءة: اسم لهيئة الحدث، وأما نفس الحدث نفسه فبحذف التاء بالمد مع فتح الخاء وكسرها. (4) مسلم (262) . (5) سحاء يعني تصب صبّا، وقوله لا يغيضها لا ينقصها. (6) البخاري- الفتح 13 (7419) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1431 عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل/ 90) قال عثمان: فذلك حين استقرّ الإيمان في قلبي وأحببت محمّدا. وفي الحديث كشّر أي ضحك حتّى ظهرت أسنانه) * «1» . 18- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد إنّا نجد أنّ الله يجعل السّماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والشّجر على إصبع والماء والثّرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (الزمر/ 67) * «2» . 19- * (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نغسل ابنته فقال: «اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك بماء وسدر وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها واجعلن في الآخرة كافورا. فإذا فرغتنّ فآذنّني. فلمّا فرغنا آذنّاه فألقى إلينا حقوه فقال: «أشعرنها إيّاه» [الحقو: الإزار، أشعرنها: اجعلنه ممّا يلي بدنها] ) * «3» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عادل وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «4» . 21- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فرج عن سقف بيتي وأنا بمكّة. فنزل جبريل صلّى الله عليه وسلّم. ففرج صدري. ثمّ غسله من ماء زمزم. ثمّ جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري. ثمّ أطبقه. ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء. فلمّا جئنا السّماء الدّنيا قال جبريل عليه السّلام لخازن السّماء الدّنيا: افتح. قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: هل معك أحد؟ قال: نعم. معي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قال: فأرسل إليه؟ قال: نعم. ففتح. قال: فلمّا علونا السّماء الدّنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة «5» ، وعن يساره أسودة. قال: فإذا نظر قبل يمينه ضحك. واذا   (1) أحمد (1/ 318) رقم (2922) واللفظ له، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح 4 (331) . وقال ابن كثير في التفسير: حديث حسن (2/ 583) . والحديث ذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه شهر به حوشب وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف لا يضر وبقية رجاله ثقات وعن عمرو بن العاص نحوه وقال: إسناده حسن (7/ 48، 49) . (2) البخاري- الفتح 8 (4811) . (3) البخاري- الفتح 3 (1254) واللفظ له. ومسلم (939) . (4) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) . (5) أسودة: جمع سواد. كقذال وأقذلة، وسنام وأسنمة، وزمان وأزمنة. وتجمع الأسودة على أساود. وقال أهل اللغة: السواد الشخص. وقيل: السواد الجماعات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1432 نظر قبل شماله بكى. قال فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قال قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آدم صلّى الله عليه وسلّم. وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه «1» . فأهل اليمين أهل الجنّة. والأسودة الّتي عن شماله أهل النّار. فإذا نظر قبل يمينه ضحك. وإذا نظر قبل شماله بكى قال ثمّ عرج بي جبريل حتّى أتى السّماء الثّانية. فقال لخازنها: افتح. قال فقال له خازنها مثل ما قال خازن السّماء الدّنيا. ففتح. فقال أنس بن مالك: فذكر أنّه وجد في السّماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين. ولم يثبت كيف منازلهم. غير أنّه ذكر أنّه قد وجد آدم عليه السّلام في السّماء الدّنيا، وإبراهيم في السّماء السادسة. قال فلمّا مرّ جبريل ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإدريس صلوات الله عليه قال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قال ثمّ مرّ فقلت: من هذا؟ فقال: هذا إدريس. قال ثمّ مررت بموسى عليه السّلام. فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قال قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى. قال ثمّ مررت بعيسى. فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى ابن مريم. قال: ثمّ مررت بإبراهيم عليه السّلام. فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قال قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم. قال ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أنّ ابن عبّاس وأبا حبّة الأنصاريّ كانا يقولان: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثمّ عرج بي حتّى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام» ) * «2» . قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ففرض الله على أمّتي خمسين صلاة. قال فرجعت بذلك حتّى أمرّ بموسى» فقال موسى عليه السّلام: ماذا فرض ربّك على أمّتك؟ قال قلت: «فرض عليهم خمسين صلاة» . قال لي موسى عليه السّلام: فراجع ربّك. فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. قال: «فراجعت ربّي فوضع شطرها» . قال: «فرجعت إلى موسى عليه السّلام فأخبرته» . قال: راجع ربّك؛ فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. قال: «فراجعت ربّي» . فقال: هي خمس وهي خمسون. لا يبدّل القول لديّ. قال: «فرجعت إلى موسى» . فقال: راجع ربّك. فقلت: «قد استحييت من ربّي» . قال: «ثمّ انطلق بي جبريل حتّى نأتي سدرة المنتهى. فغشيها ألوان لا أدري ما هي» . قال: «ثمّ أدخلت الجنّة فإذا فيها جنابذ «3» اللّؤلؤ، وإذا ترابها المسك» ) * «4» . 22- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنّا إذا صلّينا خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه فسمعته   (1) نسم بنيه: الواحدة نسمة. قال الخطابي وغيره: هي نفس الإنسان. والمراد أرواح بني آدم. (2) صريف الأقلام: تصويتها حال الكتابة. قال الخطابي: هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ. (3) جنابذ: هي القباب. واحدتها جنبذة. (4) البخاري- الفتح 1 (349) . ومسلم (163) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1433 يقول: «ربّ قني عذابك يوم تبعث (أو تجمع) عبادك» ) * «1» . 23- * (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنهما- قال: كنت في حجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت يدي تطيش في الصّحفة فقال لي: «يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكلّ ممّا يليك» ) * «2» . 24- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يمسكنّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسّح من الخلاء بيمينه. ولا يتنفّس في الإناء» ) *» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قول الله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ «4» قال: «يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعا. ويبيّض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ. فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهمّ ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا. حتّى يأتيهم فيقول: أبشروا لكلّ رجل منكم مثل هذا. قال: وأمّا الكافر فيسوّد وجهه ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعا على صورة آدم فيلبس تاجا فيراه أصحابه فيقولون: نعوذ بالله من شرّ هذا، اللهمّ لاتأتنا بهذا قال: فيأتيهم فيقولون: اللهمّ أخّره فيقول: أبعدكم الله؛ فإنّ لكلّ رجل منكم مثل هذا» ) * «5» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السّماء بيمينه ثمّ يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض» ) * «6» .   (1) مسلم (709) . (2) مسلم (2022) . (3) البخاري- الفتح 1 (153) . ومسلم (267) واللفظ له. (4) سورة الإسراء- الآية: 71. (5) الترمذي (3136) وهذا لفظه، وقال: هذا حديث حسن غريب. والحاكم (2/ 243) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (6) البخاري- الفتح 8 (4812) . ومسلم (2787) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1434 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التيمن) 27- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة وأنا ابن عشر. ومات وأنا ابن عشرين وكنّ أمّهاتي يحثثنني على خدمته. فدخل علينا دارنا فحلبنا له من شاة داجن وشيب له من بئر في الدّار. فشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له عمر وأبو بكر عن شماله: يا رسول الله أعط أبا بكر أعط أبا بكر فأعطاه أعرابيّا عن يمينه وقال رسول الله: «الأيمن فالأيمن» ) * «1» . 28- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اشتكى منّا إنسان مسحه بيمينه ثمّ قال: «أذهب البأس ربّ النّاس. واشف أنت الشّافي لا شفاء إلّا شفاؤك. شفاء لا يغادر سقما» . فلمّا مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذت بيده لأصنع به نحو ما كان يصنع. فانتزع يده من يدي. ثمّ قال: «اللهمّ اغفر لي واجعلني مع الرّفيق الأعلى» . قالت: فذهبت أنظر فإذا هو قد قضى) * «2» . 29- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصبّ عليها من الماء فغسلها. ثمّ صبّ الماء على الأذى الّذي به بيمينه وغسل عنه بشماله. حتّى إذا فرغ من ذلك صبّ على رأسه» ) * «3» . 30- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتختّم في يمينه) * «4» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: «إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليحبّ التّيمّن في طهوره إذا تطهّر وفي ترجّله «5» إذا ترجّل، وفي انتعاله إذا انتعل» ) * «6» . وفي رواية البخاري: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعجبه التّيمّن في تنعّله وترّجله وطهوره في شأنه كلّه» «7» . 32- * (عن عائشة- رضي الله عنها- كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحبّ التّيمّن ما استطاع في شأنه كلّه في طهوره وترجلّه وتنعّله) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 5 (2571) . ومسلم (2029) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 10 (5743) . ومسلم (2191) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 1 (258) . ومسلم (321) . (4) النسائي (8/ 175) وقال الألباني: صحيح (3/ 1059) رقم (4803) . وأبو داود (4226) وهذا لفظه، وقال المنذري: رواه النسائي والترمذي وخرجه ابن ماجة من حديث عبد الله بن جعفر (3647) . والترمذي (1744) وقال: قال محمد بن إسماعيل: هذا أصح شيء روي في هذا الباب. (5) الترجل: المراد به تمشيط شعر الرأس. (6) البخاري- الفتح 9 (5380) . ومسلم (268) واللفظ له. (7) قال الحافظ بن حجر «في شأنه كله» كذا للأكثر من الرواة بغير واو وفى رواية أبي الوقت بإثبات الواو. انظر الفتح (1/ 324) . (8) الفتح (1/ 426) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1435 من الآثار الواردة في (التيمن) 1- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «من السّنّة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى» ) * «1» . 2- * (كان ابن عمر- رضي الله عنهما- يبدأ برجله اليمنى، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى «2» (أي في دخول المسجد وغيره) *. 3- * (أخبر حمران مولى عثمان أنّ عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- دعا بوضوء فتوضّأ فغسل كفّيه ثلاث مرّات ثمّ مضمض واستنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرّات، ثمّ غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرّات ثمّ غسل يده اليسرى مثل ذلك ثمّ مسح رأسه ثمّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرّات، ثمّ غسل اليسرى مثل ذلك، ثمّ قال رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضّأ نحو وضوئي هذا ... إلى آخر الحديث) * «3» . من فوائد (التيمن) (1) من أدلّة كمال الإيمان وحسن الإذعان. (2) فيه القوّة والبركة. (3) من حسن الاتّباع. (4) التّيمّن في كلّ الأمور المعظّمة من شعائر الإسلام. (5) مخالفة أهل الشّرك، إذ إنّ شعارهم استعمال الشّمال. وكذا مخالفة الشّيطان. (6) فيه مرضاة الرّبّ ومحبّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. (7) من السّنّة عند دخول المسجد البدء بالرّجل اليمنى وعند الخروج أن يبدأ بالرّجل اليسرى. (8) التّيمّن من لوازم كمال الوضوء سواء في غسل اليدين أو الرّجلين. (9) يستحبّ البدء بالرّجل اليمنى في التّنعّل والبدء في الغسل بالشّقّ الأيمن. (10) استحباب الصّلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد. (11) في الأكل والشّرب ينبغي تناول الطّعام والشّراب باليد اليمنى. (12) إذا وزّع طعام أو شراب فمن السّنّة أن يعطي الإنسان من يجلس عن يمينه حتّى ولو كان الجالس على يساره أعلى منزلة (انظر الحديث 27) .   (1) فتح الباري (1/ 623) وعزاه للحاكم. (2) فتح البارى (1/ 623) . (3) مسلم بشرح النووي (3/ 105 وما بعدها) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1436 [ حرف الثاء ] الثبات الآيات/ الأحاديث/ الآثار 13/ 25/ 4 الثبات لغة: مصدر ثبت، وهو مأخوذ من مادّة (ث ب ت) الّتي تدلّ على دوام الشّيء يقال ثبت ثباتا وثبوتا (أي دام واستقرّ) فهو ثابت ويقال رجل ثبت وثبيت أي متثبّت في الأمور، وقال الرّاغب: الثّبات ضدّ الزّوال ومنه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (الأنفال/ 45) ويقال ذلك للموجود (الثّابت) بالبصر أو البصيرة فيقال: فلان ثابت عندي، ونبوّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ثابتة، والإثبات والتّثبيت يقالان تارة بالفعل لما يخرج من العدم إلى الوجود نحو أثبت الله كذا، وتارة لما يثبت بالحكم نحو أثبت الحاكم على فلان كذا. وثبّته وتارة لما يكون بالقول مثل أثبت التّوحيد وصدق النّبوّة، وقول الله تعالى لِيُثْبِتُوكَ أي ليثبّطوك ويحيّروك، وقال الجوهريّ معناه ليجرحوك جراحة لا تقوم معها، ويقال تثبّت الرّجل في الأمر، واستثبت بمعنى (واحد) هو التّأنّي وعدم العجلة. ورجل ثبت أي ثابت القلب، قال الشّاعر: ثبت إذا ما صيح بالقوم وقر ويقال أيضا فلان ثبت الغدر إذا كان لا يزلّ لسانه عند الخصومات، أمّا قولهم رجل ثبت فمعناه أنّه متثبّت في الأمور، ويقال رجل ثبت الجنان أي ثابت القلب، ورجل له ثبت عند الحملة أي ثبات، وتقول أيضا لا أحكم بكذا إلّا بثبت أي بحجّة، ويطلق الثّبت كذلك على الرّجل إذا كان عدلا ضابطا والجمع منه أثبات، والثّبت: الثّابت العقل، تقول منه: ثبت (بالضّمّ) أي صار ثبيتا «1» . الثبات اصطلاحا: الثّبات هو عدم احتمال الزّوال بتشكيك المشكّك، والثّابت هو الموجود الّذي لا يزول بتشكيك المشكّك، والإثبات عند القرّاء ضدّ الحذف «2» . [للاستزادة: انظر صفات: جهاد الأعداء- الرجولة- الصدق- العزم والعزيمة- علو الهمة- النظام- قوة الإرادة- القوة- اليقين- الصبر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التولي- التخلف عن الجهاد- الضعف- صغر الهمة- الوهن] .   (1) انظر مقاييس اللغة (1/ 399) ، والمفردات للراغب (78) بإيجاز وتصرف يسير، والصحاح (1/ 245) ، ولسان العرب (467) وما بعدها. (2) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/ 264) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1437 الآيات الواردة في «الثبات» 1- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «1» 2- وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «2» 3- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «3» 4- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)   (1) البقرة: 248- 251 مدنية (2) البقرة: 265 مدنية (3) آل عمران: 146- 148 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1438 وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) «1» 5- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14) «2» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) «3» 7- وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) «4» 8- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) «5»   (1) النساء: 65- 68 مدنية (2) الأنفال: 9- 14 مدنية (3) الأنفال: 45- 47 مدنية (4) هود: 120 مكية (5) إبراهيم: 24- 27 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1439 9- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) «1» 10- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا (74) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) «2» 11- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) «3» 12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7) «4» الآيات الواردة في «الثبات» معنى 13- الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «5»   (1) النحل: 101- 103 مكية (2) الإسراء: 73- 75 مكية (3) الفرقان: 32- 33 مكية (4) محمد: 7 مدنية (5) آل عمران: 173 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1440 الأحاديث الواردة في (الثبات) 1- * (عن هاني مولى عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه فقال: «استغفروا لأخيكم وسلوا له التّثبيت فإنّه الآن يسأل» ) * «1» . 2- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في صلاته: «اللهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر والعزيمة على الرّشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم» ) * «2» . 3- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، إنّك تبعثني إلى قوم هم أسنّ منّي لأقضي بينهم. قال: «اذهب فإنّ الله تعالى سيثبّت لسانك ويهدي قلبك» ) *» . 4- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تريحني من ذي الخلصة» - وكان بيتا في خثعم يسمّى كعبة اليمانية- قال فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل، قال: وكنت لا أثبت على الخيل فضرب في صدري وقال: «اللهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا» فانطلق إليها فكسّرها وحرّقها، ثمّ بعث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخبره، فقال رسول جرير: والّذي بعثك بالحقّ ما جئتك حتّى تركتها كأنّها جمل أجوف أو أجرب قال: «فبارك في أحمس ورجالها خمس مرّات» ) * «4» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكرلي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ، اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا، أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي. وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي» ) * «5» . 6- * (عن النّوّاس بن سمعان الكلابيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما   (1) أبو داود (3221) وهذا لفظه. وقال الألباني (2/ 620) : صحيح. (2) النسائي (3/ 54) وهذا لفظه. والترمذي (3407) . وأحمد- المسند 4/ 125، وللحديث طريق أخرى رواها الطبراني (7135) رجالها ثقات سوى محمد بن يزيد الذي وثقه ابن حبان، وذكره الهيثمي عن البراء بن عازب، مجمع الزوائد 10/ 173، والحديث بذلك له طرق عديدة يتقوّى بها. (3) أبو داود (3582) . أحمد (1/ 88) واللفظ له. وقال شاكر (2/ 73) : إسناده صحيح برقم (666) . (4) البخاري- الفتح 6 (3020) واللفظ له. ومسلم (2476) . (5) أبو داود (1510) وهذا لفظه. والترمذي (3551) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (3830) . وأحمد (1/ 227) ، وقال شاكر: إسناده صحيح، ونقل عن شارح الترمذي عزوه إلى النسائي وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة وعزاه إلى البخاري في الأدب المفرد كذلك. انظر نسخة شاكر (3/ 310) حديث (1997) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1441 من قلب إلّا بين إصبعين من أصابع الرّحمن. إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا مثبّت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك» قال: «والميزان بيد الرّحمن يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة» ) * «1» . 7- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى التّراب بياض بطنه وهو يقول: «لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدّقنا ولا صلّينا. فأنزل السّكينة علينا، وثبّت الأقدام إن لاقينا. إنّ الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا» ) * «2» . 8- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه قال: أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعشر كلمات. قال: «لا تشرك بالله شيئا، وإن قتلت وحرّقت. ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك. ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمّدا؛ فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا فقد برئت منه ذمّة الله. ولا تشربنّ خمرا فإنّه رأس كلّ فاحشة. وإيّاك والمعصية؛ فإنّ بالمعصية حلّ سخط الله عزّ وجلّ- وإيّاك والفرار من الزّحف وإن هلك النّاس وإذا أصاب النّاس موتان «3» وأنت فيهم فاثبت. وأنفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله» ) * «4» . 9- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» قال: «نزلت في عذاب القبر يقال له: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله وديني دين محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فذلك قوله يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ «5» » ) * «6» . 10- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان في بعض أيّامه الّتي لقي فيها العدوّ ينتظر حتّى إذا مالت الشّمس قام فيهم فقال: «يا أيّها النّاس لا تتمنّوا لقاء العدوّ واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف» . ثمّ قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «اللهمّ منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» ) * «7» . ولفظه عند الدّارميّ من حديث ابن عمرو: «لا تتمنّوا لقاء العدوّ واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا وأكثروا ذكر الله فإن اجلبوا وضجّوا فعليكم بالصّمت» ) * «8» .   (1) ابن ماجه (199) وقال في الزوائد: إسناده صحيح. (2) البخاري- الفتح 6 (2837) وهذا لفظه. ومسلم (1803) . (3) الموت، والموتان- محركة- ضد الحياة. (4) أحمد (5/ 238) وابن ماجه 4034، قال البوصيري: إسناده حسن، والبخاري في الأدب المفرد 18 عن أبي الدرداء، انظر: فضل الصمد 1/ 77، ومن ثمّ يكون الحديث حسنا بطرقه وشواهده. (5) إبراهيم: 27. (6) النسائي (3/ 101- 102) وقال الألباني: صحيح (2/ 442) . وابن ماجه (4269) وهذا لفظه. (7) البخاري- الفتح 6 (2818) . ومسلم (1742) واللفظ له. (8) الدارمي (2/ 285) . وأصل الحديث عند البخاري رقم (1369) ومسلم رقم (2871) . وانظر جامع الأصول (2/ 203- 204) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1442 الأحاديث الواردة في (الثبات) معنى 11- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّها ستكون بعدي أثرة «1» وأمور تنكرونها» . قالوا: يا رسول الله! كيف تأمر من أدرك منّا ذلك؟ قال: «تؤدّون الحقّ الّذي عليكم. وتسألون الله الّذي لكم) » * «2» . 12- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» ) * «3» . 13- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة. قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل «4» ، ومنّا من هو في جشره «5» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «6» . فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتن فيرقّق بعضها بعضا. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» . فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله! آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا. والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء/ 29) . قال فسكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله. واعصه في معصية الله) * «7» .   (1) المراد بالأثرة: استئثار الأمراء بأموال بيت المال. (2) مسلم (1843) . (3) الترمذي (2174) وهذا لفظه، وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (1344) . وذكره المنذري في المختصر وأشار إلى تحسين الترمذي (6/ 191) . وابن ماجه (4011) . وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 806) حديث (491) . (4) ينتضل: يرامي بالنشاب. (5) الجشر: قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم (النهاية 1/ 273) . (6) الصلاة جامعة: نصب الصلاة على الإغراء ونصب جامعة على الحال. (7) مسلم (1844) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1443 14- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكارهنا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالعدل أين كنّا لا نخاف في الله لومة لائم) * «1» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قالها إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم حين ألقي في النّار، وقالها محمّد صلّى الله عليه وسلّم حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (آل عمران/ 173)) * «2» . 16- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشرق وجهه وسرّه؛ يعني قوله) * «3» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء. فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل. فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس بن مالك: فحدّث ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من قولهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبّة من أدم. فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «ما حديث بلغني عنكم» . فقال له فقهاء الأنصار: أمّا ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا، وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم. قالوا: يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم. أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فو الله لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به» . فقالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. قال: «فإنّكم ستجدون أثرة شديدة «4» ، فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله فإنّي على الحوض» قالوا: سنصبر) * «5» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد، ثمّ يطّلع عليهم ربّ العالمين، فيقول: ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدونه، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره،   (1) البخاري- الفتح (7199) و (7200) ومسلم (709) والنسائي (7/ 137 و138 و139) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 8 (4563) . (3) البخاري- الفتح 7 (3952) . (4) أثرة شديدة: فيها لغتان ضم الهمزة وإسكان الثاء وأصحهما وأشهرهما بفتحهما جميعا والأثرة الاستئثار بالمشترك، أي يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق. (5) البخاري- الفتح 6 (3147) . ومسلم (1059) . واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1444 ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطّلع عليهم ربّ العالمين، فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا. هذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم» ، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: «وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك السّاعة. ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيعرّفهم نفسه، ثمّ يقول: أنا ربّكم فاتّبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصّراط، فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب، وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال هل امتلأت؟ فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ثمّ يطرح فيها فوج، فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حتّى إذا أوعبوا فيها «1» وضع الرّحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قط، قالت: قط قط، فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار. قال: أتي بالموت ملبيا «2» ، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار، فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنّة وأهل النّار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون (هؤلاء وهؤلاء) : قد عرفناه، هو الموت الّذي وكلّ بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت» ) * «3» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي. قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربّه   (1) أوعبوا فيها: أي لم يدعوا منهم أحدا، وأوعب الشيء في الشيء: أدخله فيه. والمعنى: حتى إذا دخلوها ولم يتخلف منهم أحد. (2) ملبيا: أي على هيئة حيوان أخذ بتلابيبه. (3) البخاري- الفتح (3340) و (3361) و (4712) ومسلم (194) والترمذي (2557) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (3682- 369) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1445 في داره ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة فقدم عليهم، فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرّين الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يؤمئذ بمكّة- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان. فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة. وتجهّز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» . قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر) * «1» . 20- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ فاطمة- رضي الله عنها- أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممّ أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم تطلب صدقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّتي بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث، ما تركنا فهو صدقة. إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال- يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل. وإنّي والله لا أغيّر شيئا من صدقات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي كانت عليها في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فتشهّد عليّ، ثمّ قال: «إنّا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك» ، وذكر قرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحقّهم فتكلّم أبو بكر فقال: «والّذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي» ) * «2» . 21- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه: «عمّي الّذي سمّيت به لم يشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا. قال: فشقّ عليه. قال: أوّل مشهد شهده رسول الله غيّبت عنه. وإن أراني الله مشهدا، فيما بعد، مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليراني الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها. قال: فشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد. قال فاستقبله سعد بن معاذ. فقال له أنس: يا أبا عمرو! أين؟ فقال: واها «3» لريح الجنّة. أجده دون أحد. قال: فقاتلهم حتّى قتل. قال: فوجد في جسده   (1) البخاري- الفتح 4 (2297) . (2) البخاري- الفتح 7 (3711- 3712) . (3) واها: كلمة تحنن وتلهف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1446 بضع وثمانون. من بين ضربة وطعنة ورمية. قال فقالت أخته، عمّتي الرّبيع بنت النّضر: فما عرفت أخي إلّا ببنانه. ونزلت هذه الآية: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب/ 23) قال: فكانوا يرون أنّها نزلت فيه وفي أصحابه) * «1» . 22- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني ثمّ قال: «يا حكيم، إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع. اليد العليا خير من اليد السّفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والّذي بعثك بالحقّ لا أرزا «2» أحدا بعدك شيئا حتّى أفارق الدّنيا. فكان أبو بكر- رضي الله عنه- يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه. ثمّ إنّ عمر- رضي الله عنه- دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا. فقال عمر: إنّي أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، أنّي أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى توفّي) * «3» . 23- * (عن جندب بن مكيث الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غالب بن عبد الله الكلبيّ (كلب ليث) ، إلى بني ملوّح بالكديد، وأمره أن يغير عليهم، فخرج فكنت في سريّته فمضينا حتّى إذا كنّا بقديد لقينا به الحارث بن مالك، وهو ابن البرصاء اللّيثيّ، فأخذناه فقال إنّما جئت لأسلم، فقال غالب ابن عبد الله: إن كنت إنّما جئت مسلما فلن يضرّك رباط يوم وليلة، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك، قال: فأوثقه رباطا ثمّ خلّف عليه رجلا أسود كان معنا، فقال: امكث معه حتّى نمرّ عليك، فإن نازعك فاجتزّ رأسه، قال: ثمّ مضينا حتّى أتينا بطن الكديد فنزلنا عشيشية بعد العصر، فبعثني أصحابي في ربيئة، فعمدت إلى تلّ يطلعني على الحاضر، فانبطحت عليه وذلك المغرب فخرج رجل منهم فنظر فرآني منبطحا على التّلّ، فقال لامرأته: والله إنّي لأرى على هذا التّلّ سوادا ما رأيته أوّل النّهار، فانظري لا تكون الكلاب اجترّت بعض أوعيتك، قال: فنظرت، فقالت: لا والله ما أفقد شيئا قال: فناوليني قوسي وسهمين من كنانتي، قال: فناولته فرماني بسهم فوضعه في جنبي، قال: فنزعته فوضعته ولم أتحرّك، ثمّ رماني بآخر فوضعه في رأس منكبي فنزعته فوضعته ولم أتحرّك. فقال لامرأته: والله لقد خالطه سهماي، ولو كان دابّة لتحرّك، فإذا أصبحت فابتغي سهميّ فخذيهما لا تمضغهما علىّ الكلاب، قال: وأمهلناهم حتّى راحت رائحتهم، حتّى إذا احتلبوا وعطّنوا، أو سكنوا وذهبت عتمة من اللّيل، شننّا عليهم الغارة فقتلنا من قتلنا   (1) البخاري- الفتح 6 (2805) . ومسلم (1903) واللفظ له. (2) لا أرزأ- بفتح الهمزة وفتح الزاي- أي لا أنقص ماله بالطلب منه. (3) البخاري- الفتح 3 (1472) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1447 منهم واستقنا النّعم، فتوجّهنا قافلين وخرج صريخ القوم إلى قومهم مغوثا، وخرجنا سراعا حتّى نمرّ بالحارث بن البرصاء وصاحبه، فانطلقنا به معنا وأتانا صريخ النّاس، فجاءنا ما لا قبل لنا به حتّى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلّا بطن الوادي، أقبل سيل حال بيننا وبينهم، بعثه الله تعالى من حيث شاء، ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا حالا، فجاء بما لا يقدر أحد أن يقوم عليه، فلقد رأيناهم وقوفا ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يتقدّم، ونحن نحوزها سراعا، حتّى أسندناها في المشلّل ثمّ حدرناها عنّا، فأعجزنا القوم بما في أيدينا» ) *» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الثبات) 24- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا عمل عملا أثبته «2» . وكان إذا نام من اللّيل أو مرض صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. قالت: وما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام ليلة حتّى الصّباح وما صام شهرا متتابعا إلّا رمضان) * «3» . 25- * (عن أبي إسحاق أنّه قال: قال رجل للبراء، يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكنّه خرج شبّان أصحابه وأخفّاؤهم حسّرا ليس عليهم سلاح، أو كبير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن وبني نصر، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلته البيضاء. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب يقود به فنزل فاستنصر وقال: أنا النّبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطّلب ثمّ صفّهم) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الثبات) 1- * (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- قال: كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي: لن أقضيك حتّى تكفر بمحمّد قال: فقلت له: «إنّي لن أكفر بمحمّد حتّى تموت ثمّ تبعث» . قال: وإنّي لمبعوث من بعد الموت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد. فنزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً (مريم/ 77)) * «5» . 2- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه: «لو أنّ رجلا أدرك السّلف الأوّل ثمّ بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا» ، قال: ووضع يده على خدّه ثمّ قال: «إلّا هذه الصّلاة» ثمّ قال: «أمّا والله على   (1) أحمد (3/ 467- 468) وهو في الطبراني الكبير (2/ 178) / 1726، وطرفه عند أبي داود (3/ 56) / (2678) ، وقال في المجمع: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات (6/ 22) . (2) أثبته: أي جعله ثابتا غير متروك. (3) مسلم (746) . (4) البخاري- الفتح 8 (4315) ، ومسلم (1776) واللفظ له. (5) مسلم (2795) . وأحمد (5/ 111) ، الترمذي (3162) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1448 ذلك لمن عاش في النّكر ولم يدرك ذلك السّلف الصّالح فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه، فعصمه الله من ذلك، وجعل قلبه يحنّ إلى ذلك السّلف الصّالح، يسأل عن سبلهم، ويقتصّ آثارهم، ويتّبع سبيلهم، ليعوّض أجرا عظيما، وكذلك فكونوا إن شاء الله» ) * «1» . 3- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى: السّنّة- والّذي لا إله إلّا هو- بين الغالي والجافي. فاصبروا عليها رحمكم الله، فإنّ أهل السّنّة كانوا أقلّ النّاس فيما مضى، وهم أقلّ النّاس فيما بقي: الّذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنّتهم حتّى لقوا ربّهم فكذلك إن شاء الله فكونوا) * «2» . 4- * (قال القرطبيّ- رحمه الله- في تفسيره: «وقيل معنى يُثَبِّتُ اللَّهُ يديمهم الله على القول الثّابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة: يثبّت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالّذي نصرا وقيل: يثبّتهم في الدّارين جزاء لهم على القول الثّابت» ) * «3» . من فوائد (الثبات) (1) دليل كمال الإيمان وحسن التّوكّل على الله- عزّ وجلّ-. (2) دليل قوّة النّفس ورباطة الجأش. (3) لا ينتشر الحقّ إلّا به ولا يزهق الباطل إلّا بالثّبات على الحقّ. (4) دليل على تمكّن حبّ العقيدة والصّبر عليها وعلى تكاليفها حتّى الممات. (5) يكسب المسلم قوّة في الجهاد. (6) الثّبات من السّبل الهادية إلى الجنّة. (7) في الثّبات تأسّ بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم.   (1) الاعتصام (1/ 26) من مقدمة الشيخ محمد رشيد رضا. (2) إغاثة اللهفان (1/ 70) . (3) تفسير القرطبي (9/ 238) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1449 الثناء الآيات/ الأحاديث/ الآثار 129/ 32/ 5 الثناء لغة: هو الاسم من قولهم: أثنى على فلان، والمصدر إثناء، يقال أثنى على فلان خيرا، قال الرّاغب: والثّناء ما يذكر في محامد النّاس فيثنى حالا فحالا ذكره، وقال ابن منظور: الثّناء: تعمّدك لتثني على إنسان بحسن أو قبيح، وقد طار ثناء فلان أي ذهب في النّاس، والفعل أثنى، يقال: أثنى فلان على الله ثمّ على المخلوقين يثني إثناء أو ثناء، يستعمل في القبيح من الذّكر وضدّه (أي والحسن منه) ، قال ابن الأعرابيّ: يقال: أثنى إذا قال خيرا أو شرّا. وسمّيت سور القرآن مثاني؛ لأنّها تثنى على مرور الأوقات وتكرّر فلا تدرس «1» ولا تنقطع دروس سائر الأشياء الّتي تضمحلّ وتبطل على مرور الأيّام. ويصحّ أن يكون ذلك من الثّناء تنبيها على أنّه أبدا يظهر منه ما يدعو إلى الثّناء على الله وعلى من يتلوه ويعلّمه ويعمل به، وقال ابن منظور في قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي (الحجر/ 87) : يجوز أن يكون- والله أعلم- من المثاني أي ممّا أثني به على الله تبارك وتقدّس؛ لأنّ فيها (أي في آي سورة الفاتحة) حمد الله وتوحيده، وذكر ملكه يوم الدّين، والمعنى ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات الّتي يثنى بها على الله، وآتيناك القرآن العظيم «2» . واصطلاحا: قال الجرجانيّ: الثّناء للشّيء: فعل ما يشعر بتعظيمه «3» . وقال الكفويّ: هو الكلام الجميل. وقيل: هو الذّكر بالخير، وقيل: هو الإتيان بما يشعر بالتّعظيم مطلقا، سواء كان باللّسان أو بالجنان أو بالأركان، وسواء كان في مقابلة شيء أو لا «4» . الفرق بين الثناء والحمد والشكر: الحمد هو الثّناء باللّسان على الجميل الاختياريّ، نعمة كان أو غيرها يقال: حمدت الرّجل على إنعامه وحمدته على شجاعته، وأمّا الشّكر، فعلى النّعمة خاصّة، ويكون بالقلب واللّسان والجوارح، قال الشّاعر: أفادتكم النّعماء منّي ثلاثة ... يدي ولساني والضّمير المحجّبا وعلى هذا فبين الحمد والشّكر عموم   (1) تدرس: أي تبلى وتفنى. (2) الصحاح (6/ 2296) . لسان العرب (1/ 517) . ومفردات الراغب (ص 82) . والمصباح المنير (85- 86) . (3) التعريفات للجرجاني (72) . (4) الكليات للكفوي (2/ 124) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1450 وخصوص من وجه، يجتمعان في الثّناء باللّسان على النّعمة، وينفرد الحمد في الثّناء باللّسان على النّعمة، وعلى ما ليس بنعمة من الجميل الإختياريّ، وينفرد الشّكر بالثّناء بالقلب والجوارح على خصوص النّعمة فالحمد أعمّ متعلّقا وأخصّ آلة، والشّكر بالعكس «1» . الفرق بين الحمد والمدح: قال ابن القيّم- رحمه الله- إنّ الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وتعظيمه، فلابدّ فيه من اقتران الإرادة بالخير، بخلاف المدح فإنّه إخبار مجرّد «2» . بيد أنّ الثّناء لا يكون إلّا قوليّا بخلاف نظيريه فإنّهما يكونان بالقول والفعل، وقيل: الحمد لله ثناء على الله بأسمائه وصفاته الحسنى، والشّكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه «3» . وقيل: الحمد في كلام العرب هو الثّناء الكامل، وهو نقيض الذّمّ، وهو أعمّ من الشّكر «4» . قلت: والثّناء أعمّ منهما إذا كانا باللّسان، وكلّ حامد لربّه بلسانه أو شاكر له فهو مثن عليه بما هو أهله، وقد سوّى بعض العلماء بين الثّناء والحمد فيما يتعلّق بكونهما من فعل اللّسان، بخلاف الشّكر الّذي قد يكون باللّسان وبالجوارح وبالقلب «5» قال القرطبيّ: الصّحيح أنّ الحمد ثناء على الممدوح «6» بصفاته من غير سبق إحسان، والشّكر ثناء على المشكور بما أولاه من إحسان، وقد أثنى الله عزّ وجلّ بالحمد على نفسه، وافتتح به كتابه «7» . الثّناء على الله- عزّ وجلّ- في القرآن الكريم: لقد تضمّن القرآن الكريم آيات عديدة تتضمّن ثناء على المولى عزّ وجلّ، وإذا كان من الثّناء ما يشعر بتعظيم من يثنى عليه فإنّ حمد الله عزّ وجلّ وتسبيحه وتكبيره تدخل كلّها في باب الثّناء وسوف نكتفي هنا بما ورد فيه ثناء مباشر على المولى عزّ وجلّ أو ثناء منه سبحانه على من رضي من خلقه أمّا الآيات الخاصّة بالحمد والشّكر والتّسبيح والتّهليل ونحوها ممّا يتضمّن الثّناء عليه سبحانه فقد ذكرت في الصّفات المعقودة لها ممّا أغنى عن إعادتها هنا «8» . [للاستزادة: انظر صفات: الحمد- الذكر- الشكر- الكلم الطيب- الاعتراف بالفضل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الهجاء- نكران الجميل- الإعراض- التفريط والإفراط- الكبر والعجب] .   (1) مقدمة الواسطية للشيخ خليل هراس (50- 51) . (2) بدائع الفوائد (2/ 93) . (3) تفسير الطبري 1/ 46. (4) تفسير القرطبي 1/ 132. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) بين المدح والحمد فرق يتمثل في أن المدح يكون قبل الإحسان وبعده، أما الحمد فلا يكون إلا بعد الإحسان، ومن ناحية أخرى فإن المدح قد ينهى عنه، قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ (النجم/ 32) ، أما الحمد فمأمور به، انظر ص 4 من «الحمد في القرآن الكريم» للشيخ محمد خليفة. (7) مقصود القرطبي بذلك افتتاح سورة الفاتحة بالآية الكريمة «الحمد لله رب العالمين» . (8) انظر الآيات الكريمة الواردة في صفات: الحمد، الشكر، التسبيح، التهليل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1451 الآيات الواردة في «الثناء» معنى* أولا: الثناء على الله- عز وجل-: 1- صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (138) «1» 2- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) «2» 3- قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27) «3» 4- وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54) «4» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) «5» 6- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «6» 7- وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) «7» 8- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «8» 9- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ   * لم نستقصي آيات الثناء وإنما أوردنا مختارات منها. (1) البقرة: 138 مدنية (2) البقرة: 165 مدنية (3) آل عمران: 26- 27 مدنية (4) آل عمران: 54 مدنية (5) آل عمران: 149- 150 مدنية (6) النساء: 6 مدنية (7) النساء: 45 مدنية (8) النساء: 69- 70 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1452 قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) «1» 10- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «2» 11- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) «3» 12- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) » 13- * إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) «5» 14- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ   (1) النساء: 78- 81 مدنية (2) النساء: 86- 87 مدنية (3) النساء: 122 مدنية (4) النساء: 131- 132 مدنية (5) النساء: 163- 166 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1453 يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «1» 15- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «2» 16- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) * وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) «3» 17- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54) «4» 18- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) «5»   (1) النساء: 171 مدنية (2) المائدة: 49- 50 مدنية (3) الأنعام: 57- 65 مكية (4) الأعراف: 54 مكية (5) الأنفال: 30 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1454 19- وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) «1» 20- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (21) «2» 21- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109) «3» 22- فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107) «4» 23- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43) «5» 24- وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) «6» 25- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) «7» 26- قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) «8» 27- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)   (1) الأنفال: 39- 40 مدنية (2) يونس: 21 مكية (3) يونس: 107- 109 مكية (4) هود: 106- 107 مكية (5) الرعد: 41- 43 مدنية (6) الإسراء: 17 مكية (7) الإسراء: 65 مكية (8) الإسراء: 96 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1455 قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) «1» . 28- وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) «2» 29- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) «3» 30- وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) «4» 31- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «5» 32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «6» 33- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14) «7» 34- فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)   (1) الكهف: 23- 27 مكية (2) مريم: 64- 65 مكية (3) الأنبياء: 22- 23 مكية (4) الأنبياء: 47 مكية (5) الحج: 58- 59 مدنية (6) الحج: 77- 78 مدنية (7) المؤمنون: 12- 14 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1456 وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) «1» 35- أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) «2» 36- وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «3» 37- * اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) «4» 38- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) «5» 39- تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) «6» 40- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (60) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) «7» 41- قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) «8» 42- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) «9» 43- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ   (1) المؤمنون: 28- 29 مكية (2) المؤمنون: 72 مكية (3) المؤمنون: 118 مكية (4) النور: 35 مدنية (5) الفرقان: 1- 2 مكية (6) الفرقان: 10 مكية (7) الفرقان: 58- 62 مكية (8) العنكبوت: 52 مكية (9) سبأ: 39 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1457 وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «1» 44- الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) » 45- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) «3» 46- وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) «4» 47- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) «5» 48- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) «6» 49- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) «7» 50- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)   (1) الشورى: 9- 12 مكية (2) يس: 80- 83 مكية (3) الصافات: 75- 80 مكية (4) الصافات: 158- 159 مكية (5) غافر: 13- 16 مكية (6) الأحزاب: 1- 3 مدنية (7) الأحزاب: 38- 39 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1458 فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) «1» 51- وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) «2» 52- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «3» 53- لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) «4» 54- وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) «5» 55- كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) «6» 56- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) «7» 57- تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78) «8» 58- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «9»   (1) الشورى: 9- 12 مكية (2) الزخرف: 84- 86 مكية (3) الأحقاف: 8 مكية (4) الفتح: 27- 28 مدنية (5) الذاريات: 47- 51 مكية (6) القمر: 42 مكية (7) الرحمن: 26- 27 مدنية (8) الرحمن: 78 مدنية (9) الحشر: 22- 24 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1459 59- وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) «1» 60- تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (3) «2» 61- قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (23) «3» 62- أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23) «4» 63- إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16) «5» 64- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) «6» 65- لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) «7» 66- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «8»   (1) الجمعة: 11 مدنية (2) الملك: 1- 3 مكية (3) الجن: 20- 23 مكية (4) المرسلات: 20- 23 مكية (5) البروج: 12- 16 مكية (6) الأعلى: 1- 5 مكية (7) التين: 4- 8 مكية (8) العلق: 1- 5 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1460 ثانيا: ثناء الملائكة على الله- عزّ وجل-: 67- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) «1» 68- وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «2» 69- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «3» ثالثا: ثناء الأنبياء على الله- عز وجل-: 70- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «4» 71- قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115)   (1) البقرة: 30- 33 مدنية (2) الزمر: 75 مكية (3) غافر: 7 مكية (4) البقرة: 127- 129 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1461 وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) «1» 72- وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) * قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «2» 73- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) «3» 74- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) «4» 75- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «5» 76- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) »   (1) المائدة: 114- 118 مدنية (2) الأعراف: 87- 89 مكية (3) الأعراف: 143 مكية (4) الأعراف: 150- 151 مكية (5) الأعراف: 155 مكية (6) هود: 45 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1462 77- فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) «1» 78- قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «2» 79- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «3» 80- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) «4» 81- * وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) «5» 82- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «6» 83- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) «7»   (1) يوسف: 63- 64 مكية (2) يوسف: 90- 92 مكية (3) يوسف: 99- 101 مكية (4) إبراهيم: 35- 39 مكية (5) الأنبياء: 83 مكية (6) الأنبياء: 87 مكية (7) الأنبياء: 89 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1463 84- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) «1» رابعا: ثناء المؤمنين على الله- عز وجل-: 85- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) «2» 86- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «3» 87- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) «4»   (1) الصافات: 123- 126 مكية (2) آل عمران: 35- 37 مدنية (3) آل عمران: 169- 174 مدنية (4) آل عمران: 190- 194 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1464 88- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «1» 89- فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) «2» 90- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «3» 91- * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) «4» خامسا: ثناء الله- عز وجل-: 1- على محمد صلّى الله عليه وسلّم 92- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «5» 93- * وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «6»   (1) يونس: 9- 10 مكية (2) يوسف: 80 مكية (3) المؤمنون: 109- 111 مكية (4) غافر: 41- 44 مكية (5) آل عمران: 164 مدنية (6) الأعراف: 156- 157 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1465 94- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «1» 95- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «2» 96- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) «3» 97- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) «4» 98- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) «5» 99- ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) «6» 100- أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) «7» 2- ثناء الله على سائر الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين: 101- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) «8»   (1) التوبة: 128- 129 مدنية (2) الأحزاب: 21 مدنية (3) الأحزاب: 38- 40 مدنية (4) الأحزاب: 45- 47 مدنية (5) النجم: 1- 7 مكية (6) القلم: 1- 4 مكية (7) الشرح: 1- 4 مكية (8) الأنبياء: 48- 50 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1466 102- قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (68) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (71) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ (72) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) «1» 103- وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (91) «2» 104- الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) «3» 105- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) * وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)   (1) الأنبياء: 66- 74 مكية (2) الأنبياء: 85- 91 مكية (3) الأحزاب: 39 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1467 فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) «1» 106- وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47)   (1) الصافات: 75- 131 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1468 وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) «1» 3- ثناء الله على الملائكة: 107- إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «2» 108- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) » 109- وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) «4» 110- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «5» 111- فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) «6» 112- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) «7» 113- كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «8» 114- كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) «9» 4- ثناء الله على المؤمنين: 115- * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)   (1) ص: 44- 48 مكية (2) الأعراف: 206 مكية (3) الأنبياء: 19- 20 مكية (4) الأنبياء: 26- 27 مكية (5) غافر: 7 مكية (6) فصلت: 38 مكية (7) الشورى: 5 مكية (8) عبس: 11- 16 مكية (9) الانفطار: 9- 12 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1469 فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «1» 116- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) «2» 117- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) «3» 118- لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) «4» 119- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «5» 120- * إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «6» 121- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «7» 122- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)   (1) آل عمران: 171- 174 مدنية (2) النساء: 69 مدنية (3) النساء: 95- 96 مدنية (4) التوبة: 88- 89 مدنية (5) التوبة: 100 مدنية (6) التوبة: 111- 112 مدنية (7) المؤمنون: 57- 61 مكية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1470 لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «1» 123- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «2» 124- أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «3» 125- * لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) «4» 126- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «5» 127- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «6» 128- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «7» 129- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) «8»   (1) الأحزاب: 23- 24 مدنية (2) فصلت: 33 مكية (3) الأحقاف: 16 مكية (4) الفتح: 18 مدنية (5) الفتح: 28- 29 مدنية (6) الحديد: 18- 19 مدنية (7) الحشر: 8- 10 مدنية (8) البينة: 7 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1471 الأحاديث الواردة في (الثناء) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق «1» من قبل أمّ إسماعيل ... الحديث. وفيه «فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة، فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه» قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ... الحديث) * «2» . 2- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير، ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ «3» حتّى خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم» ) * «4» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثّناء. قالت: فغرت يوما فقلت: ما أكثر ما تذكرها   (1) المنطق: بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء ما يشد به الوسط. (2) البخاري- الفتح 6 (3364) . (3) المهنأ- بفتح الميم وسكون الهاء-: ما أتاك بلا مشقة. (4) الترمذي (2487) واللفظ له. وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 227) . وقال: رواه أحمد على شرط الشيخين. أحمد (3/ 200، 204) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1472 حمراء الشّدق قد أبدلك الله- عزّ وجلّ- بها خيرا منها. قال: «ما أبدلني الله- عزّ وجلّ- خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي النّاس، وصدّقتني إذ كذّبني النّاس، وواستني بمالها إذ حرمني النّاس، ورزقني الله- عزّ وجلّ- ولدها إذ حرمني أولاد النّساء» ) * «1» . 4- * (عن السّائب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جيء بي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة، جاء بي عثمان ابن عفّان وزهير فجعلوا يثنون عليّ فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعلموني به قد كان صاحبي في الجاهليّة» قال: قال: نعم، يا رسول الله، فنعم الصّاحب كنت. قال: فقال: «يا سائب انظر أخلاقك الّتي كنت تصنعها في الجاهليّة فاجعلها في الإسلام. اقر الضّيف وأكرم اليتيم وأحسن إلى جارك» ) * «2» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج «3» (ثلاثا) غير تمام. فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي (وقال مرّة) : فوّض إليّ عبدي. فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (الثناء) معنى 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: «اللهمّ ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم. ربّنا وربّ كلّ شيء. فالق الحبّ والنّوى، ومنزل التّوراة والإنجيل والفرقان. أعوذ بك من شرّ كلّ شيء أنت آخذ بناصيته. اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء. وأنت الباطن فليس دونك   (1) أحمد (6/ 117- 118) واللفظ له. وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 126) وقال: إسناده لا بأس به. وذكره الحافظ في الإصابة (4/ 286- 287) وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد وهو في الاستيعاب (4/ 286- 287) في حاشية الإصابة. (2) أحمد (3/ 425) وذكره الحافظ في الإصابة (2/ 10) في ترجمته وقال لعله هو السائب بن أبي السائب وكان شريك النبي صلّى الله عليه وسلّم، روى هذا أبو داود والنسائي وابن أبي شيبة. وقال الهيثمي في المجمع: رواه ابو داود باختصار، ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (8/ 190) واللفظ في مجمع الزوائد. (3) الخداج: النقصان. (4) مسلم (395) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1473 شيء. اقض عنّا الدّين وأغننا من الفقر» ) * «1» . 7- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن وقل: اللهمّ أسلمت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت، فإن متّ متّ على الفطرة، فاجعلهنّ آخر ما تقول» . فقلت أستذكرهنّ: وبرسولك الّذي أرسلت. قال: «لا، وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «2» . 8- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أخذ أحدكم مضجعه فليقل: اللهمّ خلقت نفسي وأنت توفّاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمّتها فاغفر لها، اللهمّ إنّي أسألك العافية» ) *» . 9- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحلقة، ورجل قائم يصلّي فلمّا ركع وسجد جلس وتشهّد دعا فقال في دعائه: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّماوت والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم. إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون بم دعا» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله، تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال فيقول: كيف لو رأوني؟ قال يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنّة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال يقولون: من النّار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «5» . 11- * (عن المغيرة- رضي الله عنه- قال: قال   (1) مسلم (2713) . (2) البخاري- الفتح 11 (6311) . (3) مسلم (2712) . (4) النسائي (3/ 52) وقال الألباني: صحيح (1/ 279) رقم (1233) . (5) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له. ومسلم (2689) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1474 سعد بن عبادة، لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المبشّرين والمنذرين، ولا أحد أحبّ إليه المدحة «1» من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «2» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاءت أمّ سليم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت يا رسول الله علّمني كلمات أدعو بهنّ في صلاتي، قال: «سبّحي الله عشرا، واحمديه عشرا، وكبّريه عشرا، ثمّ سليه حاجتك يقل: نعم نعم» ) * «3» . 13- * (عن رفاعة بن رافع- رضي الله عنه- قال: كنّا يوما نصلّي وراء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رفع رأسه من الرّكعة قال: «سمع الله لمن حمده» . قال رجل وراءه: ربّنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه. فلمّا انصرف قال: «من المتكلّم؟» قال: أنا. قال: «رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيّهم يكتبها أوّل» ) * «4» . 14- * (عن عمرو بن مالك أنّه سمع فضالة ابن عبيد- رضي الله عنه- صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله تعالى ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجّل هذا» ، ثمّ دعاه فقال له أو لغيره: «إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد ربّه- جلّ وعزّ- والثّناء عليه ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يدعو بعد بما شاء» ) * «5» . 15- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كلّ يوم قال: «قل كلّ يوم حين تصبح لبّيك اللهمّ لبّيك وسعديك، والخير في يديك ومنك وبك وإليك، اللهمّ ما قلت من قول، أو نذرت من نذر، أو حلفت من حلف، فمشيئتك بين يديه، ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا بك، إنّك على كلّ شيء قدير، اللهمّ وما صلّيت من صلاة فعلى من صلّيت، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت، إنّك أنت وليّي في الدّنيا والآخرة توفّني مسلما وألحقني بالصّالحين، أسألك اللهمّ الرّضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الممات، ولذّة نظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، أعوذ بك اللهمّ أن أظلم أو أظلم، أو أعتدي أو يعتدي عليّ، أو اكتسب خطيئة محبطة أو ذنبا لا يغفر، اللهمّ فاطر   (1) المدحة: المدح، وإذا ثبتت الهاء كسرت الميم، وإذا حذفت فتحت. (2) البخاري- الفتح 13 (7416) واللفظ له. ومسلم (1499) . (3) النسائي (3/ 51) واللفظ له، وقال الألباني: حسن الإسناد (1/ 279) حديث (1232) . والترمذي (481) وقال: حسن غريب. والحاكم (1/ 317، 318) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي، وأحمد (3/ 120) ، وابن خزيمة (850) . (4) البخاري- الفتح 2 (799) . (5) أبو داود (1481) ، والترمذي (3477) وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1475 السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة ذا الجلال والإكرام، فإنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدّنيا وأشهدك وكفى بك شهيدا أنّي أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كلّ شيء قدير، وأشهد أنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأشهد أنّ وعدك حقّ، ولقاءك حقّ، والجنّة حقّ، والسّاعة آتية لا ريب فيها، وأنت تبعث من في القبور، وأشهد أنّك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة، وإنّي لا أثق إلّا برحمتك فاغفر لي ذنبي كلّه إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم» ) * «1» . 16- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا إذا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الصّلاة، قلنا: السّلام على الله من عباده، السّلام على فلان وفلان. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقولوا السّلام على الله، فإنّ الله هو السّلام، ولكن قولوا: التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. فإنّكم إذا قلتم ذلك أصاب كلّ عبد في السّماء أو بين السّماء والأرض، أشهد أنّ لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، ثمّ يتخيّر من الدّعاء أعجبه إليه فيدعو» ) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الثناء) 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «3» . 18- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثا، وقال: «اللهمّ أنت السّلام ومنك السّلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» ) * «4» . 19- * (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- أنّه صلّى صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خفّفت أو أوجزت الصّلاة، فقال: أمّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا قام تبعه رجل من القوم فسأله عن الدّعاء، ثمّ جاء فأخبر به القوم: «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على   (1) أحمد (5/ 191) ، والطبراني في الكبير (5/ 119) / 4803، وأعاده من طريق أخرى في (5/ 157) برقم (4932) ، وهو في مسند الشاميين للطبراني برقم (1481، 2013) . وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا، وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف. (2) البخاري- الفتح 2 (835) واللفظ له. ومسلم (402) . (3) مسلم (486) . (4) مسلم (591) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1476 الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوّفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهمّ وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» ) * «1» . 20- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان صلّى الله عليه وسلّم، إذا قام من اللّيل افتتح صلاته: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ) * «2» . 21- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: «اللهمّ لك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيّام السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ، أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «3» . 22- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك الحمد، ملء السّماء وملء الأرض وملء «4» ما شئت من شيء بعد، اللهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد. اللهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ» ) * «5» . 23- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس فقام فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ قام فأطال القيام- وهو دون القيام الأوّل ثمّ ركع فأطال الرّكوع وهو دون الرّكوع الأوّل- ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ فعل في الرّكعة الثّانية مثل ما فعل في الأولى ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا» . ثمّ قال: «يا أمّة محمّد، والله ما من   (1) النسائي (3/ 54، 55) وهذا لفظه. وذكره الألباني في صحيحه (1/ 280، 281) حديث (1237) وعزاه في صحيح الكلم الطيب (66) إلى الحاكم وقال: صحيح ووافقه الذهبي. (2) مسلم (770) . (3) البخاري- الفتح 13 (7499) . ومسلم (769) وهذا لفظه. (4) يروى برفع «ملء» ونصبه. (5) مسلم (476) واللفظ له، وأحمد (4/ 354) ، والنسائي (1/ 198، 199) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1477 أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ) * «1» . 24- * (عن أبي شريح أنّه قال لعمرو بن سعيد- وهو يبعث البعوث إلى مكّة: ائذن لي أيّها الأمير أحدّثك قولا قام به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الغد من يوم الفتح. سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلّم به: حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس، فلا يحلّ لامرى* يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد «2» بها شجرة. فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها فقولوا: إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثمّ عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشّاهد الغائب» . فقيل لأبي شريح: ما قال عمرو؟ قال: أنا أعلم منك يا أبا شريح، إنّ مكّة لا تعيذ «3» عاصيا ولا فارّا بدم، ولا فارّا بخربة «4» * «5» . 25- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ قريشا أهمّهم شأن المرأة الّتي سرقت في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح. فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ومن يجترأ عليه إلّا أسامة بن زيد، حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأتي بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّمه فيها أسامة بن زيد، فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال «أتشفع في حدّ من حدود الله؟ فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله؛ فلمّا كان العشيّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاختطب. فأثنى على الله بما هو أهله. ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّما أهلك الّذين من قبلكم، أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ، وإنّي والّذي نفسي بيده لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها» ، ثمّ أمر بتلك المرأة فقطعت يدها) * «6» . 26- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المنبر وكان آخر مجلسه متعطّفا ملحفة على منكبيه قد عصب رأسه بعصابة دسمة، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «أيّها النّاس إليّ» فثابوا إليه. ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّ هذا الحيّ من الأنصار يقلّون ويكثر النّاس. فمن ولي شيئا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فاستطاع أن يضرّ فيه أحدا أو ينفع فيه أحدا فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم» ) * «7» . 27- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا رفع مائدته قال: «الحمد لله كثيرا طيّبا مباركا فيه غير مكفيّ «8» ولا مودّع «9» ، ولا مستغنى عنه ربّنا» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له، ومسلم (901) . (2) يعضد: يقطع. (3) لا تعيذ: لا تجير. ولفظ «مكة» من الفتح، بتحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 267) ، وفي مسلم: الحرم. (4) بخربة: وأصلها سرقة الإبل وتطلق على كل خيانة. قال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب وهو اللص المفسد في الأرض. (5) البخاري- الفتح 1 (104) واللفظ له. ومسلم (1354) . (6) البخاري- الفتح 7 (3733) . ومسلم (1688) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 2 (927) . (8) غير مكفي: يعني أنني غير مكتف بنفسي عن كفايته، أو غير مكافئ نعمة ربي. (9) غير مودع: أي غير متروك. (10) البخاري- الفتح 9 (5458) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1478 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا كان في سفر وأسحر «1» يقول: «سمّع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا. ربّنا صاحبنا «2» وأفضل علينا. عائذا بالله من النّار» ) * «3» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت شعب الأنصار أو وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» فقال أبو هريرة: فما ظلم بأبي وأمّي صلّى الله عليه وسلّم لآووه ونصروه، قال: وأحسبه قال: وواسوه) * «4» . 30- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سألوا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن عمله في السّرّ فقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء. وقال بعضهم: لا آكل اللّحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ ولكنّي أصلّي وأنام وأصوم وأفطر. وأتزوّج النّساء. فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «5» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ترخّص فيه وتنزّه عنه قوم، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «ما بال أقوام يتنزّهون عن الشّيء أصنعه؟ فو الله إنّي أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) *» . 32- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيئها إلّا أنت. لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال   (1) أسحر: بلغ وقت السحر وهو آخر الليل ومعناه: ليسمع السامع وليشهد الشاهد على حمدنا لله تعالى على نعمه وحسن بلائه. (2) ربنا صاحبنا: احفظنا وحطنا بعنايتك. (3) مسلم (2718) . (4) أحمد (2/ 414، 469) وقال مخرجه: إسناده صحيح وأصله في الصحيحين من حديث عدد من الصحابة انظر مثلا: البخاري- الفتح 13 (7244) . ومسلم (1059) . المسند، ط. شاكر (18/ 87) حديث (9353) واللفظ من هذا الموضع. (5) البخاري- الفتح 9 (5063) . ومسلم (1401) وهذا لفظه. (6) البخاري- الفتح 13 (7301) . ومسلم (2356) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1479 «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الثناء) 1- * (قال سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه-: «إنّ رجلا بسط له من الدّنيا فانتزع ما في يديه فجعل يحمد الله ويثني عليه حتّى لم يكن إلّا فراش، فجعل يحمد الله ويثني عليه، وبسط لآخر من الدّنيا فقال لصاحب الفراش: أرأيتك أنت علام تحمد الله؟ قال: أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطي الخلق لم أعطهم إيّاه. قال: وما ذلك؟ قال: أرأيتك بصرك، أرأيتك لسانك، أرأيتك يديك، أرأيتك رجليك) » * «2» . 2- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: «أحبّ أن يقدّم المرء حمد الله تعالى والثّناء عليه سبحانه وتعالى والصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 3- * (قال ابن العطّار- رحمه الله تعالى-: «لو حلف إنسان ليثنينّ على الله تعالى أحسن الثّناء فطريق البرّ أن يقول: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وزاد بعضهم فلك الحمد حتّى ترضى» ) * «4» . 4- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «يخرج العارف من الدّنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه وثناؤه على ربّه» ) * «5» . 5- * (قال الزّجّاج: «سمّيت الفاتحة بالمثانى لاشتمالها على الثّناء على الله تعالى وهو حمد الله وتوحيده وملكه» ) * «6» . من فوائد (الثناء) 1- يجلب المحبّة ويوسّع الرّزق. 2- مظهر من مظاهر الالتزام بالسنّة. 3- عظم الثّواب من ثمراته ورضا ربّ الأرباب من أعظم ثوابه. 4- دليل الرضا وسمت العرفان بالجميل. 5- الثّناء على الله يجتلب إحاطة الملائكة. 6- الثناء على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفتح باب قبول الدّعاء. 7- الافتتاح بالثّناء يفتح باب التّوفيق.   (1) مسلم (771) . (2) عدة الصابرين (132) . (3) مقدمة فتاوى النووي المسماة بالمسائل المنثورة (8) . (4) المرجع السابق (9) . (5) الفوائد (33) . (6) التفسير الكبير، للرازي (19/ 207) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1480 [ حرف الجيم ] جهاد الأعداء الآيات/ الأحاديث/ الآثار 52/ 69/ 10 الجهاد لغة: الجهاد مثل المجاهدة مصدر قولهم جاهد يجاهد، وذلك مأخوذ من مادّة (ج هـ د) الّتي تدلّ في الأصل على المشقّة، ثمّ يحمل على هذا الأصل ما يقاربه، ومصدر الثلاثيّ من ذلك قولهم: جهد (بالفتح) ، وجهد (بالضّمّ) وكلاهما يعني إمّا: الوسع والطّاقة أو التعب والمشقّة، ومن ثمّ يكون الاختلاف بين الفتح والضّمّ راجعا إلى اختلاف اللهجات، فهو بالضّمّ لغة أهل الحجاز، وبالفتح في لغة غيرهم، وقال بعض اللّغويّين: إنّ الجهد بالفتح المشقّة، وبالضّمّ الوسع والطّاقة، ومن الجهد بمعنى المشقّة قولهم جهد دابّته وأجهدها إذا حمل عليها في السّير فوق طاقتها، ومن المشقّة أيضا: جهد الرّجل فهو مجهود، يقال أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا، وجهد عيشهم بالكسر أي نكد واشتدّ. ومن الجهد بمعنى الطّاقة قوله- عزّ وجلّ- وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79) . أي طاقتهم، قال ابن منظور: قال الفرّاء: الجهد في هذه الآية الطّاقة، تقول هذا جهدي أي طاقتي، وقرأ جهدهم بالفتح من قولك اجهد جهدك في هذا الأمر أي ابلغ غايتك، ولا يقال اجهد جهدك، وقيل: إذا كان المعنى هو المشقّة أو الغاية فالفتح لا غير، وإذا كان الوسع والطّاقة فيجوز الفتح والضّمّ، ويراد بالجهد في حديث أمّ معبد «شاة خلّفها الجهد عن الغنم» الهزال، ومن ذلك قولهم: جهد الرّجل إذا هزل، قال الجوهريّ: يقال جهد الرّجل فهو مجهود (من المشقّة) ، يقال: أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا، وجهد عيشهم (بالكسر) أي نكد واشتدّ. ومن الجهد (بالضم) ما جاء في حديث الصّدقة: أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: جهد المقلّ أي قدر ما يحتمله حال القليل المال. والاجتهاد: أخذ النّفس ببذل الطّاقة وتحمّل المشقّة، يقال جهدت رأيي وأجهدته: أتعبته بالفكر، وجاهد العدوّ مجاهدة وجهادا: قاتله، وفي الحديث: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة» ، الجهاد محاربة الأعداء، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطّاقة من قول أو فعل، والمراد بالنّيّة: إخلاص العمل لله، أي إنّه لم يبق بعد فتح مكّة هجرة؛ لأنّها قد صارت دار إسلام، وإنّما هو الإخلاص في الجهاد وقتال الكفّار، والجهاد (أيضا) المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أو اللّسان أو ما أطاق من شيء، قال الرّاغب: والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدوّ الظّاهر، ومجاهدة الشّيطان، ومجاهدة النّفس؛ وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ (الحج/ 78) وقال عليه الصّلاة والسّلام: جاهدوا أهواءكم كما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1481 تجاهدون أعداءكم، والمجاهدة تكون باليد واللّسان، قال صلّى الله عليه وسلّم «جاهدوا الكفّار بأيديكم وألسنتكم» «1» . اصطلاحا: قال الرّاغب: الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدوّ، وقال الجرجانيّ: هو الدّعاء إلى الدّين الحقّ، وقد جمع ابن حجر بين هذين النّوعين من الجهاد وأضاف غيرهما فقال: الجهاد بذل الجهد في قتال الكفّار. ويطلق أيضا على مجاهدة النّفس والشّيطان والفسّاق والكفّار. فأمّا مجاهدة النّفس، فعلى تعلّم أمور الدّين ثمّ على العمل بها ثمّ على تعليمها. وأمّا مجاهدة الشّيطان، فعلى دفع ما يأتي به من الشّبهات وما يزيّنه من الشّهوات. وأمّا مجاهدة الكفّار، فتقع باليد والمال واللّسان والقلب. وأمّا مجاهدة الفسّاق، فباليد ثمّ اللّسان، ثمّ القلب «2» . مراتب الجهاد: قال ابن القيّم: لمّا كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» ، كان جهاد النّفس مقدّما على جهاد العدوّ في الخارج، وأصلا له، فإنّه ما لم يجاهد نفسه أوّلا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوّه في الخارج. فهذان العدوّان: عدوّ الخارج وعدوّ النّفس وبينهما عدوّ ثالث لا يمكنه جهادهما إلّا بجهاده وهو واقف بينهما يثبّط العبد عن جهادهما، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما وهو الشّيطان، فهذه الأعداء الثّلاثة أمر العبد بمحاربتها وجهادها، وقد بلي بمحاربتها في هذه الدّار، وسلّطت عليه امتحانا من الله له وابتلاء، فأعطى الله العبد مددا وعدّة وأعوانا وسلاحا لهذا الجهاد، وأخبرهم أنّه مع المتّقين ومع المحسنين، ومع الصّابرين ومع المؤمنين، وأنّه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم؛ بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوّهم. وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم، وعلى قدره، فإن قوي الإيمان، قويت المدافعة، فمن وجد خيرا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه. وأمرهم أن يجاهدوا فيه حقّ جهاده. واختلفت عبارات السّلف في حقّ الجهاد: فقال ابن عبّاس: هو استفراغ الطّاقة فيه، وألّا يخاف في الله لومة لائم. وقال مقاتل: اعملوا لله حقّ عمله واعبدوه حقّ عبادته. أقسام الجهاد: قال ابن القيّم- رحمه الله-: أقسام الجهاد أربعة: جهاد النّفس، و جهاد الشّيطان، وجهاد الكفّار، وجهاد المنافقين. أمّا جهاد النّفس فقد أفردنا له صفة   (1) انظر: مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 486) ، المفردات للراغب (ص 101) ، الصحاح (2/ 460) ، ولسان العرب (مادة جهد) (ص 710) (ط دار المعارف) والمصباح المنير (ص 122) . (2) ابن حجر، فتح الباري (6/ 5) ومفردات الراغب (ص 110) وكتاب التعريفات للجرجاني (ص 84) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1482 خاصّة باعتباره الجهاد الأكبر. «1» جهاد الشيطان: لمّا كان الشّيطان عدوّا مبينا للإنسان منذ خلق الله- عزّ وجلّ- هذا الإنسان، فقد أمرنا الله- عزّ وجلّ- أن نتّخذه عدوّا، يقول الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (فاطر/ 6) ، ومن ثمّ وجبت مجاهدته، لا أنّ ذلك يمهّد السّبيل أمام الإنسان لكي يجاهد نفسه وهي عدوّ الدّاخل، ويجاهد الكفّار والمنافقين وهذه عداوة الخارج، ولا يمكن جهادهما إلّا بمجاهدته والتّصدّي له، وتعني هذه المجاهدة- كما ذكرنا قبلا- دفع ما يأتي به من الشّبهات وما يزيّنه من الشّهوات «2» . ولجهاد الشّيطان- كما يقول ابن القيّم- مرتبتان: الأولى: جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشّبهات والشّكوك. الثّانية: جهاده على ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشّهوات، فالمرتبة الأولى يكون بعدها اليقين والثانية يكون بعدها الصّبر، قال تعالى: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) ، فأخبر الله- عزّ وجلّ- أنّ إمامة الدّين إنّما تنال بالصّبر واليقين، فالصّبر يدفع الشّهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشّكوك والشّبهات «3» . جهاد الكفار والمنافقين ومن في حكمهم: وأمّا جهاد الكفّار والمنافقين فمراتبه أربعة: بالقلب، واللّسان، والمال، والنّفس. وجهاد الكفّار أخصّ باليد، وجهاد المنافقين أخصّ باللّسان. وأمّا جهاد أرباب الظّلم والبدع والمنكرات فعلى ثلاث مراتب: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللّسان، فإن عجز جاهد بقلبه «4» . حكم الجهاد: جهاد النّفس في ذات الله تعالى وجهاد الشّيطان فرض عين لا ينوب فيه أحد عن أحد. أمّا جهاد الكفّار والمنافقين ومن في حكمهم من أهل البدع، فهو فرض كفاية قد يكتفى فيه ببعض الأمّة إذا حصل منهم مقصود الجهاد «5» . وأكمل الخلق عند الله تعالى من كمّل مراتب الجهاد كلّها، وهم متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في هذه المراتب «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الثبات- الرجولة- الشجاعة- الشرف- العزة- القوة- قوة الإرادة- علو الهمة- العزم والعزيمة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخلف عن الجهاد- التولى- التخاذل- الجبن- الكسل- الضعف- صغر الهمة- الوهن] .   (1) انظر في ذلك: صفة «مجاهدة النفس» في مجلد (8) ص (3303- 3316) من هذه الموسوعة. (2) انظر: صفة «الغيّ والإغواء» في مجلد (11) ص (5144) من هذه الموسوعة، وخاصة ما ذكرنا عن تدرج الشيطان في هذا الإغواء وكيفية مقاومته في كل العقبات التي يضعها أمام الإنسان. (3) زاد المعاد (3/ 10) . (4) المرجع السابق (3/ 11) . (5) المراجع السابق (11/ 12) . (6) المرجع السابق (12) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1483 الآيات الواردة في «جهاد الأعداء» ثواب المجاهدين: 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) «1» 2- وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) «3» 4- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «4» 5- * فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ   (1) البقرة: 153- 154 مدنية (2) آل عمران: 139- 143 مدنية (3) آل عمران: 156- 158 مدنية (4) آل عمران: 195 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1484 مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) «1» 6- * إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «2» 7- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) «3» 8- * إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) «4» 9- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) «5» 10- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «6» 11- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «7» 12- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4)   (1) النساء: 74- 77 مدنية (2) التوبة: 60 مدنية (3) التوبة: 86- 89 مدنية (4) التوبة: 111 مدنية (5) التوبة: 120 مدنية (6) النحل: 110 مكية (7) الحج: 58- 59 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1485 سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) «1» 13- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) «2» 14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «3» 15- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) «4» الحث على جهاد الأعداء: 16- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «5» 17- * أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) «6» 18- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) » 19- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) «8»   (1) محمد: 4- 6 مدنية (2) الصف: 4 مدنية (3) الصف: 10- 13 مدنية (4) التحريم: 9 مدنية (5) آل عمران: 146- 148 مدنية (6) التوبة: 19- 20 مدنية (7) التوبة: 24 مدنية (8) التوبة: 34 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1486 20- انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) «1» 21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «2» 22- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) «3» 23- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) «4» 24- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «5» 25- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) «6» 26- إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)   (1) التوبة: 41 مدنية (2) الحج: 77- 78 مدنية (3) البقرة: 190- 193 مدنية (4) النساء: 84 مدنية (5) النساء: 94 مدنية (6) النساء: 95- 96 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1487 ْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) «1» 27- قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (29) «2» 28- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «3» 29- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) «4» 30- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «5» 31- فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52) «6» 32- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (21) «7» 33- قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16) «8» 34- وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) «9» جهاد الأعداء سبب البقاء: 35- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «10»   (1) الأنفال: 42- 45 مدنية (2) التوبة: 29 مدنية (3) التوبة: 36 مدنية (4) التوبة: 73 مدنية (5) التوبة: 123 مدنية (6) الفرقان: 52 مكية (7) محمد: 31 مدنية (8) الفتح: 16 مدنية (9) الحديد: 10 مدنية (10) المائدة: 54 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1488 36- وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) «1» 37- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) «2» 38- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) * وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46)   (1) الأنفال: 39 مدنية (2) الأنفال: 65- 66 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1489 لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) «1» 39- وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (6) «2» جهاد الأعداء لإعلاء كلمة الله- عزّ وجل-: 40- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) «3» 41- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) «4» 42- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (7) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «5» 43- لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)   (1) التوبة: 38- 47 مدنية (2) العنكبوت: 6 مكية (3) البقرة: 244 مدنية (4) آل عمران: 13 مدنية (5) الأنفال: 72- 75 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1490 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) «1» 44- وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) «2» 45- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «3» جهاد الأعداء دليل صدق الإيمان: 46- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «4» 47- أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) «5» 48- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167)   (1) التوبة: 10- 16 مدنية (2) العنكبوت: 69 مكية (3) المزمل: 20 مدنية (4) البقرة: 216- 218 مدنية (5) البقرة: 246 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1491 الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) «1» 49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) «2» 50- وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) » 51- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) «4» 52- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «5»   (1) آل عمران: 167- 171 مدنية (2) المائدة: 35 مدنية (3) محمد: 20- 21 مدنية (4) الحجرات: 15 مدنية (5) الممتحنة: 1 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1492 الأحاديث الواردة في (جهاد الأعداء) 1- * (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «أفضل العمل: الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» ) * «1» . وجاء عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أيضا. 2- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ) * «2» . 3- * (عن سهل بن سعد السّاعدي- رضي الله عنه- أنّ زيد بن ثابت أخبره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أملى عليّ: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «3» (النساء/ 95) . قال فجاءه ابن أمّ مكتوم وهو يملّها عليّ. فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت- وكان رجلا أعمى- فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلّى الله عليه وسلّم فخذه على فخذي. فثقلت علىّ حتّى خفت أن ترضّ فخذي. ثمّ سرّي عنه، فأنزل الله- عزّ وجلّ- غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله؟ قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنّه أوسط الجنّة، وأعلى الجنّة، وفوقه عرش الرّحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل: أيّ العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله» . قيل: ثمّ ماذا؟. قال: «الجهاد في سبيل الله» . قيل: ثمّ ماذا؟ قال: «حجّ مبرور» ) * «6» . 6- * (عن مجاشع بن مسعود- رضي الله عنه- قال: انطلقت بأبي معبد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليبايعه على الهجرة. قال: «مضت الهجرة لأهلها، أبايعه على الإسلام والجهاد» . فلقيت أبا معبد، فسألته فقال: صدق مجاشع) * «7» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تكفّل الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة، أو أرجعه إلى منزله الّذي خرج منه بما نال من أجر، أو غنيمة، والّذي نفس محمّد بيده، ما من كلم يكلم في سبيل الله إلّا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم. لونه لون دم،   (1) البخاري- الفتح 5 (2518) واللفظ له. ومسلم (84) . (2) الترمذي (2616) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (3) النساء: من الآية 95. (4) البخاري- الفتح 6 (2832) . (5) البخاري- الفتح 6 (2790) . (6) البخاري- الفتح 1 (26) واللفظ له. ومسلم (83) من حديث أبي هريرة و (84) من حديث أبي ذر، و (85) من حديث ابن مسعود. (7) البخاري- الفتح 7 (4307) واللفظ له. ومسلم (1863) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1493 وريحه ريح مسك. والّذي نفس محمّد بيده، لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي، والّذي نفس محمّد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل» ) * «1» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: يا رسول الله أيّ النّاس خير؟. قال: «رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من الشّعاب يعبد ربّه ويدع النّاس من شرّه)) * «2» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: دلّني على عمل يعدل الجهاد. قال: «لا أجده» . قال: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟» قال: ومن يستطيع ذلك؟. قال أبو هريرة: إنّ فرس المجاهد ليستنّ «3» في طوله «4» فيكتب له حسنات) * «5» . 10- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحيّ والداك؟» . قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد» ) * «6» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التّراب على متونهم ويقولون: نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يجيبهم ويقول: اللهمّ إنّه لا خير إلّا خير الآخره ... فبارك في الأنصار والمهاجرة» ) * «7» . 12- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمّهاتهم. وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم، إلّا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنّكم؟» ) * «8» . 13- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أحبّ إلى الله   (1) البخاري- الفتح 6 (3123) إلى قوله (أو غنيمة) ومسلم 3 (1876) . (2) البخاري الفتح 11 (6494) واللفظ له. وله لفظ آخر 6 (2786) : أي الناس أفضل؟ فقال: «مؤمن يجاهد ... » . (3) استن الفرس يستن استنانا: أي عدا لمرحه ونشاطه شوطا أو شوطين ولا راكب على ظهره. (4) الطول والطيل بالكسر: الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره والآخر في يد الفرس ليدور فيه ويرعى. (5) البخاري- الفتح 6 (2785) . (6) البخاري- الفتح 6 (3004) واللفظ له. ومسلم (2549) . (7) البخاري- الفتح 6 (2834- 2835) واللفظ له. ومسلم (1805) . (8) مسلم (1897) . والمعنى: أن هذا في شيئين: أحدهما تحريم التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك، والثاني في برّهنّ والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يتوصل إليها ريبة ونحوها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1494 عزّ وجلّ؟. قال: «الصّلاة على وقتها» ، قال: ثمّ أيّ؟. قال: «برّ الوالدين» . قال: ثمّ أيّ؟. قال: «الجهاد في سبيل الله» . قال: حدّثني بهنّ ولو استزدته لزادني) * «1» . 14- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- في غزوة خيبر ... الحديث وفيه: قال: فلمّا تصافّ القوم، كان سيف عامر يعني ابن الأكوع فيه قصر فتناول به يهوديّا ليضربه ويرجع ذباب سيفه «2» ، فأصاب ركبة عامر فمات. فلمّا قفلوا قال سلمة: رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاحبا. فقال لي: «مالك؟» فقلت: فدى لك أبي وأمّي زعموا أنّ عامرا أحبط عمله. قال: «من قاله؟» . قال: فلان وفلان وأسيد بن الحضير الأنصاري. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذب من قاله «3» » . إنّ له لأجرين» - وجمع بين إصبعيه- «إنّه لجاهد مجاهد، قلّ عربيّ نشأ بها مثله «4» » ) * «5» . 15- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثمّ قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله فاقتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلّوا ولا تغذروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) ، فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحوّلوا منها فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله وذمّة نبيّه، فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك، فإنّكم إن تخفروا «6» ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 6 (2782) و10 (5970) . (2) ذباب السيف: طرفه الذي يضرب به. (3) كذب من قاله: أي أخطأ. (4) قوله (قل عربي نشأ بها مثله) : الضمير للأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة. وقد فسرها قتيبة بقوله: نشأ. (5) البخاري- الفتح 10 (6148) واللفظ له من حديث في غزوة خيبر، و7 (4196) من حديث غزوة خيبر. ومسلم (1802) . (6) تخفروا ذممكم: أي تنقضوا عهودكم. (7) مسلم (1731) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1495 16- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا» ) * «1» . 17- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره ثمّ إنّها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» ) * «2» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصّائم القائم، وتوكّل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفّاه أن يدخله الجنّة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة» ) * «3» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من آمن بالله وبرسوله وأقام الصّلاة وصام رمضان كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة. جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها» . فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشّر النّاس؟ قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله. ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة» - أراه قال: «وفوقه عرش الرّحمن- ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «4» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله: ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم» ) * «5» . 21- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا أبا سعيد من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا، وجبت له الجنّة» . فعجب لها أبو سعيد. فقال: أعدها عليّ يا رسول الله. ففعل. ثمّ قال: «وأخرى يرفع بها العبد   (1) البخاري- الفتح 6 (2783) واللفظ له. ومسلم (1864) بلفظ آخر عن ابن عباس، وبلفظ البخاري نفسه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (1864) . (2) مسلم (50) . (3) البخاري- الفتح 6 (2787) واللفظ له. ومسلم (1876) . (4) البخاري- الفتح 6 (2790) . (5) البخاري- الفتح 4 (1897) واللفظ له. ومسلم (1027) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1496 مائة درجة في الجنّة. ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض» . قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الجهاد في سبيل الله. الجهاد في سبيل الله» ) * «1» . 22- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: «لكن أفضل الجهاد حجّ مبرور» ) * «2» . 23- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد. فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: «أسلم ثمّ قاتل» . فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عمل قليلا وأجر كثيرا» ) *» . الأحاديث الواردة في (جهاد الأعداء) معنى 24- * (عن عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ألا إنّ القوّة الرّمي» ) * «4» . 25- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم، إلّا بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله تعالى» ) * «5» . 26- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- في حديث صلح الحديبية ... الحديث، وفيه: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّا لم نجأ لقتال أحد ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «6» . وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي، ولينفذنّ الله أمره» ) * «7» . 27- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: «فأرسلوا إليه» . فأتي به فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه ودعا له فبرأ. حتّى كأن لم يكن به وجع. فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى   (1) مسلم (1884) . (2) البخاري- الفتح 6 (2784) . (3) البخاري- الفتح 6 (2808) . (4) مسلم (1917) . (5) البخاري- الفتح 1 (25) . ومسلم (22) . (6) جمّوا: أي استراحوا وكثروا. (7) البخاري- الفتح 5 (2731- 2732) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1497 يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» ) * «1» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «: تعس عبد الدّينار والدّرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبّرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في السّاقة كان في السّاقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفّع» ) * «2» . 29- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: الرّجل يقاتل حميّة، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء فأيّ ذلك في سبيل الله؟» . قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» ) * «3» . 30- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خطب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أخذ الرّاية زيد فأصيب، ثمّ أخذها جعفر فأصيب، ثمّ أخذها عبد الله ابن رواحة فأصيب، ثمّ أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففتح له» . وقال: «ما يسرّنا أنّهم عندنا» . قال أيّوب: أو قال: «ما يسرّهم أنّهم عندنا وعيناه تذرفان» ) * «4» . 31- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدّنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنّة خير من الدّنيا وما عليها، والرّوحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدّنيا وما عليها» ) * «5» . 32- * (عن عروة البارقيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم» ) * «6» . 33- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أمّ حرام بنت ملحان فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج «7» هذا البحر ملوكا على الأسرّة، أو مثل الملوك على الأسرّة- شكّ إسحاق- قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها، ثمّ وضع رأسه فنام ثمّ استيقظ وهو يضحك. فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى. قالت: فقلت: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من   (1) البخاري- الفتح 7 (3701) . ومسلم (2406) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 6 (2887) . (3) البخاري- الفتح 13 (7458) واللفظ له. ومسلم (1904) . (4) البخاري- الفتح 6 (2798) . (5) البخاري- الفتح 6 (2892) . (6) البخاري- الفتح 6 (2852) بهذا اللفظ. ومسلم (1873) . (7) ثبج هذا البحر: أي وسطه ومعظمه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1498 الأوّلين. فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابّتها حين خرجت من البحر فهلكت» ) * «1» . 34- * (عن سمرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت اللّيلة رجلين أتياني فصعدا بي الشّجرة وأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، لم أر قطّ أحسن منها، قال: أمّا هذه الدّار فدار الشّهداء» ) * «2» . 35- * (عن سلمان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الّذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتن» ) * «3» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الشّهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشّهيد في سبيل الله» ) * «4» . 37- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رجل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد: أرأيت إن قتلت أنا؟ فأين أنا؟ قال: «في الجنّة» . فألقى تمرات في يده، ثمّ قاتل حتّى قتل) * «5» . 38- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «كلّ الميّت يختم على عمله إلّا المرابط في سبيل الله، فإنّه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمّن من فتّان القبر» ) * «6» . 39- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمّة» ) * «7» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يقاتل المسلمون التّرك، قوما وجوههم كالمجانّ «8» المطرقة يلبسون الشّعر ويمشون في الشّعر» ) * «9» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتّى يختبأ اليهوديّ من وراء الحجر والشّجر، فيقول الحجر أو   (1) البخاري- الفتح 6 (2877- 2878) . ومسلم (1912) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 6 (2791) . (3) الترمذي (1165) وقال: حديث حسن صحيح. وعند البخاري من حديث سهل بن سعد، وعند مسلم (1881) نحوه. (6) البخاري- الفتح 6 (2793) . ومسلم (1883) نحوه من حديث أبي أيوب. (4) البخاري- الفتح 7 (4046) . (5) أبو داود (2500) واللفظ له. والترمذي (1621) وقال: حديث حسن صحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 144) وقال: صحيح على شرط الشيخين. (6) البخاري- الفتح 13 (7311) مختصرا. ومسلم (156) واللفظ له. (7) مسلم (156) ، ومسند الإمام أحمد (3/ 345) ونصه «ليكرم الله هذه الأمة» . (8) المجانّ: جمع مجنّ وهو ما يتقى به المحارب كالترس. ومعناه تشبيه وجوه الترك في عرضها وتلون وجناتها بالترسة المطرقة. (9) البخاري- الفتح 6 (2929) . ومسلم (2912) واللفظ له. ويمشون في الشعر معناه: ينتعلون الشعر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1499 الشّجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهوديّ خلفي فتعال فاقتله، إلّا الغرقد «1» فإنّه من شجر اليهود» ) * «2» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم «3» في سبيله، إلّا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب «4» ، اللّون لون دم والرّيح ريح مسك» ) * «5» . 43- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لغدوة في سبيل الله، أو روحة، خير من الدّنيا وما فيها» ) * «6» . 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لقاب قوس في الجنّة خير ممّا تطلع عليه الشمس وتغرب» . وقال: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير ممّا تطلع عليه الشّمس وتغرب» ) * «7» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلج النّار رجل بكى من خشية الله، حتّى يعود اللّبن في الضّرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنّم» ) * «8» . 46- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لن يبرح هذا الدّين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتّى تقوم السّاعة» ) * «9» . 47- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أحد يدخل الجنّة يحبّ أن يرجع إلى الدّنيا وله ما على الأرض من شيء إلّا الشّهيد يتمنّى أن يرجع إلى الدّنيا فيقتل عشر مرّات، لما يرى من الكرامة» ) * «10» . 48- * (عن أبي عبس عبد الرّحمن بن جبر، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما اغبرّتا قدما عبد في سبيل الله فتمسّه النّار» ) *1» . 49- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني. وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتّقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا. وإن قال بغيره فإنّ عليه منه» ) * «12» . 50- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من جهّز غازيا في   (1) الغرقد: نوع من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس. قال الدينوري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة. (2) البخاري- الفتح 6 (2925، 2926) . ومسلم (2922) واللفظ له. (3) يكلم بضم أوله: أي يجرح. (4) يثعب: أي يجري. (5) البخاري- الفتح 6 (2803) . ومسلم (1876) واللفظ لمسلم. (6) البخاري- الفتح 6 (2792) مختصرا ومطولا برقم (2796) . ومسلم (1880) . (7) البخاري- الفتح 6 (2793) . (8) الترمذي (1633) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي 6/ 12. (9) مسلم (1922) . (10) البخاري- الفتح 6 (2817) واللفظ له. وأحمد (3/ 103) . (11) البخاري- الفتح 6 (2811) . (12) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له. ومسلم (1841) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1500 سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا» ) * «1» . 51- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من طلب الشهادة صادقا أعطيها وإن لم تصبه» ) * «2» . 52- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قاتل في سبيل الله فواق ناقة «3» وجبت له الجنّة، ومن سأل الله القتل في سبيل الله صادقا من نفسه ثمّ مات أو قتل فإنّ له أجر شهيد، ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة، فإنّها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزّعفران، وريحها ريح المسك، ومن خرج به خراج في سبيل الله، فإنّ عليه طابع الشّهداء» ) * «4» . 53- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير ... الحديث» ) * «5» . 54- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من خير معاش النّاس لهم: رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلّما سمع هيعة أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانّه «6» ، أو رجل في غنيمة في رأس شعفة «7» من هذه الشّعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، ويعبد ربّه حتّى يأتيه اليقين، ليس من النّاس إلّا في خير» ) * «8» . 55- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من علم الرّمي، ثمّ تركه، فليس منّا، أو قد عصى» ) * «9» . 56- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات ولم يغز، ولم يحدّث نفسه بالغزو، مات على شعبة من نفاق» ) * «10» . 57- * (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- قال: هاجرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله ومنّا من مضى أو ذهب لم يأكل من أجره شيئا، كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد لم يترك إلّا نمرة «11» كنّا إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّي بها رجلاه خرج رأسه. فقال لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «غطّوا بها رأسه واجعلوا على رجله   (1) مسلم (1895) . (2) مسلم (1908) وفي الرواية الأخرى: «من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وان مات على فراشه» . انظر: جامع الأصول (2/ 584) . (3) فواق ناقة: أي قدر مدة حلب الناقة. (4) أبو داود (2541) واللفظ له. والترمذي (1657) والحاكم في المستدرك (2/ 77) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله إسناد صحيح على شرط الشيخين مختصرا. (5) مسلم (2664) . (6) والموت مظانه: يعني يطلبه من مواطنه التي يرجى فيها لشدة رغبته في الشهادة. (7) شعفة: أعلى الجبل. (8) مسلم (1889) . (9) مسلم (1919) . (10) مسلم (1910) . قال عبد الله بن المبارك: فنرى- أي نظن- أن ذلك كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: إنه عام. (11) النمرة: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب وجمعها نمار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1501 الإذخر، أو قال: ألقوا على رجله من الإذخر. ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها «1» » ) * «2» . 58- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في هذه الآية وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران/ 169) قال: أما إنّا قد سألنا عن ذلك، فقال: «أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلّقة بالعرش، تسرح من الجنّة حيث شاءت، ثمّ تأوي إلى تلك القناديل» ) * «3» . 59- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف» ) * «4» . 60- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يغفر للشّهيد كلّ ذنب إلّا الدّين» ) * «5» . 61- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به» . أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين، فقال: «لا نقول كما قال قوم موسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك» . فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشرق وجهه وسرّه، يعني قوله) * «6» . 62- * (عن جبير بن حيّة- رحمه الله تعالى- في حديث غزو فارس في زمن عمر- رضي الله عنه- قال: «قال المغيرة- رضي الله عنه- مجيبا عامل كسرى: فأمرنا نبيّنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نقاتلكم حتّى تعبدوا الله وحده، أو تؤدّوا الجزية، وأخبرنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم عن رسالة ربّنا أنّه من قتل منّا صار إلى الجنّة في نعيم لم ير مثلها قطّ، ومن بقي منّا ملك رقابكم» ) * «7» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (جهاد الأعداء) 63- * (عن جندب بن سفيان- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان في بعض المشاهد قد دميت إصبعه فقال: «هل أنت إلّا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت» ) * «8» . 64- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّه سئل عن جرح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد فقال: أما والله إنّي لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن كان يسكب الماء وبما دووي، قال: كانت فاطمة- رضي الله عنها- بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تغسله وعليّ يسكب   (1) يهدبها: أي يجنيها. من قولهم هدب الثمرة جناها. (2) البخاري- الفتح 7 (4047) . (3) مسلم (1887) . (4) البخاري- الفتح 6 (2818) . ومسلم (1902) من حديث أبي موسى نحوه. (5) مسلم (1886) . (6) البخاري- الفتح 7 (3952) . (7) البخاري- الفتح 6 (3159) . (8) البخاري- الفتح 6 (2802) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1502 الماء بالمجنّ «1» . فلمّا رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدّم إلّا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدّم. وكسرت رباعيته يومئذ، وجرح وجهه، وكسرت البيضة «2» على رأسه» ) * «3» . 65- * (عن العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين. فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم نفارقه. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذاميّ. فلمّا التقى المسلمون والكفّار ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يركض بغلته قبل الكفّار. قال عبّاس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكفّها إرادة أن لا يسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي عبّاس ناد أصحاب السّمرة» «4» . فقال عبّاس: (وكان رجلا صيّتا) فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السّمرة؟ قال: فو الله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبّيك يا لبّيك. قال: فاقتتلوا والكفّار. والدّعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار. قال: ثمّ قصرت الدّعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج. يا بني الحارث بن الخزرج. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا حين حمي الوطيس «5» » قال: ثمّ أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصيات فرمى بهنّ وجوه الكفّار. ثمّ قال: «انهزموا، وربّ محمّد» . قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فو الله ما هو إلّا أن رماهم بحصياته. فما زلت أرى حدّهم كليلا وأمرهم مدبرا) * «6» . 66- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «جعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذّلّة والصّغار على من خالف أمري» ) * «7» . 67- * (عن بريدة عن أبيه- رضي الله عنه- قال: غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسع عشرة غزوة قاتل في ثمان منهنّ) * «8» . 68- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأله فقال: أكنتم ولّيتم يوم حنين؟ يا أبا عمارة فقال: أشهد على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ما ولّى. ولكنّه انطلق أخفّاء من النّاس وحسّر إلى هذا الحيّ من هوازن. وهم قوم رماة. فرموهم برشق من نبل. كأنّها   (1) المجن: الترس الذي يواري حامله أثناء القتال. (2) البيضة: الخوذة من المعدن يلبسها المقاتل. (3) البخاري- الفتح 7 (4075) واللفظ له. ومسلم (1790) . (4) أصحاب السمرة: هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان. ومعناه نادهم. (5) هذا حين حمى الوطيس: قيل الوطيس هو التنور المسجور. وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم. (6) مسلم (1775) . (7) البخاري- الفتح 6 (تعليقا 88) باب ما قيل في الرماح (ص 115) . ورواه أحمد بأطول من هذا، انظر تعليق الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 115- 116) . (8) مسلم (1814) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1503 رجل من جراد فانكشفوا. فأقبل القوم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته. فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: «أنا النّبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب، اللهمّ نزّل نصرك» . قال البراء: كنّا والله إذا احمرّ البأس نتّقي به، وإنّ الشّجاع منّا للّذي يحاذي به يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 69- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «والّذي نفسي بيده، لولا أنّ رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلّفوا عنّي ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلّفت عن سريّة تغدو في سبيل الله، والّذي نفسي بيده لوددت أنّي أقتل في سبيل الله، ثمّ أحيا ثمّ أقتل، ثمّ أحيا ثمّ أقتل، ثمّ أحيا ثمّ أقتل» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (جهاد الأعداء) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّ سعدا قال: «اللهمّ إنّك تعلم أنّه ليس أحد أحبّ إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذّبوا رسولك صلّى الله عليه وسلّم وأخرجوه، اللهمّ فإنّي أظنّ أنّك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم» ) * «3» . 2- * (قال مجاهد رحمه الله: قلت لابن عمر: «الغزو» ، قال: «إنّي أحبّ أن أعينك بطائفة من مالي» ، قلت: «أوسع الله عليك» ، قال: «إنّ غناك لك، وإنّي أحبّ أن يكون من مالي في هذا الوجه» ، وقال عمر: «إنّ ناسا يأخذون من هذا المال ليجاهدوا، ثمّ لا يجاهدون فمن فعله فنحن أحقّ بماله حتّى نأخذ منه ما أخذ» ) *» . 3- * (قال ابن دقيق العيد: «الجهاد أفضل الأعمال مطلقا؛ لأنّه وسيلة إلى إعلان الدّين ونشره، وإخماد الكفر ودحضه؛ ففضيلته بحسب فضيلة ذلك، والله أعلم» ) * «5» . 4- * (قال العزّ بن عبد السّلام: «إذا كانت مشقّة الغبار عاصمة من عذاب النّار فما الظّنّ بمن بذل ماله وغرّر بنفسه في قتال الكفّار» ) * «6» . 5- * (وقال نقلا عن بعض أهل العلم: «إنّ أتمّ الشّرائع وأكمل النّواميس هو الشّرع الّذي يؤمر فيه بالجهاد» ) * «7» . 6- * (وقال أيضا: «إنّما شرفت النّفقة في سبيل الله؛ لأنّها وسيلة إلى أفضل الأعمال بعد   (1) مسلم (1776) . ورجل من جراد: كأنها قطعة من جراد، وانكشفوا: انهزموا. (2) البخاري- الفتح 6 (2797) . (3) البخاري- الفتح 7 (3901) . (4) البخاري- الفتح (6/ 144) باب الجعائل والحملان في السبيل برقم (119) . (5) الفتح (6/ 8) . (6) أحكام الجهاد وفضله (68) . (7) المرجع السابق (37) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1504 الإيمان، وإذا كانت حسنة الوسيلة بسبعمائة فما الظّنّ بحسنة الجهاد في سبيل الله» ) * «1» . 7- * (وقال أيضا: «إنّما ضمن الله الرّجعة والرّضوان والغفران لمن جاهد في سبيله ابتغاء مرضاته ونصرة دينه، فإنّ الله لا يقبل من الأعمال إلّا ما أريد به وجهه» ) * «2» . 8- * (وقال: «لمّا بذل الشّهداء أنفسهم من أجل الله، أبدلهم الله حياة خيرا من حياتهم الّتي بذلوها وجعلهم جيرانه، يبيتون تحت عرشه ويسرحون من الجنّة حيث شاءوا، لمّا انقطعت آثارهم من السّروح في الدّنيا» ) * «3» . 9- * (وقال: «من سهر في سبيل الله فقد ترك غرضه من النّوم؛ طاعة لله بما يتجشّمه من خوف العدوّ؛ ولذلك حرّمت عينه على النّار» ) * «4» . 10- * (وقال: «يشرف البذل بشرف المبذول، وأفضل ما بذله الإنسان نفسه وماله، ولمّا كانت الأنفس والأموال مبذولة في الجهاد، جعل الله من بذل نفسه في أعلى رتب الطّائعين وأشرفها لشرف ما بذله، مع محو الكفر ومحق أهله وإعزاز الدّين وصون دماء المسلمين» ) * «5» . من فوائد (جهاد الأعداء) (1) الجهاد من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) هو دليل على حسن الظّنّ بالله وقوّة اليقين. (3) الجهاد لإعلاء كلمة الله فيه عزّ الإسلام والمسلمين وقمع الشّرك وأعوانه. (4) لولا الجهاد لاستفحل الشّر ولفسدت الأرض. (5) فيه تمحيص للقلوب واختبار للنّفوس. (6) الشّهداء أحياء عند ربّهم يرزقون. (7) من أسباب التّمكين في الأرض. (8) الجهاد فيه إرضاء لله وإذلال ودحر للشّيطان وأعوانه. (9) من أفضل كسب المؤمن غنائم الجهاد. (10) جهاد الأعداء والانتصار عليهم فيه شفاء لصدور المؤمنين، وإذهاب لغيظ قلوبهم. (11) به ينال العبد أعلى الجنان ويقرّب من عرش الرّبّ الرّحمن. (12) من أسمى معاني الجهاد إعلان العبوديّة لله- عزّ وجلّ- ودحض ما سواها. (13) ليس ثمّة عمل يعدل الجهاد في سبيل الله. (14) من الضّرورة بمكان أن يسأل العبد ربّه الشّهادة في سبيل الله دائما.   (1) أحكام الجهاد وفضله (61) . (2) المرجع السابق (60) . (3) المرجع السابق (84) . (4) المرجع السابق (73) . (5) المرجع السابق (54) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1505 الجود الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 14/ 16 الجود لغة: مصدر قولهم: جاد الرّجل بماله يجود جودا، وهو مأخوذ من مادّة (ج ود) الّتي تدلّ على التّسمّح بالشّيء وكثرة العطاء، يقال: رجل جواد بيّن الجود، وقوم أجواد، والجود (بفتح الجيم) المطر الغزير، وفرس جواد: يجود بمدّخر عدوه، وقيل: هو الفرس الذّريع والسّريع، والجمع جياد، قال تعالى: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (ص/ 31) ويقال: في الفرس جودة، وفي المال جود، وفي المطر جود، ويقال: شيء جيّد على (وزن) فيعل والجمع جياد، وجيائد بالهمز على غير قياس، أمّا في المطر فيقال: مطر جائد، والجمع جود مثل صاحب وصحب، وفي وصف الرّجل يقال: رجل جواد أي سخيّ، وقوم جود وأصلها جود (وسكّنت الواو لأنّها حرف علّة) وأجواد وأجاود، وجوداء وكذلك امرأة جواد ونسوة جود، مثل نوار ونور، قال أبو شهاب الهذليّ: صناع بإشفاها حصان بشكرها ... جواد بقوت البطن والعرق ذاخر والفعل من ذلك: جاد، يقال: جاد الشّيء جودة وجودة أي صار جيّدا، والجيّد (هنا) ضدّ الرّديء، وجاد الفرس أي صار رائعا، وجاد الرّجل بماله يجود جودا، وجاد عليه بماله: تكرّم، به وأجاد الرّجل إذا كان معه فرس جواد، وأجدت الشّيء فجاد، وجوّد: مثله، وربّما قالوا: أجودت الشّيء بدون إعلال، كما قالوا أطال (بالإعلال) وأطول (بالتّصحيح) ، ويقال: شاعر مجواد أي يجيد كثيرا، واستجدت الشّيء: عددته جيّدا، واستجاده طلب جوده، وجاودت الرّجل فجدته أي غلبته بالجود، ويقال جيدت الأرض: سقاها الجود، ومنه الحديث: «تركت أهل مكّة وقد جيدوا» أي مطروا مطرا جودا، وأجاده: قتله، وجاد بنفسه عند الموت يجود جودا وجئودا، قارب أن يقضي، والعرب تقول: هو يجود بنفسه معناه يسوق بنفسه من قولهم: إنّ فلانا ليجاد إلى فلان أي يساق إليه، وفي الحديث فإذا ابنه إبراهيم عليه السّلام- يجود بنفسه أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله يجود به، قال: والجود الكرم يريد أنّه كان في النّزع، وسياق الموت، والجوديّ موضع، وقيل: جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1506 وعلى نبيّنا أفضل الصّلاة والسّلام «1» . واصطلاحا: قال التّهانويّ: إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض. وقال الجرجانيّ: الجود صفة هي مبدأ إفادة ما ينبغي لا لعوض، فلو وهب واحد كتابه (لمن هو) من غير أهله أو من أهله لغرض دنيويّ أو أخرويّ لا يكون جودا «2» . وقال الزّبيديّ: الجواد، هو الّذي يعطي بلا مسألة صيانة للآخذ من ذلّ السّؤال. وقال: وما الجود من يعطي إذا ما سألته ... ولكنّ من يعطي بغير سؤال «3» وقال الكفويّ: الجود هو صفة ذاتيّة للجواد ولا يستحقّ بالاستحقاق ولا بالسّؤال «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- الإغاثة- الإنفاق- التعاون على البر والتقوى- السخاء- السماحة- الكرم- تفريج الكربات- الإيثار- المروءة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البخل- الشح الكنز- الإسراف- الأثرة] . الآيات الواردة في «الجود» انظر صفة «الكرم»   (1) مقاييس اللغة (1/ 493) ، مفردات الراغب (ص 102، 103) ، والصحاح (2/ 460) ، ولسان العرب مادة «جود» (ص 722، ط. دار المعارف) . (2) المفردات للراغب (ص 102) وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 279) والتعريفات للجرجاني (ص 84) بتصرف يسير. (3) تاج العروس، للزبيدي (4/ 403) . (4) الكليات للكفوي (ص 352) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1507 الأحاديث الواردة في (الجود) 1- * (عن عائشة رضي الله عنها- قالت: دار عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دورة، قال: «أعندك شيء؟» قالت: ليس عندي شيء. قال: «فأنا صائم» . قالت: ثمّ دار عليّ الثّانية وقد أهدي لنا حيس «1» فجئت به فأكل فعجبت منه. فقلت: يا رسول الله دخلت عليّ وأنت صائم ثمّ أكلت حيسا. قال: «نعم يا عائشة إنّما منزلة من صام في غير رمضان أو غير قضاء رمضان أو في التّطوّع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه وبخل منها بما بقي فأمسكه» ) * «2» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وكان أجود النّاس، وكان أشجع النّاس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصّوت. فتلقّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راجعا، وقد سبقهم إلى الصّوت وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السّيف، وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا «3» » ) * «4» . 3- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فلرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الرّيح المرسلة) * «5» . 4- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: «يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا. يا عبادي كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلّكم جائع إلّا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلّكم عار إلّا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومّن إلّا نفسه) * «6» . وفيه عند التّرمذيّ وغيره: «ذلك بأنّي جواد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إذا أردت شيئا فإنّما أقول له كن فيكون» ) * «7» . 5- * (عن جابر بن عبد الله قال: «ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ فقال: لا» ) * «8» .   (1) الحيس: تمر وأقط وسمن تخلط وتعجن وتسوى كالثريد. (2) مسلم (1154) . والنسائي (4/ 194) واللفظ له. (3) لم تراعوا: أي روعا مستقرّا أو روعا يضركم. (4) البخاري- الفتح 6 (2820) . ومسلم (2307) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 1 (5) واللفظ له. ومسلم (2308) . (6) مسلم (2577) . (7) الترمذي (2495) وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجة (4257) وهذا لفظه. وأحمد (5/ 145) . (8) البخاري- الفتح 10 (6034) . ومسلم (2311) واللفظ له. أحمد (3/ 307) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1508 الأحاديث الواردة في (الجود) معنى 6- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غنما بين جبلين. فأعطاه إيّاه. فأتى قومه. فقال: أي قوم. أسلموا، فو الله إنّ محمّدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر) * «1» . 7- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا» . وقال بيديه جميعا. فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يجيء مال البحرين. فقدم على أبي بكر بعده. فأمر مناديا فنادى: من كانت له على النّبيّ عدة أو دين فليأت. فقمت فقلت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو قد جاءنا مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا» . فحثى أبو بكر مرّة. ثمّ قال لي: عدّها. فعددتها فإذا هي خمسمائة. فقال: خذ مثليها) * «2» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحّى ذلك السّحاب فأفرغ ماءه في حرّة «3» فإذا شرجة من تلك الشّراج «4» قد استوعبت ذلك الماء كلّه فتتبّع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحوّل الماء بمسحاته «5» فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الّذي سمع في السّحابة، فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟ قال: إنّي سمعت صوتا في السّحاب الّذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمّا إذ قلت هذا، فإنّي أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدّق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأردّ فيها ثلثه» ) * «6» . 9- * (عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟» فقال أبو بكر- رضي الله عنه: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرّحمن فأخذتها منه فدفعتها إليه) * «7» . 10- * عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما أن نتصدّق، فوافق ذلك ما لا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أبقيت لأهلك؟» قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر- رضي الله عنه- بكلّ ما عنده، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أبقيت لأهلك؟» ، قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا) * «8» .   (1) مسلم (2312) . (2) مسلم (2314) . (3) الحرة: أرض بها حجارة سود كثيرة. (4) الشراج: مسايل الماء. (5) المسحاة: آلة يحرف بها الطين. (6) مسلم (2984) . (7) أبو داود (1670) وهذا لفظه. وقال محقق جامع الأصول (11/ 206) : حديث حسن بشواهده. (8) أبو داود (1678) وقال الألباني: حسن (1/ 315) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1509 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الجود) 11- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أنّه قال: بينما أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقفله «1» من حنين فعلقت النّاس يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة «2» فخطفت رداءه فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعطوني ردائي لو كان عدد هذه العضاه «3» نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) *» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي مجهود «5» فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والّذي بعثك بالحقّ ما عندي إلّا ماء. ثمّ أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك. حتّى قلن كلّهنّ مثل ذلك: لا. والّذي بعثك بالحقّ ما عندي إلّا ماء. فقال: «من يضيف هذا اللّيلة، رحمه الله» ، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا، يا رسول الله فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا. إلّا قوت صبياني. قال: فعلّليهم بشيء. فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السّراج وأريه أنّا نأكل. فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السّراج حتّى تطفئيه. قال: فقعدوا وأكل الضّيف. فلمّا أصبح غدا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما اللّيلة» ) * «6» . 13- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «7» فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «8» . فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت في بطني «9» وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم ثمّ أتى المسجد   (1) مقفله: جأي حين قفل عائدا إلى مكة. (2) سمرة: أي ألجأوه إلى شجرة من شجر البادية ذات شوك. (3) العضاه: هو شجر ذو شوك. (4) البخاري- الفتح 6 (2821) . (5) إني مجهود: أي أصابني الجهد وهو المشقة والحاجة وسوء العيش والجوع. (6) البخاري- الفتح 7 (3798) . ومسلم (2054) واللفظ له. (7) الجهد: بفتح الجيم هو الجوع والمشقة. (8) الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها. (9) وغلت في بطني: أي دخلت وتمكنت منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1510 فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال «اللهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني» قال فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «1» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ. فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة. فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» قال: قلت يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فقلت يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك يا مقداد» «2» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ما هذه إلّا رحمة من الله «3» . أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من النّاس) * «4» . 14- * (عن ابن شهاب- رضي الله عنه- قال: غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة الفتح، فتح مكّة. ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن معه من المسلمين. فاقتتلوا بحنين. فنصر الله دينه والمسلمين. وأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ صفوان بن أميّة مائة من النّعم. ثمّ مائة. ثمّ مائة. قال ابن شهاب: حدّثني سعيد بن المسيّب: أنّ صفوان قال: والله! لقد أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أعطاني، وإنّه لأبغض النّاس إليّ. فما برح يعطيني حتّى إنّه لأحبّ النّاس إليّ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الجود) 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «لمّا مات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرميّ. فقال أبو بكر: «من كان له على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دين، أو كانت له قبله عدة، فليأتنا» ) * «6» . 2- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «ما احتذى البغال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الكور من رجل بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفضل من جعفر بن أبي طالب في الجود والكرم» ) * «7» . 3- * (قال عبد الله بن جعفر لرجل قال له: تماكس في درهم وأنت تجود من المال بكذا وكذا؟ فقال: «ذاك مالي جدت به، وهذا عقلي بخلت به» ) * «8» . 4- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى: «بذل المجهود في بذل الموجود منتهى الجود» ) * «9» .   (1) حافلة: أي ممتلئ ضرعها باللبن. (2) إحدى سوءاتك: أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي؟. (3) ما هذه إلا رحمة من الله: يشير صلّى الله عليه وسلّم إلى إحداث اللبن في غير حينه. (4) مسلم (2055) . (5) مسلم (2313) . (6) أحمد (2/ 413- 414) . (7) المقاصد الحسنة للسخاوي (292) . (8) الإحياء (3/ 247) . (9) الإحياء (3/ 724) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1511 5- * (عن محمّد بن الحسن قال: قال مالك ابن دينار- رحمهم الله تعالى-: «المؤمن كريم في كلّ حالة لا يحبّ أن يؤذي جاره، ولا يفتقر أحد من أقربائه، قال: ثمّ يبكي مالك وهو يقول: وهو مع ذلك غنيّ القلب لا يملك من الدّنيا شيئا، إن أزلّته عن دينه لم يزلّ، وإن خدعته عن ماله انخدع، لا يرى الدّنيا من الآخرة عوضا، ولا يرى البخل من الجود حظّا، منكسر القلب ذو هموم قد تفرّد بها، مكتئب حزين ليس له في فرح الدّنيا نصيب، إن أتاه منها شيء فرّقه وإن زوي عنه كلّ شيء فيها لم يطلبه ويبكي ويقول: هذا والله الكرم، هذا والله الكرم» ) * «1» . 6- * (قال جعفر الصّادق- رحمه الله تعالى-: «لا مال أعون من العقل، ولا مصيبة أعظم من الجهل، ولا مظاهرة كالمشاورة، ألا وإنّ الله- عزّ وجلّ- يقول: إنّي جواد كريم لا يجاورني لئيم. واللّؤم من الكفر وأهل الكفر في النّار، والجود والكرم من الإيمان وأهل الإيمان في الجنّة» ) * «2» . 7- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: على المقلّين من أهل المروءات ... إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات) * «3» . 8- * (قال أبو محمّد إسحاق الموصلّي- رحمه الله تعالى-: وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إلى ما تأمرين سبيل أرى النّاس خلّان الجواد ولا أرى ... بخيلا له في العالمين خليل وإنّي رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئا أن يكون نبيل عطائي عطاء المكثرين تكرّما ... ومالي كما قد تعلمين قليل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جليل) * «4» . 9- * (قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى-: «الجواد من قام بواجب الشّرع (الزّكاة والنّفقة على العيال) ولازم المروءة (ترك المضايقة، والاستقصاء عن المحقّرات) ويبذل زيادة على ذلك) » * «5» . 10- * (قال ابن منظور في لسان العرب: «أجود العرب مذكورون، فأجواد أهل الكوفة همّ: عكرمة بن ربعيّ وأسماء بن خارجة وعتّاب بن ورقاء الرّياحيّ. وأجواد أهل البصرة: عبيد الله بن أبي بكرة ويكنّى أبا حاتم وعمرو بن عبد الله بن معمر التّيميّ وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعيّ وهؤلاء أجود من   (1) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (54 (ت. محمد عبد القادر عطا. (ط. أولى) . (2) الإحياء (3/ 246) . (3) المرجع السابق (3/ 251) . (4) وفيات الأعيان (1/ 204) والبيتان الأخيران ذكرهما الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء (11/ 121) . وذكر أنّه لمّا أنشدهما الرشيد أمر له بمائة ألف درهم. (5) مختصر منهاج القاصدين (207) بتصرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1512 أجواد الكوفة. وأجواد أهل الحجاز: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبيد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب، وهما أجود من أجواد أهل البصرة، فهؤلاء الأجواد المشهورون، وأجواد النّاس بعد ذلك كثير» ) * «1» . 11- * (قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: «الجود بالنّفس أقصى غاية الجود» ) * «2» . 12- * (قال بعض الشّعراء: لا تجد بالعطاء في غير حقّ ... ليس في منع غير ذي الحقّ بخل إنّما الجود أن تجود على من ... هو للجود والنّدى منك أهل) * «3» . 13- * (وقال بعضهم: جود الرّجل يحبّبه إلى أضداده، وبخله يبغّضه إلى أولاده) * «4» . 14- * (وقال شاعر: وقال رسول الله والحقّ قوله ... لمن قال منّا من تسمّون سيّدا فقالوا الجدّ بن قيس على تلك الّتي ... نبخّله فيها وإن كان أسودا فتى ما تخطّى خطوة لدنيّة ... ولا مدّ في يوم إلى سوأة يدا فسوّد عمرو بن الجموح بجوده ... وحقّ لعمرو بالنّدى أن يسوّدا) * «5» . 15- * (قال عنترة العبسيّ: ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتّى أنال به كريم المأكل «6» 16- * (وقال حاتم الطّائيّ- يخاطب امرأته (نوار) -: مهلا نوار أقلّي اللّوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا ولا تقولي لمال كنت مهلكه ... مهلا سأعطي الأنام الأنس والخبلا يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إنّ الجواد يرى في ماله سبلا) * «7» .) من فوائد (الجود) (1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) دليل حسن الظّنّ بالله تعالى. (3) حبّ النّاس له وقربهم منه. (4) رفعة مكانته في الآخرة وحبّ المولى له. (5) قليل أعداؤه وحسّاده. (6) حسن ثناء النّاس عليه.   (1) لسان العرب (3/ 136) . (2) الموافقات (2/ 248) . (3) أدب الدنيا والدين (224) . (4) المرجع السابق (226) . (5) المنتقى من مكارم الأخلاق ومعاليها، للخرائطي (138) . (6) المرجع السابق (143) . وفيه: قال حاتم الطائي، والصواب ما أثبتناه. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1513 [ حرف الحاء ] الحجاب الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 13/ 13 الحجاب لغة: لفظ الحجاب يستعمل في اللّغة مرادا به أحد أمرين: الأوّل أن يكون مصدرا، ومعناه حينئذ المنع ويرادفه الحجب، يقال: حجب الشّيء يحجّبه حجبا وحجابا منعه، يقول ابن فارس: الحاء والجيم والباء أصل واحد وهو المنع، يقال حجبته عن كذا أي منعته. وقال الرّاغب: الحجب والحجاب: المنع من الوصول. الآخر أن يكون اسما، ويراد به: السّتر أو السّاتر، قال في الصّحاح: الحجاب: السّتر وحجاب الجوف: ما يحتجب بين الفؤاد وسائره «1» (أي الجوف) والحاجبان: العظمان فوق العينين بالشّعر واللّحم، وهذا على التّشبيه كأنّهما تحجبان شيئا يصل إلى العينين، والحاجب: المانع عن السّلطان، قال الجوهريّ: حاجب العين جمعه حواجب وحاجب الأمير (أو السّلطان) جمعه: حجّاب، وحواجب الشّمس نواحيها وذلك على التّشبيه بحواجب الإنسان، والحجبة رأس الورك، وهذا على التّشبيه أيضا لإشرافها عليه. ويقال: احتجب الملك عن النّاس (في معنى امتنع) ، واستحجبه ولّاه الحجابة (أي جعله حاجبا له) ، ويقال: قد احتجب وتحجّب إذا اكتنّ من وراء حجاب. وامرأة محجوبة: قد سترت بستر. والحجاب: اسم ما احتجب به، وكلّ ما حال بين شيئين: حجاب، والجمع حجب لا غير. وقوله تعالى: وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ معناه: ومن بيننا وبينك حاجز في النّحلة والدّين. وفي حديث أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يغفر للعبد ما لم يقع الحجاب» قيل: يا رسول الله، وما الحجاب؟ قال: «أن تموت النّفس، وهي مشركة، كأنّها حجبت بالموت عن الإيمان» . وقال ابن شميل في حديث ابن مسعود: من اطّلع الحجاب واقع ما وراءه، أي إذا مات الإنسان واقع ما وراء الحجابين: حجاب الجنّة وحجاب النّار لأنّهما قد خفيا. وقيل اطّلاع الحجاب: مدّ الرّأس لأنّ المطالع يمدّ رأسه ينظر من وراء الحجاب وهو السّتر «2» .   (1) هذه عبارة الصحاح (1/ 107) وأوضح منها عبارة ابن فارس في المقاييس (2/ 143) «وحجاب الجوف: ما يحجب بين الفؤاد وسائر الجوف» . (2) لسان العرب 1 (/ 298- 300) . مختصرا ومختار الصحاح (1/ 112) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1514 واصطلاحا: قال الكفويّ: الحجاب: كلّ ما يستر المطلوب، ويمنع من الوصول إليه فهو حجاب، كالسّتر والبوّاب والجسم والعجز والمعصية «1» . والحجاب المقصود من أمر الله ورسوله ستر الوجه وسائر البدن سترا كاملا بحيث لا يبين منه شيء «2» . وقال الشّيخ عبد الرّحمن ناصر بن السّعديّ في قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ (النور/ 31) . وهذا لكمال الاستتار، ويدلّ ذلك على أنّ الزّينة الّتي يحرم إبداؤها يدخل فيها جميع البدن. وذلك كما في قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ* كالثّياب الجميلة، وجميع البدن كلّه من الزّينة «3» . من معاني كلمة الحجاب في القرآن الكريم: ذكر أهل التّفسير أنّ الحجاب في القرآن على أوجه، منها: أحدها: السّور، ومنه قوله تعالى في الأعراف: وَبَيْنَهُما حِجابٌ (آية/ 46) . الثّاني: السّتر، ومنه قوله تعالى في «مريم» : فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً (آية/ 17) . وفي الأحزاب: فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ (آية/ 53) ، وهو السّتر الشّرعيّ. الثّالث: الجبل، ومنه قوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ذكره ابن الأثير في النّهاية» . الرّابع: المنع، ومنه قوله تعالى في المطفّفين: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (آية/ 15) «5» . زينة المرأة وحجابها: قال ابن مسعود- رضي الله عنه- الزّينة زينتان: زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلّا الزّوج. فأمّا الزّينة الظّاهرة: فالثّياب، وأمّا الزّينة الباطنة: فالكحل والسّوار والخاتم «6» . قال الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ- رحمه الله: أظهر القولين عندي قول ابن مسعود- رضي الله عنه-: إنّ الزّينة الظّاهرة: هي ما لا يستلزم النّظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبيّة، وإنّما قلنا هذا القول هو الأظهر؛ لأنّه هو الأحوط، وأبعدها عن أسباب الفتنة وأطهرها لقلوب الرّجال والنّساء، ولا يخفى أنّ وجه المرأة هو أصل جمالها، ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها- كما هو معلوم- والجاري على قواعد الشّرع الكريم هو تمام المحافظة والابتعاد عن الوقوع فيما لا ينبغي. وقال أيضا: فقد أوضحنا أنّ المراد بها (آية الحجاب) يدخل فيه ستر الوجه وتغطيته عن الرّجال،   (1) الكليات، للكفوي (360) . (2) الحجاب والسفور (146) . (3) تفسير الكريم المنان (5/ 201، 202) . (4) النهاية، لابن الأثير (1/ 340) . (5) نزهة الأعين النواظر (246) . وانظر بصائر ذوي التمييز: (2/ 433) . (6) أضواء البيان (6/ 195) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1515 وأنّ ستر المرأة وجهها عمل بالقرآن كما قالته عائشة- رضي الله عنها- «1» . قال ابن تيمية: وقوله: أَوْ نِسائِهِنَّ قالوا: احتراز عن النّساء المشركات، فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة ولا تدخل المشركة معهنّ الحمّام. وليس للذّمّيّات أن يطّلعن على الزّينة الباطنة، ويكون الظّهور والبطون بحسب ما يجوز لها إظهاره. ولهذا كان أقاربها تبدي لهنّ الباطنة، وللزّوج خاصّة ما ليس للأقارب «2» . وقد نصّ شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- على وجوب احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب فقال في الفتاوى المطبوعة أخيرا (ص 110 ج 2 من الفقه و22 من المجموع) : «وحقيقة الأمر أنّ الله جعل الزّينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة، ويجوز لها إبداء زينتها الظّاهرة لغير الزّوج وذوي المحارم وكانوا قبل أن تنزّل آية الحجاب كان النّساء يخرجن بلا جلباب يرى الرّجل وجهها ويديها، وكانت إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفّين وكان حينئذ يجوز النّظر إليها؛ لأنّه يجوز لها إظهاره ثمّ لمّا أنزل الله آية الحجاب بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (الأحزاب/ 59) حجب النّساء عن الرّجال ثمّ قال: والجلباب هو الملاءة وهو الّذي يسمّيه ابن مسعود وغيره الرّداء وتسمّيه العامّة الإزار، وهو الإزار الكبير الّذي يغطّي رأسها وسائر بدنها ثمّ قال فإذا كنّ مأمورات بالجلباب؛ لئلّا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنّقاب كان الوجه واليدان من الزّينة الّتي أمرت أن لا تظهرها للأجانب، فما بقي يحلّ للأجانب النّظر أي إلى الثّياب الظّاهرة «3» . أدلة وجوب الحجاب: وقد ساق الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ أدلّة وجوب الحجاب من الكتاب والسّنّة على النّحو التّالي: 1- قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ: أنّهنّ يسترن بها جميع وجوههنّ، ولا يظهر منهنّ شيء إلّا عين واحدة تبصر بها، وممّن قال به ابن مسعود، وابن عبّاس، وعبيدة السّلمانيّ وغيرهم. 2- قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها، من أنّ استقراء القرآن يدلّ على أنّ معنى إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها الملاءة فوق الثّياب، وأنّه لا يصحّ تفسير إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها بالوجه والكّفين. وأنّ عامّة المفسّرين من الصّحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأنّ نساء أهل المدينة كنّ يخرجن باللّيل لقضاء حاجتهنّ خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون   (1) أضواء البيان (6/ 200) . (2) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (119) . (3) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (98- 99) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1516 للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زيّ ليس متميّزا عن زيّ الإماء، فيتعرّض لهنّ أولئك الفسّاق بالأذى ظنّا منهم أنّهنّ إماء. فأمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيّهنّ عن زيّ الإماء وذلك بأن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ، فإذا فعلن ذلك ورآهنّ الفسّاق، علموا أنّهنّ حرائر، ومعرفتهم بأنّهنّ حرائر لا إماء هو معنى قوله- عزّ وجلّ-: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فهي معرفة بالصّفة لا بالشّخص. وهذا التّفسير منسجم مع ظاهر القرآن- كما ترى-. وفي الجملة: فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زيّ الإماء ليهابهنّ الفسّاق، ودفع ضرر الفسّاق عن الإماء لازم، وله أسباب أخر ليس منها إدناء الجلابيب «1» . وقال أيضا: وإذا علمت أنّ حكم آية الحجاب عامّ، وأنّ ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدّلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرّجال الأجانب، علمت أنّ القرآن دلّ على الحجاب، ولو فرضنا أنّ آية الحجاب خاصّة بأزواجه صلّى الله عليه وسلّم فلا شكّ أنّهنّ خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطّهارة التّامّة وعدم التّدنّس بأنجاس الرّيبة، فمن يحاول منع نساء المسلمين- كالدّعاة للسّفور والتبرّج والاختلاط اليوم- من الاقتداء بهنّ في هذا الأدب السّماويّ الكريم المتضمّن سلامة العرض والطّهارة من دنس الرّيبة غاشّ لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم مريض القلب- كما ترى- واعلم أنّه مع دلالة القرآن على وجوب احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب، قد دلّت على ذلك أيضا أحاديث نبويّة. 3- فمن ذلك ما أخرجه الشّيخان في صحيحيهما وغيرهما من حديث عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والدّخول على النّساء» . فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» أخرج البخاريّ هذا الحديث في كتاب النّكاح في باب: لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا ذو محرم ... إلخ. ومسلم في كتاب السّلام في باب: تحريم الخلوة بالأجنبيّة والدّخول عليها، فهذا الحديث الصّحيح صرّح فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّحذير الشّديد من الدّخول على النّساء، فهو دليل واضح على منع الدّخول عليهنّ، وسؤالهنّ متاعا إلّا من وراء حجاب؛ لأنّ من سألها متاعا لا من وراء حجاب، فقد دخل عليها، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حذّره من الدّخول عليها، ولمّا سأله الأنصاريّ عن الحمو الّذي هو قريب الزّوج الّذي ليس محرما لزوجته كأخيه وابن أخيه وعمّه وابن عمّه ونحو ذلك. قال له صلّى الله عليه وسلّم: الحمو الموت، فسمّى صلّى الله عليه وسلّم دخول قريب الرّجل على امرأته وهو غير محرم لها باسم الموت، ولا شكّ أنّ تلك العبارة هي أبلغ عبارات التّحذير؛ لأنّ الموت هو أفظع حادث يأتي   (1) أضواء البيان (6/ 586- 588) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1517 على الإنسان في الدّنيا. فتحذيره صلّى الله عليه وسلّم هذا التّحذير البالغ من دخول الرّجال على النّساء، وتعبيره عن دخول القريب على زوجة قريبه باسم الموت، دليل صحيح نبويّ على أنّ قوله تعالى: فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ عامّ في جميع النّساء- كما ترى-. إذ لو كان حكمه خاصّا بأزواجه صلّى الله عليه وسلّم، لما حذّر الرّجال هذا التّحذير البالغ العامّ من الدّخول على النّساء، وظاهر الحديث التّحذير من الدّخول عليهنّ ولو لم تحصل الخلوة بينهما، وهو كذلك، فالدّخول عليهنّ، والخلوة بهنّ كلاهما محرّم تحريما شديدا بانفراده، كما قدّمنا أنّ مسلما (رحمه الله) أخرج هذا الحديث في باب تحريم الخلوة بالأجنبيّة والدّخول عليها فدلّ على أنّ كليهما حرام. وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث المذكور: إيّاكم والدّخول، بالنّصب على التّحذير، وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرّز عنه- كما قيل: إيّاك والأسد. وتقدير الكلام اتّقوا أنفسكم أن تدخلوا على النّساء، وتضمّن منع الدّخول منع الخلوة بها بطريق الأولى. 4- * وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: (يرحم الله نساء المهاجرات الأوّل، لمّا أنزل الله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهنّ فاختمرن بها) «1» . وعن صفيّة بنت شيبة: (أنّ عائشة- رضي الله عنها- كانت تقول: لمّا نزلت هذه الآية وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ أخذن أزرهنّ فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها. انتهى من صحيح البخاريّ «2» . قال ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث: قوله: فاختمرن: أي غطّين وجوههنّ، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التّقنّع. قال الفرّاء: كانوا في الجاهليّة تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدّامها فأمرن بالاستتار «3» . انتهى محلّ الغرض من فتح الباري. وهذا الحديث الصّحيح صريح في أنّ النّساء الصّحابيّات المذكورات فيه فهمن أنّ معنى قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ يقتضي ستر وجوههنّ، وأنّهنّ شققن أزرهنّ، فاختمرن أي سترن وجوههنّ بها امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ المقتضي ستر وجوههنّ، وبهذا يتحقّق المنصف: أنّ احتجاب المرأة عن الرّجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السّنّة الصّحيحة المفسّرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة- رضي الله عنها- على تلك النّساء بمسارعتهنّ لامتثال أوامر الله في كتابه. ومعلوم   (1) البخاري- الفتح 8 (4758- 4759) . والمروط: جمع مرط، وهو الإزار. (2) البخاري- الفتح 8 (4759) . (3) معاني القرآن للفراء (2/ 249) باختلاف في لفظه، وينظر فتح الباري (8/ 347) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1518 أنّهنّ ما فهمن ستر الوجوه من قوله: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ إلّا من النّبيّ؛ لأنّه موجود وهنّ يسألنه عن كلّ ما أشكل عليهنّ في دينهنّ، والله- جلّ وعلا- يقول: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل/ 44) . فلا يمكن أن يفسّرنها من تلقاء أنفسهنّ. وقال ابن حجر في فتح الباري: ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفيّة ما يوضّح ذلك، ولفظه: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهنّ فقالت: إنّ لنساء قريش فضلا، ولكن والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقا بكتاب الله، ولا إيمانا بالتّنزيل، لقد أنزلت سورة النّور وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ فانقلب رجالهنّ إليهنّ يتلون عليهنّ ما أنزل فيها، ما منهنّ امرأة إلّا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلّين الصّبح معتجرات كأنّ على رءوسهنّ الغربان. انتهى محلّ الغرض من فتح الباري، ومعنى معتجرات: مختمرات كما جاء موضّحا في رواية البخاريّ المذكورة آنفا. فترى عائشة- رضي الله عنها- مع علمها، وفهمها وتقاها أثنت عليهنّ هذا الثّناء العظيم، وصرّحت بأنّها ما رأت أشدّ منهنّ تصديقا بكتاب الله، ولا إيمانا بالتّنزيل. وهو دليل واضح على أنّ فهمهنّ لزوم ستر الوجوه من قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ من تصديقهنّ بكتاب الله وإيمانهنّ بتنزيله، وهو صريح في أنّ احتجاب النّساء عن الرّجال وسترهنّ وجوههنّ تصديق بكتاب الله وإيمان بتنزيله كما ترى، فالعجب كلّ العجب ممّن يدّعي من المنتسبين للعلم أنّه لم يرد في الكتاب ولا في السّنّة، ما يدلّ على ستر المرأة وجهها عن الأجانب، مع أنّ الصّحابيّات فعلن ذلك ممتثلات أمر الله في كتابه إيمانا بتنزيله، ومعنى هذا ثابت في الصّحيح كما تقدّم عن البخاريّ، وهذا أعظم الأدلّة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما ترى «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- غض البصر- الحياء- العفة- حسن السمت- حفظ الفرج- الستر- الغيرة- المروءة- التقوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التبرج- إطلاق البصر- اتباع الهوى- الزنا- الفتنة- انتهاك الحرمات- التفريط والإفراط- العصيان] .   (1) أضواء البيان (6/ 592- 595) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1519 الآيات الواردة في «الحجاب» 1- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) «1» 2- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «3» 4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «4»   (1) مريم: 16- 21 مكية (2) النور: 30- 31 مدنية (3) الأحزاب: 53 مدنية (4) الأحزاب: 59 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1520 الايات الواردة في «الحجاب لفظا» ولها معنى آخر 5- * وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) «1» 6- وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) «2»   (1) الشورى: 51 مكية (2) المطففين: 10- 15 مكية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1521 الأحاديث الواردة في (الحجاب) 1- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: استأذن عمر بن الخطّاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نساء من قريش يكلّمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهنّ، فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عمر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنّك يا رسول الله، قال: «عجبت من هؤلاء اللّائي كنّ عندي، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» . قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحقّ أن يهبن. ثمّ قال: أي عدوّات أنفسهنّ، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلن: نعم، أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، ما لقيك الشّيطان قطّ سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «1» . 2- * (عن عروة أنّ عائشة- رضي الله عنها- أخبرته، أنّه جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها. بعد ما نزل الحجاب. وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرّضاعة. قالت عائشة فقلت: والله لا آذن لأفلح، حتّى أستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّ أبا القعيس ليس هو أرضعني. ولكن أرضعتني امرأته، قالت عائشة: فلمّا دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: يا رسول الله، إنّ أفلح أخا أبي القعيس جاءني يستأذن عليّ. فكرهت أن آذن له حتّى أستأذنك. قالت: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ائذني له» قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرّموا من الرّضاعة ما تحرّمون من النّسب) * «2» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان عتبة بن أبي وقّاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقّاص أن يقبض إليه ابن وليدة زمعة. قال عتبة: إنّه ابني. فلمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الفتح أخذ سعد ابن وليدة زمعة فأقبل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقبل معه بعبد بن زمعة. فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي، عهد إليّ أنّه ابنه. فقال عبد بن زمعة: يا رسول الله هذا أخي، ابن وليدة زمعة، ولد على فراشه. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى ابن وليدة زمعة فإذا هو أشبه النّاس به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هو لك يا عبد بن زمعة، من أجل أنّه ولد على فراش أبيه» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجبي منه يا سودة بنت زمعة» . ممّا رأى من شبهه بعتبة. وكانت سودة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كنت ردف أبي طلحة يوم خيبر. وقدمي تمسّ قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فأتيناهم حين بزغت الشّمس «4» . وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفئوسهم ومكاتلهم ومرورهم «5» . فقالوا: محمّد، والخميس. قال: وقال   (1) البخاري- الفتح 7 (3294) واللفظ له. ومسلم (2396) . (2) مسلم (1445) . (3) البخاري- الفتح 5 (2533) . (4) حين بزغت الشمس: معناه عند ابتداء طلوعها. (5) وخرجوا بفؤوسهم ومكاتلهم ومرورهم: أما الفؤوس فجمع فأس، وهو الذي يشق به الحطب. والمكاتل جمع مكتل وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1522 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خربت خيبر إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» قال: وهزمهم الله- عزّ وجلّ-. ووقعت في سهم دحية جارية جميلة. فاشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبعة أرؤس. ثمّ دفعها إلى أمّ سليم تصنّعها «1» له وتهيّؤها. قال:- وأحسبه قال-: وتعتدّ في بيتها «2» وهي صفيّة بنت حييّ، قال: وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليمتها التّمر والأقط والسّمن، فحصت الأرض أفاحيص «3» ، وجيء بالأنطاع، فوضعت فيها. وجيء بالأقط والسّمن فشبع النّاس، قال: وقال النّاس: لا ندري أتزوّجها أم اتّخذها أمّ ولد. قالوا: إن حجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أمّ ولد. فلمّا أراد أن يركب حجبها، فقعدت على عجز البعير «4» فعرفوا أنّه قد تزوّجها. فلمّا دنوا من المدينة دفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ودفعنا، قال: فعثرت النّاقة العضباء «5» وندر «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وندرت فقام فسترها. وقد أشرفت النّساء. فقلن: أبعد الله اليهوديّة. قال قلت: يا أبا حمزة أوقع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: إي، والله لقد وقع) * «7» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كنّ يخرجن باللّيل إذا تبرّزن إلى المناصع- وهو صعيد أفيح- فكان عمر يقول للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: احجب نساءك. فلم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل. فخرجت سودة بنت زمعة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة من اللّيالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة. حرصا على أن ينزل الحجاب. فأنزل الله آية الحجاب) * «8» . 6- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لمّا انقضت عدّة زينب «9» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لزيد «10» : «فاذكرها عليّ «11» » قال: فانطلق زيد حتّى أتاها   القفة والزنبيل. والمرور جمع مر، بفتح الميم، وهو معروف نحو المجرفة. وأكبر منها. يقال لها: المساحي. هذا هو الصحيح في معناه. وحكى القاضي قولين: أحدهما هذا. والثاني أن المراد بالمرور هنا، الحبال. كانوا يصعدون بها إلى النخيل. قال: واحده مر، بفتح الميم وكسرها، لأنه يمر حين يفتل. (1) تصنعها: أي لتحسن القيام بها وتزينها له عليه الصلاة والسلام. (2) تعتد في بيتها: أي تستبرئ؛ فإنها كانت مسبية يجب استبراؤها. وجعلها في مدة الاستبراء في بيت أم سليم. فلما انقضى الاستبراء جهزتها أم سليم وهيأتها. أي زينتها وجملتها على عادة العروس. (3) فحصت الأرض أفاحيص: أي كشف التراب من أعلاها وحفرت شيئا يسيرا لتجعل الأنطاع في المحفور ويصب فيها السمن، فيثبت ولا يخرج من جوانبها. وأصل الفحص الكشف. والأفاحيص: جمع أفحوص. (4) عجز البعير: عجز كل شيء مؤخره. (5) فعثرت الناقة العضباء: أي كبت وتعست. والعضباء هو لقب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم. (6) وندر ... وندرت: أي سقط. وأصل الندور الخروج والانفراد. ومنه كلمة نادرة، أي فريدة النظائر. (7) البخاري- الفتح 9 (5159) . ومسلم (1365) كتاب النكاح (ص 1045) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 1 (146) واللفظ له. ومسلم (2170) . ومناصع: جمع منصع، وهي أماكن معروفه من ناحية البقيع، والأفيح: المتسع. (9) لما انقضت عدة زينب: هي زينب بنت جحش التى زوجها الله سبحانه بنبيه لمصلحة تشريع. (10) لزيد: هو زيد بن حارثة الذي سماه الله سبحانه في تلك السورة من كتابه. (11) فاذكرها علي: أي فاخطبها لي من نفسها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1523 وهي تخمّر عجينها «1» قال: فلمّا رأيتها عظمت في صدري «2» حتّى ما أستطيع أن أنظر إليها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكرها، فولّيتها ظهري ونكصت على عقبي، فقلت: يا زينب أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتّى أوامر ربّي. فقامت إلى مسجدها «3» ونزل القرآن «4» . وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليها بغير إذن. قال فقال: ولقد رأيتنا «5» أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطعمنا الخبز واللّحم حين امتدّ النّهار «6» . فخرج النّاس وبقي رجال يتحدّثون في البيت بعد الطّعام. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واتّبعته. فجعل يتتبّع حجر نسائه يسلّم عليهنّ. ويقلن: يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ قال: فما أدري أنا أخبرته أنّ القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال: فانطلق حتّى دخل البيت. فذهبت أدخل معه فألقى السّتر بيني وبينه. ونزل الحجاب. قال: ووعظ القوم بما وعظوا به. زاد ابن رافع في حديثه: لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلّا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه «7» ؛ إلى قوله: والله لا يستحيي من الحقّ» ) * «8» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال عمر: وافقت الله في ثلاث أو وافقني ربّي في ثلاث قلت: يا رسول الله، لو اتّخذت مقام إبراهيم مصلّى. وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. قال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض نسائه. فدخلت عليهنّ قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدّلنّ الله رسوله خيرا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه قالت: يا عمر، أما في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يعظ نساءه حتّى تعظهنّ أنت؟ فأنزل الله عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ ... الاية) * «9» .   (1) تخمر عجينها: أي تجعل في عجينها الخمير. قال المجد: وتخمير العجين تركه ليجود. (2) فلما رأيتها عظمت في صدري ... : معناه أنه هابها واستجلها من أجل إرادة النبي صلّى الله عليه وسلّم تزوّجها. فعاملها معاملة من تزوجها صلّى الله عليه وسلّم، في الإعظام والإجلال والمهابة. وقوله: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. هو بفتح الهمزة من أن: أي من أجل ذلك. وقوله: نكصت: أي رجعت. وكان جاء إليها ليخطبها وهو ينظر إليها، على ما كان من عادتهم. وهذا قبل نزول الحجاب. فلما غلب عليه الإجلال تأخر. وخطبها وظهره إليها، لئلا يسبقه النظر إليها. (3) إلى مسجدها: أي موضع صلاتها من بيتها. (4) ونزل القرآن: يعني نزل قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (الأحزاب/ 36) فدخل عليها بغير إذن، لأن الله تعالى زوجها إياه بهذه الاية. (5) ولقد رأيتنا أي رأيت أنفسنا. (6) حين امتد النهار: أي ارتفع. هكذا هو في النسخ: حين، بالنون. (7) غير ناظرين إناه: أي غير منتظرين لإدراكه. والإنى كإلى، مصدر أنى يأني، إذا أدرك ونضج، ويقال: بلغ هذا إناه أي غايته. ومنه: حميم آن وعين آنية. وبابه رمى. ويقال: أنى يأنى أيضا: إذا دنا وقرب. ومنه: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) وقد يستعمل على القلب فيقال: آن يئين أينا فهو آين. (8) البخاري الفتح 8 (4793) . ومسلم (1428) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 8 (4483) وهذا لفظه. ومسلم (2399) مختصرا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1524 الأحاديث الواردة في (الحجاب) معنى 8- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها» ) * «1» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان الرّكبان يمرّون بنا ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه» ) * «2» . 10- * (عن حفصة- رضي الله عنها- قالت: كنّا نمنع عواتقنا «3» أن يخرجن في العيدين، فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدّثت عن أختها وكان زوج أختها غزا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثنتي عشرة، وكانت أختي معه في ستّ، قالت: كنّا نداوي الكلمى «4» ، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: «لتلبسها صاحبتها من جلبابها «5» ، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين» . فلمّا قدمت أمّ عطيّة سألتها: أسمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: بأبي نعم. وكانت لا تذكره إلّا قالت: بأبي سمعته يقول: «تخرج العواتق وذوات الخدور. أو العواتق ذوات الخدور- والحيّض، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيّض المصلّى» . قالت حفصة: «فقلت: الحيّض؟» فقالت: أليس تشهد عرفة وكذا وكذا) * «6» . 11- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشّيطان» ) * «7» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- كانت تقول: «لمّا نزلت هذه الآية وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ (النور/ 31) أخذن أزرهنّ فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها» ) * «8» .   (1) أبو داود (570) وقال الألباني في صحيح أبي داود (1/ 114) : صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 200) : إسناده حسن. (2) أبو داود (1833) وقال محقق جامع الأصول: (3/ 31) في سنده يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي الكوفي وهو ضعيف ولكن يشهد له حديث أسماء وهو ما روته فاطمة بنت المنذر قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر. وقال عنه: إسناده صحيح. (3) العواتق: جمع عاتق: من بلغت الحلم، أو قاربت، أو استحقت التزويج. (4) الكلمى: جمع كليم وهو الجريح. (5) قوله: من جلبابها: قيل المراد به الجنس، أي تعيرها من ثيابها مالا تحتاج إليه. وقيل: المراد تشركها معها في لبس الثوب الذي عليها، وهذا ينبني على تفسير الجلباب وهو بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف قيل هو المقنعة أو الخمار أو أعرض منه، وقيل الثوب الواسع يكون دون الرداء، وقيل الازار، وقيل الملحفة، وقيل الملاءة، وقيل القميص. أ. هـ، الفتح (1/ 505، 506) . (6) البخاري- الفتح 1 (324) واللفظ له. ومسلم 2 (890) . (7) الترمذي (1173) وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (6/ 665) : إسناده حسن. ومعنى استشرفها: تطلّع إليها وتعرّض لها. (8) البخاري- الفتح 8 (4759) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1525 وفي لفظ آخر: عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لمّا أنزل الله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهنّ فاختمرن بها» ) * «1» . 13- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» ، فقالت أمّ سلمة: فكيف يصنع النّساء بذيولهنّ؟ قال: «يرخين شبرا» ، فقالت: إذا تنكشف أقدامهنّ، قال: «فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحجاب) 1- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إنّما النّساء عورة وإنّ المرأة لتخرج من بيتها وما بها من بأس فيستشرفها الشّيطان، فيقول: إنّك لا تمرّين بأحد إلّا أعجبته. وإنّ المرأة لتلبس ثيابها فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضا أو أشهد جنازة أو أصلّي في مسجد، وما عبدت امرأة ربّها، مثل أن تعبده في بيتها» ) * «3» . 2- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما قالت: «كنّا نغطّي وجوهنا من الرّجال وكنّا نمتشط قبل ذلك في الإحرام» ) * «4» . 3- * (حدّثتنا صفيّة بنت شيبة قالت: قالت عائشة- رضي الله عنها-: «يا رسول الله أيرجع النّاس بأجرين وأرجع بأجر؟ فأمر عبد الرّحمن بن أبي بكر أن ينطلق بها إلى التّنعيم «5» قالت: فأردفني خلفه على جمل له. قالت: فجعلت أرفع خماري «6» أحسره «7» عن عنقي، فيضرب رجلي بعلّة الرّاحلة «8» . قلت له: وهل ترى من أحد «9» ؟ قالت: فأهللت بعمرة. ثمّ أقبلنا حتّى انتهينا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بالحصبة «10» » ) * «11» . 4- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت:   (1) البخاري- الفتح 8 (4758) . (2) الترمذي (1173) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (8/ 209) . وأبو داود (4119) وقال الألباني (2/ 776) : صحيح. وهو عند ابن ماجة (3581) . (3) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 35) . (4) أخرجه في الموطأ (1/ 328) . ورواه الحاكم (1/ 454) وصححه ووافقه الذهبي. واللفظ له. (5) التنعيم: موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة. أقرب أطراف الحل إلى البيت سمي بالتنعيم؛ لأن على يمينه جبل نعيم وعلى يساره جبل ناعم. (6) خماري: الخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها. (7) أحسره: بكسر السين وضمها. لغتان: أي أكشفه وأزيله. (8) فيضرب رجلي بعلة الراحلة: المعني أنه يضرب رجل أخته بعود بيده، عامدا لها، في صورة من يضرب الراحلة حين تكشف خمارها، غيرة عليها. (9) وهل ترى من أحد: أي نحن في خلاء، ليس هنا أجنبي أستتر منه. (10) بالحصبة: أي بالمحصب. وهو موضع رمي الجمار بمنى. (11) مسلم (1211) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1526 «لمّا نزلت هذه الآية يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ خرج نساء الأنصار كأنّ على رءوسهنّ الغربان من السّكينة وعليهنّ أكسية سود يلبسنها» ) * «1» . 5- * (عن عطاء: إذ منع ابن هشام النّساء الطّواف مع الرّجال. قال: «كيف تمنعهنّ وقد طاف نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع الرّجال؟ قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب. قلت: كيف يخالطن الرّجال؟ قال: لم يكنّ يخالطن، كانت عائشة- رضي الله عنها- تطوف حجرة «2» من الرّجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أمّ المؤمنين، قالت: انطلقي عنك «3» ، وأبت. فكنّ يخرجن متنكّرات باللّيل فيطفن مع الرّجال، ولكنّهنّ كنّ إذا دخلن البيت قمن حتّى يدخلن وأخرج الرّجال، وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير «4» ، قلت: وما حجابها؟ قال: هي في قبّة تركيّة لها غشاء، وما بيننا وبينها غير ذلك، ورأيت عليها درعا مورّدا) * «5» . 6- * (قال عليّ بن طلحة عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهنّ في حاجة أن يغطّين وجوههنّ من فوق رؤوسهنّ بالجلابيب ويبدين عينا واحدة» ) * «6» . 7- * (قال محمّد بن سيرين: «سألت عبيدة السّلمانيّ عن قول الله- عزّ وجلّ-: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ فغطّى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى» ) * «7» . 8- * (قال ابن تيمية: الحجاب مختصّ بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنّة المؤمنين في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخلفائه. إنّ الحرّة تحتجب والأمة تبرز. وكان عمر- رضي الله عنه- إذا رأى أمة مخمّرة ضربها وقال: «أتتشبّهين بالحرائر، أي لكاع، فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها» ) * «8» . 9- * (وقال: «الجيب هو شقّ في طول القميص، فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها. وأمرت بعد ذلك أن ترخي من جلبابها، والإرخاء إنّما يكون إذا خرجت من البيت، فأمّا إذا كانت في البيت فلا تؤمر بذلك» ) * «9» . 10- * (ومن كلامه: «المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرّجل ولهذا خصّت بالاحتجاب، وترك إبداء الزّينة وترك التّبرّج. فيجب في حقّها الاستتار باللّباس والبيوت ما لا يجب في حقّ الرّجل، لأنّ ظهور النّساء سبب الفتنة، والرّجال قوّامون عليهنّ» ) * «10» .   (1) تفسير ابن كثير: 3/ 526 (6/ 471- محقق) . (2) حجرة: أي معتزلة عنهم لا تخالطهم وفي رواية حجزة أي محجوزا بينها وبين الرجال. (3) انطلقي عنك: أي عن جهة نفسك. (4) ثبير: جبل صغير في مكة. قرب منى. (5) البخاري- الفتح 3 (1618) . (6) الحجاب والسفور (52) . (7) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (26) . (8) المرجع السابق (26) . (9) المرجع السابق (26- 27) . (10) المرجع السابق (23) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1527 11- * (وقال: «لمّا أنزل الله- عزّ وجلّ- آية الحجاب: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ حجب النّساء عن الرّجال» ) * «1» . 12- * (يقول الشّيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله-: «يا معشر المسلمين تأدّبوا بتأديب الله وامتثلوا أمر الله وألزموا نساءكم بالحجاب الّذي هو سبب الطّهارة ووسيلة النّجاة والسّلامة» ) * «2» . 13- * (قال الشّيخ صالح بن عثيمين: «اعلم أيّها المسلم أنّ احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلّ على وجوبه كتاب ربّك تعالى وسنّة نبيّك محمّد صلّى الله عليه وسلّم وهو الاعتبار الصّحيح والقياس المطّرد» ) * «3» . من فوائد (الحجاب) (1) في الحجاب طهارة لقلب المؤمن والمؤمنة. (2) في الحجاب ما يمنع إيذاء المؤمنات بقصد أو بغير قصد. (3) الحجاب أمام الرّجل دليل على الهيبة والتّوقير. (4) الحجاب يمنع الشّيطان من أن يستشرف المرأة أي ينظر إليها ويتعرّض لها. (5) في التزام الحجاب تنفيذ لا أمر الله- عزّ وجلّ- واتّباع لا أوامره. (6) في الحجاب سكينة ووقار لمن يرتديه. (7) الحجاب سمة للحرائر، أمّا التّبرّج والبروز فهو سمة للإماء. (8) الحجاب وسيلة من وسائل الحيطة الّتي شرعها الله- عزّ وجلّ- لحفظ أعراض المسلمين. (9) في الحجاب ما يرضي الله- عزّ وجلّ- ويسخط الشّيطان ويسدّ عليه بعض منافذ سهامه القاتلة، وهو بذلك يحمي النّساء من التّعرّض للإيذاء من شياطين الإنس والجنّ. (10) التزام الحجاب فيه عمل بسيرة الصّحابة والسّلف الصّالح الّذين كانوا أطهر قلوبا وأنقى سريرة. (11) في الحجاب نشر للفضيلة وهدم للرّذيلة. (12) الحجاب مظهر من مظاهر تميّز الأمّة الإسلاميّة، وفيه مخالفة لليهود والنّصارى وغيرهم. (13) المحافظة على الحجاب والدّعوة إليه دليل على عفّة النّفس، ومظهر من مظاهر التّقوى وتعظيم حرمات الله- عزّ وجلّ-.   (1) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (7) . (2) الحجاب والسفور (51) . (3) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (81) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1528 الحج والعمرة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 90/ 12 الحج لغة: مصدر قولهم حجّ يحجّ هو ومأخوذ من مادّة (ح ج ج) الّتي تدلّ على أربعة معان: الأول: القصد، وكلّ قصد حجّ، والثّاني: الحجّة وهي السنة، والثّالث: الحجاج- (بفتح الحاء وكسرها) - وهو العظم المستدير حول العين، والرّابع الحجحجة بمعنى النكوص «1» والحجّ المذكور هنا إنّما يرجع إلى المعنى الأوّل وهو القصد أو القصد للزّيارة، يقال: ورجل محجوج أي مقصود، وحجّة يحجّه حجّا: قصده. وقد حجّ بنو فلان فلانا إذا أطالوا الاختلاف إليه. قال المخبّل السّعديّ: وأشهد من عوف حلولا كثيرة ... يحجّون سبّ «2» الزّبرقان المزعفرا قال ابن السّكّيت: يكثرون الاختلاف إليه. هذا الأصل، ثمّ تعورف استعماله في القصد إلى مكّة للنّسك والحجّ إلى البيت خاصّة. تقول: حججت البيت أحجّه حجّا. إذا قصدته. ورجل حاجّ: وقوم حجّاج، وحجيج، والحجيج جماعة الحاجّ، والحجّ بالكسر: الاسم، والحجّة: المرّة الواحدة، وهو من الشّواذّ؛ لأنّ القياس بالفتح والحجّة السّنة، والجمع الحجج. ويقال للرّجل الكثير الحجّ: إنّه لحجّاج. قال سيبويه: وقالوا حجّة واحدة، يريدون عمل سنة واحدة. قال الأزهريّ: الحجّ قضاء نسك سنة واحدة. وبعض يكسر الحاء، فيقول: الحجّ والحجّة، وقرئ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (آل عمران/ 97) والفتح أكثر. وذو الحجّة: شهر الحجّ، سمّي بذلك للحجّ فيه، وامرأة حاجّة ونسوة حواجّ بيت الله بالإضافة إذا كنّ قد حججن، وإن لم يكنّ قد حججن، قلت: حواجّ بيت الله. وأحججت فلانا: إذا بعثته ليحجّ، ويوم الحجّ الأكبر هو يوم النّخر «3» . واصطلاحا: قصد بيت الله إقامة للنّسك، وقال الجرجانيّ: قصد لبيت الله تعالى بصفة مخصوصة في وقت مخصوص بشرائط مخصوصة. وقال الحافظ في الفتح: الحجّ في الشّرع: القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة. وقال العينيّ: الحجّ قصد إلى زيارة البيت الحرام على وجه التّعظيم بأفعال مخصوصة «4» . العمرة لغة: العمرة والاعتمار: الزّيارة الّتي فيها عمارة البيت «5» ،   (1) انظر أمثلة هذه المعاني وشواهدها في مقاييس اللغة (2/ 300) . (2) السّب- بكسر السين: العمامة والمراد شخص الزبرقان. (3) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 304) ، والنهاية لابن الأثير (1/ 340، 341) ، ولسان العرب لابن منظور (2/ 226، 229) ، ومفردات الراغب (170) ، ومقاييس اللغة (2/ 30) . والقاموس المحيط (حجج) (ص 234) ط. بيروت. (4) انظر: التعريفات للجرجاني (82) ، وفتح الباري (3/ 378) ، وعمدة القاري للعيني (9/ 121) ، ودليل الفالحين لابن علان (4/ 73) . (5) في الأصل عمارة الود ولا معنى له هنا ولعله تصحيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1529 وقوله تعالى إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (التوبة/ 18) إمّا من العمارة الّتي هي حفظ البناء أو من العمرة الّتي هي الزّيارة، أو من قولهم عمرت بمكان كذا أي أقمت به، وقال ابن فارس: إنّ العمرة بمعنى الزّيارة إنّما هي مأخوذة من مادّة (ع م ر) الّتي تدلّ على الصّياح والجلبة، يقال اعتمر الرّجل إذا أهلّ بعمرته، وذلك رفعه صوته للتّلبية للعمرة، وقول ابن أحمر: يهلّ بالفرقد ركبانها ... كما يهلّ الرّاكب المعتمر فقال قوم: هو الّذي ذكرناه من رفع الصّوت عند التّلبية بالعمرة، وقال قوم: هو المعتمر وأيّ ذلك كان فهو من العلوّ والارتفاع. وقال الجوهريّ: والعمرة في الحجّ وأصلها من الزّيارة، والجمع: العمر، وقال ابن منظور، وقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ (البقرة/ 196) ، قال الزّجّاج: معنى العمرة في العمل: الطّواف بالبيت والسّعي بين الصّفا والمروة فقط. والفرق بين الحجّ والعمرة: أنّ العمرة تكون للإنسان في السّنة كلّها، والحجّ وقت واحد في السّنة. وتمام العمرة أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصّفا والمروة، والحجّ لا يكون إلّا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة «1» . والعمرة مأخوذة من الاعتمار، وهو الزّيارة، ومعنى اعتمر في «قصد البيت» أنّه إنّما خصّ بهذا لأنّه قصد بعمل في موضع عامر، ولذلك قيل للمحرم بالعمرة معتمر، وقال كراع: الاعتمار: العمرة، سمّاها بالمصدر وهو الزّيارة والقصد، وفي حديث الأسود قال: خرجنا عمّارا فلمّا انصرفنا مررنا بأبي ذرّ فقال: أحلقتم الشّعر وقضيتم التّفث عمّارا؟ أي معتمرين «2» . واصطلاحا: زيارة البيت الحرام على وجه مخصوص وبشروط مخصوصة. الحج عبادة العمر: قال الغزاليّ- رحمه الله- في الإحياء: إنّ الحجّ من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر وختام الأمر وتمام الإسلام وكمال الدّين. فعلى كلّ حاجّ ومعتمر أن يبدأ بالتّوبة، وردّ المظالم، وقضاء الدّيون، وإعداد النّفقة لكلّ من تلزمه نفقته إلى وقت الرّجوع، ويردّ ما عنده من الودائع، ويستصحب من المال الحلال الطّيب ما يكفيه لذهابه وإيابه، كما ينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبّا للخير معينا عليه، إن ذكر الله أعانه، وإن جبن شجّعه، وإن عجز قوّاه، وإن ضاق صدره صبّره «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإيمان- الزكاة الصلاة- تعظيم الحرمات- العبادة- التكبير- التهليل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العصيان- اتباع الهوى- الإعراض- الغفلة- الفسوق- التهاون] .   (1) المفردات (347) ، ومقاييس اللغة (4/ 141) ، والصحاح (2/ 757) ، ولسان العرب (3102) ط. دار المعارف. (2) انظر: لسان العرب لابن منظور (3102) ط. دار المعارف. (3) انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 239- 247) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1530 الآيات الواردة في «الحج والعمرة» 1- * إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) «1» 2- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) «2» 3- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) «3» 4- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96)   (1) البقرة: 158 مدنية (2) البقرة: 189 مدنية (3) البقرة: 196- 203 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1531 فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) «1» 5- وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) «2» 6- وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «3»   (1) آل عمران: 96- 97 مدنية (2) التوبة: 3 مدنية (3) الحج: 27- 37 مدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1532 الأحاديث الواردة في (الحج والعمرة) 1- * (عن عبد الرّحمن بن يعمر الدّيليّ- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو بعرفة فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلا فنادى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف الحجّ؟. فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا فنادى: «الحجّ الحجّ يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصّبح من ليلة جمع فتمّ حجّه. أيّام منى ثلاثة، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخّر فلا إثم عليه» ) *. وفي لفظ آخر عند التّرمذيّ «الحجّ عرفات، الحجّ عرفات، الحجّ عرفات، أيّام منى ثلاث فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، ومن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحجّ» «1» . 2- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: حدّثني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أتاني اللّيلة آت من ربّي وهو بالعقيق، أن صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة وحجّة» ) * «2» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أليس حسبكم سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إن حبس أحدكم عن الحجّ طاف بالبيت وبالصّفا والمروة، ثمّ حلّ من كلّ شيء حتّى يحجّ عاما قابلا، فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا) * «3» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّ امرأة من جهينة، جاءت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: إنّ أمّي نذرت أن تحجّ فلم تحجّ حتّى ماتت. أفأحجّ عنها؟. قال: «نعم، حجّي عنها، أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحقّ بالوفاء» ) * «4» . 5- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما أنّ حفصة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: يا رسول الله، ما شأن النّاس حلّوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟» . قال: «إنّي لبّدت رأسي وقلّدت هديي «5» فلا أحلّ حتّى أنحر» ) * «6» . 6- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، خرج حاجّا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة، فقال: «خذوا ساحل البحر حتّى نلتقي» ، فأخذوا ساحل البحر، فلمّا انصرفوا أحرموا كلّهم إلّا أبو قتادة «7» لم يحرم، فبينما   (1) أبو داود (1949) واللفظ له. والترمذي (889) ، (2975) ، وشرح السنة (7/ 2001) وقال محققه: إسناده صحيح. (2) البخاري- الفتح 13 (7343) . (3) البخاري- الفتح 4 (1810) . (4) البخاري- الفتح 4 (1852) واللفظ له. ومسلم (1148) . (5) قلدت هديي: التقليد: هو تعليق شيء في عنق الهدي ليعلم أنه هدي. (6) البخاري- الفتح 3 (1566) واللفظ له. ومسلم (1229) . (7) وللكشميهني «إلّا أبا قتادة» وكذا وقع بالنصب عند مسلم وغيره من هذا الوجه، وعلى الرفع «أبو قتادة» تكون «إلا» بمعنى «لكن» و «أبو قتادة» مبتدأ و «لم يحرم» خبره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1533 هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش، فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا، فنزلوا فأكلوا من لحمها، وقالوا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحم الأتان، فلمّا أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: يا رسول الله، إنّا كنّا أحرمنا، وقد كان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا، فنزلنا فأكلنا من لحمها ثمّ قلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها. قال: «أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟» . قالوا: لا. قال: «فكلوا ما بقي من لحمها» ) * «1» . 7- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا قفل «2» من غزو أو حجّ أو عمرة يكبّر على كلّ شرف «3» ، من الأرض ثلاث تكبيرات، ثمّ يقول: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، آيبون «4» تائبون عابدون لربّنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ) * «5» . 8- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ. ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ. فقدم المدينة بشر كثير، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويعمل مثل عمله. فخرجنا معه، حتّى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، واستثفري «6» بثوب وأحرمي» . فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، ثمّ ركب القصواء «7» ، حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مدّ بصري بين يديه، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلّ بالتّوحيد «8» : لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك. وأهلّ النّاس بهذا الّذي يهلّون به، فلم يردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم شيئا منه، ولزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلبيته، قال جابر- رضي الله عنه-: لسنا ننوي إلّا الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتّى إذا أتينا البيت معه، استلم الرّكن فرمل ثلاثا «9» ومشى أربعا، ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السّلام فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (البقرة/ 125) ، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان   (1) البخاري- الفتح 4 (1824) واللفظ له. ومسلم (6/ 1196) . (2) قفل: رجع. (3) شرف: مكان عال. (4) آيبون: نحن راجعون. (5) البخاري- الفتح 11 (6385) واللفظ له. ومسلم (1344) . (6) واستثفري: الاستثفار: هو أن تشد في وسطها شيئا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها، من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها. (7) القصواء: هي ناقته صلّى الله عليه وسلّم، قال أبو عبيد: القصواء: المقطوعة الأذن عرضا. (8) فأهل بالتوحيد: يعني قوله: لبيك لا شريك لك. (9) رمل ثلاثا: الرّمل هو إسراع المشي مع تقارب الخطا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1534 أبي يقول (ولا أعلمه ذكره إلّا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) : كان يقرأ في الرّكعتين قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. ثمّ رجع إلى الرّكن فاستلمه، ثمّ خرج من الباب «1» إلى الصّفا، فلمّا دنا من الصّفا قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ (البقرة/ 158) ، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصّفا، فرقي عليه، حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبّره، وقال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلّا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثمّ دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرّات، ثمّ نزل إلى المروة، حتّى إذا انصبّت قدماه «2» في بطن الوادي سعى، حتّى إذا صعدتا «3» مشى، حتّى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصّفا، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ، وليجعلها عمرة» . فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟، فشبّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: «دخلت العمرة في الحجّ (مرّتين) لا بل لأبد أبد» ، وقدم عليّ من اليمن ببدن «4» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجد فاطمة- رضي الله عنها- ممّن حلّ، ولبست ثيابا صبيغا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إنّ أبي أمرني بهذا. قال: فكان عليّ يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله محرّشا «5» على فاطمة للّذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما ذكرت عنه فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها. فقال: «صدقت، صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحجّ؟» . قال: قلت: اللهمّ إنّي أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال: «فإنّ معي الهدي فلا تحلّ» . قال: فكان جماعة الهدي الّذي قدم به عليّ من اليمن والّذي أتى به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مائة. قال: فحلّ النّاس كلّهم وقصّروا، إلّا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن كان معه هدي. فلمّا كان يوم التّروية توجّهوا إلى منى، فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى بها الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثمّ مكث قليلا حتّى طلعت الشّمس، وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة «6» فسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تشكّ قريش إلّا أنّه واقف عند المشعر الحرام «7» كما كانت قريش تصنع في الجاهليّة، فأجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا   (1) ثم خرج من الباب: أي من باب بني مخزوم، وهو الذي يسمى باب الصفا؛ لأنه أقرب الأبواب إلى الصفا. (2) حتى إذا انصبت قدماه: أي انحدرت، فهو مجاز من انصباب الماء. (3) حتّى إذا صعدتا: أي ارتفعت قدماه عن بطن الوادي. (4) ببدن: هو جمع بدنة، وأصله الضم، كخشب في جمع خشبة. (5) محرشا: التحريش الإغراء، والمراد هنا: أن يذكر له ما يقتضي عتابها. (6) بنمرة: بفتح النون وكسر الميم، هذا أصلها. وهي موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات. (7) ولا تشك قريش إلّا أنه واقف عند المشعر الحرام: معنى هذا أن قريشا كانت في الجاهلية، تقف بالمشعر الحرام، وهو جبل في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1535 زاغت الشّمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي «1» فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «2» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده، إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس: «اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد. ثلاث مرّات» . ثمّ أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئا، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصّخرات «3» وجعل حبل المشاة بين يديه «4» ، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتّى غربت الشّمس، وذهبت الصفرة قليلا حتّى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد شنق «5» للقصواء الزّمام حتّى إنّ رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: «أيّها النّاس السّكينة السّكينة» كلّما أتى حبلا من الحبال «6» أرخى لها قليلا، حتّى تصعد. حتّى أتى المزدلفة «7» فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبّح بينهما شيئا.   المزدلفة يقال له (قزح) . وقيل: إن المشعر الحرام كل المزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات، فظنت قريش أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه. فتجاوزه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عرفات؛ لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، أي سائر العرب غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه. (أ. هـ. نووي) . (1) بطن الوادي: هو وادي عرنة، وليست عرنة من أرض عرفات إلا عند مالك فقال: إنها من عرفات. (نووي) . (2) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه: قال الإمام النووي: المختار أن معناه: أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيّا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة. (3) الصخرات: هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، فهذا هو الموقف المستحب. (4) وجعل حبل المشاة بين يديه: روي حبل وروي جبل، قال القاضي عياض- رحمه الله-: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة أي مجتمعهم، وأما بالجيم فمعناه طريقهم. (5) شنق: ضمّ، وضيّق. (6) كلما أتى حبلا من الحبال: جمع حبل، وهو التل اللطيف من الرمل الضخم. (7) المزدلفة: معروفة، سميت بذلك من التزلف والازدلاف، وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليها وتقربوا منها، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أي ساعات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1536 ثمّ اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى طلع الفجر، وصلّى الفجر، حين تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة، ثمّ ركب القصواء حتّى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده، فلم يزل واقفا حتّى أسفر جدّا فدفع قبل أن تطلع الشّمس، وأردف الفضل بن عبّاس وكان رجلا حسن الشّعر أبيض وسيّما، فلمّا دفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّت به ظعن يجرين «1» فطفق الفضل ينظر إليهنّ، فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على وجه الفضل. فحوّل الفضل وجهه إلى الشّقّ الآخر ينظر. فحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده من الشّق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشّق الآخر ينظر. حتّى أتى بطن محسّر «2» فحرّك قليلا ثمّ سلك الطّريق الوسطى الّتي تخرج على الجمرة الكبرى، حتّى أتى الجمرة الّتي عند الشّجرة، فرماها بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة منها حصى الخذف «3» ، رمى من بطن الوادي، ثمّ انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستّين بيده، ثمّ أعطى عليّا فنحر ما غبر «4» . وأشركه في هديه. ثمّ أمر من كلّ بدنة ببضعة فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأفاض إلى البيت «5» ، فصلّى بمكّة الظّهر فأتى بني عبد المطّلب يسقون على زمزم، فقال: «انزعوا «6» بني عبد المطّلب فلولا أن يغلبكم النّاس «7» على سقايتكم لنزعت معكم» ، فناولوه دلوا فشرب منه) * «8» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف في حجّة الوداع بمنى للنّاس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: «اذبح ولا حرج» . فجاء آخر، فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي. قال: «ارم ولا حرج» . فما سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شيء قدّم ولا أخّر إلّا قال: «افعل ولا حرج» ) * «9» . 10- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه-   (1) مرت به ظعن يجرين: الظعن: بضم الظاء والعين، ويجوز إسكان العين: جمع ظعينة، كسفينة وسفن، وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة، ثم تسمى به المرأة مجازا لملابستها البعير. (2) حتى أتى بطن محسّر: سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي أعيا وكلّ، ومنه قوله تعالى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ. (3) حصى الخذف: أي حصى صغار بحيث يمكن أن يرمي بأصبعين، والخذف: في الأصل مصدر سمي به، يقال: خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب ضرب، أي رميتها بطرفي الإبهام والسبابة. (4) ما غبر: أي ما بقي. (5) فأفاض إلى البيت: فيه محذوف تقديره (فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة ثم صلّى الظهر) فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه. (6) انزعوا: معناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء. (7) لولا أن يغلبكم الناس، أي لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه، بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم، لكثرة فضيلة هذا الاستقاء. (8) مسلم (1218) . (9) البخاري- الفتح 1 (83) واللفظ له. ومسلم (1306) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1537 وهو في سياقة الموت «1» - أنّه بكى طويلا وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أنّ لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي كنت على أطباق ثلاث «2» لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التّراب شنّا «3» ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي) * «4» . 11- * (عن عكرمة بن خالد؛ أنّه سأل ابن عمر- رضي الله عنهما- عن العمرة قبل الحج؟ فقال: لا بأس. قال عكرمة: قال ابن عمر: «اعتمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يحجّ» ) * «5» . 12- * (عن ماعز التّميميّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه سئل أيّ الأعمال أفضل؟. قال: «إيمان بالله وحده، ثمّ حجّة برّة تفضل سائر الأعمال، كما بين مطلع الشّمس إلى مغربها» ) * «6» . 13- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان الفضل بن عبّاس رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصرف وجه الفضل إلى الشّقّ الآخر، قالت: يا رسول الله إنّ فريضة الله على عباده في الحجّ، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الرّاحلة، أفأحجّ عنه؟ قال: «نعم» . وذلك في حجّة الوداع) * «7» . 14- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال:   (1) سياقة الموت: أي حال حضور الموت. (2) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث. (3) شنوا عليّ التّراب: قيل: الشن بالمعجمة والسن- بالسين المهملة- الصب، وقيل: بالمهملة: الصب وبالمعجمة: التفريق. (4) مسلم (121) . (5) البخاري- الفتح 3 (1774) . (6) أحمد (4/ 342) وقال الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (ص 218) إسناده جيد. (7) البخاري- الفتح 3 (1513) . ومسلم (1334) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1538 سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهلّ بهما جميعا: «لبّيك عمرة وحجّا «1» ، لبيّك عمرة وحجّا» ) * «2» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما عندك يا ثمامة «3» ؟» فقال: عندي خير يا محمّد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» قال: ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. يا محمّد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلّها إليّ. والله ما كان من دين على الأرض أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين كلّه إليّ. والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلّها إليّ. وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة. قال له قائل: أصبوت؟. قال: لا، ولكنّي أسلمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «4» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعثني أبو بكر الصّدّيق في الحجّة الّتي أمّره عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل حجّة الوداع، في رهط يؤذّنون في النّاس يوم النّحر: «لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان «5» » ) * «6» . 17- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان» ) * «7» . 18- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تابعوا بين الحجّ والعمرة، فإنّ المتابعة بينهما تنفي الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد» ) * «8» . 19- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: حجّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على رحل رثّ، وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي، ثمّ قال: «اللهمّ حجّة لا رياء فيها ولا سمعة» ) * «9» . 20- * (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة» .   (1) عمرة وحجّا: النصب بفعل محذوف تقديره أريد أو نويت. (2) مسلم (1251) . (3) ما عندك يا ثمامة: أي ما تظن أني فاعل بك. (4) مسلم (1764) . (5) ولا يطوف بالبيت عريان: هذا إبطال لما كانت الجاهلية عليه من الطواف بالبيت عراة. (6) البخاري- الفتح 3 (1622) . ومسلم (1347) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 1 (8) واللفظ له. ومسلم (16) . (8) ابن ماجة (2887) وصححه الألباني: صحيح ابن ماجة (1334) . والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 41) وقال محققه: حديث صحيح بشواهده. (9) أخرجه ابن ماجة في سننه (2890) . صححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2237) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1539 قيل: وما برّه؟ قال: «إطعام الطّعام وطيّب الكلام» ) * «1» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أيّها النّاس قد فرض الله عليكم الحجّ فحجّوا» . فقال رجل: أكلّ عام؟ يا رسول الله! فسكت، حتّى قالها (ثلاثا) . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قلت نعم، لوجبت، ولما استطعتم» ، ثمّ قال: «ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» ) * «2» . 22- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ضباعة بنت الزّبير، فقال لها: «لعلّك أردت الحجّ» . قالت: والله لا أجدني إلّا وجعة «3» ، فقال لها: «حجّي واشترطي، قولي اللهمّ محلّي «4» حيث حبستني «5» » . وكانت تحت المقداد بن الأسود) * «6» . 23- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرمي على راحلته يوم النّحر، ويقول: «لتأخذوا مناسككم «7» ، فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه» ) * «8» . 24- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع، فقال: «اتّقوا الله، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «9» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما «10» ، والحجّ المبرور «11» ليس له جزاء إلّا الجنّة» ) * «12» . 26- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لامرأة من الأنصار: «ما منعك أن تحجّي معنا؟» . قالت: لم يكن لنا إلّا ناضحان «13» ، فحجّ أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحا ننضح عليه، قال: «فإذا جاء رمضان فاعتمري فإنّ عمرة فيه تعدل حجّة» ) * «14» .   (1) أحمد (3/ 325، 334) وفيه: «إفشاء السلام» بدلا من «طيب الكلام» وقال الحافظ الدمياطي: صحيح الإسناد. انظر: المتجر الرابح (ص 218- 219) . (2) البخاري- الفتح 13 (7288) . ومسلم (1337) واللفظ له. (3) وجعة: ذات مرض. (4) محلي: أي مكان تحللي من الإحرام. (5) حيث حبستني: أي عن النسك بعلة المرض. (6) البخاري- الفتح 9 (5089) واللفظ له. ومسلم (1207) . (7) لتأخذوا مناسككم: اللام لام الأمر، والمعنى: خذوا مناسككم. (8) مسلم (1297) . (9) الترمذي (616) وقال: حديث حسن صحيح. (10) كفارة لما بينهما: أي من الذنوب غير الكبائر. (11) والحج المبرور: الذي لا يخالطه إثم، أو المتقبل الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق. (12) البخاري- الفتح 3 (1773) . ومسلم (1349) واللفظ لهما. (13) ناضحان: أي بعيران نستقي بهما. (14) البخاري- الفتح 3 (1782) . ومسلم (1256) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1540 27- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني عن النّار، قال: «لقد سألتني عن عظيم وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) . ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى، يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» . ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه» . قلت: بلى، يا رسول الله. فأخذ بلسانه. قال: «كفّ عليك هذا» . فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟. قال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم- أو على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «1» . 28- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ قال: «لكنّ أحسن الجهاد وأجمله الحجّ، حجّ مبرور» . قالت عائشة: فلا أدع الحجّ بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 29- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلّا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلّا مع ذي محرم» . فقام رجل، فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجّة، وإنّي اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: «انطلق فحجّ مع امرأتك» ) * «3» . 30- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لقي ركبا «4» بالرّوحاء «5» ، فقال: «من القوم؟» قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: «رسول الله» ، فرفعت إليه امرأة صبيّا. فقالت: ألهذا حجّ؟ قال: «نعم، ولك أجر» ) * «6» . 31- * (عن يعلى بن أميّة أنّه قال لعمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: ليتني أرى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حين ينزل عليه. فلمّا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالجعرانة وعلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثوب قد أظلّ به عليه. معه ناس من أصحابه فيهم عمر. إذ جاءه رجل عليه جبّة صوف متضمّخ بطيب. فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّة بعدما تضمّخ بطيب؟ فنظر إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ساعة ثمّ سكت. فجاءه الوحي.   (1) الترمذي (2616) وقال: حسن صحيح واللفظ له. وابن ماجة (3973) ، وأحمد (5/ 231) وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29، 30) : صحيح الإسناد. (2) البخاري- الفتح 4 (1861) . (3) مسلم (1341) . (4) الركب: أصحاب الإبل خاصة، وأصله أن يستعمل في عشرة فما دونها. (5) بالروحاء: مكان على ستة وثلاثين ميلا من المدينة. (6) البخاري- الفتح 6 (3006) ، ومسلم (1336) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1541 فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أميّة: تعال، فجاء يعلى. فأدخل رأسه فإذا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محمرّ الوجه يغطّ ساعة ثمّ سرّي عنه. فقال: «أين الّذي سألني عن العمرة آنفا؟» ، فالتمس الرّجل فجيء به. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا الطيّب الّذي بك فاغسله ثلاث مرّات. وأمّا الجبّة فانزعها ثمّ اصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك» ) * «1» . 32- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «ليحجّنّ البيت وليعتمرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج» ) * «2» . 33- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- رفعه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أمعر حاجّ قطّ» . قيل لجابر: ما الإمعار؟ قال: «ما افتقر» ) * «3» . 34- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جهّز غازيا، أو حاجّا، أو خلفه في أهل أو فطّر صائما كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» ) * «4» . 35- * (عن سهل بن حنيف- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خرج حتّى يأتي هذا المسجد. مسجد قباء فصلّى فيه كان له عدل عمرة» ) * «5» . 36- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «النّفقة في الحجّ كالنّفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف» ) * «6» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يحدّث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «والّذي نفسي بيده ليهلّنّ ابن مريم بفجّ الروحاء حاجّا أو معتمرا أو ليثنينّهما» ) * «7» . 38- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «وقتّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأهل المدينة: ذا الحليفة، ولأهل الشّام: الجحفة، ولأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم، فهنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ لمن كان يريد الحجّ والعمرة، فمن كان دونهنّ فمهلّه «8» من أهله، وكذاك، حتّى أهل مكّة يهلّون منها» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1536) . ومسلم (1180) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 3 (1593) . (3) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني والبزار بإسناد جيد. وانظر: المتجر الرابح (ص 225) . وقال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط والبزار، ورجاله رجال الصحيح (2/ 180) . (4) ابن خزيمة في صحيحه (3/ 2064) وقال محققه: إسناده صحيح. والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 62) وقال محققه: رجاله موثقون. (5) النسائي (2/ 37) وهذا لفظه. وابن ماجة (1412) وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (1160) . (6) قال الحافظ الدمياطي: رواه أحمد بإسناد حسن والطبراني والبيهقي. انظر: المتجر الرابح (ص 225) . (7) مسلم (1252) . (8) مهلّه: أي مكان إحرامه. (9) البخاري- الفتح 3 (1526) واللفظ له. ومسلم (1181) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1542 الأحاديث الواردة في (الحج والعمرة) معنى 39- * (عن عبد العزيز بن رفيع؛ قال: سألت أنس بن مالك- رضي الله عنه- قلت: أخبرني بشيء عقلته عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أين صلّى الظّهر والعصر يوم التّروية «1» ؟ قال: بمنى. قلت: فأين صلّى العصر يوم النّفر «2» ؟. قال: بالأبطح «3» ، ثمّ قال: افعل كما يفعل أمراؤك) * «4» . 40- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- كان ردف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من عرفة إلى المزدلفة، ثمّ أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قال: لم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يلبّي حتّى رمى جمرة العقبة) * «5» . 41- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ تلبية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لبّيك اللهمّ لبّيك. لبّيك لا شريك لك لبّيك. إنّ الحمد والنّعمة لك والملك. لا شريك لك» . وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبّيك لبّيك وسعديك، والخير بيديك، لبّيك والرّغباء إليك والعمل) * «6» . 42- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما يلبس المحرم من الثّياب؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلبسوا القمص، ولا العمائم ولا السّراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلّا أحدا لا يجد النّعلين فيلبس الخفّين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثّياب شيئا مسّه الزّعفران ولا الورس» ) * «7» . 43- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن رمي الجمار: ما لنا فيه؟ فسمعته يقول: «تجد ذلك عند ربّك أحوج ما تكون إليه» ) * «8» . 44- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثمّ أتى منزله بمنى ونحر، ثمّ قال للحلّاق: «خذ» وأشار إلى جانبيه الأيمن ثمّ الأيسر. ثمّ جعل يعطيه النّاس) * «9» . 45- * (عظن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمره أن يقوم على بدنه،   (1) يوم التروية: ثامن ذي الحجة، وسمي بذلك لأن الماء كان قليلا بمنى فكانوا يرتوون من الماء وينهضون إلى منى، أي يتزودون ريهم من الماء. (لسان العرب) . (2) يوم النفر: الرجوع من منى. (3) بالأبطح: هو المحصب. (4) البخاري- الفتح 3 (1653) . ومسلم (1309) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 3 (1686- 1687) واللفظ له. ومسلم (1280- 1281) . (6) البخاري- الفتح 3 (1549) . ومسلم (1184) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 3 (1542) . ومسلم (1177) واللفظ له. (8) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني مختصرا هكذا باسناد حسن. انظر: المتجر الرابح (ص 238) . (9) البخاري- الفتح 1 (171) . ومسلم (1305) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1543 وأمره أن يقسّم بدنه كلّها لحومها وجلودها وجلالها، في المساكين ولا يعطي في جزارتها «1» منها شيئا» ) * «2» . 46- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، خطب النّاس يوم النّحر، فقال: «يا أيّها النّاس، أيّ يوم هذا؟» . قالوا: يوم حرام. قال: «فأيّ بلد هذا؟» . قالوا: بلد حرام. قال: «فأيّ شهر هذا؟» . قالوا: شهر حرام. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا» . فأعادها مرارا. ثمّ رفع رأسه فقال: «اللهمّ هل بلّغت؟ اللهمّ هل بلّغت؟» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: فو الّذي نفسي بيده، إنّها لوصيّته إلى أمّته فليبلّغ الشّاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض) * «3» . 47- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا طاف بالبيت الطّواف الأوّل خبّ ثلاثا «4» ومشى أربعا، وكان يسعى ببطن المسيل «5» إذا طاف بين الصّفا والمروة» ) * «6» . وكان ابن عمر يفعل ذلك. 48- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مرّ بوادي الأزرق، فقال: «أيّ واد هذا؟» . فقالوا: هذا وادي الأزرق. قال: «كأنّي أنظر إلى موسى عليه السّلام هابطا من الثّنيّة وله جؤار «7» إلى الله بالتّلبية» ، ثمّ أتى على ثنيّة هرشى «8» ، فقال: «أيّ ثنيّة هذه؟» . قالوا: ثنيّة هرشى، قال: «كأنّي أنظر إلى يونس بن متّى عليه السّلام على ناقة حمراء جعدة «9» عليه جبّة من صوف. خطام ناقته خلبة وهو يلبّي» ) * «10» . 49- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ العبّاس بن عبد المطّلب استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أن يبيت بمكّة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له) * «11» . 50- * (عن عبد الله بن حنين عن أبيه، أنّ عبد الله بن العبّاس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء، فقال عبد الله بن العبّاس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني عبد الله بن العبّاس إلى أبي أيّوب الأنصاريّ. فوجدته   (1) جزارتها: الجزارة، بالضم، ما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته كالعمالة للعامل. وأصل الجزارة أطراف البعير: اليدان والرجلان والرأس، سميت بذلك لأن الجزار كان يأخذه عن أجرته. انظر: اللسان (جزر) . (2) البخاري- الفتح 3 (1717) واللفظ له. ومسلم (1317) . (3) البخاري- الفتح 3 (1739) . (4) خب ثلاثا: الخب هو الرمل، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطا، ولا يثب وثبا. (5) يسعى ببطن المسيل: أي يسرع شديدا ببطن الوادي الذي بين الصفا والمروة. (6) البخاري- الفتح 3 (1617) . ومسلم (1261) واللفظ له. (7) جؤار: الجؤار رفع الصوت. (8) هرشى: جبل قرب الجحفة. (9) جعدة: مكتنزة اللحم. (10) مسلم (166) . والخطام: الحبل الذي يقاد به البعير. وخلبة: الليف. (11) البخاري- الفتح 3 (1634) واللفظ له. ومسلم (1315) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1544 يغتسل بين القرنين «1» ، وهو يستر بثوب، فسلّمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين، أرسلني إليك عبد الله بن العبّاس أسألك كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب يده على الثّوب فطأطأه حتّى بدا لي رأسه، ثمّ قال لإنسان يصبّ عليه: اصبب، فصبّ على رأسه، ثمّ حرّك رأسه بيديه، فأقبل بها وأدبر، وقال: هكذا رأيته صلّى الله عليه وسلّم يفعل) * «2» . 51- * (عن الصّعب بن جثّامة اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّه أهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حمارا وحشيا وهو بالأبواء، أو بودّان فردّه عليه، فلمّا رأى ما في وجهه، قال: «إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حرم» ) * «3» . 52- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله، فقال: إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك) * «4» . 53- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه دفع مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، فسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم، وقال: «أيها النّاس، عليكم بالسّكينة، فإنّ البرّ ليس بالإيضاع «5» » ) * «6» . 54- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- «أنّه كان يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كلّ حصاة، ثمّ يتقدّم حتّى يسهل «7» فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا، ويدعو ويرفع يديه ثمّ يرمي الوسطى، ثمّ يأخذ ذات الشّمال «8» فيسهل ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثمّ يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثمّ ينصرف. فيقول: هكذا رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله) * «9» . 55- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان يقدّم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة باللّيل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثمّ يدفعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول صلّى الله عليه وسلّم) * «10» .   (1) بين القرنين: أي بين قرني البئر، وهما جانبا البناء الذي على رأس البئر. (2) البخاري- الفتح 4 (1840) واللفظ له. ومسلم (1205) . (3) البخاري- الفتح 3 (1825) واللفظ له. ومسلم (1193) . (4) البخاري- الفتح 3 (1597) . ومسلم (1270) . (5) الإيضاح: الإسراع. (6) البخاري- الفتح 3 (1671) . والزجر: الصياح لحث الإبل. (7) يسهل: أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان الذي لا ارتفاع فيه. (8) يأخذ ذات الشمال: أي يقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي إلى جهة شماله. (9) البخاري- الفتح 3 (1751) . (10) البخاري- الفتح 3 (1676) . ومسلم (1295) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1545 56- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أمر النّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلّا أنّه خفّف عن المرأة الحائض) * «1» . 57- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم عرفة، إنّ الله ينزل إلى السّماء، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا، ضاحين من كلّ فجّ عميق، أشهدكم أنّي قد غفرت لهم، فتقول له الملائكة: أي ربّ فيهم فلان يزهو وفلان وفلان، قال يقول الله: قد غفرت لهم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فما من يوم أكثر عتقا من النّار من يوم عرفة» ) * «2» . 58- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الاستجمار توّ «3» . ورمي الجمار توّ. والسّعي بين الصّفا والمروة توّ. والطّواف توّ. وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتوّ» ) * «4» . 59- * (عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الرّكن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنّة، طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب» ) * «5» . 60- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ مسحهما «6» يحطّ الخطايا» ) * «7» . 61- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته فوقصته «8» ، أو قال: فأوقصته، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفّنوه في ثوبين ولا تحنّطوه، ولا تخمّروا «9» رأسه، فإنّه يبعث يوم القيامة ملبيّا «10» » * «11» . 62- * (عن نبيه بن وهب؛ قال: خرجنا مع أبان بن عثمان حتّى إذا كنّا بملل، اشتكى عمر بن عبيد الله عينيه، فلمّا كنّا بالروحاء اشتدّ وجعه فأرسل إلى أبان بن عثمان يسأله، فأرسل إليه أن ضمّدها بالصّبر «12» ، فإنّ عثمان- رضي الله عنه- حدّث عن   (1) البخاري- الفتح 3 (1755) . ومسلم (1328) واللفظ له. (2) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2840) وقال محققه: إسناده ضعيف. والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 9) وقال محققه: إسناده لا بأس به. والبغوي في شرح السنة (7/ 159) برقم (1931) . وقال: أخرجه ابن خزيمة ورجاله ثقات. (3) الاستجمار توّ: التوّ هو الوتر. والاستجمار هو الاستنجاء بالحجارة، والمراد بالتو في الجمار سبع، وفي الطواف سبع، وفي السعي سبع، وفي الاستنجاء ثلاث، فإن لم يحصل الإنقاء بثلاث وجبت الزيادة حتى ينقى. (4) مسلم (1300) . (5) الترمذي (878) . وابن خزيمة (4/ 2731) وقال محققه: إسناده حسن. وهو في صحيح الجامع للألباني (1629) . (6) مسحهما: أي مسح الركن اليماني والحجر الأسود. (7) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2729) وقال محققه: إسناده حسن. والبيهقي في شعب الايمان (7/ 591) . والبغوي في شرح السنة (7/ 1916) وقال: حديث حسن. (8) فوقصته: أي كسرت عنقه. (9) ولا تخمروا رأسه: أي لا تغطوا رأسه. (10) ملبيّا: أي بصفة الملبين بنسكه الذي مات فيه من حج أو عمرة. (11) البخاري- الفتح 4 (1850) . (12) الصبر: بكسر الباء ويجوز إسكانها: دواء مرّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1546 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ الرّجل إذا اشتكى عينيه وهو محرم، ضمّدهما بالصّبر» ) * «1» . 63- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: خطبنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرفات، فقال: «من لم يجد الإزار فليلبس السّراويل، ومن لم يجد النّعلين فليلبس الخفّين» ) * «2» . 64- * (عن أبي الطّفيل- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطوف بالبيت ويستلم الرّكن بمحجن معه ويقبّل المحجن» . وعند البخاريّ من حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «طاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع على بعير يستلم الرّكن بمحجن» ) * «3» . 65- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، رمى الجمرة بمثل حصى الخذف. وفي لفظ: رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجمرة يوم النّحر ضحى وأمّا بعد، فإذا زالت الشّمس) * «4» . 66- * (عن عديّ بن الحمراء- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واقفا على الحزورة، فقال: «والله إنّك لخير أرض الله وأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أنّي أخرجت منك ما خرجت» ) * «5» . 67- * (عن عبد الله بن السّائب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ما بين الرّكنين: «ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النّار» ) * «6» . 68- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي أشتكي. فقال: «طوفي من وراء النّاس وأنت راكبة» ، فطفت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ يصلّي إلى جنب البيت وهو يقرأ: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ» ) * «7» . 69- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يبلغ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام» ) * «8» . 70- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: طاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبيت على بعير كلّما أتى الرّكن أشار إليه بشيء كان عنده وكبّر) * «9» . 71- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: غدونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من منى إلى   (1) مسلم (1204) . (2) البخاري- الفتح 4 (1843) واللفظ له. ومسلم (1178) . (3) البخاري- الفتح 3 (1607) . ومسلم (1275) . (4) مسلم (1299) . (5) الترمذي (3925) وقال: حديث حسن غريب صحيح، وهذا لفظه، وابن ماجة (3108) . وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2533) . والحزورة: موضع بمكة. (6) أبو داود (2/ 1892) وهذا لفظه. وابن خزيمة في صحيحه. (4/ 2721) . والبغوي في شرح السنة (7/ 1915) . والحاكم في المستدرك (1/ 455) ، ووافقه الذهبي. والبيهقي في الشعب (7/ 3754) وقال محققه: رجاله موثقون. (7) البخاري- الفتح 3 (1619) واللفظ له. ومسلم (1276) . وأشتكي: أي إنها ضعيفة. (8) البخاري- الفتح 3 (1190) . ومسلم (1394) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 3 (1613) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1547 عرفات، منّا الملبّي، ومنّا المكبّر) * «1» . 72- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم افتتح مكّة: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا؛ فإنّ هذا بلد حرّم الله يوم خلق السّماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلّا من عرّفها، ولا يختلى خلاها» ، قال العبّاس: يا رسول الله إلّا الإذخر فإنّه لقينهم ولبيوتهم، قال: «إلّا الإذخر» ) * «2» . 73- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فقال المشركون: إنّه يقدم عليكم وقد وهنتهم «3» حمّى يثرب، فأمرهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يرملوا «4» الأشواط الثّلاثة وأن يمشوا ما بين الرّكنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلّها إلّا الإبقاء عليهم) * «5» . 74- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان فلان ردف «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النّساء وينظر إليهم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ابن أخي إنّ هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له» ) * «7» . 75- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كنت أطيّب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لإحرامه حين يحرم، ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت) * «8» . 76- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومسجد الأقصى» ) * «9» . 77- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «10» : «اللهمّ ارحم المحلّقين «11» » . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله قال: «اللهمّ ارحم المحلّقين» . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله قال: «والمقصّرين» ) * «12» . 78- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-   (1) مسلم (1284) . (2) البخاري- الفتح 4 (1834) واللفظ له. مسلم (1353) . والخلا: مقصورا: الرطب من النبات، واختلاؤه: قطعه. (3) وهنتهم: أي أضعفتهم. (4) الرمل: إسراع المشي مع تقارب الخطى. (5) البخاري- الفتح 4 (1602) واللفظ له. ومسلم (1266) . (6) ردف: يعني يركب خلفه على دابته. (7) قال الحافظ الدمياطي: رواه أحمد بإسناد صحيح. انظر: المتجر الرابح (ص 237) . وراجع أحمد (1/ 329) . (8) البخاري- الفتح 3 (1539) واللفظ له. ومسلم (1189) . (9) البخاري- الفتح 3 (1189) واللفظ له. ومسلم (1397) . (10) قال: في حجة الوداع، أو في الحديبية، أو في الموضعين جمعا بين الأحاديث. (11) اللهمّ ارحم المحلقين: في تفضيل الحلق للرجال على التقصير، الذي هو أخذ أطراف الشعر، لقوله تعالى مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ (الفتح- 27) إذ العرب تبدأ بالأهم والأفضل. (12) البخاري- الفتح 3 (1727) . ومسلم (1302، 1303) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1548 أنّه قال: لم أر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح من البيت إلّا الرّكنين اليمانيّين «1» . وعند البخاري: عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: ما تركت استلام هذين الرّكنين في شدّة ولا رخاء منذ رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستلمهما) * «2» . 79- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أهلّ مهلّ قطّ إلّا بشّر» . قيل يا رسول الله بالجنّة. قال: «نعم» ) * «3» . 80- * (عن عبد الله بن زيد المازنيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة «4» » ) * «5» . 81- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام أعظم عند الله ولا أحبّ إلى الله العمل فيهنّ من أيّام العشر، فأكثروا فيهنّ من التّسبيح والتّحميد والتّهليل والتّكبير» ) * «6» . 82- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله- عزّ وجلّ- من هذه الأيام» - يعني أيّام العشر «7» . قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلّا رجلا خرج بنفسه وماله ثمّ لم يرجع من ذلك بشيء» ) * «8» . 83- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق «9» الله فيه عبدا من النّار من يوم عرفة، وإنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟» ) * «10» . 84- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق «11» ، رجع كما ولدته أمّه» ) * «12» . 85- * (عن محمّد بن المنكدر عن أبيه- رضي   (1) الركنان اليمانيان: هما الركن الأسود والركن اليماني. وإنما قيل لهما اليمانيان للتغليب. كما قيل في الأب والأم: الأبوان. وفي الشمس والقمر: القمران. واليمانيان: بتخفيف الياء: هي اللغة المشهورة. (2) البخاري- الفتح 3 (1606) . ومسلم (1267، 1268) . (3) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني بإسناد جيد. انظر المتجر الرابح (ص 298) . (4) روضة من رياض الجنة: ذكروا في معناه قولين: أحدهما أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة. والثاني: أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة. (5) البخاري- الفتح 3 (1195) . ومسلم (1390) . (6) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني بإسناد جيد. انظر المتجر الرابح (ص 232) . (7) أيام العشر: أي أيام العشر من ذي الحجة. (8) أحمد (1/ 224) واللفظ له، والبخاري- الفتح 2 (969) ، وأبو داود (3438) ، وابن ماجة (1727) . (9) ما من يوم أكثر من أن يعتق ... إلخ: المعنى ليس يوم أكثر إعتاقا فيه من يوم عرفة. (10) مسلم (1348) . (11) فلم يرفث ولم يفسق: قال القاضي: هذا من قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ (البقرة: 197) والرفث: اسم للفحش من القول، وقيل: هو الجماع، وأما الفسوق: فالمعصية، وفسر بالخروج عن الاستقامة. (12) البخاري- الفتح 4 (1819) . ومسلم (1350) واللفظ له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1549 الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من طاف بالبيت أسبوعا «1» لا يلغو فيه كان كعدل رقبة يعتقها» ) * «2» . 86- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نزل الحجر الأسود من الجنّة وهو أشدّ بياضا من اللّبن فسوّدته خطايا بني آدم» ) * «3» . 87- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: نزلت المزدلفة، فاستأذنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سودة أن تدفع قبل حطمة «4» النّاس، وكانت امرأة بطيئة، فأذن لها، فدفعت قبل حطمة النّاس، وأقمنا حتّى أصبحنا نحن، ثمّ دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما استأذنت سودة أحبّ إليّ من مفروح «5» به» ) * «6» . 88- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، وأمرتني أن أستفتي لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاستفتيته، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لتمش ولتركب» ) * «7» . 89- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: وقف عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا، فقال: «يؤذيك هو امّك؟» . قلت: نعم. قال: «فاحلق رأسك» أو قال: «احلق» قال: فيّ نزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ إلى آخرها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صم ثلاثة أيّام، أو تصدّق بفرق «8» بين ستّة، أو انسك بما تيّسر» ) * «9» . 90- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: وقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرفات وقد كانت الشّمس تغرب، فقال: «يا بلال أنصت لي النّاس» . فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصمت النّاس. فقال: «يا معشر النّاس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربّي السّلام لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام وضمن عنهم التّبعات «10» » . قام عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصّة؟. قال: «هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة» . فقال عمر بن الخطّاب: كثر خير الله وطاب) * «11» .   (1) الأسبوع: سبعة أشواط. (2) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني بإسناد جيد. انظر المتجر الرابح (301) . (3) الترمذي (878) وقال: حديث حسن صحيح. (4) الحطمة: الزحمة. (5) مفروح به: ما يفرح به من كل شيء. (6) البخاري- الفتح 3 (1681) واللفظ له. ومسلم (1290) . (7) البخاري- الفتح 4 (1866) . ومسلم (1644) . (8) الفرق: مكيال معروف بالمدينة، وهو ستة عشر رطلا. (9) البخاري- الفتح 4 (1815) واللفظ له. ومسلم (1201) . (10) وضمن عنهم التبعات: أي حمل عنهم المظالم التي بينهم. (11) قال الحافظ الدمياطي: رواه ابن المبارك بإسناد جيد، ورواته ثقات أثبات. انظر المتجر الرابح (236) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1550 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحج والعمرة) 1- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: «يا أهل مكّة اتّقوا الله في حرمكم هذا. أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان، فأحلّوا حرمته فهلكوا وبنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا، حتّى عدّ ما شاء الله، ثمّ قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحبّ إليّ من أن أعمل واحدة بمكّة» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ما آسى على شيء فاتني من الدّنيا إلّا أنّني لم أحجّ ماشيا حتّى أدركني الكبر. اسمع قول الله تعالى يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ (الحج/ 27) » ) * «2» . 3- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لو يعلم المقيمون ما للحجّاج عليهم من الحقّ لأتوهم حين يقدمون حتّى يقبّلوا رواحلهم، لأنّهم وفد الله من جميع النّاس» ) * «3» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما: «وفد الله ثلاثة: الحاجّ، والمعتمر، والغازي. أولئك الّذين يسألون الله فيعطيهم سؤالهم» ) * «4» . 5- * (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما: «إنّ عرى الدّين وقوامه الصّلاة والزّكاة، لا يفرق بينهما، وحجّ البيت، وصيام رمضان. وإنّ من أصلح الأعمال الصّدقة والجهاد» ) * «5» . 6- * (عن عطاء قال: «النّظر إلى البيت عبادة» ) * «6» . 7- * (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ (الحج/ 27) قال: لمّا فرغ إبراهيم عليه السّلام من بناء البيت فقيل له: ناد في النّاس بالحجّ. قال: كيف أقول يا ربّ؟ قال: قل: يا أيّها النّاس استجيبوا لربّكم فقالها فوقرت في قلب كلّ مؤمن) * «7» . 8- * (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: مَثابَةً لِلنَّاسِ (البقرة/ 125) يقول: لا يقضون منه وطرا أبدا وأمنا يقول: لا يخافه من دخله) * «8» . 9- * (عن خيثمة بن عبد الرّحمن- رحمه الله- قال: «إذا قضيت حجّك فسل الله الجنّة» ) * «9» . 10- * (قال الأصمعيّ: «دعا أعرابيّ بمكّة، فقال: «اللهمّ لا تمنعني خير ما عندك بسوء ما عندي، وإن كنت لم تقبل تعبي ونصبي فلا تحرمني أجر   (1) شعب الإيمان للبيهقي (7/ 567) . (2) المرجع السابق (7/ 537) ورجاله ثقات. (3) المرجع السابق (8/ 53) . والدر المنثور للسيوطي (1/ 507) . (4) الدر المنثور للسيوطي (1/ 705) ، وشعب الإيمان (3/ 476) ط. زغلول. (5) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 46) . (6) البيهقي في شعب الإيمان (7/ 600) ورجاله ثقات. (7) المرجع السابق (7/ 566) ورجاله ثقات. (8) المرجع السابق (7/ 554) ورجاله ثقات. (9) المرجع السابق (8/ 75) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1551 المصاب على مصيبته» ) * «1» . 11- * (سئل شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله: ماذا تقولون أهل العلم في رجل ... آتاه ذو العرش مالا حجّ واعتمرا فهزّه الشّوق نحو المصطفى طربا ... الحجّ أفضل أم إيثاره الفقرا أم حجّه عن أبيه ذاك أفضل أم ... ماذا الّذي يا سادتي ظهرا فافتوا محبّا لكم إنّي فديتكمو ... وذكركم دأبه إن غاب أو حضرا فأجاب رحمه الله: نقول فيه بأنّ الحجّ أفضل من ... فعل التّصدّق والإعطاء للفقرا والحجّ عن والديه فيه برّهما ... والأمّ أسبق في البرّ الّذي ذكرا لكن إذا الفرض خصّ الأب كان إذا ... هو المقدّم فيما يمنع الضّررا كما إذا كان محتاجا إلى صلة ... وأمّه قد كفاها من يرى البشرا هذا جوابك يا هذا موازنة ... وليس مفتيك معدودا من الشّعرا) * «2» . 12- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: أمّا والّذي حجّ المحبّون بيته ... فلبّوا له عند المهلّ وأحرموا وقد كشفوا تلك الرءوس تواضعا ... لعزّة من تعنو الوجوه وتسلم يهلّون بالبيداء لبّيك ربّنا ... لك الملك والحمد الّذي أنت تعلم دعاهم فلبّوه رضا ومحبّة ... فلمّا دعوه كان أقرب منهم تراهم على الأنضاء شعثا رءوسهم ... وغبرا وهم فيها أسرّ وأنعم) * «3» من فوائد (الحج والعمرة) (1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (2) طهارة النّفس والبدن من أوزار الذّنوب والمعاصي. (3) إعلان العبوديّة لله وحده وخلع ما سواه. (4) التجرّد والتحرّر من شهوات النّفس وملذّاتها. (5) ينمّي روح المحبّة والتّعاون بين المسلمين. (6) يدعو إلى الوحدة الشّاملة الكاملة بين المسلمين. (7) إذلال للشّيطان ومرضاة للرّحمن. (8) يشعر بالمساواة بين النّاس وأنّه لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتّقوى. (9) تعليم المؤمنين البذل والفداء.   (1) شعب الإيمان للبيهقي (8/ 123) ورجاله ثقات. (2) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 10- 11) . (3) ميمية ابن القيم (20) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1552 الحذر الآيات/ الأحاديث/ الآثار 16/ 35/ 3 الحذر لغة: تدور مادّة (ح ذ ر) حول معنى التّحرّز والتّيقّظ، يقول ابن فارس «الحاء والذّال والرّاء» أصل واحد، وهو التّحرّز والتّيقّظ. يقال: حذر يحذر حذرا. ورجل حذر وحذور، وحذريان: متيقّظ متحرّز. وحذار بمعنى احذر «1» . ويرى الرّاغب أنّ الاحتراز مقيّد بكونه عن مخيف فيقول: الحذر: احتراز عن مخيف، يقال: حذر حذرا وحذرته «2» . وقد دارت كلّ تفريعات المادّة حول المعنيين السّابقين، يقول الجوهريّ: «الحذر والحذر: التّحرّز، وقد حذرت الشّيء أحذره حذرا. ورجل حذر وحذر أي متيقّظ متحرّز، والجمع حذرون وحذارى وحذرون «3» . ويقول صاحب اللّسان: الحذر والحذر: الخيفة. حذره يحذره حذرا واحتذره (الأخيرة عن ابن الأعرابيّ) .. ورجل حذر وحذر، وحاذورة وحذريان: متيقّظ شديد الحذر والفزع، متحرّز. والتّحذير: التّخويف، والحذار: المحاذرة. والمحذورة: الفزع بعينه «4» ، وجعل الفيّوميّ الحذر بمعنى الاستعداد والتّأهّب فقال: حذر حذرا من باب تعب واحتذر واحترز كلّها بمعنى استعدّ وتأهّب فهو حاذر ... وحذر الشّيء إذا خافه، فالشّيء محذور أي مخوف «5» . ومن قرأ قوله تعالى: وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (الشعراء/ 56) أي مستعدّون، ومن قرأ: حذرون فمعناه: إنّا نخاف شرّهم، وقال الفرّاء في قوله: حاذِرُونَ: روي عن ابن مسعود أنّه قال: مؤدون، أي ذوو أداة من السّلاح. وقال الزّجاج: الحاذر: المستعدّ والحذر: المتيقّظ. وقد حذّره الأمر، وأنا حذيرك منه أي محذّرك منه «6» . وقال الفيروز آباديّ في قوله تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ (النساء/ 71) أي ما فيه الحذر من السّلاح وغيره «7» . وقال ابن كثير في معنى الآية الكريمة: يأمر الله عزّ وجلّ عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوّهم وهذا   (1) المقاييس (2/ 37) . (2) المفردات (109) . (3) الصحاح (2/ 626) . (4) اللسان: مادة (حذر) (5/ 175) ، وانظر القاموس (2/ 6) . (5) المصباح المنير (4/ 176) . (6) اللسان: مادة (حذر) (5/ 175) . (7) بصائر ذوي التمييز (2/ 441) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1553 يستلزم التّأهّب لهم بإعداد الأسلحة والعدد، وتكثير العدد بالنّفير في سبيل الله» «1» . واصطلاحا: قال الرّاغب: هو احتراز عن مخيف، قال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ «2» . وقال الكفويّ: الحذر هو اجتناب الشّيء خوفا منه «3» . الفرق بين الحذر والرّهبة: الحذر فيه خوف شديد والرّهبة فيها خوف مع تحيّر «4» . من معاني كلمة الحذر في القرآن الكريم: وقد ورد الحذر في القرآن على ثلاثة أوجه، منها: الأوّل: بمعنى الخوف والخطر: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ (آل عمران/ 28) . أي يخوّفكم. الثّاني: بمعنى الإباء والامتناع: وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا (المائدة/ من الآية 41) . أي امتنعوا. الثّالث: بمعنى كتمان السّرّ: إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (التوبة/ من الآية 64) . أي مظهر ما تكتمون «5» . ويمكن أن يضاف إلى ذلك معنى الاستعداد والتّأهّب، وذلك كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ (النساء/ 71) . وقال الفيروز اباديّ- رحمه الله-: ثمّ يختلف الحذر: تارة من فتنة الأولاد: عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (التغابن/ 14) ، وتارة حذّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من مكر المنافقين: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ (المنافقين/ 4) ، وتارة حذّره صلّى الله عليه وسلّم من فتنة اليهود: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ (المائدة/ 49) ، وتارة حذر المنافقون من فضيحتهم بنزول القرآن: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ (التوبة/ 64) ، وحذر فرعون وهامان من عسكر موسى بن عمران: وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (الشعراء/ 56) ، وحذّر المسلم ممّن يخالف الرّحمن: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (النور/ 63) «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الحيطة- الوقاية الخوف- الخشية- التقوى- الفطنة- البصيرة- النظر والتبصر- اليقظة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر- العجلة- الغرور- الطيش- التفريط والإفراط- الغفلة- التهاون] .   (1) تفسير ابن كثير (1/ 137) . (2) الكليات للكفوي (2/ 269) . (3) المفردات (109) ، والكليات للكفوي (2/ 269) . (4) الكليات للكفوي (2/ 303) . (5) بصائر ذوي التمييز (2/ 441) . (6) المعنى يختلف الحذر بحسب ما يحذّر أو يحذر منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1554 الآيات الواردة في «الحذر» الحذر بمعنى الخوف والخشية مما يخاف منه: 1- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «1» 2- * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243) «2» 3- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «3» 4- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «4» 5- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «5» 6- * وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) «6» 7- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56)   (1) البقرة: 235 مدنية. (2) البقرة: 243 مدنية. (3) آل عمران: 28- 30 مدنية. (4) المائدة: 49- 50 مدنية. (5) المائدة: 92 مدنية. (6) التوبة: 122 مدنية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1555 أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «1» 8- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «2» 9- * وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «3» 10- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) * وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) «4» 11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) «5» الحذر بمعنى الاستعداد والتأهب: 12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (72) «6» 13- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101)   (1) الإسراء: 56- 75 مكية. (2) النور: 63 مدنية. (3) الزمر: 8- 9 مكية. (4) المنافقون: 1- 4 مدنية. (5) التغابن: 14- 15 مدنية. (6) النساء: 71- 72 مدنية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1556 وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «1» 14- * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) «2» الحذر بمعنى الامتناع: 15- * يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) «3» الحذر بمعنى كتمان السر: 16- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) «4»   (1) النساء: 101- 103 مدنية (2) الشعراء: 52- 59 مكية. (3) المائدة: 41 مدنية (4) التوبة: 64 مدنية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1557 الأحاديث الواردة في (الحذر) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشّيطان حسّاس لحّاس «1» ، فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمر «2» فأصابه شيء فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «3» . 2- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال. وحذّرناه. فكان من قوله أن قال: «إنّه لم تكن فتنة في الأرض، منذ ذرأ الله ذرّيّة آدم، أعظم من فتنة الدّجّال. وإنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا حذّر أمّته الدّجّال. وأنا آخر الأنبياء. وأنتم آخر الأمم. وهو خارج فيكم، لا محالة. وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم، فأنا حجيج لكلّ مسلم. وإن يخرج من بعدي، فكلّ امرئ حجيج نفسه. والله خليفتي على كلّ مسلم. وإنّه يخرج من خلّة بين الشّام والعراق فيعيث يمينا ويعيث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا. فإنّي سأصفه لكم صفة لم يصفها إيّاه نبيّ قبلي. إنّه يبدأ فيقول: أنا نبيّ ولا نبيّ بعدي. ثمّ يثنّي فيقول: أنا ربّكم. ولا ترون ربّكم حتّى تموتوا. وإنّه أعور. وإنّ ربّكم ليس بأعور. وإنّه مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه كلّ مؤمن، كاتب أو غير كاتب. وإنّ من فتنته أنّ معه جنّة ونارا. فناره جنّة وجنّته نار. فمن ابتلي بناره، فليستغث بالله وليقرأ فواتح «الكهف» . فتكون عليه بردا وسلاما. كما كانت النّار على إبراهيم. وإنّ من فتنته أن يقول لأعرابيّ: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمّك، أتشهد أنّي ربّك؟ فيقول: نعم. فيتمثّل له شيطانان في صورة أبيه وأمّه. فيقولان: يا بنيّ اتّبعه. فإنّه ربّك. وإنّ من فتنته أن يسلّط على نفس واحدة، فيقتلها، وينشرها بالمنشار، حتّى يلقى شقّتين. ثمّ يقول: انظروا إلى عبدي هذا. فإنّي أبعثه الان ثمّ يزعم أنّ له ربّا غيري. فيبعثه الله. ويقول له الخبيث: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، وأنت عدوّ الله. أنت الدّجّال. والله ما كنت بعد، أشدّ بصيرة بك منّي اليوم» . قال أبو الحسن الطّنافسيّ: فحدّثنا المحاربيّ. حدّثنا عبيد الله بن الوليد الوصافيّ عن عطيّة، عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك الرّجل أرفع أمّتي درجة في الجنّة» . قال: قال أبو سعيد: والله ما كنّا نرى ذلك الرّجل إلّا عمر بن الخطّاب. حتّى مضى لسبيله) * «4» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الاية هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ إلى أُولُوا الْأَلْبابِ   (1) حساس لحاس: شديد الحس والإدراك وكثير اللمس لما يصل إليه. (2) غمر: ريح اللحم وزهومته. (3) الترمذي (1859) واللفظ له. وأبو داود (3852) وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 403) : حديث حسن بشواهده. (4) أخرجه البخاري مقطعا رقم (7122/ 7123) ومن (7132/ 7134) . ومسلم (2942) . وابن ماجه (4077) وهذا لفظه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1558 (آل عمران/ 7) . قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم» ) * «1» . 4- * (عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة، مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال فكتب إليّ: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم جمعة، عشيّة رجم الأسلميّ، يقول: «لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم السّاعة. أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة. كلّهم من قريش» وسمعته يقول: «عصيبة «2» من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض. بيت كسرى. أو آل كسرى» . وسمعته يقول: «إنّ بين يدي السّاعة كذّابين فاحذروهم» . وسمعته يقول: «إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته» . وسمعته يقول: «أنا الفرط على الحوض «3» » ) * «4» . 5- * (عن عطيّة السّعديّ- رضي الله عنه- وكان من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين، حتّى يدع ما لا بأس به، حذرا لما به البأس» ) * «5» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «النّادم ينتظر من الله الرّحمة، والمعجب ينتظر المقت، واعلموا عباد الله أنّ كلّ عامل سيقدم على عمله، ولا يخرج من الدّنيا حتّى يرى حسن عمله، وسوء عمله، وإنّما الأعمال بخواتيمها، واللّيل والنّهار مطيّتان، فأحسنوا السّير عليهما إلى الاخرة، واحذروا التّسويف، فإنّ الموت يأتي بغتة، ولا يغتّرنّ أحدكم بحلم الله- عزّ وجلّ- فإنّ الجنّة والنّار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» ) * «6» . الأحاديث الواردة في (الحذر) معنى 7- * (عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم بعدي كلّ منافق عليم اللّسان «7» » ) * «8» . 8- * (عن عبد الرّحمن بن عمرو السّلميّ، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممّن نزّل فيه وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ   (1) البخاري- الفتح 8 (4547) واللفظ له. ومسلم (2665) . (2) عصيبة: تصغير عصبة وهي الجماعة القليلة. (3) أنا الفرط على الحوض: السابق المنتظر لسقيكم منه. (4) مسلم (1822) . (5) ابن ماجه (4215) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول (4/ 682) : حديث حسن. (6) المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 95، 96) وقال: رواه الأصبهاني من روآية ثابت بن محمد الكوفي العابد، وهو ثقة. (7) عليم اللسان: كثير العلم الظاهر بعيد عن الإيمان. (8) الهيثمي في المجمع (1/ 187) وقال: رواه البزار وأحمد وأبويعلى ورجاله موثقون. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 218) عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بنص: «إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي كلّ منافق عليم اللّسان» ... الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1559 لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (التوبة/ 92) فسلّمنا، وقلنا: أتيناك زائرين، وعائدين، ومقتبسين. فقال العرياض: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، ثمّ أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الرّاشدين تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ) * «1» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قاتل أحدكم أخاه، فليتّق الوجه» ) * «2» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رجلا استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رآه قال: «بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة» . فلمّا جلس تطلّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجهه وانبسط إليه. فلمّا انطلق الرّجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرّجل قلت له كذا وكذا، ثمّ تطلّقت في وجهه وانبسطت إليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة متى عهدتني فاحشا؟ إنّ شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه النّاس اتّقاء شرّه» ) * «3» . 11- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فاطحنوها ثمّ انظروا يوما راحا «4» فاذروه في اليمّ. ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك. فغفر الله له» . قال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذاك، وكان نبّاشا) * «5» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنّك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم. فإن هم أطاعوا لك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم. واتّق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينه وبين الله حجاب» ) * «6» . 13- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش   (1) أبو داود (4607) وهذا لفظه. والترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح. وقال الألباني (3/ 871) : صحيح. (2) البخاري- الفتح 5 (2559) . ومسلم (2612) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 10 (6032) واللفظ له. ومسلم (2591) . (4) راحا: شديد هبوب الريح. (5) البخاري- الفتح 6 (3452) واللفظ له. ومسلم (2756) . (6) البخاري- الفتح 3 (1496) واللفظ له. ومسلم (19) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1560 بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ» ) * «1» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم أن تتّخذوا ظهور دوابّكم منابر؛ فإنّ الله إنّما سخّرها لكم لتبلّغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلّا بشقّ الأنفس «2» ، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتكم» ) * «3» . 15- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» . فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بدّ، نتحدّث فيها. فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق حقّه» . قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «4» . 16- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والدّخول على النّساء» . فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» ) * «5» . 17- * (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين» . فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة «6» الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «7» . فألّحت. فقالوا: خلأت «8» القصواء. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل» ... الحديث، وفيه: فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة- وكانوا عيبة نصح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل تهامة- فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل «9» ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نجئ لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا   (1) البخاري- الفتح 13 (7283) واللفظ له. ومسلم (2283) . (2) بشق الأنفس: شق الأنفس جهدها وما تعانيه عند طلب الأمر الشاق، والحال الصعبة من الشدة. (3) أبو داود (2567) واللفظ له، وقال الألباني (2/ 488) صحيح وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) : إسناده حسن. (4) البخاري- الفتح 11 (6229) واللفظ له. ومسلم (2121) . (5) البخاري- الفتح 9 (5232) واللفظ له. ومسلم (2172) . (6) قترة: غبار. (7) حل حل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير. (8) خلأت: أي حرنت. (9) العوذ المطافيل: حديثات النّتاج، وقال في القاموس: العوذ جمع عائذ وهي حديثات النتاج من الظباء وكل أنثى، والمطافيل: جمع مطفل أي ذات طفل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1561 قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «1» . وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي، ولينفذنّ الله أمره» . فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول ... الحديث) * «2» . 18- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا، فمنّا من يصلح خباءه، ومنّا من ينتضل «3» ، ومنّا من هو في جشره «4» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «5» . وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» . فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا. والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (4/ النساء/ 29) . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله) * «6» . 19- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس. فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه. ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا   (1) جمّوا: أي استراحوا. (2) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) وهذا لفظه. ومسلم (1783، 1784، 1785) مقطعا. (3) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب. (4) في جشره: هي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها. (5) فيرقق بعضها بعضا: أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، وقيل معناه يشبه بعضه بعضا. (6) مسلم (1844) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1562 وهي القلب» ) * «1» . 20- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّاس فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ ذكر الدّجّال فقال: «إنّي لأنذركموه، وما من نبيّ إلّا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكنّي أقول لكم فيه قولا لم يقله نبيّ لقومه: تعلمون أنّه أعور، وأنّ الله ليس بأعور» ) * «2» . 21- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه. حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: «بعثت أنا والسّاعة «3» كهاتين» ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى. ويقول: «أمّا بعد. فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمّد. وشرّ الأمور محدثاتها. وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك ما لا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» ) * «4» . 22- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: «كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءه رجلان: أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السّبيل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا قطع السّبيل؛ فإنّه لا يأتي عليك إلّا قليل حتّى تخرج العير إلى مكّة بغير خفير. وأمّا العيلة؛ فإنّ السّاعة لا تقوم حتّى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه. ثمّ ليقفنّ أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، ثمّ ليقولنّ له: ألم أوتك مالا؟ فليقولنّ: بلى. ثمّ ليقولنّ: ألم أرسل إليك رسولا؟ فليقولنّ: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا النّار، ثمّ ينظر عن شماله فلا يرى إلّا النّار. فليتّقينّ أحدكم النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيّبة» ) * «5» . 23- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عديّ- لبطون قريش- حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟» . قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» . فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) * «6» . 24- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما بعث نبيّ إلّا أنذر أمّته الأعور الكذّاب، ألا إنّه أعور وإنّ ربّكم ليس بأعور، وإنّ بين عينيه مكتوب: كافر» . فيه أبو هريرة وابن عبّاس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له. ومسلم (1599) . (2) البخاري- الفتح 6 (3337) واللفظ له. ومسلم (169) . (3) يروى بنصب الساعة ورفعها والنصب أشهر على أنها مفعول معه. (4) مسلم (867) . (5) البخاري- الفتح 3 (1413) . ومسلم (1016) نحوه. (6) البخاري- الفتح 8 (4770) . (7) البخاري- الفتح 13 (7131) واللفظ له. ومسلم (2933) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1563 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحذر) 25- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: اشترى أبو بكر- رضي الله عنه- من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمل إليّ رحلي. فقال عازب: لا حتّى تحدّثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خرجتما من مكّة والمشركون يطلبونكم قال: ارتحلنا من مكّة فأحيينا- أو سرينا ليلتنا- ويومنا حتّى أظهرنا وقام قائم الظّهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظلّ فآوي إليه، فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقيّة ظلّ لها فسوّيته، ثمّ فرشت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيه، ثمّ قلت له: اضطجع يا نبيّ الله، فاضطجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثم انطلقت أنظر ما حولي، هل أرى من الطّلب أحدا؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصّخرة، يريد منها الّذي أردنا فسألته فقلت له: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش سمّاه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، قلت: فهل أنت حالب لنا؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثمّ أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثمّ أمرته أن ينفض كفّيه، فقال: هكذا- ضرب إحدى كفّيه بالأخرى- فحلب لي كثبة من لبن، وقد جعلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إداوة على فمها خرقة، فصببت على اللّبن حتّى برد أسفله، فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتّى رضيت، ثمّ قلت: قد آن الرّحيل يا رسول الله. فقال: «بلى» . فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت: هذا الطّلب قد لحقنا يا رسول الله. فقال: «لا تحزن إنّ الله معنا» ) * «1» . 26- * (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه-: أنّهم ساروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين فأطنبوا السّير حتّى كانت عشيّة، فحضرت الصّلاة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء فارس فقال: يا رسول الله إنّي انطلقت بين أيديكم حتّى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله» ، ثمّ قال: «من يحرسنا اللّيلة؟» . قال أنس بن أبي مرثد الغنويّ: أنا يا رسول الله. قال: «فاركب» فركب فرسا له، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقبل هذا الشّعب حتّى تكون في أعلاه، ولا نغرّنّ من قبلك اللّيلة» . فلمّا أصبحنا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مصلّاه فركع ركعتين، ثمّ قال: «هل أحسستم فارسكم؟» . قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه فثوّب بالصّلاة، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي، وهو يلتفت إلى الشّعب، حتّى إذا قضى صلاته وسلّم قال: «أبشروا فقد جاءكم   (1) البخاري- الفتح 7 (3652) واللفظ له. ومسلم (2019) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1564 فارسكم» . فجعلنا ننظر إلى خلال الشّجر في الشّعب، فإذا هو قد جاء حتّى وقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم فقال: إنّي انطلقت حتّى كنت في أعلى هذا الشّعب حيث أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا أصبحت اطّلعت الشّعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل نزلت اللّيلة؟» قال: لا إلّا مصلّيا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أوجبت «1» فلا عليك أن لا تعمل بعدها» ) * «2» . 27- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة «3» ، عينا «4» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «5» ، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدّثه الحديث ... ) * «6» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة رهط سريّة عينا، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاريّ- جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب- فانطلقوا ... الحديث) * «7» . 29- * (عن أنس- رضي الله عنه- يقول: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلمّا رأى ما بهم من النّصب والجوع قال: «اللهمّ إنّ العيش عيش الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجره» فقالوا مجيبين له: نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا) * «8» . 30- * (عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم- يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه. قالا: وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمان الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتّى إذا كانوا بذي الحليفة قلّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعيّ، فقال: إنّي قد تركت كعب ابن لؤيّ وعامر بن لؤيّ قد جمعوا لك الأحابش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت ... الحديث) * «9» .   (1) أوجبت: أي أتيت بفعل أوجب لك الجنة. (2) رواه النسائي، وأبو داود واللفظ له (2501) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 475) : صحيح. والمنذري في الترغيب (2/ 251- 252) . (3) بسيسة: قال القاضي: هكذا هو في جميع النسخ. قال: والمعروف في كتب السيرة: بسبس، وهو ابن عمرو، ويقال: ابن بشر من الأنصار، من الخزرج. ويقال حليف لهم. قلت (أي الإمام النوويّ) : يجوز أن يكون أحد اللفظين اسما له، والآخر لقبا. (4) عينا: أي متجسسا ورقيبا. (5) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره. قال في المشارق: العير هي الإبل والدواب تحمل الطعام وغيره من التجارات. قال: ولا تسمى عيرا إلا إذا كانت كذلك. وقال الجوهريّ في الصحاح: العير الإبل تحمل الميرة. جمعها عيرات. (6) مسلم (1901) . (7) البخاري- الفتح 6 (3045) . (8) البخاري- الفتح 7 (4099) . (9) أحمد (4/ 328) وهذا لفظه. وهو عند البخاري ومسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1565 31- * (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف، فصفّنا صفّين، صفّ خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعدوّ بيننا وبين القبلة، فكبّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكبّرنا جميعا ثمّ ركع وركعنا جميعا، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع ورفعنا جميعا، ثمّ انحدر بالسّجود والصّفّ الّذي يليه، وقام الصّفّ المؤخّر في نحر العدوّ، فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّجود وقام الصّفّ الّذي يليه، انحدر الصّفّ المؤخّر بالسّجود وقاموا، ثمّ تقدّم الصّف المؤخّر وتأخّر الصّفّ المقدّم، ثمّ ركع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وركعنا جميعا، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع ورفعنا جميعا، ثمّ انحدر بالسّجود والصّفّ الّذي يليه، الّذي كان مؤخّرا في الرّكعة الأولى، وقام الصّف المؤخّر في نحور العدوّ فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّجود والصّفّ الّذي يليه. انحدر الصّف المؤخّر بالسّجود فسجدوا، ثمّ سلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسلّمنا جميعا) * «1» . قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم. 32- * (عن أنس عن أبي بكر- رضي الله عنهما- قال: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا في الغار: لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» ) * «2» . 33- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه-: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلّما يريد غزوة يغزوها إلّا ورّى بغيرها، حتّى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدوّ كثير، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة عدوّهم، وأخبرهم بوجهه الّذي يريد) * «3» . 34- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جيشا من الرّماة، وأمّر عليهم عبد الله، وقال: «لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا» . فلمّا لقينا هربوا، حتّى رأيت النّساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهنّ قد بدت خلاخلهنّ، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا تبرحوا فأبوا، فلمّا أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلا، وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمّد؟ فقال: «لا تجيبوه» ، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال: «لا تجيبوه» . فقال: أفي القوم ابن الخطّاب؟ فقال: إنّ هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدوّ الله أبقى الله عليك ما يحزنك. قال أبو سفيان: أعل هبل. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل» . قال أبو سفيان: لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» . قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني) * «4» . 35- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 7 (4125، 4126، 4127، 4136) مجزئا. وذكره مسلم بتمامه (840) واللفظ لمسلم. (2) البخاري- الفتح 7 (3653) . (3) البخاري- الفتح 6 (2948) واللفظ له. ومسلم (2769) . (4) البخاري- الفتح 7 (4043) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1566 أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال في سفر له: «من يكلؤنا اللّيلة، لا نرقد، عن صلاة الصّبح؟» قال بلال: أنا، فاستقبل مطلع الشّمس، فضرب على آذانهم، حتّى أيقظهم حرّ الشّمس، فقاموا، فقال: «توضّئوا» ، ثمّ أذّن بلال، فصلّى ركعتين وصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ صلّوا الفجر) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحذر) 1- * (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنّ عائشة وعبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهم- قالا: لعنة الله على اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذّر ما صنعوا) * «2» . 2- * (قال معاذ- رضي الله عنه- عند موته يوصي الحارث بن عميرة: اسمع منّي فإنّي أوصيك بوصيّة، إنّ الّذي تبكي عليّ من غدوّك ورواحك فإنّ العلم المصحف «3» فإن أعيا عليك تفسيره فاطلبه بعدي عند ثلاثة: عويمر أبي الدّرداء، أو عند سلمان الفارسيّ، أو عند ابن أمّ عبد. واحذر زلّة العالم وجدال المنافق» ، ثمّ إنّ معاذا اشتدّ به نزع الموت فنزع نزعا لم ينزعه أحد، فكان كلّما أفاق من غمرة فتح طرفه (اختفني حقتك «4» ) فوعزّتك لتعلم أنّي أحبّك. فلمّا قضى نحبه انطلق الحارث حتّى أتى أبا الدّرداء بحمص فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث، ثمّ قال الحارث: أخي معاذ أوصاني بك وسلمان الفارسيّ وابن أمّ عبد، ولا أراني إلّا منطلقا إلى العراق، فقدم الكوفة فجعل يحضر مجلس ابن أمّ عبد بكرة وعشيّة، فبينا هو كذلك ذات يوم في المجلس قال ابن أمّ عبد: من أنت. قال: امرؤ من الشّام. قال ابن أمّ عبد: نعم الحيّ أهل الشّام لولا واحدة. قال الحارث: وما تلك الواحدة. قال: لولا أنّهم يشهدون على أنفسهم أنّهم من أهل الجنّة. قال: فاسترجع الحارث مرّتين أو ثلاثا. قال: صدق معاذ فيما قال لي. فقال ابن أمّ عبد: ما قال لك يا ابن أخي؟ قال: حذّرني زلّة العالم والله ما أنت يا ابن مسعود إلّا أحد رجلين: إمّا رجل أصبح على يقين يشهد أن لا إله إلّا الله، فأنت من أهل الجنّة، أو رجل مرتاب لا تدري أين منزلك. قال ابن مسعود: صدق أخي، إنّها زلّة فلا تؤاخذني بها. فأخذ ابن مسعود بيد الحارث فانطلق به إلى رحله فمكث عنده ما شاء الله، ثمّ قال الحارث: لا بدّ لي أن أطالع أبا عبد الله سلمان الفارسيّ بالمدائن، فانطلق الحارث حتّى قدم على   (1) أخرجه النسائي (1/ 298) وهذا لفظه وقال محقق جامع الأصول (5/ 197) : إسناده صحيح. ونحوه عند أبي داود (447) من حديث عبد الله وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 195) : صحيح. (2) البخاري- الفتح 1 (35، 436) واللفظ له، ومسلم (531) . (3) هكذا في الأصل بياض. (4) هكذا وردت في الأصل- ولعل كلاما ساقطا هنا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1567 سلمان الفارسيّ بالمدائن فلمّا سلّم عليه قال: مكانك حتّى أخرج إليك. قال الحارث: والله ما أراك تعرفني يا أبا عبد الله. قال بلى، عرفت روحي روحك قبل أن أعرفك، إنّ الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها في غير الله اختلف، فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث ثمّ رجع إلى الشّام. فأولئك الّذين يتعارفون في الله ويتزاورون في الله» ) * «1» . 3- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ (آل عمران/ 30) : أي يخوّفكم عقابه) * «2» . من فوائد (الحذر) (1) الحذر يوصل إلى السّلامة وتحقيق المطلوب في الدّنيا والآخرة. (2) الحذر صفة إيمانيّة تقي المؤمن شرّ المعاصي. ومن الشّرّ وأهله والشّيطان وشركه، ومن النّفس وهواها. (3) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضرب المثل الأعلى في تحذير أمّته فما من شيء من الشّرّ إلّا وحذّرهم منه. (4) على المؤمنين أن يحذروا وينصح بعضهم بعضا حتّى يكونوا مجتمعا سليما معافى. (5) دليل اليقظة والإدراك عند المسلم. (6) أخذ الأهبة والاستعداد لمواجهة الأعداء. (7) الحذر من أهل النّفاق والّذين في قلوبهم زيغ واجب إيمانيّ. (8) التسويف وتأخير الواجبات ممّا حذّرنا منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.   (1) الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 313) وقال: رواه البزار وروى أحمد بعضه. وفي إسناد البزار شهر بن حوشب وفيه كلام. وقد وثقه غير واحد وروى الطبراني في الكبير طرفا منه. وورد طرف منه في الحلية (1/ 198) . (2) تفسير ابن كثير (1/ 366) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1568 المجلد الخامس موسوعة نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم الإشراف العام صالح بن عبد الله بن حميد ... عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح إمام وخطيب الحرم المكي ... مؤسس ومدير دار الوسيلة للنشر والتوزيع لجنة الإعداد: بإشراف الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد أ. محمد أحمد سيد أحمد ... أ. محمد إسماعيل السيد أحمد أ. صلاح محمد عرفات ... أ. ناصر مهلل محمد حامد لجنة المراجعة والضبط: بإشراف أ. د. على خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي ... أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي د. عزت عبد الحميد إبراهيم ... د. أحمد علي محمود ربيع د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد ... د. يس إبراهيم عفيفي لجنة اللغة والتدقيق والفهرسة: بإشراف أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة العربية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أ. د. عبد الصبور السيد أحمد الغندور أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أ. د. محمد أحمد حسب الله أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أ. د. سيد أحمد طهطاوي أ. د. سعيد محمد صوابي أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن د. أحمد كامل صالح د. فراج جودة فراج د. عاصم بدري حسين أ. سبيع حمزة حاكمي أ. أحمد شعبان الباسل أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي أ. فؤاد محمد نور أبو الخير إعداد السيرة النبوية: أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي إعداد المقدمة التربوية: أ. د. علي خليل أبو العينين أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا أستاذ ورئيس أصول التربية الإسلامية الإدارة والمتابعة: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح فؤاد محمد نور أبو الخير برامج الحاسب الآلي: م. ناظم يحيى عبد الرازق م. نبيل أكرم نوح الجمع والتنضيد بإشراف: توني نجيب زيدان أحمد طارق علي بيومي هاني محمد أحمد فرج كمال حمزة أحمد يوسف عبد الباقي محمود مصطفى سعيد محمد محمد رضا محمد محمود كمال مصطفي أبو زيد عبد الإله محمود عساف الجزء: 5 بعون الله تعالى وتوفيقه شارك في إعداد هذه الموسوعة 1- الشيخ أ. د. صالح بن عبد الله بن حميد خطيب وإمام الحرم المكي، وعضو مجلس الشورى، وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا. 2- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام مؤسسة بن ملّوح التجارية وفروعها دار الوسيلة للنشر والتوزيع ومؤسسة الصيانة الوقائية الشاملة- جدة. 3- أ. فؤاد محمد نور أبو الخير نائب مدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ونائب مدير عام مدارس الثغر النموذجية سابقا، ومدير القسم المتوسط والثانوي بمدارس دار الفكر سابقا. 4- أ. د. علي خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق فرع بنها، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة سابقا. 5- أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 6- أ. د. حسام الدين قوام الدين السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا. 7- أ. د. محمد أحمد حسب الله أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 8- أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمات بالطائف. 9- أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي أستاذ البلاغة بكلية اللغة العربية بالمنوفية. 10- أ. د. عبد الصبور السيد الغندور أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 11- أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 12- أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أستاذ الأدب المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وكلية التربية بالطائف. 13- أ. د. سعيد محمد صوابي أستاذ علوم الحديث المشارك بجامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 14- أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن أستاذ التربية الإسلامية المشارك بكلية التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة، وكلية المعلمين بالطائف. 15- أ. د. السيد أحمد طهطاوي أستاذ أصول التربية المشارك بجامعة أسيوط، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 16- د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد أستاذ البلاغة والنقد المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة. 17- د. أحمد علي محمود ربيع أستاذ أصول اللغة المساعد بجامعة الأزهر، وجامعة كوالالامبور بماليزيا. 18- د. أحمد كامل محمد صالح أستاذ التاريخ المساعد بكلية دار العلوم بالقاهرة، وكلية التربية بجامعة أم القرى- فرع الطائف. 19- د. عزت عبد الحميد إبراهيم أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمين بعرعر بالملكة العربية السعودية. 20- د. عاصم بدري حسين أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية المعلمات بالطائف. 21- د. فراج جودة فراج أستاذ الأدب المساعد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكلية التربية بالطائف. 22- د. يس إبراهيم عفيفي دكتوراة في اللغويات من جامعة الأزهر. 23- أ. سمير محمد عبد التواب وكيل وزارة الإعلام بالقاهرة سابقا. 24- أ. صلاح محمد عرفات المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة. 25- أ. محمد أحمد سيد أحمد المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة. 26- أ. محمد إسماعيل السيد أحمد المحاضر بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 27- أ. ناصر مهلل محمد حامد خريج معهد الدعاة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. 28- أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط محقق تراث، الجمهورية العربية السورية. 29- أ. سبيع حمزة حاكمي محقق تراث، الجمهورية العربية السورية. 30- أ. أحمد شعبان الباسل المحاضر بكلية التربية- فرع جامعة أم القرى- الطائف. 31- أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي تخصص القراءات (دبلوم في الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق بالقاهرة) . الجزء: 5 محتويات المجلد الخامس م اسم الصفة رقم الصفحة 82/ تابع حرف الحاء 82 حسن الخلق 1569 83 حسن السمت 1587 84 حسن الظن 1596 85 حسن العشرة 1609 86 حسن المعاملة 1623 87 حفظ الإيمان 1639 88 حفظ الفرج 1654 89 حق الجار 1665 90 الحكمة 1677 91 الحكم بما أنزل الله 1706 92 الحلم 1735 93 الحمد 1753 94 الحنان 1782 95 الحوقلة 1789 96 الحياء 1795 م اسم الصفة رقم الصفحة 97 الحيطة 1815 حرف الخاء 98 الخشوع 1824 99 الخشية 1838 100 خفض الصوت 1857 101 الخوف 1866 حرف الدال 102 الدعاء 1901 103 الدعوة إلى الله 1945 حرف الذال 104 الذكر 1961 حرف الراء 105 الرأفة 2014 106 الرجاء 2022 107 الرجولة 2041 الجزء: 5 [تابع حرف الحاء] حسن الخلق الحسن لغة: الحاء والسّين والنّون أصل واحد، فالحسن ضدّ القبح، يقال: رجل حسن، وامرأة حسناء، وحسّانة، والحسن: الجمال. وهو نعت لما حسن. يقال: حسن الشّيء وحسن يحسن حسنا فيهما فهو حاسن وحسن. قال الجوهريّ: تقول قد حسن الشّيء وإن شئت خفّفت الضّمّة فقلت: حسن الشّيء، والحسّان بالضّمّ أحسن من الحسن، وأحاسن القوم حسانهم، وفي الحديث: «أحاسنكم أخلاقا الموطّأون أكنافا» وهي الحسنى (مؤنّث الأحسن) . وقوله تعالى: وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (الليل/ 6) . قيل أراد الجنّة، وكذلك قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ (يونس/ 26) . فالحسنى هي الجنّة، والزّيادة هي النّظر إلى وجه الله تعالى، وقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة/ 83) . قال ابن جنّي: هي مصدر بمنزلة الحسنى، ومعنى الآية: حسنا أي قولا ذا حسن. وقوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ (التوبة/ 100) . أي باستقامة وسلوك الآيات الأحاديث الآثار 8 56 20 الطّريق الّذي درج السّابقون عليه. والحسنة ضدّ السّيّئة، والمحاسن في الأعمال ضدّ المساويء. وقوله تعالى: إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف/ 78) . الّذين يحسنون التّأويل، وقوله تعالى: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ (الرعد/ 22) . أي يدفعون بالكلام الحسن ما ورد عليهم من سيّء غيرهم، وقوله تعالى: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ (الأنعام/ 154) . قال أبو إسحاق: يكون تماما على المحسن، والمعنى: تماما من الله على المحسنين، ويكون تماما الّذي أحسن أي على الّذي أحسنه موسى من طاعة الله واتّباع أمره «1» ، وقوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الإسراء/ 34) . قيل: هو أن يأخذ من ماله ما ستر عورته وسدّ جوعته، وقوله عزّ وجلّ: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (السجدة/ 7) . أحسن يعني حسّن، يقول: حسّن خلق كلّ شيء، وقوله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (الأعراف/ 180) تأنيث الأحسن، يقال: الاسم الأحسن، والأسماء الحسنى، ولو قيل في غير القرآن الحسن. لجاز، والحسنة النّعمة «2» .   (1) على الرأي الأول يكون الذي صفة لموسى عليه السلام، وعلى الثاني يكون صفة للعمل. (2) مقاييس اللغة (2/ 57) ، والقاموس المحيط (4/ 215- 216) ، ولسان العرب (13/ 115- 117) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1569 الخلق لغة: الخلق اسم لسجيّة الإنسان وطبيعته الّتي خلق عليها، وهو مأخوذ من مادّة (خ ل ق) الّتي تدلّ على تقدير الشّيء، قال ابن فارس ومن هذا المعنى «الخلق» وهي السّجيّة لأنّ صاحبه قد قدّر عليه، وفلان خليق بكذا. وأخلق به، أي ما أخلقه، أي هو ممّن يقدّر فيه ذلك، والخلاق النّصيب لأنّه قد قدّر لكلّ أحد نصيبه «1» . وقال الرّاغب: الخلق والخلق (والخلق) في الأصل واحد لكن خصّ الخلق بالهيئات والأشكال والصّور المدركة بالبصر، وخصّ الخلق بالقوى والسّجايا المدركة بالبصيرة، قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم/ 4) . والخلاق أيضا ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه، قال تعالى: وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ «2» ، والخليقة: الطّبيعة والجمع الخلائق. قال لبيد: فاقنع بما قسم المليك فإنّما ... قسم الخلائق بيننا علّامها والخلقة بالكسر: الفطرة، ويقال: خلق فلان لذلك بالضّمّ كأنّه ممّن يقدّر فيه ذلك وترى فيه مخائله، والخلق والخلق السّجيّة، يقال: خالص المؤمن وخالق الفاجر» ويقال: فلان يتخلّق بغير خلقه أي يتكلّفه، قال الشّاعر: يا أيّها المتحلّي غير شيمته ... إنّ التّخلّق يأتي دونه الخلق «3» الخلق اصطلاحا: قال الماورديّ: الأخلاق: غرائز كامنة، تظهر بالاختيار، وتقهر بالاضطرار «4» . وقال الجرجانيّ: الخلق عبارة عن هيئة للنّفس راسخة يصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويّة، فإن كانت الهيئة بحيث يصدر عنها الأفعال الجميلة عقلا وشرعا بسهولة سمّيت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصّادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة الّتي هي مصدر ذلك خلقا سيّئا، وإنّما قلنا إنّه هيئة راسخة لأنّ من يصدر منه بذل المال على النّدور بحالة عارضة لا يقال خلقه السّخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه «5» . حسن الخلق اصطلاحا: قال القزوينيّ- رحمه الله-: ومعنى حسن الخلق: «سلامة النّفس نحو الأرفق الأحمد من الأفعال، وقد يكون ذلك في ذات الله تعالى، وقد يكون فيما بين النّاس» . أمّا ما يتعلّق بذات الله- عزّ وجلّ- فهو: «أن يكون العبد منشرح الصّدر بأوامر الله تعالى ونواهيه، يفعل ما فرض عليه، طيّب النّفس به، سلسا نحوه، وينتهي عمّا حرّم عليه، راضيا به، غير متضجّر منه،   (1) مقاييس اللغة (2/ 214) . (2) المفردات للراغب (158) . (3) الصحاح (4/ 1471) . (4) تسهيل النظر وتعجيل الظفر، للماوردي (5) . (5) التعريفات للجرجاني (104) ، إحياء علوم الدين (3/ 58) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1570 ويرغب في نوافل الخير، ويترك كثيرا من المباح لوجهه تعالى وتقدّس، إذا رأى أنّ تركه أقرب إلى العبوديّة من فعله مستبشرا لذلك، غير ضجر منه، ولا متعسّر به» . أمّا في المعاملات بين النّاس فهو «أن يكون سمحا لحقوقه، لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب لغيره عليه منها، فإن مرض ولم يعد، أو قدم من سفر فلم يزر، أو سلّم فلم يردّ عليه، أو ضاف فلم يكرم، أو شفع فلم يجب، أو أحسن فلم يشكر، أو دخل على قوم فلم يمكّن، أو تكلّم فلم ينصت له، أو استأذن على صديق فلم يؤذن له، أو خطب فلم يزوّج، أو استمهل الدّين فلم يمهل، أو استنقص منه فلم ينقص، وما أشبه ذلك ولم يغضب، ولم يعاقب، ولم يتنكّر من حاله حال، ولم يستشعر في نفسه أنّه قد حفي وأوحش، وأنّه لا يقابل كلّ ذلك إذا وجد السّبيل إليه بمثله، بل يضمر أنّه لا يعتدّ بشيء من ذلك، ويقابل كلّا منه بما هو أحسن وأفضل وأقرب منه إلى البرّ والتّقوى، وأشبه بما يحمد ويرضى، ثمّ يكون في إيفاء ما يكون عليه، كهو في حفظ ما يكون له، فإذا مرض أخوه المسلم عاده، وإن جاء في شفاعة شفّعه، وإن استمهله في قضاء دين أمهله، وإن احتاج منه إلى معونته أعانه، وإن استسمحه في بيع سمح له، ولا ينظر إلى أنّ الّذي يعامله كيف كانت معاملته إيّاه فيما خلا، وكيف يعامل النّاس، إنّما يتخّذ الأحسن إماما لنفسه، فينحو نحوه ولا يخالفه» «1» . وقال الماورديّ- رحمه الله-: حسن الخلق، أن يكون سهل العريكة، ليّن الجانب، طلق الوجه، قليل النّفور، طيّب الكلمة «2» . حقيقة حسن الخلق وأركانه: وحقيقته أنّه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه، وأوصافها ومعانيها المختصّة بها بمنزلة الخلق لصورتها الظّاهرة وأوصافها ومعانيها، ولها أوصاف حسنة وقبيحة. والثّواب والعقاب يتعلّقان بأوصاف الصّورة الباطنة أكثر ممّا يتعلّقان بأوصاف الصّورة الظّاهرة، ولذا تكرّرت الأحاديث في مدح حسن الخلق وذمّ سوءه «3» . وقال أحدهم: حسن الخلق قسمان: أحدهما مع الله- عزّ وجلّ- وهو أن تعلم أنّ كلّ ما يكون منك يوجب عذرا، وأنّ كلّ ما يأتي من الله يوجب شكرا، فلا تزال شاكرا له معتذرا إليه سائرا إليه بين مطالعة منّته وشهود عيب نفسك وأعمالك. والثّاني: حسن الخلق مع النّاس: وجماعه أمران: بذل المعروف قولا وفعلا، وكفّ الأذى قولا وفعلا. وهذا إنّما يقوم على أركان خمسة: العلم والجود   (1) مختصر شعب الايمان، للقزويني (116- 117) . (2) أدب الدنيا والدين، للماوردي (237) . (3) غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب، لمحمد السافريني الحنبلي (1/ 353- 354) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1571 والصّبر وطيب العود وصحّة الإسلام: (1) أمّا العلم: فلأنّه يعرف معالي الأخلاق وسفاسفها فيمكنه أن يتّصف بهذا ويتحلّى به، ويترك هذا ويتخلّى عنه. (2) وأمّا الجود: فسماحة نفسه وبذلها وانقيادها لذلك، إذا أراده منها. (3) وأمّا الصّبر: فلأنّه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائه لم يتهيّأ له. (4) وأمّا طيب العود: فأن يكون الله تعالى خلقه على طبيعة منقادة سهلة الانقياد، وسريعة الاستجابة لداعي الخيرات. (5) وأمّا صحّة الإسلام: فهي جماع ذلك، والمصحّح لكلّ خلق حسن، فإنّه بحسب قوّة إيمانه وتصديقه بالجزاء، وحسن موعود الله وثوابه، يسهل عليه تحمّل ذلك ويلذّ له الاتّصاف به. والله الموفّق والمعين «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإحسان- الأدب- الألفة- البر- بر الوالدين- البشاشة- حسن السمت- حسن الظن- حسن العشرة- حسن المعاملة- الحياء- الصبر والمصابرة- الجود- العلم- الكلم الطيب- التواضع- الرضا- غض البصر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- البذاءة- السفاهة- سوء الخلق- الفجور- سوء الظن- إطلاق البصر- الحقد- البخل- الحسد- البغض- النميمة- الاستهزاء- الاعوجاج- السخرية- سوء المعاملة- إطلاق البصر] .   (1) تهذيب السنن لابن القيم، شرح سنن أبي داود: (13/ 130) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1572 الآيات الواردة في «حسن الخلق» 1- ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) «1» الآيات الواردة في «حسن الخلق» معنى 2- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «2» 3- ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) «3» 4- وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) «4» 5- * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «5» 6- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) «6» 7- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)   (1) القلم: 1- 4 مكية (2) البقرة: 83 مدنية (3) الإسراء: 53 مكية (4) المؤمنون: 96 مكية (5) العنكبوت: 46 مكية (6) فصلت: 33- 35 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1573 وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72) «1» 8- يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «2»   (1) الفرقان: 62- 72 مكية (2) لقمان: 17- 19 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1574 الأحاديث الواردة في (حسن الخلق) 1- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت، وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «1» . 2- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتي الله بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قال: يا ربّ آتيتني مالك، فكنت أبايع النّاس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال الله: أنا أحقّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي» ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا» ) * «3» . 4- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا زعيم «4» ببيت في ربض «5» الجنّة لمن ترك المراء «6» وإن كان محقّا، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسن خلقه» ) * «7» . 5- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّ سعد بن هشام سألها فقال: يا أمّ المؤمنين: أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: أليس تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: «فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن» ) * «8» . 6- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنّ الله عزّ وجلّ- يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الدّين إلّا لمن أحبّ، فمن أعطاه الله الدّين فقد أحبّه، والّذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتّى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتّى يأمن جاره بوائقه» ، قالوا: وما بوائقه يا نبيّ الله! قال: «غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا   (1) الترمذي (1987) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) البخاري- الفتح 6 (3480) من حديث أبي هريرة نحوه. ومسلم 3 (1560) واللفظ له. (3) الترمذي (1162) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح (2615) . وأحمد (2/ 250، 472) وصححه ابن حبان (1311) والحاكم (1/ 3) . وقال محقق رياض الصالحين: سنده حسن (232) . وأخرجه الحاكم (1/ 53) بلفظ: «إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله» . وقال: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ. (4) الزعيم: الضامن. (5) ربض الجنة: ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدينة وتحت القلاع. (6) المراء: الجدل. (7) أبو داود (4800) واللفظ له. قال النووي (233) : حديث صحيح بإسناد صحيح. وقال محقق رياض الصالحين (233) : سنده قوي وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عند الطبراني في الصغير (166) . (8) مسلم (746) مطولا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1575 يتصدّق به فيقبل منه، ولا يترك خلف ظهره إلّا كان زاده إلى النّار. إنّ الله- عزّ وجلّ- لا يمحو السّيّء بالسّيّء ولكن يمحو السّيّء بالحسن، إنّ الخبيث لا يمحو الخبيث» ) * «1» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصّائم القائم» ) * «2» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما بعثت لأتمّم صالح الأخلاق» ) * «3» . 9- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإنّ أبغضكم إليّ، وأبعدكم منّي مجلسا يوم القيامة، الثّرثارون «4» والمتشدّقون «5» والمتفيهقون «6» » . قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثّرثارون والمتشدّقون، فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبّرون» ) * «7» . 10- * (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس» ) * «8» . 11- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) (الأعراف/ 199) قال: ما أنزل الله يعني هذه الآية، إلّا في أخلاق النّاس. وعنه أيضا قال: أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس، أو كما قال) * «9» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكثر ما يدخل النّاس الجنّة؟ فقال: «تقوى الله وحسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل النّاس النّار؟ فقال: «الفم والفرج» ) * «10» . 13- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه-   (1) أحمد (1/ 387) واللفظ له، والحاكم (1/ 33، 34 و (4/ 165) إلى قوله: «فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه» . وصححه ووافقه الذهبي. (2) أبو داود (4798) واللفظ له. وقال مراجع رياض الصالحين (2323) : وله شاهد صحيح عن أبي هريرة عند الحاكم (1/ 60) ، وصححه ابن حبان (1927) . (3) أحمد (2/ 381) واللفظ له. والحاكم (2/ 613) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول (4/ 4) : قال الزرقاني: رواه أحمد وقاسم بن أصبغ والحاكم والخرائطي برجال الصحيح عن محمد بن عجلان ... عن أبي هريرة، وقال ابن عبد البر: هو حديث مدني متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة. (4) الثرثار: هو كثير الكلام تكلفا. (5) المتشدق: المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحا وتعظيما لكلامه. (6) المتفيهق: أصله من الفهق، وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه، ويعرب به تكبرا وارتفاعا، وإظهارا للفضيلة على غيره. (7) رواه الترمذي (2018) ، وقال: حديث حسن، وصححه ابن حبان (1917) . (8) مسلم (2553) وجاءت عنده الروايتان (في صدرك) ، (وفي نفسك) . (9) البخاري- الفتح 8 (4643، 4644) . (10) الترمذي 4 (2004) وقال: هذا حديث صحيح غريب، وقال محقق جامع الأصول (11/ 694) : حديث صحيح بشواهده، ورواه ابن حبان في صحيحه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1576 قال: آخر ما أوصاني به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين وضعت رجلي في الغرز «1» أن قال: «أحسن خلقك للنّاس يا معاذ بن جبل» ) * «2» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا بلغ أبا ذرّ مبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ يأتيه الخبر من السّماء، واسمع من قوله ثمّ ائتني، فانطلق الأخ حتّى قدمه وسمع من قوله ثمّ رجع إلى أبي ذرّ فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشّعر .... الحديث» ) * «3» . 15- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ الله ليبغض الفاحش البذيء» ) * «4» . 16- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإنّ صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصّوم والصّلاة) * «5» . 17- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا فأرسلني يوما لحاجة، فقلت: والله لا أذهب- وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم- قال: فخرجت حتّى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السّوق فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه- وهو يضحك- فقال: «يا أنيس، اذهب حيث أمرتك» قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين، ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت كذا وكذا، ولا لشىء تركت: هلّا فعلت كذا وكذا) * «6» .   (1) الغرز: ركاب كور الجمل اذا كان من الجلد. (2) الموطأ (2/ 902) واللفظ له في حسن الخلق وهو من غير إسناد. قال ابن عبد البر كما في (جامع الأصول 4/ 4) : لكن ورد معناه، وذكر الزرقاني أحاديث من شواهده، وقال محقق جامع الأصول (4/ 4) : الحديث حسن بطرقه وشواهده التي تشهد له بالمعنى. (3) البخاري- الفتح 7 (3861) واللفظ له، ومسلم (2474) . (4) الترمذي 4/ 2002) واللفظ له، وقال: حسن صحيح، والبذيء: هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام، وأبو داود (4799) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 6) : إسناده حسن، وقال مراجع رياض الصالحين (232) : الحديث صحيح. (5) الترمذي 4 (2003) وأبو داود رقم 4799 وقال محقق جامع الأصول (4/ 6) : إسناده حسن. (6) أبو داود (4773) ، وقال الألباني (3/ 907) : حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1577 الأحاديث الواردة في (حسن الخلق) معنى 18- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتّى تختلطوا بالنّاس، من أجل أن يحزنه» ) * «1» . 19- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة» . قالوا: بلى، قال: «صلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة» ) * «2» . 20- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار أو بمن تحرم عليه النّار: على كلّ قريب هيّن سهل» ) * «3» . 21- * (عن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزنيّ وهو من أهل بيعة الرّضوان- رضي الله عنه- أنّ أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدوّ الله مأخذها، فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟ فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره فقال: «يا أبا بكر لعلّك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك» . فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه آغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخيّ) * «4» 22- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأشجّ عبد القيس: «إنّ فيك خصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة» ) * «5» . 23- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» ) * «6» . 24- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل الجليس الصّالح والجليس السّوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمّا أن يحذيك «7» ، وإمّا أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحا طيّبة. ونافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد منه ريحا خبيثة» ) * «8» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 11 (6288) ، ومسلم 4 (2184) واللفظ له. (2) الترمذي 4 (2509) وقال: هذا حديث صحيح. ويروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» . (3) الترمذي 4 (2488) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) : وهو كما قال الترمذي. (4) مسلم (2504) . (5) مسلم (17) . (6) مسلم (2865) . (7) يحذيك: أي يعطيك. (8) البخاري- الفتح 4 (2101) . ومسلم (2628) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1578 عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان تاجر يداين النّاس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنّا، فتجاوز الله عنه» ) * «1» . 26- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال ... وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصطبرون على الأذى. قال الله تعالى: (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... ) الآية. وقال الله: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ... ) الآية، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتأوّل العفو ما أمره الله به حتّى أذن الله فيهم ... الحديث) * «2» . 27- * (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «3» » ) * «4» . 28- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «5» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «6» مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر» ) * «7» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحّينّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنّة» ) * «8» . 31- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أعطي حظّه من الرّفق فقد أعطي حظّه من الخير، ومن حرم حظّه من الرّفق فقد حرم حظّه من الخير» ) * «9» . 32- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول لله صلّى الله عليه وسلّم: « ... ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه» ) * «10» . 33- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «11» .   (1) البخاري- الفتح 4 (2078) واللفظ له، ومسلم (1562) . (2) البخاري- الفتح 8 (4566) . (3) بوجه طلق: أي وجه منبسط متهلل. (4) مسلم (2626) . (5) البخاري- الفتح 10 (6077) ، ومسلم (2560) . (6) لا يفرك: أي لا يبغضها بغضا يؤدي إلى تركها. (7) مسلم (1469) . (8) مسلم (1914) . (9) الترمذي 4 (2013) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ومسلم (2592) بلفظ: «من يحرم الرفق يحرم الخير» . وزاده أبو داود لفظ «كله» (4809) . (10) أبو داود (1672) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (11/ 692) : إسناده صحيح. النسائي (5/ 82) الزكاة. (11) البخاري- الفتح 10 (6125) واللفظ له. ومسلم (1734) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1579 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن الخلق) . 34-* (عن أمّ خالد بنت خالد بن سعيد رضي الله عنهما- قالت: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أبي وعليّ قميص أصفر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «سنه سنه» . قال عبد الله وهي بالحبشيّة: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النّبوّة فزبرني «1» أبي. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعه. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبلي وأخلقي «2» ، ثمّ أبلي وأخلقي، ثمّ أبلي وأخلقي» . قال عبد الله: فبقيت حتّى ذكر ... يعني من بقائها) * «3» . 35- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: استأذنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في العمرة، فأذن لي، وقال: «لا تنسنا يا أخيّ من دعائك «فقال كلمة ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا، قال شعبة: ثمّ لقيت عاصما بعد بالمدينة. فحدّثنيه وقال: «أشركنا يا أخي في دعائك» ) * «4» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا بال في المسجد، فثار إليه النّاس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء «5» أو سجلا من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ) * «6» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا يا رسول الله إنّك تداعبنا، قال: «إنّي لا أقول إلّا حقّا» ) * «7» . 38- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام «8» عليكم. فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله وغضب الله عليكم. قال: «مهلا يا عائشة عليك بالرّفق، وإيّاك والعنف والفحش» . قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في» ) * «9» . 39- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت) * «10» . 40- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ   (1) فزبرني أبي: تعني نهرني من الزبر وهو الزجر والمنع وزنا ومعنى. (2) أبلي وأخلقي: دعاء بمعنى طول العمر والتمتع فيه. (3) البخاري- الفتح 10 (5993) . (4) أبو داود (1498) واللفظ له وقال صاحب عون المعبود: قال المنذري: أخرجه الترمذي وابن ماجة. ونقل تصحيح الترمذي له (4/ 366) رقم الحديث (1484) . والترمذي (3562) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (2894) . (5) الذّنوب: الدّلو العظيمة المملوءة بالماء وكذلك السّجل. (6) البخاري- الفتح 10 (6128) واللفظ له. ولمسلم (284) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. (7) الترمذي (1990) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (8) السّام: الموت. (9) البخاري- الفتح 10 (6030) واللفظ له. ومسلم (2165) . (10) البخاري- الفتح 10 (6072) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1580 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وضع صبيّا في حجره يحنّكه «1» فبال عليه فدعا بماء فأتبعه) * «2» . 41- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل نجد، فلمّا قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه «3» ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتفرّق النّاس يستظلّون بالشّجر. فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة وعلّق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعونا، وإذا عنده أعرابيّ فقال: «إنّ هذا اخترط عليّ سيفي «4» وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا «5» » . فقال: من يمنعك منّي؟ فقلت: «الله» (ثلاثا) » ، ولم يعاقبه وجلس) * «6» . 42- * (عن الصّعب بن جثّامة- رضي الله عنه- قال: أهديت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمارا وحشيا بالأبواء أو بودّان «7» ، فردّه عليّ، فلمّا رأى ما في وجهي قال: «إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حرم «8» » ) * «9» . 43- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة، فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة، فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصّحابة فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه فأكسنيها. فقال: «نعم» . فلمّا قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لامه أصحابه، فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذها محتاجا إليها ثمّ سألته إيّاها، وقد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه. فقال: رجوت بركتها حين لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعلّي أكفّن فيها» ) * «10» . 44- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: خدمت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين فما قال لي أفّ قطّ وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا، ولا مسست خزّا «11» قطّ ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كفّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا شممت مسكا قطّ ولا عطرا كان أطيب من عرق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «12» . 45- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الأولى ثمّ خرج   (1) حنّكته: أي مضغت تمرا ونحوه ودلّكت به حنكه. (2) البخاري- الفتح 10 (6002) واللفظ له، ومسلم (286) . (3) العضاه: شجر كثير الشّوك. (4) اخترط عليّ سيفي: أي سلّه من غمده. (5) الصّلت: المنجرد الماضي في الضّريبة. (6) البخاري- الفتح 6 (2910) واللفظ له. ومسلم (843) . (7) الأبواء وودان: اسمان لمكانين. (8) ومعنى حرم: بضمتين: أي محرمون. (9) البخاري- الفتح 4 (1825) و5 (2573) ، ومسلم (1193) . (10) البخاري- الفتح 10 (6036) . (11) الخزّ: اسم دابّة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها. (12) البخاري- الفتح 6 (3561) بعض هذا الحديث، ومسلم (2330) بعضه أيضا، والترمذي 4 (2015) واللفظ له وقال: حسن صحيح، وأصله في الصحيحين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1581 إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدّي أحدهم واحدا واحدا، قال: وأمّا أنا فمسح خدّي، فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنّما أخرجها من جؤنة عطّار «1» » ) * «2» . 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قبّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التّميميّ جالسا، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا. فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «من لا يرحم لا يرحم» ) * «3» . 47- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير- قال أحسبه فطيما- وكان إذا جاء قال: «يا أبا عمير ما فعل النّغير «4» ؟» نغر كان يلعب به، فربّما حضر الصّلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الّذي تحته فيكنس وينضح، ثمّ يقوم ونقوم خلفه فيصلّي بنا» ) * «5» . 48- * (عن ابن أبي موسى عن أبيه- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا جاءه السّائل أو طلبت إليه حاجة، قال: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ما شاء» ) * «6» . 49- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء «7» ، ضربه قومه، فأدموه فهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون) * «8» . 50- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه» ) * «9» 51- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه رداء نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ، فجبذ بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد أثّرت فيها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه، فضحك، ثمّ أمر له بعطاء) * «10» . 52- * (عن الأسود بن يزيد قال: سألت عائشة: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة «11» أهله، فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة) * «12» . 53- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) جؤنة العطار: هي التي يعد فيها الطيب ويدخره. (2) مسلم (2329) . (3) البخاري- الفتح 10 (5997) واللفظ له. ومسلم (2318) . (4) النغير: طائر صغير يشبه العصفور. (5) البخاري- الفتح 10 (6203) واللفظ له. ومسلم (2150) . (6) البخاري- الفتح 3 (1432) واللفظ له. ومسلم (2627) . (7) أي يعني نفسه. (8) البخاري- الفتح 12 (6929) واللفظ له. ومسلم (1792) . (9) البخاري- الفتح 10 (6102) واللفظ له. ومسلم (2320) . (10) البخاري- الفتح 10 (6088) ، ومسلم (1057) واللفظ له. (11) المهنة: الصنعة والمراد شغل أهله وحوائجهم. (12) البخاري- الفتح 10 (6039) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1582 قال: ما عاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طعاما قطّ، إن اشتهاه أكله، وإلّا تركه» ) * «1» . 54- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده ولا امرأة ولا خادما إلّا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قطّ فينتقم من صاحبه إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عزّ وجلّ) * «2» . 55- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه، وما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه في شيء قطّ، إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله) * «3» . 56- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ما رأيت رجلا التقم أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينحّي رأسه حتّى يكون الرّجل هو الّذي ينحّي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده، حتّى يكون الرّجل هو الّذي يدع يده. وفي رواية التّرمذيّ: قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا استقبله الرّجل فصافحه لا ينزع يده من يده، حتّى يكون الرّجل الّذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتّى يكون الرّجل هو الّذي يصرفه، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حسن الخلق) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحرّ ابن قيس، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبّانا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عبّاس: فاستأذن الحرّ لعيينة فأذن له عمر، فلمّا دخل عليه قال: هي يا بن الخطّاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) وإنّ هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3563) واللفظ له، 9 (5409) بلفظ «وإن كرهه» بدل «والا» . ومسلم (2064) . (2) مسلم (2328) . (3) البخاري- الفتح 10 (6126) واللفظ له، ومسلم (2327) (4) أبو داود (4794) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 250) : وهو حديث حسن، وقال رواه الترمذي (2490) ، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 910) حسن وهو في الصحيحة رقم (2845) . (5) البخاري- الفتح 8 (4642) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1583 2- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: «حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتّوسعة على العيال» ) * «1» . 3- * (عن الحسن- رضي الله تعالى عنه- قال: «حسن الخلق: الكرم والبذلة والاحتمال» ) * «2» . 4- * (وعنه- رضي الله عنه-: «حسن الخلق بسط الوجه وبذل النّدى وكفّ الأذى» ) * «3» . 5- * (عن عبد الله بن المبارك- رحمه الله تعالى- في تفسير حسن الخلق، قال: «هو طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكفّ الأذى» ) * «4» . 6- * (وعنه أنّه قال: «حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من النّاس» ) * «5» . 7- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله-: «حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد» ) * «6» . 8- * (قال محمّد بن نصر: وقال بعض أهل العلم: «حسن الخلق كظم الغيظ لله، وإظهار الطّلاقة والبشر إلّا للمبتدع والفاجر، والعفو عن الزّالّين إلّا تأديبا أو إقامة لحدّ، وكفّ الأذى عن كلّ مسلم ومعاهد إلّا تغييرا لمنكر أو أخذا بمظلمة لمظلوم من غير تعدّ» ) * «7» . 9- * (قال الشيخ تقيّ الدّين أبو العبّاس ابن تيميّة، في كتاب الإيمان: «ما همّ العبد به من القول الحسن والعمل الحسن، فإنّما يكتب له به حسنة واحدة، وإذا صار قولا وعملا كتب له عشر حسنات إلى سبعمائة، وذلك للحديث المشهور في الهمّ» ) * «8» . 10- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «جمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين تقوى الله وحسن الخلق، لأنّ تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربّه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه. فتقوى الله توجب له محبّة الله وحسن الخلق يدعو النّاس إلى محبّته» ) * «9» . 11- * (قال ابن رجب- رحمه الله-: «إنّ حسن الخلق قد يراد به التّخلّق بأخلاق الشّريعة والتّأدّب بآداب الله الّتي أدّب بها عباده في كتابه كما قال لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) » ) * «10» . 12- * (قال الأحنف بن قيس: «ألا أخبركم بأدوأ الدّاء؟ قالوا: بلى. قال: الخلق الدّنيّ، واللّسان البذيّ) * «11» . 13- * (قال الماورديّ- رحمه الله-: «إذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه، وقلّ معادوه، فتسهّلت عليه الأمور الصّعاب، ولانت له القلوب الغضاب) * «12» . 14- * (قال الماورديّ- رحمه الله-: «اذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه، وقلّ معادوه، فتسهلّت عليه الامور الصّعاب، ولانت له القلوب الغضاب) * «12» . 14- * (قال القاضي عياض- رحمه الله-: وأمّا الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب   (1) إحياء علوم الدين (3/ 57) . (2) جامع العلوم الحكم (160) ، والبذلة: العطاء عن طيب نفس. (3) إحياء علوم الدين (3/ 75) . (4) جامع العلوم والحكم (160) . (5) المرجع السابق (160) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) الآداب الشرعية (1/ 104) . (9) الفوائد (75) . (10) جامع العلوم والحكم (221) . (11) أدب الدنيا والدين، للماوردي (236) . (12) المرجع السابق (237) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1584 الشّريفة الّتي اتّفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتّصف بالخلق الواحد منها فضلا عمّا فوقه، وأثنى الشّرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السّعادة الدّائمة للمتخلّق بها، ووصف بعضها بأنّه من أجزاء النّبوّة، وهي المسمّاة بحسن الخلق، وهو الاعتدال في قوى النّفس وأوصافها، والتّوسّط فيها دون الميل إلى منحرف أطرافها، فجميعها قد كانت خلق نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم على الانتهاء في كمالها، والاعتدال إلى غايتها) * «1» . 15- * (قال بعض البلغاء: «الحسن الخلق من نفسه في راحة، والنّاس منه في سلامة، والسّيّء الخلق النّاس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء) » * «2» . 16- * (جمع بعضهم علامات حسن الخلق؛ فقال: «هو أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى. كثير الصّلاح، صدوق اللّسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزّلل، قليل الفضول، برّا وصولا وقورا صبورا شكورا، رضيّا حليما، رفيقا، شفيقا، لا لعّانا ولا سبّابا، ولا نمّاما، ولا مغتابا، ولا عجولا، ولا حقودا ولا بخيلا، ولا حسودا، بشّاشا هشّاشا، يحبّ في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق» ) * «3» . 17- * (وقال الشّاعر: وما النّفس إلّا حيث يجعلها الفتى ... فإن أعطيت تاقت وإلّا تسلّت «4» 18- * (وقال الشّاعر: يا أيّها المتحلّى غير شيمته ... ومن سجيّته الإكثار والملق عليك بالقصد فيما أنت فاعله ... إنّ التّخلّق يأتي دونه الخلق «5» 19- * (وقال ابن الرّوميّ: كن مثل نفسك في السّموّ إلى العلى ... لا مثل طينة جسمك الغدّار فالنّفس تسمو نحو علو مليكها ... والجسم نحو السّفل هاو هار فأعن أحقّهما بعونك واقتسر ... طبع السّفال بطبعك السّوار والنّفس خيرك إنّها علويّة ... والجسم شرّك ليس فيه تمار فانفذ لخيرك لا لشرّك واتّبع ... أولاهما بالقادر الغفّار فالأرض في أفعالها مضطرّة ... والحىّ فيه فضيلة المختار فإذا جريت على طباعك مثلها ... فكأنّ طبعك بعد من فخّار) * . «6» 20- * (وقال الشّاعر: والنّفس راغبة إذا رغّبتها ... وإذا تردّ إلى قليل تقنع) * «7» .   (1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، (1/ 126) . (2) أدب الدنيا والدين (236، 237) . (3) إحياء علوم الدين (3/ 75) . (4) تسهيل النظر وتعجيل الظفر، للماوردي (37) ، وأدب الدنيا والدين (10) . (5) المرجع السابق (8، 9) . (6) تسهيل النظر وتعجيل الظفر (42، 43) (7) الاستيعاب على هامش الإصابة (4/ 65، 66) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1585 من فوائد (حسن الخلق) (1) حسن الخلق من أفضل ما يقرّب العبد إلى الله تعالى. (2) إذا أحسن العبد خلقه مع النّاس أحبّه الله والنّاس. (3) حسن الخلق يألف النّاس ويألفه النّاس. (4) لا يكرّم العبد نفسه بمثل حسن الخلق ولا يهينها بمثل سوئه. (5) حسن الخلق سبب في رفع الدّرجات وعلوّ الهمم. (6) حسن الخلق سبب في حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقرب منه يوم القيامة. (7) حسن الخلق يدلّ على سماحة النّفس وكرم الطّبع. (8) حسن الخلق يحوّل العدوّ إلى الصّديق (الآية 6) . (9) حسن الخلق سبب لعفو الله وجالب لغفرانه (حديث 2) . (10) يمحو الله بحسن الخلق السّيئات (حديث 6) . (11) يدرك المرء بحسن خلقه درجة الصّائم القائم (حديث 7) . (12) حسن الخلق من أكثر ما يدخل النّاس الجنّة (حديث 12، 13) . (13) حسن الخلق يجعل صاحبه ممّن ثقلت موازينه يوم القيامة (حديث 16) . (14) حسن الخلق يحرّم جسد صاحبه على النّار (حديث 20) . (15) حسن الخلق يصلح ما بين الإنسان وبين النّاس (أثر 10) . (16) وبالخلق الحسن يكثر المصافون ويقلّ المعادون (أثر 13) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1586 حسن السّمت السمت لغة: مصدر سمت يسمت أي قصد وهو مأخوذ من مادّة (س م ت) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على نهج وقصد وطريقة، يقال: سمت إذا أخذ النّهج، وكان بعضهم يقول: السّمت: السّير بالظّنّ والحدس، وهو قول القائل: ليس بها ربع لسمت السّامت ويقال: إنّ فلانا لحسن السّمت إذا كان مستقيم الطّريقة متحرّيا لفعل الخير، ومن ذلك التّسميت في الدّعاء كقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الأكل «سمّوا ودنّوا وسمّتوا» أي إذا فرغتم فادعوا بالبركة لمن طعمتم عنده، وتسميت العاطس (عند من رواه بالسّين) قيل إنّه مشتقّ من السّمت وهو الهيئة الحسنة، أي جعلك الله على سمت حسن؛ لأنّ هيئته تنزعج للعطاس، وقال في الصّحاح: التّسميت: ذكر اسم الله تعالى على الشّيء، وتسميت العاطس أن تقول له: يرحمك الله بالسّين والشّين جميعا، قال ثعلب: والاختيار بالسّين لأنّه مأخوذ من السّمت وهو القصد والمحجّة، والسّمت (أيضا) هيئة أهل الخير يقال: ما الآيات الأحاديث الآثار 14 35 أحسن سمته أي هديه، والسّمت: الطّريق، والسّمت: حسن النّحو في مذهب الدّين، يقول ابن منظور: والفعل منه سمت يسمت (بضمّ الميم وكسرها) ، يقال إنّه لحسن السّمت. أي حسن القصد والمذهب في دينه ودنياه، قال الفرّاء: يقال: سمت لهم يسمت سمتا، إذا هيّأ لهم وجه العمل ووجه الكلام والرّأى، يقال: وهو يسمت سمته أي يقصد قصده، وفي حديث حذيفة: ما أعلم أحدا أشبه سمتا وهديا ودلّا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ابن أمّ عبد، يعني ابن مسعود، قال خالد بن جنبة: السّمت اتّباع الحقّ والهدى، وحسن الجوار، وقلّة الأذيّة، والتّسمّت مصدر قولهم تسمّته تسمّتا إذا قصد نحوه «1» . أمّا الحسن في اللّغة فهو مصدر حسن الشّيء إذا كان مبهجا مرغوبا فيه، والحسن على ثلاثة أضرب: مستحسن من جهة العقل أو البصيرة ومستحسن من جهة الهوى، ومستحسن من جهة الحسّ، وأكثر ما جاء في القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة، وقال في الصّحاح: الحسن نقيض القبح وجمعه محاسن على غير قياس «2» .   (1) انظر مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 99) ، والنهاية لابن الأثير (2/ 397) ، والصحاح (1/ 254) ، ولسان العرب مادة: سمت (ص 2087) ط. دار المعارف) . (2) مفردات الراغب (ص 118) ، والصحاح (5/ 2099) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1587 واصطلاحا: السّمت: حسن النّحو في مذهب الدّين، وإنّه لحسن السّمت، أي حسن القصد والمذهب في دينه ودنياه. وقال أبو عبيد: السّمت يكون في حسن الهيئة والمنظر من جهة الخير والدّين. لا من جهة الجمال والزّينة. والسّمت أيضا: هيئة أهل الخير، يقال: ما أحسن سمته أي هديه «1» . حسن السمت اصطلاحا: وعلى ضوء ما سبق يكون حسن السّمت اصطلاحا هو: حسن المظهر الخارجيّ للإنسان من طريقة الحديث والصّمت، والحركة والسّكون والدّخول والخروج والسّيرة العمليّة في النّاس بحيث يستطيع من يراه أو يسمعه أن ينسبه لأهل الخير والصّلاح والدّيانة والفلاح «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الأدب- حسن الخلق- الوقار- الحياء- الطهارة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء الخلق- الإهمال- البذاذة- الطيش- النجاسة] .   (1) استعمل علماء الهيئة لفظ السمت مصطلحا فى معنى آخر هو كما يقول الجرجاني: بأنه خط مستقيم واحد يقع عليه الميزان مثل هذا. وقال التهانوي: السمت عند أهل الهيئة (الفلك) قوس من الأفق محصور بين الدائرة السمتية وبين دائرة السموت المسماة بدائرة المشرق والمغرب ... إلخ) . انظر كتاب التعريفات للجرجاني (ص 127) ، وكشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي (3/ 135) . (2) قمنا باستنباط هذا التعريف من جملة ما ذكره العلماء عن كل من الحسن والسمت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1588 الأحاديث الواردة في (حسن السّمت) 1- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الهدي الصّالح والسّمت الصّالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل ... الحديث ... إلى أن قال: «فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم. أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم، قال: فما شرابكم، قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ ولو كان لهم حبّ لدعا لهم فيه» . قال: «فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك، فاقرئي عليه السّلام ومريه يثبت «2» عتبة بابه، فلمّا جاء إسماعيل. قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ... الحديث» ) * «3» .   (1) أبو داود (4776) واللفظ له. وأحمد (1/ 296) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (4/ 244) رقم (2698) . والبخاري في الأدب المفرد (267) رقم (791) . وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: إسناده حسن (10/ 509) . (2) هكذا في فتح الباري، والقياس أن تكون مجزومة لوقوعها في جواب الأمر. (3) البخاري- الفتح 6 (3364) . وضبطت «أول» في صدر الحديث في بعض نسخ البخاري بالفتح ولا وجه له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1589 الأحاديث الواردة في (حسن السّمت) معنى 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنّها خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم .... » ) * «1» . 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال لرجل سأله عن الإزار فقال: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إزرة «2» المسلم إلى نصف السّاق ولا حرج، أو لا جناح، فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النّار، من جرّ إزاره بطرا لم ينظر الله إليه» ) * «3» . 5- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ثوب دون «4» فقال: «ألك مال؟» ، قال: نعم، قال: «من أيّ المال؟» ، قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرّقيق، قال: «فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته» ) * «5» . 6- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأى رجلا شعثا قد تفرّق شعره فقال: «أما كان يجد هذا ما يسكّن به شعره؟» ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة فقال: «أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه» ) * «6» . 7- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الغسل يوم الجمعة واجب على كلّ محتلم، وأن يستنّ وأن يمسّ طيبا إن وجد» ) * «7» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان النّاس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنسان منهم وهو عندي- فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّكم تطهّرتم ليومكم هذا» ) * «8» . 9- * (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما على أحدكم إن وجد أو ما على أحدكم إن وجدتم أن يتّخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته» ) * «9» . 10- * (عن أمّ خالد بنت خالد قالت: أتي   (1) أبو داود (4061) واللفظ له. والترمذي (994) وقال: حسن صحيح. والنسائي نحوه من حديث جابر بن سمرة (8/ 205) . والحاكم (4/ 185) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول: هو كما قالا (10/ 668) . (2) إزرة المسلم: أي ثيابه. (3) أبو داود (4093) واللفظ له، وابن ماجة (3573) . وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (10/ 635) . (4) ثوب دون: أي قديم أو بال. (5) أبو داود (4063) واللفظ له، النسائي (8/ 196) ، وأحمد (3/ 473) وقال محقق جامع الأصول (1/ 658) : إسناده صحيح. (6) أبو داود (4062) واللفظ له، وقال الألباني (2/ 766) : صحيح صحيح النسائي للألباني برقم (4832) . وصحح إسناده أيضا محقق «جامع الأصول» (4/ 751) . (7) البخاري- الفتح 2 (880) واللفظ له. ومسلم (846) . (8) البخاري- الفتح 2 (902) واللفظ له. ومسلم (847) . (9) أبو داود (1078) واللفظ له. وابن ماجة (1095) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 659) إسناده صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1590 للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بثياب فيها خميصة «1» سوداء صغيرة فقال: «من ترون أن نكسو هذه؟» ، فسكت القوم، فقال: «ائتوني بأمّ خالد» ، فأتي بها تحمل، فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال: «أبلي وأخلقي» ، وكان فيها علم أخضر أو أصفر، فقال: «يا أمّ خالد هذا سناه؛ وسناه بالحبشيّة «2» » ) * «3» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان له شعر فليكرمه» ) * «4» . 12- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- أنّه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ليلة أضحيان «5» ، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلى القمر، وعليه حلّة حمراء، فإذا هو عندي أحسن من القمر) * «6» . 13- * عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه. حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى ويقول: أمّا بعد: فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي «7» محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة» ، ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا «8» فإليّ وعليّ» ) * «9» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن السّمت) 14- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مربوعا، وقد رأيته في حلّة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه) * «10» .   (1) الخميصة: كساء أسود مربّع له علمان. (2) سناه: بالحبشية أي: إنه لفظ حبشي معناه: حسن. (3) البخاري الفتح 10 (5823) . (4) أبو داود (4163) واللفظ له. وقال الحافظ في الفتح (10/ 368) : إسناده حسن. وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 819) رقم (500) وقال: إسناده حسن. (5) ليلة أضحيان: أي مضيئة. (6) جامع الأصول (10/ 669) وقال محقق جامع الأصول رواه الترمذي (2812) في الأدب باب ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة للرجال، وقال هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال، ورواه الحاكم (1/ 187) وصححه ووافقه الذهبي. (7) الهدى: هو بضم الهاء وفتح فيهما، وبفتح الهاء وإسكان الدال أيضا. (8) الضياع: العيال. (9) مسلم (867) . (10) البخاري- الفتح 10 (5848) واللفظ له. ومسلم (2337) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1591 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (حسن السّمت) 1- (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «من سرّه أن ينظر إلى هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلينظر إلى عمرو بن الأسود» ) * «1» . 2- * (قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما: «إنّ أشبه النّاس دلّا «2» وسمتا «3» وهديا «4» برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن أمّ عبد «5» ، من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه، لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا» ) * «6» . 3- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- يوصي الرّجال والنّساء: «من أدرك فيكنّ من امرأة أو رجل فالسّمت الأوّل، السّمت الأوّل، فإنّا على الفطرة» . قال عبد الله: السّمت: الطّريق) * «7» . 4- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه: «إنّكم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، قليل سؤّاله، كثير معطوه، العمل فيه قائد للهوى. وسيأتي من بعدكم زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، كثير سؤّاله، قليل عطاؤه، الهوى فيه قائد للعمل، اعلموا أنّ حسن الهدي في آخر الزّمان خير من بعض العمل» ) * «8» . 5- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا النّاس نائمون، وبنهاره إذا النّاس يفطرون، وبحزنه إذا النّاس يفرحون، وببكائه إذا النّاس يضحكون، وبصمته إذا النّاس يخلطون، وبخشوعه إذا النّاس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما عليما سكّيتا، وينبغي لحامل القرآن أن لا يكون جافيا، ولا غافلا، ولا صخّابا، ولا صيّاحا، ولا حديدا «9» » ) * «10» . 6- * (قال عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما-: «القصد والتّؤدة وحسن السّمت جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «11» . 7- * (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا ودلّا وهديا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قيامها وقعودها من فاطمة- رضي الله عنها- «) * «12» 8- * (قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله تعالى:   (1) حلية الأولياء (5/ 156) وهو في الحلية بهذا اللفظ. وذكره الحافظ في الفتح (10/ 510) وعزاه لأحمد. وقال أيضا: «إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب» ) - جامع الأصول (10/ 669) . (2) الدلّ: الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار وحسن السيرة والطريقة. (3) السمت: حسن المنظر في أمر الدين. (4) الهدي: السيرة والطريقة. (5) ابن أم عبد: هو عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-. (6) البخاري- الفتح 10 (6097) . (7) الدارمي (1/ 82) رقم (213) . (8) الأدب المفرد للبخاري (275، 276) . وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: سنده صحيح (10/ 510) ولا يقال مثله من قبل الرأى. (9) حديدا: يعني أن لا يكون جافيّا. (10) حلية الأولياء (1/ 130) . (11) الموطأ (954) . وقال عبد الباقي رواه الطبراني في الكبير مرفوعا ومثله لا يقال بالرأي. (12) الترمذي (3872) واللفظ له بسياق طويل وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وأبو داود (5217) . والنسائي في عشرة النساء (ص 301) رقم (354) . والحاكم (4/ 272، 273) . والبيهقي في السنن (7/ 101) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1592 «كانوا إذا أتوا الرّجل ليأخذوا عنه نظروا إلى صلاته وإلى سمته وإلى هيئته ثمّ يأخذون عنه» ) * «1» . 9- * (قال الأعمش- رحمه الله تعالى-: «كانوا يتعلّمون من الفقيه كلّ شيء حتّى لباسه ونعليه» ) * «2» . 10- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-: «كنّا نمزح ونضحك فلمّا صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التّبسّم» ) * «3» . 11- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «كان الرّجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشّعه ولسانه وبصره ويده» ) * «4» . 12- * (قال أبو العالية- رحمه الله تعالى-: «أرحل إلى الرّجل مسيرة أيّام فأوّل ما أتفقّد من أمره صلاته فإن وجدته يقيمها ويتمّها أقمت وسمعت منه، وإن وجدته يضيّعها رجعت ولم أسمع منه وقلت هو لغير الصّلاة أضيع» ) * «5» . 13- * (قال مالك- رحمه الله تعالى-: «إنّ حقّا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية وأن يكون متّبعا لأثر من مضى قبله» ) * «6» . 14- * (قال أيضا- رحمه الله تعالى-: «كان عمر أشبه النّاس بهدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأشبه النّاس بعمر ابنه عبد الله، وبعبد الله ابنه سالم» ) * «7» . 15- * (قال أبو عبيد- رحمه الله تعالى-: «كان أصحاب عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- يرحلون إلى عمر- رضي الله عنه- فينظرون إلى سمته وهديه ودلّه فيتشبّهون به» ) * «8» . 16- * (قال ابن المبارك- رحمه الله تعالى- لرجل سأله أين تريد؟ قال: إلى البصرة، فقيل له: من بقي؟ قال: «ابن عون آخذ من أخلاقه، آخذ من آدابه» ) * «9» . 17- * (قال الوليد بن يزيد- رحمه الله تعالى-: «ما رأيت الأوزاعيّ ضاحكا حتّى يقهقه قطّ، ولا ملتفتا إلى شيء، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد وما أشبهه أقول في نفسي لا يرى أحد في المجلس لم يبك قبله» ) * «10» . 18- * (قال ابن المبارك- رحمه الله تعالى-: «لم يكن بالمدينة أحد أشبه بأهل العلم من ابن عجلان، كنت أشبّهه بالياقوتة بين العلماء» ) * «11» . وقال- رحمه الله تعالى-: من كان ملتمسا جليسا صالحا ... فليأت حلقة مسعر بن كدام فيها السّكينة والوقار وأهلها ... أهل العفاف وعلية الأقوام) * «12» .   (1) الآداب الشرعية (2/ 149) . (2) المرجع السابق (2/ 149) . (3) المرجع السابق (2/ 44) . (4) شعب الإيمان (8/ 427) . والآداب الشرعية (2/ 45) . (5) حلية الأولياء (2/ 220) . (6) الآداب الشرعية (2/ 45) . (7) الفتح (10/ 510) . (8) الصحاح للجوهري (4/ 1699) . ولسان العرب (3/ 1423) . (9) الآداب الشرعية (2/ 149) . (10) الجرح والتعديل (1/ 217) . (11) المرجع السابق (1/ 273) . (12) سير أعلام النبلاء (7/ 170) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1593 19- * (كتب عبد الرّحمن بن مهديّ- رحمه الله تعالى- في وصيّته الّتي أوصى بها أهله وولده: «أنظروا ما كان عليه أيّوب ويونس وابن عون واسألوا عن هدي ابن عون فإنّكم ستجدون من يحدّثكم عنه» ) * «1» . 20- * (قال عبد الرّحمن بن مهديّ- رحمه الله تعالى-: «كنّا نأتي الرّجل ما نريد علمه ليس إلّا أن نتعلّم من هديه وسمته ودلّه» ) * «2» . 21- * (وقال أيضا: «كان عليّ بن المدينيّ وغير واحد يحضرون عند يحيى بن سعيد القطّان ما يريدون أن يسمعوا شيئا إلّا أن ينظروا إلى هديه وسمته» ) * «3» . 22- * (قال أبو عاصم النّبيل- رحمه الله تعالى-: «مات حمّاد بن زيد يوم مات ولا أعلم له في الإسلام نظيرا في هيئته ودلّه وسمته» ) * «4» . 23- * (قال عبيدة بن عثمان- رحمه الله تعالى-: «من نظر إلى الأوزاعيّ اكتفى به ممّا يرى عليه من أثر العبادة، كنت إذا رأيته قائما يصلّي كأنّما تنظر إلى جسد ليس فيه روح» ) * «5» . 24- * (قال الحسن بن الرّبيع- رحمه الله تعالى-: «ما شبّهت أحمد بن حنبل إلّا بابن المبارك في سمته وهديه» ) * «6» . 25- * (قال ابن عليّ بن المدينيّ- رحمه الله تعالى-: «رأيت في كتب أبي ستّة أجزاء: مذهب أبي عبد الله وأخلاقه، ورأيت أحمد يفعل كذا ويفعل كذا، وبلغني عنه كذا وكذا» ) * «7» . 26- * (قال الميمونيّ- رحمه الله تعالى-: «ما رأيت أحدا أنظف ثوبا، ولا أشدّ تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولا أنقى ثوبا وأشدّ بيانا من أحمد بن حنبل» ) * «8» . 27- * (قال محمّد بن مسلم: «كنّا نهاب أن نرادّ على أحمد بن حنبل في الشّيء أو نحاجّه في شيء من الأشياء، يعني لجلالته ولهيبة الإسلام الّذي رزقه» ) * «9» . 28- * (قال المروذيّ- رحمه الله تعالى-: «لم أر الفقير في مجلس أعزّ منه في مجلس أبي عبد الله «10» ، كان مائلا إليهم مقصرا عن أهل الدّنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التّواضع تعلوه السّكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلّم حتّى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدّر، يقعد حيث انتهى به المجلس» ) * «11» . 29- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: «لقيت عبد الوهّاب الأنماطيّ فكان على قانون السّلف لم يسمع في مجلسه عيبة، ولا كان يطلب أجرا على سماع   (1) أصول الاعتقاد (1/ 62) . (2) الآداب الشرعية (2/ 149) . (3) الموضع السابق نفسه. (4) سير أعلام النبلاء (7/ 459) . وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/ 10) . (5) الجرح والتعديل (1/ 218) . (6) مقدمة المسند للشيخ أحمد شاكر نقلا عن تاريخ الإسلام للذهبي (66) . (7) الآداب الشرعية (2/ 149) . (8) المرجع السابق (2/ 12) . (9) الآداب الشرعية (2/ 12) . (10) يعني: أحمد بن حنبل. (11) سير أعلام النبلاء (11/ 218) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1594 الحديث، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرّقائق بكى واتّصل بكاؤه فكان وأنا صغير السّنّ حينئذ يعمل بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد الأدب في نفسي، وكان على سمت المشايخ الّذين سمعنا أوصافهم في النّقل» ) * «1» . 30- * (وقال: قد كان جماعة من السّلف يقصدون العبد الصّالح للنّظر إلى سمته وهديه، لا لاقتباس علمه، وذلك أنّ ثمرة علمه هديه وسمته» ) * «2» . 31- * (وقال- رحمه الله-: «الكمال عزيز، والكامل قليل الوجود. فأوّل أسباب الكمال تناسب أعضاء البدن، وحسن صورة الباطن، وصورة البدن تسمّى خلقا، وصورة الباطن تسمّى خلقا. ودليل كمال صورة البدن حسن السّمت واستعمال الأدب، ودليل صورة الباطن حسن الطّبائع والأخلاق. فالطّبائع: العفّة والنّزاهة والأنفة من الجهل، ومباعدة الشّرة. والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب وابتداء المعروف والحلم عن الجاهل» ) * «3» . 32- * (قال ابن مفلح- رحمه الله تعالى-: «كان يحضر مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، أقلّ من خمسمائة يكتبون، والباقي يتعلّمون منه حسن الأدب وحسن السّمت» ) * «4» . 33- * (قال الحافظ في الفتح: «خرّج أبو عبيد في غريب الحديث: أنّ أصحاب ابن مسعود كانوا ينظرون إلى سمته وهديه ودلّه فيتشبهّون به» ) * «5» . 34- * (قال البدر العينيّ صاحب عمدة القاري على صحيح البخاريّ- رحمه الله تعالى-: «ينبغي للنّاس الاقتداء بأهل الفضل والصّلاح في جميع أحوالهم في هيئتهم وتواضعهم للخلق ورحمتهم وإنصافهم من أنفسهم وفي مأكلهم ومشربهم واقتصادهم في أمورهم تبرّكا بذلك» ) * «6» . 35- * (قال الشّاعر: انطق مصيبا لا تكن هذرا ... عيّابة ناطقا بالفحش والرّيب وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر ... فإن نطقت فلا تكثر من الخطب ولا تجب سائلا من غير تروية ... وبالّذي عنه لم تسأل فلا تجب) * «7» . من فوائد (حسن السّمت) (1) من أخلاق الأنبياء والصّالحين. (2) دليل كمال الإيمان ورجاحة العقل. (3) يكسب المرء احترام الآخرين وحبّهم. (4) يكسب المرء الهيبة والوقار. (5) يقصد بالتّعلّم والطّلب أكثر من النّقل من الكتب. (6) يدلّ في كثير من الأحيان على صفاء القلب ونقاء السّريرة.   (1) صيد الخاطر (143) . (2) المرجع السابق (216) . (3) المرجع السابق (289) . (4) الآداب الشرعية (2/ 12) . (5) الفتح (10/ 510) . (6) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (22/ 154) . (7) حسن السمت في الصمت للسيوطي (47) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1595 حسن الظّن حسن الظن لغة: الحسن لغة: انظر صفة (حسن الخلق) . أمّا الظّنّ في اللّغة فإنّه مصدر قولهم ظنّ يظنّ ظنّا وهو مأخوذ من مادّة (ظ ن ن) الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما اليقين والآخر الشّكّ. فأمّا اليقين فقول القائل: ظننت ظنّا أي أيقنت قال تعالى: (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ) (البقرة/ 249) أراد- والله أعلم-: يوقنون. والعرب تقول ذلك وتعرفه، قال شاعرهم وهو دريد بن الصّمّة: فقلت لهم: ظنّوا بألفي مدجّج ... سراتهم في الفارسيّ المسرّد أراد: أيقنوا، ومن هذا الباب مظنّة الشّيء: وهو معلمه ومكانه، والأصل الآخر: الشّكّ: يقال: ظننت الشّيء، إذا لم تتيقّنه، والّذين الظّنون: الّذي لا يدرى أيقضى أم لا «1» . الآيات الأحاديث الآثار 7 35 9 وقال الرّاغب: الظّنّ: اسم لما يحصل عن أمارة ومتى قويت أدّت إلى العلم ومتى ضعفت جدّا لم تتجاوز حدّ التّوهّم «2» . وقال ابن منظور: الظنّ شكّ ويقين. إلّا أنّه ليس بيقين عيان إنّما هو يقين تدبّر، فأمّا يقين العيان فلا يقال فيه إلّا علم. وفي التّنزيل العزيز: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (الحاقة/ 20) أي علمت. وقال الجوهريّ: الظّنّ معروف. وقد يوضع موضع العلم. والظّنين: الرّجل المتّهم. والظّنّة: التّهمة، والجمع الظّنن، ومظنّة الشّيء موضعه ومألفه الّذي يظنّ كونه فيه. والجمع المظانّ. قال النّابغة: فإن يك عامر قد قال جهلا ... فإنّ مظنّة الجهل الشّباب والظّنون: الرّجل السّيّء الظّنّ «3» .   (1) شاعر جاهلي، أدرك الإسلام ولم يسلّم، وكان من ألد أعداء النبي صلّى الله عليه وسلّم قتل سنة 8 هـ. يوم حنين وهو في صفوف المشركين. والبيت من قصيدة له يرثي فيها أخاه عبد الله وروايته في الأغاني (10/ 30) هكذا: وقلت لعراض وأصحاب عارض ... ورهط بني السوداء والقوم شهدى علانية ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد. (2) مقاييس اللغة (3/ 461) . (3) انظر: الصحاح للجوهري (6/ 2260) . والتعريفات للجرجاني (144) . لسان العرب لابن منظور (13/ 272) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1596 الظن اصطلاحا: قال الكفويّ: الظّنّ: أخذ طرفي الشّكّ بصفة الرّجحان وقال أيضا: والرّاجح إن قاربه إمكان المرجوح يسمّى ظنّا، أو هو التّردّد الرّاجح بين طرفى الاعتقاد غير الجازم «1» . وقال التّهانويّ: الظّنّ: عند الفقهاء: التّردّد بين أمرين استويا أو ترجّح أحدهما على الآخر، وعند المتكلّمين: الظّنّ تجويز أمرين أحدهما أرجح من الآخر والمرجوح يسمّى بالوهم «2» . وقال ابن العربيّ: الظّنّ تجويز أمرين في النّفس لأحدهما ترجيح على الآخر «3» . وعلى هذا فحسن الظّنّ ترجيح جانب الخير على جانب الشّرّ. من معاني كلمة «الظّنّ» في القرآن الكريم: ورد الظّنّ في القرآن مجملا على أوجه: بمعنى اليقين، وبمعنى الشّكّ، وبمعنى التّهمة، وبمعنى الحسبان. فالّذي بمعنى اليقين قوله تعالى: 1- يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ (البقرة/ 46) . 2- وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (القيامة/ 28) . 3- إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (الحاقة/ 20) . 4- وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ) (الجن/ 12) . 5- أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) (المطففين/ 4) . 6- وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (فصلت/ 48) . 7- وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) (يونس/ 22) . 8- وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ (التوبة/ 118) . يعني المتخلّفين عن غزوة تبوك. وأمّا الّذي بمعنى الشّكّ والتّهمة فمنه قوله تعالى: 1- مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ (الحج/ 15) . 2- وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (الأحزاب/ 10) . 3- وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) (الفتح/ 12) . 4- يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) (آل عمران/ 154) . 5- وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ (الحشر/ 2) يعني بني قريظة وحصونهم. 6- إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (يونس/ 36) . وأمّا الّذي بمعنى الحسبان فمنه قوله تعالى: 1- إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ* بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (الانشقاق/ 14، 15) . 2- وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ... الآية (فصلت/ 22) . والظّنّ في كثير من الأمور مذموم. ولهذا قال تعالى: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (يونس/ 36) .   (1) كليات أبي البقاء الكفوي (1/ 89، 90، 3/ 62، 174) . (2) كشفا اصطلاحات الفنون (3/ 1547) . (3) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1712) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1597 وقال: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات/ 12) «1» . ضابط معنى الظّنّ في القرآن الكريم: قال الكفويّ: عن مجاهد قال: كلّ ظنّ في القرآن فهو يقين وهذا يشكل في كثير من الآيات، وقال الزّركشيّ: للفرق بينهما (أي الظّنّ بمعنى اليقين والظّنّ بمعنى الشّكّ) ضابطان في القرآن: أحدهما: أنّه حيث وجد الظّنّ محمودا مثابا عليه فهو اليقين، وحيث وجد مذموما متوعّدا عليه بالعذاب فهو الشّكّ. والثّاني: أنّ كلّ ظنّ يتّصل به أن المخفّفة فهو شكّ نحو قوله تعالى: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ (الفتح/ 12) ، وكلّ ظنّ يتّصل به أنّ المشدّدة فهو يقين كقوله تعالى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (الحاقة 20) والمعنى في ذلك أنّ: «أنّ» المشدّدة للتّأكيد فدخلت في اليقين والمخفّفة بخلافها فدخلت في الشّكّ «2» . أقسام الظّنّ وأحكامه : وصفوة القول أنّ الظّنّ لا يخرج عن أمور خمسة: الأوّل: الظّنّ المحرّم، وهو سوء الظّنّ بالله. ويقابله وجوب حسن الظّنّ بالله. الثّاني: حرمة سوء الظّنّ بالمسلمين الّذين ظاهرهم العدالة، والمطلوب حسن الظّنّ بهم. الثّالث: الظّنّ المباح، وهو الّذي يعرض في قلب المسلم في أخيه بسبب ما يوجب الرّيبة، وهذا الظّنّ لا يحقّق. الرّابع: الظّنّ المندوب إليه، وهو حسن الظّنّ بالأخ المسلم وعليه الثّواب. الخامس: الظّنّ المأمور به، وهو الظّنّ فيما لم ينصّ عليه دليل يوصلنا إلى العلم، وقد تعبّدنا الله بالاقتصار على الغالب الظّنّيّ فيه، كقبول شهادة العدول وتحرّي القبلة وتقويم المستهلكات وأروش الجنايات الّتي لم يرد نصّ في تقديرها «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الأدب- حسن الخلق- حسن المعاملة- حسن العشرة- اليقين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- سوء الخلق- سوء الظّنّ- الطيش] .   (1) انظر: بصائر ذوي التمييز (3/ 545- 547) . (2) كليات الكفوي (3/ 165) . (3) انظر منهج الدعوة الاسلامية في البناء الاجتماعي (412) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1598 الآيات الواردة في «حسن الظّن» 1- وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «1» . 2- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) «2» . 3- فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) «3» . 4- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) . وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) «4» . 5- إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) «5» . 6- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22) قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) «6» . 7- وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) «7» .   (1) البقرة: 45- 46 مدنية. (2) البقرة: 230 مدنية. (3) البقرة: 249 مدنية. (4) التوبة: 117- 118 مدنية. (5) النور: 11- 12 مدنية. (6) الحاقة: 19- 23 مكية. (7) الجن: 12 مكية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1599 الأحاديث الواردة في (حسن الظّن) -* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي «1» ، وأنا معه إذا ذكرني «2» ، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منهم. وإن تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا «3» ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ) * «4» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ حسن الظّنّ بالله تعالى من حسن العبادة» ) * «5» . 3- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل موته بثلاثة أيّام يقول: ( «لا يموتنّ أحدكم إلّا وهو يحسن الظّنّ بالله عزّ وجلّ» ) * «6» . 4- * (عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنا في الغار: لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: «ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» ) * «7» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّ الله- عزّ وجلّ- قال: أنا عند ظنّ عبدي بي، إنّ ظنّ بي خيرا فله، وإن ظنّ شرّا فله) * «8» . 6- * (عن حيّان أبي النّضر، قال: دخلت مع واثلة بن الأسقع على أبي الأسود الجرشيّ في مرضه الّذي مات فيه، فسلّم عليه وجلس. قال: فأخذ أبو الأسود يمين واثلة، فمسح بها على عينيه ووجهه لبيعته بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له واثلة: واحدة أسألك عنها، قال: وما هي؟ قال: كيف ظنّك بربّك؟ قال: فقال أبو الأسود، وأشار برأسه، أي حسن، قال واثلة: أبشر إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله- عزّ وجلّ-: أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء» ) * «9» .   (1) معنى قوله: أنا عند ظن عبدي بي: المراد بالظن هنا: العلم. قاله ابن أبي جمرة، وقال القرطبي معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار. (2) وقوله: وأنا معه إذا ذكرني: قال الحافظ ابن حجر: بعلمي. (3) والباع: قدر مد اليدين وما بينهما من البدن. (4) البخاري- الفتح 13 (7405) واللفظ له. ومسلم (2675) . (5) أبو داود (4993) ، والترمذي (3679) (تحفة الأحوذي) ، وقد سقط الحديث من النسخة المطبوعة في الترمذي ضمن عشرة أحاديث أيبتها المحقق في آخر النسخة) ، والمسند (10369) ، وقال محققه: حسن، وجامع الأصول (11/ 693) وقال محققه: حسن. (6) مسلم (2877) . (7) البخاري- الفتح 7 (3653) واللفظ له. ومسلم (2381) . (8) أحمد (2/ 391) وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح (4315) . وأصل الحديث في «الصحيحين» انظر «جامع الأصول» (4/ 476) و (9/ 555) . (9) أحمد (3/ 491) ، والدارمي (2731) ، والحاكم (4/ 240) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح (4316) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1600 الأحاديث الواردة في (حسن الظّنّ) معنى 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ. قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال- تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال- تبارك وتعالى-: عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال- تبارك وتعالى-: عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك» ) * «1» . 8- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى رهطا وسعد جالس فترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا هو أعجبهم إليّ، فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فو الله إنّي لأراه مؤمنا، فقال: أو مسلما، فسكتّ قليلا ثمّ غلبني ما أعلم فعدت لمقالتي، فقلت: ما لك عن فلان فو الله إنّي لأراه مؤمنا؟ فقال: أو مسلما، فسكتّ قليلا ثمّ غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «يا سعد إنّي لأعطي الرّجل، وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يكبّه الله في النّار» ) * «2» . 9- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه «3» ويستره، فيقول أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي ربّ حتى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه هلك، قال: سترتها عليك في الدّنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأمّا الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد «4» : هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «5» . 10- * عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنّة» . قلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة. قلنا: واثنان؟ قال: «واثنان» ، ثمّ لم نسأله عن الواحد) * «6» . 11- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه أتي بدابّة ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب، قال: باسم الله، فلمّا استوى عليها، قال: الحمد لله، سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، ثمّ حمد الله (ثلاثا) ، وكبّر (ثلاثا) ، ثمّ قال: سبحانك لا إله إلّا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي، ثمّ ضحك، فقلت له: ممّ ضحكت يا أمير المؤمنين؟. قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل مثل ما فعلت. ثمّ ضحك، فقلت: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال: «يعجب الرّبّ من عبده إذا قال ربّ اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنّه لا يغفر الذّنوب غيري» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7507) . مسلم (2758) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 1 (27) واللفظ له. ومسلم (150) . (3) كنفه: حفظه وستره. (4) الأشهاد: الملائكة والنبيون وسائر الإنس والجن. (5) البخاري- الفتح 5 (2441) . (6) البخاري- الفتح 5 (2643) . (7) المسند (1/ 109) حديث (753) واللفظ له، وأبو داود (2602) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1601 12- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل، حتّى تطلع الشّمس من مغربها) * «1» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوامّ فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها. وأخّر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم الله بها عباده يوم القيامة» ) * «2» . 14- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله: يا ابن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة» ) * «3» . 15- * (عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي، فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي. إذا وجدت صبيّا في السّبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «4» . 16- * (عن قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع. فقالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. فصلّى ركعتين، تجوّز فيهما، ثمّ خرج وتبعته، فقلت: إنّك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدّثك لم ذاك؟ رأيت رؤيا على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقصصتها عليه. ورأيت كأنّي في روضة (ذكر من سعتها وخضرتها) وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض وأعلاه في السّماء. في أعلاه عروة، فقيل له: ارقه. قلت: لا أستطيع. فأتاني منصف «5» فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت. حتّى كنت في أعلاها. فأخذت في العروة. فقيل له: استمسك. فاستيقظت، وإنّها لفي يدي. فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تلك الرّوضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى. فأنت على الإسلام حتّى تموت» . وذلك الرّجل عبد الله بن سلام) * «6» . 17- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) مسلم (2759) . (2) البخاري- الفتح 10 (6000) . ومسلم (2752) واللفظ له. (3) الترمذي (3540) وقال: حديث حسن. وقال محقق رياض الصالحين (178) : للحديث شاهد من حديث أبي ذر عند أحمد وآخر من حديث ابن عباس عند الطبراني، فالحديث حسن. (4) البخاري- الفتح 10 (5999) واللفظ له. ومسلم (2754) . (5) منصف: أي خادم من خدام الجنة. (6) البخاري- الفتح 7 (3813) واللفظ له. ومسلم (2484) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1602 قال: كنت خلف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوما، فقال: «يا غلام إنّي أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف» ) * «1» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقولنّ أحدكم اللهمّ اغفر لي إن شئت، اللهمّ ارحمني إن شئت، ليعزم «2» في الدّعاء، فإنّ الله صانع ما شاء لا مكره له. وفي لفظ «ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرّغبة فإنّ الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» ) * «3» . 19- * (عن الحسين بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للسّائل حقّ، وإن جاء على فرس» ) * «4» . 20- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوّيّة «5» مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتّى أدركه العطش، ثمّ قال أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه فأنام حتّى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشدّ فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده» ) * «6» . 21- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ ... الحديث وفيه: «ما فعل كعب بن مالك؟ قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنّظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا» ) * «7» 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا قضى الله الخلق كتب في كتابه: فهو عنده فوق العرش، إنّ رحمتي غلبت غضبي» ) * «8» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ   (1) الترمذي (2516) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند (2804) وقال شاكر: إسناده صحيح. (2) ليعزم: قال العلماء: عزم المسألة الشدة في طلبها والجزم من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها ومعنى الحديث استحباب الجزم في الطلب وكراهة التعليق على المشيئة. (3) البخاري- الفتح 10 (6339) . ومسلم (2679) واللفظ له. (4) أبو داود (1665) واللفظ له. وأحمد في المسند (1730) ، وقال محققه: إسناده صحيح كما جود إسناده العراقي والبخاري. وقد صححه السيوطي، فيض القدير (5/ 290) ويقوي هذا الحديث ما رواه الطبراني عن الهرماس بن زياد. انظر مجمع الزوائد (3/ 101) ، والحديث بهذا حسن لغيره. قال الخطابي: معناه الأمر بحسن الظّنّ بالسائل إذا تعّرض لك وأن لا تجبه بالتكذيب والرد مع إمكان الصدق- جامع الأصول (6/ 455) . (5) الأرض الدوية- بفتح الدال وتشديد الواو والياء-: الأرض القفر والفلاة الخالية. (6) البخاري- الفتح 7 (4418) . مسلم (274) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 11 (6309) . ومسلم (2769) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 6 (3194) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1603 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنّته أحد. ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرّحمة ما قنط من جنّته أحد» ) * «1» . 24- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها، أو صرف عنه من السّوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» . فقال رجل من القوم: إذا نكثر، قال: «الله أكثر» ) * «2» . 25- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله عزّ وجلّ-: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسّيّئة فجزاؤه سيّئة مثلها أو أغفر، ومن تقرّب منّي شبرا تقرّبت منه ذراعا، ومن تقرّب منّي ذراعا تقرّبت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض «3» خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة» ) * «4» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «5» كريم، والفاجر خبّ «6» لئيم» ) * «7» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» ) * «8» . 28- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنّصارى» ) * «9» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا، حين يبقى ثلث اللّيل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» ) * «10» . 30- * (عن جابر بن سمرة؛ أنّ أهل الكوفة شكوا سعدا إلى عمر بن الخطّاب، فذكروا من صلاته، فأرسل إليه عمر فقدم عليه. فذكر ما عابوه به من أمر الصّلاة، فقال: إنّي لأصلّي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أخرم عنها. إنّي لأركد بهم في الأوليين، وأحذف في الأخريين. فقال: «ذاك الظّنّ بك يا أبا إسحاق» ) * «11» .   (1) مسلم (2755) . (2) الترمذي (3573) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 512) : وهو حديث صحيح. (3) قراب الأرض: أي ما يقارب ملأها. (4) مسلم (2687) . (5) الغر: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرّا نسبة له إلى سلامة الصدر وحسن الباطن والظن في الناس فكأنه لم يجرب بواطن الأمور. ولم يطلع على دخائل الصدور، فترى الناس منه في راحة لا يتعدى إليهم منه شر، بل لا يكون فيه شر فيتعدى. (6) الخب: الخداع المكار الخبيث. (7) أبو داود (4790) وهذا لفظه، وحسنه الألباني (1599) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 701) : حديث حسن. (8) مسلم (2749) . (9) مسلم (2767) . (10) مسلم (758) . (11) مسلم (453) . وقوله: ما أخرم عنها: أي ما أنقص عنها و «لأركد بهم في الأوليين» يعني أطولهما و «أحذف في الأخريين» أي أقصرهما عن الأوليين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1604 31- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: وضع عمر على سريره فتكنّفه النّاس «1» يدعون ويصلّون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني «2» إلّا رجل آخذ منكبي فإذا عليّ بن أبي طالب فترحّم على عمر، وقال: ما خلّفت أحدا أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله، إن كنت لأظنّ أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أنّي كنت كثيرا أسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن الظّنّ) 32- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة قبل نجد، فلمّا قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قفل معه، فأدركتهم القائلة «4» ، في واد كثير العضاه «5» فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتفرّق النّاس يستظلّون بالشّجر، فنزل تحت شجرة وعلّق بها سيفه، ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعونا، وإذا عنده أعرابيّ فقال: «إنّ هذا اخترط عليّ سيفي «6» وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا «7» ، فقال: من يمنعك منّي؟ فقلت: «الله» (ثلاثا) ، ولم يعاقبه وجلس) * «8» . 33- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أبو بكر- رضي الله عنه- إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلا، فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي، قال فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر حدّثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم، أسرينا ليلتنا ومن الغد حتّى قام قائم الظّهيرة، وخلا الطّريق لا يمرّ فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظلّ لم تأت عليه الشّمس فنزلنا عنده، وسوّيت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكانا بيدي ينام عليه، وبسطت عليه فروة وقلت له: نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك. فنام وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصّخرة يريد منها مثل الّذي أردنا. فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة- أو مكّة- قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب؟ قال: نعم. فأخذ شاة، فقلت: انفض الضّرع من التّراب والشّعر والقذى. قال: فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض. فحلب في قعب كثبة «9» من لبن، ومعي إداوة حملتها للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرتوي منها يشرب   (1) فتكنفه الناس: أي أحاطوا به. (2) فلم يرعني: معناه لم يفجأني إلا ذلك. (3) البخاري- الفتح 7 (3685) واللفظ له. ومسلم (2389) . (4) القائلة: شدة الحر. (5) العضاه: شجر عظيم له شوك. (6) اخترط علي سيفي: أي سله. (7) صلتا: أي مجردا من غمده. (8) البخاري- الفتح 6 (2910) واللفظ له. ومسلم (843) (9) الكثبة من اللبن: القليل منه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1605 ويتوضّأ. فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللّبن حتّى برد أسفله. فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتّى رضيت، ثمّ قال: «ألم يأن «1» للرّحيل» قلت: بلى. قال فارتحلنا بعد ما مالت الشّمس، واتّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أتينا يا رسول الله، فقال: «لا تحزن إنّ الله معنا» . فدعا عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فارتطمت به فرسه إلى بطنها- أرى- في جلد من الأرض «2» ، شكّ زهير فقال: إنّي أراكما قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، فالله لكما أن أردّ عنكما الطّلب. فدعا له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنجا. فجعل لا يلقى أحدا إلّا قال: كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلّا ردّه، قال: ووفّى لنا) * «3» . 34- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ... الحديث وفيه: «فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا ... » الحديث) * «4» . 35- * (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي ببني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه، فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتدّ النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له، فلم يجلس حتّى قال: «أين تحبّ أن أصلّي من بيتك» . فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فكبّر» وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم، فحبسته على خزير «5» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي فثاب رجال منهم «6» حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟» . فقال: الله ورسوله أعلم ... الحديث) * «7» .   (1) هكذا في الفتح، والمراد: ألم يحن وقت الرّحيل؟ (2) جلد الأرض: أي أرض صلبة. (3) البخاري- الفتح 6 (3615) واللفظ له. ومسلم (2009) . (4) البخاري- الفتح 7 (4143) . ومسلم (2770) واللفظ له. (5) الخزير: لحم يقطّع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فاذا نضج ذر عليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة. وهو في الفتح: خريز وهو تصحيف. انظر النهاية (2/ 28) . (6) فثاب رجال منهم: أي اجتمعوا. (7) البخاري- الفتح 3 (1186) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1606 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حسن الظّنّ) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «والّذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظّنّ بالله عزّ وجلّ. والّذي لا إله غيره، لا يحسن عبد بالله عزّ وجلّ الظّنّ إلّا أعطاه الله عزّ وجلّ ظنّه، ذلك بأنّ الخير في يده» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: «لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه» . فقال: «يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: «فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي» . قال: «فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟» . قال: «الله» . قال: «فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه فيقضيه ... » الحديث) * «2» . 3- * (عن سهل القطعيّ، قال: «رأيت مالك ابن دينار- رحمه الله- في منامي فقلت: يا أبا يحيى ليت شعري، ماذا قدمت به على الله عزّ وجلّ؟ قال: قدمت بذنوب كثيرة فمحاها عنّي حسن الظّنّ بالله» ) * «3» . 4- * (عن خلف بن تميم، قال: قلت لعليّ بن بكّار ما حسن الظّنّ بالله؟ قال: «ألّا يجمعك والفجّار في دار واحدة» ) * «4» . 5- * (عن سفيان الثّوريّ- رحمه الله- في قوله تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) قال: «أحسنوا الظّنّ بالله» ) * «5» . 6- * (قال أحمد بن العبّاس النّمريّ: وإنّي لأرجو الله حتّى كأنّني ... أرى بجميل الظّنّ ما الله صانع) * «6» . 7- * (أنشد أبو عمران السّلميّ: وإنّي لاتي الذّنب أعرف قدره ... وأعلم أنّ الله يعفو ويغفر لئن عظّم النّاس الذّنوب فإنّها ... وإن عظمت في رحمة الله تصغر) * «7» .   (1) انظر: حسن الظن، لابن أبي الدنيا (96) . (2) البخاري- الفتح 6 (3129) . (3) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (96) . (4) المرجع السابق (23) . (5) المرجع السابق (25) . وحلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 318) . (6) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (100) . (7) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (106) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1607 8- * (أنشد محمود الورّاق: حسن ظنّي بحسن عفوك يا ... ربّ جميل وأنت مالك أمري صنت سرّي عن القرابة والأه ... ل جميعا وكنت موضع سرّي ثقة بالّذي لديك من السّت ... ر فلا تخزني يوم نشري يوم هتك السّتور عن حجب الغي ... ب فلا تهتكنّ للنّاس ستري لقّنّي حجّتي وإن لم تكن يا ... ربّ لي حجّة ولا وجه عذر) * «1» . 9- * (وأنشد أيضا: ما زلت أغرق في الإساءة دائبا ... وتنالني بالعفو والغفران لم تنتقصني إذ أسأت وزدتني ... حتّى كأنّ إساءتي إحسان تولي الجميل على القبيح كأنّما ... يرضيك منّي الزّور والبهتان) * «2» . من فوائد (حسن الظّنّ) . (1) طريق موصل إلى الجنّة. (2) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (3) يولّد الألفة والمحبّة بين المسلمين. (4) يهيّء المجتمع الصّالح المتماسك ويحقّق التّعاون بين أفراده. (5) برهان على سلامة القلب وطهارة النّفس. (6) علامة على حسن الخاتمة. (7) لا يأتي إلّا عن معرفة قدر الله ومدى مغفرته ورحمته. (8) يحافظ على أعراض المسلمين.   (1) حسن الظّنّ بالله لابن أبي الدنيا (116) . (2) المرجع السابق، الصفحة نفسها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1608 حسن العشرة العشرة لغة: اسم من المعاشرة، والمعاشرة مصدر قولهم عاشرت فلانا إذا خالطته، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ع ش ر) الّتي تدلّ على المخالطة والمداخلة، قال ابن فارس: وإنّما سمّيت عشيرة الرّجل بذلك لمعاشرة بعضهم بعضا، وأرجع الرّاغب اشتقاق العشيرة إلى العدد (عشرة) ، فقال: والعشيرة أهل الرّجل الّذين يتكثّر بهم، أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل، وذلك أنّ العشرة هي العدد الكامل، قال تعالى: وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ (التوبة/ 24) فصارت العشيرة اسما لكلّ جماعة من أقارب الرّجل الّذين يتكثّر بهم، ويقال عاشرته: صرت له كعشرة في المصاهرة. وقال ابن منظور: عشيرة الرّجل: بنو أبيه الأذنون، وقيل: هم القبيلة، والجمع عشائر. قال أبو عليّ: قال أبو الحسن: ولم يجمع جمع السّلامة. قال ابن شميل: العشيرة العامّة مثل بني تميم وبني عمرو ابن تميم، والعشير القبيلة، والعشير: المعاشر، والعشير: القريب والصّديق، والجمع عشراء. وعشير المرأة: زوجها لأنّه يعاشرها وتعاشره، كالصّديق الآيات الأحاديث الآثار 3 35 12 والمصادق، قال ساعدة بن جؤيّة: رأته على يأس، وقد شاب رأسها ... وحين تصدّى للهوان عشيرها أراد لإهانتها وهي عشيرته. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للنّساء: «إنّكنّ أكثر أهل النّار» ، فقيل: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنّكنّ تكثرن اللّعن وتكفرن العشير» . العشير: الزّوج. وقوله تعالى: لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (الحج/ 13) أي لبئس المعاشر «1» . وفي تعريف: حسن، انظر: حسن الخلق، وحسن السّمت.. وغيرهما. العشرة اصطلاحا: لا تختلف العشرة في الاصطلاح عن معناها في اللّغة الّذي هو المخالطة والمداخلة في أمور الحياة، فإذا تعلّقت العشرة بالنّساء كان المراد بها ما يتعلّق بأمور المبيت والنّفقة والتّحدّث مع الزّوج وغير ذلك من أمور الحياة. وتدخل العشرة الحسنة بذلك ضمن التّكاليف المتعلّقة بأحوال النّساء خاصّة، لأنّ القوم قبل الإسلام كانوا يسيئون معاشرة نسائهم «2» . يقول القرطبيّ في معنى قوله تعالى وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء/ 19) أي على ما أمر الله به من حسن   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 325) ، المفردات للراغب (347) ، ولسان العرب لابن منظور (4/ 475) . (2) أخذنا هذا من كلام الفخر الرازي (10/ 12) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1609 المعاشرة، والخطاب للجميع، إذ لكلّ أحد عشرة، زوجا كان أو وليّا، ولكنّ المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج «1» . حسن العشرة اصطلاحا: إذا تعلّقت العشرة بالنّساء فالمراد بها (اصطلاحا) توفية حقّ المرأة من المهر والنّفقة، وألّا يعبس في وجهها بغير ذنب، وألّا يكون فظّا ولا غليظا، ولا مظهرا ميلا إلى غيرها وقيل: حسن العشرة (مع المرأة) أن يتصنّع لها كما تتصنّع له «2» . وإذا تعلّقت العشرة بعامّة النّاس فقد قالوا: إذا أردت حسن المعاشرة فالق عدوّك وصديقك بالطّلاقة، ووجه الرّضا والبشاشة، ولا تنظر في عطفيك، ولا تكثر الالتفات ولا تقف على الجماعات. وإذا جلست فلا تتكبّر على أحد، تحفّظ من تشبيك أصابعك، ومن العبث بلحيتك، ومن اللّعب بخاتمك، وتخليل أسنانك، وإدخال إصبعك في أنفك، وكثرة بصاقك، وكثرة التّمطّي والتّثاؤب في وجوه النّاس وفي الصّلاة، وليكن مجلسك هادئا، وحديثك منظوما مرتّبا، واصغ إلى كلام مجالسك. واسكت عن المضاحك، ولا تتصنّع المرآة في التّزيّن، ولا تلحّ في الحاجات. ولا تشجّع أحدا على الظّلم، وإذا خاصمت فأنصف، وتحفّظ من جهلك، وتجنّب عجلتك، وتفكّر في حجّتك، ولا تكثر الإشارة بيدك، ولا الالتفات إلى من وراءك، واهدى غضبك وتكلّم، وإذا قرّبك سلطان فكن منه على حذر، واحذر انقلابه عليك، ولا يحملنّك لطفه بك على أن تدخل بينه وبين أهله وحشمه، وإن كنت لذلك مستحقّا عنده. وإيّاك وصديق العافية فإنّه أعدى الأعداء، ولا تجعل مالك أكرم من عرضك. ولا تجالس الملوك؛ فإن فعلت فالتزم ترك الغيبة، ومجانبة الكذب، وصيانة السّرّ، وقلّة الحوائج، وعليك بتهذيب الألفاظ، والمذاكرة بأخلاق الملوك والحذر منهم، وإن ظهرت المودّة. ولا تتجشّأ بحضرتهم، ولا تخلّل أسنانك بعد الأكل عندهم، ولا تجالس العامّة، فإن فعلت فآداب ذلك ترك الخوض في حديثهم، وقلّة الإصغاء إلى أراجيفهم، والتّغافل عمّا يجري من سوء ألفاظهم، وإيّاك أن تمازح لبيبا أو سفيها؛ فإنّ اللّبيب يحقد عليك، والسّفيه يتجرّأ عليك، ولأنّ المزاح يخرق الهيبة، ويذهب بماء الوجه، ويعقب الحقد، ويذهب بحلاوة الإيمان والودّ، ويشين فقه الفقيه، ويجرّأ السّفيه، ويميت القلب، ويباعد عن الرّبّ تعالى، ويكسب الغفلة والذّلّة. ومن بلي في مجلس بمزاح أو لغط فليذكر الله عند قيامه «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الأدب- حسن الخلق- حسن المعاملة- الحياء- الكلم الطيب البشاشة- طلاقة الوجه. وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء المعاملة- سوء العشرة- الأذى- سوء الخلق- سوء الظن- العبوس- الجفاء- القسوة] .   (1) القرطبي 5/ 97. (2) السابق، الصفحة نفسها. (3) المستطرف (1/ 186- 187) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1610 الآيات الواردة في «حسن العشرة» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) «1» الآيات الواردة في «حسن العشرة» معنى 2- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) «2» 3- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (9) «3»   (1) النساء: 19- 20 مدنية. (2) الروم: 21 مكية. (3) الطلاق: 2 مدنية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1611 الأحاديث الواردة في (حسن العشرة) معنى* * 1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة «1» أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين، فإنّه ولي حرّة «2» وعلاجه» ) * «3» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استوصوا بالنّساء؛ فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنّساء) * «4» . 3- * (عن أبي صالح قال: رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشّعبيّ، فقال: يا أبا عمرو إنّ من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرّجل، إذا أعتق أمته ثمّ تزوّجها، فهو كالرّاكب بدنته، فقال الشّعبيّ: حدّثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه، وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فآمن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده، فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثمّ أدّبها فأحسن أدبها ثمّ أعتقها وتزوّجها فله أجران» ) * «5» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ اليهود كانوا، إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها ولم يجامعوهنّ في البيوت «6» . فسأل أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأنزل الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ «7» (البقرة/ 222) إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اصنعوا كلّ شيء إلّا النّكاح» . فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئا إلّا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر فقالا: يا رسول الله! إنّ اليهود تقول: كذا وكذا. فلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما «8» . فخرجا فاستقبلهما هديّة من لبن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأرسل في آثارهما. فسقاهما. فعرفا أن لم يجد عليهما) * «9» .   * لا يوجد أحاديث بلفظ حسن العشرة. (1) أكلة: الأكلة بضم الهمزة: اللقمة وبفتحها: المرة الواحدة من الأكل. (2) ولي حر الطعام: أي تولى حر النار في طبخه وعلاجه. (3) البخاري- الفتح 9 (5460) . (4) البخاري- الفتح 6 (3331) واللفظ له، 9 (5186) . ومسلم (1468) . (5) مسلم (154) . (6) ولم يجامعوهن في البيوت: أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد. (7) المحيض: المحيض الأول المراد به الدم. والثاني قد اختلف فيه: قيل: إنه الحيض ونفس الدم. وقال بعض العلماء: هو الفرج. وقال الآخرون: هو زمن الحيض. (8) قد وجد عليهما: أي غضب عليهما. ولم يجد عليهما أي لم يغضب. (9) مسلم (302) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1612 5- * (عن حصين بن محصن، قال حدّثتني عمّتي قالت: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بعض الحاجة، فقال: «أي هذه أذات بعل أنت؟» . قلت: نعم، قال: «كيف أنت له؟» . قالت: ما آلوه إلّا ما عجزت عنه، قال: «أين أنت منه فإنّما هو جنّتك ونارك» ) * «1» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فقال: «كلّ يوم سبعين مرّة» . وفي رواية أبي داود قال: كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثمّ أعاد عليه الكلام، فصمت، فلمّا كان في الثّالثة قال: «اعفوا عنه في كلّ يوم سبعين مرّة) » * «2» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: خدمت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين فما قال لي أفّ قطّ، وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا، ولا مسست خزّا قطّ ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كفّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا شممت مسكا قطّ، ولا عطرا كان أطيب من عرق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 8- * (عن عبد الله الجدليّ يقول: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: لم يكن فاحشا، ولا متفحّشا ولا صخّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسّيئة السّيئة ولكن يعفو ويصفح) * «4» . 9- عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة، وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك، فقال: إنّي ساببت رجلا فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة. إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «5» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّساء خير؟ قال: «الّتي تسرّه إذا نظر وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله» ) * «6» . 11- * (عن خيثمة بن عبد الرّحمن بن أبي   (1) أحمد في مسنده (4/ 341) . وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 300) . والطبراني في معجمه الأوسط. والحاكم في مستدركه (2/ 189) واللفظ له، وقال: صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والبيهقي في السنن (7/ 291) . وفي الآداب (ص 63) وفي شعب الإيمان (3/ 87/ أ) . (2) الترمذي (1949) واللفظ له، وقال: حسن غريب، وأبو داود برقم (5164) في الأدب، باب حق المملوك، وإسناده حسن، ورواه وأبو يعلى بإسناد جيد، قال ملّا علي القاري: قال ميرك: وفي بعض النسخ، يعني نسخ الترمذي: حسن صحيح. (3) البخاري- الفتح 12 (6038) . ومسلم (2330) . واللفظ للترمذي (2015) . (4) الترمذي (2016) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو عبد الله الجدلي اسمه عبد بن عبد، ويقال عبد الرحمن ابن عبد. وقال الألباني في تعليقه علي «مشكاة المصابيح» (3/ 1619) : سنده صحيح. (5) البخاري- الفتح 1 (30) . (6) أحمد في مسنده (2/ 251، 438) واللفظ له، والحاكم في مستدركه (2/ 161) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والنسائي (6/ 68) وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 548) : إسناده حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1613 سبرة قال: كنّا جلوسا مع عبد الله بن عمرو، إذ جاءه قهرمان «1» له، فدخل، فقال: أعطيت الرّقيق قوتهم؟ قال: لا، قال: فانطلق فأعطهم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كفى بالمرء إثما أن يحبس عمّن يملك قوته) * «2» . 12- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنّا في مسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا على ناضح «3» إنّما هو في أخريات النّاس قال فضربه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو قال نخسه بشيء كان معه، قال: فجعل بعد ذلك يتقدّم النّاس ينازعني حتّى إنّي لا أكفّه، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتبيعنيه بكذا وكذا؟ والله يغفر لك» . قال: قلت: هو لك يا نبيّ الله، قال: أتبيعنيه بكذا وكذا؟ والله يغفر لك» . قال: قلت: هو لك يا نبيّ الله. قال: وقال لي: «أتزوّجت بعد أبيك؟» . قلت: نعم، قال: «ثيّبا أم بكرا؟» . قلت: ثيّبا، قال: «فهلّا بكرا تضاحكك وتضاحكها، وتلاعبك وتلاعبها» ) * «4» . 13- * (عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تضربوا إماء الله» . فجاء عمر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ذئرن «5» النّساء على أزواجهنّ. فرخّص في ضربهنّ. فأطاف بآل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساء كثير يشكون أزواجهنّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد طاف بآل محمّد نساء كثير يشكون أزواجهنّ، ليس أولئك بخياركم» ) * «6» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقل أحدكم: أطعم ربّك، وضّئ ربّك، وليقل: سيّدي، مولاي. ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي. وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي» ) * «7» . 15- * (عن سويد بن مقرّن- رضي الله عنه- قال معاوية ابنه: لطمت مولى لنا، فهربت، ثمّ جئت قبيل الظّهر، فصلّيت خلف أبي، فدعاه ودعاني، ثمّ قال: امتثل «8» منه، فعفا، ثمّ قال: كنّا بني مقرّن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس لنا إلّا خادم واحدة «9» ، فلطمها أحدنا، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعتقوها» . قالوا: ليس لهم خادم غيرها. قال: فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلّوا سبيلها) * «10» . 16- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: لمّا قدموا المدينة آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين عبد الرّحمن وسعد بن الرّبيع. قال لعبد الرّحمن إنّي أكثر الأنصار مالا، فاقسم مالي نصفين. ولي امرأتان،   (1) القهرمان: هو الخازن والوكيل. (2) مسلم (996) . (3) ناضح: هو البعير الذي يستقى عليه. (4) مسلم (1466) . (5) ذئرن النساء على أزواجهن: أي تجرأن عليهم. (6) أبو داود (2146) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 403) : صحيح. (7) البخاري- الفتح 5 (2552) واللفظ له. ومسلم (2249) . (8) امتثل منه: أي افعل به مثل ما فعل بك. (9) إلا خادم واحدة: بلا هاء يطلق على الجارية كما يطلق على الرجل ولا يقال خادمة إلا في لغة شاذة قليلة. (10) مسلم (1657) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1614 فانظر أعجبهما إليك فسمّها لي أطلّقها، فإذا انقضت عدّتها فتزوّجها. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلّوه على سوق بني فينقاع، فما انقلب إلّا ومعه فضل من أقط وسمن. ثمّ تابع الغدوّ. ثمّ جاء يوما وبه أثر صفرة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: مهيم «1» ؟ قال: تزوّجت. قال: كم سقت إليها؟. قال: نواة من ذهب- أو وزن نواة من ذهب- شكّ إبراهيم) * «2» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل، وأرعاه على زوج في ذات يده» . يقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قطّ) * «3» . 18- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يطرق الرّجل أهله ليلا، يتخوّنهم، أو يلتمس عثراتهم) » * «4» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله إنّك تداعبنا، قال: «إنّي لا أقول إلّا حقّا» ) * «5» . 20- * (عن معاوية القشيريّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح «6» ولا تهجر إلّا في البيت» ) * «7» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «أبوك» ) * «8» . 22- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «خرجت مع جرير بن عبد الله البجليّ في سفر. فكان يخدمني فقلت له: لا تفعل. فقال: إنّي قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، آليت أن لا أصحب أحدا منهم إلّا خدمته» ) * «9» . 23- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «للعبد المملوك الصّالح أجران» . فو الّذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله، والحجّ، وبرّ أمّي: لأحببت أن أموت وأنا مملوك، ولم يكن يحجّ أبو هريرة حتّى ماتت أمّه، لصحبتها) * «10» .   (1) مهيم: كلمة يمانية معناها: ما أمرك أو ما الذي أرى بك؟ (2) البخاري- الفتح 7 (3780) . (3) البخاري- الفتح 6 (3434) واللفظ له. ومسلم (2527) . (4) البخاري- الفتح 3 (1801) و9 (2543) . ومسلم (1928) واللفظ له. (5) الترمذي (1990) وقال: إسناده حسن. وكذا محقق جامع الأصول (11/ 54) . (6) ولا تقبح: أي تقول: قبحك الله. قاله أبو داود. (7) أبو داود (2142) واللفظ له وقال الألباني (3/ 402) : حسن صحيح. وقال المنذري (3/ 51) : رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 505) : إسناده حسن. (8) البخاري- الفتح 10 (5971) واللفظ له. ومسلم (2548) . (9) مسلم (2513) . (10) البخاري- الفتح 5 (2548) . ومسلم (1665) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1615 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن العشرة) 24- * (عن أُسَيْد بن حضير- رضي الله عنه- رجل من الأنصار قال: بينما هو يحدّث القوم وكان فيه مزاح، بينا يضحكهم، فطعنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خاصرته بعود كان في يده، فقال: أصبرني «1» ، فقال: «اصطبر» ، قال: إنّ عليك قميصا، وليس عليّ قميص، فرفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قميصه، فاحتضنه، وجعل يقبّل كشحه «2» ، قال: إنّما أردت هذا يا رسول الله) * «3» . 25- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ امرأة أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله احملنا على بعير، فقال: «أحملكم على ولد النّاقة» ، قالت: وما نصنع بولد النّاقة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تلد الإبل إلّا النّوق؟» . زاد رزين قال: وكان يقول لي: «يا ذا الأذنين» يمازحني) * «4» . 26- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بلغ صفيّة أنّ حفصة قالت: بنت يهوديّ، فبكت، فدخل عليها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: قالت لي حفصة: إنّي بنت يهوديّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّك لابنة نبيّ وإنّ عمّك لنبيّ، وإنّك لتحت نبيّ، ففيم تفخر عليك؟» . ثمّ قال: «اتّقي الله يا حفصة) » * «5» . 27- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا.. وجاء في وصف بعضهنّ:.. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «6» وإن خرج أسد. ولا يسأل عمّا عهد. قالت الثّامنة: زوجي المسّ مسّ أرنب والرّيح ريح زرنب «7» . قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «8» طويل   (1) أصبرني- من نفسك: أي أقدرني، ومكني من نفسك أقتص منك، يقال: أصبره فاصطبر، أي: أقصه فاقتص. (2) كشحه: الكشح: ما فوق مشد الإزار من جانب البطن. (3) أبو داود (5224) وقال الألباني (3/ 981) : صحيح الإسناد. (4) الترمذي (1991، 1992) وقال: حسن صحيح غريب. وأبو داود (4998) وفيهما «رجلا» بدل «امرأة» وقال محقق جامع الأصول (11/ 54، 55) : صحيح. واللفظ فيه. (5) الترمذي (3894) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان (16/ 194) ، رقم (7211) . (6) زوجي إن دخل فهد: هذا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد. (7) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثيابه في الناس. (8) زوجي رفيع العماد: قيل إن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه. وهكذا بيوت الأجواد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1616 النّجاد «1» عظيم الرّماد «2» . قريب البيت من النّاد «3» . قالت العاشرة: زوجي مالك. وما مالك «4» ؟ مالك خير من ذلك. له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح وإذا سمعن صوت المزهر «5» أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ «6» ، وملأ من شحم عضديّ «7» . وبجّحني فبجحت إليّ نفسي «8» وجدني في أهل غنيمة بشقّ «9» . فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «10» . فعنده أقول فلا أقبّح «11» . وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح «12» . أمّ أبي زرع. فما أمّ أبي   (1) طويل النجاد: تصفه بطول القامة. والنجاد حمائل السيف. فالطويل يحتاج إلى طول حمائل سيفه. والعرب تمدح بذلك. (2) عظيم الرماد: تصفه بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز، فيكثر وقوده فيكثر رماده. وقيل لأن ناره لا تطفأ بالليل لتهتدي بها الضّيفان. والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ويوقدونها على التّلال ومشارف الأرض، ويرفعون الأقباس على الأيدي لتهتدي بها الضيفان. (3) قريب البيت من الناد: قال أهل اللغة: النادي والناد والنديّ والمنتدى مجلس القوم. وصفته بالكرم والسؤدد. لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا أصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب للنادي. واللئام يتباعدون من النادي. (4) زوجي مالك وما مالك: معناه أن له إبلا كثيرا. فهي باركة بفنائه. لا يوجهها تسرح إلا قليلا. فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها. (5) المزهر: هو العود الذي يضرب. أرادت أن زوجها عود إبله، إذا نزل به الضيفان، نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب. فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات هوالك. (6) أناس من حلي أذنيّ: الحلي بضم الحاء وكسرها، لغتان مشهورتان. والنوس الحركة من كل شيء متدل. فهي تنوس أي تتحرك من كثرتها. (7) وملأ من شحم عضديّ: قال العلماء: معناه أسمنني وملأ بدني شحما. ولم ترد اختصاص العضدين. ولكن إذا سمنتا سمن غيرهما. (8) ويجحني فبجحت إلي نفسي: بجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر. قال الجوهري: الفتح ضعيفة. ومعناه فرحني ففرحت. وقال ابن الأنباري: وعظمني فعظمت عند نفسي. يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر. (9) وجدني في أهل غنيمة بشق: غنيمة تصغير غنم. أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم، لا أصحاب خيل وإبل. لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل وحنينها. والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم وإنما يعتدون بأهل الخيل والإبل. بشق بكسر الشين وفتحها. والمشهور لأهل الحديث كسرها. والمعروف عند أهل اللغة فتحها. قال أبو عبيد: هو بالفتح. قال: والمحدثون يكسرونه. قال وهو موضع. وقال الهرويّ: الصواب الفتح. وقال ابن الأنباريّ هو بالكسر والفتح. وهو موضع. وقال ابن أبي أويس وابن حبيب: يعني بشق جبل لقلتهم وقلة غنمهم. وشق الجبل ناحيته. وقال القتبيّ: ويعطونه بشق، بالكسر، أي بشظف من العيش وجهد. قال القاضي عياض: هذا عندي أرجح. واختاره أيضا غيره. فحصل فيه ثلاثة أقوال. (10) ودائس ومنق: الدائس هو الذي يدوس الزرع في بيدره. قال الهرويّ وغيره: يقال داس الطعام درسه. ومنق من نقّى الطعام ينقيه أي يخرجه من تبنه وقشوره. والمقصود أنه صاحب زرع يدوسه وينقيه. (11) فعنده أقول فلا أقبح: معناه لا يقبح قولي فيردّ، بل يقبل قولي. ومعنى أتصبح أنام الصّبحة وهي بعد الصباح. أي أنها مكفية بمن يخدمها فتنام. (12) فأتقنح: قال القاضي: هكذا هو في جميع النسخ: فأتقنح. قال ولم نروه في صحيح البخاريّ ومسلم إلا بالنون. قال البخاريّ: قال بعضهم: فأتقمح بالميم. قال وهو أصح. قال أبو عبيد هو بالميم. قال: وبعض الناس يرويه بالنون ولا أدري ما هذا؟. وقال آخرون: الميم والنون صحيحتان. فالميم معناه أروى حتى أدع الشراب من شدة الريّ. ومنه قمح البعير يقمح إذا رفع رأسه من الماء بعد الريّ. قال أبو عبيد: ولا أراها قالت هذا إلا لعزة الماء عندهم. ومن قاله بالنون فمعناه أقطع الشرب وأتمهل فيه. وقيل هو الشرب بعد الريّ. قال أهل اللغة: قنحت الإبل إذا تكارهت. وتقنحته أيضا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1617 زرع؟ عكومها رداح «1» وبيتها فساح «2» . ابن أبي زرع. فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة «3» . ويشبعه ذراع الجفرة «4» . بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها. وملء كسائها «5» وغيظ جارتها «6» . جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «7» . ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «8» . ولا تملأ بيتنا تعشيشا «9» . قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «10» . فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين. يلعبان من تحت خصرها برمّانتين «11» . فطلّقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سريّا ركب شريّا «12» . وأخذ خطّيّا «13» . وأراح عليّ نعما ثريّا «14» . وأعطاني من كلّ رائحة زوجا «15» . وقال: كلي أمّ زرع   (1) عكومها رداح: قال أبو عبيد وغيره: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة. واحدها عكم. ورداح أي عظام كبيرة. ومنه قيل للمرأة رداح إذا كانت عظيمة الأكفال. فإن قيل: رداح مفردة فكيف وصف بها العكوم، والجمع لا يجوز وصفه بالمفرد؟ قال القاضي: جوابه أنه أراد كل عكم منها رداح. أو يكون رداح هنا مصدرا كالذهاب. أو يكون على طريق النسبة، كقوله: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ، أي ذات انفطار. (2) وبيتها فساح: أي واسع. والفسيح مثله. هكذا فسره الجمهور. قال القاضي: ويحتمل أنها أرادت كثرة الخيل والنعمة. (3) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. والشطبة ما شطب من جريد النخل، أي شق. وهي السعفة. (4) ويشبعه ذراع الجفرة: الذراع مؤنثة وقد تذكر. والجفرة الأنثى من أولاد المعز. وقيل من الضأن. وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها. والذكر جفر. لأنه جفر جنباه، أي عظما. والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به. (5) وملء كسائها: أي ممتلئة الجسم سمينته. (6) وغيظ جارتها: قالوا: المراد بجارتها ضرتها. يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وصفتها وأدبها. (7) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله. (8) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة. (9) أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرّقة كعش الطائر. بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه. (10) والأوطاب تمخض: الأوطاب جمع وطب وهو جمع قليل النظير. وهي أسقية اللبن التي يمخض فيها. قال أبو عبيد: هو جمع وطبة. ومخضت اللبن مخضا إذا استخرجت زبده بوضع الماء فيه وتحريكه. أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع. قال الحافظ في الفتح: قلت وكأن سبب ذكر ذلك توطئة للباعث على رؤية أبي زرع للمرأة على الحالة التي رآها عليها. أي إنها من مخض اللبن تعبت فاستلقت تستريح فرآها أبو زرع على ذلك. ا. هـ-. (11) يلعبان من تحت خصرها برمانتين: قال أبو عبيد: معناه إنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان. (12) رجلا سريّا ركب شريّا: سريا معناه سيدا شريفا وقيل سخيا. وشريا هو الفرس الذي يستشري في سيره، أي يلحّ ويمضي بلا فتور ولا انكسار. (13) وأخذ خطيا: بفتح الخاء وكسرها. والفتح أشهر ولم يذكر الأكثرون غيره. والخطيّ الرمح. منسوب إلي الخط. قرية من سيف البحر، أي ساحله، عند عمان والبحرين. قال أبو الفتح: قيل لها الخط لأنها على ساحل البحر. والساحل يقال له الخط لأنه فاصل بين الماء والتراب. وسميت الرماح خطية لأنها تحمل إلى هذا الموضع وتثقف فيه. قال القاضي: ولا يصح قول من قال: إن الخط منبت الرماح. (14) وأراح عليّ نعما ثريّا: أي أتى بها إلى مراحها، وهو موضع مبيتها. والنعم الإبل والبقر والغنم. ويحتمل أن المراد هاهنا بعضها وهي الإبل. والثريّ الكثير المال وغيره. ومنه الثروة في المال وهي كثرته. (15) وأعطاني من كل رائحة زوجا: قولها من كل رائحة أي مما يروح من الإبل والبقر والغنم والعبيد، زوجا أي اثنين. ويحتمل أنها أرادت صنفا. والزوج يقع على الصنف. ومنه قوله تعالى: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1618 وميري أهلك «1» . قالت: فلو جمعت كلّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع «2» » ) * «3» . 28- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي: يا حميراء، أتحبّين أن تنظري إليهم؟» فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خدّه، قالت، ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيّبا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حسبك. فقلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثمّ قال: حسبك. فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: ومالي حبّ النّظر إليهم، ولكنّي أحببت أن يبلغ النّساء مقامه لي، ومكاني منه) * «4» . 29- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها كانت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلمّا حملت اللّحم سابقته فسبقني، فقال «هذه بتلك السّبقة» ) * «5» . 30- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت أشرب وأنا حائض. ثمّ أناوله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيضع فاه على موضع فيّ، فيشرب، وأتعرّق العرق «6» وأنا حائض. ثمّ أناوله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيضع فاه على موضع فيّ) * «7» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت ألعب بالبنات عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل يتقمّعن «8» منه، فيسرّبهنّ «9» إليّ فيلعبن معي» ) * «10» . 32- * (عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: لمّا وضعت زينب، جاءني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فخطبني، فقلت: ما مثلي تنكح أمّا أنا فلا ولد فيّ، وأنا غيور ذات عيال! قال: أنا أكبر منك، وأمّا الغيرة فيذهبها الله، وأمّا العيال فإلى الله ورسوله. فتزوّجها، فجعل يأتيها ويقول: أين زناب؟. حتّى جاء عمّار يوما، فاختلجها «11» ، فقال: هذه تمنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت ترضعها، فجاء إليّ فقال: أين زناب؟. قالت:   (1) وميري أهلك: أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم. (2) كنت لك كأبي زرع لأم زرع: قال العلماء: هو تطيب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها. ومعناه أنا لك كأبي زرع. وكان زائدة. أو للدوام. كقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (النساء/ 96) . أي كان فيما مضى وهو باق كذلك. (3) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له. ومسلم (2448) . (4) البخاري- الفتح 2 (950) . وهذا لفظ النسائي في كتاب عشرة النساء (ص 99) وقال ابن حجر في الفتح (2/ 515) : إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا. ويقصد بالحميراء الشديدة البياض. (5) أبو داود (2578) وهذا لفظه. وابن ماجة (1979) . (6) أتعرق العرق: وهو العظم الذي عليه بقية من لحم. هذا هو الأشهر في معناه. وقال أبو عبيد: هو القدر من اللحم. قال الخليل: هو العظم بلا لحم وجمعه عراق، بضم العين: ويقال: عرقت العظم وتعرقته واعترقته، إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك. (7) مسلم (300) . (8) يتقمعن أو ينقمعن: أي يدخلن وراء الستار. (9) يسرّبهنّ: أي يرسلهن. (10) البخاري- الفتح 10 (6130) . (11) قال ابن الأثير في النهاية (2/ 59) : الخلج: الجذب، والنزع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1619 قريبة «1» : ووافقها عند ما أخذها عمّار فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنا آجيكم اللّيلة فبات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ أصبح، فقال حين أصبح: إن بك على أهلك كرامة، فإن شئت سبّعت لك، وإن أسبّع، أسبّع لنسائي) * «2» . 33- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلّا وهديا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: وكانت إذا دخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسها، فلمّا مرض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخلت فاطمة فأكبّت عليه فقبّلته، ثمّ رفعت رأسها فبكت، ثمّ أكبّت عليه، ثمّ رفعت رأسها فضحكت فقلت: إن كنت لأظنّ أنّ هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النّساء، فلمّا توفّي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرفعت رأسك فبكيت، ثمّ أكببت عليه، فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟ قالت: إنّي لبذرة «3» أخبرني أنّه ميّت من وجعه هذا فبكيت ثمّ أخبرني أنّي أسرع أهله لحوقا به فذاك حين ضحكت) * «4» . 34- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما غرت على أحد من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما غرت على خديجة، وما بي أن أكون أدركتها وما ذاك إلّا لكثرة ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها، وإن كان ليذبح الشّاة فيتتبّع بها صدائق خديجة فيهديها لهنّ) * «5» . 35- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده ولا امرأة ولا خادما إلّا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه منه شيء قطّ، فينتقم من صاحبه إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله- عزّ وجلّ-» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (حسن العشرة) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لجليسي عليّ ثلاث: أن أرمقه بطرفي إذا أقبل، وأوسّع له إذا جلس، وأصغي له إذا حدّث» ) * «7» . 2- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-: «إذا أقسم أحدكم على أخيه فليبّره، فإن لم يفعل فليكفّر الّذي أقسم عن يمينه» ) * «8» . 3- * (قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: «إنّ المسلمين إذا التقيا فضحك كلّ واحد منهما في   (1) قريبة: بضم القاف، وفتح الراء، وسكون الياء تحتها نقطتان والباء الموحدة. وفي نسخة: بفتح القاف، وكسر الراء، بنت أبي أمية أخت أم سلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورضي عنهما. (2) مسلم (1460) والنسائي في كتاب عشرة النساء (40) وهذا لفظه. (3) إني لبذرة: البذرة مؤنث بذر ككتف، وهو الذي يفضي بالسر وينشر ما يسمعه ولا يستطيع كتمه. (4) البخاري- الفتح (3715) و (3716) ومسلم (2450) ، والترمذي (3872) واللفظ له، وأبو داود (5217) . والحاكم في المستدرك (4/ 272- 273) وصححه ووافقه الذهبي. وانظر «جامع الأصول» (9/ 129- 132) . (5) الترمذي (2017) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. (6) مسلم (2328) . (7) المستطرف (1/ 185) . (8) المنتقى من مكارم الأخلاق (106) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1620 وجه صاحبه ثمّ أخذ بيده تحاتّت ذنوبهما كتحاتّ ورق الشّجر» ) * «1» . 4- * (دخل القعقاع بن شور يوما على معاوية فأمر له بألف دينار وكان هناك رجل قد فسّح له في المجلس فدفعها للّذي فسّح له فأنشد الرّجل: «وكنت جليس قعقاع بن شور ... وما يشقى بقعقاع جليس ضحوك السّنّ إن نطقوا بخير ... وعند الشّر مطراق عبوس» ) * «2» . 5- * (عن قتادة، قال: «سألت أبا الطّفيل عن شيء فقال: إنّ لكلّ مقام مقالا» ) * «3» . 6- * (وصف المأمون ثمامة بحسن المعاشرة فقال: «إنّه يتصرّف مع القلوب تصرّف السّحاب مع الجنوب» ) * «4» . 7- * (وقال أبو تمّام: من لي بإنسان إذا أغضبته ... وجهلت كان الحلم ردّ جوابه وإذا صبوت إلى المدام شربت من ... أخلاقه وسكرت من آدابه وتراه يصغي للحديث بطرفه ... وبقلبه ولعلّه أدرى به) * «5» . 8- * (قال بعضهم: يتعيّن على الجليس الإنصاف في المجالسة بأن يلحظ بعين الأدب مكانه من مكان جليسه، فيكون كلّ منهما في محلّه) * «6» . 9- * (قال الحريريّ- رحمه الله تعالى-: سامح أخاك إذا خلط ... منه الإصابة بالغلط وتجاف عن تعنيفه ... إن زاغ يوما أو قسط واحفظ صنيعك عنده ... شكر الصّنيعة أو غمط وأطعه إن عاصى وهن ... إن عزّ وادن إذا شمط واقض الوفاء ولو أخ ... لّ بما اشترطت وما اشترط واعلم بأنّك إن طلب ... ت مهذّبا رمت الشّطط من ذا الّذي ما ساء قطّ ... ومن له الحسنى فقط) * «7» . 10- * (وقال بشّار بن برد: إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الّذي لا تعاتبه وإن أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه؟) * «8» . 11- * (وقال بعضهم: وما بقيت من اللّذّات إلّا ... معاشرة الرّجال ذوي العقول وقد كنّا نعدّهم قليلا ... فقد صاروا أقلّ من القليل) * «9» .   (1) المستطرف (1/ 186) . (2) المرجع السابق (1/ 185) . (3) المنتقى من مكارم الأخلاق (106- 107) . (4) المستطرف (1/ 185) . (5) المرجع السابق (1/ 183) . (6) المرجع السابق (1/ 185) . (7) جواهر الأدب لأحمد الهاشمي (698) . (8) المستطرف (1/ 184) . (9) المرجع السابق (1/ 183) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1621 12- * (قيل: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلّا أنفسهم: الجالس في مجلس ليس له بأهل، والمقبل بحديثه على من لا يسمعه، والدّاخل بين اثنين في حديثهما ولم يدخلاه فيه، والمعرض لما لا يعنيه، والمتأمّر على ربّ البيت في بيته، والآتي إلى مائدة بلا دعوة، وطالب الخير من أعدائه، والمستخفّ بقدر السّلطان) * «1» . من فوائد (حسن العشرة) (1) عمل يرضي الله- عزّ وجلّ- ويبارك فيه. (2) يشيع الألفة والمحبّة بين أفراد الأسرة. (3) يقوّي روابط المجتمع وينمّي الصّلات الاجتماعيّة الحميدة. (4) يخلص المستخدمون والعمّال وأرباب الحرف لرؤسائهم وأولياء أمورهم إن أحسنوا عشرتهم. (5) يحرص هؤلاء على مصلحة من هم لهم تابعون. (6) يعطي القدوة والمثل لمن هم دونه في حسن العشرة. (7) يزيل الأحقاد والعداوة والحسد من القلوب.   (1) المستطرف (1/ 186) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1622 حسن المعاملة حسن المعاملة لغة: الحسن لغة: (انظر صفة حسن الخلق) ، أمّا المعاملة فهي: مصدر عامل، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ع م ل) الّتي تدلّ على كلّ فعل يفعل، قال الخليل: عمل يعمل عملا فهو عامل، ويقال: اعتمل الرّجل إذا عمل بنفسه، قال في الصّحاح: والتّعميل تولية العمل يقال: عمّلت فلانا على البصرة: ولّيته إيّاها. وقال ابن منظور: عاملت الرّجل أعامله معاملة، والمعاملة في كلام أهل العراق: هي المساقاة في كلام الحجازيّين «1» . وقال الفيّوميّ: وعاملته في كلام أهل الأمصار يراد به التّصرّف من البيع ونحوه. قال النّوويّ- رحمه الله-: والمساقاة على إطلاقها أن يدفع الرّجل إلى آخر شجره ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره. وقيّده الشّافعيّ- رحمه الله- بقوله: «على ما يكفل الآيات الأحاديث الآثار 11 58 7 الرّفق بالعامل وصاحب العمل» «2» . المعاملة اصطلاحا: قال التّهانويّ: المعاملة عند الفقهاء عبارة عن العقد على العمل ببعض الخرج (النّتاج) وتطلق المعاملات أيضا على الأحكام الشّرعيّة المتعلّقة بأمر الدّنيا باعتبار بقاء الشّخص كالبيع والشّراء والإجارة ونحوها. وجعلها أصحاب الشّافعيّ ركنا من أركان الفقه؛ فقالوا: الأحكام الشّرعيّة إمّا أن تتعلّق بأمر الآخرة وهي العبادات أو بأمر الدّنيا وهي إمّا أن تتعلّق ببقاء الشّخص وهي العبادات أو بأمر الدّنيا وهي إمّا أن تتعلّق ببقاء الشّخص وهي المعاملات أو ببقاء النّوع باعتبار المنزل وهي المناكحات أو باعتبار المدنيّة وهي العقوبات «3» . وممّا تقدّم يمكن القول بأنّ حسن المعاملة: هو الموقف الحسن الثّابت الصّادق الّذي يتّخذه المؤمن أثناء تعامله مع الآخرين في سائر المعاملات على ما يكفل الرّفق بالمتعاملين.   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 144) ، ولسان العرب: (11/ 476) ، والصحاح (5/ 1775) ، والمصباح المنير للفيومي (430) . (2) المجموع شرح المهذب: (14/ 400) . (3) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (3/ 1036) ، وراجع المقدمة (1/ 32) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1623 أقسام المعاملة: ويمكن تقسيم المعاملة إلى: دنيويّة: وهي ما كان في موقع العقود أو نيّتها من بيع وشراء وسلم «1» ومساقاة ومزارعة وقروض ورهن وغير ذلك. وأخرويّة: وهي ما يبذله المسلم من جهد أو مال أو زمن من غير عوض دنيويّ ابتغاء الأجر والثّواب من الله. وهو مفتقر إلى النّيّة. وقد ينطبق هذا على المعاملات الدّنيويّة إذا قصد بها منفعة المسلمين بما يرضي الله عزّ وجلّ وتيسير مصالحهم. حسن المعاملة اصطلاحا: أن يفي الإنسان بما أبرمه من عقود مع الآخرين مع الرّفق بهم والإحسان إليهم هذا في النّاحية الدّنيويّة، أمّا فيما يتعلّق بأمور الآخرة فتعني أن يصدق الإنسان في تعامله مع خالقه وأن يخلص نيّته في عبادته مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» «2» . شمول حسن المعاملة: إنّ الأمر بحسن المعاملة يتضمّن أمورا عديدة منها: الوفاء بالعهود والعقود مع الله عزّ وجلّ ومع النّاس، وفيما يتعلّق بأمور النّاس؛ فإنّ حسن المعاملة يقتضي البعد عن الغشّ والتّدليس وعدم إخسار الكيل والميزان، كما يشمل الرّفق بمن يتعامل معهم من المسلمين، ولا شكّ أنّ امتزاج أحكام الشّريعة بالأخلاق الحسنة الفاضلة يؤدّي إلى تنفيذ القوانين والأحكام؛ لأنّ الوازع الدّينيّ يساعد على التّحلّي بمكارم الأخلاق، فإذا اجتمع الوازع الدّينيّ مع الوازع الأخلاقيّ بما فيهما معا من خشية الله ويقظة الضّمير، أدّى ذلك إلى احترام القوانين، ومن ثمّ تأمين ما ترمي إليه من عدل وإحسان، وهكذا فإنّ إضافة الوازعين الدّينيّ والأخلاقيّ إلي الوازع القانونيّ في مجال تنفيذ القوانين المتّفقة مع الشّرع يؤدّي بالضّرورة إلى تدعيم سلطة الدّولة الإسلاميّة في مجال تطبيق القانون على الكافّة؛ لأنّ سلطة الدّولة وحدها قاصرة عن تأمين هذا التّنفيذ المثاليّ إن لم يشدّ أزرها في ذلك مؤيّدات الدّين والأخلاق وزواجرهما الّتي تنبع من الشّرع ومن ضمير الإنسان وهذا وحده هو الضّمان الحقيقيّ للحياة الاجتماعيّة الفاضلة «3» . [للاستزادة: انظر صفات: البشاشة- حسن الخلق- حسن العشرة- الشفقة- الشهامة- طلاقة الوجه. وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء المعاملة- الإساءة- الأذى- الاستهزاء- التحقير- السخرية العبوس- الكبر والعجب] .   (1) السّلم: في الشرع: عقد يوجب الملك في الثمن عاجلا وفي المثمن آجلا. (2) استخلصنا هذا التعريف من جملة أقوال المفسرين والفقهاء. (3) بإيجاز وتصرف يسير عن الدعائم الخلقية للقوانين الشرعية (325) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1624 الآيات الواردة في «حسن المعاملة» معنى 1- وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1) «2» 3- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) «3» 4- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «4» 5- وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) «5» 6- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) «6» 7- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) «7» 8- * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) «8» 9- وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)   (1) البقرة: 280 مدنية. (2) المائدة: 1 مدنية. (3) الأنعام: 152 مكية. (4) التوبة: 7 مدنية. (5) هود: 85 مكية. (6) يوسف: 88 مكية. (7) الإسراء: 34- 35 مكية. (8) الشعراء: 181- 183 مكية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1625 فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28) * فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) «1» 10- وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9) «2» 11- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) «3» .   (1) القصص: 22- 29 مكية. (2) الرحمن: 9 مكية. (3) المطففين: 1- 3 مكية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1626 الأحاديث الواردة في (حسن المعاملة) معنى 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اتّقوا الظّلم فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم «1» واستحلّوا محارمهم «2» » ) * «3» . 2- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: أتي الله تعالى بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء/ 42) قال: يا ربّ آتيتني مالك، فكنت أبايع النّاس، وكان من خلقي الجواز «4» فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال تعالى: أنا أحقّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي» . فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنهما-: هكذا سمعناه من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين، فإنّه ولي حرّة وعلاجه «6» » ) * «7» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استوصوا بالنّساء خيرا فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج ما في الضّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنّساء» ) * «8» . 5- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّ أباه أتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي نحلت «9» ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكلّ ولدك نحلته مثل هذا؟» ، فقال: لا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأرجعه» وفي رواية: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفعلت هذا بولدك كلّهم؟» ، قال: لا. قال: «اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم» . فرجع أبي فردّ تلك الصّدقة) * «10» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد «11» أو شابّا، ففقدها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات. قال: «أفلا كنتم آذنتموني؟ «12» » . فكأنّهم صغّروا أمرها، أو أمره، فقال: «دلّوني على قبره» ، فدلّوه   (1) سفكوا دماءهم: أي قتل بعضهم بعضا. (2) استحلوا محارمهم: أي اتخذوا من نسائهم حلالا ففعلوا بهن الفاحشة. (3) مسلم (2578) . (4) الجواز: المجاوزة. (5) مسلم (1560) . (6) ولي علاجه: أي عمله. (7) البخاري- الفتح 9 (5460) . ومسلم (1663) . (8) البخاري- الفتح 6 (3331) . ومسلم (1468) . (9) نحلت: أي أعطيت. (10) البخاري- الفتح 5 (2586) و (2587) . ومسلم (1623) . (11) تقمّ المسجد: أي تكنسه. (12) آذنتموني: أي أعلمتموني. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1627 فصلّى عليه، ثمّ قال: «إنّ هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإنّ الله تعالى ينوّرها لهم بصلاتي عليهم» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنّما تسفّهم الملّ «2» ولا يزال معك من الله تعالى ظهير «3» عليهم ما دمت على ذلك» ) * «4» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد إذا نصح لسيّده وأحسن عبادة الله، فله أجره مرّتين» ) * «5» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه» ) * «6» . 10- * (عن أبي يعلى شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» ) * «7» . 11- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إل؟ هـ إلّا الله، وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «8» . 12- * (عن عمرو بن الأحوص الجشميّ رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى، وأثنى عليه وذكّر ووعظ، ثمّ قال: «ألا واستوصوا بالنّساء خيرا فإنّما هنّ عوان «9» عندكم ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضربا غير مبرّح «10» ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا، ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا، فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن   (1) البخاري- الفتح 3 (1337) دون قوله: «إن هذه القبور» . ومسلم (956) . (2) تسفهم المل: المل: الرماد الحار. قال النووي: كأنما تطعمهم الرماد الحار. وهو تشبيه ما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار. (3) الظهير: المعين. (4) مسلم (2558) . (5) البخاري- الفتح 5 (2546) . ومسلم (1664) واللفظ له. (6) مسلم (2593) . (7) مسلم (1955) . (8) البخاري- الفتح 3 (1496) وعنده من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- ومسلم (19) واللفظ له. (9) عوان: أي أسيرات جمع عانية. (10) الضرب المبرح: الشاق الشديد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1628 تكرهون، ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «1» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا «2» ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله «3» ولا يحقره. التّقوى هاهنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرّات) بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه، إنّ الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) * «4» . 14- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه كان عليه حلّة وعلى غلامه مثلها، فسأله المعرور بن سويد عن ذلك، فذكر أنّه سابّ رجلا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعيّره بأمّه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة «5» ، إخوانكم خولكم «6» جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم عليه» ) * «7» . 15- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا- أو قال: حتّى يتفرّقا- فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» ) * «8» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقّت التّمرة الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الّذي صنعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة، أو أعتقها بها من النّار» ) * «9» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله من أحقّ النّاس بحسن صحابتي «10» ؟. قال: «أمّك» ، قال: ثمّ من؟ قال: «أمّك» ، قال: ثمّ من؟ قال: «أمّك» ، قال: ثمّ من؟، قال: «ثمّ أبوك» ) * «11» . 18- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حوسب رجل ممّن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلّا أنّه كان   (1) الترمذي (1163) وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له. وابن ماجة (1851) . وصححه لشواهده محقق «جامع الأصول» (6/ 504) . (2) لا تجسسوا: لا تتبعوا عيوب الناس. (3) يخذله: يترك نصرته. (4) البخاري- الفتح 10 (6064) إلى قوله: «وكونوا عباد الله إخوانا» . ومسلم (2563) و (2564) بروايات متعددة واللفظ له. (5) فيك جاهلية: أي خلق من أخلاق الجاهلية. (6) والخول: الخدم والحشم. (7) البخاري- الفتح 1 (30) . ومسلم (1661) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 4 (2079) واللفظ له. ومسلم (1532) . (9) مسلم (2630) . (10) صحابتي: يعني صحبتي. (11) البخاري- الفتح 10 (5971) واللفظ له. ومسلم (2548) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1629 يخالط النّاس «1» ، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال الله عزّ وجلّ: نحن أحقّ بذلك منه، تجاوزوا عنه» ) * «2» . 19- * (عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه قال: «إنّ الخازن المسلم الأمين الّذي ينفذ- وربّما قال يعطي- ما أمر به، فيعطيه كاملا موفّرا، طيّبة به نفسه، فيدفعه إلى الّذي أمر له به أحد المتصدّقين» ) * «3» . 20- * (عن أبي صالح؛ قال: رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشّعبيّ فقال: يا أبا عمرو إنّ من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرّجل، إذا أعتق أمته ثمّ تزوّجها: فهو كالرّاكب بدنته. فقال الشّعبيّ: حدّثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فآمن به واتّبعه وصدّقه، فله أجران. وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده، فله أجران. ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثمّ أدّبها فأحسن أدبها. ثمّ أعتقها وتزوّجها، فله أجران» . ثمّ قال الشّعبيّ للخراسانيّ: خذ هذا الحديث بغير شيء، فقد كان الرّجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة) * «4» . 21- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رحم الله رجلا سمحا «5» إذا باع وإذا اشترى، وإذا اقتضى «6» » ) * «7» . 22- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم، وإذا أحدهما يستوضع «8» الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل، فخرج عليهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أين المتألّي على الله «9» لا يفعل المعروف؟» . فقال: أنا يا رسول الله، فله أيّ ذلك أحبّ) * «10» . 23- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عائد المريض في مخرفة الجنّة حتّى يرجع» ) * «11» . 24- * (عن حكيم بن معاوية القشيريّ عن أبيه، قال: قلت يا رسول الله ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت- أو اكتسبت- ولا تضرب الوجه، ولا   (1) يخالط الناس: يعاملهم بالبيوع والمداينة. (2) مسلم (1561) . (3) البخاري- الفتح 4 (2260) . ومسلم (1023) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 1 (97) و6 (3011) . ومسلم (154) وهذا لفظه. (5) سمحا: سهلا. (6) اقتضى: أي طلب قضاء حقه. (7) البخاري- الفتح 4 (2076) . (8) يستوضع الآخر: أي يسأله أن يضع عنه بعض دينه. (9) المتألي على الله: أي الحالف المبالغ في اليمين. (10) البخاري- الفتح 5 (2705) واللفظ له. ومسلم (1557) . (11) مسلم (2568) . وعند الترمذي (968) وزاد فيه: قيل ما مخرفة الجنة؟ قال: جناها. وقيل: المخرقة الطريق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1630 تقبّح «1» ، ولا تهجر إلّا في البيت» ) * «2» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رجل يداين النّاس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعلّ الله يتجاوز عنّا، فلقي الله فتجاوز عنه» ) * «3» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة، كلّ يوم تطلع فيه الشّمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرّجل في دابّته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطّيّبة صدقة، وكلّ خطوة تمشيها إلى الصّلاة صدقة، وتميط الأذى «4» عن الطّريق صدقة» ) * «5» . 27- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت أضرب غلاما لي بالسّوط، فسمعت صوتا من خلفي: اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصّوت من الغضب، فلمّا دنا منّي، إذا هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، قال: فألقيت السّوط من يدي. فقال: «اعلم أبا مسعود أنّ الله أقدر عليك منك على هذا الغلام» . فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا. وفي رواية: فسقط السّوط من يدي من هيبته. وفي رواية: قلت: يا رسول الله هو حرّ لوجه الله تعالى، فقال: «أما لو لم تفعل للفحتك النّار «6» ، أو لمسّتك النّار» ) * «7» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله لأن يلجّ «8» أحدكم بيمينه في أهله آثم «9» له عند الله تعالى من أن يعطي كفّارته الّتي افترض الله عليه» ) * «10» . 29- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «11» » ) * «12» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «13» مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر. أو قال: غيره» ) * «14» .   (1) لا تقبّح: لا تقل قبّحك الله. (2) أبو داود (2142) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 402) : حسن صحيح. وأخرجه أحمد (4/ 446، 447) . وابن ماجة (1850) وقال محققو رياض الصالحين: إسناده صحيح. وقال النووي في رياض الصالحين (125) : حديث حسن. (3) البخاري- الفتح 4 (2078) . ومسلم (1562) واللفظ له. (4) تميط الأذى: تزيله عن الطريق، كالحجر والشوك. (5) البخاري- الفتح 6 (2989) . ومسلم (1009) واللفظ له. (6) لفحتك النار: أحرقتك. (7) مسلم (1659) . (8) قوله يلج: بكسر اللام، ويجوز فتحها بعدها جيم مشددة من اللجاج، وهو أن يتمادى في الأمر ولو تبين له خطؤه، وأصل اللجاج في اللغة هو: الإصرار على الشيء مطلقا. (9) وقوله آثم: أي أكثر إثما. (10) البخاري- الفتح 11 (6625) واللفظ له. ومسلم (1655) . قال النووي: معنى الحديث أن من حلف يمينا تتعلق بأهله بحيث يتضررون بعدم حنثه فيه فينبغي أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه. (11) بوجه طلق: أي متهلل بالبشر والابتسام. (12) مسلم (2626) . (13) وقوله يفرك: معناه يبغض. (14) مسلم (1469) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1631 31- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «1» 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتؤدّينّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشّاة الجلحاء «2» من الشّاة القرناء» ) * «3» . 33- * (عن أبي عليّ، سويد بن مقرّن- رضي الله عنه- قال: لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرّن مالنا خادم إلّا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نعتقها) * «4» . 34- * (عن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس فينمي «5» خيرا، أو يقول خيرا» . وعند مسلم: زيادة، قالت: ولم أسمع يرخّص في شيء ممّا يقول النّاس إلّا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين النّاس، وحديث الرّجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) * «6» . 35- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا» ) * «7» . 36- * (عن ابن عمر وعائشة- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) * «8» . 37- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» ) * «9» . 38- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «10» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مطل الغنيّ ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليّ «11» فليتبع» ) * «12» .   (1) البخاري- الفتح 1 (13) واللفظ له. ومسلم (45) . (2) الشاة الجلحاء: التي لا قرن لها. (3) مسلم (2582) . (4) مسلم (1658) . (5) ومعنى ينمي خيرا: أي يبلّغ خيرا. (6) البخاري- الفتح 5 (2692) . ومسلم (2605) . (7) أبو داود (4943) وعنده بدل «شرف» : «حق» . والترمذي (1920) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. وقال محققو رياض الصالحين (148) : وسنده حسن. وعند أحمد (5/ 323) وزاد فيه: «ويعرف لعالمنا» . وقال النووي: حديث صحيح. (8) البخاري- الفتح 10 (6014، 6015) . ومسلم (2624، 2625) . (9) البخاري- الفتح 10 (6011) . ومسلم (2586) واللفظ له. (10) البخاري- الفتح 5 (2442) . ومسلم (2580) واللفظ له. (11) أتبع على مليّ: أحيل على غنيّ. (12) البخاري- الفتح 4 (2287) . ومسلم (1564) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1632 40- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه» ) * «1» . 41- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» ) * «2» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنظر معسرا أو وضع له، أظلّه الله يوم القيامة تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» ) * «3» . 43- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من عال جاريتين حتّى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو» وضمّ أصابعه ... ) * «4» . 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من عرض عليه ريحان فلا يردّه، فإنّه خفيف المحمل، طيّب الرّيح» ) * «5» . 45- * (عن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعيّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته» . قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يومه وليلته، والضّيافة ثلاثة أيّام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه» ) * «6» . 46- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» . وفي رواية لمسلم عن أبي ذرّ قال: إنّ خليلي صلّى الله عليه وسلّم أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» ) * «7» . 47- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله إنّ فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: «هي في النّار» . قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة يذكر من قلّة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنّها تصدّق بالأثوار «8» من الأقط، ولا تؤذي جيرانها   (1) أبو داود (1672) واللفظ له. والنسائي (5/ 82) . وقال النووي في الرياض (505) : حديث صحيح بأسانيد الصحيحين. وقال محققوه: إسناده صحيح. والمستدرك (1/ 412) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (2) البخاري- الفتح 10 (5986) . ومسلم (2557) . (3) الترمذي (1306) وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال محققو رياض الصالحين (407) : وهو صحيح. (4) مسلم (2631) . ومعناه: جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين. (5) مسلم (2253) . (6) البخاري- الفتح 10 (6135) . ومسلم (48) ص (1352) باب الضيافة ونحوها، واللفظ لمسلم. (7) مسلم (2625) . (8) الأثوار: جمع ثور وهي القطعة العظيمة من الأقط. وهو لبن جامد مستحجر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1633 بلسانها. قال: «هي في الجنّة» ) * «1» . ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضا، ولفظه وهو لفظ بعضهم: قالوا: يا رسول الله فلانة تصوم النّهار، وتقوم اللّيل، وتؤذي جيرانها. قال: «هي في النّار» . وقالوا: يا رسول الله فلانة تصلّي المكتوبات، وتصدّق بالأثوار من الأقط «2» ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» . 48- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «3» . 49- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّ الوحي قد انقطع، وإنّما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا، أمنّاه وقرّبناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسب في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا، لم نأمنه، ولم نصدّقه وإن قال: إنّ سريرته حسنة» ) * «4» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن المعاملة) 50- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه «5» فأغلظ، فهمّ به أصحابه «6» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» . ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه» . قالوا: يا رسول الله إلّا أمثل «7» من سنّه. قال: «أعطوه فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء» * «8» . 51- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة دعا بميزان فوزن لي وزادني) * «9» . 52- * (عن أبي صفوان سويد بن قيس- رضي الله عنه- قال: جلبت أنا ومخرمة العبديّ بزّا «10» من هجر، فجاءنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فساومنا بسراويل وعندي وزّان يزن بالأجر، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للوزّان: «زن وأرجح» ) * «11» .   (1) أحمد (2/ 440) . والبزار وابن حبان في صحيحه رقم (5764) ، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 169) وقال: رجاله ثقات. (2) والأقط: بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي. (3) البخاري- الفتح 10 (6125) واللفظ له. ومسلم (1734) . (4) البخاري- الفتح 5 (2641) . (5) يتقاضاه: أي يطلب منه قضاء ماله عنده من حق. (6) فهم به أصحابه: أي أن يفعلوا به جزاء إغلاظه. (7) الأمثل: الأعلى والأحسن. (8) البخاري- الفتح 4 (2306) واللفظ له. ومسلم (1601) . (9) النسائي (7/ 283) . (10) البرّ: ضرب من الثّياب. (11) أبو داود (3336) . والترمذي (1305) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (7/ 384) وقال مراجع رياض الصالحين (408) : سنده حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1634 53- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ على رأس جبل، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره، إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثّالثة: زوجي العشنّق، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إذا دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء- أو عياياء- طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي المسّ مسّ أرنب، والرّيح ريح زرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد «1» . قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟، أناس من حلّي أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح. أمّ أبي زرع فما أمّ أبي زرع؟، عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟، مضجعه كمسلّ شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟، طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟، لا تبثّ حديثنا تبثيثا، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا؛ قالت خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا، وأخذ خطّيّا، وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، وقال: كلي أمّ زرع، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كلّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» * «2» . 54- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- رضي الله عنها- قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا حميراء، أتحبّين أن تنظري إليهم؟» فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خدّه، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيّبا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حسبك» . فقلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثمّ قال: «حسبك» . فقلت: لا تعجل يا   (1) هذه اللفظة أثبتت على ما جاء في «صحيح مسلم» وقد جاء في حاشيته ما نصه: قال أهل اللغة: النادي والناد والندى والمنتدى: مجلس القوم. (2) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له. ومسلم (2448) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1635 رسول الله، قالت: ومالي حبّ النّظر إليهم، ولكنّي أحببت أن يبلغ النّساء مقامه لي، ومكاني منه» ) * «1» . 55- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سابقني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسبقته، حتّى إذا رهقنا اللّحم، سابقني فسبقن، فقال: «هذه بتلك» ) * «2» . 56- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت ألعب بالبنات «3» عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان لي صواحب، يلعبن معي: فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل يتقمّعن «4» منه فيسرّبهنّ إليّ فيلعبن معي) * «5» . 57- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه جبذة شديدة حتّى نظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت به حاشية الرّداء من شدّة جبذته ثمّ قال: مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «6» . 58- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده، ولا امرأة ولا خادما، إلّا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطّ فينتقم من صاحبه، إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله- عزّ وجلّ-» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (حسن المعاملة) 1- * (قيل لعبد الرّحمن بن عوف: ما سبب يسارك؟ قال: «ثلاث: ما رددت ربحا قطّ، ولا طلب منّي حيوان فأخّرت بيعه، ولا بعت نسيئة. ويقال: إنّه باع ألف ناقة فما ربح إلّا عقلها، باع كلّ عقال بدرهم فربح فيها ألفا وربح من نفقته عليها ليومه ألفا» ) * «8» . 2- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: «لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير،   (1) النسائي في عشرة النساء (98) رقم (95) وقال ابن حجر في الفتح (2/ 515) : إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا. وأصله عند البخاري 2 (950) بلفظ آخر ليس فيه: يا حميراء. (2) النسائي: عشرة النساء (5765- 5958) بألفاظ متقاربة. وابن ماجة (1/ 636) رقم (1979) مختصرا، وقال في الزوائد: إسناده صحيح على شرط البخاري. (3) البنات: الألعاب المصنوعة من الخرق للعب بها. (4) يتقمعن: يتغيّبن ويدخلن وراء الستار. (5) البخاري- الفتح 10 (6130) واللفظ له. ومسلم (2440) . (6) البخاري- الفتح 6 (3149) . ومسلم (1057) . (7) مسلم (2328) . وقال صاحب جامع الأصول (11/ 249) : هذا حديث أخرجه الحميدي في أفراد مسلم. (8) إحياء علوم الدين (2/ 80) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1636 يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. قال عبد الله ابن الزّبير فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله ابن الزّبير. فقال: يا ابن أخي: كم على أخي من الدّين؟ فكتمه فقال: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف. ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله ابن جعفر- وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم. فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة، قال عبد الله: لك هاهنا إلى هاهنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة- فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف. قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم. فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف» ) * «1» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3129) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1637 3- * (قال رجل لعمر بن عبد العزيز: «اجعل كبير المسلمين عندك أبا وصغيرهم ابنا وأوسطهم أخا، فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه» ) * «1» . 4- * (عن زياد بن الرّبيع اليحمديّ عن أبيه قال: «رأيت محمّد بن واسع يبيع حمارا بسوق (بلخ) فقال له رجل: أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لم أبعه» ) * «2» . 5- * (روي أنّ الحسن البصريّ باع بغلة له بأربعمائة درهم، فلمّا استوجب المال قال له المشتري: اسمح يا أبا سعيد، قال: «قد أسقطت عنك مائة» . قال له: «فأحسن يا أبا سعيد» ، فقال: «قد وهبت لك مائة أخرى» ، فقبض من حقّه مائتي درهم، فقيل له: «يا أبا سعيد، هذا نصف الثّمن» ، فقال: «هكذا يكون الإحسان وإلّا فلا» ) * «3» . 6- * (قال بعضهم: لا يغرّنك من المر ... ء قميص رقعه أو جبين لاح في ... هـ أثر قد قلعه أو إزار فوق كعب السّ ... اق منه رفعه ولدى الدّرهم فان ... ظر غيّه أو ورعه) * «4» . 7- * (يروى عن أحدهم أنّه بعث بطعام إلى البصرة مع رجل، وأمره أن يبيعه يوم يدخل بسعر يومه، فأتاه كتابه: إنّي قدمت البصرة فوجدت الطّعام متّضعا فحبسته، فزاد الطّعام فأردت فيه كذا وكذا، فكتب إليه صاحبه: إنّك قد خنتنا وعملت خلاف ما أمرناك به، فإذا أتاك كتابي فتصدّق بجميع ثمن ذلك الطّعام على فقراء البصرة، فليتني أسلم إذا فعلت ذلك» ) * «5» . من فوائد (حسن المعاملة) (1) حسن المعاملة مع الله يورث التّقوى والورع، ومع النّاس يكسب ثقة الآخرين فيه وثقته مع نفسه. (2) تقوم على اليسر، والصّفح، والتّجاوز، والسّماحة وطلاقة الوجه، والأمانة، والصّدق، وسائر الأخلاق الحميدة. (3) الشّفقة والرّحمة بالعمّال والمستخدمين تدفعهم إلى الإخلاص والمحافظة على الأموال وسلامتها. (4) المرأة رقيقة العاطفة متحفّزة المشاعر فبقدر ما تلقى من حسن معاملة زوجها تخلص وتعتني بمصالحه. (5) زيادة الألفة والمحبّة بين المسلمين. (6) تجلب البركة والخير للمتعاملين. (7) دليل حبّ الخير للآخرين. (8) ترغّب غير المسلم في الدّخول في الإسلام.   (1) جامع العلوم والحكم (294) . (2) الورع لابن أبي الدنيا (106) . (3) إحياء علوم الدين (2/ 81) . (4) المرجع السابق (2/ 82) . (5) كتاب الورع لابن أبي الدنيا (104- 105) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1638 حفظ الأيمان الحفظ لغة: مصدر قولهم حفظ يحفظ وهو مأخوذ من مادّة (ح ف ظ) الّتي تدلّ على مراعاة الشّيء، يقال حفظت الشّيء حفظا، والغضب الحفيظة، وذلك أنّ تلك الحال تدعو إلى مراعاة الشّيء، والتّحفّظ: قلّة الغفلة، والحفاظ: المحافظة على الأمور «1» . قال الرّاغب ما خلاصته: الحفظ يقال تارة لهيئة النّفس الّتي بها يثبت ما يؤدّي إليه الفهم ويضادّه النّسيان كما في حفظ القرآن الكريم مثلا، ثمّ استعمل في كلّ تفقّد وتعهّد ورعاية وقوله سبحانه: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ (الأحزاب/ 35) كناية عن العفّة. أمّا قوله سبحانه: حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ (النساء/ 34) ، أي يحفظن عهد الأزواج عند غيبتهم بسبب أنّ الله تعالى يحفظهنّ أن يطّلع عليهنّ، وقرأ بِما حَفِظَ اللَّهُ بالنّصب أي بسبب رعايتهنّ حقّ الله تعالى لا لرياء وتصنّع منهنّ. وقال الجوهريّ: حفظت الشّيء حفظا أي حرسته، وحفظته أيضا بمعنى استظهرته. والحفظة: الآيات الأحاديث الآثار 6 29 9 الملائكة الّذين يكتبون أعمال بني آدم، والمحافظة: المراقبة، والحفيظ: المحافظ ومنه قوله تعالى: وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (الأنعام/ 104) ، والتّحفّظ: التّيقّظ وقلّة الغفلة. وقال في اللّسان: والحفيظ من صفات الله عزّ وجلّ- لا يعزب عن حفظه مثقال ذرّة في السّماوات والأرض «2» . الحفظ اصطلاحا: لا يختلف معنى الحفظ في اللّغة عن معناه في الاصطلاح، بيد أنّ المراد به هنا هو معنى المراعاة والتّعهّد وليس الاستظهار. الأيمان لغة: الأيمان جمع يمين، واليمين: القسم؛ لأنّهم كانوا يتماسحون بأيمانهم فيتحالفون. وفي الحديث: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفّر عن يمينه ثمّ ليفعل الّذي هو خير» ، والجمع: أيمن وأيمان، قال الله تعالى: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ (القلم/ 39) وهي مؤنّثة. وأيمن الله (بضمّ الميم وفتحها، والهمزة تفتح وتكسر) اسم وضع للقسم، وأيم الله وإيم الله بفتح الهمزة وكسرها. وإذا كسرت فالألف ألف   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 87) . (2) مفردات الراغب (124) بتصرف، وبصائر ذوي التمييز (2/ 480) ، ولسان العرب (7/ 441- 442) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1639 قطع. كلّ ذلك بمعنى اسم وضع للقسم. والتّقدير أيمن الله قسمي. وهمزة أيمن همزة وصل عند سيبويه. وقال الفرّاء: جمع يمين وهمزته همزة قطع، ويحذفون النّون لكثرة الاستعمال «1» . قال ابن حجر- رحمه الله-: وأصل اليمين في اللّغة اليد وأطلقت على الحلف لأنّهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كلّ بيمين صاحبه، وقيل لأنّ اليد اليمنى من شأنها حفظ الشّيء فسمّي الحلف بذلك لحفظ المحلوف عليه، وسمّي المحلوف عليه يمينا لتلبّسه بها. ويجمع اليمين أيضا على أيمن كرغيف وأرغف. اليمين اصطلاحا: هي توكيد الشّيء بذكر اسم أو صفة لله «2» . قال الجرجانيّ: اليمين في الشّرع تقوية أحد طرفي الخبر بذكر الله تعالى، أو التّعليق؛ فإنّ اليمين بغير الله ذكر للشّرط والجزاء حتّى لو حلف أن لا يحلف. وقال: إن دخلت الدّار فعبدي حرّ يحنث، فتحريم الحلال يمين كقوله تعالى: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إلى قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ (التحريم/ 1- 2) «3» . حفظ الأيمان اصطلاحا: وعلى هذا يكون معنى حفظ الأيمان ضبط المحلوف عليه في النّفس فلا يحنث وإذا حنث كفّر. أنواع اليمين: اليمين الغموس: هو الحلف على فعل أو ترك ماض كاذبا. اليمين اللّغو: ما يحلف ظانّا أنّه كذا، وهو خلافه، وقال الشّافعيّ- رحمه الله-: ما لا يعقد الرّجل قلبه عليه، كقوله: لا والله وبلى والله. اليمين المنعقدة: الحلف على فعل أو ترك آت. يمين الصّبر: هي الّتي يكون الرّجل فيها متعمّدا الكذب قاصدا لإذهاب مال مسلم، سمّيت به لصبر صاحبه على الإقدام عليها مع وجود الزّواجر من قلبه. وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ (المائدة/ 89) : قال ابن جرير: لا تتركوها بغير تكفير «4» . صيغة اليمين: قال ابن حجر- رحمه الله-: وجملة ما ذكر في «كيف كانت يمين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» : أربع ألفاظ: أحدها: والّذي نفسي بيده، وكذا: نفس محمّد بيده فبعضها مصدّر بلفظ لا «5» وبعضها بلفظ أيم «6» .   (1) لسان العرب (13/ 462- 463) . وانظر بصائر ذوي التمييز (5/ 407- 408) . ونزهة الأعين النواظر (641) . ومختار الصحاح (745) . ومقاييس اللغة (6/ 158) . (2) فتح الباري (11/ 525) . (3) كتاب التعريفات (259- 260) . (4) تفسير القرآن العظيم (2/ 94) . (5) يشير بذلك إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي نفيل « ... لا والذي نفس محمد بيده ... » انظر الفتح (11/ 532) . (6) يشير بذلك إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي هريرة «وأيم الذي نفس محمد بيده» انظر الفتح (11/ 533) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1640 ثانيها: لا ومقلّب القلوب «1» . ثالثها: والله. رابعها: وربّ الكعبة. وأمّا قوله: «لا ها الله إذا» فيؤخذ منه مشروعيّته من تقريره لا من لفظه إذ هو من كلام أبي بكر- رضي الله عنه- في حديث أبي قتادة رقم (4321) في غزوة حنين فلينظر هناك «2» . انعقاد اليمين: قال ابن حجر- رحمه الله-: بم تنعقد اليمين؟ قد جزم ابن حزم وهو ظاهر كلام المالكيّة والحنفيّة بأنّ جميع الأسماء، أي (أسماء الله الحسنى) الواردة في القرآن والسّنّة الصّحيحية وكذا الصّفات صريح في اليمين تنعقد به وتجب لمخالفته الكفّارة. والمشهور عند الشّافعيّة والحنابلة أنّها ثلاثة أقسام: أحدها: ما يختّصّ به كالرّحمن وربّ العالمين وخالق الخلق فهو صريح تنعقد به اليمين سواء قصد الله أو أطلق. ثانيها: ما يطلق عليه وقد يقال لغيره لكن بقيد كالرّبّ والحقّ فتنعقد به اليمين إلّا إن قصد به غير الله. ثالثها: ما يطلق على السّواء كالحيّ والموجود والمؤمن، فإن نوى غير الله أو أطلق فليس بيمين وإن نوى به الله انعقد على الصّحيح «3» . [للاستزادة: انظر صفات: التقوى- الطاعة مجاهدة النفس- كظم الغيظ- الحلم- إقامة الشهادة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اللغو- اللهو واللعب- شهادة الزور- التهاون- الحمق- الغضب] .   (1) يشير بذلك إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث ابن عمر كانت يمين النبي صلّى الله عليه وسلّم «لا ومقلب القلوب» الفتح (11/ 531) . (2) فتح الباري (11/ 534) ... وسيأتي فيما بعد. (3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1641 الآيات الواردة في «حفظ الأيمان» 1- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «1» 2- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «3» 4- وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94) «4» 5- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) «5» الآيات الواردة في «حفظ الأيمان» لفظا ولها معنى آخر 6- وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) «6»   (1) البقرة: 224- 227 مدنية. (2) المائدة: 89 مدنية. (3) المائدة: 106- 108 مدنية. (4) النحل: 94 مكية. (5) التحريم: 1- 2 مدنية. (6) النساء: 33 مدنية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1642 الأحاديث الواردة في (حفظ الأيمان) معنى 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أعتم «1» رجل عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ رجع إلى أهله فوجد الصّبية قد ناموا. فأتاه أهله بطعامه. فحلف لا يأكل، من أجل صبيته. ثمّ بدا له فأكل فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها، فليأتها، وليكفّر عن يمينه» ) * «2» . 2- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإبرار المقسم) * «3» . 3- * (عن أبي علقمة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال الحضرميّ: يا رسول الله إنّ هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحضرميّ: «ألك بيّنة؟» قال: لا. قال: «فلك يمينه» قال: يا رسول الله، إنّ الرّجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه. وليس يتورّع من شيء. فقال: «ليس لك منه إلّا ذلك» . فانطلق ليحلف. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لمّا أدبر: «أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقينّ الله وهو عنه معرض» ) * «4» . 4- * (عن تميم بن طرفة، قال: جاء سائل إلى عديّ بن حاتم، فسأله نفقة في ثمن خادم أو في بعض ثمن خادم، فقال: ليس عندي ما أعطيك إلّا درعي ومغفري «5» . فأكتب إلى أهلي أن يعطوكها. قال: فلم يرض. فغضب عديّ. فقال: أما والله لا أعطيك شيئا ثمّ إنّ الرّجل رضي. فقال: أما والله لولا أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف على يمين ثمّ رأى أتقى لله منها، فليأت التّقوى» ما حنّثت يميني «6» * «7» . 5- * (عن حارثة بن وهب- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟» قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ضعيف متضعّف «8» لو   (1) أعتم: أي دخل في العتمة وهي شدة ظلمة الليل. (2) مسلم (1650) . (3) البخاري- الفتح 11 (6654) مسلم (2066) . (4) مسلم (139) . (5) درعي ومغفري: الدرع قميص من زرد الحديد يلبس وقاية من سلاح العدو. مؤنث وقد يذكر. والجمع: دروع وأدرع ودراع. والمغفر: زرد يلبسه المحارب تحت القلنسوة. ويجمع: مغافر. (6) ما حنثت يميني: أي ما جعلتها ذات حنث. بل جئت بارّا بها وافيّا بموجبها. (7) مسلم (1651) . (8) كل ضعيف متضعف: ضبطوا قوله متضعف، بفتح العين وكسرها، المشهور الفتح ولم يذكر الأكثرون غيره. ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا. يقال: تضعفه واستضعفه. وأما رواية الكسر فمعناها متواضع متذلل خامل واضع من نفسه. قال القاضي: وقد يكون الضعف، هنا، رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان. والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء. كما أن معظم أهل النار القسم الآخر. وليس المراد الاستيعاب في الطرفين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1643 أقسم على الله لأبّره «1» » . ثمّ قال: «ألا أخبركم بأهل النّار؟» قالوا: بلى. قال: «كلّ عتلّ جوّاظ مستكبر «2» » ) * «3» . 6- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلف أحد عند منبري هذا، على يمين آثمة، ولو على سواك أخضر، إلّا تبوّأ مقعده من النّار» أو «وجبت له النّار» ) * «4» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسّه النّار إلّا تحلّة القسم «5» » ) * «6» . 8- * (عن أبي قلابة أنّ عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للنّاس ثمّ أذن لهم فدخلوا، فقال: «ما تقولون في القسامة؟ قالوا نقول: القود بها حقّ ... وقال لي: ما تقول يا أبا قلابة؟ قلت «7» : وقد كان في هذا سنّة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: دخل عليه نفر من الأنصار فتحدّثوا عنده، فخرج رجل منهم بين أيديهم فقتل، فخرجوا بعده فإذا هم بصاحبهم يتشحّط في الدّم «8» ، فرجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله، صاحبنا كان تحدّث معنا فخرج بين أيدينا فإذا نحن به يتشحّط في الدّم، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بمن تظنّون أو ترون قتله؟» . قالوا: نرى أنّ اليهود قتلته. فأرسل إلى اليهود فدعاهم فقال: «آنتم قتلتم هذا؟» قالوا: لا. قال: «أترضون نفل «9» خمسين من اليهود ما قتلوه؟» فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثمّ ينتفلون. قال: «أفتستحقّون الدّية بأيمان خمسين منكم؟» قالوا: ما كنّا لنحلف. فوداه من عنده. قلت: وقد كانت هذيل خلعوا خليعا لهم في الجاهليّة «10» ، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم، فحذفه بالسّيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليمانيّ فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا. فقال: إنّهم قد خلعوه. فقال: يقسم خمسون من هذيل: ما خلعوه. قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلا، وقدم رجل من الشّام فسألوه أن يقسم، فافتدى يمينه منهم بألف درهم فأدخلوا مكانه رجلا آخر فدفعه إلى أخي المقتول فقرنت يده بيده،   (1) لو أقسم على الله لأبره: معناه لو حلف يمينا، طمعا في كرم الله تعالى بإبراره، لأبره. وقيل: لو دعاه لأجابه. يقال أبررت قسمه وبررته. والأول هو المشهور. (2) كل عتل جواظ مستكبر: العتل الجافي الشديد الخصومة بالباطل. وقيل: الجافي الفظ. الغليظ. وأما الجواظ فهو الجموع المنوع. وقيل: الكثير اللحم المختال في مشيته. وقيل: القصير البطين. وقيل: الفاخر. وأما المستكبر فهو صاحب الكبر، وهو بطر الحق وغمط الناس. (3) البخاري- الفتح 8 (4918) . مسلم (2853) . واللفظ له. (4) الموطأ (2/ 31) . وأبو داود (4623) . وقال الألباني (2/ 626) : صحيح. وابن ماجة (2325) وقال محقق جامع الأصول (11/ 663) : إسناده صحيح. (5) تحلة القسم: أي قسم المولى عز وجل في قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها. (6) البخاري- الفتح 11 (6656) . (7) ما ذكر هنا هو موضع الشاهد، وينظر الحديث بطوله في موضعه من الفتح. (8) يتشحط في الدم: أي يتمرغ ويضطرب فيه. (9) نفل: أي قسم. (10) خلعوا خليعا: أي تبرأوا من نصرته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1644 قالوا: فانطلقنا والخمسون الّذين أقسموا، حتّى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السّماء، فدخلوا في غار في الجبل فانهجم الغار على الخمسين الّذين أقسموا، فماتوا جميعا وأفلت القرينان واتّبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول، فعاش حولا ثمّ مات) * «1» . 9- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان» قال: فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ قالوا: كذا وكذا. قال: صدق أبو عبد الرّحمن. فيّ نزلت. كان بيني وبين رجل أرض باليمن. فخاصمته إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «هل لك بيّنة؟» . فقلت: لا. قال: «فيمينه» قلت: إذن يحلف فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «من حلف على يمين صبر «2» ، يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان» فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا (3/ آل عمران/ الآية 77) إلى آخر الآية) * «3» . 10- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف فقال: إنّي بريء من الإسلام فإن كان كاذبا، فهو كما قال، وإن كان صادقا، فلن يرجع إلى الإسلام سالما» ) * «4» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «والله لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله «5» ، آثم له عند الله من أن يعطي كفّارته الّتي فرض الله» ) * «6» . 12- * (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفّر عن يمينك وائت الّذي هو خير» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 12 (6899) واللفظ له. مسلم (1671) . (2) من حلف على يمين صبر: هو بإضافة يمين إلى صبر. ويمين الصبر هي التي يحبس الحالف نفسه عليها. وتسمى هذه: اليمين الغموس. (3) البخاري- الفتح 11 (6676- 6677) . ومسلم (138) واللفظ له. (4) أبو داود (3258) وقال الألباني (2/ 629) : صحيح. وابن ماجة (2100) . والنسائي (7/ 6) في الأيمان باب الحلف بالبراءة في الإسلام. وقال محقق جامع الأصول (11/ 657) : إسناده حسن. (5) لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله: لجّ يلجّ لجاجا ولجاجة، إذا لازم الشيء وواظبه، كما في القاموس والمصباح. أي لأن يصرّ أحدكم على المحلوف عليه بسبب يمينه في أهله، أي في قطيعتهم، كالحلف على أن لا يكلمهم ولا يصل إليهم، ثم لا ينقضها على أن يكفر بعده «آثم» أي أكثر إثما. وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: معنى الحديث أنه إذا حلف يمينا تتعلق بأهله، ويتضررون بعدم حنثه، ويكون الحنث ليس بمعصية، فينبغي له أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه. قال: واللجاج، في اللغة هو الإصرار على الشيء. قال: وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «آثم» فخرج على لفظ المفاعلة المقتضية للاشتراك في الإثم. لأنه قصد مقابلة اللفظ على زعم الحالف وتوهمه، فإنه يتوهم أن عليه إثما في الحنث، مع أنه لا إثم عليه. (6) البخاري- الفتح 11 (6626) . ومسلم (1655) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 11 (6622) . ومسلم (1652) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1645 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يمينك على ما يصدّقك عليه صاحبك «1» » ) * «2» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين على نيّة المستحلف» ) * «3» . 15- * (عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أنّ أصحاب الصّفّة كانوا أناسا فقراء، وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال مرّة: «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس» . أو كما قال: «وأنّ أبا بكر جاء بثلاثة» ، وانطلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعشرة، وأبو بكر ثلاثة «4» ، قال: «فهو أنا وأبي وأمّي، ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي بين بيتنا وبين بيت أبي بكر، وأنّ أبا بكر تعشّى عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ لبث حتّى صلّى العشاء، ثمّ رجع فلبث حتّى تعشّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء بعد ما مضى من اللّيل ما شاء الله. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك؟ قال: أو عشّيتهم؟» قالت: «أبوا حتّى تجيء، قد عرضوا عليهم فغلبوهم» . قال «5» : «فذهبت فاختبأت» . فقال «6» : «يا غنثر فجدّع وسبّ» . وقال: «كلوا» . وقال: «لا أطعمه أبدا» . قال: «وأيم الله ما كنّا نأخذ من اللّقمة إلّا ربا من أسفلها أكثر منها، حتّى شبعوا وصارت أكثر ممّا كانت قبل. فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر. فقال لامرأته: يا أخت بني فراس. قالت: لا وقرّة عيني، لهي الآن أكثر ممّا قبل بثلاث مرار. فأكل منها أبو بكر وقال: إنّما كان الشّيطان- يعني يمينه «7» - ثمّ أكل منها لقمة، ثمّ حملها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأصبحت عنده. وكان بيننا وبين قوم عهد. فمضى الأجل ففرّقنا اثنا عشر رجلا «8» مع كلّ رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كلّ رجل، غير أنّه بعث معهم، قال: «أكلوا منها أجمعون، أو كما قال» ) * «9» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا ذكر من شأني الّذي ذكر وما علمت به ... فقلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام فدخلت الدّار فوجدت أمّ رومان في   (1) (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك. وفي الرواية الأخرى: اليمين على نية المستحلف) قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي. فإذا ادعى رجل على رجل حقّا، فحلفه القاضي، فحلف وورّى فنوى غير ما نوى القاضي انعقدت يمينه على ما نواه القاضي. ولا تنفعه التورية. وهذا مجمع عليه. (2) مسلم (1653) . كتاب الإيمان، برقم (20) . (3) مسلم (1653) . كتاب الإيمان، برقم (21) . (4) بالنصب: أي أخذ ثلاثة. (5) القائل هو: عبد الرحمن بن أبي بكر، وإنما اختبا خوفا من خصام أبيه. (6) أي أبو بكر، والنداء لعبد الرحمن، والغنثر: ذباب أزرق شبهه به لتصغيره وتحقيره. وقوله «فجدّع» أي: دعا عليه بالجدع، وهو: قطع الأذن أو الأنف أو الشفة. (7) يعني يمينه: المراد إنما كان الشيطان الحامل على يمينه التي حلفها في قوله «والله لا أطعمه» وعند مسلم «وإنما كان ذلك من الشيطان» يعني يمينه وهو أوجه. (8) على طريق من يجعل المثنى بالرفع في الأحوال الثلاثة، ومنه قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتشديد «إنّ» وهي قراءة جارية على لغة بلحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة وآخرين. كما في «شذور الذهب» (46- 47) ، ويحتمل أن يكون (ففرقنا) بالبناء للمجهول، وعند مسلم اثنى عشر بالنصب- انظر الفتح (6/ 694) . (9) البخاري- الفتح 6 (3581) . مسلم (2057) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1646 السّفل وأبا بكر فوق البيت يقرأ. فقالت أمّي: ما جاء بك يا بنيّة؟ فأخبرتها وذكرت لها الحديث وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ منّي. فقالت: يا بنيّة، خفّضي عليك الشّأن، فإنّه والله لقلّما كانت امرأة قطّ حسناء عند رجل يحبّها لها ضرائر إلّا حسدنها وقيل فيها. وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ منّي. قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: نعم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم. واستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمّي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الّذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه. قال: «أقسمت عليك أي بنيّة إلّا رجعت إلى بيتك فرجعت» ) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حفظ الأيمان) 17- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. والّذي نفسي بيده، لتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله» ) * «2» . 18- * (عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: آلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من نسائه شهرا، وكانت انفكّت قدمه، فجلس في علّيّة له فجاء عمر فقال: أطلّقت نساءك؟ قال: «لا، ولكنّي آليت منهنّ شهرا» . فمكث تسعا وعشرين، ثمّ نزل فدخل على نسائه) * «3» . 19- * (عن أبي هريرة وزيد بن خالد- رضي الله عنهما- أنّ رجلين اختصما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر- وهو أفقههما-: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلّم. قال: «تكلّم» ، قال: إنّ ابني كان عسيفا على هذا- قال مالك «4» : والعسيف: الأجير- زنى بامرأته، فأخبروني أنّ علي ابني الرّجم، فافتديت منه بمائتي شاة وجارية لي. ثمّ إنّي سألت أهل العلم فأخبروني أنّ ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنّما الرّجم على امرأته. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والّذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله. أمّا غنمك وجاريتك فردّ عليك، وجلد ابنه مائة وغرّبه عاما، وأمر أنيسا الأسلميّ أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها» ) * «5» . 20- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في ظلّ الكعبة. فلمّا رآني قال: «هم الأخسرون. وربّ الكعبة» . قال: فجئت حتّى جلست. فلم أتقارّ «6» أن قمت، فقلت: يا رسول   (1) البخاري- الفتح 8 (4757) واللفظ له. مسلم (2770) . (2) البخاري- الفتح 11 (6629، 6630) . (3) البخاري- الفتح 5 (2469) . (4) هو مالك بن أنس، وهو راوي الحديث. (5) البخاري- الفتح 11 (6633، 6634) واللفظ له. مسلم (1697) ، (1698) . (6) فلم أتقار: أي لم يمكنني القرار والثبات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1647 الله فداك أبي وأمّي «1» من هم؟ قال: «هم الأكثرون أموالا. إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا «2» من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم. ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدّي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه. تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها. كلّما نفدت «3» أخراها عادت عليه أولاها. حتّى يقضى بين النّاس» ) * «4» . 21- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثا وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض النّاس في إمرته، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إن كنتم تطعنون في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ، وإنّ هذا لمن أحبّ النّاس إليّ بعده» ) * «5» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال سليمان: لأطوفنّ اللّيلة على تسعين امرأة كلّهنّ تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله. فطاف عليهنّ جميعا، فلم تحمل منهنّ إلّا امرأة واحدة جاءت بشقّ رجل. وأيم الّذي نفس محمّد بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون» ) * «6» . 23- * (عن عبد الله بن بريدة قال شكّ عبيد الله بن زياد في الحوض فقال له أبو سبرة- رجل من صحابة عبيد الله بن زياد- فإنّ أباك حين انطلق وافدا إلى معاوية- انطلقت معه فلقيت عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- فحدّثني من فيه إلي فيّ حديثا سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأملاه عليّ وكتبته قال: فإنّي أقسمت عليك لما أعرقت هذا البرذون «7» حتّى تأتيني بالكتاب. قال: فركبت البرذون فركضته «8» حتّى عرق فأتيته بالكتاب فإذا فيه: حدّثني عبد الله بن عمرو بن العاص أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يبغض الفحش والتّفحّش والّذي نفس محمّد بيده لا تقوم السّاعة حتّى يخوّن الأمين ويؤتمن الخائن، حتّى يظهر الفحش والتّفحّش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار، والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل القطعة من الذّهب نفخ عليها صاحبها فلم تغيّر ولم تنقص، والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل النّحلة أكلت طيّبا ووضعت طيّبا ووقعت فلم تكسر ولم تفسد» . قال: «وقال: ألا إنّ لي حوضا ما بين   (1) فداك أبي وأمي: بفتح الفاء في جميع النسخ. لأنه ماضي خبر بمعنى الدعاء. ويحتمل كسر الفاء والقصر لكثرة الاستعمال. أي يفديك أبي وأمي وهما أعز الأشياء عندي. (2) إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا: أي إلا من أشار بيده إلى الجوانب في صرف ماله إلى وجوه الخير. فالقول مجاز عن الفعل. (3) كلما نفدت: نفدت بالدال المهملة. ونفذت بالذال المعجمة وفتح الفاء. وكلاهما صحيح. (4) البخاري- الفتح 11 (6638) . مسلم (990) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 11 (6627) . (6) البخاري- الفتح 11 (6639) واللفظ له. مسلم (1654) . (7) البرذون: الدابّة. (8) فركضته: أجريته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1648 ناحيتيه كما بين أيلة إلى مكّة» أو قال: «صنعاء إلى المدينة وإنّ فيه من الأباريق مثل الكواكب هو أشدّ بياضا من اللّبن وأحلى من العسل من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا» . قال أبو سبرة: فأخذ عبيد الله بن زياد الكتاب فجزعت عليه فلقيني يحيى بن يعمر فشكوت ذلك إليه فقال: والله لأنا أحفظ له منّي لسورة من القرآن فحدّثني به كما كان في الكتاب سواء) * «1» . 24- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اجتهد في اليمين قال: «والّذي نفس أبي القاسم بيده» ) * «2» . 25- * (عن عبد الله بن هشام- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلّا من نفسي. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا والّذي نفسي بيده، حتّى أكون أحبّ إليك من نفسك» . فقال له عمر: فإنّه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الآن يا عمر» ) * «3» . 26- * (عن زهدم الجرميّ- رحمه الله- قال: كنّا عند أبي موسى. فدعا بمائدته وعليها لحم دجاج. فدخل رجل من بني تيم الله، أحمر، شبيه بالموالي. فقال له: هلمّ، فتلكّأ، فقال: هلمّ فإنّي قد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأكل منه. فقال الرّجل: إنّي رأيته يأكل شيئا فقذرته. فحلفت أن لا أطعمه. فقال: هلّمّ أحدّثك عن ذلك. إنّي أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رهط من الأشعريّين نستحمله «4» . فقال: «والله لا أحملكم. وما عندي ما أحملكم عليه» . فلبثنا ما شاء الله. فأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنهب إبل «5» . فدعا بنا. فأمر لنا بخمس ذود غرّ الذّرى «6» . قال: فلمّا انطلقنا، قال بعضنا لبعض: أغفلنا «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمينه. لا يبارك لنا. فرجعنا إليه. فقلنا: يا رسول الله إنّا أتيناك نستحملك. وإنّك حلفت أن لا تحملنا. ثمّ حملتنا. أفنسيت يا رسول الله؟ قال: «إنّي، والله إن شاء الله، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها. إلّا أتيت الّذي هو خير. وتحلّلتها «8» فانطلقوا. فإنّما حملكم الله- عزّ وجلّ-» ) * «9» . 27- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله   (1) أحمد (2/ 199) . وفى شرحه للشيخ أحمد شاكر (12/ 90) حديث رقم (6872) قال مخرجه: إسناده صحيح. وفي (10/ 20) مختصرا. (2) أخرجه أبو داود (3264) . وابن ماجة، من حديث رفاعة الجهني برقم (2090) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 650) : حديث حسن. (3) البخاري- الفتح 11 (6632) . (4) نستحمله: أن نطلب منه ما يحملنا من الإبل ويحمل أثقالنا. (5) بنهب إبل: قال أهل اللغة: النهب الغنيمة، وهو بفتح النون. وجمعها نهاب ونهوب، وهو مصدر بمعنى المنهوب كالخلف بمعنى المخلوف. (6) بخمس ذود غر الذرى: الذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر والمراد خمس إبل من الذود، والغر جمع أغر وهو الأبيض، والذرى جمع ذروة، وذروة كل شيء أعلاه والمراد هنا السنام. (7) أغفلنا: أي جعلناه غافلا، ومعناه: كنا سبب غفلته عن يمينه ونسيانه إياها، وما ذكرناه إياها. أي أخذنا منه ما أخذناه وهو ذاهل عن يمينه. (8) وتحللتها: أي جعلتها حلالا بكفارة. (9) البخاري- الفتح 7 (4385) . ومسلم (1649) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1649 عنهما- قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر- رضي الله عنه- عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة، فتبرّز، ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال: وا عجبا لك يا ابن عبّاس. عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله. وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني «1» ، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني. فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم. فقلت: خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك. ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثمّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم، قلت: ما هو، أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه: قال قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ أنّ هذا يوشك أن يكون فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له «2» فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟ أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت فجئت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم. فجلست معهم قليلا. ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة الّتي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله. فلمّا ولّيت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) راجعتني: ردت عليّ القول. (2) المشربة: الغرفة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1650 فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكئ على وسادة من أدم «1» حشوها ليف. فسلّمت عليه، ثمّ قلت وأنا قائم: طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: «لا» ثمّ قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأمنك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة «2» ثلاث، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال: «أو في شكّ أنت يابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» . فقلت: يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله. فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين. قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» ، قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك. ثمّ قال: «إنّ الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إلى قوله عَظِيماً» . قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة) * «3» . 28- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان يمين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، ومقلّب القلوب» ) * «4» . 29- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون، ما أعلم، لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا» ) * «5» .   (1) من أدم: أي من جلد. (2) الأهبة: الجلود. (3) البخاري- الفتح (2468) ، (5191) . ومسلم (1083) طرفا منه من حديث عائشة. (4) البخاري- الفتح 11 (6628) . (5) البخاري- الفتح 11 (6631) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1651 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حفظ الأيمان) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أبا بكر- رضي الله عنه- لم يكن يحنث في يمين قطّ حتّى أنزل الله كفّارة اليمين وقال: «لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرا منها إلّا أتيت الّذي هو خير وكفّرت عن يميني» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرّأها الله ممّا قالوا. كلّ حدّثني طائفة من الحديث فأنزل الله إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ العشر الآيات كلّها في براءتي، فقال أبو بكر الصّدّيق وكان ينفق على مسطح لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى الآية. قال أبو بكر: «بلى والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي» ، فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه وقال: «والله لا أنزعها عنه أبدا» ) * «2» . 3- * (عن أبي غطفان بن طريف المرّيّ، يقول: اختصم زيد بن ثابت الأنصاريّ وابن مطيع في دار كانت بينهما إلى مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة فقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين على المنبر. فقال زيد بن ثابت: «أحلف له مكاني» . قال: فقال مروان: «ولا والله إلّا عند مقاطع الحقوق» . قال: فجعل زيد بن ثابت يحلف أنّ حقّه لحقّ ويأبى أن يحلف على المنبر. قال: فجعل مروان بن الحكم يعجب من ذلك. قال: ما لك؟ لا أرى أن يحلف أحد على المنبر على أقلّ من ربع دينار وذلك ثلاثة دراهم) * «3» . 4- * (عن عبد الرّحمن أنّه أخبر مروان، أنّ عائشة وأمّ سلمة أخبرتاه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثمّ يغتسل ويصوم وقال مروان لعبد الرّحمن بن الحارث: «أقسم بالله لتقرعنّ «4» بها أبا هريرة» - ومروان يومئذ على المدينة- فقال أبو بكر «5» : فكره ذلكم عبد الرّحمن. ثمّ قدّر لنا أن نجتمع بذي الحليفة، وكانت لأبي هريرة هنالك أرض فقال عبد الرّحمن لأبي هريرة: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولولا مروان أقسم عليّ فيه لم أذكره لك. فذكر قول عائشة وأمّ سلمة. فقال: كذلك حدّثني الفضل بن عبّاس وهنّ أعلم» ) * «6» . 5- * (قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله-: «وأكره الأيمان على كلّ حال، إلّا فيما كان لله- عزّ   (1) البخاري- الفتح 11 (6621) . (2) البخاري- الفتح 11 (6679) . (3) الموطأ (2/ 204) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 662) : إسناده صحيح. وأخرجه البخاري تعليقا في الشهادات (الفتح 5/ 336) . (4) لتقرعنّ: أي تقرع بهذه القصة سمعه. (5) هو أبو بكر بن عبد الرحمن راوي الحديث. (6) البخاري- الفتح 4 (1925، 1926) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1652 وجلّ- طاعة، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فالاختيار أن يأتي الّذي هو خير ويكفّر لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك» ) * «1» . 6- * (وقال الإمام الطّبريّ عند تفسير قوله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ احفظوا أيّها المؤمنون أيمانكم أن تحنثوا فيها ثمّ تصنعوا الكفّارة» ومن ثمّ يكون حفظ الأيمان بعدم الحنث فيها» «2» . 7- * (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ، فيه ثلاثة تأويلات: «أحدها: احفظوها أن تحلفوا. والثّاني: احفظوها أن تحنثوا. والثّالث: احفظوها لتكفّروا» ) * «3» . 8- * (عن أبي مالك، قال: «الأيمان ثلاثة يمين تكفّر، ويمين لا تكفّر، ويمين لا يؤاخذ بها، فأمّا الّتي تكفّر، فالرّجل يحلف على قطيعة رحم أو معصية الله فيكفّر يمينه، والّتي لا تكفّر، فالرّجل يحلف على الكذب متعمّدا ولا يكفّر، والّتي لا يؤاخذ بها فالرّجل يحلف على الشّيء يرى أنّه صادق فهو اللّغو لا يؤاخذ به» ) * «4» . 9- * (وقال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ: «أي بالبدار إلى ما لزمكم من الكفّارة إذا حنثتم، وقيل بترك الحلف، فإنّكم إذا لم تحلفوا لم تتوجّه عليكم هذه التّكليفات» ) * «5» . من فوائد (حفظ الأيمان) (1) من تمام الإيمان وحفظ الإسلام. (2) تعظيم المولى- عزّ وجلّ-. (3) تبعث على الصّدق والثّبات. (4) تخفيف الله- عزّ وجلّ- عن الحانث بالكفّارة رحمة به. (5) يحمي الإنسان من جريان اللّسان باليمين وتعوّده عليه وقد يجرّه ذلك إلى اليمين الكاذبة فيقع في سخط الله. (6) المؤمن يتورّع أن يلوذ بيمينه أو يورّي.   (1) الحاوي الكبير، للماوردي (19/ 311) . (2) تفسير ابن كثير (2/ 92) . (3) الحاوي الكبير، للماوردي (19/ 298) . (4) الدر المنثور (3/ 150) . (5) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 184) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1653 حفظ الفرج حفظ الفرج لغة: انظر في الحفظ لغة: حفظ الأيمان. أمّا الفرج فهو في اللّغة مأخوذ من مادّة (ف ر ج) الّتي تدلّ على تفتّح في الشّيء، من ذلك الفرجة في الحائط وغيره ومعناها الشّقّ، والفرج ما بين رجلي الفرس، قال امرؤ القيس: لها ذنب مثل ذيل العرو ... س تسدّ به فرجها من دبر والفروج الثّغور الّتي بين مواضع المخافة، والفرج ما بين الرّجلين، وكنّي به عن السّوأة وكثر حتّى صار كالصّريح فيه، قال تعالى: الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها (التحريم/ 12) وحفظ الفرج عفّه عن الزّنا. وفي الكلّيّات للكفويّ: كلّ آية ذكر فيها حفظ الفروج فهو من الزّنا إلّا قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (النور/ 30) فإنّ المراد بها الاستتار. والمحافظة والحفاظ الذّبّ عن المحارم والمنع لها عند الحروب وصونها من العدوّ «1» . واصطلاحا: قال البغويّ- رحمه الله- في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (المؤمنون/ 5) : الفرج اسم يجمع سوأة الرّجل والمرأة، وحفظ الفرج التّعفّف عن الحرام «2» . الآيات الأحاديث الآثار 11 20 5 أهمية حفظ الفرج للفرد والمجتمع: لقد امتدح المولى- عزّ وجلّ- الحافظين فروجهم والحافظات، وجعل ذلك من سمات الفلاح وعلامات الفوز في الدّار الآخرة، فقال تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (المؤمنون/ 1- 5) ، وقد وعد الله هؤلاء المفلحين بقوله أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (المؤمنون/ 10- 11) ، وإذا كان ذلك هو الجزاء في الآخرة، فما أثر ذلك في الحياة الدّنيا؟ إنّ حفظ الفروج وما يستلزمه من غضّ البصر والعفّة عن المحارم يؤدّي إلى تماسك بنيان المجتمع وسلامته من الأمراض الاجتماعيّة الفتّاكة كاختلاط الأنساب، والأمراض الصّحّيّة المهلكة كمرض الإيدز الّذي انتشر في المجتمعات الفاجرة الماجنة بصورة تؤدّي إلى الخراب والدّمار، أمّا على المستوى الفرديّ فإنّ حفظ الفرج يجنّب صاحبه ويلات الزّنا- وما أكثرها- وقد أشار إلى بعض ذلك الإمام ابن القيّم عند ما قال: الزّنا يجمع خلال الشّرّ كلّها من قلّة الدّين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلّة الغيرة «3» ،   (1) مقاييس اللغة (4/ 498) ، والمفردات (375) ، ولسان العرب: (2/ 342، 7/ 442) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (2/ 480- 482) . (2) معالم التنزيل (18/ 303) . (3) انظر مضار الزنا وآثاره المدمرة في صفة «الزنا» في هذه الموسوعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1654 فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، إذ الغدر والكذب والخيانة وقلّة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من شعبه وموجباته «1» ومفهوم ذلك أنّ الّذي يحافظ على فرجه يقي نفسه هذه الخلال السّيّئة ويتّصف بأضدادها من كمال الدّين والمروءة والغيرة والوفاء والمراقبة ونحوها ممّا يسعد المرء في الدّنيا والآخرة. بم تحفظ الفروج؟ إذا كان الإسلام قد أمر بحفظ الفروج من الزّنا وما يشبهه ويلحق به من سفاح «2» وبغاء «3» ولواط «4» ومساحقة «5» واستمناء «6» وعهارة «7» ، فإنّه قد أوضح بجلاء لا ريب فيه الطرق الكفيلة بحماية الفرد والمجتمع من هذه الآفات المهلكة، فحثّ على العفّة والطّهارة، وأمر بغضّ البصر ونهى عن التّبرّج وغلّظ عقوبة الزّنا «8» ، ليس ذلك فحسب، ولكنّه حثّ على الزّواج لمن يقدر عليه تحصينا لفرجه، وبالصّوم لمن لا يقدر على الزّواج، وما ذلك إلّا ليقي المسلم من ثوران الشّهوة وسطوة الغريزة من ناحية، والمحافظة على النّسل وتقوية المجتمع الإسلاميّ بما ينجم عن الزّواج من تكثير عدد المسلمين واستمراريّة وجودهم من ناحية أخرى. حث الإسلام على الزواج: حثّ القرآن الكريم في مواطن عديدة على الزّواج تحصينا للفرج وحفاظا على المجتمع، ووقاية من الانحراف أو الانجراف نحو مقتضيات رغبة طائشة، فقال عزّ من قائل: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (النور/ 32) . وجعله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من سنّته، وذلك كما جاء في حكاية الرّهط الّذين تقالّوا عبادته صلّى الله عليه وسلّم، وقال أحدهم: أمّا أنا فأعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا ... الحديث «9» ، وهنا ردّ عليه الرّسول الكريم بأنّه: «يتزوّج النّساء» ، وقال تعقيبا على ذلك: فمن رغب عن سنّتي فليس منّي. قال ابن حجر: والمراد من ذلك أنّ من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس منّي يلمّح بذلك إلى طريق الرّهبانيّة الّتي ابتدعوها تشدّدّا وما وفّوا بما التزموه، أمّا طريقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الحنيفيّة السّمحة فإنّ منها التّزوّج لكسر الشّهوة وإعفاف النّفس وتكثير النّسل «10» . حفظ الفرج من مقاصد الزّواج: ذكر الإمام الغزاليّ تكثير النّسل وإبقاءه على أنّه المقصد الأوّل للزّواج وجعل حفظ الفرج وكسر الشّهوة المقصد الثّاني فقال: فيه (أي النّكاح) فوائد خمسة:   (1) غذاء الألباب للسفاريني الحنبلي 2/ 345 (نقلا عن روضة المحبين لابن القيم) . (2) السفاح: يراد به الزنا يعقبه الزواج ممن زنى بها قبله. (3) البغاء: هو الفجور والزنا (خاصة إذا كان ذلك بأجر) . (4) اللواط: أن يأتي الرجل الرجل في دبره. (5) المساحقة: أن تفعل المرأة بالمرأة مثلما يفعله بها الرجل. (6) الاستمناء: استخراج المني على غير وجه شرعي. (7) العهارة: أن يأتي المرأة للفجور بها ليلا، ثم غلبت على الزنا مطلقا. (8) عقدنا لهذه الأمور الخمسة (العفة والطهارة وغض البصر والتبرج والزنا) صفات خاصة، يرجع إليها في مواضعها من الموسوعة. (9) انظر الحديث بتمامه في قسم الأحاديث برقم (16) . (10) فتح الباري (9/ 8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1655 1- الولد، وهو الأصل وله وضع النّكاح والمقصود به إبقاء النّسل «1» . 2- كسر الشّهوة، والمراد التّحصّن من الشّيطان، وكسر التّوقان ودفع غوائل الشّهوة، وغضّ البصر وحفظ الفرج. 3- ترويح النّفس وإيناسها بالمجالسة والنّظر ونحوهما إراحة وتقوية لها على العبادة، ذلك أنّ النّفس ملول، وهي عن الحقّ نفور، لأنّه على خلاف طبعها، فلو كلّفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت، وإذا روّحت في بعض الأوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنّساء من الاستراحة ما يزيل الكره ويروّح القلب، وينبغي أن يكون لنفوس المتّقين استراحات بالمباحات، ولذلك قال تعالى: لِيَسْكُنَ إِلَيْها (الأعراف/ 189) . وقال عليّ- رضي الله عنه-: روّحوا القلوب ساعة فإنّها إذا أكرهت عميت. 4- في الزّواج تفريغ القلب عن تدبير المنزل وتهيئة أسباب المعيشة ولو تكفّل المرء بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرّغ للعلم والعمل، والمرأة الصّالحة عون على الدّين بهذه الطّريق. 5- مجاهدة النّفس ورياضتها بالرّعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل، والصّبر على أخلاقهنّ والسّعي في إصلاحهنّ وإرشادهنّ إلى طريق الدّين، ورعايتهنّ، وهذه كلّها أعمال عظيمة الفضل لما فيها من الرّعاية والولاية، والأهل والولد رعيّة، وفضل الرّعاية عظيم، ولا يحترز منها إلّا من خاف القصور عن القيام بحقّها «2» . وقال السّفارينيّ: النّكاح مأمور به شرعا، وهو مستحسن وضعا وطبعا؛ لأنّ به بقاء النّسل وعمار الدّنيا، وعبادة الله، والقيام بالأحكام، وهو سنّة لذي شهوة ولا يخاف الزّنا ولو كان فقيرا، والاشتغال به أفضل من التّخلّي لنوافل العبادة، ويباح لمن لا شهوة له، ويجب على من يخاف الزّنا رجلا كان أو امرأة، علما كان الخوف أو ظنّا، وهو مقدّم على الحجّ الواجب كما نصّ عليه الإمام أحمد بن حنبل، وتعرض الكراهية للنّكاح إذا كان النّاكح غير ذي شهوة لأنّه يمنع من تزوّجها من الإحصان (العفّة) بغيره، ويضرّها بحبسها على نفسه «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الإيمان- الحياء- الشرف- العفة- الحجاب- النزاهة- الغيرة- غض البصر- الوقاية- المراقبة- الخوف- تعظيم الحرمات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الزنا- الدياثة- اتباع الهوى- الأذى- التبرج- إطلاق البصر- التفريط والإفراط- الغي والإغواء- الفحش- الفجور] .   (1) ذكر الغزالي (إحياء علوم الدين 2/ 24) للولد من أنواع القربة ما يلي: 1- موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان. 2- طلب محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في التكثير من مباهاته الأمم. 3- طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده. 4- طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبل أبيه ... وقد أفاض- رحمه الله- في شرح ذلك، واستقصاء ما قال يخرج عن أغراض هذه الموسوعة. (2) إحياء علوم الدين (بتصرف واختصار) ص 24- 31. (3) انظر هذه الأحكام تفصيلا في غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب للسفاريني الحنبلي (2/ 432- 434) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1656 الآيات الواردة في «حفظ الفرج» 1 قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) «1» 2- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «2» 3- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «3» 4- إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) «4» .   (1) المؤمنون: 1- 7 مكية. (2) النور: 30- 31 مدنية. (3) الأحزاب: 35 مدنية. (4) المعارج: 19- 31 مكية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1657 الآيات الواردة في «حفظ الفرج» معنى 5- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «1» 6- وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) «2» 7- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «3» . 8- الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «4» 9- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «5» 10- وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «6» 11- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) «7»   (1) البقرة: 232 مدنية. (2) النساء: 3 مدنية. (3) النساء: 25 مدنية. (4) المائدة: 5 مدنية. (5) النور: 33 مدنية. (6) النور: 60 مدنية. (7) القصص: 27 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1658 الأحاديث الواردة في (حفظ الفرج) 1- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئت» ) * «1» . 2- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: اصدقوا إذّا حدّثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدّوا إذا اؤتمنتم واحفظوا فروجكم وغضّوا أبصاركم وكفّوا أيديكم» ) * «2» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا شباب قريش لا تزنوا. ألا من حفظ فرجه فله الجنّة» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (حفظ الفرج) معنى 4- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّ فتى من قريش أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزّنى. فأقبل القوم عليه وزجروه فقالوا: مه مه. فقال: «ادنه» . فدنا منه قريبا فقال: «أتحبّه لأمّك؟» قال: لا والله! جعلني الله فداءك. قال: «ولا النّاس يحبّونه لأمّهاتهم» . قال: «أفتحبّه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال: «ولا النّاس يحبّونه لبناتهم» قال: «أفتحبّه لأختك؟» قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: «ولا النّاس يحبّونه لأخواتهم» قال: «أفتحبّه لعمّتك؟» قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: «ولا النّاس يحبّونه لعمّاتهم» . قال: «أفتحبّه لخالتك؟»   (1) أحمد في المسند (1/ 191) وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/ 240) رقم (673) : صحيح من حديث أبي هريرة وهو في مجمع الزوائد (4/ 301) وقال: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح. (2) أحمد في المسند (5/ 323) ، وابن حبان رقم (271) ، والحاكم في المستدرك (4/ 359) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: فيه إرسال ولكن له شاهد من حديث أنس بعده: (عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «تقلبوا لي بست أتقبل لكم الجنة» قالوا: وما هي؟ قال: «إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا أؤتمن فلا يخن وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم» . (3) الحاكم في المستدرك (4/ 358) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. والمنذري في الترغيب (3/ 282) وقال: رواه الحاكم والبيهقي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1659 قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: «ولا النّاس يحبّونه لخالاتهم» . قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهمّ اغفر ذنبه وطهّر قلبه وحصّن فرجه» . فلم يكن- بعد ذلك الفتى- يلتفت إلى شيء) * «1» . 5- * (عن أبي برزة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم ومضلّات الهوى» ) * «2» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما رأيت شيئا أشبه باللّمم «3» ممّا قال أبو هريرة إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب على ابن آدم حظّه من الزّنى «4» . أدرك ذلك لا محالة. فزنى العينين النّظر. وزنى اللّسان النّطق، والنّفس تتمنّى وتشتهي والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه» ) * «5» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكثر ما يدخل النّاس الجنّة؟ فقال: «تقوى الله وحسن الخلق» ، وسئل عن أكثر ما يدخل النّاس النّار. فقال: «الفم والفرج» ) * «6» . 8- * (عن معاوية بن حيدة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا: ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلّا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك» . قلت: يا رسول الله، فالرّجل يكون مع الرّجل؟ قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل» ، قلت: فالرّجل يكون خاليا؟ قال: «الله أحقّ أن يستحيي منه النّاس» . وفي رواية: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن   (1) أحمد في المسند (5/ 257) والهيثمي في المجمع (1/ 129) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (2) رواه أحمد (4/ 420، 423. والهيثمي في المجمع (1/ 188) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح لأن أبا الحكم البناني الراوي عن أبي برزة بيّنه الطبراني فقال عن أبي الحكم هو الحرث بن الحكم وقد روى له البخاري وأصحاب السنن. (3) ما رأيت شيئا أشبه باللمم: معناه تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ. ومعنى الآية- والله أعلم- الذين يجتنبون المعاصي غير اللمم، يغفر لهم اللمم. كما في قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ. فمعنى الآيتين أن اجتناب الكبائر يسقط الصغائر، وهي اللمم.. وفسره ابن عباس بما في هذا الحديث من النظر واللمس ونحوها. وهو كما قال. هذا هو الصحيح في تفسير اللمم. (4) (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى) : معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنى. فمنهم من يكون زناه حقيقيّا بإدخال الفرج في الفرج الحرام. ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنى وما يتعلق بتحصيله. أو باللمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها. وبالمشي بالرجل إلى الزنى أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب. فكل هذه أنواع من الزنى المجازيّ. والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه. معناه أنه قد يحقق الزنى بالفرج وقد لا يحققه. بأن لا يولج الفرج في الفرج وإن قارب ذلك. (5) البخاري- الفتح 11 (6243) ، مسلم (2657) . (6) أحمد (2/ 472، 2/ 291) قال محقق جامع الأصول (11/ 694) : رواه ابن حبان في صحيحه، وهو حديث صحيح بشواهده. وابن ماجة (4246) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1660 استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينّها» . قلت: فإذا كان أحدنا خاليّا؟ قال: «الله أحقّ أن يستحيي منه النّاس» ) * «1» . 9- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: كان عبد الله بن أبيّ ابن سلول يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئا. فأنزل الله- عزّ وجلّ: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور/ 33) » ) * «2» . 10- * (عن علقمة- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى. فلقيه عثمان. فقام معه يحدّثه. فقال له عثمان: يا أبا عبد الرّحمن! ألا نزوّجك جارية شابّة. لعلّها تذكّرك بعض ما مضى من زمانك. قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا معشر الشّباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوّج. فإنّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصّوم. فإنّه له وجاء» ) * «3» . 11- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من توكّل لي ما بين رجليه وما بين لحييه «4» توكّلت له بالجنّة» ) * «5» . 12- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يأكل الرّجل بشماله، أو يمشي في نعل واحدة. وأن يشتمل الصّمّاء «6» ، وأن يحتبي «7» في ثوب واحد، كاشفا عن فرجه» ) * «8» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الملامسة والمنابذة، وعن صلاتين: بعد الفجر حتّى ترتفع الشّمس، وبعد العصر حتّى تغيب الشّمس، وأن يحتبي بالثّوب الواحد ليس على فرجه منه شيء بينه وبين السّماء وأن يشتمل الصّمّاء) » * «9» . 14- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن لبستين وعن بيعتين، نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع. والملامسة لمس الرّجل ثوب الآخر بيده باللّيل أو بالنّهار، ولا يقلّبه إلّا بذاك، والمنابذة أن ينبذ الرّجل إلى الرّجل بثوبه، وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض، واللّبستان: اشتمال الصّمّاء- والصّمّاء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقّيه ليس عليه ثوب، واللّبسة الأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء» ) * «10» .   (1) أبو داود (4017) . والترمذي (2794) . وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 447) : إسناده حسن. (2) مسلم (3029) . (3) البخاري- الفتح 4 (1905) ، مسلم (1400) . واللفظ له. والباءة: عقد النكاح، وقيل: مؤن النكاح، ووجاء: أي يذهب شهوة الجماع. (4) ما بين لحييه: لسانه. (5) البخاري- الفتح 12 (6807) وفي لفظ: من يضمن ... أضمن ... رقم (6474) . (6) اشتمال الصماء: هو أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا كالصخرة الصماء. (7) يحتبي بثوبه: أي يشتمله. (8) مسلم (2099) . (9) البخاري- الفتح 10 (5819) . (10) البخاري- الفتح 10 (5820) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1661 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هاجر إبراهيم عليه السّلام بسارة، فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك- أو جبّار من الجبابرة- فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النّساء. فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه الّتي معك؟ قال: أختي. ثمّ رجع إليها فقال: لا تكذّبي حديثي، فإنّي أخبرتهم أنّك أختي، والله إن على الأرض من مؤمن غيري وغيرك. فأرسل بها إليه فقام إليها، فقامت تتوضّأ وتصلّي فقالت: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلّا على زوجي فلا تسلّط عليّ الكافر. فغطّ حتّى ركض برجله. قال الأعرج: قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن: إنّ أبا هريرة قال: قالت: اللهمّ إن يمت يقال هي قتلته. فأرسل ثمّ قام إليها فقامت توضّأ وتصلّي وتقول: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلّا على زوجي فلا تسلّط عليّ هذا الكافر، فغطّ حتّى ركض برجله. قال عبد الرّحمن: قال أبو سلمة: قال أبو هريرة: فقالت: اللهمّ إن يمت فيقال هي قتلته. فأرسل في الثّانية أو في الثّالثة فقال: والله ما أرسلتم إليّ إلّا شيطانا، أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها آجر، فرجعت إلى إبراهيم عليه السّلام، فقالت: أشعرت أنّ الله كبت الكافر وأخدم وليدة» ) * «1» . 16- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خطب عمر- رضي الله عنه- النّاس، فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ رخّص لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم ما شاء وإنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قد مضى لسبيله فأتمّوا الحجّ والعمرة كما أمركم الله عزّ وجلّ وحصّنوا فروج هذه النّساء» ) * «2» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط «3» إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها «4» ، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي «5» فليس منّي» ) * «6» . 18- * (عن علقمة- رحمه الله- قال: كنت مع عبد الله (بن مسعود) - رضي الله عنه- فلقيه عثمان (بن عفّان) - رضي الله عنه- فقال: يا أبا عبد الرّحمن، إنّ لي إليك حاجة فخليا «7» ، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرّحمن في أن نزوّجك بكرا تذكّرك ما كنت تعهد؟   (1) البخاري- الفتح 4 (2217) واللفظ له، مسلم (2371) نحوه. (2) أحمد (1/ 17) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 200) : إسناده صحيح. (3) الرهط: هو العدد من ثلاثة إلى عشرة. (4) تقالّوها: أي رأى كل منهم أنها قليلة. (5) الرغبة عن الشيء: الإعراض عنه إلى غيره. (6) البخاري- الفتح (5063) ، ومسلم (1401) . (7) فخليا: أي فاختلى به، ويروى فخلوا وهو من الخلوة أي الانفراد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1662 فلمّا رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا، أشار إليّ فقال: يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك، لقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة «1» فليتزوّج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء «2» » ) * «3» . 19- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أحدكم أعجبته المرأة، فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإنّ ذلك يردّ ما في نفسه» ) * «4» . 20- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: ردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عثمان بن مظعون التّبتّل، ولو أذن له، لا ختصينا «5» » ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حفظ الفرج) 1- * (قال أبو إدريس الخولانيّ: «أوّل ما وصّى الله به آدم عند إهباطه إلى الأرض حفظ فرجه وقال: لا تضعه إلّا في حلال» ) * «7» . 2- قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (المعارج/ 29) : والّذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط. لا يقربون سوى أزواجهم الّتي أحلّها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السّراري. ومن تعاطى ما أحلّه الله له فلا لوم عليه ولا حرج ولهذا قال فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (المعارج/ 30)) * «8» . 3- * (وقال في قوله تعالى: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ (الأحزاب/ 35) : أي عن المحارم والمآثم إلّا عن المباح» ) * «9» . 4- * (وقال في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (المعارج/ 29) : «أي يكفّونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه» ) * «10» . 5- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- أمر الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر المؤمنين بغضّ أبصارهم وحفظ فروجهم، ولمّا كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضّه مقدّما على حفظ الفرج، فإنّ الحوادث مبدؤها من النّظر، فتكون نظرة ثمّ خطرة ثمّ خطوة ثمّ خطيئة. ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه: اللّحظات والخطرات واللّفظات والخطوات) * «11» .   (1) الباءة: هي القدرة علي مؤن النكاح. (2) الوجاء أن ترضّ أنثيا الفحل رضّا شديدا يذهب شهوة الجماع والمراد أن الصوم يقطع النكاح كما يقطعه الوجاء. (3) البخاري- الفتح (5065) ، واللفظ له، ومسلم (1400) . (4) مسلم (1403) . (5) التّبتّل هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعا لعبادة الله تعالى. (6) البخاري- النكاح- باب الترغيب في النكاح رقم 5073، مسلم رقم 1402. والمعنى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لو أذن في ذلك الانقطاع عن النساء لا ختصينا لدفع الشهوة (وحفظ الفرج) . (7) جامع العلوم والحكم (162) . (8) تفسير ابن كثير (18/ 249) . (9) المصدر السابق (22/ 497) . (10) المصدر السابق (29/ 450) . (11) الداء والدواء ص 232. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1663 من فوائد (حفظ الفرج) . (1) الفلاح والفوز برضوان الله- عزّ وجلّ- في الدّنيا والآخرة. (2) من حفظ الفرج يكون قد حفظ النّسل وطهارة الإنجاب. (3) وبه ينشأ المجتمع النّظيف النّقيّ من الدّنس وأدران الزّنى. (4) يحفظ القلوب من التّعلّق بالمحرّمات. (5) يحفظ المسلمين من أن يسري فيهم داء الزّنى وما يتبعه من الأوبئة. (6) يحفظ الصّحّة العامّة من عاديات الأمراض الفتّاكة الّتي تنتج عن انتشار الزّنى كالزّهري والإيدز كما هو الآن في المجتمعات الغربيّة. (7) يمنع المفاسد ويطهّر الذّمم ويؤلّف القلوب. (8) ينشر الأمن ويحفظ الأعراض بين أفراد المجتمع. (9) هو عفاف يمتاز به أصحاب الشّرائع السّماويّة عن غيرهم من عبّاد الصّنم والدّهريّين والكفرة وغيرهم. (10) في حفظ الفرج بالزّواج فوائد عديدة ذكرها الإمام الغزاليّ منها التّفرّغ للعلم والعمل، وترويح النّفس وإيناسها، ومجاهدة النّفس ورياضتها بالرّعاية للأهل والولاية عليهم «1» . (11) يزيد في الحسنات ويرفع الدّرجات. (12) النّيّة الصّالحة فيه تحوّله من عادة إلى عبادة.   (1) انظر الفقرة الخاصة ب «حفظ الفرج» من مقاصد الزواج. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1664 حق الجار الحق لغة: مصدر قولهم حقّ الشّيء: وجب وهو مأخوذ من مادّة (ح ق ق) الّتي تدلّ على إحكام شيء وصحّته، فالحقّ نقيض الباطل، ويقال: حاقّ فلان فلانا: إذا ادّعى كلّ واحد منهما، فإذا غلبه على الحقّ قيل حقّه وأحقّه، واحتقّ النّاس في الدّين: إذا ادّعى كلّ واحد الحقّ. وقال بعض أهل العلم في قوله تعالى حَقِيقٌ عَلى «1» قال واجب عليّ، ومن قرأها حقيق على فمعناها: حريص على، ويقال استحقّ لقحها: إذا وجب، وقال الجوهريّ: الحقّ خلاف الباطل والحقّ: واحد الحقوق، وقولهم: لحقّ لا آتيك، هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد اللّام، وإذا أزالوا عنها اللّام قالوا: حقّا لا آتيك، والحاقّة: القيامة، سمّيت بذلك لأنّ فيها حواقّ الأمور، وقولهم: أحققت الشّيء: أي أو جبته، واستحققته: أي استوجبته. وتحقّق عندي الخبر: صحّ. وحقّقت قوله وظنّه تحقيقا: أي صدّقت. وكلام محقّق أي رصين، وثوب محقّق إذا كان محكم النّسج «2» . الجار لغة: قال الرّاغب: الجار من يقرب مسكنه منك، الآيات الأحاديث الآثار 1 26 19 وهو من الأسماء المتضايفة؛ فإنّ الجار لا يكون جارا لغيره إلّا وذلك الغير جار له كالأخ والصّديق، ولمّا استعظم حقّ الجار عقلا وشرعا عبّر عن كلّ من يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار، قال تعالى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى (النساء/ 36) وقد تصوّر من الجار معنى القرب فقيل لمن يقرب من غيره جاره وجاوره، وتجاور (معه) قال تعالى: ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا (الأحزاب/ 60) وباعتبار القرب قيل: جار عن الطّريق (أي لم يلتزمه وإنّما انحرف قريبا منه) ثمّ جعل ذلك أصلا في العدول عن كلّ حقّ فبني منه الجور، قال تعالى: وَمِنْها جائِرٌ (النحل/ 9) أي عادل عن المحجّة. وجمع الجار (جيران) ، و (جاوره مجاورة، وجوارا) من باب قاتل: والاسم (الجوار) بالضّمّ: إذا لاصقه في السّكن، وحكى ثعلب عن ابن الأعرابيّ: الجار الّذي يجاورك بيت بيت، و (الجار) : الشّريك في العقار: مقاسما كان، أو غير مقاسم، و (الجار) : الخفير، و (الجار) : الّذي يجير غيره، أي يؤمّنه ممّا يخاف، و (الجار) : المستجير أيضا، وهو الّذي يطلب الأمان، و (الجار) : الحليف، و (الجار) : النّاصر، و (الجار) : الزّوج، و (الجار) أيضا: الزّوجة،   (1) حَقِيقٌ عَلى بتشديد الياء قراءة الحسن ونافع وقراءة الجمهور على (الأعراف/ 105) . (2) مقاييس اللغة، (2/ 17) ، والصحاح (4/ 1461) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1665 ويقال فيها أيضا (جارة) ، و (الجارة) : الضّرّة، قيل لها جارة: استكراها للفظ الضّرّة، و (كان ابن عبّاس ينام بين جارتيه) ، أي زوجتيه «1» . حق الجار اصطلاحا: امتثال الوصيّة بالجار بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطّاقة. كالهديّة، والسّلام وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقّد حاله، ومعاونته فيما احتاج إليه، إلى غير ذلك. وكفّ أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسّيّة كانت أو معنويّة «2» . قال ابن حجر- رحمه الله-: واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصّديق والعدوّ، والغريب والبلديّ، والنّافع والضّارّ، والقريب والأجنبيّ والأقرب دارا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصّفات الأول كلّها ثمّ أكثرها وهلمّ جرّا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصّفات الأخرى كذلك، فيعطى كلّ حقّه بحسب حاله «3» . أمّا حقّ الجار تفصيلا فقد أشار إليه الحديث الثّالث عشر والأثران الحادي عشر والثّاني عشر، فلتنظر هناك. حدّ الجوار: وقال: واختلف في حدّ الجوار: فجاء عن عليّ رضي الله عنه- «من سمع النّداء فهو جار» ، وقيل «من صلّى معك صلاة الصّبح في المسجد فهو جار» ، وعن عائشة- رضي الله عنها- «حدّ الجوار أربعون دارا من كلّ جانب» ، وعن الأوزاعيّ مثله، وأخرج البخاريّ في (الأدب المفرد) مثله عن الحسن «4» . وقال القرطبيّ: الجار يطلق ويراد به الدّاخل في الجوار، ويطلق ويراد به المجاور في الدّار وهو الأغلب «5» . وقال ابن حجر أيضا: والجار القريب: من بينهما قرابة والجار الجنب بخلافه وهذا قول الأكثر، وأخرجه الطّبريّ بسند حسن عن ابن عبّاس، وقيل الجار القريب: المسلم والجار الجنب غيره وأخرجه أيضا الطّبري عن نوف البكاليّ أحد التّابعين «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الأدب- تكريم الإنسان- حسن الخلق- إفشاء السلام- التودد- حسن المعاملة- حسن العشرة- طلاقة الوجه- الشهامة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإساءة- سوء المعاملة- اتباع الهوى- الإعراض- سوء الخلق- السفاهة] .   (1) المصباح المنير (1/ 24) . ولسان العرب (4/ 153- 155) . ومختار الصحاح (116) ، ومفردات الراغب، (ص 103) . (2) فتح الباري (10/ 456) . (3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1666 الآيات الواردة في «حق الجار» 1- * وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «1»   (1) النساء: 36 مدنية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1667 الأحاديث الواردة في (حق الجار) 1- * (عن عمرو بن الحمق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا عسله «1» » . قيل: وما عسله؟ قال: «يحبّبه إلى جيرانه» ) * «2» . 2- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: إنّ خليلي صلّى الله عليه وسلّم أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه. ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» ) * «3» . 3- * (عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشكو جاره قال: اطرح متاعك على طريق فطرحه، فجعل النّاس يمرّون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، لقيت من النّاس. قال: «وما لقيت؟» قال: يلعنونني. قال: «قد لعنك الله قبل النّاس» ، فقال: إنّي لا أعود، فجاء الّذي شكاه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ارفع متاعك، فقد كفيت» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يشكو جاره، فقال: «اذهب فاصبر» ، فأتاه مرّتين أو ثلاثا فقال: «اذهب فاطرح متاعك في الطّريق» ، فطرح متاعه في الطّريق، فجعل النّاس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل النّاس يلعنونه: فعل الله به، وفعل، وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى منّي شيئا تكره) * «5» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير الأصحاب عند الله: خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله: خيرهم لجاره» ) * «6» . 6- * (عن مطرّف يعني ابن عبد الله، قال: كان يبلغني عن أبي ذرّ حديث «7» وكنت أشتهي لقاءه، فلقيته فقلت: يا أبا ذرّ كان يبلغني عنك حديثك وكنت أشتهي لقاءك. قال: لله تبارك وتعالى أبوك قد لقيتني فهات. قلت: حديثا بلغني أنّ رسول الله   (1) عسله: أي طيب ثناه فيهم: وروي أنه قيل لرسول الله: ما عسله؟. فقال: يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله: أي جعل له من العمل الصالح ثناء طيبا. (اللسان «عسل» ) . (2) أحمد (4/ 200) . من حديث أبي عنبة الخولاني، وذكره الغزالي في الإحياء (2/ 215) وقال العراقي: رواه أحمد، ورواه الخرائطي في مكارم الأخلاق، والبيهقي في الزهد من حديث عمرو بن الحمق. ثم قال: إسناده جيد. (3) مسلم (2625) . (4) المنذري في الترغيب (3/ 355) وقال: رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن بنحوه إلا أنه قال: ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق فوضعه، فكان كل من مر به قال: ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. قال: فيدعو. عليه، فجاء جاره، فقال: رد متاعك، فإني لا أوذيك أبدا. (5) أبو داود (5153) . والحاكم (4/ 165) وذكر له شاهدا من حديث أبي جحيفة وصححه وأقره الذهبي. (6) الترمذي (1944) وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (6/ 640) : إسناده صحيح. (7) في المجمع: حديثا بالنصب، وهو خطأ والصواب ما أثبتناه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1668 صلّى الله عليه وسلّم حدّثك قال: إنّ الله- عزّ وجلّ- يحبّ ثلاثة. ويبغض ثلاثة. قال: فما إخالني أكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قلت: فمن هؤلاء الثّلاثة الّذين يحبّهم الله عزّ وجلّ-؟ قال: رجل غزا في سبيل الله صابرا محتسبا فقاتل حتّى قتل وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله- عزّ وجلّ- ثمّ تلا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف/ 4) قلت: ومن؟ قال: رجل كان له جار سوء يؤذيه فصبر على أذاه حتّى يكفيه الله إيّاه بحياة أو موت. قلت: فذكر الحديث، وقد رواه النّسائيّ وغيره غير ذكر الجار) * «1» . 7- * (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «ما تقولون في الزّنا؟» . قالوا: حرام حرّمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن يزني الرّجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره. قال: ما تقولون في السّرقة؟ قالوا: حرّمها الله ورسوله فهي حرام. قال: «لأن يسرق الرّجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره» ) * «2» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره» . ثمّ يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها «3» معرضين؟ والله لأرمينّ «4» بها بين أكنافكم «5» ) * «6» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من جار السّوء في دار المقامة؛ فإنّ جار البادية يتحوّل» ) * «7» . 10- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال وهو ينحل ابن الزّبير «8» قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن الّذي يشبع وجاره جائع» ) * «9» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» ) * «10» . 12- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-   (1) الهيثمي في المجمع (8/ 171) وقال: رواه أحمد والطبراني واللفظ له وإسناد الطبراني وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 89) وصححه ووافقه الذهبي. (2) المنذري في الترغيب (3/ 352) وقال: رواه أحمد واللفظ له، ورواته ثقات، والطبراني في الكبير والأوسط. (3) قوله (عنها) : أي عن هذه السنة أو عن هذه المقالة. (4) قوله (لأرمينّ بها) في رواية أبي داود (لألقينها) أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنّكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته. (5) قوله (بين أكنافكم) قال ابن عبد البر: رويناه في الموطأ بالمثناة وبالنون. والأكناف بالنون جميع كنف بفتحها وهو الجانب، قال الخطابي: معناه إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين، قال وأراد بذلك المبالغة، وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعا لغيره وقال: إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة. (6) البخاري- الفتح 5 (2463) . مسلم (1609) . (7) المنذري في الترغيب (3/ 355) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه. والحاكم (1/ 532) وصححه ووافقه الذهبي. (8) ينحل ابن الزبير: أي يعطيه عطية بلا عوض. (9) الهيثمي في المجمع (8/ 167) وقال: رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات. مسند أبي يعلى (5/ 92) برقم (2699) ، وصححه الحاكم 4/ 167) ووافقه الذهبي. (10) الهيثمي في المجمع (8/ 167) وقال: رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1669 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) * «1» . 13- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله، فليس ذلك بمؤمن، وليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه. أتدري ما حقّ الجار؟: إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خير هنّأته، وإذا أصابته مصيبة عزّيته، وإذا مات اتّبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الرّيح إلّا بإذنه، ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلّا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سرّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده» ) * «2» . 14- * (عن نافع بن عبد الحارث- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سعادة المرء الجار الصّالح والمركب الهنيّ والمسكن الواسع» ) * «3» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «4» . 16- * (عن أبي شريح الخزاعيّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت» ) * «5» . 17- * (عن أبي شريح العدويّ- رضي الله عنه- قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته» . قيل وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة، والضّيافة ثلاثة أيّام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «6» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما لأصحابه: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل   (1) البخاري- الفتح 10 (6014) . ومسلم (2625) . ولهما اللفظ نفسه عن عائشة- رضي الله عنها-. (2) المنذري في الترغيب (3/ 357) وقال: رواه الخرائطي من مكارم الأخلاق. قال الحافظ: ولعل قوله: أتدري ما حق الجار إلى آخره في كلام الراوي غير مرفوع، لكن قد روى الطبراني عن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله ما حق الجار عليّ؟ قال: إن مرض عدته، وإن مات شيعته، وإن استقرضك أقرضته، وإن أعوز سترته. فذكر الحديث بنحوه. وانظره عند الهيثمي (8/ 165) . وروى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ عن معاذ بن جبل نحوه أيضا. ونحوه عند البخاري- الأدب 29، ومسلم- إيمان 730 إلا أوله. (3) الهيثمي في المجمع (8/ 163) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك (4/ 166) وصححه ووافقه الذهبي. (4) البخاري- الفتح 10 (6018) . ومسلم (48) . (5) مسلم (48) . (6) البخاري- الفتح 10 (6019) . ومسلم (47) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1670 بهنّ؟» . قال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا، فقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «1» . 19- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن من أمنه النّاس، والمسلم من سلّم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السّوء، والّذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة عبد لا يأمن جاره بوائقه» ) * «2» . 20- * (عن عمرو بن الشّريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقّاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبيّ، إذ جاء أبو رافع مولى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا سعد ابتع منّي بيتيّ في دارك. فقال سعد: والله ما أبتاعهما. فقال المسور: والله لتبتا عنّهما. فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجّمة أو مقطّعة «3» . قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الجار أحقّ بسقبه «4» » ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمسمائة دينار، فأعطاها إيّاه) * «5» 21- * (عن أبي شريح- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» . قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الّذي لا يأمن جاره بوائقه» ) * «6» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، إنّ فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: «هي في النّار» . قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة يذكر من قلّة صيامها وصلاتها، وأنّها تتصدّق بالأثوار «7» من الأقط «8» ، ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» ) * «9» .   (1) أخرجه الترمذي (2305) واللفظ له. وفي مسند أحمد (2/ 310) . وابن ماجة (4217) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) : حديث حسن. (2) المنذري في الترغيب (2/ 354) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وإسناد أحمد جيد، تابع عليّ بن زيد: حميد، ويونس بن عبيد. والحاكم في المستدرك (1/ 11) وصححه على شرط مسلم. (3) قوله (منجمة أو مقطعة) : شك من الراوي والمراد مؤجلة على أقساط معلومة. (4) قوله (الجار أحق بسقبه) : بفتح المهملة والقاف بعدها موحدة، والسقب بالسين المهملة وبالصاد أيضا، ويجوز فتح القاف وإسكانها: القرب والملاصقة. قال ابن بطال: استدل به أبو حنيفة وأصحابه على إثبات الشفعة للجار، وأوله غيرهم على أن المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين ولذلك دعاه إلى الشراء منه، قال: وأما قولهم إنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا فمردود، فإن كل شيء قارب شيئا قيل له جار، وقد قالوا لا مرأة الرجل جارة لما بينهما من المخالطة، انتهى. (5) البخاري- الفتح 4 (2258) . (6) البخاري- الفتح 10 (6016) . (7) الأثوار: بالمثلثة جمع ثور: وهي قطعة من الأقط. (8) الأقط: بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي. (9) المنذري في الترغيب (2/ 356) وقال: رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة. وقال بإسناد صحيح أيضا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1671 وهذا لفظ بعضهم: قالوا: يا رسول الله فلانة تصوم النّهار، وتقوم اللّيل، وتؤذي جيرانها. قال: «هي في النّار» قالوا: يا رسول الله، فلانة تصلّي المكتوبات، وتصدّق «1» بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» ) * «2» . 23- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إنّ لي جارين فإلى أيّهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا» ) * «3» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة «4» » ) * «5» . 25- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه ذبح شاة فقال: أهديتم لجاري اليهوديّ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حق الجار) * 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: الله الّذي لا إله إلّا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثمّ مرّ بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني فمرّ فلم يفعل، ثمّ مرّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي. ثمّ قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك رسول الله، قال: «الحق» ، ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن له، فدخل فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللّبن؟» قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة قال: «أبا هرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: «الحق إلى أهل الصّفّة «7» فادعهم لي» . قال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها،   (1) تصدق: أي تتصدق وتحسن. (2) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 169) وقال: رجاله ثقات. (3) البخاري- الفتح 4 (2259) . (4) الفرسن: عظم قليل اللحم. (5) البخاري- الفتح 10 (6017) . ومسلم (1030) . (6) أبو داود (5152) وقال الألباني (3/ 968) : صحيح. والترمذي (1944) . قال محقق جامع الأصول (6/ 637) : إسناده صحيح، والمرفوع عنه في الصحيحين وقد مر.* وحياة النبي صلّى الله عليه وسلّم كلها مثل يحتذى، وقد طبق صلّى الله عليه وسلّم ما أمره به ربه وقام به خير قيام. (7) وهم جيران رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ كانت صفتهم بالقرب من حجر نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1672 فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: «يا أبا هرّ» ، قلت لبّيك يا رسول الله، قال: خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم فقال: «أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «بقيت أنا وأنت» . قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» . فقعدت فشربت. فقال: «اشرب» . فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ، ما أجد له مسلكا، قال: فأرني، فأعطيته القدح، فحمد الله وسمّى وشرب الفضلة) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حق الجار) 1- * (رأى أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- ولده عبد الرّحمن وهو يناصي جارا له، فقال: «لا تناص جارك فإنّ هذا يبقى والنّاس يذهبون» ) * «2» . 2- * (عن يحيى المازنيّ أنّ الضّحّاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض «3» ، فأراد أن يمرّ به في أرض محمّد بن مسلمة، فمنعه، فقال له: لم تمنعني، ولك فيه منفعة، تشرب فيه أوّلا وآخرا، ولا يضرّك؟ فأبى (محمّد) فكلّم الضّحّاك فيه عمر بن الخطّاب. فدعا عمر بن الخطّاب محمّد بن مسلمة، فأمره أن يخلّي سبيله، فقال محمّد: لا والله، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه ولا يضرّك؟ فقال: لا والله، فقال له عمر: والله ليمرّنّ به ولو على بطنك، ففعل الضّحّاك) * «4» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «خلال المكارم عشر تكون في الرّجل ولا تكون في أبيه وتكون في العبد ولا تكون في سيّده، يقسّمها الله تعالى لمن أحبّ: صدق الحديث، وصدق النّاس، وإعطاء السّائل، والمكافأة بالصّنائع، وصلة الرّحم، وحفظ الأمانة، والتّذمّم للجار، والتّذمّم للصاحب، وقرى الضّيف، ورأسهنّ الحياء» ) * «5» . 4- * (يروى أنّ رجلا جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه- فقال له: إنّ لي جارا يؤذيني ويشتمني ويضيّق عليّ، فقال: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه» ) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6452) . (2) إحياء علوم الدين (2/ 214) . وناصى جاره أي أخذ بناصيته. (3) خليجا له من العريض: الخليج: النهر يؤخذ من النهر الكبير، و «العريض» بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون الياء موضع معروف من نواحي المدينة. (4) أخرجه الموطأ (2/ 746) في الأقضية. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 644) : رجال إسناده ثقات. (5) إحياء علوم الدين (2/ 314) . (6) المصدر السابق (2/ 212) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1673 5- * (عن ابن أخي عبد الله بن سلام لمّا أريد عثمان جاء عبد الله بن سلام، فقال له عثمان: «ما جاء بك؟» . قال: «جئت في نصرك» ، قال: «اخرج إلى النّاس فاطردهم عنّي فإنّك خارجا خير لي منك داخلا» ، فخرج عبد الله إلى النّاس فقال: «أيّها النّاس، إنّه كان اسمي في الجاهليّة فلان فسمّاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله ونزل فيّ آيات من كتاب الله نزلت فيّ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ إنّ لله سيفا مغمودا عنكم، وإنّ الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الّذي نزل فيه نبيّكم، فالله الله في هذا الرّجل أن تقتلوه، فو الله إن قتلتموه، لتطردنّ جيرانكم الملائكة ولتسلّنّ سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة» ، قال: «فقالوا: اقتلوا اليهوديّ واقتلوا عثمان» ) * «1» . 6- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- أنّه «كان لا يرى بأسا أن تطعم جارك اليهوديّ والنّصرانيّ من أضحيتك» ) * «2» . 7- * (قال الحسن بن عيسى النّيسابوريّ: «سألت عبد الله بن المبارك فقلت: الرّجل المجاور يأتيني فيشكو غلامي أنّه أتى إليه أمرا والغلام ينكره فأكره أن أضربه ولعلّه بريء، وأكره أن أدعه فيجد «3» عليّ جاري فكيف أصنع؟ قال: إنّ غلامك لعلّه أن يحدث حدثا يستوجب فيه الأدب فاحفظه عليه، فإذا شكاه جارك فأدّبه على ذلك الحدث فتكون قد أرضيت جارك وأدّبّته على ذلك الحدث، وهذا تلطّف في الجمع بين الحقّين» ) * «4» . 8- * (قال الشّيخ أبو محمّد بن أبي جمرة: «حفظ الجار من كمال الإيمان» ) * «5» . 9- * (وقال: إذا أكّد حقّ الجار مع الحائل بين الشّخص وبينه، وأمر بحفظه، وإيصال الخير إليه وكفّ أسباب الضّرر عنه، فينبغي له أن يراعي حقّ الحافظين اللّذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل، فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور السّاعات، فقد جاء أنّهما يسرّان بوقوع الحسنات ويحزنان بوقوع السّيّئات، فينبغي مراعاة جنبهما وحفظ خواطرهما بالتّكثير من عمل الطّاعات والمواظبة على اجتناب المعصية، فهما أولى برعاية الحقّ من كثير من الجيران) *. انتهى. ملخّصا «6» . 10- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «يمن المسكن سعته وحسن جوار أهله، وشؤمه ضيقه وسوء جوار أهله» ) * «7» . 11- * (وقال- رحمه الله-: «وجملة حقّ الجار: أن يبدأه بالسّلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السّؤال، ويعوده في المرض ويعزّيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنّئه في الفرح، ويظهر الشّركة في السّرور معه، ويصفح عن زلّاته،   (1) الترمذي (3256) وقال: هذا حديث حسن غريب. (2) المنتقى من مكارم الأخلاق (56) . (3) يجد: أي يغضب. (4) إحياء علوم الدين (2/ 214) . (5) فتح الباري (10/ 456) . (6) البخاري- الفتح 10 (459) . (7) إحياء علوم الدين (2/ 213) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1674 ولا يتطلّع من السّطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصبّ الماء في ميزابه، ولا في مطرح التّراب في فنائه، ولا يضيّق طرقه إلى الدّار، ولا يتبعه النّظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلاما، ويغضّ بصره عن حرمته، ولا يديم النّظر إلى خادمته، ويتلطّف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه» ) * «1» . 12- * (وقال: «اعلم أنّه ليس حقّ الجوار كفّ الأذى فقط بل احتمال الأذى، ولا يكفي احتمال الأذى بل لا بدّ من الرّفق وإسداء الخير والمعروف، إذ يقال: إنّ الجار الفقير يتعلّق بجاره الغنيّ يوم القيامة فيقول: يا ربّ سل هذا لم منعني معروفه وسدّ بابه دوني؟» ) * «2» . 13- * (قال القرطبيّ: «فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها (أي مرغّب فيها) مسلما كان أو كافرا وهو الصّحيح» ) * «3» . 14- * (قال ابن حجر: «ويفترق الحال في ذلك بالنّسبة للجار الصّالح وغير الصّالح: والّذي يشمل الجميع إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدّعاء له بالهداية، وترك الإضرار «4» له إلّا في الموضع الّذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والّذي يخصّ الصّالح هو جميع ما تقدّم، وغير الصّالح كفّه عن الّذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبيّن محاسنه، والتّرغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرّفق أيضا ويستر عليه زلله عن غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فيه وإلّا فيهجره قاصدا تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسّبب ليكفّ» ) * «5» . 15- * (أنشد أبو جعفر العدويّ: شرا «6» جارتي سترا فضول لأنّني ... جعلت جفوني ما حييت لها سترا وما جارتي إلّا كأمّي وإنّني ... لأحفظها سرّا وأحفظها جهرا بعثت إليها: انعمي وتنعّمي ... فلست محلّا منك وجها ولا شعرا) * «7» . 16- * (وقال حاتم الطّائيّ: ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر ما ضرّ جارا لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر أغضي إذا ما جارتي برزت ... حتّى يواري جارتي الخدر) * «8» . 17- * (أنشد أحمد بن عليّ الحرّانيّ:   (1) إحياء علوم الدين (2/ 213) . (2) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) تفسير القرطبي (5/ 184) . (4) الإضرار: الإغلاظ. (5) فتح الباري (10/ 456) . (6) شرا: مقصور شراء. (7) المنتقى من مكارم الأخلاق (60) . (8) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1675 والجار لا تذكر كريمة بيته ... واغضب لابن الجار إن هو أغضبا احفظ أمانته وكن عزّا له ... أبدا وعمّا ساءه متجنّبا كن ليّنا للجار واحفظ حقّه ... كرما ولا تك للمجاور عقربا) * «1» . 18- * (يروى أنّ جارا لابن المقفّع أراد بيع داره في دين ركبه وكان يجلس في ظلّ داره، فقال: «ما قمت إذا بحرمة ظلّ داره إن باعها معدما» . فدفع إليه ثمن الدّار وقال: «لا تبعها» ) * «2» . 19- * (قال العلماء: «الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وجار له حقّان، وجار له ثلاثة حقوق. فالجار الّذي له ثلاثة حقوق هو الجار المسلم ذو الرّحم، فله حقّ الجوار، وحقّ الإسلام، وحقّ الرّحم، وأمّا الّذي له حقّان فالجار المسلم. له حقّ الجوار وحقّ الإسلام. وأمّا الّذي له حقّ واحد فالجار المشرك، وجاء بذلك حديث لكنّه ضعيف، وهذا التّقسيم موافق لما جاءت به الآيات والأحاديث بالنّسبة لحقّ المسلم وحقّ القريب وحقّ الجار، كما أنّه موافق للتّقسيم العقلي الاستقرائيّ وعلى هذا فللجار الكافر مهما كان كفره حقّ الجوار في الإحسان إليه وترك إيذائه» ) * «3» . من فوائد (حق الجار) (1) حفظ حقّ الجّار من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) تعظيم حقّ الجار. (3) حسن العلاقة بين الجيران ترضي الله- عزّ وجلّ وتسخط الشّيطان وسوءها يسخط الله- عزّ وجلّ- ويرضي الشّيطان. (4) اسم الجار يشمل عموم أنواع المجتمع فإذا حسنت العلاقة بين الجيران وسادهم الحبّ والوئام سعد المجتمع كلّه. (5) إنّ جار الخير يعود خيره عليه وعلى جيرانه وجار السّوء يعود سوءه عليه وحده. (6) المكافأة على الإحسان بأحسن منه. (7) حسن الجوار ليس بكفّ أذاك عن جيرانك بل بتحمّل أذاهم وقضاء حوائجهم وكشف كربهم. (8) الملكان المجاوران لك أشدّ الجيران قربا فاحفظ حقّهما فلا يريا منك إلّا خيرا. (9) حسن الجوار باب من أبواب الجنّة وسوءه باب من أبواب النّار.   (1) المنتقى من مكارم الأخلاق (58) . (2) إحياء علوم الدين (2/ 213) . (3) السلوك الاجتماعي في الاسلام لحسن أيوب (282- 283) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1676 الحكمة الحكمة لغة: مصدر قولهم حكم أي صار حكيما، وهو مأخوذ من مادّة (ح ك م) الّتي تدلّ على المنع أو المنع للإصلاح «1» ، ومن هذا الأصل أخذ أيضا الحكم في معنى المنع من الظّلم، وحكمة اللّجام «2» لأنّها تمنع الدّابّة عمّا لا يريده صاحبها، والحكمة لأنّها تمنع من الجهل. يقول الجوهريّ: الحكم مصدر قولك: حكم بينهم يحكم أي قضى، ويقال حكم له أو عليه، والحكم أيضا: الحكمة (المانعة من الجهالة) «3» ، والحكيم العالم، والحكيم: صاحب الحكمة، والحكيم: المتقن للأمور، وقد حكم أي صار حكيما. قال النّمر بن تولب: وأبغض بغيضك بغضا رويدا ... إذا أنت حاولت أن تحكما الآيات الأحاديث الآثار 110 18 22 أي إذا حاولت أن تكون حكيما. ويقال أحكمت الشّيء فاستحكم أى صار محكما. ويقال (أيضا) حكمت السّفيه وأحكمته: إذا أخذت على يده، قال جرير: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إنّي أخاف عليكم أن أغضبا ويقال حكّمت الرّجل تحكيما: إذا منعته ممّا أراد، ويقال حكّمته في مالي: إذا جعلت إليه الحكم فيه، واحتكموا إلى فلان وتحاكموا بمعنى أى تخاصموا إلى الحاكم، والمحكّم هو الشّيخ المجرّب المنسوب إلى الحكمة، وأمّا الّذي في الحديث «إنّ الجنّة للمحكّمين» فهم قوم من أصحاب الأخدود حكّموا وخيّروا فاختاروا الثّبات على الإسلام مع القتل «4» . واستحكم الرّجل إذا تناهى عمّا يضرّه في دينه   (1) ذهب إلى الرأي الأول ابن فارس في مقاييسه 2/ 91، وإلى الآخر الراغب في مفرداته (ص 126) . (2) الحكمة ما أحاط بحنكي الدابّة سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد (لسان العرب (954) ط دار المعارف، وقال الجوهري: حكمة اللجام ما أحاط بالحنك (الصحاح 5/ 1902) . (3) في الأصل: والحكم: الحكمة من العلم ولعل في هذا إشارة إلى معنى الحكم في قوله تعالى وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا فالحكم بمعنى الحكمة التي هي علم مانع من الجهالة. (4) ما ذكرناه هو رأي الجوهري، وقد ورد في تفسيره قولان آخران: الأول: المحكمون هم الذين يقعون في يد العدو فيخيرون بين الشرك والقتل فيختارون القتل، وهذا يشمل أصحاب الأخدود وغيرهم، انظر اللسان (ص 952) . الآخر: المحكمون: هم المخصصون بالحكمة، (انظر مفردات الراغب (128) . وقد وردت رواية أخرى بالكسر ويكون المراد بالمحكم هو المنصف من نفسه وقد رجح في اللسان (تبعا لابن الأثير) رواية الفتح للحديث الآخر الذى رواه كعب: «إن في الجنة دارا لا يدخلها إلا نبى أو صديق أو شهيد أو محكم فى نفسه» . (اللسان الموضع السابق) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1677 ودنياه، وقول الله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (هود/ 1) فمعناه كما قال أهل التّفسير: أحكمت آياته بالأمر والنّهي والحلال والحرام، ثمّ فصّلت بالوعد والوعيد. وقال الرّاغب في مفرداته: الحكم بالشّيء أن تقضي بأنّه كذا أو كذا ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه، والحكمة: إصابة الحقّ بالعلم والعقل، ويختلف معنى الحكمة باختلاف من يتّصف بها، فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان: معرفة الموجودات وفعل الخيرات، وهذا وصف به لقمان في قوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ونبّه على جملتها (أي الحكمة) بما وصفه به، فإذا قيل في الله تعالى هو حكيم فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره، ومن هذا الوجه قال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ وإذا وصف به القرآن فلتضمّنه الحكمة، وعلى ذلك قوله تعالى تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* وقيل معنى الحكيم المحكم كما في قوله- عزّ وجلّ-: أُحْكِمَتْ آياتُهُ وكلاهما صحيح فإنّه محكم ومفيد للحكم (أي الحكمة) ففيه المعنيان جميعا «1» . الحكيم من أسماء الله- عزّ وجلّ-: قال ابن منظور: الله- سبحانه وتعالى- أحكم الحاكمين، وهو الحكيم، له الحكم سبحانه وتعالى، قال اللّيث: الحكم الله تعالى، وقال الأزهريّ من صفات الله: الحكم والحكيم والحاكم ومعاني هذه الأسماء متقاربة، وعلينا الإيمان بأنّها من أسمائه، وقال ابن الأثير في أسماء الله تعالى الحكم والحكيم وهما بمعنى الحاكم، وهو القاضي فهو فعيل بمعنى فاعل، أو هو الّذي يحكم الأشياء ويتقنها فهو فعيل بمعنى مفعل، وقيل الحكيم: ذو الحكمة وهي عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم «2» . وقال الغزاليّ: الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، والله عزّ وجلّ هو الحكيم الحقّ، لأنّه يعلم أجلّ الأشياء بأجلّ العلوم، إذ أجلّ العلوم هو العلم الأزليّ الدّائم الّذي لا يتصوّر زواله، المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرّق إليه خفاء ولا شبهة ولا يتّصف بذلك إلّا علم الله سبحانه وتعالى «3» . وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:- اسم الحكيم له سبحانه- من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله، ووضعه الأشياء في مواضعها، وإيقاعها على أحسن الوجوه «4» . الحكمة اصطلاحا: قال الكفويّ: الحكمة عند العلماء هي استعمال النّفس الإنسانيّة باقتباس العلوم النّظريّة   (1) بتصرف يسير عن المراجع الآتية: مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 91) ، والصحاح للجوهري (5/ 1902) ، ولسان العرب لابن منظور (951- 954) (ط. دار المعارف) ، والمفردات للراغب (ص 126، 127) . (2) لسان العرب: السابق (951) (ط. دار المعارف) . (3) المقصد الأسنى ص 120. (4) التفسير القيم ص 31. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1678 واكتساب الملكة التّامّة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها، وقال بعضهم هي: العلم النّافع المعبّر عنه بمعرفة ما لها وما عليها المشار إليها بقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (البقرة/ 269) «1» . وقد ذكر الجرجانيّ والتّهانويّ وابن حجر للحكمة تعريفات عديدة تختلف باختلاف نوع الحكمة من ناحية واختلاف من يتناولها من العلماء من ناحية أخرى وأهمّ هذه التّعريفات: 1- عند المفسرين: الحكمة: معرفة الحقّ لذاته والخير لأجل العمل به وهو التّكاليف الشّرعيّة «2» . (انظر تعريفات أخرى للحكمة ضمن الآثار الواردة عن السّلف في كتب التّفسير) . 2- عند المحدّثين: قال ابن حجر: واختلف في المراد بالحكمة فقيل: الإصابة في القول. وقيل: الفهم عن الله، وقيل ما يشهد العقل بصحّته، وقيل نور يفرّق به بين الإلهام والوسواس. وقيل: سرعة الجواب بالصّواب. وقيل: غير ذلك «3» ، ثمّ نقل عن الإمام النّوويّ قوله: في الحكمة أقوال كثيرة مضطربة صفا لنا منها: أنّ الحكمة هي العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة وتهذيب النّفس وتحقيق الحقّ للعمل به والكفّ عن ضدّه، والحكيم من حاز ذلك «4» . 3- عند أهل السّلوك: نقل التّهانويّ تعريفين للحكمة هما: أ- الحكمة معرفة آفات النّفس والشّيطان والرّياضات. ب- الحكمة هيئة للقوّة العقليّة العمليّة المتوسّطة بين الجربزة (وهي هيئة تصدر بها الأفعال بالمكر والحيلة) وبين البلاهة وهي الحمق، والحكمة بهذا المعنى أحد أجزاء العدالة المقابلة للجور «5» . من معاني كلمة الحكمة في القرآن الكريم: وذكر أهل التّفسير أنّ الحكمة في القرآن على ستّة أوجه: أحدها: الموعظة: ومنه قوله تعالى في (القمر/ 5) : حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ. الثّاني: السّنّة: ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 151) : وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ. الثّالث: الفهم: ومنه قوله تعالى في (لقمان/ 12) : وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ. الرّابع: النّبوّة: ومنه قوله تعالى في (ص/ 20) : وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ. الخامس: القرآن: أمره ونهيه: ومنه قوله تعالى   (1) الكليات للكفوي (2/ 222) . (2) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/ 370) . (3) فتح الباري (7/ 126) . (4) المرجع السابق (1/ 549) . (5) كذا قال التهانوي والكشاف (1/ 372) . وذكر الجرجاني أن الجربزة في إفراط هذه القوة وذكر البلادة بدلا من البلاهة، وقال إن المراد بالبلادة هو التفريط. انظر كتاب التعريفات (ص 97) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1679 في (النّحل/ 125) : ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ. السّادس: علوم القرآن: ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 269) : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً «1» . وقد أورد ابن الجوزيّ للمفسّرين في هذه الآية سبعة أقوال: 1- أنّ المراد بالحكمة القرآن، قاله ابن مسعود رضي الله عنه-. 2- علوم القرآن: ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ونحو ذلك، قاله ابن عبّاس- رضي الله عنهما-. 3- النّبوّة: روي عن ابن عبّاس أيضا، وأسباط والسّدّيّ. 4- الفقه والعلم: رواه ليث عن مجاهد. 5- الإصابة: رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. 6- الخشية لله، قاله الرّبيع عن أنس- رضي الله عنه- «2» . 7- العقل في الدّين: قاله ابن زيد «3» . وأمّا الحكيم فقد ورد في القرآن على خمسة أوجه: 1- بمعنى الأمور المقضيّة على وجه الحكمة: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (الدخان/ 4) . 2- بمعنى اللّوح المحفوظ: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف/ 4) . 3- بمعنى الكتاب المشتمل على قبول المصالح: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (يونس/ 1) . 4- بمعنى القرآن العظيم المبيّن لأحكام الشّريعة: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (يس/ 1- 2) . 5- المخصوص بصفة الله- عزّ وجلّ- تارة مقرونا بالعلوّ والعظمة: إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وتارة مقرونا بالعلم والدّراية: إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ*، وتارة مقرونا بكمال الخبرة: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، وتارة مقرونا بكمال العزّة: وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً* «4» . [للاستزادة انظر صفات: الإيمان- الفطنة- الفقه- العلم- السكينة- الورع- النظر والتبصر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: السفاهة- الطيش- العجلة- اتباع الهوى- الغفلة- الجهل- البلادة والغباء] .   (1) هناك معان أخر أوردتها كتب التفسير تضمنها تصنيفنا للآيات الكريمة في الصفحات التالية. (2) وقع تصحيف في نسخة نزهة الأعين النواظر فذكر «الخيبة» بدلا من الخشية، وصوبنا كلامه من تفسير القرطبي (3/ 330) وقد ذكر أربعة أوجه أخرى فانظرها هناك. (3) وقد وردت هذه الأقوال في حاشية النسخة المحققة، وقال المحقق إن هذا من عمل الناسخ ولم يقدم دليلا على أن ذلك ليس من كلام ابن الجوزي سوى الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا. (4) بصائر ذوي التمييز (2/ 492) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1680 الآيات الواردة في «الحكمة» أولا: الحكمة من صفة المولى- عزّ وجلّ- (مرادا بها إيجاد الأشياء على غاية الإحكام والدقة) : أ- مقترنة بالعلم: 1- وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) «1» 2- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) «2» 3- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) «3» 4- * وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24) «4» 5- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) «5» 6- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) «6» .   (1) البقرة: 31- 32 مدنية (2) النساء: 11 مدنية (3) النساء: 17 مدنية (4) النساء: 24 مدنية (5) النساء: 26 مدنية (6) النساء: 92 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1681 7- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) «1» 8- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) «2» 9- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) «3» 10- وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) «4» 11- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) «5» 12- أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) «6» 13- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «7» 14- * إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «8»   (1) النساء: 170 مدنية (2) الأنعام: 83 مكية (3) الأنعام: 128 مكية (4) الأنعام: 139 مكية (5) الأنفال: 70- 71 مدنية (6) التوبة: 13- 15 مدنية (7) التوبة: 28 مدنية (8) التوبة: 60 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1682 15- الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) «1» 16- وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) «2» 17- أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) «3» 18- وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) «4» 19- ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) «5» 20- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) «6» 21- وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) «7» 22- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) «8» 23- يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) «9»   (1) التوبة: 97 مدنية (2) التوبة: 105- 106 مدنية (3) التوبة: 109- 110 مدنية (4) يوسف: 6 مكية (5) يوسف: 81- 83 مكية (6) يوسف: 99- 100 مكية (7) الحجر: 24- 25 مكية (8) الحج: 52 مدنية (9) النور: 17- 18 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1683 24- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) «1» 25- وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) «2» 26- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) «3» 27- وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) «4» 28- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) «5» 29- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) «6» 30- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) «7» 31- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ   (1) النور: 58- 59 مدنية (2) النمل: 6- 8 مكية (3) الأحزاب: 1 مدنية (4) الزخرف: 84- 85 مكية (5) الفتح: 4 مدنية (6) الحجرات: 7- 8 مدنية (7) الذاريات: 24- 30 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1684 وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «1» 32- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) «2» 33- إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31) «3» ب- مقترنة بالعزة: 34- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «4» 35- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) «5» 36- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «6» 37- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) «7» 38- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ   (1) الممتحنة: 10 مدنية (2) التحريم: 1- 2 مدنية (3) الإنسان: 29- 31 مدنية (4) البقرة: 127- 129 مدنية (5) البقرة: 208- 209 مدنية (6) البقرة: 219- 220 مدنية (7) البقرة: 228 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1685 فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) «1» 39- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) «2» 40- إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) «3» 41- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «4» 42- إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) «5» 43- إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «6» 44- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) «7» 45- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) «8» 46- * إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ   (1) البقرة: 240 مدنية (2) البقرة: 260 مدنية (3) آل عمران: 5- 6 مدنية (4) آل عمران: 18 مدنية (5) آل عمران: 62 مدنية (6) آل عمران 124- 126 مدنية (7) النساء: 56 مدنية (8) النساء: 155- 158 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1686 وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) «1» 47- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) «2» 48- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «3» 49- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «4» 50- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) «5» 51- * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «6» 52- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) «7»   (1) النساء: 163- 165 مدنية (2) المائدة: 38 مدنية (3) المائدة: 116- 119 مدنية (4) الأنفال: 9- 10 مدنية (5) الأنفال: 49 مدنية (6) الأنفال: 61- 63 مدنية (7) الأنفال: 67 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1687 53- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «1» 54- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «2» 55- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «3» 56- لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) «4» 57- يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) «5» 58- وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25) * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) «6» 59- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (43) «7» 60- وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «8» 61- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «9» 62- وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) «10»   (1) التوبة: 40 مدنية (2) التوبة: 71 مدنية (3) إبراهيم: 4 مكية (4) النحل: 60 مكية (5) النمل: 9- 10 مكية (6) العنكبوت: 25- 26 مكية (7) العنكبوت: 41- 43 مكية (8) الروم: 27 مكية (9) لقمان: 8- 9 مكية (10) لقمان: 27 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1688 63- قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «1» 64- الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) «2» 65- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «3» 66- (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) . لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) «4» 67- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) «5» 68- فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (26) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «6» 69- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) «7» 70- وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (7) «8» 71- * لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18)   (1) سبأ: 27 مكية (2) فاطر: 1- 2 مكية (3) غافر: 7- 9 مكية (4) الشورى: 1- 4 مكية (5) الجاثية: 1- 4 مكية (6) الجاثية: 36- 37 مكية (7) الأحقاف: 1- 3 مكية (8) الفتح: 7 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1689 وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) «1» 72- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «2» 73- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «3» 74- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «4» 75- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «5» 76- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) «6» 77- إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «7» ج- مقترنة بالخبرة: 78- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) «8»   (1) الفتح: 18- 19 مدنية (2) الحشر: 1- 2 مدنية (3) الحشر: 23- 24 مدنية (4) الممتحنة: 4- 5 مدنية (5) الصف: 1 مدنية (6) الجمعة: 1- 4 مدنية (7) التغابن: 17- 18 مدنية (8) الأنعام: 17- 18 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1690 79- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) «1» 80- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) «2» 81- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) «3» د- مقترنة بالعلو: 82- * وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) «4» هـ- مقترنة بالتوبة: 83 وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «5» ومقترنة بالحمد: 84 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) . لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) «6» ز- مقترنة بالسعة: 85- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) «7» ثانيا: الحكمة من صفة القرآن الكريم: 86- وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) «8»   (1) الأنعام: 73 مكية (2) هود: 1- 2 مكية (3) سبأ: 1 مكية (4) الشورى: 51 مدنية (5) النور: 10 مدنية (6) فصلت: 41- 42 مكية (7) النساء: 128- 130 مدنية (8) آل عمران: 57- 58 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1691 87- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «1» 88- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «2» 89- يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) «3» 90- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) «4» ثالثا: الحكمة من صفة أمر الله، قيل هو القرآن، وقيل غير ذلك: 91- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) «5» رابعا: الحكمة بمعنى السنة وبيان الشرائع: 92- رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «6» 93- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) «7» 94- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «8»   (1) يونس: 1- 2 مكية (2) لقمان: 1- 5 مكية (3) يس: 1- 5 مكية (4) الزخرف: 1- 4 مكية (5) الدخان: 1- 5 مكية (6) البقرة: 129 مدنية (7) البقرة: 151 مدنية (8) البقرة: 231 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1692 95- وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) «1» 96- وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) «2» 97- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «3» 98- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) «4» 99- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) «5» 100- وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «6» 101- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «7» خامسا: الحكمة بمعنى النبوة: 102- فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «8» 103- وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (20) «9»   (1) آل عمران: 48 مدنية (2) آل عمران: 81 مدنية (3) آل عمران: 164 مدنية (4) النساء: 113 مدنية (5) المائدة: 110 مدنية (6) الأحزاب: 34 مدنية (7) الجمعة: 2 مدنية (8) البقرة: 251 مدنية (9) ص: 20 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1693 104- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) «1» سادسا: الحكمة بمعنى الفقه في القرآن الإصابة في القول والعمل: 105 يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (269) «2» سابعا: الحكمة بمعنى المواعظ الحسنة: 106- أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) «3» ثامنا: الحكمة بمعنى القرآن أو آياته الكريمة، وقيل التلطف واللين دون مخاشنة وتعنيف: 107- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «4» تاسعا: الحكمة بمعنى الأفعال المحكمة والأخلاق الفاضلة: 108- لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا (22) وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) ... إلى قوله تعالى: ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39) «5» عاشرا: الحكمة بمعنى الفهم وحجة العقل وفقا للشريعة: 109- وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) «6» الحادي عشر: الحكمة بمعنى العظة (وقيل القرآن) : 110- حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) «7»   (1) الزخرف: 63 مكية (2) البقرة: 269 مدنية (3) النساء: 54 مدنية (4) النحل: 125 مكية (5) الإسراء: 22- 39 مكية (6) لقمان: 12 مكية (7) القمر: 5 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1694 الأحاديث الواردة في (الحكمة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله تعالى تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنّة، هو الله الّذي لا إله إلّا هو: الرّحمن، الرّحيم، الملك، القدّوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارئ، المصّور، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرّزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرّافع، المعزّ، المذلّ، السّميع، البصير، الحكم، العدل، اللّطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشّكور، العليّ، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرّقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشّهيد، الحقّ، الوكيل، القويّ، المتين، الوليّ، الحميد، المحصي، المبدأ، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصّمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأوّل، الآخر، الظّاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البرّ، التّوّاب، المنتقم، العفوّ الرّءوف، مالك الملك ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنيّ، المغني، المانع، الضّارّ، النّافع، النّور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرّشيد، الصّبور» ) * «1» . 2- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من الشّعر حكمة» ) * «2» . 3- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعرف أصوات رفقة الأشعريّين بالقرآن حين يدخلون باللّيل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن باللّيل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنّهار، ومنهم حكيم «3» إذا لقي الخيل- أو قال العدوّ- قال لهم: إنّ أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم «4» » ) * «5» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) هذه رواية الترمذي بتفصيل الأسماء، ولم يفصلها غيره، وقال: حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث. قال: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لا نعلم في شيء كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث رواه الترمذي رقم (3507) من حديث صفوان بن صالح، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقال: حديث غريب، ورواه ابن حبان في صحيحه رقم (2382) موارد الظمآن من طريق صفوان به، وأخرجه ابن ماجة رقم (3861) في الدعاء، باب أسماء الله عزّ وجلّ، من طريق أخرى عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بنحو مما تقدم بزيادة ونقصان. وقال النووي- رحمه الله- في الأذكار (128) هذا حديث البخاري ومسلم إلى قوله يحب الوتر وما بعده حديث حسن رواه الترمذي وغيره. وقال محقق جامع الأصول (4/ 175) أقول: ومع ذلك كله فقد ذكر الحديث ابن حبان في صحيحه وحسنه النووي في أذكاره. واللفظ للترمذي. وقال ابن كثير: الذي عوّل عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، انظر تفسير ابن كثير (1/ 514) (ط. الشعب) تفسير الآية (180) من سورة الأعراف. (2) البخاري- الفتح 10 (6145) . (3) حكيم: صفة رجل منهم، قاله عياض عن أبي علي الصّدفي. فتح الباري (7/ 557) . (4) تنظروهم: أي تنتظرونهم. (5) البخاري- الفتح 7 (4232) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1695 قال: ضمّني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «اللهمّ علّمه الحكمة» ) * «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «الفخر والخيلاء في الفدّادين «2» أهل الوبر، والسّكينة في أهل الغنم، والإيمان يمان، والحكمة يمانية» . قال أبو عبد الله: سمّيت اليمن لأنّها عن يمين الكعبة، والشّام عن يسار الكعبة، والمشأمة: الميسرة، واليد اليسرى: الشّؤمى، والجانب الأيسر: الأشأم) * «3» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو ذرّ يحدّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فرج عن سقف بيتي وأنا بمكّة. فنزل جبريل. ففرج صدري. ثمّ غسله من ماء زمزم. ثمّ جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا. فأفرغه في صدري. ثمّ أطبقه. ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء. فلمّا جئت إلى السّماء الدّنيا قال جبريل لخازن السّماء الدّنيا: افتح. قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: هل معك أحد؟ قال: نعم. معي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم. فلمّا فتح علونا السّماء الدّنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة. قال إذا نظر قبل يمينه ضحك. وإذا نظر قبل يساره بكى. فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قلت: لجبريل من هذا؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه. فأهل اليمين منهم أهل الجنّة. والأسودة الّتي عن شماله أهل النّار. فإذا نظر عن يمينه ضحك. وإذا نظر قبل شماله بكى. حتّى عرج بي إلى السّماء الثّانية. فقال لخازنها: افتح فقال له خازنها مثل ما قال الأوّل. ففتح» . قال أنس: فذكر أنّه وجد في السّماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين. ولم يثبت كيف منازلهم. غير أنّه ذكر أنّه وجد آدم في السّماء الدّنيا، وإبراهيم في السّماء السّادسة. قال أنس: فلمّا مرّ جبريل بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإدريس قال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: «من هذا؟» فقال: هذا إدريس. ثمّ مررت بموسى فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: «من هذا؟» . قال: هذا موسى. ثمّ مررت بعيسى. فقال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. قلت: «من هذا؟» . قال: هذا عيسى. ثمّ مررت بإبراهيم فقال مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قلت: «من هذا؟» . قال: هذا إبراهيم. قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم أنّ ابن عبّاس وأبا حبّة الأنصاريّ كانا يقولان: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ثمّ عرج بي حتّى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام» . قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال   (1) البخاري- الفتح 13 (7270) . وفيه (الكتاب) بدل (الحكمة) ، وأخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح (3824 واللفظ له، وعند أحمد (1/ 214، 264، 314، 328) وفيه: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، وأصله في الصحيحين، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (2) الفدادين: هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم. (3) البخاري- الفتح 6 (3499) واللفظ له. ومسلم (52) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1696 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ففرض الله على أمّتي خمسين صلاة. فرجعت بذلك حتّى مررت على موسى فقال: ما فرض الله لك على أمّتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة. قال: فارجع إلى ربّك. فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. فراجعت ربّي فوضع شطرها. فرجعت إلى موسى. قلت: وضع شطرها. فقال: راجع ربّك. فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. فراجعت فوضع شطرها. فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربّك فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون. لا يبدّل القول لديّ. فرجعت إلى موسى. فقال: فقلت: استحييت من ربّي. ثمّ انطلق بي جبريل حتّى انتهى إلى سدرة المنتهى. وغشيها ألوان لا أدري ما هي. ثمّ أدخلت الجنّة فإذا فيها جنابذ «1» اللّؤلؤ، وإذا ترابها المسك» ) * «2» . 7- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا حسد إلّا في اثنتين، رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (الحكمة) معنى 8- * (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت، وأتّبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «4» . وعن معاذ نحوه. 9- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ رجلين تيمّما وصلّيا ثمّ وجدا ماء في الوقت فتوضّأ أحدهما وعاد لصلاته ما كان في الوقت، ولم يعد الآخر. فسألا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال للّذي لم يعد: «أصبت السّنّة وأجزأتك صلاتك» . وقال للآخر: «أمّا أنت فلك مثل سهم جمع «5» » ) * «6» . 10- * (عن المغيرة بن شعبة أخبر، أنّه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبوك. قال المغيرة: فتبرّز «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل الغائط. فحملت معه إداوة «8» قبل صلاة الفجر. فلمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليّ أخذت أهريق «9»   (1) الجنابذ: جمع جنبذة: وهي القبّة، وقيل: كل شيء مرتفع. (2) البخاري- الفتح 1 (349) واللفظ له. ومسلم (164) . (3) البخاري- الفتح 13 (7141) . ومسلم (816) . (4) الترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول برقم (9333) ج 11 ص 694، وقال محققه: حديث حسن. (5) سهم جمع: أي له سهم من الخير جمع فيه أجر الصلاتين. (6) أبو داود (338، 339) ، والنسائي بشرح السيوطي (1/ 213) واللفظ له. قال محقق جامع الأصول (7/ 266) : حديث حسن ورواه ابن السكن بإسناد صحيح موصول كما ذكره الحافظ في التلخيص. (7) يقال تبرز فلان: كناية عن التغوّط. (8) الإداوة: المطهرة. (9) أهريق: أي أريق وأصبّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1697 على يديه من الإداوة. وغسل يديه ثلاث مرّات. ثمّ غسل وجهه. ثمّ ذهب يخرج جبّته عن ذراعيه فضاق كمّا جبّته. فأدخل يديه في الجبّة. حتّى أخرج ذراعيه من أسفل الجبّة. وغسل ذراعيه إلى المرفقين. ثمّ توضّأ على خفّيه. ثمّ أقبل. قال المغيرة: فأقبلت معه حتّى نجد النّاس قد قدّموا عبد الرّحمن بن عوف فصلّى لهم. فأدرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إحدى الرّكعتين. فصلّى مع النّاس الرّكعة الآخرة. فلمّا سلّم عبد الرّحمن بن عوف قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتمّ صلاته. فأفزع ذلك المسلمين. فأكثروا التّسبيح. فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلاته. أقبل عليهم ثمّ قال: «أحسنتم» ، أو قال «قد أصبتم» . يغبطهم أن صلّوا الصّلاة لوقتها) * «1» . 11- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: مرّ فتى على عمر فقال عمر: نعم الفتى. قال: فتبعه أبوذرّ فقال: يا فتى استغفر لي. فقال: يا أبا ذرّ أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: استغفر لي. قال: لا أو تخبرني. فقال: إنّك مررت على عمر رضي الله عنه. فقال: نعم الفتى، وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه) * «2» . 12- * (عن سعد- رضي الله عنه- قال: سمعت أبا أمامة قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- يقول: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى سعد فأتى على حمار، فلمّا دنا من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيّدكم أو خيركم، فقال: «هؤلاء نزلوا على حكمك» . فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريّهم. قال: «قضيت بحكم الله» ، وربّما قال: بحكم الملك) * «3» 13- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال عمر: وافقت الله في ثلاث- أو وافقني ربّي في ثلاث- قلت: يا رسول الله لو اتّخذت مقام إبراهيم مصلّى، وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض نسائه، فدخلت عليهنّ قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدلنّ الله رسوله خيرا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه قالت: يا عمر، أما في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يعظ نساءه حتّى تعظهنّ أنت؟ فأنزل الله عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ. الآية) * «4» .   (1) مسلم (274) فى كتاب الصلاة، باب (22) ص (317) . (2) أبو داود (1962) وقال محقق جامع الأصول (8/ 609) حديث حسن. والحاكم في المستدرك (3/ 87) ووافقه الذهبي. واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 7 (4121) واللفظ له. ومسلم (1768) . (4) البخاري- الفتح 7 (4483) واللفظ له. ومسلم (2399) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1698 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحكمة) 14- * (عن عديّ بن ثابت قال: حدّثنا سليمان بن صرد (رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) ، قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فغضب أحدهما فاشتدّ غضبه حتّى انتفخ وجهه وتغيّر. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الّذي يجد» ، فانطلق إليه الرّجل فأخبره بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «تعوّذ بالله من الشّيطان» . فقال: أترى بي بأس، أمجنون أنا؟، اذهب) * «1» . 15- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب على حمار على إكاف «2» على قطيفة فدكيّة «3» ، وأردف أسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر، فسار حتّى مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ بن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله، وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلمّا غشيت المجلس عجاجة «4» الدّابّة خمّر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه قال: لا تغبّروا علينا. فسلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ووقف ونزل فدعاهم إلى الله، فقرأ عليهم القرآن. فقال له عبد الله بن أبيّ: يا أيّها المرء، إنّه لا أحسن ممّا تقول إن كان حقّا فلا تؤذنا به في مجالسنا، وارجع إلى رحلك فمن جاءك منّا فاقصص عليه. قال ابن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا فإنّا نحبّ ذلك. فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتّى كادوا يتثاورون، فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا، فركب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دابّته حتّى دخل على سعد بن عبادة فقال له: «أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب» يريد عبد الله بن أبيّ، قال سعد: يا رسول الله اعف عنه واصفح، فلقد أعطاك الله ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل هذه البحيرة على أن يتوّجوه فيعصّبوه، فلمّا ردّ ذلك بالحقّ الّذي أعطاك الله شرق بذلك، فذلك الّذي فعل به ما رأيت) * «5» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسري به: «لقيت موسى» قال: فنعته، فإذا رجل حسبته قال: «مضطرب رجل الرّأس «6» كأنّه من رجال شنوءة» . قال: «ولقيت عيسى» ، فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ربعة «7» أحمر، كأنّما خرج من ديماس- يعني الحمّام- ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به» . قال: «وأتيت بإناءين أحدهما فيه لبن والآخر فيه خمر، فقيل لي: خذ أيّهما شئت، فأخذت اللّبن فشربته، فقيل لي: هديت إلى الفطرة أو أصبت   (1) البخاري- الفتح 10 (6048) واللفظ له. ومسلم (2610) . (2) الإكاف: شيء يشدّ على الحمار فيركب عليه الراكب. (3) فدكيّة أي تنسب إلى فدك وهي بلدة بينها وبين المدينة يومان. (4) عجاجة الدابة: أي أثر غبار رجلها. (5) البخاري- الفتح 10 (5663) واللفظ له. ومسلم (1798) . (6) رجل الشعر والرأس: أي ليس شديد الجعودة وليس شديد السبوطة. (7) رجل ربعة: أي مربوع الخلق لا هو طويل ولا قصير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1699 الفطرة. أمّا إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك» ) * «1» . 17- * ( ... وجاء في حديث الإفك، أنّ عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة- رضي الله عنها-: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب.. الحديث. وفيه: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث «2» الوحي. يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» . قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه عليها «3» ، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «4» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «5» من عبد الله بن أبيّ بن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد ابن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا. ولكن اجتهلته الحميّة «6» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «7» حتّى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت ... الحديث) * «8» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلي كمثل   (1) البخاري- الفتح 6 (3437) . ومسلم (168) . (2) استلبث الوحي: أي أبطا ولبث ولم ينزل. (3) أغمصه عليها: أي أعيبها به. (4) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين. (5) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر. (6) اجتهلته الحمية: أي أخفته وأغضبته وحملته على الجهل. (7) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية. (8) البخاري- الفتح 7 (4141) . ومسلم (2770) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1700 رجل استوقد نارا. فلمّا أضاءت ما حولها جعل الفراش «1» وهذه الدّوابّ الّتي في النّار يقعن فيها. وجعل يحجزهنّ ويغلبنه فيتقحّمن فيها» . قال: «فذالكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ «2» بحجزكم «3» عن النّار. هلمّ عن النّار. هلمّ عن النّار. فتغلبوني تقحّمون «4» فيها» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحكمة) 1- قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «كونوا ربّانيّين حكماء فقهاء» ) * «6» . 2- * (من حكم ابن مسعود- رضي الله عنه: «ينبغي لحامل القرآن، أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا) * «7» . 3- * (قال معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما-: «لا حليم إلّا ذو عثرة ولا حكيم إلّا ذو تجربة» ) * «8» . 4- * (عن عون بن عبد الله؛ قال: قال عبد الله: «نعم المجلس مجلس ينشر فيه الحكمة، وترجى فيه الرّحمة» ) * «9» . 5- * (عن شرحبيل بن شريك أنّه سمع أبا عبد الرّحمن الحبليّ يقول: «ليس هديّة أفضل من كلمة حكمة تهديها لأخيك» ) * «10» . 6- * (عن كعب، قال: «عليكم بالقرآن، فإنّه فهم العقل، ونور الحكمة، وينابيع العلم، وأحدث كتب الرّحمن عهدا، وقال في التّوراة: يا محمّد، إنّي منزّل عليك توراة حديثة، تفتح بها أعينا عميّا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «11» . 7- * (عن وهب بن منبّه قال: «أجمعت الأطبّاء (على) أنّ رأس الطّبّ الحمية، وأجمعت (الحكماء) أنّ رأس الحكمة الصّمت» ) * «12» . 8- * (عن الضّحّاك بن موسى قال: مرّ سليمان بن عبد الملك بالمدينة وهو يريد مكّة، فأقام بها أيّاما، فقال: «هل بالمدينة أحد أدرك أحدا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟» . فقالوا له: أبو حازم، فأرسل إليه، فلمّا   (1) الفراش: قال الخليل: هو الذي يطير كالبعوض. (2) آخذ: روي بوجهين: أحدهما اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال والثاني فعل مضارع بضم الخاء والذال بلا تنوين والأول أشهر. وهما صحيحان. (3) بحجزكم: الحجز جمع حجزة، وهي معقد الإزار والسراويل. (4) تقحمون: التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت. (5) البخاري- الفتح 11 (6483) ، ومسلم (2284) واللفظ له. (6) فتح الباري (1/ 192) . (7) الفوائد (201) . (8) فتح الباري (10/ 546) . (9) الدارمي (1/ 75) رقم (293) . (10) المرجع السابق (1/ 84) رقم (357) . (11) المرجع السابق (2/ 312) رقم (3327) . (12) حسن السمت في الصمت للسيوطي (24) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1701 دخل عليه قال له: «يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟» . قال أبو حازم: «يا أمير المؤمنين وأيّ جفاء رأيت منّي؟» . قال: «أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني» ، قال: «يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل هذا اليوم، ولا أنا رأيتك» ، قال: فالتفت سليمان إلى محمّد بن شهاب الزّهريّ، فقال: «أصاب الشّيخ وأخطأت» ، قال سليمان: «يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟» . قال: «لأنّكم أخربتم الآخرة وعمّرتم الدّنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب» ، قال: «أصبت يا أبا حازم، فكيف القدوم غدا على الله؟» . قال: «أمّا المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأمّا المسيء فكالآبق يقدم على مولاه» ، فبكى سليمان، وقال: «ليت شعري ما لنا عند الله؟» . قال: «اعرض عملك على كتاب الله» ، قال: «وأيّ مكان أجده» . قال: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (الانفطار/ 13، 14) ، قال سليمان: «فأين رحمة الله يا أبا حازم؟» . قال أبو حازم: رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. قال له سليمان: «يا أبا حازم فأيّ عباد الله أكرم؟» . قال: «أولو المروءة والنّهى» ، قال له سليمان: «فأيّ الدّعاء أسمع؟» . قال أبو حازم: «دعاء المحسن إليه للمحسن» . قال: «فأيّ الصّدقة أفضل؟» . قال: «للسّائل البائس، وجهد المقلّ، ليس فيها منّ ولا أذى» ، قال: «فأيّ القول أعدل؟» . قال: «قول الحقّ عند من تخافه أو ترجوه» ، قال: «فأيّ المؤمنين أكيس؟» . قال: «رجل عمل بطاعة الله ودلّ النّاس عليها» . قال: «فأيّ المؤمنين أحمق؟» قال: «رجل انحطّ في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره» ، قال له سليمان: «أصبت، فما تقول فيما نحن فيه؟» . قال: «يا أمير المؤمنين إنّ آباءك قهروا النّاس بالسّيف، وأخذوا هذا الملك عنوة على غير مشورة من المسلمين ولا رضا لهم، حتّى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، فقد ارتحلوا عنها، فلو شعرت ما قالوا وما قيل لهم» ، فقال له رجل من جلسائه: بئس ما قلت يا أبا حازم، قال أبو حازم: «كذبت إنّ الله أخذ ميثاق العلماء ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه» . قال له سليمان: «فكيف لنا أن نصلح؟» قال: «تدعون الصّلف وتمسكون بالمروءة، وتقسمون بالسّويّة» . قال له سليمان: «كيف لنا بالمأخذ به؟» . قال أبو حازم: «تأخذه من حلّه وتضعه في أهله» ، قال له سليمان: «هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا فتصيب منّا ونصيب منك؟» . قال: «أعوذ بالله» . قال له سليمان: «ولم ذاك؟» . قال: «أخشى أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات» ، قال له سليمان: «ارفع إلينا حوائجك» . قال: «تنجّيني من النّار وتدخلني الجنّة؟» . قال سليمان: «ليس ذاك إليّ» . قال أبو حازم: «فمالي إليك حاجة غيرها» ، قال: «فادع لي» ، قال أبو حازم: «اللهمّ إن كان سليمان وليّك فيسّره لخير الدّنيا والآخرة، وإن كان عدوّك فخذ بناصيته إلى ما تحبّ وترضى» ، قال له سليمان: «قطّ» . قال أبو حازم: «قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله، وإن لم تكن من أهله فما ينفعني أن أرمي عن قوس ليس لها وتر» . قال له الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1702 سليمان: «أوصني» . قال: «سأوصيك وأوجز: عظّم ربّك، ونزّهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك، فلمّا خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار وكتب إليه» «أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير» ، قال: فردّها عليه، وكتب إليه: «يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إيّاي هزلا أو ردّي عليك بذلا، وما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي» ، وكتب إليه: «أنّ موسى بن عمران لمّا ورد ماء مدين وجد عليها رعاء يسقون ووجد من دونهم جاريتين تذودان، فسألهما فقالتا لا نسقي حتّى يصدر الرّعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثمّ تولّى إلى الظّلّ، فقال ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير، وذلك أنّه كان جائعا خائفا لا يأمن، فسأل ربّه ولم يسأل النّاس. فلم يفطن الرّعاء وفطنت الجاريتان، فلمّا رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصّة وبقوله، فقال أبوهما وهو شعيب: هذا رجل جائع، فقال لأحداهما: إذهبي فادعيه، فلمّا أتته عظّمته وغطّت وجهها وقالت: إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فشقّ على موسى حين ذكرت أجر ما سقيت لنا، ولم يجد بدّا من أن يتبعها، إنّه كان بين الجبال جائعا مستوحشا، فلمّا تبعها هبّت الرّيح فجعلت تصفق ثيابها على ظهرها فتصف له عجيزتها، وكانت ذات عجز، وجعل موسى يعرض مرّة، ويغضّ أخرى، فلمّا عيل صبره ناداها يا أمة الله كوني خلفي، وأريني السّمت بقولك ذا، فلمّا دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيّأ، فقال له شعيب: اجلس يا شابّ فتعشّ، فقال له موسى: أعوذ بالله، فقال له شعيب لم أما أنت جائع؟ قال: بلى، ولكنّي أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من ديننا بملء الأرض ذهبا، فقال له شعيب: يا شابّ، ولكنّها عادتي وعادة آبائي، نقري الضّيف، ونطعم الطّعام، فجلس موسى فأكل. فإن كانت هذه المائة دينار عوضا لما حدّثت، فالميتة والدّم ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحلّ من هذه، وإن كانت لحقّ في بيت المال فلي فيها نظراء؛ فإن ساويت بيننا، وإلّا فليس لي فيها حاجة» ) * «1» 9- * (عن السّكن بن عمير؛ قال: سمعت وهب بن منبّه يقول: «يا بنيّ عليك بالحكمة، فإنّ الخير في الحكمة كلّها، وتشرّف الصّغير على الكبير، والعبد على الحرّ، وتزيد السّيّد سؤددا، وتجلس الفقير مجالس الملوك» ) * «2» . 10- * (عن كثير بن مرّة، قال: «لا تحدّث الباطل للحكماء فيمقتوك، ولا تحدّث الحكمة للسّفهاء فيكذّبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعه في غير أهله فتجهل، إنّ عليك في علمك حقّا، كما أنّ عليك في مالك حقّا» ) * «3» . 11- * (عن ثابت بن عجلان الأنصاريّ؛ قال: «كان يقال: إنّ الله ليريد العذاب بأهل الأرض، فإذا سمع تعليم الصّبيان   (1) أخرجه الدارمي (1/ 125- 126) رقم (653) . (2) المرجع السابق (1/ 90) رقم (395) . (3) المرجع السابق (1/ 88) رقم (384) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1703 الحكمة صرف ذلك عنهم، قال مروان: يعني بالحكمة القرآن» ) * «1» . 12- * (أخرج ابن باكويه، عن أحمد بن خالد عن أبيه؛ قال: «أدنى نفع الصّمت السّلامة، وأدنى ضرر (المنطق) النّدامة. والصّمت عمّا لا يعني من أبلغ الحكم» ) * «2» . 13- * (عن ابن شهاب؛ أنّ أبا إدريس الخولانيّ عائذ الله أخبره، أنّ يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل أخبره- قال: «كان لا يجلس مجلسا للذّكر حين يجلس إلّا قال: الله حكم قسط هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يوما: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق والرّجل والمرأة والصّغير والكبير والعبد والحرّ، فيوشك قائل أن يقول: ما للنّاس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع؛ فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم، فإنّ الشّيطان قد يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقّ، قال: قلت لمعاذ: ما يدريني (رحمك الله) أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضّلالة، وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحقّ؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات الّتي يقال (لها) ما هذه؟، ولا يثنينّك ذلك عنه؛ فإنّه لعلّه أن يراجع، وتلقّ الحقّ إذا سمعته فإنّ على الحقّ نورا، وقال ابن إسحاق عن الزّهريّ قال: بلى، ما تشابه عليك من قول الحكيم حتّى تقول ما أراد بهذه الحكمة» ) * «3» . 14- * (عن عمر بن عبد العزيز؛ قال: «إذا رأيتم الرّجل يطيل الصّمت ويهرب من النّاس، فاقتربوا منه فإنّه يلقي الحكمة» ) * «4» . 15- * (عن عبد الله بن محمّد بن شيبة حدّثنا مروان بن معاوية، عن عون، عن ابن عبّاس العمّيّ؛ قال: «بلغني أنّ داود النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان يقول في دعائه: سبحانك اللهمّ أنت ربّي تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السّماوات والأرض، فأقرب خلقك منك منزلة أشدّهم لك خشية، وما علم من لم يخشك، وما حكمة من لم يطع أمرك» ) * «5» . 16- * (عن الإمام مالك؛ أنّه بلغه أنّ لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال: «يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإنّ الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السّماء» ) * «6» . 17- * (ورد في الأثر أنّ لقمان دخل على داود عليه السّلام وهو يصنع الدّرع، فأراد أن يسأله عنها فأدركته الحكمة فسكت، فلمّا فرغ داود من صنعها   (1) الدارمي (2/ 315) رقم (3348) . (2) حسن السمت في الصمت للسيوطي (32) . (3) أبو داود (4611) وقال الألباني (3/ 872) : صحيح الإسناد موقوف. (4) حسن السمت في الصمت للسيوطي (25) . (5) الدارمي (1/ 82) رقم (343) . (6) تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك (3/ 161) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1704 لبسها، فقال: «نعم لبوس الحرب أنت» ، فقال لقمان: «الصّمت حكمة وقليل فاعله» ، فقال داود: «بذا سمّيت حكيما» ) * «1» . 18- * (أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية (يؤت الحكمة) قال: الخشية، لأنّ خشية الله رأس كلّ حكمة» ) * «2» . 19- * (وعن مطر الورّاق قال: بلغنا أنّ الحكمة خشية الله والعلم بالله» ) * 3. 20- * (وعن عروة بن الزّبير قال: كان يقال: الرّفق رأس الحكمة» ) * 4. 21- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستّة مشاهد: أحدها: مشهد التّوحيد، وأنّ الله هو الّذي قدّره وشاءه وخلقه، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. الثّاني: مشهد العدل، وأنّه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه. الثّالث: مشهد الرّحمة، وأنّ رحمته في هذا المقدّر غالبة لغضبه وانتقامه، ورحمته حشوه. الرّابع: مشهد الحكمة، وأنّ حكمته سبحانه اقتضت ذلك لم يقدّره سدى ولا قضاه عبثا. الخامس: مشهد الحمد، وأنّ له سبحانه الحمد التّامّ على ذلك من جميع وجوهه. السّادس: مشهد العبوديّة، وأنّه عبد محض من كلّ وجه تجري عليه أحكام سيّده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده، فيصرّفه تحت أحكامه القدريّة كما يصرّفه تحت أحكامه الدّينيّة، فهو محلّ لجريان هذه الأحكام عليه» ) * «5» . 22- * (وأخرج ابن أبي الدّنيا عن موسى بن عليّ، قال: «قال ربيط بني إسرائيل: «زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصّمت» ) * «6» . من فوائد (الحكمة) (1) الإصابة في القول والسّداد في الفعل. (2) الحكيم يعمل على وفق الشّرع، ويصيب في القول والفعل والتّفكّر ويسير على هدي من الله ونور. (3) وأجمل فوائد الحكمة أنّها تدلّ على المعرفة بالله- عزّ وجلّ- مع نفاذ البصيرة وتهذيب النّفس وتحقيق الحقّ للعمل بمقتضاه والبعد عمّا سواه. (4) الحكمة دليل كمال العقل. (5) يلبس صاحبها تاج الكرامة في الدّنيا والآخرة. (6) ينفع الله بصاحبها طلّاب العلم ومريدي الخير. (7) يدرأ الله بصاحبها أبوابا كثيرة من الشّرّ. (8) أنّها سمة من سمات الأنبياء والصّالحين والعلماء العالمين.   (1) حسن السمت في الصمت للسيوطي (16) . (2) ، (3) ، (4) الدر المنثور (2/ 69) . (5) الفوائد (48) . (6) حسن السمت في الصمت للسيوطي (26) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1705 الحكم بما أنزل الله الحكم لغة: الحكم مصدر قولهم: حكم يحكم حكما، وهو مأخوذ من مادّة (ح ك م) الّتي تدلّ على المنع من الظّلم، وسمّيت حكمة الدّابّة بذلك لأنّها تمنعها عن فعل ما لا يريد صاحبها، يقال: حكمت الدّابّة وأحكمتها إذا منعتها، ويقال أيضا حكمت السّفيه، وأحكمته: إذا أخذت على يديه، قال جرير: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إنّي أخاف عليكم أن أغضبا ويقال: حكّم فلان في كذا، إذا جعل أمره إليه، والمحكّم المجرّب المنسوب إلى الحكمة، قال طرفة: ليت المحكّم والموعوظ صوتكما «1» ... أراد بالمحكّم الشّيخ المنسوب إلى الحكمة «2» . تحت التّراب إذا ما الباطل انكشفا ... أراد بالمحكّم الشّيخ المنسوب إلى الحكمة «2» . وقال الرّاغب: حكم أصله منع منعا لإصلاح، والحكم بالشّيء أن تقضي بأنّه كذا، أو ليس بكذا، سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه، قال تعالى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (النساء/ 58) ويقال: حاكم وحكّام لمن يحكم بين الآيات الأحاديث الآثار 69 22 26 النّاس «3» . وقيل: الحكم: العلم والفقه والقضاء بالعدل، ويروى: «إنّ من الشّعر لحكمة» وهو بمعنى الحكم، ومنه الحديث: الخلافة في قريش والحكم في الأنصار، خصّهم بالحكم لأنّ أكثر فقهاء الصّحابة فيهم، ومن هذا قيل للحاكم بين النّاس حاكم، لأنّه يمنع الظّالم من الظّلم. وقيل: الحكم: الحكمة من العلم، وفي الحديث في صفة القرآن: وهو الذّكر الحكيم، أي الحاكم لكم وعليكم، أو هو المحكّم الّذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب. وحاكمه إلى الحكم: دعاه، وحكّموه بينهم: أمروه أن يحكم، ويقال: حكّمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا «4» . الحكم والحكيم من أسماء الله الحسنى: والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، وهو الحكيم له الحكم، قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى الحكم والحكيم، هما بمعنى الحاكم، وهو القاضي، فهو فعيل بمعنى فاعل، أو هو الّذي يحكم الأشياء   (1) صوتكما: بالنصب لأن المراد عاذليّ كبّ صوتكما والخبر متعلق الظرف (تحت التراب) . وانظر ديوان طرفة (ص 215) . قال محققه: المحكّم: الشيخ المجرب المنسوب إلى الحكمة، أي الذي أحكمته التجارب. ولعل الشاعر يقصد بهذا البيت أن يدعو لصاحبيه ألا يكونا على قيد الحياة حينما ينكشف الباطل وتتضح الحقيقة، لكيلا يزداد حزنهما على ما ناله من ظلم بسبب جور الأمير وطغيانه. (2) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 91) . (3) المفردات في غريب القرآن (ص 126- 127) . (4) لسان العرب لابن منظور (12/ 140- 141) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1706 ويتقنها، فهو فعيل بمعني مفعل، وقيل: الحكيم ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصّناعات ويتقنها: حكيم، والحكيم يجوز أن يكون بمعنى الحاكم مثل قدير بمعنى قادر، وعليم بمعنى عالم «1» . وقال الزّجّاج: فالله تعالى، هو الحاكم، وهو الحكم بين الخلق؛ لأنّه الحكم في الآخرة ولا حكم غيره. والحكّام في الدّنيا إنّما يستفيدون الحكم من قبله تعالى علوّا كبيرا «2» . الحكم بما أنزل الله اصطلاحا: الحكم: هو سياسة النّاس والقضاء بينهم وتدبير أمورهم طبقا للأحكام الشّرعيّة. والحكم بما أنزل الله هو العمل بالحكم الشّرعيّ، الّذي عرّفه الجرجانيّ بقوله: هو عبارة عن حكم الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين. وقال المناويّ: الحكم عند الأصوليّين خطاب الله تعالى المتعلّق بفعل المكلّف من حيث كونه كذلك. وقال الكفويّ: الحكم (في الشّرع) هو خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التّخيير، وهو مدلول الأمر والنّهي والإيجاب والتّحريم ويسمّى هذا بالاختصاصات الشّرعيّة، وأثر الخطاب المترتّب على الأفعال الشّرعيّة يسمّى بالتّصرّفات المشروعة، وهو نوعان: الأوّل: دنيويّ كالصّحّة في الصّلاة، والملك في البيع. والآخر: أخرويّ كالثّواب والعقاب، وجميع المسبّبات الشّرعيّة عن الأسباب الشّرعيّة، كلّ ذلك محكوم لله تعالى ثبت بحكمه وإيجاده وتكوينه. والحكم الشّرعيّ ما لا يدرك لولا خطاب الشّارع، سواء ورد الخطاب في عين هذا الحكم، أو في صورة يحتاج إليها هذا الحكم كالمسائل القياسيّة، إذ لولا خطاب الشّارع في المقيس عليه لا يدرك الحكم في المقيس «3» . شمولية الحكم بما أنزل الله: إنّ الحكم بما أنزل الله يتضمّن إعمال شريعة الإسلام في كلّ ما يتعلّق بأمور العباد والبلاد في المعاملات، والجنايات والعلاقات الدّوليّة والتّجاريّة، وما أشبه ذلك ممّا يعرف بالقوانين الحاكمة، كلّ ذلك ينبغي أن يكون بما أنزله الله في كتابه، أو جاءت به السّنّة الّتي تبيّن للنّاس ما نزّل إليهم مصداقا لقوله تعالى وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل/ 44) ، وقوله عزّ من قائل: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل/ 89) . ويقتضي ذلك أن تكون الأحكام الّتي وردت بها السّنّة الشّريفة ممّا أنزل الله؛ لأنّها بيان لما أنزله- عزّ   (1) لسان العرب (12/ 140- 141) . (2) تفسير أسماء الله الحسنى لأبى إسحق الزجاج، (44) . ومعنى من قبله تعالى: أي من قبل اتباع أحكامه وشرعه الذي أنزله على الرسل في الكتب السماوية الصحيحة. (3) باختصار وتصرف يسير عن المراجع الآتية: التعريفات للجرجاني (97) ، والتوقيف على مهمات التعريف للمناوي (145) ، والكليات للكفوي (381) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1707 وجلّ- يقول الإمام الشّافعيّ: ومن البيان (المشار إليه في الآية الكريمة) ما سنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّا ليس فيه نصّ حكم إذ قد فرض الله في كتابه طاعة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم والانتهاء إلى حكمه، فمن قبل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبفرض الله قبل «1» . ويتضمّن الحكم بما أنزل الله أيضا الحكم بما أجمعت عليه الأمّة أو قيس على حكم جاء به الكتاب أو أوردته السّنّة. يقول صاحب المقاصد العامّة للشّريعة الإسلاميّة: عرّف الأصوليّون الحكم الشّرعيّ بأنّه خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التّخيير أو الوضع «2» . أمّا الاقتضاء؛ فإنّه يتناول اقتضاء الوجود واقتضاء العدم، إمّا مع الجزم، أو مع جواز التّرك، فيتناول الواجب والمحظور، والمندوب، والمكروه. وأمّا التّخيير فهو الإباحة «3» . وأمّا الوضع فهو جعل اللّفظ دليلا على المعنى، والمراد به هنا: جعل الله الشّيء سببا أو شرطا أو مانعا صحيحا أو فاسدا. والحكم الشّرعيّ نوعان: تكليفيّ ووضعيّ، ولكلّ منهما أقسام، أمّا أقسام التّكليفيّ فخمسة: الإيجاب والنّدب، والتّحريم والكراهة والإباحة، وأقسام الحكم الشّرعيّ الوضعيّ المتعلّق بأفعال المكلّفين قد يكون طلبا أو تخييرا، وقد يكون جعلا للشّيء سببا أو شرطا أو مانعا وهو خطاب الوضع وقد اختلف العلماء في هذه الآية الكريمة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) : هل هي في المسلمين أو في الكفّار؟ فروي عن الشّعبيّ أنّها في المسلمين، وروي عنه أنّها في اليهود، وروي عن طاوس أيضا أنّها في المسلمين، وأنّ المراد بالكفر فيها كفر دون كفر، وأنّه ليس الكفر المخرج من الملّة، وروي عن ابن عبّاس في هذه الآية أنّه قال: ليس الكفر الّذي تذهبون إليه، رواه عنه ابن أبي حاتم والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشّيخين ولم يخرجاه، قاله ابن كثير. قال بعض العلماء: والقرآن العظيم يدلّ على أنّها في اليهود؛ لأنّه تعالى ذكر فيما قبلها أنّهم يحرّفون الكلم من بعد مواضعه، وأنّهم يقولون (إن أوتيتم هذا) يعني الحكم المحرّف الّذي هو غير حكم الله فخذوه، وإن لم تؤتوه: أي المحرّف؛ بل أوتيتم حكم الله الحقّ «فاحذروا» ، فهم يأمرون بالحذر من حكم الله الّذي يعلمون أنّه حقّ. وقد قال الله تعالى بعدها: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (المائدة/ 45) الآية، فدلّ على أنّ الكلام فيهم، وممّن قال بأنّ الآية في أهل الكتاب ما ذكره البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عبّاس وأبو مجلز وأبو رجاء العطارديّ وعكرمة، وعبيد الله بن   (1) الرسالة (22) . (2) المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف حامد العالم (24) . (3) المحصول في علم أصول الفقه للرازي (1/ 107) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1708 عبد الله، والحسن البصريّ وغيرهم، وزاد الحسن: وهي علينا واجبة، نقله عنهم ابن كثير. وقال القرطبيّ في تفسيره: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، والظَّالِمُونَ، والْفاسِقُونَ. نزلت كلّها في الكفّار ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء، وعلى هذا المعظم «1» ، فأمّا المسلم فلا يكفّر وإن ارتكب كبيرة. وقيل: فيه إضمار، أي وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ردّا للقرآن وجحدا لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فهو كافر، قاله ابن عبّاس، ومجاهد، فالاية عامّة على هذا. قال ابن مسعود والحسن: هي عامّة في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفّار، أيّ معتقدا ذلك ومستحلّا له، فأمّا من فعل ذلك وهو معتقد أنّه مرتكب محرّم فهو من فسّاق المسلمين وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له «2» . الحكم بغير ما أنزل الله: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: نزلت هذه الآيات بسبب الحكم في الحدود والقصاص والدّيات، أخبر أنّ التّوراة يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ (المائدة/ 44) وهذا عامّ في النّبيّين جميعهم، ثمّ لمّا ذكر الإنجيل قال: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ (المائدة/ 47) لأنّ الإنجيل بعض ما في التّوراة، والحكم بما أنزل الله فيه حكم بما في التّوراة أيضا، ثمّ قال (للرّسول صلّى الله عليه وسلّم) : وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ.. (المائدة/ 49) ، أمره أن يحكم بما أنزل الله إليه على من قبله «3» ونقل- رحمه الله- عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قوله الآية الكريمة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) .. عند ما قيل له: ما هذا الكفر؟ قال: كفر لا ينقل عن الملّة، مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر «4» . من العبادة الحكم بما أنزل الله: قال الشّيخ عبد العزيز بن باز: وفسّر العلماء رحمهم الله- العبادة بمعان متقاربة من أجمعها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيميّة إذ يقول: العبادة اسم جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهذا يدلّ على أنّ العبادة تقتضي الانقياد التّامّ لله تعالى أمرا ونهيا واعتقادا وقولا وعملا، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله يحلّ ما أحلّ الله ويحرّم ما حرّم، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرّفاته كلّها لشرع الله متجرّدا من حظوظ نفسه، ونوازع هواه، ليستوي في هذا الفرد والجماعة، والرّجل والمرأة فلا يكون عابدا لله من خضع لربّه في بعض جوانب حياته وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى، وهذا المعنى يؤكّده قول الله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى   (1) المعظم: أي معظم التابعين والمفسرين. وسنذكر هذه الآراء بشيء من التفصيل في «الآثار» الواردة في هذه الصفة. (2) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطى (ج 2 90- 91) . (3) الفتاوى 19/ 113 (بتصرف يسير) . (4) الفتاوى 7/ 254. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1709 يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً وقال سبحانه وتعالى أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وما روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعا لما جئت به» . فلا يتمّ إيمان العبد إلّا إذا آمن بالله ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كلّ شأن من شئونه في الأنفس والأموال والأعراض، وإلّا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فمن خضع لله سبحانه وتعالى، وأطاعه وتحاكم إلى وحيه فهو العابد له ومن خضع لغيره وتحاكم إلى غير شرعه فقد عبد الطّاغوت، وانقاد له كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً والعبوديّة لله وحده والبراءة من عبادة الطّاغوت والتّحاكم إليه من مقتضى شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو ربّ النّاس وإلههم، وهو الّذي خلقهم، وهو الّذي يأمرهم وينهاهم ويحييهم ويميتهم ويحاسبهم، ويجازيهم وهو المستحقّ للعبادة دون كلّ ما سواه، قال تعالى أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فكما أنّه الخالق وحده فهو الأمر سبحانه والواجب طاعة أمره، وقد حكى الله عن اليهود أنّهم اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، لمّا أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، قال الله تعالى اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (التوبة/ 31) ، وقد روي عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّه ظنّ أنّ عبادة الأحبار والرّهبان إنّما تكون في الذّبح لهم، والنّذر لهم والسّجود والرّكوع لهم فقط وذلك عند ما قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسلما وسمعه يقرأ هذه الآية فقال: يا رسول الله إنّا لسنا نعبدهم يريد بذلك النّصارى، حيث كان نصرانيّا قبل إسلامه قال صلّى الله عليه وسلّم: «أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ويحلّون ما حرّم فتحلّونه» . قال: بلى قال: «فتلك عبادتهم» . قال ابن كثير في تفسيره: ولهذا قال تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً أي الّذي إذا حرّم الشّيء فهو الحرام، وما حلّله فهو الحلال، وما شرعه اتّبع وما حكم به نفّذ لا إله إلّا هو سبحانه عمّا يشركون أي تعالى، وتقدّس، وتنزّه عن الشّركاء والنّظراء والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلّا هو ولا ربّ سواه. إذا علم أنّ التّحاكم إلى شرع الله من مقتضى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فإنّ التّحاكم إلى الطّواغيت والرّؤساء والعرّافين ينافي الإيمان بالله- عزّ وجلّ- وهو كفر وظلم وفسق يقول الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1710 ويقول: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ويقول وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ وبيّن تعالى أنّ الحكم بغير ما أنزل الله حكم الجاهلين، وأنّ الإعراض عن حكم الله تعالى سبب في حلول عقابه وبأسه الّذي لا يردّ عن القوم الظّالمين، يقول سبحانه: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وإنّ القارى لهذه الآية والمتدبّر لها، يتبيّن له أنّ الأمر بالتّحاكم إلى ما أنزل الله أكّد بمؤكّدات ثمانية؛ الأوّل: الأمر به في قوله تعالى وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ الثّاني: أن لا تكون أهواء النّاس ورغباتهم مانعة من الحكم به بأيّ حال من الأحوال، وذلك في قوله وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ. الثّالث: التّحذير من عدم تحكيم شرع الله في القليل والكثير والصّغير والكبير، يقول سبحانه وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ. الرّابع: أنّ التّولّي عن حكم الله وعدم قبول شيء منه ذنب عظيم موجب للعقاب الأليم، قال تعالى فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ. الخامس: التّحذير من الاغترار بكثرة المعرضين عن حكم الله؛ فإنّ الشّكور من عباد الله قليل، يقول تعالى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ. السّادس: وصف حكم بغير ما أنزل الله بأنّه حكم الجاهليّة يقول سبحانه أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ. السّابع: تقرير المعنى العظيم بأنّ حكم الله أحسن الأحكام وأعدلها، يقول عزّ وجلّ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً. الثّامن: إنّ مقتضى اليقين هو العلم بأنّ حكم الله هو خير الأحكام وأكملها وأتمّها وأعدلها وأنّ الواجب الانقياد له مع الرّضا والتّسليم، يقول سبحانه وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وهذه المعاني الموجودة في آيات كثيرة من القرآن تدلّ عليها أقوال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأفعاله فمن ذلك قول الله سبحانه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وقوله فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية، وقوله: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وقوله: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وروي عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعا لما جئت به» «1» . وقوله صلّى الله عليه وسلّم لعديّ بن حاتم: «أليس يحلّون ما حرّم الله فتحلّونه ويحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم» وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لبعض من جادله في بعض المسائل: «يوشك أن تنزّل عليكم حجارة من السّماء أقول قال   (1) قال النووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1711 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر» ، ومعنى هذا أنّ العبد يجب عليه الانقياد التّامّ لقوله تعالى، وقول رسوله وتقديمهما على قول كلّ واحد، وهذا أمر معلوم من الدّين بالضّرورة. وإذا كان من مقتضى رحمته وحكمته سبحانه وتعالى أن يكون التّحاكم بين العباد بشرعه ووحيه؛ لأنّه المنزّه عمّا يصيب البشر من الضّعف والهوى والعجز والجهل، فهو سبحانه الحكيم العليم اللّطيف الخبير، يعلم أحوال عباده وما يصلحهم، وما يصلح لهم في حاضرهم ومستقبلهم، ومن تمام رحمته أن تولّى الفصل بينهم في المنازعات والخصومات وشئون الحياة، ليتحقّق لهم العدل والخير والسّعادة بل والرّضا والاطمئنان النّفسيّ، والرّاحة القلبيّة، ذلك أنّ العبد إذا علم أنّ الحكم الصّادر في القضيّة الّتي يخاصم فيها، هو حكم الله الخالق العليم الخبير، قبل ورضي وسلّم حتّى ولو كان الحكم خلاف ما يهوى ويريد، بخلاف ما إذا علم أنّ الحكم صادر من أناس بشر مثله، لهم أهواؤهم وشهواتهم، فإنّه لا يرضى ويستمرّ في المطالبة والمخاصمة ولذلك لا ينقطع النّزاع ويدوم الخلاف، وأنّ الله سبحانه وتعالى إذ يوجب على العباد التّحاكم إلى وحيه رحمة بهم وإحسانا إليهم، فإنّه سبحانه بيّن الطّريق العامّ لذلك أتمّ بيان وأوضحه بقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء/ 58، 59) . والآية وإن كان فيها التّوجيه العام للحاكم والمحكوم والرّاعي والرّعيّة؛ فإنّ فيها مع ذلك توجيه القضاة والحكّام إلى الحكم بالعدل، فقد أمرهم بأن يحكموا بالعدل، وأمر المؤمنون أن يقبلوا ذلك الحكم الّذي هو مقتضى- ما شرعه الله سبحانه وأنزله على رسوله، وأن يردّوا الأمر إلى الله ورسوله في حال التّنازع والاختلاف. وممّا تقدّم يتبيّن لك أيّها المسلم أنّ تحكيم شرع الله، والتّحاكم إليه ممّا أوجبه الله ورسوله، وأنّه مقتضى العبوديّة لله والشّهادة بالرّسالة لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأنّ الإعراض عن ذلك أو شيء منه، موجب لعذاب الله وعقابه وهذا الأمر سواء بالنّسبة لما تعامل به الدّولة رعيّتها أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كلّ مكان وزمان وفي حال الاختلاف والتّنازع الخاصّ والعامّ سواء كان بين دولة وأخرى أو بين جماعة وجماعة، أو بين مسلم وآخر الحكم في ذلك كلّه سواء، فالله سبحانه له الخلق والأمر وهو أحكم الحاكمين، ولا إيمان لمن اعتقد أنّ أحكام النّاس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله أو تماثلها وتشابهها، أو تركها وأحلّ محلّها الأحكام الوضعيّة والأنظمة البشريّة، وإن كان معتقدا أنّ أحكام الله خير وأكمل وأعدل فالواجب على عامّة المسلمين وأمرائهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1712 وحكّامهم، وأهل الحلّ والعقد فيهم، أن يتّقوا الله- عزّ وجلّ- ويحكّموا شريعته في بلدانهم ويقوا أنفسهم ومن تحت ولايتهم عذاب الله في الدّنيا والآخرة، وأن يعتبروا بما حلّ في البلدان الّتي أعرضت عن حكم الله وسارت في ركاب من قلّد الغربيّين وأتّبع طريقتهم، من الإختلاف والتّفرّق وضروب الفتن وقلّة الخيرات وكون بعضهم يقتل بعضا، ولا يزال الأمر عندهم في شدّة، ولن تصلح أحوالهم ويرفع تسلّط الأعداء عليهم سياسيّا وفكريّا إلّا إذا عادوا إلى الله سبحانه، وسلكوا سبيله المستقيم الّذي رضيه لعباده وأمرهم به ووعدهم به جنّات النّعيم وصدق سبحانه إذ يقول مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (طه/ 124- 126) ، ولا أعظم من الضّنك الّذي عاقب الله به من عصاه ولم يستجب لأوامره فاستبدل أحكام المخلوق الضّعيف بأحكام الله ربّ العالمين، وما أسفه رأي من لديه كلام الله تعالى لينطق بالحقّ ويفصل في الأمور ويبيّن الطّريق ويهدي الضّالّ ثمّ ينبذه ليأخذ بدلا منه أقوال رجل من النّاس أو نظام دولة من الدّول، ألم يعلم هؤلاء أنّهم خسروا الدّنيا والآخرة فلم يحصّلوا الفلاح والسّعادة في الدّنيا، ولم يسلموا من عقاب الله وعذابه يوم القيامة. وقال الشّيخ عبد العزيز بن باز: أسأل الله أن يجعل كلمتي هذه مذكّرة للقوم ومنبّهة لهم للتّفكّر في أحوالهم والنّظر فيما فعلوه بأنفسهم وشعوبهم فيعودوا إلى رشدهم، ويلزموا كتاب الله وسنّة رسوله ليكونوا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّا وليرفع ذكرهم بين شعوب الأرض كما ارتفع به السّلف الصّالح والقرون المفضّلة من هذه الأمّة حتّى ملكوا الأرض وسادوا الدّنيا. ودانت لهم العباد، كلّ ذلك بنصر الله الّذي ينصر المؤمنين الّذين استجابوا له ولرسوله، ألا ليتهم يعلمون أيّ كنز أضاعوا، وأيّ جرم ارتكبوا، وما جرّوه على أممهم من البلاء والمصائب قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (الزخرف/ 44) ، وجاء في الحديث عنه صلّى الله عليه وسلّم ما معناه «أنّ القرآن يرفع من الصّدور والمصاحف في آخر الزّمان حين يزهد فيه أهله ويعرضون عنه تلاوة وتحكيما» فالحذر الحذر أن يصاب المسلمون بهذه المصيبة، أو تصاب بها أجيالهم المقبلة بسبب صنيعهم، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وأوجّه نصيحتي أيضا إلى أقوام من المسلمين يعيشون بينهم وقد علموا الدّين، وشرع ربّ العالمين، ومع ذلك لا زالوا يتحاكمون عند النّزاع إلى رجال يحكمون بينهم بعادات وأعراف ويفصلون بينهم بعبارات ومسجّعات مشابهين في ذلك صنيع أهل الجاهليّة الأولى وأرجو ممّن بلغته موعظتي هذه منهم أن يتوب إلى الله وأن يكفّ عن تلك الأفعال المحرّمة ويستغفر الله ويندم على مافات، وأن يتواصى مع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1713 إخوانه من حوله على إبطال كلّ عادة جاهليّة أو عرف مخالف لشرع الله؛ فإنّ التّوبة تجبّ ما قبلها والتّائب من الذّنب كمن لا ذنب له، وعلى ولاة أمور أولئك النّاس وأمثالهم أن يحرصوا على تذكيرهم وموعظتهم بالحقّ وبيانه لهم وإيجاد الحكّام الصّالحين بينهم ليحصل الخير بإذن الله ويكفّ عباد الله عن محارمه وارتكاب معاصيه وما أحوج المسلمين اليوم إلى رحمة ربّهم الّتي يغيّر الله بها حالهم ويرفعهم من حياة الذّلّ والهوان إلى حياة العزّ والشّرف، وأسأل الله بأسمائه الحسني، وصفاته العلى، أن يفتح قلوب المسلمين لتفهم كلامه وتقبل عليه سبحانه، وتعمل بوحيه، وتعرض عمّا يخالف شرعه، وتجعل الحكم والأمر له وحده، لا شريك له كما قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (يوسف/ 40) . وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدّين «1» . الحكم في القرآن الكريم: وردت «الحكم» في القرآن على نيّف وعشرين وجها نذكر منها: حكم الله تعالى أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (التين/ 8) . حكم نوح في شفاعة ابنه وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (هود/ 45) «2» وحكم يوسف الصّدّيق بتعبير الرّؤيا لأهل الأسجان إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ (يوسف/ 67) . وحكم إخوة يوسف عند توقّف بعضهم عن الرّواح إلى كنعان حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي (يوسف/ 80) . وحكم سيّد الأنبياء بما تضمّنه القرآن وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (المائدة/ 49) . وحكم من الله بالحقّ إذا اختلف المختلفان وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ (الشورى/ 10) . وحكم بتقديم الأرواح وتأخيرها من الرّحمن وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (الرعد/ 41) . وحكم بتخليد الكفّار في النّيران إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (غافر/ 48) . الحكم الجاهليّ الّذي طلبه الجهّال من أهل الكفر والطّغيان أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ (المائدة/ 50) . الحكم في القيامة بين جميع الإنس والجانّ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (النحل/ 124) . حكم الكفّار في دعوى مساواتهم مع أهل الإيمان ساءَ ما يَحْكُمُونَ (الأنعام/ 136) ، وقوله سبحانه ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (الصافات/ 154) . وعدّد الإمام الفيروز آباديّ مواضع أخرى للحكم يرجع إليها كاملة في بصائر ذوي التّمييز «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإيمان- الحكمة- الولاء والبراء- الإسلام- التقوى- تعظيم الحرمات- العدل والمساواة- الأمانة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الابتداع- الحكم بغير ما أنزل الله- انتهاك الحرمات- موالاة الكفار- العصيان الشرك- الخيانة- الغي والإغواء- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- الإعراض- التفريط والإفراط] .   (1) انظر رسالة الحكم بما أنزل الله لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز. (2) والمراد حكم الله في ردّ شفاعته لابنه لأنه عمل غير صالح. (3) انظر بصائر ذوي التمييز (2/ 488- 490) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1714 الآيات الواردة في «الحكم بما أنزل الله» الأمر بالحكم بما أنزل الله: 1- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) «1» الأمر بالحكم بالعدل وما في معناه من القسط والحق: 2- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «2» 3- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «3» 4- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) «4» 5- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ   (1) المائدة: 48- 49 مدنية (2) البقرة: 213 مدنية (3) النساء: 58- 59 مدنية (4) النساء: 105- 106 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1715 فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «1» الحكم بما أنزل الله يشمل الشرائع: 6- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «2» 7- وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) «3» 8- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) «4» الحكم لله وحده في الدنيا والآخرة: 9- وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) «5» 10- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) «6» 11- الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) «7» 12- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) «8» 13- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61)   (1) المائدة: 41- 42 المائدة (2) آل عمران: 23- 24 مدنية (3) المائدة: 43 مدنية (4) ص: 26 مكية (5) البقرة: 113 مدنية (6) آل عمران: 55 مدنية (7) النساء: 141 مدنية (8) الأنعام: 57 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1716 ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) «1» 14- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) «2» 15- وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) «3» 16- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109) «4» 17- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) «5» 18- يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) «6» 19- وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) «7» 20- قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) «8» 21- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) «9»   (1) الأنعام: 61- 62 مكية (2) الأنعام: 114 مكية (3) الأعراف: 87 مكية (4) يونس: 108- 109 مكية (5) هود: 45 مكية (6) يوسف: 39- 40 مكية (7) يوسف: 67 مكية (8) يوسف: 78- 80 مكية (9) الرعد: 41 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1717 22- إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) «1» 23- وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) «2» 24- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «3» 25- اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) «4» 26- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) «5» 27- وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) «6» 28- وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) «7» 29- أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «8» 30- قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) «9» 31- قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) «10» 32- وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47)   (1) النحل: 124 مكية (2) الكهف: 25- 26 مكية (3) الحج: 56- 57 مدنية (4) الحج: 69 مدنية (5) النمل: 76- 78 مكية (6) القصص: 70 مكية (7) القصص: 88 مكية (8) الزمر: 3 مكية (9) الزمر: 46 مكية (10) غافر: 11- 12 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1718 قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) «1» 33- وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) «2» 34- لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) «3» حكم النبي صلّى الله عليه وسلّم والرضا به من الإيمان: 35- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) «4» 36- وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) «5» حكم الأنبياء بين السابقين من أقوامهم: 37- وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) «6» 38- * وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) «7» حكم ذوي العدل من المسلمين: 39- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ   (1) غافر: 47- 48 مكية (2) الشورى: 10 مكية (3) التين: 4- 8 مكية (4) النساء: 65 مدنية (5) النور: 48- 51 مدنية (6) الأنبياء: 78 مكية (7) ص: 21- 22 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1719 ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) «1» حكم الجاهلية أو الطاغوت بما يطلبه الجهال: 40- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) «2» 41- أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «3» حكم الكفار في معتقدهم الباطل: 42- وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136) «4» 43- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) 43- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) «5» 44- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) «6» 45- وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (4) «7» 46- أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) «8»   (1) المائدة: 95 مدنية (2) النساء: 60 مدنية (3) المائدة: 50 مدنية (4) الأنعام: 136 مكية (5) يونس: 34- 35 مكية (6) النحل: 57- 59 مكية (7) العنكبوت: 3- 4 مكية (8) الصافات: 151- 154 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1720 47- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) «1» 48- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) «2» 49- أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) «3» الحكم بغير ما أنزل الله كفر أو ظلم أو فسق: 50- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) «4» 51- وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) «5» الحكم بمعنى (الفهم) أو النبوة: 52- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) «6» 53- أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) «7»   (1) الجاثية: 21 مكية (2) القلم: 34- 36 مكية (3) القلم: 39- 41 مكية (4) المائدة: 44- 45 مدنية (5) المائدة: 47 مكية (6) آل عمران: 79- 80 مدنية (7) الأنعام: 89- 90 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1721 54- وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) «1» 55- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «2» 56- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) «3» 57- وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79) «4» 58- رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) «5» 59- وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) «6» 60- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) «7»   (1) يوسف: 21- 22 مكية (2) مريم: 12- 15 مكية (3) الأنبياء: 74- 75 مكية (4) الأنبياء: 78- 79 مكية (5) الشعراء: 84- 85 مكية (6) القصص: 12- 14 مكية (7) الجاثية: 16- 17 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1722 القرآن حكم لتضمنه للأحكام: 61- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «1» 62- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «2» الأمر بالصبر على حكم الله: 63- وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) «3» 64- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) «4» 65- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) . وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) «5» الله- عز وجل- حاكم بين الأنبياء وأقوامهم: 66- قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112) «6» ومما ورد في الحكم (معنى) بين الأنبياء وأقوامهم: 67- * قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «7» 68- قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) «8» 69- قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) «9»   (1) الرعد: 37 مدنية (2) الممتحنة: 10 مدنية (3) الطور: 48 مدنية (4) القلم: 48- 50 مكية (5) الإنسان: 23- 26 مدنية (6) الأنبياء: 112 مدنية (7) الأعراف: 88- 89 مكية (8) الشعراء: 116- 118 مكية (9) سبأ: 26 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1723 الأحاديث الواردة في (الحكم بما أنزل الله) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل «اللهمّ لك الحمد أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيّوم السّماوات والأرض ولك الحمد، أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ، أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت) * «1» 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سعد فأتاه على حمار، فلمّا دنا قريبا من المسجد، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للأنصار «قوموا إلى سيّدكم» (أو خيركم) ، ثمّ قال «إنّ هؤلاء نزلوا على حكمك» قال: تقتل مقاتلتهم وتسبي ذرّيّتهم. قال فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قضيت بحكم الله» ) * «2» 3- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجر» ) * «3» 4- * (عن سليمان بن بريدة عن أبيه. قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّرا أميرا على جيش أو سريّة، أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثمّ قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا «4» ولا تغدروا «5» ولا تمثلوا «6» ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام. فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين. وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحوّلوا منها، فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين. ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء. إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم؛ فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله وذمّة نبيّه «7» فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه،   (1) البخاري- الفتح 3 (1120) ، ومسلم (769) واللفظ له. (2) البخارى- الفتح 6 (3043) ، 7 (4121) ، ومسلم (1768) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 13 (7352) واللفظ له، ومسلم (1716) (4) تغلوا: من الغلول وهو الخيانة في المغنم أي لا تخونوا فى الغنيمة (5) لا تغدروا: أي ولا تنقضوا العهد. (6) ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان. (7) الذمة هنا العهد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1724 ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك، فإنّكم أن تخفروا «1» ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك. فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «2» 5- * (عن شريح بن هانئ قال: حدّثني هانئ ابن يزيد أنّه لمّا وفد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع قومه فسمعهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنّيت بأبي الحكم؟ قال: لا، ولكنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين قال: ما أحسن هذا، ثمّ قال: مالك من الولد؟ قلت لا لي شريح وعبد الله ومسلم بنو هانيء قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح قال: فأنت أبو شريح ودعا له ولولده) * «3» 6- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ سليمان بن داود صلّى الله عليه وسلّم لمّا بنى بيت المقدس سأل الله- عزّ وجلّ- خلالا ثلاثة: سأل الله- عزّ وجلّ- حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله- عزّ وجلّ- ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله- عزّ وجلّ- حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه «4» إلّا الصّلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمّه» ) * «5» 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنّما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينهما، فقالت الصّغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصّغرى» . قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسّكّين إلّا يومئذ وما كنّا نقول إلّا المدية) «6» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصّليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتّى لا يقبله أحد» ) * «7» 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من صاحب كنز لا يؤدّي   (1) تخفروا: أي تنقضوا العهد. (2) مسلم (1731) واللفظ له، والترمذي (1617) ، وأبو داود (2612، 2613) . (3) الأدب المفرد (811) واللفظ له، النسائي (8/ 226) أبو داود (4955) . وقال البغوي في شرح السنة: إسناده صحيح (12/ 344) ، والبيهقي فى السنة (243/ 244) ، الحاكم (4/ 279) وصححه الألباني في صحيح الجامع (الحديث 1845) . (4) لا ينهزه: أي لا يدفعه. (5) النسائي (2/ 34) واللفظ له، وأحمد (2/ 176) وابن ماجه (1408) ، والحاكم (2/ 434) وجامع الأصول (8/ 520) وقال محققه: حديث صحيح. (6) البخاري- الفتح 6 (3427) واللفظ له، ومسلم (1720) والنسائي 8 (235) . (7) البخاري- الفتح 4 (2222) واللفظ له، 6 (3448) ومسلم (155) كتاب الإيمان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1725 زكاته إلّا أحمي عليه في نار جهنّم. فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه. حتّى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار. وما من صاحب إبل لا يؤدّي زكاتها إلّا بطح لها بقاع قرقر «1» ، كأوفر ما كانت تستنّ عليه، كلّما مضى عليه أخراها ردّت عليه أولاها، حتّى يحكم الله بين عباده. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار. وما من صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها إلّا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت، فتطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها. ليس فيها عقصاء «2» ولا جلحاء «3» ، كلّما مضى عليه أخراها ردّت عليه أولاها. حتّى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ممّا تعدّون. ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» ... الحديث) * «4» 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا عشيّة الجمعة في المسجد، قال: فقال رجل من الأنصار: أحدنا «5» رأى مع امرأته رجلا فقتله، قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ؟. والله لئن أصبحت صالحا لأسألنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فسأله، فقال: يا رسول الله إن أحدنا رأى مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ، اللهمّ احكم؟ قال: فأنزلت آية اللّعان قال: فكان ذاك الرّجل أوّل من ابتلي به) * «6» الأحاديث الواردة في (الحكم بما أنزل الله) معنى 11- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل ما يقضى بين النّاس، يوم القيامة، في الدّماء» ) * «7» 12- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئا بقوله فإنّما أقطع له قطعة من النّار، فلا يأخذها) * «8» 13- * (عن أبي هريرة وزيد بن خالد- رضي الله عنهما- أنّ رجلين اختصما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر- وهو أفقههما- أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب   (1) بقاع قرقر: هو المكان المستوي. (2) العقصاء: الملتوية القرنين. (3) الجلحاء: هي التي لا قرن لها. (4) مسلم (987) واللفظ له، والبخاري- الفتح 3 (1402) ، وأبو داود (1958) ، والنسائي (5/ 12- 14) وأحمد (2/ 383) . (5) بحذف أداة الشرط وتقديرها: إن أحدنا رأى ... ويؤيده قوله بعد ذلك: إن أحدنا رأى. (6) مسلم (1495) ، مسند أحمد (1/ 421، 422) واللفظ له وأبو داود (2253) ، وابن ماجه (2068) (7) متفق عليه، البخاري- الفتح 12 (6864) ، ومسلم (1678) ، والترمذي (1396) ، والنسائي (7/ 83) (8) البخاري- الفتح 5 (2680) ، ومسلم (1713) متفق عليه، وأحمد (6/ 307) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1726 الله، وأذن لي أن أتكلّم. قال: «تكلّم، قال: إنّ ابني كان عسيفا على هذا- قال مالك: والعسيف الأجير- زنى بامرأته، فأخبروني أنّ على ابني الرّجم، فافتديت منه بمائتي شاة وجارية لي، ثمّ إنّي سألت أهل العلم فأخبروني أنّ ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنّما الرّجم على امرأته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّا والّذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله: أمّا غنمك وجاريتك فردّ عليك، وجلد ابنه مائة وغرّبه عاما، وأمر أنيسا الأسلميّ أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها» ) * «1» . 14- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: لمّا رجعت مهاجرة الحبشة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا تحدّثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟» قال فتية منهم: يا رسول الله بينا نحن جلوس مرّت علينا عجوز من عجائزهم، تحمل على رأسها قلّة من ماء، فمرّت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمّ دفعها على ركبتيها، فانكسرت قلّتها، فلمّا ارتفعت التفتت إليه، ثمّ قالت: ستعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسيّ وجمع الأوّلين والآخرين وتكلّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غدا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدقت ثمّ صدقت، كيف يقدّس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم» ) * «2» . 15- * (عن أبي بريدة عن أبيه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: القضاة ثلاثة: واحد في الجنّة، واثنان في النّار، فأمّا الّذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم فهو في النّار، ورجل قضى للنّاس على جهل فهو في النّار» ) * «3» . 16- * (عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبو بكرة إلى أبيه، وكان بسجستان، بأن لا تقض بين اثنين وأنت غضبان، فإنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان» ) * «4» . 17- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قضى بين رجلين، فقال المقضيّ عليه لمّا أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ردّوا عليّ الرّجل) فقال: «ما قلت؟» قال: قلت حسبي الله ونعم الوكيل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6633، 6634) واللفظ له، مسلم (1697، 1698) . (2) ابن ماجه (4010) أبو يعلى (2003) الحاكم (3/ 256) . قال الإمام الذهبي في العلو للعلى الغفار (ص 68) بعد أن ساق الإسناد: إسناده صالح، وقال محقق الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: حديث قوي بشواهده (11/ 444) برقم (5058) . (3) أبو داود (3573) واللفظ له، والترمذي (1322) ، وابن ماجه (2315) ، وصححه الحاكم (4/ 90) ووافقه الذهبى، وجامع الأصول (10/ 166) وقال محققه: هو حديث صحيح. (4) البخاري- الفتح 13 (7158) واللفظ له، مسلم (1717) والترمذي (1334) وأبو داود (3589) والنسائي (8/ 237، 238) . (5) أحمد (6/ 24- 25) واللفظ له، أبو داود (3627) ، النسائي عمل اليوم والليلة (626) ، ابن السنى في عمل اليوم والليلة (351) ، وفي سنده: سيف. قال النسائي: سيف لا أعرفه انتهى. وقال مخرج عمل اليوم والليلة للنسائي (403) سيف هو الشامي، وقد وثقه العجلي، وباقي رواة الحديث من رجال مسلم، ثمّ قال: فالحديث حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1727 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أمير عشرة إلّا يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتّى يفكّ عنه العدل أو يوبقه الجور) * «1» . 19- * (عن زهير- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ المقسطين عند الله، على منابر من نور، عن يمين الرّحمن عزّ وجلّ. وكلتا يديه يمين؛ الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) * «2» . 20- * (عن مجاهد عن مولاه أنّه حدّثه أنّه كان فيمن يبني الكعبة في الجاهليّة قال: ولي حجر أنا نحتّه بيديّ أعبده من دون الله تبارك وتعالى فأجيء باللّبن الخاثر الّذي أنفسه على نفسي فأصبّه عليه، فيجيء الكلب فيلحسه ثمّ يشعر فيبول، فبنينا حتّى بلغنا موضع الحجر وما يرى الحجر أحد فإذا هو وسط حجارتنا مثل رأس الرّجل يكاد يتراءى منه وجه الرّجل: فقال بطن من قريش: نحن نضعه، وقال آخرون: نحن نضعه، فقالوا: اجعلوا بينكم حكما، قالوا: أوّل رجل يطلع من الفجّ فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: أتاكم الأمين فقالوا له، فوضعه في ثوب ثمّ دعا بطونهم فأخذوا بنواصيه معه فوضعه هو صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحكم بما أنزل الله) 21- * (عن سلمة بن صخر البياضيّ. قال: كنت امرأ أصيب من النّساء ما لا يصيب غيري، فلمّا دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا تتايع «4» بي حتّى أصبح، فظاهرت منها حتّى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشّف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت «5» عليها، فلمّا أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال «أنت بذاك يا سلمة» ؟ قلت: أنا بذاك يا رسول الله مرّتين، وأنا صابر لأمر الله فاحكم فيّ ما أراك الله قال: «حرّر رقبة» قلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي، قال «فصم شهرين متتابعين» قال: وهل أصبت الّذي أصبت إلّا من الصّيام؟ قال:   (1) أحمد (2/ 431) ، وقال محقق شرح السنة للبغوي: إسناده حسن (10/ 59) واللفظ له، والترغيب والترهيب (3/ 139) وجود إسناده. (2) مسلم (1827) واللفظ له. (3) أحمد (3/ 420) ، وأشار إليه ابن حجر في الفتح 4/ 185 و8/ 146 وكذلك في جمع الفوائد 1/ 522/ 3712، وقال فيه هلال بن حبان وهو ثقة وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح. (4) التتايع: التهافت في الشر واللجاج فيه. (5) نزوت عليها: وثبت عليها، أراد: الجماع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1728 «فأطعم وسقا «1» من تمر بين ستّين مسكينا» قلت: والّذي بعثك بالحقّ لقد بتنا وحشين «2» ما لنا طعام قال: «فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستّين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيّتها» فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضّيق وسوء الرّأي، ووجدت عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّعة وحسن الرّأي، وقد أمرني- أو أمر لي- بصدقتكم) * «3» . 22- * (عن عروة بن الزّبير أنّ الزّبير كان يحدّث «أنّه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شراج «4» من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك» فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله أن كان ابن عمّتك «5» ، فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «اسق ثمّ احبس حتّى يبلغ الجدر» ، فاستوعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ حقّه للزّبير، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأي سعة له وللأنصاريّ فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة قال الزّبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء/ 65)) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحكم بما أنزل الله) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) قال: «من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقرّ به ولم يحكم فهو ظالم فاسق» ) * «7» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «كان أبو برزة الأسلميّ كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ إلى قوله إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (النساء/ 60- 62) » ) * «8» .   (1) الوسق: ستون صاعا، والصاع: أربعة أمداد، والمد، رطل وثلث بالعراقي أو رطلان. (2) وحشين: جائعين. (3) أبو داود (2213) واللفظ له، وابن ماجه (2062) ، والترمذي (1200) ، وابن خزيمة (2378) والدارمي (2273) ، وجامع الأصول (7/ 647) وقال محققه: حديث حسن. (4) الشراج: سيل الماء. (5) أي فعلت هذا لكونه ابن عمتك. (6) البخاري- الفتح 5 (2708) واللفظ له، ومسلم (2357) . (7) تفسير الطبري (6/ 166) . (8) المرجع السابق (6/ 166) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1729 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ قال: الطّاغوت «رجل من اليهود كان يقال له: كعب ابن الأشرف وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرّسول ليحكم بينهم قالوا: بل يحاكمهم إلى كعب، فذلك قوله (يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت) * «1» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان قريظة والنّضير، وكان النّضير أشرف من قريظة. فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النّضير قتل به، وإذا قتل رجل من النّضير رجلا من قريظة فودي بمائة وسق من تمر، فلمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قتل رجل من النّضير رجلا من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا بيننا وبينكم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتوه فنزلت وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (المائدة: 42) والقسط النّفس بالنّفس ثمّ نزلت: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ (المائدة/ 50) * «2» . 5- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: ما ظهر الغلول «3» في قوم قطّ إلّا ألقي في قلوبهم الرّعب، ولا فشا الزّنى في قوم قطّ إلا كثر فيهم الموت. ولا نقص قوم المكيال والميزان إلّا قطع عنهم الرّزق، ولا حكم قوم بغير الحقّ إلا فشا فيهم الدّم، ولا ختر «4» قوم بالعهد إلّا سلّط الله عليهم العدوّ) * «5» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ (النساء/ 19) ، وذلك أنّ الرّجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتّى تموت أو تردّ إليه صداقها، فنهى الله عن ذلك) * «6» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: نسخت من هذه السّورة فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قال: فكان مخيّرا حتّى أنزل الله وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحكم بينهم بما في كتاب الله) * «7» . 8- * (قال رجل لابن عبّاس- رضي الله عنهما- في هذه الآيات: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، فمن فعل هذا فقد كفر، قال ابن عبّاس إذا فعل ذلك فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وبكذا وبكذا ... » ) * «8» . 9- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: اشتكى سلمان. فعاده سعد فرآه يبكي. فقال له سعد: ما يبكيك؟ يا أخي؛ أليس قد صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أليس؟ أليس؟ قال: سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي ضنّا «9» للدّنيا ولا كراهية للآخرة ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ عهدا. قال: وما عهد   (1) الدر المنثور (2/ 582) . (2) أبو داود (4494) واللفظ له، والنسائي (8/ 18- 19) . (3) الغلول: الخيانة في الغنيمة. (4) ختر: غدر وقيل هو أقبح الغدر. (5) الموطأ، كتاب الجهاد حديث (26) ص (267) . (6) أبو داود (2090) ، كتاب النكاح، باب إذا أنكح الوليان. (7) الدر المنثور (3/ 97) . (8) تفسير الطبري (6/ 166) . (9) ضنّا: أي بخلا بذهابها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1730 إليك؟ قال: عهد إليّ أنّه يكفي أحدكم مثل زاد الرّاكب. ولا أراني إلّا قد تعدّيت. وأمّا أنت يا سعد، فاتّق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همّك إذا هممت) * «1» . 10- * (عن عبيد الله بن أبي رافع، مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ الحروريّة لمّا خرجت، وهو مع عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قالوا: لا حكم إلّا لله. قال عليّ: كلمة حقّ أريد بها باطل، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصف ناسا إنّي لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحقّ بألسنتهم لا يجوز هذا منهم (وأشار إلى حلقه) من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة «2» أو حلمة ثدي» . فلمّا قتلهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه- قال: انظروا. فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال: ارجعوا فو الله ما كذبت ولا كذبت مرّتين أو ثلاثا. ثمّ وجدوه في خربة فأتوا به حتّى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله. وأنا حاضر ذلك من أمرهم، وقول عليّ فيهم) * «3» . 11- * (عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله- «أنّ مسلما ويهوديّا اختصما إلى عمر، فرأى الحقّ لليهوديّ فقضى له عمر به، فقال له اليهوديّ: لقد قضيت بالحقّ، فضربه عمر بالدّرّة، فقال: وما يدريك؟ فقال اليهوديّ: والله إنّا نجد في التّوراة أنّه ليس من قاض يقضي بالحقّ إلّا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسدّدانه، ويوفّقانه للحقّ، مادام مع الحقّ، فإذا ترك الحقّ عرجا وتركاه» ) * «4» . 12- * (عن يحيى بن سعيد أنّ أبا الدّرداء كتب إلى سلمان الفارسيّ- رضي الله عنهما-: أن هلمّ إلى الأرض المقدّسة، فكتب إليه سلمان: إنّ الأرض لا تقدّس أحدا. وإنّما يقدّس الإنسان عمله، وقد بلغني أنّك جعلت طبيبا تداوي. فإن كنت تبرأ فنعمّا لك، وإن كنت متطبّبا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النّار. فكان أبو الدّرداء إذا قضى بين اثنين ثمّ أدبرا عنه نظر إليهما، فقال: متطبّب «5» والله، ارجعا إليّ، أعيدا عليّ قصّتكما) * «6» . 13- * (أخرج عبد بن حميد عمّ سعيد بن جبير في أهل الذّمّة يرتفعون إلى حكّام المسلمين قال: يحكم بينهم بما أنزل الله) * «7» . 14- * (سئل سعيد بن جبير عن هذه الآيات في المائدة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ* ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* ... فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. فقلت: زعم قوم أنّها نزلت في بني إسرائيل ولم تنزل علينا،   (1) ابن ماجه (4104) كتاب الزهد. (2) طبي شاة: ضرع الشاة، وهو فيها مجاز وأصله للكلبة والسباع. (3) مسلم (157) كتاب الزكاة، باب (48) . (4) الموطأ (2/ 553) . (5) المتطبب: كناية عن القضاء والحكم بين الخصوم لأن القاضي بمنزلة الطبيب لإصلاح البدن. (6) الموطأ (2/ 769) . قال الزرقاني في «شرح الموطأ» : لكن أخرجه الدينوري في «المجالسة» من وجه آخر عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن هبيرة. (7) الدر المنثور، للسيوطي (3/ 48) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1731 قال: اقرأ ما قبلها واقرأ ما بعدها، فقرأت عليه فقال: لا، بل نزلت علينا، ثمّ لقيت مقسما مولى ابن عبّاس فسألته عن هذه الآيات الّتي في المائدة، قلت: زعم قوم أنّها نزلت على بني إسرائيل ولم تنزل علينا قال: إنّه نزل على بني إسرائيل ونزل علينا وما نزل علينا وعليهم فهو لهم ولنا، ثمّ دخلت على عليّ بن الحسين فسألته عن هذه الآيات الّتي في المائدة، وحدّثته أنّي سألت عنها سعيد بن جبير ومقسما قال: فما قال مقسم؟ فأخبرته بما قال. قال: صدق، ولكنّه كفر ليس ككفر الشّرك، وفسق ليس كفسق الشّرك، وظلم ليس كظلم الشّرك فلقيت سعيد بن جبير فأخبرته بما قال، فقال سعيد بن جبير لابنه: كيف رأيته؟ لقد وجدت له فضلا عليك وعلى مقسم) * «1» . 15- * (أخرج حميد عن قتادة في قوله تعالى أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ قال: «هذا في قتيل اليهود، (وأصله) أنّ أهل الجاهليّة كان يأكل شديدهم ضعيفهم وعزيزهم ذليلهم» ) * «2» . 16- * (أخرج عبد الرّزاق وغيره عن النّخعيّ في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ... الآيات. قال: «نزلت الآيات في بني إسرائيل ورضي الله لهذه الأمّة بها» ) * «3» . 17- * (أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم قال: «ذكرت هذه الآيات عند حذيفة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ والظَّالِمُونَ، والْفاسِقُونَ فقال رجل: إنّ هذا في بني إسرائيل، قال: حذيفة: نعم الأخوّة لكم بنو إسرائيل أن كان لكم كلّ حلوة ولهم كلّ مرّة، كلّا، والله لتسلكنّ طريقهم قدر الشّراك» ) * «4» . 18- * (روي عن الحسن في قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ قال: «نزلت في اليهود وهي علينا واجبة» ) * «5» . 19- * (عن أبي مجلز في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ. فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) قال: نعم. قالوا فهؤلاء يحكمون بما أنزل الله، قال: نعم. هو دينهم الّذي به يحكمون بما أنزل الله، قال: نعم، هو دينهم الّذي به يحكمون، والّذي به يتكلّمون، وإليه يدعون، فإذا تركوا فيه شيئا علموا أنّه جور منهم إنّما هذه اليهود والنّصارى والمشركون الّذين لا يحكمون بما أنزل الله» ) * «6» . 20- * (عن الشّعبيّ قال: «آية فينا وآيتان في أهل الكتاب، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ فينا وفيهم» ) * «7» . 21- * (عن الشّعبيّ قال: «كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فجعل اليهوديّ يدعوه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأنّه قد علم أنّه لا يأخذ   (1) الدر المنثور (3/ 88- 89) . (2) المرجع السابق (6/ 97) . (3) الدر المنثور للسيوطي (6/ 87) . (4) تفسير الطبري (6/ 164) . (5) الدر المنثور (6/ 88) . (6) المرجع السابق (6/ 88) . (7) تفسير الطبري (6/ 165) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1732 الرّشوة في الحكم، ثمّ اتّفقا على أن يتحاكما إلى كاهن في جهينة فنزلت الآية الكريمة أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ إلى قوله تعالى وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء/ 60- 65) * «1» . 22- * (عن طاوس في قوله تعالى: فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ. قال: «كفر لا ينقل عن الملّة» ) * «2» . 23- * (أخبر الثّوريّ عن منصور عن إبراهيم (النّخعيّ) قال: «نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضي لهذه الأمّة بها» ) * «3» . 24- * (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (المائدة/ 48) : أي فاحكم يا محمّد بين النّاس عربهم وعجمهم أمّيّهم وكتابيّهم بما أنزل الله إليك من هذا الكتاب العظيم وبما قرّره لك من حكم من قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك) * «4» . 25- * (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء/ 65) . يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدّسة أنّه لا يؤمن أحد حتّى يحكّم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحقّ الّذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا، ولهذا قال ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً أي إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا ممّا حكمت به وينقادون له في الظّاهر والباطن فيسلّمون لذلك تسليما كلّيّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة) * «5» . 26- * (قال الشّوكانيّ- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ: إنّ الله سبحانه ضمّ إلى التّحكيم أمرا آخر، وهو عدم وجود حرج، أي حرج في صدورهم، فلا يكون مجرّد التّحكيم والإذعان كافيا حتّى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان وانثلاج قلب وطيب نفس، ثمّ لم يكتف بهذا كلّه بل ضمّ إليه قوله وَيُسَلِّمُوا: أي يذعنوا وينقادوا ظاهرا وباطنا، ثمّ لم يكتف بذلك، بل ضمّ إليه المصدر المؤكّد فقال تَسْلِيماً فلا يثبت الإيمان لعبد حتّى يقع منه هذا التّحكيم، ولا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه، ويسلّم لحكم الله وشرعه، تسليما لا يخالطه ردّ ولا تشوبه مخالفة) * «6» .   (1) الدر المنثور (2/ 580) . (2) تفسير الطبري (6/ 166) . (3) المرجع السابق (6/ 166) . (4) تفسير ابن كثير (2/ 66) . (5) المرجع السابق (1/ 520) . (6) فتح القدير، للشوكاني (1/ 574) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1733 من فوائد (الحكم بما أنزل الله) (1) يكسب رضا الله والسّعادة في الدّارين. (2) من علامات اليقين بتشريع ربّ العالمين. (3) الحاكم بما أنزل الله لا يعدم أجرا أصاب أم أخطأ. (4) يحفظ لأهل الذّمّة حقوقهم. (5) الحكم بما أنزل الله من صفة النّبيّين والصّدّيقين (6) فيه منجاة من الفتن وخلاص من كلّ المحن. (7) فيه الرّدع للمجرمين والرّضا للمستضعفين. (8) فيه عصمة من أكل الحقوق وظلم النّاس. (9) هو أعلى أنواع التّعبّد وأسماها. (10) فيه أمان من الهوى والعجز. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1734 الحلم الحلم لغة: مصدر حلم فلان أي صار حليما، وهو مأخوذ من مادّة (ح ل م) الّتي تدلّ على ترك العجلة «1» ، يقال: حلمت عنه أحلم فأنا حليم، قال ابن فارس: الحلم خلاف الطّيش، وقال الجوهريّ الحلم (بالكسر) الأناة، وقيل هو: الأناة والعقل وهو نقيض السّفه وجمعه أحلام وحلوم، وفي التّنزيل العزيز أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا. وقولك: حلم (بالضّمّ) يحلم حلما: أي صار حليما. وتقول: تحلّم (مشدّدا) أي تكلّف الحلم قال المتلمّس: تحلّم عن الأذنين واستبق ودّهم ... ولن تستطيع الحلم حتّى تحلّما كما تقول: حلّمه تحليما: أي جعله حليما. وأحلمت المرأة: إذا ولدت الحلماء، والرّجل المحلّم: الّذي يعلّم الحلم. ويقال: حلم الرّجل في منامه يحلم حلما، إذا رأى رؤيا، وحلم يحلم حلما تأنّى وسكن عند غضب أو مكروه مع قدرة وقوّة «2» . لآيات الأحاديث الآثار 19 13 38 من أسماء الله الحسنى «الحليم» قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: الحليم: هو الّذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثمّ لا يستفزّه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش كما قال تعالى وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ «3» . وقال ابن منظور في معناه: والحليم في صفة الله عزّ وجلّ- معناه: الصّبور: وقيل: هو الّذي لا يستخفّه عصيان العصاة ولا يستفزّه الغضب عليهم، ولكنّه جعل لكلّ شيء مقدارا فهو منته إليه «4» . وقيل حلم الله: هو تأخيره العقوبة عن المستحقّ لها، فيؤخّر العقوبة عن بعض المستحقّين. ثمّ قد يعذّبهم، وقد يتجاوز عنهم، وقد يعجّل العقوبة لبعضهم «5» . وقال الزّجّاجيّ: يقال: حلم فلان عن فلان إذا لم يقابله على إساءته ولم يجازه عليها، فالله- عزّ   (1) لهذه المادة في اللغة معنيان آخران هما: تثقّب الشّيء والرؤية المنامية. انظر في هذين المعنيين وأمثلتهما: مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 93) . (2) لسان العرب (2/ 979- 981) ، والصحاح للجوهري (5/ 1903- 1904) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 93) . (3) المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى (103) ، والآية 61 من سورة النحل. (4) لسان العرب (980) (ط. دار المعارف) . (5) موسوعة له الأسماء الحسنى (1/ 182) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1735 وجلّ- حليم عن عباده؛ لأنّه يعفو عن كثير من سيّئاتهم ويمهلهم بعد المعصية ولا يعاجلهم بالعقوبة والانتقام ويقبل توبتهم بعد ذلك «1» . الحلم اصطلاحا: اختلف في الحلم اصطلاحا على أقوال أهمّها: الأوّل: قال الرّاغب: الحلم ضبط النّفس والطّبع عند هيجان الغضب «2» . الثّاني: قال الجاحظ: الحلم ترك الانتقام عند شدّة الغضب مع القدرة على ذلك «3» . الثّالث: قال الجرجانيّ: الحلم هو الطّمأنينة عند سورة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظّالم (أي مجازاته بظلمه) «4» . الرّابع: قال ابن المناويّ: الحلم هو احتمال الأعلى الأذى من الأدنى أو رفع المؤاخذة عن مستحقّها بالجناية في حقّ مستعظم. أو هو رزانة في البدن يقتضيها وفور العقل «5» . الحلم بالتحلم: قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-: الحلم منه ما يكون سجيّة وطبعا ومنه ما يكون تجربة وتكلّفا، ومنه ما يكون مركّبا منهما معا، وأوّل الحلم: المعرفة ثمّ التّثبّت، ثمّ العزم، ثمّ التّصبّر، ثمّ الصّبر، ثمّ الرّضا، ثمّ الصّمت، والإغضاء، وما الفضل إلّا للمحسن لمن أساء، فأمّا من أحسن إلى المحسن، وحلم عمّن لم يؤذه، فليس ذلك بحلم ولا إحسان، والنّاس بالنّسبة للمرء ضروب ثلاثة: رجل أعزّ منك ورجل أنت أعزّ منه، ورجل ساواك في العزّ، فالتّجاهل على من أنت أعزّ منه لؤم، وعلى من هو أعزّ منك جنف وعلى من هو مثلك هراش كهراش الكلبين، ونقار كنقار الدّيكين، ولا يفترقان إلّا عن الخدش والعقر والهجر ولا يكاد يوجد التّجاهل وترك التّجالم إلّا من سفيهين، وقد قيل: ما تمّ حلم ولا علم بلا أدب ... ولا تجاهل في قوم حليمان وما التّجاهل إلّا ثوب ذي دنس ... وليس يلبسه إلا سفيهان فالواجب على العاقل إذا غضب واحتدّ أن يذكر كثرة حلم الله عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعدّيه حرماته ثمّ يحلم ولا يخرجه غيظه إلى الدّخول في أسباب المعاصي. ولذلك قال محمّد بن السّعديّ لابنه عروة لمّا وليّ اليمن: إذا غضبت فانظر إلى السّماء فوقك وإلى الأرض تحتك، ثمّ عظّم خالقهما. والحلم على ضربين: أحدهما: ما يرد على النّفس من قضاء الله من المصائب الّتي امتحن الله بها عباده فيصبر العاقل تحت ورودها ويحلم عن الخروج إلى ما لا يليق بأهل العقل.   (1) اشتقاق أسماء الله للزجاجي (96) . (2) مفردات الراغب (129) ، وقد عرفه الماوردي (أدب الدنيا والدين (261) بالتعريف نفسه ولكنه لم يذكر الطبع. (3) تهذيب الأخلاق (23) . (4) التعريفات (92) . (5) التوقيف على مهمات التعريف (146) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1736 والآخر: ما يرد على النّفس بضدّ ما تشتهيه من المخلوقين فمن تعوّد الحلم فليس بمحتاج إلى التّصبّر لاستواء العدم والوجود عنده «1» . بيان الأسباب الدافعة للحلم: قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: الحلم من أشرف الأخلاق وأحقّها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد. وأسباب الحلم الباعثة عليه عشرة وهي: (1) الرّحمة للجهّال، وذلك من خير يوافق رقّة، وقد قيل في منثور الحكم: من أوكد أسباب الحلم رحمة الجهّال. (2) القدرة على الانتصار، وذلك من سعة الصّدر وحسن الثّقة. (3) التّرفّع عن السّباب، وذلك من شرف النّفس وعلوّ الهمّة. وقد قيل: إنّ الله تعالى سمّى نبيّه يحيى عليه السّلام سَيِّداً وذلك لحلمه ولذلك قال الشّاعر: لا يبلغ المجد أقوام وإن كرموا ... حتّى يذلّوا وإن عزّوا لأقوام ويشتموا فترى الألوان مسفرة ... لا صفح ذلّ ولكن صفح أحلام (4) الاستهانة بالمسيء، وذلك عن ضرب من الكبر ومن مستحسنه ما روي أنّ مصعب بن الزّبير لمّا وليّ العراق جلس يوما لعطاء الجند، وأمر مناديه فنادى: أين عمرو بن جرموز؟ وهو الّذي قتل أباه الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- فقيل له: إنّه قد تباعد في الأرض. فقال: أو يظنّ الجاهل أنّي أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمنا ليأخذ عطاءه موفّرا. (5) الاستحياء من جزاء الجواب، والباعث عليه صيانة النّفس وكمال المروءة، ولذلك قيل: ما أفحش حليم ولا أوحش كريم. (6) التّفضّل على السّابّ، ويبعث عليه الكرم وحبّ التّألّف، وقد حكي عن الأحنف بن قيس أنّه قال: ما عاداني أحد قطّ إلّا أخذت في أمري بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى منّي عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضّلت عليه. (7) استنكاف السّبابّ وقطع سببه، والباعث عليه الحزم، وقد قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: ما أدركت أمّي فأبرّها، ولكن لا أسبّ أحدا فيسبّها ولذلك قيل: في إعراضك صون أعراضك. وقد قال الشّاعر: وفي الحلم ردع للسّفيه عن الأذى ... وفي الخرق إغراء فلا تك أخرقا وقال آخر: قل ما بدا لك من زور ومن كذب ... حلمي أصمّ وأذني غير صمّاء   (1) من روضة العقلاء (208- 214) بتصرف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1737 (8) الخوف من العقوبة على الجواب، ويبعث عليه ضعف النّفس وربّما أوجبه الرّأي واقتضاه الحزم وقد قيل: الحلم حجاب الآفات. وقال الشّاعر في هذا: ارفق إذا خفت من ذي هفوة خرقا ... ليس الحليم كمن في أمره خرق (9) الرّعاية ليد سالفة وحرمة لازمة: والباعث عليه الوفاء وحسن العهد. (10) المكر وتوقّع الفرص الخفيّة: ويبعث عليه الدّهاء، وقد قال بعض الأدباء: غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله. قال إياس بن قتادة: تعاقب أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتّكلّم فهذه عشرة أسباب تدعو إلى الحلم، وبعض الأسباب أفضل من بعض، وإذا كان بعض أسبابه مفضولا؛ فإنّ ذلك لا يقتضي أنّ نتيجته من الحلم مذمومة، وإنّما الأولى بالإنسان أن يدعوه للحلم أفضل أسبابه، وإن كان الحلم كلّه فضلا، وإن عري الحلم عن أحد هذه الأسباب كان ذلّا ولم يكن حلما، ولذلك قال الشّاعر: من يدّعي الحلم أغضبه لتعرفه ... لا يعرف الحلم إلّا ساعة الغضب ومن أحكم أبيات في تدبير الحلم والغضب ما قال أبو حاتم: إذا أمن الجهّال جهلك مرّة ... فعرضك للجهّال غنم من الغنم فعمّ عليه الحلم والجهل والقه ... بمنزلة بين العداوة والسّلم إذا أنت جاريت السّفيه كما جرى ... فأنت سفيه مثله غير ذي حلم ولا تعضبن عرض السّفيه وداره ... بحلم فإن أعيا عليك فبالصّرم فيرجوك تارات ويخشاك تارة ... ويأخذ فيما بين ذلك بالحزم فإن لم تجد بدّا من الجهل فاستعن ... عليه بجهّال فذاك من العزم وقال الماورديّ: وهذه من أحكم أبيات وجدتها في تدبير الحلم والغضب، وهذا التّدبير إنّما يستعمل فيما لا يجد الإنسان بدّا من مقارفته ولا سبيل إلى اطّراحه ومتاركته، إمّا لخوف شرّه، أو للزوم أمره. وأمّا من أمكن اطّراحه، ولم يضرّ إبعاده فالهوان به أولى، والإعراض عنه أصوب، وهو في هذه الحال استفاد بتحريك الغضب فضائله وأمن بكفّ نفسه عن الانقياد له، وصار الحلم مدبّرا للأمور المغضبة، بقدر لا يعتريه نقص بعدم الغضب، ولا يلحقه زيادة بفقد الحلم ولو عزب عنه الحلم حتّى انقاد لغضبه ضلّ عنه وجه الصّواب فيه، وضعف رأيه عن خبرة أسبابه ودواعيه حتّى يصير بليد الرّأي مغمور الرّويّة مقطوع الحجّة مسلوب العزاء، قليل الحيلة مع ما يناله من أثر ذلك في نفسه وجسده حتّى يصير أضرّ عليه ممّا غضب له، فينبغي لذي اللّبّ السّويّ والحزم القويّ أن يتلقّى قوّة الغضب بحلمه فيصدّها، ويقابل دواعي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1738 شرّته بحزمه فيردّها ليسعد بحميد العاقبة «1» . بين الحلم وكظم الغيظ: قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: الحلم أفضل من كظم الغيظ؛ لأنّ كظم الغيظ عبارة عن التّحلّم أي تكلّف الحلم، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلّا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعوّد ذلك صار ذلك اعتيادا فلا يهيجه الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وهذا هو الحلم الطّبيعيّ، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوّة الغضب وخضوعها للعقل، ويكون ابتداؤه التّحلّم وكظم الغيظ تكلّفا ويعتاد ذلك حتّى يصير خلقا مكتسبا «2» . وقال الجاحظ: وهذه الحال (أي حال الحلم) محمودة ما لم تؤدّ إلى ثلم جاه أو فساد سياسة وهي بالرّؤساء والملوك أحسن؛ لأنّهم أقدر على الانتقام من مغضبهم، ولا يعدّ فضيلة حلم الصّغير عن الكبير وإن كان قادرا على مقابلته في الحال؛ فإنّه وإن أمسك فإنّما يعدّ ذلك خوفا لا حلما «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الرفق- الشفقة- الصبر والمصابرة- كظم الغيظ- اللين- التأني- حسن الخلق- حسن العشرة- حسن المعاملة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجهل- السفاهة- الطيش- العنف- الغضب- الفحش القسوة- الفضح- سوء المعاملة- سوء الخلق- العجلة] .   (1) أدب الدنيا والدين (303- 310) بتصرف. (2) إحياء علوم الدين (3/ 176) بتصرف. (3) تهذيب الأخلاق (23) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1739 الآيات الواردة في «الحلم» أولا: الحلم صفة لله تعالى: 1- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) «1» 2- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «2» 3- * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) «4» 5- وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)   (1) البقرة: 224- 225 مدنية (2) البقرة: 235 مدنية (3) البقرة: 263- 264 مدنية (4) آل عمران: 155- 158 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1740 تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) «1» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102) «2» 7- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «3» 8- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «4» 9- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50)   (1) النساء: 12- 14 مدنية (2) المائدة: 101- 102 مدنية (3) الإسراء: 41- 44 مكية (4) الحج: 56- 60 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1741 تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52) «1» 10- إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) «2» 11- إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «3» ثانيا: الحلم من صفة الأنبياء عليهم السلام: 12- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) «4» 13- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (19) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «5»   (1) الأحزاب: 50- 52 مدنية (2) فاطر: 41- 42 مكية (3) التغابن: 15- 18 مكية (4) التوبة: 113- 114 مدنية (5) هود: 69- 75 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1742 14- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) «1» 15- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)   (1) هود: 84- 88 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1743 وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) «1» الآيات الواردة في «الحلم معنى» 16- * وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) «2» 17- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) «3» 18- وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) «4» 19- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45) «5»   (1) الصافات: 75- 109 مكية (2) يونس: 11 مكية (3) النحل: 61 مكية (4) الكهف: 58 مكية (5) فاطر: 45 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1744 الأحاديث الواردة في (الحلم) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنّما تسفّهم الملّ «1» ولا يزال معك من الله ظهير «2» عليهم ما دمت على ذلك» ) * «3» 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ ناسا من عبد القيس قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا نبيّ الله إنّا حيّ من ربيعة وبيننا وبينك كفّار مضر. ولا نقدر عليك إلّا في أشهر الحرم فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنّة إذا نحن أخذنا به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم. وأنهاكم عن أربع. عن الدّبّاء «4» ، والحنتم «5» ، والمزفّت «6» ، والنّقير» . قالوا: يا نبيّ الله ما علمك بالنّقير؟ قال: «بلى جذع تنقرونه، فتقذفون فيه من القطيعاء «7» ثمّ تصبّون فيه من الماء، حتّى إذا سكن غليانه شربتموه حتّى إنّ أحدكم (أو إنّ أحدهم) ليضرب ابن عمّه بالسّيف- وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك. قال: وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فقلت: ففيم نشرب يا رسول الله؟ قال: «في أسقية الأدم الّتي يلاث على أفواهها «8» » . قالوا: يا رسول الله إنّ أرضنا كثيرة الجرذان ولا تبقى بها أسقية الأدم «9» ، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان» . وقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم لأشجّ عبد القيس: «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة» ) * «10» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو عند الكرب يقول: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات والأرض وربّ العرش العظيم» ) * «11» 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التّأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحلم» ) * «12»   (1) الملّ: الرماد الحار. (2) الظهير: المعين والدافع. (3) مسلم (2558) . (4) الدّبّاء: القرع وهو وعاء ينتبذ فيه. (5) الحنتم: الجرّة كانوا يشربون فيها الخمر. (6) المزفّت: الإناء الذي طلي بالزّفت. (7) القطيعاء: نوع من التمر صغير. (8) يلاث على أفواهها: يلف الخيط على أفواهها ويربط به (9) الأدم: بفتح الهمزة والدال: الجلد الذي تم دبغه. (10) مسلم (18) ، والبخاري- الفتح 1 (87) ، وسنن الترمذي (2011) وقال: حسن صحيح غريب، واللفظ له. (11) البخاري- الفتح 11 (6345) واللفظ له. ومسلم (2730) . وتمامه عنده: «لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم» . (12) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 118) . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 19) وقال: رواه أبو يلعى ورجاله رجال الصحيح، وله شاهد من حديث سهل بن سعد عند الترمذي رقم (2012) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1745 الأحاديث الواردة في (الحلم) معنى 5- * (عن عبد الله بن سرجس- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّمت الحسن والتّؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «1» . 6- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته» ) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «3» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوصني، قال: «لا تغضب» . فردّد مرارا قال: «لا تغضب» ) * «4» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحلم) 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» . ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه» ، قالوا: يا رسول الله، إلّا أمثل من سنّه، فقال: «أعطوه، فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء» ) * «5» . 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحكي: «نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «6» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتّى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدّة جبذته ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ ضحك ثمّ أمر له بعطاء» ) * «7» .   (1) الترمذي (2010) وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن (11/ 690) . (2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 232- 233) . وقال: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وحسن إسناده. في نسخ «الترغيب والترهيب» المطبوعة: «لمن ملك نفسه» والتصحيح من «المعجم الصغير» للطبراني (1/ 78) و «مجمع البحرين في زوائد المعجمين» (8/ 275) و «مجمع الزائد» (10/ 299) . (3) البخاري- الفتح 10 (6114) واللفظ له. ومسلم (2069) . (4) البخاري- الفتح 10 (6116) . (5) البخاري- الفتح 4 (2306) واللفظ له. ومسلم (1601) . (6) البخاري- الفتح 12 (6929) واللفظ له. ومسلم (1792) . (7) البخاري- الفتح 10 (5809) واللفظ له. ومسلم (1057) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1746 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «1» . 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: استأذن رهط من اليهود على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: السّام عليك. فقلت: بل عليكم السّام واللّعنة، فقال: يا عائشة: «إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» . قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «قلت: وعليكم» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحلم) 1- * (قال لقمان الحكيم: «ثلاثة لا يعرفون إلّا عند ثلاثة: لا يعرف الحليم إلّا عند الغضب، ولا الشّجاع إلّا عند الحرب، ولا الأخ إلّا عند الحاجة إليه» ) * «3» . 2- * (بلغ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله؛ فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «أيّها النّاس، أيّتها الرّعيّة، إنّ لنا عليكم حقّا: النّصيحة بالغيب والمعاونة على الخير، أيّتها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، وليس جهل أبغض إلى الله ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه» ) * «4» . 3- * (وقال- رضي الله عنه-: «تعلّموا العلم وتعلّموا للعلم السّكينة والحلم» ) * «5» . 4- * (وقال- رضي الله عنه- أيضا: «كان أبو بكر- رضي الله عنه- يوم السّقيفة أحلم منّي وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري «6» إلّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتّى سكت» ) * «7» . 5- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله   (1) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. ومسلم (1795) . (2) البخاري- الفتح 12 (6927) واللفظ له. ومسلم (2165) . (3) الإحياء (3/ 179) . (4) المرجع السابق (3/ 186) . (5) المرجع السابق (3/ 178) . (6) التزوير: إصلاح الكلام وتهيئته. (7) البخاري- الفتح 12 (6830) وهو حديث طويل اقتصرت منه على ما يخص الصفة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1747 عنه- ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنّ الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن لا تباهي النّاس بعبادة الله، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى» * «1» . 6- * (وقال- رضي الله عنه- أيضا: «إنّ أوّل ما عوّض الحليم من حلمه أنّ النّاس كلّهم أعوانه على الجاهل» ) * «2» . 7- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: «ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا صخّابا ولا صيّاحا ولا حديدا «3» » ) * «4» . 8- * (قال معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما-: «لا يبلغ العبد مبلغ الرّأي حتّى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلّا بقوّة العلم» ) * «5» . 9- * (وسأل أيضا عمرو بن الأهتم: أيّ الرّجال أشجع؟ قال من ردّ جهله بحلمه، قال فأيّ الرّجال أسخى؟ قال من بذل دنياه لصالح دينه) * «6» . 10- * (وقال مرّة لعرابة بن أوس: بم سدت قومك يا عرابة؟ قال: «كنت أحلم عن جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في حوائجهم، فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن جاوزني فهو أفضل، ومن قصّر عنّي فأنا خير منه» ) * «7» . 11- * (وقال أيضا: «عليكم بالحلم والاحتمال حتّى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصّفح والإفضال» ) * «8» . وأسمعه رجل كلاما شديدا، فقيل له: لو عاقبته، فقال: «إنّي أستحيي أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيّتي» ) * «9» . 12- * (وقسم مرّة نطعا «10» فبعث منها إلى شيخ من أهل دمشق فلم يعجبه فجعل عليه يمينا، يضرب رأس معاوية، فأتى معاوية فأخبره فقال له معاوية: «أوف بنذرك وارفق بالشّيخ» ) * «11» . 13- * (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- «نحن معشر قريش نعدّ الحلم والجود السّؤدد، ونعدّ العفاف وإصلاح المال المروءة» ) * «12» . 14- * (قال عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- لرجل سبّه: «يا عكرمة هل للرّجل حاجة فنقضيها؟ فنكّس الرّجل رأسه واستحى ممّا رأى من حلمه عليه» ) * «13» .   (1) الإحياء (3/ 178) . (2) الإحياء (3/ 278) . (3) الحديد: يعني الشديد الغليظ. (4) الفوائد (144) . (5) الإحياء (3/ 178) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق (184) . (9) مختصر منهاج القاصدين للمقدسي (183) . (10) النّطع: بساط من الجلد. (11) مختصر منهاج القاصدين للمقدسي (183) . (12) الآداب الشرعية (2/ 15) . (13) الإحياء (3/ 178) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1748 15- * (قال النّابغة الجعديّ: ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا) * «1» . 16- * (قال الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى-: «لست بحليم ولكنّني أتحلّم» ) * «2» . 17- * (قال طاووس- رحمه الله تعالى-: «ما حمل العلم في مثل جراب حلم» ) * «3» . 18- * (قال وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى: «الرّفق ثنيّ الحلم» ) * «4» . 19- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (الفرقان/ 63) : «حلمآء إن جهل عليهم لم يجهلوا» ) * «5» . 20- وقال أيضا: «اطلبوا العلم وزيّنوه بالوقار والحلم» ) * «6» . 21- * (عن عليّ بن الحسين- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سبّه فرمى إليه بخميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم، فقال بعضهم: جمع له خمس خصال محمودة: الحلم وإسقاط الأذى وتخليص الرّجل ممّا يبعده عن الله عزّ وجلّ وحمله على النّدم والتّوبة، ورجوعه إلى مدح بعد الذّمّ، اشترى جميع ذلك بشيء من الدّنيا يسير» ) * «7» . 22- * (قال عليّ بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما-: ليس الغريب غريب الشّام واليمن ... إنّ الغريب غريب اللّحد والكفن إنّ الغريب له حقّ لغربته ... على المقيمين في الأوطان والسّكن لا تنهرنّ غريبا حال غربته ... الدّهر ينهره بالذّلّ والمحن سفري بعيد وزادي لن يبلّغني ... وقوّتي ضعفت والموت يطلبني ولي بقايا ذنوب لست أعلمها ... الله يعلمها في السّرّ والعلن ما أحلم الله عنّي حيث أمهلني ... وقد تماديت في ذنبي ويسترني) * «8» . 23- * (قال أكثم بن صيفيّ- رحمه الله تعالى: «دعامة العقل الحلم، وجماع الأمر الصّبر» ) * «9» . 24- * (قال عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى-: «ما أوى شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم» ) * «10» . 25- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله   (1) أدب الدنيا والدين (308) . (2) الإحياء (3/ 179) . (3) الدارمي (1/ 152) رقم (578) . (4) الإحياء (3/ 186) . (5) المرجع السابق (3/ 177) . (6) المرجع السابق (3/ 178) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (10) الدارمي (1/ 152) رقم (576) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1749 تعالى: «خمس إذا أخطأ القاضي منهنّ خطّة «1» كانت فيه وصمة «2» : أن يكون فهما «3» ، حليما، عفيفا «4» ، صليبا «5» ، عالما سئولا عن العلم» ) * «6» . 26- * (قال عامر الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «زين العلم حلم أهله» ) * «7» . 27- * (قال المأمون- رحمه الله تعالى-: «يحسن بالملوك الحلم عن كل أحد إلّا عن ثلاثة: قادح في ملك، أو مذيع لسرّ، أو متعرّض لحرمة» ) * «8» . 28- * (أنشد محمّد بن عبد الله بن زنجيّ البغداديّ: ألم تر أنّ الحلم زين مسوّد ... لصاحبه والجهل للمرء شائن فكن دافنا للشّر بالخير تسترح ... من الهمّ إنّ الخير للشّر دافن) * «9» . 29- * (قال محمود الورّاق- رحمه الله تعالى: سألزم نفسي الصّفح عن كلّ مذنب ... وإن كثرت منه عليّ الجرائم وما النّاس إلّا واحد من ثلاثة ... شريف ومشروف ومثلي مقاوم فأمّا الّذي فوقي فأعرف قدره ... وأتبع فيه الحقّ والحقّ لازم وأمّا الّذي دوني فإن قال صنت عن ... إجابته عرضي وإن لام لائم وأمّا الّذي مثلي فإن زلّ أو هفا ... تفضّلت إنّ الفضل بالحلم حاكم) * «10» . 30- * (قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-: «الحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام، وهو يشتمل على المعرفة والصّبر والأناة والتّثبّت، ومن يتّصف به يكون عظيم الشّأن، رفيع المكان، محمود الأجر، مرضيّ الفعل، ومن أجل نفاسته تسمّى الله به فسمّي حليما» ) * «11» . 31- * (قال أبو عمرو بن العلاء- رحمه الله تعالى-: «كان أهل الجاهليّة لا يسوّدون إلّا من كانت فيه ستّ خصال وتمامها في الإسلام سابعة: السّخاء، والنّجدة، والصّبر، والحلم، والبيان، والحسب، وفي الإسلام زيادة العفاف» ) * «12» . 32- * (قال هشام بن محمّد يصف النّعمان بن المنذر لمّا عفا عن رجل قد أذنب ذنبا عظيما: «تعفو الملوك عن العظي ... م من الذّنوب بفضلها ولقد تعاقب في اليسير ... وليس ذاك لجهلها   (1) خطّة: بضم الخاء أى خصلة. (2) الوصمة: العيب. (3) فهما: صيغة مبالغة عن الفهم. (4) عفيفا: أي يعف عن الحرام. (5) صليبا: من الصلابة أي قويّا شديدا يقف عند الحق ولا يميل مع الهوى. (6) البخاري الفتح (13/ 156) . (7) الدارمي (1/ 152) رقم (577) . (8) روضة العقلاء (214) . (9) روضة العقلاء (209) . (10) الإحياء (3/ 179) . (11) روضة العقلاء (308) . (12) الآداب الشرعية (2/ 215) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1750 إلّا ليعرف حلمها ... ويخاف شدّة دخلها» ) * «1» . 33- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: «الكمال عزيز والكامل قليل الوجود، وأوّل أسباب الكمال تناسب أعضاء البدن وحسن صورة الباطن، فصورة البدن تسمّى خلقا، وصورة الباطن تسمّى خلقا، ودليل كمال صورة البدن حسن السّمت واستعمال الأدب، ودليل كمال صورة الباطن حسن الطّبائع والأخلاق، فالطّبائع: العفّة، والنّزاهة والأنفة من الجهل، ومباعدة الشّره، والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب وابتداء المعروف والحلم عن الجاهل. فمن رزق هذه الأشياء رقّته إلى الكمال، وظهر عنه أشرف الخلال، وإن نقصت خلّة أوجبت النّقص» ) * «2» . 34- * (قال بعض الشّعراء: أحبّ مكارم الأخلاق جهدي ... وأكره أن أعيب وأن أعابا وأصفح عن سباب النّاس حلما ... وشرّ النّاس من يهوى السّبابا ومن هاب الرّجال تهيّبوه ... ومن حقر الرّجال فلن يهابا) * «3» . 35- * (قال بعض العلماء: «ليس الحليم من ظلم فحلم، حتّى إذا قدر انتقم، ولكنّ الحليم من ظلم فحلم حتّى إذا قدر عفا» ) * «4» . 36- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: يخاطبني السّفيه بكلّ قبح ... فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة فأزيد حلما ... كعود زاده الإحراق طيبا) * «5» . 37- * (وقال: إذا نطق السّفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السّكوت فإن كلّمته فرّجت عنه ... وإن خلّيته كمدا يموت) * «6» . 38- * (وقال: إذا سبّني نذل تزايدت رفعة ... وما العيب إلّا أن أكون مساببه ولو لم تكن نفسي عليّ عزيزة ... لمكّنتها من كلّ نذل تحاربه ولو أنّني أسعى لنفعي وجدتني ... كثير التّواني للّذي أنت طالبه ولكنّني أسعى لأنفع صاحبي ... وعار على الشّبعان إن جاع صاحبه) * «7» .   (1) الإحياء (3/ 183) . (2) صيد الخاطر (289) . (3) أدب الدنيا والدين (303) . (4) الإحياء (3/ 184) . (5) ديوان الشافعي (52) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1751 من فوائد (الحلم) (1) صفة تكسب المرء محبّة الله ورضوانه. (2) دليل كمال العقل وسعة الصّدر، وامتلاك النّفس. (3) معاونة الملائكة له. (4) إعانة النّاس له ووقوفهم في صفّه. (5) يحتاج المرء أحيانا إلى الخروج عنه لردع السّفيه. (6) لا يكون إلّا مع القدرة على إنزال العقوبة وإلّا فهو ضعف وذلّ. (7) قليل من الخلق من يتّصف به. (8) قد يكتسبه الإنسان بالتّعوّد وبالرّغبة فيما عند الله من الثّواب الجزيل. (9) صفة من صفات الله سبحانه، وهي من صفات أوليائه أيضا. (10) تعمل على تآلف القلوب ونشر المحبّة بين النّاس. (11) تزيل البغض وتمنع الحسد وتميل القلوب. (12) يستحقّ صاحبها الدّرجات العلى والجزاء الأوفى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1752 الحمد الحمد لغة: مصدر قولهم: حمد يحمد، وهو مأخوذ من مادّة (ح م د) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس «1» على خلاف الذّمّ، يقال: حمدت فلانا أحمده (مدحته) ، ورجل محمود ومحمّد، إذا كثرت خصاله المحمودة غير المذمومة. قال الأعشى يمدح النّعمان: إليك أبيت اللّعن كان كلالها ... إلى الماجد الفرع الجواد المحمّد وتقول العرب: حماداك أن تفعل كذا أي غايتك وفعلك المحمود منك غير المذموم. وذكر الرّاغب: أنّ الحمد أخصّ من المدح؛ لأنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره أو من غير اختياره، والحمد لا يكون إلّا لما فيه اختيار كبذل المال ونحوه «2» . قال الجوهريّ: والتّحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعمّ من الشّكر، والمحمّد الّذي كثرت خصاله المحمودة، والمحمدة خلاف المذمّة، وأحمد فلان صار أمره إلى الحمد، وأحمدته أي وجدته محمودا، وقولهم في المثل: العود أحمد أي أكثر حمدا. الآيات الأحاديث الآثار 56 57 19 قال الشّاعر: فلم تجر إلّا جئت في الخير سابقا ... ولا عدت إلّا أنت في العود أحمد ويقال رجل حمدة أي يكثر حمد الأشياء، ويقول فيها أكثر ممّا فيها. ونقل صاحب اللّسان أنّ الحمد: الشّكر: قاله اللّحيانيّ والأخفش. الحمد: الثّناء. قاله الأزهريّ وهو نقيض الذّمّ. والحمد: الجزاء قاله سيبويه. ويقال: رجل حمدة كثير الحمد، ومثله حمّاد. ويقال: فلان يتحمّد النّاس بجوده أي يريهم أنّه محمود. ومن أمثالهم: من أنفق ماله على نفسه فلا يتحمّد به إلى النّاس، إنّما يحمد على إحسانه إلى النّاس، وحمده وحمّده، وأحمده وجده محمودا، ويقال: أتيت موضع كذا فأحمدته أي صادفته محمودا موافقا، وذلك إذا رضيت سكناه أو مرعاه. وقال بعضهم: أحمد الرّجل إذا رضي فعله ومذهبه ولم ينشره. وقال اللّحيانيّ: أحمد الرّجل (بالضّمّ) فعل ما يحمد عليه وصار أمره إلى الحمد، والمحمّد: الّذي   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 100) . (2) الصحاح (2/ 466) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1753 كثرت خصاله المحمودة وقد سمّي به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم. والتّحميد: حمدك الله- عزّ وجلّ- مرّة بعد مرّة، وأحمد إليك الله: أشكره إليك، أو معناه: أحمد معك الله أو أشكر إليك نعمه وأحدّثك بها. والمقام المحمود: المقام الّذي يحمد فيه جميع الخلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتعجيل الحساب والإراحة من طول الوقوف «1» . الحمد اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الحمد: هو الثّناء على الجميل من جهة التّعظيم من نعمة وغيرها وقال ابن القيّم: الحمد: إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه. وقال الرّاغب: الحمد لله تعالى: هو الثّناء عليه بالفضيلة «2» . الفرق بين الحمد والمدح والشكر والثناء: الحمد: أخصّ من المدح وأعمّ من الشّكر؛ فإنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره وممّا يكون منه وفيه بالتّسخير. فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه: كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه، والمدح يكون في الثّاني دون الأوّل، والشّكر لا يقال إلّا في مقابلة نعمة: فكلّ شكر حمد وليس كلّ حمد شكرا، وكلّ حمد مدح وليس كلّ مدح حمدا «3» . وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إنّ كلّ واحد من المدح والحمد يتضمّن العلم بما يحمد به غيره ويمدحه فلا يكون مادحا ولا حامدا من لم يعرف صفات المحمود والممدوح فإن تجرّد عن العلم كان كلاما بغير علم، فإن طابق فصدق وإلّا فكذب. وقد جاء في السّنّة ما هو أخصّ من الحمد وهو الثّناء الّذي هو تكرار المحامد كما في قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأهل قباء: «ما هذا الطّهور الّذي أثنى الله عليكم به» فإذا كان قد أثنى عليهم والثّناء حمد متكرّر فما يمنع حمده لمن شاء من عباده؟ ثمّ الصّحيح في تسمية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محمّدا أنّه الّذي يحمده الله وملائكته وعباده المؤمنون وأمّا من قال الّذي يحمده أهل السّماوات وأهل الأرض فلا ينافي حمد الله تعالى بل حمد أهل السّماوات والأرض له بعد حمد الله له فلمّا حمده الله حمده أهل السّماوات والأرض، وبالجملة، فإذا كان الحمد ثناء خاصّا على المحمود لم يمتنع أن يحمد الله من يشاء من خلقه كما يثني عليه فالصّواب في الفرق بين الحمد والمدح أن يقال: الإخبار عن محاسن الغير إمّا أن يكون إخبارا مجرّدا من حبّ وإرادة أو مقرونا بحبّه وإرادته: فإن كان الأوّل فهو المدح، وإن كان الثّاني فهو الحمد، فالحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه، ولهذا كان خبرا يتضمّن الإنشاء بخلاف المدح؛ فإنّه خبر مجرّد، فالقائل إذا قال: الحمد لله أو قال ربّنا لك الحمد؛ تضمّن كلامه الخبر عن كلّ ما يحمد عليه تعالى باسم جامع محيط متضمّن لكلّ فرد من أفراد الحمد المحقّقة والمقدّرة. وذلك يستلزم إثبات كلّ كمال   (1) لسان العرب (3/ 155- 158) ط. بيروت. (2) كتاب التعريفات (93) ، وبدائع الفوائد (2/ 93) ، والمفردات (131) . (3) المفردات للراغب (131) ، وبصائر ذوي التمييز (2/ 499) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1754 يحمد عليه الرّبّ تعالى ولهذا لا تصلح هذه اللّفظة على هذا الوجه ولا تنبغي إلّا لمن هذا شأنه وهو الحميد المجيد «1» . معنى اسم الله «الحميد» : قال الغزاليّ: الحميد هو المحمود المثنى عليه، والله عزّ وجلّ هو الحميد بحمده لنفسه أزلا وبحمد عباده له أبدا، ويرجع هذا إلى صفات الجلال والعلوّ والكمال «2» . وقال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى الحميد، أي المحمود على كلّ حال فعيل بمعنى مفعول «3» . وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: في ذكر أسماء الألوهيّة والرّبوبيّة والرّحمة والملك بعد الحمد «4» (ما يدلّ) على إيقاعه على مضمونها ومقتضاها أي أنّه محمود في إلاهيّته، محمود في ربوبيّته، محمود في رحمانيّته، محمود في ملكه، وأنّه إله محمود، وربّ محمود ورحمن محمود، وملك محمود، فله بذلك جميع أقسام الكمال والجلال «5» . أقسام الحمد: قسّم بعضهم الحمد كما يلي: 1- الحمد القوليّ هو حمد اللّسان وثناؤه على الحقّ بما أثنى به على نفسه على لسان أنبيائه 2- الحمد الفعليّ: هو الإتيان بالأعمال البدنيّة ابتغاء لوجه الله تعالى 3- الحمد الحاليّ: هو الّذي يكون بحسب الرّوح والقلب كالاتّصاف بالكمالات العلميّة والعمليّة والتّخلّق بالأخلاق الإلهيّة. 4- الحمد اللّغويّ: هو الوصف بالجميل على جهة التّعظيم والتّبجيل باللّسان وحده. 5- الحمد العرفيّ: فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما وهو أعمّ من أن يكون فعل اللّسان أو الأركان «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التسبيح- التكبير- التهليل- الثناء- الشكر- الحوقلة- الشكر- الاعتراف بالفضل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغفلة- نكران الجميل- الجحود] .   (1) بدائع الفوائد لابن القيم (2/ 93) . (2) المقصد الأسنى 130. (3) النهاية لابن الأثير 1/ 436. (4) أي في سورة الفاتحة (5) التفسير القيم ص 35. (6) انظر كتاب التعريفات للجرجاني ص 93 وما بعدها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1755 الآيات الواردة في «الحمد» الحمد منسوبا للمولى- عز وجل-: 1- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1» 2- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) «2» 3- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) «3» 4- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)   (1) الفاتحة: 1- 7 مكية (2) البقرة: 30 مدنية (3) الأنعام: 1- 3 مكية (4) الأنعام: 42- 45 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1756 وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «1» 6- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «2» 7- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) «3» 8- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «4» 9- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) «5»   (1) الأعراف: 40- 43 مكية (2) يونس: 9- 10 مكية (3) الرعد: 12- 13 مدنية (4) إبراهيم: 35- 41 مكية (5) النحل: 75- 76 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1757 10- أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «1» 11- يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) «2» 12- قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) «3» 13- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (5) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) «4» 14- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) «5» 15- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «6» 16- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)   (1) الإسراء: 40- 44 مكية (2) الإسراء: 52- 53 مكية (3) الإسراء: 110- 111 مكية (4) الكهف: 1- 6 مكية (5) طه: 130 مكية (6) الحج: 23- 24 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1758 لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) «1» 17- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) «2» 18- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59) «3» 19- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) «4» 20- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (959) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61)   (1) الحج: 63- 64 مدنية (2) المؤمنون: 23- 30 مكية (3) الفرقان: 56- 59 مكية (4) النمل: 15- 16 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1759 ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) «1» 21- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) 22- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) «2» فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) «3» 23- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (63) «4» 24- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) «5»   (1) النمل: 59- 64 مكية (2) النمل: 89- 93 مكية (3) القصص: 65- 70 مكية (4) العنكبوت: 63 مكية (5) الروم: 14- 18 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1760 25- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25) «1» 26- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما «2» 27- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «3» 28- الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) «4» 29- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «5» 30- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «6» 31- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ   (1) لقمان: 25 مكية (2) السجدة: 15- 17 مكية (3) سبأ: 1- 3 مكية (4) فاطر: 1 مكية (5) فاطر: 29- 35 مكية (6) الصافات: 180- 182 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1761 بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) «1» 32- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «2» 33- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «3» 34- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «4» 35- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) «5» 36- حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)   (1) الزمر: 29- 31 مكية (2) الزمر: 73- 75 مكية (3) غافر: 7- 9 مكية (4) غافر: 53- 56 مكية (5) غافر: 64- 65 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1762 لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) «1» 37- فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «2» 38- وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) «3» 39- وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49) «4» 40- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) «5» ورد لفظ الحمد صفة للمولى- عز وجل- في الآيات: 41- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) «6» 42- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (133) «7»   (1) الشورى: 1- 5 مكية (2) الجاثية: 36- 37 مكية (3) ق: 38- 40 مدنية (4) الطور: 47- 49 مكية (5) النصر: 1- 3 مدنية (6) البقرة: 267 مدنية (7) النساء: 131- 133 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1763 43- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «1» 44- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) «2» 45- وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) «3» 46- لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) «4» 47- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) «5» 48- يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) «6» 49- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)   (1) هود: 69- 75 مكية (2) إبراهيم: 1- 3 مكية (3) إبراهيم: 8 مكية (4) لقمان: 26 مكية (5) سبأ: 4- 6 مكية (6) فاطر: 15- 17 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1764 ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43) «1» 50- * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) «2» 51- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) «3» 52- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) «4» 53- أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) «5» 54- وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) «6» لفظ «الحمد» صفة للمؤمن: 55- * إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)   (1) فصلت: 41- 43 مكية (2) الشورى: 27- 28 مكية (3) الحديد: 24 مدنية (4) الممتحنة: 4- 6 مدنية (5) التغابن: 5- 6 مدنية (6) البروج: 1- 9 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1765 التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «1» لفظ «المحمود» صفة للمقام: 56- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (82) «2»   (1) التوبة: 111- 112 مدنية (2) الإسراء: 78- 82 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1766 الأحاديث الواردة في (الحمد) 1- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر. لا يضرّك بأيّهنّ بدأت، ولا تسمّينّ غلامك يسارا ولا رباحا، ولا نجيحا ولا أفلح. فإنّك تقول: أثمّ هو؟ فلا يكون. فيقول: لا» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبّها فإنّما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدّث بها، وإذا رأى غير ذلك ممّا يكره فإنّما هي من الشّيطان فليستعذ من شرّها ولا يذكرها لأحد؛ فإنّها لا تضرّه» ) * «2» . 3- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي. فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده. فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد» ) * «3» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأوّل النّاس تنشقّ الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيّد النّاس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة ولا فخر. وإنّي آتي باب الجنّة فآخذ بحلقتها. فيقولون من هذا؟ فأقول: أنا محمّد. فيفتحون لي. فأدخل فإذا الجبّار- عزّ وجلّ- مستقبلي فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد، وتكلّم يسمع منك وقل يقبل منك واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي يا ربّ فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبّة من شعير من الإيمان فأدخله الجنّة فأقبل فمن وجدت في قلبه ذلك أدخله الجنّة فإذا الجبّار- عزّ وجلّ- مستقبلي فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّم يسمع منك، وقل يقبل منك، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي يا ربّ فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه نصف حبّة من شعير من الإيمان فأدخلهم الجنّة، فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك أدخلهم الجنّة. فإذا الجبّار- عزّ وجلّ- مستقبلي فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّم يسمع منك وقل يقبل منك، واشفع تشفّع،   (1) مسلم (2137) . والبخاري تعليقا (11/ 566) . (2) البخاري- الفتح 12 (6985) واللفظ له. وحديث مسلم (2261) من حديث أبي سلمة رضي الله عنه. (3) الترمذي (1021) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأحمد (4/ 415) ، وذكره النووي في الأذكار وقال محققه: ورواه ابن حبان في صحيحه ونقل عن الحافظ ابن حجر قوله: الحديث حسن (203) . وابن حبان (726) موارد الظمآن، وحسنه السيوطي في الجامع رقم (854) ، وأقره المناوي، وزاد أئمة آخرين أخرجوا الحديث، انظر فيض القدير (1/ 440) ، وذكره ابن كثير في تفسير الآية (157) من سورة البقرة، ونقل عن الترمذي تحسينه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1767 فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي، فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبّة من خردل من الإيمان فأدخله الجنّة فأذهب فمن وجدت في قلبه ذلك أدخلتهم الجنّة، وفرغ الله من حساب النّاس. وأدخل من بقي من أمّتي النّار مع أهل النّار. فيقول أهل النّار: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون الله- عزّ وجلّ- لا تشركون به شيئا. فيقول الجبّار: فبعزّتي لأعتقنّهم من النّار. فيرسل إليهم فيخرجون قد امتحشوا «1» فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبّة في غثاء السّيل. ويكتب بين أعينهم هؤلاء عتقاء الله- عزّ وجلّ- فيذهب بهم فيدخلون الجنّة فيقول لهم أهل الجنّة: هؤلاء الجهنّميّون. فيقول الجبّار بل هؤلاء عتقاء الجبّار- عزّ وجلّ-» ) * «2» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم-: ما يقول عبادي؟. قال تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون: لا والله ما رأوك. قال فيقول: كيف لو رأوني؟. قال: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنّة. قال يقول: وهل رأوها؟ قال يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟ قال يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال يقولون: من النّار. قال يقول: وهل رأوها؟ قال فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «3» . 6- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أهل الجنّة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوّطون ولا يمتخطون. قالوا فما بال الطّعام؟ قال: جشاء «4» ورشح كرشح المسك. يلهمون التّسبيح والتّحميد، كما يلهمون النّفس» ) * «5» . 7- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه-   (1) امتحشوا: احترقوا أي احترقت جلودهم. (2) أحمد (3/ 144) واللفظ له، وابن منده في الإيمان (2/ 847) حديث (878) وقال: هذا حديث صحيح مشهور. وهو مخرج في الصحيحين. وانظر «الأحاديث الصحيحة» للألباني (571) و «إتحاف السادة المتقين» (10/ 491) و «كنز العمال» رقم (39089) . (3) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له. ومسلم (2689) . (4) الجشاء: تنفس المعدة عند الامتلاء. (5) مسلم (2835) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1768 قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصّلاة فجاء المؤذّن إلى أبي بكر فقال: أتصلّي بالنّاس فأقيم؟ قال: نعم. فصلّى أبو بكر فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس في الصّلاة، فتخلّص حتّى وقف في الصّفّ، فصفّق النّاس- وكان أبو بكر لا يلتفت في الصّلاة- فلمّا أكثر النّاس التّصفيق التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر- رضي الله عنه- يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك ثمّ استأخر أبو بكر حتّى استوى في الصّفّ، وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى، فلمّا انصرف قال: يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مالي رأيتكم أكثرتم التّصفيق؟ من رابه شيء في صلاته فليسبّح فإنّه إذا سبّح التفت إليه، وإنّما التّصفيق للنّساء» ) * «1» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ ضمادا (يعني ابن ثعلبة) قدم مكّة. وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الرّيح «2» . فسمع سفهاء من أهل مكّة يقولون: إنّ محمّدا مجنون. فقال: لو أنّي رأيت هذا الرّجل لعلّ الله يشفيه على يديّ. قال: فلقيه. فقال: يا محمّد إنّي أرقي من هذه الرّيح. وإنّ الله يشفي على يديّ من شاء. فهل لك؟ «3» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له. ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. وأنّ محمّدا عبده ورسوله. أمّا بعد» : قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء. فأعادهنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السّحرة وقول الشّعراء. فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء. ولقد بلغن ناعوس البحر «4» ، قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعلى قومك» . قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة فمرّوا بقومه. فقال صاحب السّريّة للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردّوها فإنّ هؤلاء قوم ضماد) * «5» . 9- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: إنّ فاطمة اشتكت ما تلقى من الرّحى في يدها. وأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي. فانطلقت فلم تجده. ولقيت عائشة. فأخبرتها. فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على مكانكما فقعد بيننا حتّى وجدت برد قدمه على صدري، ثمّ قال: «ألا أعلّمكما خيرا ممّا سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما: أن تكبّرا الله أربعا وثلاثين وتسبّحاه ثلاثا   (1) البخاري- الفتح 2 (684) واللفظ له، ومسلم (421) . (2) يرقي من هذه الريح: يرقي من الرقية التي يرقى بها والمراد بالريح هنا: الجنون ومس الجن. (3) فهل لك: أي فهل لك رغبة في رقيتي وهل تميل لها؟ (4) ناعوس البحر: قال ابن الأثير: قال أبو موسى: كذا وقع في صحيح مسلم، وفي سائر الروايات «قاموس البحر» وهو وسطه ولجته، ولعلّه لم يجوّد كتبته فصحّفه بعضهم. (5) مسلم (868) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1769 وثلاثين، وتحمداه ثلاثا وثلاثين. فهو خير لكما من خادم» ) * «1» . 10- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشّربة فيحمده عليها» ) * «2» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يحبّ العطاس ويكره التّثاؤب، فإذا عطس أحدكم فحمد الله فحقّ على كلّ مسلم سمعه أن يشمّته. وأمّا التّثاؤب فإنّما هو من الشّيطان، فليردّه ما استطاع، فإذا قال: هاء ضحك منه الشّيطان» ) * «3» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا. وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهمّ ربّنا لك الحمد. وإذا صلّى قائما فصلّوا قياما وإذا صلّى قاعدا فصلّوا قعودا أجمعون» ) * «4» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كان في سفر وأسحر «5» يقول: «سمّع سامع «6» بحمد الله وحسن بلائه علينا. ربّنا صاحبنا «7» وأفضل علينا. عائذا بالله «8» من النّار» ) * «9» . 14- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبرك بأحبّ الكلام إلى الله؟» . قلت: يا رسول الله أخبرني بأحبّ الكلام إلى الله. فقال: «إنّ أحبّ الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده» ) * «10» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّي لأعلم كيف كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يلبّي: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك» ) * «11» . 16- * (عن عليّ بن ربيعة قال: شهدت عليّا أتي بدابّة ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب قال: بسم الله ثلاثا، فلمّا استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ، ثمّ قال: الحمد لله ثلاثا، والله أكبر ثلاثا، سبحانك إنّي قد ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت ثمّ ضحك. قلت: من أيّ شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟. قال:   (1) البخاري- الفتح 9 (5361) ، ومسلم (2727) وهذا لفظه. (2) مسلم (2734) . (3) البخاري- الفتح 10 (6223) وهذا لفظه، ومسلم (2994) . (4) البخاري- الفتح 2 (734) ، ومسلم (417) واللفظ له. (5) أسحر: بلغ وقت السحر وهو آخر الليل. (6) سمّع سامع (بالتشديد) : بلّغ سامع قولي هذا لغيره. (7) ربنا صاحبنا: احفظنا وحطنا بعنايتك. (8) عائذا بالله: أي أقول هذا في حال استعاذتي بالله من النار. (9) مسلم (2718) . (10) مسلم (2731) . (11) البخاري- الفتح 3 (1550) واللفظ له. ومسلم (1184) من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-. وفيه زيادة «والملك لا شريك لك» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1770 رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صنع كما صنعت ثمّ ضحك، فقلت: من أيّ شيء ضحكت يا رسول الله؟ قال: «إنّ ربّك ليعجب من عبده إذا قال ربّ اغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذّنوب غيرك» ) * «1» . 17- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. الله أكبر كبيرا. والحمد لله كثيرا. سبحان الله ربّ العالمين. لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» . قال: فهؤلاء لربّي فما لي؟ قال: قل: «اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «2» . 18- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاءت أمّ سليم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله: علّمني كلمات أدعو بهنّ في صلاتي. قال: «سبّحي الله عشرا، واحمديه عشرا، وكبّريه عشرا، ثمّ سليه حاجتك يقل: نعم. نعم» ) * «3» . 19- * (عن أمّ رافع- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله: دلّني على عمل يأجرني الله عزّ وجلّ- عليه. قال: «يا أمّ رافع إذا قمت إلى الصّلاة فسبّحي الله تعالى عشرا، وهلّليه عشرا، واحمديه عشرا، وكبّريه عشرا، واستغفريه عشرا، فإنّك إذا سبّحت قال: هذا لي، وإذا هلّلت قال: هذا لي، وإذا حمدت قال: هذا لي، وإذا كبّرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال: قد فعلت» ) * «4» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم. يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يحجّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدّقون. قال: «ألا أحدّثكم بما إن أخذتم أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلّا من عمل مثله: تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين. فاختلفنا بيننا. فقال بعضنا نسبّح ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبّر أربعا وثلاثين، فرجعت إليه، فقال: تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «5» . 21- * (عن فضالة بن عبيد الأوسيّ- رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال   (1) أبو داود (2602) ، والترمذي (3446) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، وقال في الفتوحات الربانية: حديث صحيح رواه أحمد وابن حبان، والحاكم (5/ 125) . (2) مسلم (2696) . (3) النسائي (3/ 51) واللفظ له وقال الألباني: حسن الإسناد (1/ 279) حديث (1232) ، والترمذي (481) وقال: حسن غريب، والحاكم (1/ 317، 318) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي، وذكر الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (2/ 348) : أن المنذري في الترغيب والترهيب نسبه كذلك لأحمد وابن خزيمة وابن حبان. (4) ابن السني في اليوم والليلة (105) ، وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: قال الحافظ ابن حجر: حديث حسن ورجال موثقون (97) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 3 (843) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1771 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» ، ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «1» . 22- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السّماوات والأرض والصّلاة نور، والصّدقة برهان، والصّبر ضياء، والقرآن حجّة لك أو عليك. كلّ النّاس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها «2» » ) * «3» . 23- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من قضاء الله- عزّ وجلّ- للمؤمن إن أصابه خير حمد ربّه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربّه وصبر. المؤمن يؤجر في كلّ شيء حتّى في اللّقمة يرفعها إلى في امرأته» ) * «4» . 24- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: عطس عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلان فشمّت أحدهما ولم يشمّت الآخر. فقال الّذي لم يشمّته: عطس فلان فشمّتّه، وعطست أنا فلم تشمّتني. قال: «إنّ هذا حمد الله، وإنّك لم تحمد الله» ) * «5» . 25- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت الرّجل يعمل العمل من الخير، ويحمده النّاس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» ) * «6» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده» ) * «7» . 27- * (عن رفاعة بن رافع- رضي الله عنه- قال: كنّا يوما نصلّي وراء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رفع رأسه من الرّكعة قال: «سمع الله لمن حمده» . قال رجل: ربّنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه. فلمّا انصرف قال: «من المتكلّم؟» . قال: أنا. قال: «رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيّهم يكتبها أوّل» ) * «8» . 28- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا، يعني، ورجل قائم يصلّي فلمّا ركع وسجد وتشهّد دعا فقال في دعائه: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت   (1) النسائي (3/ 44) واللفظ له، وذكره الألباني في الصحيح (1/ 275) حديث (1217) ، والترمذي (3476) ، وقال: حديث حسن. (2) موبقها: مهلكها. (3) مسلم (223) . (4) أحمد (1/ 173) وقال شاكر: إسناده صحيح (3/ 49) رقم (1487) ، والحديث في مسلم ولم يذكر فيه الحمد (2999) . (5) البخاري- الفتح 10 (6225) ومسلم (2991) واللفظ له. (6) مسلم (2642) . (7) البخاري- الفتح 11 (6406) واللفظ له، ومسلم (2694) (8) البخاري- الفتح 2 (799) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1772 المنّان بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم. إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «تدرون بما دعا «1» » . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «2» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس» ) * «3» . 30- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمّد أقرأ أمّتك منّي السّلام، وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء، وأنّها قيعان «4» ، وأنّ غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ) * «5» . 31- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله، إلّا كان الّذي أعطاه أفضل ممّا أخذ» ) * «6» . 32- * (عن معاذ بن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أكل طعاما فقال: الحمد لله الّذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منّي ولا قوّة غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «7» . 33- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير. الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: اللهمّ اغفر لي، أو دعا. استجيب. فإن توضّأ قبلت صلاته» ) * «8» . 34- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الّذي عافاني ممّا ابتلاك به وفضّلني على كثير ممّن خلق تفضيلا. إلّا عوفي من ذلك البلاء كائنا ما كان ما عاش» ) * «9» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال: قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. إلّا غفر له ما كان في مجلسه   (1) كذا في الأصل، والقاعدة في الإملاء حذف الألف: بم دعا؟. (2) النسائي (3/ 52) واللفظ له، وذكره الألباني في الصحيح منه (1/ 279) حديث (1233) ، وقال: صحيح، وابن ماجة (3858) . (3) مسلم (2695) . (4) القيعان: الأرض السهلة المطمئنة المستوية. (5) الترمذي (3462) واللفظ له وقال: حسن غريب، وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: حسن لشواهده وهو في المسند. وصحيح ابن حبان والطبراني (64) . (6) ابن ماجة (3805) ، وقال في الزوائد: إسناده حسن. (7) أبو داود (4023) ، والترمذي (3458) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (3285) ، وقال مخرج الأذكار النووية (محيي الدين مستو) حديث حسن (380) ، وكذلك قال مخرج الوابل الصيب (170) . (8) البخاري- الفتح 3 (1154) . (9) الترمذي (3431) واللفظ له، وقال: حديث غريب، وذكره النووي في الأذكار وعزاه للترمذي ونقل قوله فيه إنه حسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1773 ذلك» ) * «1» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج «2» (ثلاثا) غير تمام» . فقيل لأبي هريرة. إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى حمدني عبدي. وإذا قال: الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي (وقال مرّة: فوّض إليّ عبدي) . فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «3» . 37- * (عن عبد الله بن غنّام البياضيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يصبح: اللهمّ ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك. فلك الحمد ولك الشّكر، فقد أدّى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدّى شكر ليلته» ) * «4» . 38- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنّة» ) * «5» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة، حطّت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» ) * «6» . 40- * (عن عمرو بن ميمون- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، عشر مرار. كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل» ) * «7» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير. في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر   - (474) ، وابن ماجة من حديث ابن عمر (3892) ، وذكره الألباني في الصحيحة، وعزاه كذلك لأبي نعيم في الحلية (6/ 265) ، والخرائطي في فضيلة الشكر، وتمامّ في فوائده وغيرهم (2/ 153- 156) رقم (602) . (1) الترمذي (3433) وقال: حسن غريب صحيح. (2) والخداج: النقصان. (3) مسلم (395) . (4) أبو داود (5073) واللفظ له. والنسائي في اليوم والليلة (7) . وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: إسناده حسن (152) ، وذكره ابن القيم في الوابل الصيب وقال مخرجه: رواه ابن حبان (2361) ، ونقل تحسين الحافظ له في شرح الأذكار (124) . (5) الترمذي (3464) واللفظ له وقال: حسن صحيح غريب، والحاكم (1/ 501- 502) وصححه ووافقه الذهبي. (6) البخاري- الفتح 11 (6405) واللفظ له، ومسلم (2691) . (7) البخاري- الفتح 11 (6405) ، وفيه كان كمن أعتق رقبة، ومسلم (2693) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1774 رقاب. وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك حتّى يمسي. ولم يأت أحد بأفضل ممّا جاء به إلّا رجل عمل أكثر منه» ) * «1» 42- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك الحمد، ملء السّماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد. اللهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد. اللهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ» ) * «2» . 43- * (عن أبي شريح أنّه قال لعمرو بن سعيد- وهو يبعث البعوث إلى مكّة-: ائذن لي أيّها الأمير أحدّثك قولا قال به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الغد من يوم الفتح. سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلّم به: حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس، فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة. فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيها فقولوا: إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثمّ عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشّاهد الغائب» . فقيل لأبي شريح ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم منك يا أبا شريح إنّ مكّة لا تعيذ عاصيا ولا فارّا بدم، ولا فارّا بخربة «3» ) * «4» . 44- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا، وكفانا، وآوانا. فكم ممّن لا كافي له ولا مؤوي» ) * «5» . 45- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: «اللهمّ لك الحمد أنت نور السّماوات والأرض. ولك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض. ولك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ. أنت الحقّ. ووعدك الحقّ وقولك الحقّ. ولقاؤك حقّ. والجنّة حقّ. والنّار حقّ. والسّاعة حقّ. اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت. وعليك توكّلت وإليك لك أسلمت وبك آمنت. وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت. وإليك حاكمت. فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت. وأسررت وأعلنت. أنت إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «6» . 46- * (عن جويرية- رضي الله عنها- قالت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصّبح، وهي في مسجدها ثمّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة. فقال: «ما زلت على الحال الّتي فارقتك عليها؟» . قالت: نعم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرّات. لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ. سبحان الله وبحمده عدد   (1) البخاري- الفتح 11 (6403) واللفظ له. ومسلم (2691) . (2) مسلم (476) . (3) الخربة: السّرقة. (4) البخاري- الفتح 1 (104) واللفظ له. ومسلم (1354) . (5) مسلم (2715) . (6) البخاري- الفتح 13 (7499) . ومسلم (769) وهذا لفظه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1775 خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته» ) * «1» . 47- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سألوا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن عمله في السّرّ فقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء. وقال بعضهم: لا آكل اللّحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟. ولكنّي أصلّي وأنام وأصوم وأفطر. وأتزوّج النّساء. فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «2» . 48- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا. ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى. اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل. اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر «3» وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل. وإذا رجع قالهنّ، وزاد فيهنّ: آيبون، تائبون، عابدون، لربّنا حامدون» ) * «4» . 49- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير. اللهمّ أسألك خير ما في هذه اللّيلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شرّ ما في هذه اللّيلة وشرّ ما بعدها. ربّ أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. ربّ أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر. وإذا أصبح قال ذلك أيضا: أصبحنا وأصبح الملك لله» ) * «5» . 50- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أكل أو شرب قال: «الحمد لله الّذي أطعم وسقى وسوّغه وجعل له مخرجا» ) * «6» . 51- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يكثر أن يقول قبل أن يموت: «سبحانك اللهمّ وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك» . قالت: قلت: يا رسول الله ما هذه الكلمات الّتي أراك أحدثتها تقولها؟. قال: «جعلت لي علامة في أمّتي إذا رأيتها قلتها. إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر/ 1) إلى آخر السّورة» ) * «7» . 52- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه-   (1) مسلم (2726) . (2) البخاري- الفتح 9 (5063) . ومسلم (1401) وهذا لفظه. (3) وعثاء السفر: مشقته وشدته. (4) مسلم (1342) . (5) مسلم (2723) . (6) أبو داود (3851) واللفظ له، والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (285) ، وقال الحافظ في تخريج الأذكار: الحديث صحيح، وأخرجه أبو يعلى وابن حبان ربم (5220) ، والطبراني (380) (7) البخاري- الفتح 8 (4968) ، ومسلم (484) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1776 قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين» ) * «1» . 53- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه قال: «باسمك أموت وأحيا. وإذا قام قال: الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور» ) * «2» . 54- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى ما يحبّ قال: «الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات» . وإذا رأى ما يكره. قال: «الحمد لله على كلّ حال» ) * «3» . 55- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا رفع مائدته قال: الحمد لله كثيرا طيّبا مباركا فيه غير مكفيّ «4» ولا مودّع «5» ، ولا مستغنى عنه ربّنا» ) * «6» . 56- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في دبر كلّ صلاة إذا سلّم: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» ) * «7» . 57- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها. لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» . وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض   (1) أبو داود (3850) ، والترمذي (3457) واللفظ له، وابن ماجة (3283) ، وأحمد (3/ 32) ، وقال الحافظ في تخريج الأذكار: هذا حديث حسن وعزاه كذلك للطبراني والنسائي في اليوم والليلة (تخريج الأذكار 380) ، وكذلك قال مخرج الوابل الصيب: حديث حسن وله شواهد كثيرة (170) . (2) البخاري- الفتح 11 (6312) واللفظ له، وأخرج مسلم مثله من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه (2711) . (3) ابن ماجة (3803) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات، والحاكم (1/ 499) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وذكره النووي في أذكاره وعزاه للحاكم ونقل كلامه عليه، وعزاه مخرجه كذلك لابن السني (499) . (4) غير مكفي: أي غير مكتف بنفسي عن كفايته، أو غير مكافأة نعمة ربي، وقيل: المعنى غير مردود عليه إنعامه. (5) غير مودع: أي غير متروك. (6) البخاري- الفتح 9 (5458) . وربنا بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز النصب على المدح أو الاختصاص أو إضمار أعني. (7) البخاري- الفتح 11 (6330) واللفظ له، ومسلم (593) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1777 وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «1» . الأحاديث الواردة في (الحمد) معنى انظر صفات: الشكر- والذكر- والدّعاء من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحمد) 1- * (قال عيسى ابن مريم عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم. فإنّ القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون. ولا تنظروا في ذنوب النّاس كأنّكم أرباب. وانظروا في ذنوبكم كأنّكم عبيد فإنّما النّاس مبتلى ومعافى. فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية» ) * «2» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- بعد أن لبس ثوبا جديدا، فلمّا بلغ ترقوته قال: «الحمد لله الّذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمّل به في حياتي» ) * «3» . 3- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لرجل سلّم عليه: «كيف أصبحت؟ «قال الرّجل: أحمد الله. قال عمر: ذاك الّذي أردت» ) * «4» . 4- * (قال سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه-: «إنّ رجلا بسط له من الدّنيا فانتزع ما في يديه فجعل يحمد الله ويثني عليه حتّى لم يكن إلّا فراش، فجعل يحمد الله ويثني عليه، وبسط لآخر من الدّنيا فقال: لصاحب الفراش: أرأيتك أنت علام تحمد الله؟ قال: أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطى الخلق لم أعطهم إيّاه. قال: وما ذلك؟ قال: أرأيتك بصرك، أرأيتك لسانك، أرأيتك يديك، أرأيتك رجليك» ) * «5» . 5- * (قال حسّان بن ثابت- رضي الله عنه-: أغرّ عليه من النّبوّة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد   (1) مسلم 1 (771) . (2) الموطأ (986) . (3) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (125) . (4) مختصر منهاج القاصدين (277) . (5) عدة الصابرين (132) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1778 وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه ... إذ قال في الخمس المؤذّن أشهد وشقّ له من اسمه ليجلّه ... فذو العرش محمود وهذا محمّد) * «1» . 6- * (مرّ وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى- بمبتلى أعمى مجذوم مقعد عريان به وضح «2» وهو يقول: الحمد لله على نعمه، فقال رجل كان مع وهب: أيّ شيء بقي عليك من النّعمة تحمد الله عليها؟ فقال له المبتلى: ارم ببصرك إلى أهل المدينة فانظر إلى كثرة أهلها أفلا أحمد الله أنّه ليس فيها أحد يعرفه غيري «3» » ) * «4» . 7- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: سيعلم الجمع من أولى بالكرم أين الّذين كانت تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (السجدة/ 16) قال: فيقومون فيتخطّون رقاب النّاس. قال: ثمّ ينادي مناد: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم أين الّذين كانت لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (النور/ 37) . قال: فيقومون فيتخطّون رقاب النّاس، قال: ثمّ ينادي مناد سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الحمّادون لله على كلّ حال؟ قال: فيقومون وهم كثير ثمّ يكون النّعيم والحساب فيمن بقي» ) * «5» . 8- * (وكان رحمه الله، إذا ابتدأ كلامه يقول: «الحمد لله اللهمّ ربّنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلّمتنا وأنقذتنا وفرّجت عنّا، لك الحمد بالإسلام والقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبتّ عدوّنا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا، وعن كلّ ما سألناك ربّنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمدا كثيرا، ولك الحمد بكلّ نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سرّ أو علانية أو خاصّة أو عامّة أو حيّ أو ميّت، أو شاهد أو غائب، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت» ) * «6» . 9- * (رأى بكر بن عبد الله المزنيّ- رحمه الله تعالى- حمّالا عليه حمله وهو يقول: «الحمد لله أستغفر الله» ، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له: «أما تحسن غير هذا؟» قال: «بلى أحسن خيرا كثيرا، أقرأ كتاب الله غير أنّ العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمه السّابغة وأستغفره لذنوبي» ، فقال: «الحمّال أفقه من بكر» ) * «7» . 10- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «ما قال عبد قطّ الحمد لله إلّا وجبت عليه نعمة بقوله الحمد لله فجزاء تلك النّعمة أن يقول: الحمد لله،   (1) ديوان حسان (54) . (2) الوضح: بياض في الجلد (البرص) . (3) المراد بقوله: ليس فيها أحد يعرفه غيري: أي يعرفه بنعمه العديدة (4) عدة الصابرين (143) . (5) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم (89) . (6) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (128- 129) . (7) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (124) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1779 فجاءت نعمة أخرى فلا تنفد نعم الله» ) * «1» . 11- * (قال أبو العالية الرّياحيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّي لأرجو أن لا يهلك عبد بين اثنتين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر منه» ) * «2» . 12- * (قال أبو عبد الرّحمن الحبليّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الرّجل إذا سلّم على الرّجل وسأله كيف أصبحت؟ فقال له الآخر: أحمد الله إليك، قال: يقول الملك الّذي عن يساره للّذي عن يمينه: كيف تكتبها؟ قال: أكتبه من الحامدين فكان أبو عبد الرّحمن إذا سئل: كيف أصبحت؟ يقول: أحمد الله إليك وإلى جميع خلقه» ) * «3» . 13- * (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما-: أنّه كان لا يؤتى أبدا بطعام ولا شراب، حتّى الدّواء فيطعمه أو يشربه، إلّا قال: الحمد لله الّذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعّمنا. الله أكبر، اللهمّ ألفتنا نعمتك بكلّ شرّ، فأصبحنا منها وأمسينا بكلّ خير. نسألك تمامها وشكرها. لا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، إله الصّالحين، وربّ العالمين، الحمد لله ولا إله إلّا الله ما شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله، اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النّار» ) * «4» . 14- * (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «من عرف نعمة الله بقلبه، وحمده بلسانه لم يستتمّ ذلك حتّى يرى الزّيادة. لقوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم/ 7) » ) * «5» . 15- * (كان محارب بن دثار- رحمه الله تعالى- يقوم اللّيل ويرفع صوته أحيانا وهو يقول: «أنا الصّغير الّذي ربّيته فلك الحمد، وأنا الضّعيف الّذي قوّيته فلك الحمد، وأنا الفقير الّذي أغنيته فلك الحمد، وأنا الصّعلوك الّذي موّلته فلك الحمد، وأنا العزب الّذي زوّجته فلك الحمد، وأنا السّاغب الّذي أشبعته فلك الحمد، وأنا العاري الّذي كسوته فلك الحمد، وأنا المسافر الّذي صحبته فلك الحمد، وأنا الغائب الّذي رددته فلك الحمد، وأنا الرّاجل الّذي حملته فلك الحمد، وأنا المريض الّذي شفيته فلك الحمد، وأنا السّائل الّذي أعطيته فلك الحمد، وأنا الدّاعي الّذي أجبته فلك الحمد، ربّنا ولك الحمد حمدا كثيرا» ) * «6» . 16- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: «أحبّ أن يقدّم المرء بين يدي خطبته وكلّ أمر طلبه حمد الله تعالى والثّناء عليه سبحانه وتعالى والصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «7» . 17- * (قال ابن العطّار- رحمه الله تعالى-: «لو حلف إنسان ليثنينّ على الله تعالى أحسن الثّناء فطريق البرّ أن يقول: لا أحصي ثناء عليك أنت كما   (1) المصدر السابق (128) . (2) المصدر السابق (130) . (3) مختصر منهاج القاصدين (278) . (4) الموطأ (934- 935) . (5) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم (123- 124) . (6) عدة الصابرين (146) . (7) مقدمة فتاوى النووي المسماة بالمسائل المنثورة (8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1780 أثنيت على نفسك. وزاد بعضهم فلك الحمد حتّى ترضى» ) * «1» . 18- * (قال ابن زيد- رحمه الله تعالى-: «إنّه ليكون في المجلس الرّجل الواحد يحمد الله- عزّ وجلّ- فيقضي لذلك المجلس حوائجهم كلّهم» ) * «2» . 19- * (وقال أيضا: في بعض الكتب التّي أنزلها الله تعالى أنّه قال: «سرّوا عبدي المؤمن، فكان لا يأتيه شيء إلّا قال الحمد لله ما شاء الله. قال: روّعوا عبدي المؤمن، فكان لا يطلع عليه طليعة من طلائع المكروه إلّا قال: الحمد لله، الحمد لله. فقال الله تبارك وتعالى: إنّ عبدي يحمدني حين روّعته كما يحمدني حين سررته «3» أدخلوا عبدي دار عزّي كما يحمدني على كلّ حالاته» ) * «4» . من فوائد (الحمد) (1) إنّه من أعلى مقامات الإيمان. (2) محبّة الله- عزّ وجلّ- ونصرته. (3) جلب النّعم المفقودة والمحافظة على الموجودة. (4) مجاورة العبد ربّه- عزّ وجلّ- في أعلى مقامات الجنّة. (5) غفران الذّنوب وستر العيوب. (6) مجاورة الحمّادين سعادة لمن جاورهم وجالسهم. (7) انشغال الإنسان بذكر ربّه عن الغيبة والنّميمة، وعن كلّ ما يسخط الله- عزّ وجلّ-. (8) قوّة البدن وعافيته. (9) أفضل من عتق الرّقاب، والصّدقة بحرّ المال. (10) يجعل العبد دائما مطمئنّا لقضاء الله ويوصّله لمقام الرّضا. (11) ينفي عن العبد صفة المعترض على قضائه المهمل لشكر نعمائه. (12) الحمد من أجمل الصّفات الّتي تحلّى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأوصى بها أمّته.   (1) المصدر السابق (9) . (2) عدة الصابرين (139) . (3) سررته: أدخلت عليه السرور. (4) عدة الصابرين (139) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1781 الحنان الحنان لغة: مصدر حنّ يحنّ حنانا وهو مأخوذ من مادّة (ح ن ن) الّتي تدلّ على الإشفاق والرّقّة وقد يكون ذلك مع صوت بتوجّع، وأصل الحنين ترجيع النّاقة صوتها إثر ولدها، ويقال منه حنّت المرأة على ولدها، قال الرّاغب: والحنين: النّزاع المتضمّن للإشفاق، يقال حنّت المرأة والنّاقة لولدها اشتاقت إليه وقد يكون مع ذلك صوت ولذلك يعبّر بالحنين عن الصّوت الدّالّ على النّزاع والشّفقة، أو متصوّر بصورته؛ وعلى ذلك حنين الجذع ولمّا كان الحنين متضمّنا للإشفاق، والإشفاق لا ينفكّ من الرّحمة عبّر عن الرّحمة به في نحو قوله سبحانه: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا (مريم/ 13) ، ومنه قيل: الحنّان المنّان، وحنانيك: إشفاقا لك بعد إشفاق وتثنيته كتثنية لبّيك وسعديك. وقال الجوهريّ: الحنين الشّوق وتوقان النّفس. تقول منه: حنّ إليه يحنّ حنينا فهو حانّ، والحنان: الرّحمة، يقال منه: حنّ عليه يحنّ حنانا، والحنّان بالتّشديد: ذو الرّحمة، وتحنّن عليه: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 1/ 14/ 12 ترحّم، والعرب تقول: حنانك، وحنانيك يا ربّ بمعنى أي رحمتك، والحنّة رقّة القلب؛ عن كراع، وذكر ابن منظور: أنّ الحنان يكون بمعنى الرّحمة وبمعنى الرّزق، وبمعنى البركة، وبمعنى الهيبة، وبمعنى الوقار، ويكون أيضا بمعنى شدّة البكاء والطّرب، واستحنّ: استطرب وتحنّن عليه أي تعطّف «1» . الحنّان من أسماء الله- عز وجل-: قال ابن الأعرابيّ: الحنّان بتشديد النّون بمعنى الرّحيم، وقال ابن الأثير: الحنّان الرّحيم بعباده، وهو فعّال من حنّ؛ للمبالغة، وقال أبو إسحاق: الحنّان في صفة الله تعالى ذو الرّحمة والتّعطّف، وقال الرّازيّ: ومن صفاته تعالى: الحنّان وهو المتعطّف عليهم بالرّحمة، قال عكرمة في قوله تعالى وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا قال: رحمة، وقال مجاهد: تعطّف من الله، قال: وكان ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يقول، والله ما أدري ما الحنان؟ وروي عنه من طريق آخر أنّه قال: الحنان الرّحمة، وقد جاء الوصف على فعّال الدّالّة على المبالغة؛ لأنّ من شأنه التّعطّف بالرّحمة والتّحنّن «2» .   (1) انظر مفردات الراغب (133) ، ومقاييس اللغة (2/ 24) ، والنهاية لابن الأثير (1/ 542) ، والصحاح (5/ 2104) ، واللسان مادة «حنّ» (1029) ط. دار المعارف. (2) انظر المراجع السابقة، وكتاب الزينة للرازي (2/ 221) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1782 وقال الشيخ الشّرباصيّ: والحنّان اسم الله تبارك وتعالى، وهو على وزن فعّال من الحنّة وهي الرّحمة ومعناه: الرّحيم بعباده المتعطّف عليهم المقبل على من أعرض عنه «1» . واصطلاحا: قال القرطبيّ: قال جمهور المفسّرين: الحنان هو الشّفقة والرّحمة والمحبّة وهو فعل من أفعال النّفس. وقال ابن الأعرابيّ: الحنّان مشدّدا من صفة الله تعالى: الرّحيم، والحنان مخفّفا: هو العطف والرّحمة «2» ، وقال ابن كثير: الحنان هو المحبّة في شفقة وميل «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الرحمة- الرفق- الشفقة- العطف- اللين- الرأفة- بر الوالدين- حسن المعاملة- حسن العشرة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجفاء- القسوة- العنف- عقوق الوالدين- سوء المعاملة] . الآيات الواردة في «الحنان» 1- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «4»   (1) انظر المراجع السابقة، وموسوعة «له الأسماء الحسنى» للشرباصي. (2) تفسير القرطبي (11/ 87، 88) (3) تفسير ابن كثير (3/ 113) . (4) مريم: 12- 15 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1783 الأحاديث الواردة في (الحنان) 1- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- أنّه قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلفه ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا أو حائش نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه فسكت، فقال: «من ربّ هذا الجمل؟، لمن هذا الجمل؟» . فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي، يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها، فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «1» » ) * «2» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب إلى جذع، فلمّا اتّخذ المنبر تحوّل إليه، فحنّ الجذع، فأتاه فمسح يده عليه) * «3» . 3- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت مع رسول الله، جالسا في الحلقة ورجل قائم يصلّي، فلمّا ركع وسجد جلس وتشهّد، ثمّ دعا فقال: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت، الحنّان، بديع السّماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، يا حيّ يا قيّوم، إنّي أسألك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون بما دعا» ، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نساء قريش، خير نساء ركبن الإبل؛ أحناه على طفل، وأرعاه على زوج في ذات يده» ) * «5» . الأحاديث الواردة في (الحنان) معنى 5- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: ... الحديث وفيه «وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وضعيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «6» ، الّذين هم فيكم تبع لا يتبعون أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح   (1) تذئبه: تتعبه. (2) أبو داود (2549) ، أحمد (1/ 205) ، وقال شاكر (3/ 195) : صحيح. (3) البخاري- الفتح 6 (3583) . (4) أحمد (3/ 158) واللفظ له، والنسائي (3/ 52) ، ابن ماجة (3858) ، وقال الألباني (2/ 329) : حسن صحيح. (5) البخاري- الفتح 6 (3434) واللفظ له، مسلم (2527) . (6) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي، وقيل: هو الذي لا مال له، وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1784 ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، والشّنظير الفحّاش «1» ) * «2» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات. فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة. ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها. فاستطعمتها ابنتاها. فشقّت التّمرة الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما. فأعجبني شأنها. فذكرت الّذي صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة أو أعتقها بها من النّار» ) * «3» . 7- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيّا في السّبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «4» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنّما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينهما. فقالت: الصّغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها. فقضى به للصّغرى» ) * «5» . 9- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ فقال: يا نبيّ الله علّمني عملا يدخلني الجنّة. قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «6» . أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» . قال: أوليستا واحدا؟. قال: «لا. عتق النّسمة أن تعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة أن تعين على الرّقبة، والمنيحة الرّغوب، والفيء على ذي الرّحم. فإن لم تطق ذلك فأمر بالمعروف وانه عن المنكر. فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير» ) * «7» .   (1) الشنظير الفحاش: هو السيء الخلق. (2) مسلم (2865) . (3) مسلم (2630) . (4) البخاري- الفتح 10 (5999) ، مسلم (2754) . (5) البخاري- الفتح 6 (3427) واللفظ له، مسلم (1720) . (6) لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: لئن أوجزت الكلام فالمعنى كبير. (7) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 151) ، وقال مخرجه العلامة محب الدين الخطيب: رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الشعب ورجاله ثقات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1785 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحنان) 10- * (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «1» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم ومروهم وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم» ) * «2» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّما مثلي ومثل أمّتي، كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدّوابّ والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم «3» ، وأنتم تقحّمون «4» فيه» ) * «5» . 12- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فصلّى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها) * «6» . 13- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: كانت ثقيف خلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء «7» ، فأتى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الوثاق. قال: يا محمّد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاجّ «8» . فقال: «إعظاما لذلك، أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» ثمّ انصرف عنه فناداه. فقال: يا محمّد! يا محمّد! وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رقيقا، فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» قال: إنّي مسلم. قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك «9» ، أفلحت كلّ الفلاح» ثمّ انصرف، فناداه. فقال: يا محمّد! يا محمّد!. فأتاه، فقال: «ما شأنك؟» قال: إنّي جائع فأطعمني وظمآن فاسقني. قال: «هذه حاجتك» ففدي بالرّجلين ... الحديث) * «10» . 14- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منزلا فانطلق إنسان، إلى غيضة «11» فأخرج منها بيض حمّرة، فجاءت الحمّرة ترفّ على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورؤوس أصحابه. فقال: «وأيّكم فجع هذه؟» فقال رجل من القوم: أنا أصبت لها بيضا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اردده» ) * «12» .   (1) شببة: جمع شاب مثل بررة جمع بار. (2) البخاري- الفتح 10 (6008) واللفظ له، ومسلم (674) . (3) بحجزكم: جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل. (4) تقحمون: التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت. (5) مسلم (2284) . (6) البخاري- الفتح 10 (5996) واللفظ له، مسلم (543) . (7) العضباء: ناقة نجيبة كانت لرجل من بني عقيل ثم انتقلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (8) سابقة الحاج: أراد بها العضباء؛ فإنها كانت لا تسبق أو لا تكاد تسبق. (9) وأنت تملك أمرك: أي لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر. (10) مسلم (1641) . (11) الغيضة: الشجر الملتف. (12) أحمد (1/ 404) وهذا لفظه، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 320) رقم (3835) ، وعزاه لأبي داود وهو فيه برقم (5268) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1786 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحنان) 1- * (كان الحسن البصريّ- رحمه الله- إذا حدّث بحديث الجذع يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شوقا إلى لقائه، فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إليه) * «1» . 2- * (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى-: «صلة الرّحم هو أداء الواجب لها من حقوق الله الّتي أوجب لها والتّعطّف بما يحقّ التّعطّف به عليها» ) * «2» . 3- * (قال أبو سليمان الدّارانيّ: جلساء الرّحمن يوم القيامة، من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر) * «3» . 4- * (عن عون بن عبد الله؛ قال: بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزّبير مكتئبا معه شيء ينكت به في الأرض، إذ رفع رأسه فسنح له صاحب مسحاة فقال له: يا هذا مالي أراك مكتئبا حزينا؟ قال: فكأنّه ازدراه. فقال: لا شيء. قال صاحب المسحاة: أللدّنيا؟ فإنّ الدّنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر، والآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر، يفصل بين الحقّ والباطل. فلمّا سمع ذلك منه كأنّه أعجبه قال فقال: لما فيه المسلمون. قال: فإنّ الله سينجّيك بشفقتك على المسلمين، وسل، فمن ذا الّذي سأل الله- عزّ وجلّ- فلم يعطه، ودعاه فلم يجبه، وتوكّل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه؟ قال: فعلقت لدعاء: اللهمّ سلّمني وسلّم منّي فتمحّلت «4» ولم تصب منه أحدا) * «5» . 5- * (عن سعيد بن جبير قال: «سألت ابن عبّاس عن قوله: وَحَناناً فلم يحر «6» فيها شيئا» ) * «7» . 6- * (عن ابن عبّاس في قوله: «وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا قال: «رحمة من عندنا» ) * «8» . 7- * (عن ابن عبّاس أنّ نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا قال: «رحمة من عندنا» . قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: «نعم. أما سمعت طرفة بن العبد البكريّ وهو يقول: أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض) * «9» . 8- * (عن مجاهد: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا قال: «تعطّفا من ربّه عليه» ) * «10» .   (1) فتح الباري (6/ 697) . (2) جامع البيان في تفسير القرآن (1/ 144) . (3) عدة الصابرين (144) . (4) المحل في الأصل: انقطاع المطر طويلا، وفتن متماحلة ومتمحّل لله: أي طويلة يعظم خطرها. (5) التوكل على الله لابن أبي الدنيا (52) ، وقال مخرجه: إسناده صحيح. (6) ولم يحر: أي لم ينطق فيها بشيء. (7) الدر المنثور للسيوطي (5/ 485) . (8) الدر المنثور للسيوطي (5/ 485) . (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1787 9- * (عن الحسن: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا. قال: «الرّحمة» ) * «1» . 10- * (عن الرّبيع: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا. قال: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا* لا يملك عطاءها أحد غيرنا» ) * «2» . 11- * (عن سعيد الجهنيّ في قوله: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا. قال: «الحنان المحبّب» ) * «3» . 12- * (عن قتادة وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا. قال: رحمة من عندنا وَزَكاةً. قال: «صدقة» ) * «4» . من فوائد (الحنان) (1) إنّه من ثمرة الرّحمة التّي يرزقها الله- عزّ وجلّ- من يشاء من عباده. (2) طريق موصّل إلى محبّة الله سبحانه ورضاه وجنّته. (3) يؤلّف بين القلوب ويجمع بين الأحبّة وينتج المجتمع المسلم. (4) إنّه صفة من صفات الأنبياء والصّحابة والتّابعين وهم خير من يتأسّى بهم. (5) يعطي القدوة والمثل فيصبح العدوّ حبيبا والكافر مسلما. (6) يرقّق القلب فيجعله يرحم من هو دونه من البهائم والطّيور وغيرها.   (1) الدر المنثور للسيوطي (5/ 486) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1788 الحوقلة الحوقلة لغة: تقال على وجهين: الأوّل: مصدر حوقل الرّجل إذا قال لا حول ولا قوّة إلّا بالله، وهي كلمة منحوتة من هذه العبارة ونظيرها هلّل الرّجل إذا قال: لا إله إلّا الله. قال ابن منظور: هلّل الرّجل إذا قال: لا إله إلّا الله، وقد هيلل الرّجل إذا قال ذلك.. وهو مثل قولهم حولق الرّجل وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله وأنشد: فداك من الأقوام كلّ مبخّل ... يحولق إمّا ساله العرف سائل وقال الخليل: يقال حيعل الرّجل: إذا قال حيّ على الصّلاة قال: والعرب تفعل هذا، إذا كثر استعمالهم للكلمتين ضمّوا بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى. وقال أبو العبّاس: وهذا في أربع كلمات هي: الحوقلة، والبسملة، والسّبحلة، والهيللة، أحرفها جاءت هكذا. قيل له: والحمدلة، قال: لا أنكره. أمّا المعنى الآخر للحوقلة فإنّها تكون مصدرا لقولهم: حوقل الرّجل حوقلة وحيقالا، إذا كبر وفتر عن الجماع، الآيات الأحاديث الآثار 1 6 12 قال الرّاجز: يا قوم قد حوقلت أو دانيت ... وبعد حيقال الرّجال الموت قال الجوهريّ: وقلت لأبي الغوث: ما الحوقلة؟ قال: هن الشّيخ المحوقل «1» . أمّا الحول في اللّغة فأصله تغيّر الشّيء وانفصاله عن غيره، وباعتبار التّغيّر قيل: حال الشّيء يحول حؤولا، واستحال تهيّأ لأن يحول، وباعتبار الانفصال قيل حال بيني وبينك كذا وقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (الأنفال/ 24) ، فإشارة إلى ما قيل في وصفه «يقلّب القلوب» وهو أن يلقي في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك ... يقال: الحال لما يختصّ به الإنسان وغيره من الأمور المتغيّرة في نفسه وجسمه وقنيته، والحول ماله من القوّة في أحد هذه الأمور الثّلاثة، ومنه قيل لا حول ولا قوّة إلّا بالله «2» . وقال الجوهريّ: الحول يكون بمعنى الحيلة والقوّة وبمعنى السّنة، وقال ابن سيده: الحول والحيل والحيلة: الحذق وجودة النّظر، والقدرة على دقّة التّصرّف «3» .   (1) لسان العرب (8/ 4688- 4692) ، الصحاح. (4/ 1672) ، والمصباح المنير (2/ 639) . (2) مفردات الراغب (137) . (3) الصحاح (4/ 1679) ، اللسان (1055) ط. دار المعارف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1789 الحوقلة اصطلاحا: الحوقلة في الاصطلاح لا تختلف عن الحوقلة في معناها الأوّل وهو قول المسلم: لا حول ولا قوّة إلّا بالله مع اعتقاد لذلك وتصديق به. قال ابن الأثير- رحمه الله تعالى-: الحولقة لفظة مبنيّة من قول: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» بتقديم اللّام على القاف ويكون تركيبها من «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ، وأمّا الحوقلة بتقديم القاف على اللّام فيكون تركيبها من «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» والمعنيّ بهذا اللّفظ: إظهار الفقر إلى الله تعالى بطلب المعونة على ما يزاوله من الأمور، وهو حقيقة العبوديّة. وقيل المعنى: لا حول عن معصية الله إلّا بعصمة الله، ولا قوّة على طاعة الله إلّا بمعونة الله «1» . قاعدة لا حول ولا قوة إلا بالله: ليس في الوجود الممكن سبب واحد مستقلّ بالتّأثير، بل لا يؤثّر سبب ألبتّة إلّا بانضمام سبب آخر إليه وانتفاء مانع يمنع تأثيره. هذا في الأسباب المشهودة بالعيان، وفي الأسباب الغائبة والأسباب المعنويّة كتأثير الشّمس في الحيوان والنّبات، فإنّه موقوف على أسباب أخر، من وجود محلّ قابل، وأسباب أخر تنضمّ إلى ذلك السّبب. وكذلك حصول الولد موقوف على عدّة أسباب غير وطء الفحل، وكذلك جميع الأسباب مع مسبّباتها، فكلّ ما يخاف ويرجى من المخلوقات فأعلى غاياته أن يكون جزء سبب غير مستقلّ بالتّأثير، فإنّه لو فرض أنّ ذلك سبب مستقلّ وحده بالتّأثير لكانت سببيّته من غيره لا منه، فليس له من نفسه قوّة يفعل بها؛ فإنّه لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فهو الّذي بيده الحول كلّه والقوّة كلّها، فالحول والقوّة الّتي يرجى لأجلهما المخلوق ويخاف إنّما هما لله وبيده في الحقيقة. فكيف يخاف ويرجى من لا حول له ولا قوّة، بل خوف المخلوق ورجاؤه أحد أسباب الحرمان ونزول المكروه بمن يرجوه ويخافه؛ فإنّه على قدر خوفك من غير الله يسلّط عليك، وعلى قدر رجائك لغيره يكون الحرمان. وهذا حال الخلق أجمعه وإن ذهب عن أكثرهم علما وحالا، فما شاء الله كان ولا بدّ، وما لم يشأ لم يكن، ولو اتّفقت عليه الخليقة «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإنابة- التسبيح- التكبير- التهليل- الذكر- الاستغفار. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغرور- الغفلة- الإصرار على الذنب] .   (1) جامع الأصول (4/ 398) بتصرف يسير. (2) الفوائد (71- 72) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1790 الآيات الواردة في «الحوقلة» معنى 1- وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (43) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) «1»   (1) الكهف: 39- 44 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1791 الأحاديث الواردة في (الحوقلة) 1- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فكنّا إذا علونا كبّرنا، فقال: «اربعوا «1» على أنفسكم، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا، ثمّ أتى عليّ وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. فقال: «يا عبد الله بن قيس، قل: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فإنّها كنز من كنوز الجنّة» أو قال: «ألا أدلّك به» ) * «2» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا خرج الرّجل من بيته، فقال: بسم الله، توكّلت على الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله. قال: يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت فتتنحّى «3» له الشّياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي» ) * «4» . 3- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قال المؤذّن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. ثمّ قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله، قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله. ثمّ قال: حيّ على الصّلاة، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: حيّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر. ثمّ قال: لا إله إلّا الله، قال: لا إله إلّا الله من قلبه، دخل الجنّة» ) * «5» . 4- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبّح به، فقال: «أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل» فقال: «سبحان الله عدد ما خلق في السّماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلّا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله مثل ذلك» ) * «6» . 5- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل، لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» ، قال هؤلاء لربّي. فما لي؟ قال: «قل   (1) اربعوا: ارفقوا. (2) البخاري- الفتح 13 (7386) ، ومسلم (2704) . (3) يتنحى: يتأخر. (4) أبو داود (5095) واللفظ له، الترمذي (3426) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 276) : وهو حديث صحيح. (5) مسلم (385) . (6) أبو داود (1500) ، الترمذي (3568) ، وقال: حسن غريب. وذكره النووي في الأذكار، وعزاه للترمذي، ونقل تحسينه، وقال مخرجه (62) ، قال الحافظ: حديث صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1792 اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «1» . 6- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلّا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: اللهمّ اغفر لي- أو دعا- استجيب، فإن توضّأ قبلت صلاته» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (الحوقلة) معنى انظر: صفتي «التكبير والذكر» من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الحوقلة) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» . قال: «لا حول بنا على العمل بالطّاعة إلّا بالله، ولا قوّة لنا على ترك المعصية إلّا بالله» ) * «3» . 2- * (وعن زهير بن محمّد أنّه سئل، عن تفسير «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» . قال: «لا تأخذ ما تحبّ إلّا بالله، ولا تمتنع ممّا تكره إلّا بعون الله» ) * «4» . 3- * (قال ابن العربيّ- رحمه الله- عند تفسير آية وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ أي منزلك، قلت «ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله» قال أشهب: قال مالك: «ينبغي لكلّ من دخل منزله أن يقول هذا» ) * «5» . 4- * (وقال البغويّ- رحمه الله-: «قيل: الحول: الحيلة، وقيل: الحول: الحركة، يقول: لا حركة ولا استطاعة إلّا بمشيئة الله تعالى، وقيل: الدّفع والمنع» ) * «6» . 5- * (قال الزّجّاج: «لا يقوى أحد على ما في يده من ملك ونعمة إلّا بالله، ولا يكون إلّا ما شاء الله» ) * «7» . 6- * (وقال الزّمخشريّ: «لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلّا بالله تعالى، وعن عروة بن الزّبير أنّه كان يثلم حائطه أيّام الرّطب، فيدخل من شاء، وكان إذا دخله يردّد ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله حتّى يخرج» ) * «8» . 7- * (عن الحسن قال: «إذا سمعت المؤذّن   (1) مسلم (2696) . (2) البخاري- الفتح 3 (1154) . (3) الدر المنثور (15/ 393) . (4) المرجع السابق (15/ 394) . (5) أحكام القرآن (3/ 233) . (6) شرح السنة، للبغوي (5/ 68) . (7) فتح القدير، للشوكاني (3/ 287) . (8) الكشاف (2/ 391) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1793 فقل كما يقول، فإذا قال: حيّ على الصّلاة فقل: لا حول ولا قوّة إلّا بالله ... » ) * «1» . 8- * (عن مجاهد أنّه كان إذا قال المؤذّن حيّ على الصّلاة قال: «المستعان الله. فإذا قال: حيّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله) * «2» . 9- * (عن هشام قال: «كان أبي لا يؤتى بطعام ولا شراب حتّى الشّربة من الدّواء فيشربه أو يطعمه حتّى يقول: الحمد لله الّذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعّمنا، والله أكبر، اللهمّ ألفتنا نعمتك بكلّ شرّ، فأصبحنا وأمسينا منها بكلّ خير، نسألك تمامها وشكرها، لا خير إلّا خيرك ولا إله غيرك، إله الصّالحين وربّ العالمين، الحمد لله ربّ العالمين، لا إله إلّا الله ما شاء الله ولا قوّة إلّا بالله، اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النّار» ) * «3» . 10- * (عن يحيى بن راشد قال: حججنا فلمّا قضينا نسكنا قلنا: لو أتينا ابن عمر فحدّثناه، فأتينا فخرج إلينا، فجلس بيننا، فصمت لنسكه، وصمتنا ليحدّثنا، فلمّا أطال الصّمت قال: «ما لكم لا تحدّثون، ألا تقولون سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فإن زدتم خيرا زادكم الله» ) * «4» . 11- * (عن قتادة: «أنّ عثمان كان إذا سمع المؤذّن يقول كما يقول في التّشهّد والتّكبير كلّه، فإذا قال: حيّ على الصّلاة، قال: ما شاء الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ... » ) * «5» . 12- * (عن مكحول قال: «من قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله رفع الله عنه سبعين بابا من الضّرّاء أدناه الفقر» ) * «6» . من فوائد (الحوقلة) (1) باب من أبواب الجنّة إذا داوم عليها العبد. (2) العمل بها يؤدّي إلى معرفة الإنسان لحقيقة نفسه، وكذلك معرفته بقدر ربّه. (3) تحقيقها يباعد بين الإنسان وبين العجب والكبر (4) صفة من صفات الأنبياء والصّحابة والتّابعين والتّخلّق بصفاتهم أمر محمود في الدّنيا والآخرة. (5) المداومة عليها تجلو القلب وتطمئن النّفس وتهذّبها. (6) تفتح الباب لتكفير السّيّئات وعلوّ الدّرجات. (7) الحوقلة من الأسباب الّتي تؤدّي إلى إجابة الدّعاء. (8) الحوقلة تردّ كيد الشّيطان وتدمّره.   (1) الكتاب المصنف لابن أبي شيبة (1/ 206) . (2) المرجع السابق (1/ 206) . (3) المرجع السابق (6/ 73) . (4) المرجع السابق (6/ 69) . (5) المرجع السابق (1/ 206) . (6) المرجع السابق (6/ 104) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1794 الحياء الحياء لغة: مصدر قولهم حيي وهو مأخوذ من مادّة (ح ي ي) الّتي تدلّ على الاستحياء الّذي هو ضدّ الوقاحة، قال أبو زيد يقال حييت منه أحيا إذا استحييت. وقال الجوهريّ: واستحياه واستحيا منه بمعنى (واحد) من الحياء، ويقال: استحيت (بياء واحدة) وأصله استحييت فأعلّوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء، وقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما أي لا يستبقي، والحيا مقصور: المطر والخصب، والحياء ممدود: الاستحياء، والحياء أيضا رحم النّاقة والجمع أحيية عن الأصمعيّ «1» . وقال ابن منظور: الحياء: التّوبة والحشمة، يقال: حيي منه حياء، واستحيا، واستحى حذفوا الياء الأخيرة كراهية التقاء الياءين، و (الصّيغتان) الأخيرتان تتعدّيان بحرف وبغير حرف، يقولون: استحيا منك واستحياك واستحى منك واستحاك، والحياء يكون بمعنى الاستحياء بدليل قول جرير: الآيات الأحاديث الآثار 2 29 40 لولا الحياء لها جني استعبار ... ولزرت قبرك، والحبيب يزار وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الحياء شعبة من الإيمان» ، قال بعضهم: كيف جعل الحياء وهو غريزة شعبة من الإيمان وهو اكتساب؟ والجواب في ذلك: أنّ المستحيي ينقطع بالحياء عن المعاصي، فصار كالإيمان الّذي يقطع عنها، ويحول بين المؤمن وبينها «2» ، وقال ابن الأثير في هذا الحديث: وإنّما جعله بعض الإيمان لأنّ الإيمان ينقسم إلى: ائتمار بما أمر الله به، وانتهاء عمّا نهى الله عنه، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعض الإيمان «3» . أمّا الحديث الآخر وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» فله تأويلان: أحدهما ظاهر وهو المشهور: أي إذا لم تستح من العيب ولم تخش العار ممّا تفعله فافعل ما تحدّثك به نفسك من أغراضها حسنا كان أو قبيحا، ولفظه أمر، ومعناه توبيخ وتهديد، وفيه إشعار بأنّ الذّي يردع الإنسان عن مواقعة السّوء هو الحياء، فإذا انخلع منه كان كالمأمور بارتكاب كلّ ضلالة، وتعاطي كلّ سيّئة.   (1) مفردات الراغب (140) ، مقاييس اللغة (2/ 122) والصحاح (6/ 2324) . (2) لسان العرب (14/ 217) . (3) النهاية (1/ 470) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1795 والثّاني أن يحمل الأمر على بابه، ويكون المعنى: إذا كنت في فعلك آمنا أن تستحيي منه لجريك فيه على سنن الصّواب، وليس من الأفعال الّتي يستحيا منها، فاصنع منها ما شئت «1» ، قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: فالمعنى على الأوّل يكون تهديدا كما في قوله تعالى: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ (فصلت/ 40) ، وعلى الثّاني إذنا وإباحة، ولا يمكن حمل الحديث على المعنيين جميعا لما بين الإباحة والتهديد من المنافاة، واعتبار أحد المعنيين يوجب عدم اعتبار الآخر «2» . وأضاف الإمام العينيّ إلى هذين معنيين آخرين هما: 1- معنى الوعيد، أي افعل ما شئت تجاز به. 2- أنّه على طريق المبالغة في الذّمّ، أي تركك الحياء أعظم ممّا تفعله، قال- رحمه الله تعالى- والحديث للتّنويه بشأن الحياء والحثّ عليه «3» ، وقال ابن سيده: معنى الحديث: أنّ من لم يستح صنع ما شاء على جهة الذّمّ لترك الحياء، وليس يأمره بذلك وإنّما هو أمر بمعنى الخبر «4» . ويقال رجل حييّ أي ذو حياء، ووزنه فعيل، والأنثى بالهاء، يقال: امرأة حييّة، قال الأزهريّ: للعرب في هذا الحرف لغتان: استحى الرّجل يستحي، بياء واحدة، واستحيا يستحيي، بياءين، والقرآن نزل بهذه اللّغة الثّانية في قوله عزّ وجلّ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما (البقرة/ 26) . والثّلاثيّ منه قولهم: حييت منه أحيا، وتقول في الجمع حيوا، كما تقول خشوا ورضوا، ذهبت الياء لالتقاء السّاكنين، وفي حديث البراق (ودنوت منه لأركبه فتحيّا منّي) أي انقبض وانزوى ولا يخلو أن يكون مأخوذا من الحياء على سبيل التّمثيل، لأنّ من شأن الحييّ أن ينقبض، أو يكون أصله: تحوّى أي تجمّع فقلبت واوه ياء، وأمّا قوله عزّ وجلّ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ (القصص/ 4) فمعناه: يستفعل من الحياة أي يتركهنّ أحياء، وليس فيه إلّا لغة واحدة (وهي إثبات الياءين) وحيا النّاقة يقصر ويمدّ لغتان عن اللّيث، وقال الأزهريّ حياء النّاقة والشّاة وغيرهما ممدود، إلّا أن يقصره شاعر ضرورة، وإنّما سمّي حياء من الاستحياء لأنّه يستر من الآدميّ ويكنّى عنه من الحيوان، ويستفحش التّصريح باسمه «5» . وقال ابن القيّم: الحياء (الّذي هو الاستحياء) مشتق من الحياة، ومن ذلك أيضا: الحيا للمطر، لكنّه مقصور، وعلى حسب حياة القلب، يكون فيه قوّة خلق الحياء، وقلّة الحياء من موت القلب والرّوح فكلّما كان القلب أحيا كان الحياء أتمّ «6» . الحياء اصطلاحا: تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به «7» .   (1) النهاية (5/ 471) . (2) الدّاء والدّواء (132) . (3) نقلا عن فضل الله الصمد للجيلاني (2/ 54) . (4) نقلا عن لسان العرب (14/ 218) . (5) لسان العرب (14/ 217- 219) ط. بيروت بتصرف واختصار. (6) مدارج السالكين (2/ 270) . (7) الفتح (1/ 52) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1796 وقال الجرجانيّ: هو انقباض النّفس من شيء وتركه حذرا عن اللّوم فيه «1» . ويقال: خلق يبعث على ترك القبح ويمنع من التّقصير في حقّ ذي الحقّ «2» . وقال الرّاغب: الحياء انقباض النّفس عن القبائح وتركها «3» . وقال المناويّ: الحياء انقباض النّفس عن عادة انبساطها في ظاهر البدن لمواجهة ما تراه نقصا، حيث يتعذّر عليها الفرار بالبدن. وقيل: هو التّرقيّ عن المساوىء خوف الذّمّ. وقيل: هو انقباض النّفس من شيء حذرا من الملام «4» . وقال الجاحظ: الحياء من قبيل الوقار وهو غضّ الطّرف والانقباض عن الكلام حشمة للمستحيا منه، وهو عادة محمودة ما لم تكن عن عيّ، ولا عجز «5» . وذكر ابن مسكويه: أنّ الحياء من الفضائل الّتي تدخل تحت العفّة، بل هو أوّلها ثمّ عرّفه بقوله: الحياء: هو انحصار النّفس خوف إتيان القبائح والحذر من الذّمّ والسّبّ «6» . وقال ابن علّان: خلق يبعث على ترك القبيح من الأقوال والأفعال والأخلاق يمتنع صاحبه من التّقصير في حقّ ذي الحقّ. وقيل: هو ملكة راسخة للنّفس توزعها (تدفعها) على إيفاء الحقوق وترك القطيعة والعقوق «7» . وقال ابن مفلح الحنبليّ: وحقيقة الحياء خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح «8» . وقال النّوويّ: روينا عن أبي القاسم الجنيد رحمه الله تعالى- قوله: الحياء رؤية الآلاء (النّعم) ورؤية التّقصير، فيتولّد بينهما حالة تسمّى حياء «9» ، ومعنى هذه العبارة أنّ الحياء: حالة للنّفس تتولّد من رؤية أمرين هما: رؤية النّعم من ناحية ورؤية التّقصير من ناحية أخرى وهذا التّصوّر خاصّ بالحياء من المولى عزّ وجلّ. وقال فضل الله الجيلانيّ: الحياء تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يلام به ممّا كان قبيحا حقيقة «10» . الحييّ من صفات الله- عزّ وجلّ-: ومن صفات المولى- عزّ وجلّ- (الحييّ) كما في الحديث: «إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبده ... » ومعناه على هذا: المبالغ في الحياء.   (1) التعريفات (94) . (2) رياض الصالحين (272) ، (الفتح (1/ 52) . (3) مفردات الراغب (140) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (150) . (5) تهذيب الأخلاق للجاحظ (23) . (6) تهذيب الأخلاق في التربية لابن مسكويه (17) باختصار يسير. (7) دليل الفالحين (3/ 158) . (8) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 227) . (9) رياض الصالحين (246) . (10) فضل الله الصمد (2/ 54) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1797 والغرض والغاية من وصف الله تعالى به فعل ما يسرّ وترك ما يضرّ والعطاء من غير سؤال «1» . وقال الفيروز آباديّ: وأمّا حياء الرّبّ تبارك وتعالى من عبده، فنوع آخر لا تدركه ولا تكيّفه العقول فإنّه حياء كرم وبرّ وجود، فإنّه كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرا، ويستحي أن يعذّب شيبة شابت في الإسلام «2» . أنواع الحياء: الحياء قسمان: غريزيّ، ومكتسب. والحياء المكتسب: هو الّذي جعله الشّارع من الإيمان، وهو المكلّف به دون الغريزيّ، وقد ينطبع الشّخص بالمكتسب حتّى يصير كالغريزيّ. وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد جمع له النّوعان، فكان صلّى الله عليه وسلّم في الغريزيّ أشدّ حياء من العذراء في خدرها، وكان في المكتسب في الذّروة العليا «3» . وقال المناويّ: الحياء نوعان: نفسانيّ وهو المخلوق في النّفوس كلّها كالحياء من كشف العورة والجماع بين النّاس، وإيمانيّ وهو أن يمتنع المسلم من فعل المحرّم خوفا من الله «4» . ونقل صاحب الآداب الشّرعيّة عن غير واحد قولهم: قد يكون الحياء تخلّقا واكتسابا كسائر أعمال البرّ، وقد يكون غريزة واستعماله على مقتضى الشّرع يحتاج إلى كسب ونيّة وعلم «5» . المعاصي تذهب الحياء: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الّذي هو مادّة حياة القلب، وهو أصل كلّ خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه فقد جاء في الحديث الصّحيح «الحياء خير كلّه «6» » . والمقصود أنّ الذّنوب تضعف الحياء من العبد، حتّى ربّما انسلخ منه بالكلّيّة حتّى إنّه ربّما لا يتأثّر بعلم النّاس بسوء حاله، ولا باطّلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه مطمع. وإذا رأى إبليس طلعة وجهه حيّا وقال: فديت من لا يفلح، ومن لا حياء فيه ميّت في الدّنيا شقيّ في الآخرة، وبين الذّنوب وقلّة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطّرفين، وكلّ منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا، ومن استحيا من الله عند معصيته استحيا الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستح من معصيته لم يستح الله من عقوبته «7» . مظاهر الحياء وأقسامه: قال ابن القيّم: قسّم الحياء إلى عشرة أوجه: حياء جناية، وحياء تقصير، وحياء إجلال، وحياء   (1) بذل المجهود (8/ 328) بتصرف. (2) بصائر ذوي التمييز (2/ 517) . (3) فتح الباري (10/ 522- 523) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (150) . (5) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 227) . (6) انظر الحديث رقم (16) . (7) الداء والدواء (131- 133) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1798 كرم، وحياء حشمة، وحياء استحقار النّفس (استصغارها) ، وحياء محبّة، وحياء عبوديّة، وحياء شرف وعزّة، وحياء المستحيي من نفسه. 1- فأمّا حياء الجناية: فمنه حياء آدم عليه السّلام لمّا فرّ هاربا في الجنّة. قال الله تعالى: «أفرارا منّي يا آدم؟» قال: لا يا ربّ. بل حياء منك. 2- وحياء التّقصير: كحياء الملائكة الّذين يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة قالوا سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك. 3- وحياء الإجلال: وهو حياء المعرفة، وعلى حسب معرفة العبد بربّه يكون حياؤه منه. 4- وحياء الكرم: كحياء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من القوم الّذين دعاهم إلى وليمة زينب، وطوّلوا الجلوس عنده، فقام واستحيى أن يقول لهم: انصرفوا. 5- وحياء الحشمة: كحياء عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المذي لمكان ابنته منه. 6- وحياء الاستحقار، واستصغار النّفس: كحياء العبد من ربّه عزّ وجلّ حين يسأله حوائجه، احتقارا لشأن نفسه، واستصغارا لها. وقد يكون لهذا النّوع سببان: أحدهما: استحقار السّائل نفسه. واستعظام ذنوبه وخطاياه. الثّاني: استعظام مسئوله (وهو المولى عزّ وجلّ) . 7- وأمّا حياء المحبّة: فهو حياء المحبّ من محبوبه، حتّى إنّه إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه، وأحسّ به في وجهه ولا يدري ما سببه. وكذلك يعرض للمحبّ عند ملاقاته محبوبه ومفاجأته له روعة شديدة. ومنه قولهم «جمال رائع» وسبب هذا الحياء والرّوعة ممّا لا يعرفه أكثر النّاس. فإذا فاجأ المحبوب محبّه، ورآه بغتة، أحسّ القلب بهجوم سلطانه عليه فاعتراه روعة وخوف. 8- وأمّا حياء العبوديّة: فهو حياء ممتزج من محبّة وخوف، ومشاهدة عدم صلاح عبوديّته لمعبوده، وأنّ قدره أعلى وأجلّ منها. فعبوديّته له توجب استحياءه منه لا محالة. 9- وأمّا حياء الشّرف والعزّة: فحياء النّفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء أو إحسان. فإنّه يستحيي مع بذله حياء شرف نفس وعزّة. 10- وأمّا حياء المرء من نفسه: فهو حياء النّفوس الشّريفة العزيزة الرّفيعة من رضاها لنفسها بالنّقص، وقناعتها بالدّون. فيجد نفسه مستحييا من نفسه، حتّى كأنّ له نفسين، يستحيي بإحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء. فإنّ العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره أجدر «1» . الحياء والأمر بالمعروف: الحياء الحقيقيّ لا يمنع من الأمر بالمعروف أو النّهي عن المنكر: قال صاحب «فضل الله الصّمد» : فإن قيل إنّ   (1) مدارج السالكين (2/ 272) باختصار وتصرف يسير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1799 صاحب الحياء قد يستحيي أن يواجه بالحقّ، فيترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك ممّا هو معروف في العادة، فأقول إنّ ذلك ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز وخور ومهانة وإنّما أطلقوا عليه حياء تشبيها ومجازا «1» ، وإنّما يكون الحياء حقيقيّا حيث يكون قبح المستحيا منه حقيقيّا، فلا يدخل فيه الانقباض عمّا يستقبحه النّاس وهو في الحقيقة حسن، ولا الانقباض عمّا هو في الأصل قبيح ولكنّ الانقباض عنه يؤدّي إلى ما هو أقبح منه، مثال ذلك ما يقع من بعض خرعات النّساء، يعرض لها فاجر في خلوة يحاول استكراهها، فتنقبض نفسها عن أن تستغيث وتصرخ، لأنّها تستقبح أن يشيع عنها أنّ فاجرا تعرّض لها، ولو عقلت لعلمت أنّ شيوع ذلك ليس بقبيح إذا اقترن بإبائها عن الفاحشة، والنّاس يثنون عليها بالعفّة والحزم والثّبات إذا سمعوا أنّها انتهرته وصرخت بأهلها فجاءوا ودفعوه، وعلى ذلك فالحياء في قوله صلّى الله عليه وسلّم «الحياء لا يأتي إلّا بخير» هو الحياء الحقيقيّ. وقد ثبت أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها وهو لنا في ذلك قدوة- لا يقوم دون غضبه شيء إذا انتهكت حرمات الله «2» . ممّ يتولّد الحياء؟ قال الجنيد- رحمه الله تعالى- الحياء رؤية الآلاء (أي النّعم) ، ورؤية التّقصير، ويتولّد بينهما الحياء «3» . وقال أبو الفدا (إسماعيل الهرويّ) : يتولّد الحياء من التّعظيم المنوط بالحبّ «4» . قال ابن القيّم: يعني أنّ الحياء حالة حاصلة من امتزاج التّعظيم بالمودّة، فإذا اقترنا تولّد بينهما الحياء «5» . وقال غيرهما: تولّده من شعور القلب بما يستحيى منه (ونفرته عنه) ، فيتولّد من هذا الشّعور والنّفرة حالة هي الحياء «6» . قال ابن القيّم: ولا تنافي بين هذه الأقوال، لأنّ للحياء عدّة أسباب، وكلّ أشار إلى بعضها «7» . وقد يتولّد الحياء من علم العبد بنظر الحقّ إليه، فيجذبه ذلك إلى تحمّل المجاهدة ويحمله على استقباح الجناية، ويسكته عن الشّكوى «8» . وقد أشار ابن القيّم إلى هذه الدّرجة في مطلع حديثه عن الحياء عند ما ذكر الآيات الكريمة الّتي تدلّ على رؤية المولى عزّ وجلّ لعباده ظواهرهم وبواطنهم وعلى كونه رقيبا عليهم، وذلك قوله سبحانه: أَلَمْ   (1) فضل الله الصمد (2/ 54) . (2) فضل الله الصمد (2/ 691، 692) . (3) رياض الصالحين (246) . (4) مدارج السالكين (2/ 274) نقلا عن منازل السالكين لأبي الفداء. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق (2/ 275) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) نقلا عن مدارج السالكين (2/ 275) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1800 يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (العلق/ 14) ، وقوله عزّ من قائل: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (غافر/ 19) ، وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) «1» . وجاء في حديث جبريل المشهور: ما الإحسان؟: قال: الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك «2» . وقال ابن القيّم في شرح العبارة السّابقة: يعني أنّ العبد متى علم أنّ الرّبّ تعالى ناظر إليه أورثه هذا العلم حياء منه سبحانه، فيجذبه إلى احتمال أعباء الطّاعة، وذلك كمثل العبد إذا عمل الشّغل بين يدي سيّده، فإنّه يكون نشيطا فيه، محتملا لأعبائه، ولا سيّما مع الإحسان من سيّده، والله عزّ وجلّ لا يغيب نظره عن عبده، فإذا ما غاب نظر العبد عن كون المولى ناظرا إليه تولّد من ذلك قلّة الحياء والقحة، هذا ولاستقباح الجناية النّاشيء عن الحياء درجتان أخريان، دنيا وهي الاستقباح الحاصل عن ملاحظة الوعيد، وعليا: وهي الاستقباح الحاصل عن المحبّة. ومن الحياء ما يتولّد من تحقّق القلب بالمعيّة الخاصّة مع الله عزّ وجلّ، قال ابن القيّم: والمعيّة مع الله نوعان: عامّة: وهي معيّة العلم والإحاطة المستفادة من قوله عزّ وجلّ: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ (الحديد/ 4) .. وقوله سبحانه: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ.. (ق 16) . وقوله سبحانه: فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ... (الشورى/ 11) . وقوله سبحانه: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ... (المجادلة/ 7) وقوله سبحانه: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الأنعام/ 103) ، وقوله سبحانه: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (الجن/ 28) . خاصّة: وهي الّتي أشار إليها سبحانه في قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (النحل/ 128) وقوله- عزّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 153) وقوله- سبحانه: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت/ 69) . وهذه المعيّة معيّة قرب تتضمّن الموالاة والنّصر والحفظ وكلا المعيّتين مصاحبة منه للعبد، لكن الأولى مصاحبة اطّلاع وإحاطة، والثّانية مصاحبة موالاة ونصر وإعانة. وقرب الله- عزّ وجلّ- من العبد فهو- أيضا نوعان: الأوّل: قربه من داعيه بالإجابة، وذلك كما قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ   (1) مدارج السالكين (2/ 267) ، وانظر آيات أخرى عديدة في هذا المعنى في صفات العلم والمراقبة. (2) انظر صفة الإحسان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1801 دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ 186) . ولهذا نزلت هذه الآية جوابا للصّحابة- رضي الله عنهم- عند ما سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ربّنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟» «1» . والثّاني: قربه من عابده بالإثابة، وشاهده قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد، وأقرب ما يكون الرّبّ من عبده وهو في جوف اللّيل» . وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرّبّ لخلقه، واستواءه على عرشه إذ هو ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. ومن ذلك على سبيل المثال أنّ أهل السّنّة وهم أولياء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأحبّاؤه، الّذين هو عندهم أولى بهم من أنفسهم وأحبّ إليهم منها، يجدون نفوسهم أقرب إليه، وهم في الأقطار النّائية عنه من بعض جيران حجرته في المدينة (المنوّرة) «2» . الحياء أصل لكل خير: قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: وخلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلّها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل هو خاصّة الإنسانيّة، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانيّة إلّا اللّحم والدّم وصورتهما الظّاهرة، كما أنّه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يقر الضّيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤدّ أمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرّى الرّجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنّبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة. وكثير من النّاس لولا الحياء الّذي فيه لم يؤدّ شيئا من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقّا، ولم يصل له رحما، ولا برّ له والدا؛ فإنّ الباعث على هذه الأفعال إمّا دينيّ، وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإمّا دنيويّ علويّ، وهو حياء فاعلها من الخلق. فقد تبيّن أنّه لولا الحياء إمّا من الخالق أو من الخلائق لم يفعلها صاحبها. ثمّ قال- رحمه الله-: إنّ للإنسان آمرين وزاجرين، آمر وزاجر من جهة الحياء، فإذا أطاعه امتنع من فعل كلّ ما يشتهي، وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطّبيعة، فمن لم يطع آمر الحياء وزاجره، أطاع آمر الهوى والشّهوة ولا بدّ «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الإيمان العفة- غض البصر- المراقبة- حفظ الفرج- حسن الخلق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الكبر والعجب- الغرور- اتباع الهوى- المجاهرة بالمعصية- إطلاق البصر- سوء الخلق- التفريط والإفراط] .   (1) هذا أحد الأقوال في سبب نزول الآية وهناك أقوال أخرى عديدة انظرها في تفسير القرطبي (2/ 308) ، والقرب بالإجابة أيضا أحد ثلاثة أقوال أوردها القرطبي أمّا الثّاني فهو القرب بالعلم، والثالث قربه سبحانه من أوليائه بالإفضال والإنعام. (2) باختصار وتصرف عن مدارج السالكين (2/ 275- 279) . (3) مختصر من كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم (277) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1802 الآيات الواردة في «الحياء» 1- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «2»   (1) القصص: 20- 25 مكية (2) الأحزاب: 53 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1803 الأحاديث الواردة في (الحياء) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استحيوا من الله حقّ الحياء» . قال: قلنا: يا رسول الله إنّا نستحيي والحمد لله، قال: «ليس ذاك، ولكنّ الاستحياء من الله حقّ الحياء: أن تحفظ الرّأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدّنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء» ) * «1» . 2- * (عن سعيد بن زيد الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا قال يا رسول الله: أوصني. قال: «أوصيك أن تستحيي من الله عزّ وجلّ- كما تستحيي رجلا من صالحي قومك» ) * «2» . 3- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتّعطّر، والسّواك، والنّكاح» ) * «3» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله: إنّ البكر تستحيي. قال: «رضاها صمتها» ) * «4» . 5- * (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه يدعوه أن يردّهما صفرا، ليس فيهما شيء» ) * «5» . 6- * (عن أشجّ عبد القيس أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ فيك خلّتين يحبّهما الله- عزّ وجلّ-» . قلت: ما هما؟ قال: «الحلم والحياء» . قلت أقديما كان فيّ أم حديثا؟ قال: «بل قديما» . قلت: الحمد لله الّذي جبلني على خلّتين يحبّهما) * «6» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لكلّ دين خلقا وخلق الإسلام   (1) الترمذي (2458) وقال: غريب، وقال المباركفوري في التحفة (7/ 155) : أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي. وقال المناوي: قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي. وهو عند الحاكم (4/ 323) ، وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي، وقال محقق جامع الأصول بعد كلام الحاكم: وهو كما قالا، فإن له شواهد يتقوى بها (3/ 616) . (2) الزهد لأحمد (ص 46) ، والشعب للبيهقي (2/ 462) . وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 376) حديث (741) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق (50) ومجمع الزوائد (10/ 284) وقال إنه عن سعيد بن يزيد، وقال: رواه الطبرانى ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم. (3) الترمذي (1080) وفي سنده أبو الشمال بن ضباب، قال فيه أبو زرعة: لا أعرف اسمه، ولا أعرفه إلا في هذا الحديث (التهذيب 12/ 128) ، وله طريق أخرى في المسند (5/ 425) ، كما أن له شواهد كثيرة أشار إليها الترمذي بقوله: وفي الباب عن عثمان، وثوبان وابن مسعود، وعائشة، وعبد الله بن عمر، وأبي نجيح، وجابر، وعكاف، قال: وحديث أبي أيوب حسن غريب، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (919) . (4) البخاري- الفتح 9 (5137) واللفظ له ومسلم (1420) (5) الترمذي (3556) ، وأبو داود (1488) وقال الألباني (1/ 279) : صحيح، وابن ماجه (3865) ، والبيهقي في الدعوات، وجوّد إسناده الحافظ في الفتح (11/ 147) ، والحاكم (1/ 497) وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي. (6) أحمد (4/ 206) واللفظ له، وابن ماحه (4188) ، وأصل حديث أشج عبد القيس، أخرجه البخاري- الفتح 10 (6176) ، ومسلم (23) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1804 (الحياء» ) * «1» . 8- * (عن أبي مسعود (وهو البدريّ) - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» ) * «2» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ موسى كان حييّا ستّيرا، لا يرى من جلده شيء استحياء من الله فآذاه من آذاه من بني إسرائيل. فقالوا: ما يستتر إلّا من عيب بجلده إمّا برص وإمّا أدرة «3» » .. الحديث) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضع «5» وستّون شعبة «6» ، والحياء شعبة من الإيمان» ) * «7» . 11- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: تزوّجني الزّبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز غربه «8» وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكنّ نسوة صدق، وكنت أنقل النّوى من أرض الزّبير الّتي أقطعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رأسي وهي منّي على ثلثي فرسخ. فجئت يوما والنّوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثمّ قال: «إخ إخ» «9» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرّجال، وذكرت الزّبير وغيرته، وكان أغير النّاس، فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي قد استحييت فمضى، فجئت الزّبير، فقلت: لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى رأسي النّوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النّوى كان أشدّ عليّ من ركوبك معه) * «10» . 12- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: جاءت أمّ سليم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله إنّ الله لا يستحيي من الحقّ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأت الماء» . فغطّت أمّ سلمة- تعني وجهها- وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ قال: «نعم، تربت يمينك فبم يشبهها ولدها؟» ) * «11» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في   (1) ابن ماجه (4181) . ومن طريق ابن عباس- رضي الله عنهما- (4182) ، ورواه مالك في الموطأ مرسلا، وقال محقق جامع الأصول: والحديث بطرقه يرتقي إلى الحسن (3/ 622) . (2) البخاري- الفتح 10 (6120) . (3) أدرة: انتفاخ في الخصية. (4) البخاري- الفتح 6 (3404) واللفظ له، ومسلم (339) . (5) البضع: العدد من ثلاثة إلى تسعة. (6) الشعبة: الخصلة. (7) البخاري- الفتح 1 (9) واللفظ له، ومسلم (35) ، ورواه أيضا بلفظ الإيمان بضع وسبعون شعبة. (8) غربه: دلوه. (9) إخ إخ: كلمة تقال للبعير لينيخه. (10) البخاري- الفتح 9 (5224) . (11) البخاري- الفتح 1 (130) ، ومسلم (313) ، رواه أيضا من حديث أم سليم (311) وحديث عائشة (314) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1805 الجنّة، والبذاء «1» من الجفاء، والجفاء في النّار» ) * «2» . 14- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» ) * «3» . 15- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء والعيّ شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النّفاق» ) * «4» . 16- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء لا يأتي إلّا بخير» . فقال بشير بن كعب: مكتوب في الحكمة: إنّ من الحياء وقارا وإنّ من الحياء سكينة. فقال له عمران: أحدّثك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتحدّثني عن صحيفتك» ) * «5» . 17- * (عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «إحفظ عورتك إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» . فقال: الرّجل يكون مع الرّجل؟ قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل» قلت. والرّجل يكون خاليا. قال: «فالله أحقّ أن يستحيا منه» ) * «6» . 18- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها «7» » ) * «8» . 19- * (عن هشام عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللّاتي وهبن أنفسهنّ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت عائشة: أما تستحيي المرأة أن تهب نفسها للرّجل. فلمّا نزلت تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ قلت: يا رسول الله ما أرى ربّك إلّا يسارع في هواك) * «9» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المسكين الّذي تردّه الأكلة والأكلتان، ولكنّ المسكين الّذي ليس له غنى   (1) البذاء: الفحش في الكلام، قاله الترمذي. (2) الترمذي (2009) ، وقال: حسن صحيح ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 52) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان، وقال محققه: حسن، وصححه الترمذي (14) ، وذكره في جامع الأصول (3/ 617) وقال محققه: إسناده حسن. (3) الحاكم (1/ 22) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم وأقره الذهبي، والإيمان لابن أبي شيبة (7) ، وقال الألباني: موقوف على ابن عمر وسنده صحيح. وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (555) وعزاه للحاكم. (4) الترمذي (2027) ، وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (3/ 618) . والعيّ: قلة الكلام، والبيان: كثرة الكلام. (5) البخاري- الفتح 10 (6117) واللفظ له، ومسلم (37) . (6) الترمذي (2769) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن، وأبو داود (4017) ، وابن ماحه (1920) ، والحاكم (4/ 179 180) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وذكره البخاري تعليقا مجزوما به الفتح (1/ 459) وحسنه الألباني في الإرواء (1810) . (7) خدرها: سترها الذي تستتر به. (8) البخاري- الفتح 10 (6119) واللفظ له. ومسلم (2320) . (9) البخاري- الفتح 9 (5113) واللفظ له، ومسلم (1425) خرج أصله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1806 ويستحيي أن يسأل النّاس إلحافا» ) * «1» . 21- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما كان الفحش في شيء قطّ إلّا شانه، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلّا زانه» ) * «2» . 22- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعه فإنّ الحياء من الإيمان» ) * «3» . 23- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو النّاس. خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم- ويذكر ذنبه فيستحيي- ائتوا نوحا فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم- ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم، فيستحيي- فيقول ائتوا خليل الرّحمن. فيأتونه، فيقول: لست هناكم ائتوا موسى عبدا كلّمة الله وأعطاه التّوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم- ويذكر قتل النّفس بغير نفس فيستحيي من ربّه- فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فيأتوني، فأنطلق حتّى أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي مثله ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة. ثمّ أعود الرّابعة فأقول: ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» ) * «4» . 24- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: «لمّا فرغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه. فقال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، قال: فرمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهم، فأثبته في ركبته فانتهيت إليه، فقلت: يا عمّ: من رماك؟، فأشار أبو عامر إلى أبي موسى، فقال: إنّ ذاك قاتلي تراه ذلك الّذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته فلمّا رآني ولّى عنّي ذاهبا فاتّبعته وجعلت أقول له ألا تستحيي؟، ألست عربيّا؟، ألا تثبت؟ فكفّ، فالتقيت أنا وهو فاختلفنا أنا وهو ضربتين فضربته بالسّيف فقتلته ... الحديث» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1476) واللفظ له ومسلم (1039) . (2) الترمذي (1974) وقال: حديث حسن. وابن ماجه (4185) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن وعزاه لأحمد والبخاري في الأدب المفرد (3/ 623) . (3) البخاري- الفتح 10 (6118) ، ومسلم (59) . (4) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له ومسلم (193) . (5) البخاري- الفتح 8 (4323) ، مسلم (2498) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1807 الأحاديث الواردة في (الحياء) معنى 25- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا بلغه عن الرّجل شيء لم يقل لم قلت كذا وكذا؟ ولكنّه يعمّ فيقول: ما بال أقوام..» ) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحياء) 26- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدّث، ثمّ استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك، فتحدّث، ثمّ استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسوّى ثيابه، فلمّا خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتشّ «2» له، ثمّ دخل عمر فلم تهتشّ له ولم تباله «3» ، ثمّ دخل عثمان فجلست وسوّيت ثيابك. فقال: «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة» ) * «4» . 27- * (عن صخر بن العيلة بن عبد الله الأحمسيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزا ثقيفا، فلمّا أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يمدّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد نبيّ الله قد انصرف ولم يفتح، فجعل صخر يومها عهد الله وذمّته أن لا يفارق هذا القصر حتّى ينزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يفارقهم حتّى نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكتب إليه صخر: أمّا بعد، فإنّ ثقيفا قد نزلت على حكمك يا رسول الله، وأنا مقبل إليهم وهم في خيل، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالصّلاة جامعة، فدعا لأحمس عشر دعوات: «اللهمّ بارك لأحمس في خيلها ورجالها» . وأتاه القوم فتكلّم المغيرة ابن شعبة، فقال: يا نبيّ الله، إنّ صخرا أخذ عمّتي ودخلت فيما دخل فيه المسلمون. فدعاهم، فقال: «يا صخر إنّ القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم فادفع إلى المغيرة عمّته» ، فدفعها إليه وسأل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما لبني سليم قد هربوا عن الإسلام، وتركوا ذلك الماء؟» فقال: يا نبيّ الله أنزلنيه أنا وقومي، قال: «نعم» فأنزله وأسلم- يعني السّلمييّن- فأتوا صخرا فسألوه أن يدفع إليهم الماء. فأبى، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا نبيّ الله أسلمنا وأتينا صخرا ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا. فأتاه، فقال: «يا صخر إنّ القوم إذا أسلموا أحرزوا   (1) أورده ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (70) ، وكل رواته ثقات وقد خرج هناك فارجع إليه. (2) تهتش له: تقابله بطلاقة وجه. (3) لم تباله: لم تكترث به ولم تحتفل لدخوله. (4) مسلم (2401) ورواه (2402) بلفظ «إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلى حاجته» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1808 أموالهم ودماءهم، فادفع إلى القوم ماءهم» ، قال: نعم، يا نبيّ الله، فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتغيّر عند ذلك حمرة حياء من أخذه الجارية وأخذه الماء) * «1» . 28- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ امرأة من الأنصار قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كيف أغتسل من المحيض؟ قال: «خذي فرصة «2» ممسّكة فتوضّئي ثلاثا» . ثمّ إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استحيا فأعرض بوجهه، أو قال: «توضّئي بها» ، فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 29- * (عن أنس رضي الله عنه قال: بني على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطّعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثمّ يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتّى ما أجد أحدا أدعو، فقلت: يا نبيّ الله ما أجد أحدا أدعوه، فقال: «فارفعوا طعامكم» . وبقي ثلاثة رهط يتحدّثون في البيت، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: «السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله» ، فقالت: وعليك السّلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك، بارك الله لك. فتقرّى «4» حجر نسائه كلّهنّ، يقول لهنّ كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. ثمّ رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدّثون وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري آخبرته أو أخبر أنّ القوم خرجوا، فرجع حتّى إذا وضع رجله في أسكفّة «5» الباب داخلة وأخرى خارجة أرخى السّتر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحياء) 1- * (قال أبو بكر- رضي الله عنه- وهو يخطب النّاس: «يا معشر المسلمين: استحيوا من الله فو الّذي نفسي بيده إنّي لأظلّ حين أذهب الغائط في الفضاء متقنّعا بثوبي استحياء من ربّي عزّ وجلّ» ) * «7» . 2- * (قال عمر- رضي الله عنه-: «من قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه» ) «8» . 3- * (قال ابن جريج: أخبرني محمّد بن عبّاد ابن جعفر أنّه سمع ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يقرأ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ (هود/ 5) قال سألته   (1) أبو داود (3067) ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 351) من طريق أبي داود، وقال: في إسناده اختلاف وأشار إليه الحافظ في التهذيب (4/ 362) وقال الحافظ في الإصابة (2/ 180) : أخرجه أبو داود والفريابي في مسنده، والبغوي من طريق أبي نعيم وأحمد طرفا منه. (2) فرصة ممسكة: قطعة من قطن أو صوف بها طيب. (3) البخاري- الفتح 1 (315) واللفظ له، ومسلم (332) . (4) تقرى: تتبع الحجرات واحدة واحدة. (5) أسكفة الباب: عتبته. (6) البخاري- الفتح 8 (4793) واللفظ له. ومسلم (1428) (7) مكارم الأخلاق، لابن أبي الدنيا (20) . (8) المرجع السابق نفسه (20) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1809 عنها فقال: «أناس كانوا يستحيون أن يتخلّوا «1» فيفضوا إلى السّماء أو يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السّماء. فنزل ذلك فيهم» ) * «2» . 4- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: «من لا يستحيي من النّاس لا يستحيي من الله» ) * «3» . 5- * (قال عليّ: كنت رجلا مذّاء «4» فاستحييت أن أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال «فيه الوضوء «5» » ) * «6» . 6- * (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم أحد، أقبلت امرأة تسعى، حتّى إذا كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تراهم، فقال: «المرأة، المرأة» . قال الزّبير فتوسّمت أنّها أمّي صفيّة، قال فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلدمتني «7» في صدري وكانت امرأة جلدة «8» ، قالت: إليك، لا أرض لك «9» ، قال: فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزم عليك، قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله، فكفّنوه فيهما، قال: فجئنا بالثّوبين لنكفّن فيهما حمزة، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار، قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفّن حمزة في ثوبين والأنصاريّ لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب، وللأنصاريّ ثوب. فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما فكفّنّا كلّ واحد منهما في الثّوب الّذي صار له) * «10» . 7- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: اختلف في الغسل، إذا قعد بين شعبها ولم ينزل، رهط من المهاجرين والأنصار. فقال الأنصاريّون: لا يجب الغسل إلّا من الدّفق أو من الماء. وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل. قال: قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك. فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي فقلت لها: يا أمّاه (أو يا أمّ المؤمنين) إنّي أريد أن أسألك عن شيء، وإنّي أستحييك. فقالت: لا تستحي أن تسألني عمّا كنت سائلا عنه أمّك الّتي ولدتك. فإنّما أنا أمّك. قلت: ما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جلس بين شعبها الأربع، ومسّ الختان الختان فقد وجب الغسل» ) * «11» .   (1) يتخلوا: يقضوا حاجتهم في الخلاء وهم عراة. (2) البخاري- الفتح 8 (4681) . (3) أحمد رواية البغوي (76) . (4) مذّاء: أي كثير المذي وهو البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء ولا يجب فيه الغسل وهو نجس يجب غسله وينقض الوضوء. قاله ابن الأثير في النهاية «مذي» . (5) فيه الوضوء: أي المذي يوجب الوضوء. (6) البخاري- الفتح 1 (178) واللفظ له، ومسلم (303) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث «فيه الوضوء» . (7) فلدمتني في صدري: ضربتني ودفعتني. (8) جلدة: قوية صبورة. (9) لا أرض لك: مثل قولهم لا أم لك. (10) أحمد (1/ 165) وقال أحمد شاكر في الحديث (1418) : إسناده صحيح، وقال في مجمع الزوائد (6/ 118) : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار. (11) البخاري- الفتح 1 (291) ، ومسلم (349) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1810 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «مرن أزواجكنّ أن يستطيبوا بالماء فإنّي أستحييهم منه، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يفعله» ) * «1» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها ضافت ضيفا، فأمرت بملحفة صفراء فنام فيها، فاحتلم، فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام فغمسها في الماء، ثمّ أرسل بها، فقالت عائشة: «لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنّما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، وربّما فركته من ثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأصابعي» ) * «2» . 10- * (قال إياس بن قرّة: كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر عنده الحياء، فقالوا: الحياء من الدّين. فقال عمر: «بل هو الدّين كلّه» ) * «3» . 11- * (قال وهب بن منبّه: «الإيمان عريان، ولباسه التّقوى، وزينته الحياء، وماله العفّة» ) * «4» . 12- * (قال مجاهد: «لا يتعلّم العلم مستحي ولا مستكبر» ) * «5» . 13- * (وقال أيضا: «لو أنّ المسلم لم يصب من أخيه، إلّا أنّ حياءه منه يمنعه من المعاصي» ) * «6» . 14- * (قال الحسن البصريّ: «الحياء والتّكرّم خصلتان من خصال الخير، لم يكونا في عبد إلّا رفعه الله بهما» ) * «7» . 15- * (عن شقيق بن سلمة (أبي وائل) - رحمه الله تعالى- قال: «خرجنا في ليلة مخوفة، فمررنا بأجمة فيها رجل نائم، وقيّد فرسه فهي ترعى عند رأسه فأيقظناه، فقلنا له: تنام في مثل هذا المكان؟ قال: فرفع رأسه، فقال إنّي أستحيي من ذي العرش أن يعلم أنّي أخاف شيئا دونه، ثمّ وضع رأسه فنام» ) * «8» . 16- * (قال الفضيل بن عياض: «خمس من علامات الشّقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلّة الحياء، والرّغبة في الدّنيا، وطول الأمل» ) * «9» . 17- * (قال أبو الفدا (إسماعيل الهرويّ) في منازل السّائرين: «الحياء من أوّل مدارج أهل الخصوص يتولّد من تعظيم منوط بودّ» ) * «10» . 18- * (قال الشّاعر: إذا لم تخش عاقبة اللّيالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدّنيا إذا ذهب الحياء يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي اللّحاء «11» ) * «12» .   (1) الترمذي (19) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (46) ، وذكره الألباني في صحيح النسائي (45) . (2) الترمذي (116) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد (6/ 42) ، روى مسلم (105) بعضه. (3) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (19) . (4) المرجع السابق (21) . (5) البخاري- الفتح (1/ 276) (6) مكارم الأخلاق (84) والمعنى: أن المسلم حين يستحيي من أخيه يمتنع عن ارتكاب المعاصي. (7) المرجع السابق (24) . (8) الزهد، لهناد بن السري (1/ 633) وقال محققه (محمد أبو الليث) : إسناده صحيح. (9) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 271) . (10) المرجع السابق (2/ 274) . (11) اللّحاء: قشر الشجر. (12) الفيروز آبادي، وبصائر ذوي التمييز (155) ، وفضل الله الصمد 2 (/ 57) ، ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (84) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1811 19- * (من كلام بعض الحكماء: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيى منه، وعمارة القلب بالهيبة والحياء، فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير) * «1» . 20- * (وقال ذو النّون المصريّ: الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة ما سبق منك إلى ربّك، والحبّ ينطق، والحياء يسكت، والخوف يقلق) * «2» . 21- * (قال السّريّ (الرّفّاء) : إنّ الحياء والأنس يطرقان القلب، فإن وجدا فيه الزّهد والورع (حلّا فيه) وإلّا رحلا) * «3» . 22- * (نقل ابن القيّم (ربّما عن كتب السابقين) الآثار الآتية في الحياء: أوحى الله عزّ وجلّ إلى عيسى عليه السّلام: «عظ نفسك، فإن اتّعظت، وإلّا فاستحي منّي أن تعظ النّاس» ) * «4» . 23- * (وفي أثر آخر: يقول الله تعالى: يابن آدم، إنّك ما استحييت منّي أنسيت النّاس عيوبك، وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك، ومحوت من أمّ الكتاب زلّاتك، وإلّا ناقشتك الحساب يوم القيامة) * 5. 24- * (وفي أثر آخر يقول الرّبّ عزّ وجلّ: «ما أنصفني عبدي، يدعوني عبدي فأستحيي أن أردّه، ويعصيني ولا يستحيي منّي» ) * 6. 25- * (قال يحيى بن معاذ: «من استحيا من الله مطيعا، استحيا الله منه وهو مذنب» ) * «7» . 26- * (قال ابن القيّم في شرح قول يحيى بن معاذ في الأثر السّابق: «من غلب عليه خلق الحياء من الله حتّى في حال طاعته فقلبه مطرق بين يدي ربّه إطراق مستحي خجل، فإذا واقع ذنبا استحيا الله عزّ وجلّ من أن ينظر إليه في تلك الحالة لكرامته عليه.. وفي واقع الحياة ما يشهد لذلك، فإنّ الرّجل إذا اطّلع على أخصّ النّاس به، وأحبّهم إليه وأقربهم منه، من ولد أو صاحب، أو ممّن يحبّ من غيرهم وهو يخونه- فإنّه يلحقه من ذلك الاطّلاع حياء عجيب، حتّى كأنّه هو الجاني، وذلك غاية الكرم. وقد قيل إنّ سبب هذا الحياء أنّه يمثّل نفسه «8» ، في حال طاعته كأنّه يعصي الله عزّ وجلّ فيستحيي منه في تلك الحال ولهذا شرع الاستغفار عقب الأعمال الصّالحة، والقرب الّتي يتقرّب بها إلى الله عزّ وجلّ» . وقيل: إنّما يمثّل نفسه خائنا، فيلحقه الحياء كما إذا شاهد رجلا مضروبا وهو صديق له أو من قد أحصر على المنبر عن الكلام، فإنّه يخجل أيضا تمثيلا لنفسه بتلك الحال، وهذا قد يقع، ولكنّ حياء من اطّلع على محبوبه وهو يخونه ليس من هذا، فإنّه لو اطّلع على غير من يحبّ، لم يلحقه هذا الحياء ولا قريب منه، وإنّما يلحقه مقته وسقوطه من عينه، وإنّما سبب الحياء- والله أعلم- شدّة تعلّق قلبه ونفسه به فينزّل الوهم فعل حبيبه بمنزلة فعله هو، ولا سيّما إن قدّر حصول المكاشفة بينهما، هذا في حقّ الشّاهد «9» .   (1) مدارج السالكين (2/ 270) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. 4- 5- 6 مدارج السالكين (2/ 270- 271) بتصرف يسير. (7) المرجع السابق (2/ 271) . (8) يمثل نفسه أي يتخيّلها في تلك الحالة. (9) المراد بالشاهد أي واقع الحياة المشهود لنا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1812 وأمّا حياء الرّبّ تعالى من عبده، فذلك نوع آخر، لا تدركه الأفهام، ولا تكيّفه العقول فإنّه حياء كرم وبرّ وجود وجلال فإنّه تبارك وتعالى حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرا، ويستحيي أن يعذّب ذا شيبة شابت في الإسلام) * «1» . 27- * (ذكر ابن عبد البرّ عن سليمان- عليه السّلام- «الحياء نظام الإيمان فإذا انحلّ النّظام ذهب ما فيه» ) * «2» . 28- * (عن معبد الجهنيّ قال: في قوله تعالى وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ (الأعراف/ 26) ، قال: «لباس التّقوى الحياء» ) * «3» . 29- * (وقال الحسن: «أربع من كنّ فيه كان كاملا، ومن تعلّق بواحدة منهنّ كان من صالحي قومه: دين يرشده، وعقل يسدّده، وحسب يصونه وحياء يقوده» ) * «4» . 30- * (قال الأصمعيّ: «سمعت أعرابيّا يقول: من كساه الحياء ثوبه لم ير النّاس عيبه» ) * «5» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «إنّ مكارم الأخلاق عشرة: صدق الحديث، وصدق التّأسّي في طاعة الله، وإعطاء السّائل، ومكافأة الصّنيع، وصلة الرّحم، وأداء الأمانة، والتّذمّم للجار، والتّذمّم للصّاحب، وقرى الضّيف ورأسهنّ الحياء» ) * «6» . 32- * (قال أبو بكر بن أبي الدّنيا (مؤلّف مكارم الأخلاق) : بدأنا الحياء لقول أمّ المؤمنين رضي الله عنها-: «رأس مكارم الأخلاق الحياء» ) * «7» . 33- * (عن الشّعبيّ قال: مرّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- في بعض طرق المدينة فسمع امرأة تقول: دعتني النّفس بعد خروج عمرو ... إلى اللّذّات فاطّلع التّلاعا «8» . فقلت لها: عجلت فلن تطاعي ... ولو طالت إقامته رباعا أحاذر إن أطعتك سبّ نفسي ... ومخزاة تجلّلني قناعا فقال عمر- وأتي بالمرأة-: أيّ شيء منعك؟ قالت الحياء وإكرام عرضي. فقال- رضي الله عنه- إنّ الحياء ليدلّ على هنات ذات ألوان، من استحيا استخفى، ومن استخفى اتّقى، ومن اتّقى وقّي، وكتب إلى صاحب زوجها فأقفله إليها) * «9» .   (1) مدارج السالكين (2/ 272) . (2) الآداب الشرعية (2/ 227) . (3) تفسير القرطبي (8/ 185) . (4) الآداب الشرعية (2/ 227) . (5) المرجع السابق (2/ 228) . (6) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (40- 41) . (7) المرجع السابق (61- 62) . (8) التلاع (من الأضداد) جمع تلعة وهي ما سفل من الوادي أو ما علا منه. (9) أقفله إليها أي أرجعه. وهو أميره المسئول عنه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1813 34- * (قال عبد الله (بن مسعود) : الإيمان عريان، وزينته التّقوى ولباسه الحياء) * «1» . 35- * (عن كعب الأحبار قال: لم يكن الحياء في رجل قطّ فتطعمه النّار أبدا) * «2» . 36- * (عن سليمان (لعلّه ابن عبد الملك) قال: إذا أراد الله بعبد هلاكا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلّا مقيتا ممقّتا) * «3» . 37- * (وقال صالح بن جناح: إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه ... ولا خير في وجه إذا قلّ ماؤه) * «4» . 38- * (وقال آخر كأنّه الفرزدق: يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فلا يكلّم إلّا حين يبتسم) * «5» . 39- * (وقال ابن جرير الطّبريّ: حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مكالمتي رفيقي ولو أنّي سمحت ببذل وجهي ... لكنت إلى الغنى سهل الطّريق) * «6» . 40- * (عن ابن الأعرابيّ: قال بعض العرب: إنّي كأنّي أرى من لا حياء له ... ولا أمانة وسط القوم عريانا) *. من فوائد (الحياء) (1) من خصال الإيمان وحسن الإسلام. (2) هجر المعصية خجلا من الله سبحانه وتعالى. (3) الإقبال على الطّاعة بوازع الحبّ لله عزّ وجلّ. (4) يبعد عن فضائح الدّنيا والآخرة. (5) أصل كلّ شعب الإيمان. (6) يكسو المرء الوقار فلا يفعل ما يخلّ بالمروءة والتّوقير ولا يؤذي من يستحقّ الإكرام. (7) لا يمنع من مواجهة أهل الباطل ومرتكبي الجرائم. (8) هو دليل على كرم السّجيّة وطيب المنبت. (9) صفة من صفات الأنبياء والصّحابة والتّابعين. (10) يعدّ صاحبها من المحبوبين من الله ومن النّاس.   (1) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (83) . (2) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (92) . (3) المرجع السابق (89) . (4) الآداب الشرعية (2/ 227) . (5) المرجع السابق (2/ 228) ، وفي مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (90) أن القائل هو الحزين الكناني، قاله في عبد العزيز بن مروان. (6) سير أعلام النبلاء للذهبي (14/ 276) وفيه: «إلى العلى» مكان «إلى الغنى» ، وطبقات الشافعية الكبرى (3/ 125) . ومعجم الأدباء (6/ 2443) بتحقيق إحسان عباس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1814 الحيطة الحيطة لغة: يقال: حاط يحوط حوطا وحيطة وحيطة وحياطة ومعناه: حفظه وتعهّده. وأمّا قول الهذليّ: وأحفظ منزلي وأحوط عرضي ... وبعض القوم ليس بذي حياط فحياط هنا بمعنى: حياطة. وتقول احتاط الرّجل: أي إنّه أخذ أموره بالأحزم، وأيضا قولك: احتاط الرّجل لنفسه: أي أخذ بالأوثق. والحيطة أيضا: الصّيانة والكلاءة والرّعاية والحوطة والحيطة: الاحتياط، وحاطه الله حوطا وحياطة: صانه وكلأه ورعاه. وفي حديث العبّاس: «قلت: يا رسول الله، ما أغنيت عن عمّك- يعني أبا طالب- فإنّه كان يحوطك» . يقال حاطه الآيات الأحاديث الآثار 1 13 6 يحوطه حوطا، إذا حفظه وصانه وذبّ عنه وتوفّر على مصالحه، ويقال حوّط كرمه تحويطا: بنى حوله حائطا فهو كرم محوط «1» . الحيطة اصطلاحا: إذا كانت الحيطة في اللّغة بمعنى الاحتياط؛ فإنّه يمكن تعريفها اصطلاحا بما يعرّف به الاحتياط ومن ثمّ تكون الحيطة: استعمال ما فيه الحياطة أي الحفظ وذلك بأخذ الامور بالأحزم والثّقة. [للاستزادة: انظر صفات: الحذر- الوقاية- اليقظة- الخوف- الخشية. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحمق- الطيش العجلة- اتباع الهوى- الأمن من المكر- الغرور] .   (1) لسان العرب (2/ 1052) ، والصحاح (3/ 1120) ، والمصباح المنير (1/ 156) ، ومقاييس اللغة (2/ 120) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1815 الآيات الواردة في «الحيطة» معنى 1- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «1»   (1) النساء: 101- 103 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1816 الأحاديث الواردة في (الحيطة) معنى 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استجنح اللّيل- أو كان جنح اللّيل- فكفّوا صبيانكم فإنّ الشّياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلّوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفىء مصباحك واذكر اسم الله، وأوك سقاءك «1» واذكر اسم الله، وخمّر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئا» ) * «2» . 2- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها بكفّه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء» ) * «3» . 3- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: أنّ رجلا مرّ بأسهم في المسجد قد أبدى نصولها، فأمر أن يأخذ بنصولها كي لا يخدش مسلما) * «4» . 4- * (عن سالم عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تتركوا النّار في بيوتكم حين تنامون» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يشير «6» أحدكم إلى أخيه بالسّلاح، فإنّه لا يدري أحدكم لعلّ الشّيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النّار» ) * «7» . 6- * (عن المسور بن مخرمة ومروان قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين» ، فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش ... إلى آخر الحديث) * «8» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين «9» » ) * «10» .   (1) أوك سقاءك: أي اجعل له وكاء، ومعنى ولو تعرض عليه شيئا: أي تجعل عليه عرضا من خرقة ونحوها فوقه. (2) البخاري- الفتح 6 (3280) واللفظ له، ومسلم (2012) . (3) البخاري- الفتح 1 (452) ، 13 (7075) ، ومسلم (2615) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 1 (451) ، 13 (7074) ، ومسلم (2614) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 11 (6293) ، ومسلم (2015) . (6) هكذا هو في جميع النسخ بالياء بعد الشين، وهو صحيح، وهو نهي بلفظ الخبر كقوله تعالى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها في قراءة من قرأ بالرفع، وهذا أبلغ من لفظ النهي. (7) البخاري- الفتح 13 (7072) . ومسلم (2617) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) . (9) ومعنى الحديث: أن المؤمن يستفيد من خطأ وقع فيه هو أو غيره فلا يكرره مرة ثانية. (10) البخاري- الفتح 10 (6133) ، ومسلم (2998) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1817 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحيطة) 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سهر فلمّا قدم المدينة قال: «ليت رجلا من أصحابي صالحا يحرسني اللّيلة» . إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: «من هذا؟» فقال: أنا سعد بن أبي وقّاص جئت لأحرسك. فنام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار: بكرة وعشيّة، ... الحديث وفيه: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين: «إنّي أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان» فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامّة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهّز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟. قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر ... قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظّهيرة. قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متقنّعا- في ساعة لم يكن يأتينا فيها- فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمّي، والله ما جاء به في هذه السّاعة إلّا أمر. قالت: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن، فأذن له، فدخل فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر: «أخرج من عندك» ، فقال أبو بكر: إنّما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: «فإنّي قد أذن لي في الخروج» ، فقال أبو بكر: الصّحبة «2» بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نعم» . قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بالثّمن» قالت عائشة: فجهّزناهما أحثّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سمّيت ذات النّطاق. قالت: ثمّ لحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شابّ ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكّة كبائت، فلا يسمع أمرا يكتادان به إلّا وعاه حتّى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظّلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل- وهو لبن منحتهما ورضيفهما- حتّى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كلّ ليلة من تلك اللّيالي الثّلاث واستأجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر رجلا من بني الدّيل، وهو من بني عبد بن عديّ- هاديا خرّيتا- والخرّيت الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل   (1) البخاري- الفتح 6 (2885) واللفظ له، ومسلم (2410) . (2) صحبه. صحابة وصحبة: رافقه. المعجم الوسيط (535) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1818 السّهميّ، وهو على دين كفّار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدّليل، فأخذ بهم طريق السّواحل) * «1» . 10- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: جعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الرّجّالة يوم أحد- وكانوا خمسين رجلا- عبد الله بن جبير فقال: «إن رأيتمونا تخطّفنا الطّير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتّى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتّى أرسل إليكم» . فهزموهم، قال: فأنا والله رأيت النّساء يشددن، قد بدت خلاخلهنّ وأسوقهنّ، رافعات ثيابهنّ. فقال أصحاب ابن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة «2» ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: والله لنأتينّ النّاس فلنصيبنّ من الغنيمة فلمّا أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرّسول في أخراهم، فلم يبق مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غير اثني عشر رجلا، فأصابوا منّا سبعين، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرا وسبعين قتيلا، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمّد؟ ثلاث مرّات. فنهاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يجيبوه. ثمّ قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرّات. ثمّ قال أفي القوم ابن الخطّاب؟ ثلاث مرّات. ثمّ رجع إلى أصحابه فقال: أمّا هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك عمر نفسه فقال: كذبت والله يا عدوّ الله. إنّ الّذين عددت لأحياء كلّهم، وقد بقي لك ما يسوؤك. قال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال. إنّكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني. ثمّ أخذ يرتجز: اعل هبل، أعل هبل. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجيبونه؟» . قالوا: يا رسول الله ما نقول؟. قال: «قولوا: الله أعلى وأجلّ» . قال: إنّ لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجيبونه» قال: قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» ) * «3» . 11- * (عن عمرو بن ميمونة قال: إنّي لجالس إلى ابن عبّاس: إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا أبا عبّاس «4» ، إمّا أن تقوم معنا وإمّا أن تخلونا هؤلاء، قال: فقال ابن عبّاس: بل أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدأوا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف «5» وقعوا في رجل له عشر، وقعوا في رجل قال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لأبعثنّ رجلا لا يخزيه الله أبدا، يحبّ الله ورسوله» ، قال: فاستشرف لها من استشرف. قال: أين عليّ؟ قالوا: هو في الرّحل يطحن، قال: وما   (1) البخاري- الفتح 7 (3905) . (2) الغنيمة: منصوب على الإغراء. (3) البخاري- الفتح 6 (3039) . (4) لعله كان لابن عباس ولد يدعى عباسا ومن هنا كني به في الرواية فقيل: يا أبا عباس. أو لأن أباه عباسا وقد عرف قديما وحديثا التكنية بالابن أو بالأب، أو بغيرهما كما كنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة بابن أختها. (5) أف وتف: كلمة ذم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1819 كان أحدكم ليطحن! قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فنفث في عينيه ثمّ هزّ الرّاية ثلاثا فأعطاها إيّاه، فجاء بصفيّة بنت حييّ، قال: ثمّ بعث فلانا بسورة التّوبة، فبعث عليّا خلفه فأخذها منه، قال: «لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه» ، قال: وقال لبني عمّه: «أيّكم يواليني في الدّنيا والآخرة؟» . قال: وعليّ معه جالس، فأبوا، فقال عليّ: أنا أواليك في الدّنيا والآخرة، قال: «أنت ولييّ في الدّنيا والآخرة» ، قال: فتركه، ثمّ أقبل على رجل منهم فقال: «أيّكم يواليني في الدّنيا والآخرة؟» . فأبوا، قال: فقال عليّ: أنا أواليك في الدّنيا والآخرة. فقال: «أنت وليّي في الدّنيا والآخرة» ، قال: وكان أوّل من أسلم من النّاس بعد خديجة، قال: وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين فقال: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (الأحزاب/ 33) قال: وشرى عليّ نفسه، لبس ثوب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء أبو بكر وعليّ نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنّه نبيّ الله، قال: فقال: يا نبيّ الله، قال: فقال له عليّ: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: وجعل عليّ يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبيّ الله وهو يتضوّر «1» ، قد لفّ رأسه في الثّوب لا يخرجه، حتّى أصبح، ثمّ كشف عن رأسه، فقالوا: إنّك للئيم! كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر، وقد استنكرنا ذلك! قال: وخرج بالنّاس في غزوة تبوك، قال: فقال له عليّ: أخرج معك؟ قال: فقال له نبيّ الله: «لا» . فبكى عليّ، فقال له: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلّا أنّك لست بنبيّ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي» ، قال: وقال له رسول الله: «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي» ، وقال: «سدّوا أبواب المسجد غير باب عليّ» . فقال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه، ليس له طريق غيره، قال: وقال: «من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ» ، قال: «وأخبرنا الله عزّ وجلّ- في القرآن أنّه قد رضي عنهم، عن أصحاب الشّجرة، فعلم ما في قلوبهم، هل حدّثنا أنّه سخط عليه بعد؟» . قال: وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعمر حين قال ائذن لي فلأضرب عنقه، قال: «أو كنت فاعلا؟» وما يدريك لعلّ الله قد اطّلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم» ) * «2» . 12- * (عن أبي الزّبير عن جابر قال: «مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عشر سنين يتبع النّاس في منازلهم بعكاظ ومجنّة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني؟ من ينصرني حتّى أبلّغ رسالة ربّي وله الجنّة؟ حتّى إنّ الرّجل ليخرج من اليمن أو من مضر- كذا قال- فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك. ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتّى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدّقناه فيخرج الرّجل منّا فيؤمن به، ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتّى لم يبق دار من دور الأنصار   (1) يتضور: يتألم. (2) أحمد (1/ 331) ، وقال شاكر (5/ 25- 27) : إسناده صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1820 إلّا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثمّ ائتمروا جميعا، فقلنا: حتّى متى نترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطرد في جبال مكّة ويخاف، فرحل إليه منّا سبعون رجلا حتّى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتّى توافينا فقلنا: يا رسول الله نبايعك. قال: «تبايعوني على السّمع والطّاعة في النّشاط والكسل، والنّفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم ممّا تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنّة» ، قال: فقمنا إليه فبايعناه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم، فقال: رويدا يا أهل يثرب فإنّا لم نضرب أكباد الإبل إلّا ونحن نعلم أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنّ إخراجه اليوم مفارقة العرب كافّة وقتل خياركم وأن تعضّكم السّيوف فإمّا أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإمّا أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينه فبيّنوا ذلك فهو عذر لكم عند الله. قالوا: أمط عنّا «1» يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نسلبها أبدا. قال: فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط يعطينا على ذلك الجنّة» ) * «2» . 13- * (إنّ من أوضح أدلّة وجوب أخذ الحذر والحيطة ما عمله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين أراد الهجرة فقد ذكر ابن هشام في السّيرة فقال: «أتى جبريل عليه السّلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: لا تبت هذه اللّيلة على فراشك الّذي كنت تبيت عليه قال: فلمّا كانت عتمة من اللّيل «3» اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكانهم، قال لعليّ بن أبي طالب: «نم على فراشي وتسجّ ببردي «4» هذا الحضرميّ الأخضر، فنم فيه فإنّه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينام في برده ذلك إذا نام» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحيطة) 1- * (قال أبو بكر- رضي الله عنه- في خطبته: «أوصيكم بتقوى الله والاعتصام بأمر الله الّذي شرع لكم وهداكم به» ... إلى أن قال: «وإيّاكم واتّباع الهوى فقد أفلح من حفظ من الهوى والطّمع والغضب، وإيّاكم والفخر وما فخر من خلق من تراب وإلى التّراب يعود ثمّ يأكله الدّود، ثمّ هو اليوم حيّ وغدا ميّت، فاعملوا يوما بيوم وساعة بساعة، وتوقّوا دعاء المظلوم، وعدّوا أنفسكم في الموتى،   (1) امط عنا: أي ابتعد عنا. (2) أحمد (3/ 322- 323) واللفظ له، وقال ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 157) : هذا إسناد جيد على شرط مسلم. (3) عتمة الليل: شدة ظلامه. (4) تسجى ببردي: التف به. (5) سيرة ابن هشام (2/ 124) ، تفسير ابن كثير (2/ 315) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1821 واصبروا فإنّ العمل كلّه بالصّبر، واحذروا فإنّ الحذر ينفع، واعملوا والعمل يقبل، واحذروا ما حذّركم الله من عذابه، وسارعوا فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا وتفهّموا، واتّقوا وتوقّوا، فإنّ الله قد بيّن لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجّى به من نجّى قبلكم، قد بيّن لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحبّ من الأعمال وما يكره، فإنّي لا آلوكم ونفسي والله المستعان ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. واعلموا أنّكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربّكم أطعتم وحظّكم حفظتم لله من أعمالكم فربّكم أطعتم وحظّكم حفظتم واغتبطتم وما تطوّعتم به لدينكم فاجعلوه نوافل بين أيديكم تستوفوا سلفكم وتعطوا جرايتكم حيث فقركم وحاجتكم إليها ثمّ تفكّروا عباد الله في إخوانكم وصحابتكم الّذين مضوا قد وردوا على ما قدموا، فأقاموا عليه وحلّوا في الشّقاء والسّعادة فيما بعد الموت، إنّ الله ليس له شريك وليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا ولا يصرف عنه سوءا إلّا بطاعته واتّباع أمره فإنّه لا خير في خير بعده النّار ولا شرّ في شرّ بعده الجنّة) » * «1» . 2- * (قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى-: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّوا ذهبوا في الشّعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعد بن أبي وقّاص في نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شعب من شعاب مكّة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين، وهم يصلّون، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتّى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقّاص يومئذ رجل من المشركين بلحي «2» بعير فشجّه فكان أوّل دم هريق في الإسلام) * «3» . 3- * (قال ابن عطيّة- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ... : «احذروا واستعدّوا بأنواع الاستعداد من أخذ السّلاح وغيره» ) * «4» . 4- * (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ... : «أمر الله أهل الطّاعة ... أن لا يقتحموا على عدّوهم على جهالة حتّى يتحسّسوا ما عندهم ويعلموا كيف يردون فذلك أثبت لهم» ) * «5» . 5- * (وقال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... : «هذه وصيّة بالحذر وأخذ السّلاح، لئلّا ينال العدوّ أمله ويدرك فرصته، إنّهم يودّون ويحبّون غفلتكم عن أخذ السّلاح ليصلوا إلى مقصودهم، فبيّن الله تعالى بهذا وجه الحكمة في الأمر بأخذ السّلاح» . ثمّ قال: «في هذه الآية دليل على تعاطي الأسباب واتّخاذ كلّ ما ينجّي ذوي الألباب ويوصّل إلى السّلامة   (1) جواهر الأدب (374/ 375) . (2) اللحي: العظم الذي عليه الأسنان السفلى، قال ابن منظور: اللحيان: حائطا الفم وهما: العظمان اللذان فيهما الأسنان من كل ذي لحي، ويكون للإنسان والدابة. (3) سيرة ابن هشام (1/ 296) . (4) المحرر الوجيز (4/ 172) . (5) تفسير القرطبي (5/ 273) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1822 ويبلّغ دار الكرامة» . ثمّ قال الله تعالى: وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ... : «أي كونوا متيقّظين وضعتم السّلاح أو لم تضعوه، وهذا يدلّ على تأكيد التّأهّب والحذر من العدوّ في كلّ الأحوال وترك الاستسلام. فإنّ الجيش ما جاءه مصاب قطّ إلّا من تفريط في حذر» ) * «1» . 6- * (قال ابن كثير في معنى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ... : «يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوّهم وهذا يستلزم التّأهّب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنّفير في سبيل الله» ) * «2» . من فوائد (الحيطة) (1) البعد عن مواطن الزّلل وعثرات الطّرق. (2) الوصول إلى برّ الأمان والسّلامة من الأخطار. (3) دليل على نباهة العقل وثقابة الفكر. (4) يجنّب الإنسان أخطارا كثيرة. (5) لا ينافي التّوكّل على الله- عزّ وجلّ- إذ هو من الأسباب العاديّة الّتي في قدرة الإنسان. (6) صفة تحلّى بها الأنبياء وتابعوهم ومن سار على دربهم. (7) من الصّفات المحمودة الّتي أوصى الله بها رسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين معه.   (1) تفسير القرطبي (5/ 371- 372) . (2) تفسير ابن كثير (1/ 537) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1823 [ حرف الخاء ] الخشوع الخشوع لغة: مصدر خشع يخشع وهو مأخوذ من مادّة (خ ش ع) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على معنى واحد هو التّطامن، يقال خشع فلان إذا تطامن وطأطأ رأسه وهو قريب المعنى من الخضوع، إلّا أنّ الخضوع في البدن وهو الإقرار بالاستخذاء، والخشوع في البدن والصّوت والبصر، قال تعالى: خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ (القلم/ 43) ، قال ابن دريد: الخاشع: المستكين والرّاكع، وقال الرّاغب: الخشوع الضّراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، والضّراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ولذلك قيل فيما روي: إذا ضرع القلب خشعت الجوارح. وذكرت كتب اللّغة أنّ الخشوع هو الخضوع، يقال خشع يخشع خشوعا، واختشع وتخشّع: رمى ببصره نحو الأرض، وغضّه وخفض صوته، وقوم خشّع: متخشّعون، وخشع بصره: انكسر، ولا يقال اختشع بصره، قال ذو الرّمّة: الآيات الأحاديث الآثار 16 12 23 تجلّى السّرى عن كلّ خرق «1» كأنّه ... صفيحة سيف، طرفه غير خاشع واختشع إذا طأطأ صدره وتواضع، وقوله تعالى: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ (طه/ 108) : أي سكنت، وكلّ ساكن خاضع خاشع. والخاشع: الرّاكع، في بعض اللّغات، والتّخشّع: تكلّف الخشوع، والتّخشّع لله: الإخبات والتّذلّل. وقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً (فصلت/ 39) . قال الزّجّاج: الخاشعة المتغيّرة المتهشّمة، وأراد المتهشّمة النبات، وبلدة خاشعة: أي مغبرّة لا منزل بها، وإذا يبست الأرض ولم تمطر قيل: قد خشعت. قال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ (فصلت/ 39) والعرب تقول: رأينا أرض بني فلان خاشعة هامدة ما فيها خضراء «2» . واصطلاحا: قيام القلب بين يدي الرّبّ بالخضوع والذّلّ وقيل: هو الانقياد للحقّ.   (1) الخرق من الأرض بفتح الخاء: البعيدة مستوية كانت أو غير مستوية. والخرق: بكسر الخاء من الفتيان الظريف في سماحة ونجدة. لسان العرب (2/ 1142) . (2) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 182) ، والمفردات، للراغب (148) ، والصحاح للجوهري (3/ 1204) ، والنهاية لابن الأثير (2/ 34) ، ولسان العرب لابن منظور (8/ 71) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1824 وقال الجنيد: الخشوع تذلّل القلوب لعلّام الغيوب. قال ابن القيّم- رحمه الله-: والحقّ أنّ الخشوع معنى يلتئم من التّعظيم والمحبّة والذّلّ والانكسار «1» . وحكى ابن حجر عن الفخر الرّازيّ في تفسيره أنّ الخشوع تارة يكون من فعل القلب كالخشية، وتارة من فعل البدن كالسّكون، وقيل: لا بدّ من اعتبارهما، وقال غيره: هو معنى يقوم بالنّفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة. درجات الخشوع: قال ابن القيّم: قال صاحب المنازل: وهو أي الخشوع على ثلاث درجات: الأولى: التّذلّل للأمر، والاستسلام للحكم، والاتّضاع لنظر الحقّ. أمّا التّذلّل للأمر فهو تلقّيه بذلّة القبول والانقياد والامتثال مع مواطأة الظّاهر الباطن، وإظهار الضّعف، والافتقار للهداية. وأمّا الاستسلام للحكم فيشمل الحكم الشّرعيّ بعدم معارضته برأي أو شهوة، كما يشمل الحكم القدريّ بعدم تلقّيه بالتّسخّط والكراهة والاعتراض، وأمّا الاتّضاع لنظر الحقّ فهو اتّضاع القلب والجوارح، وانكسارها لنظر الرّبّ إليها واطّلاعه على تفاصيل ما فيها. الثّانية: ترقّب آفات النّفس والعمل، ورؤية فضل كلّ ذي فضل، ويتحقّق ذلك بانتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبها لك، وذلك يجعل القلب خاشعا لا محالة لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما من الكبر والعجب، وضعف الصّدق، وقلّة اليقين، وتشتّت النّيّة، أمّا رؤية فضل كلّ ذي فضل فيتحقّق بمراعاة حقوق النّاس وأدائها، ولا ترى أنّ ما فعلوه من حقوقك عليهم؛ فلا تعاوضهم عليها، فإنّ هذا من رعونات النّفس وحماقاتها، ولا تطالبهم بحقوق نفسك، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة يقول: العارف لا يرى له على أحد حقّا، ولا يشهد له على غيره فضلا، ولذلك لا يعاتب، ولا يطالب، ولا يضارب. الثّالثة: حفظ الحرمة عند المكاشفة، وتصفية القلب من مراءاة الخلق، ويعني ذلك ضبط النّفس بالذّلّ والانكسار عن البسط والإذلال الّذي تقتضيه المكاشفة لأنّها توجب بسطا يخاف منه شطح إن لم يصحبه خشوع يحفظ الحرمة. مع إخفاء أحواله عن الخلق جهده «2» . من معاني كلمة الخشوع في القرآن: ذكر بعض المفسّرين أنّ الخشوع في القرآن على أربعة أوجه: أحدها: الذّلّ. ومنه قوله تعالى في طه: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ (آية/ 108) .   (1) مدارج السالكين لابن القيم (1/ 558- 559) بتصرف، وفتح الباري (2/ 264) . (2) مدارج السالكين (1/ 559- 560) باختصار وتصرف يسير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1825 والثّاني: سكون الجوارح. ومنه قوله تعالى في المؤمنين: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون/ 2) . والثّالث: الخوف. ومنه قوله تعالى في الأنبياء: وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (آية/ 90) . والرّابع: التّواضع. ومنه قوله تعالى في البقرة: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (آية/ 45) «1» . ويمكن أن يضاف إلى ذلك وجه خامس وهو: اليبس والجمود، وذلك كما في قوله تعالى: وتَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً (فصلت/ 39) . [للاستزادة: انظر صفات: الإخبات- التواضع الخوف- الخشية- السكينة- الورع- الرهبة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغرور- الكبر والعجب- الإصرار على الذنب- الغفلة- الأمن من المكر] .   (1) انظر: نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي (276) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1826 الآيات الواردة في «الخشوع» الخشوع بمعنى الذل: 1- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) «1» 2- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) «2» 3- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) تَصْلى ناراً حامِيَةً (4) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) «3» الخشوع بمعنى سكون الجوارح: 4- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) «4» 5- وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) «5» 6- يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43) «6» 7- فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44) «7»   (1) طه: 105- 108 مكية (2) الحشر: 21 مدنية (3) الغاشية: 2- 7 مكية (4) المؤمنون: 1- 2 مكية (5) القمر: 4- 8 مكية (6) القلم: 42- 43 مكية (7) المعارج: 40- 44 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1827 8- وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (2) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (4) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10) «1» الخشوع بمعنى الخوف: 9- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «2» 10- إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) «3» 11- أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «4» الخشوع بمعنى التواضع: 12- وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «5» 13- وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (199) «6»   (1) النازعات: 1- 10 مكية (2) الأنبياء: 89- 90 مكية (3) الشورى: 42- 46 مكية (4) الحديد: 16 مدنية (5) البقرة: 45- 46 مدنية (6) آل عمران: 199 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1828 14- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) «1» 15- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «2» الخشوع بمعنى اليبس والجمود: 16- وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) «3»   (1) الإسراء: 107- 109 مكية (2) الأحزاب: 35 مدنية (3) فصلت: 39 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1829 الأحاديث الواردة في (الخشوع) 1- * (عن عثمان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها. إلّا كانت كفّارة لما قبلها من الذّنوب. ما لم يؤت كبيرة. وذلك الدّهر كلّه» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصّائم القائم الخاشع الرّاكع السّاجد» ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هل ترون قبلتي هاهنا؟ والله ما يخفى عليّ ركوعكم ولا خشوعكم وإنّي لأراكم من وراء ظهري» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (الخشوع) معنى 4- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أقرب ما يكون الرّبّ من العبد في جوف اللّيل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممّن يذكر الله في تلك السّاعة فكن» ) * «4» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) * «5» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السّماء «6» ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا «7» لقوله كأنّه «8» سلسلة على صفوان «9» ، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربّكم؟ قالوا للّذي قال: الحقّ وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترق السّمع- ومسترقوا السّمع هكذا بعضه فوق بعض «10» . فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته، حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشّهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم   (1) مسلم (228) . (2) النسائي (6/ 18) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (2930) ، وهو في صحيح الجامع (5850) . وهو بسياق مقارب في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة. انظر «جامع الأصول» (9/ 476 و481) . (3) البخاري- الفتح 2 (741) واللفظ له. ومسلم (424) . (4) الترمذي (3579) وقال: حديث حسن صحيح (5) مسلم (2564) . (6) إذا قضى الله الأمر في السماء: أي إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله. (7) خضعانا: أي خاضعين. (8) كأنه: أي القول المسموع- كلام الله-. (9) الصفوان: هو الحجر الأملس. (10) ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1830 كذا وكذا كذا وكذا، فيصدّق بتلك الكلمة الّتي سمع من السّماء» ) * «1» . 7- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل. فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ. فأدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما يحدّث النّاس، فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءه. ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين. مقبل عليهما بقلبه ووجهه. إلّا وجبت له الجنّة» . قال فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يديّ يقول: الّتي قبلها أجود. فنظرت فإذا عمر. قال: إنّي قد رأيتك جئت آنفا «2» . قال: «ما منكم من أحد يتوضّأ فيبلغ «3» (أو فيسبغ) الوضوء ثمّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبد الله ورسوله، إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية، يدخل من أيّها شاء» ) * «4» . 8- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال قال عمرو بن عبسة السّلميّ- رضي الله عنه-: كنت وأنا في الجاهليّة، أظنّ أنّ النّاس على ضلالة. وأنّهم ليسوا على شيء. وهم يعبدون الأوثان. فسمعت برجل بمكّة يخبر أخبارا. فقعدت على راحلتي. فقدمت عليه فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستخفيا، جرآء «5» عليه قومه. فتلطّفت حتّى دخلت عليه بمكّة. فقلت له: ما أنت؟. قال: «أنا نبيّ» . فقلت: وما نبيّ؟. قال: «أرسلني الله» . فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء» . قلت له: فمن معك على هذا؟. قال: «حرّ وعبد» . (قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممّن آمن به) . فقلت: إنّي متّبعك. قال: «إنّك لا تستطيع ذلك يومك هذا. ألا ترى حالي وحال النّاس؟ ولكن ارجع إلى أهلك. فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» . قال: فذهبت إلى أهلي. وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة. وكنت في أهلي. فجعلت أتخبّر الأخبار وأسأل النّاس حين قدم المدينة. حتّى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة. فقلت: ما فعل هذا الرّجل الّذي قدم المدينة؟. فقالوا: النّاس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك. فقدمت المدينة. فدخلت عليه. فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: «نعم. أنت الّذي لقيتني بمكّة» . قال فقلت: بلى. فقلت: يا نبيّ الله أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله. أخبرني عن الصّلاة؟. قال: «صلّ صلاة الصّبح. ثمّ أقصر عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع. فإنّها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار. ثمّ صلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة «6» محضورة «7» . حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح «8» . ثمّ أقصر عن الصّلاة. فإنّ حينئذ   (1) البخاري- الفتح 8 (4800) . (2) آنفا: أي قريبا. (3) فيبلغ أو يسبغ: أي يتمه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون. (4) مسلم (234) . (5) جرآء: جمع جريء من الجراءة وهي الإقدام والتسلط. (6) مشهودة: يشهدها الملائكة. (7) محضورة: يحضرها أهل الطاعات. (8) حتى يستقل الظل بالرمح: أي يقوم مقابله في جهة الشمال ليس مائلا إلى المغرب ولا إلى المشرق وهذه حالة الاستواء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1831 تسجر جهنّم. فإذا أقبل الفيء فصلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. حتّى تصلّي العصر. ثمّ أقصر عن الصّلاة. حتّى تغرب الشّمس. فإنّها تغرب بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار» . قال فقلت: يا نبيّ الله فالوضوء؟ حدّثني عنه. قال: «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلّا خرّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه. ثمّ إذا غسل وجهه كما أمره الله إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء. ثمّ يغسل يديه إلى المرفقين إلّا خرّت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثمّ يمسح رأسه إلّا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء. ثمّ يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن هو قام فصلّى فحمد الله وأثنى عليه ومجّده بالّذي هو له أهل، وفرّغ قلبه لله، إلّا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمّه) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الخشوع) 9- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. اصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك وسعديك «2» والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك، أنا بك وإليك «3» . تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت. وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر. لا إله إلّا أنت» ) * «4» . 10- * (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن استسقاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) مسلم (832) . (2) سعديك: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة. (3) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك. (4) مسلم (771) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1832 خرج متبذّلا «1» متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد) * «2» . 11- * (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي وفي صدره أزير كأزير الرّحى من البكاء صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» . 12- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» . قلت: آقرأ عليك وعليك أنزل؟. قال: «فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» . فقرأت عليه سورة النّساء حتّى بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال: «أمسك» . فإذا عيناه تذرفان» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الخشوع) 1- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «من تواضع لله تخشّعا، رفعه الله يوم القيامة، ومن تطاول تعظّما، وضعه الله يوم القيامة» ) * «5» . 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه رأى رجلا طأطأ رقبته في الصّلاة. فقال: «يا صاحب الرّقبة ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرّقاب إنّما الخشوع في القلوب» ) * «6» . 3- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «الخشوع في القلب أن تلين كنفك للرّجل المسلم وأن (لا تلتفت) في الصّلاة» ) * «7» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- في قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون/ 2) قال: «كانوا إذا قاموا في الصّلاة، أقبلوا على صلاتهم، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم. وعلموا أنّ الله يقبل عليهم فلا يلتفتون يمينا ولا شمالا» ) * «8» . 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الآية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) . قال: «بلى يا ربّ، بلى يا ربّ» ) * «9» . 6- * (قرأ ابن عمر- رضي الله عنهما- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (المطففين/ 1- 6) ، فلمّا بلغ (يوم   (1) التبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة وذلك على جهة التواضع. (2) الترمذي (558) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني. (3) أبو داود (904) واللفظ له، النسائي (3/ 13) ، وقال محقق جامع الأصول (5/ 435) : حديث صحيح. (4) البخاري- الفتح 8 (4582) واللفظ له، وفيه «بعض الحديث عن عمرو بن مرّة» ، ومسلم (800) . (5) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 467) . (6) مدارج السالكين (1/ 559) . (7) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 599) . (8) الدر المنثور للسيوطي (6/ 84) . (9) المرجع السابق (8/ 59) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1833 يقوم النّاس لربّ العالمين) بكى حتّى خرّ وامتنع عن قراءة ما بعده» ) * «1» . 7- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «الخشوع هو الاستسلام للحكمين: الدّينيّ الشّرعيّ، بعدم معارضته برأي أو شهوة، والقدريّ بعدم تلقّيه بالتّسخّط والكراهية والاعتراض. والاتّضاع لنظر الحقّ، وهو اتّضاع القلب والجوارح وانكسارها لنظر الرّبّ إليها، واطّلاعه على تفاصيل ما في القلب والجوارح، وخوف العبد الحاصل من هذا يوجب له خشوع القلب لا محالة. وكلّما كان أشدّ استحضارا له كان أشدّ خشوعا، وإنّما يفارق الخشوع القلب إذا غفل عن اطّلاع الله عليه ونظره إليه. وممّا يورث الخشوع: ترقّب آفات النّفس والعمل، ورؤية فضل كلّ ذي فضل عليك وهذا المعنى أي انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبها لك يجعل القلب خاشعا لا محالة، لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما: من الكبر، والعجب، والرّياء، وضعف الصّدق، وقلّة اليقين، وتشتّت النّيّة وعدم إيقاع العمل على وجه يرضاه الله تعالى وغير ذلك من عيوب النّفس. وأمّا رؤية كلّ ذي فضل عليك: فهو أن تراعي حقوق النّاس فتؤدّيها، ولا ترى أنّ ما فعلوه فيك من حقوقك عليهم، فلا تعارضهم عليها؛ فإنّ هذا من رعونات النّفس وحماقاتها، ولا تطالبهم بحقوق نفسك. وتعترف بفضل ذي الفضل منهم وتنسى فضل نفسك. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: العارف لا يرى له على أحد حقّا ولا يشهد له على غيره فضلا؛ ولذلك لا يعاتب ولا يطالب، ولا يضارب» ) * «2» . 8- * (عن قرظة بن كعب قال: «بعثنا عمر ابن الخطّاب إلى الكوفة وشيّعنا. فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار. فقال: «أتدرون لم مشيت معكم؟» . قال: قلنا: لحقّ صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولحقّ الأنصار. قال: «لكنّي مشيت معكم لحديث أردت أن أحدّثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم. إنّكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل. فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم وقالوا: أصحاب محمّد. فأقلّوا الرّواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ أنا شريككم» ) * «3» . 9- * (كان عليّ بن الحسين- رضي الله عنهما-: «إذا توضّأ اصفرّ وتغيّر، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟» ) * «4» . 10- (عن الحسن البصريّ في قوله تعالى وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (الأنبياء/ 90) . قال: «الخوف الدّائم في القلب» ) * «5» .   (1) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 253) . (2) مدارج السالكين (1/ 560- 561) بتصرف. (3) ابن ماجة (28) . (4) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (273) . (5) الزهد لابن المبارك (55) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1834 11- * (عن الحسن البصريّ في قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون/ 2) . قال: «كان خشوعهم في قلوبهم فغضّوا بذلك أبصارهم، وخفضوا لذلك الجناح» ) * «1» . 12- * (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله تعالى-: إذا ما اللّيل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدّنيا هجوع وقال أيضا: وما فرشهم إلّا أيامن أزرهم ... وما وسدهم إلّا ملاء وأذرع وما ليلهم فيهنّ إلّا تخوّف ... وما نومهم إلّا عشاش مروّع وألوانهم صفر كأنّ وجوههم ... عليها كساء وهو بالورس مشبع) * «2» . 13- * (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (الفتح/ 29) . قال: هو الخشوع والتّواضع» ) * «3» . 14- * (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) . قال: «من القنوت: الرّكوع، والخشوع- وطول الرّكوع يعني طول القيام- وغضّ البصر، وخفض، الجناح والرّهبة لله» ) * «4» . 15- * (عن مجاهد في قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون/ 2) . قال: «السّكون» ) * «5» . 16- * (عن قتادة- رحمه الله- قال: «الخشوع في القلب هو الخوف وغضّ البصر في الصّلاة» ) * «6» . 17- * (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: «كان عبد الله بن مسعود- إذا هدأت العيون- قام فسمعت له دويّا كدويّ النّحل» ) * «7» . 18- * (قال عبّاد بن زياد التّيميّ، يرثي إخوة له متعبّدين: فتية يعرف التّخشّع فيهم ... كلّهم أحكم القران غلاما قد برى جلده التّهجّد حتّى ... عاد جلدا مصفّرا وعظاما تتجافى عن الفراش من الخو ... ف إذا الجاهلون باتوا نياما بأنين وعبرة ونحيب ... ويظلّون بالنّهار صياما   (1) الدر المنثور للسيوطي (6/ 84) . (2) التخويف من النار (38، 39) والورس: نبت أصفر يصبغ به. (3) الدر المنثور (7/ 542) . (4) المرجع السابق (1/ 731) . (5) الزهد لابن المبارك (55) . (6) الدر المنثور للسيوطي (6/ 84) . (7) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 391) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1835 يقرؤون القرآن لا ريب فيه ... ويبيتون سجّدا وقياما) * «1» . 19- * (قال الفضيل بن عياض: «كان يكره أن يري الرّجل من الخشوع أكثر ممّا في قلبه» ) * «2» . 20- * (قال أبو يزيد المدنيّ: «إنّ أوّل ما يرفع عن هذه الأمّة الخشوع» ) * «3» . 21- * (قال عبد الله بن المعمار: رقّة في الجنان فيها حياء ... فيهما هيبة وذاك خشوع ليس حال ولا مقام وإن فا ... ضت عليه من العيون دموع) * «4» . 22- * (قال سهل التّستريّ: «من خشع قلبه لم يقرب منه الشّيطان» ) * «5» . 23- * (قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة، وكان مبدؤها هناك فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أن يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها، وقالوا: ألا نسقيك مرقّدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا والله ما كنت أظنّ أنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر ولا اختلج، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت قال: وكان قد صحب معه بعض أولاده من جملتهم ابنه محمّد، وكان أحبّهم إليه، فدخل دار الدّوابّ، فرفسته فرس فمات، فأتوه فعزّوه فيه، فقال الحمد لله كانوا سبعة فأخذت منهم واحدا وأبقيت ستّة، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت. فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة ... فبلغه أنّ بعض النّاس قال: إنّما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة في ذلك، والأبيات لمعن بن أويس: لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي   (1) التخويف من النار لابن رجب (29، 30) . (2) مدارج السالكين (1/ 559) . (3) الزهد لابن المبارك (57) . (4) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (2/ 542) . (5) مدارج السالكين (1/ 559) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1836 ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى قبلي) * «1» . من فوائد (الخشوع) (1) يورث الخوف والرّهبة من الله- عزّ وجلّ-. (2) مظهر من مظاهر الإيمان وحسن الإسلام. (3) دليل على صلاح العبد واستقامته. (4) إعلان العبوديّة لله ونبذ ما سواه. (5) تكفير الذّنوب وتعظيم الأجر. (6) النّجاة من العذاب والعقوبة. (7) الفوز بالجنّة. (8) الخشوع يرفع صاحبه يوم القيامة. (9) الخشوع يؤدّي إلى غضّ البصر وخفض الجناح. (10) الخشوع يبعد القسوة من القلب. (11) الخشوع في الصّلاة يؤدّي إلى الفلاح. (12) من خشع قلبه لا يقربه شيطان.   (1) البداية والنهاية لابن كثير (9/ 102، 103) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1837 الخشية الخشية لغة: الخشية مصدر خشي وهو مأخوذ من مادّة (خ ش ي) الّتي تدلّ على خوف وذعر، وقد تستعمل مجازا في معنى العلم، قال الشّاعر: ولقد خشيت بأنّ من تبع الهدى ... سكن الجنان مع النّبيّ محمّد وقال الرّاغب: الخشية هي خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خصّ العلماء بها في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) ، وقوله سبحانه: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ (ق/ 33) ، أي لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه. وقال ابن منظور: الخشية: الخوف. يقال خشي الرّجل يخشى خشية أي خاف. قال ابن برّيّ: ويقال في الخشية الخشاة، وقال الشّاعر: كأغلب من أسود كراء ورد، ... يردّ خشاية الرّجل الظّلوم ويقال: هذا المكان أخشى من ذلك أي أشدّ الآيات الأحاديث الآثار 37 32 20 خوفا، وخاشى: فاعل من الخشية. وخاشيت فلانا: تاركته. وخشّاه بالأمر تخشية أي خوّفه. يقال: خشيه يخشاه خشيا وخشية وخشاة ومخشاة ومخشية وخشيانا وتخشّاه كلاهما خافه وهو خاش وخش وخشيان، والأنثى خشيا وجمعهما معا خشايا. وقوله عزّ وجلّ: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (الكهف: 80) قال الفرّاء: معنى (فخشينا) أي فعلمنا، وقال الزّجّاج: فخشينا من كلام الخضر، ومعناه: كرهنا، ولا يجوز أن يكون فخشينا عن الله «1» . واصطلاحا: الخشية: خوف يشوبه تعظيم «2» ، وقيل هي الخوف المقرون بإجلال. وقيل: هي تألّم القلب بسبب توقّع مكروه في المستقبل يكون تارة بكثرة الجناية من العبد، وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته «3» . الفرق بين الخشية والخوف: قال الفيروز اباديّ: الخشية أخصّ من الخوف، فإنّ الخشية للعلماء بالله تعالى، فهي خوف مقرون بمعرفة، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أتقاكم الله وأشدّكم له   (1) الصحاح للجوهري (6/ 2327) ، ولسان العرب لابن منظور (14/ 228، 229) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 184) . (2) المفردات للراغب (149) . (3) التعريفات، للجرجاني (103) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1838 خشية» . فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون. فالخوف لعامّة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبّين، والوجل للمقرّبين، وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولما تلذّذتم بالنّساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى» فصاحب الخوف يلتجأ إلى الهرب والإمساك، وصاحب الخشية يلتجأ إلى الاعتصام بالعلم، ومثلهما كمثل من لا علم له بالطّبّ ومثل الطّبيب الحاذق فالأوّل يلتجىء إلى الحمية والهرب، والطّبيب يلتجىء إلى معرفته بالأدوية والأدواء. وكلّ واحد إذا خفته هربت منه، إلّا الله، فإنّك إذا خفته هربت إليه فالخائف هارب من ربّه إلى ربّه «1» . وقال الكفويّ: الخشية أشدّ من الخوف لأنّها مأخوذة من قولهم شجرة خاشية أي يابسة وهو موات بالكلّيّة، والخوف النّقص مطلقا من قولهم ناقة خوفاء أي بها داء وليس بفوات، ولذلك خصّت الخشية بالله في قوله: وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (الرعد/ 21) والخشية تكون من عظم المخشيّ وإن كان الخاشي قويّا، والخوف يكون من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمرا يسيرا. وأيضا فإنّ أصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خصّ بها العلماء في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر: 28) على قراءة نصب لفظ الجلالة «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الرجاء- التقوى- الخشوع- الخوف- الرهبة- الورع- الإخبات- الإنابة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العصيان- الغرور- الفجور- الكبر والعجب- القسوة- الغفلة- الأمن من المكر] .   (1) انظر بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 544- 546) ، ودليل الفالحين لابن علان (2/ 367) . (2) الكليات، للكفوي (2/ 302) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1839 الآيات الواردة في «الخشية» الأمر بخشية الله: 1- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «1» 2- وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) «2» 3- طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) «3» 4- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) «4» 5- وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «5» 6- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) «6» 7- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) «7» 8- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22) فَحَشَرَ فَنادى (23)   (1) آل عمران: 172- 173 مدنية (2) الرعد: 21 مدنية (3) طه: 1- 3 مكية (4) طه: 43- 44 مكية (5) الأنبياء: 26- 28 مكية (6) الأنبياء: 48- 49 مكية (7) لقمان: 33 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1840 فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26) «1» الخشية من عذاب الله: 9- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) «2» 10- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) «3» 11- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) «4» النهي عن خشية غير الله: 12- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) «5» 13- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) «6» 14- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ   (1) النازعات: 17- 26 مكية (2) النازعات: 42- 45 مكية (3) عبس: 1- 10 مكية (4) الأعلى: 9- 10 مكية (5) البقرة: 150 مدنية (6) النساء: 77 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1841 مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «1» 15- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) «2» 16- وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) «3» 17- وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) «4» 18- وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) «5» ثواب الذين يخشون ربهم: 19- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «6» 20- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) «7»   (1) المائدة: 3 نزلت بعرفات (2) المائدة: 44 مدنية (3) التوبة: 12- 13 مدنية (4) طه: 77 مكية (5) الأحزاب: 37- 39 مدنية (6) التوبة: 18 مدنية (7) المؤمنون: 57- 58 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1842 21- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) «1» 22- إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) «2» 23- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «3» الخشية من الله أعلى صفات العلماء والمؤمنين: 24- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) «4» 25- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) «5» 26- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) «6» المتعظ بالنذارة هو الذي يخشى الله: 27- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «7» 28- وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «8»   (1) النور: 52 مدنية (2) الملك: 12 مكية (3) البينة: 7- 8 مكية (4) فاطر: 27- 28 مكية (5) الزمر: 23 مكية (6) ق: 31- 35 مكية (7) فاطر: 18 مكية (8) يس: 10- 11 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1843 المتجرد من العقل يخشى الله: 29- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) «1» 30- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) «2» الخشية من عذاب الدنيا بالمتاعب 31- وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9) «3» 32- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «4» 33- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) «5» 34- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) «6» 35- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) «7» 36- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) «8» 37- الَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) «9»   (1) البقرة: 74 مدنية (2) الحشر: 21 مدنية (3) النساء: 9 مدنية (4) النساء: 25 مدنية (5) التوبة: 24 مدنية (6) الإسراء: 31 مكية (7) الإسراء: 100 مكية (8) الكهف: 80 مكية (9) طه: 94 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1844 الأحاديث الواردة في (الخشية) 1- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى رهطا «1» ، وسعد جالس فيهم. قال سعد: فترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم من لم يعطه. وهو أعجبهم إليّ «2» فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فو الله إنّي لأراه مؤمنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسلما» . قال: فسكتّ قليلا، ثمّ غلبني ما أعلم منه. فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فو الله إنّي لأراه مؤمنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسلما» . قال: فسكتّ قليلا. ثمّ غلبني ما علمت منه. فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فو الله إنّي لأراه مؤمنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسلما. إنّي لأعطي الرّجل وغيره أحبّ إليّ منه. خشية أن يكبّ في النّار على وجهه «3» » ) * «4» 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب. فقال: يا رسول الله تدركني الصّلاة وأنا جنب. أفأصوم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا تدركني الصّلاة وأنا جنب، فأصوم» فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فقال: «والله إنّي لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتّقي» ) * «5» 3- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى ذات ليلة في المسجد فصلّى بصلاته ناس. ثمّ صلّى من القابلة فكثر النّاس، ثمّ اجتمعوا من اللّيلة الثّالثة أو الرّابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا أصبح، قال: «قد رأيت الّذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلّا أنّي خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان» ) * «6» 4- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت «7» فخذوها فاطحنوها، ثمّ انظروا يوما راحا «8» فاذروه في اليمّ، ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له» ) * «9»   (1) رهطا: أي جماعة، وأصله الجماعة دون العشرة. (2) وهو أعجبهم إليّ: أي أفضلهم عندي. (3) معناه أني أعطي أناسا مؤلفة في إيمانهم، لو لم أعطهم كفروا فيكبهم الله في النار، وأترك أقواما هم أحب إلي من الذين أعطيتهم ولا أتركهم لنقص دينهم. (4) مسلم (150) . (5) مسلم (1110) . (6) البخاري- الفتح 3 (1129) واللفظ له، ومسلم (761) (7) فامتحشت: أي احترقت. (8) يوما راحا: أي شديد الريح. (9) البخاري- الفتح 6 (3452) واللفظ له، ومسلم (2756) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1845 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوني» . فهابوه أن يسألوه. فجاء رجل فجلس عند ركبتيه. فقال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: «لا تشرك بالله شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان» . قال: صدقت. قال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كلّه» . قال: صدقت. قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: «أن تخشى الله كأنّك تراه. فإنّك إن لا تكن تراه فإنّه يراك» . قال: صدقت. قال: يا رسول الله: متى تقوم السّاعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، وسأحدّثك عن أشراطها. إذا رأيت المرأة تلد ربّها فذاك من أشراطها. وإذا رأيت الحفاة العراة الصّمّ البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها، وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها. في خمس من الغيب لا يعلمهنّ إلّا الله. ثمّ قرأ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (سورة لقمان/ آية 34) . قال: ثمّ قام الرّجل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ردّوه عليّ» . فالتمس فلم يجدوه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا جبريل أراد أن تعلّموا إذ لم تسألوا» ) * «1» 6- * (عن السّائب قال: صلّى بنا عمّار بن ياسر صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم لقد خفّفت أو أوجزت الصّلاة. فقال أمّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا قام تبعه رجل من القوم هو أبيّ غير أنّه كنى عن نفسه فسأله عن الدّعاء ثمّ جاء فأخبر به القوم: «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهمّ وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغني، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» ) * «2» 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «عينان لا تمسّهما النّار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» ) * «3» 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو   (1) البخاري- الفتح 1 (50) . ومسلم (10) واللفظ له. (2) النسائي (3/ 54، 55) وصححه الألباني- صحيح سنن النسائي (1237) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 211) : إسناده جيد. (3) الترمذي (1639) وقال: هذا حديث حسن، وقال محقق جامع الأصول (9/ 487) : حديث صحيح بشواهده. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1846 بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك. ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «1» . 9- * (عن أمّ المؤمنين صفيّة بنت حييّ- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدّثته ثمّ قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني «2» - وكان سكنها في دار أسامة بن زيد- فمرّ رجلان من الأنصار، فلمّا رأيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسرعا فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلكما، إنّها صفيّة بنت حييّ» . فقالا: سبحان الله يا رسول الله. قال: «إنّ الشّيطان يجري من الإنسان مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا» . أو قال: «شيئا» ) * «3» . 10- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحقر أحدكم نفسه» . قالوا: يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه؟. قال: «يرى أمرا لله عليه فيه مقال، ثمّ لا يقول فيه. فيقول الله- عزّ وجلّ- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا؟، فيقول: خشية النّاس، فيقول: فإيّاي كنت أحقّ أن تخشى» ) * «4» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلج النّار رجل بكى من خشية الله حتّى يعود اللّبن في الضّرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم» ) * «5» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا خلق الله الجنّة والنّار أرسل جبريل إلى الجنّة، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعدّ الله لأهلها فيها، قال فرجع إليه، قال فوعزّتك لا يسمع بها أحد إلّا دخلها، فأمر بها فحفّت بالمكاره، فقال ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفّت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزّتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد. قال اذهب إلى النّار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع إليه، فقال: وعزّتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفّت بالشّهوات، فقال: ارجع إليها فرجع إليها فقال: وعزّتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلّا   (1) الترمذي (3502) وقال: هذا حديث حسن غريب والحاكم في المستدرك (1/ 528) ، وصححه ووافقه الذهبي. وحسّنه محقق «جامع الأصول» (4/ 280) . (2) ليقلبني من الانقلاب وهو العود إلى الوطن أو الرجوع مطلقا. (3) البخاري- الفتح 6 (3281) . (4) ابن ماجة (4008) وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات. (5) الترمذي (1633) واللفظ له، وقال هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (6/ 12) ، وابن ماجة (2774) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1847 دخلها» ) * «1» . 13- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس شيء أحبّ إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع في خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله. وأمّا الأثران: فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله» ) * «2» . 14- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتّى يصيب الأرض من دموعه لم يعذّبه الله تعالى يوم القيامة» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (الخشية) معنى 15- * (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبّلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له، قال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا. فلم أصبر فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فقال: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟» ، حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة، حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار. قال: وأطرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا، حتّى أوحى الله إليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ قال أبو اليسر: فأتيته، فقرأها عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال أصحابه: يا رسول الله ألهذا خاصّة أم للنّاس عامّة؟ قال: «بل للنّاس عامّة» ) * «4» . 16- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر. كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل النّار فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال كذا وكذا، فقال موسى: فرجع إليه المرّة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: «إذهب إليه فقل له: إنّك لست من أهل النّار، ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «5» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أصحابه شيء، فخطب فقال: «عرضت عليّ الجنّة والنّار فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» . قال: فما أتى على أصحاب رسول   (1) الترمذي (2560) ، وقال: حديث حسن صحيح، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 521) : وهو كما قال. وأبو داود (4744) . (2) الترمذي (1669) ، وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (9/ 576) : إسناده حسن. (3) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 260) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (4) البخاري- الفتح 8 (4687) ، ومسلم (2763) . والترمذي (3115) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. (5) البخاري- الفتح 8 (4846) واللفظ له، ومسلم (119) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1848 الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أشدّ منه. قال: غطّوا رؤوسهم ولهم خنين «1» .. الحديث) * «2» . 18- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر ... » الحديث وفيه: «وقال الآخر: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها «3» قالت: يا عبد الله اتّق الله ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه «4» ، فقمت عنها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم ... » الحديث) * «5» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «6» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيّئة فلا تكتبوها عليه حتّى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة» ) * «7» . 21- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لقد سمعت من في رسول الله حديثا لو لم أسمعه إلّا مرّة أو مرّتين حتّى عدّ سبعا، ولكنّي سمعته أكثر من ذلك قال: كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع عن ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها، فلمّا قعد منها مقعد الرّجل من امرأته، أرعدت فبكت، فقال: ما يبكيك، أكرهت؟ قالت: لا. ولكنّ هذا عمل لم أعمله قطّ، وإنّما حملني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قطّ؟ قال: ثمّ نزل: فقال اذهبي والدّنانير لك. قال: ثمّ قال: والله لا يعصي الكفل ربّه أبدا فمات من ليلته، وأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر للكفل» ) * «8» . 22- * (عن حنظلة الأسيّديّ- رضي الله عنه- قال: لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله،   (1) خنين: صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الانتحاب. (2) البخاري- الفتح 8 (4621) ، ومسلم (2359) واللفظ له. (3) فلما وقعت بين رجليها: أي جلست مجلس الرجل للوقاع. (4) لا تفتح الخاتم إلا بحقه: الخاتم كناية عن بكارتها. وقولها بحقه: أي بنكاح لا بزنى. (5) البخاري- الفتح 10 (5974) ، ومسلم (2743) واللفظ له (6) البخاري- الفتح 3 (1423) ، ومسلم (1031) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 13 (7501) واللفظ له، ومسلم (129) (8) الحاكم في المستدرك (4/ 254، 255) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1849 ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا «1» الأزواج والأولاد والضّيعات «2» فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» . قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات. نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذّكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم. ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ثلاث مرّات) * «3» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة/ آية 284) قال فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق. الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير. فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم. فأنزل الله في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ آية 285) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (قال: نعم) البقرة/ آية 286) * «4» . 24- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب. فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم يرى «5»   (1) عافسنا: أي عالجنا معايشنا وحظوظنا. (2) الضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة. (3) مسلم (2750) . (4) مسلم (125) . (5) يرى: هكذا هي موجودة في الترمذي بدون جزم مع وقوعه جواب الشرط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1850 اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الخشية) 25- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: انكسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الصّلاة وقام الّذين معه، فقام قياما فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ رفع رأسه وسجد فأطال السّجود، ثمّ رفع رأسه وجلس فأطال الجلوس، ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ رفع رأسه وقام فصنع في الرّكعة الثّانية مثل ما صنع في الرّكعة الأولى من القيام والرّكوع والسّجود والجلوس، فجعل ينفخ في آخر سجوده من الرّكعة الثّانية ويبكي، ويقول: «لم تعدني هذا وأنا فيهم، لم تعدني هذا ونحن نستغفرك» . ثمّ رفع رأسه وانجلت الشّمس، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله- عزّ وجلّ- فإذا رأيتم كسوف أحدهما فاسعوا إلى ذكر الله- عزّ وجلّ- والّذي نفس محمّد بيده لقد أدنيت الجنّة منّي حتّى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها، ولقد أدنيت النّار منّي حتّى لقد جعلت أتّقيها خشية أن تغشاكم، حتّى رأيت فيها امرأة من حمير تعذّب في هرّة ربطتها فلم تدعها تأكل من خشاش الأرض فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها حتّى ماتت، فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت وإذا ولّت تنهش أليتها، وحتّى رأيت فيها صاحب السّبتيّتين «2» أخا بني الدّعداع يدفع بعصا ذات شعبتين في النّار، وحتّى رأيت فيها صاحب المحجن «3» الّذي كان يسرق الحاجّ بمحجنه متّكئا على محجنه في النّار يقول أنا سارق المحجن» ) * «4» . 26- * (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا انصرف   (1) الترمذي (2676) ، وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (4607) ، وابن ماجة (1/ (42) . (2) السّبتيّتين مفردها سبتيّة وهي جلود البقر المدبوغة، وقيل: المدبوغة وغير المدبوغة تحذى منها النّعال وسمّيت بذلك لأن شعرها قد سبت عنها أي حلق وأزيل وقيل: لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت ودفعه في النار لاختياله في مشيه بها. (3) المحجن: عصا معقّفة الرّأس كالصّولجان. (4) رواه مسلم مختصرا (910) وهو في الصحيحين من حديث عائشة وابن عباس وجابر- رضي الله عنهم-، وأبو داود (1194) ، والنسائي (3/ 137- 139) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (1/ 320) حديث رقم (1401) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1851 تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال: «أظنّكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنّه جاء بشيء» . قالوا: أجل يا رسول الله، قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «1» . 27- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) . وقال عيسى عليه السّلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، فرفع يديه وقال: اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى. فقال الله- عزّ وجلّ-: يا جبريل اذهب إلى محمّد وربّك أعلم فسله ما يبكيك؟. فأتاه جبريل عليه الصّلاة والسّلام فسأله فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمّد فقل إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوؤك» ) * «2» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّي لأنقلب إلى أهلي، فأجد التّمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) * «3» . 29- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟، قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصليّ وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «4» . 30- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فقال: «لا والله ما أخشى عليكم أيّها النّاس إلّا ما يخرج الله لكم من زهرة الدّنيا» . فقال رجل: يا رسول الله أيأتي الخير بالشّرّ «5» ؟ فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة. ثمّ قال: «كيف قلت؟» . قال: قلت: يا رسول الله أيأتي الخير بالشّرّ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخير لا يأتي إلّا بخير «6» . أو خير هو «7» ؟ إنّ كلّ ما ينبت   (1) البخاري- الفتح 11 (6425) واللفظ له، ومسلم (2961) . (2) مسلم (202) . (3) البخاري الفتح 5 (2432) واللفظ له، ومسلم (1070) . (4) البخاري- الفتح 9 (5063) واللفظ له، ومسلم (1108) . (5) أيأتي الخير بالشر: أي إن ما يحصل لنا في الدنيا من خير إذا كان من جهة مباحة فهل يترتب عليه شر؟. (6) إن الخير لا يأتي الا بخير: أي إن الخير الحقيقي لا يأتي إلا بالخير. (7) أو خير هو: أي إن هذا الذي يحصل لكم من زهرة الدنيا ليس بخير وإنما هو فتنة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1852 الرّبيع يقتل حبطا «1» أو يلمّ «2» . إلّا آكلة الخضر «3» . أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشّمس. ثلطت أو بالت. ثمّ اجترّت «4» . فعادت فأكلت. فمن يأخذ مالا بحقّه يبارك له فيه. ومن يأخذ مالا بغير حقّه فمثله كمثل الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «5» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان يوم الرّيح والغيم، عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر. فإذا مطرت، سرّ به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة: فسألته. فقال: «إنّي خشيت أن يكون عذابا سلّط على أمّتي» . ويقول: إذا رأى المطر: «رحمة» ، وفي لفظ: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا «6» ضاحكا حتّى أرى منه لهواته «7» . إنّما كان يتبسّم. قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا، عرف ذلك في وجهه. فقالت: يا رسول الله أرى النّاس إذا رأوا الغيم فرحوا. رجاء أن يكون فيه المطر. وأراك إذا رأيته، عرفت في وجهك الكراهية؟. قالت فقال: «يا عائشة ما يؤمّنني أن يكون فيه عذاب. قد عذّب قوم بالرّيح. وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا» ) * «8» . 32- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجمع الله تبارك وتعالى النّاس. فيقوم المؤمنون حتّى تزلف «9» لهم الجنّة. فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنّة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلّا خطيئة أبيكم آدم؟، لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك. إنّما كنت خليلا من وراء وراء. اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليما. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه. فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فيقوم فيؤذن له. وترسل الأمانة «10» والرّحم. فتقومان جنبتي «11» الصّراط يمينا وشمالا. فيمرّ أوّلكم كالبرق» قال قلت: بأبي أنت وأمّي أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟ ثمّ كمرّ الرّيح. ثمّ كمرّ الطّير   (1) حبطا: أي تخمة، والمعنى أن نبات الربيع وخضره يقتل حبطا بالتخمة لكثرة الأكل (2) أويلمّ: أي قارب الاهلاك. (3) إلا آكلة الخضر: أي إلا الماشية التي تأكل الخضر. (4) ثلطت: ثلط البعير يثلط إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا. واجترّت: أي أخرجت الجرّة وهي ما تخرجه الماشية من كرشها لتمضغه ثم تبلعه. (5) البخاري- الفتح 6 (2842) ، ومسلم (1052) واللفظ له. (6) مستجمعا: المستجمع: المجد في الشيء، القاصد له. (7) لهواته: اللهوات جمع لهاة، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك. (8) البخاري- الفتح 8 (4828، 4829) ، ومسلم (899) واللفظ له. (9) تزلف: أي تقرب، كما قال الله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (الشعراء/ 90) أي قربت. (10) وترسل الأمانة والرحم: إرسال الأمانة والرحم لعظم أمرهما وكثير موقعهما، فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى. (11) جنبتي الصراط: معناهما جانباه، ناحيتاه اليمنى واليسرى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1853 وشدّ الرّجال «1» تجري بهم أعمالهم «2» . ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد. حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلّا زحفا. قال وفي حافّتي الصّراط «3» كلاليب معلّقة. مأمورة بأخذ من أمرت به. فمخدوش ناج ومكدوس «4» في النّار» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الخشية) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «لا تصحب الفجّار، لتعلّم من فجورهم، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين، ولا أمين إلّا من خشي الله، وتخشّع عند القبور. وذلّ عند الطّاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر الّذين يخشون الله» ) * «6» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «آخ الإخوان على قدر التّقوى، ولا تجعل حديثك بذلة إلّا عند من يشتهيه، ولا تضع حاجتك إلّا عند من يحبّ قضاءها، ولا تغبط الأحياء إلّا بما تغبط الأموات، وشاور في أمرك الّذين يخشون الله عزّ وجلّ» ) * «7» . 3- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا» ) * «8» . 4* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يقول في دعائه: «خائفا مستجيرا تائبا مستغفرا راغبا راهبا» ) * «9» . 5- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «ليس العلم من كثرة الحديث، ولكنّ العلم من الخشية» ) * «10» . 6- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-: «تمام التّقوى أن يتّقي الله العبد حتّى يتّقيه من مثقال ذرّة وحتّى يترك بعض ما يرى أنّه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام» ) * «11» . 7- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: «إنّما أخاف أن يكون أوّل ما يسألني عنه ربّي أن   (1) وشد الرجال: الشد هو العدو البالغ والجري. (2) تجري بهم أعمالهم: هو تفسير لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيمر أولكم كالبرق ثم كمر الريح» ... إلى آخره. (3) حافتي الصراط: هما جنباه. (4) ومكدوس: قال في النهاية: أي مدفوع، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط. (5) مسلم (195) . (6) الدر المنثور للسيوطي (7/ 22) . (7) الإخوان لابن أبي الدنيا (ص 126) . (8) البخاري- الفتح 11 (6308) واللفظ له، وشرح السنة للبغوي (14/ 374) . (9) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 545) . (10) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) . (11) الدر المنثور للسيوطي (1/ 61) ، وأحمد في الزهد، والفتح (1/ 63) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1854 يقول: قد علمت فما عملت فيما علمت؟» ) * «1» . 8- * (قال أبو أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه-: «إنّ الرّجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها، ويعمل المحقّرات حتّى يأتي الله وقد حظر به «2» ، وإنّ الرّجل ليعمل السّيّئة فيفرق منها حتّى يأتي الله آمنا» ) * «3» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) قال: العلماء بالله الّذين يخافونه» ) * «4» . 10- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال لابن أبي موسى الأشعريّ: «هل تدري ما قال أبي لأبيك؟» ، قال: «قلت: لا» . قال: «فإنّ أبي قال لأبيك يا أبا موسى هل يسرّك إسلامنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كلّه معه برد لنا «5» وأنّ كلّ عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا «6» رأسا برأس» . فقال أبي: «لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا، وأسلم على أيدينا بشر كثير وإنّا لنرجو ذلك» ، فقال أبي: «لكنّي أنا والّذي نفس عمر بيده لوددت أنّ ذلك برد لنا وأنّ كلّ شيء عملناه بعد نجونا منه كفافا رأسا برأس» . فقلت: «إنّ أباك والله خير من أبي» ) * «7» . 11- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: «لقد مضى بين يديكم أقوام لو أنّ أحدهم أنفق عدد هذا الحصى لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم» ) * «8» . 12- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «عملوا لله بالطّاعات، واجتهدوا فيها وخافوا أن تردّ عليهم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا» ) * «9» . 13- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: «الإيمان من خشي الله بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما أسخط الله» ) * «10» . 14- * (عن مسروق- رحمه الله- قال: «كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله» ) * «11» . 15- * (قال مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير: «يا إخوتي اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنّة، وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف ونحاذر لم نقل، ربّنا   (1) انظر: اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص 41) . (2) حظر به: أي منع وفي رواية أخرى أخطر به من الخطر وهو الإشراف على الهلاك، ولعلها الصواب لوجود القرينة الدالة على ذلك وهو قوله «آمنّا» . (3) الزهد لابن المبارك (52، 53) . (4) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) . (5) برد لنا: أي ثبت لنا ودام. (6) كفافا: أي سواء بسواء والمراد: لا موجبا ثوابا ولا عقابا. (7) البخاري- الفتح 7 (3915) . (8) الزهد لابن المبارك (ص 51) . (9) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 545) . (10) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) . (11) المرجع السابق (7/ 20) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1855 أخرجنا نعمل صالحا غير الّذي كنّا نعمل، نقول، قد عملنا فلم ينفعنا» ) * «1» . 16- * (عن ابن أبي مليكة قال: «مرّ رجل على عبد الله بن عمرو. وهو ساجد في الحجر وهو يبكي، فقال: أتعجب أن أبكي من خشية الله، وهذا القمر يبكي من خشية الله؟ قال: ونظر إلى القمر حين شفّ أن يغيب» ) * «2» . 17- * (قال مالك بن أنس- رحمه الله-: «حقّ على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية. والعلم حسن لمن رزق خيره» ) * «3» . 18- * (قال سريّ السّقطيّ: «للخائف عشر مقامات منها الحزن الّلازم، والهمّ الغالب، والخشية المقلقة، وكثرة البكاء، والتّضرّع في اللّيل والنّهار، والهرب من مواطن الرّاحة، ووجل القلب» ) * «4» . 19- * (عن العبّاس العمّيّ- رحمه الله- قال: «بلغني أنّ داود عليه السّلام قال: سبحانك تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السّماوات والأرض، فأقرب خلقك إليك أشدّهم لك خشية، وما علم من لم يخشك، وما حكمة من لم يطع أمرك؟» ) * «5» . 20- * (عن صالح أبي الخليل- رحمه الله- قال: «أعلم النّاس بالله أشدّهم له خشية» ) * «6» . من فوائد (الخشية) (1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (2) الأمن من الفزع الأكبر. (3) تثمر محبّة الله وطاعته. (4) سبب سعادة العبد في الدّنيا والآخرة. (5) دليل هداية القلب. (6) البعد عن الوقوع في المعاصي والذّنوب.   (1) انظر: اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص 59) (2) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 251) . (3) حلية الأولياء لأبي نعيم (6/ 320) . (4) المرجع السابق (10/ 118) . (5) الدر المنثور للسيوطي (7/ 21) ، والكتاب المصنف لابن أبي شيبة (7/ 67) . (6) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1856 خفض الصوت الخفض لغة: يطلق الخفض على معان متعدّدة، معظمها متقارب، فالخفض ضدّ الرّفع، تقول: خفضه يخفضه خفضا، فانخفض واختفض، ومن ذلك قوله تعالى خافِضَةٌ رافِعَةٌ (الواقعة/ 3) أي ترفع قوما إلى الجنّة، وتخفض قوما إلى النّار، أو تخفض أهل المعاصي، وترفع أهل الطّاعة، أو تخفض قوما فتحطّهم عن مراتب آخرين ترفعهم إليها «1» . والخفض الدّعة، يقال: عيش خافض، وهم في خفض من العيش «2» ، وعيش خفض، أي في دعة وخصب «3» ومن ذلك ما أنشده الصّاغانيّ: لا يمنعنّك خفض العيش في دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان تلقى بكلّ بلاد إن حللت بها ... أهلا بأهل وجيرانا بجيران والخفض: السّير اللّيّن، ضدّ الرّفع، يقال: بيني الآيات الأحاديث الآثار 5 10 15 وبينك ليلة خافضة أي هيّنة السّير «4» والخفض: غضّ الصّوت، يقال خفّض عليك القول «5» وقد جعل الزّبيديّ هذا المعنى من المجاز فقال: ومن المجاز، الخفض: غضّ الصّوت ولينه وسهولته، وصوت خفيض ضدّ رفيع «6» ويطلق الخفض أيضا على لين الجانب والتّواضع كقوله تعالى وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (الإسراء/ 24) أي تواضع لهما، ولا تتعزّز عليهما، ومنه خفّض الأمر أي هوّنه وخفّض رأس البعير أي مدّه إلى الأرض لتركبه، وخفض العدل: ظهور الجور عليه إذا فسد النّاس «7» ، والخفض: العيش الطّيّب وعيش خفض وخافض ومخفوض وخفيض خصيب في دعة «8» . الصوت لغة: تدور هذه المادّة حول الشّيء المسموع، يقول ابن فارس: (الصّاد والواو والتّاء) أصل صحيح وهو الصّوت، وهو جنس لكلّ ما وقر في أذن السّامع،   (1) ينظر اللسان (خفض) ، والتاج (10/ 48) وقارن بالمحيط في اللغة (4/ 237) ، والقاموس المحيط (2/ 341) ، والكليات للكفوي (2/ 311) . (2) الصحاح (3/ 1074) (3) المحيط في اللغة (4/ 237) . (4) التاج (10/ 47) ، وقارن بالصحاح (3/ 1074) . (5) الصحاح (3/ 1074) ، واللسان (خفض) . (6) التاج (10/ 48- 71) . (7) ينظر التاج السابق. (8) اللسان (خفض) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1857 يقال: هذا صوت زيد، ورجل صيّت، إذا كان شديد الصّوت، وصائت إذا صاح «1» . ويقول ابن منظور: الصّوت: الجرس، معروف مذكّر ... وقد صات يصوت ويصات صوتا وأصات، وصوّت به كلّه نادى. ويقال: صوّت يصوّت تصويتا، فهو مصوّت، وذلك إذا صوّت بإنسان فدعاه ... وفي الحديث: (كان العبّاس رجلا صيّتا) : أي شديد الصّوت عاليه، يقال: هو صيّت وصائت «2» . خفض الصوت اصطلاحا: ألّا يرفع الإنسان صوته عن القدر المعتاد خاصّة في حضور من هو أعلى منه مكانة «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الأدب- حسن الخلق- حسن المعاملة- الضراعة والتضرع- الصمت وحفظ اللسان- حسن العشرة- الرفق- الشفقة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البذاءة- الجفاء- سوء المعاملة- سوء الخلق- السفاهة] .   (1) المقاييس (3/ 318، 319) . (2) اللسان صوت، وانظر التاج (3/ 89) . (3) لم تذكر كتب المصطلحات تعريفا محددا لهذه الصفة وقد استنبطنا ذلك مما ذكره المفسرون عند قول الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ. انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبى (16/ 303) وما بعدها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1858 الآيات الواردة في «خفض الصوت» 1- يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) «1» 2- وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) «3» الآيات الواردة في «خفض الصوت» معنى 4- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (103) «4» 5- فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) «5»   (1) طه: 108 مكية (2) لقمان: 13- 19 مكية (3) الحجرات: 1- 4 مدنية (4) طه: 102- 103 مكية (5) القلم: 21- 24 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1859 الأحاديث الواردة في (خفض الصوت) 1- * (عن زرّ بن حبيش قال: أتيت صفوان ابن عسّال المراديّ فقال: ما جاء بك؟ فقلت: ابتغاء العلم قال: فإنّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب. قلت: حكّ في نفسي مسح على الخفّين أو في صدري- بعد الغائط والبول، وكنت امراء من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيتك أسألك هل سمعت منه في ذلك شيئا؟ قال: نعم كان يأمرنا إذا كنّا سفرا أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيّام ولياليهنّ إلّا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم. قال: قلت له: هل سمعته يذكر الهوى؟ قال: نعم، بينما نحن معه في مسيره إذ ناداه أعرابيّ بصوت جهوريّ فقال: يا محمّد، فقلنا: ويحك اغضض من صوتك فإنّك قد نهيت عن ذلك. فقال: والله لا أغضض من صوتي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هاء» «1» ، وأجابه على نحو من مسألته- أو نحوا ممّا تكلّم به- فقال: أرأيت رجلا أحبّ قوما ولمّا يلحق بهم؟ قال: «هو مع من أحبّ» قال: ثمّ لم يزل يحدّثنا حتّى قال: «إنّ من قبل المغرب لبابا مسيرة عرضه سبعون أو أربعون عاما فتحه الله- عزّ وجلّ- للتّوبة يوم خلق السّماوات والأرض ولا يغلقه حتّى تطلع الشّمس منه» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (خفض الصوت) معنى 2- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: إنّ هذه الآية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) . قال في التّوراة: «يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا «3» للأمّيّين «4» ، أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكّل «5» ، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب «6» بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «7» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شرّ، كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقد حبط عمله وهو من أهل النّار، فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال: كذا وكذا، فرجع إليه المرّة الآخرة   (1) هكذا في أحمد، وفي روايات أخرى: «هاؤم» . (2) أحمد (4/ 240) واللفظ له، والترمذي (3536) وقال: حسن صحيح، والنسائي (1/ 83، 93) . (3) حرزا: عصمة. (4) الأميين: العرب. (5) المتوكل: من أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم سمي به لقناعته باليسير والصبر على ما كان يكره، قاله ابن حجر في الفتح (8/ 450) . (6) سخاب وصخاب: عالي الصوت. (7) البخاري- الفتح 8 (4838) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1860 ببشارة عظيمة، فقال: «اذهب إليه فقل له إنّك لست من أهل النّار ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «1» . 4- * (قال ابن أبي مليكة- رحمه الله تعالى-: كاد الخيّران أن يهلكا- أبو بكر وعمر- لمّا قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التّميميّ الحنظليّ أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنّما أردت خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إلى قوله عَظِيمٌ (الحجرات: 2- 3) ، قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزّبير: فكان عمر بعد- ولم يذكر عن أبيه يعني أبا بكر- إذا حدّث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحديث حدّثه كأخي السّرار لم يسمعه حتّى يستفهمه) * «2» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف السّتر وقال: «ألا إنّ كلّكم مناج ربّه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» أو قال: «في الصّلاة» ) * «3» . 6- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فكنّا إذا علونا كبّرنا، فقال: «اربعوا «4» على أنفسكم، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا» ، ثمّ أتى عليّ وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فقال لي: «يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوّة إلّا بالله فإنّها كنز من كنوز الجنّة» أو قال: «ألا أدلّك به» ) * «5» . 7- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: لمّا نزل قوله تعالى لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ تألّى أبو بكر أن لا يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا كأخي السّرار، فأنزل الله في أبي بكر إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ» ) * «6» . 8- * (عن ابن عسّال- أنّ رجلا من أهل البادية أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يناديه بصوت له جهوريّ: يا محمّد، يا محمّد، فقلنا: «ويحك اخفض من صوتك، فإنّك قد نهيت عن هذا، قال: لا والله حتّى أسمعه، فقال النّبيّ «هاؤم» ، قال: أرأيت رجلا يحبّ قوما ولمّا يلحق بهم، قال: «المرء مع من أحبّ» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 8 (4846) . (2) البخاري- الفتح 13 (7302) . وقوله «كأخي السرار» أي كالمناجي سرّا. (3) أبو داود 1332) واللفظ له، والموطأ (81) ، وذكره جامع الأصول (5/ 356) ، وقال محققه: حديث صحيح. (4) اربعوا: ارفقوا. (5) البخاري- الفتح 13 (7386) واللفظ له، مسلم (2704) . (6) ذكره في زاد المسير (7/ 457) ، وجاء في حاشية تحقيقه: ذكره الواحدي في أسباب النزول (288) واللفظ فيه، وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف: أخرجه البزار وابن مردويه عن أبي بكر وأخرجه الحاكم والبيهقي في المدخل من حديث أبي هريرة وقال: صحيح على شرط مسلم. انظر المستدرك (2/ 462) بلفظ قريب. (7) الدر المنثور (7/ 551) ، وقال: أخرجه الترمذي وابن حبان وابن مردوية. ورواية الترمذي بدون القصة (2388) وقال: حديث صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 458) : إسناده صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1861 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (خفض الصوت) 9- * (عن المقداد- رضي الله عنه- أنّه قال: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «1» فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فليس أحد منهم يقبلنا «2» . فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه. قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما. ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي. ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقلت: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «3» . فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت في بطني «4» وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان. فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم. وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم. ثمّ أتى المسجد فصلّى. ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك.. فقال: «اللهمّ أطعم من أطعمني. وأسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ. وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هي حافلة «5» . وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة. فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» قال: قلت: يا رسول الله اشرب، فشرب ثمّ ناولني. فقلت يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي، وأصبت دعوته، ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك يا مقداد» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك. من أصابها من النّاس) * «6» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:   (1) الجهد: بفتح الجيم، هو الجوع والمشقة. (2) فليس أحد منهم يقبلنا: هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به. (3) ما به حاجة إلى هذه الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره، والفعل منه جرعت. (4) وغلت في بطني: أي دخلت وتمكنت منه. (5) حافلة: من الحفل وهو الاجتماع أي كثيرة اللبن. (6) مسلم (2055) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1862 ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلنا: بلى، قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج، ثمّ أجافه «1» رويدا فجعلت درعي في رأسي، واختمرت «2» وتقنّعت إزاري، ثمّ انطلقت على إثره، حتّى جاء البقيع، فقام، فأطال القيام، ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات، ثمّ انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت «3» ، فسبقته فدخلت، فليس إلّا أن اضطجعت فدخل، فقال: «مالك؟ يا عائش! حشيا رابية! «4» » قالت: قلت لا شيء. قال: «لتخبربني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» ، قالت: قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمّي، فأخبرته. قال: «فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم، فلهدني «5» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. نعم، ثمّ قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله!. قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (خفض الصوت) 1- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا صخّابا ولا صيّاحا ولا حديدا «7» ) * «8» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قوله- عزّ وجلّ-: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها (الإسراء/ 110) قالت: «أنزل ذلك في الدّعاء» ) * «9» .   (1) أجافه: أغلقه. (2) اختمرت: لبست خماري. (3) فأحضر فأحضرت: الإحضار: العدو، أي فعدا فعدوت فهو فوق الهرولة. (4) حشيا رابية: أي قد وقع عليها الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره. (5) لهدني: ضربني. (6) مسلم (974) (7) الحديد يعني الشديد الغليظ. (8) الفوائد (144) . (9) البخاري- الفتح 8 (4723) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1863 3- * (عن السّائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: كنت قائما في المسجد فحصبني «1» رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطّاب فقال: «اذهب فأتني بهذين» ، فجئته بهما، قال: «من أنتما- أو من أين أنتما؟» . قالا: من أهل الطّائف. قال: «لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 4- * (قال بعض الصّحابة في معنى قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (الإسراء/ 110) : «أي لا ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتعيّر بها» ) * «3» . 5- * (قال ابن زيد- رحمه الله-: «لو كان رفع الصّوت خيرا ما جعله الله للحمير» ) * «4» . 6- * (قال ابن قتيبة- رحمه الله تعالى-: «عرّف لقمان ابنه قبح رفع الصّوت في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير» ) * «5» . 7- * (قال المبرّد- رحمه الله تعالى-: «إنّ الجهر بالصّوت ليس بمحمود وإنّه داخل في باب الصّوت المنكر» ) * «6» . 8- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ (لقمان/ 19) : «أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه» ، ولهذا قال: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ، وقال مجاهد إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ: «أي غاية من رفع صوته أنّه يشبّه بالحمير في علوّه ورفعه، ومع هذا فهو بغيض إلى الله، والتّشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمّه غاية الذّمّ» ) * «7» . 9- * (عن مجاهد في قوله وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ (الحجرات/ 2) الآية، قال: «لا تنادوه نداء، ولكن قولوا قولا ليّنا يا رسول الله» ) * «8» . 10- * (قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (الإسراء/ 110) قال: «أهل الكتاب يخافتون، ثمّ يجهر أحدهم بالحرف، فيصيح به، ويصيحون هم به وراءه، فنهاه أن يصيح كما يصيح هؤلاء، وأن يخافت كما يخافت القوم، ثمّ كان السّبيل الّذي بين ذلك الّذي سنّ له جبريل من الصّلاة» ) * «9» . 11- * (عن محمّد بن سيرين قال: «نبّئت أنّ أبا بكر كان إذا صلّى فقرأ خفض صوته، وأنّ عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا؟ قال: أناجي ربّي- عزّ وجلّ- وقد علم حاجتي، فقيل أحسنت، وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشّيطان وأوقظ الوسنان. قيل: أحسنت. فلمّا نزلت   (1) حصبنى: أي رماني بالحصباء. (2) البخاري- الفتح 1 (470) . (3) فتح الباري (8/ 258) . (4) زاد المسير (6/ 323) . (5) المرجع السابق (6/ 323) . (6) المرجع السابق (6/ 323) . (7) التفسير (3/ 446) . (8) الدر المنثور (7/ 548) . (9) تفسير ابن كثير (3/ 69) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1864 وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ... قيل لأبي بكر: ارفع شيئا، وقيل لعمر: اخفض شيئا) * «1» . 12- * (قال ابن جرير في قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (الأعراف/ 55) : تضرّعا تذلّلا واستكانة لطاعته. وخفية يقول: بخشوع قلوبكم، وصحّة اليقين بوحدانيّة وربوبيّته فيما بينكم وبينه لا جهارا مراءاة) * «2» . 13- * (عن الحسن قال: إن كان الرّجل لقد جمع القرآن وما يشعر به النّاس، وإن كان الرّجل لقد فقه الكثير وما يشعر به النّاس، وإن كان الرّجل ليصلّي الصّلاة الطّويلة في بيته وعنده الزّور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السّرّ فيكون علانية أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدّعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلّا همسا بينهم وبين ربّهم وذلك أنّ الله تعالى يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً وذلك أنّ الله ذكر عبدا صالحا رضي فعله فقال: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (مريم/ 3)) * «3» . 14- * (قال ابن جريج: «يكره رفع الصّوت والنّداء والصّياح في الدّعاء، ويؤمر بالتّضرّع والاستكانة» ) * «4» . 15- * (قال قتادة في قوله تعالى إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (مريم/ 3) : «إنّ الله يعلم القلب التّقيّ ويسمع الصّوت الخفيّ) * «5» . من فوائد (خفض الصوت) (1) دليل حسن الأدب واللّطف في الطّلب. (2) التّشبّه بأشرف المرسلين وسيّد الخلق أجمعين. (3) دليل توقير المسلم للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. (4) باب من أبواب قبول الدّعاء. (5) علامة إخلاص الدّين لله. (6) فيه محافظة على شعور المسلمين بعدم إيذائهم برفع الصّوت لا سيّما إن كانوا من الضّيفان. (7) خفض الصّوت في المسجد دليل السّكينة، وهو للمؤمن زينة، وفيه توقير للبيت وربّه.   (1) تفسير ابن كثير (3/ 69) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق (2/ 221) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المرجع السابق (3/ 110) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1865 الخوف الخوف لغة: تدلّ مادّة (خ وف) على الذّعر والفزع، يقول ابن فارس: الخاء والواو والفاء أصل واحد يدلّ على الذّعر والفزع، يقال خفت الشّيء خوفا وخيفة «1» . وخاف الرّجل يخاف خوفا وخيفة ومخافة فهو خائف ... والأمر منه خف بفتح الخاء ... وخاوفه فخافه يخوفه: غلبه في الخوف، أي كان أشدّ خوفا منه. والإخافة التّخويف. يقال: وجع مخيف أي يخيف من رآه «2» . والتّخويف والإخافة والتّخوّف: الفزع، وقوله: أتهجر بيتا بالحجاز تلفّعت ... به الخوف والأعداء أم أنت زائره؟ إنّما أراد بالخوف المخافة فأنّث لذلك. وتخوّفت عليه الشّيء أي خفت، وتخوّفه كخافه، وأخافه إيّاه إخافة وإخافا (عن اللّحيانيّ) وخوّفه «3» . وخوّف الرّجل: جعل النّاس يخافونه، وفي الآيات الأحاديث الآثار 60 60 52 التّنزيل العزيز إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ «4» «أي يجعلكم تخافون أولياءه، وقال ثعلب: معناه: يخوّفكم بأوليائه. والخيفة: المخافة، وفي التّنزيل: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً «5» . والخيفة: الخوف، والجمع خيف، وأصله الواو، قال صخر الغيّ الهذليّ: فلا تقعدنّ على زخّة ... وتضمر في القلب وجدا وخيفا «6» . والمخاف والمخيف: موضع الخوف ... وطريق مخوف ومخيف: تخافه النّاس ووجع مخوف ومخيف: يخيف من رآه ... وحائط مخوف، إذا كان يخشى أن يقع هو ... وثغر متخوّف ومخيف: يخاف منه، وقيل إذا كان الخوف يجيء من قبله «7» ، وقد أطلق الخوف على عدّة معان منها: القتل، والقتال، والعلم، وأديم أحمر يعدّ منه أمثال السّيور ثمّ يجعل على تلك السّيور شذر تلبسه الجارية، ويطلق على الفزع كما سبق «8» . ويقال: تخوّفناهم أي تنقّصناهم تنّقصا اقتضاه   (1) المقاييس (2/ 230) . (2) الصحاح (4/ 1358، 1359) . (3) اللسان «خوف» (9/ 99) ط. بيروت. (4) آل عمران/ 175 مدنية. (5) اللسان «خوف» ، وانظر سورة الأعراف/ 205 مكية. (6) الصحاح (4/ 1359) . (7) اللسان «خوف» (9/ 100) ط. بيروت. (8) اللسان «خوف» (9/ 100) ، وانظر القاموس (3/ 139) «خوف» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1866 الخوف منه ... والتّخوّف ظهور الخوف من الإنسان، قال أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ (النحل/ 47) . والخيفة الحالة الّتي عليها الإنسان من الخوف، قال تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (طه/ 6) ، والتّخويف من الله تعالى هو الحثّ على التّحرّز، وعلى ذلك قوله- تعالى-: ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ (الزمر/ 16) والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرّعب كاستشعار الخوف من الأسد؛ بل إنّما يراد به الكفّ عن المعاصي واختيار الطّاعات، ولذلك قيل: لا يعدّ خائفا من لم يكن للذّنوب تاركا «1» . ومن ذلك قول عمر- رضي الله عنه-: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» «2» . واصطلاحا: عرّفه العلماء عدّة تعريفات تبعا لاختلاف نظرة كلّ منهم، فيقول الرّاغب: الخوف: توقّع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة. ويضادّه الأمن، ويستعمل ذلك في الأمور الدّنيويّة والأخرويّة «3» . ويقول الجرجانيّ: الخوف توقّع حلول مكروه أو فوات محبوب «4» . وقيل: اضطراب القلب وحركته من تذكّر المخوف، وقيل: فزع القلب من مكروه يناله أو من محبوب يفوته «5» . منزلة الخوف: قال ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله-: إنّ الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلّة الدّالّة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدّة عذابه ودار عقابه الّتي أعدّها لمن عصاه ليتّقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرّر سبحانه وتعالى- في كتابه ذكر النّار وما أعدّه فيها لأعدائه من العذاب والنّكال، وما احتوت عليه من الزّقّوم والضّريع والحميم والسّلاسل والأغلال، إلى غير ذلك ممّا فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبّه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه، فمن تأمّل الكتاب الكريم وأدار فكره فيه وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك السّنّة الصّحيحة الّتي هي مفسّرة ومبيّنة لمعاني الكتاب، وكذلك سير السّلف الصّالح أهل العلم والإيمان من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، من تأمّلها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات، وأنّ ذلك هو الّذي رقّاهم إلى تلك الأحوال الشّريفة والمقامات السّنيّات، من شدّة الاجتهاد في الطّاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال والمكروهات فضلا عن المحرّمات «6» . وقال- رحمه الله-: القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك، بحيث صار باعثا للنّفوس على التّشمير في نوافل الطّاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات والتّبسّط في فضول المباحات، كان ذلك فضلا محمودا، فإن تزايد على ذلك بأن أورث مرضا أو موتا، أو همّا لازما، بحيث يقطع عن السّعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله- عزّ وجلّ- لم يكن محمودا «7» .   (1) المفردات للراغب (161، 162) ببعض تصرف. (2) اللسان «خوف» (9/ 100) . (3) المفردات (161) . (4) التعريفات (101) . (5) دليل الفالحين لابن علان (2/ 285) . (6) التخويف من النار لابن رجب (6، 7) . (7) التخويف من النار لابن رجب (21) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1867 وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: إنّ الخوف من المقامات العليّة، وهو من لوازم الإيمان. قال تعالى: وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران/ 175) ، وقال تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (المائدة/ 44) ، وقال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أعلمكم بالله وأشدّكم له خشية» . وكلّما كان العبد أقرب إلى ربّه كان أشدّ له خشية ممّن دونه، وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ (النحل/ 50) ، والأنبياء بقوله: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ (الأحزاب/ 39) . وإنّما كان خوف المقرّبين أشدّ؛ لأنّهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة، ولأنّ الواجب لله منه الشّكر على المنزلة فيضاعف بالنّسبة لعلوّ تلك المنزلة، فالعبد إن كان مستقيما فخوفه من سوء العاقبة لقوله- تعالى-: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (الأنفال/ 24) أو نقصان الدّرجة بالنّسبة، وإن كان مائلا فخوفه من سوء فعله. وينفعه ذلك مع النّدم والإقلاع؛ فإنّ الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتّصديق بالوعيد عليها، وأن يحرم التّوبة، أو لا يكون ممّن شاء الله أن يغفر له، فهو مشفق من ذنبه طالب من ربّه أن يدخله فيمن يغفر له «1» . من معاني كلمة الخوف في القرآن الكريم: قال الفيروزاباديّ: وقد ورد الخوف في القرآن الكريم على وجوه منها: الأوّل: بمعنى القتل والهزيمة: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ (النساء/ 83) ، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ (البقرة/ 155) ، أي القتل. الثّاني: بمعنى الحرب والقتال: فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ (الأحزاب/ 19) ، أي إذا انجلى الحرب، فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ (الأحزاب/ 19) ، أي الحرب. الثّالث: بمعنى العلم والدّراية: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً (البقرة/ 182) ، أي علم، إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ (البقرة/ 229) ، أي يعلما، وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى (النساء/ 3) ، أي علمتم. الرّابع: بمعنى النّقص: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ (النحل/ 47) ، أي تنقّص. الخامس: بمعنى الرّعب والخشية من العذاب والعقوبة: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً (السجدة/ 16) «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإنابة- الخشوع- الخشية- الرجاء- الرهبة- الإخبات- القنوت- الورع- البكاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر الفجور- العصيان- الغفلة- الكبر والعجب- الإصرار على الذنب] .   (1) البخاري- الفتح 11/ 313) . (2) بصائر ذوي التمييز لليفروزابادي (2/ 578، 579) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1868 الآيات الواردة في «الخوف» الخوف من الله تعالى: 1- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) «2» 3- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) «3» 4- وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) «4» 5- كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16) «5» الخوف من العذاب: 6- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «6» 7- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) «7»   (1) المائدة: 27- 28 مدنية (2) المائدة: 94 مدنية (3) الأنفال: 46- 48 مدنية (4) النحل: 49- 51 مكية (5) الحشر: 16 مدنية (6) الأنعام: 14- 15 مكية (7) الأعراف: 59 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1869 8- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «1» 9- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) «2» 10- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) «3» 11- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) «4» 12- وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) «5» 13- أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) «6» 14- أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58) «7» 15- يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) «8» 16- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) «9»   (1) يونس: 15 مكية (2) هود: 1- 3 مكية (3) هود: 25- 26 مكية (4) هود: 84 مكية (5) هود: 102- 103 مكية (6) الرعد: 19- 21 مدنية (7) الإسراء: 57- 58 مكية (8) مريم: 44- 45 مكية (9) الشعراء: 131- 135 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1870 17- قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) «1» 18- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) «2» 19- قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «3» الخوف بوجه عام دون ذكر المخوف منه: 20- قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) «4» 21- وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «5» 22- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «6» 23- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) «7» 24- وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «8»   (1) الزمر: 13- 16 مكية (2) الأحقاف: 21 مكية (3) الذاريات: 31- 37 مكية (4) المائدة: 22- 23 مدنية (5) الأنعام: 51 مكية (6) الأعراف: 55- 56 مكية (7) الرعد: 12- 13 مدنية (8) الروم: 24 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1871 25- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) «1» الخوف من مقام الله ووعيده أو الخوف من يوم القيامة: 26- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) «2» 27- وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «3» 28- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) «4» 29- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) «5» 30- إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «6» 31- وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47) «7» 32- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) «8» 33- إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) «9» 34- وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «10»   (1) السجدة: 15- 16 مكية (2) إبراهيم: 13- 14 مكية (3) الإسراء: 59 مكية (4) النور: 36- 37 مدنية (5) غافر: 30- 32 مكية (6) ق: 43- 45 مكية (7) الرحمن: 46- 47 مكية (8) الإنسان: 5- 8 مدنية (9) الإنسان: 9- 10 مدنية (10) النازعات: 40- 41 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1872 الخوف من شيء في الحياة الدنيا: 35- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) «1» 36- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) «2» 37- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) «3» 38- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «4» 39- وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) «5» 40- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) «6» 41- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) «7» 42- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ   (1) البقرة: 155 مدنية (2) البقرة: 182 مدنية (3) البقرة: 229 مدنية (4) البقرة: 238- 239 مدنية (5) النساء: 2- 3 مدنية (6) النساء: 34- 35 مدنية (7) النساء: 101 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1873 خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) «1» 43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «2» 44- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «3» 45- وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) «4» 46- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) «5» 47- قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) «6» 48- وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) «7» 49- وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) «8»   (1) النساء: 128 مدنية (2) المائدة: 106- 108 مدنية (3) الأنفال: 26 مدنية (4) الأنفال: 58 مدنية (5) هود: 69- 70 مكية (6) يوسف: 13 مكية (7) مريم: 5 مكية (8) طه: 17- 21 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1874 50- قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) «1» 51- قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) «2» 52- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «3» 53- وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (17) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) «4» 54- وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) «5» 55- وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) «6» 56- قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) «7»   (1) طه: 45- 46 مكية (2) طه: 65- 67 مكية (3) النور: 55 مدنية (4) الشعراء: 10- 21 مكية (5) النمل: 10 مكية (6) القصص: 7 مكية (7) القصص: 17- 18 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1875 57- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) «1» 58- اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (32) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) «2» 59- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) «3» 60- لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) «4»   (1) القصص: 20- 21 مكية (2) القصص: 32- 34 مكية (3) الذاريات: 24- 28 مكية (4) قريش: 1- 4 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1876 الأحاديث الواردة في (الخوف) 1- * (عن بشير بن الخصاصية- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبايعه، قال: فاشترط عليّ: «شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأن أقيم الصّلاة، وأن أؤدّي الزّكاة، وأن أحجّ حجّة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله» . فقلت: يا رسول الله أمّا اثنتان فو الله ما أطيقهما: الجهاد والصّدقة، فإنّهم زعموا أنّه من ولّى الدّبر «1» فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي «2» ، وكرهت الموت، والصّدقة فو الله مالي إلّا غنيمة وعشر ذود «3» هنّ رسل أهلي وحمولتهم، قال: فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده ثمّ حرّك يده، ثمّ قال: «فلا جهاد ولا صدقة، فلم تدخل الجنّة إذا؟» قال: قلت: يا رسول الله، أنا أبايعك. قال: فبايعت عليهنّ كلّهنّ) * «4» . 2- * (عن أبي محجن- رضي الله عنه- مرفوعا قال: «أخاف على أمّتي من بعدي ثلاثا: حيف الأئمّة، وإيمانا بالنّجوم، وتكذيبا بالقدر» ) «5» 3- * (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا انصرف تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال: «أظنّكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنّه جاء بشيء» . قالوا: أجل يا رسول الله قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «6» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي عمل قوم لوط» ) * «7» . 5- * (عن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر» ، قالوا: وما الشّرك الأصغر يا رسول الله؟. قال: «الرّياء، يقول الله- عزّ وجلّ- إذا جزى النّاس بأعمالهم: اذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون في الدّنيا   (1) ولى الدبر: أي فرّ هاربا من المعركة. (2) جشعت نفسي: أي فزعت، وقيل: الجشع هو أسوأ الحرص. (3) الذود:- بفتح الذال- القطيع من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر، وقيل: إلى عشرين. (4) مسند أحمد (5/ 224) واللفظ له. والحاكم (2/ 79- 80) وصححه وأقره الذهبي. (5) رواه ابن عساكر، وحسنه السيوطي، وقال المناوي في فيض القدير (1: 240) : حسن لغيره. وانظر: تيسير العزيز الحميد، للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (ص 450) ، والنهج السديد في تخريجه (ص 164) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، حديث رقم (214) . (6) البخاري- الفتح 11 (6425) واللفظ له، ومسلم (2961) . (7) ابن ماجة (2563) ، وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (2077) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1877 فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟. قال: تقول: يسبّحونك، ويكبّرونك، ويحمدونك، ويمجّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟. قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟. قال: يقولون: يسألونك الجنّة. قال يقول: وهل رأوها؟. قال يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟. قال يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال: يقولون: من النّار. قال: يقول: وهل رأوها؟. قال: فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟. قال يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم) » ) * «2» . 7- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى لي الأرض» أو قال: «إنّ ربّي زوى «3» لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «4» ، وإنّي سألت ربّي لأمّتي أن لا يهلكها بسنة بعامّة، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم «5» وإنّ ربّي قال لي: يا محمّد، إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة «6» ، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال: بأقطارها، حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنّما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين، وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين. لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ، لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «7» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله   (1) الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 68، 69) وقال: رواه أحمد بإسناد جيد. والبغوي في شرح السنة (14/ 324) وقال محققه: إسناده قوي. (2) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له. ومسلم (2689) . (3) زوى: أي جمع. (4) الكنزين الأحمر والأبيض: الذهب والفضة. والمراد كنز كسرى وقيصر. (5) فيستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم. (6) أن لا أهلكهم بسنة بعامة: أي لا أهلكهم بقحط يعمهم. (7) مسلم (2889) . وأبو داود (4252) واللفظ له. والترمذي (2176) وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1878 عنه- قال: جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. وجلسنا حوله. فقال: «إنّ ممّا أخاف عليكم بعدي، ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها» . فقال رجل: أو يأتي الخير بالشّرّ يا رسول الله؟. قال: فسكت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقيل له: ما شأنك تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يكلّمك؟. قال: ورأينا أنّه ينزل عليه. فأفاق يمسح عنه الرّحضاء «1» . وقال: «إنّ هذا السّائل «2» » (وكأنّه حمده) فقال: «إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ. وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ، إلّا آكلة الخضر، فإنّها أكلت، حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشّمس فثلطت وبالت. ثمّ رتعت. وإن هذا المال خضر حلو. ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل (أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) وإنّه من يأخذه بغير حقّه كان كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة» ) * «3» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن نتذاكر المسيح الدّجّال. فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدّجّال؟» قال: قلنا: بلى. فقال: «الشّرك الخفيّ: أن يقوم الرّجل يصلّي فيزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل» ) * «4» . 10- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: خسفت الشّمس في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام فزعا يخشى أن تكون السّاعة حتّى أتى المسجد، فقام يصلّي بأطول قيام وركوع وسجود. ما رأيته يفعله في صلاة قطّ. ثمّ قال: «إنّ هذه الآيات الّتي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكنّ الله يرسلها يخوّف بها عباده. فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ) * «5» . 11- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على شابّ وهو في الموت، فقال: «كيف تجدك؟» . قال والله يا رسول الله إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه ممّا يخاف» ) * «6» . 12- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ذكر رجلا فيمن كان سلف- أو قبلكم- آتاه الله مالا وولدا، يعني أعطاه. قال فلمّا حضر قال لبنيه: أيّ أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب. قال: فإنّه لم يبتئر عند الله خيرا (فسّرها قتادة: لم   (1) الرحضاء: أي العرق، من الشدة. (2) إن هذا السائل: أي أين هذا السائل؟ والمعنى إن هذا السائل الممدوح الفطن ولهذا قال: وكأنه حمده. (3) البخاري- الفتح 11 (6427) ، ومسلم (1052) واللفظ له. (4) ابن ماجة (4204) وفي الزوائد: إسناده حسن. وحسنه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (2/ 410) برقم (3389) . (5) البخاري- الفتح 2 (1059) . ومسلم (912) واللفظ له. (6) الترمذي (983) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (4261) وقال النووي: إسناده حسن. وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (3436) وهو في الصحيحة (1051) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1879 يدّخر) . وإن يقدم على الله يعذّبه. فانظروا فإذا متّ فأحرقوني حتّى إذا صرت فحما فاسحقوني- أو قال فاسهكوني- ثمّ إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها، فأخذ مواثيقهم على ذلك وربّي. ففعلوا. فقال الله: كن. فإذا رجل قائم. ثمّ قال: أي عبدي، ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك. أو فرق منك. فما تلافاه أن رحمه الله «1» » ) * «2» . 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ «3» . قالت عائشة: أهم الّذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: «لا يا بنت الصّدّيق. ولكنّهم الّذين يصومون، ويصلّون، ويتصدّقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم، أولئك الّذين يسارعون في الخيرات» ) * «4» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عدل. وشابّ نشأ في عبادة الله. ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال. فقال: إنّي أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه» ) * «5» . 15- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: سرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فقال بعض القوم: لو عرّست «6» بنا يا رسول الله. قال: «أخاف أن تناموا عن الصّلاة» . قال بلال: أنا أوقظكم. فاضطجعوا. وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام. فاستيقظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد طلع حاجب الشّمس، فقال: «يا بلال، أين ما قلت؟» . قال: ما ألقيت عليّ نومة مثلها قطّ. قال: «إنّ الله قبض أرواحكم حين شاء، وردّها عليكم حين شاء. يا بلال قم فأذّن بالنّاس بالصّلاة» . فتوضّأ، فلمّا ارتفعت الشّمس وابياضّت قام فصلّى) * «7» . 16- * (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله حدّثني بأمر أعتصم به. قال: «قل ربّي الله، ثمّ استقم» . قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليّ؟. فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: «هذا» ) * «8» . 17- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أحصوا لي كم يلفظ الإسلام «9» » . قال، فقلنا: يا رسول الله، أتخاف علينا ونحن ما بين السّتّمائة إلى السّبعمائة؟. قال «إنّكم لا   (1) فما تلافاه: أي تداركه، و «ما» موصولة أي الذي تلافاه هو الرحمة: أو نافية وصيغة الاستثناء محذوفة. (2) البخاري- الفتح 11 (6481) واللفظ له. ومسلم (2757) . (3) المؤمنون/ 60 مكية (4) الترمذي (3175) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2537) . وابن ماجة (4198) . (5) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) . (6) لو عرست بنا: التعريس: نزول المسافر لغير إقامة، وأصله نزول آخر الليل. وجواب «لو» محذوف أي لكان أسهل علينا. (7) البخاري- الفتح 2 (595) واللفظ له. ومسلم (681) . (8) الترمذي (2410) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (3972) وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (3208) . (9) يلفظ الإسلام: أي كم عدد من يتلفظ بكلمة الإسلام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1880 تدرون. لعلّكم أن تبتلوا» . قال: فابتلينا. حتّى جعل الرّجل منّا لا يصلّي إلّا سرّا) * «1» . 18- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرّة المدينة فاستقبلنا أحد، فقال: «يا أبا ذرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: ما يسرّني أنّ عندي مثل أحد هذا ذهبا، تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار «2» إلّا شيئا أرصده لدين «3» ، إلّا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا- عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه، ثمّ مشى، ثمّ قال: «إنّ الأكثرين هم المقلّون يوم القيامة إلّا من قال: هكذا وهكذا وهكذا- عن يمينه وعن شماله ومن خلفه- وقليل ما هم» . ثمّ قال لي: «مكانك لا تبرح حتّى آتيك» . ثمّ انطلق في سواد اللّيل حتّى توارى، فسمعت صوتا قد ارتفع، فتخوّفت أن يكون أحد عرض للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأردت أن آتيه، فتذكّرت قوله لي: «لا تبرح حتّى آتيك» ، فلم أبرح حتّى أتاني، قلت: يا رسول الله، لقد سمعت صوتا تخوّفت، فذكرت له، فقال: «وهل سمعته؟» . قلت: نعم. قال: «ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمّتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟. قال: «وإن زنى وإن سرق» ) * «4» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لمّا خلق الله الجنّة والنّار أرسل جبريل إلى الجنّة، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعدّ الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه، قال: فو عزّتك لا يسمع بها أحد إلّا دخلها، فأمر بها فحفّت بالمكاره، فقال: ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفّت بالمكاره، فرجع إليه، فقال: وعزّتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد. قال: اذهب إلى النّار فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع إليه، فقال: وعزّتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفّت بالشّهوات، فقال: ارجع إليها فرجع إليها، فقال: وعزّتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلّا دخلها» ) * «5» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إنّ سلعة الله غالية، ألا إنّ سلعة الله الجنّة» ) * «6» .   (1) مسلم (149) . (2) ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار: أي ما أحب أنه يتحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاثة أيام. وذلك بإنفاقه في سبيل الله. (3) إلا شيئا أرصده لدين: أي أعده وأحفظه. (4) البخاري- الفتح 11 (6444) واللفظ له. ومسلم (94) . (5) الترمذي (2560) وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له. وأبو داود (4744) . (6) الترمذي (2450) وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه الحاكم 4 (307، 308) ووافقه الذهبي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1881 الأحاديث الواردة في (الخوف) معنى 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اشتكت النّار إلى ربّها. فقالت: يا ربّ، أكل بعضي بعضا. فأذن لها بنفسين: نفس في الشّتاء، ونفس في الصّيف. فهو أشدّ ما تجدون من الحرّ. وأشدّ ما تجدون من الزّمهرير «1» » ) * «2» . 22- * (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه. فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبّلتها، فأتيت أبا بكر، فذكرت ذلك له، قال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا، فلم أصبر. فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له. فقال له: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟» ، حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة، حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار. قال: وأطرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا حتّى أوحى الله إليه: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ «3» . قال أبو اليسر: فأتيته، فقرأها عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصّة أم للنّاس عامّة؟ قال: «بل للنّاس عامّة» ) * «4» . 23- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «5» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» . قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه، قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي، فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «6» في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان، فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي ناما، ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء، فقلت: الآن يدعو عليّ   (1) الزمهرير: شدة البرد. (2) البخاري- الفتح 6 (3260) . ومسلم (617) واللفظ له. (3) هود/ 114 مكية (4) البخاري- الفتح 8 (4687) ، ومسلم (2763) ، والترمذي (3115) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. (5) الجهد: الجوع والمشقة. (6) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1882 فأهلك. فقال: «اللهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «1» ، وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» . قال: قلت: يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فقلت: يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض، قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك يا مقداد» . فقلت: يا رسول الله، كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله. أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك، من أصابها من النّاس) * «2» . 24- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا» ، فاتّبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشدّ النّاس على المشركين حتّى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتّى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرّجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسرعا فقال: أشهد أنّك رسول الله، فقال: «وما ذاك؟» . قال: قلت لفلان: «من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إليه» ، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنّه لا يموت على ذلك فلمّا جرح استعجل الموت، فقتل نفسه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «إنّ العبد ليعمل عمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» ) * «3» . 25- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآية: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «4» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ قطرة من الزّقّوم قطرت في دار الدّنيا لأفسدت على أهل الدّنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه» ) * «5» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» . قالوا: لا، يا رسول الله. قال: «هل تضارّون في الشّمس ليس   (1) حافلة: كثيرة اللبن. (2) مسلم (2055) . (3) البخاري- الفتح 11 (6607) واللفظ له. ومسلم (112) . (4) آل عمران/ 102، ونصها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. (5) سنن الترمذي (2585) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (4325) ، وأحمد (1/ 300) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1883 دونها سحاب؟» . قالوا: لا، يا رسول الله. قال: «فإنّكم ترونه كذلك «1» . يجمع الله النّاس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه. فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس. ويتّبع من كان يعبد القمر القمر. ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت. وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها. فيأتيهم الله- تبارك وتعالى- في صورة غير صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا. فإذا جاء ربّنا عرفناه. فيأتيهم الله تعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا فيتّبعونه. ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم «2» . فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز «3» ، لا يتكلّم يومئذ إلّا الرّسل. ودعوى الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم، سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «4» هل رأيتم السّعدان؟» . قالوا: نعم. يا رسول الله. قال: «فإنّها مثل شوك السّعدان. غير أنّه لا يعلم ما قدر عظمها إلّا الله. تخطف النّاس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله. ومنهم المجازى حتّى ينجّى. حتّى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النّار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممّن أراد الله تعالى أن يرحمه، ممّن يقول: لا إله إلّا الله. فيعرفونهم في النّار. يعرفونهم بأثر السّجود. تأكل النّار من ابن آدم إلّا أثر السّجود. حرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود. فيخرجون من النّار وقد امتحشوا «5» فيصبّ عليهم ماء الحياة. فينبتون منه كما تنبت الحبّة في حميل السّيل «6» ثمّ يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد. ويبقى رجل مقبل بوجهه على النّار. وهو آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة. فيقول: أي ربّ اصرف وجهي عن النّار. فإنّه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها «7» . فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه. ثمّ يقول الله- تبارك وتعالى-: هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا أسألك غيره. ويعطي ربّه من عهود ومواثيق ما شاء الله. فيصرف الله وجهه عن النّار. فإذا أقبل على الجنّة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت. ثمّ يقول: أي ربّ قدّمني إلى باب الجنّة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الّذي أعطيتك. ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول: أي ربّ ويدعو الله حتّى يقول له: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره فيقول: لا، وعزّتك   (1) فإنكم ترونه كذلك: معناه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك والمشقة. (2) ويضرب الصراط بين ظهري جهنم: أي يمد الصراط عليها. (3) فأكون أنا وأمتي أول من يجيز: معناها يكون أول من يمضي عليه ويقطعه. (4) وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان: الكلاليب جمع كلّوب وكلاب، وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور، وأما السعدان فهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب. (5) امتحشوا: احترقوا. (6) كما تنبت الحبة في حميل السيل: الحبة هي بزر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول. وحميل السيل ما جاء به السيل من طين أو غثاء. (7) قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها: قشبني معناه سمّني وآذاني وأهلكني. وأما ذكاؤها فمعناه لهبها واشتعالها وشدة وهجها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1884 فيعطي ربّه ما شاء الله من عهود ومواثيق. فيقدّمه إلى باب الجنّة. فإذا قام على باب الجنّة انفهقت «1» له الجنّة فرأى ما فيها من الخير والسّرور. فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثمّ يقول: أي ربّ أدخلني الجنّة. فيقول الله- تبارك وتعالى- له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت. ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول: أي ربّ لا أكون أشقى خلقك. فلا يزال يدعو الله حتّى يضحك الله- تبارك وتعالى- منه. فإذا ضحك الله منه، قال: ادخل الجنّة. فإذا دخلها قال الله له: تمنّه. فيسأل ربّه ويتمنّى. حتّى إنّ الله ليذكره من كذا وكذا، حتّى إذا انقطعت به الأمانيّ. قال الله- تعالى-: ذلك لك ومثله معه» . قال أبو هريرة: وذلك الرّجل آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة) * «2» . 27- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟. فقال: شرّ. كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل النّار، فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال كذا وكذا، فرجع إليه المرّة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: «اذهب إليه فقل له: إنّك لست من أهل النّار، ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «3» . 28- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها ذكرت النّار فبكت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك؟» . قالت: ذكرت النّار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا: عند الميزان حتّى يعلم أيخفّ ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ «4» حتّى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصّراط إذا وضع بين ظهري جهنّم) * «5» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «6» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «7» . فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر «8» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون. وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض   (1) انفهقت: معناه انفتحت واتسعت. (2) البخاري- الفتح 13 (7437) . ومسلم (182) واللفظ له. (3) البخاري: الفتح 8 (4846) واللفظ له. ومسلم (119) . (4) الحاقة/ 19 مكية (5) أبو داود (4755) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 475) : حديث حسن، وأحمد (6/ 101) . (6) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه. (7) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية. (8) وينفذهم البصر: أي ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1885 النّاس لبعض: ائتوا آدم. فيأتون آدم. فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر. خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله. وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح، أنت أوّل الرّسل إلى الأرض. وسمّاك الله عبدا شكورا. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم. فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله. وذكر كذباته. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله. فضّلك الله برسالاته وبتكليمه، على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قتلت نفسا لم أومر بقتلها. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى عيسى صلّى الله عليه وسلّم. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله، وكلّمت النّاس في المهد. وكلمة منه ألقاها إلى مريم، وروح منه. فاشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر له ذنبا. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فيأتوني فيقولون: يا محمّد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء. وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربّي. ثمّ يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثمّ يقول: يا محمّد، ارفع رأسك، سل تعطه. اشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا ربّ، أمّتي. أمّتي. فيقال: يا محمّد أدخل الجنّة من أمّتك، من لا حساب عليه، من الباب الأيمن من أبواب الجنّة. وهم شركاء النّاس «1» فيما سوى ذلك من الأبواب. والّذي نفس محمّد بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة «2» لكما بين مكّة وهجر «3» أو كما بين مكّة وبصرى «4» » ) * «5» .   (1) شركاء الناس: يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب. (2) إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة: المصراعان جانبا الباب. (3) هجر: هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين. (4) وبصرى: بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل. (5) البخاري- الفتح 8 (4712) . ومسلم (194) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1886 30- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «1» فتوضّأ وضوءك للصّلاة. ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «2» وفوّضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك «3» رغبة ورهبة إليك «4» . لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك. آمنت بكتابك الّذي أنزلت. وبنبيّك الّذي أرسلت. واجعلهنّ من آخر كلامك. فإن متّ من ليلتك، متّ وأنت على الفطرة «5» » ) * «6» . 31- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أهون أهل النّار عذابا من له نعلان وشراكان «7» من نار: يغلي منهما دماغه. كما يغلي المرجل «8» ما يرى أنّ أحدا أشدّ منه عذابا. وإنّه لأهونهم عذابا» ) * «9» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم» ) * «10» . 33- * (عن سمرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ منهم من تأخذه النّار إلى كعبيه. ومنهم من تأخذه إلى حجزته «11» . ومنهم من تأخذه إلى عنقه» ) * «12» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «13» . ثمّ يقال له: فيم كنت «14» ؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل؟. فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث   (1) إذا أخذت مضجعك: أي إذا أردت النوم في مضجعك. (2) أسلمت وجهي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك. (3) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده. (4) رغبة ورهبة إليك: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عقابك. (5) الفطرة: الإسلام. (6) البخاري- الفتح 11 (6315) ، ومسلم (2710) واللفظ له، وأحمد (4/ 290) ، وأبو داود (5046) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (783) . (7) شراكان: الشراك أحد سيور النعل، الذي يكون على وجهها وعلى ظهر القدم. (8) المرجل: قدر معروف سواء كان من حديد أو نحاس أو حجارة أو خزف. (9) البخاري- الفتح 11 (6561، 6562) . ومسلم (213) واللفظ له. (10) البخاري- الفتح 11 (6478) ، وأحمد (4/ 334) . (11) حجزته: هي معقد الإزار والسراويل. (12) مسلم (2845) ، وأحمد (5/ 10) . (13) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب. (14) فيم كنت: أي في أي دين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1887 إن شاء الله «1» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله- تعالى» ) * «2» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السّماء «3» ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا «4» لقوله، كأنّه «5» سلسلة على صفوان، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربّكم؟. قالوا للّذي قال: الحقّ وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترق السّمع، ومسترقوا السّمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان (الرّاوي) بكفّه فحرّفها وبدّد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته، حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشّهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدّق بتلك الكلمة الّتي سمع من السّماء» ) * «6» . 36- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز النّاس إلى مهاجر إبراهيم لا يبقى في الأرض إلّا شرار أهلها تلفظهم أرضوهم. تقذرهم نفس الله، تحشرهم النّار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل من تخلّف» ) * «7» . 37- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، إنّ السّماء أطّت «8» وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وملك واضع جبهته ساجدا لله. والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذّذتم بالنّساء على الفرشات. ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله» ، قال أبوذرّ: والله لوددت أنّي كنت شجرة تعضد) * «9» .   (1) إن شاء الله: للتبرك لا للشك. (2) ابن ماجة (4268) وصححه الألباني- صحيح ابن ماجة (3443) . (3) إذا قضى الله الأمر في السماء: أي إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله. (4) خضعانا: أي خاضعين. (5) كأنه: أي القول المسموع- كلام الله-. (6) البخاري- الفتح 8 (4800) . (7) مسند أحمد (6871) وقال محققه: إسناده صحيح. وأبو داود رقم (3930) وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 349) : إسناده حسن. (8) أطت: الأطيط صوت الأقتاب، وأطيط الإبل أصواتها وحنينها، أي إن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثم أطيط، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى. (9) أحمد في المسند (5/ 173) ، الترمذي (2312) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (4190) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (4/ 13) : إسناده حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1888 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال فتنا «1» كقطع اللّيل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا. أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا. يبيع دينه بعرض من الدّنيا» ) * «2» . 39- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به «3» فكادت تلقيه. وإذا أقبر ستّة أو خمسة أو أربعة، فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» . فقال رجل: أنا. قال: «فمتى مات هؤلاء؟» . قال: ماتوا في الإشراك. فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها. فلولا أن لا تدافنوا «4» لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه» . ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» . قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب القبر» . قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: «تعوّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن» . قالوا: نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» . قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «5» . 40- * (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تدنى الشّمس، يوم القيامة من الخلق حتّى تكون منهم كمقدار ميل» . قال: «فيكون النّاس على قدر أعمالهم في العرق. فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه. ومنهم من يكون إلى حقويه «6» . ومنهم من يلجمه العرق إلجاما» . قال: وأشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده إلى فيه) * «7» . 41- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الجنّة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنّار مثل ذلك» ) * «8» . 42- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت «9» الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي، فأطال القيام جدّا. ثمّ ركع فأطال الرّكوع. ثمّ رفع رأسه، فأطال القيام جدّا. وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع، فأطال الرّكوع جدّا. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد، ثمّ قام، فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع، فأطال الرّكوع، وهو   (1) بادروا بالأعمال فتنا: أي بادروا بالأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة. (2) مسلم (118) . (3) حادت به: أي مالت عن الطريق ونفرت. (4) فلولا أن لا تدافنوا: أصله تتدافنوا، والمعنى لولا مخافة أن لا تدافنوا. (5) مسلم (2867) واللفظ له، وأحمد (5/ 190) . (6) الحقو، والحقو- بفتح الحاء وكسرها- الكشح، وقيل معقد الإزار والجمع أحق وأحقاء. (7) مسلم (2864) واللفظ له، وأحمد (6/ 3) ، والترمذي (2421) . (8) البخاري- الفتح 11 (6488) . (9) خسفت الشمس: يقال كسفت الشمس والقمر، وخسفا. وذهب جمهور أهل اللغة على أن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1889 دون الرّكوع الأوّل. ثمّ رفع رأسه فقام، فأطال القيام، وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع، فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد، ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر من آيات الله. وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فكبّروا. وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا. يا أمّة محمّد، إن من أحد أغير من الله «1» أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون ما أعلم «2» لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. ألا هل بلّغت؟» ) * «3» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها «4» . قال: «أتدرون ما أخبارها؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ أخبارها أن تشهد على كلّ عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا فهذه أخبارها» ) * «5» . 44- * (عن هانئ مولى عثمان- رضي الله عنهما- قال: كان عثمان بن عفّان، إذا وقف على قبر، يبكي حتّى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنّة والنّار، ولا تبكي وتبكي من هذا؟ قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ القبر أوّل منازل الآخرة. فإن نجا منه فما بعده أيسر منه. وإن لم ينج منه، فما بعده أشدّ منه» . قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا والقبر أفظع منه» ) * «6» . 45- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» . قال: فيقصّ عليه ما شاء الله أنّ يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان وإنّهما ابتعثاني وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه «7» فيتدهده الحجر «8» هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى» ، قال: قلت لهما: «سبحان الله، ما هذان؟» . قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد. وإذا هو يأتي أحد شقّى وجهه فيشرشر   (1) إن من أحد أغير من الله: إن نافية بمعنى ما. والمعنى أنه ليس أحد أغير من الله تعالى. (2) لو تعلمون ما أعلم: أي لو تعلمون من شدة عقاب الله تعالى وانتقامه من أهل الجرائم، وأهوال القيامة وما بعدها، كما علمت لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لفكركم وخوفكم مما عملتموه. (3) البخاري- الفتح 2 (1044) ، ومسلم (901) واللفظ له. (4) الزلزلة/ 4 مدنية. (5) الترمذي (2429) وحسنه، و (3353) ، وصححه، والحديث في المسند (2/ 374) ، وقال محققه: إسناده حسن (حديث رقم 8854) ، وأخرجه الحاكم (2/ 522) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وذكره ابن كثير في تفسير سورة الزلزلة، ونقل عن الترمذي أنه حديث حسن صحيح غريب. (6) سنن الترمذي (2308) وقال: حسن غريب، وسنن ابن ماجة (4267) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (5/ 418) وقال محققه: سنده حسن. (7) يثلغ رأسه: أي يشدخه. (8) يتدهده الحجر: أي ينحط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1890 شدقه «1» إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه» ، قال: «ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل، فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى» . قال: قلت: «سبحان الله ما هذان؟» . قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التّنّور، قال: وأحسب أنّه كان يقول: «فإذا فيه لغط وأصوات. قال فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «2» » . قال «قلت لهما: ما هؤلاء؟» . قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال «فانطلقنا فأتينا على نهر» حسبت أنّه كان يقول: «أحمر مثل الدّم، وإذا في النّهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه «3» فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه، كلّما رجع إليه فغر له فاه، فألقمه حجرا. قال: «قلت لهما: ما هذان؟» . قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: «فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها ويسعى حولها» . قال: قلت لهما: «ما هذا؟» . قال: قالا لي: انطلق انطلق. «فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ. قال قلت لهما: «ما هذا؟ ما هؤلاء؟» . قال: قالا لي: انطلق انطلق. «فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارق، فارتقيت فيها. قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فصاروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنّة عدن وهذاك منزلك. قال فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء «4» . قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه وينام عن الصّلاة المكتوبة. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم   (1) يشرشر شدقه: أي يقطعه شقّا، والشدق جانب الفم. (2) ضوضوا: أي رفعوا أصواتهم مختلطة. (3) يغفر فاه: أي يفتحه. (4) الربابة البيضاء: السحابة البيضاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1891 الزّناة والزّواني. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا. وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها «1» ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة. قال فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا تجاوز الله عنهم» ) * «2» . 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ سمع وجبة «3» . قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تدرون ما هذا؟» . قال قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «هذا حجر رمي به في النّار منذ سبعين خريفا فهو يهوي في النّار الآن، حتّى انتهى إلى قعرها» ) * «4» . 47- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما منكم من أحد إلّا سيكلّمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلّا ما قدّم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلّا ما قدّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلّا النّار تلقاء وجهه، فاتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة» ) * «5» . 48- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ناركم هذه، الّتي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حرّ جهنّم» . قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله. قال: «فإنّها فضّلت عليها بتسعة وستّين جزءا كلّها مثل حرّها» ) * «6» . 49- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «7» . 50- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى وَهُمْ فِيها كالِحُونَ «8» . قال: «تشويه النّار فتقلّص شفته العالية حتّى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السّفلى حتّى تضرب سرّته» ) * «9» . 51- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر النّاس على ثلاث طرائق «10» راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير، ويحشر بقيّتهم   (1) يحشها: يوقدها. (2) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، ومسلم (2275) (3) وجبة: أي سقطة. (4) مسلم (2844) . (5) البخاري- الفتح 13 (7512) واللفظ له. ومسلم (1016) . (6) البخاري- الفتح 6 (3265) ، مسلم (2843) واللفظ له. (7) الترمذي (2676) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. أبو داود (4607) ، وابن ماجة في المقدمة (ص 42) . (8) المؤمنون/ 104 مكية. (9) الترمذي (3176) وقال: حديث حسن صحيح غريب. (10) ثلاث طرائق: أي ثلاث فرق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1892 النّار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا» ) * «1» . 52- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا «2» » . قلت: يا رسول الله النّساء والرّجال جميعا، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض» ) * «3» . 53- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج عنق من النّار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «4» . 54- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله يا آدم، فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك. قال يقول: أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد. فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أيّنا ذلك الرّجل؟ قال: أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة. قال فحمدنا الله وكبّرنا. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة، إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالرّقمة في ذراع الحمار» ) * «5» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الخوف) 55- * (عن خارجة بن زيد بن ثابت- رحمه الله- أنّ أمّ العلاء- امرأة من الأنصار بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أخبرته أنّهم اقتسموا المهاجرين قرعة، قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون وأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الّذي توفّي فيه، فلمّا توفّي غسّل وكفّن في أثوابه، دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله أكرمه؟» . فقلت: بأبي أنت يا رسول الله فمتى يكرمه الله؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هو فو الله لقد جاءه اليقين، والله   (1) البخاري- الفتح 11 (6522) واللفظ له، ومسلم (2861) . (2) غرلا: أي غير مختونين. جمع أغرل وهو الذي لم يختن وبقيت معه غرلته، وهي قلفته وهي الجلدة التي تقطع في الختان. والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا، ولا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم. (3) مسلم (2859) . (4) سنن الترمذي (2574) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. (5) البخاري- الفتح 11 (6530) واللفظ له، ومسلم (222) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1893 إنّي لأرجو له الخير، وو الله ما أدري- وأنا رسول الله- ماذا يفعل بي؟» . فقلت: والله لا أزكّي بعده أحدا أبدا» . وفي رواية أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أدري ما يفعل به» . قالت: وأحزنني فنمت فرأيت لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ذلك عمله» ) * «1» . 56- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (ابراهيم/ 36) . وقال عيسى عليه السّلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، فرفع يديه: «اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى» فقال الله- عزّ وجلّ-: يا جبريل، اذهب إلى محمّد- وربّك أعلم- فسله ما يبكيك؟، فأتاه جبريل- عليه الصّلاة والسّلام- فسأله، فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمّد فقل: إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوءك» ) * «2» . 57- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّها قالت: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا «3» ضاحكا حتّى أرى من لهواته «4» . إنّما كان يتبسّم. قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا، عرف ذلك في وجهه. فقالت: يا رسول الله، أرى النّاس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته، عرفت في وجهك الكراهية؟. قالت: فقال: «يا عائشة، ما يؤمّنني أن يكون فيه عذاب. قد عذّب قوم بالرّيح. وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا» ) * «5» . 58- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما مثلي ومثل أمّتي كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدّوابّ والفراش يقعن فيه. فأنا آخذ بحجزكم «6» . وأنتم تقحّمون «7» فيه) * «8» . 59- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش. فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «9» وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك «10» أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «11» .   (1) البخاري- الفتح 12 (7003، 7004) . (2) مسلم (202) . (3) مستجمعا: المستجمع المجد في الشيء، القاصد له. (4) لهواته: اللهوات جمع لهاة. وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك. (5) البخاري- الفتح 8 (4828- 4829) ، ومسلم (899) واللفظ له. (6) بحجزكم: الحجز جمع حجزة، وهي معقد الإزار والسراويل. (7) تقحمون: التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت. (8) البخاري- الفتح 11 (6483) . ومسلم (2284) واللفظ له. (9) المسجد: أي في السجود- أو في الموضع الذي كان يصلي فيه، في حجرته. (10) لا أحصي ثناء عليك: أي لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك. (11) مسلم (486) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1894 60- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجمع الله تبارك وتعالى النّاس. فيقوم المؤمنون حتّى تزلف «1» لهم الجنّة. فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنّة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلّا خطيئة أبيكم آدم؟! لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك. إنّما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليما. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه. فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فيقوم فيؤذن له. وترسل الأمانة والرّحم «2» . فتقومان جنبتي الصّراط «3» يمينا وشمالا. فيمرّ أوّلكم كالبرق» . قال: قلت: بأبي أنت وأمّي أيّ شيء كمرّ البرق؟. قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟، ثمّ كمرّ الرّيح. ثمّ كمرّ الطّير وشدّ الرّجال «4» . تجري بهم أعمالهم. ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد. حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلّا زحفا قال: وفي حافّتي الصّراط كلاليب معلّقة. مأمورة بأخذ من أمرت به. فمخدوش ناج ومكدوس «5» في النّار» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الخوف) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «لو نادى مناد من السّماء: أيّها النّاس إنّكم داخلون الجنّة كلّكم إلّا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو» ) * «7» . 2- * (خرج عمر- رضي الله عنه- يوما إلى السّوق ومعه الجارود، فإذا امرأة عجوز فسلّم عليها عمر، فردّت عليه، وقالت هيه يا عمير: عهدتك وأنت تسمّى عميرا في سوق عكاظ، تصارع الصّبيان فلم تذهب الأيّام حتّى سمعت عمر، ثمّ قليل سمعت أمير المؤمنين: فاتّق الله في الرّعيّة. واعلم أنّه من خاف الموت خشي الفوت. فبكى عمر. فقال الجارود: لقد اجترأت على أمير المؤمنين وأبكيته. فأشار إليه عمر: أن دعها. فلمّا فرغ قال: أما تعرف هذه؟ قال: لا. قال: «هذه خولة ابنة حكيم الّتي سمع الله قولها، فعمر أحرى أن   (1) تزلف: تقرب. (2) وترسل الأمانة والرحم: إرسال الأمانة والرحم لعظم أمرهما وكثير موقعهما. فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى (3) قوله جنبتي الصراط: معناه جانباه، ناحيتاه اليمنى واليسرى. (4) وشد الرجال: الشدّ هو العدو البالغ والجري. (5) ومكدوس: قال في النهاية: أي مدفوع. وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط. (6) مسلم (195) . (7) التخويف من النار لابن رجب (ص 17) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1895 يسمع كلامها. أشار إلى قوله تعالى قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها «1» . وهي خولة هذه» ) * «2» . 3- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لمّا طعن: «لو أنّ لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه» ) * «3» . 4- * (عن كعب قال: قال لي عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يوما وأنا عنده: «يا كعب، خوّفنا» . قال فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليس فيكم كتاب الله وحكمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بلى. ولكن يا كعب، خوّفنا» . قال قلت: يا أمير المؤمنين، اعمل عمل رجل لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيّا لازدرأت عملك ممّا ترى) * «4» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «رأى عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- في يدي لحما معلّقا، قال: «ما هذا يا جابر؟» . قلت: اشتهيت لحما، فاشتريته. فقال عمر: «كلّما اشتهيت اشتريت، أما تخاف هذه الآية أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا «5» » ) * «6» . 6- * (قال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر بن الخطّاب أخذ تبنة من الأرض، فقال: «يا ليتني هذه التّبنة، ليتني لم أكن شيئا ليت أمّي لم تلدني، ليتني كنت نسيا منسيّا» ) * «7» . 7- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما- كان رأس عمر على فخذي في مرضه الّذي مات فيه فقال لي: ضع رأسي. قال: فوضعته على الأرض. فقال: «ويلي وويل أمّي إن لم يرحمني ربّي» ) * «8» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: وعد الله المؤمنين الّذين خافوا مقامه وأدّوا فرائضه الجنّة» ) * «9» . 9- * (بكى أبو هريرة- رضي الله عنه- في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟. فقال: «أما إنّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلّة زادي، وإنّي أمسيت في صعود على جنّة أو نار، لا أدري إلى أيّتهما يؤخذ بي» ) * «10» . 10- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا» ) » * «11» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال. قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت، كيف تجدك؟، ويا بلال كيف تجدك؟. قالت: فكان أبو   (1) المجادلة/ 1 مدنية. (2) الشفاء لابن الجوزي (ص 87) . (3) شرح السنة للبغوي (14/ 373) . (4) الزهد للإمام أحمد بن حنبل (ص 151) . (5) الأحقاف/ 20 مكية. (6) مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي (ص 178) . (7) شرح السنة للبغوي (14/ 373) . (8) المرجع السابق (14/ 373) . (9) التخويف من النار لابن رجب (ص 7) . (10) شرح السنة للبغوي (14/ 373) . (11) المرجع السابق (14/ 374) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1896 بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كلّ امرئ مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله) * «1» . 12- * (كان عليّ بن الحسين إذا توضّأ اصفرّ وتغيّر، فيقال: مالك؟ فيقول: «أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟» ) * «2» . 13- * (قال ذو النّون: «النّاس على الطّريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلّوا عن الطّريق» ) * «3» . 14- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «إنّ المؤمنين قوم ذلّت والله منهم الأسماع والأبصار والأبدان حتّى حسبهم الجاهل مرضى، وهم والله أصحاب القلوب، ألا تراه يقول: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (فاطر/ 34) والله لقد كابدوا في الدّنيا حزنا شديدا وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم» ) * «4» . 15- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: «لقد مضى بين يديكم أقوام لو أنّ أحدهم أنفق عدد هذا الحصى لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم» ) * «5» . 16- * (عن الحسن- رحمه الله- في قوله تعالى: وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (الأنبياء/ 90) قال: الخوف الدّائم في القلب» ) * «6» . 17- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: أبصر أبو بكر طائرا على شجرة. فقال: طوبى لك يا طائر تأكل الثّمر، وتقع على الشّجر، لوددت أنّي ثمرة ينقرها الطّير» ) * «7» . 18- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «إنّ الرّجل يذنب الذّنب فما ينساه، وما يزال متخوّفا منه حتّى يدخل الجنّة» ) * «8» . 19- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «والله ما مضى مؤمن ولا بقي إلّا وهو يخاف النّفاق، وما أمنه إلّا منافق» ) * «9» . 20- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «الرّجاء والخوف مطيّتا المؤمن» ) * «10» . 21- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله- في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (المؤمنون/ 60) . قال: «كانوا يعملون ما عملوا من أعمال البرّ وهم يخافون أن لا ينجّيهم ذلك من عذاب الله» ) * «11» . 22- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: «من خاف الله أخاف الله منه كلّ شيء، ومن لم يخف الله خاف من كلّ شيء» ) * «12» .   (1) البخاري- الفتح 7 (3926) . (2) مختصر منهاج القاصدين لابن الجوزي (314) . (3) بصائر ذوي التمييز (2/ 577) . (4) التخويف من النار لابن رجب (23) . (5) الزهد لابن المبارك (51) . (6) المرجع السابق (55) . (7) المرجع السابق (81) . (8) الزهد للإمام أحمد بن حنبل (338) . (9) البخاري- الفتح 1 (111) . (10) الزهد، للإمام أحمد بن حنبل (324) . (11) المرجع السابق (349) . (12) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 206) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1897 23- * (قالت فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر ابن عبد العزيز للمغيرة بن حكيم: «يا مغيرة، إنّه قد يكون في النّاس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر، وما رأيت أحدا قطّ كان أشدّ فرقا «1» من ربّه من عمر. كان إذا صلّى العشاء قعد في مسجده ثمّ رفع يديه، فلم يزل يبكي حتّى تغلبه عيناه. ثمّ ينتبه فلا يزال يبكي حتّى تغلبه عيناه» ) * «2» . 24- * (قال مالك: دخل عمر بن عبد العزيز على فاطمة امرأته فطرح عليها خلق ساج عليه، ثمّ ضرب على فخذها، فقال: «يا فاطمة لنحن ليالي دابق أنعم منّا اليوم، فذكّرها ما كانت نسيته من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف فنحّتها عنها، وقالت: لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ. فقام وهو يقول بصوت حزين: يا فاطمة، إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم. فبكت فاطمة، وقالت: اللهمّ أعذه من النّار» ) * «3» . 25- * (قال ابن أبي مليكة- رحمه الله-: «أدركت ثلاثين من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كلّهم يخاف النّفاق على نفسه، وما منهم أحد يقول إنّه على إيمان جبريل وميكائيل» ) * «4» . 26- * (عن وهب بن منبّه قال: «ما عبد الله بمثل الخوف» ) * «5» . 27- * (قال إبراهيم التّيميّ: «ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النّار؛ لأنّ أهل الجنّة قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنّة؛ لأنّهم قالوا: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ» ) * «6» . 28- * (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله-: «خلق الله النّار رحمة يخوّف بها عباده لينتهوا» ) * «7» . 29- * (عن حفص بن عمر قال: «بكى الحسن، فقيل: ما يبكيك؟ قال: «أخاف أن يطرحني غدا في النّار ولا يبالي» ) * «8» . 30- * (سئل ابن المبارك عن رجلين أحدهما خائف والآخر قتيل في سبيل الله- عزّ وجلّ- قال: «أحبّهما إليّ أخوفهما» ) * «9» . 31- * (قال الفضيل بن عياض: «الخوف أفضل من الرّجاء ما كان الرّجل صحيحا، فإذا نزل الموت فالرّجاء أفضل» ) * «10» . 32- * (وقال أيضا: «إن خفت الله لم يضرّك أحد، وإن خفت غير الله لم ينفعك أحد» ) * «11» . 33- * (قال الوليد بن أبي السّائب: «ما رأيت أحدا قطّ كان الخوف على وجهه أبين منه على   (1) فرقا: خوفا. (2) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 209) ورجاله ثقات. (3) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (164) . (4) البخاري- الفتح 1 (109) . (5) التخويف من النار لابن رجب (7) . (6) التخويف من النار لابن رجب (16) . (7) المرجع السابق (21) . (8) المرجع السابق (23) . (9) المرجع السابق (8) . (10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (11) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 207) ورجاله ثقات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1898 عمر بن عبد العزيز» ) * «1» . 34- * (قال أرطأة بن المنذر: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو جعلت على طعامك أمينا لا تغتال، وحرسا إذا صلّيت لا تغتال وتنحّ عن الطّاعون. قال: «اللهمّ إن كنت تعلم أنّي أخاف يوما دون يوم القيامة فلا تؤمّن خوفي» ) * «2» . 35- * (قيل للحسن بن صالح: إنّ سفيان يقول: ليتني لم أسمع من هذا العلم بشيء. قال الحسن: ولم؟. قال أبو محمّد: «كانوا يتخوّفون من أفضل أعمالهم) » * «3» . 36- * (قال يزيد بن حوشب: «ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأنّ النّار لم تخلق إلّا لهما» ) * «4» . 37- * (قال يحيى بن معاذ الرّازيّ: «على قدر حبّك لله يحبّك الخلق، وعلى قدر خوفك من الله يهابك الخلق» ) * «5» . 38- * (عن المعلّى بن زياد أنّه قال: «كان هرم ابن حيّان يخرج في بعض اللّيالي وينادي بأعلى صوته: «عجبت من الجنّة كيف نام طالبها، وعجبت من النّار كيف نام هاربها» . ثمّ يقول: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (الأعراف/ 97)) * «6» . 39- * (قال هرم بن حيّان: «وددت والله أنّي شجرة أكلتني ناقة، ثمّ قذفتني بعرا، ولم أكابد الحساب يوم القيامة. إنّي أخاف الدّاهية الكبرى» ) * «7» . 40- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله-: «الخوف يمنعني من أكل الطّعام والشّراب، فلا أشتهيه» ) * «8» . 41- * (قال أبو سليمان الدّارانيّ: «أصل كلّ خير في الدّنيا والآخرة الخوف من الله- عزّ وجلّ- وكلّ قلب ليس فيه خوف فهو قلب خرب» ) * «9» . 42- * (وعنه قال: «من حسن ظنّه بالله- عزّ وجلّ- ثمّ لا يخاف الله فهو مخدوع» ) * «10» . 43- * (قال وهيب بن الورد: «بلغنا أنّه ضرب لخوف الله كمثل الرّجل يكون في منزله فلا يزال عامرا ما دام فيه ربّه «11» ، فإذا فارق المنزل ربّه وسكنه غيره خرب المنزل، وكذلك خوف الله- تعالى- إذا كان في جسد لم يزل عامرا ما دام فيه خوف الله، فإذا فارق خوف الله الجسد خرب» ) * «12» . 44- * (قال أبو عمرو الدّمشقيّ: «حقيقة الخوف ألّا تخاف مع الله أحدا» ) * «13» . 45- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «إنّ الرّجاء والخوف جناحان بهما يطير المقرّبون إلى كلّ   (1) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (162) . (2) المرجع السابق (163) . (3) الجرح والتعديل للرازي (1/ 62) . (4) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (163) . (5) شعب الإيمان للبيهقي (3/ 209) . (6) التخويف من النار لابن رجب (14) . (7) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (314) . (8) التخويف من النار لابن رجب (122) . (9) المرجع السابق (7) . (10) الحلية لأبي نعيم (9/ 272) . (11) ربه: أي صاحبه. (12) التخويف من النار لابن رجب (7) . (13) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 208) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1899 مقام محمود. ومطيّتان بهما يقطع من طرق الآخرة كلّ عقبة كئود» ) * «1» . 46- * (قال أبو عليّ الرّوذباريّ: «الخوف والرّجاء كجناحي الطّائر إذا استويا استوى الطّير وتمّ طيرانه. وإذا نقص أحدهما وقع فيه النّقص. وإذا ذهبا صار الطّائر في حدّ الموت» ) * «2» . 47- * (قال بعض العلماء: «ذو الدّين يخاف العقاب، وذو الكرم يخاف العار، وذو العقل يخاف التّبعة» ) * «3» . 48- * (قال إبراهيم بن سفيان: «إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشّهوات منه وطرد الدّنيا عنه» ) * «4» . 49- * (قال أبو حفص: «الخوف سوط الله يقوّم به الشّاردين عن بابه) » «5» . 50- * (وقال: «الخوف سراج في القلب يبصر به ما فيه من الخير والشّرّ» ) * «6» . 51- * (قال الأنصاريّ: «الخوف هو الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر. يعني الخروج عن سكون الأمن باستحضار ما أخبر الله به من الوعد والوعيد» ) * «7» . 52- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: «الخوف المحمود: ما حجزك عن محارم الله» ) * «8» . من فوائد (الخوف) (1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (2) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. (3) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (4) يثمر محبّة الله وطاعته. (5) سبب لسعادة العبد في الدّارين. (6) دليل على صفاء القلب وطهارة النّفس. (7) سبب لهداية القلب. (8) يبعد الإنسان عن الوقوع في المعاصي والسّيّئات. (9) يجعل الإنسان يخلص عمله لله تعالى. وأن لا يضيّعه بالتّرك أو المعصية. (10) يورث المسلم الشّفقة علي الخلق. (11) يحمل الإنسان المسلم على التّخلّق بالأخلاق الحسنة وتجنّب الكبر والعجب.   (1) إحياء علوم الدين، للغزالي (1/ 142) . (2) مدارج السالكين (1/ 37) . (3) شعب الإيمان للبيهقي (3/ 216) . (4) بصائر ذوي التمييز (2/ 577) . (5) المرجع السابق (2/ 577) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) مدارج السالكين (1/ 551) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1900 [ حرف الدال ] الدعاء الدعاء لغة: مأخوذ من مادّة (د ع و) الّتي تدلّ في الأصل على إمالة الشّيء إليك بصوت وكلام يكون منك، ومن هذا الأصل الدّعاء في معنى الرّغبة إلى الله عزّ وجلّ، وهو واحد الأدعية، والفعل من ذلك دعا يدعو، والمصدر الدّعاء والدّعوى، أمّا الدّعوة فهي المرّة الواحدة من الدّعاء، ومنه الحديث الشّريف «فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم أي تحوطهم وتكنفهم وتحفظهم، ويستعمل الدّعاء أيضا بمعنى النّداء، يقال من ذلك دعا الرّجل الرّجل دعوا ودعاء: ناداه، ودعوت فلانا أي صحت به واستدعيته كذلك، ويقال: دعاه الأمير أي ساقه، وداعيا في قول الله سبحانه: وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (الأحزاب/ 46) معناه: داعيا إلى توحيد الله وما يقرّب منه. والدّعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داع، ورجل داعية إذا كان يدعو النّاس إلى بدعة أو دين، أدخلت الهاء فيه للمبالغة، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم داعي الله تعالى وكذلك المؤذّن «1» . وقال الرّاغب: وقد يستعمل الدّعاء في معنى التّسمية كقولك دعوت ابني زيدا أي سمّيته. ويقال: الآيات الأحاديث الآثار 113 99 21 دعوت الله إذا سألته وإذا استغثته، ومنه قول الله عزّ وجلّ: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ (البقرة/ 68) أي سله، أمّا الدّعاء إلى الشّيء فهو الحثّ على قصده، ومنه قوله سبحانه: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ (يونس/ 25) وتأتي الدّعوى في معنى الدّعاء كما في قوله عزّ من قائل: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (يونس/ 10) «2» ، أمّا الدّعوة فهي المسألة الواحدة وجمعها دعوات، وتطلق أيضا على نفاسة القدر كما في قوله تعالى: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ (غافر/ 43) «3» . الدعاء اصطلاحا: قال الطّيبيّ: هو إظهار غاية التّذلّل والافتقار إلى الله والاستكانة له «4» ، وقال المناويّ: هو لسان الافتقار بشرح الاضطرار، وقيل: هو شفيع الحاجة ونجحها باللّجاجة، وقيل: هو طلب كشف الغمّة بتطلّع موضع القسمة «5» . الفرق بين الدعاء والنداء: قال الرّاغب: الدّعاء مثل النّداء إلّا أنّ النّداء قد يقال ب «يا» أو أيا ونحو ذلك من أدوات النّداء من غير أن يضمّ إليه الاسم، أمّا الدّعاء فلا يكاد يقال إلّا   (1) انظر مقاييس اللغة 2/ 280، ولسان العرب (دعا) ، والصحاح للجوهري 6/ 2337. (2) المفردات للراغب ص 170. (3) فتح الباري 11/ 94. (4) فتح الباري 11/ 95 وهذا التعريف يتناول دعاء العبادة. (5) التوقيف على مهمات التعريف 166، وهذا التعريف يتناول دعاء المسألة المتضمن لدعاء الثناء والعبادة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1901 إذا كان معه الاسم نحو: يا فلان، وقد يستعمل كلّ منهما في موضع الآخر «1» . أقسام الدعاء: لفظ الدّعاء والدّعوة في القرآن الكريم يتناول معنيين: الأوّل: دعاء العبادة، والآخر دعاء المسألة. ودعاء المسألة هو طلب ما ينفع الدّاعي، وطلب كشف ما يضرّه ودفعه، وكلّ من يملك الضّرّ والنّفع فإنّه هو المعبود (بحقّ) «2» . أمّا دعاء العبادة فهو الّذي يتضمّن الثّناء على الله بما هو أهله ويكون مصحوبا بالخوف والرّجاء «3» . والدّعاء في القرآن يراد به هذا تارة، وهذا تارة، ويراد به مجموعهما وهما متلازمان، فالعبد يدعو للنّفع أو دفع الضّرّ دعاء المسألة ويدعو خوفا ورجاء دعاء العبادة فكلّ دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكلّ دعاء مسألة متضمّن لدعاء العبادة، وقد ورد المعنيان جميعا في قوله سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف/ 55- 56) . أمّا قوله سبحانه: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ 186) فإنّه يتناول نوعي الدّعاء أيضا، وبكلّ منهما فسّرت الآية، قيل: المعنى: أعطيه إذا سألني، وقيل أثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان. ومن ذلك قوله سبحانه: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر/ 60) ولكنّه في دعاء العبادة أظهر، ولهذا أعقبه: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي وقد فسّر الدّعاء في الآية بهذا وبهذا، وأمّا قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ (الحج/ 73) فالمراد به دعاء العبادة المتضمّن دعاء المسألة، وأمّا قوله سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (غافر/ 14) ، فهذا هو دعاء العبادة والمعنى اعبدوه وحده وأخلصوا عبادته «4» ، وذلك بخلاف قوله تعالى: ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ (القصص/ 64) فهذا دعاء المسألة، يبكّتهم الله تعالى ويخزيهم يوم القيامة بأن يروا أنّ شركاءهم لا يستجيبون لدعوتهم، وليس المراد اعبدوهم «5» . فوائد إخفاء الدعاء: لقد أمر الله سبحانه وتعالى بإخفاء الدّعاء في آية الأعراف: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (الأعراف/ 55) ، والدّعاء هنا وإن كان يشمل نوعي الدّعاء إلّا أنّه ظاهر في دعاء المسألة المتضمّن دعاء العبادة ولهذا أمر بإخفائه وإسراره وفي هذا الإخفاء فوائد عديدة منها:- 1- أنّه أعظم إيمانا لعلم صاحبه أنّ الله يسمع الدّعاء الخفيّ.   (1) المفردات ص 170. (2) الفتاوى 17/ 10، وانظر أيضا الفتاوى 10/ 237، وعن الموضع الأول أخذ ابن القيم في تفسيره، انظر التفسير القيم ص 240. (3) هذا فحوى كلام الإمامين ابن تيمية وابن القيم في الموضعين السابقين لكنهما لم يصرحا بذلك. (4) الفتاوى 17/ 13. (5) التفسير القيم ص 243. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1902 2- أنّه أعظم في الأدب والتّعظيم. 3- أنّه أبلغ في التّضرّع والخشوع. 4- أنّه أبلغ في الإخلاص. 5- أنّه أبلغ في جمعيّة القلب على الذّلّة في الدّعاء. 6- أنّه دليل علي قرب الدّاعي من مولاه القريب منه، وليس من مسألة البعيد للبعيد. وقد أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى هذا المعنى بعينه عندما قال (في الحديث الصّحيح) عندما رفع الصّحابة أصواتهم بالتّكبير وهم معه في السّفر: «اربعوا على أنفسكم فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنّكم تدعون سميعا قريبا، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» وكما قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ 186) وهذا القرب من الدّاعي إنّما هو قرب خاصّ، وليس قربا عامّا من كلّ أحد، فهو سبحانه قريب من داعيه، وقريب من عابديه، وأقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد. 7- أنّه (أي إخفاء الدّعاء) أدعى إلى دوام الطّلب والسّؤال. 8- أنّه أبعد للدّاعي من القواطع والمشوّشات. 9- أنّ فيه إخفاء للنّعمة (أي نعمة الإقبال والتّعبّد) عن أعين الحاسدين. 10- أنّ الدّعاء نوع من الذّكر متضمّن للطّلب منه، والثّناء عليه بأسمائه الحسنى وأوصافه العلى فهو ذكر وزيادة، وقد قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ (الأعراف/ 205) فأمر الله نبيّه في هذه الآية أن يذكره في نفسه، قال مجاهد وابن جريج: أمر أن يذكر في الصّدر بالتّضرّع والاستكانة دون رفع الصّوت أو الصّياح «1» . الاعتداء في الدعاء: قال القرطبّي- رحمه الله تعالى-: الاعتداء في الدّعاء علي وجوه منها: الجهر الكثير والصّياح، ومنها أن يدعو الإنسان لنفسه (بما لا يستحقّ) بأن تكون له منزلة نبيّ، أو يدعو في محال، أو أن يدعو طالبا معصية، أو أن يدعو بما ليس في الكتاب والسّنّة «2» . وقال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: الاعتداء في الدّعاء يكون تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرّمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله كأن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو بأن يرفع عنه منازل البشريّة من الحاجة إلى الطّعام والشّراب ونحو ذلك ممّا فيه اعتداء لا يحبّه الله، ولا يحبّ سائله، وأعظم المعتدين عدوانا هم الّذين يدعون معه غيره، إذ إنّ أعظم العدوان الشّرك، ومن العدوان أن يدعوه غير متضرّع، ومن لم يسأل مسألة مسكين متضرّع خائف فهو معتد. ومن الاعتداء أيضا أن يعبده بما لم يشرع، أو يثني عليه بما لم يثن على نفسه، ولا أذن فيه، فإنّ هذا اعتداء في دعائه الّذي هو ثناء وعبادة، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطّلب «3» .   (1) باختصار وتصرف عن الفتاوى 17/ 15- 20، والتفسير القيم 246- 250. (2) تفسير القرطبي 7/ 144. (3) الفتاوى 17/ 22- 23. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1903 آداب الدعاء: قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: من آداب الدّعاء: 1- أن يترصّد لدعائه الأوقات الشّريفة كيوم عرفة من السّنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السّحر من ساعات اللّيل. 2- أن يغتنم الأحوال الشّريفة كحال الزّحف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصّلاة، وعند إفطار الصّائم، وحالة السّجود، وفي حال السّفر. 3- أن يدعو مستقبل القبلة، مع خفض الصّوت بين المخافتة والجهر، وأن لا يتكلّف السّجع في الدّعاء فإنّ حال الدّاعي ينبغي أن يكون حال متضرّع والتّكلّف لا يناسبه. 4- الإخلاص في الدّعاء والتّضرّع والخشوع والرّغبة والرّهبة، وأن يجزم الدّعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاؤه فيه. 5- أن يلحّ في الدّعاء ويكون ثلاثا، كما ينبغي له أن لا يستبطأ الإجابة. 6- أن يفتتح الدّعاء ويختتمه بذكر الله تعالى والصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يبدأ بالسّؤال. 7- التّوبة وردّ المظالم والإقبال على الله- عزّ وجلّ- بكنه الهمّة، وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة، وتحرّي أكل الحلال «1» . الدعاء في القرآن الكريم: ولفظ الدّعاء ورد في القرآن على وجوه منها: الأوّل: بمعنى القول: فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (الأنبياء/ 15) . الثّاني: بمعنى العبادة: قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا (الأنعام/ 71) الثّالث: بمعنى النّداء: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ (النمل/ 80، الروم/ 52) . الرّابع: بمعنى الاستعانة والاستغاثة: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ (البقرة/ 23) . الخامس: بمعنى العذاب والعقوبة: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (المعارج/ 17) . أي تعذّب. السّادس: بمعنى العرض: وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ (غافر/ 41) . أي أعرضها عليكم «1» ، والسّؤال نحو ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر/ 60) ، والتّسمية: نحو لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (النور/ 63) «2» . [للاستزادة: انظر صفات: العبادة- الاستخارة- الاستعانة- الاستغاثة- التوحيد- الذكر- الابتهال القنوت- الإنابة- الخوف- الرجاء- التوسل- الرغبة والترهيب- الاستغفار- الثناء- الحمد- الشكر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغرور القنوط- اليأس- اتباع الهوى- الكبر والعجب] .   (1) مستفاد من إحياء علوم الدين (304- 307) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1904 الآيات الواردة في «الدعاء» الدعاء بمعنى السؤال والطلب: 1- وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «1» 2- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) «2» 3- وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) «3» 4- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) «4» 5- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «5»   (1) البقرة: 60- 61 مدنية (2) البقرة: 67- 70 مدنية (3) البقرة: 186 مدنية (4) آل عمران: 35- 38 مدنية (5) الأنعام: 63- 64 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1905 6- وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) «1» 7- وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (180) «2» 8- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) «3» 9- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) «4» 10- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) «5»   (1) الأعراف: 134 مكية (2) الأعراف: 180 مكية (3) الأعراف: 189- 198 مكية (4) يونس: 12 مكية (5) يونس: 22 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1906 11- وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) «1» 12- وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (11) «2» 13- وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «3» 14- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) «4» 15- قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (77) «5» 16- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «6» 17- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) «7» 18- وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) «8» 19- وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (50) «9»   (1) يونس: 88- 89 مكية (2) الإسراء: 11 مكية (3) الإسراء: 55- 56 مكية، 57 مدنية (4) مريم: 1- 4 مكية (5) الفرقان: 77 مكية (6) النمل: 62 مكية (7) سبأ: 22- 23 مكية (8) غافر: 26 مكية (9) غافر: 49- 50 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1907 20- وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60) «1» 21- إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) «2» 22- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) «3» 23- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) «4» 24- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (6)   (1) غافر: 60 مكية (2) فصلت: 47- 51 مكية (3) الزخرف: 46- 50 مكية (4) القمر: 1- 10 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1908 آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «1» الدعاء بمعنى العبادة: 25- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41) «2» 26- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) «3» 27- وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «4» 28- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «5» 29- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «6» 30- أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) «7»   (1) الحديد: 6- 8 مدنية (2) الأنعام: 40- 41 مكية (3) الأنعام: 52 مكية (4) الأعراف: 28- 30 مكية (5) الأعراف: 37 مكية (6) الأعراف: 54- 56 مكية (7) يونس: 66 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1909 31- ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) «1» 32- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (14) «2» 33- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «3» 34- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) «4» 35- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «5» 36- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) «6» 37- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) «7»   (1) هود: 100- 101 مكية (2) الرعد: 12- 14 مكية (3) الكهف: 28 مكية (4) مريم: 41- 48 مكية (5) الأنبياء: 89- 90 مكية (6) العنكبوت: 65 مكية (7) الروم: 33 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1910 38- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) «1» 39- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) «2» 40- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) «3» 41- * وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) «4» 42- فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) «5» 43- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) «6»   (1) لقمان: 29- 32 مكية (2) السجدة: 15 مكية، 16، 17 مدنية (3) الصافات: 123- 128 مكية (4) الزمر: 8 مكية (5) الزمر: 49- 50 مكية (6) غافر: 10- 14 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1911 44- هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66) «1» 45- الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) «2» 46- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) «3» 47- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) «4» 48- وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) «5» الدعاء بمعنى القول: 49- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «6»   (1) غافر: 65- 66 مكية (2) غافر: 70- 74 مكية (3) الأحقاف: 1- 5 مكية (4) الطور: 21- 28 مكية (5) الجن: 18- 20 مكية (6) يونس: 9- 10 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1912 50- وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (15) «1» الدعاء بمعنى النداء والترغيب: 51- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «2» 52- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) «3» 53- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «4» 54- وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) «5» 55- قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33) «6» 56- * مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) «7» 57- أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)   (1) الأنبياء: 11- 15 مكية (2) البقرة: 221 مدنية (3) آل عمران: 104 مدنية (4) الأنفال: 24- 25 مدنية (5) يونس: 25 مكية (6) يوسف: 33 مكية (7) الرعد: 35- 36 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1913 * قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «1» 58- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «2» 59- قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) «3» 60- قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) «4» 61- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «5» 62- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) «6»   (1) إبراهيم: 9- 11 مكية (2) إبراهيم: 35- 41 مكية (3) الإسراء: 50- 52 مكية (4) الإسراء: 110 مكية (5) النور: 63 مدنية (6) الشعراء: 69- 73 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1914 63- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) «1» 64- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «2» الدعاء بمعنى الاستعانة والاستغاثة: 65- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) «3» الدعاء بمعنى العذاب والعقوبة: 66- كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) «4» الدعاء بمعنى العرض: 67- * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) «5»   (1) فاطر: 13- 14 مكية (2) فصلت: 30- 33 مكية (3) هود: 13- 14 مكية (4) المعارج: 15- 17 مكية. كذا قال صاحب البصائر، ويمكن أن يكون الدعاء هنا بمعنى النداء. (5) غافر: 41- 43 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1915 من أدعية القرآن الكريم 68- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) «1» 69- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) «2» 70- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) «3» 71- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) «4» 72- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «5» 73- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9) «6» 74- * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15)   (1) الفاتحة: 5- 6 مكية (2) البقرة: 127- 128 مدنية (3) البقرة: 201 مدنية (4) البقرة: 250 مدنية (5) البقرة: 285- 286 مدنية (6) آل عمران: 7- 9 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1916 الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) «1» 75- قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27) «2» 76- رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) «3» 77- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) «4» 78- الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «5» 79- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «6» 80- وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) «7»   (1) آل عمران: 15- 16 مدنية (2) آل عمران: 26- 27 مدنية (3) آل عمران: 53 مدنية (4) آل عمران: 146- 147 مدنية (5) آل عمران: 173 مدنية (6) آل عمران: 190- 195 مدنية (7) النساء: 75 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1917 81- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) «1» 82- * وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) «2» 83- قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «3» 84- وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126) «4» 85- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) * وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «5» 86- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «6» 87- * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «7» 88- وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) «8»   (1) الأعراف: 19- 23 مدنية (2) الأعراف: 47 مدنية (3) الأعراف: 89 مدنية (4) الأعراف: 126 مدنية (5) الأعراف: 155- 156 مدنية (6) يونس: 84- 86 مكية (7) يوسف: 101 مكية (8) الإسراء: 80 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1918 89- إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) «1» 90- قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) «2» 91- فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «3» 92- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «4» 93- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) «5» 94- وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) «6» 95- وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) «7» 96- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) «8» 97- وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «9» 98- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) «10» 99- رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) «11» 100- وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «12» 101- فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «13»   (1) الكهف: 10 مكية (2) طه: 25- 27 مكية (3) طه: 114 مكية (4) الأنبياء: 87 مدنية (5) الأنبياء: 89 مدنية (6) المؤمنون: 29 مكية (7) المؤمنون: 97- 98 مكية (8) المؤمنون: 109 مكية (9) المؤمنون: 118 مكية (10) الفرقان: 63- 67 مكية (11) الشعراء: 83- 85 مكية (12) الشعراء: 87- 89 مكية (13) النمل: 19 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1919 102- قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «1» 103- فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) «2» 104- وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «3» 105- رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) «4» 106- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) «5» 107- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «6» 108- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «7» 109- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ   (1) القصص: 16 مكية (2) القصص: 21 مكية (3) غافر: 6- 9 مكية (4) الدخان: 12 مكية (5) الأحقاف: 15 مكية (6) الحشر: 10 مدنية (7) الممتحنة: 4- 5 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1920 يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «1» 110- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) «2» 111- رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «3» 112- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5) «4» 113- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) «5»   (1) التحريم: 8 مكية (2) التحريم: 11 مكية (3) نوح: 28 مكية (4) الفلق: 1- 5 مكية (5) الناس: 1- 6 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1921 الأحاديث الواردة في (الدعاء) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه» ) * «1» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادعوا فإنّ الدّعاء يردّ القضاء» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- أنّه سمع ابنه يقول: اللهمّ إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتها، فقال: أي بنيّ، سل الله الجنّة، وتعوّذ به من النّار فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه سيكون في هذه الأمّة قوم يعتدون في الطّهور والدّعاء» ) * «3» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة» ) * «4» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتت امرأة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصبيّ لها فقالت: يا نبيّ الله ادع الله له فلقد دفنت ثلاثة. قال: «دفنت ثلاثة؟» قالت: نعم. قال: «لقد احتظرت «5» بحظار شديد من النّار» ) * «6» . 6- * (عن أمّ الدّرداء- رضي الله عنها- قالت لصفوان بن عبد الله بن صفوان، لمّا قدم عليها من الشّام وكان متزوّجا أمّ الدّرداء: أتريد الحجّ العام؟ قال: نعم. قالت: فادع الله لنا بخير. فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكّل. كلّما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكّل به: آمين ولك بمثل» ) * «7» . 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا أحدكم فليعزم «8» المسألة، ولا يقولنّ اللهمّ إن شئت فأعطني فإنّه لا مستكره له» ) * «9» .   (1) الترمذي (3479) وقال: حديث غريب. والحاكم (1/ 493) وقال: حديث مستقيم الإسناد. وذكره الألباني في الصحيحة وعزاه كذلك لابن عساكر ومفتاح معاني الآثار وقال له شاهد عند أحمد (حديث 594) . (2) الطبراني في الدعاء (3/ 798) حديث (29) وقال مخرجه: حسن، وأحمد (3/ 155، 255) ، وشرح السنة للبغوي (5/ 165) ، وقال مخرجاه: إسناده حسن. (3) أبو داود (96) واللفظ له، والطبراني في الكبير (2/ 811) حديث (59) وقال مخرجه: إسناده حسن. وابن ماجة (3864) . (4) الترمذي (212) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (521) وقال الحافظ: الحديث حسن. والأذكار النووية (95) . وعزاه رحمه الله تعالى في البلوغ للنسائي وابن حبان وهو في المسند (3/ 225) . (5) احتظرت: استمنعت بمانع وثيق. (6) مسلم (2636) . (7) مسلم (2733) . (8) ليعزم المسألة: أي يجتهد ويلح في الدعاء. (9) البخاري- الفتح 11 (6338) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1922 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا أحدكم فلا يقولنّ اللهمّ إن شئت ولكن ليعظم رغبته، فإنّ الله عزّ وجلّ لا يتعاظم عليه شيء أعطاه» ) * «1» . 9- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون الرّبّ من العبد في جوف اللّيل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممّن يذكر الله في تلك السّاعة فكن» ) * «2» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد فأكثروا الدّعاء» ) * «3» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعجز النّاس من عجز عن الدّعاء، وأبخل النّاس من بخل بالسّلام» ) * «4» . 12- * (عن أسير بن جابر- رضي الله عنه- قال: إنّ أهل الكوفة وفدوا إلى عمر وفيهم رجل ممّن كان يسخر بأويس فقال عمر: هل هاهنا أحد من القرنيّين؟ فجاء ذلك الرّجل. فقال عمر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قال: «إنّ رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس. لا يدع باليمين غير أمّ له قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلّا موضع الدّينار أو الدّرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم» ) * «5» . 13- * (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه بدعوة أن يردّهما صفرا ليس فيهما شيء» ) * «6» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحّد أحّد «7» » ) * «8» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال: «إنّك تقدم على أهل كتاب فليكن أوّل ما تدعوهم إليه عبادة الله عزّ وجلّ، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم. فإذا   (1) أحمد في المسند (2/ 457- 458) ، والطبراني في الدعاء (2/ 817) حديث (76) وقال مخرجه: إسناده حسن. (2) الترمذي (3579) وقال: حسن صحيح غريب. والنسائي (1/ 279، 280) بسياق أطول من هذا وقال الألباني: صحيح (1/ 123) حديث (557) ، والطبراني في الدعاء: وفيه قال: «أقرب ما يكون من الدعاء جوف الليل الآخر» (2/ 840) حديث (128) وقال: إسناده حسن. (3) مسلم (482) . (4) الطبراني في الدعاء (2/ 811) حديث (60) وقال مخرجه: إسناده حسن، ومجمع الزوائد (10/ 146) وقال: رواه أبو يعلى موقوفا ورجاله رجال الصحيح. (5) مسلم (2542) . (6) الترمذي (3556) ، أبو داود (1488) ، ابن ماجة (3865) ، والحاكم (1/ 535) وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني في الدعاء (2/ 877) حديث (202) وقال مخرجه: إسناده حسن. وقال الحافظ في الفتح: سنده جيد (11/ 143) ، وقال الألباني في مختصر العلو للعلي الغفار: حديث صحيح (97) . (7) أحّد أحّد: أي: أشر بإصبع واحدة؛ لأن الّذي تدعو إليه واحد، وهو الله تعالى. قاله ابن الأثير في «النهاية» . (8) الترمذي (3557) وقال: حديث حسن صحيح غريب. والنسائي (3/ 38) ، وقال الألباني في صحيحه: صحيح (1/ 272) حديث (1207) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1923 فعلوا، فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوقّ كرائم أموالهم» وفي لفظ آخر: «واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «1» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرا إلّا أعطاه إيّاه، قال: وهي ساعة خفيفة» «2» . وهو عند الطّبرانيّ وفيه: «في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد وهو يصلّي أو ينتظر الصّلاة يدعو الله عزّ وجلّ فيها إلّا استجاب له» ) * «3» . 17- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر. فأووا إلى غار فانطبق عليهم. فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ «4» ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق. فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كانت لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «5» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهنّ: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم» ) * «6» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم:   (1) البخاري- الفتح 5 (2448) ، ومسلم (19) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 2 (935) ، ومسلم (852) واللفظ له. (3) الطبراني (2/ 849) حديث (149) وقال مخرجه: إسناده حسن. (4) أرز: فيها ست لغات، فتح الألف وضمها مع فتح الراء وبضم الألف مع سكون الراء وتشديد الزاي وتخفيفها. (5) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له، ومسلم (2743) (6) أبو داود (1536) واللفظ له، وابن ماجة (3862) ، والبخاري في الأدب المفرد (169) حديث (481) . والطبراني- الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1924 الصّائم حتّى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السّماء ويقول الرّبّ: وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «1» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يردّ دعاؤهم: الذّاكر الله كثيرا، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط» ) * «2» . 21- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاءت أمّ سليم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت يا رسول الله علّمني كلمات أدعو بهنّ في صلاتي، قال: «سبّحي الله عشرا، واحمديه عشرا، وكبّريه عشرا، ثمّ سليه حاجتك يقل: نعم نعم» ) * «3» . 22- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّى فأطال القيام جدّا، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا، ثمّ رفع رأسه فأطال القيام جدّا وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد، ثمّ قام فأطال القيام وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع رأسه فقام فأطال القيام وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد، ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر من آيات الله وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبّروا وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا» . ثمّ قال: «يا أمّة محمّد، إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا، ألا هل بلّغت» ) * «4» . 23- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّعاء هو العبادة ثمّ قرأ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (غافر/ 60) » ) * «5» .   - في الدعاء (3/ 1417) حديث (1325) وقال مخرجه: حسن. (1) الترمذي (3598) واللفظ له، وقال: حسن، وابن ماجة (1752) . والطبراني في الدعاء (3/ 1416) حديث (1322) وقال مخرجه: رجال إسناده حسن. (2) شعب الإيمان للبيهقي (2/ 399) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 72) وقال: حسن. وهو في الصحيحة له (3/ 211، 212) وقال إسناده حسن. (3) النسائي (3/ 51) واللفظ له، وقال الألباني: حسن الإسناد (1/ 279) حديث (1232) . والترمذي (481) وقال: حسن غريب. والحاكم (1/ 317، 318) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. وذكر الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (2/ 348) أن المنذري في الترغيب والترهيب نسبه كذلك لأحمد وابن خزيمة وابن حبان. (4) البخاري- الفتح 11 (6631) . ومسلم (901) واللفظ له. وإن من أحد: إن نافية بمعنى: ما. (5) أبو داود (1479) ، والترمذي (3247) وقال: هذا حديث حسن صحيح واللفظ له، وابن ماجة (3828) . وقال الحافظ في الفتح: أخرجه الأربعة وصححه الترمذي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1925 24- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين؛ فإنّه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قطّ إلّا استجاب الله له» ) * «1» . 25- * (عن فضالة بن عبيد الأوسيّ- رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» ، ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «2» . 26- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، علّمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل اللهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنّك أنت الغفور الرّحيم» ) * «3» . 27- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال: «أيّها النّاس إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ عزّ وجلّ، وأمّا السّجود فاجتهدوا فيه في الدّعاء فقمن «4» أن يستجاب لكم» ) * «5» . 28- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا إذا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الصّلاة قلنا: السّلام على الله من عباده، السّلام على فلان وفلان. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقولوا السّلام على الله، فإنّ الله هو السّلام، ولكن قولوا: التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. فإنّكم إذا قلتم ذلك أصاب كلّ عبد في السّماء أو بين السّماء والأرض، أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، ثمّ يتخيّر من الدّعاء أعجبه إليه فيدعو» ) *» . 29- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فكنّا إذا علونا كبّرنا، فقال: «اربعوا «7» على أنفسكم، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا،   (1) الترمذي (3505) ، والحاكم (1/ 505) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، والطبراني في الدعاء (2/ 838) حديث (124) وقال مخرجه: إسناده حسن. (2) أبو داود (1481) ، والنسائي (3/ 44- 45) واللفظ له، وذكره الألباني في صحيح سنن النسائي (1/ 275) حديث (1217) ، والترمذي (3476) وقال: حديث حسن. (3) البخاري- الفتح 2 (834) واللفظ له، ومسلم (2705) . (4) قمن: حقيق وجدير. (5) مسلم (479) . (6) البخاري- الفتح 2 (835) واللفظ له. ومسلم (402) . (7) اربعوا: ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1926 ثمّ أتى عليّ وأنا أقول في نفسي لا حول ولا قوّة إلّا بالله» . فقال: «يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فإنّها كنز من كنوز الجنّة» ، أو قال: «ألا أدلّك به» ) * «1» . 30- * (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- قالت: كنّا نداوي الكلمى «2» ، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟. قال: «لتلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين» ) * «3» . 31- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا يعني ورجل قائم يصلّي فلمّا ركع وسجد وتشهّد دعا، فقال في دعائه: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم، إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «تدرون بم دعا؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «4» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم يكذب إبراهيم النّبيّ- عليه السّلام- قطّ إلّا ثلاث كذبات. ثنتين في ذات الله. قوله: إِنِّي سَقِيمٌ. وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا وواحدة في شأن سارة. فإنّه قدم أرض جبّار ومعه سارة. وكانت أحسن النّاس. فقال لها: إنّ هذا الجبّار إن يعلم أنّك امرأتي، يغلبني عليك. فإن سألك فأخبريه أنّك أختي. فإنّك أختي في الإسلام. فإنّي لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك. فلمّا دخل أرضه رآها بعض أهل الجبّار. أتاه فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلّا لك. فأرسل إليها فأتي بها. فقام إبراهيم عليه السّلام إلى الصّلاة. فلمّا دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها. فقبضت يده قبضة شديدة. فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرّك. ففعلت: فعاد. فقبضت أشدّ من القبضة الأولى. فقال لها مثل ذلك. ففعلت. فعاد. فقبضت أشدّ من القبضتين الأوليين. فقال: ادعي الله أن يطلق يدي. فلك الله «5» أن لا أضرّك. ففعلت. وأطلقت يده. ودعا الّذي جاء بها فقال له: إنّك إنّما أتيتني بشيطان. ولم تأتني بإنسان. فأخرجها من أرضي، وأعطها هاجر. قال فأقبلت تمشي. فلمّا رآها إبراهيم عليه السّلام انصرف. فقال لها. مهيم «6» ؟. قالت: خيرا. كفّ الله يد الفاجر. وأخدم خادما «7» » ) * «8» . 33- * (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- وقد اكتوى سبعا في بطنه، قال: لولا أنّ رسول   (1) البخاري- الفتح 3 (7386) واللفظ له، ومسلم (2704) . (2) الكلمى: هو جمع كليم وهو الجريح. (3) البخاري- الفتح 1 (324) واللفظ له، ومسلم (890) . (4) صحيح سنن النسائي (1233) ، وقال: صحيح. وابن ماجة (3858) . (5) شاهد وضامن أن لا أضرك، والرواية فيه بالنصب وهو قسم. (6) مهيم: أي ما شأنك وما خبرك؟ (7) وأخدم خادما: أي وهبني خادما وهي هاجر، ويقال: آجر. والخادم يقع على الذكر والأنثى. (8) البخاري- الفتح 6 (3358) ، ومسلم (2371) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1927 الله صلّى الله عليه وسلّم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) * «1» . 34- * (عن أبي أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدّعاء» ) * «2» . 35- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها أو صرف عنه من السّوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» ، فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» ) * «3» . 36- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ «4» من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: اللهمّ اغفر لي، أو دعا استجيب، فإن توضّأ قبلت صلاته» ) * «5» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن يستجاب له عند الكرب والشّدائد فليكثر من الدّعاء في الرّخاء» ) * «6» . 38- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته. حلّت له شفاعتي يوم القيامة» ) * «7» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّ أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنّه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنّه لا يزيد المؤمن عمره إلّا خيرا» ) * «8» . 40- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يردّ القدر إلّا الدّعاء، ولا يزيد في العمر إلّا البرّ، وإنّ الرّجل ليحرم الرّزق بالذّنب يصيبه» ) * «9» . 41- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى: يابن آدم   (1) البخاري- الفتح 11 (6349) واللفظ له، ومسلم (2681) . (2) الترمذي (3370) وقال: حسن غريب، والبخاري في الأدب المفرد (249) حديث (712) ، والطبراني في الدعاء (2/ 798) حديث (28) وقال مخرجه: حسن. والحاكم في مستدركه (1/ 490) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (3) الترمذي (3573) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وخرج مثله البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي سعيد الخدري وفيه زيادة: «أو يدخرها له في الآخرة» (248) حديث (710) ، وبه مثله عند الطبراني في الدعاء (2/ 802) حديث (37) وقال مخرجه: حسن. (4) تعارّ: بالراء المشددة- أي تقلب على الفراش ليلا، وقيل: انتبه واستيقظ، وقيل: تمطّى وأنّ. (5) البخاري- الفتح 3 (1154) . (6) الطبراني في الدعاء (2/ 805) حديث (44) وقال مخرجه: إسناده حسن، والحاكم في المستدرك (1/ 544) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (7) البخاري- الفتح 2 (614) . (8) البخاري- الفتح 11 (6351) . ومسلم (2682) واللفظ له. (9) الترمذي (2139) وقال: حسن غريب. ابن ماجة (4022) وقال في الزوائد: إسناده حسن. وأحمد (5/ 277، 282) ،- الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1928 إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السّماء، ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ) * «1» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» ) * «2» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتنزّل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (الدعاء) معنى 44- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن وقل: اللهمّ أسلمت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت، فإن متّ متّ على الفطرة، فاجعلهنّ آخر ما تقول» . فقلت أستذكرهنّ: وبرسولك الّذي أرسلت. قال: «لا، وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «4» . 45- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أخذ أحدكم مضجعه فليقل: اللهمّ خلقت نفسي وأنت توفّاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتّها فاغفر لها، اللهمّ إنّي أسألك العافية» ) * «5» .   - والطبراني في المعجم الكبير (2/ 100) حديث (1442) وفي الدعاء (2/ 799) حديث (31) ، وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 236) حديث (154) ، والحاكم فى المستدرك (1/ 493) واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (1) الترمذي (3540) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والدارمي (2788) من حديث أبي ذر رضي الله عنه. وأحمد (5/ 154، 167) من حديث أبي ذر رضي الله عنه- أيضا. الطبراني في الدعاء (2/ 791) حديث (13) وقال مخرجه: إسناده حسن لغيره. (2) البخاري- الفتح 11 (6340) واللفظ له، ومسلم (2735) . (3) البخاري- الفتح 13 (7494) واللفظ له، ومسلم (758) . (4) البخاري- الفتح 11 (6311) واللفظ له. ومسلم (2710) . (5) مسلم (2712) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1929 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره، فلينفض بها فراشه، وليسمّ الله، فإنّه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه، فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقّة الأيمن، وليقل: سبحانك اللهمّ ربّي بك وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين» ) * «1» . 47- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعتم صياح الدّيكة، فسألوا الله من فضله، فإنّها رأت ملكا. وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوّذوا بالله من الشّيطان، فإنّها رأت شيطانا» ) * «2» . 48- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع» ) * «3» . 49- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنّة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال: يقولون: من النّار. قال يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «4» . 50- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد ابن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلّي   (1) البخاري- الفتح 11 (6320) . ومسلم (2714) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 6 (3303) واللفظ له، ومسلم (2729) . (3) الحاكم، وقال: صحيح ولم يخرجاه وأقره الذهبي (1/ 104) ورواه من حديث ابن عمر، والنسائي (3/ 112) نسخة الألباني حديث (5050) وقال: صحيح، وابن ماجة (250) ، وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 140) حديث (1308) وقال: صحيح. (4) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له، ومسلم (2689) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1930 عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى تمنّينا أنّه لم يسأله. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد، والسّلام كما قد علمتم» ) * «1» . 51- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج علينا فقلنا يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» ) * «2» . 52- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتّى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيّعنا. ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ- حتّى بلغ- يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) . وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ما في السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى أو قال: يتلبّط «3» فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصّفا، حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها، ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي، ثمّ أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرّات. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فذلك سعي النّاس بينهما» . فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت: صه- تريد نفسها- ثمّ تسمّعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف» . قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم» أو قال: «لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» . قال فشربت   (1) مسلم (405) ، وخرجه البخاري من حديث أبي سعيد (6358) ومن حديث أبي حميد الساعدي (6360) . (2) البخاري- الفتح 11 (6357) واللفظ له، ومسلم (406) . (3) يتلبّط: يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1931 وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة، فإنّ هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرّابية، تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء «1» ، فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريّا أو جريّين «2» فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا. قال: وأمّ إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم» . قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحبّ الأنس» ، فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتّى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأة منهم. وماتت أمّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة. فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه» . قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبّت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال:   (1) كداء: بالفتح والمد: الثنيّة العليا بمكة مما يلي المقابر وهو المعلا. (2) جريّا أو جريّين: الجريّ هو الرسول وقد يطلق على الوكيل وعلى الأجير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1932 وأعينك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127) ، قال فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «1» . 53- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قل اللهمّ اهدني وسدّدني «2» ، واذكر بالهدى «3» هدايتك الطّريق، والسّداد سداد السّهم» ) * «4» . 54- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: اللهمّ ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم. ربّنا وربّ كلّ شيء. فالق الحبّ والنّوى، ومنزّل التّوراة والإنجيل والفرقان. أعوذ بك من شرّ كلّ شيء أنت أخذ بناصيته. اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء. وأنت الباطن فليس دونك شيء. اقض عنّا الدّين وأغننا من الفقر» ) * «5» . 55- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: باسم الله، اللهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرّه شيطان أبدا» ) * «6» . 56- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة/ 284) . قال فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق، الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير» . قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير. فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ 285) ،   (1) البخاري- الفتح 6 (3364) . (2) سددني: وفقني. (3) الهدى: الرشاد. (4) مسلم (2725) . (5) مسلم (2713) . (6) البخاري- الفتح 11 (6388) واللفظ له، ومسلم (1434) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1933 فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله عزّ وجلّ: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (قال: نعم) (البقرة/ 286)) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الدعاء) 57- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ائت قومك فقل: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها» ) * «2» . 58- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه قال: خفّت أزواد النّاس وأملقوا، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نحر إبلهم فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟. فدخل عمر على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ناد في النّاس يأتون بفضل أزوادهم، فدعا وبرّك «3» عليهم، ثمّ دعاهم بأوعيتهم» . فاحتثى «4» النّاس حتّى فرغوا، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله» ) * «5» . 59- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممّن لا كافي له ولا مؤوي» ) * «6» . 60- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت.   (1) مسلم (125) . (2) مسلم (2514) . (3) وبرك: بتشديد الراء أي دعا بالبركة. (4) فاحتثى: بسكون المهملة بعدها مثناة مفتوحة ثم مثلثة افتعل من الحثى وهو الأخذ بالكفين. (5) البخاري- الفتح 6 (2982) واللفظ له. ومسلم (27) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (6) مسلم (2715) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1934 وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومخّي وعظمي وعصبي. وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به منّي، أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «1» . 61- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهنّ ويقولهنّ عند الكرب، يعني: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات والأرض وربّ العرش العظيم» ) * «2» . 62- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات. اللهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم» . فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله. فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب، ووعد فأخلف» ) * «3» . 63- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: «اللهمّ لك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ، أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «4» . 64- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كان في سفر وأسحر «5» يقول: «سمّع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا «6» ، ربّنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النّار» ) * «7» . 65- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أهمّه الأمر رفع رأسه إلى السّماء، فقال: «سبحان الله العظيم» ، وإذا اجتهد في الدّعاء   (1) مسلم 1 (771) . (2) البخاري- الفتح 13 (7426) ، 2 (832) ، 11 (6345) . (3) مسلم (589) . (4) البخاري- الفتح 13 (7499) . ومسلم (769) وهذا لفظه. (5) السحر: هو آخر الليل. (6) سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا: ليسمع السامع وليشهد الشاهد على حمدنا الله تعالى على نعمه وحسن بلائه. (7) مسلم (2718) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1935 قال: «يا حيّ يا قيّوم» ) * «1» . 66- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهذا الدّعاء: «ربّ اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كلّه، وما أنت أعلم به منّي، اللهمّ اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدّي وكلّ ذلك عندي، اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر وأنت على كلّ شيء قدير» ) * «2» . 67- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد، اللهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ» ) * «3» . 68- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: إنّهم كانوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر، فنزلوا على بئر فنزحوها، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتى البئر وقعد على شفيرها ثمّ قال: «ائتوني بدلو من مائها» ، فأتي به فبصق فدعا، ثمّ قال: «دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركابهم حتّى ارتحلوا» ) * «4» . 69- * (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- أنّه صلّى صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خفّفت أو أوجزت، فقال: أمّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا قام تبعه رجل من القوم فسأله عن الدّعاء فأخبر به القوم: «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» ) * «5» . 70- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تريحني من ذي الخلصة» - وهو نصب كانوا يعبدونه يسمّى الكعبة اليمانية- قلت: يا رسول الله، إنّي رجل لا أثبت على الخيل، فصكّ في صدري، فقال: «اللهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا» . قال: فخرجت في خمسين   (1) الترمذي (3436) وقال: حسن غريب. (2) البخاري- الفتح 11 (6398) . ومسلم (2719) . (3) مسلم (476) . (4) البخاري- الفتح 7 (4151) . (5) النسائي (3/ 54، 55) وذكره الألباني في صحيحه (1/ 280، 281) حديث (1237) وعزاه في صحيح الكلم الطيب (66) إلى الحاكم، وقال: صحيح ووافقه الذهبي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1936 من أحمس من قومي فأتيتها فأحرقتها ثمّ أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله، والله ما أتيتك حتّى تركتها مثل الجمل الأجرب، فدعا لأحمس وخيلها) * «1» . 71- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، طبّ حتّى إنّه ليخيّل إليه أنّه قد صنع الشّيء وما صنعه، وإنّه دعا ربّه، ثمّ قال: «أشعرت أنّ الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟» . فقالت عائشة: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجليّ، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرّجل؟ قال: مطبوب، قال: من طبّه؟. قال: لبيد بن الأعصم، قال: فبماذا؟. قال: في مشط ومشاطة وجفّ طلعة، قال: فأين هو؟. قال: في ذروان، (وذروان بئر في بني زريق) . قالت: فأتاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ رجع إلى عائشة فقال: «والله فكأنّ ماءها نقاعة الحنّاء، ولكأنّ نخلها رؤوس الشّياطين» . قالت: فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرها عن البئر. فقلت يا رسول الله: فهلّا أخرجته؟. قال: «أمّا أنا فقد شفاني الله، وكرهت أن أثير على النّاس شرّا» . وفي رواية: سحر صلّى الله عليه وسلّم فدعا ودعا) * «2» . 72- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه) * «3» . 73- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بتّ عند ميمونة، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتى حاجته فغسل وجهه ويديه، ثمّ نام ثمّ قام، فأتى القربة فأطلق شناقها «4» ، ثمّ توضّأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ، فصلّى فقمت فتمطّيت كراهية أن يرى أنّي كنت أتّقيه «5» ، فتوضّأت، فقام يصلّي فقمت عن يساره، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه، فتتامّت صلاته ثلاث عشرة ركعة، ثمّ اضطجع فنام حتّى نفخ وكان إذا نام نفخ- فآذنه بلال بالصّلاة، فصلّى ولم يتوضّأ وكان يقول في دعائه: «اللهمّ اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، واجعل لي نورا» ) * «6» 74- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة، فقام رجل، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يسقينا، فتغيّمت السّماء ومطرنا حتّى ما كاد الرّجل يصل إلى منزله، فلم تزل تمطر إلى الجمعة المقبلة، فقام ذلك الرّجل أو غيره. فقال: ادع الله أن يصرفه عنّا، فقد غرقنا، فقال: «اللهمّ حوالينا ولا علينا» ، فجعل السّحاب يتقطّع حول المدينة ولا يمطر أهل المدينة» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6333) واللفظ له. ومسلم (2476) . (2) البخاري- الفتح 11 (6391) واللفظ له. ومسلم (2189) . (3) الترمذي (3385) وقال: حسن غريب صحيح، وقال محقق جامع الأصول (4/ 157) : حديث حسن. (4) شناقها: هو رباط القربة يشد عنقها. (5) أتقيه: يعني أرقبه. (6) البخاري- الفتح 11 (6316) واللفظ له. ومسلم (763) . (7) البخاري- الفتح 11 (6342) واللفظ له. ومسلم (897) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1937 75- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: دعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بماء فتوضّأ به، ثمّ رفع يديه فقال: «اللهمّ اغفر لعبيد أبي عامر» - ورأيت بياض إبطيه- فقال: «اللهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من النّاس» ) * «1» . 76- * (عن السّائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إنّ ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثمّ توضّأ فشربت من وضوئه، ثمّ قمت إلى خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زرّ الحجلة «2» » ) * «3» . 77- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) » . قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «4» . 78- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «5» ، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «6» . 79- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قالت أمّي: يا رسول الله، خادمك أنس ادع الله له، قال: «اللهمّ أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته» ) * «7» . 80- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدم الطّفيل بن عمرو الدّوسيّ، على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليها فظنّ النّاس أنّه يدعو عليهم، فقال: «اللهمّ اهد دوسا، وائت بهم» ) * «8» . 81- * (عن شهر بن حوشب قال: قلت لأمّ سلمة- رضي الله عنها- يا أمّ المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان عندك، قالت: كان أكثر دعائه: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» ) * «9» . 82- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 11 (6383) واللفظ له. ومسلم (2498) بسياق طويل. (2) الحجلة: بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى. وقيل الحجلة طائر معروف وزرها بيضها. (3) البخاري- الفتح 11 (6352) واللفظ له، ومسلم (2345) . (4) مسلم (963) . (5) المراد بالمسجد في الحديث: مكان السجود. (6) مسلم (486) . (7) البخاري- الفتح 11 (6344) واللفظ له، ومسلم (2480) . (8) البخاري- الفتح 11 (6397) . (9) الترمذي (3522) واللفظ له وقال: حديث حسن، والحاكم (1/ 525) عن القواس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1938 قال: كان أكثر دعوة يدعو بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار» . وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه) * «1» . 83- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتى المريض يدعو له، قال: «أذهب الباس ربّ النّاس، واشف أنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما» ) * «2» . 84- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمسى، قال: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ أسألك خير ما في هذه اللّيلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شرّ ما في هذه اللّيلة وشرّ ما بعدها، ربّ أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، ربّ أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر» ، وإذا أصبح قال ذلك أيضا، «أصبحنا وأصبح الملك لله» ) * «3» . 85- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا دخل الخلاء، قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث «4» والخبائث «5» » ) * «6» . 86- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أخذ مضجعه، قال: «اللهمّ باسمك أحيا وباسمك أموت، وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور» ) * «7» . 87- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رفع يديه في الدّعاء لم يحطّهما حتّى يمسح بهما وجهه) * «8» . 88- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ، اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة   (1) البخاري- الفتح 11 (6389) ، ومسلم (2690) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 10 (5743) . ومسلم (2191) واللفظ له. (3) مسلم (2723) . (4) الخبث: بضم الباء التحتية جمع خبيث، والمراد به ذكور الشياطين. (5) الخبائث: جمع خبيثة والمراد إناثها. (6) البخاري- الفتح 11 (6322) . ومسلم (375) . (7) مسلم (2711) . (8) الترمذي (3386) وقال: حديث صحيح غريب. وأبو داود (1485) ، وله شاهد آخر عند أبي داود (1487) ، وابن ماجه (3866) (وكلاهما فيه ضعيف) بيد أن مجموع الروايات يرقى بالحديث إلى الحسن كما قال ابن حجر في بلوغ المرام، انظر: سبل السلام شرح بلوغ المرام: (4/ 427) . ط الريان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1939 قلبي» ) * «1» . 89- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو فيقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ ما عملت، وشرّ ما لم أعمل» ) * «2» . 90- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستحبّ الجوامع من الدّعاء ويدع ما سوى ذلك) * «3» . 91- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ أصلح لي ديني الّذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي الّتي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي الّتي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كلّ خير، واجعل الموت راحة لي من كلّ شرّ» ) * «4» . 92- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك» ) * «5» . 93- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يؤتى بالصّبيان فيدعو لهم فأتي بصبيّ فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إيّاه، ولم يغسله» ) * «6» . 94- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من جهد البلاء، ودرك الشّقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء) * «7» . 95- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا قام من اللّيل افتتح صلاته: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ) * «8» . 96- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبأ دعوتي شفاعة لأمّتي في الآخرة» ) * «9» . 97- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدع هؤلاء الدّعوات حين يمسي وحين يصبح: «اللهمّ إنّي أسألك العافية في   (1) أبو داود (1510) واللفظ له، والترمذي (3551) وقال: حسن صحيح، وابن ماجة (3830) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 337) : هو حديث صحيح. (2) مسلم (2716) . (3) أبو داود (1482) واللفظ له، والطبراني في الدعاء (2/ 807) حديث (50) وقال: رجال إسناده ثقات، وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 264) حديث (4825) وعزاه للحاكم أيضا. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 163) : إسناده حسن. (4) مسلم (2720) . (5) مسلم (2739) . (6) البخاري- الفتح 11 (6355) . (7) البخاري- الفتح 11 (6347) واللفظ له، وقال الراوي: الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي، ومسلم (2707) . (8) مسلم (770) . (9) البخاري- الفتح 11 (6304) واللفظ له، ومسلم (334) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1940 الدّنيا والآخرة، اللهمّ إنّي أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهمّ استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهمّ احفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي «1» » ) * «2» . 98- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «3» . 99- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: هلك أبي وترك سبع أو تسع بنات، فتزوّجت امرأة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تزوّجت يا جابر؟» قلت: نعم. قال: «بكرا أم ثيّبا؟» . قلت: ثيّبا. قال: «هلّا جارية تلاعبها وتلاعبك، أو تضاحكها وتضاحكك؟» . قلت: هلك أبي فترك سبع أو تسع بنات فكرهت أن أجيئهنّ بمثلهنّ، فتزوّجت امرأة تقوم عليهنّ. قال: «فبارك الله عليك» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الدعاء) 1- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «إنّ الدّعاء موقوف بين السّماء والأرض لا يصعد منه شيء حتّى تصلّي على نبيّك صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: حدّث النّاس كلّ جمعة فإن أبيت فمرّتين، فإن أكثرت فثلاث مرّات ولا تملّ النّاس هذا القرآن، ولا ألفينّك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقصّ عليهم فتقطع حديثهم فتملّهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدّثهم وهم يشتهونه، فانظر السّجع من الدّعاء فاجتنبه، فإنّي عهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لا يفعلون إلّا ذلك الاجتناب» ) * «6» . 3- * (قال بعض الصّحابة: في معنى قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (الإسراء/ 110) : «أي لا ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتعيّر بها» ) * «7» . 4- * (عن سالم بن عبد الله بن عمر- رحمه   (1) أن أغتال من تحتي: يعني (الخسف) . (2) أبو داود (5074) . وابن ماجة (3871) . والحاكم (1/ 517) ووافقه الذهبي. (3) مسلم (2722) . (4) البخاري- الفتح 11 (6387) . (5) الترمذي (486) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 356) : هذا موقوف في حكم المرفوع، ونقل كلام القاضي أبي بكر بن العربي في العارضة، وذكره الحافظ في الفتح (11/ 164) وعزاه إلى الترمذي. (6) البخاري- الفتح 11 (6337) . (7) فتح الباري (8/ 406) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1941 الله تعالى-: أنّه رأى سائلا يسأل النّاس يوم عرفة، فقال: «يا عاجز، في هذا اليوم يسأل غير الله- عزّ وجلّ-» ) * «1» 5- * (قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: «إنّ الصّلاة جعلت في خير السّاعات فعليكم بالدّعاء خلف الصّلوات» ) * «2» . 6- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: سيعلم الجمع من أولى بالكرم أين الّذين كانت تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (السجدة/ 16) » . قال: «فيقومون فيتخطّون رقاب النّاس» ، قال: «ثمّ ينادي مناد: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الّذين كانت لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ النور/ 37) . قال: «فيقومون فيتخطّون رقاب النّاس» ، قال: «ثمّ ينادي مناد، سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الحمّادون لله على كلّ حال؟» ، قال: «فيقومون وهم كثير، ثمّ يكون التّنعيم والحساب فيمن بقي) * «3» . 7- * (قال الإمام مالك- رحمه الله تعالى-: «أكره للرّجل أن يقول في دعائه: يا سيّدي يا سيّدي يا حنّان يا حنّان ولكن يدعو بما دعت به الأنبياء: ربّنا ربّنا» ) * «4» . 8- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-: «خرج النّاس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثمّ قال: «يا معشر من حضر، ألستم مقرّين بالإساءة؟» . قالوا: بلى، فقال: «اللهمّ إنّا سمعناك تقول ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلّا لمثلنا؟، اللهمّ اغفر لنا وارحمنا واسقنا» ، فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا) * «5» . 9- * (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله تعالى-: «بلغني أنّ بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتّى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال، وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرّعون فأوحى الله- عزّ وجلّ إلى أنبيائهم- عليهم السّلام- لو مشيتم إليّ بأقدامكم حتّى تحفى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السّماء وتكلّ ألسنتكم عن الدّعاء، فإنّي لا أجيب لكم داعيا، ولا أرحم لكم باكيا حتّى تردّوا المظالم إلى أهلها، ففعلوا فمطروا من يومهم» ) * «6» . 10- * (قال أبو سليمان الدّارانيّ- رحمه الله تعالى-: «من أراد أن يسأل الله حاجة، فليبدأ بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يسأله حاجته ثمّ يختم بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّ الله- عزّ وجلّ- يقبل الصّلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما» ) * «7» . 11- * (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله تعالى-: «لا يمنعنّ أحدا الدّعاء ما يعلم في نفسه-   (1) الأذكار النووية (291) . (2) إحياء علوم الدين، للغزالي (1/ 304) . (3) الوابل الصيب من الكلم الطيب، لابن القيم (89) . (4) مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 285) . (5) الأذكار، للنووي (612) . (6) الإحياء (1/ 307) . (7) إحياء علوم الدين (1/ 307) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1942 يعني من التّقصير- فإنّ الله قد أجاب دعاء شرّ خلقه، وهو إبليس حين قال: ربّ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*» ) * «1» . 12- * (قال يحيى الغسّانيّ- رحمه الله تعالى-: أصاب النّاس قحط على عهد داود عليه السّلام، فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم، فقال أحدهم: «اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا، وقال الثّاني: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا، اللهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا، وقال الثّالث: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا، اللهمّ إنّا مساكينك وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا» فسقوا) * «2» . 13- * (قال الدّاوديّ- رحمه الله تعالى-: «على الدّاعي أن يجتهد ويلحّ ولا يقل إن شئت كالمستثني ولكن دعاء البائس الفقير» ) * «3» . 14- * (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-: «ينبغي للدّاعي أن يجتهد في الدّعاء ويكون على رجاء الإجابة، ولا يقنط من الرّحمة، فإنّه يدعو كريما» ) * «4» . 15- * (وقال أيضا: «وعد الله على لسان نبيّه أنّ من استيقظ من نومه لهجا لسانه بتوحيد ربّه والإذعان له بالملك والاعتراف بنعمه يحمده عليها وينزّهه عمّا لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتّكبير والتّسليم له بالعجز عن القدرة إلّا بعونه أنّه إذا دعاه أجابه، وإذا صلّى قبلت صلاته» ) * «5» . 16- * (قال القاضي حسين- رحمه الله تعالى-: «يستحبّ لمن وقع في شدّة أن يدعو بصالح عمله» ) * «6» . 17- * (قال ابن عقيل الحنبليّ- رحمه الله تعالى-: «والله ما أعتمد على أنّي مؤمن بصلاتي وصومي بل أعتمد إذا رأيت قلبي في الشّدائد يفزع إليه (أي بالدّعاء) وشكري لما أنعم عليّ. قال: (أي الله تعالى) : قد صنتك بكلّ معنى من أن تكون عبد العبد وأعلمتك أنّي أنا الخالق الرّازق فتركتني وأقبلت على العبيد، كلّكم تسألوني وقت جدب المطر، وبعد الإجابة يعبد بعضكم بعضا» ) * «7» . 18- * (قال ابن مفلح- رحمه الله تعالى-: «فالعارف (يعني الّذي يعلم حقّ الله عليه مثلا) يجتهد في تحصيل أسباب الإجابة من الزّمان والمكان وغير ذلك ولا يملّ ولا يسأم ويجتهد في معاملته بينه وبين ربّه- عزّ وجلّ- في غير وقت الشّدّة، فإنّه أنجح، فالواجب النّظر في الأمور، فإن عدم الإجابة فليعلم أنّ ذلك إمّا لعدم بعض المقتضى أو لوجود مانع فيتّهم نفسه لا غيرها، وينظر في حال سيّد الخلائق وأكرمهم على الله عزّ وجلّ، كيف كان اجتهاده في وقعة بدر   (1) الفتح (11/ 144- 145) . (2) الأذكار النووية (612) . (3) الفتح (11/ 145) . (4) المرجع السابق (11/ 144) . (5) المرجع السابق (3/ 41) . (6) الأذكار النووية (612) . (7) الآداب الشرعية، لابن مفلح (1/ 150) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1943 وغيرها، ويثق بوعد ربّه- عزّ وجلّ- في قوله: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر/ 60) ، وليعلم أيضا أنّ كلّ شيء عنده بأجل مسمّى» ) * «1» . 19- * (قال بعض أهل العلم: «ادع بلسان الذّلّة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق» ) * «2» . 20- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: أتهزأ بالدّعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدّعاء سهام اللّيل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء) * «3» . 21- * (وقال: وربّ ظلوم قد كفيت بحربه ... فأوقعه المقدور أيّ وقوع فما كان لي الإسلام إلّا تعبّدا ... وأدعية لا تتّقى بدروع وحسبك أن ينجو الظّلوم وخلفه ... سهام دعاء من قسيّ ركوع مريّشة بالهدب «4» من كلّ ساهر ... منهلّة أطرافها بدموع) * «5» . من فوائد (الدعاء) (1) سرعة الفرج وتفريج الكرب. (2) إلقاء الهمّ على الرّبّ لحسن الظّنّ بالقرب. (3) سلاح يتّقى به العدوّ وسوء القضاء. (4) يجلب المصالح ويدفع المفاسد. (5) يشغل العبد بذنبه وعيبه عن عيب غيره. (6) مداومة الشّعور بالضّعف والحاجة، فلا يزال يدعو حتّى ينال حاجته. (7) يعدّ من أجلّ أنواع العبادة، فيقصد لذاته كما يقصد لقضاء الحاجة ولدفع المضرّة. (8) يدعو المسلم إلى التعرّف على الآداب الشّرعيّة. (9) يشعر المسلم بأنّه فى معيّة الحقّ دوما.   (1) الآداب الشرعية (1/ 149) . (2) إحياء علوم الدين (1/ 306) . (3) ديوان الشافعي (48) ، تحقيق د. خفاجي. (4) مريشة بالهدب: كناية عن لصق شعر الأهداب فيها كما يلصق الشعر على مؤخرة السهم لتزيد سرعته، والمعنى: دعوة المظلوم مرسلة إرسال السهم السريع لأنها مبتلة بريش الهدب ودموع الجفن. (5) ديوان الشافعي (91) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1944 الدعوة إلى الله الدعوة لغة: تكون مصدرا لقولهم: دعا فلان إلى كذا دعوة، وهو مأخوذ من مادّة (د ع و) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على: إمالة الشّيء إليك بصوت وكلام يكون منك، وجاء في الصّحاح يقال: دعوت فلانا، أي صحت به واستدعيته، ودعوت الله له وعليه دعاء، وتكون الدّعوة (أيضا) المرّة الواحدة من الدّعاء، وتكون أيضا الاسم من قولهم: دعا الرّجل دعوا ودعاء: قال ابن منظور والاسم الدّعوة. والدّعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داع، ورجل داعية إذا كان يدعو النّاس إلى بدعة أو دين، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم داعي الله تعالى، وكذلك المؤذّن. وفي التّهذيب: المؤذّن داعي الله، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم داعي الأمّة إلى توحيد الله وطاعته «1» . قال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إذا كانت الدّعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلّها وأفضلها فهي لا تحصّل إلّا بالعلم الّذي يدعو به وإليه، بل لا بدّ في كمال الدّعوة من البلوغ في العلم، الآيات الأحاديث الآثار 13 32 9 إلى حدّ أقصى يصل إليه السّعي، ويكفي هذا في شرف العلم أنّ صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يؤتي فضله من يشاء «2» . قال ابن كثير- رحمه الله- في قوله تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ: أي دعا عباد الله إليه وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصّلت/ 33) : أي وهو في نفسه مهتد بما يقول فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعدّ وليس هو من الّذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر، ويأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشرّ ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى، وهذه عامّة في كلّ من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أولى النّاس بذلك «3» . الدعوة إلى الله اصطلاحا: هي دعوة النّاس إلى الإسلام بالقول والعمل «4» . أقسام الدعوة إلى الله: نقل الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ عن ابن القيّم- رحمه الله تعالى- قوله في معنى قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ   (1) لسان العرب لابن منظور (14/ 258- 259) . (2) التفسير القيم (319) . (3) تفسير ابن كثير (4/ 100) . (4) تفسير الطبري (11/ 53) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1945 الْحَسَنَةِ (النحل/ 125) : ذكر سبحانه مراتب الدّعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعوّ: فإنّه إمّا أن يكون طالبا للحقّ محبّا له مؤثرا له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدال. وإمّا أن يكون مشتغلا بضدّ الحقّ، ولكن لو عرفه آثره واتّبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالتّرغيب والتّرهيب. وإمّا أن يكون معاندا معارضا فهذا يجادل بالّتي هي أحسن، فإن رجع وإلّا انتقل معه إلى الجدال إن أمكن «1» . الدعوة إلى الله وآدابها: تبليغ الدّعوة إلى الله يكون بالقول وبالعمل وبسيرة الدّاعي الّتي تجعله قدوة حسنة لغيره فتجذبهم إلى الإسلام «2» . ولا بدّ أن يستعين الدّاعي إلى الله بأساليب الدّعوة الإسلاميّة، وهي: 1- الحكمة. 2- الوعظ عن طريق التّرغيب والتّرهيب. 3- الجدل والحوار وإقامة الحجّة. 4- القدوة. 5- الجهاد. 6- التّربية والتّعليم. 7- استخدام العلم ونظريّاته واكتشافاته. 8- الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. 9- الإعلام. 10- التّأليف والكتابة والتّحقيق والتّخريج. 11- دروس المساجد. 12- الخروج إلى القرى والمساجد والمدن. 13- الاهتمام بالعقل. 14- الاهتمام بالرّوح وتزكية النّفس وأعمال البرّ «3» . من أسس الدعوة إلى الله الاستقامة على أمر الله: دعا الإسلام إلى الاستقامة وجعلها أعلى المقامات. وأسلوبه في الدّعوة إليها أسلوب يستهوي الأفئدة ويؤثّر في النّفوس ويحملها على التزامها والتّعلّق بأهدابها. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ أي إنّ الّذين آمنوا بالله إيمانا حقّا واستقاموا على الطّريق الّذي رسمه لعباده فإنّ الملائكة تنزّل عليهم عند الموت قائلة لهم: لا تخافوا ممّا أمامكم من أهوال القبر ولا تحزنوا على ما تركتم وراءكم من أموال وأولاد وأبشروا بالجنّة الّتي وعدكم الله بها. وإنّ هؤلاء الّذين قالوا ربّنا الله واستقاموا   (1) فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (86- 87) . (2) أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان (470) . (3) الأسلوب التربوي للدعوة إلى الله في العصر الحاضر لخالد ابن عبد الكريم الخياط (104، 105) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1946 يتولّاهم الله برحمته ورضاه كلّما التزموا الاستقامة وساروا على الجادّة دون اعوجاج أو انحراف «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- التذكير- النصيحة- الوعظ- اللين- الأسوة الحسنة- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- البشارة- الإنذار- التبليغ- التعاون على البر والتقوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغي والإغواء- الكسل- التهاون- التعاون على الإثم والعدوان- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- التفريط والإفراط] .   (1) انظر كتاب «إسلامنا» لسيد سابق ص 146- 147. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1947 الآيات الواردة في «الدعوة إلى الله» الدعوة إلى الله: 1- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «1» 2- وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) «2» 3- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «3» 4- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) «4» 5- وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) «5» 6- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) «6» 7- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «7» 8- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «8» 9- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) «9» دعوة الله عباده المؤمنين: 10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) «10»   (1) يوسف: 108 مكية (2) الرعد: 36 مدنية (3) النحل: 125 مكية (4) الحج: 67 مدنية (5) القصص: 87 مكية (6) الأحزاب: 45- 46 مدنية (7) فصلت: 33 مكية (8) الشورى: 15 مكية (9) الأحقاف: 31 مكية (10) الأنفال: 24 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1948 دعوة الأنبياء وصالحي المؤمنين إلى الله والجنة، ودعوة الكفار إلى النار: 11- * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) «1» 12- قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) «2» 13- * وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) «3»   (1) غافر: 41- 42 مكية (2) نوح: 5- 7 مكية (3) الكهف: 32- 38 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1949 الأحاديث الواردة في (الدعوة إلى الله) 1- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه، قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل يعني عظيم الرّوم، قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى «1» ، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل ... الحديث وفيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم، من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «2» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) » ) * «3» . 2- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة النّجاشيّ، فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام، فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث) * «4» . 3- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم، فإن أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) أي أميرها، وبصرى هي مدينة حوران قريبة من طرف البرية التي بين الشام والحجاز. (2) الأريسيّين: المشهور أنهم الفلاحون والزارعون، ومعناه إن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك. (3) البخاري- الفتح 1 (7) ، ومسلم (1773) واللفظ له. (4) أحمد في المسند (1/ 202) ، وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح، والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع. (5) البخاري- الفتح 3 (1458) ، ومسلم (19) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1950 بينما نحن في المسجد خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «انطلقوا إلى يهود، فخرجنا حتّى جئنا بيت المدارس، فقال: «أسلموا تسلموا، واعلموا أنّ الأرض لله ورسوله وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّ الأرض لله ورسوله» ) * «1» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا، قال: فاضربوا له مثلا، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله، ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس) * «2» . 6- * (عن جنادة بن أبي أميّة قال: دخلنا على عبادة بن الصّامت وهو مريض قلنا: أصلحك الله، حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: دعانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه، فقال: «فيما أخذ علينا أن بايعنا على السّمع والطّاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلّا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان» ) * «3» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال قدم وفد عبد القيس على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله، إنّا هذا الحيّ من ربيعة قد حالت بيننا وبينك كفّار مضر، ولسنا نخلص إليك إلّا في الشّهر الحرام، فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا، قال: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلّا الله- وعقد بيده هكذا- وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدّبّاء «4» ، والحنتم «5» ، والنّقير «6» ، والمزفّت «7» » ) * «8» . 8- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة «9» ، أوصاه في خاصّته «10» بتقوى الله ومن معه من   (1) البخاري- الفتح 6 (3167) واللفظ له، ومسلم (1765) . (2) البخاري- الفتح 13 (7281) . (3) البخاري- الفتح 13 (7055- 7056) واللفظ له، ومسلم (1709) . (4) الدباء: هو القرع اليابس أي الوعاء منه. (5) الحنتم: أصح الأقوال وأقواها أنها جرار خضر. (6) النقير: جذع ينقر وسطه. (7) المزفت: وهو المطلي بالقار وهو الزفت. (8) البخاري- الفتح 3 (1398) ، ومسلم (17) . (9) سرية: هي قطعة من الجيش تخرج منه تغير وتعود إليه. قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها، قالوا: سميت سرية لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها، وهي فعلية بمعنى فاعلة، يقال: سرى وأسرى، إذا ذهب ليلا. (10) في خاصته: أي في حق نفس ذلك الأمير خصوصا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1951 المسلمين خيرا، ثمّ قال: «اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا «1» ولا تغدروا «2» ، ولا تمثلوا «3» ، ولا تقتلوا وليدا «4» ، وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) ، فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام «5» ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحوّلوا منها، فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله «6» وذمّة نبيّه، فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك ... الحديث) * «7» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام، وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» ، فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف «8» ، فسمعت أمّي خشف قدميّ «9» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «10» ، قال: فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته، وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أمّ أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيرا، قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين، ويحبّبهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة-   (1) ولا تغلوا: من الغلول، ومعناه الخيانة في المغنم، أي لا تخونوا في الغنيمة. (2) ولا تغدروا: أي لا تنقضوا العهد. (3) ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان. (4) وليدا: أي صبيّا لأنه لا يقاتل. (5) ثم ادعهم إلى الإسلام: هكذا في جميع نسخ صحيح مسلم: ثم ادعهم، قال القاضي عياض: صواب الرواية: ادعهم، بإسقاط ثم، وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد، وفي سنن أبي داود وغيرهما، لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها، وقال المازري: ليست ثم هنا زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ. (6) ذمة الله: الذمة هنا العهد. (7) مسلم (1731) . (8) مجاف: مغلق. (9) خشف قدميّ: أي صوتهما في الأرض. (10) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1952 وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهم المؤمنين» ، فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني إلّا أحبّني) * «1» . 10- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «لأعطينّ هذه الرّاية رجلا يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» ، قال: فبات النّاس يدوكون «2» ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين عليّ بن أبي طالب» ، فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» . فأتي به. فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه، ودعا له فبرأ، حتّى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الرّاية، فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا، فقال: «انفذ على رسلك «3» حتّى تنزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، من حقّ الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم «4» » ) * «5» . الأحاديث الواردة في (الدعوة إلى الله) معنى 11- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب النّاس فقال: «ألا تدرون أيّ يوم هذا؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، فقال: «أليس بيوم النّحر؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «أيّ بلد هذا؟ أليست بالبلدة الحرام؟» ، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت؟» ، قلنا: نعم، قال: «اللهمّ اشهد، فليبلّغ الشّاهد الغائب، فإنّه ربّ مبلّغ يبلّغه من هو أوعى له» فكان كذلك) * «6» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة، قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» ، قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا. فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «7» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدّرجات؟» ، قالوا: بلى يا رسول الله!، قال «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا   (1) مسلم (2491) . (2) يدوكون: يخوضون، وهو على وزن (يقولون) . (3) على رسلك: بأدب وأناة. (4) حمر النعم: أنفس أموال العرب. (5) البخاري- الفتح 7 (3701) ، ومسلم (2405) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 13 (7078) . (7) البخاري- الفتح 3 (1397) واللفظ له، ومسلم (15) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1953 إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، فذلكم الرّباط» ) * «1» . 14- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، ويأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلّوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرّمت علينا دماؤهم وأموالهم إلّا بحقّها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين» ) * «2» . 15- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله» ) * «3» . 16- * (عن حارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ... - الحديث وفيه- وآمركم بالصّيام، فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة كلّهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك ... الحديث» ) * «4» . 17- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما، فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب ما جئت به من الحقّ» ) * «5» . 18- * (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدّثني أبي، أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ، فذكر في الحديث قصّة، فقال: «ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان عندكم «6» ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك، إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا، ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا، فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقّهنّ عليكم   (1) مسلم (251) . (2) البخاري- الفتح 1 (392) ، الترمذي (2608) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. (3) البخاري- الفتح 1 (25) واللفظ له، ومسلم (22) . (4) الترمذي (2863) ، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن خزيمة (3/ 195) ، وقال محققه: رواه أحمد (4/ 202) وإسناده صحيح. (5) البخاري- الفتح 13 (7283) واللفظ له، ومسلم (2283) . (6) عوان عندكم: أي أسرى في أيديكم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1954 أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «1» . 19- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «2» . 20- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أبدع بي «3» ، فاحملني، فقال: «ما عندي» ، فقال رجل: يا رسول الله، أنا أدلّه على من يحمله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» ) * «4» . 21- * (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- قال جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل أعمله يدنيني من الجنّة، ويباعدني من النّار، قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل ذا رحمك» ، فلمّا أدبر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن تمسّك بما أمر به دخل الجنّة» ) * «5» . 22- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة، والنّاس مجتمعون عليه، فأتيتهم، فجلست إليه، فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فنزلنا منزلا، فمنّا من يصلح خباءه، ومنّا من ينتضل، ومنّا من هو في جشره «6» إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «7» ، فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم» ... الحديث) * «8» . 23- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة يوم العيد، فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة، ثمّ قام متوكّئا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثّ على طاعته، ووعظ النّاس، وذكّرهم، ثمّ مضى، حتّى أتى النّساء فوعظهنّ وذكّرهنّ، فقال: «تصدّقن فإنّ أكثركنّ حطب جهنّم» ، فقامت امرأة من سطة النّساء «9» سفعاء الخدّين «10» ، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنّكنّ تكثرن الشّكاة «11» ، وتكفرن العشير «12» » ، قال: فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ وخواتمهنّ) * «13» . 24- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) الترمذي (1163) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحديث أصله في مسلم من حديث جابر رضي الله عنه (1218) . (2) البخاري- الفتح 6 (3461) . (3) أبدع بي: أي هلكت دابتي وهي مركوبي. (4) مسلم (1893) . (5) مسلم (13) . (6) في جشره: هي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها. (7) الصّلاة جامعة بالنصب على الإغراء. (8) مسلم (1844) . (9) من سطة النساء: أي من خيارهن، والوسط العدل والخيار. (10) سفعاء الخدين: السفعة: سواد مشرب بحمرة. (11) الشكاة: الشكوى. (12) تكفرن العشير: أي يجحدن الإحسان لضعف عقولهن وقلة معرفتهن. (13) البخاري- الفتح 2 (978) ، ومسلم (885) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1955 قال: صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّفا ذات يوم فقال: «يا صباحاه» ، فاجتمعت إليه قريش، قالوا: مالك؟، قال: «أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدوّ يصبّحكم أو يمسّيكم أما كنتم تصدّقونني؟» . قالوا: بلى، قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» ، فقال أبو لهب: تبّالك ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) * «1» . 25- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا، بماء يدعى خمّا «2» ، بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى، ووعظ وذكّر، ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر؛ يوشك أن يأتي رسول ربّي، فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما: كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثمّ قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي» ) * «3» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمّه: «قل لا إله إلّا الله، أشهد لك بها يوم القيامة» ، قال: لولا أن تعيّرني قريش، يقولون: إنّما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك، فأنزل الله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) * «4» . 27- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار، قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» ، ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير، الصّوم جنّة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» ، قال: ثمّ تلا: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) ، ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه» . قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصّلاة وذروة سنامه الجهاد» ، ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه» ، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، قال: «كفّ عليك هذا» ، فقلت: يا نبيّ الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟. قال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «5» . 28- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ، فأدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما يحدّث   (1) البخاري- الفتح 8 (4801) . (2) خما: غيضة على ثلاثة أميال من الجحفة. (3) مسلم (2408) . (4) البخاري- الفتح 8 (4772) ، ومسلم (25) واللفظ له. (5) الترمذي (2616) ، وقال: حسن صحيح واللفظ له، وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (5/ 13) وابن ماجة (3973) ، وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29- 30) : صحيح الإسناد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1956 النّاس، فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءه، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلّا وجبت له الجنّة» ، قال: فقلت: ما أجود هذه!، فإذا قائل بين يديّ يقول: الّتي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، قال: إنّي قد رأيتك جئت آنفا «1» ، قال: «ما منكم من أحد يتوضّأ فيبلغ «2» ، (أو فيسبغ) الوضوء ثمّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبد الله ورسوله، إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية، يدخل من أيّها شاء» ) * «3» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «4» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي، فعدّ خمسا وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «5» . 31- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ «6» عليهنّ قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمّة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ الدّعوة تحيط من ورائهم» ) * «7» . 32- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب» . فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «8» .   (1) آنفا: أي قريبا. (2) فيبلغ أو يسبغ: أي يتمه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون. (3) مسلم (234) . (4) مسلم (2674) . (5) الترمذي (2305) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1876) . (6) لا يغلّ: بالضم من الإغلال، وهو الخيانة. (7) الترمذي (2658) . (8) الترمذي (2676) ، وقال: حديث حسن صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1957 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الدعوة إلى الله) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خطب أبو طلحة أمّ سليم. فقالت: «والله ما مثلك يا أبا طلحة يردّ، ولكنّك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوّجك؛ فإن تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها» ) * «1» . 2- * (عن ابن سيرين- رحمه الله- في قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ (فصلت/ 33) قال: «ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 3- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- أنّه تلا هذه الآية: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فقال: هذا حبيب الله، هذا وليّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحبّ أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا النّاس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال إنّني من المسلمين، هذا خليفة الله» ) * «3» . 4- * (عن قتادة- رحمه الله- في قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قال: هذا عبد صدق قوله، وعمله، ومولجه، ومخرجه، وسرّه، وعلانيته، ومشهده، ومغيبه) * «4» . 5- * (عن ابن شهاب قال: لما بايع أهل العقبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجعوا إلى قومهم، فدعوهم سرّا، وأخبروهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم والّذي بعثه الله به، وتلوا عليهم القرآن. ثمّ بعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذ ابن عفراء، ورافع بن مالك، أن ابعث إلينا رجلا من قبلك فليدع النّاس بكتاب الله؛ فإنّه قمن- أي حقيق- أن يتّبع، فبعث إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مصعب بن عمير أخا بني عبد الدّار، فلم يزل عندهم يدعو آمنا، ويهديهم الله على يديه، حتّى قلّ دار من دور الأنصار إلّا وقد أسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجموح، وكسّرت أصنامهم وكان المسلمون أعزّ أهل المدينة) * «5» . 6- * (قال أحد السّلف في خطبته الّتي ذكرها ابن وضّاح في كتاب الحوادث والبدع له: «الحمد لله الّذي امتنّ على العباد بأن جعل في كلّ زمان فترة من الرّسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون على الأذى، ويبصّرون بكتاب الله أهل العمى، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضالّ قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على النّاس، وما أقبح أثر النّاس   (1) النسائي (5/ 114) وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (3133) . (2) الدر المنثور للسيوطي (7/ 352) . (3) تفسير ابن كثير (4/ 101) . (4) الدر المنثور للسيوطي (7/ 325) . ومولجه: مدخله. (5) انظر حلية الأولياء (1/ 107) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1958 عليهم، يغلبونهم في سالف الدّهر، وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربّك، وما كان ربّك نسيّا، جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم فلا تقصر عنهم، فإنّهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة» ) * «1» . 7- * (قال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله- في سياق قوله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي (يوسف/ 108) : «إنّ الله سبحانه أمر رسوله أن يخبر أنّ سبيله الدّعوة إلى الله، فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وهو على بصيرة، وهو من أتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة، ولا هو من أتباعه، فالدّعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرّسل في أممهم، والنّاس تبع لهم، والله سبحانه قد أمر رسوله أن يبلّغ ما أنزل إليه من ربّه، وضمن له حفظه وعصمته من النّاس، وهؤلاء المبلّغون عنه من أمّته لهم من حفظ الله وعصمته إيّاهم بحسب قيامهم بدينه، وتبليغهم له، وقد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلّغ عنه ولو حديثا، وتبليغ سنّته إلى الأمّة أفضل من تبليغ السّهام إلى نحور العدوّ؛ لأنّ تبليغ السّهام يفعله كثير من النّاس، وأمّا تبليغ السّنن فلا يقوم به إلّا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله منهم بمنّه وكرمه» ) * «2» . 8- * (قال الشّيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله-: «الواجب على جميع القادرين من العلماء وحكّام المسلمين والدّعاة الدّعوة إلى الله- عزّ وجلّ- حتّى يصل البلاغ إلى العالم كافّة في جميع أنحاء المعمورة، وهذا هو البلاغ الّذي أمر الله به، قال الله تعالى لنبيّه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (المائدة/ 67) فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم عليه البلاغ، وهكذا الرّسل جميعا عليهم البلاغ صلوات الله وسلامه عليهم، وعلى أتباع الرّسل أن يبلّغوا، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بلّغوا عنّي ولو آية» ، وكان إذا خطب النّاس يقول: «فليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع» . فعلى جميع الأمّة حكّاما وعلماء وتجّارا وغيرهم أن يبلّغوا عن الله وعن رسوله صلّى الله عليه وسلّم هذا الدّين وأن يشرحوه للنّاس بشتّى اللّغات الحيّة المستعملة» ) * «3» . 9- * (وقال أيضا- حفظه الله-: «ليس الخافي على كلّ من له أدنى علم أو بصيرة أنّ العالم الإسلاميّ اليوم، بل العالم كلّه في أشدّ الحاجة إلى الدّعوة الإسلاميّة الواضحة الجليّة الّتي تشرح للنّاس حقيقة الإسلام، وتوضّح لهم أحكامه ومحاسنه، وبذلك يتّضح لكلّ مسلم طالب علم أنّ الدّعوة إلى الله من أهمّ المهمّات، وأنّ الأمّة في كلّ زمان ومكان في أشدّ الحاجة إليها بل في أشدّ الضّرورة إلى ذلك، فالواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلّغوا دعوة   (1) التفسير القيم لابن القيم (431) . (2) المرجع السابق (430- 431) . (3) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 333) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1959 الله، وأن يصبروا على ذلك، وأن تكون دعوتهم نابعة من كتاب الله وسنّة رسوله الصّحيحة، عليه الصّلاة والسّلام، وعلى طريق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، ومنهج السّلف الصّالح رضي الله عنهم» ) * «1» . من فوائد (الدعوة إلى الله) (1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (2) دلالة النّاس على الخير وهدايتهم إليه. (3) دليل على صلاح العبد واستقامته. (4) تثمر محبّة الله ومحبّة النّاس. (5) التّشبّه بالأنبياء والصّالحين وسلوك مسالكهم. (6) في القيام بها نشر للفضيلة ومحاربة للرّذيلة. (7) بها تصلح الأفراد وتسعد الشّعوب. (8) بها يتقرّب العبد من ربّه ويفوز بمحبّته. (9) باب من أبواب النّصيحة إلى الله ورسوله والمؤمنين لا يفوز بها إلّا الصّالحون. (10) تكسب الدّاعي بركة دعوة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بأن ينضّر الله وجهه. (11) تشرح للعالم كلّه سبل الإسلام السّمحة وتردّ على الدّعاوى الباطلة الّتي يلصقها المغرضون بالدّين الحنيف. (12) للدّاعي أجر عظيم يتضاعف بعدد الّذين يستجيبون له (انظر الحديث 29) .   (1) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 248) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1960 [ حرف الذال ] الذكر الذكر لغة: تدور مادّة (ذ ك ر) حول معنيين: الأوّل الذّكورة ضدّ الأنوثة وما شابهها، والثّاني: الذّكر ضدّ النّسيان، يقول ابن فارس: (الذّال والكاف والرّاء) أصلان عنهما يتفرّع كلم الباب، فالمذكر الّتي ولدت ذكرا، والمذكار: الّتي تلد الذّكران عادة والأصل الآخر: ذكرت الشّيء، خلاف نسيته، ثمّ حمل عليه الذّكر باللّسان، ويقولون: اجعله منك على ذكر أي لا تنسه «1» . والذّكر والذّكرى خلاف النّسيان، وكذلك الذّكرة، يقول الشّاعر: أنّى ألمّ بك الخيال يطيف ... ومطافه لك ذكرة وشعوف «2» والذّكر يأتي بمعنى الحفظ للشّيء، وهو أيضا الشّيء يجري على اللّسان، ومنه قولهم ذكرت لفلان حديث كذا وكذا، أي قلته له. تقول: ذكره يذكره ذكرا وذكرا. ومن المجاز: الذّكر: الصّيت يكون في الخير والشّرّ، والذّكر: الثّناء ويكون في الخير فقط ... الآيات الأحاديث الآثار 174 73 16 ورجل مذكور أي يثنى عليه بخير، ومن المجاز؛ الذّكر: الشّرف، ومنه قوله تعالى وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (الزخرف/ 44) أي القرآن شرف لك ولهم، وقوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح/ 4) أي شرفك. كما يطلق الذّكر على معان أخر منها: الصّلاة لله تعالى، والدّعاء إليه، ويطلق أيضا على الطّاعة، والشّكر، والدّعاء، والتّسبيح، وقراءة القرآن، وتمجيد الله وتهليله وتسبيحه والثّناء عليه بجميع محامده، والذّكر أيضا: الكتاب الّذي فيه تفصيل الدّين ووضع الملل، وكلّ كتاب من الأنبياء ذكر، ومنه قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (الحجر/ 9) ، وحمل على خصوص القرآن وحده أيضا «3» . وقيل: الذّكر: ما ذكرته بلسانك وأظهرته. والذّكر بالقلب، يقال: ما زال منّي على ذكر: أي لم أنسه «4» والذّكرى: كثرة الذّكر، وهو أبلغ من الذّكر، قال تعالى: رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (ص/ 43) وقال أيضا: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ والتّذكرة: ما يتذكّر به الشّيء وهو أعمّ من   (1) المقاييس (2/ 358) . (2) الصحاح (2/ 664) ، وانظر اللسان «ذكر» . والشّعوف: الولوع بالشيء حتّى لا يعدل عنه. (3) تاج العروس للزبيدي (6/ 376- 378) ، وقارن باللسان «ذكر» ، والقاموس المحيط (2/ 36) . (4) اللسان «ذكر» (4/ 308) (ط. بيروت) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1961 الدّلالة والأمارة، قال تعالى فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (المدثر/ 49) «1» والاستذكار: الدّراسة للحفظ، والتّذكّر: طلب شيء فات «2» . واستذكر الرّجل ربط في إصبعه خيطا ليذكر به حاجته. وذكرت الشّيء بعد النّسيان، وتذكّرته، وأذكرته غيري وذكّرته بمعنى، قال الله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ 45) أي ذكر بعد نسيان، وأصله اذتكر فأدغم «3» . واصطلاحا: التّخلّص من الغفلة والنّسيان «4» ويقول الرّاغب: «الذّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وتارة يقال لحضور الشّيء القلب أو القول، ولذلك قيل الذّكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللّسان» «5» . منزلة الذكر: يبيّن ابن القيّم منزلة الذّكر وأهميّته فيقول: وهي منزلة القوم الكبرى الّتي منها يتزوّدون، وفيها يتّجرون، وإليها دائما يتردّدون. والذّكر منشور الولاية الّذي من أعطيه اتّصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الّذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وعمارة ديارهم الّتي إذا تعطّلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الّذي يقاتلون به قطّاع الطّريق، وماؤهم الّذي يطفئون به التهاب الحريق، ودواء أسقامهم الّذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسّبب الواصل؛ والعلاقة الّتي كانت بينهم وبين علّام الغيوب. إذا مرضنا تداوينا بذكركم ... فنترك الذّكر أحيانا فننتكس به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلّهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النّوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنّتهم الّتي فيها يتقلّبون.. يدع القلب الحزين ضاحكا مسرورا، ويوصّل الذّاكر إلى المذكور، بل يدع الذّاكر مذكورا. وفي كلّ جارحة من الجوارح عبوديّة مؤقّتة. والذّكر عبوديّة القلب واللّسان وهي غير مؤقّتة، بل هم يؤمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كلّ حال قياما وقعودا، وعلى جنوبهم، فكما أنّ الجنّة قيعان، وهو غراسها فكذلك القلوب بور خراب، وهو عمارتها وأساسها. وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلّما ازداد الذّاكر في ذكره استغراقا. ازداد المذكور محبّة إلى لقائه واشتياقا،.. به يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن الألسن، وتنقشع الظّلمة عن الأبصار. زيّن الله به ألسنة الذّاكرين، كما   (1) المفردات (180) . (2) المحيط في اللغة (6/ 235) . (3) اللسان «ذكر» (4/ 309) (ط. بيروت) . (4) مدارج السالكين (2/ 451) . (5) المفردات (179) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1962 زيّن بالنّور أبصار النّاظرين، فاللّسان الغافل كالعين العمياء، والأذن الصّمّاء، واليد الشّلّاء. وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغلقه العبد بغفلته «1» . درجات الذّكر: قال ابن القيّم عن درجات الذّكر: «وهو على ثلاث درجات: الدّرجة الأولى: الذّكر الظّاهر ثناء أو دعاء أو رعاية» . فأمّا ذكر الثّناء فنحو «سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلّا الله والله أكبر» . وأمّا ذكر الدّعاء فنحو رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (الأعراف/ 23) . وأمّا ذكر الرّعاية فمثل قول الذّاكر «الله معي، الله ناظر إليّ، الله شاهدي» . الدّرجة الثّانية: الذّكر الخفيّ وهو الخلاص من القيود، والبقاء مع الشّهود، ولزوم المسامرة. الدّرجة الثّالثة: الذّكر الحقيقيّ، وهو شهود ذكر الحقّ إيّاك، والتّخلّص من شهود ذكرك» . وقد سمّي هذا الذّكر حقيقيّا؛ لأنّه منسوب إلى الرّبّ تعالى فذكر الله لعبده هو الذّكر الحقيقيّ، وهو شهود ذكر الحقّ عبده «2» ... إلخ. الدلالات العامة للذكر: قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: والمراد بالذّكر: الإتيان بالألفاظ الّتي ورد التّرغيب في قولها، والإكثار منها، مثل الباقيات الصّالحات، وهي: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة «3» والاستغفار ونحو ذلك. والدّعاء بخيري الدّنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتّنفّل بالصّلاة، ثمّ الذّكر يقع تارة باللّسان ويؤجر عليه النّاطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ألّا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النّطق الذّكر بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذّكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النّقائص عنه ازداد كمالا. فإن وقع ذلك في عمل صالح ممّا فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا، فإن صحّ التوجّه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال. وقال الفخر الرّازيّ: المراد بذكر اللّسان الألفاظ الدّالّة على التّسبيح والتّحميد والتّمجيد. والذّكر بالقلب: التّفكّر في أدلّة الذّات والصّفات وفي أدلّة التّكاليف من الأمر والنّهي حتّى يطّلع على   (1) مدارج السالكين (2/ 440- 441) . (2) مدارج السالكين (2452- 453) . (3) الحسبلة: هي قول الذاكر: حسبي الله ونعم الوكيل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1963 أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله. والذّكر بالجوارح، هو أن تصير مستغرقة في الطّاعات ومن ثمّ سمّى الله الصّلاة ذكرا فقال فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (الجمعة/ 9) . ونقل عن بعضهم، قال: الذّكر على سبعة أنحاء: فذكر العينين بالبكاء، وذكر الأذنين بالإصغاء، وذكر اللّسان بالثّناء، وذكر اليدين بالعطاء، وذكر البدن بالوفاء، وذكر القلب بالخوف والرّجاء، وذكر الرّوح بالتّسليم والرّضاء «1» . وقال ابن القيّم- رحمه الله-: وذكر الله يتضمّن ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثّناء عليه بأنواع المدح. وذلك لا يتمّ إلّا بتوحيده. فذكره الحقيقيّ يستلزم ذلك كلّه ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه «2» . وقال أبو الفرج ابن الجوزيّ: الذّكر يقال على وجهين: أحدهما الذّكر بالقلب. والثّاني: الذّكر باللّسان. وهو في الموضعين حقيقيّ، ويستعار في مواضع تدلّ عليها القرينة «3» . آداب الذّكر وحكمه: قال الإمام النوويّ- رحمه الله تعالى-: ينبغي أن يكون الذّاكر على أكمل الصّفات، فإن كان جالسا في موضع استقبل القبلة وجلس متخشّعا متذلّلا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز، ولو كان ذلك (أي ترك الذّاكر ذلك) بغير عذر كان تاركا للأفضل، وينبغي أن يكون الموضع الّذي يذكر فيه خاليا نظيفا، ولهذا مدح الذّكر في المساجد والأماكن الشّريفة، وقد جاء عن أبي ميسرة «لا يذكر الله تعالى إلّا في مكان طيّب» ، وينبغي للذّاكر أيضا أن يكون فمه نظيفا، فإن كان فيه تغيّر أزاله بالسّواك (ونحوه) ، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالماء، فإن ذكر ولم يفعل، فهو مكروه وليس بحرام، وهو محبوب في جميع الأحوال، إلّا في أحوال ورد الشّرع باستثنائها منها: عند الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجماع وفي حالة الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب، وفي القيام في الصّلاة لأنّ عليه الاشتغال بالقراءة، وفي حالة النّعاس، ولا يكره في الطّريق، ولا في الحمّام «4» . معاني كلمة الذكر في القرآن الكريم: ذكر أهل التّفسير أنّ الذّكر في القرآن على أوجه منها: أحدها: الذّكر باللّسان. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 200) : فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً وغيرها. الثّاني: الذّكر بالقلب: ومنه قوله تعالى في (آل عمران/ 135) : وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وقيل هو النّدم.   (1) فتح الباري (11/ 212- 213) . (2) الفوائد (174) . (3) نزهة الأعين النواظر (301) . (4) الأذكار النووية ص 17- 18. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1964 الثّالث: الحديث. ومنه قوله تعالى في (يوسف/ 42) : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ. ومثله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ (مريم/ 41) ، وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى (مريم/ 51) . الرّابع: الخبر. ومنه قوله تعالى في (الكهف/ 83) : قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً. الخامس: العظة. ومنه قوله تعالى في (الأنعام/ 44) : فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ. السّادس: الوحي. ومنه قوله تعالى في (الصّافات/ 3) : فَالتَّالِياتِ ذِكْراً. السّابع: القرآن. ومنه قوله تعالى في (الأنبياء/ 50) : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ. الثّامن: التّوراة والكتب السّابقة. ومنه قوله تعالى في (النّحل/ 43) : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. التّاسع: الشّرف. ومنه قوله تعالى في (الزخرف/ 44) : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ. العاشر: الطّاعة. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 152) : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ. أي أطيعوني أغفر لكم. الحادي عشر: البيان. ومنه قوله تعالى في (الأعراف/ 63) : أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ. الثّاني عشر: الصّلوات الخمس. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 239) : فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ. الثّالث عشر: صلاة الجمعة. ومنه قوله تعالى في سورة (الجمعة/ 9) : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ. الرّابع عشر: صلاة العصر. ومنه قوله تعالى في (ص/ 32) : إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي الخامس عشر: الرّسول. ومنه قوله تعالى في (الطّلاق/ 10، 11) : قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولًا قيل: إنّ أنزل هاهنا بمعنى أرسل. وهذه الآيات الّتي استشهد بها لهذه المعاني تحتملها وغيرها «1» . وقال ابن القيّم: جاء الذّكر في القرآن على عشرة أوجه: الأوّل: الأمر به مطلقا ومقيّدا وذلك كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الأحزاب/ 41- 42) . الثّاني: النّهي عن ضدّه من الغفلة والنّسيان كقوله تعالى وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (الأعراف/ 205) . الثّالث: تعليق الفلاح باستدامته وكثرته كقوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة/ 10) .   (1) نزهة الأعين النواظر (302- 306) ، ونحوه في بصائر ذوي التمييز (3/ 13- 15) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1965 الرّابع: الثّناء على أهله، والإخبار بما أعدّ الله لهم من الجنّة والمغفرة، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ... إلى قوله تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 35) . الخامس: الإخبار عن خسران من لها عنه بغيره. كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (المنافقون/ 9) . السّادس: أنّه سبحانه جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له، كقوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (البقرة/ 152) . السّابع: الإخبار أنّه أكبر من كلّ شيء، كقوله تعالى: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ وَأَقِمِ الصَّلاةَ.. إلى قوله تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (العنكبوت/ 45) . الثّامن: أنّه جعله خاتمة الأعمال الصّالحة كما كان مفتاحها، وذلك كما ختم به الحجّ في قوله تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (البقرة/ 200) ، وختم به الصّلّاة كقوله فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ (النساء/ 103) . وختم به الجمعة كقوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة/ 10) . التّاسع: الإخبار عن أهله بأنّهم هم أهل الانتفاع بآياته وأنّهم أولو الألباب دون غيرهم كقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ (آل عمران/ 190- 191) .. العاشر: أنّه جعله قرين جميع الأعمال وروحها، فقد قرنه بالصّلاة كقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه/ 14) ، وكذلك قرنه بالصّيام وبالحجّ وغيرها «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التسبيح- التكبير التهليل- الثناء- الدعاء- الشكر- الحمد- الحوقلة- التقوى- الطمأنينة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللغو- اللهو واللعب- اتباع الهوى- الغرور- الكبر والعجب- الضلال- السخط] .   (1) مدارج السالكين (2/ 441- 444) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1966 الآيات الواردة في «الذكر» ذكر الله باللسان: 1- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) «1» 2- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) «2» 3- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (41) «3» 4- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191)   (1) البقرة: 114 مدنية (2) البقرة: 198- 203 مدنية (3) آل عمران: 38- 41 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1967 رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) «1» 5- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «2» 6- يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) «3» 7- فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «4» 8- وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) «5» 9- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)   (1) آل عمران: 190- 193 مدنية (2) النساء: 102- 103 مدنية (3) المائدة: 4 مدنية (4) الأنعام: 118- 121 مكية (5) الأنعام: 138 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1968 الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «1» 10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) «2» 11- وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «3» 12- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) «4» 13- وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) «5» 14- إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) «6» 15- وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) «7»   (1) الأنفال: 2- 4 مدنية (2) الأنفال 45- 46 مدنية (3) الإسراء: 45- 47 مكية (4) الكهف: 23- 24 مكية (5) طه: 29- 35 مكية (6) طه: 38- 44 مكية (7) الأنبياء: 36 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1969 16- وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) «1» 17- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «2» 18- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) «3» 19- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «4» 20- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «5»   (1) الحج: 27- 28 مدنية (2) الحج: 34- 37 مدنية (3) الحج: 39- 41 مدنية (4) النور: 36- 38 مدنية (5) الشعراء: 224- 227 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1970 21- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «1» 22- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «2» 23- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) «3» 24- وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) «4» 25- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) «5» 26- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) «6» الذكر بالقلب: 27- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «7» 28- * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ   (1) الأحزاب: 21 مدنية (2) الأحزاب: 35 مدنية (3) الأحزاب: 41- 43 مدنية (4) الزمر: 45 مكية (5) المزمل: 8- 9 مكية (6) الإنسان: 23- 26 مدنية (7) البقرة: 235 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1971 يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «1» 29- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) «2» 30- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ* (206) «3» 31- اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) «4» 32- وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) «5» 33- يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «6» الذكر بمعنى الحديث: 34- وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) «7» 35- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) «8» 36- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) «9» 37- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52)   (1) آل عمران: 133- 136 مدنية (2) الأعراف: 201 مكية (3) الأعراف: 205- 206 مكية (4) العنكبوت: 45 مكية (5) الزخرف: 36- 37 مكية (6) المنافقون: 8- 11 مدنية (7) يوسف: 42 مكية (8) مريم: 1- 2 مكية (9) مريم: 41- 42 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1972 وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) «1» 38- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) «2» 39- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) «3» 40- * وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) «4» الذكر بمعنى الخبر: 41- وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) «5» 42- لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) «6» الذكر بمعنى الاتعاظ: 43- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) «7» 44- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47) «8» 45- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) «9»   (1) مريم: 51- 57 مكية (2) الأنبياء: 24 مكية (3) ص: 41- 49 مكية (4) الأحقاف: 21 مكية (5) الكهف: 83- 85 مكية (6) الأنبياء: 10 مكية (7) البقرة: 40 مدنية (8) البقرة: 47 مدنية (9) البقرة: 63 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1973 46- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «1» 47- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «2» 48- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «3» 49- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «4» 50- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «5» 51- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14) «6»   (1) البقرة: 221 مدنية (2) البقرة: 231 مدنية (3) آل عمران: 7 مدنية (4) المائدة: 7 مدنية (5) المائدة: 11 مدنية (6) المائدة: 13- 14 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1974 52- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (20) «1» 53- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) «2» 54- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) «3» 55- وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) «4» 56- أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) «5» 57- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) «6» 58- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) «7» 59- المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) «8» 60- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) «9»   (1) المائدة: 20 مدنية (2) المائدة: 110 مدنية (3) الأنعام: 44 مكية (4) الأنعام: 80 مكية (5) الأنعام: 90 مكية (6) الأنعام: 126 مكية (7) الأنعام: 152 مكية (8) الأعراف: 1- 3 مكية (9) الأعراف: 26 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1975 61- وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) «1» 62- قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) «2» 63- وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) «3» 64- وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) «4» 65- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) «5» 66- * وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) «6» 67- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «7» 68- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) «8» 69- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) «9»   (1) الأعراف: 57 مكية (2) الأعراف: 67- 69 مكية (3) الأعراف: 74 مكية (4) الأعراف: 86 مكية (5) الأعراف: 130 مكية (6) الأعراف: 171 مكية (7) الأنفال: 26 مدنية (8) الأنفال: 55- 57 مكية (9) التوبة: 124- 126 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1976 70- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) «1» 71- مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) «2» 72- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) «3» 73- وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) «4» 74- * أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) «5» 75- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) «6»   (1) يونس: 3 مكية (2) هود: 24- 30 مكية (3) هود: 114 مكية (4) هود: 120 مكية (5) الرعد: 19 مدنية (6) إبراهيم: 5- 6 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1977 76- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) «1» 77- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «2» 78- وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) «3» 79- أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) «4» 80- طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) «5» 81- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) «6» 82- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) «7» 83- قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) «8» 84- سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) «9» 85- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) «10» 86- وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (50) «11» 87- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) «12» 88- وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73) «13» 89- أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61)   (1) إبراهيم: 24- 25 مكية (2) إبراهيم: 52 مكية (3) النحل: 13 مكية (4) النحل: 17 مكية (5) طه: 1- 3 مكية (6) طه: 113 مكية (7) الأنبياء: 48 مكية (8) المؤمنون: 84- 85 مكية (9) النور: 1 مدنية (10) النور: 27 مدنية (11) الفرقان: 50 مكية (12) الفرقان: 62 مكية (13) الفرقان: 73 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1978 أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «1» 90- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) «2» 91- * وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) «3» 92- أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) «4» 93- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) «5» 94- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) «6» 95- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «7» 96- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) «8» 97- يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) «9» 98- فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) «10»   (1) النمل: 61- 62 مكية (2) القصص: 43- 46 مكية (3) القصص: 51- 52 مكية (4) العنكبوت: 51 مكية (5) السجدة: 4 مكية (6) السجدة: 15 مكية (7) السجدة: 22 مكية (8) الأحزاب: 9 مدنية (9) فاطر: 3 مكية (10) الصافات: 11- 13 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1979 99- فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) «1» 100- ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) «2» 101- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) «3» 102- قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) «4» 103- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «5» 104- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ   (1) الصافات: 149- 155 مكية (2) ص: 1- 8 مكية (3) ص: 29- 32 مكية (4) ص: 86- 87 مكية (5) الزمر: 9 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1980 فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) «1» 105- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) «2» 106- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «3» 107- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) «4» 108- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14) «5» 109- فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59) «6» 110- أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) «7» 111- فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19)   (1) الزمر: 21- 23 مكية (2) الزمر: 27- 28 مكية (3) غافر: 13 مكية (4) الزخرف: 1- 5 مكية (5) الزخرف: 9- 14 مكية (6) الدخان: 58- 59 مكية (7) الجاثية: 23 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1981 وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) «1» 112- وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) «2» 113- وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) «3» 114- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «4» 115- وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «5» 116- فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) «6» 117- إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12) «7» 118- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)   (1) محمد: 18- 21 مكية (2) ق: 7- 8 مكية (3) ق: 36- 37 مكية (4) ق: 45 مكية (5) الذاريات: 49- 55 مكية (6) الطور: 29- 31 مكية (7) الحاقة: 11- 12 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1982 ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) «1» 119- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «2» فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ 120- مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (55) وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) «3» 121- إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31) «4» 122- وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (7) «5» 123- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8)   (1) الحاقة: 38- 52 مكية (2) المدثر: 31 مكية (3) المدثر: 49- 56 مكية (4) الإنسان: 29- 31 مدنية (5) المرسلات: 1- 7 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1983 وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «1» 124- إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29) «2» 125- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) «3» 126- فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24) «4» 127- كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) «5» الذكر بمعنى التذكير: 128- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى   (1) عبس: 1- 16 مكية (2) التكوير: 27- 29 مكية (3) الأعلى: 9- 15 مكية (4) الغاشية: 21- 24 مكية (5) الفجر: 21- 30 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1984 وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «1» 129- وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «2» 130- وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) «3» 131- قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) «4» 132- * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)   (1) البقرة: 282 مدنية (2) الأنعام: 68- 70 مكية (3) يوسف: 84- 85 مكية (4) الكهف: 63- 70 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1985 تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) «1» 133- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) «2» 134- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46) «3» الذكر بمعنى القرآن: 135- فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) «4» 136- وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «5» 137- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «6»   (1) غافر: 41- 44 مكية (2) الإنسان: 1- 2 مكية (3) النازعات: 34- 46 مكية (4) آل عمران: 56- 58 مدنية (5) الحجر: 6- 9 مكية (6) الكهف: 28 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1986 138- * وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) «1» 139- كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) «2» 140- وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) «3» 141- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) «4» 142- قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) «5» 143- وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) «6» 144- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) «7» 145- قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) «8» 146- وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29) «9» 147- وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) «10» 148- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)   (1) الكهف: 99- 101 مكية (2) طه: 99 مكية (3) طه: 124 مكية (4) الأنبياء: 1- 2 مكية (5) الأنبياء: 42 مكية (6) المؤمنون: 71 مكية (7) المؤمنون: 109- 110 مكية (8) الفرقان: 18 مكية (9) الفرقان: 27- 29 مكية (10) الشعراء: 5 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1987 إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) «1» 149- وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) «2» 150- وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) «3» 151- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «4» 152- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) «5» 153- وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) «6» 154- فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) «7»   (1) يس: 11- 19 مكية (2) يس: 69- 70 مكية (3) الصافات: 1- 3 مكية (4) غافر: 53- 58 مكية (5) فصلت: 41- 42 مكية (6) الزخرف: 36 مكية (7) النجم: 29- 30 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1988 155- وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* (40) «1» 156- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) «2» 157- * أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «3» 158- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «4» 159- وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) «5» الذكر بمعنى التوراة والكتب السابقة: 160- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «6» 161- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) «7» الذكر بمعنى الشرف: 162- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) «8» 163- أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)   (1) القمر: 17، 22، 32، 40 مكية (2) القمر: 23- 26 مكية (3) الحديد: 16 مدنية (4) الطلاق: 8- 11 مدنية (5) الجن: 16- 17 مكية (6) النحل: 43- 44 مكية (7) الأنبياء: 7 مكية (8) الزخرف: 43- 45 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1989 وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) «1» الذكر بمعنى الطاعة: 164- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) «2» 165- إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «3» 166- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) «4» 167- فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) «5» 168- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) «6» الذكر بمعنى البيان: 169- قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) «7» 170- وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104) «8»   (1) الشرح: 1- 8 مكية (2) البقرة: 151- 153 مدنية (3) المائدة: 91 مدنية (4) الرعد: 28- 29 مدنية (5) طه: 11- 14 مكية (6) المنافقون: 9 مدنية (7) الأعراف: 61- 63 مكية (8) يوسف: 104 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1990 الذكر بمعنى الصلوات الخمس: 171- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «1» الذكر بمعنى صلاة الجمعة: 172- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) «2» الذكر بمعنى اللوح المحفوظ: 173- * وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) «3» 174- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) «4»   (1) البقرة: 238- 239 مدنية (2) الجمعة: 9- 10 مدنية (3) الأنبياء: 83- 84 مكية (4) الأنبياء: 105 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1991 الأحاديث الواردة في (الذكر) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال لهم: «أتحبّون أيّها النّاس أن تجتهدوا في الدّعاء؟» . قالوا: نعم يا رسول الله. قال: «قولوا اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أفضل الذّكر لا إله إلّا الله، وأفضل الدّعاء الحمد لله» ) * «2» . 3- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذّهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟. قالوا: بلى. قال: «ذكر الله تعالى» . فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه-: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله) * «3» . 4- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يقول أنا مع عبدي إن هو ذكرني وتحرّكت بي شفتاه» ) * «4» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ امرأة من الأنصار، قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه؟، فإنّ لي غلاما نجّارا. قال: «إن شئت» . فعملت له المنبر. فلمّا كان يوم الجمعة قعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المنبر الّذي صنع فصاحت النّخلة الّتي كان يخطب عندها حتّى كادت أن تنشقّ، فنزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أخذها فضمّها إليه، فجعلت تئنّ أنين الصّبيّ الّذي يسكّت حتّى استقرّت. قال: «بكت على ما كانت تسمع من الذّكر» ) * «5» . 6- * (عن عبد الله بن بسر- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني بشيء أتشبّث «6» به، قال: «لا يزال   (1) الحاكم (1/ 499) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، والهيثمي في مجمع الزوائد عن ابن مسعود (10/ 172) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير الأودي وهو ثقة. (2) الترمذي (3383) وقال: حديث غريب، وحسنه الألباني (3/ 1400) برقم (2694) ، وابن ماجة (3800) . وقال الحاكم (1/ 498) : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، والموطأ (1/ 185) . (3) الموطأ. تنوير الحوالك (1/ 211) ، الترمذي (3377) واللفظ له، قال الحاكم في المستدرك (1/ 496) حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وكذا ذكره محقق جامع الأصول (9/ 514) . (4) الحاكم (1/ 496) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (5) البخاري- الفتح 4 (2095) . (6) أتشبث: أتمسك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1992 لسانك رطبا من ذكر الله» ) * «1» . 7- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أخذ بيده وقال: «يا معاذ والله إنّى لأحبّك [والله إنّي لأحبّك] . فقال: «أوصيك يا معاذ، لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ) * «2» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رفع الصّوت بالذّكر حين ينصرف النّاس من المكتوبة كان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وقال ابن عبّاس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) * «3» . 9- * (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أوحى إلى يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بهنّ، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ فكأنّه أبطأ بهنّ، فأتاه عيسى فقال: إنّ الله أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهنّ، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، فإمّا أن تخبرهم، وإمّا أن أخبرهم، فقال: يا أخي، لا تفعل فإنّي أخاف إن تسبقني بهنّ أن يخسف بي، أو أعذّب. قال: فجمع بني إسرائيل ببيت المقدّس حتّى امتلأ المسجد وقعدوا على الشّرفات، ثمّ خطبهم فقال: إنّ الله أوحى إليّ بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، أوّلهنّ: أن لا تشركوا بالله شيئا، فإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق، ثمّ أسكنه دارا. فقال: اعمل وارفع إليّ فجعل يعمل ويرفع إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك، فإنّ الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئا، وإذا قمتم إلى الصّلاة فلا تلتفتوا، فإنّ الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده ما لم يلتفت وآمركم بالصّيام، ومثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة مسك، كلّهم يحبّ أن يجد ريحها، وإنّ الصّيام أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصّدقة ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ فأوثقوا يده إلى عنقه، وقرّبوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم، وجعل يعطي القليل والكثير حتّى فدى نفسه، وأمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذكر الله كمثل رجل طلبه العدوّ سراعا في أثره حتّى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشّيطان إلّا بذكر الله ... الحديث» ) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في   (1) الترمذي (3375) واللفظ له، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 495) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (2) أبو داود (1522) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 284) رقم (1347) : صحيح، والنسائي (3/ 53) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 209) : إسناده صحيح. (3) البخاري- الفتح 2 (841) . (4) قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب (2863) وزاد فيه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: وأنا آمركم بخمس والمنذري في الترغيب (2/ 397) وقال: رواه الترمذي والنسائي ببعضه وابن خزيمة- الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1993 الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟. قال: تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا، والله ما رأوك. قال فيقول: كيف لو رأوني؟. قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟. قال: يسألونك الجنّة. قال: يقول: وهل رأوها؟. قال: يقولون: لا والله. يا ربّ ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟. قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال يقولون: من النّار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟. قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء، لا يشقى جليسهم» ) * «1» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: انكسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس معه. فقام قياما طويلا قدر نحو سورة البقرة. ثمّ ركع ركوعا طويلا. ثمّ رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع ركوعا طويلا، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد. ثمّ قام قياما طويلا، وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع ركوعا طويلا، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع ركوعا طويلا، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد. ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس. فقال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله» . قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا. ثمّ رأيناك كففت. فقال: «إنّي رأيت الجنّة. فتناولت منها عنقودا. ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدّنيا. ورأيت النّار. فلم أر كاليوم منظرا قطّ. ورأيت أكثر أهلها النّساء» . قالوا: بم يا رسول الله؟. قال: «بكفرهنّ» قيل: أيكفرن بالله؟ قال: «بكفر العشير. وبكفر الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهنّ الدّهر، ثمّ رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ» ) * «2» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ جاء أعرابيّ، فقام يبول في المسجد. فقال أصحاب رسول   - في صحيحه (3/ 195، 196) برقم (1895) واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم (1/ 421) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي. (1) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له ومسلم (2689) . (2) البخاري- الفتح 9 (5197) ، ومسلم (907) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1994 الله صلّى الله عليه وسلّم: مه مه «1» . قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزرموه «2» . دعوه» . فتركوه حتّى بال. ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعاه فقال له: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله- عزّ وجلّ- والصّلاة، وقراءة القرآن» . أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنّه عليه) * «3» . 13- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد. فقال: ما أجلسكم؟. قالوا: جلسنا نذكر الله. قال: آلله، ما أجلسكم إلّا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلّا ذاك. قال: أما إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم. وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقلّ عنه حديثا منّي. وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج على حلقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم؟» . قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنّ به علينا. قال: «آلله، ما أجلسكم إلّا ذاك؟» . قالوا: والله ما أجلسنا إلّا ذاك. قال: «أما إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنّه أتاني جبريل فأخبرني أنّ الله- عزّ وجلّ- يباهي بكم الملائكة» ) * «4» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يردّ الله دعاءهم: الذّاكر الله كثيرا، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط» ) * «5» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي «6» ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ. اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا «7» ، لك مطواعا، إليك مخبتا «8» ، أو منيبا «9» ، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «10» ، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي «11» ، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي «12» » ) * «13» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة ربّه، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله   (1) مه مه: كلمة زجر بمعنى اكفف. كما في «القاموس المحيط» . (2) لا تزرموه: أي لا تحبسوا عليه البول بكهره ونهره. (3) مسلم (285) ، ونحوه عند البخاري- الفتح 1 (219- 220) . وشنّه عليه أي صبّه عليه. (4) مسلم (4/ 2701) . (5) البيهقي في الشعب (1/ 419) برقم (558) ، (6/ 11) برقم (7358) ، والألباني في الصحيحة (1211) وحسنه. (6) امكر لي: المكر: الخداع وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه، وقيل هو استدراج العبد بالطاعات فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة. (7) راهبا: الرهبة: الخوف والفزع. (8) مخبتا: خاشعا مخلصا. (9) منيبا: الإنابة: الرجوع إلى الله بالتوبة والإخلاص. (10) حوبتي: من الحوب وهو الإثم والذنب. (11) ثبت حجتي: الحجة: الدليل والبينة في الدنيا والآخرة وعند جواب الملكين في القبر. (12) سخيمة قلبي: السخيمة الغضب والغل. (13) الترمذي (3551) وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (1510) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 282) رقم (1337) : صحيح، وقال محقق الجامع (4/ 337) : وهو حديث صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1995 اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق أخفى حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «1» . 17- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «غطّوا الإناء، وأوكوا السّقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السّراج. فإنّ الشّيطان لا يحلّ سقاء، ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء. فإن لم يجد أحدكم إلّا أن يعرض على إنائه عودا، ويذكر اسم الله، فليفعل. فإنّ الفويسقة «2» تضرم على أهل البيت بيتهم» ) * «3» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير في طريق مكّة، فمرّ على جبل يقال له جمدان. فقال: «سيروا. هذا جمدان، سبق المفرّدون» . قالوا: وما المفرّدون يا رسول الله؟ قال: الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ (الأحزاب/ 35)) * «4» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يذكر الله على كلّ أحيانه» ) * «5» . 20- * (عن عباية بن رفاعة بن رافع عن جدّه- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذي الحليفة، فأصاب النّاس جوع، فأصبنا إبلا وغنما وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أخريات النّاس، فعجلوا فنصبوا القدور، فدفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فأمر بالقدور فأكفئت، ثمّ قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير، فندّ منها بعير، وكان في القوم خيل يسيرة، فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لهذه البهائم أوابد كأوابد «6» الوحش، فما ندّ «7» عليكم منها فاصنعوا به هكذا» ، قال: قال جدّي: إنّا لنرجو- أو نخاف- أن نلقى العدوّ غدا وليست معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ قال: ما أنهر الدّم وذكر اسم الله فكل، ليس السّنّ والظّفر. وسأخبركم عنه: أمّا السّنّ فعظم، وأمّا الظّفر فمدى الحبشة» ) * «8» . 21- * (عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنهما- أنّهما شهدا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله- عزّ وجلّ- إلّا حفّتهم الملائكة، وغشيتهم الرّحمة، ونزلت عليهم السّكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» ) * «9» . 22- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقعد مع قوم يذكرون الله منذ صلاة الغداة «10» حتّى تطلع الشّمس أحبّ إليّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع   (1) البخاري- الفتح 2 (660) واللفظ له، ومسلم (1031) . (2) الفويسقة: الفأرة ونحوها. (3) مسلم (2012) واللفظ له، وعند البخاري- الفتح 10 (5623) نحوه. وتضرم على أهل البيت أي تحرق سريعا. (4) مسلم (2676) . (5) مسلم (373) . (6) الأوابد: جمع آبدة وهي النفرة والفرار والشرود. (7) ند: شرد وهرب نافرا. (8) البخاري- الفتح 9 (5498) واللفظ له، ومسلم (1968) . (9) مسلم (2700) . (10) صلاة الغداة: صلاة الفجر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1996 قوم يذكرون الله منذ صلاة العصر إلى أن تغرب الشّمس أحبّ إليّ من أن أعتق أربعة» ) * «1» . 23- * (عن حنظلة الأسيّديّ- رضي الله عنه- وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لقينى أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟. قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله، ما تقول؟. قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكّرنا بالنّار والجنّة. حتّى كأنّا رأي عين «2» ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا «3» الأزواج والأولاد والضّيعات «4» فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» . قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن، يا حنظلة، ساعة وساعة» (ثلاث مرّات)) * «5» . 24- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الّذي يذكر ربّه والّذي لا يذكر ربّه مثل الحيّ والميّت» ) * «6» . 25- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أوى إلى فراشه طاهرا يذكر الله حتّى يدركه النّعاس لم يتقلّب ساعة من اللّيل سأل الله من خير الدّنيا والآخرة إلّا أعطاه إيّاه» ) * «7» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة «8» ثمّ راح «9» ، فكأنّما قرّب بدنة «10» ، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة، فكأنّما قرّب كبشا أقرن «11» ، ومن راح في   (1) البيهقي في الشعب (2/ 1/ 409) برقم (561) ، وأبو داود (3667) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 698) رقم (3114) ، والمشكاة (970) ، وابن الأثير في الجامع (9/ 515- 516) ، وقال محققه: إسناده حسن. (2) حتى كأنا رأي العين: قال القاضي: ضبطناه رأي عين، بالرفع. أي كأنا بحال من يراها بعينه. قال: ويصح النصب على المصدر، أي نراها رأي عين. (3) عافسنا: قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك وما رسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا. (4) والضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة. (5) مسلم (2750) . (6) البخاري- الفتح 11 (6407) واللفظ له، ومسلم (779) . (7) الترمذي (3526) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (4/ 478) : ولكن للحديث شواهد بمعناه يقوى بها. (8) غسل الجنابة: أي مثل غسل الجنابة. (9) ثم راح: أي ذهب في أول النهار. (10) قرب بدنة: أي تصدق بواحدة من الإبل. (11) كبشا أقرن: الكبش الأقرن هو ذو القرن وهو أكمل وأحسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1997 السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة، فكأنّما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» ) * «1» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة. ومن ستر مسلما، ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطّأ «2» به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «3» . 28- * (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا نبيّ الله، إنّا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟، وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الّذي ليس بمعلّم، وبكلبي المعلّم، فما يصلح لي؟. قال: «أمّا ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلّم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلّم فأدركت ذكاته فكل» ) * «4» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يعقد الشّيطان على قافية رأس أحدكم «5» إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كلّ عقدة، عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ وذكر الله انحلّت عقدة، فإن توضّأ انحلّت عقدة، فإن صلّى انحلّت عقدة. فأصبح نشيطا طيّب النّفس وإلّا أصبح خبيث النّفس كسلان» ) * «6» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: أنا عند ظنّ عبدي بي «7» ، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم، وإن تقرّب منّي شبرا «8» . تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 2 (929) ، ومسلم (850) واللفظ له. (2) من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه: يعني من كان عمله ناقصا لم يلحقه نسبه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل. (3) مسلم (2699) . (4) البخاري- الفتح 9 (5478) واللفظ له، ومسلم (1930) . (5) قافية رأس أحدكم: القافية آخر الرأس وقافية كل شيء آخره. (6) البخاري- الفتح 3 (1142) واللفظ له، ومسلم (776) . (7) أنا عند ظن عبدي بي: قيل معناها المراد به الرجاء وتأميل العفو. (8) وإن تقرب مني شبرا: ومعناه من تقرب إليّ بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة. (9) حديث قدسي، رواه البخاري- الفتح (7536) عن أنس نحوه، ومسلم 4 (2675) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1998 الأحاديث الواردة في (الذكر) معنى 31- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة. فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلّي عليك يا رسول الله فكيف نصلّي عليك؟. قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى تمنّينا أنّه لم يسأله. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد. كما صلّيت على آل إبراهيم. وبارك على محمّد وعلى آل محمّد. كما باركت على آل إبراهيم. في العالمين إنّك حميد مجيد. والسّلام كما قد علمتم» ) * «1» . 32- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر. لا يضرّك بأيّهنّ بدأت. ولا تسمّينّ غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا، ولا أفلح، فإنّك تقول: أثمّ هو؟. فلا يكون. فيقول: لا. إنّما هنّ أربع «2» ، فلا تزيدنّ عليّ) * «3» . 33- * (عن ربيعة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ألظّوا «4» بياذا الجلال والإكرام» ) * «5» . 34- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: أمرنا أن نسبّح دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين، ونحمده ثلاثا وثلاثين، ونكبّره أربعا وثلاثين. قال: فرأى رجل من الأنصار في المنام، فقال: أمركم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تسبّحوا في دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدوا الله ثلاثا وثلاثين وتكبّروا أربعا وثلاثين؟ قال: نعم، قال فاجعلوا خمسا وعشرين، واجعلوا التّهليل معهنّ» ، فغدا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدّثه فقال: «افعلوا» ) * «6» . 35- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل: أيّ الكلام أفضل؟. قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده» ) * «7» . 36- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاد رجلا من المسلمين قد خفت «8»   (1) مسلم (405) . (2) قوله: إنما هن أربع إلى آخره من كلام الراوي: ويقصد هذا ما سمعته فلا تنقلوا عني غيرها. (3) مسلم (2137) . (4) ألظوا: أي الزموا ذلك. (5) أخرجه الترمذي (3524، 3525) ، والحاكم (1/ 499) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (6) الترمذي (3413) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح، وعند النسائي، والحاكم في المستدرك (1/ 253) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ ووافقه الذهبي، وأخرجا بمعناه من حديث أبي هريرة. (7) مسلم (2731) . (8) خفت: ضعف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1999 فصار مثل الفرخ «1» . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إيّاه؟» . قال: نعم. كنت أقول: اللهمّ ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدّنيا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله. لا تطيقه أو لا تستطيعه- أفلا قلت: اللهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار» . قال: فدعا الله له، فشفاه) * «2» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ فاطمة، أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تسأله خادما وشكت العمل. فقال: «ما ألفيته عندنا» . قال: ألا أدلّك على ما هو خير لك من خادم؟، تسبّحين ثلاثا وثلاثين، وتحمدين ثلاثا وثلاثين، وتكبّرين أربعا وثلاثين، حين تأخذين مضجعك» ) * «3» . 38- * (عن أوس بن أوس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أفضل أيّامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصّلاة فيه، فإنّ صلاتكم معروضة عليّ» . قال فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: يقولون بليت. قال: «إنّ الله تبارك وتعالى حرّم على الأرض أجساد الأنبياء صلّى الله عليهم» ) * «4» . 39- * (عن جويرية- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصّبح، وهي في مسجدها «5» ، ثمّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة. فقال: «ما زلت على الحال الّتي فارقتك عليها؟» . قالت: نعم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرّات. لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد «6» كلماته» ) * «7» . 40- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» . قال: فهؤلاء لربّي. فما لي؟. قال: «قل اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «8» . 41- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا، فعلّمني ما يجزئني منه. قال: «قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» . قال: يا رسول   (1) الفرخ: صغار الطير التي لا ريش لها. (2) مسلم (2688) . (3) مسلم (2728) ، ونحوه عند البخاري- الفتح 7 (3705) . (4) أبو داود (1531) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 285) رقم (1355) : صحيح وكذا رقم (1047) ، والنسائي (2/ 91، 92) وقال محقق جامع الأصول (9/ 265) : إسناده صحيح. (5) مسجدها: موضع صلاتها. (6) مداد كلماته: قيل عددها وقيل مثلها في أنها لا تنفد. (7) مسلم (2726) . (8) مسلم (2696) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2000 الله هذا لله- عزّ وجلّ- فما لي؟. قال: «قل: اللهمّ ارحمني وارزقني وعافني واهدني. فلمّا قام قال: هكذا بيده. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا فقد ملأ يده من الخير» ) * «1» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: ذهب أهل الدّثور «2» من الأموال بالدّرجات العلى «3» والنّعيم المقيم. يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدّقون. قال: «ألا أحدّثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلّا من عمل مثله: تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين، فاختلفنا بيننا: فقال بعضنا: نسبّح ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبّر أربعا وثلاثين. فرجعت إليه فقال: تقول سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «4» . 43- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته فلم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «عجل هذا» . ثمّ دعاه فقال له ولغيره: «إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثّناء عليه، ثمّ ليصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ليدع بما شاء» ) * «5» . 44- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور «6» شطر «7» الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السّماوات والأرض. والصّلاة نور «8» . والصّدقة برهان، والصّبر ضياء «9» والقرآن حجّة لك أو عليك. كلّ النّاس يغدو «10» ، فبايع نفسه. فمعتقها أو موبقها «11» » ) * «12» . 45- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- علّمني عليّ- رضي الله عنه- كلمات علّمهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إيّاه يقولهنّ عند الكرب والشّيء يصيبه:   (1) أبو داود (832) واللفظ له، والنسائي (2/ 143) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 374) : حديث حسن. وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 241) ، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) الدثور: واحدها دثر وهو المال الكثير. (3) الدرجات العلى: جمع العليا تأنيث الأعلى ككبرى وكبر. (4) البخاري- الفتح 2 (843) واللفظ له، ومسلم (595) . (5) أبو داود (1481) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 278) : صحيح، والترمذي (3477) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (3/ 44) . (6) الطهور: الوضوء وزنا ومعنى. ويقال: الوضوء والطهور بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به. (7) شطر: نصف. (8) الصلاة نور: مثل النور، يستضاء بها في البعد عن المعاصي وتهدي إلى الصواب. (9) الصبر ضياء: والمراد أن الصبر محمود ولا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا إلى الصواب. (10) كل الناس يغدو: يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى. (11) موبقها: مهلكها. (12) مسلم (223) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2001 «لا إله إلّا الله الحليم، سبحان الله، وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين» ) * «1» . 46- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قلنا يا رسول الله هذا السّلام عليك فكيف نصلّي؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم» ) * «2» . 47- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده» ) * «3» . 48- * (عن سعد- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب كلّ يوم ألف حسنة؟» فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟. قال: «يسبّح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يحطّ عنه ألف خطيئة» ) * «4» . 49- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فجعل النّاس يجهرون بالتّكبير، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّها النّاس اربعوا «5» على أنفسكم، إنّكم ليس تدعون أصمّ ولا غائبا. إنّكم تدعون سميعا قريبا. وهو معكم، قال وأنا خلفه، وأنا أقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. فقال: «يا عبد الله بن قيس، ألا أدلّك على كنز من كنوز الجنّة؟» . فقلت: بلى، يا رسول الله قال: «قل لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «6» . 50- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا جنّتكم «7» » . قالوا: يا رسول الله أمن عدوّ حضر؟. قال: «لا، ولكن جنّتكم من النّار، قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، فإنّهنّ يأتين يوم القيامة معقّبات مجنّبات وهنّ الباقيات الصّالحات» ) * «8» . 51- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلّتان «9» لا يحصيهما رجل مسلم إلّا دخل الجنّة، ألا وهما يسير ومن يعمل بهما قليل، يسبّح الله في دبر كلّ صلاة عشرا، ويحمده عشرا، ويكبّره عشرا» . قال: فأنا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعقدها بيده، قال: «فتلك خمسون ومائة باللّسان وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذت   (1) البيهقي في الشعب (1/ 433) رقم (623) واللفظ له، وقال محققه: إسناده حسن، والحاكم في المستدرك (1/ 508) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ونحوه عند مسلم. (2) البخاري- الفتح 11 (6358) . (3) البخاري- الفتح 11 (6406) واللفظ له، ومسلم (2694) . (4) مسلم (2698) . (5) اربعوا: ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم. (6) مسلم (2704) . (7) جنتكم: ما تستترون به وتتقون به النار. (8) النسائي في عمل اليوم والليلة (848) واللفظ له، والبيهقي في الشعب (1/ 425) رقم (606) ، وقال محققه: إسناده حسن، والحاكم في المستدرك (1/ 541) وصححه ووافقه الذهبي. والمجنبات: أي مقدمات أمامكم، ومعقبات: أي مؤخرات يعقبنكم من ورائكم. (9) خلتان: خصلتان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2002 مضجعك تسبّحه وتكبّره وتحمده مائة فتلك مائة باللّسان وألف في الميزان، فأيّكم يعمل في اليوم واللّيلة ألفين وخمسمائة سيّئة؟» . قالوا: وكيف لا يحصيهما، قال: «يأتي أحدكم الشّيطان وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، حتّى ينتقل فلعلّه لا يفعل، ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينوّمه حتّى ينام» ) * «1» . 52- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل يقول: «اللهمّ لك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض. ولك الحمد أنت قيّام السّماوات والأرض. ولك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ. أنت الحقّ. ووعدك الحقّ. ولقاؤك حقّ. والجنّة حقّ. والنّار حقّ. والسّاعة حقّ. اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت. وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت. وإليك حاكمت. فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت، إنّك إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «2» . 53- * (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت يدي تطيش في الصّحفة، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا غلام، سمّ الله، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك» . فما زالت تلك طعمتي «3» بعد) * «4» . 54- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمّد، أقرأ أمّتك منّي السّلام، وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء، وأنّها قيعان، وأنّ غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ) * «5» . 55- * (عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى- رحمه الله تعالى- قال: لقيني كعب بن عجرة- رضي الله عنه- فقال: ألا أهدي لك هديّة؟. خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد. اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» ) * «6» . 56- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لله تسعة وتسعون اسما، من حفظها دخل الجنّة، وإنّ الله وتر، يحبّ الوتر» «7» . وفي رواية   (1) الترمذي (3410) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (1348، 3/ 74) . (2) البخاري- الفتح 11 (6317) ، والترمذي (3418) وقال: حديث حسن صحيح، وهذا لفظ الترمذي. (3) طعمتي: هيأة أكلتي. (4) البخاري- الفتح 9 (5376) واللفظ له، ومسلم (2022) . (5) الترمذي (3462) وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (4/ 379) : حديث حسن. (6) البخاري- الفتح 11 (6357) واللفظ له، ومسلم (406) . (7) الوتر: الفرد، ومعناه في حق الله تعالى: الواحد الذي لا شريك له ولا نظير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2003 ابن أبي عمر: «من أحصاها» ) * «1» . 57- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «معقّبات «2» لا يخيب قائلهنّ (أو فاعلهنّ) دبر كلّ صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة» ) * «3» . 58- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ «4» من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وهو على كلّ شيء قدير. وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: ربّ اغفر لي، أو قال: «ثمّ دعا استجيب له فإن عزم فتوضّأ، ثمّ صلّى قبلت صلاته» ) * «5» . 59- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه عشرا» ) * «6» . وعند النّسائيّ من حديث أنس رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى عليّ صلاة واحدة، صلّى الله عليه عشر صلوات، وحطّت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات» ) * «7» . 60- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر «8» » ) * «9» . 61- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير عشر مرار. كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل» ) * «10» . 62- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر رقاب. وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك حتّى يمسي. ولم يأت أحد بأفضل ممّا جاء إلّا رجل عمل أكثر منه» ) * «11» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6410) ومسلم (2677) اللفظ له. (2) معقبات: تسبيحات تفعل أعقاب الصلوات. (3) مسلم (596) . (4) التعارّ: السهر والتمطي والتقلب على الفراش ليلا مع كلام وقيل: انتبه. (5) البخاري- الفتح 3 (1154) ، الترمذي (3414) واللفظ له. (6) مسلم (408) . (7) النسائي (3/ 50) وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 405) : إسناده حسن. (8) زبد البحر: ما يعلو وجه البحر عند اضطرابه واصطدام الأمواج، يعبر به عن الكثرة، والزبد البحري جسم مستطيل بيضي رخو دقيق المسام يوجد طافيا على وجه ماء البحر يتداوى به، (محيط المحيط) . (9) رواه مالك في «الموطأ» (1/ 209) والترمذي (3466) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو عند مسلم جزء من حديث طويل رقم (2691) . (10) مسلم (2693) . (11) البخاري- الفتح 11 (6403) واللفظ له، ومسلم (2691) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2004 63- * (عن خولة بنت حكيم السّلميّة- رضي الله عنها- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نزل منزلا ثمّ قال: أعوذ بكلمات الله التّامّات من شرّ ما خلق، لم يضرّه شيء حتّى يرتحل من منزله ذلك» ) * «1» . 64- * (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قالوا: يا رسول الله، كيف نصلّي عليك؟. قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وأزواجه وذرّيّته، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وأزواجه وذرّيّته كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» ) * «2» . 65- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يصبح على كلّ سلامى «3» من أحدكم صدقة، فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزأ «4» من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى» ) * «5» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الذكر) 66- * (عن زرارة أنّ سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السّلاح والكراع «6» . ويجاهد الرّوم حتّى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة. فنهوه عن ذلك. وأخبروه؛ أنّ رهطا ستّة أرادوا ذلك في حياة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم. فنهاهم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال: «أليس لكم فيّ أسوة؟» . فلمّا حدّثوه بذلك راجع امرأته. وقد كان طلّقها. وأشهد على رجعتها «7» . فأتى ابن عبّاس فسأله عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال ابن عبّاس: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قال: من؟. قال: عائشة. فأتها فاسألها. ثمّ ائتني فأخبرني بردّها عليك «8» . فانطلقت إليها. فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها «9» فقال: ما أنا بقاربها «10» . لأنّى نهيتها أن تقول في هاتين   (1) مسلم (2708) . (2) البخاري- الفتح 11 (6360) واللفظ له، ومسلم (407) . (3) السلامى: أصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن. (4) ويجزىء: أي يكفي من كفى يكفي. (5) مسلم (720) . (6) الكراع: اسم للخيل. (7) رجعتها: بفتح الراء وكسرها، والفتح أفصح عند الأكثرين، وقال الأزهري: الكسر أفصح. (8) بردها عليك: أي بجوابها لك. (9) فاستلحقته إليها: أي طلبت منه مرافقته إياي في الذهاب إليها. (10) ما أنا بقاربها: يعني لا أريد قربها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2005 الشّيعتين «1» شيئا فأبت فيهما إلّا مضيّا «2» ، قال: فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنّا عليها. فأذنت لنا، فدخلنا عليها. فقالت: أحكيم؟ (فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟ قال: سعد ابن هشام. قالت: من هشام؟. قال: ابن عامر. فترحّمت عليه. وقالت خيرا. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) فقلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن «3» ، قال فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحدا عن شيء حتّى أموت. ثمّ بدا لي فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ (المزمل/ 1) . قلت: بلى. قالت: فإنّ الله- عزّ وجلّ- افترض قيام اللّيل في أوّل هذه السّورة. فقام نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه حولا. وأمسك الله خاتمتها «4» اثني عشر شهرا في السّماء. حتّى أنزل الله، في آخر هذه السّورة، التّخفيف. فصار قيام اللّيل تطوّعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: كنّا نعدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله «5» ما شاء أن يبعثه من اللّيل. فيتسوّك ويتوضّأ ويصلّي تسع ركعات، لا يجلس فيها إلّا في الثّامنة. فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ ينهض ولا يسلّم. ثمّ يقوم فيصلّى التّاسعة. ثمّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ يسلّم تسليما يسمعنا. ثمّ يصلّي ركعتين بعد ما يسلّم وهو قاعد. فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنيّ. فلمّا سنّ «6» نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخذه اللّحم «7» ، أوتر بسبع. وصنع في الرّكعتين مثل صنيعه الأوّل. فتلك تسع، يا بنيّ. وكان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة أحبّ أن يداوم عليها. وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ القرآن كلّه في ليلة. ولا صلّى ليلة إلى الصّبح. ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال فانطلقت إلى ابن عبّاس فحدّثته بحديثها. فقال: صدقت. لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتّى تشافهني به. قال قلت: لو علمت أنّك لا تدخل عليها «8» ما حدّثتك حديثها» ) * «9» .   (1) الشيعتين: الشيعتان الفرقتان، والمراد تلك الحروب التي جرت. يريد شيعة عليّ وأصحاب الجمل. (2) فأبت فيهما إلا مضيّا: أي فامتنعت من غير المضي، وهو الذهاب، مصدر مضى يمضي: قال تعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا (يس/ 67) . (3) فإن خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته. (4) وأمسك الله خاتمتها: تعني أنها متأخرة النزول عما قبلها. وهي قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ (المزّمل/ 20) . (5) فيبعثه الله: أي يوقظه. لأن النوم أخو الموت. (6) فلما سن: هكذا هو في معظم الأصول: سن، وفي بعضها: أسن، وهذا هو المشهور في اللغة. (7) وأخذه اللحم: وفي بعض النسخ: وأخذ اللحم، وهما متقاربان. والظاهر أن معناه كثر لحمه. (8) لو علمت أنك لا تدخل عليها: قال القاضي عياض: هو على طريق العتب له في ترك الدخول عليها، ومكافأته على ذلك بأن يحرمه الفائدة حتى يضطر إلى الدخول عليها. (9) مسلم (746) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2006 67- (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا رفع مائدته قال: «الحمد لله كثيرا طيّبا مباركا فيه غير مكفيّ ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربّنا» ) * «1» . 68- * (عن ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة، قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة- في كتاب إلى معاوية- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دبر «2» كلّ صلاة مكتوبة: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ «3» منك الجدّ» ) * «4» . 69- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا رأى ما يحبّ قال: «الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات» ، وإذا رأى ما يكره قال: «الحمد لله على كلّ حال» ) * «5» . 70- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مقفله «6» من عسفان ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على راحلته، وقد أردف صفيّة بنت حييّ، فعثرت ناقته فصرعا جميعا، فاقتحم أبو طلحة فقال: يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال: «عليك المرأة» . فقلب ثوبا على وجهه وأتاها فألقاه عليها، وأصلح لهما مركبهما فركبا، واكتنفنا «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا أشرفنا على المدينة، قال: «آيبون «8» ، تائبون، عابدون، لربّنا حامدون» فلم يزل يقول ذلك حتّى دخل المدينة) * «9» . 71- * (عن ربيعة بن كعب الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت أبيت عند باب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأعطيه وضوءه فأسمعه الهويّ من اللّيل «10» . يقول: «سمع الله لمن حمده» وأسمعه الهويّ من اللّيل يقول: «الحمد لله ربّ العالمين» ) * «11» . 72- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم. لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم. لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «12» . 73- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلاة بعد أن نزلت عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر/ 1) إلّا قال: «سبحانك ربّنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي» ) * «13» .   (1) البخاري- الفتح 9 (5458) . (2) دبر: خلف كل صلاة وبعدها. (3) الجد: غنى. (4) البخاري- الفتح 2 (844) ، (5) ابن ماجة (3803) واللفظ له، وفي الزوائد: إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 499) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه وأقره الذهبي، والبغوي في شرح السنة (5/ 180) وقال محققه: حسن بشواهده. (6) مقفله: وقت رجوعه. (7) اكتنفنا: أي أحطنا به. (8) آيبون: راجعون الى الله عن ذنوبنا وخطايانا وراجعون عائدون إلى منازلنا. (9) البخاري- الفتح 6 (3085) . (10) الهوىّ من الليل: يعني الحين الطويل من الليل. (11) الترمذي (3416) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (12) مسلم (2730) . (13) البخاري- الفتح 8 (4967) واللفظ له، ومسلم (484) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2007 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الذكر) 1- * (قال أبو بكر- رضي الله عنه-: «ذهب الذّاكرون الله بالخير كلّه» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «يطوف الرّجل بالبيت ما كان حلالا حتّى يهلّ بالحجّ، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسّر له هديه من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسّر له من ذلك أيّ ذلك شاء، غير إن لم يتيسّر له فعليه ثلاثة أيّام في الحجّ، وذلك قبل يوم عرفة، فإن كان آخر يوم من الأيّام الثّلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه، ثمّ لينطلق حتّى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظّلام ثمّ ليدفعوا من عرفات، فإذا أفاضوا منها حتّى يبلغوا جمعا الّذي يتبرّر فيه، ثمّ ليذكروا الله كثيرا، أو أكثروا التّكبير والتّهليل قبل أن تصبحوا، ثمّ أفيضوا فإنّ النّاس كانوا يفيضون، وقال الله تعالى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة/ 199) حتّى ترموا الجمرة» ) * «2» . 3- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-: «لكلّ شيء جلاء، وإنّ جلاء القلوب ذكر الله- عزّ وجلّ-» ) * «3» . 4- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «إنّ الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان هل مرّ بك أحد ذكر الله- عزّ وجلّ-؟ فإذا قال نعم استبشر» ) * «4» . 5- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «الشّيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس» ) * «5» . 6- * (قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: «ما عمل العبد عملا أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله» ) * «6» . 7- * (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه: «من أكثر ذكر الله برأ من النّفاق» ) * «7» . 8- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (الأحزاب/ 33) : إنّ الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلّا جعل لها حدّا معلوما ثمّ عذر أهلها في حال العذر، غير الذّكر فإنّ الله تعالى لم يجعل له حدّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلّا مغلوبا على تركه فقال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ (النساء/ 103) باللّيل   (1) شعب الإيمان (1/ 408) رقم (558) . (2) البخاري- الفتح 8 (4521) ، وفي بعض طبعات البخاري: إذا أفاضوا، ويبيتون بدلا من يتبرّر. (3) شعب الإيمان (1/ 396) برقم (523) ، والوابل الصيب (60) . (4) شعب الإيمان (1/ 453) رقم (691) . (5) الوابل الصيب (56) . (6) أخرجه الموطأ (1/ 211) ، وشعب الإيمان (3/ 394) رقم (519) . (7) شعب الإيمان (1/ 415) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2008 والنّهار في البرّ والبحر، وفي السّفر والحضر، والغنى والفقر، والسّقم والصّحّة، والسّرّ والعلانية، وعلى كلّ حال» ) * «1» . 9- * (قال الحسن- رحمه الله-: «من ذكر الله في السّوق كان له من الأجر بعدد كلّ فصيح فيها وأعجميّ. قال المبارك سعيد بن مسروق الثّوريّ: الفصيح: الإنسان، والأعجم: البهيمة» ) * «2» . 10- * (عن الحسن البصريّ يحدّث قال: «بينا رجل رأى في المنام أنّ مناديا ينادي من السّماء: أيّها النّاس خذوا سلاح فزعكم فعمد النّاس فأخذوا السّلاح حتّى إنّ الرّجل ليجيء وما معه إلّا عصا، فنادى من السّماء ما هذا سلاح فزعكم. فقال رجل من أهل الأرض وما سلاح فزعنا؟. قال: لا إله إلّا الله وسبحان الله والله أكبر والحمد لله» ) * «3» . ملاحظة: والرّؤيا لا ينبني عليها حكم شرعيّ، ومعناها صحيح جاءت به الأحاديث منها حديث نبيّ الله يحيى عليه السّلام. 11- * (قال التّرمذيّ يروي عن بعض أهل العلم: «إذا صلّى الرّجل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس» ) * «4» . 12- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: «الذّكر للقلب مثل الماء للسّمك، فكيف يكون حال السّمك إذا فارق الماء» ) * «5» . 13- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «الذّكر باب المحبّة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم» ) * «6» . 14- * (وقال- رحمه الله-: «محبّة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسّكون إليه والطّمأنينة إليه وإفراده بالحبّ والخوف والرّجاء والتّوكّل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولى على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جنّة الدّنيا والنّعيم الّذي لا يشبهه نعيم، وهو قرّة عين المحبّين وحياة العارفين» ) * «7» . 15- * (وقال أيضا: «ثبت أنّ غاية الخلق والأمر أن يذكر وأن يشكر. يذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر. وهو سبحانه ذاكر لمن ذكره، شاكر لمن شكره» ) * «8» . 16- * (وقال: «وأفضل الذّكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللّسان وكان من الأذكار النّبويّة وشهد الذّاكر معانيه ومقاصده» ) * «9» .   (1) ذكره ابن كثير في تفسير سورة الأحزاب (3/ 503) (2) شعب الإيمان (1/ 412) رقم (568) . (3) البيهقي في الشعب (1/ 437) رقم (634) . (4) الترمذي (5/ 551) تعقيبا على حديث: «رغم أنف رجل» . (5) الوابل الصيب (63) . (6) الوابل الصيب (62) . (7) المصدر السابق (70) . (8) الفوائد (176) . (9) المصدر السابق (260) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2009 من فوائد (الذكر) قال ابن القيّم- رحمه الله-: في الذّكر أكثر من مائة فائدة منها «1» : (1) أنّه يطرد الشّيطان ويقمعه. (2) أنّه يرضي الرّحمن- عزّ وجلّ-. (3) أنّه يزيل الهمّ والغمّ عن القلب. (4) أنّه يجلب للقلب الفرح والسّرور والبسط. (5) أنّه يقوّي القلب والبدن. (6) أنّه ينوّر الوجه والقلب. (7) أنّه يجلب الرّزق. (8) أنّه يكسو الذّاكر المهابة والحلاوة والنّضرة. (9) أنّه يورثه المحبّة الّتي هي روح الإسلام وقطب رحى الدّين ومدار السّعادة والنّجاة. (10) أنّه يورثه المراقبة حتّى يدخله في باب الإحسان، فيعبد الله كأنّه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذّكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت. (11) أنّه يورثه الإنابة، وهي الرّجوع إلى الله- عزّ وجلّ-. (12) أنّه يورثه القرب منه، فعلى قدر ذكره لله- عزّ وجلّ- يكون قربه منه. (13) أنّه يفتح له بابا عظيما من أبواب المعرفة. (14) أنّه يورثه الهيبة لربّه- عزّ وجلّ- وإجلاله، لشدّة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله تعالى، بخلاف الغافل؛ فإنّ حجاب الهيبة رقيق في قلبه. (15) أنّه يورثه ذكر الله تعالى له كما قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (البقرة: 152) . ولو لم يكن في الذّكر إلّا هذه وحدها لكفى بها فضلا وشرفا. (16) أنّه يورثه حياة القلب. (17) أنّه فوت القلب والرّوح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته. (18) أنّه يورث جلاء القلب من صدئه. (19) أنّه يحطّ الخطايا ويذهبها. (20) أنّه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربّه تبارك وتعالى. (21) من ذكر الله تعالى عزّ وجلّ ذكره ربّه، ولذكر الله أكبر.. قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ «2» (البقرة/ 152) . (22) أنّ العبد إذا تعرّف إلى الله تعالى بذكره في الرّخاء عرفه في الشّدّة.   (1) لفظ فائدة هنا يشمل أمرين: الأول فائدة للذكر والآخر فائدة عن الذكر، وقد ذكر من النوع الأول ثلاثا وسبعين، ومن النوع الثاني خمس فوائد، ولذلك قال- رحمه الله تعالى- في الذكر ولم يقل للذكر. (2) ذكر ابن القيم في الفائدة الحادية والعشرين «أن ما يذكر به العبد ربه.. يذكر به عند الشدة» ثم ذكر في الفائدة الثانية والعشرين ان العبد اذا تعرف الى الله بذكره في الرخاء عرفه في الشدة» وهما في الحقيقة شيء واحد، وما ذكرناه هنا يتضمن ذكر الله تعالى لمن يذكره في الرخاء والشدة معا، انظر في ذلك احياء علوم الدين 2/ 294. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2010 (23) أنّه ينجّي من عذاب الله تعالى. (24) أنّه سبب تنزيل السّكينة، وغشيان الرّحمة، وحفوف الملائكة بحلقات الذّكر. (25) أنّه سبب اشتغال اللّسان عن الغيبة والنّميمة والكذب والفحش والباطل. (26) أنّ مجالس الذّكر مجالس الملائكة، ومجالس اللّغو والغفلة مجالس الشّياطين، فليتخيّر العبد أعجبهما إليه وأولاهما به، فهو مع أهله في الدّنيا والآخرة. (27) أنّه يسعد الذّاكر بذكره ويسعد به جليسه، وهذا هو المبارك أينما كان. (28) أنّه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة. (29) أنّه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحرّ الأكبر في ظلّ عرشه، وهذا الذّاكر مستظلّ بظلّ عرش الرّحمن- عزّ وجلّ-. (30) أنّ الاشتغال به سبب لعطاء الله للذّاكر أفضل ما يعطي السّائلين. (31) أنّه أيسر العبادات، وهو من أجلّها وأفضلها. (32) أنّه غراس الجنّة. (33) أنّ العطاء والفضل الّذي رتّب عليه لم يرتّب على غيره من الأعمال. (34) أنّ دوام ذكر الرّبّ تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الّذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده. (35) أنّ الذّكر نور للذّاكر في الدّنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصّراط. (36) لمّا كان الذّكر متيسّرا للعبد في جميع الأوقات والأحوال فإنّ الذّاكر وهو مستلق على فراشه يسبق (في الفضل والخير) القائم الغافل. (37) الذّكر يفتح باب الدّخول إلى الله عزّ وجلّ، فإذا فتح الباب ووجد الذّاكر ربّه فقد وجد كلّ شيء. (38) في القلب خلّة وفاقة لا يسدّها شيء البتّة إلّا ذكر الله- عزّ وجلّ-، فإذا صار القلب بحيث يكون هو الذّاكر بطريق الأصالة، واللّسان تبع له فهذا هو الذّكر الّذي يسدّ الخلّة ويفني الفاقة. (39) أنّ الذّكر يجمع المتفرّق ويفرّق المجتمع، ويقرّب البعيد ويبعد القريب، فيجمع ما تفرّق على العبد من قلبه وإرادته وهمومه وعزومه، والعذاب كلّ العذاب في تفرقتها وتشتّتها عليه وانفراطها له، والحياة والنّعيم في اجتماع قلبه وهمّه وعزمه وإرادته. ويفرّق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم والأحزان والحسرات على فوت حظوظه ومطالبه. ويفرّق أيضا ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره حتّى تتساقط عنه وتتلاشى وتضمحلّ. ويفرّق أيضا ما اجتمع على حربه من جند الشّيطان. (40) أنّ الذّكر ينبّه القلب من نومه، ويوقظه من سنته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2011 (41) أنّ الذّكر شجرة تثمر المعارف والأحوال الّتي شمّر إليها السّالكون. (42) أنّ الذّاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه. وهذه المعيّة معيّة خاصّة غير معيّة العلم والإحاطة العامّة، فهي معيّة بالقرب والولاية والمحبّة والنّصرة والتّوفيق. (43) أنّ الذّكر يعدل حتّى عتق الرّقاب ونفقة الأموال والحمل على الخيل والضّرب بالسّيف في سبيل الله- عزّ وجلّ-. (44) أنّ الذّكر رأس الشّكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره. (45) أنّ أكرم الخلق على الله تعالى من المتّقين من لا يزال لسانه رطبا بذكر الله. (46) أنّ في القلب قسوة لا يذيبها إلّا ذكر الله تعالى. (47) أنّ الذّكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه، فالقلوب مريضة وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى. (48) الذّكر أصل موالاة الله عزّ وجلّ، ورأسها، والغفلة أصل معاداته ورأسها، لأنّ العبد لا يزال يذكر ربّه- عزّ وجلّ- حتّى يحبّه فيواليه، ولا يزال يغفل عنه حتّى يبغضه فيعاديه. (49) أنّه ما استجلبت نعم الله- عزّ وجلّ- واستدفعت نقمه بمثل ذكر الله تعالى. (50) أنّ الذّكر يوجب صلاة الله- عزّ وجلّ- وملائكته على الذّاكر، ومن صلّى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كلّ الفلاح وفاز كلّ الفوز. (51) أنّ من شاء أن يسكن رياض الجنّة في الدّنيا فليجلس في مجالس الذّكر. (52) أنّ مجالس الذّكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدّنيا لهم مجلس إلّا مجلس يذكر الله تعالى فيه. (53) أنّ الله- عزّ وجلّ- يباهي بالذّاكرين ملائكته. (54) من داوم على الذّكر دخل الجنّة مستبشرا فرحا بما أنعم الله عليه «1» . (55) الذّاكر يحقّق الغاية الّتي من أجلها شرعت الأعمال كالصّلاة ونحوها، قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه/ 14) . (56) إكثار الذّكر في الأعمال يجعل الذّاكر أفضل أهل ذلك العمل، فأفضل الصّوّام أكثرهم ذكرا لله عزّ وجلّ في صومهم، وأفضل المتصدّقين أكثرهم ذكرا لله تعالى ... وهكذا. (57) إدامة الذّكر تنوب عن التّطوّعات وتقوم مقامها (ممّن لا يقدر عليها) سواء كانت هذه التّطوّعات بدنيّة (كالجهاد) أو ماليّة (كالصّدقة) أو بدنيّة ماليّة كحجّ التّطوّع. (58) ذكر الله عزّ وجلّ من أكبر العون على طاعته عزّ وجلّ فإنّه يحبّبها للعبد ويسهّلها عليه. ويجعل قرّة عينه فيها.   (1) عبارة ابن القيم «مدمن الذكر يدخل الجنة وهو يضحك» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2012 (59) أنّ ذكر الله- عزّ وجلّ- يسهّل الصّعب، وييسّر العسير ويخفّف المشاقّ. فما ذكر الله عزّ وجلّ- على صعب إلّا هان، ولا على عسير إلّا تيسّر، ولا مشقّة إلّا خفّت، ولا شدّة إلّا زالت، ولا كربة إلّا انفرجت. (60) أنّ ذكر الله- عزّ وجلّ- يذهب عن القلب مخاوفه كلّها. فليس للخائف الّذي قد اشتدّ خوفه أنفع من ذكر الله- عزّ وجلّ-. (61) الذّكر يعطي الذّاكر قوّة (عظيمة) حتّى إنّه ليفعل مع الذّكر ما لم يظنّ فعله بدونه. (62) الذّاكرون هم السّابقون يوم القيامة. (63) الذّكر سببّ لتصديق الرّبّ عزّ وجلّ عبده، لأنّه يخبر عن الله بأوصاف كماله، ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد، صدّقه ربّه، ومن صدّقه الله تعالى، لم يحشر مع الكاذبين، ورجي له أن يحشر مع الصّادقين. (64) الملائكة تبني للذّاكر دورا في الجنّة ما دام يذكر، فإذا أمسك عن الذّكر، أمسكت الملائكة عن البناء. (65) الذّكر سدّ بين العبد وبين جهنّم- والعياذ بالله تعالى- فإذا كان ذكرا دائما محكما، كان سدّا محكما لا منفذ فيه، وإلّا فبحسبه. (66) الملائكة تستغفر للذّاكر كما تستغفر للتّائب. (67) بالذّاكرين تتباهى الجبال والقفار وتستبشر بمن عليها من الذّاكرين. (68) كثرة الذّكر أمان من النّفاق، فإنّ المنافقين قليلو الذّكر لله تعالى، كما أخبر عنهم سبحانه بقوله وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا . (النساء/ 142) . (69) يحصّل الذّاكر من اللّذّة ما لا يحصل لغيره، ولذا سمّيت مجالس الذّكر رياض الجنّة. (70) يكسو الذّكر صاحبه نضرة في الدّنيا ونورا في الآخرة. (71) في تكثير الذّكر تكثير لشهود العبد يوم القيامة. (72) في الذّكر اشتغال عن الكلام الباطل من الغيبة والنّميمة واللّغو ونحو ذلك من حيث إنّ اللّسان لا يسكت البتّة، وهو إمّا لسان ذاكر، وإمّا لسان لاغ، ولا بدّ من أحدهما، والنّفس إن لم تشغلها بالحقّ شغلتك بالباطل.. (73) لا سبيل إلى تفريق جمع الشّياطين الّتي تحوط بالإنسان إلّا بذكر الله عزّ وجلّ. (74) الذّكر يجعل الدّعاء مستجابا «1» .   (1) بتلخيص وتصرف عن صحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب، ص 82- 153، وقد ذكر ابن القيم- رحمه الله تعالى- ثلاثا وسبعين، واستخلصنا الفائدة الرابعة والسبعين مما ذكره عن الذكر والدعاء وأيهما أفضل، أما ما ذكره رحمه الله- من الفوائد أرقام 74، 75- 76، 77، 78، فهي فوائد عن الذكر وليست فوائد له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2013 [ حرف الراء ] الرأفة الرأفة لغة: مصدر قولهم: رؤف به يرؤف رأفة ورآفة وهو مأخوذ من مادّة (ر أف) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على الرّقّة والرّحمة، قال- عزّ وجلّ- وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ (النور/ 2) وقرئت رآفة، والرّأفة أشدّ الرّحمة، وقيل هي أرقّ من الرّحمة، ولا تكاد تقع في الكراهة، والرّحمة قد تقع في الكراهة للمصلحة، يقول أبو زيد: رؤفت بالرّجل أرؤف رأفة ورآفة، ورأفت به أرأف (كذلك) ورئفت به رأفا، قال: كلّ من كلام العرب «1» والرّءوف اسم للمولى- عزّ وجلّ- وصفة من صفات رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم: الرّءوف من أسماء الله الحسنى: من صفات الله- عزّ وجلّ- الّتي سمّي بها «الرّءوف» ومعناها الرّحيم لعباده العطوف عليهم بألطافه وفيه لغتان قرأ بهما جميعا: رءوف على فعول وهي قراءة أهل المدينة ورؤف على فعل، فمن الأوّل قول كعب بن مالك الأنصاريّ- رضي الله عنه-: نطيع نبيّنا ونطيع ربّا ... هو الرّحمن كان بنا رءوفا الآيات الأحاديث الآثار 12 2 4 ومن الثّاني قول جرير: يرى للمسلمين عليه حقّا ... كفعل الوالد الرّؤف الرّحيم فالله- عزّ وجلّ- هو الرّءوف لأنّه المتناهي في الرّحمة بعباده لا راحم أرحم منه ولا غاية وراء رحمته، وقد يقال أيضا «رأف» بسكون الهمزة، ومن ذلك قول الشّاعر: فآمنوا بنبيّ لا أبا لكم ... ذي خاتم صاغه الرّحمن مختوم رأف رحيم بأهل البرّ يرحمهم ... مقرّب عند ذي الكرسيّ مرحوم ونقل ابن منظور عن الفرّاء أنّه يقال (أيضا) رئف بكسر الهمزة «2» . وقال الغزاليّ: الرّؤف (معناه) ذو الرّأفة، والرّأفة شدّة الرّحمة «3» ، وقال ابن الأثير: هو الرّؤف بعباده العطوف عليهم بألطافه «4» . الرءوف من صفة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين: جاء وصف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالرّءوف والرّحيم في قوله- عزّ وجلّ- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ   (1) انظر مقاييس اللغة (2/ 471) ، والصحاح (4/ 1362) . (2) انظر الصحاح (4/ 1362) ، ولسان العرب (1534) (ط. دار المعارف) . (3) المقصد الأسنى 140. (4) النهاية لابن الأثير 2/ 176. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2014 عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة/ 128) فالرّءوف (هنا) شديد الرّحمة، (والرّحيم) الّذي يريد لهم الخير، وقيل رءوف بالطّائعين ورحيم بالمذنبين، قال ابن عبّاس: سمّاه (المولى) باسمين من أسمائه، وفي الجمع بينهما دلالة على أنّ في كلّ منهما معنى ليس في الآخر على نحو ما ذكره أهل العلم. يقول النّيسابوريّ: ومن رأفته صلّى الله عليه وسلّم أنّه أمر بالرّفق كما قال: إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق ومن رحمته قيل له فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (159 آل عمران) وههنا نكتة وهي أنّ رأفته ورحمته لمّا كانت مخلوقة اختصّت بالمؤمنين فقط وكانت رأفته- عزّ وجلّ- ورحمته للنّاس عامّة إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (البقرة/ 143) وهناك نكتة أخرى هي أنّ رحمته صلّى الله عليه وسلّم عامّة للعالمين وأمّا رحمته المضمومة إلى الرّأفة فخاصّة بالمؤمنين، وكأنّ الرّأفة إشارة إلى ظهور أثر الدّعوة في حقّهم فالمؤمنون أمّة الدّعوة والإجابة جميعا وغيرهم أمّة الدّعوة فقط «1» . الرأفة اصطلاحا: قال الكفويّ: الرّأفة مبالغة فى رحمة مخصوصة هي رفع المكروه وإزالة الضرّ «2» . بين الرحمة والرأفة: قال بعض العلماء الرّحمة هي أن يوصّل إليك المسارّ، والرّأفة هي أن يدفع عنك المضارّ، والرّأفة إنّما تكون باعتبار إفاضة الكمالات والسّعادات الّتي بها يستحقّ الثّواب، والرّحمة من باب التّزكية والرّأفة من باب التّخلية، وذكر الرّحمة بعد الرّأفة مطّرد في القرآن الكريم لتكون أعمّ وأشمل «3» . وقال ابن الأثير: الرّأفة أرقّ من الرّحمة، ولا تكاد تقع في الكراهة، والرّحمة (قد) تقع في الكراهة للمصلحة «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الرحمة- الرفق- الشفقة- العطف- الحنان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- سوء المعاملة- العنف- القسوة] .   (1) زاد المسير (3/ 521) ، وغرائب القرآن للنيسابورى (بهامش الطبري) (ج 11 ص 46) . (2) الكليات للكفوي (ص 378) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها (بتصرف يسير) . (4) النهاية 2/ 176. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2015 الآيات الواردة في «الرأفة» الرءوف من أسماء الله الحسنى: 1- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «1» 2- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) «2» 3- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «3» 4- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) «4» 5- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)   (1) البقرة: 143 مدنية (2) البقرة: 204- 207 مدنية (3) آل عمران: 28- 30 مدنية (4) التوبة: 117- 119 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2016 يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9) «1» 6- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) «2» 7- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66) «3» 8- إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20) «4» 9- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9) «5»   (1) النحل: 1- 9 مكية (2) النحل: 43- 47 مكية (3) الحج: 63- 66 مدنية (4) النور: 19- 20 مدنية (5) الحديد: 9 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2017 الرءوف من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم: 10- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «1» النهي عن الرأفة في حدود الله: 11- الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) «2» الرأفة من صفة المؤمنين من أتباع المسيح عليه السلام: 12- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) «3»   (1) التوبة: 128- 129 مدنية (2) النور: 2 مدنية (3) الحديد: 26- 27 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2018 الأحاديث الواردة في (الرأفة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطّعام، فكان أبو هريرة ممّا يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع، ثمّ لقيت أبا هريرة من العشيّ فقلت: الدّعوة عندي اللّيلة، فقال سبقتني، قلت: نعم. فدعوتهم. فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم؟ يا معشر الأنصار ثمّ ذكر فتح مكّة. فقال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى قدم مكّة فبعث الزّبير على إحدى المجنبتين «1» ، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسّر «2» . فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبة. قال: فنظر فرآني، فقال: «أبو هريرة؟» . قلت: لبّيك يا رسول الله. فقال: «لا يأتيني إلّا أنصاريّ» - زاد غير شيبان- فقال: «اهتف لي بالأنصار» . قال: فأطافوا به. ووبّشت قريش أوباشا لها «3» وأتباعا. فقالوا: نقدّم هؤلاء. فإن كان لهم شيء كنّا معهم. وإن أصيبوا أعطينا الّذي سئلنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» . ثمّ قال بيديه، إحداهما على الأخرى. ثمّ قال: «حتّى توافوني بالصّفا» . قال: فانطلقنا. فما شاء أحد منّا أن يقتل أحدا إلّا قتله. وما أحد منهم يوجّه إلينا شيئا. قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش. لا قريش بعد اليوم. ثمّ قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فقالت الأنصار، بعضهم لبعض: أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة: وجاء الوحي. وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا. فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ينقضي الوحي. فلمّا انقضى الوحي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الأنصار» . قالوا: لبّيك يا رسول الله قال: «قلتم أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته» . قالوا: قد كان ذاك. قال «كلّا إنّي عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم» . فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الّذي قلنا إلّا ضنّا «4» بالله وبرسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» . قال: فأقبل النّاس إلى دار أبي سفيان. وأغلق النّاس أبوابهم. قال: وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل إلى الحجر. فاستلمه. ثمّ طاف بالبيت. قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه. قال: وفي يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوس. وهو آخذ بسية القوس «5» . فلمّا أتى على الصّنم جعل يطعنه في عينه ويقول: «جاء   (1) المجنبتين: هما الميمنة والميسرة ويكون القلب بينهما. (2) الحسر: الذين لا دروع لهم. (3) أي جمعت جموعا من قبائل شتّى. (4) الضن: هو الشح. (5) بسية القوس: أي بطرفها المنحني، قال في المصباح: هي خفيفة الياء ولامها محذوفة، وترد في النسبة فيقال: سيوي. والهاء عوض عنها، ويقال لسيتها العليا يدها، ولسيتها السفلى رجلها، وقال النووي: هي المنعطف من طرفي القوس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2019 الحقّ وزهق الباطل» . فلمّا فرغ من طوافه أتى الصّفا فعلا عليه. حتّى نظر إلى البيت ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو) * «1» . 2- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ أبا هريرة كان حريصا «2» على أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أشياء لا يسأله عنها غيره. فقال يا رسول الله ما أوّل ما رأيت في أمر النّبوّة؟. فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا، وقال: «لقد سألت أبا هريرة. إنّي لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل أهو هو؟. قال: نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قطّ، وأرواح لم أجدها من خلق قطّ، وثياب لم أرها على أحد قطّ، فأقبلا إليّ يمشيان حتّى أخذ كلّ واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسّا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه فأضجعاني بلا قصر ولا هصر «3» ، وقال أحدهما لصاحبه: افلق «4» صدره فهوى أحدهما إلى صدري ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغلّ والحسد، فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثمّ نبذها فطرحها فقال له: أدخل الرّأفة والرّحمة، فإذا مثل الّذي أخرج يشبه الفضّة ثمّ هزّ إبهام رجلي اليمنى فقال: اغد واسلم فرجعت بها أغدو رقّة على الصّغير ورحمة للكبير» ) * «5» . من الأحاديث الواردة في (الرأفة) معنى انظر: صفات: الرحمة- والرفق- والشفقة المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرأفة) انظر: صفات: الرحمة- والرفق- والشفقة من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الرأفة) 1- * (عن زيد بن ثابت الأنصاريّ- رضي الله عنه- وكان ممّن يكتب الوحي قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر. فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني فقال: إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بالنّاس، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلّا أن تجمعوه، وإنّي   (1) مسلم (1780) . (2) في مسند الإمام أحمد «وكان جريا» ولعلها تصحيف. (3) بلا قصر ولا هصر: أي بلا عنف ولا عصر. (4) تضبط على وجهين: مثل: انصر، ومثل: اضرب. (5) أحمد (5/ 139) ، وقال الهيثمي في المجمع: رواه عبد الله (يعني ابن أحمد) ورجاله ثقات، وثقهم ابن حبان (8/ 222، 223) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2020 لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني فيه حتّى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الّذي رأى عمر- قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلّم- فقال أبو بكر: إنّك رجل شابّ عاقل ولا نتّهمك وكنت تكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فتتبّع القرآن فاجمعه. فو الله لو كلّفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير. فلم أزل أراجعه حتّى شرح الله صدري للّذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبّعت القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعسب «1» وصدور الرّجال، حتّى وجدت من سورة التّوبة آيتين مع خزيمة الأنصاريّ لم أجدهما مع أحد غيره لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة/ 128) إلى آخرها. وكانت الصّحف الّتي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتّى توفّاه الله، ثمّ عند عمر حتّى توفّاه الله، ثمّ عند حفصة بنت عمر» ) * «2» . 2- * (قال كعب بن مالك الأنصاريّ- رضي الله عنه-: نطيع نبيّنا ونطيع ربّا ... هو الرّحمن كان بنا رءوفا) * «3» . 3- * (قال أبو سليمان الدّارنيّ- رحمه الله تعالى-: «جلساء الرّحمن يوم القيامة من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر» ) * «4» . 4- * (قال الشّاعر: فآمنوا بنبيّ لا أبا لكم ... ذي خاتم صاغه الرّحمن مختوم رأف رحيم بأهل البرّ يرحمهم ... مقرّب عند ذي الكرسيّ مرحوم ) * «5» . من فوائد (الرأفة) (1) مدعاة لرضى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وتكون سببا في دخول الجنّة. (2) صاحبها يحمل صفة يتحلّى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (3) أنّها سبب للألفة والمحبّة بين عباد الله المسلمين (4) من رزق الرّأفة فقد جمع كثيرا من خصال الخير. (5) أنّ صاحبها ينال درجة عالية من الأجر؛ لأنّها أشدّ الرّحمة وأرقّها.   (1) الأكتاف: جمع كتف، وهي عظم عريض خلف المنكب في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب، كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم. والعسب: جمع عسيب والعسيب: جريد النخل إذا نحّي عنه خوصه. (2) البخاري- الفتح 8 (4679) . (3) الصحاح للجوهري (4/ 1362) . (4) عدة الصابرين (144) . (5) لسان العرب (3/ 1536) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2021 الرجاء الرجاء لغة: الرّجاء مصدر قولهم رجوت فلانا أرجوه وهو مأخوذ من مادّة (ر ج و) الّتي تدلّ على الأمل الّذي هو نقيض اليأس، ممدود. يقال رجوت فلانا رجوا ورجاء ورجاوة. ويقال ما أتيتك إلّا رجاوة الخير، وترجّيته، ترجية بمعنى رجوته. قال بشر يخاطب ابنته: فرجّي الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزيّ آبا وقيل: الأمل أكبر من الرّجاء؛ لأنّ الرّجاء معه خوف. قال في اللّسان: وقد يكون الرّجو، والرّجاء بمعنى الخوف. قال تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (نوح/ 13) . أي تخافون عظمة الله. قال أبو ذؤيب: إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عواسل قال الرّاغب: ووجه ذلك أنّ الرّجاء والخوف يتلازمان قال تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ (النساء/ 104) . وقال عزّ من قائل: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ (التوبة/ 106) ، ويقال: أرجت النّاقة: دنا نتاجها، الآيات الأحاديث الآثار 34 48 8 وحقيقته: جعلت لصاحبها رجاء في نفسها بقرب نتاجها «1» . الرجاء اصطلاحا: تأمّل الخير وقرب وقوعه، وفي الرّسالة القشيريّة: الرّجاء تعليق القلب بمحبوب في المستقبل. قال ابن القيّم- رحمه الله-: الرّجاء هو النّظر إلى سعة رحمة الله. وقيل: هو الاستبشار بجود وفضل الرّبّ تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه. وقيل: هو الثّقة بجود الرّبّ تعالى. وقال الرّاغب: الرّجاء ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة. وقال المناويّ: الرّجاء ترقّب الانتفاع بما تقدّم له سبب ما «2» . الفرق بين الرجاء والتمني: والفرق بينه وبين التّمنّي: أنّ التّمنّي يصاحبه الكسل. ولا يسلك صاحبه طريق الجدّ، والرّجاء على الضّدّ من ذلك. ومن الوجهة اللّغويّة فإنّ أداة الرّجاء «لعلّ» وأداة التّمنّي «ليت» . كما أنّ الرّجاء يفيد إمكان الوقوع بخلاف التّمنّي الّذي يفيد تعذّر الوقوع أو استحالته «3» . من معاني كلمة الرجاء في القرآن الكريم: وقد ورد الرّجاء في القرآن على ستّة أوجه: أوّلها: بمعنى الخوف: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ   (1) انظر الصحاح للجوهري (6/ 2352) ، والمفردات، للراغب (190) ، ولسان العرب (14/ 309- 310) ، ومدارج السالكين (1/ 37) . (2) مدارج السالكين (1/ 37) ، التوقيف على مهمات التعاريف (174) ، والمفردات، للراغب (19) ، والتعريفات للجرجاني (109) . (3) انظر مدارج السالكين (1/ 37) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2022 وَقاراً (نوح/ 13) . أي ما لكم لا تخافون. ومنه: إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (النبأ/ 27) وقوله: مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ (العنكبوت/ 5) . الثّاني: بمعنى الطّمع: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ (الإسراء: 57) أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ (البقرة/ 218) . الثّالث: بمعنى توقّع الثّواب: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (فاطر/ 29) . الرّابع: الرّجا المقصور بمعنى الطّرف: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها (الحاقة/ 17) . الخامس: الرّجاء المهموز: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ (الأعراف/ 111) أي احبسه. السّادس: بمعنى التّرك والتّأخير: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ (الأحزاب/ 51) : تؤخّر، وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ (التوبة/ 106) «1» . حقيقة الرجاء: قال ابن القيّم- رحمه الله-: الرّجاء هو عبوديّة، وتعلّق بالله من حيث اسمه: البرّ المحسن فذلك التّعلّق والتّعبّد بهذا الاسم، والمعرفة بالله: هو الّذي أوجب للعبد الرّجاء من حيث يدري ومن حيث لا يدري. فقوّة الرّجاء على حسب قوّة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه ولولا روح الرّجاء لعطّلت عبوديّة القلب والجوارح، وهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. بل لولا روح الرّجاء لما تحرّكت الجوارح بالطّاعة. ولولا ريحه الطّيّبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات. ولي من الأبيات: لولا التّعلّق بالرّجاء تقطّعت ... نفس المحبّ تحسّرا وتمزّقا لولا الرّجا يحدو المطيّ لما سرت ... بحمولها لديارهم ترجو اللّقا فتأمّل هذا الموضع حقّ التّأمّل يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبوديّة والمحبّة، فكلّ محبّة مصحوبة بالخوف والرّجاء. وعلى قدر تمكّنها من قلب المحبّ يشتدّ خوفه ورجاؤه، ولكنّ خوف المحبّ لا يصحبه وحشة. بخلاف خوف المسيء. ورجاء المحبّ لا يصحبه علّة، بخلاف رجاء الأجير، وأين رجاء المحبّ من رجاء الأجير وبينهما كما بين حاليهما؟ «2» . قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: المقصود من الرّجاء أنّ من وقع منه تقصير فليحسن ظنّه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأمّا من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور. وما أحسن قول أبي عثمان الجيزيّ: من علامة السّعادة أن تطيع، وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشّقاء أن تعصي، وترجو أن تنجو «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- الضراعة والتضرع- حسن الظن- الخوف- الرغبة- الدعاء- العبادة- الرهبة- الاستغاثة- الابتهال- الإنابة- التوبة- القنوت- تذكر الموت. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- سوء الظن- الغرور- التفريط والإفراط- اليأس- اتباع الهوى القنوط- الغفلة- القلق- الكبر والعجب- الجزع] .   (1) بصائر ذوي التمييز (3/ 50) . (2) انظر مدارج السالكين: (1/ 43- 44) . (3) انظر فتح الباري لابن حجر (11/ 301) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2023 الآيات الواردة في «الرجاء» الرجاء بمعنى الطمع في (رحمة الله) : 1- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «1» 2- وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) «2» 3- وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «3» الرجاء بمعنى توقع الثواب: 4- وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) «4» 5- مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) «5» 6- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «6» 7- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «7» الرجاء بمعنى الخوف: 8- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «8» 9- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) «9»   (1) البقرة: 218 مدنية (2) النساء: 104 مدنية (3) الإسراء: 55- 57 (55- 56 مكية، 57 مدنية) (4) الإسراء: 28 مكية (5) العنكبوت: 5 مكية (6) فاطر: 29- 30 مكية (7) الزمر: 9 مكية (8) الكهف: 110 مكية (9) العنكبوت: 36 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2024 10- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «1» 11- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) «2» 12- ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) «3» الرجاء بمعنى توقع العذاب: 13- إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27) «4» الرجاء بمعنى خوف العقاب والطمع في الثواب: 14- إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) «5» 15- * وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) «6» 16- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «7» 17- * وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) «8» الآيات الواردة في «الرجاء» معنى 18- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) «9» 19- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) «10»   (1) الأحزاب: 21 مدنية (2) الممتحنة: 6 مدنية (3) نوح: 13 مكية (4) النبأ: 27 مكية (5) يونس: 6- 7 مكية (6) يونس: 11 مكية (7) يونس: 15 مكية (8) الفرقان: 21 مكية (9) البقرة: 216 مدنية (10) النساء: 19 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2025 20- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) «1» 21- فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) «2» 22- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (52) «3» 23- قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) «4» 24- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «5» 25- وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) «6» 26- قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) «7» 27- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) «8» 28- إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) «9» 29- وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) «10»   (1) النساء: 84 مدنية. (2) النساء: 99 مدنية. (3) المائدة: 52 مدنية. (4) الأعراف: 129 مكية. (5) التوبة: 18 مدنية. (6) يوسف: 21 مكية. (7) يوسف: 83 مكية. (8) الإسراء: 78- 81 مكية. (9) الكهف: 24 مكية. (10) الكهف: 39- 40 مكية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2026 30- وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) «1» 31- وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) «2» 32- فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «3» 33- * عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) «4» 34- قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) «5»   (1) مريم: 48 مكية (2) القصص: 22 مكية (3) القصص: 67 مكية (4) الممتحنة: 7 مدنية (5) القلم: 29- 32 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2027 الأحاديث الواردة في (الرجاء) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف على أناس جلوس فقال: «ألا أخبركم بخيركم من شرّكم؟» . قال: فسكتوا. فقال ذلك ثلاث مرّات، فقال رجل: بلى. يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرّنا. قال: «خيركم من يرجى خيره، ويؤمن شرّه. وشرّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإنّي سمعت دفّ نعليك «2» بين يديّ في الجنّة» . قال: ما عملت عملا أرجى عندي من أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطّهور ما كتب لي أن أصلّي) * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لكلّ شيء شرّة «4» ولكلّ شرّة فترة فإن كان صاحبها سدّد وقارب فارجوه وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدّوه» ) * «5» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة عينا «6» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «7» . فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) . قال: فحدّثه الحديث. قال: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتكلّم. فقال: «إنّ لنا طلبة «8» فمن كان ظهره «9» حاضرا فليركب معنا» ، فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم «10» في علو المدينة. فقال: «لا. إلّا من كان ظهره حاضرا» ، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه «11» » ، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» . قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاريّ: يا رسول الله، جنّة عرضها السّماوات والأرض؟. قال: نعم. قال: بخ بخ «12» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ» . قال: لا. والله يا رسول الله إلّا رجاءة «13» أن أكون من   (1) الترمذي (2263) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) دفّ نعليك: أي تحريك نعليك. (3) البخاري- الفتح 3 (1149) . (4) الشرة: الشدة. (5) الترمذي (2453) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 314) : إسناده حسن. (6) عينا: أي متجسسا ورقيبا. (7) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره. (8) طلبة: أي شيئا نطلبه. (9) ظهره: الظهر: الدواب التي تركب. (10) ظهرانهم: أي مركوباتهم. (11) حتى أكون أنا دونه: أي قدامه متقدما في ذلك الشيء. (12) بخ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير. وتقال بالسكون وبالجر والتنوين (بخ بخ) . (13) إلا رجاءة: أي والله ما فعلته لشيء إلا رجاء أن أكون من أهلها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2028 أهلها. قال: «فإنّك من أهلها» . فأخرج تمرات من قرنه «1» . فجعل يأكل منهنّ. ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة. قال فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى قتل) * «2» . 5- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على شابّ وهو في الموت فقال: «كيف تجدك؟» . قال: والله يا رسول الله إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو وآمنه ممّا يخاف» ) * «3» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعون خصلة أعلاهنّ منيحة العنز- ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله الله بها الجنّة» ) * «4» . 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله: يابن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ) * «5» . 8- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يفتح الله على يديه» ، قال: فبات النّاس يدوكون «6» ليلتهم أيّهم يعطاها. فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» . فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله. قال: «فأرسلوا إليه فأتوني به» . فلمّا جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك «7» حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حمر النّعم «8» » ) * «9» . 9- * (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد ... الحديث، وفيه: فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم. وبايعهم واستغفر لهم.   (1) قرنه: أي جعبة النشاب. (2) مسلم (1901) . (3) الترمذي (983) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال النووي: إسناده جيد. (4) البخاري- الفتح 5 (2631) . (5) الترمذي (3540) وقال: حديث حسن، وقال محقق رياض الصالحين (178) : للحديث شاهد من حديث أبي ذر عند أحمد وآخر من حديث ابن عباس عند الطبراني فالحديث حسن. (6) يدوكون: يخوضون. (7) على رسلك: بأدب وأناة. (8) حمر النعم: أنفس أموال العرب. (9) البخاري- الفتح 7 (3701) واللفظ له، ومسلم (2405) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2029 ووكل سرائرهم إلى الله. حتّى جئت. فلمّا سلّمت، تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» . فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» . قال: قلت: يا رسول الله إنّي والله لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا «1» . ولكنّي، والله لقد علمت، لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «2» ، إنّي لأرجو فيه عقبى الله «3» . والله ما كان لي عذر. والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا- فقد صدق. فقم حتّى يقضي الله فيك» . فقمت ... والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي ... الحديث» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (الرجاء) معنى 10- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم عليه ثوب أبيض. ثمّ أتيته فإذا هو نائم. ثمّ أتيته وقد استيقظ فجلست إليه. فقال: «ما من عبد قال لا إله إلّا الله ثمّ مات على ذلك إلّا دخل الجنّة» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟. قال: «وإن زنى وإن سرق» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟. قال: «وإن زنى وإن سرق» . (ثلاثا) . ثمّ قال في الرّابعة: «على رغم أنف أبي ذرّ» . قال: فخرج أبو ذرّ وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذرّ) * «5» . 11- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه أتي بدابّة ليركبها فلمّا وضع رجله في الرّكاب قال: بسم الله، فلمّا استوى عليها، قال: الحمد لله، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (الزخرف/ 13- 14) ، ثمّ حمد الله ثلاثا، وكبّر ثلاثا، ثمّ قال: «سبحانك لا إله إلّا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي» ، ثمّ ضحك، فقلت: ممّ ضحكت يا أمير المؤمنين. قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل مثل ما فعلت ثمّ ضحك، فقلت: ممّ ضحكت يا رسول الله؟. قال: «يعجب الرّبّ من عبده إذا قال ربّ اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنّه لا يغفر الذّنوب غيري» ) * «6» .   (1) أعطيت جدلا: أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة. (2) تجد علي فيه: أي تغضب. (3) إني لأرجو فيه عقبى الله: أي أن يعقبني خيرا، وأن يثيبني عليه. (4) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم (2769) واللفظ له. (5) مسلم (94) . (6) الترمذي (3446) وقال: هذا حديث صحيح. وأبو داود (2602) ، وأحمد، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 97) حديث (756) واللفظ له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2030 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال اللهمّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، ثمّ عاد فأذنب، فقال أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب. فقال أي ربّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك» ) * «1» . 13- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» .. الحديث وفيه: «فو الّذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشدّ مناشدة لله في استقصاء الحقّ من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار يقولون: ربّنا كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتحرّم صورهم على النّار فيخرجون خلقا كثيرا.. الحديث» ) * «2» . 14- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) . وقال عيسى عليه السّلام إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) . فرفع يديه وقال: «اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى» . فقال الله عزّ وجلّ-: يا جبريل اذهب إلى محمّد وربّك أعلم فسله: ما يبكيك؟. فأتاه جبريل عليه الصّلاة والسّلام فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمّد فقل: إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوءك» ) * «3» . 15- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟. فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه «4» ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟. فيقول: نعم. أي ربّ، حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه هلك. قال: سترتها عليك في الدّنيا وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافقون. فيقول الأشهاد «5» هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود/ 18) » ) * «6» . 16- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان «7» . فقال: يا كريب- مولى ابن عبّاس- انظر ما اجتمع له من   (1) البخاري- الفتح 13 (7- 750) ، ومسلم (2758) واللفظ له (2) البخاري- الفتح 13 (7439) ، ومسلم (183) واللفظ له. (3) مسلم (202) . (4) كنفه: حفظه وستره. (5) الأشهاد: الملائكة والنبيون وسائر الإنس والجن. (6) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم (2768) . (7) قديد وعسفان: موضع بين الحرمين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2031 النّاس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له. فأخبرته. فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «1» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكلّ سيّئة يعملها تكتب له بمثلها» ) * «2» . 18- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «3» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوامّ، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخّر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» ) * «4» . 20- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟. قال: لا. قالوا: تذكّر. قال: كنت أداين النّاس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوّزوا عن الموسر. قال: قال الله عزّ وجلّ-: تجوّزوا عنه» ) * «5» . 21- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ ض سبي، فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي. إذا وجدت صبيّا في السّبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال النّبيّ ض: «أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» . قلنا: لا. وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «6» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا قعودا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، معنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا. فكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيت حائطا للأنصار لبني النّجّار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والرّبيع الجدول) فاحتفزت «7» كما يحتفز الثّعلب فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أبو هريرة؟» . فقلت: نعم يا رسول الله. قال: «ما شأنك» . قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا   (1) مسلم (948) . (2) البخاري- الفتح 1 (42) واللفظ له، ومسلم (129) . (3) مسلم (2759) (4) البخاري- الفتح 10 (6000) ، ومسلم (2752) واللفظ له (5) البخاري- الفتح 4 (2077) ، ومسلم (1560) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 10 (5999) واللفظ له، ومسلم (2754) . (7) احتفزت: تضاممت ليسعني المدخل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2032 أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أوّل من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب وهؤلاء النّاس ورائي. فقال: «يا أبا هريرة» (وأعطاني نعليه) . قال: «اذهب بنعليّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنّة ... الحديث» ) * «1» . 23- * (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي ببني سالم وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتدّ النّهار، فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له، فلم يجلس حتّى قال: «أين تحبّ أن أصلّي من بيتك؟» ، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير «2» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل منهم ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» . فقال: الله ورسوله أعلم. أمّا نحن فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «3» . 24- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت ردف «4» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، على حمار يقال له عفير. فقال: «يا معاذ، هل تدري حقّ الله على عباده وما حقّ العباد على الله؟» . قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحقّ العباد على الله أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئا» . فقلت يا رسول الله أفلا أبشّر به النّاس؟ قال: «لا تبشّرهم فيتّكلوا» ) * «5» . 25- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوّيّة «6» مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتّى أدركه العطش، ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه فأنام حتّى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته   (1) مسلم (31) (2) الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه دقيق فان لم يكن فيها فهي عصيدة. (3) البخاري- الفتح 3 (1186) واللفظ له، ومسلم (33) . (4) كنت ردف: الرّدف والرديف هو الراكب خلف الراكب. (5) البخاري- الفتح 6 (2856) واللفظ له، ومسلم (30) . (6) الأرض الدوية: الأرض القفر والفلاة الخالية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2033 وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشدّ فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده» ) * «1» . 26- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت رجل مسلم إلّا أدخل الله مكانه النّار يهوديّا أو نصرانيّا» . وفي لفظ: «إذا كان يوم القيامة دفع الله- عزّ وجلّ- إلى كلّ مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك «2» من النّار» ) * «3» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي غلبت غضبي» ) * «4» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا كانت غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا «5» فأكلنا وادّهنّا «6» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «افعلوا» . قال فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قلّ الظّهر «7» ولكن ادعهم بفضل أزوادهم «8» ، ثمّ ادع الله لهم عليها بالبركة لعلّ الله أن يجعل في ذلك «9» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» . قال: فدعا بنطع «10» فبسطه ثمّ دعا بفضل أزوادهم، قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة، قال ويجيء الآخر بكفّ تمر، قال ويجيء الآخر بكسرة، حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. قال فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليه بالبركة، ثمّ قال: «خذوا في أوعيتكم» قال: فأخذوا في أوعيتهم حتّى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملأوه قال فأكلوا حتّى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة» ) * «11» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنّته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرّحمة ما قنط من جنّته أحد» ) * «12» . 30- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها، أو صرف عنه من السّوء مثلها. ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» . فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» ) * «13» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6308) ، ومسلم (2744) واللفظ له (2) فكاكك: بفتح الفاء وكسرها، والفتح أفصح وأشهر وهو الخلاص والفداء. (3) مسلم (2767) . (4) البخاري- الفتح 6 (3194) واللفظ له، ومسلم (2751) (5) النواضح: من الإبل التي يستقى عليها. (6) ادّهنّا: أي اتخذنا دهنا من شحومها. (7) الظهر: الدواب. (8) أزوادهم: جمع زاد وهي لا تملأ إنما تملأ بها أوعيتهم. (9) لعلّ الله أن يجعل في ذلك: فيه محذوف تقديره يجعل في ذلك بركة أو خيرا، أو نحو ذلك. (10) نطع: هو بساط متخذ من أديم. (11) مسلم (27) ، (45) . (12) مسلم (2755) . (13) الترمذي (3573) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 512) : وهو حديث صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2034 31- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلّا وقاه الله فتنة القبر» ) * «1» . 32- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من ميّت تصلّي عليه أمّة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلّا شفّعوا فيه» ) * «2» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من آمن بالله ورسوله، وأقام الصّلاة، وصام رمضان. كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة. هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها» . قالوا: يا رسول الله أفلا ننبيء النّاس بذلك؟ قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله، كلّ درجتين ما بينهما كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة وفوقه عرش الرّحمن ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «3» 34- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسّيّئة فجزاؤه سيّئة مثلها أو أغفر. ومن تقرّب منّي شبرا تقرّبت منه ذراعا، ومن تقرّب منّي ذراعا تقرّبت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض «4» خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة» ) * «5» . 35- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «من شهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنّة حقّ، والنّار حقّ. أدخله الله الجنّة على ما كان من العمل» ) * «6» . 36- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنّة ومن لقيه يشرك به دخل النّار» ) * «7» . 37- * (عن عثمان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو يعلم أنّه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» ) * «8» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» ) * «9» .   (1) الترمذي (1074) ، وأحمد في المسند (2/ 176، 220) ، وقال محقق جامع الأصول (9/ 272) : والحديث بمجموع طرقه لا ينزل عن مرتبة الحسن. (2) مسلم (947) . (3) البخاري- الفتح 13 (7423) . (4) قراب الأرض: أي ما يقارب ملؤها. (5) مسلم (2687) . (6) البخاري- الفتح 6 (3435) واللفظ له، ومسلم (28) . (7) مسلم (93) . (8) مسلم (26) . (9) مسلم (2749) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2035 39- * (عن أبي بردة عن أبيه- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنّصارى» ) * «1» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي «2» ، وأنا معه إذا ذكرني «3» ، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت إليه باعا «4» ، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة» ) * «5» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا، حين يبقى ثلث اللّيل الآخر، يقول من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» ) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرجاء) 42- * (عن خارجة بن زيد بن ثابت، أنّ أمّ العلاء، امرأة من الأنصار، بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أخبرته أنّه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الّذي توفّي فيه، فلمّا توفّي وغسّل وكفّن في أثوابه دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله قد أكرمه؟» . فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟. فقال: «أمّا هو فقد جاءه اليقين. والله إنّي لأرجو له الخير. والله ما أدري- وأنا رسول الله- ما يفعل بي» . قالت: فو الله لا أزكّي أحدا بعده أبدا) * «7» . 43- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله تدركني الصّلاة وأنا جنب أفأصوم؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا تدركني الصّلاة وأنا جنب فأصوم» . فقال: لست مثلنا يا رسول الله. قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فقال: «والله إنّي لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتّقي» ) * «8» . 44- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله   (1) مسلم (2767) . (2) معنى قوله: (أنا عند ظن عبدي بي) : المراد بالظن هنا: العلم، قال ابن أبي جمرة، وقال القرطبي: معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار. (3) قوله «وأنا معه إذا ذكرني: قال الحافظ ابن حجر: بعلمي. (4) والباع: قدر مد اليدين وما بينهما من البدن. (5) البخاري- الفتح 13 (7405) واللفظ له، ومسلم (2675) . (6) البخاري- الفتح 3 (1145) . ومسلم (758) . (7) البخاري- الفتح 3 (1243) . (8) مسلم (1110) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2036 عنه- قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟» . قال: فكبّرنا. ثمّ قال: «أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟» . قال: فكبّرنا، ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة، وسأخبركم عن ذلك: ما المسلمون في الكفّار إلّا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض» ) * «1» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه- بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة «2» . فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» ) * «3» . 46- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين وتجهّز أبو بكر مهاجرا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك فإنّي أرجو أن يؤذن لي» . فقال أبو بكر: أو ترجوه بأبي أنت؟. قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر. قال عروة: قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظّهيرة فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر فدا لك بأبي وأمّي. والله إن جاء به في هذه السّاعة لأمر. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن فأذن له فدخل فقال حين دخل لأبي بكر: «أخرج من عندك» . قال: إنّما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله. قال: «فإنّي قد أذن لي في الخروج» ، قال: فالصّحبة بأبي أنت يا رسول الله. قال: «نعم» . قال: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بالثّمن» . قالت: فجهّزناهما أحثّ الجهاز، ووضعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكأت به الجراب- ولذلك كانت تسمّى ذات النّطاقين- ثمّ لحق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر- وهو غلام شابّ لقن ثقف- فيرحل من عندهما سحرا فيصبح من قريش بمكّة كبائت، فلا يسمع أمرا يكادان به إلّا وعاه، حتّى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظّلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسلهما حتّى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس. يفعل   (1) البخاري- الفتح 11 (6528) ، ومسلم (221) واللفظ له. (2) من ضرورة: أي من ضرر. (3) البخاري- الفتح 4 (1897) واللفظ له، ومسلم (1027) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2037 ذلك كلّ ليلة من تلك اللّيالي الثّلاث) * «1» . 47- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «2» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «3» . 48- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما من الأنبياء نبيّ إلّا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر. وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الرجاء) 1- * (عن محمّد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سمعت ذا النّون المصريّ يقول في دعائه: «اللهمّ إليك تقصد رغبتي، وإيّاك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلّا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك» ) * «5» . 2- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله- في مرض موته: فلمّا قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرّجا منّي لعفوك سلّما تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته ... بعفوك ربّي كان عفوك أعظما) * «6» . 3- * (قال سفيان- رحمه الله-: «من أذنب ذنبا فعلم أنّ الله تعالى قدّره عليه، ورجا غفرانه، غفر الله له ذنبه» ) * «7» . 4- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «إنّ الرّجاء   (1) البخاري- الفتح 10 (5807) . (2) الأخشبان: جبلان عظيمان بمكة. (3) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له، ومسلم (1795) . (4) البخاري- الفتح 8 (4981) . (5) حلية الأولياء، لأبي نعيم (9/ 333) . (6) دليل الفالحين، لابن علان (2/ 361) . (7) إحياء علوم الدين، للغزالي 1 (145) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2038 والخوف جناحان بهما يطير المقرّبون إلى كلّ مقام محمود، ومطيّتان بهما يقطع من طرق الآخرة كلّ عقبة كئود» ) * «1» . 5- * (قال شاه الكرمانيّ: «علامة صحّة الرّجاء حسن الطّاعة» ) * «2» . 6- * (قال أبو عمران السّلميّ منشدا: وإنّي لآتي الذّنب أعرف قدره ... وأعلم أنّ الله يعفو ويغفر لئن عظّم النّاس الذّنوب فإنّها ... وإن عظمت في رحمة الله تصغر ) * «3» . 7- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «الرّجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدّار الآخرة، ويطيّب لها السّير» ) * «4» . 8- * (قال الرّافعيّ- رحمه الله-: إذا أمسى فراشي من تراب ... وصرت مجاور الرّب الرّحيم فهنّوني أحبّائي وقولوا ... لك البشرى قدمت على كريم) * «5» . من فوائد (الرجاء) (1) إظهار العبوديّة والفاقة والحاجة إلى ما يرجوه العبد من ربّه، ويترقّبه من إحسانه، وأنّه لا يستغنى عن فضله وإحسانه طرفة عين. (2) أنّه سبحانه يحبّ من عباده أن يؤمّلوه ويرجوه، ويسألوه من فضله. (3) أنّ الرّجاء حاد يحدو بالعبد في سيره إلى الله، ويطيّب له المسير، فلولا الرّجاء لما سار أحد، فإنّ الخوف وحده لا يحرّك العبد، وإنّما يحرّكه الحبّ ويزعجه الخوف ويحدوه الرّجاء. (4) أنّ الرّجاء يطرحه على عتبة المحبّة، ويلقيه في دهليزها، فإنّه كلّما اشتدّ رجاؤه، وحصل له ما يرجوه، ازداد حبّا لله تعالى وشكرا له، ورضى به وعنه. (5) أنّه يبعث العبد على أعلى المقامات، وهو مقام الشّكر، الّذي هو خلاصة العبوديّة، فإنّه إذا حصل له مرجوّة كان أدعى لشكره. (6) أنّه يوجب للعبد المزيد من معرفة الله وأسمائه ومعانيها، والتّعلّق به، فإنّ الرّاجي متعلّق بأسمائه الحسنى، متعبّد بها، داع بها. (7) أنّ الرّجاء مستلزم للخوف، والخوف مستلزم   (1) المرجع السابق (1/ 142) . (2) مدارج السالكين (2/ 37) . (3) حسن الظن، لابن أبي الدنيا (ص 106) . (4) مدارج السالكين (2/ 36) . (5) دليل الفالحين لابن علان (2/ 361) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2039 للرّجاء، فكلّ راج خائف، وكلّ خائف راج، ولأجل هذا حسن وقوع الرّجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف (8) أنّ العبد إذا تعلّق قلبه برجاء ربّه فأعطاه ما رجاه. كان ذلك ألطف موقعا وأحلى عند العبد وأبلغ من حصول ما لم يرجه، وهذا أحد الأسباب والحكم في جعل المؤمنين بين الرّجاء والخوف في هذه الدّار، فعلى قدر رجائهم وخوفهم يكون فرحهم في القيامة بحصول مرجوّهم واندفاع مخاوفهم. (9) أنّ الله سبحانه وتعالى يريد من عبده تكميل مراتب عبوديّته، من الذّلّ والانكسار والتّوكّل والاستعانة، والخوف، والرّجاء، والصّبر والشّكر، والرّضى والإنابة، وغيرها. ولهذا قدّر عليه الذّنب وابتلاه به لتكمل مراتب عبوديّته بالتّوبة الّتي هي من أحسن عبوديّات عبده إليه، فكذلك تكميلها بالرّجاء والخوف. (10) أنّ في الرّجاء من الانتظار والتّرقّب والتّوقّع لفضل الله ما يوجب تعلّق القلب بذكره، ودوام الالتفات إليه بملاحظة أسمائه وصفاته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2040 الرجولة الرجولة لغة: الرّجل: الذّكر من نوع الإنسان خلاف المرأة. وفي هذا يقول الرّاغب: الرّجل مختصّ بالذّكر من النّاس، ولذلك قال تعالى وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا (الأنعام/ 9) ويقال رجلة للمرأة: إذا كانت متشبّهة بالرّجل في بعض أحوالها. قال الشّاعر: لم ينالوا حرمة الرّجلة «1» . وقيل: إنّما يكون رجلا فوق الغلام، وذلك إذا احتلم وشبّ، وتصغيره رجيل ورويجل، على غير قياس، والجمع رجال. وفي التّنزيل العزيز: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ (البقرة/ 282) ، ورجالات جمع الجمع، وقد يجمع رجل أيضا على رجلة. وقد يكون الرّجل صفة يعني بذلك الشّدّة والكمال. وقيل: في جمع الرّجل: أراجل، وترجّلت المرأة: صارت كالرّجل، وفي الحديث: «أنّه لعن المترجّلات من النّساء» . يعني اللّاتي يتشبّهن بالرّجال في زيّهم وهيآتهم، فأمّا في العلم والرّأي فمحمود، وفي رواية: «لعن الله الرّجلة من النّساء» بمعنى المترجّلة، ويقال: الآيات الأحاديث الآثار 32 26 1 امرأة رجلة إذا تشبّهت بالرّجال في الرّأي والمعرفة. وفي الحديث: «كانت عائشة- رضي الله عنها- رجلة الرّأي» . والرّجلة، بالضّمّ: مصدر الرّجل، والرّاجل والأرجل، يقال: رجل جيّد الرّجلة، ورجل بيّن الرّجولة والرّجلة والرّجليّة والرّجوليّة وهي من المصادر الّتي لا أفعال لها. وهذا أرجل الرّجلين أي أشدّهما، أو فيه رجليّة ليست في الآخر «2» . الرجولة اصطلاحا: لم تعرّف كتب المصطلحات لفظ الرّجولة بيد أنّها عرّفت الرّجل. يقول الكفويّ: واسم الرّجل شرعا موضوع للذّات من صنف الذّكور من غير اعتبار وصف مجاوزة حدّ الصّغر أو القدرة على المجامعة أو غير ذلك، فيتناول كلّ ذكر من بني آدم «3» . ومن هنا يمكن تعريف الرّجولة بأنّها اتّصاف المرء بما يتّصف به الرّجل عادة.   (1) المفردات، للراغب (189) . (2) لسان العرب لابن منظور (11/ 265- 267) . (3) الكليات للكفوي (1/ 393) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2041 الرّجولة والفتوّة والمروءة والإنسانيّة: هذه صفات أربع يرجع اشتقاقها إلى جنس الذّكور وما يتحلّون به من صفات القوّة ونحوها، فالرّجولة نسبة إلى الرّجل والفتوّة ترجع إلى الفتى، والمروءة إلى المرء، والإنسانيّة ترجع إلى الإنسان، وفي المجال الأخلاقيّ (أو الاصطلاحيّ) ، نجد المقصود بالمروءة والإنسانيّة «1» أعمّ من نظيريهما الفتوّة والرّجولة لأنّ المرء أو الإنسان قد يكون فتى شابّا أو رجلا كهلا، والرّجولة في أظهر معانيها تعني اتّصاف الإنسان بما يوصف به الرّجال عادة من نحو تحمّل الأعباء الثّقال ومن أبرز ذلك تحمّل الرّسل الكرام لأعباء الرّسالة، كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ (الأنبياء/ 7) ، ومن ذلك صدق الرّجل فيما عاهد عليه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) ، ومنها حبّ التّطهّر فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا (التوبة/ 108) ، ومنها أنّ الرّجل لا تشغله العوارض عن ذكر الله والعمل للآخرة، مصداق ذلك قول الله تعالى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (النور/ 37) ، فالرّجل الحقّ على ذلك هو من يتحمّل الأعباء وينهض بها ويصدق العهد ويحبّ التّطهّر ولا تشغله سفاسف الأمور عن معاليها، أمّا الفتوّة فإنّها تعني اتّصاف المرء بما يوصف به الفتى من النّجدة والنّشاط وتوقّد الذّكاء، قال طرفة: إذا القوم قالوا من فتى؟ خلت أنّني ... عنيت، فلم أكسل ولم أتبلّد «2» وقال بعض الشّعراء: إنّ الفتى حمّال كلّ ملمّة ... ليس الفتى بمنعّم الشّبّان ولا تتوقّف الفتوّة على المال أو الجاه وإنّما على شرف الأعمال والخصال. قد يدرك الشّرف الفتى، ورداؤه ... خلق، وجيب قميصه مرقوع «3» لقد لا حظ العرب بعض هذه المعاني، فقال الجوهريّ: الفتى: السّخيّ الكريم «4» ، يقال: هو فتى بيّن الفتوّة، ويتأكّد هذا المعنى اللّغويّ للفتوّة بما جاء في الذّكر الحكيم من وصف أهل الكهف بأنّهم فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وفي هذا إشارة واضحة إلى أنّ صفة الفتوّة فيهم تفيد قوّة تحمّلهم وصلابة عزيمتهم وكمال عقولهم المتمثّل في الإيمان بالله تعالى، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: ذكر الله تعالى أنّهم فتية وهم الشّباب وهم أقبل للحقّ وأهدى للسّبيل من الشّيوخ الّذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ورسوله شبابا، وأمّا الشّيوخ من قريش فعامّتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلّا القليل» «5» .   (1) سوّى ابن القيم بين صفتي المروءة والانسانية وجعلهما مترادفين انظر مدارج السالكين 2/ 366. (2) ديوان طرفة/ المعلقة. (3) عن لسان العرب 15/ 146 (ط. بيروت) . (4) المرجع السابق، الصفحة نفسها. (5) تفسير ابن كثير (3/ 78) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2042 وبهذا يتّضح أنّ الفتوّة تشير إلى معان ذات قيمة أخلاقيّة عظمى، حتّى وإن كانت في الأصل لا تشعر بمدح ولا ذمّ كما يقول الفيروز اباديّ «1» ، ثمّ انتقلت اللّفظة بعد ذلك للدّلالة على معنى «استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق» كما يقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «2» ومعنى هذه العبارة أنّ الفتوّة هي التّطبيق العمليّ والتّنفيذ الفعليّ لما تقتضيه الأخلاق الحميدة الّتي لا بدّ أن يتحلّى بها من اتّصف بالفتوّة، وقد عدّها- رحمه الله تعالى- من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ* وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فقال: حقيقة هذه المنزلة هي الإحسان إلى النّاس وكفّ الأذى عنهم، واحتمال أذاهم «وهي إذن نتيجة حسن الخلق واستعماله (أي إخراجه إلى حيّز الوجود بعد أن كان هيئة راسخة في النّفس) . وأقدم من تكلّم في الفتوّة جعفر الصّادق ثمّ الفضيل بن عياض، والإمام أحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التّستريّ والجنيد، (ومن سار على نهجهم) ، وقد سئل جعفر الصّادق عن الفتوّة فقال للسّائل: ما تقول أنت؟ قال: إن أعطيت شكرت، وإن منعت صبرت، فقال (جعفر) : لكن المروءة عندنا: إن أعطينا آثرنا، وإن منعنا شكرنا. وقال الفضيل: الفتوّة الصّفح عن عثرات الإخوان. وقال الإمام أحمد: الفتوّة: ترك ما تهوى لما تخشى. وقال الجنيد: الفتوّة ألّا تنافر فقيرا ولا تعارض غنيّا. وقال المحاسبيّ: الفتوّة أن تنصف ولا تنتصف. وقال التّرمذيّ: الفتوّة أن تكون خصيما لربّك على نفسك، وقيل: هي ألّا ترى لنفسك فضلا على غيرك «3» . وقد لخّص ابن القيّم- رحمه الله تعالى- هذه الأقوال عند ما ذكر أنّ أصل الفتوّة عندهم هي أن يكون العبد أبدا في أمر (خدمة) غيره «4» . وهذا الخلق الرّفيع لا يتأتّى بكماله إلّا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم- كما يقول الدّقّاق- فإنّ كلّ أحد يقول يوم القيامة: نفسي نفسي، وهو يقول: أمّتي أمّتي «5» . وفيما يتعلّق بالفرق بين المروءة «6» والفتوّة فيتمثّل في أنّ بينهما عموما وخصوصا يقول ابن القيّم موضّحا لهذا الفرق: الفتوّة نوع من أنواع المروءة إذ المروءة استعمال ما يجمل ويزين ممّا هو مختصّ بالعبد، أو متعدّ إلى غيره، وترك ما يدنّس ويشين ممّا هو مختصّ أيضا به أو متعلّق بغيره، أمّا الفتوّة فهي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق «7» ، أي إنّ المروءة تتعلّق بالنّفس وبالغير، والفتوّة تتعلّق بالغير فقط إذ هي أن   (1) بصائر ذوي التمييز 4/ 171. (2) مدارج السالكين 2/ 353. (3) انظر هذه الأقوال وغيرها في: مدارج السالكين 2/ 354، وبصائر ذوي التمييز 4/ 170 وما بعدها. (4) مدارج السالكين 2/ 355. (5) مدارج السالكين 2/ 355، وبصائر ذوي التمييز 4/ 171. (6) انظر صفة «المروءة» ووفقا لما ذكر ابن القيم فإن الإنسانية والمروءة يستويان في المعنى. (7) مدارج السالكين 2/ 353. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2043 يكون المرء في خدمة غيره، أمّا صفة الإنسانيّة فهي والمروءة سواء. الرجولة فى القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: الرّجال جمع: رجل، فهو اسم لذكور بني آدم بعد البلوغ، وقيل: إنّه اسم مأخوذ من القوّة. وذكر بعض المفسّرين أنّ الرّجال في القرآن على عشرة أوجه: أحدها: الرّسل وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ... (الأنبياء/ 7) . الثّاني: الصّابرون من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الغزوات: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) . الثّالث: أهل قباء ومنه قوله تعالى فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا (براءة/ 108) . الرّابع: المحافظون على أوقات الصّلاة. ومنه قوله تعالى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (النور/ 37) . الخامس: المقهورون من مؤمني أهل مكّة. ومنه قوله تعالى: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ (الفتح/ 25) . السّادس: فقراء المسلمين. ومنه قوله تعالى وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (ص/ 62) . السّابع: المشاة. ومنه قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً (البقرة/ 239) وقوله تعالى يَأْتُوكَ رِجالًا (الحج/ 27) . الثّامن: الأزواج ومنه قوله تعالى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (البقرة/ 228) . وقوله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ (النساء/ 34) . التّاسع: الذّكور. ومنه قوله تعالى: وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً (النساء/ 1) . وقوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ (الأحزاب/ 40) . العاشر: الكفّار ومنه قوله تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ (الأعراف/ 48) «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الشجاعة- الشهامة- القوة- قوة الإرادة- المروءة- الشرف- العزة- النبل- الثبات- النزاهة- جهاد الأعداء- العزم والعزيمة- المسئولية- علو الهمة- الطموح- العفة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- التهاون- الخنوثة- الذل- الجبن- الضعف- الوهن- الكسل- صغر الهمة- التخلف عن الجهاد التولي- التفريط والإفراط- اللهو واللعب- اتباع الهوى] .   (1) الأعين النواظر: لابن الجوزي (326- 328) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2044 الآيات الواردة في «الرجولة» في سياق حق القوامة: 1- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) «1» 2- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) «2» 3- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «3» في سياق إثبات الحقوق: 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «4»   (1) البقرة: 228 مدنية (2) النساء: 32 مدنية (3) النساء: 34 مدنية (4) البقرة: 282 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2045 حقوق الرجال في الميراث: 5- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) «1» 6- * وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) «2» 7- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) «3» الرجولة من أعلى صفاتها الإيمان بالله والخوف من عذاب الله والصدق معه: 8- وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78)   (1) النساء: 7 مدنية (2) النساء: 12 مدنية (3) النساء: 176 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2046 ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) «1» 9- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (20) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (21) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) «2» 10- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) «3» 11- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «4» 12- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «5»   (1) النساء: 75- 79 مدنية (2) المائدة: 20- 23 مدنية (3) التوبة: 107- 108 مدنية (4) النور: 36- 38 مدنية (5) الأحزاب: 21- 24 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2047 13- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «1» 14- قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) «2» 15- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) «3» الرجال أصل في الانتشار والشهرة في الدنيا والآخرة: 16- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) «4» 17- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «5» الرجولة من صفات النبيين: 18- * وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65)   (1) يس: 20- 27 مكية (2) ص: 61- 62 مكية (3) غافر: 27- 28 مكية (4) النساء: 1 مدنية (5) الأعراف: 155- 156 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2048 قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) «1» 19- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «2» 20- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) «3» 21- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «4» 22- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «5» الرجولة تتنافى مع اللواط: 23- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) «6» من ابتلاء الرجال في القرآن الكريم: 24- * وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32)   (1) الأعراف: 65- 69 مكية (2) يونس: 1- 2 مكية (3) هود: 77- 79 مكية (4) يوسف: 109 مكية (5) النحل: 43- 44 مكية (6) الأعراف: 80- 81 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2049 كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) «1» الذكورة أعلى صفات الرجولة وعليها تترتب تشريعات: 25- وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «2» الرجولة في سياق تحريم التبني: 26- ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) «3» الرجال بمعنى الملائكة: 27- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) «4»   (1) الكهف: 32- 37 مكية (2) النور: 31 مدنية (3) الأحزاب: 40 مدنية (4) الأعراف: 44- 49 مكية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2050 حرمة الرجال والنساء: 28- وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) «1» الرجل خلاف المرأة: 29- وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (9) «2» 30- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «3» 31- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) «4» 32- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) «5»   (1) الفتح: 24- 25 مدنية (2) الأنعام: 8- 9 مكية (3) القصص: 15- 16 مكية (4) القصص: 20 مكية (5) الأحزاب: 1- 4 مدنية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2051 الأحاديث الواردة في (الرجولة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا. فلمّا ولّى، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «1» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه- وإنّه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النّار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنّة، فيراهما جميعا» ) * «2» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في أضحى أو في فطر إلى المصلّى، فمرّ على النّساء، فقال: «يا معشر النّساء تصدّقن، فإنّي أريتكنّ أكثر أهل النّار» . فقلن: وبم يا رسول الله؟. قال: «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ» . قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟. قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرّجل؟» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم؟» . قلن: بلى. قال: «فذلك من نقصان دينها» ) * «3» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: رأيت في المنام كأنّ في يدي قطعة إستبرق «4» . وليس مكان أريد من الجنّة إلّا طارت إليه. قال: فقصصته على حفصة. فقصّته حفصة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرى عبد الله رجلا صالحا «5» » ) * «6» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم «7» ، طوالا جعدا «8» كأنّه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا «9» ، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرّأس «10» ورأيت مالكا خازن النّار، والدّجّال في آيات أراهنّ الله إيّاه، فلا تكن في مرية من لقائه» ) * «11» . 6- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر، فقال:   (1) البخاري- الفتح 3 (1397) واللفظ له، ومسلم (14) . (2) البخاري- الفتح 3 (1374) واللفظ له، ومسلم (2870) . (3) البخاري- الفتح 1 (304) واللفظ له، ومسلم (79) . (4) إستبرق: هو ما غلظ من الديباج. (5) صالحا: الصالح هو القائم بحدود الله تعالى وحقوق العباد. (6) البخاري- الفتح 7 (3740) ، ومسلم (2478) واللفظ له. (7) آدم: وصف موسى بالأدمة وهي لون بين البياض والسواد. (8) جعدا: المراد جعودة الجسم وهي اجتماعه واكتنازه وشنوءة قبيلة من قبائل العرب. والطوال بمعنى الطويل. (9) المربوع الخلق: هو الذي ليس بالطويل البائن ولا بالقصير الحقير. (10) سبط الرأس: أي مسترسل الشعر. (11) البخاري- الفتح 6 (3239) واللفظ له، ومسلم (165) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2052 يا رسول الله: غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع. فلمّا كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال: «اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء» يعني أصحابه، «وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء» يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد ابن معاذ، فقال: «يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد» . قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى أو نظنّ أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... الآية) * «1» . 7- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جبا الرّكيّة «2» ، فإمّا دعا وإمّا بسق «3» فيها ... الحديث وفيه: فلمّا كشفوا جلدها رأوها غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء «4» . راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا «5» قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمّي ذرني فلأسابق الرّجل. قال: «إن شئت» . قال: قلت: أذهب إليه، وثنيت رجليّ فطفرت «6» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «7» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «8» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت والله. قال: أنا أظنّ «9» قال: فسبقته إلى المدينة ... الحديث) * «10» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سهر، فلمّا قدم المدينة، قال: «ليت   (1) البخاري- الفتح 6 (2805) . (2) جبا الركية: الجبا ما حول البئر، والركي البئر. والمشهور في اللغة ركى، بغير هاء، ووقع هنا الركية بالهاء، وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره. (3) وإمّا بسق: هكذا هو في النسخ: بسق، وهي صحيحة، يقال: بزق وبصق وبسق، ثلاث لغات بمعنى، والسين قليلة الاستعمال. (4) العضباء: هو لقب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم، والعضباء مشقوقة الأذن، ولم تكن ناقته صلّى الله عليه وسلّم كذلك، وإنما هو لقب لزمها. (5) شدا: أي عدوا على الرجلين. (6) فطفرت: أي وثبت وقفزت. (7) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد، والشرف ما ارتفع من الأرض، وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر. (8) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت، قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي، وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها. (9) أظن: أي أظن ذلك، حذف مفعوله للعلم به. (10) مسلم (1807) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2053 رجلا من أصحابي صالحا يحرسني اللّيلة، إذ سمعنا صوت سلاح» ، فقال: «من هذا؟» . فقال: أنا سعد ابن أبي وقّاص جئت لأحرسك. فنام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 9- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كمل من الرّجال كثير، ولم يكمل من النّساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وإنّ فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام» ) * «2» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ سعد بن عبادة الأنصاريّ، قال: يا رسول الله أرأيت الرّجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا» . قال سعد: بلى، والّذي أكرمك بالحقّ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسمعوا إلى ما يقول سيّدكم» ) * «3» . 11- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد، فقال: يا رسول الله؟. أقاتل أو أسلم؟. قال: «أسلم ثمّ قاتل» . فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عمل قليلا وأجر كثيرا» ) * «4» . 12- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لكعب بن الأشرف؟ فإنّه قد آذى الله ورسوله» . فقام محمّد بن مسلمة، فقال: يا رسول الله، أتحبّ أن أقتله؟ قال: «نعم» . قال فائذن لي أن أقول شيئا. قال: «قل» فأتاه محمّد بن مسلمة فقال: إنّ هذا الرّجل قد سألنا صدقة، وإنّه قد عنّانا، وإنّي قد أتيتك أستسلفك. قال: وأيضا والله لتملّنّه، قال: «إنّا قد اتّبعناه، فلا نحبّ أن ندعه حتّى ننظر إلى أيّ شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين» ، وحدّثنا عمرو غير مرّة فلم يذكر (وسقا أو وسقين) . فقلت له: فيه (وسقا أو وسقين) ؟ فقال: «أرى فيه (وسقا أو وسقين) » . فقال: نعم، ارهنوني. قالوا: أيّ شيء تريد؟، قال: ارهنوني نساءكم. قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم. قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسبّ أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين، هذا عار علينا، ولكنّا نرهنك اللّأمة. قال سفيان: يعني السّلاح. فواعده أن يأتيه. فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرّضاعة، فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه السّاعة؟ فقال: إنّما هو محمّد بن مسلمة وأخي أبو نائلة. وقال غير عمرو: قالت: أسمع صوتا كأنّه يقطر منه الدّم. فقال: إنّما هو أخي محمّد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة. إنّ الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب. قال: ويدخل محمّد بن مسلمة معه رجلين. قيل لسفيان: سمّاهم عمرو؟ قال: سمّى بعضهم. قال عمرو: جاء معه برجلين، وقال غير   (1) البخاري- الفتح 6 (2885) . (2) البخاري- الفتح 6 (3433) ، ومسلم (2431) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح (12/ 6846) ، ومسلم (1498) . (4) البخاري- الفتح 6 (2808) واللفظ له، ومسلم (1900) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2054 عمرو: أبو عبس بن جبر، والحارث بن أوس، وعبّاد بن بشر، قال عمرو: جاء معه برجلين، فقال: إذا ما جاء فإنّي قائل بشعره فأشمّه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه. وقال مرّة: ثمّ أشمّكم. فنزل إليهم متوشّحا وهو ينفخ منه ريح الطّيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحا- أي أطيب- وقال غير عمرو: قال عندي أعطر نساء العرب، وأكمل العرب. قال عمرو فقال: أتأذن لي أن أشمّ رأسك؟ قال: نعم. فشمّه، ثمّ أشمّ أصحابه. ثمّ قال: أتأذن لي؟، قال: نعم. فلمّا استمكن منه، قال: دونكم. فقتلوه. ثمّ أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبروه) * «1» . الأحاديث الواردة في (الرجولة) معنى 13- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة عينا «2» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «3» . فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدّثه الحديث. قال: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتكلّم. فقال: «إنّ لنا طلبة «4» فمن كان ظهره «5» حاضرا فليركب معنا» فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم «6» في علو المدينة. فقال: «لا. إلّا من كان ظهره حاضرا» فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه «7» » . فدنا المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» . قال: يقول عمير ابن الحمام الأنصاريّ: يا رسول الله جنّة عرضها السّماوات والأرض؟. قال: «نعم» . قال: بخ بخ «8» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ» ؟ قال: لا. والله يا رسول الله إلّا رجاءة «9» أن أكون من أهلها. قال: «فإنّك من أهلها» . فأخرج تمرات من قرنه «10» . فجعل يأكل منهنّ. ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة. قال فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى قتل) * «11» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «12» . على رأس جبل وعر. لا   (1) البخاري- الفتح (4037) . (2) عينا: أي متجسسا ورقيبا. (3) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره. (4) طلبة: أي شيئا نطلبه. (5) ظهره: الظهر: الدواب التي تركب. (6) ظهرانهم: أي مركوباتهم. (7) حتى أكون أنا دونه: أي قدامه متقدما في ذلك الشيء. (8) بخ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير. (9) إلا رجاءة: أي والله ما فعلته لشيء إلا رجاء أن أكون من أهلها. (10) قرنه: أي جعبة النشاب. (11) مسلم (1901) . (12) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2055 سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «1» . إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره «2» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «3» . إن أنطق أطلّق. وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «4» لا حرّ ولا قرّ. ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «5» وإن خرج أسد. ولا يسأل عمّا عهد ... الحديث) * «6» . 15- * (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه- قال: حدّثني أبي، أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ. فذكر في الحديث قصّة فقال: «ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان «7» عندكم ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك، إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا. ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا. فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «8» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ «9» خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل. فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «10» . 17- * (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في مغزى له فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: «هل تفقدون من أحد» . قالوا: نعم، فلانا وفلانا وفلانا. ثمّ قال: «هل تفقدون من أحد؟» . قالوا: نعم، فلانا وفلانا وفلانا. ثمّ قال: «هل تفقدون من أحد؟» . قالوا: لا. قال: «لكنّي أفقد جليبيبا فاطلبوه» . فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثمّ قتلوه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوقف   (1) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (2) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. (3) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل، ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع. (4) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ، ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة. (5) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح، فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي، وشبهته بالفهد لكثرة نومه، يقال أنوم من فهد، وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد، أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه، وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة، ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد، يقال: أسد واستأسد. (6) البخاري- الفتح 9 (5189) ، ومسلم (2448) واللفظ له. (7) فإنما هن عوان: أي أسرى أو كالأسرى، المفرد: عانية وهي الأسيرة، قال ابن سيده: العواني النساء لأنهن يظلمن فلا ينتصرن. (8) الترمذي (1163) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحديث أصله في مسلم من حديث جابر- رضي الله عنه- (1218) . (9) المؤمن القوي خير: المراد بالقوة هنا، عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والصبر على الأذى في ذلك وأرغب في الصلاة والصوم وسائر العبادات ونحو ذلك. (10) مسلم (2664) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2056 عليه، فقال: «قتل سبعة ثمّ قتلوه. هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه» . قال: فوضعه على ساعديه ليس له إلّا ساعدا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: فحفر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلا) * «1» . 18- * (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- أنّهم ساروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين فأطنبوا السّير، حتّى كانت عشيّة، فحضرت الصّلاة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله، إنّي انطلقت بين أيديكم حتّى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله» . ثمّ قال: «من يحرسنا اللّيلة؟» قال أنس بن أبي مرثد الغنويّ: أنا يا رسول الله قال: «فاركب» . فركب فرسا له، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال (له) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقبل هذا الشّعب حتّى تكون في أعلاه، ولا نغرّنّ من قبلك اللّيلة» . فلمّا أصبحنا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مصلّاه فركع ركعتين ثمّ قال: «هل أحسستم فارسكم؟» . قالوا: يا رسول الله، ما أحسسناه، فثوّب بالصّلاة، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي وهو يلتفت إلى الشّعب حتّى إذا قضى صلاته وسلّم، قال: «أبشروا فقد جاءكم فارسكم» . فجعلنا ننظر إلى خلال الشّجر في الشّعب، فإذا هو قد جاء، حتّى وقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم، فقال: إنّي انطلقت حتّى كنت في أعلى هذا الشّعب حيث أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أصبحت اطّلعت الشّعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل نزلت اللّيلة؟» . قال: لا. إلّا مصلّيا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أوجبت، فلا عليك أن لا تعمل بعدها» ) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرجولة) 19- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّما سعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبيت وبين الصّفا والمروة، ليري المشركين قوّته) * «3» . 20- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أنّه بينما هو يسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقفله «4» من حنين، فعلقت النّاس يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) * «5» .   (1) أبو داود (2501) ، وصححه الألباني (2183) ، وراجع أحمد في المسند (4/ 421، 425) . (2) أبو داود (2501) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (2/ 83- 84) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 149) وابن خزيمة (487) . (3) البخاري- الفتح 3 (1649) . (4) مقفله: يعني زمان رجوعه. (5) البخاري- الفتح 6 (2821) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2057 21- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب وقد وارى التّراب بياض بطنه وهو يقول: «لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدّقنا ولا صلّينا، فأنزل السّكينة علينا، وثبّت الأقدام إن لاقينا، إنّ الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا» ) * «1» . 22- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وأشجع النّاس، وأجود النّاس. ولقد فزع أهل المدينة، فكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبقهم على فرس، وقال: «وجدناه «2» بحرا» ) * «3» . 23- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدور على نسائه في السّاعة الواحدة من اللّيل والنّهار وهنّ إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟. قال: كنّا نتحدّث أنّه أعطي قوّة ثلاثين) * «4» . 24- * (سأل رجل البراء- رضي الله عنه- قال: يا أبا عمارة، أولّيتم يوم حنين؟. قال البراء- وأنا أسمع «5» -: أمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يولّ يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلمّا غشيه المشركون نزل فجعل يقول: «أنا النّبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلّب» . قال: فما رئي من النّاس يومئذ أشدّ منه) * «6» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة رهط سريّة عينا، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاريّ جدّ عاصم بن عمر ابن الخطّاب، فانطلقوا حتّى إذا كانوا بالهدأة، وهو بين عسفان ومكّة، ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل، كلّهم رام، فاقتصّوا آثارهم حتّى وجدوا مأكلهم تمرا تزوّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصّوا آثارهم. فلمّا رآهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت أمير السّريّة: أمّا أنا فو الله لا أنزل اليوم في ذمّة كافر. اللهمّ أخبر عنّا نبيّك، فرموهم بالنّبل فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق. منهم خبيب الأنصاريّ وابن دثنة ورجل آخر. فلمّا استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فأوثقوهم. فقال الرّجل الثّالث: هذا أوّل الغدر، والله لا أصحبكم، إنّ لي في هؤلاء لأسوة- يريد القتلى- وجرّروه وعالجوه، على أن يصحبهم فأبى فقتلوه، فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتّى باعوهما بمكة بعد وقيعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل ابن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني عبيد الله ابن عياض أنّ بنت الحارث أخبرته أنّهم حين اجتمعوا   (1) البخاري- الفتح 6 (2837) واللفظ له، ومسلم (1803) . (2) وجدناه بحرا: أي وجدنا الفرس واسع الجري. (3) البخاري- الفتح 6 (2820) واللفظ له، ومسلم (2307) . (4) البخاري- الفتح 1/ 268) . (5) القائل هو راوي الحديث عن البراء. (6) البخاري- الفتح 6 (3042) واللفظ له، ومسلم (1776) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2058 استعار منها موسى يستحدّ بها «1» ، فأعارته، فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حتّى أتاه، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي. فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. والله ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنّه لموثق في الحديد، وما بمكّة من ثمر. وكانت تقول: إنّه لرزق من الله رزقه خبيبا. فلمّا خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحلّ، قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، ثمّ قال: لولا أن تظّنّوا أنّ ما بي جزع لطوّلتها. اللهمّ أحصهم عددا. ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ شقّ كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو سنّ الرّكعتين لكلّ امرئ مسلم قتل صبرا. فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه خبرهم وما أصيبوا، وبعث ناس من كفّار قريش إلى عاصم حين حدّثوا أنّه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبعث على عاصم مثل الظّلّة من الدّبر «2» ، فحمته من رسولهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا) * «3» . 26- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي رافع، عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن عتبة في ناس معهم، فانطلقوا حتّى دنوا من الحصن، فقال لهم عبد الله بن عتيك: امكثوا أنتم حتّى أنطلق أنا فأنظر. قال: فتلطّفت أن أدخل الحصن، ففقدوا حمارا لهم، قال: فخرجوا بقبس يطلبونه، قال: فخشيت أن أعرف، قال فغطّيت رأسي ورجليّ كأنّي أقضي حاجة. ثمّ نادى صاحب الباب: من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه. فدخلت، ثمّ اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن، فتعشّوا عند أبي رافع وتحدّثوا حتّى ذهبت ساعة من اللّيل، ثمّ رجعوا إلى بيوتهم. فلمّا هدأت الأصوات ولا أسمع حركة خرجت، قال: ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوّة، فأخذته ففتحت به باب الحصن، قال: قلت: إن نذر بي القوم انطلقت على مهل، ثمّ عمدت إلى أبواب بيوتهم فغلّقتها عليهم من ظاهر، ثمّ صعدت إلى أبي رافع في سلّم، فإذا البيت مظلم قد طفأ سراجه فلم أدر أين الرّجل. فقلت: يا أبا رافع. قال: من هذا؟ قال فعمدت نحو الصّوت فأضربه، وصاح، فلم تغن شيئا. قال: ثمّ جئت كأنّي أغيثه فقلت: مالك يا أبا رافع؟ وغيّرت صوتي. فقال: ألا أعجبك، لأمّك الويل، دخل عليّ رجل فضربني بالسّيف. قال فعمدت له أيضا فأضربه أخرى، فلم تغن شيئا،   (1) موسى يستحدبها: الموس آلة الحلاقة، يستحدبها أي يحلق بها. (2) الظلة من الدّبر: الظلة: ما يستظل به من الشمس كالسحاب ونحوه، والدبر- بفتح الدال المشددة وسكون الباء- النحل والزنابير ولا مفرد له. (3) البخاري- الفتح 6 (3045) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2059 فصاح، وقام أهله. قال: ثمّ جئت وغيّرت صوتي كهيئة المغيث، فإذا هو مستلق على ظهره، فأضع السّيف في بطنه، ثمّ أنكفأ عليه حتّى سمعت صوت العظم، ثمّ خرجت دهشا، حتّى أتيت السّلّم أريد أن أنزل فأسقط منه، فانخلعت رجلي فعصبتها، ثمّ أتيت أصحابي أحجل، فقلت: انطلقوا فبشّروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّي لا أبرح حتّى أسمع النّاعية. فلمّا كان في وجه الصّبح صعد النّاعية، فقال: أنعي أبا رافع. قال فقمت أمشي ما بي قلبة «1» ، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبشّرته) * «2» . من الآثار الواردة في (الرجولة) 1- * (عن ابن عيينة وحمّاد بن زيد: لا تتمّ الرّئاسة للرّجال إلّا بأربع. علم جامع وورع تامّ، وحلم كامل وحسن التّدبير، فإن لم تكن هذه الأربع فمائدة منصوبة وكفّ مبسوطة، وبذل مبذول وحسن المعاشرة مع النّاس، فإن لم تكن هذه الأربع فبضرب السّيف وطعن الرّمح وشجاعة القلب وتدبير العساكر، فإن لم يكن فيه من هذه الخصال شيء فلا ينبغي له أن يطلب الرّئاسة) * «3» . من فوائد (الرجولة) (1) نشر الفضيلة ودحض الرّذيلة. (2) صيانة الأعراض وحفظ الأموال. (3) تثمر الثّبات على الحقّ. (4) تورث الحبّ وتثمر الصّدق. (5) تمنح ثقة الآخرين واطمئنانهم له. (6) ترهب المفسدين والمرجفين. (7) تبثّ الأمان من الغدر.   (1) قلبة: أي إصابة. (2) البخاري الفتح 7 (4040) . (3) شعب الإيمان للبيهقى (6/ 76) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2060 المجلد السادس [تابع حرف الراء] الرحمة الرحمة لغة: تدور مادّة (ر ح م) حول معنى الرّقّة والعطف والرّأفة، يقول ابن فارس: الرّاء والحاء والميم أصل واحد يدلّ على الرّقّة والعطف والرّأفة. يقال من ذلك رحمه يرحمه إذا رقّ له وتعطّف عليه، والرّحم والمرحمة والرّحمة بمعنى «1» . ويقول الجوهريّ: الرّحمة: الرّقّة والتّعطّف. والمرحمة مثله، وقد رحمته وترحّمت عليه، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضا ... ورجل مرحوم ومرحّم، شدّد للمبالغة، والرّحم بالضّمّة: الرّحمة. قال تعالى وَأَقْرَبَ رُحْماً (الكهف/ 81) . والرّحمة المغفرة، وقوله تعالى في وصف القرآن هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف/ 52) أي فصّلناه هاديا وذا رحمة. رحمه رحما ورحما ورحمة ورحمة (حكى الأخيرة سيبويه) ومرحمة، وقال الله- عزّ وجلّ-: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (البلد/ 17) أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الضّعيف والتّعطّف عليه، وترحّمت عليه أي قلت: رحمة الله عليه «2» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 199/ 57/ 8 وتطلق الرّحمة ويراد الرّزق، فقد نقل ابن منظور عن الأزهريّ قوله: قال عكرمة في قوله تعالى: ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها (الإسراء/ 28) أي رزق. وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ «3» أي رزقا وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ (يونس/ 21) أي حيا وخصبا بعد مجاعة، وأراد بالنّاس الكافرين. وترحّم عليه: دعا له بالرّحمة. واسترحمه: سأله الرّحمة. وسمّى الله الغيث رحمة لأنّه برحمته ينزل من السّماء، والرّحموت من الرّحمة، يقال: لأن ترهب خير من أن ترحم، لم يستعمل على هذه الصّيغة إلّا مزوّجا «4» . وأمّ الرّحم مكّة، والمرحومة: من أسماء مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «5» . والرّحم علاقة القرابة، ثمّ سمّيت رحم الأنثى رحما من هذا؛ لأنّ منها ما يكون ما يرحم ويرقّ له من ولد «6» . واصطلاحا: قال الجرجانيّ: هي إرادة إيصال الخير «7» .   (1) المقاييس لابن فارس (2/ 498) . (2) الصحاح للجوهرى (5/ 1929) رحم. (3) هود/ 9 مكية. (4) لسان العرب (12/ 230) ط. بيروت. (5) القاموس المحيط (4/ 118) رحم. (6) المقاييس (2/ 498) . (7) التعريفات (110) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2061 وقال الجاحظ: الرّحمة خلق مركّب من الودّ والجزع، والرّحمة لا تكون إلّا لمن تظهر منه لراحمه خلّة مكروهة، فالرّحمة هي محبّة للمرحوم مع جزع من الحال الّتي من أجلها رحم. وقال الكفويّ: الرّحمة حالة وجدانيّة تعرض غالبا لمن به رقّة القلب وتكون مبدأ للانعطاف النّفسانيّ الّذي هو مبدأ الإحسان «1» . معنى الرحمن الرحيم: قال ابن الأثير- رحمه الله تعالى-: في أسماء الله تعالى «الرّحمن الرّحيم» وهما اسمان مشتقّان من الرّحمة، مثل ندمان ونديم. وهما من أبنية المبالغة ورحمن أبلغ من رحيم. والرّحمن خاصّ بالله لا يسمّى به غيره، ولا يوصف. والرّحيم يوصف به غير الله تعالى، فيقال: رجل رحيم، ولا يقال رحمن. والرّحمة من صفات الذّات لله تعالى والرّحمن وصف، وصف الله تعالى به نفسه وهو متضمّن لمعنى الرّحمة «2» . وقال الخطّابيّ: ذهب الجمهور إلى أنّ «الرّحمن» مأخوذ من الرّحمة. ومعناه ذو الرّحمة لا نظير له فيها. ثمّ قال: فالرّحمن ذو الرّحمة الشّاملة للخلق، والرّحيم خاصّ بالمؤمنين «3» . قال الله تعالى: وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (الأحزاب/ 43) . وقال الغزاليّ: الرّحمن الرّحيم اسمان مشتقّان من الرّحمة. والرّحمة تستدعي مرحوما، ولا مرحوم إلّا وهو محتاج. والّذي ينقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج لا يسمّى رحيما، والّذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها، فإن كان قادرا على قضائها لم يسمّ رحيما، إذ لو تمّت الإرادة لوفّى بها، وإن كان عاجزا فقد يسمّى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرّقّة، ولكنّه ناقص. وإنّما الرّحمة التّامّة إفاضة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم، والرّحمة العامّة هي الّتي تتناول المستحقّ وغير المستحقّ، ورحمة الله، عزّ وجلّ، تامّة وعامّة، أمّا تمامها: فمن حيث أنّه أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها. وأمّا عمومها: فمن حيث شمولها المستحقّ وغير المستحقّ، وعمّ الدّنيا والآخرة، وتناول الضّرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما. فهو الرّحيم المطلق حقّا. وقال- رحمه الله تعالى-: والرّحمة لا تخلو عن رقّة مؤلمة تعتري الرّحيم، فتحرّكه إلى قضاء حاجة المرحوم. والرّبّ، سبحانه وتعالى، منزّه عنها. فلعلّك تظنّ أنّ ذلك نقصان في معنى الرّحمة، فاعلم أنّ ذلك كمال وليس بنقصان في معنى الرّحمة. أمّا أنّه ليس بنقصان فمن حيث إنّ كمال الرّحمة بكمال ثمرتها. ومهما قضيت حاجة المحتاج بكمالها لم يكن للمرحوم حظّ في تألّم الرّاحم وتفجّعه، وإنّما تألّم الرّاحم لضعف نفسه ونقصانها. ولا يزيد ضعفها في غرض المحتاج شيئا، بعد أن قضيت حاجته. وأمّا أنّه كمال في معنى الرّحمة، فهو أنّ الرّحيم عن رقّة وتألّم يكاد يقصد بفعله دفع ألم الرّقّة عن نفسه،   (1) تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 24) ، والكليات للكفوي (2/ 376) . (2) النهاية لابن الأثير (2/ 210) . (3) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (3/ 35، 54) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2062 فيكون قد نظر لنفسه وسعى في غرض نفسه، وذلك ينقص عن كمال معنى الرّحمة. بل كمال الرّحمة أن يكون نظره إلى المرحوم لأجل المرحوم، لا لأجل الاستراحة من ألم الرّقّة. أمّا الرّحمن فهو أخصّ من الرّحيم، ولذلك لا يسمّى به غير الله، عزّ وجلّ. والرّحيم قد يطلق على غيره، ولذلك جمع الله، عزّ وجلّ، بينهما، فقال: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (الإسراء/ 110) . فيلزم من هذا الوجه أن يفرّق بين معنى الاسمين فمن ثمّ يكون المفهوم من الرّحمن نوعا من الرّحمة هي أبعد من مقدورات العباد، وهي ما يتعلّق بالسّعادة الأخرويّة. فالرّحمن هو العطوف على العباد، بالإيجاد أوّلا، وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السّعادة ثانيا، وبالإسعاد في الآخرة ثالثا، والإنعام بالنّظر إلى وجهه الكريم رابعا. وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: الرّحمة سبب واصل بين الله- عزّ وجلّ- وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبوديّة، وبينه وبينهم سبب الرّحمة «1» . من معاني كلمة «الرحمة» في القرآن الكريم: وقد وردت الرّحمة في القرآن على أوجه منها: 1- بمعنى أرزاق الإنسان والحيوان: لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي (الإسراء/ 100) . 2- بمعنى قطرات ماء الغيث (المطر) : وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (الشورى/ 28) . 3- بمعنى العافية من الابتلاء والامتحان: أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ (الزمر/ 38) . 4- بمعنى النّجاة من عذاب النّيران: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ* (النور/ 10، 14، 20، 21) . 5- بمعنى النّصرة على أهل العدوان: أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً (الأحزاب/ 17) . 6- بمعنى الألفة والمحبّة بين أهل الإيمان: وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً (الحديد/ 27) . 7- بمعنى (وصف) الكتاب المنزّل على موسى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً (هود/ 17) . 8- بمعنى الجنّة دار السّلام والأمان: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف/ 56) . 9- بمعنى صفة الرّحيم الرّحمن: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (الأنعام/ 54) «2» . الرحمة تقتضي الحزم لا الإهمال: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إنّ الرّحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه وشقّت عليها. فهذه هي الرّحمة الحقيقيّة. فأرحم النّاس من شقّ عليك في إيصال مصالحك ودفع المضارّ عنك. فمن رحمة الأب بولده: أن يكرهه على التّأدّب بالعلم والعمل، ويشقّ عليه في   (1) التفسير القيم ص 35. (2) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 55- 58) . باختصار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2063 ذلك بالضّرب وغيره، ويمنعه شهواته الّتي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلّة رحمته به، وإن ظنّ أنّه يرحمه ويرفّهه ويريحه. فهذه رحمة مقرونة بجهل ولهذا كان من تمام رحمة أرحم الرّاحمين تسليط أنواع البلاء على العبد، فابتلاؤه له وامتحانه ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته: من رحمته به. الابتلاء من صور رحمة الله بعباده: قال ابن القيّم: ومن رحمته سبحانه: ابتلاء الخلق بالأوامر والنّواهي رحمة لهم وحميّة لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به. ومن رحمته: أن نغّص عليهم الدّنيا وكدّرها؛ لئلّا يسكنوا إليها ولا يطمئنّوا إليها ويرغبوا عن النّعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياط الابتلاء والامتحان فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم. ومن رحمته بهم: أن حذّرهم نفسه؛ لئلّا يغترّوا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به. ومن رحمته أن أنزل لهم كتبا، وأرسل لهم الرّسل لكنّ النّاس افترقوا إلى فريقين؛ فأمّا المؤمنون: فقد اتّصل الهدى في حقّهم بالرّحمة فصار القرآن لهم هدى ورحمة. وأمّا الكافرون: فلم يتّصل الهدى بالرّحمة فصار لهم القرآن هدى بلا رحمة. وهذه الرّحمة المقارنة للهدى في حقّ المؤمنين رحمة عاجلة وآجلة، فأمّا العاجلة فما يعطيهم الله في الدّنيا من محبّة الخير والبرّ وذوق طعم الإيمان ووجدان حلاوته، والفرح والسّرور والأمن والعافية. قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس/ 58) فأمرهم- عزّ وجلّ- بأن يفرحوا بفضله ورحمته، فهم يتقلّبون في نور هداه ويمشون به في النّاس ويرون غيرهم متحيّرا في الظّلمات، فهم أشدّ الناس فرحا بما آتاهم ربّهم من الهدى والرّحمة. وغيرهم جمع الهمّ والغمّ والبلاء والألم والقلق والاضطراب مع الضّلال والحيرة. وهذه الرّحمة الّتي تحصل للمهتدين تكون بحسب هداهم، فكلّما كان نصيب الواحد من الهدى أتمّ كان حظّه من الرّحمة أوفر، فتجد الصّحابة كانوا أرحم الأمّة كما قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح/ 29) . والصّدّيق أرحم الأمّة بالأمّة، فقد جمع الله له بين سعة العلم وسعة الرّحمة. وهكذا الرّجل كلّما اتّسع علمه اتّسعت رحمته. وقد وسع ربّنا كلّ شيء رحمة وعلما فوسعت رحمته كلّ شيء، وأحاط بكلّ شيء علما، فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، بل هو أرحم بالعبد من نفسه، كما هو أعلم بمصلحة العبد من نفسه «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الرأفة- الرفق- الحنان- الشفقة- العطف- المحبة- التيسير- تفريج الكربات- حسن العشرة- حسن المعاملة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: القسوة- العنف- سوء المعاملة- العتو- التعسير- الجفاء- الطغيان] .   (1) بتصرف شديد من إغاثة اللهفان (2/ 172- 175) . انظر حكمة الابتلاء بالضراء في المجلد الأول ص 12. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2064 الآيات الواردة في «الرحمة» من رحمة الله قبول التوبة والعفو عن العاصين والمضطرين: 1- فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) «1» 2- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) «2» 3- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) «4» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «5» 6- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) «6» 7- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) «7» 8- لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «8»   (1) البقرة: 37 مدنية (2) البقرة: 54 مدنية (3) البقرة: 63- 64 مدنية (4) البقرة: 159- 160 مدنية (5) البقرة: 172- 173 مدنية (6) البقرة: 182 مدنية (7) البقرة: 190- 192 مدنية (8) البقرة: 226- 227 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2065 9- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «1» 10- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) «2» 11- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) «3» 12- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «4» 13- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ   (1) آل عمران: 86- 89 مدنية (2) النساء: 15- 16 مدنية (3) النساء: 23 مدنية (4) المائدة: 3 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2066 وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) «1» 14- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «2» 15- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) «3» 16- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «4» 17- وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) «5» 18- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) «6» 19- فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) «7» 20- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26)   (1) المائدة: 33- 34 مدنية (2) المائدة: 38- 39 مدنية (3) المائدة: 73- 74 مدنية (4) الأنعام: 54 مكية (5) الأنعام: 133 مكية (6) الأنعام: 145 مكية (7) الأنعام: 147 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2067 ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) «1» 21- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «2» 22- وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «3» 23- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) «4» 24- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «5» 25- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) «6» 26- وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) «7» 27- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «8»   (1) التوبة: 25- 27 مدنية (2) التوبة: 91 مدنية (3) التوبة: 102- 104 مدنية (4) التوبة: 117- 118 مدنية (5) النحل: 110 مكية (6) النحل: 115 مكية (7) الكهف: 58 مكية (8) النور: 4- 5 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2068 28- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «1» 29- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) «2» 30- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «3» 31- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «4» 32- وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) «5» 33- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) «6» 34- ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) «7» 35- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)   (1) النور: 10 مدنية (2) النور: 14 مدنية (3) النور: 20- 22 مدنية (4) النور: 33 مدنية (5) النمل: 10- 11 مكية (6) العنكبوت: 20- 21 مكية (7) الأحزاب: 5 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2069 لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «1» 36- لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «2» 37- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) «3» 38- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «4» 39- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (14) «5» 40- إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «6» 41- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «7» 42- قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «8» 43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «9» 44- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «10»   (1) الأحزاب: 23- 24 مدنية (2) الأحزاب: 73 مدنية (3) سبأ: 1- 2 مكية (4) الأحقاف: 8 مكية (5) الفتح: 14 مدنية (6) الحجرات: 4- 5 مدنية (7) الحجرات: 12 مدنية (8) الحجرات: 14 مدنية (9) المجادلة: 12 مدنية (10) التغابن: 14 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2070 45- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) «1» التشريع من رحمة الله بعباده: 46- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «2» 47- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) «3» 48- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) «4» 49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «5» 50- فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) «6» 51- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) «7» 52- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) «8»   (1) التحريم: 1 مدنية (2) البقرة: 143 مدنية (3) البقرة: 178 مدنية (4) آل عمران: 31 مدنية (5) النساء: 29 مدنية (6) الأنفال: 69- 70 مدنية (7) النور: 56 مدنية (8) الأحزاب: 50 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2071 53- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «1» 54- هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «2» 55- ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) «3» إرسال الرسل وإنزال الكتاب رحمة من الله بعباده: 56- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) «4» 57- يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) «5» 58- وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «6» 59- وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) «7» 60- أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) «8»   (1) الأحزاب: 59 مدنية (2) الجاثية: 20 مكية (3) الحديد: 27- 28 مدنية (4) البقرة: 105 مدنية (5) آل عمران: 74 مدنية (6) الأنعام: 153- 157 (153 مدنية، 154- 157 مكية) (7) الأعراف: 52 مكية (8) الأعراف: 63 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2072 61- وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) «1» 62- وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61) «2» 63- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) «3» 64- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) «4» 65- قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) «5» 66- قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) «6» 67- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «7» 68- وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) «8» 69- وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) «9»   (1) الأعراف: 203- 204 مكية (2) التوبة: 61 مدنية (3) يونس: 57- 58 مكية (4) هود: 17 مكية (5) هود: 28 مكية (6) هود: 62- 63 مكية (7) يوسف: 111 مكية (8) النحل: 64 مكية (9) النحل: 89 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2073 70- وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (82) «1» 71- فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) «2» 72- فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) «3» 73- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) «4» 74- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112) «5» 75- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) «6» 76- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) «7»   (1) الإسراء: 82 مكية (2) مريم: 17- 21 مكية (3) مريم: 49- 50 مكية (4) مريم: 51- 53 مكية (5) الأنبياء: 107- 112 مكية (6) الفرقان: 4- 6 مكية (7) النمل: 76- 77 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2074 77- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) «1» 78- وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) «2» 79- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (86) «3» 80- أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) «4» 81- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) «5» 82- وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) «6» 83- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) «7» 84- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «8» 85- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9) «9»   (1) القصص: 43 مكية (2) القصص: 46 مكية (3) القصص: 85- 86 مكية (4) العنكبوت: 51 مكية (5) لقمان: 1- 3 مكية (6) الزخرف: 31- 32 مكية (7) الدخان: 1- 6 مكية (8) الأحقاف: 11- 12 مكية (9) الحديد: 9 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2075 رحمة الله ثواب المؤمنين والصابرين: 86- الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «1» 87- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107) «2» 88- وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) «3» 89- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) «4» 90- * وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) «5» 91- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152) «6» 92- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «7» 93- قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) «8» 94- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «9»   (1) البقرة: 156- 157 مدنية (2) آل عمران: 106- 107 مدنية (3) آل عمران: 157 مدنية (4) النساء: 95- 96 مدنية (5) النساء: 100 مدنية (6) النساء: 152 مدنية (7) النساء: 174- 175 مدنية (8) الأنعام: 15- 16 مكية (9) الأعراف: 55- 56 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2076 95- فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) «1» 96- الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) «2» 97- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «3» 98- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) «4» 99- * وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) «5» 100- قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «6» 101- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) «7» 102- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ   (1) الأعراف: 72 مكية (2) التوبة: 20- 21 مدنية (3) التوبة: 71 مدنية (4) التوبة: 99 مدنية (5) هود: 41- 43 مكية (6) هود: 73- 75 مكية (7) هود: 94 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2077 رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) «1» 103- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) «2» 104- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) «3» 105- الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) «4» 106- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) «5» 107- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) «6» رحمة الله شاملة للمؤمنين وغيرهم في الدنيا وخاصة بالمؤمنين في الآخرة: 108- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) «7» 109- وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (162) «8» 110- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) «9» 111- اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) «10»   (1) الكهف: 80- 82 مكية (2) مريم: 1- 3 مكية (3) الأنبياء: 74- 75 مكية (4) الروم: 1- 5 مكية (5) ص: 41- 43 مكية (6) الجاثية: 30 مكية (7) الفاتحة: 1- 3 مكية (8) البقرة: 163 مدنية (9) آل عمران: 129 مدنية (10) المائدة: 98 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2078 112- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) «1» 113- وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) «2» 114- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) «3» 115- وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) «4» 116- وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) «5» 117- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) «6» 118- رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) «7» 119- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) «8» 120- وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) «9» 121- وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* (9) «10» 122- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «11»   (1) الأنعام: 165 مكية (2) الأعراف: 167 مكية (3) يونس: 107 مكية (4) النحل: 5- 7 مكية (5) النحل: 18 مكية (6) الإسراء: 54 مكية (7) الإسراء: 66 مكية (8) الحج: 65 مكية (9) الفرقان: 48- 49 مكية (10) الشعراء: 9 مكية، وانظر الآيات: 68، 104، 122، 140، 159، 175، 191. (11) النمل: 63 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2079 123- وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) «1» 124- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) «2» 125- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) «3» 126- فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) «4» 127- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) «5» 128- ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) «6» 129- وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (44) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) «7» 130- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «8» 131- وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) «9»   (1) القصص: 73 مكية (2) الروم: 21 مكية (3) الروم: 46 مكية (4) الروم: 50 مكية (5) السجدة: 4- 6 مكية (6) فاطر: 2 مكية (7) يس: 43. 45 مكية (8) غافر: 7- 9 مكية (9) الشورى: 28 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2080 132- يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) «1» 133- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) «2» 134- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) «3» 135- وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31) «4» وجوب دأب المؤمنين في طلب الرحمة: 136- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) «5» 137- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) «6» 138- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «7» 139- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «8»   (1) الدخان: 41- 42 مكية (2) الفتح: 25 مدنية (3) الملك: 28- 29 مكية (4) الإنسان: 30- 31 مدنية (5) البقرة: 127- 128 مدنية (6) البقرة: 198- 199 مدنية (7) البقرة: 218 مدنية (8) البقرة: 286 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2081 140- رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) «1» 141- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «2» 142- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) «3» 143- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110) «4» 144- وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) «5» 145- قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (22) «6» 146- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) «7» 147- قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155)   (1) آل عمران: 8 مدنية (2) النساء: 64 مدنية (3) النساء: 105- 106 مدنية (4) النساء: 110 مدنية (5) النساء: 129 مدنية (6) الأعراف: 23 مكية (7) الأعراف: 148- 149 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2082 * وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «1» 148- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «2» 149- قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) «3» 150- وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) «4» 151- قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) «5» 152- قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «6» 153- قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (97) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) «7» 154- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) «8» 155- * نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ   (1) الأعراف: 151- 156 مكية (2) يونس: 84- 86 مكية (3) هود: 47- 48 مكية (4) هود: 90- 91 مكية (5) يوسف: 64 مكية (6) يوسف: 92 مكية (7) يوسف: 97- 98 مكية (8) إبراهيم: 35- 36 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2083 بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) «1» 156- إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) «2» 157- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «3» 158- وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) «4» 159- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «5» 160- أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) «6» 161- وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) «7» 162- * وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) «8» 163- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) «9»   (1) الحجر: 49- 56 مكية (2) الإسراء: 7- 8 مكية (3) الإسراء: 23- 24 مكية (4) الإسراء: 28 مكية (5) الإسراء: 56- 57 مكية (6) الكهف: 9- 10 مكية (7) الكهف: 16 مكية (8) الأنبياء: 83- 86 مكية (9) المؤمنون: 109 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2084 164- وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «1» 165- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) «2» 166- وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) «3» 167- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «4» 168- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) «5» 169- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «6» 170- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «7» 171- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) «8»   (1) المؤمنون: 117- 118 مكية (2) النور: 62 مدنية (3) الشعراء: 215- 217 مكية (4) النمل: 17- 19 مكية (5) النمل: 45- 46 مكية (6) القصص: 15- 16 مكية (7) الزمر: 9 مكية (8) الزمر: 38 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2085 172- * قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) «1» 173- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) «2» 174- وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) «3» 175- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «4» 176- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «5» الرحمة صفة النبيين والصالحين وأفعالهم رحمة: 177- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «6» 178- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «7» 179- قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) «8»   (1) الزمر: 53 مكية (2) الحجرات: 10 مدنية (3) الطور: 25- 28 مكية (4) الحشر: 10 مدنية (5) المزمل: 20 مدنية (6) آل عمران: 159 مدنية (7) التوبة: 128- 129 مدنية (8) الكهف: 64- 65 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2086 180- قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) «1» 181- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «2» العصمة من الضلال من رحمة الله للمؤمنين: 182- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) «3» 183- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) «4» 184- * وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) «5»   (1) الكهف: 94- 98 مكية (2) الفتح: 29 مدنية (3) النساء: 113 مدنية (4) هود: 118- 119 مكية (5) يوسف: 53- 56 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2087 185- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (87) «1» 186- قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) «2» 187- هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) «3» 188- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) «4» من رحمة الله جمع الخلق للحساب: 189- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) «5» رحمة الله بالكافرين ابتلاء لهم: 190- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (21) «6» 191- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) «7» 192- أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) «8» 193- * وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) «9» 194- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) «10» 195- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49)   (1) الإسراء: 85- 87 مكية (2) الأحزاب: 17 مدنية (3) الأحزاب: 43 مدنية (4) الشورى: 8 مكية (5) الأنعام: 12 مكية (6) يونس: 21 مكية (7) هود: 9 مكية (8) النحل: 45- 47 مكية (9) المؤمنون: 75 مكية (10) الروم: 33 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2088 وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) «1» 196- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «2» بخل العباد بما لا يملكون: 197- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) «3» 198- أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) «4» وجوب شيوع الرحمة بين المؤمنين: 199- أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) «5»   (1) فصّلت: 49- 50 مكية (2) الشورى: 47- 48 مكية (3) الإسراء: 100 مكية (4) ص: 8- 9 مكية (5) البلد: 8- 17 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2089 الأحاديث الواردة في (الرحمة) 1- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن عليّ على فخذه الآخر، ثمّ يضمّهما، ثمّ يقول: «اللهمّ ارحمهما فإنّي أرحمهما» ) * «1» . 2- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) » . قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «2» . 3- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيّا في السّبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» . قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر. فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة» ) * «4» . 5- * (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «5» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم، ومروهم، وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم» ) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه- أو صاحبه- يرحمك الله، فإذا قال يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم» ) * «7» . 7- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله   (1) البخاري- الفتح 10 (6003) . (2) مسلم (963) . وتاميتئي (1/ 52) . (3) البخاري- الفتح 10 (5999) واللفظ له، ومسلم (2754) . (4) البخاري- الفتح 11 (6361) ، ومسلم (2601) واللفظ له. (5) شببة: جمع شاب، مثل بررة جمع بار. (6) البخاري- الفتح 10 (6008) واللفظ له، ومسلم (674) . (7) البخاري- الفتح 10 (6224) ، ومسلم (2992) مثله من حديث أبي موسى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2090 عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمّي لنا نفسه أسماء. فقال: «أنا محمّد، وأحمد، والمقفّي، والحاشر، ونبيّ التّوبة، ونبيّ الرّحمة» ) * «1» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي» ) * «2» . 9- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «3» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «4» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «5» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك. وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «6» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، والشّنظير «7» الفحّاش) * «8» . 10- * (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق يوم خلق السّماوات والأرض مائة رحمة، كلّ رحمة طباق ما بين السّماء والأرض. فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطّير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرّحمة» ) * «9» .   (1) مسلم (2355) . والمقفّي. المتّبع للأنبياء. والحاشر: أي الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره. (2) البخاري- الفتح 13 (7404) ، ومسلم (2751) واللفظ له. (3) فاجتالتهم: كذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين. أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذبه به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها. (4) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان. (5) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (6) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي، وقيل: هو الذي لا مال له، وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (7) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق. (8) مسلم (2865) . (9) مسلم (2753) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2091 11- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى عليه السّلام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟. فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ... الحديث. وفي آخره قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى، لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما» ) * «1» . 12- * (عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذه الأمّة مرحومة جعل الله عذابها بينها فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كلّ امرئ منهم رجل من أهل الأديان، فقال: هذا يكون فداءك من النّار» ) * «2» . 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلنا: بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «3» رويدا. فجعلت درعي في رأسي «4» ، واختمرت وتقنّعت إزاري «5» . ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «6» . فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش حشيا رابية «7» » . قالت: قلت: لا شيء. قال: «لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» . قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي، فأخبرته. قال: «فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» . قلت: نعم.، فلهدني «8» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» . قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. ثمّ قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك «9» ، فأجبته، فأخفيته منك. أو لم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي. فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» . قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله. قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم   (1) البخاري- الفتح 6 (3401) ، ومسلم (2380) واللفظ له. (2) الحاكم 4 (444) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأحمد (4/ 408) واللفظ له عن أبي بردة عن أبيه. وشعب الإيمان للبيهقي (2/ 274) وقال مخرجه في الطبراني الصغير (1/ 10) حديث (5) ، وقال الألباني في الصحيحة (2/ 685) : الحديث صحيح. (3) أجافه: أغلقه. (4) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة: قميصها. (5) تقنعت إزاري: لبست إزاري. (6) فأحضر فأحضرت: أي فعدا فعدوت. (7) مالك يا عائش حشيا رابية: يعني وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره. ورابية: أي مرتفعة البطن. (8) فلهدني: دفعني. (9) فأخفاه منك: أي الصوت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2092 الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «1» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم؟ قال الله تبارك وتعالى للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنّار: إنّما أنت عذاب أعذّب بك من أشاء من عبادي. ولكلّ واحدة منهما ملؤها. فأمّا النّار فلا تمتلأ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلأ ويزوى بعضها إلى بعض. ولا يظلم الله- عزّ وجلّ- من خلقه أحدا. وأمّا الجنّة فإنّ الله عزّ وجلّ ينشأ لها خلقا» ) * «2» . 15- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى» ) * «3» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: تقبّلون الصّبيان فما نقبّلهم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرّحمة» ) * «4» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «جعل الله الرّحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين. وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق. حتّى ترفع الدّابّة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» ) * «5» . 18- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر رجلا فيمن كان سلف- أو قبلكم- آتاه الله مالا وولدا، يعني أعطاه. قال: فلمّا حضر «6» . قال لبنيه: أيّ أب كنت لكم؟. قالوا: خير أب. قال: فإنّه لم يبتئر عند الله خيرا» . فسّرها قتادة: لم يدّخر. «وإن يقدم على الله يعذّبه. فانظروا، فإذا متّ فأحرقوني، حتّى إذا صرت فحما فاسحقوني. أو قال فاسهكوني «7» - ثمّ إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها، فأخذ مواثيقهم على ذلك وربّي. ففعلوا. فقال الله: كن، فإذا رجل قائم، ثمّ قال: أي عبدي، ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك. أو فرق منك «8» ، فما تلافاه أن رحمه الله» ) * «9» . 19- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» ) * «10»   (1) مسلم (974) . (2) البخاري- الفتح 8 (4850) واللفظ له، ومسلم (2846) . (3) البخاري- الفتح 10 (6011) واللفظ له، ومسلم (2586) . (4) البخاري- الفتح 10 (5998) واللفظ له، ومسلم (2317) . (5) البخاري- الفتح 10 (6000) ، ومسلم (2752) واللفظ له (6) فلما حضر: أي حضرته الوفاة. (7) فاسهكوني: أي اسحقوني، وقيل: هو دون السّحق. (8) فرق منك: أي خوف منك. (9) البخاري- الفتح 11 (6481) واللفظ له، ومسلم (2757) . (10) البخاري- الفتح 4 (2076) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2093 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله رجلا قام من اللّيل فصلّى، ثمّ أيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من اللّيل فصلّت، ثمّ أيقظت زوجها فصلّى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء» ) * «1» . 21- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله امرأ صلّى قبل العصر أربعا» ) * «2» . 22- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله المحلّقين» . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله. قال: «رحم الله المحلّقين» . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله. قال: «رحم الله المحلّقين» . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله. قال: «والمقصّرين» ) * «3» . 23- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السّماء» ) * «4» . 24- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سدّدوا «5» وقاربوا «6» وأبشروا، فإنّه لا يدخل أحدا الجنّة عمله» ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني الله بمغفرة ورحمة» ) * «7» . 25- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا يقرأ في المسجد. فقال: «رحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهنّ من سورة كذا وكذا» ، وزاد عبّاد بن عبد الله عن عائشة: تهجّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيتي فسمع صوت عبّاد يصلّي في المسجد. فقال: «يا عائشة أصوت عبّاد هذا؟» . قلت: نعم. قال: «اللهمّ ارحم عبّادا» ) * «8» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنّما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى. فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال: آتوني بالسّكّين أشقّه بينهما. فقالت الصّغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو   (1) أبو داود (1308) ، وقال الألباني في صحيح النسائي (1519) : حسن صحيح واللفظ له، وابن ماجة (1336) . (2) الترمذي (430) وقال: هذا حديث غريب حسن. وأبو داود (1271) ، وأحمد (2/ 117) . والبغوي في شرح السنة (3/ 470) والبيهقي في الكبرى (2/ 664) برقم (4481) ، وابن خزيمة (1193) ، وابن حبان، وقال مخرجه: إسناده حسن، وقال مخرج جامع الأصول: (6/ 26) : إسناده حسن. (3) البخاري- الفتح 3 (1727) ، ومسلم (1301) واللفظ له. (4) أبو داود (4941) واللفظ له، والترمذي (1924) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال مخرج جامع الأصول (5/ 515) : الحديث صحيح بشواهده. (5) سددوا: اطلبوا السداد أي الصواب. (6) قاربوا: لا تفرطوا في العبادة. (7) البخاري- الفتح 11 (6467) واللفظ له. ومسلم (2816) . (8) البخاري- الفتح 4 (2655) واللفظ له، ومسلم (788) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2094 ابنها، فقضى به للصّغرى» ) * «1» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ» ) * «2» . 28- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرحم الله من لا يرحم النّاس» ) * «3» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صلاة وقمنا معه، فقال أعرابيّ وهو في الصّلاة: اللهمّ ارحمني ومحمّدا ولا ترحم معنا أحدا. فلمّا سلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال للأعرابيّ: «لقد حجّرت واسعا» يريد رحمة الله) * «4» . 30- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ أبا هريرة كان حريصا على أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله ما أوّل ما رأيت في أمر النّبوّة؟ فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا وقال: «لقد سألت أبا هريرة، إنّي لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ قال: نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قطّ وأرواح لم أجدها من خلق قطّ، وثياب لم أرها على أحد قطّ، فأقبلا إليّ يمشيان حتّى أخذ كلّ واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسّا فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه. فأضجعاني بلا قصر ولا هصر «5» . وقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره. فهوى أحدهما إلى صدري ففلقها، فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغلّ والحسد، فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثمّ نبذها فطرحها، فقال له: أدخل الرّأفة والرّحمة، فإذا مثل الّذي أخرج يشبه الفضّة، ثمّ هزّ إبهام رجلي اليمنى فقال: اغد واسلم، فرجعت بها أغدو رقّة على الصّغير ورحمة للكبير» ) * «6» . 31- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن تؤمنوا حتّى ترحموا» . قالوا: كلّنا رحيم يا رسول الله، قال: «إنّه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنّها رحمة النّاس، رحمة العامّة» ) * «7» . 32- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه جاءه ابن الدّيلميّ، فقال: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدّثني بشيء لعلّ الله أن يذهبه من قلبي،   (1) البخاري- الفتح 6 (3427) ، ومسلم (1720) . (2) الترمذي (1923) وقال: حديث حسن. وأبو داود (4942) وقال الألباني: حسن (3/ 933) حديث (4133) ، وقال مخرج جامع الأصول: حسن (4/ 516) . (3) البخاري- الفتح 13 (7376) واللفظ له، ومسلم (2319) . (4) البخاري- الفتح 10 (6010) . (5) بلا قصر ولا هصر: أي بلا عنف ولا ضغط. (6) أحمد (5/ 139) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 222- 223) : رواه عبد الله (يعني ابن أحمد عن أبيه) ورجاله ثقات وثقهم ابن حبان. (7) قال الحافظ في الفتح (10/ 453) : أخرجه الطبراني ورجاله ثقات، وقال الألباني في الصحيحة (1/ 270) : هو في كتاب الأدب للبيهقي حديث (167) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2095 فقال: لو أنّ الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه عذّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتّى تؤمن بالقدر، وتعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو متّ على غير هذا لدخلت النّار. قال: ثمّ أتيت عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك، قال: ثمّ أتيت حذيفة بن اليمان، فقال مثل ذلك، قال: ثمّ أتيت زيد بن ثابت، فحدّثني عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك) * «1» . 33- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو تعلمون قدر رحمة الله لا تّكلتم» . أحسبه قال: عليها) * «2» . 34- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا» ) * «3» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قبّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التّميميّ جالسا، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «من لا يرحم لا يرحم» ) * «4» . 36- * (عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحبّ أنّ لي الدّنيا وما فيها بهذه الآية قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ... (الزمر/ 53) » ) * «5» . 37- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الوثاق. قال: يا محمّد، فأتاه. فقال: «ما شأنك؟» . فقال: بم أخذتني؟، وبم أخذت سابقة الحاجّ. فقال: (إعظاما لذلك) «أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» . ثمّ انصرف عنه فناداه. فقال: يا محمّد، يا محمّد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رقيقا. فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي مسلم. قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كلّ الفلاح» ، ثمّ انصرف فناداه فقال: يا محمّد، يا محمّد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي جائع فأطعمني. وظمان فاسقني. قال: «هذه حاجتك» . ففدي بالرّجلين ... الحديث) * «6» . 38- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله   (1) أبو داود (4699) واللفظ له. وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 890) حديث (2932) : صحيح، وابن ماجة (77) ، وأحمد (5/ 185) . (2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 213) : رواه البزار وإسناده حسن. (3) الترمذي (1920) وقال: حسن صحيح، واللفظ له، وأحمد (1/ 257) وصححه الشيخ أحمد شاكر (4/ 95) . (4) البخاري- الفتح 10 (5997) واللفظ له ومسلم (2318) . ومن هنا شرطية. (5) رواه أحمد (5/ 275) ، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن- مجمع الزوائد (10/ 214) . (6) مسلم (1641) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2096 عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المنبر: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر النّاس لم يشكر الله، التّحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب» ) * «1» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الملائكة تصلّي على أحدكم ما دام في مصلّاه الّذي صلّى فيه ما لم يحدث، تقول: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه» ) * «2» . 40- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم دخل نخلا لبني النجّار. فسمع صوتا ففزع. فقال: «من أصحاب هذه القبور؟» . قالوا: يا رسول الله، ناس ماتوا في الجاهلية. فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار، ومن فتنة الدّجّال» . قالوا: وممّ ذاك يا رسول الله؟. قال: «إنّ المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه، قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟، فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء غيرها. فينطلق به إلى بيت كان له في النّار، فيقال له: هذا بيتك كان لك في النّار، ولكنّ الله عصمك ورحمك، فأبدلك به بيتا في الجنّة، فيقول: دعوني حتّى أذهب فأبشّر أهلي، فيقال له: اسكن، وإنّ الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره، فيقول له: ما كنت تعبد؟، فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرّجل؟، فيقول: كنت أقول ما يقول النّاس، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثّقلين» ) * «3» . 41- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصّبح بالحديبية في إثر السّماء «4» كانت من اللّيل، فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء «5» كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب» ) * «6» . 42- * (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدخل الله أهل الجنّة الجنّة. يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النّار النّار، ثمّ يقول: انظروا، من وجدتم في قلبه   (1) أحمد (4/ 278) واللفظ له، وذكره الألباني في الصحيحة برقم (667) (2/ 276) ، وعزاه أيضا للقضاعي. (2) البخاري- الفتح 1 (445) واللفظ له، ومسلم (649) - باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة. (3) أبو داود (4751) واللفظ له. وذكره المنذري في مختصر أبي داود (7/ 138) وقال: أخرج النسائي طرفا منه، وقال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح (3/ 900) برقم (3977) ، وأحمد 3 (233) . (4) السماء: المطر. (5) ناء النجم: سقط النجم أو طلع. (6) البخاري- الفتح 7 (414) ، ومسلم (71) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2097 مثقال حبّة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما «1» قد امتحشوا «2» ، فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحبّة إلى جانب السّيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية» ) * «3» . () الأحاديث الواردة في (الرحمة) معنى 43- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- أنّه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» ) * «4» . 44- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أعتم «5» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، حتّى ذهب عامّة اللّيل، وحتّى نام أهل المسجد ثمّ خرج فصلّى، فقال: «إنّه لوقتها لولا أن أشقّ على أمّتي» ) * «6» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما كلب يطيف بركيّة «7» كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيّ من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها «8» فسقته فغفر لها به» ) * «9» . 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّى أحدكم للنّاس فليخفّف، فإنّ في النّاس الضّعيف والسّقيم وذا الحاجة» ) * «10» . 47- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حمّرة «11» معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمّرة فجعلت تفرّش «12» جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها» ورأى قرية نمل قد حرّقناها، فقال: «من حرّق هذه؟» . قلنا: نحن، قال: «إنّه لا ينبغي أن يعذّب بالنّار إلّا ربّ النّار» ) * «13» . 48- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه   (1) حمما: فحما. (2) امتحشوا: احترقوا. (3) البخاري- الفتح 11 (6560) ، ومسلم (184) واللفظ له. (4) مسلم (1955) . (5) أعتم: أخر العشاء حتى اشتد الظلام. (6) البخاري- الفتح 2 (569) ومسلم (638) واللفظ له. (7) يطيف بركيّة: أي يدور حول بئر. (8) موقها: أي خفها، فارسي معرب. (9) البخاري- الفتح 6 (3467) ، ومسلم (2245) . (10) البخاري- الفتح 2 (702) . ومسلم (467) واللفظ له. (11) الحمرة: طائر صغير يشبه العصفور. (12) تفرش: هو أن تفرش جناحيها وتقرب من الأرض وترفرف. (13) سنن أبي داود (5268) وقال الألباني (3/ 988) حديث (4388) : صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2098 - أنّه دخل دار الحكم بن أيّوب فرأى غلمانا- أو فتيانا- نصبوا دجاجة يرمونها، فقال أنس: «نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تصبر البهائم «1» » ) * «2» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرحمة) 49- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأقوم في الصّلاة أريد أن أطوّل فيها. فأسمع بكاء الصّبيّ فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشقّ على أمّه» ) * «3» . 50- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين. قال: «إنّي لم أبعث لعّانا، وإنّما بعثت رحمة» ) * «4» . 51- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلّى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها) * «5» 52- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال «أرسلت ابنة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليه: إنّ ابنا لي قبض، فأتنا. فأرسل يقرأ السّلام ويقول: «إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلّ عنده بأجل مسمّى. فلتصبر ولتحتسب» . فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينّها. فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّبيّ ونفسه تتقعقع «6» قال حسبته أنّه قال: كأنّها شنّ «7» ففاضت عيناه. فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟. فقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء» ) * «8» . 53- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك مع كلّ صلاة» ) * «9» . 54- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن أشقّ على أمّتي أو على النّاس- ما تخلّفت عن سريّة، ولكن لا أجد حمولة «10» ولا أجد ما أحملهم عليه، ويشقّ عليّ أن يتخلّفوا عنّي، ولوددت أنّي قاتلت في سبيل الله فقتلت ثمّ أحييت، ثمّ قتلت ثمّ أحييت» ) * «11» . 55- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله   (1) تصبر البهائم: أي تحبس لترمى حتى تموت. (2) البخاري- الفتح 9 (5513) ، ومسلم (1959) . (3) البخاري- الفتح 2 (707) واللفظ له، ومسلم (470) . (4) مسلم (2599) . (5) البخاري- الفتح 10 (5996) واللفظ له، ومسلم (543) . (6) تتقعقع: صوت الشيء اليابس إذا حرك. (7) شن: القربة القديمة. (8) البخاري- الفتح 3 (1284) واللفظ له، ومسلم (923) . (9) البخاري- الفتح 2 (887) واللفظ له، ومسلم (252) . (10) الحمولة: بالفتح ما يحتمل عليه الناس من الدواب. (11) البخاري- الفتح 6 (2972) واللفظ له، ومسلم (1876) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2099 عنهما- قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده مع عبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنهم- فلمّا دخل عليه فوجده في غاشية «1» أهله. فقال: قد قضى «2» ؟ قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأى القوم بكاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكوا. فقال: «ألا تسمعون؟ إنّ الله لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا- وأشار إلى لسانه- أو يرحم. وإنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه» . وكان عمر رضي الله عنه- يضرب فيه بالعصا، ويرمي بالحجارة ويحثي بالتّراب) * «3» . 56- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين «4» ، وكان ظئرا «5» لإبراهيم عليه السّلام. فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه، ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك- وإبراهيم يجود بنفسه- فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان، فقال له عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة. ثمّ أتبعها بأخرى، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ) * «6» . 57- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت. وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا» ) * «7» .   (1) الغاشية: أي الذين يغشونه للخدمة وغيرها. وقيل هي الداهية من شر أو مكروه. (2) قد قضى: أي هل قضى نحبه ومات؟. (3) البخاري- الفتح 3 (1304) واللفظ له، ومسلم (924) . (4) القين: الحداد. ويطلق على كل صانع. (5) ظئرا لإبراهيم: الظئر: زوج المرضعة، وإبراهيم هو ابن النبي صلّى الله عليه وسلّم. (6) البخاري- الفتح 3 (1303) ، ومسلم (2315) بسياق مختلف وفي أوله قال أنس: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (7) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. ومسلم (1795) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2100 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الرحمة) 1- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «اللهمّ إن لم أكن أهلا أن أبلغ رحمتك، فإنّ رحمتك أهل أن تبلغني، رحمتك وسعت كلّ شيء وأنا شيء، فلتسعني رحمتك يا أرحم الرّاحمين. اللهمّ إنّك خلقت قوما فأطاعوك فيما أمرتهم، وعملوا في الّذي خلقتهم له، فرحمتك إيّاهم كانت قبل طاعتهم لك يا أرحم الرّاحمين» ) * «1» . 2- * (وعن الحسن وقتادة، في قوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (الأعراف/ 156) ، قالا: وسعت في الدّنيا البرّ والفاجر، وهي يوم القيامة للّذين اتّقوا خاصّة) * «2» . 3- * (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله تعالى-: «خلقت النّار رحمة يخوّف الله بها عباده لينتهوا» ) * «3» . 4- (وقال الفيروز آبادي- رحمه الله تعالى-: «الرّحمة سبب واصل بين الله وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم» ) * «4» . 5- * (قال المهلّب- رحمه الله تعالى-: «الرّحمة الّتي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم في الدّنيا هي الّتي يتغافرون بها يوم القيامة التّبعات بينهم» ) * «5» . 6- * (وقال ابن حجر تعليقا علي حديث «من لا يرحم لا يرحم» ، قال ابن بطّال: فيه الحضّ على استعمال الرّحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التّعاهد بالإطعام، والسّعي، والتّخفيف في الحمل، وترك التّعدّي بالضّرب» ) * «6» . 7- * (قال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الشّريعة كلّها مبنيّة على الرّحمة في أصولها وفروعها، وفي الأمر بأداء الحقوق سواء كانت لله أو للخلق، فإنّ الله لم يكلّف نفسا إلّا وسعها، وإذا تدبّرت ما شرعه الله- عزّ وجلّ- في المعاملات والحقوق الزّوجيّة وحقوق الوالدين والأقربين، والجيران، وسائر ما شرع وجدت ذلك كلّه مبنيّا على الرّحمة، ثمّ قال: لقد وسعت هذه الشّريعة برحمتها وعدلها العدوّ والصّديق، ولقد لجأ إلى حصنها الحصين الموفّقون من الخلق» ) * «7» .   (1) حلية الأولياء لأبي نعيم (5/ 299) . (2) تفسير الطبري (6/ 81) . (3) المرجع السابق (7/ 275) . (4) بصائر ذوي التمييز (3/ 55) . (5) فتح الباري (10/ 447) . (6) البخاري- الفتح 10 (455) . (7) الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة (61- 65) بتصرف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2101 8- * (قال الشّاعر: فامنوا بنبيّ لا أبا لكم ... ذي خاتم صاغه الرّحمن مختوم رأف رحيم بأهل البرّ يرحمهم ... مقرّب عند ذي الكرسيّ مرحوم) * «1» . () من فوائد (الرحمة) (1) سعة رحمة الله تعالى حتّى إنّها تسع كلّ شيء. (2) لا يستحقّ رحمة الله تعالى إلّا الرّاحمون الموفّقون. (3) تثمر الرّحمة محبّة الله تعالى ومحبّة النّاس. (4) الرّحمة في الإسلام عامّة وشاملة لا تخصّ أحدا دون أحد، ولا نوعا دون نوع. (5) من آثار رحمة الله تعالى إنزال المطر، وإرسال الرّسل، وإنزال الكتب، وغفران الذّنوب. والابتلاء بشتّى المصائب والعيوب. (6) الاجتماع على الحقّ دليل الرّحمة والافتراق دليل الشّقاء. (7) الجنّة هي دار الرّحمة لا يدخلها إلّا الرّاحمون برحمة الله. (8) برحمة الله تعالى يوفّق العبد لترك المعاصي، ونيل الدّرجات. (9) التّعويل عليها لا على كثرة العمل. (10) دليل رقّة القلب وسموّ النّفس. (11) إشاعة الرّحمة بين أفراد المجتمع ترفع من مستواه وتجمع شمله.   (1) لسان العرب مادة (رأف) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2102 الرضا الرضا لغة: الرّضا مصدر رضي يرضى وهو مأخوذ من مادّة (ر ض و) الّتي تدلّ على خلاف السّخط. وفي حديث الدّعاء: اللهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخطك. وتثنية الرّضا رضوان ورضيان، والاسم الرّضاء (بالمد) والرّضا (بالقصر) ، قال القحيف العقيليّ: إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها ولا تنبو سيوف بني قشير ... ولا تمضي الأسنّة في صفاها عدّاه بعلى لأنّه إذا رضيت عنه أحبّته وأقبلت عليه. فلذلك استعمل على بمعنى عن. وقوله عزّ وجلّ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (البيّنة/ 8) معناه أنّ الله تعالى رضي عنهم أفعالهم ورضوا عنه ما جازاهم به. وقال الرّاغب: رضا العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرا بأمره ومنتهيا عن نهيه. وأرضاه: أعطاه ما يرضى به. وترضّاه طلب رضاه، قال: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 46/ 40/ 14 إذا العجوز غضبت فطلّق ... ولا ترضّاها ولا تملّق وفي الصّحاح: الرّضوان: الرّضا، وكذلك الرّضوان، بالضّمّ، والمرضاة مثله. والمرضاة والرّضوان مصدران، وقيل في عيشة راضية أي مرضيّة أي ذات رضى. والرّضوان: الرّضا الكثير، ولمّا كان أعظم الرّضا رضا الله- سبحانه- خصّ لفظ الرّضوان في القرآن بما كان من الله- عزّ وجلّ- قال سبحانه يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً (الفتح/ 29) ، وقال عزّ من قائل يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ (التوبة/ 21) . ويقال: رضيت به صاحبا، وأرضيته عنّي ورضّيته، بالتشديد أيضا، فرضي، وتراضى القوم: أظهر كلّ واحد منهم الرّضا بصاحبه ورضيه «1» . الرضا اصطلاحا: هو سرور القلب بمرّ القضاء. وقيل: الرّضا ارتفاع الجزع في أيّ حكم كان، وقيل الرّضا هو صحّة العلم الواصل إلى القلب. فإذا باشر القلب حقيقة   (1) لسان العرب لابن منظور (14/ 324) ، والصحاح للجوهري (2353) ومقاييس اللغة (2/ 402) ، ومفردات الراغب (ص 197) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2103 العلم أدّاه إلى الرّضا. وقيل استقبال الأحكام بالفرح. وقيل: سكون القلب تحت مجاري الأحكام. وقيل: نظر القلب إلى قديم اختيار الله للعبد فإنّه اختار له الأفضل. وهو ترك السّخط «1» . وقال المناويّ: الرّضا طيب نفسيّ للإنسان بما يصيبه أو يفوته مع عدم التّغيّر، وقول الفقهاء يشهد على رضاها أي إذنها جعلوا الإذن رضا لدلالته عليه. أنواع الرضا: قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: من لزم ما يرضي الله من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيّما إذا قام بواجبها ومستحبّها فإنّ الله يرضى عنه، كما أنّ من لزم محبوبات الحقّ أحبّه الله. كما قال في الحديث الصّحيح الّذي في البخاريّ: «من عادى لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه فإذا أحببته ... » الحديث. وذلك أنّ الرّضا نوعان: أحدهما: الرّضا بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه. ويتناول ما أباحه الله من غير تعدّ محظور. وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (التوبة/ 59) . وهذا الرّضا واجب. ولهذا ذمّ من تركه بقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ... (التوبة/ 58- 59) . والنّوع الثّاني: الرضا بالمصائب: كالفقر والمرض والذّلّ. فهذا رضا مستحبّ في أحد قولي العلماء، وليس بواجب، وقد قيل: إنّه واجب، والصّحيح أنّ الواجب هو الصّبر. كما قال الحسن: الرّضا غريزة، ولكنّ الصّبر معوّل المؤمن. وقد روي في حديث ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن استطعت أن تعمّ بالرّضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا» . وأمّا الرّضا بالكفر والفسوق والعصيان: فالّذي عليه أئمّة الدين أنّه لا يرضى بذلك، فإنّ الله لا يرضاه كما قال: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ (الزمر/ 7) ، وقال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (البقرة/ 205) ، وقال تعالى: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 96) «2» . قال ابن القيّم- رحمه الله- بعد أن ساق حديثين: الأوّل: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا» . والثّاني: قوله: «من قال حين يسمع النّداء   (1) التعريفات للجرجاني (ص 111) ، مدارج السالكين لابن القيم (2/ 185) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوى (ص 178) . (2) الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 683681) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2104 رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا غفرت له ذنوبه» . قال- رحمه الله-: هذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدّين، وإليهما ينتهي. وقد تضمّنا الرّضا بربوبيّته سبحانه وألوهيّته. والرّضا برسوله، والانقياد له، والرّضا بدينه والتّسليم له. ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصّدّيق حقّا. وهي سهلة بالدّعوى واللّسان، وهي من أصعب الأمور عند حقيقة الامتحان. ولا سيّما إذا جاء ما يخالف هوى النّفس ومرادها، من ذلك تبيّن «1» أنّ الرّضا كان لسانه به ناطقا. فهو على لسانه لا على حاله. فالرّضا بإلهيّته يتضمّن الرّضا بمحبّته وحده، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، والتّبتّل إليه، وانجذاب قوى الإرادة والحبّ كلّها إليه، فعل الرّاضي بمحبوبه كلّ الرّضا. وذلك يتضمّن عبادته والإخلاص له، والرّضا بربوبيّته يتضمّن الرّضا بتدبيره لعبده. ويتضمّن إفراده بالتّوكّل عليه، وبالاستعانة به والثّقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضيا بكلّ ما يفعل به. فالأوّل: يتضمّن رضاه بما يؤمر به. والثّاني: يتضمّن رضاه بما يقدّره عليه. وأمّا الرّضا بنبيّه رسولا فيتضمّن كمال الانقياد له، والتّسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقّى الهدى إلّا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلّا إليه، ولا يحكّم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتّة. لا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا يرضى إلّا بحكمه. فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطّرّ إذا لم يجد ما يقيته إلّا من الميتة والدّم. وأحسن أحواله: أن يكون من باب التّراب الّذي إنّما يتيمّم به عند العجز عن استعمال الماء الطّهور. وأمّا الرّضا بدينه: فإذا قال، أو حكم، أو أمر، أو نهى، رضي كلّ الرّضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلّم له تسليما، ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها، أو قول مقلّده وشيخه وطائفته «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- السرور- الصبر والمصابرة- اليقين- السماحة- القناعة- الزهد. وفي ضد ذلك: انظر صفات: السخط- الجزع- القلق- الغضب- الحسد- الحقد- الغل] .   (1) هكذا في الأصل ولعلّ المراد: ومن تبيّن أنّ الرّضا. (2) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 179، 180) وراجع: بصائر ذوى التمييز (3/ 79- 81) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2105 الآيات الواردة في «الرضا» وجوب ابتغاء مرضاة الله- عز وجل- في كل عمل: 1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «2» 3- * لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «4» 5- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15)   (1) البقرة: 207 مدنية (2) البقرة: 264- 265 مدنية (3) النساء: 114 مدنية (4) المائدة: 2- 3 (2 مدنية، 3 نزلت بعرفات في حجة الوداع) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2106 يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) «1» 6- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62) «2» 7- أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) «3» 8- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) «4» 9- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) «5» 10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «6» إرضاء الله- عز وجل- رسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين في الدنيا والآخرة: 11- قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) «7»   (1) المائدة: 15- 16 مدنية (2) التوبة: 62 مدنية (3) التوبة: 109 مدنية (4) الحديد: 26- 27 مدنية (5) الحشر: 8 مدنية (6) الممتحنة: 1 مدنية (7) البقرة: 144 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2107 12- * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) «1» 13- أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) «2» 14- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «3» 15- قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «4» 16- الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) «5» 17- وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) «6» 18- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «7» 19- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) «8» 20- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)   (1) آل عمران: 15 مدنية (2) آل عمران: 162 مدنية (3) آل عمران: 172- 174 مدنية (4) المائدة: 119 مدنية (5) التوبة: 20- 22 مدنية (6) التوبة: 72 مدنية (7) التوبة: 100 مدنية (8) طه: 130 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2108 لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «1» 21- * لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) «2» 22- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «3» 23- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) «4» 24- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) «5» 25- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10) «6» 26- يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) «7» 27- وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «8» 28- وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4)   (1) الحج: 58- 59 مدنية (2) الفتح: 18 مدنية (3) الحديد: 20 مدنية (4) المجادلة: 22 مدنية (5) الحاقة: 19- 21 مكية (6) الغاشية: 8- 10 مكية (7) الفجر: 27- 30 (8) الليل: 17- 21 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2109 وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) «1» 29- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «2» 30- الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ (11) «3» رضا الله- عز وجل- أعلى مطلوب النبيين 31- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) «4» 32- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) «5» 33- * وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) «6» 34- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18)   (1) الضحى: 1- 5 مكية (2) البينة: 7- 8 مكية (3) القارعة: 1- 11 مكية (4) مريم: 1- 6 مكية (5) مريم: 54- 55 مكية (6) طه: 83- 84 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2110 فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «1» 35- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) «2» 36- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «3» لا شفاعة إلا لمن رضي الله عنهم: 37- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) «4» 38- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «5» 39- * وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26) «6» 40- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) «7»   (1) النمل: 17- 19 مكية (2) الأحقاف: 15 مكية (3) الفتح: 29 مدنية (4) طه: 105- 109 مكية (5) الأنبياء: 25- 28 مكية (6) النجم: 26 مكية (7) الجن: 26- 27 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2111 شرع الله- عز وجل- ما ارتضاه لعباده: 41- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «1» الشرع لا يمنع التنازل عن الحقوق بالتراضي: 42- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) * وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) «2» 43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «3» شاهد الدّين يشترط فيه رضا الطرفين عنه: 44- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «4»   (1) النور: 55 مدنية (2) البقرة: 232- 233 مدنية (3) النساء: 29 مدنية (4) البقرة: 282 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2112 وجوب الرضا بالمعاش: 45- * تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) «1» عتاب الله- عز وجل- على رسوله صلّى الله عليه وسلّم 46- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) «2»   (1) الأحزاب: 51 مدنية (2) التحريم: 1- 3 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2113 الأحاديث الواردة في (الرضا) 1- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آخر من يدخل الجنّة رجل. فهو يمشي مرّة ويكبو «1» مرّة. وتسفعه «2» النّار مرّة. فإذا ما جاوزها التفت إليها. فقال: تبارك الّذي نجّاني منك. لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأوّلين والآخرين. فترفع له شجرة. فيقول: أي ربّي، أدنني من هذه الشّجرة، فلأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. فيقول الله- عزّ وجلّ-: يابن آدم، لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول لا يا ربّ، ويعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره. لأنّه يرى ما لا صبر له عليه «3» . فيدنيه منها، فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها، ثمّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى. فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظلّ بظلّها لا أسألك غيرها. فيقول «4» : يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟، فيعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره، لأنّه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة عند باب الجنّة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه لأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟. قال: بلى يا ربّ، هذه لا أسألك غيرها. وربّه يعذره لأنّه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنّة، فيقول: أي ربّ، أدخلنيها، فيقول: يابن آدم ما يصريني منك؟ «5» أيرضيك أن أعطيك الدّنيا ومثلها معها؟. قال: يا ربّ، أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين» . فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني ممّ أضحك؟. فقالوا: ممّ تضحك؟. قال: هكذا ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: ممّ تضحك يا رسول الله؟. قال: «من ضحك ربّ العالمين حين قال: أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين؟. فيقول: إنّي لا أستهزأ منك، ولكنّي على ما أشاء قادر» ) * «6» . 2- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه. قال: «هل بقي من والديك أحد؟» . قال: أمّي. قال: «قابل الله في برّها، فإذا فعلت ذلك كان لك أجر حاجّ ومعتمر ومجاهد، فإذا رضيت عنك أمّك فاتّق وبرّها» ) * «7» .   (1) يكبو: معناه يسقط على وجهه. (2) تسفعه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا. (3) ما لا صبر له عليه: معناه أي نعمة لا صبر له عليها. (4) القائل هنا هو المولى- عز وجل- وفي الكلام إيجاز بحذف قول ابن آدم: «بلى: يا رب» . (5) ما يصريني منك: ما يقطع مسألتك مني. أو أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك. (6) مسلم (187) واللفظ له، وأحمد في المسند (1/ 392) رقم (3713) . (7) الهيثمي في المجمع (8/ 138) وقال: رواه أبو يعلى- الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2114 3- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أنبّئكم بخير أعمالكم، وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذّهب والورق، ومن أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: وما ذاك؟ يا رسول الله، قال: «ذكر الله» ) * «1» . 4- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التّراب؟. فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثا قالهنّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلن أسبّه. لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له، خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النّساء والصّبيان؟. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى. إلّا أنّه لا نبوّة بعدي» . وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: «ادعوا لي عليّا» ، فأتي به أرمد. فبصق في عينه ودفع الرّاية إليه. ففتح الله عليه. ولمّا نزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ (آل عمران: 61) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: «اللهمّ هؤلاء أهلي» ) * «2» . 5- * (عن عامر بن ربيعة- رضي الله عنه- أنّ امرأة من بني فزارة تزوّجت على نعلين فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟» . قالت: نعم. قال: «فأجازه» ) * «3» . 6- (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء. فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل. فقالوا: يغفر الله لرسول الله. يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس بن مالك: فحدّث ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قولهم. فأرسل إلى الأنصار. فجمعهم في قبّة من أدم «4» فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما حديث بلغني عنكم؟» . فقال له فقهاء الأنصار: أمّا ذوو رأينا، يا رسول الله فلم يقولوا شيئا. وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم، قالوا: يغفر الله لرسوله. يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم «5» . أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال،   - والطبراني في الصغير والأوسط. ورجالهما رجال الصحيح. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 315) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط وإسنادهما جيد. (1) الترمذي (3377) ، وابن ماجة (2/ 3790) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (3057) . (2) البخاري- الفتح 7 (3706) ، مسلم (2404) واللفظ له (3) الترمذي (1113) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (1888) ، وأحمد (3/ 445) . (4) في قبة من أدم: القبة من الخيام: بيت صغير مستدير. وهو من بيوت العرب. ومن أدم معناه من جلود. وهو جمع أديم بمعنى الجلد المدبوغ. ويجمع أيضا على آدم. (5) أتألفهم: أي أستميل قلوبهم بالإحسان ليثبتوا على الإسلام، رغبة في المال. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2115 وترجعون إلى رحالكم «1» برسول الله؟ فو الله، لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به فقالوا: بلى. يا رسول الله، قد رضينا. قال: «فإنّكم ستجدون أثرة شديدة «2» . فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله. فإنّي على الحوض» قالوا: سنصبر) * «3» . 7- * (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رأى عمر- رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا. نعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسوله. فجعل عمر- رضي الله عنه- يردّد هذا الكلام حتّى سكن غضبه، فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدّهر كلّه؟. قال: «لا صام ولا أفطر؟» (أو قال) «لم يصم ولم يفطر» . قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟. قال: «ويطيق ذلك أحد؟» . قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: «ذاك صوم داود (عليه السّلام) » . قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟. قال: «وددت أنّي طوّقت ذلك» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كلّ شهر. ورمضان إلى رمضان. فهذا صيام الدّهر كلّه. صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله، والسّنة الّتي بعده. وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله» ) * «4» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبّر ثلاثا، ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين «5» . وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر، والخليفة في الأهل. اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء «6» السّفر، وكآبة «7» المنظر، وسوء المنقلب «8» في المال والأهل. وإذا رجع قالهنّ، وزاد فيهنّ «آيبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون» ) * «9» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل ترى ربّنا يوم القيامة؟ ... الحديث وفيه: فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال: «فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم «10» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير   (1) رحالكم: أي منازلكم. (2) أثرة شديدة: أى يستأثر عليكم، ويفضل عليكم غيركم بغير حق. (3) البخاري- الفتح 7 (3793) ، مسلم (1059) واللفظ له (4) مسلم (1162) . (5) وما كنا له مقرنين: أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا. (6) وعثاء: المشقة والشدة. (7) وكآبة: هي تغير النفس من حزن ونحوه. (8) المنقلب: المرجع. (9) مسلم (1342) . (10) الخواتم جمع خاتم بفتح التاء وكسرها أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2116 عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «1» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق، حتّى إذا فرغ من خلقه قالت الرّحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟. قالت: بلى يا ربّ. قال: فهو لك» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فاقرأوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (محمد/ 22) » ) * «2» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة «3» فيحمده عليها، أو يشرب الشّربة فيحمده عليها» ) * «4» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله «5» جميعا ولا تفرّقوا. ويكره لكم قيل وقال «6» ، وكثرة السّؤال «7» ، وإضاعة المال» ) * «8» . 13- * (عن أبي طلحة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء ذات يوم والبشرى في وجهه فقلنا: إنّا لنرى البشرى في وجهك. فقال: «إنّه أتاني الملك فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقول: أما يرضيك أنّه لا يصلّي عليك أحد إلّا صلّيت عليه عشرا، ولا يسلّم عليك أحد إلّا سلّمت عليه عشرا» ) * «9» . 14- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الّذين قتلوا أصحاب بئر معونة «10» ثلاثين صباحا يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصيّة عصت الله ورسوله. قال أنس: أنزل الله- عزّ وجلّ- في الّذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه حتّى نسخ بعد: أن بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنّا، ورضينا عنه) * «11» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7439) ، ومسلم (183) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 10 (5987) واللفظ له، مسلم (2554) . (3) الأكلة: بفتح الهمزة، وهي المرة الواحدة من الأكل، كالغداء والعشاء. (4) مسلم (2734) . (5) الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بآدابه. (6) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس. (7) كثرة السؤال: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لا يقع ولا تدعو إليه الحاجة. (8) مسلم (1715) ، وبعضه عند البخاري 10 (5975) . (9) النسائي (3/ 44) ، والحاكم في المستدرك (2/ 420) وصححه ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول (4/ 405) : وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن أو الصحيح. (10) بئر معونة: في أرض بني سليم فيما بين مكة والمدينة. (11) البخاري- الفتح 6 (3046) . مسلم (677) واللفظ له. وعند البخاري: فرضي عنا وأرضانا ثم رفع ذلك بعد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2117 15- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رضا الرّب في رضا الوالد، وسخط الرّب في سخط الوالد) » * «1» . 16- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- يرفعه؛ قال: سأل موسى ربّه: «ما أدنى أهل الجنّة منزلة؟. قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنّة الجنّة. فيقال له: ادخل الجنّة. فيقول: أي ربّ، كيف؟. وقد نزل النّاس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ «2» فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدّنيا؟. فيقول: رضيت ربّ. فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله. فقال في الخامسة: رضيت ربّ، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله. ولك ما اشتهت نفسك ولذّت عينك. فيقول: رضيت ربّ،. قال: ربّ، فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الّذين أردت «3» غرست «4» كرامتهم بيدي. وختمت عليها. فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر «5» . قال ومصداقه في كتاب الله- عزّ وجلّ-: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ (السجدة/ 17) الآية) * «6» . 17- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا يحلف بأبيه. فقال: «لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض بالله فليس من الله» ) * «7» . 18- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّواك مطهرة للفم، مرضاة للرّبّ» ) * «8» . 19- * (عن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالأبكار، فإنّهنّ أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير» ) * «9» . 20- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة» . قال: فكبّرنا، ثمّ قال: «أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة» . قال: فكبّرنا، ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة وسأخبركم عن ذلك، ما المسلمون في الكفّار إلّا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور   (1) الترمذي (1899) وصححه الألباني، صحيح الترمذي (1549) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 401) : إسناده صحيح (2) وأخذوا أخذاتهم: هو ما أخذوه من كرامة مولاهم. (3) أردت: اخترت واصطفيت. (4) غرست: اصطفيتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير. (5) لم يخطر على قلب بشر: أي لم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم. (6) مسلم (189) . (7) ابن ماجة (2101) ، وقال البوصيري في الزوائد: رجال إسناده ثقات. وحسنه الحافظ في الفتح (11/ 536) . (8) النسائي (1/ 10) وصححه الألباني، صحيح الجامع (3695) ، وصحيح سنن النسائي (5) وقال الحافظ الدمياطي: رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان، والبخاري معلقا مجزوما. (9) ابن ماجة (1/ 1861) وحسنه الألباني، وهو في الصحيحة (623) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2118 أبيض» ) * «1» . 21- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلّها كما يعلّم السّورة من القرآن، يقول: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ ليقل: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهمّ فإن كنت تعلم هذا الأمر- ثمّ يسمّيه بعينه- خيرا لي في عاجل أمري وآجله- قال: أو في ديني ومعاشي- وعاقبة أمري- فاقدره لي، ويسّره لي، ثمّ بارك لي فيه، اللهمّ إن كنت تعلم أنّه شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ رضّني به» ) * «2» . 22- * (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ الكذب إلّا في ثلاث: يحدّث الرّجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين النّاس» ) * «3» . 23- * (عن أبي سلّام- رضي الله عنه- خادم النّبي صلّى الله عليه وسلّم- عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما من مسلم، أو إنسان، أو عبد، يقول، حين يمسي، وحين يصبح: رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا. إلّا كان حقّا على الله أن يرضيه يوم القيامة» ) * «4» . 24- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آية. فما أستطيع أن أسأله هيبة له، ... الحديث وفيه: فقلت «5» : يا رسول الله، إنّ كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدّنيا ولنا الآخرة؟» ) * «6» . 25- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» . قالت عائشة- أو بعض أزواجه-: إنّا لنكره الموت. قال: «ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء الله، وأحبّ الله لقاءه، وإنّ الكافر إذا حضر بشّر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه ممّا أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه» ) * «7» . 26- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من التمس رضا الله بسخط النّاس كفاه الله مؤنة النّاس. ومن التمس رضا النّاس بسخط الله وكله الله إلى النّاس» ) * «8» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) مسلم (221) . (2) البخاري- الفتح 13 (7390) . (3) الترمذي (4/ 1939) وقال: حديث حسن وصححه الألباني صحيح سنن الترمذي (1582) . (4) ابن ماجة (2/ 3870) وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. (5) القائل هو عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-. (6) البخاري- الفتح 8 (4913) واللفظ له، مسلم (1479) . (7) البخاري- الفتح 11 (6507) ، ومسلم (2683) . (8) صحيح سنن الترمذي (1967) وهو في الصحيحة (2311) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2119 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ» . فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «1» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلّا كان الّذي في السّماء ساخطا عليها حتّى يرضى عنها» ) * «2» . 29- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله إنّ البكر تستحي. قال: «رضاها صمتها» ) * «3» . () الأحاديث الواردة في (الرضا) معنى 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لنسوة من الأنصار: «لا يموت لإحداكنّ ثلاثة من الولد فتحتسبه إلّا دخلت الجنّة» . فقالت امرأة منهنّ: أو اثنين يا رسول الله؟. قال: «أو اثنين» ) * «4» . 31- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهمّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. إلّا أخلف الله له خيرا منها» ) * «5» . 32- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: أصيب حارثة يوم بدر- وهو غلام- فجاءت أمّه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة منّي، فإن يك في الجنّة أصبر وأحتسب. وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟. فقال: «ويحك. أو هبلت «6» - أو جنّة واحدة هي؟. إنّها جنان كثيرة، وإنّه لفي جنّة الفردوس» ) * «7» . 33- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد» ) * «8» .   (1) أحمد في المسند (2/ 310) ، والترمذي (2305) واللفظ له وحسنه الألباني، وابن ماجة (4217) وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) : حديث حسن. (2) البخاري- الفتح 9 (5193) ، ومسلم (1436) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 9 (5137) ونحوه عند مسلم (1420) . (4) البخاري- الفتح 3 (1249) ، ومسلم (2632) واللفظ له (5) مسلم (918) . (6) هبلت: بفتح الهاء وكسر الباء أي: أفقدت عقلك بفقد ابنك حتى جعلت الجنان جنة واحدة. (7) البخاري- الفتح 11 (6550) . (8) الترمذي (1021) وحسّن إسناده الألباني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2120 34- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من قضاء الله عزّ وجلّ- للمؤمن إن أصابه خير حمد ربّه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربّه وصبر. المؤمن يؤجر في كلّ شيء حتّى في اللّقمة يرفعها إلى فيّ امرأته» ) * «1» . 35- * (عن صهيب- رضي الله عنه-: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلّا للمؤمن. إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له» ) * «2» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّة من أهل الدّنيا ثمّ احتسبه إلّا الجنّة» ) * «3» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرضا) 37- * (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه- أنّ نبي الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به قال: «بينما أنا في الحطيم- وربّما قال في الحجر- مضطجعا، إذ أتاني آت فقدّ- قال: وسمعته يقول: فشقّ- ما بين هذه إلى هذه. فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته ... الحديث. وفيه: «ثمّ أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللّبن، فقال: هي الفطرة الّتي أنت عليها وأمّتك. ثمّ فرضت عليّ الصّلاة خمسين صلاة كلّ يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟. قال: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يوم، وإنّي والله قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فرجعت، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بعشر صلوات كلّ يوم، فرجعت فقال مثله. فرجعت فأمرت بخمس صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟. قلت: أمرت بخمس صلوات كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإنّي قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك. قال: سألت ربّي حتّى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم. قال: فلمّا جاوزت نادى مناد. أمضيت فريضتي،   (1) أحمد (1/ 173، 177، 178) وشرح السنة (1540) وقال مخرجه: إسناده حسن والبيهقي في السنن (3/ 375، 376) والهيثمي في المجمع (7/ 209) وقال: رواه أحمد بأسانيد ورجالها كلها رجال الصحيح. (2) مسلم (2999) . (3) البخاري- الفتح 11 (6424) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2121 وخفّفت عن عبادي» ) * «1» . 38- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلس على المنبر؛ فقال: «إنّ عبدا خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدّنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده» ، فبكى أبو بكر، وقال: فديناك بآبائنا وأمّهاتنا. فعجبنا له. وقال الناس: انظروا إلى هذا الشّيخ، يخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عبد خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدّنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمّهاتنا، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكا أبو بكر هو أعلمنا به. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذا خليلا من أمّتي لاتّخذت أبا بكر، إلّا خلّة الإسلام، لا يبقينّ في المسجد خوخة «2» إلّا خوخة أبي بكر» ) * «3» . 39- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين «4» ، وكان ظئرا «5» لإبراهيم عليه السّلام، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه. ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك- وإبراهيم يجود بنفسه- فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان. فقال له عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله. فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة» . ثمّ أتّبعها بأخرى. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا. وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ) * «6» . 40- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة في الفراش. فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «7» وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك «8» . أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له، ومسلم (164) . (2) الخوخة: هي الباب الصغير بين البيتين أو الدارين. (3) البخاري- الفتح 7 (3904) واللفظ له، ومسلم (2382) . (4) القين: الحدّاد. (5) الظئر: المرضعة ولد غيرها واللفظ له. وزوجها ظئر لذلك الرضيع. (6) البخاري- الفتح 3 (1303) واللفظ له، ومسلم (2315) . (7) المسجد: أي في السجود أو في الموضع الذي كان يصلي فيه، في حجرته. (8) لا أحصي ثناء عليك: أي لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك. (9) مسلم (486) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2122 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الرضا) 1- * (قال لقمان لابنه: «أوصيك بخصال تقرّبك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت» ) * «1» . 2- (كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما-: «أمّا بعد، فإنّ الخير كلّه في الرّضى، فإن استطعت أن ترضى وإلّا فاصبر» ) * «2» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لمّا كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بإسماعيل وأمّإسماعيل، ومعهم شنّة «3» فيها ماء، فجعلت أمّ إسماعيل تشرب من الشّنّة فيدرّ لبنها على صبيّها حتّى قدم مكّة فوضعها تحت دوحة «4» ، ثمّ رجع إبراهيم إلى أهله فاتّبعته أمّ إسماعيل حتّى لمّا بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله. قالت: رضيت بالله» ) * «5» . 4- * (قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- «إذا توفّي العبد المؤمن، أرسل الله إليه ملكين، وأرسل إليه بتحفة من الجنّة. فيقال: اخرجي أيّتها النّفس المطمئنّة، اخرجي إلى روح وريحان وربّ عنك راض» ) * «6» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- في قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً النساء/ 128) ، قالت: «هو الرّجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها، فتقول: أمسكني، أو اقسم لي ما شئت. قالت: ولا بأس إذا تراضيا» ) * «7» . 6- * (قال ميمون بن مهران: «من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء» ) * «8» . 7- * (قال الرّبيع بن أنس: «علامة حبّ الله، كثرة ذكره، فإنّك لا تحبّ شيئا إلّا أكثرت من ذكره، وعلامة الدّين: الإخلاص لله في السّرّ والعلانية، وعلامة الشّكر: الرّضى بقدر الله والتّسليم لقضائه» ) * «9» . 8- * (عن مالك بن أنس- رحمه الله- قال بلغني أنّ رجلا من بعض الفقهاء كتب إلى ابن الزّبير رضي الله عنهما- يقول: «ألا إنّ لأهل التّقوى علامات يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم، من رضي بالقضاء، وصبر على البلاء، وشكر على النّعماء، وصدق باللّسان، ووفّى بالوعد والعهد، وتلا لأحكام القرآن، وإنّما الإمام سوق من الأسواق، فإن كان من   (1) مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 229) . (2) المرجع السابق: (2/ 185) . (3) الشّنّة: هي القربة الصّغيرة. (4) الدوحة: الشجرة الكبيرة. (5) البخاري- الفتح 6 (3365) . (6) مدارج السالكين (2/ 186) . (7) البخاري- الفتح 5 (2694) . (8) الإحياء للغزالي (3/ 346) . (9) مدارج السالكين (2/ 227) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2123 أهل الحقّ حمل إليه أهل الحقّ حقّهم، وإن كان من أهل الباطل حمل إليه أهل الباطل باطلهم» ) * «1» . 9- * (قال عبد الله بن المبارك: قال داود لابنه سليمان عليهما السّلام: «يا بنيّ، إنّما تستدلّ على تقوى الرّجل بثلاثة أشياء: لحسن توكّله على الله فيما نابه، ولحسن رضاه فيما آتاه، ولحسن زهده فيما فاته» ) * «2» . 10- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «ثمرة الرّضى: الفرح والسّرور بالرّبّ تبارك وتعالى» ) * «3» . 11- * (قال الفيروز اباديّ: «رضا العبد عن الله على ألّا يكره ما يجري به قضاؤه، والرّضوان الرّضا الكبير. ولمّا كان أعظم الرّضا رضا الله خصّ لفظ الرّضوان في القرآن بما كان من الله تعالى» ) * «4» . 12- * (قال محمود الورّاق: أعييت كلّ النّاس من نفسي الرّضا ... إلّا الحسود فإنّه أعياني ما إنّ لي ذنبا إليه عملته ... إلّا تظاهر نعمة الرّحمن وأبى فما يرضيه إلّا ذلّتي ... وذهاب أموالي وقطع لساني) * «5» . 13- * (قال المتنبّيّ: وعين الرّضى عن كلّ عيب كليلة ... كما أنّ عين السّخط تبدي المساويا) * «6» . 14- * (قال كشاجم: لم أرض عن نفسي مخافة سخطها ... ورضا الفتى عن نفسه إغضابها ولو انّني عنها رضيت لقصّرت ... عمّا تزيد بمثله آدابها وتبيّنت آثار ذاك فأكثرت ... عذلي عليه فطال فيه عتابها) * «7» . () من فوائد (الرضا) (1) يثمر محبّة الله ورضاه وتجنّب سخطه. (2) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام. (3) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (4) مظهر من مظاهر صلاح العبد وتقواه. (5) الوعد بالبشرى في الآخرة. (6) دليل حسن ظنّ العبد بربّه. (7) طريق إلى الفوز برضوان الله تعالى. (8) يضفي على الإنسان المسلم راحة نفسيّة وروحيّة. (9) يجنّب المسلم الأزمات النّفسيّة من قلق زائد وتوتّر. (10) طريق واضح إلى تحقيق السّلام الاجتماعي.   (1) جامع الأصول (11/ 703، 704) . (2) الدر المنثور للسيوطي (1/ 62) . (3) ابن أبي الدنيا، في التقوى. (4) أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 329) . (5) المرجع السابق (283) . (6) مدارج السالكين (2/ 183) . (7) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (3/ 77) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2124 الرغبة والترغيب الرغبة لغة: الرّغبة مصدر قولهم رغب في الشّيء، وهو مأخوذ من مادّة (ر غ ب) الّتي تدلّ في أصل اللّغة على معنيين: أحدهما: طلب لشيء، والآخر سعة في شيء. فمن الأصل الأوّل: الرّغبة في الشّيء: الإرادة له، تقول: رغبت في الشّيء، فإذا لم ترده قلت: رغبت عنه، ومن المعنى الثّاني قولهم: الشّيء الرّغيب: الواسع الجوف، يقال: حوض رغيب، وسقاء رغيب، والرّغيبة العطاء الكثير، والجمع رغائب، قال الشّاعر: ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الّذي يعطي الرّغائب فارغب وذكر الرّاغب أنّ أصل الرّغبة هو السّعة في الشيء مطلقا، وأنّ الرّغب والرّغبة والرّغبى السّعة في الإرادة، والرّغيبة العطاء الكثير إمّا لكونه مرغوبا فيه وإمّا لسعته. والرّغبة أيضا: السّؤال والطّمع. وأرغبني في الشّيء ورغّبني، بمعنى (واحد) . ورغبه: أعطاه ما رغب، والرّغباء: الضّراعة والمسألة. وفي حديث الدّعاء: «رغبة ورهبة إليك» . قال ابن الأثير: أعمل لفظ الرّغبة وحدها، ولو أعملهما معا، لقال: رغبة إليك ورهبة منك، ولكن لمّا الآيات/ الأحاديث/ الآثار 74/ 44/ 4 جمعهما في النّظم، حمل أحدهما على الآخر. وفي حديث عمر- رضي الله عنه- قالوا له عند موته: جزاك الله خيرا فعلت وفعلت، فقال: راغب وراهب: أراد إنّني راغب فيما عند الله، وراهب من عذابه، فلا تعويل عندي على ما قلتم من الوصف والإطراء. ورجل رغبوت: من الرّغبة. وقد رغب إليه ورغّبه هو. وفي الحديث أنّ أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: «أتتني أمّي راغبة» ... قال الأزهريّ: قولها أتتني أمّي راغبة، أي طائعة، تسأل شيئا. يقال: رغبت إلى فلان في كذا وكذا: أي سألته إيّاه. وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «كيف أنتم إذا مرج الدّين، وظهرت الرّغبة؟» ، وقوله: «ظهرت الرّغبة» أي كثر السّؤال وقلّت العفّة، ومعنى ظهور الرّغبة: الحرص على الجمع، مع منع الحقّ. ويقال: إنّه لوهوب لكلّ رغيبة، أي لكلّ مرغوب فيه. وقال يعقوب: الرّغبى والرّغباء مثل النّعمى والنّعماء. وفي الحديث أنّ ابن عمر كان يزيد في تلبيته: والرّغبى إليك والعمل. وفي رواية: والرّغباء بالمدّ وهما من الرّغبة كالنّعمى والنّعماء من النّعمة. ودعا الله رغبة ورغبة، عن ابن الأعرابيّ. وفي التّنزيل العزيز: يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً (الأنبياء/ 90) ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2125 قال: ويجوز رغبا ورهبا. قال: ويقال: الرّغبى إلى الله تعالى والعمل أي الرّغبة، وأصبت منك الرّغبى، أي الرّغبة الكثيرة. وفي حديث ابن عمر: «لا تدع ركعتي الفجر، فإنّ فيهما الرّغائب» ، قال الكلابيّ: الرّغائب ما يرغب فيه من الثّواب العظيم، يقال: رغيبة ورغائب، وقال غيره: هي ما يرغب فيه ذو رغب النّفس، ورغب النّفس سعة الأمل وطلب الكثير، ومن ذلك صلاة الرّغائب، واحدتها رغيبة، والرّغيبة: الأمر المرغوب فيه «1» . الرغبة اصطلاحا: قال في الكلّيّات: رغب فيه: أراده بالحرص عليه ومن ثمّ تكون الرّغبة: إرادة الشّيء بالحرص عليه «2» . وذكر المناويّ: أنّ الرّغبة إرادة الشّيء مع حرص عليه، فإذا قيل رغب فيه وإليه اقتضى الحرص عليه، وإذا قيل رغب عنه اقتضى صرف الرّغبة عنه والزّهد فيه «3» . بين الرغبة والابتغاء: الابتغاء في اللّغة مصدر قولهم: ابتغى الشّيء بمعنى طلبه، ويقال أيضا: بغى الرّجل حاجته أو ضالّتهإذا طلبها، والبغية الطّلبة «4» . أمّا في الاصطلاح فهو كما قال المناويّ: الاجتهاد في الطّلب، وقيل هو الاشتداد في طلب شيء ما، وأصله مطلق الطّلب والإرادة «5» . وبالموازنة بين تعريف كلّ من الرّغبة والابتغاء يتّضح أنّهما متقاربان جدّا، بيد أنّه لوحظ في الرّغبة معنى الحرص وفي الابتغاء معنى الشّدّة والاجتهاد، وكلاهما قد يستعمل- في بعض السّياقات- استعمال الآخر. الفرق بين الرغبة والرجاء: والفرق بين الرّغبة والرّجاء أنّ الرّجاء طمع، والرّغبة طلب. فهي ثمرة الرّجاء، فإنّه إذا رجا الشّيء طلبه. والرّغبة من الرّجاء كالهرب من الخوف، فمن رجا شيئا طلبه ورغب فيه، ومن خاف شيئا هرب منه. والمقصود: أنّ الرّاجي طالب، والخائف هارب، وأنّ الرّغبة: هي الرّجاء بالحقيقة؛ لأنّ الرّجاء طمع يحتاج إلى تحقيق، أي طمع في مغيّب عن الرّجاء مشكوك في حصوله، وإن كان متحقّقا في نفسه، كرجاء العبد دخوله الجنّة؛ فإنّ الجنّة متحقّقة لا شكّ فيها، وإنّما الشّكّ في دخوله إليها، وهل يوافي ربّه بعمل يمنعه منها أم لا؟. بخلاف الرّغبة، فإنّها طلب، وإذا قوي الطّمع صار طلبا. وأوّلها: رغبة تتولّد من العلم، فتبعث على   (1) لسان العرب (1/ 422- 423) ، بصائر ذوي التمييز (2/ 89) ، والمفردات للراغب (198) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 415) . (2) الكليات للكفوي (482) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف (179) . (4) لسان العرب (14/ 76) ، ط. بيروت. (5) التوقيف على مهمات التعاريف ص 35. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2126 الاجتهاد المنوط بالشّهود، وتصون السّالك عن الفترة والكسل. وتتصاعد الرّغبة حتّى تكون رغبة لا تبقي من المجهود مبذولا، ولا تدع للهمّة ذبولا، ولا تترك غير القصد مأمولا. فرغبته لا تدع من مجهوده مقدورا له إلّا بذله ولا تدع لهمّته وعزيمته فتورا ولا خمودا، وعزيمته في مزيد، ولا تترك في قلبه نصيبا لغير مقصوده. فإذا اكتملت رغبته اكتمل معها خلق الرّعاية الإيمانيّة، وهي: مراعاة العلم وحفظه بالعمل، ومراعاة العمل بالإحسان والإخلاص، وحفظه من المفسدات وصيانته «1» . التّرغيب: أمّا التّرغيب فهو مصدر قولهم: رغّبه في الشّيء أي أوجد فيه الرّغبة إليه، ويكون ذلك بتحسينه وتزيينه، لأنّ النّفس لا ترغب إلّا فيما فيه سعادتها وصلاح أمرها، وما جاء به الشّرع الحنيف كلّه- بعد الإقرار بالوحدانية وصدق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم- لا يعدو أن يكون ترغيبا في الخيرات وترهيبا من المعاصي والموبقات، وثمرة ذلك حثّ المؤمن على الرّغبة فيما عند الله تعالى والرّهبة من عقابه، وقد لخّص أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عند موته حياة المؤمن الحقّ، عند ما قالوا له: جزاك الله خيرا فعلت وفعلت، فقال: راغب وراهب قال ابن الأثير: المعنى: راغب فيما عند الله وراهب من عذابه» «2» . التّرغيب في الجنّة ونعيمها: لقد حفلت آي الذّكر الحكيم، ووردت الأحاديث الشّريفة بوصف الجنّة وما أعدّه الله فيها للمتّقين جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (النبأ/ 36) ، ترغيبا للمؤمنين وحثّا لهم على الطّاعات وتحمّل مشاقّ العبادة، ذلك أنّ الإنسان إذا علم أنّ الله قد أعدّ له دارا فيها كلّ ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ (التوبة/ 72) ، تولّدت عنده الرّغبة الصّادقة في أن يكون من أهل هذه الجنّة وسعى لها سعيها فكان من المتّقين، ومن المحسنين، ومن الذّاكرين ومن المخبتين، ومن المنفقين، ومن الأوّابين المنيبين الّذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً (السجدة/ 16) ، وسوف نذكر عقب آيات وأحاديث الرّغبة، طرفا ممّا رغّب الله به عباده في الطّاعة بذكر الآيات والأحاديث الواردة في وصف الجنّة ونعيمها وما أعدّه الله فيها لأهل طاعته. [للاستزادة: انظر صفات: الطموح- العبادة علو الهمة- النشاط- الرهبة- الإخبات- الدعاء الإنابة- الخوف- القنوت- الطاعة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: صغر الهمة- الكسل- القنوط- اليأس- الوهن- الغرور- الغفلة- التفريط والإفراط] .   (1) تهذيب مدارج السالكين (307) . (2) هذا أحد قولين في تفسير عبارة أمير المؤمنين، والقول الآخر أن من قال هذا إما راغب فيما عندي أو راهب مني، والرأي الأول أصح، انظر النهاية 2/ 237. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2127 الآيات الواردة في «الرغبة» 1- وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) «1» 2- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «2» 3- قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) «3» 4- فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) «4» الآيات الواردة في «الرغبة» معنى 5- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) «5» 6- قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) «6» 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «7» 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) «8»   (1) التوبة: 59 مدنية (2) الأنبياء: 89- 90 مكية (3) القلم: 28- 32 مكية (4) الشرح: 7- 8 مكية (5) البقرة: 198 مدنية (6) آل عمران: 84- 85 مدنية (7) المائدة: 2 مدنية (8) المائدة: 35 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2128 الآيات الواردة في «الترغيب في الجنة» 9- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «1» 10- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) «2» 11- * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «3» 12- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (192) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194)   (1) البقرة: 25 مدنية (2) آل عمران: 14- 15 مدنية (3) آل عمران: 133- 136 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2129 فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198) «1» 13- تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) «2» 14- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «3» 15- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) «4» 16- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «5» 17- * لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «6»   (1) آل عمران: 190- 198 مدنية (2) النساء: 13 مدنية (3) النساء: 57 مدنية (4) النساء: 122 مدنية (5) المائدة: 12 مدنية (6) المائدة: 82- 85 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2130 18- قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «1» 19- الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) «2» 20- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) «3» 21- لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) «4» 22- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «5» 23- * إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «6»   (1) المائدة: 119 مدنية (2) التوبة: 20- 22 مدنية (3) التوبة: 71- 72 مدنية (4) التوبة: 88- 89 مدنية (5) التوبة: 99- 100 مدنية (6) التوبة: 111- 112 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2131 24- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «1» 25- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) «2» 26- * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) «3» 27- * أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «4» 28- * مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) «5» 29- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «6» 30- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) «7» 31- * وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) «8»   (1) يونس: 9- 10 مكية (2) هود: 23 مكية (3) هود: 108 مكية (4) الرعد: 19- 24 مدنية (5) الرعد: 35 مدنية (6) إبراهيم: 23 مكية (7) الحجر: 45- 48 مكية (8) النحل: 30- 32 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2132 32- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) «1» 33- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (108) «2» 34- إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) «3» 35- وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «4» 36- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) «5» 37- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «6» 38- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «7»   (1) الكهف: 30- 31 مكية (2) الكهف: 107- 108 مكية (3) مريم: 60- 63 مكية (4) طه: 75- 76 مكية (5) الحج: 14 مكية (6) الحج: 23- 24 مكية (7) المؤمنون: 1- 11 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2133 39- قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا (16) «1» 40- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) «2» 41- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «3» 42- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) «4» 43- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «5» 44- إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) «6» 45- إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (44) يُطافُ عَلَيْهِمْ   (1) الفرقان: 15- 16 مكية (2) العنكبوت: 58- 59 مكية (3) لقمان: 8- 9 مكية (4) السجدة: 15- 19 مكية (5) فاطر: 32- 35 مكية (6) يس: 55- 58 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2134 بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (50) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (55) قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61) «1» 46- هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) * وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (53) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (54) «2» 47- لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20) «3» 48- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «4» 49- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «5» 50- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)   (1) الصافات: 40- 61 مكية (2) ص: 49- 54 مكية (3) الزمر: 20 مكية (4) الزمر: 73- 75 مكية (5) غافر: 40 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2135 نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) «1» 51- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «2» 52- رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «3» 53- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) «4» 54- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) «5» 55- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)   (1) فصلت: 30- 32 مكية (2) الشورى: 22- 23 مكية (3) الأحزاب: 68- 73 مدنية (4) الدخان: 51- 57 مكية (5) محمد: 15 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2136 ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) «1» 56- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) «2» 57- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) «3» 58- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) «4» 59- وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47) ذَواتا أَفْنانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (49) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (50) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (51) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (52) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (55) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (58) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (59) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (60) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (61) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (62) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (63) مُدْهامَّتانِ (64) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (65) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (66) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما   (1) ق: 31- 35 مكية (2) الذاريات: 15- 19 مكية (3) الطور: 17- 28 مكية (4) القمر: 54- 55 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2137 تُكَذِّبانِ (67) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (69) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (71) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (72) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (76) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (77) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78) «1» 60- وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36) عُرُباً أَتْراباً (37) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) «2»   (1) الرحمن: 46- 78 مدنية (2) الواقعة: 10- 40 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2138 61- يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) «1» 62- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «2» 63- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) «3» 64- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «4» 65- فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «5» 66- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «6» 67- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22) قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24) «7»   (1) الحديد: 12 مدنية (2) الحديد: 21 مدنية (3) المجادلة: 22 مدنية (4) الصف: 10- 13 مدنية (5) التغابن: 8- 9 مدنية (6) التحريم: 8 مدنية (7) الحاقة: 19- 24 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2139 68- * إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «1» 69- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) «2» 70- وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «3» 71- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) «4» 72- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «5» 73- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) «6» 74- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «7»   (1) المعارج: 19- 35 مكية (2) النبأ: 31- 36 مكية (3) النازعات: 40- 41 مكية (4) المطففين: 22- 28 مكية (5) البروج: 11 مكية (6) الغاشية: 8- 16 مكية (7) البينة: 7- 8 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2140 الأحاديث الواردة في (الرغبة) 1- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «1» فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «2» ، وفوّضّت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك «3» ، رغبة ورهبة «4» إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت، واجعلهنّ من آخر كلامك، فإن متّ من ليلتك متّ وأنت على الفطرة «5» » قال فردّدتهنّ لأستذكرهنّ فقلت: آمنت برسولك الّذي أرسلت قال: «قل: آمنت بنبيّك الّذي أرسلت» ) * «6» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم أصوات الدّيكة فإنّها رأت ملكا فاسألوا الله وارغبوا إليه، وإذا سمعتم نهاق الحمير فإنّها رأت شيطانا فاستعيذوا بالله من شرّ ما رأت» ) * «7» . 3- * (عن يزيد بن حيّان. قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا. رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: يابن أخي والله لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما حدّثتكم فاقبلوا. وما لا، فلا تكلّفونيه. ثمّ قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا. بماء يدعى خمّا «8» بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر. ثمّ قال: «أمّا بعد ألا أيّها النّاس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين «9» : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثمّ قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي» . فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟. قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده. قال: ومن هم؟.   (1) إذا أخذت مضجعك: معناه إذا أردت النوم في مضجعك. (2) أسلمت وجهي إليك. وفي الرواية الأخرى أسلمت نفسي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك. قال العلماء: الوجه والنفس، هنا بمعنى الذات كلها، يقال: سلم وأسلم واستسلم بمعنى. (3) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدت في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده. (4) رغبة ورهبة: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عذابك. (5) الفطرة: أي الإسلام. (6) البخاري- الفتح 1 (247) ، ومسلم (2710) واللفظ له. (7) أحمد (2/ 321) وصححه الشيخ أحمد شاكر (16/ 118) وقد رواه البخاري- الفتح (3303) ، ومسلم (2729) بلفظ آخر. (8) خمّ: اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة، غدير مشهور يضاف إلى الغيضة، فيقال: غدير خم. (9) ثقلين: قال العلماء: سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما. وقيل: لثقل العمل بهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2141 قال: هم، آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس. قال: كلّ هؤلاء حرم الصّدقة؟. قال: نعم) * «1» . 4- * (عن خبّاب بن الأرتّ- وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أنّه راقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّيلة كلّها حتّى كان مع الفجر فلمّا سلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من صلاته جاءه خبّاب فقال: يا رسول الله- بأبي أنت وأمّي- لقد صلّيت اللّيلة صلاة ما رأيتك صلّيت نحوها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أجل إنّها صلاة رغب ورهب، سألت ربّي- عزّ وجلّ- فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت ربّي- عزّ وجلّ- أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربّي- عزّ وجلّ- أن لا يظهر علينا عدوّا من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربّي أن لا يلبسنا شيعا فمنعنيها» ) * «2» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: حدّثوني عن رجل دخل الجنّة لم يصلّ قطّ فإذا لم يعرفه النّاس سألوه من هو؟. فيقول: أصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش. فقلت لمحمود بن لبيد: كيف كان شأن الأصيرم؟ قال: كان يأبي الإسلام على قومه، فلمّا كان يوم أحد وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أحد بدا له الإسلام فأسلم، فأخذ سيفه فغدا حتّى أتى القوم، فدخل في عرض النّاس، فقاتل حتّى أثبتته الجراحة، فبينا رجال بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، قالوا: والله إنّ هذا للأصيرم. وما جاء به؟ لقد تركناه وإنّه لمنكر الحديث، فسألوه ما جاء به؟، فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؟ أحربا على قومك أو رغبة في الإسلام؟. فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ثمّ أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقاتلت حتّى أصابني ما أصابني فلم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لمن أهل الجنّة» ) * «3» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أوصى سلمان الخير، قال: «إنّ نبيّ الله عليه السّلام يريد أن يمنحك كلمات تسألهنّ الرّحمن ترغب إليه فيهنّ وتدعو بهنّ باللّيل والنّهار. قال: اللهمّ إنّي أسألك صحّة إيمان وإيمانا في خلق حسن ونجاحا يتبعه فلاح «4» » ) * «5» . 7- * (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- قال: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدّجّال ذات غداة، فخفّض فيه ورفّع «6» ، حتّى ظننّاه في طائفة النّخل ... الحديث، وفيه: فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى:   (1) مسلم (2408) . (2) الترمذي (2175) وقال: حسن غريب صحيح، وصححه أحمد (5/ 109) ، والنسائي (3/ 217) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (9/ 200) ، كما قال الترمذي. (3) أحمد (5/ 428) ، وقال الهيثمي (9/ 362- 363) واللفظ له: رجاله ثقات، ونحوه عند أبي داود رقم (2537) ، وحسنه الألباني (2/ 482) . (4) تكملته: يعني ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوانا، قال أبي وهن مرفوعة في الكتاب: يتبعه فلاح ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوان. (5) أحمد (2/ 321) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (8255) : إسناده حسن. وقال الهيثمي: رجاله ثقات. (6) فخفّض منه ورفّع: بتشديد الفاء فيهما، وفي معناه قولان: أحدهما أن خفض بمعنى حقّر، وقوله رفع أي عظّمه، وفخّمه، فمن- الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2142 أنّي قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم «1» فحرّز عبادي إلى الطّور «2» . ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كلّ حدب ينسلون «3» ، فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبريّة، فيشربون ما فيها، ويمرّ آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرّة ماء، ويحضر نبيّ الله عيسى وأصحابه، حتّى يكون رأس الثّور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم. فيرغب نبيّ الله «4» عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النّغف «5» في رقابهم، فيصبحون فرسى «6» كموت نفس واحدة. ثمّ يهبط نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلّا ملأه زهمهم «7» ونتنهم. فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت «8» فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثمّ يرسل الله مطرا لا يكنّ «9» منه بيت مدر «10» ولا وبر، فيغسل الأرض حتّى يتركها كالزّلفة «11» . ثمّ يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردّي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة «12» من الرّمّانة. ويستظلّون بقحفها «13» ، ويبارك في الرّسل «14» ، حتّى إنّ اللّقحة «15» من الإبل   - تحقيره وهوانه على الله تعالى: عوره، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم هو أهون على الله من ذلك» وأنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل، ثم يعجز عنه، وأنه يضمحل أمره، ويقتل بعد ذلك، هو وأتباعه، ومن تفخيمه وتعظيم فتنته والمحنة به: هذه الأمور الخارقة للعادة، وأنه ما من نبي إلا وقد أنذره قومه، والوجه الثاني أنه خفض من صوته في حال الكثرة فيما تكلم فيه، فخفض بعد طول الكلام والتعب ليستريح، ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد بلاغا كاملا مفخما. (1) لا يدان لأحد بقتالهم: يدان تثنية يد. قال العلماء: معناه لا قدرة ولا طاقة. يقال: ما لي بهذا الأمر يد، وما لي به يدان، لأن المباشرة والدفع إنما يكون باليد. وكأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه. (2) فحرّز عبادي إلى الطور: أي ضمهم واجعله لهم حرزا. يقال: أحرزت إحرازا، إذا حفظته وضممته إليك، وصنته عن الأخذ. (3) وهم من كل حدب ينسلون: قال الفراء: من كل أكمة، ومن كل موضع مرتفع، وينسلون يمشون مسرعين. يريد: يظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها. (4) فيرغب نبي الله: أي إلى الله، أو يدعو. (5) النغف: هو دود يكون في أنوف الإبل والغنم، الواحدة نغفة. (6) فرسى: أي قتلى، واحدهم فريس، كقتيل، وقتلى. (7) الزّهم: رائحة اللحم والزّهمة بالضم الريح المنتنة. (8) البخت: قال في اللسان: البخت والبختية دخيل في العربية أعجمي معرب، وهي الإبل الخراسانية، تنتج من عربية وفالج، وهي جمال طوال الأعناق. (9) لا يكن: أي لا يمنع من نزول الماء. (10) مدر: هو الطين الصلب. (11) كالزلفة: روي الزّلفة. وروي: الزّلفة. وروي الزّلفة. قال القاضي: وكلها صحيحة، واختلفوا في معناه فقال ثعلب وأبو زيد وآخرون: معناه كالمرآة، وحكى صاحب المشارق هذا عن ابن عباس أيضا: شبهها بالمرآة في صفائها ونظافتها. وقيل: كمصانع الماء، أي أن الماء يستنقع فيها حتى تصير كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء. وقال أبو عبيد: معناه كالإجّانة الخضراء. وقيل: كالصفحة. وقيل: كالروضة. (12) العصابة: هي الجماعة. (13) بقحفها: بكسر القاف، وهو مقعر قشرها، شبهها بقحف الرأس وهو الذي فوق الدماغ، وقيل: ما انفلق من جمجمته وانفصل. (14) الرسل: هو اللبن. (15) اللقحة: بكسر اللام وفتحها لغتان مشهورتان، الكسر أشهر، وهي القريبة العهد بالولادة، وجمعها لقح كبركة وبرك، واللقوح ذات اللبن، وجمعها لقاح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2143 لتكفي الفئام «1» من النّاس، واللّقحة من البقر لتكفي القبيلة من النّاس. واللّقحة من الغنم لتكفي الفخذ من النّاس «2» . فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيّبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كلّ مؤمن وكلّ مسلم» . ويبقى شرار النّاس، يتهارجون فيها تهارج الحمر «4» فعليهم تقوم السّاعة» ) * «5» . 8- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- وكان ممّن شهد العقبة وبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها، قال: خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين وقد صلّينا وفقهنا معنا البراء بن معرور كبيرنا وسيّدنا، فلمّا توجّهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة. قال البراء لنا: يا هؤلاء، إنّي قد رأيت والله رأيا وإنّي والله ما أدري توافقوني عليه أم لا. قال: قلنا له: وما ذاك؟. قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنيّة منّي بظهر يعني الكعبة، وأن أصلّي إليها. قال: فقلنا: والله ما بلغنا أنّ نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم يصلّي إلّا إلى الشّام، وما نريد أن نخالفه. فقال: إنّي أصلّي إليها. فقلنا له: لكنّا لا نفعل. فكنّا إذا حضرت الصّلاة صلّينا إلى الشّام وصلّى إلى الكعبة حتّى قدمنا مكّة. قال أخي: وقد كنّا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلّا الإقامة عليه، فلمّا قدمنا مكّة، قال يابن أخي: انطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاسأله عمّا صنعت في سفري هذا، فإنّه والله قد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إيّاي فيه. قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكنّا لا نعرفه، لم نره قبل ذلك، فلقينا رجل من أهل مكّة فسألناه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هل تعرفانه. قال: قلنا: لا، قال: فهل تعرفان العبّاس ابن عبد المطلّب عمّه. قلنا: نعم، قال: وكنّا نعرف العبّاس، كان لا يزال يقدم علينا تاجرا، قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرّجل الجالس مع العبّاس، قال: فدخلنا المسجد فإذا العبّاس جالس ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه جالس، فسلّمنا ثمّ جلسنا إليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للعبّاس: «هل تعرف هذين الرّجلين يا أبا الفضل؟» . قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فو الله ما أنسى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الشّاعر؟» . قال: نعم. قال: فقال البراء بن معرور: يا نبيّ الله إنّي خرجت في سفري هذا وهداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر صلّيت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتّى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله. قال: «لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها» . قال:   (1) الفئام: هي الجماعة الكثيرة، هذا هو المشهور والمعروف في اللغة وكتب الغريب. (2) الفخذ من الناس: قال أهل اللغة: الفخذ الجماعة من الأقارب، وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة، قال القاضي: قال ابن فارس: الفخذ هنا بإسكان الخاء لا غير، فلا يقال إلا بإسكانها، بخلاف الفخذ التي هي العضو فإنها تكسر وتسكن. (3) وكل مسلم: هكذا هو في جميع نسخ مسلم: وكل مسلم، بالواو. (4) يتهارجون فيها تهارج الحمر: أي يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس، كما يفعل الحمير، ولا يكترثون لذلك، والهرج، بإسكان الراء، الجماع. يقال: هرج زوجته أي جامعها، يهرجها، بفتح الراء وضمها وكسرها. (5) مسلم (2937) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2144 فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى معنا إلى الشّام، قال: وأهله يزعمون أنّه صلّى إلى الكعبة حتّى مات، وليس ذلك، نحن أعلم به منهم. قال: وخرجنا إلى الحجّ فواعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقبة من أوسط أيّام التّشريق، فلمّا فرغنا من الحجّ وكانت اللّيلة الّتي وعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعنا عبد الله ابن عمرو بن حرام أبو جابر سيّد من ساداتنا وكنّا نكتم من معنا من المشركين أمرنا فكلّمناه وقلنا له يا أبا جابر إنّك سيّد من سادتنا وشريف من أشرافنا وإنّا نرغب بك عمّا أنت فيه أن تكون حطبا للنّار غدا، ثمّ دعوته إلى الإسلام وأخبرته بميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا، قال: فنمنا تلك اللّيلة مع قومنا في رحالنا حتّى إذا مضى ثلث اللّيل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نتسلّل مستخفين تسلّل القطا حتّى اجتمعنا في الشّعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائهم نسيبة بنت كعب أمّ عمارة إحدى نساء بني مازن بن النّجّار، وأسماء بنت عمرو بن عديّ بن ثابت إحدى نساء بني سلمة وهي أمّ منيع. قال: فاجتمعنا بالشّعب ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جاءنا يومئذ عمّه العبّاس ابن عبد المطلّب، وهو يومئذ على دين قومه إلّا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثّق له، فلمّا جلسنا كان العبّاس بن عبد المطلّب أوّل من تكلّم، فقال: يا معشر الخزرج، قال: وكانت العرب ممّا يسمّون هذا الحيّ من الأنصار الخزرج أوسها وخزرجها. إنّ محمّدا منّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممّن هو على مثل رأينا فيه وهو في عزّ من قومه ومنعة في بلده. قال: فقلنا: قد سمعنا ما قلت، فتكلّم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربّك ما أحببت. قال: فتكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلا ودعا إلى الله- عزّ وجلّ- ورغّب في الإسلام. قال: «أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» قال: فأخذ البراء بن معرور بيده. ثمّ قال: نعم والّذي بعثك بالحقّ لنمنعنّك ممّا نمنع منه أزرنا، فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنحن أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر ... الحديث) * «1» . 9- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عجب ربّنا- عزّ وجلّ- من رجلين، رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحيّه إلى صلاته، فيقول ربّنا: أيا ملائكتي، انظروا إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه ومن بين حيّه وأهله إلى صلاته، رغبة فيما عندي، وشفقة ممّا عندي. ورجل غزا في سبيل الله- عزّ وجلّ- فانهزموا، فعلم ما عليه من الفرار، وما له في الرّجوع، فرجع حتّى أهريق دمه، رغبة فيما عندي، وشفقة ممّا عندي، فيقول الله- عزّ وجلّ- لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي، ورهبة ممّا عندي، حتّى أهريق دمه» ) * «2» .   (1) أحمد (3/ 461) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 42، 43، 44) : رجال أحمد رجال الصحيح غير محمد ابن إسحاق وقد صرح بالسماع والطبراني بنحوه.. (2) أحمد (1/ 416) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (6/ 22) : إسناده صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 255) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير وإسناده حسن. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2145 10- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: قدمت عليّ أمّي وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدهم، فاستفتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله قدمت عليّ أمّي وهي راغبة، أفأصل أمّي؟. قال: «نعم صلي أمّك» ) * «1» . 11- * (عن سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جيّ، وكان أبي دهقان «2» قريته، وكنت أحبّ خلق الله إليه، فلم يزل به حبّه إيّاي حتّى حبسني في بيته، أي ملازم النّار، كما تحبس الجارية، وأجهدت في المجوسيّة حتّى كنت قطن النّار «3» الّذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة. قال: فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بنيّ إنّي قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطّلعها وأمرني فيها بعض ما يريد. فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النّصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلّون وكنت لا أدري ما أمر النّاس لحبس أبي إيّاي في بيته. فلمّا مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلمّا رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الدّين الّذي نحن عليه فو الله ما تركتهم حتّى غربت الشّمس وتركت ضيعة أبي، ولم آتها فقلت لهم: أين أصل هذا الدّين؟. قالوا: بالشّام. قال: ثمّ رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كلّه قال: فلمّا جئته قال: أي بنيّ! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت! مررت بناس يصلّون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فو الله ما زلت عندهم حتّى غربت الشّمس، قال: أي بنيّ! ليس في ذلك الدّين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قال: قلت: كلّا والله إنّه خير من ديننا. قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثمّ حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النّصارى، فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشّام تجّار من النّصارى فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشّام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم. قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرّجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم. قال فلمّا أرادوا الرّجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي ثمّ خرجت معهم حتّى قدمت الشّام فلمّا قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدّين. قالوا: الأسقف في الكنيسة. قال: فجئته فقلت: إنّي قد رغبت في هذا الدّين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلّم منك وأصلّي معك، قال: فادخل. فدخلت معه قال: فكان رجل سوء، يأمرهم بالصّدقة ويرغّبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين حتّى جمع سبع قلال من ذهب وورق. قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثمّ مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم: إنّ هذا كان رجل سوء،   (1) البخاري- الفتح 6 (3183) ، ومسلم (1003) واللفظ له. (2) الدهقان: بكسر الدال وضمها: رئيس القرية- وهو معرّب. (3) قطن النار: خازنها وخادمها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2146 يأمركم بالصّدقة ويرغّبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئا قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلّكم على كنزه. قالوا: فدلّنا عليه. قال: فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فلمّا رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا. فصلبوه ثمّ رجموه بالحجارة، ثمّ جاؤوا برجل آخر فجعلوه بمكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا يصلّي الخمس، أرى أنّه أفضل منه، وأزهد منه في الدّنيا، ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه. قال: فأحببته حبّا لم أحبّه من قبله، وأقمت معه زمانا ثمّ حضرته الوفاة.. الحديث) * «1» . 12- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه. ثمّ دخل آخر. فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلمّا قضينا الصّلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ، فحسّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شأنهما، فسقط في نفسي من التّكذيب، ولا إذ كنت في الجاهليّة «2» ، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا «3» ، وكأنّما أنظر إلى الله- عزّ وجلّ- فرقا «4» . فقال لي: «يا أبيّ أرسل إليّ: أن اقرإ القرآن على حرف فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي، فردّ إليّ الثّانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي، فردّ إليّ الثّالثة: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكلّ ردّة رددتكها مسألة تسألنيها «5» . فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتي. اللهمّ اغفر لأمّتي، وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلّهم، حتّى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» . 13- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله من يؤمّر بعدك؟ قال: «إن تؤمّروا   (1) أحمد (5/ 441- 444) ، وقال الهيثمى في مجمع الزوائد (9/ 332- 336) ، ورواه أحمد والطبراني في المعجم الكبير رقم (6065) بأسانيد رجالها رجال الصحيح غير محمد ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. (2) فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية: معناه وسوس إلى الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية، لأنه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا، فوسوس لي الشيطان الجزم بالتكذيب. قال القاضي عياض: معنى قوله: سقط في نفسي، أنه اعترته حيرة ودهشة. قال: وقوله: ولا إذ كنت في الجاهلية، معناه: أن الشيطان نزغ في نفسه تكذيبا لم يعتقده. قال: وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها، لا يؤاخذ بها. قال القاضي: قال المازري: معنى هذا أنه وقع في نفس أبي بن كعب نزغة من الشيطان غير مستقرة ثم زالت في الحال، حين ضربه النبي صلّى الله عليه وسلّم بيده في صدره ففاض عرقا. (3) ضرب في صدري ففضت عرقا: قال القاضي: ضربه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدره تثبيتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم. قال: ويقال: فضت عرقا وفصت، بالضاد المعجمة والصاد المهملة. قال وروايتنا هنا بالمعجمة. قال النووي: وكذا هو في معظم أصول بلادنا، وفي بعضها بالمهملة. (4) فرقا: بفتحتين: أي خوفا. (5) مسألة تسألنيها: معناه: مسألة مجابة قطعا، وأما باقي الدعوات فمرجوة، ليست قطعيّة الإجابة. (6) مسلم (820) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2147 أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدّنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر تجدوه قويّا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّا، ولا أراكم فاعلين، تجدوه هاديا مهديّا يأخذ بكم الطّريق المستقيم» ) * «1» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر النّاس على ثلاث طرائق «2» راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيّتهم النّار، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا» ) * «3» . 15- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهلّ ملبّدا «4» يقول: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك» . لا يزيد على هؤلاء الكلمات. وإنّ عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- كان يقول: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثمّ إذا استوت به النّاقة قائمة عند مسجد الحليفة، أهلّ بهؤلاء الكلمات. وكان عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يقول: كان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يهلّ بإهلال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من هؤلاء الكلمات، ويقول: لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك وسعديك، والخير في يديك لبّيك، والرّغباء إليك والعمل) * «5» . () الأحاديث الواردة في (الرغبة) معنى 16- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ، فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا، ثمّ سلوا الله لي الوسيلة «6» ، فإنّها منزلة في الجنّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة» ) * «7» . 17- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أبدع بي «8» فاحملني. فقال: «ما عندي» ، فقال رجل:   (1) أحمد (1/ 109) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 158) : إسناده صحيح، ووثق الهيثمي رجاله في المجمع (5/ 176) . (2) ثلاث طرائق: أي ثلاث فرق، ومنه قوله تعالى إخبارا عن الجن: كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً أي فرقا مختلفة الأهواء. (3) البخاري- الفتح 11 (6522) ، ومسلم (2861) واللفظ له (4) يهلّ ملبّدا، قال العلماء: الإهلال رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام. أما التلبيد فهو ضفر الرأس بالصمغ أو الخطمى وشبههما مما يضم الشعر ويلزق بعضه ببعض ويمنعه التمعط والقمل فيستحب لكونه أرفق به. (5) مسلم (1184) . (6) الوسيلة: ما يتقرّب به إلى الله تعالى من صالح القول والعمل، وقد جاء في الحديث: «أنها منزلة من منازل الجنة» . (7) مسلم (384) . (8) أبدع بي: وفي بعض النسخ: بدّع بي: ونقله القاضي عن جمهور رواة مسلم، قالوا: والأول هو الصواب، ومعروف في اللغة، ومعناه: هلكت دابتي وهي مركوبي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2148 يا رسول الله، أنا أدلّه على من يحمله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» ) * «1» . 18- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل بناقة مخطومة «2» ، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لك بها يوم القيامة، سبعمائة ناقة، كلّها مخطومة» ) * «3» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» فتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والأمر على ذلك، ثمّ كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر على ذلك) * «4» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «5» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير في يوم مائة مرّة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك حتّى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل ممّا جاء به، إلّا رجل عمل أكثر منه» ) * «6» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «7» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم، وإن تقرّب منّي شبرا تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ) * «8» . 24- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «كسفت الشّمس، فصلّى عليّ- رضي الله عنه- للنّاس، فقرأ يس أو نحوها، ثمّ ركع نحوا من قدر السّورة، ثمّ رفع رأسه   (1) مسلم (1893) . (2) مخطومة: أي فيها خطام، وهو قريب من الزمام. (3) مسلم (1892) . (4) البخاري- الفتح 4 (2009) ، ومسلم (759) واللفظ له. (5) مسلم (2674) . (6) البخاري- الفتح 11 (6403) ، ومسلم (2691) واللفظ له (7) الترمذي (2305) واللفظ له، وأحمد (2/ 310) ، وابن ماجة (4217) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) : حديث حسن. (8) البخاري- الفتح 13 (7405) ، ومسلم (2675) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2149 فقال: سمع الله لمن حمده، ثمّ قام قدر السّورة يدعو ويكبّر، ثمّ ركع قدر قراءته أيضا، ثمّ قال: سمع الله لمن حمده، ثمّ قام أيضا قدر السّورة، ثمّ ركع قدر ذلك، حتّى صلّى أربع ركعات، ثمّ قال: سمع الله لمن حمده، ثمّ سجد، ثمّ قام في الركعة الثّانية ففعل كفعله في الرّكعة الأولى، ثمّ جلس يدعو ويرغب، حتّى انكشفت الشّمس، ثمّ حدّثهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذلك فعل» ) * «1» . 25- * (قال أبو ذرّ- رضي الله عنه-: «خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمّنا» ... الحديث وفيه: «فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة، فنافر «2» أنيس عن صرمتنا وعن مثلها» ، فأتيا الكاهن فخيّر أنيسا، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها ... وفيه: «فقال أنيس: إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني، فانطلق أنيس حتّى أتى مكّة، فراث عليّ «4» ثمّ جاء، فقلت: ما صنعت؟. قال: لقيت رجلا بمكّة على دينك، يزعم أنّ الله أرسله، قلت: فما يقول النّاس؟، قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشّعراء» . قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر «5» فما يلتئم على لسان أحد بعدي، أنّه شعر، والله! إنّه لصادق، وإنّهم لكاذبون. قال: قلت: فاكفني حتّى أذهب فأنظر، قال: فأتيت مكّة ... الحديث، وفيه: «ولقد لبثت يابن أخي ثلاثين، بين ليلة ويوم. ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني «6» ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع «7» » ... الحديث، وفيه: «وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثمّ صلّى، فلمّا قضى صلاته (قال أبو ذرّ) فكنت أنا أوّل من حيّاه بتحيّة الإسلام، قال: فقلت: السّلام عليك يا رسول الله، فقال: «وعليك ورحمة الله» . ثمّ قال: «من أنت؟» ، قال: قلت: من غفار، قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده فقدعني «8» صاحبه، وكان أعلم به منّي، ثمّ رفع رأسه، ثمّ قال: «متى كنت هاهنا؟» ، قال فقلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم، قال: «فمن كان يطعمك؟» ، قال: قلت: ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى انكسرت عكن بطني، وما أجد   (1) أحمد (1/ 143) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 591) : إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (2/ 207) ، وقال: رجاله ثقات. (2) فنافر: قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا: المنافرة المفاخرة والمحاكمة، فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر، ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا، وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر. (3) عن صرمتنا وعن مثلها: معناه: تراهن هو وآخر أيهما أفضل، وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك، فأيهما كان أفضل أخذ الصرمة، فتحاكما إلى الكاهن، فحكم بأن أنيسا أفضل، وهو معنى قوله: فخير أنيسا، أي جعله الخيار والأفضل. (4) فراث علي: أي أبطأ. (5) أقراء الشعر: أي طرقه وأنواعه. (6) عكن بطني: جمع عكنة وهي الطي في البطن من السمن معنى تكسرت أي انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه. (7) سخفة جوع: بفتح السين وضمها، هي رقة الجوع وضعفه وهزاله. (8) فقد عني: أي كفني، يقال: قدعه وأقدعه، إذا كفه ومنعه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2150 على كبدي سخفة جوع. قال: «إنّها مباركة، إنّها طعام طعم «1» » . فقال أبو بكر: يا رسول الله ائذن لي في طعامه اللّيلة، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطّائف، وكان ذلك أوّل طعام أكلته بها، ثمّ غبرت ما غبرت «2» ، ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه قد وجّهت لي أرض «3» ذات نخل، لا أراها «4» إلّا يثرب «5» فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم» . فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت، قال: ما بي رغبة عن دينك، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فأتينا أمّنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما «6» ، فإنّي قد أسلمت وصدّقت. فاحتملنا «7» حتّى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمّهم إيماء «8» بن رحضة الغفاريّ، وكان سيّدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله إخوتنا، نسلم على الّذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله» ) * «9» . () الأحاديث الواردة في (الترغيب في الجنة) 26- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدّنيا وما فيها، ولقاب «10» قوس أحدكم- أو موضع قدّه «11» من الجنّة خير من الدّنيا وما فيها، ولو أنّ امرأة من نساء أهل الجنّة اطّلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا، ولنصيفها- يعني الخمار- خير من الدّنيا وما فيها» ) * «12» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها   (1) طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام. (2) غبرت ما غبرت: أي بقيت ما بقيت. (3) وجهت لي أرض: أي أريت جهتها. (4) أراها: ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها. (5) يثرب: هذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة، وقد جاء بعد ذلك حديث في النهي عن تسميتها يثرب. (6) ما بي رغبة عن دينكما: أي لا أكرهه، بل أدخل فيه. (7) فاحتملنا: يعني حملنا أنفسنا ومتناعا على إبلنا، وسرنا. (8) إيماء: الهمزة في أوله مكسورة، على المشهور، وحكى القاضي فتحها أيضا، وأشار إلى ترجيحه، وليس براجح. (9) مسلم (2473) . (10) القاب: هو القدر. (11) القدّ: وتر القوس، ويطلق أيضا على السواط. (12) البخاري- الفتح 11 (6568) واللفظ له، وأحمد (2/ 483) ، الترمذي (1651) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2151 الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السّماء والأرض» ) * «1» . 28- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يقول لأهل الجنّة: يا أهل الجنّة! فيقولون: لبّيك ربّنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربّ؟ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربّ، وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «2» . 29- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدّرّيّ الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم» قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم، قال: «بلى، والّذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين» ) * «3» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: إنّ في الجنّة لشجرة يسير الرّاكب في ظلّها مائة سنة» ) * «4» . 31- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة لسوقا يأتونها كلّ جمعة فتهبّ ريح الشّمال «5» فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله، لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا» ) * «6» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله عزّ وجلّ: أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرأوا إن شئتم: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ (السجدة/ 17) » ) * «7» . 33- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: شهدت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسا   (1) البخاري- الفتح 6 (2790) جزء من حديث، والمنذري في الترغيب والترهيب 4/ 511. (2) مسلم (2829) واللفظ له، والبخاري (الفتح) 11/ 6549. (3) مسلم (2831) . (4) مسلم (2826) واللفظ له، وانظر رواية أخرى عن سهل ابن سعد برقم (2827) وهي رواية البخاري- الفتح 11 (6552) والترمذي برقم 2524 من حديث أبي سعيد، قال أبو عيسى: حديث حسن غريب، ورواه مسلم عن أبي سعيد برقم (2828) ، وابن ماجه (4335) . (5) ريح الشمال: هي التي تأتي من دبر القبلة، قال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال، لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام وبها يأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحاب الشامية. (6) مسلم (2833) . (7) البخاري- الفتح 6 (3244) ، ومسلم (2824) واللفظ له، وأحمد 2/ 313 وابن ماجه (4328) ، والمنذري في الترغيب والترهيب 4/ 133. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2152 وصف فيه الجنّة حتّى انتهى، ثمّ قال في آخر حديثه «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» ، ثمّ اقترأ هذه الآية تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16، 17) » ) * «1» . 34- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا حلال، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «2» ، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «3» عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب «4» ، وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «5» ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «6» ، تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت ربّ إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال، قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «7» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخل أو الكذب» والشّنظير» الفحّاش» ) * «9» . 35- * (عن همّام بن منبّه قال: هذا ما حدّثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله- عزّ وجلّ- آدم على صورته «10» ، طوله ستّون ذراعا، فلمّا خلقه قال: اذهب فسلّم على أولئك النّفر. وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك. فإنّها تحيّتك وتحيّة ذرّيّتك، قال: فذهب فقال: السّلام عليكم. فقالوا: السّلام عليك ورحمة الله. قال: فزادوه! ورحمة الله. قال: فكلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم، وطوله ستّون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتّى الآن» ) * «11» . 36- * (عن حارثة بن وهب الخزاعيّ قال:   (1) مسلم (2825) . (2) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي، وقيل مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (3) مقتهم: المقت: أشد البغض. (4) الا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل. (5) أي لأمتحنك بتبليغ الرسالة وغير ذلك من الجهاد والصبر وأبتلى بك من أرسلتك إليهم. (6) كتابا لا يغسله الماء: أي محفوظ في الصدور باق على مر الزمان. (7) لا زبر له: أي لا عقل له. (8) الشنظير: الفحاش، سيء الخلق. (9) مسلم (2865) . (10) على صورته: أي أنه خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض، وتوفي عليها، وهي طوله ستون ذراعا. ولم ينتقل أطوارا كذريته، وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير. (11) مسلم (2841) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2153 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألا أخبركم بأهل الجنّة؟ كلّ ضعيف متضعّف. لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النّار؟ كلّ جوّاظ «1» زنيم «2» متكبّر» ) * «3» . 37- * (عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تحاجّت النّار والجنّة، فقالت النّار. أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. وقالت الجنّة: فما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم «4» وعجزهم «5» . فقال الله للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنّار: أنت عذابي، أعذّب بك من أشاء من عبادي. ولكلّ واحدة منكم ملؤها. فأمّا النّار فلا تمتلىء، فيضع قدمه عليها، فتقول: قط قط. فهنالك تمتليء، ويزوى بعضها إلى بعض» ) * «6» . 38- * (عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينادي مناد: إنّ لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدا. وإنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإنّ لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا، وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا» ، فذلك قوله- عزّ وجلّ- وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الأعراف/ 43) » ) * «7» . 39- * (عن أبي بكر عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ للمؤمن في الجنّة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوّفة، طولها ستّون ميلا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا» ) * «8» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ أوّل زمرة يدخلون الجنّة على صورة القمر ليلة البدر، والّذين يلونهم على أشدّ كوكب درّيّ في السّماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوّطون ولا يمتخطون ولا يتفلون. أمشاطهم الذّهب، ورشحهم المسك «9» ، ومجامرهم الألوّة «10» ، وأزواجهم الحور العين. أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستّون ذراعا في السّماء» ) * «11» . 41- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ موسى عليه السّلام سأل ربّه: ما أدنى أهل الجنّة منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنّة الجنّة فيقال له: ادخل الجنّة، فيقول: ربّ كيف وقد نزل النّاس منازلهم وأخذوا أخذاتهم «12» ؟   (1) جواظ: جموع منوع، وقيل: الكثير اللحم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين، وقيل الفاخر. (2) زنيم: هو الدّعيّ في النسب، الملصق بالقوم وليس منهم، شبه بزنمة الشاة. (3) مسلم (2853) اللفظ له، والبخاري- الفتح 8 (4918) وابن ماجة (4116) ، وأحمد 2/ 169 والترمذي (2605) . (4) سقطهم: أي ضعفاؤهم والمتحقرون منهم. (5) عجزهم: جمع عاجز أي: العاجزون عن طلب الدنيا والتمكن فيها والثروة والشوكة. (6) مسلم (2846) واللفظ له، والبخاري- الفتح 8 (4850) . (7) مسلم (2837) واللفظ له. (8) مسلم (2838) . (9) رشحهم: عرقهم. (10) الألوة: هو العود الذي يتبخر به، العود الهندي. (11) البخاري- الفتح 6 (3245) ، (3246) ، ومسلم (2834) واللفظ له. (12) أخذاتهم: درجاتهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2154 فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدّنيا؟ فيقول: رضيت ربّ، فيقول له: لك ذلك ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت ربّ، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذّت عينك. فيقول رضيت ربّ، قال: ربّ فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الّذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر» ) * «1» . 42- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النّار قبل الجنّة ومثّل له شجرة ذات ظلّ فقال: أي ربّ قرّبني من هذه الشّجرة أكون في ظلّها» . فذكر الحديث في دخوله الجنّة وتمنّيه إلى أن قال في آخره: «إذا انقطعت به الأمانيّ قال الله: هو لك وعشرة أمثاله، قال: ثمّ يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فيقولان: الحمد لله الّذي أحياك لنا وأحيانا لك. قال: فيقول: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت» ) * «2» . 43- * (عن سهل بن سعد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليدخلنّ الجنّة من أمّتي سبعون- أو سبعمائة ألف- لا يدري أبو حازم أيّهما قال- متماسكون، آخذ بعضهم بعضا لا يدخل أوّلهم حتّى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر» ) * «3» . 44- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «في الجنّة ثمانية أبواب، فيها باب يسمّى الرّيّان لا يدخله إلّا الصّائمون» ) * «4» . () من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الرغبة والترغيب) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «حضرت أبي حين أصيب، فأثنوا عليه. وقالوا: جزاك الله خيرا. فقال: راغب وراهب «5» . قالوا: استخلف. فقال: أتحمّل أمركم حيّا وميّتا؟ لوددت أنّ حظّي منها الكفاف، لا عليّ ولا لي، فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي «6» (يعني أبا بكر) ،   (1) مسلم (312) . (2) مسلم (311) . (3) البخاري- الفتح 11 (6554) . (4) البخاري- الفتح 6 (3267) . (5) راغب وراهب: أي راج وخائف، ومعناه: الناس صنفان أحدهما يرجو والثاني يخاف، أي راغب في حصول شيء مما عندي، أو راهب مني. وقيل: راغب في الخلافة فلا أحب تقديمه لرغبته، وراهب لها فأخشى عجزه عنها. (6) فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني: حاصله أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت، وقبل ذلك، يجوز له الاستخلاف ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر- رضي الله عنه-، وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2155 وإن أترككم فقد ترككم، من هو خير منّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال عبد الله: فعرفت أنّه حين ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير مستخلف» ) * «1» . 2- * (عن الحسن قال: كانوا يرغبون في تعليم القرآن والفرائض والمناسك) * «2» . 3- * (قال صاحب المنازل أبو إسماعيل الهرويّ: الرّغبة: هي من الرّجاء بالحقيقة لأنّ الرّجاء طمع يحتاج إلى تحقيق، والرّغبة سلوك على التّحقيق. أي الرّغبة تتولّد من الرّجاء لكنّه طمع، وهي سلوك وطلب) * «3» . 4- * (قال الشّاعر: ومتى تصبك خصاصة، فارج الغنى ... وإلى الّذي يعطي الرّغائب، فارغب) * «4» . () من فوائد (الرغبة والترغيب) (1) الرّغبة إلى الله تعالى وما عنده فيها خير كثير. (2) تقرّب العبد من الله زلفى. (3) تجعل عمله خالصا لله. (4) يكثر من العبادة والقربات إلى الله عزّ وجلّ. (5) يكون قدوة صالحة في مجتمعه. (6) تجعل الفرد سعيدا مسرورا في دنياه. (7) يطمئنّ إلى الآخرة ويرجو المغفرة. (8) تمنحه زهدا فيما في أيدي الناس. (9) يثق النّاس فيه لزهده فيهم ورغبته في الله وحده. (10) تقضي على داء الحرص والجشع في المجتمع لرغبة النّاس فيما عند الله وحده. أمّا التّرغيب فله فوائد عديدة منها: (11) يجعل العبد يتوق إلى ما أعدّه الله للطّائعين فيزداد طاعة وتقوى. (12) يورث الصّبر على المكاره في الدّنيا رجاء أن يعوّض عنه بالنّعيم المقيم في الآخرة. (13) التّرغيب يولّد الأمل، ويبعث على النّشاط والعمل للآخرة. (14) التّرغيب يحبّب إلى المسلم الطّاعات وينأى به عن المعاصي، ويدفع به إلى مقاومة الشّيطان.   (1) البخاري- الفتح 13 (7218) ، ومسلم (182) واللفظ له. (2) الدارمي (2860) . (3) مدارج السالكين (2/ 58) . (4) لسان العرب (1/ 422) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2156 الرفق الرفق لغة: أصل المادّة يدلّ على موافقة ومقاربة بلا عنف، يقول ابن فارس: الرّاء والفاء والقاف أصل واحد يدلّ على موافقة ومقاربة بلا عنف، فالرّفق خلاف العنف. وفي الحديث «إنّ الله- جلّ ثناؤه- يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» هذا هو الأصل، ثمّ يشتقّ منه كلّ شيء يدعو إلى راحة وموافقة. يقال: رفق بالأمر، وله، وعليه يرفق رفقا، ورفق يرفق، ورفق (الرّجل) : لطف، ورفق بالرّجل وأرفق بمعنى، حكاه أبو زيد، وكذلك ترفّق به، ويقال: أرفقته: أي نفعته، وأولاه رافقة أي رفقا، وهو به رفيق: لطيف. ويقول اللّيث: الرّفق: لين الجانب، ولطافة الفعل، وصاحبه رفيق، وقد رفق يرفق، وإذا أمرت قلت: رفقا، ومعناه: ارفق رفقا، ويقول ابن الأعرابيّ: رفق: انتظر، ورفق: إذا كان رفيقا بالعمل، ويقول أبو زيد: رفق الله بك ورفق عليك رفقا ومرفقا، وأرفقك الله إرفاقا، وفي حديث المزارعة: نهانا عن أمر كان بنا رافقا، أي ذا رفق، والرّفق: لين الجانب وهو خلاف العنف، وفي الحديث «ما كان الرّفق في شيء إلّا زانه» الآيات/ الأحاديث/ الآثار 2/ 48/ 9 وفي الحديث: «في إرفاق ضعيفهم وسدّ خلّتهم» ، أي إيصال الرّفق إليهم، وفي الحديث الآخر: «أنت رفيق والله الطّبيب» ، أي أنت ترفق بالمريض وتتلطّفه والله الّذي يبرئه ويعافيه. والرّفق والمرفق والمرفق: ما استعين به، وقد ترفّق به وارتفق، وفي التّنزيل وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (الكهف/ 16) «1» . وقال في النّهاية: وفي حديث الدّعاء: «وألحقني بالرّفيق الأعلى» الرّفيق: جماعة الأنبياء الّذين يسكنون أعلى علّيّين وهو اسم جاء على فعيل، ومعناه الجماعة كالصّديق والخليط يقع على الواحد والجمع، وقيل معناه: أي بالله عزّ وجلّ يقال: (الله رفيق بعباده) ، من الرّفق والرّأفة فهو فعيل بمعنى فاعل «2» . واصطلاحا: هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضدّ العنف «3» . حقيقة الرفق: قال الغزاليّ في الإحياء: اعلم أنّ الرّفق محمود ويضادّه العنف والحدّة. والعنف نتيجة الغضب والفظاظة،   (1) انظر مقاييس اللغة (2/ 418) ، والقاموس 3/ 236. (2) انظر النهاية لابن الأثير (2/ 246) ، ولسان العرب، لابن منظور (10/ 118) ، والصحاح (4/ 1482) . (3) انظر: فتح الباري، لابن حجر (10/ 449) ، ودليل الفالحين، لابن علان (3/ 89) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2157 والرّفق واللّين نتيجة حسن الخلق والسّلامة، وقد يكون سبب الحدّة الغضب وقد يكون سببها شدّة الحرص واستيلاؤه بحيث يدهش عن التّفكّر ويمنع من التّثبّت فالرّفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلّا حسن الخلق، ولا يحسّن الخلق إلّا بضبط قوّة الغضب وقوّة الشّهوة وحفظهما على حدّ الاعتدال. ولأجل هذا أثنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرّفق وبالغ فيه، قال سفيان الثّوريّ لأصحابه: «تدرون ما الرّفق؟» . قالوا: قل يا أبا محمّد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشّدّة في موضعها واللّين في موضعه والسّيف في موضعه والسّوط في موضعه. وهذه إشارة إلى أنّه لا بدّ من مزج الغلظة باللّين والفظاظة بالرّفق، كما قيل: ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا ... مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدى. فالمحمود وسط بين العنف واللّين كما في سائر الأخلاق، ولكن لمّا كانت الطّباع إلى العنف والحدّة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرّفق أكثر، فلذلك كثر ثناء الشّرع على جانب الرّفق دون العنف «1» . وقال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ: ومن أسمائه تعالى:" الرّفيق" في أفعاله وشرعه. ومن تأمّل ما احتوى عليه شرعه من الرّفق وشرع الأحكام شيئا بعد شيء وجريانها على وجه السّداد واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق الخلق أطوارا ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكم وأسرار لا تحيط بها العقول، وهو تعالى يحبّ من عباده أهل الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف. والرّفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقا في أموره متأنّيا، ومع ذلك لا يفوّت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الرحمة- حسن المعاملة- حسن العشرة- الرأفة- الشفقة- العطف الحنان- حسن الخلق- اللين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء المعاملة- العنف- القسوة- الجفاء- التعسير- الإساءة- سوء الخلق] . () الآيات في «الرفق» معنى 1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «3» 2- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) »   (1) إحياء علوم الدين، للغزالي (3/ 184- 185) . (2) توضيح الكافية الشافية (123) . (3) آل عمران: 159 مدنية (4) طه: 43- 44 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2158 الأحاديث الواردة في (الرفق) 1- * (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما رفيقا فلمّا رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: «ارجعوا فكونوا فيهم وعلّموهم وصلّوا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: السّامّ عليكم. فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم. قال: «مهلا يا عائشة عليك بالرّفق وإيّاك والعنف والفحش» . قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟. قال: «أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ» ) * «2» . 3- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلّا زانه، ولا ينزع من شيء إلّا شانه» ) * «3» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في بيتي هذا: «اللهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به» ) * «4» . 5- * (عن ظهير بن رافع- رضي الله عنه- قال: لقد نهانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أمر كان بنا رافقا. قلت ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو حقّ. قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما تصنعون بمحاقلكم؟» . قلت: نؤاجرها على الرّبيع «5» وعلى الأوسق من التّمر والشّعير. قال: «لا تفعلوا ازرعوها أو أزرعوها أو أمسكوها» . قال رافع: قلت سمعا وطاعة) * «6» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسير له فحدا الحادي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرفق يا أنجشة ويحك بالقوارير» ) * «7» . 7- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أعطي حظّه من الرّفق فقد أعطي حظّه من الخير، ومن حرم حظّه من الرّفق حرم حظّه من الخير» ) * «8» . 8- * (عن جرير- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من يحرم الرّفق يحرم الخير» ) * «9» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال لها: «يا عائشة أرفقي فإنّ الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلّهم على باب الرّفق» .   (1) البخاري- الفتح 2 (628) واللفظ له، ومسلم (674) . (2) البخاري- الفتح 10 (6030) . (3) مسلم (2594) . (4) مسلم (1828) . (5) الربيع: النهر الصغير. (6) البخاري- الفتح 5 (2339) . (7) البخاري- الفتح 10 (6209) . (8) الترمذي (213) وقال: حديث حسن صحيح. (9) مسلم (2592) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2159 وفي رواية: «إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرّفق» ) * «1» . 10- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: استأذن عمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نساء من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك فقال عمر: أضحك الله سنّك يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» . قال عمر: فأنت يا رسول الله أحقّ أن يهبن. ثمّ قال عمر: أي عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلن: نعم. أنت أغلظ وأفظّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان قطّ سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «2» . () الأحاديث الواردة في (الرفق) معنى 11- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: أخبرني من هو خير منّي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعمّار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: «بؤس ابن سميّة تقتلك فئة باغية» ) * «3» . 12- (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه يقول: لأقومنّ اللّيل ولأصومنّ النّهار ما عشت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت الّذي تقول ذلك؟» . فقلت له: قد قلته يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشّهر ثلاثة أيّام، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدّهر» . قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «صم يوما وأفطر يومين» . قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله، قال: «صم يوما وأفطر يوما، وذلك صيام داود عليه السّلام: وهو أعدل الصّيام» . قال: قلت فإنّى أطيق أفضل من ذلك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا أفضل من ذلك قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: لأن أكون قبلت الثّلاثة الأيام الّتي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ من أهلي ومالي) * «4» . 13- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فأسرّ إليّ   (1) أحمد في المسند (6/ 104) ، والمنذري (2/ 262) وقال: رواه أحمد والبزار من حديث جابر ورواتهما رواة الصحيح والهيثمي في المجمع (8/ 19) ، وقال: رواه أحمد ورجال الثانية رجال الصحيح وهو في الصحيحة للألباني (523) . (2) البخاري- الفتح 7 (3683) . ومسلم (2396) واللفظ له (3) مسلم (2915) . (4) البخاري- الفتح 4 (1976) ، ومسلم (1159) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2160 حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «1» أو حائش نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «2» ، فقال: «من ربّ هذا الجمل. لمن هذا الجمل؟» . فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها، فإنّه شكى إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «3» » ) * «4» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أصابني جهد شديد فلقيت عمر بن الخطّاب فاستقرأته آية من كتاب الله فدخل داره وفتحها عليّ فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على رأسي فقال: «يا أبا هريرة» . فقلت: لبّيك رسول الله وسعديك، فأخذ بيدي فأقامني وعرف الّذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعسّ من لبن فشربت منه ثمّ قال: «عد فاشرب يا أبا هرّ» . فعدت فشربت، ثمّ قال: «عد» . فعدت فشربت حتّى استوى بطني فسار كالقدح «5» ، قال: فلقيت عمر وذكرت له الّذي كان من أمري، وقلت له تولّى ذلك من كان أحقّ به منك يا عمر، والله لقد استقرأتك الآية ولأنا أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك أحبّ من أن يكون لي مثل حمر النّعم) * «6» . 15- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار، وبمن تحرم عليه النّار، على كلّ قريب هيّن سهل» ) * «7» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيا بال في المسجد فثار إليه النّاس ليقعوا به فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا «8» من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ) * «9» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسوة قلبه، فقال له: «إن أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم» ) * «10» . 18- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته ... الحديث وفيه: «وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال»   (1) هدفا: الهدف ما ارتفع من بناء ونحوه. (2) ذفراه: ذفرى البعير الموضع الذي يعرق من قفاه. (3) تدئبه: تتعبه وتشقيه. (4) أبو داود (2549) ، قال محقق جامع الأصول (4/ 527) إسناده صحيح وهو عند مسلم بدون قصة الجمل. (5) القدح: بكسر القاف وسكون الدال: السهم الذي لا ريش له. (6) البخاري- الفتح 9 (5375) . (7) الترمذي (2488) وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) : وهو كما قال، ورواه أيضا الطبراني عن ابن مسعود وأبو يعلى عن جابر وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (935) . (8) السجل: الدلو المملوءة الكبيرة. (9) البخاري- الفتح 10 (6128) . (10) الحاكم في المستدرك (2/ 263) وهو في الصحيحة للألباني (854) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2161 .. الحديث) * «1» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة، قال: «من هذه؟. قالت: فلانة تذكر من صلاتها. قال: «مه عليكم بما تطيقون فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه» ) * «2» . 20- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى شيخا يهادى بين ابنيه، قال: «ما بال هذا؟» . قالوا: نذر أن يمشي، قال: «إنّ الله عن تعذيب هذا نفسه لغنيّ» ، وأمره أن يركب) * «3» . 21- * (عن عثمان بن أبي العاص الثّقفيّ رضي الله عنه-، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «أمّ قومك» . قال: قلت يا رسول الله، إنّي أجد في نفسي شيئا، قال: «ادنه» . فجلّسني بين يديه ثمّ وضع كفّه في صدري بين ثديي، ثمّ قال: «تحوّل» . فوضعها في ظهري بين كتفيّ، ثمّ قال: «أمّ قومك فمن أمّ قوما فليخفّف فإنّ منهم الكبير، وإنّ فيهم المريض، وإنّ فيهم الضّعيف، وإنّ فيهم ذا الحاجة، وإذا صلّى أحدكم وحده فليصلّ كيف شاء» ) * «4» . 22- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه طلب غريما له فتوارى «5» عنه ثمّ وجده فقال: إنّي معسر فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر أو يضع عنه» ) * «6» . 23- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقّت التّمرة الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها، فذكرت الّذي صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة، أو أعتقها بها من النّار» ) * «7» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا صلّى أحدكم للنّاس فليخفّف فإنّ منهم الضّعيف والسّقيم والكبير وإذا صلّى أحدكم لنفسه فليطوّل ما شاء» ) * «8» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوامّ فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخّر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم الله بها عباده يوم القيامة» ) *» . 26- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّي لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصّبيّ فأتجوّز ممّا   (1) مسلم (2865) . (2) البخاري- الفتح 1 (43) . (3) البخاري- الفتح 4 (1865) ، ومسلم (1642) واللفظ له. يهادى يمشي بينهما متوكئا عليهما لضعفه. (4) مسلم (468) . (5) توارى: استتر عن غريمه. (6) مسلم (1563) . (7) مسلم (2630) . (8) البخاري- الفتح 2 (703) واللفظ له، ومسلم (467) . (9) البخاري- الفتح 10 (6000) . مسلم (2752) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2162 أعلم من شدّة وجد أمّه من بكائه» ) * «1» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم أن تتّخذوا ظهور دوابّكم منابر، فإنّ الله إنّما سخّرها لكم لتبلّغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلّا بشقّ الأنفس وجعل لكم الأرض، فعليها فاقضوا حاجتكم» ) * «2» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والوصال» . قالوا: فإنّك تواصل يا رسول الله، قال: «إنّكم لستم في ذلك مثلي إنّي أبيت يطعمني ربّي ويسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون» ) * «3» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما عندك يا ثمامة «4» ؟» . فقال: عندي خير يا محمّد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد، ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» ، قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» . قال: ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. يا محمّد، والله ما كان علي الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ. والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ. وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة. فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة. قال له قائل: صبوت. قال: لا. ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثمّ خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثّرى من العطش، فقال الرّجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفّه ثمّ أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له» . قالوا: يا رسول الله، وإنّ لنا في البهائم أجرا. فقال: «في كلّ ذات كبد رطبة أجر» ) * «6» . 31- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:   (1) البخاري- الفتح 2 (709) واللفظ له. ومسلم (470) . (2) أبو داود (2567) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) : إسناده حسن. (3) البخاري- الفتح 4 (1966) . ومسلم (1103) واللفظ له. (4) ما عندك يا ثمامة: أي ما تظن أني فاعل بك. (5) البخاري- الفتح (4372) ، ومسلم (1764) . (6) البخاري- الفتح 10 (6009) ، ومسلم (2244) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2163 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟. قال: لا. قالوا: تذكّر. قال: كنت أداين النّاس فامر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوّزوا عن الموسر. قال: قال الله عزّ وجلّ-: تجوّزوا عنه» ) * «1» . 32- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» ) * «2» . 33- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فرأى رجلا قد اجتمع النّاس عليه، وقد ظلّل عليه. فقال: «ماله؟» . قالوا: رجل صائم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر» ) * «3» . 34- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمّرة فجعلت تفرش فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من فجع هذه بولدها، ردّوا ولدها إليها) » * «4» . 35- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه وما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها) * «5» . 36- * (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة «6» ، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) * «7» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ) * «8» . 38- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «9» . 39- * (عن أمّ خالد بنت خالد بن سعيد رضي الله عنها- قالت: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أبي وعليّ قميص أصفر. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سنه سنه» . قال عبد الله وهي بالحبشيّة حسنة قالت فذهبت ألعب   (1) البخاري- الفتح 4 (2077) . مسلم (1560) واللفظ له. (2) مسلم (1955) . (3) البخاري- الفتح 4 (1946) ، ومسلم (115) واللفظ له. (4) رواه أبو داود (2675) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 529) : حديث حسن. (5) البخاري- الفتح 7 (3560) ، ومسلم (2327) . (6) المعجمة: التي لا تنطق. (7) أبو داود (2548) وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) : إسناده حسن. (8) مسلم (2699) . (9) البخاري- الفتح 10 (6125) . مسلم (1734) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2164 بخاتم النّبوّة فزبرني «1» أبي؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعها» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبلي وأخلقي، ثمّ أبلي وأخلقي، ثمّ أبلي وأخلقي» ) * «2» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه» . قالوا: يا رسول الله إلّا أمثل من سنّه. فقال: «اعطوه فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء» ) * «3» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرفق) 41- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) وقال عيسى عليه السّلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، فرفع يديه وقال: «اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى» فقال الله- عزّ وجلّ: يا جبريل اذهب إلى محمّد- وربّك أعلم- فسله ما يبكيك؟. فأتاه جبريل عليه الصّلاة والسّلام، فسأله فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمّد فقل إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوؤك) * «4» . 42- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟» . قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب «5» فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني» ، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد. فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «6» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «7» . 43- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: رأيتني وقثم وعبيد الله ابني عبّاس ونحن صبيان نلعب إذ مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على دابّة، فقال: «ارفعوا   (1) زبرني: نهرني. (2) البخاري- الفتح 10 (5993) . (3) البخاري- الفتح 4 (2306) واللفظ له. ومسلم (1601) . (4) مسلم (202) . (5) قرن الثعالب: هو ميقات أهل نجد، ويقال له قرن المنازل أيضا وهو على يوم وليلة من مكة. (6) الأخشبان: جبلان عظيمان بمكة. (7) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. مسلم (1795) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2165 هذا إليّ فحملني أمامه وقال لقثم ارفعوا هذا إليّ فحمله وراءه وكان عبيد الله أحبّ إلى عبّاس من قثم فما استحى من عمّه أن حمل قثم وتركه. قال: ثمّ مسح على رأسه ثلاثا وقال كلّما مسح: «اللهمّ اخلف جعفرا في ولده» ) * «1» . 44- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الأولى، ثمّ خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدّي أحدهم واحدا واحدا. قال: وأمّا أنا فمسح خدّي. قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنّما أخرجها من جؤنة عطّار) * «2» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدم الطّفيل بن عمرو الدّوسيّ وأصحابه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا يا رسول الله إنّ دوسا عصت وأبت فادع الله عليها، فقيل هلكت دوس. قال: «اللهمّ اهد دوسا وأت بهم» ) * «3» . 46- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «4» . 47- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة فقلت والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فخرجت حتّى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السّوق فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قبض بقفاي من ورائي، قال فنظرت إليه وهو يضحك فقال: «يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟» . قال: قلت نعم أنا أذهب يا رسول الله) * «5» . 48- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء «6» فأتى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الوثاق. قال: يا محمّد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» . فقال: بم أخذتني؟، وبم أخذت سابقة الحاجّ. فقال: (إعظاما لذلك) أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» . ثمّ انصرف عنه فناداه. فقال: يا محمّد يا محمّد وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رقيقا. فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي مسلم. قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كلّ الفلاح» ، ثمّ انصرف، فناداه، فقال: يا محمّد يا محمّد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي جائع فأطعمني وظمان فاسقني. قال: «هذه حاجتك» . ففدي بالرّجلين) * «7» .   (1) أحمد في المسند (3/ 1760) وقال محققه: إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله ثقات، والحاكم في المستدرك (3/ 567) وصححه ووافقه الذهبي. (2) مسلم (2329) . (3) البخاري- الفتح 6 (2937) ، ومسلم (2524) . (4) البخاري- الفتح 6 (3477) ، ومسلم (1792) واللفظ له (5) مسلم (2310) . (6) العضباء: ناقة نجيبة كانت لرجل من بني عقيل ثم انتقلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (7) مسلم (1641) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2166 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الرفق) 1- * (بلغ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيّها النّاس أيّتها الرّعيّة إنّ لنا عليكم حقّا: النّصيحة بالغيب والمعاونة على الخير، أيّتها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، ليس جهل أبغض إلى الله ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنّه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهريه يرزق العافية ممّن هو دونه» ) * «1» . 2- * (عن زيد بن أسلم عن أبيه؛ قال: خرجت مع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى السّوق، فلحقت عمر امرأة شابّة فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا «2» ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضّبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاريّ وقد شهد أبي الحديبية مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فوقف معها عمر ولم يمض. ثمّ قال: «مرحبا بنسب قريب» » ، ثمّ انصرف إلى بعير ظهير «4» كان مربوطا في الدّار فحمل عليه غرارتين «5» ملأهما طعاما وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثمّ ناولها بخطامه، ثمّ قال: «اقتاديه، فلن يفنى حتّى يأتيكم الله بخير» . فقال رجل: يا أمير المؤمنين أكثرت لها، قال عمر: «ثكلتك أمّك، والله إنّي لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثمّ أصبحنا نستفيء سهماننا فيه» ) * «6» . 3- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-: «إنّ من فقه الرّجل رفقه في معيشته» ) * «7» . 4- * (قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله رضي الله عنهما-: «ما الرّفق؟» . قال: «تكون ذا أناة فتلاين الولاة» . قال: «فما الخرق؟» . قال: «معاداة إمامك ومناوأة من يقدر على ضررك» ) * «8» . 5- * (عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: «مكتوب في الحكمة (الرّفق رأس الحكمة» ) * «9» . 6- * (وعن قيس بن أبي حازم، قال: «كان يقال من يعط الرّفق في الدّنيا نفعه في الآخرة» ) * «10» .   (1) إحياء علوم الدين، للغزالي (3/ 188، 189) . (2) كراعا: هو ما دون الكعب من الشاة، ومعناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه. (3) بنسب قريب: يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش لأن كنانة يجمعهم، أو أراد أنها نسبت إلى شخص واحد معروف. (4) بعير ظهير: أي قوي الظهر معد للحاجة. (5) الغرارتان: واحدها غرارة، وهي الجوالق. (6) البخاري- الفتح 7 (4160) . (7) أخرجه هناد السري في الزهد، ووكيع في الزهد (3/ 782) ورجاله ثقات. (8) إحياء علوم الدين (3/ 188) . (9) أخرجه هناد السري في الزهد ورجاله ثقات. (10) أخرجه وكيع في الزهد (3/ 777) ورجاله ثقات وإسناده صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2167 7- * (قال ابن أبي خالد: «الرّفق يمن، والخرق شؤم» ) * «1» . 8- * (قال وهب بن منبّه: «الرّفق ثنيّ الحلم» ) * «2» . 9- * (وقال بعضهم: «ما أحسن الإيمان يزيّنه العلم، وما أحسن العلم يزيّنه العمل، وما أحسن العمل يزيّنه الرّفق، وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم) * «3» . () من فوائد (الرفق) (1) طريق موصّل إلى الجنّة. (2) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (3) يثمر محبّة الله ومحبّة النّاس. (4) ينمّي روح المحبّة والتّعاون بين النّاس. (5) دليل على صلاح العبد وحسن خلقه. (6) ينشأ مجتمعا سالما من الغلّ والعنف. (7) عنوان سعادة العبد في الدّارين. (8) الرّفق يزيّن الأشياء. (9) رفق الوالي بالرّعية مدعاة لأن يرفق الله بالرّعية (10) حظّ الإنسان من الخير هو بمقدار حظّه من الرّفق. (11) الرّفق بالحيوان في إطعامه أو ذبحه من مظاهر الإحسان. (12) الرّفق دليل على فقه الرّجل وأناته وحكمته.   (1) أخرجه وكيع في الزهد (3/ 780) (2) إحياء علوم الدين (3/ 189) (3) المصدر السابق نفسه (3/ 189) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2168 الرهبة و الترهيب الرهبة لغة: الرّهبة مصدر قولهم رهب، يقال رهب بكسر ثانيه- يرهب- بالفتح- رهبة ورهبا (بالضّمّ) ورهبا (بالتّحريك) أي خاف وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ر هـ ب) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على معنيين: أحدهما الخوف والآخر الدّقّة والخفّة «1» ، والرّهبة في هذه الصّفة ترجع إلى المعنى الأوّل: يقال: رهبه إذا خافه، وتقول: أرهبه واسترهبه إذا أخافه، وترهّب غيره إذا توعّده، والاسم من ذلك: الرّهب والرّهباء، تقول: الرّهباء من الله والرّغباء إليه، وفي حديث الدّعاء: «رغبة ورهبة» وفسّر قول الله تعالى: قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ (الأعراف/ 116) استدعوا رهبتهم حتّى رهبهم النّاس، يقال: ترهّب الرّجل: إذا صار راهبا يخشى الله، والترهّب: التّعبّد وهو استعمال الرّهبة، والرّهب مقابل الرّغب، كما في قوله تعالى: وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً (الأنبياء/ 90) والرّهبانية: غلوّ في تحمّل التّعبّد من فرط الرّهبة وهي بدعة ابتدعوها لم يشرعها الحقّ- عزّ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 74/ 38/ 10 وجلّ- «2» . ورهب الشّيء رهبا ورهبا ورهبة: خافه. والاسم: الرّهب، وتقول: أرهبه واسترهبه إذا أخافه. وترهّب غيره إذا توعّده. والرّهباء اسم من الرّهب، واسترهبه: استدعى رهبته حتّى رهبه النّاس، وبذلك فسّر قوله عزّ وجلّ-: وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (الأعراف/ 116) أي أرهبوهم. وترهّب الرّجل إذا صار راهبا يخشى الله. والتّرهّب: التّعبّد، وهو استعمال الرّهبة «3» . الرهبة اصطلاحا: يقول الرّاغب: الرّهبة والرّهب مخافة مع تحرّز واضطراب «4» . أمّا الرّاهب (في النصرانيّة) فهو العامل بالرّياضة الشّاقّة، وترك المأكولات اللّذيذة، والملبوسات اللّيّنة، وقد منع ذلك ديننا الحنيف لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا رهبانيّة في الإسلام» «5» . وقال الجرجانيّ: الرّاهب: هو العابد في النصرانيّة (الّذي له) من الرّياضة والانقطاع من الخلق،   (1) من هذا المعنى قولهم: الرهب: الناقة المهزولة، والرهاب الرقاق من النصال. انظر مقاييس اللغة 2/ 447. (2) انظر مقاييس اللغة (2/ 447) ، والمفردات للراغب (209) ، والصحاح للجوهري (2/ 280، 281) ، ولسان العرب (1/ 436، 437) (ط. بيروت) . (3) مقاييس اللغة (2/ 477) ، والصحاح للجوهري (2/ 280، 281) ، ولسان العرب لابن منظور (1/ 436، 437) ، والمفردات للراغب (209) . (4) المفردات (209) . (5) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (3/ 16) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2169 والتّوجّه إلى الحقّ (ما ليس لغيره) «1» . الترهيب: أمّا التّرهيب فهو مصدر قولهم: رهّبه من الشّيء بمعنى أخافه منه خوفا شديدا ترتعد له فرائصه، ويتحقّق بذلك رهبة منه تخالج شعوره وتدفع صاحبها إلى البعد عنه وعمّا يؤدّي إليه من أعمال في هذه الحياة الدّنيا. لماذا الترهيب من عذاب الآخرة؟ إنّ الجزاء العاجل الّذي يلقاه الطّائعون والعصاة في هذه الحياة الدّنيا لا يردع العصاة، ولا يكافيء الطّائعين على النّحو الّذي يستحقّه كلّ منهم للأسباب الآتية: أولا: لأنّ كلّ هذه الجزاءات الدّنيويّة مقدّ مات للعدالة الإلهيّة الشّاملة الكاملة، مصداقا لقوله تعالى: وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 185) . ثانيا: لأنّ ضروب السّعادة والتّعاسة في الدّنيا مختلطة بعضها ببعض، فالصّالحون يدفعون في الواقع ثمن أخطائهم، حتّى ما كان منها لمما «2» ، من آلامهم، وما يلقون من عقبات في هذه الدّنيا، قال تعالى في حقّ المؤمنين: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ (آل عمران/ 153) ، ثمّ إنّ أحلك القلوب ظلمة لا تعدم أن تفعل بعض الخير، وتنال عنها مكافأة مضمونة من طيّبات هذه الحياة الدّنيا، بحيث تبقى جرائمهم دون مقاصّة تنتظر الفصل في يوم الدّين. ثالثا: لأنّ ما يحدث لنا من خير وشرّ في هذه الدّنيا لا بدّ وأن ينظر إليه على أنّه ابتلاء. وانطلاقا من هذه الأمور الثّلاثة تنبع ضرورة الجزاء الأخرويّ «3» ، وقد تحدّثنا في صفة الرّغبة عن هذا الجزاء الّذي أعدّه الله للطّائعين، وسنحاول هنا أن نذكر من آيات الذّكر الحكيم والأحاديث الشّريفة ما يجعل العصاة يقفون على ما أعدّه الله لهم حتّى تتحقّق رهبتهم منه، ويعلموا سلفا عاقبة عصيانهم ومخالفة أمر ربّهم وما سوف يسامون من عذاب. [للاستزادة: انظر صفات: الخوف- الخشوع الخشية- الإخبات- الإنابة- الطاعة- الدعاء- القنوت. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر العصيان- الغفلة- الفجور- السخط- الكبر والعجب] .   (1) التعريفات للجرجاني (114) ، وما بين الأقواس زيادة اقتضاها السياق. (2) اللمم: صغائر الذنوب. (3) بتلخيص وتصرف عن دستور الأخلاق في القرآن للشيخ دراز (261- 262) . وقد صنّف الشيخ دراز هذه العقوبات الأخروية إلى: أ- الجانب الحرماني مثل حبوط الأعمال وخيبة الأمل واليأس من الرحمة. ب- الجانب الإيماني المتمثل في تنكيس الرؤوس وسواد الوجوه. ج- عقوبات بدنية تتمثل فيما يلقونه في جهنم وساءت مصيرا، انظر دستور الأخلاق في القرآن (387- 400) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2170 الآيات الواردة في «الرهبة» 1- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) «1» 2- وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) «2» 3- وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «3» . 4- * وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) «4» 5- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «5»   (1) البقرة: 40 مدنية (2) الأعراف: 149- 154 مكية (3) الأنفال: 60 مدنية (4) النحل: 51- 52 مكية (5) الأنبياء: 89- 90 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2171 الآيات الواردة في «الترهيب من النار» 6- يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) «1» 7- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) «2» 8- فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (80) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) «3» 9- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) «4» 10- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) «5» 11- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ   (1) البقرة: 21- 24 مدنية (2) البقرة: 39 مدنية (3) البقرة: 79- 81 مدنية (4) البقرة: 126 مدنية (5) البقرة: 174- 175 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2172 حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) «1» 12- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) «2» 13- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) «3» 14- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) » 15- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) «5» 16- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) «6» 17- تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) «7» 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «8»   (1) البقرة: 217 مدنية (2) البقرة: 257 مدنية (3) البقرة: 275 مدنية (4) آل عمران: 10 مدنية (5) آل عمران: 129- 131 مدنية (6) آل عمران: 196- 197 مدنية (7) النساء: 13- 14 مدنية (8) النساء: 29- 30 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2173 19- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) «1» 20- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) «2» 21- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) «3» 22- وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «4» 23- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (129) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130) «5» 24- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) «6» 25- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34)   (1) النساء: 56 مدنية (2) النساء: 115 مدنية (3) النساء: 145 مدنية (4) المائدة: 71- 73 مدنية (5) الأنعام: 128- 130 مكية (6) الأنفال: 15- 16 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2174 يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) «1» 26- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) «2» 27- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107) «3» 28- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) «4» 29- * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) «5» 30- فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) «6» 31- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ   (1) التوبة: 34- 35 مدنية (2) يونس: 7- 8 مكية (3) هود: 103- 107 مكية (4) إبراهيم: 13- 17 مكية (5) إبراهيم: 28- 30 مكية (6) إبراهيم: 47- 51 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2175 وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) «1» 32- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) «2» 33- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39) «3» 34- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) «4» 35- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «5»   (1) الحجر: 39- 43 مكية (2) الإسراء: 18 مكية (3) الإسراء: 31- 39 مكية (4) الإسراء: 97- 98 مكية (5) الكهف: 28- 29 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2176 36- * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) «1» 37- وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100) «2» 38- * هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22) «3» 39- وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «4» 40- بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) «5» 41- وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) «6»   (1) الأنبياء: 29 مكية (2) الأنبياء: 97- 100 مكية (3) الحج: 19- 22 مدنية (4) المؤمنون: 103- 111 مكية (5) الفرقان: 11- 15 مكية (6) النمل: 90 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2177 42- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) «1» 43- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) «2» 44- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «3» 45- أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (69) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) «4» 46- هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (56) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (58) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (59) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (60) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61)   (1) السجدة: 18- 21 مكية (2) الأحزاب: 64- 68 مدنية (3) فاطر: 36- 37 مكية (4) الصافات: 62- 70 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2178 وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) » 47- قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) «2» 48- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) «3» 49- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) «4» 50- وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)   (1) ص: 55- 64 مكية (2) الزمر: 13- 16 مكية (3) الزمر: 71- 72 مكية (4) غافر: 69- 76 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2179 * وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (28) «1» 51- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) «2» 52- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) «3» 53- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) «4» 54- وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) * قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) «5»   (1) فصلت: 19- 28 مكية (2) الزخرف: 74- 83 مكية (3) الدخان: 43- 50 مكية (4) الأحقاف: 20 مكية (5) ق: 23- 30 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2180 55- إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) «1» 56- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) «2» 57- فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) «3» 58- وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) «4» 59- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) «5» 60- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا   (1) الطور: 7- 16 مكية (2) القمر: 47- 48 مكية (3) الرحمن: 37- 44 مدنية (4) الواقعة: 41- 55 مكية (5) التحريم: 6 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2181 نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) «1» 61- وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (26) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ (37) «2» 62- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) «3» 63- سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «4»   (1) الملك: 6- 11 مكية (2) الحاقة: 25- 37 مكية (3) المعارج: 1- 18 مكية (4) المدثر: 26- 31 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2182 64- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) «1» 65- وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) «2» 66- إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (21) لِلطَّاغِينَ مَآباً (22) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (24) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزاءً وِفاقاً (26) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (30) «3» 67- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) «4» 68- سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (13) «5» 69- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) تَصْلى ناراً حامِيَةً (4) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) «6»   (1) المدثر: 38- 48 مكية (2) المرسلات: 28- 39 مكية (3) النبأ: 21- 30 مكية (4) البروج: 10 مكية (5) الأعلى: 10- 13 مكية (6) الغاشية: 1- 7 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2183 70- كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26) «1» 71- فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) «2» 72- وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ (11) «3» 73- وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) «4» 74- فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7) «5»   (1) الفجر: 21- 26 مكية (2) الليل: 14- 16 مكية (3) القارعة: 8- 11 مكية (4) الهمزة: 1- 9 مكية (5) الماعون: 4- 7 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2184 [ الأحاديث الواردة في الرهبة والترهيب ] أولا: الأحاديث الواردة في (الرهبة) 1- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا جاءه، فقال: أوصني. فقال: سألت عمّا سألت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبلك، أوصيك بتقوى الله فإنّه رأس كلّ شيء، وعليك بالجهاد فإنّه رهبانيّة الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنّه روحك في السّماء وذكرك في الأرض» ) * «1» . 2- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «2» فتوضّأ وضوءك للصّلاة. ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن، ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «3» . وفوّضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك» ، رغبة ورهبة إليك «5» . لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك. آمنت بكتابك الّذي أنزلت. وبنبيّك الّذي أرسلت. واجعلهنّ من آخر كلامك. فإن متّ من ليلتك، متّ وأنت على الفطرة «6» » ) * «7» . 3- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: قلت يا رسول الله: إنّ أمّي قدمت عليّ وهي راغبة أو راهبة، أفأصلها قال: «نعم» ) * «8» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: يحشر النّاس على ثلاث طرائق «9» راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير، ويحشر بقيّتهم النّار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم، حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا» ) * «10» .   (1) أحمد في المسند (3/ 82) واللفظ له، والهيثمي في المجمع (4/ 215) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات، الحديث في الصحيحة للألباني (55) . (2) إذا أخذت مضجعك: أي إذا أردت النوم في مضجعك. (3) أسلمت وجهي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك. (4) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده. (5) رغبة ورهبة إليك: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عقابك. (6) الفطرة: الإسلام. (7) مسلم (2710) . (8) البخاري- الفتح 10 (5978) ، ومسلم (1003) واللفظ له. (9) ثلاث طرائق: أي ثلاث فرق. (10) البخاري- الفتح 11 (6522) واللفظ له، ومسلم (2861) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2185 الأحاديث الواردة في (الرهبة) معنى 5- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آخر من يدخل الجنّة رجل. فهو يمشي مرّة ويكبو «1» مرّة. وتسفعه «2» النّار مرّة. فإذا ما جاوزها التفت إليها. فقال: تبارك الّذي نجّاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأوّلين والآخرين. فترفع له شجرة. فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه الشّجرة فلأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. فيقول الله- عزّ وجلّ- يا بن آدم، لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول: لا يا ربّ، ويعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره. لأنّه يرى ما لا صبر له عليه «3» . فيدنيه منها فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى. فيقول: أي ربّ! أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظلّ بظلّها لا أسألك غيرها. فيقول: يا بن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره. لأنّه يرى ما لا صبر له عليه. فيدنيه منها. فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة عند باب الجنّة هي أحسن من الأوليين. فيقول: أي ربّ! أدنني من هذه لأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. لا أسألك غيرها. فيقول: يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا ربّ. هذه لا أسألك غيرها، وربّه يعذره لأنّه يرى ما لا صبر له عليه. فيدنيه منها. فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنّة. فيقول: أي ربّ أدخلنيها. فيقول: يا بن آدم، ما يصريني منك «4» ؟. أيرضيك أن أعطيك الدّنيا ومثلها معها؟ قال: يا ربّ! أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين» . فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني ممّ أضحك؟ فقالوا: ممّ تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: ممّ تضحك يا رسول الله؟. قال: «من ضحك ربّ العالمين حين قال: أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين؟. فيقول: إنّي لا أستهزأ منك، ولكنّي على ما أشاء قادر» ) * «5» . 6- * (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبّلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا. فلم أصبر فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فقال له: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟!» ، حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة، حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار. قال: وأطرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا، حتّى   (1) يكبو: معناه يسقط على وجهه. (2) تسفعه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا. (3) ما لا صبر له عليه: معناه أي نعمة لا صبر له عليها. (4) ما يصريني منك: ما يقطع مسألتك مني، أو أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك. (5) مسلم (187) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2186 أوحى الله إليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (هود/ 114) . قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال أصحابه: يا رسول الله ألهذا خاصّة أم للنّاس عامّة؟. قال: «بل للنّاس عامّة» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «2» منها نهسة، فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «3» . فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر «4» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون. وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟. ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟» ... الحديث) * «5» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها ذكرت النّار فبكت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك؟» . قالت: ذكرت النّار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا: عند الميزان حتّى يعلم أيخفّ ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (الحاقة/ 19) حتّى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصّراط إذا وضع بين ظهري جهنّم» ) * «6» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «7» . ثمّ يقال له: فيم كنت «8» ؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله «9» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها.   (1) البخاري- الفتح 8 (4687) ، ومسلم (2763) ، والترمذي (3115) واللفظ له. (2) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه. (3) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية. (4) وينفذهم البصر: أي ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم. (5) البخاري- الفتح 8 (4712) ومسلم (194) واللفظ له. (6) أبو داود (4755) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 475) حديث حسن. والحاكم (4/ 622) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين لولا إرسال فيه ابن الحسن وعائشة على أنه قد صحت الروايات أن الحسن كان يدخل وهو صبي منزل عائشة وأم سلمة، وأقره الذهبي، وصححه السيوطي في الجامع الصغير رقم (1603) وقال المناوي: رواه أحمد بأتم من هذا، وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح، وذكره الهيثمي (فيض القدير (2/ 171) ولم يذكره الألباني في ضعيف الجامع. (7) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب. (8) فيم كنت؟: أي في أي دين. (9) إن شاء الله: للتبرك لا للشك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2187 فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك. على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «1» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السّماء «2» ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا «3» لقوله، كأنّه «4» سلسلة على صفوان، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربّكم؟ قالوا للّذي قال: الحقّ وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترق السّمع، ومسترقو السّمع هكذا بعضه فوق بعض ووصف سفيان بكفّيه فحرّفها وبدّد بين أصابعه. فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته، حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشّهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيصدّق بتلك الكلمة الّتي سمعت من السّماء» ) * «5» . 11- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (المؤمنون/ 104) . قال: «تشويه النّار فتقلّص شفته العالية حتّى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السّفلى حتّى تضرب سرّته» ) * «6» . 12- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: خسفت الشّمس في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام فزعا يخشى أن تكون السّاعة حتّى أتى المسجد فقام يصلّي بأطول قيام وركوع وسجود. ما رأيته يفعله في صلاة قطّ. ثمّ قال: «إنّ هذه الآيات الّتي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكنّ الله يرسلها يخوّف بها عباده. فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ) * «7» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال أبو بكر: يا رسول الله، قد شبت. قال: «شيّبتني هود والواقعة والمرسلات وعَمَّ يَتَساءَلُونَ وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» ) * «8» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ- إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها. وإذا   (1) ابن ماجه 2 (4268) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجه (3443) . (2) إذا قضى الله الأمر في السماء: أي إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله. (3) خضعانا: أي خاضعين. (4) كأنه: أي القول المسموع- كلام الله-. (5) البخاري- الفتح 8 (4800) . (6) الترمذي (2587) وقال: حديث حسن غريب صحيح. وكذا قال في نفسي سورة المؤمنون رقم (3176) ، وأحمد (3/ 88) ، والحاكم (2/ 395) وصححه. وفي سنده عندهم دراج أبو السموح، وهو ضعيف في روايته عن أبي الهيثم (التقريب 201) ، لكن الترمذي والحاكم صححاه، كما أن له شاهدا صحيحا عن عبد الله بن مسعود بلفظ «وهم فيها كالحون» قال: ألم تر إلي الرأس المشيط الذي قد بدا أسنانه وقلصت شفتاه» تفسير الطبري (18/ 43) . (7) البخاري- الفتح 2 (1059) ، مسلم (912) واللفظ له. (8) الترمذي (3297) وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم في المستدرك (2/ 343) ووافقه الذهبي، والبغوي في شرح السنة (14/ 372) وقال محققه: إسناده حسن. وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3616) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2188 تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها. فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قالت الملائكة: ربّ! ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها. وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنّما تركها من جرّاي «1» » ) * «2» . 15- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» ... الحديث، وفيه: «قال قلت لهما: ما هذا؟. قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضة معتمّة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ. قال قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال قالا لي: ارق، فارتقيت فيها، قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض «3» فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فصاروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنّة عدن وهذاك منزلك. قال فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء» . قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟. قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا. وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، تجاوز الله عنهم» ) * «5» . 16- * (عن هانىء، مولى عثمان، قال: كان   (1) من جرّاي: من أجلي. (2) البخاري- الفتح 13 (7501) ، ومسلم (129) واللفظ له. (3) المحض من البياض: أي البياض الخالص الذي لا يخالطه غيره. (4) الربابة البيضاء: السحابة البيضاء. (5) البخاري- الفتح 12 (7047) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2189 عثمان بن عفّان، إذا وقف على قبر، يبكي حتّى يبلّ لحيته. فقيل له: تذكر الجنّة والنّار، فلا تبكي. وتبكي من هذا؟ قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ القبر أوّل منازل الآخرة. فإن نجا منه فما بعده أيسر منه. وإن لم ينج منه، فما بعده أشدّ منه» . قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا والقبر أفظع منه» ) * «1» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ سمع وجبة «2» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تدرون ما هذا؟» . قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «هذا حجر رمي به في النّار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النّار الآن، حتّى انتهى إلى قعرها» ) * «3» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ناركم هذه، الّتي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حرّ جهنّم» . قالوا: والله إن كانت لكافية، يا رسول الله. قال: «فإنّها فضّلت عليها بتسعة وستّين جزءا. كلّها مثل حرّها» ) * «4» . 19- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع فبماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «5» . 20- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا «6» » . قلت: يا رسول الله النّساء والرّجال جميعا، ينظر بعضهم إلى بعض؟. قال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض» ) * «7» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج عنق من النّار «8» يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «9» . 22- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه-   (1) سنن الترمذي (2309) ، وسنن ابن ماجه (2/ 4267) . والبغوي في شرح السنة (5/ 418) وقال محققه: سنده حسن. (2) وجبة: أي سقطة. (3) مسلم (2844) . (4) البخاري- الفتح 6 (3265) ، ومسلم (2843) واللفظ له. (5) الترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (4607) ، وابن ماجه في المقدمة ص (42) . والعض بالنواجذ مثل في شدة الاستمساك بالشيء. (6) غرلا: أي غير مختونين، جمع أغرل، وهو الذي لم يختن وبقيت معه غرلته، وهي قلفته وهي الجلدة التي تقطع في الختان. والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا، ولا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم. (7) مسلم (2859) . (8) عنق من النار: أي قطعة منها. (9) سنن الترمذي (2574) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وحسّن إسناده محقق جامع الأصول (10/ 518) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2190 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله: يا آدم، فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك. قال يقول: أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟. قال: «من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكرى وما هم بسكرى ولكنّ عذاب الله شديد. فاشتدّ ذلك عليهم» . فقالوا: يا رسول الله، أيّنا ذلك الرّجل؟. قال: «أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل» . ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة» . قال: فحمدنا الله وكبّرنا. ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة، إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالرّقمة «1» في ذراع الحمار» ) * «2» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرهبة) 23- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم. لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم. لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «3» . 24- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما، صلاة، فأطال فيها. فلمّا انصرف قلنا (أو قالوا) : يا رسول الله، أطلت اليوم الصّلاة. قال: «إنّي صلّيت صلاة رغبة ورهبة. سألت الله- عزّ وجلّ- لأمّتي ثلاثا. فأعطاني اثنتين، وردّ عليّ واحدة. سألته أن لا يسلّط عليهم عدوّا من غيرهم، فأعطانيها. وسألته أن لا يهلكهم غرقا. فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فردّها عليّ» ) * «4» . 25- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة في الفراش. فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «5» وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهمّ، أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك «6» ، أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «7» . 26- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) الرقمة: أثر في باطن عضدي الحمار، وقيل هي الدائرة في ذراعيه، وقيل: هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل. (2) البخاري- الفتح 11 (6530) ، ومسلم (222) . (3) مسلم (2730) . (4) ابن ماجة (3951) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح. والترمذي (2175) وقال: حديث حسن صحيح. (5) المسجد: أي في السجود أو في الموضع الذي كان يصلي فيه، في حجرته. (6) لا أحصي ثناء عليك: أي لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك. (7) مسلم (486) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2191 قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو يقول: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر لي الهدى، وانصرني على من بغى عليّ. ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطواعا، لك مخبتا إليك أوّاها منيبا. ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، وسدّد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري» ) * «1» . () ثانيا: الأحاديث الواردة في (الترهيب) 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- (يرفعه) قال: «ما بين منكبي الكافر في النّار مسيرة ثلاثة أيّام، للرّاكب المسرع» ) * «2» . 28- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال جهنّم تقول: هل من مزيد، حتّى يضع فيها ربّ العزّة تبارك وتعالى قدمه، فتقول: قط قط، وعزّتك، ويزوى «3» بعضها إلى بعض» ) * «4» . 29- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أهون أهل النّار عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» ) * «5» . 30- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: يقول الله تعالى لأهون أهل النّار عذابا يوم القيامة: لو أنّ لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به، فيقول: نعم، فيقول: أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي شيئا، فأبيت إلّا أن تشرك بي» ) * «6» . 31- * (عن النّعمان عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أهون أهل النّار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه» ) * «7» . 32- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «منهم من تأخذه النّار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النّار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النّار إلى حجزته «8» ، ومنهم من تأخذه النّار إلى ترقوته «9» » ) * «10» . 33- * (عن عديّ بن حاتم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر النّار فأشاح بوجهه فتعوّذ منها، ثمّ ذكر النّار فأشاح بوجهه فتعوّذ منها ثمّ قال: «اتّقوا النّار ولو بشقّ   (1) الترمذي (3551) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (1510) وابن ماجه (3830) وصححه الألباني. والسخيمة: الحقد والضغينة في النفس. (2) البخاري- الفتح 11 (6551) ، ومسلم (2852) واللفظ له. (3) يزوى أي يتجمع وينقبض. (4) البخاري- الفتح (8/ 4848) ، ومسلم (2848) واللفظ له. (5) مسلم (212) . (6) البخاري- الفتح 11 (6557) ، ومسلم (2805) . (7) البخاري- الفتح 11 (6561) ، ومسلم (213) . (8) حجزته: هي مقعد الإزار والسروايل. (9) ترقوته: هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. (10) مسلم (2845) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2192 تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيّبة» ) * «1» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشتكت النّار إلى ربّها فقالت: ربّ أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشّتاء ونفس في الصّيف، فأشدّ ما تجدون من الحرّ، وأشدّ ما تجدون من الزّمهرير» ) * «2» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الحميم ليصبّ على رؤوسهم فينفذ الحميم حتّى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتّى يمرق من قدميه وهو الصّهر، ثمّ يعاد كما كان» ) * «3» . 36- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآية اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ قطرة من الزّقّوم قطرت في دار الدّنيا لأفسدت على أهل الدّنيا معايشهم. فكيف بمن يكون طعامه؟» ) * «4» . 37- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ رضاضة» مثل هذه- وأشار إلى مثل الجمجمة- أرسلت من السّماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل اللّيل، ولو أنّها أرسلت من رأس السّلسلة لصارت أربعين خريفا اللّيل والنّهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها» ) * «6» . 38- * (عن حارثة بن وهب الخزاعيّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟ كلّ ضعيف متضعّف لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النّار؟ كلّ جوّاظ زنيم متكبّر» ) * «7» . () من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الرهبة والترهيب) 1- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يقول في دعائه: «خائفا مستجيرا تائبا مستغفرا راغبا راهبا» ) * «8» . 2- * (قرأ ابن عمر- رضي الله عنهما- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فلمّا بلغ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ بكى حتّى خرّ وامتنع عن قراءة ما بعده) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6563) ، ومسلم (1016) . (2) البخاري- الفتح 6 (3260) ، ومسلم (617) . (3) الترمذي (2582) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (4325) . (4) أحمد في السند (1/ 301) ، والترمذي (2585) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (4325) ، وذكره ابن كثير في تفسيره (2/ 201) ، وعزاه لأحمد، وقال محقق جامع الأصول (11/ 518) : إسناده حسن. (5) الرضاضة: فتات الشيء. (6) الترمذي (2588) قال أبو عيسى: هذا حديث إسناده حسن صحيح. وأبو داود (1510) وابن ماجه (3830) وأحمد في المسند (3/ 310) وابن حبان في صحيحه (2414) . (7) البخاري- الفتح 8 (4918) ، ومسلم (2853) واللفظ له، وقد سبق في (الترغيب في الجنة- الرغبة) . (8) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (2/ 545) . (9) المصدر السابق (1/ 253) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2193 3- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قيل لعمر: ألا تستخلف؟. قال: «إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ، فأثنوا عليه فقال: «راغب وراهب، وددت أنّي نجوت منها كفافا لا لي ولا عليّ، لا أتحمّلها حيّا وميّتا» ) * «1» . 4- * (بكي أبو هريرة في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟. فقال: «أما إنّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلّة زادي، وإنّي أمسيت في صعود على جنّة أو نار، لا أدري إلى أيّتهما يؤخذ بي» ) * «2» . 5- * (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) . قال: «من القنوت: الرّكوع، والخشوع، وغضّ البصر، وخفض الجناح من رهبة الله» ) * «3» . 6- * (عن قتادة في قوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) قال: «كان يقال كفى بالرّهبة علما» ) * «4» . 7- * (روى الطّبريّ عن أبي العالية في قوله تعالى وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (البقرة/ 40) . يقول: « «فاخشون» . وروي مثل ذلك عن السّدّيّ) * «5» . 8- * (قال النّيسابوريّ: «الرّهبة هي الخوف والخوف إمّا من العقاب وهو نصيب أهل الظّاهر وإمّا من الجلال وهو وظيفة أرباب القلوب، والأوّل يزول والثّاني لا يزول، ومن كان خوفه في الدّنيا أشدّ كان أمنه يوم القيامة أكثر، وبالعكس» ) * «6» . 9- * (وقال السّلميّ: «الرّهبة: خشية القلب من رديء خواطره» ) * «7» . 10- * (ويقول أبو حيّان في تفسيره: «وفي الأمر بالرّهبة وعيد بالغ ... وقيل: الخوف خوفان: خوف العقاب، وهو نصيب أهل الظّاهر ويزول، وخوف جلال، وهو نصيب أهل القلب ولا يزول» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7218) . (2) شرح السنة، للبغوي (14/ 373) . (3) المرجع السابق (3/ 262) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) تفسير الطبري (1/ 199) . (6) غرائب القرآن المنشور بهامش تفسير الطبري (1/ 270) . (7) البحر المحيط (1/ 176) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2194 من فوائد (الرهبة) (1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. (3) طريق موصّل إلى محبّة الله وجنّته. (4) مظهر من مظاهر صلاح العبد واستقامته. (5) سبب سعادة العبد في الدّارين (6) تشيع المسالمة بين النّاس. (7) تثمر حسن الخلق وطهارة النّفس والعزوف عن التّنافس في الدّنيا. أمّا التّرهيب فإنّ له فوائد عديدة منها: (8) يجعل العصاة والمستهترين يقفون على حقيقة ما لهم في الآخرة. (9) يزوّد المؤمن بما يدفع به إغواء الشّيطان فيقلع عن المعاصي. (10) يعجّل بتوبة التّائبين حتّى لا يدركهم الموت وهم عصاة. (11) التّرهيب يورث الخوف من عذاب الله عزّ وجلّ ويولّد الرّهبة حتّى تصير طبعا في الإنسان توصّله إلى تقوى الله عزّ وجلّ. وانظر أيضا فوائد: الخوف- الخشية- التقوى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2195 [ حرف الزاء ] الزكاة* الزكاة لغة: أصل المادّة يدلّ على الزّيادة والنّماء، يقول ابن فارس: الزّاي والكاف والحرف المعتلّ أصل يدلّ على نماء وزيادة، ويقال: الصّدقة زكاة المال. قال بعضهم: سمّيت بذلك لأنّها ممّا يرجى به زكاء المال، وهو زيادته ونماؤه. وقال بعضهم: سمّيت زكاة لأنّها طهارة، قالوا: وحجّة ذلك قوله- جلّ ثناؤه- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها (التوبة/ 103) والأصل في ذلك كلّه راجع إلى هذين المعنيين، وهما النّماء والطّهارة «1» . ويرى الرّاغب أنّ النّموّ فيها ناتج من بركة الله تعالى فيقول: «أصل الزّكاة: النّموّ الحاصل عن بركة الله تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيوية والأخرويّة يقال زكا الزّرع يزكو إذا حصل منه نموّ وبركة ... ومنه الزّكاة لما يخرج الإنسان من حقّ الله تعالى إلى الفقراء، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة، أو لتزكية النّفس أي تنميتها بالخيرات والبركات، أولهما جميعا، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 51/ 44/ 10 فإنّ الخيرين موجودان فيها «2» . وتطلق الزّكاة على معان، فهي: الصّلاح، ورجل تقيّ زكيّ أي زاك من قوم أتقياء أزكياء، وقد زكا زكاء وزكوّا وزكي وتزكّى وزكّاه الله، وزكّى نفسه تزكية مدحها، وتزكّى أي تصدّق. والزّكاة: زكاة المال معروفة، وهو تطهيره، والفعل منه زكّى يزكّي تزكية، إذا أدّى عن ماله زكاته ... وقيل الزّكاة: صفوة الشّيء، وزكّاه إذا أخذ زكاته «3» . والزّكاء- ممدود-: النّماء والرّيع، زكا يزكو زكاء وزكوّا ... والزّكاء: ما أخرجه الله من الثّمر. وأرض زكيّة طيّبة سمينة ... والزّرع يزكو زكاء، ممدود أي نما، وأزكاه الله، وكلّ شيء يزداد وينمي فهو يزكو زكاء «4» . والزّكا مقصور: الشّفع من العدد ... والعرب تقول للفرد خسا وللزّوجين اثنين زكا «5» وزكا الرّجل يزكو زكوّا، تنعّم وكان في خصب ... ورجل زكأة أي موسر.. وقيل: إنّه لملىء زكأة أي حاضر النّقد عاجله،   * هذه المادة عامة في زكاة الأموال والأبدان وزكاة النفس وطهارتها. (1) المقاييس (3/ 17) «زكا» . (2) المفردات (218) «زكا. (3) اللسان «زكا» ، والقاموس (4/ 339) . (4) الصحاح (6/ 2368) نما، وانظر اللسان نما والقاموس (4/ 339) ، والمصباح المنير (1/ 254) «زكا» . (5) لسان العرب (14/ 359) ط. بيروت، وقارن ب «الصحاح» (6/ 368) والقاموس المحيط (4/ 339) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2196 ويقال: قد زكأه إذا عجّل نقده. وقول الله تعالى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (مريم/ 13) ، معناه: وفعلنا ذلك رحمة لأبويه وتزكية له، أقام الاسم (وهو الزّكاة) مقام المصدر (وهو التّزكية) «1» . الزكاة اصطلاحا: اسم لأخذ شيء مخصوص من مال مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة «2» . وعند الجرجانيّ «عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالك مخصوص» «3» . قال الماوردي: الصّدقة زكاة، والزّكاة صدقة، يفترق الاسم ويتّفق المسمّى «4» . وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: إنّما سمّيت الزكاة صدقة، لأنّه مأخوذ من الصدق في مساواة الفعل للقول والاعتقاد «5» . وقال: مشابهة الصّدق هاهنا للصّدقة: أنّ من أيقن من دينه أنّ البعث حقّ، وأنّ الدّار الآخرة هي المصير، وأنّ هذه الدّار الدّانية قنطرة إلى الأخرى، وباب إلى السّوأى أو الحسنى عمل لها، وقدّم ما يجده فيها، فإن شكّ فيها، أو تكاسل عنها، وآثر عليها بخل بماله، واستعدّ لآماله، وغفل عن ماله «6» . وقال الفيروزآباديّ: الزّكاة النّموّ الحاصل عن بركة الله تعالى. ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيويّة والأخرويّة، وقوله تعالى: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً (الكهف/ 19) . هذه المادّة عامّة في زكاة الأموال والأبدان، وزكاة النّفس وطهارتها إشارة إلى ما يكون حلالا لا يستوضح عقباه. ومنه الزّكاة لما يخرجه الإنسان من حقّ الله تعالى إلى الفقراء، وتسميته بذلك لما يكون فيه من رجاء البركة، أو لتزكية النّفس أي تنميتها بالخيرات والبركات، أو لهما جميعا؛ فإنّ الخيرين موجودان فيها. وقرن الله تعالى الزّكاة بالصّلاة في القرآن تعظيما لشأنها. تزكية النفس: وبزكاء النّفس وطهارتها يصير الإنسان زاكيا بحيث يستحقّ في الدّنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة، وهو أن يتحرّى الإنسان ما فيه تطهيره. واسم الزّكاة ينسب تارة إلى العبد لاكتسابه ذلك نحو قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (الشمس/ 9) . وتارة إلى الله تعالى لكونه فاعلا لذلك في الحقيقة نحو: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ (النساء/ 49) . وتارة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لكونه واسطة في وصول ذلك إليهم. نحو: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها (التوبة/ 103) . وتارة إلى العبادة الّتي هي آلة في ذلك نحو: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً (مريم/ 13) . وقوله تعالى: لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (مريم/ 19) . أي زكيّ الخلقة عن طريق الاجتباء،   (1) لسان العرب (14/ 358) . (2) المجموع شرح المهذب (5/ 325) . (3) التعريفات (114) . (4) فقه الزكاة للقرضاوي (1/ 40) . (5) المصدر السابق (1/ 41) . (6) فقه الزكاة للقرضاوي (1/ 41) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2197 وهو أن يجعل سبحانه بعض عباده عالما وطاهر الخلق لا بالتّعلّم والممارسة بل بقوّة إلهيّة، كما يكون لكلّ الأنبياء والرّسل. ويجوز أن يكون تسميته بالزكيّ لما يكون عليه في الاستقبال وفي الحال. والمعنى سيتزكّى. من معاني الزكاة في القرآن: ورد في القرآن على أوجه منها: 1- بمعنى الأقرب إلى المصلحة كما في قوله تعالى: هُوَ أَزْكى لَكُمْ (النور/ 28) . 2- بمعنى الحلال كما في قوله تعالى: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً (الكهف/ 19) . 3- بمعنى الحسن واللطافة كما في قوله تعالى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ (الكهف/ 74) أي ذات جمال. 4- بمعنى العلاج والصّيانة كما في قوله تعالى: أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً (الكهف/ 81) . 5- بمعنى الاحتراز عن الفواحش كما في قوله تعالى: ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ (النور/ 21) . 6- بمعنى الإقبال على الخدمة (أي الطّاعة) كما في قوله تعالى: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ (فاطر/ 18) . 7- بمعنى التّوحيد والشّهادة كما في قوله تعالى: وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (عبس/ 7) . 8- بمعنى الثّناء والمدح كما في قوله تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ (النجم/ 32) . 9- بمعنى النّقاء والطّهارة كما في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (الشمس/ 9) . 10- بمعنى أداء الزّكاة الشّرعيّة كما في قوله تعالى: وَآتُوا الزَّكاةَ (البقرة/ 43) . وأيضا قوله تعالى: وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ (البينة/ 5) «1» . ولها نظائر كثيرة في القرآن «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- الإحسان- البر- الصدقة- المواساة- بر الوالدين- العبادة- صلة الرحم- الطاعة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البخل- الردة- الشح- العصيان- الفسوق- الكنز- قطيعة الرحم] .   (1) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (3132/، 135) بتصرف. (2) ذكر الفيروز آبادي أربعة معان أخرى للفظ الزكاة ترجع إلى ما سبق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2198 الآيات الواردة في «الزكاة» الزكاة الشرعية: 1- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «1» 2- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «2» 3- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «3» 4- * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «4» 5- يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «5»   (1) البقرة: 40- 43 مدنية (2) البقرة: 83 مدنية (3) البقرة: 109- 110 مدنية (4) البقرة: 177 مدنية (5) البقرة: 276- 277 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2199 6- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) » 7- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «2» 8- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) «3» 9- * وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «4» 10- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «5» 11- فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) «6» 12- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «7» 13- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «8» 14- قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) «9»   (1) النساء: 77 مدنية (2) المائدة: 12 مدنية (3) المائدة: 55 مدنية (4) الأعراف: 156 مكية (5) التوبة: 5 مدنية (6) التوبة: 11 مدنية (7) التوبة: 18 مدنية (8) التوبة: 71 مدنية (9) مريم: 30- 32 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2200 15- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) «1» 16- وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) «2» 17- الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) «3» 18- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «4» 19- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) «5» 20- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) «6» 21- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) «7» 22- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «8» 23- وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) «9» 24- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)   (1) مريم: 54- 55 مكية (2) الأنبياء: 73 مكية (3) الحج: 41 مدنية (4) الحج: 78 مدنية (5) المؤمنون: 1- 6 مكية (6) النور: 36- 37 مدنية (7) النور: 56 مدنية (8) النمل: 1- 3 مكية (9) الروم: 39 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2201 الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1» 25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «2» 26- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «3» 27- فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «4» 28- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) «5» الزكاة بمعنى الحلال: 29- وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا   (1) لقمان: 1- 5 مكية (2) المجادلة: 12- 13 مدنية (3) المزمل: 20 مكية (4) الليل: 14- 21 مكية (5) البينة: 1- 5 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2202 رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) «1» الزكاة بمعنى الحسن واللطافة: 30- فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) * قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (75) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) «2» 31- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) «3» الزكاة بمعنى العلاج والصيانة: 32- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) «4» 33- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) «5» الزكاة بمعنى الاحتراز عن الفواحش: 34- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) «6» الزكاة بمعنى الإقبال على الطاعة: 35- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «7»   (1) الكهف: 19- 20 مكية (2) الكهف: 74- 76 مكية (3) مريم: 16- 19 مكية (4) الكهف: 80- 81 مكية (5) مريم: 12- 14 مكية (6) النور: 21 مدنية (7) طه: 74- 76 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2203 36- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «1» الزكاة بمعنى التوحيد والشهادة: 37- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) «2» 38- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) » 39- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (19) «4» الزكاة بمعنى النقاء والطهارة: 40- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «5» 41- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) «6» 42- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «7» 43- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)   (1) فاطر: 18 مكية (2) النازعات: 17- 19 مكية (3) عبس 1- 7 مكية (4) الأعلى: 14- 19 مكية (5) البقرة: 127- 129 مدنية (6) البقرة: 151- 152 مدنية (7) آل عمران: 164 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2204 أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «1» 44- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «2» 45- وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) «3» الزكاة بمعنى الثناء والمدح: 46- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) «4» الزكاة بمعنى القرب إلى المصلحة: 47- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «5» 48- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) «6» 49- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) «7» الآيات الواردة في «الزكاة» معنى 50- * إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «8» 51- وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) «9»   (1) التوبة: 103- 104 مدنية (2) الجمعة: 1- 2 مدنية (3) الشمس: 7- 10 مكية (4) النساء: 49 مدنية (5) البقرة: 232 مدنية (6) النور: 27- 28 مدنية (7) النور: 30 مدنية (8) التوبة: 60 مدنية (9) المعارج: 24- 25 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2205 الأحاديث الواردة في (الزكاة) 1- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع فقال: «اتّقوا الله ربّكم، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ (التوبة/ 34) . قال: كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر- رضي الله عنه-: أنا أفرّج عنكم، فانطلق، فقال: يا نبيّ الله، إنّه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يفرض الزّكاة إلّا ليطيّب ما بقي من أموالكم وإنّما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم» . فكبّر عمر، ثمّ قال له: «ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟، المرأة الصّالحة: إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته» ) * «2» . 3- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- أنّه قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع. ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «3» . 4- * (عن بشير بن الخصاصية- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبايعه على الإسلام فاشترط عليّ: «تشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وتصلّي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدّي الزّكاة، وتحجّ البيت، وتجاهد في سبيل الله» . قال: قلت: يا رسول الله أمّا اثنتان فلا أطيقهما، أمّا الزّكاة فما لي إلّا عشر ذود «4» هنّ رسل أهلي وحمولتهم، وأمّا الجهاد فيزعمون أنّه من ولّى فقد باء بغضب من الله فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي. قال: فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده ثمّ حرّكها، ثمّ قال: «لا صدقة، ولا جهاد فبم تدخل الجنّة «5» ؟» . قال: ثمّ قلت: يا رسول الله، أبايعك فبايعني عليهنّ كلّهنّ) * «6» . 5- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله   (1) الترمذي (616) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم (1/ 3899) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وأحمد (5/ 251- 262) ، وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 550) برقم (867) . (2) أبو داود (1664) واللفظ له. وذكره ابن كثير في التفسير (2/ 352) وعزاه لابن أبي حاتم والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي، وحسّن إسناده محقق جامع الأصول (2/ 163) . (3) مسلم (2722) . (4) عشر ذود: القطيع من الإبل بين الثلاث إلى العشر مؤنث يقال خمس ذود أي خمس من الذود. (5) فبم تدخل الجنة: أي إذا لم تدخلوا الجنة بالجهاد ولا بالصدقة فبأي عمل تدخلون الجنة؟!. (6) أحمد (5/ 224) ، والحاكم (2/ 79، 80) واللفظ له وصححه وأقره الذهبي، والبيهقي في الشعب (3/ 187) ، السنن (9/ 20) ، وعزاه مخرج الشعب للطبراني في الكبير (2/ 44، 45) وقال: إسناده حسن. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2206 عنهما- قال: «أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير. قال عبد الله- رضي الله عنه-: فجعل النّاس عدله مدّين «1» من حنطة» ) * «2» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمر بإخراج زكاة الفطر أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلاة» ) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا. فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «4» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أدّيت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك» ) * «5» . 9- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بعمل يدخلني الجنّة؟. قال: ماله ماله. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرب «6» ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة وتصل الرّحم» ) * «7» . 10- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنهما- أنّ امرأة أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان «8» من ذهب فقال لها: «أتعطين زكاة هذا» ؟. قالت: لا. قال: «أيسرّك أن يسوّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟» . قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقالت: هما لله- عزّ وجلّ- ولرسوله) * «9» . 11- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم، إلّا بحقّ الإسلام وحسابهم على الله» ) * «10» . 12- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والنصح لكلّ مسلم) * «11» . 13- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-   (1) مدّين من حنطة: المد رطل وثلث. (2) البخاري- الفتح 3 (1507) واللفظ له، ومسلم (984) . (3) البخاري- الفتح 3 (1509) ، ومسلم (986) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 3 (1397) واللفظ له، ومسلم (15) . (5) الترمذي (618) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من غير وجه: «أنه ذكر الزكاة، فقال رجل: يا رسول الله! هل عليّ غيرها؟ قال: «لا.. إلا أن تتطوع» ، وابن ماجة (1788) ، والحاكم (1/ 390) مطولا وصححه وأقره الذهبي وفي سنده عندهم دراج أبو السمح وهو صدوق. لأن حديثه هنا عن غير أبي الهيثم، ومن ثم حسنه محقق جامع الأصول (4/ 594) ، وصححه السيوطي في الجامع الصغير (371) . (6) أرب ماله: يعني حاجة له. (7) البخاري- الفتح 3 (1396) . (8) مسكتان: يعني سوارين غليظين. (9) أبو داود (1563) واللفظ له، والترمذي بسياق مختلف (637) ، وحسنه الألباني (2324) صحيح النسائي. (10) البخاري- الفتح 1 (25) واللفظ له، ومسلم (22) . (11) البخاري- الفتح 3 (1401) . ومسلم (56) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2207 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بني الإسلام على خمسة: على أن يوحّد الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصيام رمضان، والحجّ» ) * «1» . 14- * (عن عبد الله بن معاوية الغاضريّ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من فعلهنّ فقد طعم طعم الإيمان، من عبد الله وحده وأنّه لا إله إلّا الله، وأعطى زكاة ماله طيّبة بها نفسه رافدة عليه كلّ عام، ولا يعطي الهرمة» ولا الدّرنة «3» ولا المريضة، ولا الشّرط اللّئيمة «4» . ولكن من وسط أموالكم، فإنّ الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشرّه» ) * «5» . 15- * (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجد. ثائر الرّأس «6» ، نسمع دويّ صوته، ولا نفقه ما يقول حتّى دنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس صلوات في اليوم واللّيلة» ، فقال: هل عليّ غيرهنّ؟. قال: «لا إلّا أن تطّوّع، وصيام شهر رمضان» ، فقال: هل عليّ غيره؟. فقال: «لا إلّا أن تطوّع» ، وذكر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الزكاة» . فقال: هل عليّ غيرها؟. قال: «لا. إلّا أن تطّوّع» . قال: فأدبر الرّجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح إن صدق» ) * «7» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلان، فكلّماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه، فلعنهما وسبّهما. فلمّا خرجا قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان، قال: «وما ذاك؟» . قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما. قال: «أو ما علمت ما شارطت عليه ربّي؟، قلت: اللهمّ إنّما أنا بشر فأيّ المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا» ) * «8» . 17- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أخبرني أبو سفيان- رضي الله عنه- وذكر حديثه مع هرقل عظيم الرّوم فقال له: بم يأمركم؟ فقال أبو سفيان: يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة «9» والعفاف) * «10» . 18- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس من جاء بهنّ مع إيمان دخل الجنّة: من حافظ على الصّلوات الخمس على وضوئهنّ وسجودهنّ ومواقيتهنّ، وصام رمضان، وحجّ البيت إن استطاع إليه سبيلا، وأعطى الزّكاة طيّبة   (1) البخاري- الفتح 1 (8) . ومسلم (16) واللفظ له. (2) المراد بالهرمة: العجوزة. (3) والدرنة: الجرباء. وأصله الوسخ. (4) والشرط اللئيمة: رذال المال، وقيل صغاره وشراره. (5) أبو داود (1582) لكن فيه انقطاع. وسنن البيهقي (4/ 96، 95) موصولا، وكذا شعب الإيمان (3/ 187) ، وقال مخرجه: إسناده حسن وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 37، 38) برقم (1046) وعزاه كذلك للطبراني في الصغير (115) . (6) ثائر الرأس: منتشر شعر الرأس وهو بالرفع ويجوز نصبه على الحال. (7) البخاري- الفتح 1 (46) ، ومسلم (11) وهذا لفظه. (8) مسلم (2600) . (9) الصلة: صلة الرحم. (10) البخاري- الفتح 1 (6) ، ومسلم (1773) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2208 بها نفسه، وأدّى الأمانة» . قالوا: يا أبا الدّرداء: وما أداء الأمانة؟. قال: الغسل من الجنابة) * «1» . 19- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر. أو صاعا «2» من شعير. على كلّ عبد أو حرّ. صغير أو كبير) * «3» . 20- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد عبد القيس على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله، إنّا، هذا الحيّ «4» من ربيعة، قد حالت بيننا وبينك كفّار مضر. ولسنا نخلص إليك إلّا في الشّهر الحرام، فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا. قال: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع. الإيمان بالله «5» ، وشهادة أن لا إله إلّا الله- وعقد بيده هكذا- وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن: الدّبّاء «6» ، والحنتم «7» ، والنّقير «8» ، والمزفّت «9» ) * «10» . 21- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فى سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة، ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير. الصّوم جنّة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16، 17) » . ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» . قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» . ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟» . قلت: بلى يا نبيّ الله. فأخذ بلسانه قال: «كفّ عليك هذا» . فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟. فقال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم- أو على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «11» . 22- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط «12» ، أو صاعا من زبيب) * «13» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال   (1) أبو داود (429) ، وقال الألباني (1/ 87) : حسن برقم (414) . (2) الصاع: مكيال يسع أربعة أمداد. (3) البخاري- الفتح 3 (1507) ، ومسلم (984) واللفظ له. (4) الحيّ: منصوب على الاختصاص، والخبر في قولهم «من ربيعة» . (5) ذكر بعدها في مسلم (ثم فسرها لهم فقال:) ... الحديث وإلّا فالعدد المأمور به خمس لا أربع. (6) الدباء: القرع اليابس أي الوعاء منه. (7) الحنتم: جرار خضر، يجلب فيها الخمر. (8) النقير: جذع ينقر وسطه. (9) المزفت: هو المطليّ بالزفت. (10) البخاري- الفتح 3 (1398) واللفظ له، ومسلم (17) . (11) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح، وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (5/ 13) ، وابن ماجة (3973) ، وأحمد (5/ 231) وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29، 30) : صحيح الإسناد. (12) الأقط: لبن محمّض يجمّد حتى يستحجر ويطبخ، أو يطبخ به. (13) البخاري- الفتح 3 (1508) ، ومسلم (985) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2209 لمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطّاب لأبي بكر: كيف تقاتل النّاس، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله، فمن قال لا إله إلّا الله فقد عصم منّي ماله ونفسه إلّا بحقّه وحسابه على الله. فقال أبو بكر: والله! لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة، فإنّ الزّكاة حقّ المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدّونه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطّاب: فو الله ما هو إلّا أن رأيت الله- عزّ وجلّ- قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنّه الحقّ) * «1» . () الأحاديث الواردة في (الزكاة) معنى 24- * (عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه- قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعبّاس بن عبد المطّلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي وللفضل بن عبّاس) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّماه، فأمّرهما على هذه الصّدقات، فأدّيا ما يؤدّي النّاس، وأصابا ممّا يصيب النّاس قال: فبينما هما في ذلك جاء عليّ بن أبي طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذلك. فقال عليّ بن أبي طالب: لا تفعلا. فو الله ما هو بفاعل. فانتحاه «2» ربيعة بن الحارث، فقال: والله ما تصنع هذا إلّا نفاسة «3» منك علينا، فو الله لقد نلت صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما نفسناه عليك. قال عليّ: أرسلوهما، فانطلقا، واضطجع عليّ. قال: فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظّهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها، حتّى جاء فأخذ بآذاننا، ثمّ قال: «أخرجا ما تصرّران «4» » . ثمّ دخل، ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال فتواكلنا «5» الكلام، ثمّ تكلّم أحدنا فقال: يا رسول الله أنت أبرّ النّاس وأوصل النّاس، وقد بلغنا النّكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصّدقات، فنؤدّي إليك كما يؤدّي النّاس، ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتّى أردنا أن نكلّمه. قال: وجعلت زينب تلمع «6» علينا من وراء الحجاب أن لا تكلّماه قال: ثمّ قال: «إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ النّاس، ادعوا لي محمية (وكان على الخمس) ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب» . قال فجاءاه. فقال لمحمية «7» : «أنكح هذا الغلام ابنتك (للفضل بن عبّاس) » فأنكحه. وقال لنوفل بن الحارث: «أنكح هذا الغلام ابنتك» (لي) فأنكحني، وقال لمحمية: «أصدق عنهما «8» من   (1) البخاري- الفتح 13 (7284، 7285) ، ومسلم (20) واللفظ له. (2) فانتحاه: عرض له وقصده. (3) نفاسة: حسدا. (4) ما تصرران: ما تسرران. (5) التواكل: أن يكل كل واحد أمره إلى صاحبه. (6) تلمع: تشير. (7) محمية: اسم رجل كان على الخمس. (8) أصدق عنهما: أدّ عنهما صداقهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2210 الخمس كذا وكذا» ) * «1» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالصّدقة فقيل منع ابن جميل، وخالد ابن الوليد، وعبّاس بن عبد المطّلب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله، وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأمّا العبّاس بن عبد المطّلب فعمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهي عليه صدقة ومثلها معها» ) * «2» . 26- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: إنّ أبا بكر- رضي الله عنه- أرسل لهم كتابا فإذا فيه: هذه فريضة الصّدقة الّتي فرضها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المسلمين الّتي أمر الله- عزّ وجلّ- بها نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم: في كلّ خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض» ، إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون «4» ، إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستّا وأربعين ففيها حقّة طروقة الفحل «5» ، إلى ستّين، فإذا بلغت إحدى وستّين ففيها جذعة «6» ، إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستّا وسبعين ففيها ابنتا لبون، إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كلّ أربعين بنت لبون، وفي كلّ خمسين حقّة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصّدقات: فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة فإنّها تقبل منه، وأن يجعل معها شاتين، إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده حقّة وعنده جذعة فإنّها تقبل منه ويعطيه المصدّق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليس عنده حقّة وعنده ابنة لبون فإنّها تقبل منه» - قال أبو داود: من هاهنا لم أضبطه عن موسى كما أحبّ- «ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلّا حقّة فإنّها تقبل منه» . قال أبو داود: إلى هاهنا ثمّ أتقنته-، «ويعطيه المصدّق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلّا بنت مخاض، فإنّها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلّا ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه، وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلّا أربع فليس فيها شيء، إلّا أن يشاء ربّها، وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة، إلى عشرين ومائة. فإذا   (1) مسلم (1072) . (2) البخاري- الفتح 3 (1468) واللفظ له. ومسلم (983) . (3) بنت مخاض: النوق التي أتى على حملها عشرة أشهر. (4) بنت لبون: الناقة إذا استكملت السنة الثانية ودخلت في الثالثة. (5) حقة طروقة الفحل: ما دخل في السنة الرابعة. (6) جذعة: من الإبل ما استكمل أربعة أعوام ودخل في السنة الخامسة، ومن الخيل والبقر: ما استكمل سنتين ودخل في الثالثة، ومن الضأن: ما بلغ ثمانية أشهر أو تسعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2211 زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان، إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه، إلى أن تبلغ ثلثمائة، فإذا زادت على ثلثمائة ففي كلّ مائة شاة شاة، ولا يؤخذ في الصّدقة: هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم، إلّا أن يشاء المصدّق، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرّق بين مجتمع، خشية الصّدقة، وما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان بينهما بالسّويّة، فإن لم تبلغ سائمة الرّجل أربعين فليس فيها شيء، إلّا أن يشاء ربّها، وفي الرّقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلّا تسعين ومائة فليس فيها شيء، إلّا أن يشاء ربّها» ) * «1» . 27- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتي بلحم تصدّق به على بريرة فقال: «هو عليها صدقة، وهو لنا هدية» ) * «2» . 28- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال عمر- رضي الله عنه- أيّكم يحفظ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الفتنة؟. قال قلت: أنا أحفظه كما قال: قال: إنّك عليه لجريء، فكيف قال؟. قلت: «فتنة الرّجل في أهله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّدقة والمعروف» - قال: سليمان قد كان يقول: «الصّلاة والصّدقة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» -. قال: ليس هذه أريد، ولكنّي أريد التي تموج كموج البحر. قال: قلت: ليس عليك بها يا أمير المؤمنين بأس. بينك وبينها باب مغلق. قال: فيكسر الباب أو يفتح؟. قال: قلت: لا بل يكسر. قال: فإنّه إذا كسر لم يغلق أبدا. قال: قلت: أجل» ... الحديث) * «3» . 29- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الهجرة، فقال: «ويحك «4» ، إنّ شأنها شديد، فهل لك من إبل تؤدّي صدقتها؟. قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار فإنّ الله لن يترك «5» من عملك شيئا» ) * «6» . 30- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث معاذا- رضي الله عنه- إلى اليمن، فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم» ) * «7» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأنقلب إلى أهلي فأجد   (1) أبو داود (1567) واللفظ له، والنسائي (5/ 18، 23) . وأحمد (1/ 11، 12) ، وطبعة شاكر (72) وإسناده صحيح، والحاكم (1/ 391، 392) ، وفرقه البخاري في صحيحه في كتاب الزكاة (1448، 1450، 1451، 1453، 1454، 1455) وجامع المسانيد والسنن لابن كثير (17/ 31، 32) . (2) البخاري- الفتح 3 (1495) واللفظ له، ومسلم (1074) . (3) البخاري- الفتح 3 (1435) واللفظ له، ومسلم (4/ 144) باب الفتنة التي تموج كموج البحر. (4) ويحك: كلمة ترحم. (5) يترك: ينقصك. (6) البخاري- الفتح 3 (1452) . (7) البخاري- الفتح 3 (1395) واللفظ له، ومسلم (19) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2212 التّمرة ساقطة على فراشي ثمّ أرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) * «1» . 32- (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- أخذ تمرة من تمر الصّدقة فجعلها في فيه فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفارسيّة كخ، كخ «2» أما تعرف أنّا لا نأكل الصّدقة؟» ) * «3» . 33- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السّماوات والأرض، والصّلاة نور، والصّدقة برهان، والصّبر ضياء، والقرآن حجّة لك أو عليك. كلّ النّاس يغدو «4» ، فبايع نفسه فمعتقها «5» أو موبقها «6» » ) * «7» . 34- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيما سقت السّماء والعيون أو كان عثريّا العشر «8» ، وما سقي بالنّضح نصف العشر» ) * «9» . 35- * (عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «في كلّ سائمة «10» إبل في أربعين بنت لبون، ولا يفرّق إبل عن حسابها «11» ، من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها، ومن منعها فإنّا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربّنا- عزّ وجلّ- ليس لآل محمّد منها شيء» ) * «12» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتي بطعام سأل عنه أهديّة أم صدقة؟، فإن قيل صدقة. قال لأصحابه: «كلوا ولم يأكل» . وإن قيل: هديّة، ضرب بيده صلّى الله عليه وسلّم فأكل معهم) * «13» . 37- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهمّ صلّ على آل فلان» ، فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» ) * «14» . 38- * (عن زينب الثّقفيّة امرأة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- قالت: كنت في المسجد فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «تصدّقن ولو من حليّكنّ، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها،   (1) البخاري- الفتح 5 (2432) ، ومسلم (1070) واللفظ له. (2) كخ كخ: وهي كلمة زجر للصبي إذا فعل ما لا ينبغي. (3) البخاري- الفتح 6 (3072) واللفظ له، ومسلم (1069) . (4) يغدو: يصبح أوّل النهار. (5) معتقها: من العقاب. (6) موبقها: مهلكها. (7) مسلم (223) . (8) أو كان عثريّا: هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي، وما سقي بالنضح: أي بالآلة. (9) البخاري- الفتح 3 (1483) واللفظ له. وروى مسلم مثله من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- (981) . (10) سائمة: الحيوان الذي يرعى أغلب العام. (11) لا يفرق إبل عن حسابها: يعني هروبا من الزكاة، مؤتجرا بها: طالبا أجرها وثوابها. (12) أبو داود (1575) واللفظ له، وأحمد (5/ 2، 3) ، والنسائي 5 (15، 16) وقال في جامع الأصول (4/ 573) : إسناده حسن، وذكره الألباني في صحيح النسائي (2292) ، وقال: إسناده حسن. (13) البخاري- الفتح 5 (2576) واللفظ له، ومسلم (1077) . (14) البخاري- الفتح 3 (1497) واللفظ له، ومسلم (1078) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2213 فقالت لعبد الله سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيجزي عنّي أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصّدقة؟. فقال: سلي أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمرّ علينا بلال، فقلنا: سل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أيجزي عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري. وقلنا: لا تخبر بنا. فدخل فسأله، فقال: «من هما؟» . قال: زينب. قال: «أيّ الزّيانب؟» . قال: امرأة عبد الله، قال: «نعم ولها أجران، أجر القرابة وأجر الصّدقة» ) * «1» . 39- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: لمّا أمرنا بالصّدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رئاء. فنزلت الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ... الآية (التوبة/ 79)) * «2» . 40- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس فيما دون خمس أواق «3» صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أوسق «4» صدقة» ) * «5» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة» ) * «6» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله» ) * «7» . 43- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اليد العليا» خير من اليد السّفلى «9» ، وابدأ بمن تعول، وخير الصّدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1466) واللفظ له، ومسلم (1000) . (2) البخاري- الفتح 8 (4668) واللفظ له، ومسلم (1018) . (3) أواق: جمع أوقية وهي أربعون درهما من الفضة، ذود: من واحد إلى تسع وقيل من ثلاث إلى عشر. (4) أوسق: جمع وسق وهو ستون صاعا. (5) البخاري- الفتح 3 (1405) واللفظ له، ومسلم (979) . (6) البخاري- الفتح 3 (1463) واللفظ له، ومسلم (982) . (7) مسلم (2588) . (8) اليد العليا: اليد المنفقة. (9) اليد السلفى: اليد السائلة. (10) البخاري- الفتح 3 (1427) واللفظ له، ومسلم (1034) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2214 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الزكاة) 44- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجذبه جذبة شديدة حتّى نظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت به حاشية الرّداء من شدّة جذبته، ثمّ قال: مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «1» . () من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الزكاة) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «إنّ الأعمال تباهت، فقالت الصّدقة أنا أفضلكنّ» ) * «2» . 2- * (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- «إنّ عرى الدّين وقوامه الصّلاة، والزّكاة، لا يفرق بينهما، وحجّ البيت، وصيام رمضان، وإنّ من أصلح الأعمال الصّدقة والجهاد» ) * «3» . 3- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-: «المال الّذي لا تؤدّى زكاته كنز» ) * «4» . 4- * (وقال- رضي الله عنهما- لأعرابيّ سأله عن معنى قول الله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ 34) . قال: «من كنزها فلم يؤدّ زكاتها فويل له، إنّما كان هذا قبل أن تنزّل الزّكاة، فلمّا أنزلت جعلها الله طهرا للأموال» ) * «5» . 5- * (قال حذيفة- رضي الله عنه-: «الإسلام ثمانية أسهم، الصّلاة سهم، والزّكاة سهم، والجهاد سهم، وصوم رمضان سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنّهي عن المنكر سهم، والإسلام سهم، وقد خاب من لا سهم له» ) * «6» . 6- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه- «باكروا بالصّدقة فإنّ البلاء لا يتخطّى الصّدقة» ) * «7» 7- * (قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «أبى الله أن يقبل الصّلاة إلّا بالزّكاة، وقال: يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه» - يعني لمّا قاتل مانعي الزّكاة) * «8» . 8- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «الصّلاة تبلّغك نصف الطّريق، والصّوم   (1) البخاري- الفتح 6 (3149) واللفظ له، ومسلم (1057) . (2) إحياء علوم الدين (1/ 268) . (3) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 46) . (4) شعب الإيمان للبيهقي (6/ 482) وانظر فتح الباري (3/ 320) . (5) البخاري- الفتح 3 (1404) . (6) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 7) . (7) المصدر السابق (6/ 529) . (8) ابن كثير (2/ 336) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2215 يبلّغك باب الملك، والصّدقة تدخلك عليه» ) * «1» . 9- * (قال سفيان: «من منّ فسدت صدقته» ، فقيل له: كيف المنّ؟. فقال: «أن يذكره ويتحدّث به» ) * «2» . 10- * (قال الشّعبيّ: «من لم ير نفسه إلى ثواب الصّدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه» ) * «3» . () من فوائد (الزكاة) (1) أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام. (2) تطهير المال من حقوق الغير فيه. (3) برهان صدق الإيمان، ووقاية للنّفس من شحّها. (4) مواساة الفقراء والمحتاجين وسدّ حاجة المعوزين. (5) سبب بركة المال ونمائه، وخيرها وبرّها راجع إلى المتصدّق نفسه أوّلا. (6) المال مال الله والعبد وكيل عليه يصرفه حيث أمر سيّده ومالكه الحقيقيّ، فبإخراجها يؤدّي شكر نعمة المال. (7) تقوية العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأمّة كلّها. (8) المساعدة على حلّ معضلة الفقر الّتي أعجزت العالم المعاصر. (9) إحلال التّراحم بدلا من التّحاسد والتّباغض. (10) في تكليف الفقير بإخراج زكاة الفطر إذا كان يجد قوت يومه تربية له على خلق العطاء حتّى يستشعر عزّ العطاء بدلا من ذلّ الأخذ. (11) بها تدفع النّقم وتستجلب النّعم. (12) الفلاح مضمون لمن زكّى نفسه وطهّرها بالتّقوى والعبادة.   (1) إحياء علوم الدين (1/ 267) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2216 الزهد الزهد لغة: تدلّ مادّة «زهد» على القلّة في كلّ شيء، يقول ابن فارس: «الزّاء والهاء والدّال» أصل يدلّ على قلّة الشّيء. والزّهيد: الشّيء القليل، وهو مزهد: قليل المال: ويقال: رجل زهيد: قليل المطعم، وهو ضيّق الخلق أيضا، وقال بعضهم: الزّهيد: الوادي القليل الأخذ للماء، والزّهاد: الأرض الّتي تسيل من أدنى مطر «1» ، وقد أيّد الرّاغب ما ذهب إليه ابن فارس، فالمادّة تدور عنده حول هذا المعنى. تقول: الزّهيد: الشّيء القليل، والزّاهد في الشّيء: الرّاغب عنه، والرّاضي منه بالزّهيد أي القليل كما في قوله تعالى: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (يوسف/ 20) «2» . وقد تطرّقت المعاجم إلى هذا المعنى فيقول صاحب الصّحاح: والمزهد: القليل المال، وفي الحديث: «أفضل النّاس مؤمن مزهد» . والزّهيد القليل ... وفلان يزهد عطاء فلان أي يعدّه زهيدا قليلا «3» ، ويقول الزّمخشريّ: «وفلان زاهد زهيد بيّن الزّهادة والزّهد وهي قلّة الطّعم، وقدّم إليهم طعاما فتزاهدوه أي رأوه زهيدا قليلا وتحاقروه. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 50/ 21 ومن المجاز واد زهيد: قليل الأخذ للماء، ورجل زهيد: أي قليل الخير. وهو زهيد العين يقنعه القليل «4» . وزهيد الأرض ضيّقها لا يخرج منها كثير ماء وجمعه زهدان. والزّهيد: الحقير، وعطاء زهيد قليل. وازدهد العطاء استقلّه ... وفي الحديث «ليس عليك حساب ولا على مؤمن مزهد» ومنه حديث ساعة الجمعة «فجعل يزهّدها» أي يقلّلها، وفي حديث عليّ رضي الله عنه- «إنّك لزهيد» وفي حديث خالد: كتب إلى عمر- رضي الله عنه- «أنّ النّاس قد اندفعوا في الخمر، وتزاهدوا الحدّ أي احتقروه وأهانوه ورأوه زهيدا» «5» . والزّهد بفتحتين الزّكاة؛ لأنّ زكاة المال أقلّ شيء فيه «6» . والزّهد ضدّ الرّغبة، يقال: فلان يزهد في الشّيء أي يرغب عنه، وهو من الأصل الأوّل أيضا؛ لأنّه لا يزهد إلّا في القليل أو الحقير، يقول الجوهريّ: «الزّهد خلاف الرّغبة. تقول: زهد في الشّيء وعن الشّيء: خلاف التّرغيب فيه «7» » وزهّده في الأمر: رغّبه عنه، وفي حديث الزّهريّ: وسئل عن الزّهد في الدّنيا فقال: هو ألّا يغلب الحلال شكره، ولا الحرام صبره، أراد ألا   (1) المقاييس (3/ 30) . (2) المفردات (220) . (3) الصحاح (2/ 481) . (4) أساس البلاغة (197) . (5) اللسان (3/ 197) بتصرف- ط. بيروت. (6) أساس البلاغة (197) «بتصرف» . (7) الصحاح (2/ 481) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2217 يعجز ويقصر شكره على ما رزقه الله من الحلال، ولا صبره عن ترك الحرام «1» ، وفلان يتزهّد: أي يتعبّد «2» . واصطلاحا: قيل: هو بغض الدّنيا والإعراض عنها، وقيل: هو ترك راحة الدّنيا طلبا لراحة الآخرة، وقيل: هو أن يخلو قلبك ممّا خلت منه يدك «3» . وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة: الزّهد المشروع: هو ترك الرّغبة فيما لا ينفع في الدّار الآخرة، وهو فضول المباح الّتي لا يستعان بها على طاعة الله، كما أنّ الورع المشروع: هو ترك ما قد يضرّ في الدّار الآخرة. وهو ترك المحرّمات والشّبهات الّتي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها، كالواجبات، فأمّا ما ينفع في الدّار الآخرة، فالزّهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (المائدة/ 87) . كما أنّ الاشتغال بفضول المباحات، هو ضدّ الزّهد المشروع، فإن اشتغل بها عن فعل واجب أو فعل محرّم كان عاصيا، وإلّا كان منقوصا عن درجة المقرّبين إلى درجة المقتصدين «4» . وقال ابن الجوزيّ: الزّهد: عبارة عن انصراف الرّغبة عن الشّيء إلى ما هو خير منه، وشرط المرغوب عنه أن يكون مرغوبا بوجه من الوجوه، فمن رغب عن شيء ليس مرغوبا فيه، ولا مطلوبا في نفسه لم يسمّ زاهدا. كمن ترك التّراب لا يسمّى زاهدا وإنّه ليس الزّهد ترك المال وبذله على سبيل السّخاء والقوّة واستمالة القلوب فحسب، بل الزّهد أن يترك الدّنيا للعلم بحقارتها بالنّسبة إلى نفاسة الآخرة «5» . وقال ابن القيّم: إنّ الزّهد سفر القلب من وطن الدّنيا، وأخذه في منازل الآخرة. وعلى هذا صنّف المتقدّمون كتب الزّهد، كالزّهد لعبد الله بن المبارك، وللإمام أحمد، ولوكيع، ولهنّاد بن السّريّ، ولغيرهم. ومتعلّقه ستّة أشياء لا يستحقّ العبد اسم الزّهد حتّى يزهد فيها: وهي المال، والصّور، والرّياسة، والنّاس، والنّفس، وكلّ ما دون الله. وليس المراد رفضها من الملك، فقد كان سليمان وداود- عليهما السّلام- من أزهد أهل زمانهما. ولهما من المال والملك والنّساء مالهما. وكان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من أزهد البشر على الإطلاق. وله تسع نسوة، وكان عليّ بن أبي طالب، وعبد الرّحمن بن عوف، والزّبير وعثمان- رضي الله عنهم- من الزّهّاد مع ما كان لهم من الأموال، وغيرهم كثير «6» . حقيقة الزهد: وقال الإمام الغزاليّ: الزّهد هو عبارة عن انصراف الرّغبة عن الشّيء إلى ما هو خير منه. وكلّ من عدل عن شيء إلى غيره بمعاوضة وبيع وغيره فإنّما عدل عنه لرغبته عنه، وإنّما عدل إلى   (1) لسان العرب (3/ 197) . (2) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) التعريفات للجرجانى (115) . (4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (مج 10 ص 21) . (5) مختصر منهاج القاصدين (324) بتصرف. (6) مدارج السالكين (2/ 13، 14) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2218 غيره لرغبته فيه «1» ، فحاله بالإضافة إلى المرغوب (المعدول) عنه تسمّى زهدا، وبالإضافة إلى المعدول إليه (المرغوب فيه) يسمّى رغبة وحبّا، ومن ثمّ يستدعي حال الزّهد مرغوبا عنه ومرغوبا فيه هو خير من المرغوب عنه، وشرط المرغوب عنه أن يكون هو أيضا مرغوبا فيه بوجه من الوجوه، ومن رغب عمّا ليس مطلوبا في نفسه لا يسمّى زاهدا، وشرط المرغوب فيه أن يكون عنده خيرا من المرغوب عنه ... » «2» . أقسام الزهد وأحكامه: قال ابن القيّم- رحمه الله-: الزّهد أقسام: (1) زهد في الحرام: وهو فرض عين. (2) وزهد في الشّبهات: وهو بحسب مراتب الشّبهة، فإن قويت التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحبّا. (3) وزهد في الفضول، وهو زهد فيما يعني من الكلام والنّظر والسّؤال واللّقاء وغيره، وزهد في النّاس، وزهد في النّفس حيث تهون عليه نفسه في الله. (4) وزهد جامع لذلك كلّه، وهو الزّهد فيما سوى ما عند الله، وفي كلّ ما يشغلك عن الله، وأفضل الزّهد إخفاء الزّهد، وأصعبه الزّهد في الحظوظ «3» . ما يعين على الزهد: والّذي يصحّح هذا الزّهد ثلاثة أشياء: أحدها: علم العبد أنّ الدّنيا ظلّ زائل، وخيال زائر، فهي كما قال تعالى كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً (الحديد/ 20 مدنية) وسمّاها الله مَتاعُ الْغُرُورِ ونهى عن الاغترار بها، وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترّين، وحذّرنا مثل مصارعهم، وذمّ من رضي بها، واطمأنّ إليها. الثّاني: علمه أنّ وراءها دار أعظم منها قدرا، وأجلّ خطرا، وهي دار البقاء، فالزّهد فيها لكمال الرّغبة فيما هو أعظم منها. والثّالث: معرفته وإيمانه الحقّ بأنّ زهده فيها لا يمنعه شيئا كتب له منها، وأنّ حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها فمتى تيقّن ذلك ثلج له صدره، وعلم أنّ مضمونه منها سيأتيه. فهذه الأمور الثّلاثة تسهّل على العبد الزّهد في الدّنيا وتثبّت قدمه في مقامه «4» . [للاستزادة: انظر صفات: التواضع- الرضا القناعة- الورع- اليقين- الطاعة- تذكر الموت. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطمع- طول الأمل- الكبر والعجب- العصيان] .   (1) يقال: رغب عن الشيء كرهه، ورغب فيه: أحبّه (2) إحياء علوم الدين (4/ 217) . (3) الفوائد (118) . (4) جامع العلوم والحكم، مختصرا (254- 255) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2219 الآيات الواردة في «الزهد» 1- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) «1» الآيات الواردة في «الزهد» معنى 2- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) » 3- * وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «3» 4- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً   (1) يوسف: 16- 20 مكية (2) طه: 130- 131 مكية (3) القصص: 51- 55 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2220 وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) «1» 5- اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) «2» 6- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) «3»   (1) القصص: 79- 83 مكية (2) الشورى: 19- 20 مكية (3) الحديد: 22- 23 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2221 الأحاديث الواردة في (الزهد) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أدّى العبد حقّ الله وحقّ مواليه كان له أجران» . قال: فحدّثتها كعبا. فقال كعب: ليس عليه حساب ولا على مؤمن زهد «1» ) * «2» . 2- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنّها تزهّد في الدّنيا وتذكّر الآخرة» ) * «3» 3- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل، إذا أنا عملته، أحبّني الله، وأحبّني النّاس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ازهد في الدّنيا، يحبّك الله، وازهد فيما في أيدي النّاس، يحبّوك» ) * «4» . () الأحاديث الواردة في (الزهد) معنى 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: آلله الّذي لا إله إلّا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثمّ مرّ بي أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي. ثمّ قال: يا أبا هرّ! قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: الحق، ومضى. فتبعته فدخل فاستأذن، فأذن لي، فدخل فوجد لبنا في قدح، فقال: من أين هذا اللّبن؟ قالوا: أهداه لك فلان- أو فلانه- قال: أبا هرّ! قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصّفّة «5» فادعهم لي. قال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم، وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا   (1) قال النووي- رحمه الله-: وهذا الذي قاله كعب يحتمل أنه أخذه بتوقيف ويحتمل أنه بالاجتهاد ... (انظر صحيح مسلم بشرح النووي، ج 11، ص 136) ، والمزهد قليل المال. (2) مسلم (1666) . (3) ابن ماجة (1571) واللفظ له وفي الزوائد: إسناده حسن، وأصله عند مسلم (976، 977) ، وذكره الحاكم في المستدرك (1/ 375) ، ونحوه قبله عن أبي سعيد الخدري وصححه ووافقه الذهبي على رواية أبي سعيد. (4) ابن ماجة (4102) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة برقم (3310) . (5) أهل الصفة: هي سقيفة مظللة كانت تأوي إليها المساكين في المسجد النبوي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2222 رسول الله، قال: «خذ فأعطهم» ، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم فقال: «أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: بقيت أنا وأنت» ، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت. فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» ، حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ، ما أجد له مسلكا، قال: «فأرني» ، فأعطيته القدح، فحمد الله، وسمّى وشرب الفضلة) * «1» . 5- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ لا عيش إلّا عيش الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره» ) * «2» . 6- * (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقرأ: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (التكاثر/ 1) قال: «يقول ابن آدم: مالي، مالي» . قال: وهل لك يا بن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت» ) * «3» . 7- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» . وكان ابن عمر- رضي الله عنهما- يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك» ) * «4» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إذا فتحت عليكم فارس والرّوم، أيّ قوم أنتم؟» . قال: عبد الرّحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله «5» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو غير ذلك. تتنافسون «6» ثمّ تتحاسدون، ثمّ تتدابرون «7» أو نحو ذلك، ثمّ تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض» ) * «8» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:   (1) البخاري- الفتح 11 (6452) . (2) البخاري- الفتح 6 (2834) ، ومسلم (1805) واللفظ له. (3) مسلم (2958) (4) البخاري- الفتح 11 (6416) . قالوا في شرح هذا الحديث: معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله وبالله التوفيق. (5) نقول كما أمرنا الله: أي نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله. (6) تتنافسون: التنافس إلى الشيء: المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه. (7) تتدابرون: التدابر: كناية عن الاختلاف والافتراق وأصله أن يولي كل واحد ظهره لأخيه. (8) مسلم (2962) .. وتجعلون بعضهم على رقاب بعض: أي تجعلون بعضهم أمراء على بعض. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2223 ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل» ) * «1» . 10- * (عن عبد الله بن عبّاس وعمران بن حصين- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اطّلعت في الجنّة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطّلعت في النّار فرأيت أكثر أهلها النّساء» ) * «2» . 11- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه كان في إبله فجاءه ابنه عمر، فلمّا رآه سعد قال: أعوذ بالله من شرّ هذا الرّاكب، فنزل فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك، وتركت النّاس يتنازعون الملك بينهم؟، فضرب سعد في صدره فقال: اسكت. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يحبّ العبد التّقيّ، الغنيّ، الخفيّ «3» » ) * «4» . 12- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- يقول: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم وما يجد من الدّقل «5» ما يملأ به بطنه) * «6» . 13- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ بالسّوق، داخلا من بعض العالية والنّاس كنفته «7» فمرّ بجدي أسكّ «8» ميّت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثمّ قال: «أيّكم يحبّ أنّ هذا له بدرهم؟» . فقالوا: ما نحبّ أنّه لنا بشيء، وما نصنع به؟. قال: «أتحبّون أنّه لكم؟» . قالوا: والله لو كان حيّا، كان عيبا فيه، لأنّه أسكّ. فكيف وهو ميّت؟. فقال: «فو الله! للدّنيا أهون على الله من هذا عليكم» ) * «9» . 14- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يسأله أحد منهم إلّا أعطاه، حتّى نفد ما عنده، فقال لهم حين نفد كلّ شيء أنفق بيديه: «ما يكون عندي من خير لا أدّخره عنكم، وإنّه من يستعفّ يعفّه الله، ومن يتصبّر يصبّره الله، ومن يستغن يغنه الله، ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصّبر» ) * «10» . 15- * (عن عمرو بن عوف الأنصاري- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين، وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا انصرف تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال: «أظنّكم سمعتم بقدوم أبي   (1) البخاري- الفتح 11 (6489) ، ومسلم (2256) واللفظ له. (2) أخرجه البخاري 11 (6449) ، والترمذي عنهما (2602) ، ومسلم عن ابن عباس وحده (2737) . (3) الغني: المراد غنى النفس، وأما الخفي، فالخاء المعجمة ومعناه: الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه. (4) مسلم (2965) . (5) الدقل: التمر الرديء. (6) مسلم (2977) . (7) كنفته وكنفتيه: يعني جانبه وجانبيه. (8) جدي أسكّ: صغير الأذنين. (9) مسلم (2957) . (10) البخاري- الفتح 11 (6470) واللفظ له، ومسلم (1053) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2224 عبيدة، وأنّه جاء بشيء» . قالوا: أجل يا رسول الله. قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «1» . 16- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّنيا حلوة خضرة، وإنّ الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتّقوا الدّنيا واتّقوا النّساء، وإنّ فتنة بني إسرائيل كانت في النّساء» ) * «2» . 17- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال: «إنّ ممّا أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها» . فقال رجل: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشّر؟ فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقيل له: ما شأنك تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يكلّمك؟. فرأينا أنّه ينزل عليه. قال فمسح عنه الرّحضاء «3» فقال: «أين السائل؟» - وكأنّه حمده- فقال: «إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ «4» ، إلّا آكلة الخضر، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها استقبلت عين الشّمس فثلطت» وبالت ورتعت. وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل» . أو كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّه من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة» ) * «6» . 18- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه جاءه ثلاثة نفر فقالوا: يا أبا محمّد، إنّا والله، ما نقدر على شيء. لا نفقة ولا دابّة ولا متاع. فقال لهم: ما شئتم. إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسّر الله لكم. وإن شئتم ذكرنا أمركم للسّلطان. وإن شئتم صبرتم. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنّة بأربعين خريفا «7» » . قالوا: فإنّا نصبر، لا نسأل شيئا) * «8» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 11 (6425) واللفظ له، ومسلم (2961) . (2) مسلم (4/ 2742) . (3) الرّحضاء: أي العرق، وأكثر ما يسمّى به عرق الحمى. (4) إن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم: إن نبات الربيع وخضره يقتل تخمة لكثرة الأكل؛ ويقارب القتل إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية المقتصدة فإنه لا يضر. وهكذا المال فإنه كنبات الربيع، مستحسن تطلبه النفوس، وتميل إليه فمنهم من يستكثر منه ويستغرق فيه غير صارف له في وجوهه فهذا يهلكه أو يقارب إهلاكه، ومنهم من يقتصد فيه فلا يأخذ إلا يسيرا ويصرفه في وجوهه الشرعية فهذا لا يضره، وهذا مختصر معنى الحديث. (5) ثلطت: ثلط البعير يثلط إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا. (6) البخاري- الفتح 3 (1465) واللفظ له، ومسلم (1052) . (7) أربعين خريفا: أي أربعين سنة. (8) مسلم (2979) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2225 أنّه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصليّة «1» فدعوه فأبى أن يأكل. قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الدّنيا ولم يشبع من الخبز الشّعير) * «2» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعس «3» عبد الدّينار والدّرهم والقطيفة «4» والخميصة «5» ، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض» ) * «6» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-، فقال:" ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: «وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الّذي أخرجكما، قوموا» فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلمّا رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين فلان؟» . قالت: ذهب يستعذب «7» لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه، ثمّ قال: الحمد لله، ما أجد اليوم أكرم أضيافا منّي، فانطلق فجاءهم بعذق «8» فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية «9» فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك والحلوب» . فذبح لهم، فأكلوا من الشّاة ومن ذلك العذق، وشربوا، فلمّا أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-: «والّذي نفسي بيده لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم» ) * «10» . 22- * (عن أبان بن عثمان- رضي الله عنهما- قال: خرج زيد بن ثابت من عند مروان بنصف النّهار، قلت: ما بعث إليه هذه السّاعة إلّا لشيء سأل عنه، فسألته فقال: سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كانت الدّنيا همّه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدّنيا إلّا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيّته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدّنيا وهي راغمة» ) * «11» . 23- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمشي وحده. ليس معه إنسان. قال: فظننت أنّه يكره أن يمشي معه أحد. قال: فجعلت أمشي في ظلّ القمر. فالتفت فرآني فقال: «من هذا؟» . فقلت: أبو   (1) مصلية: مشوية. (2) البخاري- الفتح 9 (5414) . (3) تعس: دعاء عليه بالهلاك، وهو الوقوع على الوجه من العثار. (4) القطيفة: كساء له خمل. (5) الخميصة: ثياب خز أو صوف معلمة. (6) البخاري- الفتح 11 (6435) . (7) يستعذب الماء: أي يأتي بالماء العذب الصافي. (8) العذق: هي الكباسة وهي الغصن من النّخل، وهو بمنزلة العنقود من العنب. (9) المدية: السكين. (10) مسلم (2038) . (11) ابن ماجة (4105) واللفظ له قال في الزوائد: صحيح ورجاله ثقات، وهو عند الترمذي (2465) من رواية أنس ابن مالك- رضي الله عنه- وبدون قصة وسكت عنه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2226 ذرّ! جعلني الله فداءك. قال: «يا أبا ذرّ تعاله «1» » قال: فمشيت معه ساعة. فقال: «إنّ المكثرين هم المقلّون يوم القيامة. إلّا من أعطاه الله خيرا. فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيرا» . قال فمشيت معه ساعة. فقال: «اجلس هاهنا. قال: فأجلسني في قاع حوله حجارة. فقال لي: «اجلس هاهنا حتّى أرجع إليك» . قال: فانطلق في الحرّة حتّى لا أراه. فلبث عنّي. فأطال اللّبث. ثمّ إنّي سمعته وهو مقبل وهو يقول: «وإن سرق وإن زنى» . قال: فلمّا جاء لم أصبر فقلت: يا نبيّ الله جعلني الله فداءك. من تكلّم في جانب الحرّة؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا. قال: «ذاك جبريل. عرض لي في جانب الحرّة. فقال: بشّر أمّتك أنّه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. فقلت: يا جبريل! وإن سرق وإن زنى؟. قال: نعم. قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟. قال: نعم. قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟. قال: نعم، وإن شرب الخمر» ) * «2» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّنيا سجن المؤمن، وجنّة الكافر» ) * «3» . 25- * (عن خالد بن عمير العدويّ قال: خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد. فإنّ الدّنيا قد آذنت «4» بصرم «5» وولّت حذّاء «6» ، لم يبق منها إلّا صبابة «7» كصبابة الإناء، يتصابّها صاحبها، وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم؛ فإنّه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عاما، لا يدرك لها قعرا. ووالله لتملأنّ. أفعجبتم ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنة وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ «8» من الزّحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لنا طعام إلّا ورق الشّجر، حتّى قرحت «9» أشداقنا، فالتقطت بردة، فشققتها بيني وبين سعد بن مالك «10» فاتّزرت بنصفها، واتّزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منّا أحد إلّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار، وإنّي أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا، وإنّها لم تكن نبوّة قطّ إلّا تناسخت حتّى يكون آخر عاقبتها ملكا، فستخبرون وتجرّبون الأمراء   (1) تعاله: هكذا بهاء السكت. (2) البخاري- الفتح 11 (6443) . ومسلم (94) باب الترغيب في الصدقة، واللفظ له. ومعنى الحديث إجمالا: أن المكثرين من حطام الدنيا والمنهمكين في جمعها هم المقلون من الحسنات يوم القيامة إلا من جعل ما جمع في سبيل الله وعمل فيه خيرا. (3) مسلم 4 (2956) . (4) آذنت: أعلمت. (5) بصرم: الصرم: الانقطاع والذهاب. (6) حذاء: مسرعة الانقطاع. (7) صبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء. (8) كظيظ: أي ممتلئ. (9) قرحت: أي صار فيها قروح وجراح، من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته. (10) سعد بن مالك: هو سعد بن أبي وقاص. رضي الله عنه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2227 بعدنا) * «1» . 26- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو كانت الدّنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» ) * «2» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس» ) * «3» . 28- * (عن أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس لابن آدم حقّ في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف «4» الخبز والماء» ) * «5» . 29- * (عن المستورد بن شدّاد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما الدّنيا في الآخرة إلّا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه- وأشار يحيى بالسّبّابة- في اليم «6» فلينظر بم يرجع؟» ) * «7» . 30- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: مرّ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن نعالج خصّا» لنا، فقال: «ما هذا؟» . فقلنا: قد وهى فنحن نصلحه، قال: «ما أرى الأمر إلّا أعجل من ذلك» ) * «9» . 31- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟» . فقال: رجل من أشراف النّاس، هذا والله حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع. قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ مرّ رجل، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيك في هذا؟» . فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا» ) * «10» . 32- * (عن خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه- قال: هاجرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نريد وجه الله، فوقع   (1) مسلم (2967) واللفظ له، وابن ماجة (4156) . (2) الترمذي (2320) واللفظ له وقال: حديث صحيح غريب من هذا الوجه، وابن ماجة (4110) وقال محقق جامع الأصول (4/ 510) : حديث حسن، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (940) . (3) البخاري- الفتح 11 (6446) ، ومسلم (1051) واللفظ له. (4) قال الترمذي: الجلف: الخبز ليس معه إدام وقيل: هو غليظ الخبز. (5) الترمذي (2341) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد (1/ 62) وصححه الشيخ شاكر رقم (440) ، والحاكم (4/ 312) وصححه وأقره الذهبي، وصححه السيوطي في الجامع الصغير رقم (7661) وأقره المناوي في فيض القدير (5/ 380) . (6) اليمّ: هو البحر. (7) مسلم (2858) . (8) الخص: هو بيت يعمل من خشب وقصب، وجمعه: خصاص وأخصاص. (9) أبو داود (5235) ، وعنده بدل (نعالج خصا) (أطين حائطا) وقال الألباني في صحيح سننه (3/ 983) : صحيح، والترمذي (2335) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح (10) البخاري- الفتح 11 (6447) واللفظ له، وقال صاحب الجامع: أخرجه البخاري ومسلم وهو ليس عند مسلم، والله أعلم وابنماجة (4120) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2228 أجرنا على الله- تعالى- فمنّا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد وترك نمرة «1» ، فإذا غطّينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نغطّي رأسه ونجعل على رجليه من الإذخر «2» ، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهديها) * «3» . 33- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: والله إنّي لأوّل رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ما لنا طعام نأكله إلّا ورق الحبلة «4» وهذا السّمر حتّى إنّ أحدنا ليضع كما تضع الشّاة، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني «5» على الدّين لقد خبت إذا، وضلّ عملي) * «6» . 34- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يتبع الميّت ثلاثة. فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله» ) * «7» . 35- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة فيصبغ في النّار صبغة «8» ثمّ يقال: يا بن آدم، هل رأيت خيرا قطّ، هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا والله يا ربّ، ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا بن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا والله يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ» ) * «9» . 36- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ما طلعت شمس قطّ إلّا بعث بجنبتيها ملكان إنّهما ليسمعان أهل الأرض إلّا الثّقلين، يأيّها النّاس، هلمّوا إلى ربّكم؛ فإنّ ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى. وما غربت شمس قطّ إلّا وبجنبتيها ملكان يناديان: اللهمّ عجّل لمنفق خلفا وعجّل لممسك تلفا» ) * «10» . 37- * (عن ربيعة بن كعب- رضي الله عنه- قال: «كنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع حتّى يصلّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة، فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول لعلّها أن تحدث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجة فما أزال أسمعه يقول صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله وبحمده» . حتّى أملّ فأرجع أو تغلبني عيني فأرقد،   (1) نمرة: هي إزار من صوف مخطط أو بردة. (2) الإذخر: هو حشيش معروف طيب الرائحة. (3) البخاري- الفتح 11 (6448) واللفظ له، ومسلم (940) ويهدبها أي يقطفها. (4) ورق الحبلة وهذا السمر: هما نوعان من شجر البادية. (5) تعزرني: المراد ببني أسد بنو الزبير بن العوام ومعنى تعزرني توقفني وتقومني وتعلمني والتعزير التوقيف على الأحكام والفرائض. (6) البخاري- الفتح 11 (6453) ، ومسلم (2966) واللفظ له (7) البخاري- الفتح 11 (6514) ، ومسلم (2960) . (8) يصبغ صبغة: أي يغمس غمسة. (9) مسلم (2807) . (10) المستدرك للحاكم (2/ 445) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2229 قال: فقال لي يوما لما يرى من خفّتي له وخدمتي إيّاه: سلني يا ربيعة أعطك، قال: فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله، ثمّ أعلمك ذلك. قال: ففكّرت في نفسي، فعرفت أنّ الدّنيا منقطعة زائلة وأنّ لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيني، قال: فقلت: أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لآخرتي فإنّه من الله- عزّ وجلّ- بالمنزل الّذي هو به، قال: فجئت، فقال: ما فعلت يا ربيع؟ قال: فقلت: نعم يا رسول الله، أسألك أن تشفع لي إلى ربّك فيعتقني من النّار، قال: فقال: من أمرك بهذا يا ربيعة؟ قال: فقلت: لا والله الذي بعثك بالحقّ، ما أمرني به أحد، ولكنّك لمّا قلت: سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الّذي أنت به. نظرت في أمري وعرفت أنّ الدّنيا منقطعة وزائلة، وأنّ لي فيها رزقا سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لآخرتي، قال: فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا ثمّ قال لي: «إنّي فاعل فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» ) * «1» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الزهد) 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اجعل رزق آل محمّد قوتا «2» » ، وفي رواية عمرو: «اللهمّ ارزق» ، وفي أخرى: «كفافا» ) * «3» . 39- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن كنّا آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم لنمكث شهرا ما نستوقد بنار، إن هو إلّا التّمر والماء) * «4» . 40- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما في رفّي «5» من شيء يأكله ذو كبد، إلّا شطر شعير «6» في رفّ لي، فأكلت منه حتّى طال عليّ، فكلته ففني) * «7» . 41- * (خطب النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: ذكر عمر ما أصاب النّاس من الدّنيا. فقال: لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يظلّ اليوم يلتوي، ما يجد دقلا «8» يملأ به بطنه) * «9» . 42- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أدم «10» وحشوه ليف) * «11» .   (1) أحمد (4/ 59) واللفظ له، ومسلم مختصرا (489) ، وأبو داود مختصرا (1320) ، وكذلك النسائي (2/ 227) . (2) قوتا: كفايتهم من غير إسراف، وقيل هو سد الرمق. (3) البخاري- الفتح 11 (6460) ومسلم (1055) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 11 (6458) وزاد: إلا أن نؤتى باللحم، ومسلم (2972) واللفظ له. (5) رفّي: الرف شبه الطاق على طرائف البيت كالرفوف. (6) شطر شعير: معناه شيء من شعير. وقيل: نصف وسق. (7) البخاري- الفتح 11 (6451) ، ومسلم (2973) واللفظ له. (8) الدقل: رديء التمر. (9) مسلم (2978) . (10) الأدم: الجلد. (11) البخاري- الفتح 11 (6456) ، ومسلم (2082) ولفظ مسلم: «إنما كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي ينام عليه أدما حشوه ليف» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2230 43- * (عن عائشة زوج النّبيّ- رضي الله عنها- قالت: لقد مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرّتين) * «1» . 44- * (عن عمرو بن الحارث- رضي الله عنه- قال: ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا، إلّا بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة) * «2» . 45- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّقى «3» من حين ابتعثه الله حتّى قبضه الله تعالى، فقيل له هل كانت لكم في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناخل؟. قال: ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منخلا من حين ابتعثه الله. حتّى قبضه الله، فقيل له: كيف كنتم تأكلون الشّعير غير منخول؟ قال: كنّا نطحنه وننفخه فيطير ما طار، وما بقي ثرّيناه «4» فأكلناه» ) * «5» . 46- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: ما شبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أيّام تباعا من خبز برّ حتّى مضى لسبيله) * «6» . وفي رواية أخرى: قالت: ما شبع آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم منذ قدم المدينة من طعام برّ ثلاث ليال تباعا حتّى قبض «7» . 47- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: نام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حصير «8» فقام وقد أثّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتّخذنا لك وطاء» فقال: «مالي وما للدّنيا، ما أنا في الدّنيا إلّا كراكب استظلّ تحت شجرة ثمّ راح وتركها» ) * «10» . 48- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرّة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقال: «يا أبا ذرّ» . قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: «ما يسرّني أنّ عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار إلّا شيئا أرصده لدين، إلّا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا- عن يمينه وعن شماله ومن خلفه- ثمّ مشى» ، ثمّ قال: «إنّ الأكثرين هم المقلّون يوم القيامة، إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا- عن يمينه وعن شماله ومن خلفه- وقليل ما هم» ... الحديث) * «11» . 49- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لم   (1) مسلم (2974) واللفظ له. والترمذي (2356) ولكن بدل زيت (لحم) . (2) البخاري- الفتح 5 (2739) . (3) النقى: هو الخبز الحواري من الحور وهو شدة البياض والدرمك دقيقه. (4) ثريناه: بللناه بالماء وعجناه. (5) البخاري- الفتح 9 (5413) . (6) مسلم 4 (2970) . (7) البخارى- الفتح 11 (6454) . (8) الحصير: فراش منسوج من الخوص وهو البارية وجمعه: حصر. (9) الوطاء: الفراش اللين. (10) الترمذي (2377) وقال: حديث حسن صحيح. (11) البخاري- الفتح 11 (6444) واللفظ له. ومسلم 2 (94) باب الترغيب في الصدقة وجزء منه في (991) عن أبي هريرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2231 يأكل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خوان «1» حتّى مات، وما أكل خبزا مرقّقا حتّى مات) * «2» . 50- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت لعروة: ابن أختي «3» إن كنّا لننظر إلى الهلال ثمّ الهلال، ثلاثة أهلّة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نار. قال: فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التّمر والماء. إلّا أنّه قد كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيران من الأنصار، وأنّ لهم منائح «4» وكانوا يمنحون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أبياتهم فيسقيناه) * «5» . () من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الزهد) 1- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «ارتحلت الدّنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدّنيا؛ فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل» ) * «6» . 2- * (وعنه- رضي الله عنه- أنّه قال: «طوبى للزّاهدين في الدّنيا، والرّاغبين في الآخرة، أولئك قوم اتّخذوا أرض الله بساطا. وترابها فراشا. وماءها طيبا، والكتاب شعارا، والدّعاء دثارا، ورفضوا الدّنيا رفضا» ) * «7» . 3- * (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: «ما كانت عائشة أمّ المؤمنين تستجدّ ثوبا حتّى ترقّع ثوبها وتنكّسه «8» . قال: ولقد جاءها يوما من عند معاوية ثمانون ألفا، فما أمسى عندها درهم، قالت لها جاريتها: فهلّا اشتريت لنا منه لحما بدرهم؟. قالت: «لو ذكّرتني لفعلت» ) * «9» . 4- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- الدّنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا علم له) * «10» . 5- * (وعن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّه كان يخطب بمصر يقول: ما أبعد هديكم من هدي نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم أمّا هو فكان أزهد النّاس في الدّنيا   (1) الخوان- بكسر أوله-: ما يوضع عليه الطعام عند الأكل. (2) البخاري- الفتح 11 (6450) . (3) قولها (ابن أختي) : المقصود هو: عروة بن الزبير، راوي الحديث عنها- رضي الله عنه-. (4) منائح: المنيحة في الأصل الشاة أو الناقة، يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن. (5) البخاري- الفتح (2567، 6459) . (6) البخاري- الفتح (11/ ك الرقاق، 4 باب في الأمل وطوله) (ص 239) . (7) شعب الإيمان للبيهقى (7/ 372) . (8) تنكسه: تلبسه منكسا أي ما كان داخلا مستترا منه يصبح من الظاهر، وما كان ظاهرا يصبح باطنا. (9) الترمذي (1781) وهذه زيادة من كتاب رزين، وله شواهد في الصحيحين، وانظر الزهد لوكيع (1/ 337) . (10) المنهاج فى شعب الإيمان (3/ 388) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2232 وأمّا أنتم فأرغب النّاس فيها) * «1» . 6- * (عن موسى بن عتبة قال: كتب أبو الدّرداء إلى بعض إخوانه، أمّا بعد، فإنّي أوصيك بتقوى الله، والزّهد في الدّنيا، والرّغبة فيما عند الله، فإنّك إذا فعلت ذلك أحبّك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبّك النّاس لتركك لهم دنياهم والسّلام) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «رأيت سبعين من أهل الصّفّة ما منهم رجل عليه رداء، إمّا إزار وإمّا كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف السّاقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته» ) * «3» . 8- * (عن أبي واقد اللّيثيّ قال: تابعنا الأعمال أيّها أفضل فلم نجد شيئا أعون على طلب الآخرة من الزّهد في الدّنيا» ) * «4» . 9- * (وعن الحسن- رضي الله عنه-: «ليس الزّهد في الدّنيا بتحريم الحلال وإضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها، أرغب منك فيها لو لم تصبك» ) * «5» . 10- * (سئل الزّهريّ- رحمه الله- عن الزّهد في الدّنيا. فقال: أن لا يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره، أي لا يقصّر في شكر الحلال إذا أصابه، ويصبر عن الحرام إذا اشتهاه ولا يواقعه) * «6» . 11- * (عن محمّد بن كعب القرظيّ: قال: إذا أراد الله بعبد خيرا أزهده في الدّنيا، وفقّهه في الدّين، وبصّره عيوبه، ومن أوتيهنّ فقد أوتي خيرا كثيرا في الدّنيا والآخرة) * «7» . 12- * (عن طارق بن شهاب- رحمه الله- قال: لمّا قدم عمر- رضي الله عنه- الشّام، تلقّاه الجنود، وعليه إزار وخفّان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء. فقالوا: يا أمير المؤمنين، يلقاك الجنود وبطارقة الشّام وأنت على حالتك هذه. فقال: إنّا أعزّنا الله بالإسلام، فلن يلتمس العزّ بغيره) * «8» . 13- * (عن الرّبيع بن سليمان عن الشّافعيّ رحمه الله- قال: يا ربيع عليك بالزّهد، فللزّهد على الزّاهد أحسن من الحليّ على المرأة النّاهد) * «9» . 14- * (وقال يحيى بن معاذ: «الزّهد يورث السّخاء بالملك» ) * «10» . 15- * (وقال الجنيد- رحمه الله-: «الزّهد خلوّ القلب عمّا خلت منه اليد» ) * «11» . 16- * (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله-: «الزّهد في الدّنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا   (1) شعب الإيمان (3/ 389) . (2) المرجع السابق (7/ 381) . (3) البخاري- الفتح 1 (442) . (4) أخرجه ابن أبي شيبة (8/ 174) طبعة دار الفكر، أحمد في الزهد (200) ، وقال محقق كتاب الزهد لوكيع: إسناده حسن لغيره. (5) بصائر ذوي التمييز (3/ 140) . (6) المنهاج فى شعب الإيمان للحليمى (3/ 386) . (7) المرجع السابق (3/ 389) . (8) المرجع السابق (3/ 387) . (9) شعب الإيمان (7/ 389) . (10) بستان العارفين (42) . (11) المرجع السابق (420) ، وبصائر ذوى التمييز (3/ 139) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2233 بلبس العباءة» ) * «1» . 17- * (وقال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-: «الزّهد: عبارة عن الرّغبة عن حظوظ النّفس كلّها إلى ما هو خير منها، علما بأنّ المتروك حقير بالإضافة إلى المأخوذ» ) * «2» . 18- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله- في ذمّ الدّنيا والتّمسّك بها: وما هي إلّا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همّهنّ اجتذابها فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها) * «3» . 19- * (قال ابن الجلاء: «الزّهد: هو النّظر إلى الدّنيا بعين الزّوال لتصغر في عينيك فيتسهّل عليك الإعراض عنها» ) * «4» . 20- * (وقال ابن خفيف- رحمه الله-: «علامة الزّهد: وجود الرّاحة في الخروج من الملك» ) * «5» . وقال أيضا: «هو سلوّ القلب عن الأسباب ونفض الأيدي عن الأملاك» وقيل: «هو عزوف القلب عن الدّنيا بلا تكلّف» ) * «6» . 21- * (قيل: الزّهد من قوله سبحانه: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (الحديد/ 23)) * «7» . () من فوائد (الزهد) (1) فيه تمام التّوكّل على الله. (2) يغرس في القلب القناعة. (3) صرف المسلم عن التّعلّق بالملذّات الفانية إلى العمل من أجل النّعيم المقيم. (4) فيه كبح جماح النّفس إلى الشّهوات. (5) يؤصّل العفّة والنّزاهة في نفوس المؤمنين. (6) يعلّم المسلم كيف يسدّد هدفه إلى الدّار الآخرة. (7) الزّاهد يحبّه الله ويقرّبه إليه. (8) راحة في الدّنيا وسعادة في الآخرة. (9) حبّ النّاس له حيث أنّه لا يزاحمهم على دنياهم. (10) فيه التّأسّي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام. (11) الاطمئنان إلى جناب الله والرّضى بما قسم. (12) يؤصّل في النّفس حبّ الإنفاق في سبيل الله وعدم التّعلّق بالدّنيا. (13) يخرج نفسه من عبوديّة الشّيطان والدّنيا والنّفس.   (1) بستان العارفين (42) ، وبصائر ذوى التمييز (3/ 139) . (2) بستان العارفين (42) . (3) دليل الفالحين (2/ 411) . (4) بصائر ذوي التمييز (3/ 139) . (5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) بصائر ذوي التمييز (3/ 139) . (7) بستان العارفين: (42) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2234 [ حرف السين ] الستر السّتر لغة: مصدر قولهم سترت الشّيء أستره وأستره إذا غطّيته، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (س ت ر) الّتي تدلّ على التّغطية أو الغطاء، قال ابن فارس: السّين والتّاء والرّاء كلمة تدلّ على غطاء. وقال الرّاغب: السّتر تغطية الشّيء، يقال: سترت الشّيء فاستتر أي غطّيته فتغطّى، كما يقال: تستّر أي تغطّى (في هذا المعنى) ويقال أيضا: ستر الشّيء سترا وسترا: أخفاه، أنشد ابن الأعرابيّ: ويسترون النّاس من غير ستر والسّتر والسّترة ما يستتر به، قال تعالى لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (الكهف/ 90) ، وجمع السّتر أستار، وستور، وستر، ويقال امرأة ستيرة أي ذات ستارة، وجارية مستّرة أي مخدّرة، وقول الله- عزّ وجلّ-: حِجاباً مَسْتُوراً (الإسراء/ 45) أي حجابا على حجاب، والأوّل مستور بالثّاني يراد بذلك كثافة الحجاب، ويقال إنّه مفعول بمعنى فاعل أي ساتر كما في قوله سبحانه إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (مريم/ 61) أي آتيا. وفي الحديث الشّريف: «إنّ الله الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 47/ 16 حييّ ستير يحبّ السّتر» فعيل هنا بمعنى فاعل أيضا، أي من شأنه وإرادته، حبّ السّتر والصّون. والسّترة: ما استترت به من شيء كائنا ما كان وهو أيضا السّتار والسّتارة والجمع السّتائر. والسّترة والمستر، والسّتارة، والإستار كالسّتر، وفي الحديث: «أيّما رجل أغلق بابه على امرأة، وأرخى دونها إستارة فقد تمّ صداقها» ، الإستارة من السّتر، قيل: لم تستعمل إلّا في هذا الحديث، أو لم تسمع إلّا فيه، والسّتر أيضا: الحياء، يقال: ما لفلان ستر ولا حجر، فالسّتر الحياء، والحجر العقل «1» . الستير من صفات المولى- عز وجل-: ورد السّتير والسّتّير صفة للمولى- عزّ وجلّ- قال ابن الأثير في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله حييّ ستير يحبّ الحياء والسّتر» ستير: فعيل بمعنى فاعل، أي من شأنه وإرادته حبّ السّتر والصّون» وقد أورد النسائيّ صيغة أخرى في هذه الصّفة وهي ستّير بتشديد التّاء مكسورة وذلك في قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الّذي رواه عطاء عن يعلى «إنّ الله- عزّ وجلّ- حليم حييّ ستّير ... الحديث» قال الإمام السّنديّ في   (1) مقاييس اللغة (3/ 132) ، مفردات الراغب (229) ، الصحاح (2/ 677) ، النهاية (2/ 341) ، ولسان العرب (4/ 343- 345) . (2) النهاية (2/ 341) وانظر: اللسان (4/ 344) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2235 الحاشية: معناه أنّه- عزّ وجلّ- تارك للقبائح، ساتر للعيوب والفضائح، يحبّ الحياء والسّتر من العبد؛ ليكون متخلّقا بأخلاقه تعالى «1» وقد روى أبو داود مثل ذلك ولم يذكر (حليم) «2» . الستر اصطلاحا: قال المنذريّ: السّتر على المسلم تغطية عيوبه، وإخفاء هناته. وقال ابن حجر: معنى قوله «ستر مسلما» أي رآه على قبيح فلم يظهره للنّاس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه، ومن السّتر أيضا: أن يستتر الإنسان إذا وقع منه شيء. قال ابن حجر: والّذي يظهر أنّ السّتر محلّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التّلبّس بها فيجب عليه الإنكار وإلّا رفعه إلى الحاكم «3» . وقال الإمام النّوويّ: المراد بالسّتر السّتر على ذوي الهيئات ونحوهم ممّن ليس معروفا بالأذى والفساد، فأمّا المعروف بذلك، فيستحبّ ألّا يستر عليه إلى وليّ الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأنّ السّتر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد ... وأمّا جرح الرّواة والشّهود والأمناء على الصّدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، فلا يحلّ السّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليّته، وليس هذا من الغيبة المحرّمة بل من النّصيحة الواجبة «4» . الفرق بين الستر والغفران: قال الكفويّ في الكلّيّات: الغفران يقتضي إسقاط العقاب، وقيل الثّواب، ولا يستحقّه إلّا المؤمن، ولا يستعمل إلّا في الباري- عزّ وجلّ-، أمّا السّتر فهو أخصّ من ذلك إذ يجوز أن يستر ولا يغفر والغفران لا يكون إلّا في الآخرة (أمّا السّتر فيكون في الدّنيا أيضا) «5» . وقال أبو هلال: الغفران أخصّ. وهو يقتضي إيجاب الثّواب، والسّتر سترك الشّيء بستر، ثمّ استعمل في الإضراب عن ذكر الشّيء، فيقال: ستر فلان إذا لم يذكر ما اطّلع عليه من عثرات، وستر الله عليه خلاف فضحه، ولا يقال لمن يستر عليه في الدّنيا إنّه غفر له، لأنّ الغفران ينبأ عن استحقاق الثّواب على ما ذكرنا، ويجوز أن يستر في الدّنيا على الكافر والفاسق «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- النبل العفة- الحياء- المداراة- الوقاية. وفي ضد ذلك: انظر صفات الفضح- الإساءة- سوء الخلق- المجاهرة بالمعصية- الطيش] .   (1) سنن النسائي (1/ 2) (وانظر: حاشية السندي أسفل الصفحة المذكورة) . (2) انظر: سنن أبي داود (4/ 39) (الحديث رقم 4012) . (3) الترغيب والترهيب (3/ 237) ، وفتح الباري (5/ 117) (حديث 2442) . (4) صحيح مسلم بشرح النووي (16/ 135) ، وانظر الآداب الشرعية (1/ 235) . (5) الكليات للكفوي (666) . (6) الفروق اللغوية (195، 196) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2236 الآيات الواردة في «الستر» 1- وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) «1» الآيات الواردة في «الستر» ولها معنى آخر 2- وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) «2» 3- حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) «3»   (1) فصلت: 19- 22 مكية (2) الإسراء: 45 مكية (3) الكهف: 90 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2237 الأحاديث الواردة في (الستر) 1- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أبا ذرّ، أبد فيها» فبدوت إلى الرّبذة، فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والسّتّ، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أبو ذرّ» فسكتّ، فقال: «ثكلتك أمّك أبا ذرّ، لأمّك الويل» فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعسّ «1» فيه ماء، فسترتني بثوب، واستترت بالرّاحلة، واغتسلت، فكأنّي ألقيت عنّي جبلا، فقال: «الصّعيد الطّيّب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسّه (جلدك) ؛ فإنّ ذلك خير» وقال مسدّد: غنيمة من الصّدقة) * «2» . 2- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم خلفه. فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس. وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته، هدف «3» أو حائش نخل، قال ابن أسماء في حديثه: يعني حائط نخل) * «4» . 3- * (عن ابن شهاب، قال أخبرني أنس بن مالك؛ أنّ أبا بكر كان يصلّي لهم في وجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي توفّي فيه. حتّى إذا كان يوم الإثنين. وهم صفوف في الصّلاة. كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستر الحجرة. فنظر إلينا وهو قائم. كأنّ وجهه ورقة مصحف. ثمّ تبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضاحكا. قال فبهتنا ونحن في الصّلاة. من فرح بخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصّفّ. وظنّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خارج للصّلاة. فأشار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده أن أتمّوا صلاتكم. قال: ثمّ دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرخى السّتر. قال: فتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يومه ذلك» ) * «5» . 4- * (عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى فاطمة- رضي الله عنها-، فوجد على بابها سترا، فلم يدخل، قال: وقلّما كان يدخل إلّا بدأ بها، فجاء عليّ- رضي الله عنه- فرآها مهتمّة، فقال: مالك؟ قالت: جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ فلم يدخل، فأتاه عليّ- رضي الله عنه-، فقال: يا رسول الله، إنّ فاطمة اشتدّ عليها أنّك جئتها فلم تدخل عليها، قال: «وما أنا والدّنيا؟ وما أنا والرّقم؟ «6» » فذهب إلى فاطمة فأخبرها بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: قل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يأمرني به، قال: «قل لها فلترسل به إلى بني فلان» ) * «7» .   (1) العس: هو القدح العظيم والجمع عساس. (2) أبو داود (332) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 67) ؛ 321 صحيح. (3) الهدف: ما ارتفع من الأرض. (4) مسلم 1 (342) (5) البخاري الفتح 7 (4448) ومسلم (419) واللفظ لمسلم. (6) الرقم: النقش والوشي. (7) أبو داود (4149) . وقال الألباني 2/ 781: صحيح 2613 نحوه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2238 5- * (عن يعلى- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا يغتسل بالبراز «1» بلا إزار، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله- عزّ وجلّ- حليم حييّ ستّير يحبّ الحياء والسّتر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» ) * «2» . 6- * (عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزّبيديّ أنّه مرّ وصاحب له بأيمن وفئة من قريش قد حلّوا أزرهم فجعلوها مخاريق «3» يجتلدون بها، وهم عراة قال عبد الله: فلمّا مررنا بهم، قالوا: إنّ هؤلاء قسّيسون فدعوهم، ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج عليهم فلمّا أبصروه تبدّدوا، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغضبا حتّى دخل، وكنت أنا وراء الحجرة فسمعته يقول: «سبحان الله! لا من الله استحيوا، ولا من رسوله استتروا» وأمّ أيمن عنده تقول: استغفر لهم يا رسول الله. قال عبد الله: فبلأي «4» ما استغفر لهم» ) * «5» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ موسى كان رجلا حييّا ستّيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فاذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التّستّر إلّا من عيب بجلده: إمّا برص وإمّا أدرة «6» ، وإمّا آفة. وإنّ الله أراد أن يبرّئه ممّا قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثمّ اغتسل. فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر. حتّى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه ممّا يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو الله إنّ بالحجر لندبا «7» من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله (الأحزاب/ 69) : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً» ) * «8» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ ابن عمر- والله يغفر له- أوهم، إنّما كان هذا الحيّ من الأنصار- وهم أهل وثن- مع هذا الحيّ من يهود- وهم أهل كتاب- وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النّساء إلّا على حرف «9» ، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحيّ من   (1) البراز: الخلاء. (2) النسائي (1/ 200) واللفظ له. وأبو داود (412) . وقال الألباني 2/ 758) ح 3387: صحيح، والبزار والطبراني وأحد إسنادي الطبراني ثقات. (3) المخراق: ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا. (4) فبلأي: أي بعد جهد ومشقة وإبطاء. انظر النهاية (4/ 221) . (5) الهيثمي في المجمع (8/ 27) وقال: رواه أحمد (4/ 191) واللفظ له وأبو يعلى قال: قال عبد الله يعني ابن الحارث فتأبى ما استغفر لهم والبزار والطبراني وأحد إسنادي الطبراني ثقات. (6) البرص: داء من الأدواء وهو بياض يقع بالجسد. والأدرة: انتفاخ في الخصية. (7) النّدب في الأصل أثر الجرح، وقد شبه به أثر الضرب في الحجر. (8) البخاري- الفتح 6 (3404) . (9) على حرف: أي على جانب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2239 الأنصار، قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النّساء شرحا منكرا «1» ، ويتلذّذون منهنّ مقبلات، ومدبرات ومستلقيات، فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوّج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنّما كنّا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلّا فاجتنبي، حتّى شري أمرهما «2» ، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله- عزّ وجلّ-: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (البقرة/ 223) أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات- يعني بذلك- موضع الولد) * «3» . 9- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا؛ وهو أحد النّقباء ليلة العقبة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا، فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك) * «4» . 10- * (عن صفوان بن محرز المازنيّ قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر- رضي الله عنهما- آخذ بيده إذ عرض رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا، فيقول: نعم أي ربّ. حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه هلك قال: سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود/ 18)) * «5» . 11- * (عن شيخ من طفاوة، قال تثوّيت «6» أبا هريرة بالمدينة، فلم أر رجلا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشدّ تشميرا» ولا أقوم على ضيف منه، فبينما أنا عنده يوما، وهو على سرير له، ومعه كيس فيه حصى، أو نوى، وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبّح بها، حتّى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها، فجمعته فأعادته في الكيس، فدفعته إليه، فقال: ألا أحدّثك عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: قلت: بلى، قال: بينا أنا أوعك «8» في المسجد إذ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى دخل المسجد فقال: «من أحسّ الفتى الدّوسيّ» ؟   (1) يشرحون النساء شرحا: يقال: شرح فلان جاريته إذا وطئها وهي نائمة على قفاها. (2) شري أمرهما: أي ظهر خبرهما وعرف. (3) أبو داود (2164) وقال الألباني (2/ 46) : حسن وأصله عند البخاري من حديث جابر وعند مسلم. وذكره ابن كثير (1/ 262) وقال: يشهد له ما تقدم من الأحاديث (4) البخاري الفتح 1 (18) واللفظ له. ومسلم (179) . (5) البخاري الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم 4 (2768) . (6) تثويت عند فلان وتثوّيته: تضيّفته وأقمت عنده (كما في النهاية. (7) أشد تشميرا: كناية عن كثرة العبادة. (8) أوعك: من الوعك وهو الحمى، وقيل: ألمها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2240 ثلاث مرّات، فقال رجل: يا رسول الله، هو ذا يوعك في جانب المسجد، فأقبل يمشي حتّى انتهى إليّ، فوضع يده علىّ، فقال لي معروفا، فنهضت، فانطلق يمشي حتّى أتى مقامه الّذي يصلّي فيه، فأقبل عليهم، ومعه صفّان من رجال وصفّ من نساء، أو صفّان من نساء وصفّ من رجال، فقال: «إن أنساني الشّيطان شيئا من صلاتي فليسبّح القوم وليصفّق النّساء» قال: فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم ينس من صلاته شيئا، فقال: «مجالسكم» زاد موسى «ههنا» ثمّ حمد الله- تعالى- وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد» ثمّ اتّفقوا: ثمّ أقبل على الرّجال فقال: «هل منكم الرّجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟» قالوا: نعم، قال «ثمّ يجلس بعد ذلك، فيقول فعلت كذا، فعلت كذا» قال: فسكتوا، قال: فأقبل على النّساء. فقال: «هل منكنّ من تحدّث؟» فسكتن، فجثت فتاة (قال مؤمّل في حديثه: فتاة كعاب) على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنّهم ليتحدّثون، وإنّهنّ ليتحدّثن، فقال: «هل تدرون ما مثل ذلك؟» فقال: «إنّما ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانا في السّكّة، فقضى منها حاجته، والنّاس ينظرون إليه، ألا وإنّ طيب الرّجال ما ظهر ريحه، ولم يظهر لونه، ألا إنّ طيب النّساء ما ظهر لونه، ولم يظهر ريحه» ) *. قال أبو داود: من هاهنا حفظته عن مؤمّل وموسى «ألا لا يفضينّ رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة إلّا إلى ولد أو والد» وذكر ثالثة فأنسيتها» ) * «1» . 12- * (عن يعلى بن أميّة- رضي الله عنه- قال: «جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بالجعرانة «2» . عليه جبّة وعليها خلوق «3» (أو قال أثر صفرة) فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: وأنزل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الوحي. فستر بثوب. وكان يعلى يقول: وددت أنّي أرى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد أنزل عليه الوحي. قال فقال «4» : أيسرّك أن تنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد أنزل عليه الوحي؟ قال فرفع عمر طرف الثّوب. فنظرت إليه له غطيط. (قال وأحسبه قال) كغطيط البكر «5» . قال: فلمّا سرّي عنه قال: «أين السّائل عن العمرة؟ اغسل عنك أثر الصّفرة (أو قال أثر الخلوق) واخلع عنك جبّتك. واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجّك» ) * «6» . 13- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة. فأعطيتها إيّاها. فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها. ولم تأكل منها شيئا. ثمّ قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدّثته   (1) أبو داود (2174) واللفظ له وقال صاحب عون المعبود (6/ 224) قال المنذري: وأخرجه الترمذي والنسائي مختصرا. وقال الترمذي: حديث حسن إلا أن الطّفاوي لا نعرفه وأحمد في المسند (2/ 54154) . وأصله عند مسلم (1437) . وأخرى عند أبي داود (487) . (2) الجعرانة: مكان بين الطائف ومكة وهو إلى مكة أقرب. (3) الخلوق: الطيب. (4) القائل: عمر بن الخطاب. رضي الله عنه. (5) غطيط البكر: هدير البعير أي صوته عند الشقشقة. (6) البخاري- الفتح 3 (1789) ومسلم 2 (118) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2241 حديثها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهنّ كنّ له سترا من النّار» ) * «1» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر. فأمّا الّذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال في مرج أو روضة «2» . فما أصابت في طيلها ذلك المرج والرّوضة كان له حسنات، ولو أنّها قطعت طيلها فاستنّت شرفا أو شرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه، ولم يرد أن تسقى به، كان ذلك حسنات له، وهي لذلك الرّجل أجر. ورجل ربطها تغنّيا وتعفّفا، ولم ينس حقّ الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء، فهي على ذلك وزر. وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحمر قال: «ما أنزل الله عليّ فيها إلّا هذه الآية الفاذّة الجامعة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ 7- 8)) * «3» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ أفلح بن أبي القعيس فاستترت منه، قال: تستترين منّي وأنا عمّك؟ قالت: قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي، قالت: إنّما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرّجل، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحدّثته فقال: «إنّه عمّك، فليلج عليك» ) * «4» . 16- * (عن العبّاس- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نساؤه، فاستترن «5» منّي إلّا ميمونة، فقال: لا يبقى في البيت أحد شهد اللّدّ «6» إلّا لدّ، إلّا أنّ يميني لم تصب العبّاس، ثمّ قال: مروا أبا بكر أن يصلّي بالنّاس، فقالت عائشة لحفصة: قولي له: إنّ أبا بكر رجل إذا قام مقامك بكى، قال: مروا أبا بكر ليصلّ بالنّاس، فقام فصلّى، فوجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خفّة، فجاء، فنكص أبو بكر- رضي الله عنه- فأراد أن يتأخّر، فجلس إلى جنبه ثمّ اقترأ) * «7» . 17- * (عن صالح السّمّان قال: رأيت أبا سعيد الخدريّ في يوم جمعة يصلّي إلى شيء يستره من النّاس، فأراد شابّ من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في صدره، فنظر الشّابّ فلم يجد مساغا إلّا بين يديه، فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشدّ من الأولى، فنال من أبي سعيد ثمّ دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان، فقال: ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من النّاس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنّما هو   (1) البخاري- الفتح 3 (1418) ومسلم (2629) واللفظ له (2) المرج: الأرض الواسعة ذات النبات الكثير تمرج فيه الخيل، والروضة أخصب من المرعى. (3) البخاري- الفتح 13 (7356) واللفظ له ومسلم (987) مطولا. (4) أبو داود (257) ، قال الألباني (2/ 387) 1812: صحيح وأصله في الصحيحين. ويلج عليك: أي يدخل عليك. (5) الاستتار هنا بمعنى الحجاب. (6) اللّدّ: أن يؤخذ بلسان المريض فيمد إلى أحد شقيه ويوضع في الأخرى الدواء على غير إرادته بين اللسان وبين الشدق. وقد فعلوا ذلك معه فلما أفاق دعا عليهم بذلك. (7) أحمد (1/ 29) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 214) . وأخرجه الهيثمي في المجمع (5/ 181) وقال: رواه أحمد والطبراني والبزار باختصار كثير وأبو يعلى أتم منهم وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري، وبقية رجاله ثقات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2242 شيطان» ) «1» . 18- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ستر ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم، إذا دخل الكنيف، أن يقول: بسم الله» ) * «2» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين. وإنّ من الإجهار أن يعمل العبد باللّيل عملا، ثمّ يصبح قد ستره ربّه، فيقول: يا فلان! قد عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربّه. فيبيت يستره ربّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» ) * «3» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يستر عبد عبدا في الدّنيا، إلّا ستره الله يوم القيامة» ) * «4» . 21- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «5» . 22- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من استطاع منكم أن يستتر من النّار ولو بشقّ تمرة فليفعل» ) * «6» . 23- * (عن أبي كثير مولى عقبة بن عامر عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من رأى عورة فسترها كان كمن استحيا موءودة من قبرها» ) * «7» . 24- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي عالجت امرأة «8» في أقصى المدينة. وإنّي أصبت منها ما دون أن أمسّها «9» . فأنا هذا. فاقض فيّ ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك. قال: فلم يردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا. فقام الرّجل فانطلق. فأتبعه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ «10» إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ* (هود/ 114) . فقال رجل من القوم: يا نبيّ الله! هذا له خاصّة؟ قال: «بل للنّاس كافّة «11» » ) * «12» .   (1) البخاري- الفتح 1 (59) واللفظ له، ومسلم (55) . (2) ابن ماجة (297) واللفظ له. والترمذي (66) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 316) وللحديث شواهد يقوى بها فيكون صحيحا. وصححه الألباني في صحيح الجامع (3604) والإرواء (49) . (3) البخاري- الفتح 10 (6069) ، ومسلم (2990) ، واللفظ له. (4) مسلم (2590) . (5) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له، مسلم (2580) . (6) مسلم (1016) . (7) أبو داود (4891) ، أحمد (4/ 158) واللفظ له، وأحمد أيضا (4/ 147، 153) ، وقال الحاكم في المستدرك (4/ 384) : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (8683) ونقل المناوي تصحيح من صححه، فيض القدير (6/ 129) والحق: أنه حسن لأن في سنده أبا الهيثم المصري مولى عقبة بن عامر، مقبول، (تقريب 861) وقيل بينه وبين عقبة بن عامر- دخين الحجري- وهو ثقة (التقريب 201) ، (التهذيب 12/ 270) . (8) إني عالجت امرأة: معنى عالجها أي تناولها واستمتع بها. (9) دون أن أمسها: المراد بالمس الجماع، ومعناه: استمتعت بها، بالقبلة والمعانقة وغيرهما، من جميع أنواع الاستمتاع، إلا الجماع. (10) زلفا من الليل: هي ساعاته، ويدخل في صلاة طرفي النهار، الصبح والظهر، والعصر وفي (زلفا) من الليل، المغرب والعشاء. (11) بل للناس كافة: هكذا تستعمل كافة حالا: أي كلهم. ولا يضاف فيقال كافة الناس، ولا الكافة، بالألف واللام. وهو معدود في تصحيف العوام ومن أشبههم. (12) البخاري- الفتح 8 (4687) ، ومسلم (2763) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2243 الأحاديث الواردة في (الستر) معنى 25- * (عن أبي بكر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثه ببراءة لأهل مكّة: لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة، من كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدّة فأجله إلى مدّته، والله بريء من المشركين ورسوله، قال فسار بها ثلاثا، ثمّ قال لعليّ- رضي الله- تعالى عنه-: الحقه فردّ عليّ أبا بكر وبلّغها أنت، قال: ففعل، قال: فلمّا قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر بكى، قال: يا رسول الله حدث فيّ شيء؟ قال: «ما حدث فيك إلّا خير، ولكن أمرت أن لا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي» ) * «1» . 26- * (عن جرهد الأسلميّ عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّ به وهو كاشف عن فخذه فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «غطّ فخذك؛ فإنّها من العورة» ) * «2» . 27- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والتّعرّي؛ فإنّ معكم من لا يفارقكم إلّا عند الغائط، وحين يفضي الرّجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم» ) * «3» . 28- * (عن هزيل، قال: جاء رجل- قال عثمان: سعد- فوقف على باب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستأذن، فقام على الباب (قال عثمان) مستقبل الباب، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هكذا- عنك- أو هكذا؛ فإنّما الاستئذان من النّظر» ) * «4» . 29- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: حملت حجرا ثقيلا، فبينا أمشي فسقط عنّي ثوبي، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذ عليك ثوبك ولا تمشوا عراة» ) * «5» . 30- * (عن أبي المليح، قال: دخل نسوة من أهل الشّام على عائشة رضي الله عنها فقالت: ممّن أنتنّ؟ قلن: من أهل الشّام، قالت: لعلّكنّ من الكورة الّتي تدخل نساؤها الحمّامات؟ قلن: نعم، قالت: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من امرأة تخلع ثيابها» في غير بيتها إلّا هتكت ما بينها وبين الله تعالى» ) * «7» .   (1) أحمد (1/ 3) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 156) إسناده صحيح وأصله في البخاري (1622) من حديث أبي هريرة. (2) الترمذي (2798) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن وأبو داود (414) وقال محقق جامع الأصول (5/ 451) : حديث حسن وقال الألباني (2/ 758) برقم (3389) صحيح. (3) الترمذي (2800) وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (2911) ونقل المناوي عن الترمذي أنه قال: حسن غريب، وقال القطان: ولم يبين لم لا يصح (فيض القدير 3/ 126) وفي سنده ليث ابن أبي سليم، وهو صدوق اختلط، لكن مسلما أصبح به مقرونا (التقريب 464) ويشهد له حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: «احفظ عورتك ... » الحديث في العورات وفي آخره: «فالله أحق أن يستحى منه من الناس» حسنه الترمذي (2794، 2769) وصححه الحاكم (4/ 180) وأقره الذهبي، وعلقه البخاري بصيغة الجزم قبل رقم (278) ووصله أبو داود (4017) . (4) أبو داود (5174) واللفظ له. وقال الألباني (431) : صحيح. (5) أبو داود (416) وقال الألباني (339) : صحيح. (6) أي تتعرى. (7) أبو داود (41) واللفظ له وقال الألباني (2/ 758) : برقم 3386 صحيح والترمذي (283) وقال: حديث حسن وكذا قال محقق جامع الأصول (7/ 339) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2244 31- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: رأيتني أنا والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نتماشى، فأتى سباطة قوم «1» خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه «2» ، فأشار إليّ فجئته، فقمت عند عقبه حتّى فرغ» ) * «3» . 32- * (عن عبد الرّحمن بن أبي سعيد الخدريّ عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: «لا ينظر الرّجل إلى عرية الرّجل، ولا المرأة إلى عرية المرأة، ولا يفضي الرّجل إلى الرّجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب» ) * «4» . 33- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل الحمّام بغير إزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل حليلته الحمّام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها بالخمر» ) * «5» . 34- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن اشتمال الصّمّاء «6» ، وأن يحتبي الرّجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء» ) * «7» . 35- * (عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا. ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك. إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» قال قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت أن لا يرينّها أحد، فلا يرينّها» قال قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال «الله أحقّ أن يستحيا منه من النّاس» ) * «8» . 36- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، ونحن قعود معه إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا. فأقمه عليّ، فسكت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ أعاد فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت حدّا. فأقمه عليّ. فسكت عنه. وأقيمت الصّلاة. فلمّا انصرف نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو أمامة: فاتّبع الرّجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين انصرف. واتّبعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أنظر ما يردّ على الرّجل. فلحق الرّجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ. قال أبو أمامة: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضّأت فأحسنت الوضوء؟» قال: بلى.   (1) سباطة قوم: السباطة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور. (2) انتبذت منه: أي تنحيت. (3) البخاري- الفتح (225) . (4) أبو داود (418) واللفظ له وقال الألباني (3392) : صحيح وعند ابن ماجة برقم (661) . (5) الترمذي (281) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث طاووس عن جابر إلا من هذا الوجه والنسائي (1/ 198) وقال محقق جامع الأصول (7/ 34) : حديث حسن. (6) هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقي ما يخرج منه يده. وقال الفقهاء: هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفع من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا. (7) البخاري- الفتح 1 (367) . (8) أبو داود (417) واللفظ له وقال الألباني (2/ 759) 3391: حسن والترمذي (5/ 111) 2794 وقال: حسن والحاكم وصححه الحافظ في الفتح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2245 يا رسول الله، قال: «ثمّ شهدت الصّلاة معنا؟» فقال: نعم. يا رسول الله. قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد غفر لك حدّك، أو قال ذنبك» ) * «1» . 37- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها «2» لزوجها كأنّه ينظر إليها» ) * «3» . 38- * (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم؛ فإنّه من اتّبع عوراتهم، يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته» ) * «4» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الستر) 39- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أبا بكر دخل عليها. وعندها جاريتان في أيّام منى «5» تغنّيان وتضربان. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجّى بثوبه «6» . فانتهرهما أبو بكر. فكشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنه وقال: «دعهما يا أبا بكر! فإنّها أيّام عيد» وقالت: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة، وهم يلعبون. وأنا جارية. فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السّنّ «7» ) * «8» . 40- * (عن ابن عبد الله بن الحارث؛ أنّ أباه عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: سألت وحرصت على أن أجد أحدا من النّاس يخبرني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبّح سبحة الضّحى. فلم أجد أحدا يحدّثني ذلك. غير أنّ أمّ هانىء بنت أبي طالب، أخبرتني؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى، بعد ما ارتفع النّهار، يوم الفتح، فأتي بثوب فستر عليه. فاغتسل. ثمّ قام فركع ثماني ركعات. لا أدري أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجوده. كلّ   (1) البخاري- الفتح 12 (6823) من حديث أنس ومسلم (2765) واللفظ لمسلم. (2) تنعتها: أي تصفها. (3) البخاري- الفتح 9 (5240، 5241) . (4) المنذري في الترغيب (3/ 24) وقال: رواه أبو داود (4880) عن سعيد بن عبد الله بن جريج عنه ورواه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء واللفظ له، وقال في مجمع الزوائد (8/ 93) رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. (5) في أيام مني: هي أيام عيد الأضحى أضيف إلى المكان بحسب الزمان قال النووي: يعني الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق. (6) مسجى بثوبه: أي مغطى به. (7) فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السن: قال النووي: معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبّا بليغا وتحرص على إدامته ما أمكنها، ولا تمل ذلك إلا بعد زمن طويل. وقولها: فاقدروا هو بضم الدال وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وغيره، وهو من التقدير: أي قدروا رغبتها في ذلك إلى أن تنتهي: أي قيسوا قياس أمرها في حداثتها وحرصها على اللهو ومع ذلك كانت هي التي تمل وتنصرف عن النظر إليه والنبي صلّى الله عليه وسلّم لا يمسه شيء من الضجر والإعياء رفقا بها وقولها: العربة، معناها المشتهية للّعب، المحبّة له. (8) البخاري- الفتح 1 (454) ومسلم (892) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2246 ذلك منه متقارب. قالت: فلم أره سبّحها قبل ولا بعد) * «1» . 41- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، صلّى العيد بالمصلّى مستترا بحربة) * «2» 42- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ صفيّة وقعت في سهم دحية الكلبيّ، فقيل يا رسول الله! قد وقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبعة أرؤس فجعلها عند أمّ سليم، حتّى تهيّأ وتعتدّ فيما يعلم حمّاد، فقال النّاس: والله ما ندري أتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو تسرّاها فلمّا حملها سترها وأردفها خلفه فعرف النّاس أنّه قد تزوّجها، فلمّا دنا من المدينة أوضع النّاس وأوضع رسول الله «3» صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك كانوا يصنعون، فعثرت النّاقة فخرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخرّت معه وأزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينظرن، فقلن: أبعد الله اليهوديّة وفعل بها وفعل، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسترها وأردفها خلفه) «4» . 43- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتّى يدنو من الأرض) * «5» . 44- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى نزلنا واديا أفيح «6» . فذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقضي حاجته فاتّبعته بإداوة من ماء. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطيء الوادي «7» فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كالبعير المخشوش «8» الّذي يصانع قائده حتّى أتى الشّجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها. فقال «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كذلك. حتّى إذا كان بالمنصف «9» ممّا بينهما، لأم «10» بينهما (يعني جمعهما) فقال: «التئما عليّ بإذن الله» . فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر «11» مخافة أن يحسّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقربي فيبتعد (وقال محمّد ابن عبّاد: فيتبعّد) فجلست أحدّث نفسي.   (1) البخاري- الفتح 1 (28) ومسلم (336) باب استحباب صلاة الضحى، واللفظ له. (2) ابن ماجة (136) وقال: في الزوائد: عزاه المزّيّ في الأطراف للنسائي، وليس في روايتنا وإسناد ابن ماجة صحيح ورجاله ثقات. (3) أوضع الراكب البعير إذا حمله على سرعة السير. (4) عند البخاري مقطعا في (42، 421، 4211، 4212، 4213) وهو مجتمعا عند أحمد (3/ 123) وكلها من حديث أنس وهذا لفظ أحمد. (5) أبو داود (14) وقال الألباني (11) : صحيح. (6) واديا أفيح: أي واسعا. (7) بشاطيئ الوادي: أي جانبه (8) كالبعير المخشوش: هو الذي يجعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنف البعير إذا كان صعبا، ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وقد يتمانع لصعوبته، فإذا اشتد عليه وآله انقاد شيئا، ولهذا قال: الذي يصانع قائده. (9) بالمنصف: هو نصف المسافة (10) لأم: روى بهمزة مقصورة: لأم وممدودة: لآءم وكلاهما صحيح أي جمع بينهما. (11) فخرجت أحضر: أي أغدو وأسعى سعيا شديدا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2247 فحانت منّي لفتة «1» ، فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا. وإذا الشّجرتان قد افترقتا. فقامت كلّ واحدة منهما على ساق. فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف وقفة. فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا) ثمّ أقبل. فلمّا انتهى إليّ قال: «يا جابر هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم. يا رسول الله قال: «فانطلق إلى الشّجرتين فاقطع من كلّ واحدة منهما غصنا. فأقبل بهما. حتّى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» . قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته «2» . فانذلق «3» لي. فأتيت الشّجرتين فقطعت من كلّ واحدة منهما غصنا. ثمّ أقبلت أجرّهما حتّى قمت مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثمّ لحقته فقلت: قد فعلت. يا رسول الله! فعمّ ذاك؟ قال: «إنّي مررت بقبرين يعذّبان. فأحببت، بشفاعتي، أن يرفّه عنهما» ، ما دام الغصنان رطبين» ) * «5» . 45- * (عن أبي السّمح- رضي الله عنه- قال: كنت أخدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فكان إذا أراد أن يغتسل قال «ولّني قفاك» فأولّيه قفاي، وأنشر الثّوب فأستره به» ) * «6» . 46- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لمّا انقضت عدّة زينب «7» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لزيد «8» : «فاذكرها عليّ «9» » قال: «فانطلق زيد حتّى أتاها وهي تخمّر عجينها «10» قال: فلمّا رأيتها عظمت في صدري «11» حتّى ما أستطيع أن أنظر إليها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكرها. فولّيتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت: يا زينب أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكرك. قالت:   (1) فحانت مني لفتة: اللفتة النظرة إلى جنب. (2) وحسرته: أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن قطع الأغصان به. (3) فانذلق: أي صار حادّا. (4) أن يرفه عنهما: أي يخفف. (5) مسلم (3012) . (6) أبو داود (376) وقال الألباني (1/ 75) : صحيح والنسائي (1/ 158) وابن ماجة وولّني: أي ظهرك لئلا يقع نظره عليه. (613) وزاد عند أبي داود: فأتى بحسن أو حسين- رضي الله عنهما- فبال على صدره فجئت أغسله فقال: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام. (7) لما انقضت عدة زينب: هي زينب بنت جحش التي زوجها الله سبحانه بنبيه لمصلحة تشريع، بينه في سورة الأحزاب (آية 37) . (8) لزيد: هو زيد بن حارثة الذي سماه الله سبحانه في تلك السورة من كتابه. انظر الهامش السابق. (9) فاذكرها علي: أي فاخطبها لي من نفسها. (10) تخمر عجينها: أي تجعل في عجينها الخمير قال المجد: وتخمير العجين تركه ليجود. (11) فلما رأيتها عظمت في صدري: معناه أنه هابها واستجلها من أجل إرادة النبي صلّى الله عليه وسلّم تزوجها فعاملها معاملة من تزوجها صلّى الله عليه وسلّم، في الإعظام والإجلال والمهابة وقوله: أن رسول الله هو بفتح الهمزة من أن: أي من أجل ذلك وقوله: نكصت: أي رجعت، وكان جاء إليها ليخطبها وهو ينظر إليها، على ما كان من عادتهم وهذا قبل نزول الحجاب فلما غلب عليه الإجلال تأخر وخطبها وظهره إليها، لئلا يسبقه النظر إليها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2248 ما أنا بصانعة شيئا حتّى أوامر ربّي. فقامت إلى مسجدها «1» ونزل القرآن «2» . وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليها بغير إذن. قال: فقال: «ولقد رأيتنا «3» أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطعمنا الخبز واللّحم حين امتدّ النّهار «4» . فخرج النّاس وبقي رجال يتحدّثون في البيت بعد الطّعام. فخرج رسول الله واتّبعته. فجعل يتتبّع حجر نسائه يسلّم عليهنّ. ويقلن: يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ قال: فما أدري أنا أخبرته أنّ القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال: فانطلق حتّى دخل البيت. فذهبت أدخل معه فألقى السّتر بيني وبينه. ونزل الحجاب. قال: ووعظ القوم بما وعظوا به. زاد ابن رافع في حديثه: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ «5» ؛ إلى قوله: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (الأحزاب/ 53)) * «6» . 47- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن ميمونة بنت الحارث- رضي الله عنها- قالت: وضعت لرسول الله غسلا وسترته فصبّ على يده فغسلها مرّة أو مرّتين قال سليمان: لا أدري أذكر الثّالثة أم لا ثمّ أفرغ بيمينه على شماله فغسل فرجه، ثمّ دلّك يده بالأرض أو بالحائط، ثمّ تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه وغسل رأسه، ثمّ صبّ على جسده، ثمّ تنحّى فغسل قدميه، فناولته خرقة فقال بيده هكذا، ولم يردها) * «7» . () من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الستر) 1- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال: «لو أخذت سارقا لأحببت أن يستره الله، ولو أخذت شاربا لأحببت أن يستره الله عزّ وجلّ» ) * «8» . 2- * (عن أبي مسلمة بن عبد الرّحمن- رضي الله عنه- قال: «دخلت على عائشة، أنا وأخوها من الرّضاعة. فسألتها عن غسل النّبيّ من الجنابة؟ فدعت بإناء قدر الصّاع. فاغتسلت. وبيننا وبينها ستر. وأفرغت على رأسها ثلاثا. قال: وكان أزواج النّبيّ يأخذن من رؤوسهنّ حتّى تكون كالوفرة «9» » ) * «10» .   (1) إلى مسجدها: أي موضع صلاتها من بيتها. (2) ونزل القرآن: يعني نزل قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (الأحزاب/ 37) فدخل عليها بغير إذن. (3) ولقد رأيتنا أي رأيت أنفسنا. (4) حين امتد النهار: أي ارتفع هكذا هو في النسخ: حين، بالنون. (5) غير ناظرين إناه: أي غير منتظرين لإدراكه والإنى كإلى، مصدر أنى يأنى، إذا أدرك ونضج، ويقال: بلغ هذا إناه أي غايته، ومنه: حميم آن وعين آنية وبابه رمى، ويقال: أنى يأنى أيضا: إذا دنا وقرب ومنه: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 86) وقد يستعمل على القلب فيقال: آن يئين أينا فهو آين جمعهما الشاعر في قوله: ألما يئن لي أن تجلى عمايتي ... وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا. (6) البخاري- الفتح 8 (4791) ومسلم (1428) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 1 (266) ومسلم (337) مختصرا. (8) مكارم الأخلاق (ص 493) . (9) الوفرة: الشعر المشتمل على الرأس، أو ما جاوز شحمة الأذن. (10) مسلم (320) ونحوه عند البخاري- الفتح 1 (251) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2249 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا أرادوا غسل النّبيّ قالوا: والله ما ندري أنجرّد رسول الله من ثيابه كما نجرّد موتانا أم نغسّله وعليه ثيابه؟ فلمّا اختلفوا ألقى الله عليهم النّوم حتّى ما منهم رجل إلّا وذقنه في صدره، ثمّ كلّمهم مكلّم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن اغسلوا النّبيّ وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله فغسّلوه وعليه قميصه يصبّون الماء فوق القميص ويدلّكونه بالقميص دون أيديهم، وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّله إلّا نساؤه» ) * «1» . 4- * (عن مريم بنت طارق: أنّ امرأة قالت لعائشة: يا أمّ المؤمنين إنّ كريّا «2» أخذ بساقي وأنا محرمة فقالت حجرا حجرا حجرا «3» وأعرضت بوجهها وقالت بكفّها «4» وقالت: يا نساء المؤمنين إذا أذنبت إحداكنّ ذنبا فلا تخبرنّ به النّاس ولتستغفرنّ الله ولتتب إليه فإنّ العباد يعيّرون ولا يغيّرون والله تعالى يغيّر ولا يعيّر» ) * «5» . 5- * (عن الحارث بن معاوية الكنديّ: أنّه ركب إلى عمر بن الخطّاب يسأله عن ثلاث خلال، قال: فقدم المدينة فسأله عمر: ما أقدمك؟ قال: لأسألك عن ثلاث خلال، قال: وما هنّ؟ قال: ربّما كنت أنا والمرأة في بناء ضيّق فتحضر الصّلاة، فإن صلّيت أنا وهي كانت بحذائي، وإن صلّت خلفي خرجت من البناء، فقال عمر: تستر بينك وبينها، بثوب، ثمّ تصلّي بحذائك إن شئت، وعن الرّكعتين بعد العصر؟ فقال: نهاني عنهما رسول الله، قال: وعن القصص فإنّهم أرادوني على القصص؟ فقال: ما شئت، كأنّه كره أن يمنعه، قال: إنّما أردت أن أنتهي إلى قولك، قال: أخشى عليك أن تقصّ فترتفع عليهم في نفسك، ثمّ تقصّ فترتفع حتّى يخيّل إليك أنّك فوقهم بمنزلة الثّريّا، فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك» ) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «من أطفأ على مؤمن سيّئة فكأنّما أحيا موءدة» ) * «7» . 7- * (عن العلاء بن بدر قال: «لا يعذّب الله قوما يسترون الذّنوب» ) * «8» . 8- * (عن الضّحّاك في قوله تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً (لقمان/ 20) قال: «أمّا الظّاهرة فالإسلام والقرآن. وأمّا الباطنة فما يستر من العيوب» ) * «9» . 9- * (عن الحسن البصريّ أنّه قال: «من كان بينه وبين أخيه ستر فلا يكشفه» ) * «10» . 10- * (قال ابن تيميّة: «فإنّ المرأة لو صلّت وحدها كانت مأمورة بالاختمار» ) * «11» . 11- * (وقال: وأمر النّساء خصوصا بالاستتار، وأن لا يبدين زينتهنّ إلّا لبعولتهنّ، ومن   (1) أبو داود (3141) وقال الألباني (2/ 607) : حسن. (2) الكريّ والمكاري الذي يكريك دابته أي يؤجرك إياها. (3) حجرا حجرا حجرا: أي سترا وبراءة من هذا الأمر (4) قالت بكفها: أهوت بكفها. (5) مكارم الأخلاق للخرائطي (503) . (6) أحمد (1/ 18) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 23) : إسناده صحيح. (7) مكارم الأخلاق (480) . (8) المرجع السابق (502) . (9) المرجع السابق (488) . (10) المرجع السابق (495) . (11) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (23) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2250 استثناه الله تعالى في الآية، فما ظهر من الزّينة هو الثّياب الظّاهرة. فهذا لا جناح عليها في إبدائها. إذا لم يكن في ذلك محذور آخر) * «1» . 12- * (عن عوف الأحمسيّ قال: كان يقال: «من سمع بفاحشة، فأفشاها، كان فيها كالّذي بدأها» ) * «2» . 13- * (عن قبيصة بن عقبة قال: بلغ داود الطّائيّ أنّه ذكر عند بعض الأمراء فأثنى عليه، فقال: إنّما نتبلّغ بستره بين خلقه، ولو يعلم النّاس بعض ما نحن فيه ما ذلّ لنا لسان أن نذكر بخير أبدا» ) * «3» . 14- * (عن أبي الشّعثاء قال: كان شرحبيل ابن السّمط على جيش، قال: فقال: إنّكم نزلتم أرضا فيها نساء وشراب، فمن أصاب منكم حدّا فليأتنا حتّى نطهّره، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، فكتب إليه: «لا أمّ لك تأمر قوما ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم» ) *» . 15- * (عن عثمان بن أبي سودة قال: لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله تعالى، قيل: وكيف يهتك ستر الله؟ قال: «يعمل الرّجل الذّنب فيستره الله عليه فيذيعه في النّاس» ) * «5» . 16- * (عن علّام بن مسقين، قال: سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد: «رجل علم من رجل شيئا، أيفشي عليه؟، قال: يا سبحان الله! لا» ) * «6» . () من فوائد (الستر) (1) السّتر صفة في الإنسان يحبّها الله- عزّ وجلّ-. (2) إنّ من مقتضى أسمائه الحسنى السّتر فهو ستّير يحبّ أهل السّتر. (3) العبد إذا فعل المعصية واسترجع ستره الله في الدّنيا وذكّره بها في الآخرة ثمّ عفا عنه. (4) السّتر يطفأ نار الفساد المتأجّجة في المجتمع. (5) السّاتر لعيوب النّاس يرى في نفسه سعادة وسرورا. (6) السّاتر لعيوب نفسه يسلم من ألسنة النّاس وسخط الله- عزّ وجلّ-. (7) السّتر علاج اجتماعي جميل يختفي تحته كثير من أمراض المجتمع ثمّ لا تنتشر. (8) السّتر يثمر حسن الظّنّ بالله تعالى وبالنّاس. (9) من ستر عيب غيره ستره الله في الدّنيا والآخرة. (10) قد يؤدّي ستر عيوب النّاس إلى المحبّة والتّعاطف بينهم. (11) كتم الأسرار نوع من السّتر يحمد عليها صاحبها من النّاس ومن الله سبحانه.   (1) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (23) . (2) الزهد لوكيع (3/ 768) . (3) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (53) . (4) الزهد لوكيع (3/ 774) . (5) مكارم الأخلاق (504) . (6) المرجع السابق (489) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2251 السخاء السخاء لغة: مصدر قولهم: سخا يسخو ويسخى، وهو مأخوذ من مادّة (س خ ى/ و) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على اتّساع في الشّيء وانفراج فيه، والأصل في ذلك قولهم: سخيت القدر وسخوتها إذا جعلت للنّار تحتها مذهبا، وقيل: السّخواء: الأرض السّهلة، والسّخاوي من الأرض: الواسعة البعيدة الأطراف، والسّخاويّ: ما بعد غوره. وقيل: السّخاوة والسّخاء: الجود، والسّخيّ: الجواد والجمع أسخياء وسخواء، ويقال: امرأة سخيّة من نسوة سخيّات وسخايا، يقال: سخيت نفسي عنه: تركته ولم تنازعني نفسي إليه، وسخو الرّجل يسخو سخاء وسخاوة أي صار سخيّا، وفلان يتسخّى على أصحابه أي يتكلّف السّخاء. وقيل: السّخاء هو الجود والكرم، ومن ثمّ يكون السّخيّ هو الجواد الكريم «1» . واصطلاحا: قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: حدّ السّخاء: بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 1/ 25 إلى مستحقّه بقدر الطّاقة «2» . وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: السّخاء: بمعنى الجود، وهو بذل ما يقتنى بغير عوض «3» . وقال الجاحظ: السّخاء بذل المال من غير مسألة ولا استحقاق، وهذا الفعل مستحسن ما لم ينته إلى السّرف والتّبذير؛ فإنّ من بذل جميع ما يملكه لمن لا يستحقّه لم يسمّ سخيّا بل يسمّى مبذّرا مضيّعا «4» . أنواع السخاء ودرجاته: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إذا كان السّخاء محمودا فمن وقف على حدّه سمّي كريما وكان للحمد مستوجبا، ومن قصّر عنه كان بخيلا وكان للذّمّ مستوجبا. والسّخاء نوعان: فأشرفهما سخاؤك عمّا بيد غيرك، والثّاني سخاؤك ببذل ما في يدك، فقد يكون الرّجل من أسخى النّاس، وهو لا يعطيهم شيئا لأنّه سخا عمّا في أيديهم، وهذا معنى قول بعضهم: السّخاء أن تكون بمالك متبرّعا، وعن مال غيرك متورّعا «5» .   (1) مقاييس اللغة (3/ 146) ، الصحاح (6/ 2373) ، المصباح المنير (1/ 103) ، تاج العروس (19/ 510) ، لسان العرب (14/ 373) (ط. بيروت) . (2) أدب الدنيا والدين (226) . والوابل الصيب لابن القيم (53) . (3) فتح الباري (10/ 457) . (4) تهذيب الأخلاق للجاحظ (26) . (5) الوابل الصيب (53) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2252 وقال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه الله تعالى-: اعلم أنّ السّخاء والبخل درجات: فأرفع درجات السّخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه. وأشدّ درجات البخل، أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشّهوة فيمنعه منها البخل. فكم بين من يبخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة. فالأخلاق عطايا يضعها الله- عزّ وجلّ- حيث يشاء. وليس بعد الإيثار درجة في السّخاء. وقد أثنى الله- تعالى- على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالإيثار، فقال: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر/ 9) ، وكان سبب نزول هذه الآية قصّة أبي طلحة، لمّا آثر ذلك الرّجل الجود بقوته وقوت صبيانه «1» . الفرق بين السخاء والجود: قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين السّخاء والجود أنّ السّخاء هو أن يلين الإنسان عند السّؤال ويسهّل مهره (إعطاءه) للسّائل من قولهم سخوت النّار إذا ألنتها ... ولذلك لا يقال لله تعالى: سخيّ، والجود كثرة العطاء من غير سؤال، من قولك: جادت السّماء إذا جادت بمطر غزير، والله تعالى جواد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار الجود- الكرم- الإغاثة- البر- بر الوالدين- الصدقة- صلة الرحم- المواساة- الإحسان- الزكاة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البخل- الشح الكنز- قطيعة الرحم- التفريط والإفراط] .   (1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي (205، 206) . (2) الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري (167) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2253 الأحاديث الواردة في (السخاء) 1- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني. ثمّ قال: «يا حكيم، إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالّذي يأكل ولا يشبع. اليد العليا خير من اليد السّفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله! والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ «1» أحد بعدك شيئا حتّى أفارق الدّنيا. فكان أبو بكر- رضي الله عنه- يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه. ثمّ إنّ عمر- رضي الله عنه- دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا، فقال عمر: إنّي أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أنّي أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى توفّي» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (السخاء) معنى انظر صفتي: الكرم والجود) () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (السخاء) (انظر صفتي: الكرم والجود) () من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (السخاء) 1- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «السّخاء: ما كان منه ابتداء، فأمّا ما كان عن مسألة فحياء وتكرّم» ) * «3» . 2- * (وقال أيضا: «البخل جلباب المسكنة وربّما دخل السّخيّ بسخائه الجنّة» ) * «4» . 3- * (وقال- رضي الله عنه-: «إذا أقبلت عليك الدّنيا فأنفق منها فإنّها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنّها لا تبقى وأنشد يقول:   (1) لا أرزأ: أي لا أنقص ماله بالطلب. (2) البخاري الفتح 3 (1472) واللفظ له. ومسلم (1035) إلى قوله: اليد العليا خير من اليد السفلى. (3) مختصر منهاج القاصدين (204) . (4) الآداب الشرعية (3/ 312) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2254 لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التّبذير والسّرف وإن تولّت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف) * «1» . 4- * (قال سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه: «إذا مات السّخيّ، قالت الأرض والحفظة: ربّ تجاوز عن عبدك في الدّنيا بسخائه، وإذا مات البخيل قالت: اللهمّ احجب هذا العبد عن الجنّة كما حجب عبادك عمّا جعلت في يديه من الدّنيا» ) * «2» . 5- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «سادات النّاس في الدّنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء» ) * «3» . 6- * (روى مالك- رحمه الله تعالى- عن مولاة لعائشة- رضي الله عنها-: أنّ مسكينا سأل عائشة وهي صائمة، وليس في بيتها إلّا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إيّاه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه. فقالت أعطيه إيّاه. ففعلت، فلمّا أمسينا، أهدى لها أهل بيت أو إنسان- ما كان يهدي لها-: شاة وكفنها «4» فدعتني عائشة، فقالت: كلي من هذا. هذا خير من قرصك) * «5» . 7- * (قال محمّد بن عبّاد بن عبّاد بن عبّاد ابن حبيب بن المهلّب- رحمه الله تعالى-: بعث مروان وهو على المدينة ابنه عبد الملك إلى معاوية فدخل عليه فقال: إنّ لنا مالا إلى جنب مالك بموضع كذا وكذا من الحجاز، لا يصلح مالنا إلّا بمالك، ومالك إلّا بمالنا، فإمّا تركت لنا مالك فأصلحنا به مالنا، وإمّا تركنا لك مالنا فأصلحت به مالك، فقال له: يا ابن مروان: إنّي لا أخدع عن القليل ولا يتعاظمني ترك الكثير، وقد تركنا لكم مالنا فأصلحوا به مالكم) * «6» . 8- * (قال عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما-: «رأيت عائشة- رضي الله عنها- تقسّم سبعين ألفا وهي ترقّع ثوبها، وروى أنّها قسّمت في يوم ثمانين ومائة ألف بين النّاس، فلمّا أمست قالت: يا جارية عليّ فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أمّ ذرّة «7» : أما استطعت فيما قسّمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه؟ فقالت: لو ذكّرتني لفعلت» ) * «8» . 9- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «السّخاء: أن تجود بمالك في الله- عزّ وجلّ- أي في سبيل الله» ) * «9» . 10- * (قال محمّد بن المنكدر- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: إذا أراد الله بقوم خيرا أمّر عليهم خيارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي سمحائهم» ) * «10» . 11- * (قال بكر بن محمّد- رحمه الله تعالى-: «ينبغي أن يكون المؤمن من السّخاء هكذا   (1) إحياء علوم الدين (3/ 246) (2) مختصر منهاج القاصدين للمقدسي (204، 205) . (3) أدب الدنيا والدين للماوردي (226) . (4) كفنها: أي ما يغطيها من الأقراص والرّغف. (5) جامع الأصول لابن الأثير (6/ 452) . (6) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (118) . (7) أم ذرة: خادمة عائشة- رضي الله عنها-. (8) مختصر منهاج القاصدين (203) . والإحياء (3/ 247) . (9) الإحياء (3/ 246) . (10) المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (125) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2255 وحثا بيديه» ) * «1» . 12- * (قال عليّ بن الحسين- رحمه الله تعالى-: «من وصف ببذل ماله لطلّابه لم يكن سخيّا وإنّما السّخيّ من يبدأ بحقوق الله تعالى في أهل طاعته ولا تنازعه نفسه إلى حبّ الشّكر له إذا كان يقينه بثواب الله تعالى تامّا» ) * «2» . 13- * (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله تعالى- «السّخاء: البرّ بالإخوان والجود بالمال. وقال: ورث أبي خمسين ألف درهم فبعث بها صررا إلى إخوانه. وقال: قد كنت أسأل الله تعالى لإخواني الجنّة في صلاتي أفأبخل عليهم بالمال» ) * «3» . 14- * (قال اللّيث بن سعد- رحمه الله تعالى-: «كان ابن شهاب من أسخى من رأيت قطّ، كان يعطي كلّ من جاءه وسأله، حتّى إذا لم يبق شيء تسلّف من أصحابه، فيعطونه، حتّى إذا لم يبق معهم شيء حلفوا أنّه لم يبق معهم شيء فيستلف من عبيده فيقول لأحدهم: يا فلان أسلفني كما تعرف وأضعّف لك كما تعلم، فيسلّفونه، ولا يرى بذلك بأسا، وربّما جاءه السّائل فلا يجد ما يعطيه فيتغيّر عند ذلك وجهه فيقول للسّائل: أبشر فسوف يأتي الله بخير، قال فيقيّض الله لابن شهاب على قدر صبره واحتماله» ) * «4» . 15- * (قال إبراهيم بن المفلس اليشكريّ منشدا: يقول رجال قد جمعت دراهما ... وكيف ولم أخلق لجمع الدّراهم أبى الله إلّا أن تكون دراهمي ... بذا الدّهر نهبا في صديق وغارم وما النّاس إلّا جامع أو مضيّع ... وذو نصب يسعى لآخر نائم يلوم أناس في المكارم والعلا ... وما جاهل في أمره مثل عالم لقد أمنت منّي الدّراهم جمعها ... كما أمن الأضياف من بخل حاتم) * «5» . 16- * (قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى-: «خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له، فنزل على نخل لقوم فيها غلام أسود يعمل فيها، إذ أتى الغلام بقوته، فدخل الحائط كلب، فدنا من الغلام فرمى إليه قرصا فأكله، ثمّ رمى إليه قرصا آخر فأكله، ثمّ رمى إليه ثالثا فأكله، وعبد الله ينظر. فقال: يا غلام كم قوتك كلّ يوم؟ قال: ما رأيت. قال: فلم آثرت به هذا الكلب؟ قال: إنّ أرضنا ما هي بأرض كلاب، وأظنّ أنّ هذا الكلب قد جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت ردّه، قال: فما أنت صانع؟ قال: أطوي يومي   (1) المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (13) . (2) الإحياء (3/ 246) . (3) المرجع السابق (3/ 247) . (4) المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (134) . (5) المرجع السابق (128) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2256 هذا، فقال عبد الله بن جعفر: ألام على السّخاء وهذا أسخى منّي. فاشترى الحائط وما فيه من الآلات واشترى الغلام وأعتقه ووهبه له» ) * «1» . 17- * (وقال ابن قدامة أيضا: «اجتمع جماعة من الفقراء في موضع لهم وبين أيديهم أرغفة معدودة لا تكفيهم فكسروا الرّغفان، وأطفأوا السّراج، وجلسوا للأكل، فلمّا رفع الطّعام إذا هو بحاله، لم يأكل أحد منهم شيئا إيثارا لأصحابه» ) * «2» . 18- * (قال حميد بن هلال- رحمه الله تعالى- «تفاخر رجلان من قريش رجل من بني هاشم ورجل من بني أميّة فقال هذا: قومي أسخى من قومك، وقال هذا: قومي أسخى من قومك. قال: سل في قومك حتّى أسأل في قومي. فافترقا على ذلك فسأل الأمويّ عشرة من قومه فأعطوه مائة ألف. فجاء الهاشميّ إلى عبيد الله بن العبّاس فأعطاه مائة ألف، ثمّ أتى الحسن بن عليّ، فسأله هل أتيت أحدا من قومي؟ قال: نعم عبيد الله بن عبّاس فأعطاني مائة ألف، فأعطاه الحسن مائة ألف وثلاثين ألفا. ثمّ أتى الحسين بن عليّ فسأله: هل أتيت أحدا قبل أن تأتيني؟، قال: نعم أخاك الحسن فأعطاني مائة ألف وثلاثين ألفا، قال: لو أتيتني قبل أن تأتيه لأعطيتك أكثر من ذلك ولكن لم أكن لأزيد على سيّدي، فجاء الأمويّ والهاشميّ بما معهما، ففخر الهاشميّ الأمويّ، فرجع الأمويّ إلى قومه فأخبرهم الخبر وردّ عليهم المال فقبلوه ورجع الهاشميّ إلى قومه فأخبرهم الخبر، وردّ عليهم المال، فأبوا أن يقبلوه وقالوا: لم نكن لنأخذ شيئا قد أعطيناه) * «3» . 19- * (وقال بعض الشّعراء: ويظهر عيب المرء في النّاس بخله ... ويستره عنهم جميعا سخاؤه تغطّ بأثواب السّخاء فإنّني ... أرى كلّ عيب بالسّخاء غطاؤه) *» . 20- * (وقال زهير: ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم ومن يوف لا يذمم ومن يهد قلبه ... إلى مطمئنّ البرّ لا يتجمجم) * «5» . 21- * (قال محمّد بن عبّاد المهبليّ: «دخل أبي على المأمون فوصله بمائة ألف درهم، فلمّا قام من عنده تصدّق بها، فأخبر بذلك المأمون، فلمّا عاد إليه يعاتبه في ذلك فقال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظنّ بالمعبود، فوصله بمائة ألف أخرى) * «6» . 22- * (وقال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: «اعلم أنّ المال إن كان مفقودا فينبغي أن يكون حال العبد القناعة، وقلّة الحرص، وإن كان موجودا فينبغي أن يكون حاله الإيثار، واصطناع المعروف، والتّباعد عن   (1) المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (206) . (2) مختصر منهاج القاصدين (206) . (3) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (116) . (4) صحيح الوابل الصيب (69) . (5) انظر معلقة زهير. (6) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 252) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2257 الشّحّ والبخل، فإنّ السّخاء من أخلاق الأنبياء- عليهم السّلام- وهو أصل من أصول النّجاة) * «1» . 23- * (عن واقد بن محمّد الواقديّ قال: «حدّثني أبي أنّه رفع رقعة إلى الخليفة المأمون يذكر فيها كثرة الدّين، وقلّة صبره عليه، فوقّع المأمون على ظهر رقعته، إنّك رجل اجتمع فيك خصلتان السّخاء والحياء، فأمّا السّخاء فهو الّذي أطلق ما في يديك، وأمّا الحياء فهو الّذي يمنعك عن تبليغنا ما أنت عليه، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم، فإن كنت قد أصبت فازدد في بسط يدك، وإن لم أكن قد أصبت فجنايتك على نفسك) * «2» . 24- * (وقيل: «بعث هارون الرّشيد إلى مالك ابن أنس- رحمه الله- بخمسمائة دينار؛ فبلغ ذلك اللّيث بن سعد فأنفذ إليه ألف دينار، فغضب هارون، وقال: أعطيته خمسمائة، وتعطيه ألفا وأنت من رعيّتي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ لي من غلّتي كلّ يوم ألف دينار؛ فاستحييت أن أعطي مثله أقلّ من دخل يوم. وحكي أنّه لم تجب عليه الزّكاة مع أنّ دخله كلّ يوم ألف دينار. وحكي أنّ امرأة سألت اللّيث بن سعد. رحمه الله- شيئا من عسل، فأمر لها بزقّ من عسل، فقيل له: إنّها كانت تقنع بدون هذا، فقال: إنّها سألت على قدر حاجتها، ونحن نعطيها على قدر النّعمة علينا. وكان اللّيث بن سعد لا يتكلّم كلّ يوم حتّى يتصدّق على ثلاثمائة وستّين مسكينا) * «3» . 25- * (وروي أنّ الشّافعيّ- رحمه الله- لمّا مرض مرض موته بمصر قال: مروا فلانا يغسّلني، فلمّا توفّي بلغه خبر وفاته فحضر وقال: ائتوني بتذكرته، فأتي بها، فنظر فيها، فإذا فيها «على الشّافعيّ سبعون ألف درهم دينا» ، فكتبها على نفسه وقضاها عنه، وقال: هذا غسلي إيّاه؛ أي أراد به هذا. وقال أبو سعيد الواعظ الحركوشيّ: لمّا قدمت مصر طلبت منزل ذلك الرّجل فدلّوني عليه، فرأيت جماعة من أحفاده وزرتهم، فرأيت فيهم سيم الخير وآثار الفضل؛ فقلت: بلغ أثره في الخير إليهم، وظهرت بركته فيهم مستدلّا بقوله تعالى: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً (الكهف/ 82) وقال الشّافعيّ- رحمه الله-: لا أزال احبّ حمّاد بن سليمان لشيء بلغني عنه، أنّه كان ذات يوم راكبا حماره، فحرّكه فانقطع زرّه، فمرّ على خيّاط، فأراد أن ينزل إليه ليسوّي زرّه، فقال الخيّاط: والله لا نزلت، فقام الخيّاط إليه فسوّى زرّه، فأخرج إليه صرّة فيها عشرة دنانير فسلّمها إلى الخيّاط واعتذر إليه من قلّتها، وأنشد الشّافعيّ- رحمه الله- لنفسه: يا لهف قلبي على مال أجود به ... على المقلّين من أهل المروءات إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما ليس عندي، لمن إحدى المصيبات) * «4» .   (1) إحياء علوم الدين (3/ 243) . (2) المرجع السابق (3/ 247) . (3) المرجع السابق (3/ 250) . (4) المرجع السابق (3/ 251) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2258 من فوائد (السخاء) 1- صاحبه محمود في الدّنيا والآخرة. 2- دليل الزّهد في الدّنيا وحبّ الآخرة. 3- تستغفر الأرض والحفظة لموت السّخيّ. 4- يكسب السّيادة في الدّنيا والآخرة. 5- طريق من طرق النّبيّين والسّلف الصّالح. وانظر فوائد صفتي: الكرم والجود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2259 السرور السرور لغة: جمع ابن فارس تفريعات مادّة (س ر ر) في ثلاثة أشياء: إخفاء الشّيء، وما كان من خالصه، ومستقرّه. يقول في هذا: «السّين والرّاء» يجمع فروعه إخفاء الشّيء، وما كان من خالصه، ومستقرّه. لا يخرج شيء منه عن هذا. فالسّرّ: خلاف الإعلان. يقال: أسررت الشّيء إسرارا، خلاف أعلنته. وأمّا الّذي ذكرناه من محض الشّيء وخالصه فالسّرّ: خالص الشّيء، ومنه السّرور؛ لأنّه أمر خال من الحزن ... وأمّا الّذي ذكرناه من الاستقرار فالسّرير، وجمعه سرر وأسرّة «1» . ويرى الرّاغب أنّ تفريعات المادّة يجمعها أصل واحد، «هو: خلاف الإعلان ... والسّرّ: هو الحديث المكتم في النّفس ... والسّرور: ما ينكتم من الفرح قال تعالى: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (الإنسان/ 11) ... والسّرير: الّذي يجلس عليه من السّرور، إذ كان ذلك لأولي النّعمة، وجمعه أسرّة وسرر، وسرير الميّت تشبيها به في الصّورة، وللتّفاؤل بالسّرور الّذي الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 19/ 3 يلحق الميّت برجوعه إلى جوار الله تعالى وخلاصه من سجنه المشار إليه بقوله: صلّى الله عليه وسلّم «الدّنيا سجن المؤمن «2» » فالسّرور عند ابن فارس بمعنى الفرح الّذي لا يخالطه حزن، وعند الرّاغب ما ينكتم من الفرح، وجعله الجوهريّ خلاف الحزن عند ما قال: «والسّرور خلاف الحزن. تقول: سرّني فلان مسرّة. وسرّ هو، على ما لم يسمّ فاعله «3» . وجعله ابن منظور بمعنى الفرح فيقول: «والسّرّ والسّرّاء والسّرور والمسرّة، كلّه الفرح ... يقال: سررت برؤية فلان، وسرّني لقاؤه، وقد سررته أسرّه أي فرّحته «4» . ونقل ابن القيّم عن صاحب المنازل أنّ معنى سرّه: أثّر في أسارير وجهه، فإنّه تبرق منه أسارير الوجه، يقول الشّاعر: وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلّل «5» واصطلاحا: هو لذّة في القلب عند حصول نفع أو توقّعه، أو اندفاع ضرر «6» ، وقيل حقيقة السّرور التذاذ   (1) المقاييس (3/ 67، 68، 69) . (2) المفردات (228، 229) . (3) الصحاح (2/ 682) . (4) اللسان «سرر» ، وقارن بالمحيط لابن عباد (8/ 238) ، والقاموس (2/ 48) ، والتاج (6/ 513) . (5) مدارج السالكين (3/ 166) . (6) الكليات للكفوي (3/ 27، 28) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2260 وانشراح يحصل في القلب فقط، من غير حصول أثره في الظّاهر «1» . وقيل: هو حالة نفسانيّة تعرض عند حصول شيء لذيذ «2» . الفرق بين السرور والحبور والفرح والاستبشار: السّرور: اسم لاستبشار جامع وهو الخالص المنكتم، والحبور: ما يرى أثره في الظّاهر أي ما يرى حبره في ظاهر البشرة، وهما مستعملان في الأمر المحمود، والفرح: ما يورث أشرا وبطرا، ولذلك كثيرا ما يذمّ كقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص/ 76) فالأوّلان ما يكونان عن القوّة الفكريّة، والفرح: ما يكون عن القوّة الشّهويّة. أمّا الاستبشار: فهو استفعال من البشرى ويعني السّرور بالبشارة. والبشارة: هي أوّل خبر صادق وسمّيت بذلك لأنّها تؤثّر في بشرة الوجه، وهي نوعان: سارّة، ومحزنة فإذا أطلقت فهي للسّرور. وقال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين السّرور والفرح أنّ السّرور لا يكون إلّا بما هو نفع أو لذّة على الحقيقة، وقد يكون الفرح بما ليس بنفع ولا لذّة كفرح الصّبيّ بالرّقص والعدو والسّباحة وغير ذلك ممّا يتعبه ويؤذيه ولا يسمّى ذلك سرورا، ونقيض السّرور الحزن، ونقيض الفرح الغمّ «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الفرح- البشارة- البشاشة- طلاقة الوجه- التفاؤل- الكلم الطيب- الرضا. وضد ذلك: انظر صفات: الحزن- العبوس- القسوة- الكرب- التنفير] .   (1) تاج العروس (6/ 513) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (403) . (3) الكليات للكفوى (3/ 28) ، ومدراج السالكين (3/ 168) ، (169) ، والفروق لأبي هلال العسكري (261) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2261 الآيات الواردة في «السرور» 1- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) «1» 2- وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) «2» 3- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) وَيَصْلى سَعِيراً (12) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (15) «3»   (1) البقرة: 69 مدنية (2) الإنسان: 8- 11 مدنية (3) الانشقاق: 7- 15 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2262 الأحاديث الواردة في (السرور) 1- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، اشهد أنّي قد نحلت النّعمان كذا وكذا من مالي. فقال: «أكلّ بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النّعمان؟» . قال: لا. قال: «فأشهد على هذا غيري» . ثمّ قال: «أيسرّك أن يكونوا إليك في البرّ سواء؟» . قال: بلى. قال: «فلا، إذا» ) * «1» . 2- * (عن معاوية بن قرّة عن أبيه أنّ رجلا كان يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه ابن له، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتحبّه؟» . فقال: يا رسول الله، أحبّك الله كما أحبّه، ففقده النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «ما فعل ابن فلان؟» . قالوا يا رسول الله، مات، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبيه: «أما تحبّ أن لا تأتي بابا من أبواب الجنّة إلّا وجدته ينتظرك» فقال الرّجل، يا رسول الله أله خاصّة أم لكلّنا؟. فقال: «بل لكلّكم» ) * «2» . 3- * (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها ... الحديث، وفيه «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم ... » . الحديث) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة ... » . الحديث، وفيه: «فرأى ما فيها من الخير والسّرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت ... » الحديث) * «4» . 5- * (عن أبي طلحة- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طويّ من أطواء «5» بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة «6» ثلاث ليال، فلمّا كان ببدر اليوم الثّالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها، ثمّ مشى واتّبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلّا لبعض حاجته، حتّى قام على شفة الرّكيّ «7» ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، أيسرّكم أنّكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟. قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والّذي نفس محمّد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 5 (2587) . ومسلم (1623) واللفظ له. (2) أحمد (3/ 436) والنسائي (4/ 22) . (3) البخاري- الفتح 7 (4015) ، ومسلم (2961) متفق عليه. (4) البخاري- الفتح 13 (7437) ، ومسلم (182) واللفظ له. (5) الأطواء: جمع طويّ وهي البئر التي طويت. (6) العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، والعرصتان كبرى وصغرى بعقيق المدينة. (7) على شفة الرّكيّ: أي على طرف البئر. (8) البخاري- الفتح 7 (3976) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2263 6- عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيّها النّاس، إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا، فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب، حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة؛ فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة «1» فليلزم الجماعة. من سرّته حسنته، وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «2» . 7- * (عن صهيب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن! إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلّا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له) » * «3» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من عبد يموت، له عند الله خير يسرّه أن يرجع إلى الدّنيا وأنّ له الدّنيا وما فيها، إلّا الشّهيد لما يرى من فضل الشّهادة، فإنّه يسرّه أن يرجع إلى الدّنيا فيقتل مرّة أخرى» ) * «4» . 9- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن يبسط عليه رزقه، أو ينسأ «5» في أثره» ، فليصل رحمه» ) * «7» . 10- * (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: أيم الله لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، ولمن ابتلي فصبر، فواها» ) * «8» . () الأحاديث الواردة في (السرور) معنى 11- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: «قال عمر: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه أمر مبتدع- أو مبتدأ- أو فيما قد فرغ منه؟ فقال: «فيما قد فرغ منه يا ابن الخطّاب، وكلّ ميسّر. أمّا من كان من أهل السّعادة؛ فإنّه يعمل للسّعادة، وأمّا من كان من أهل الشّقاء، فإنّه يعمل للشّقاء» ) «9» 12- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (مريم/ 39) قال: «يؤتى بالموت كأنّه كبش أملح، حتّى يوقف على السّور بين الجنّة والنّار،   (1) بحبوحة الجنّة: أوسطها وأوسعها. (2) الترمذي (2165) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، ورواه أحمد والحاكم في المستدرك وصححه الألباني في الصحيحة (1116) . (3) مسلم (2999) . (4) البخاري- الفتح 6 (2795) واللفظ له ومسلم (1877) (5) ينسأ: أي يؤخر. (6) أثره: الأثر الأجل؛ لأنه تابع للحياة في أثرها. (7) البخاري- الفتح 10 (5985) ، ومسلم (2557) واللفظ له. (8) أبو داود (4263) . وكلمة واها: اسم فعل بمعنى التعجب، وصححه الشيخ الألباني (صحيح أبي داود) وفي الصحيحة (973) . (9) الترمذي (2135) وقال: حديث حسن صحيح وفي الباب عن علي وحذيفة بن أسيد وأنس وعمران بن حصين، والحديث بعض ألفاظه في الصحيحين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2264 فيقال: يا أهل الجنّة، فيشرئبّون «1» ، ويقال: يا أهل النّار، فيشرئبّون، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيضجع فيذبح، فلولا أنّ الله قضى لأهل الجنّة الحياة فيها والبقاء، لماتوا فرحا، ولولا أنّ الله قضى لأهل النّار الحياة فيها والبقاء لماتوا ترحا» ) * «2» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟. قال: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلّا الله خالصا من قبل نفسه» ) * «3» . 14- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» . قالت عائشة- أو بعض أزواجه-: إنّا لنكره الموت. قال: «ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله، وكرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء الله وأحبّ الله لقاءه. وإنّ الكافر إذا حضر بشّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه ممّا أمامه، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه» ) * «4» . 15- * (عن فاطمة بنت قيس- رضي الله عنها- أنّ أبا عمرو بن حفص طلّقها البتّة ... الحديث وفيه: فلمّا حللت ذكرت له، أنّ معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه «5» . وأمّا معاوية فصعلوك. لا مال له. «انكحي أسامة بن زيد» فكرهته. ثمّ قال: «انكحي أسامة» فنكحته. فجعل الله فيه خيرا واغتبطت) * «6» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (السرور) 16- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان معنا أناس من الأعراب، فكنّا نبتدر الماء «7» » . الحديث، وفيه قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر قد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرك أذني «8» وضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا» ... الحديث) * «9» . 17- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ ... الحديث، وفيه: «فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «وهو يبرق وجهه من السّرور» ، ويقول: «أبشر   (1) فيشرئبون: اشرأبّ مد عنقه وارتفع لينظر. (2) رواه البخاري (11/ 362) ، ومسلم (2850) . (3) البخاري- الفتح 11 (6570) . (4) البخاري- الفتح 11 (6507) واللفظ له. ومسلم (2683) . (5) فلا يضع عصاه عن عاتقه: إمّا كناية عن كثرة الأسفار، وإمّا: أنه كثير الضرب للنساء. (6) مسلم (1480) . (7) نبتدر الماء: نتسابق ونسرع إليه. (8) فعرك أذني: دلكها. (9) الترمذي (3313) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (6/ 208) ورواه أحمد (6/ 413) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2265 بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت أمن عندك يا رسول الله؟ أم من عند الله؟. فقال: «لا. بل من عند الله» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استتار وجهه كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك) * «1» . 18- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليّ مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال: «ألم تري أنّ مجزّزا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد» ، فقال: «إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض» ) * «2» . 19- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أتاه أمر يسرّه أو يسرّ به، خرّ ساجدا شكرا لله- تبارك وتعالى-) * «3» . () من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (السرور) 1- * (سئل أبو سهل محمّد بن سليمان الصّعلوكيّ عن الشّكر والصّبر أيّهما أفضل؟. فقال: هما في محلّ الاستواء، فالشّكر وظيفة السّرّاء. والصّبر فريضة الضّرّاء» ) * «4» . 2- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «ثمرة الرّضى: الفرح والسّرور بالرّبّ- تبارك وتعالى-» ) * «5» . 3- * (وقال- رحمه الله-: «ولا شيء أحقّ أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته، الّتي تتضمّن الموعظة، وشفاء الصّدور من أدوائها بالهدى والرّحمة. فأخبر- سبحانه-: أنّ ما آتى عباده من الموعظة، الّتي هي الأمر والنّهي، المقرون بالتّرغيب والتّرهيب، وشفاء الصّدور، المتضمّن لعافيتها من داء الجهل، والظّلمة، والغيّ، والسّفه، وهو أشدّ ألما لها من أدواء البدن، ولكنّها لمّا ألفت هذه الأدواء لم تحسّ بألمها. وإنّما يقوى إحساسها بها عند المفارقة للدّنيا. فهناك يحضرها كلّ مؤلم محزن. وما آتاها من ربّها الهدى الّذي يتضمّن ثلج الصّدور باليقين، وطمأنينة القلب به، وسكون النّفس إليه، وحياة الرّوح به. والرّحمة الّتي تجلب لها كلّ خير ولذّة، وتدفع عنها كلّ شرّ ومؤلم) * «6» . () من فوائد (السرور) 1- باب من أبواب تحصيل الثّواب ورضا ربّ الأرباب. 2- يبعث على التّآلف والحبّ ويقوّي روابط المجتمع الإسلاميّ. 3- فيه تأسّ بسيّد المرسلين وخاتم النّبيّين صلّى الله عليه وسلّم.   (1) البخاري- الفتح 7 (4418) . ومسلم (2769) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 12 (6770) واللفظ له، ومسلم (1459) . (3) ابن ماجة (1394) واللفظ له، والترمذي (1578) وقال: هذا حديث حسن غريب. ورواه أبو داود (2774) . (4) الدّر المنثور للسيوطي 1 (371) . (5) مدارج السالكين (2/ 183) . (6) انظر مدارج السالكين لابن القيم (3/ 164) ، الألباني وهو في الصحيحة (973) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2266 السكينة السكينة لغة: السّكينة مأخوذة من مادّة (س ك ن) الّتي تدلّ على خلاف الاضطراب والحركة، يقال: سكن الشّيء إذا ذهبت حركته فاستقرّ وثبت، ومن هذا الباب: السّكينة وهي الوقار، وقيل، الوداعة والوقار «1» ، وقد يراد بها الرّحمة وهي في الحديث الشّريف «يا مسكينة عليك السّكينة» بمعنى الوقار والوداعة والأمن، وقيل أراد بها هاهنا الرّحمة كما في قول ابن مسعود: السّكينة مغنم، والسّكينة الّتي تحملها الملائكة: قيل: هي الطّمأنينة، وقيل: هي النّصر، وقيل هي الوقار وما يسكن به الإنسان «2» ، أمّا السّكينة في قوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فقد جاء في تفسيرها أنّها: الطّمأنينة والوقار. وقيل: هي تثبيتهم على الرّضا والتّسليم «3» ، أمّا السّكينة الّتي تكلّم على لسان عمر- رضي الله عنه- فهي أيضا بمعنى الوقار والسّكون، وقيل الرّحمة، وقيل غير ذلك، وأمّا السّكينة في حديث الدّفع من عرفة «عليكم السّكينة» فهي الوقار والتّأنّي في الحركة والسّير «4» . السكينة اصطلاحا: قال الجرجانيّ: هي ما يجده القلب من الطّمأنينة عند تنزّل الغيب وهي نور في القلب يسكن إليه شاهده ويطمئنّ، وقيل: هي زوال الرّعب «5» . وقال ابن القيّم: هي الطّمأنينة والوقار والسّكون الّذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 9/ 9 من شدّة الخوف فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه ويوجب له زيادة الإيمان وقوّة اليقين والثّبات «6» . استعمالات لفظ السكينة: يستعمل لفظ السّكينة ويراد به واحد من ثلاث: 1- سكينة بني إسرائيل الّتي أعطوها في التّابوت. 2- السّكينة الّتي أنزلها الله على قلب رسوله والمؤمنين. 3- السّكينة الّتي تنطق على لسان المحدّثين. درجات السكينة: للسّكينة الّتي تنزل على قلب المؤمن، وهي الّتي تسمّى سكينة الوقار درجات ثلاث: الأولى: سكينة الخشوع، وهي ثمرة السّكينة الثّانية أي تلك الّتي تنزّل على قلب الرّسول والمؤمنين. الثّانية: السّكينة عند المعاملة بمحاسبة النّفوس، وملاطفة الخلق، ومراقبة الحقّ. الثّالثة: السّكينة الّتي توجب الرّضا بما قسم الله عزّ وجلّ وتمنع من الشّطح الفاحش «7» . [للاستزادة: انظر صفات: الطمأنينة- الوقار- الإيمان- اليقين- الرهبة- الرجاء- الصلاة- الإنابة العبادة- الورع- الإخبات- الخشوع- الخشية- الضراعة والتضرع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: القلق- الطيش- العجلة- العنف- الغلو- القسوة- القنوط- الغرور الغفلة- اللهو واللعب] .   (1) انظر مقاييس اللغة (3/ 88) ، والصحاح (5/ 2136) . (2) لسان العرب مادة «سكن» . (3) تفسير القرطبي (16/ 289) . (4) النهاية لابن الأثير (2/ 386) . (5) التعريفات للجرجاني (125) ، والتوقيف للمناوي (196) . (6) مدارج السالكين (2/ 525) . (7) باختصار عن مدارج السالكين (2/ 531- 532) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2267 الآيات الواردة في «السكينة» 1- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) «1» 2- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) «2» 3- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «3» 4- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) «4» 5- * لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) «5» 6- إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) «6»   (1) البقرة: 248 مدنية (2) التوبة: 25- 26 مدنية (3) التوبة: 40 مدنية (4) الفتح: 4 مدنية (5) الفتح: 18 مدنية (6) الفتح: 26 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2268 الأحاديث الواردة في (السكينة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أقيمت الصّلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، عليكم السّكينة. فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا» ) *» . 2- * (عن جعفر بن محمّد عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم حتّى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن حسين ... الحديث وفيه: «ويقول بيده اليمني: أيّها النّاس، السّكينة السّكينة «2» » الحديث ... ) * «3» . 3- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط بشطنين «4» فتغشّته سحابة. فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها. فلمّا أصبح أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له. فقال «تلك السّكينة. تنزّلت للقرآن» ) * «5» . 4- عن البراء- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى التّراب بياض بطنه- وهو يقول: والله! لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لا قينا إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا) * «6» . 5- * (عن الفضل بن عبّاس- رضي الله عنهما- وكان رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال، في عشيّة عرفة وغداة جمع، للنّاس حين دفعوا: «عليكم بالسّكينة» وهو كافّ ناقته «7» . حتّى دخل محسّرا (وهو من منى) قال «عليكم بحصى الخذف الّذي يرمى به الجمرة» ) * «8» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الفخر والخيلاء في الفدّادين، أهل الوبر والسّكينة في أهل الغنم. والإيمان يمان والحكمة يمانية» ) * «9» . 7- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا تقوموا حتّى تروني وعليكم السّكينة» ) * «10» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم   (1) البخاري- الفتح 2 (908) ، ومسلم (602) . (2) السكينة السكينة: أي الزموا السكينة وهي الرفق والطمأنينة. (3) مسلم (1218) (4) شطنين: الشطن، وهو الحبل الطويل المضطرب. (5) البخاري- الفتح 9 (5011) ، ومسلم (795) . (6) البخاري- الفتح 6 (2836) ، ومسلم (1803) واللفظ له. فيما عدا الشطر الرابع فإنه في البخاري فقط. (7) كاف ناقته: أي يمنعها الإسراع. (8) مسلم (1282) . (9) البخاري- الفتح 6 (3499) واللفظ له، ومسلم (52) . (10) البخاري- الفتح 2 (909) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2269 القيامة ... الحديث وفيه «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» ) * «1» . 9- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «2» . () الأحاديث الواردة في (السكينة) معنى انظر: صفة الطمأنينة () من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (السكينة) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: كنّا نتحدّث أنّ السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه) * «3» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: كلّ سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلّا في سورة البقرة) * «4» . 3- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: السّكينة مغنم وتركها مغرم) * «5» . 4- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: جاء في صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الكتب المتقدّمة: إنّي باعث نبيّا أمّيّا، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا متزيّن بالفحش، ولا قوّال للخنا ... أجعل السّكينة لباسه والبرّ شعاره) * «6» . 5- * (وقال- رحمه الله تعالى-: السّكينة إذا نزلت على القلب اطمأنّ بها، وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار، وأنطقت اللّسان بالصّواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش واللّغو والهجر وكلّ باطل) * «7» . 6- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: كان شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى- إذا اشتدّت عليه الأمور قرأ آيات السّكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه. لمّا اشتدّ عليّ الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السّكينة. قال: ثمّ أقلع عنّي ذلك الحال، وجلست وما بي قلبة) * «8» . 7- * (وقال ابن القيّم أيضا: قد جرّبت أنا   (1) مسلم (2699) (2) البخاري- الفتح 10 (6125) ، ومسلم (1734) واللفظ له. (3) بصائر ذوي التمييز 3/ 238. (4) مدارج السالكين 2/ 525، وبصائر ذوي التمييز 3/ 238. (5) النهاية لابن الأثير (2/ 386) . (6) مدارج السالكين (2/ 526) . (7) المرجع السابق (2/ 227) . (8) المرجع السابق (2/ 525) باختصار، وقد نقل الفيروز ابادي هذه الواقعة في بصائر ذوي التمييز (3/ 238) ، ولم يذكر اسم الشيخ، وأضاف إلى هذه الواقعة قوله: وقد جربتها الأكابر عند اضطراب القلب مما يرد عليه فرأوا لها تأثيرا عظيما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2270 أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته) * «1» . 8- * (وقال- رحمه الله تعالى-: إنّ السّكينة الّتي تنطق على لسان المحدّثين ليست شيئا يملك، وإنّما هي شيء من لطائف صنع الله تعالى تلقي على لسان المحدّث الحكمة كما يلقي الملك الوحي على قلوب الأولياء، وتنطق المحدّثين بنكت الحقائق مع ترويح الأسرار وكشف الشّبه «2» . وقد أشار بذلك إلى النّوع الثّاني من أنواع السّكينة) * «3» . 9- * (وقال صاحب المنازل: أمّا السّكينة الّتي نزلت على قلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقلوب المؤمنين فهي شيء يجمع قوّة وروحا، يسكن إليه الخائف ويتسلّى به الحزين والضّجر، ويسكن إليه العصيّ والجريء والأبي) * «4» . () من فوائد (السكينة) (1) علامة رضا الله عن العبد كما تنصّ عليه الآيات. (2) سمة العلماء وصفة الأولياء، والمتشبّه بهم إن شاء الله في زمرتهم. (3) علامة اليقين والثّقة بربّ العالمين. (4) فيها طاعة لله وتأسّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (5) السّكينة تثبّت قلوب المؤمنين وتزيدهم ثقة وإيمانا. (6) السّكينة تؤدّى إلى الرضا بما قسم الله عزّ وجلّ وتمنع من الشّطط والغلوّ. (7) السّكينة عند معاملة الخلق تؤدّي إلى اللّطف في هذه المعاملة وهذا يجلب المحبّة ويشيع الألفة. (8) السّكينة تثمر الخشوع وتجلب الطّمأنينة وتلبس صاحبها ثوب الوقار. (9) السّكينة تنطق صاحبها بالصّواب والحكمة وتحول بينه وبين قول الخنا والفحش واللّغو وكلّ باطل (انظر الأثر رقم 4) . (10) السّكينة من الأمور الّتي تسكّن الخائف وتسلّي الحزين والضّجر (انظر الأثر رقم 8) .   (1) مدارج السالكين (2/ 525) ، وانظر هذه الآيات- وهي ستّ- في القسم الخاص بالآيات الواردة في هذه الصفة. (2) المرجع السابق (2/ 227) ، وانظر أيضا بصائر ذوي التمييز. (3) انظر أنواع السكينة في المقدمة اللغوية لهذه الصفة. (4) ورد هذا النص في مدارج السالكين (2/ 599) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2271 السلم السلم لغة: السّلم (بفتح السين وكسرها) مأخوذ من مادّة (س ل م) الّتي تدلّ على الصّحّة والعافية في كلّ ما اشتقّ منها، قال ابن فارس: ومن هذا الباب: السّلم بمعنى الصّلح، وهو يذكّر ويؤنّث، قال تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (الأنفال/ 61) وقال الرّاغب: السّلم والسّلامة: التّعرّي من الآفات الظّاهرة والباطنة، والسّلام والسّلم والسّلم: الصّلح، قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (النساء/ 94) قيل نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصّلح «1» ، وقال ابن منظور: من معاني السّلم: الاستسلام، والتّسالم: التّصالح. والمسالمة: المصالحة. وفي حديث الحديبية: «أنّه أخذ ثمانين من أهل مكّة سلما» ؛ قال ابن الأثير: يروى بكسر السّين وفتحها، وهما لغتان للصّلح، وهو المراد في الحديث على ما فسّره الحميديّ في غريبه؛ وقال الخطّابيّ: إنّه السّلم، بفتح السّين واللّام، يريد الاستسلام والإذعان كقوله تعالى: وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 21/ 2 (النساء/ 90) ؛ أي الانقياد، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع؛ قال: وهذا هو الأشبه بالقضيّة، فإنّهم لم يؤخذوا عن صلح، وإنّما أخذوا قهرا وأسلموا أنفسهم عجزا، وللأوّل وجه، وذلك أنّهم لم يجر معهم حرب، إنّما لمّا عجزوا عن دفعهم أو النّجاة منهم، رضوا أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوا، فكأنّهم قد صولحوا على ذلك، فسميّ الانقياد صلحا، وهو السّلم؛ ومنه كتابه بين قريش والأنصار: وإنّ سلم المؤمنين واحد لا يسالم مؤمن دون مؤمن، أي لا يصالح واحد دون أصحابه، وإنّما يقع الصّلح بينهم وبين عدوّهم باجتماع ملئهم على ذلك؛ قال: ومن الأوّل حديث أبي قتادة: «لآتينّك برجل سلم» أي أسير، لأنّه استسلم وانقاد. واستسلم أي انقاد. ومنه الحديث: «أسلم سالمها الله» ، هو من المسالمة وترك الحرب، ويحتمل أن يكون دعاء وإخبارا، إمّا دعاء لها أن يسالمها الله ولا يأمر بحربها، أو أخبر أنّ الله قد سالمها ومنع من حربها. وحكي السّلم والسّلم الاستسلام وضدّ الحرب أيضا «2» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 90) ، والمفردات للراغب (240) . (2) انظر النهاية لابن الأثير (2/ 2392) ، وتفسير أسماء الله الحسنى (31) والمقصد الأسنى للغزالي (67) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2272 السلام من أسماء الله- عز وجل-: قال ابن منظور: السّلام الله عزّ وجلّ، اسم من أسمائه (الحسنى) لسلامته من النّقص والعيب والفناء (حكاه ابن قتيبة) ، وقيل معناه: أنّه سلم ممّا يلحق الغير من آفات الغير والفناء، وأنّه الباقي الدّائم الّذي تفنى الخلق ولا يفنى «1» . وقال الغزاليّ: السّلام (في أسماء الله تعالى معناه) الّذي تسلم ذاته عن العيب وصفاته عن النّقص وأفعاله عن الشّرّ، حتّى إذا كان كذلك، لم يكن في الوجود سلامة إلّا وكانت معزيّة إليه، صادرة منه، وأفعاله سبحانه سالمة كلّها عن الشّرّ المطلق المراد لذاته، لا لخير حاصل في ضمنه أعظم منه. وقال- رحمه الله تعالى- كلّ عبد سلم عن الغشّ والحقد والحسد، وسلم قلبه عن إرادة الشّرّ، وجوارحه عن الآثام والمحظورات، وسلم عقله من أسر الشّهوة والغضب، فهو الّذي يأت الله تعالى بقلب سليم، وهو السّلام من العباد، أمّا السّلام المطلق الحقّ فهو الله عزّ وجلّ وحده «2» . واصطلاحا: قال الكفويّ: السّلم (بالكسر والسّكون) ضدّ الحرب، وهو أيضا الإسلام، والسّلم بمعنى الصّلح يفتح ويكسر، ويذكّر ويؤنّث «3» . قال ابن كثير: السّلم: المسالمة والمصالحة والمهادنة «4» . وقال ابن حجر: قال أبو عبيدة: السّلم والسّلم واحد وهو الصّلح. وقال أبو عمر: والسّلم بالفتح الصّلح، والسّلم بالكسر الإسلام «5» . قال الفيروز آباديّ: والسّلام والسّلم والسّلم: الصّلح. وقوله: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (النساء/ 94) قيل: نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصّلح «6» . مسائل السلم: قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنفال/ 61) فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها إنّما قال «لها» لأنّ السّلم مؤنثّة. ويجوز أن يكون التّأنيث للفعلة. والجنوح الميل. يقول: إن مالوا إلى المسالمة؛ أي الصّلح، فمل إليها. الأخرى: وقد اختلف في هذه الآية، هل هي منسوخة أم لا؟ فقال قتادة وعكرمة نسخها: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (التوبة/ 5) وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً (التوبة/ 36) وقالا: نسخت براءة   (1) لسان العرب (12/ 290) ط. بيروت، وقارن بالنهاية لابن الأثير (2/ 392) . (2) بتصرف واختصار عن المقصد الأسنى (69- 70) . (3) الكليات للكفوي (507) . (4) تفسير القرآن العظيم (2/ 335) . (5) فتح الباري (6/ 318) . (6) بصائر ذوي التمييز (3/ 254) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2273 كلّ موادعة، حتّى يقولوا لا إله إلّا الله. وقال ابن عبّاس: النّاسخ لها فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ (محمد/ 35) وقيل: ليست بمنسوخة، بل أراد قبول الجزية من أهل الجزية. وقد صالح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في زمن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- ومن بعده الأئمّة كثيرا من بلاد العجم، على ما أخذوه منهم، وتركوهم على ما هم فيه، وهم قادرون على استئصالهم. وكذلك صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثيرا من أهل البلاد على مال يؤدّونه؛ من ذلك خيبر، وإن كان للمسلمين مصلحة في الصّلح، لنفع يجتلبونه، أو ضرر يدفعونه، فلا بأس أن يبتدأ المسلمون (به) إذا احتاجوا إليه. وقد صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل خيبر، على شروط نقضوها فنقض صلحهم. وما زالت الخلفاء والصّحابة على هذه السّبيل الّتي شرعناها سالكة، وبالوجوه الّتي شرحناها عاملة. قال القشيريّ: إذا كانت القوّة للمسلمين فينبغي ألّا تبلغ الهدنة سنة. وإذا كانت القوّة للكفّار جاز مهادنتهم عشر سنين، ولا تجوز الزّيادة. وقال الشّافعي- رحمه الله-: لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين، على ما فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية؛ فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فهي منتقضة؛ لأنّ الأصل فرض قتال المشركين حتّى يؤمنوا أو يعطوا الجزية. ودلّ على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم، إذا رأى ذلك الإمام وجها «1» . [للاستزادة: انظر صفات: إفشاء السلام- تكريم الإنسان- العدل والمساواة- العفو- الصلح الصفح- التناصر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحرب والمحاربة- البغي- العدوان- الطغيان- الظلم الفتنة- التنازع] .   (1) الجامع لأحكام القرآن (8/ 39- 41) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2274 الآيات الواردة في «السلم» 1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) «1» 2- * فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91) » 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «3» 4- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)   (1) البقرة: 207- 208 مدنية (2) النساء: 88- 91 مدنية (3) النساء: 94 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2275 وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) «1» 5- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) «2»   (1) الأنفال: 55- 62 مدنية (2) محمد: 34- 36 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2276 الأحاديث الواردة في (السلم) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ ثمانين رجلا من أهل مكّة هبطوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جبل التّنعيم متسلّحين. يريدون غرّة «1» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. فأخذهم سلما «2» . فاستحياهم. فأنزل الله عزّ وجلّ-: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24)) * «3» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رفع رأسه من الرّكعة الآخرة يقول: «اللهمّ أنج عيّاش بن أبي ربيعة، اللهمّ أنج سلمة بن هشام، اللهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللهمّ اجعلها سنين كسني يوسف» . وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله» ) * «4» . 3- * (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رأى الهلال قال: «اللهمّ أهلّه علينا باليمن والإيمان، والسّلامة والإسلام، ربّي وربّك الله» ) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «انطلقوا إلى يهود» ، فخرجنا حتّى جئنا بيت المدراس. فقال: «أسلموا تسلموا، واعلموا أنّ الأرض للهّ ورسوله، وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّ الأرض للهّ ورسوله» ) * «6» . 5- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه سيكون بعدي اختلاف أو أمر، فإن استطعت أن تكون السّلم «7» فافعل» ) * «8» .   (1) غرة: الغرة هي الغفلة. أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم. (2) سلما: ضبطوه بوجهين: أحدهما سلما. والثاني سلما. قال الحميدي: ومعناه الصلح. قال القاضي في المشارق. هكذا ضبطه الأكثرون. قال: والرواية الأولى أظهر. والمعنى أسرهم. والسلم الأسر. وجزم الخطابي بفتح اللام والسين. قال: والمراد به الاستسلام والإذعان. كقوله تعالى: وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ، أي الانقياد. وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع. قال ابن الأثير: هذا هو الأشبه بالقصة. فإنهم لم يؤخذوا صلحا وإنما أخذوا قهرا، وأسلموا أنفسهم عجزا. قال: وللقول الآخر وجه. وهو أنه لما لم يجر معهم قتال، بل عجزوا عن دفعهم والنجاة منهم، فرضوا بالأسر، فكأنهم قد صولحوا على ذلك. (3) مسلم (1808) . (4) البخاري- الفتح 2 (1006) واللفظ له، ومسلم (679) . (5) الترمذي (3451) وقال: هذا حديث حسن غريب. والدارمي (1687) . وأحمد (1/ 162) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 365، 366) : إسناده حسن. والحاكم (4/ 285) وسكت عنه. (6) البخاري- الفتح 6 (3167) . (7) السلم: بفتح السين وكسرها، المسالم، الذكر والأنثى والمفرد والجمع في ذلك سواء. (8) أحمد (1/ 90) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 84، 85) : إسناده صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2277 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما سالمناهنّ منذ حاربناهنّ ومن ترك شيئا منهنّ خيفة فليس منّا» ) * «1» . 7- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال. وحذّرناه، فكان من قوله صلّى الله عليه وسلّم: الحديث ... وفيه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وإنّ أيّامه أربعون سنة. السّنة كنصف السّنة. والسّنة كالشّهر، والشّهر كالجمعة. وآخر أيّامه كالشّررة «2» . يصبح أحدكم على باب المدينة. فلا يبلغ بابها الآخر حتّى يمسي» . فقيل له: يا رسول الله كيف نصلّي في تلك الأيام القصار؟ قال: «تقدرون فيها الصّلاة كما تقدرونها في هذه الأيّام الطّوال، ثمّ صلّوا» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيكون عيسى ابن مريم عليه السّلام في أمّتي حكما «3» عدلا، وإماما مقسطا «4» . يدقّ الصّليب «5» ، ويذبح الخنزير «6» ويضع الجزية «7» . ويترك الصّدقة «8» ، فلا يسعى «9» على شاة ولا بعير. وترفع الشّحناء والتّباغض. وتنزع حمة «10» كلّ ذات حمة، حتّى يدخل الوليد يده في فيّ الحيّة، فلا تضرّه، وتفرّ «11» الوليدة الأسد، فلا يضرّها، ويكون الذّئب في الغنم كأنّه كلبها. وتملأ الأرض من السّلم كما يملأ الإناء من الماء. وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلّا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضّة «12» ، تنبت نباتها بعهد آدم. حتّى يجتمع النّفر على القطف «13» من العنب فيشبعهم. ويجتمع النّفر على الرّمّانة فتشبعهم. ويكون الثّور بكذا وكذا، من المال. وتكون الفرس بالدّريهمات» . قالوا: يا رسول الله وما يرخص الفرس؟ قال: «لا تركب لحرب أبدا» قيل له: فما يغلي الثّور؟ قال: «تحرث الأرض كلّها. وإنّ قبل خروج الدّجّال ثلاث سنوات شداد، يصيب النّاس فيها جوع شديد، يأمر الله السّماء في السّنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها. ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها. ثمّ يأمر السّماء في الثّانية، فتحبس ثلثي مطرها. ويأمر الأرض فتحبس   (1) أبو داود (5248) واللفظ له وقال الألباني في سنن أبي داود (3/ 985) : حسن صحيح ولفظ أحمد (2/ 247) ما سالمناهن منذ حاربناهن يعني الحيات و (1/ 230) من حديث ابن عباس. (2) كالشررة: واحدة الشرر. وهو ما يتطاير من النار. (3) حكما: أي حاكما بين الناس. (4) مقسطا: أي عادلا في الحكم. (5) يدق الصليب: أي يكسره بحيث لا يبقى من جنس الصليب شيء. (6) ويذبح الخنزير: أي يحرم أكله، أو يقتله بحيث لا يوجد في الأرض ليأكله أحد. والحاصل أنه يبطل دين النصارى. (7) ويضع الجزية: أي لا يقبلها من أحد من الكفرة، بل يدعوهم إلى الإسلام. (8) ويترك الصدقة: أي الزكاة، لكثرة الأموال. (9) فلا يسعى: قال في النهاية: أن يترك زكاتها فلا يكون لها ساع. (10) حمة: الحمة بالتخفيف السّمّ وقد يشدّد. (11) تفر: أي تحمله على الفرار. (12) كفاثور الفضة: الفاثور: الخوان. وقيل: هو طست أو جام من فضة أو ذهب. (13) القطف: العنقود. وهو اسم لكل ما يقطف. كالذبح والطحن. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2278 ثلثي نباتها، ثمّ يأمر الله السّماء في السّنة الثّالثة، فتحبس مطرها كلّه. فلا تقطر قطرة «1» ويأمر الأرض فتحبس نباتها كلّه، فلا تنبت خضراء. فلا تبقى ذات ظلف «2» إلّا هلكت، إلّا ما شاء الله» . قيل: فما يعيش النّاس في ذلك الزّمان؟ قال: «التّهليل والتّكبير والتّسبيح والتّحميد، ويجرى ذلك عليهم مجرى الطّعام» قال أبو عبد الله: سمعت أبا الحسن الطّنافسيّ يقول: سمعت عبد الرّحمن المحاربيّ يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدّب، حتّى يعلّمه الصّبيان في الكتّاب) * «3» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ينزل عيسى ابن مريم إماما عادلا، وحكما مقسطا، فيكسر الصّليب، ويقتل الخنزير، ويرجع السّلم، ويتّخذ السّيوف مناجل وتذهب حمة كلّ ذات حمة «4» وتنزل السّماء رزقها وتخرج الأرض بركتها، حتّى يلعب الصّبيّ بالثّعبان فلا يضرّه، ويراعي الغنم الذّئب فلا يضرّها، ويراعي الأسد البقر فلا يضرّها» ) * «5» . () الأحاديث الواردة في (السلم) معنى 9- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك (وهو في قبّة من أدم) فقال: «اعدد ستّا بين يدي السّاعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم «6» ، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «7» . 10- * (عن أبي سفيان بن حرب- رضي الله عنه- أنّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجّارا بالشّام في المدّة الّتي مادّ» فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا سفيان في كفّار قريش) * «9» . 11- * (عن جبير بن نفير؛ قال: انطلق بنا   (1) فلا تقطر قطرة: في المصباح: يتعدى ولا يتعدى. هذا قول الأصمعي. وقال أبو زيد: لا يتعدى بنفسه بل بالألف. (2) الظلف: هو لما اجترّ من الحيوانات بمنزلة الحافر للفرس. (3) أخرجه البخاري مقطعا 13 (7122- 7131) ومن (7132- 7134) . ومسلم (2937) واللفظ لابن ماجة في رقم (4077) . (4) الحمة: بالتخفيف السّمّ وقد يشدد ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة. (5) البخاري الفتح 4 (2222) ، 6 (3448- 3449) . ومسلم (155) . وأحمد (2/ 482- 483) واللفظ له. (6) عقاص الغنم: بضم العين وتخفيف القاف: داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. (7) البخاري الفتح 6 (3176) . (8) المدّة: طائفة من الزمان تقع على القليل والكثير، ومادّ فيها أي هادنهم وعاهدهم. (9) البخاري الفتح 6 (3174) واللفظ له. ومسلم (1773) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2279 إلى ذي مخبر، رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيناه، (فسألته) عن الهدنة؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ستصالحون الرّوم صلحا آمنا، وتغزون أنتم وهم عدوّا من ورائكم» ) * «1» . 12- * (عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم؛ أنّهم اصطلحوا على وضع الحرب، عشر سنين، يأمن فيهنّ النّاس، وعلى أنّ بيننا عيبة مكفوفة وأنّه لا إسلال، ولا إغلال) * «2» . 13- * (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: «غزونا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تبوك، وأهدى ملك أيلة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكتب له ببحرهم» ) * «3» . 14- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من قتل معاهدا لم يرح «4» رائحة الجنّة، وإنّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما» ) * «5» . 15- * (عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة فصبّحنا الحرقات «6» من جهينة، فأدركت رجلا، فقال: لا إله إلّا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقال: لا إله إلّا الله وقتلته؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنّما قالها خوفا من السّلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه «7» حتّى تعلم أقالها أم لا» ، فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنّيت أنّي أسلمت يومئذ. قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتّى يقتله ذو البطين- يعني أسامة-. قال: قال رجل: ألم يقل الله: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ؟. فقال سعد: قد قاتلنا حتّى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنة» ) * «8» . 16- * (عن عقبة بن مالك اللّيثيّ- رضي الله عنه- قال «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة، فأغارت على قوم، فشذّ من القوم رجل قال: فأتبعه رجل من السّريّة شاهرا سيفه، قال: فقال الشّاذّ من القوم: إنّي مسلم، فلم ينظر فيما قال، فضربه فقتله، فنمى الحديث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال فيه قولا شديدا، فبلغ القاتل، فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب إذ قال القاتل: يا رسول الله! والله ما قال الّذي قال إلّا تعوّذا من القتل، فأعرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنه وعمّن قبله من النّاس، ثمّ   (1) أبو داود (2767) . وقال الألباني (2/ 532) : صحيح. (2) أبو داود (2766) . قال الألباني (2/ 532) : حسن. والعيبة: الموادعة والمكافّة عن الحرب. والمكفوفة: المشدودة الممنوعة، وأن تترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب، والإسلال: السرقة، والإغلال من الغلول: هي الخيانة. (3) البخاري- الفتح 6 (3161) وكتب له ببحرهم أي: بقريتهم. (4) يرح: بفتح الياء والراء وأصله يراح أي وجد ريحا، وحكى ضم أوله وكسر الراء. (5) البخاري الفتح 6 (3166) . (6) فصبحنا الحرقات: أي أتيناهم صباحا. والحرقات: موضع ببلاد جهينة. (7) أفلا شققت عن قلبه: معناه: إنما كلفت بالعمل الظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه، فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان. (8) مسلم (158) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2280 قال أيضا: يا رسول الله، ما قال الّذي قال إلّا تعوّذا من القتل، فأعرض عنه وعمّن قبله من النّاس، وأخذ في خطبته، ثمّ لم يصبر، فقال الثّالثة: والله يا رسول الله، ما قال الّذي قال إلّا تعوّذا من القتل، فأقبل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تعرف المساءة في وجهه، فقال له: «إنّ الله أبى على من قتل مؤمنا «1» ، ثلاث مرّات» ) * «2» . 17- * (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار. فقاتلني فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها، ثمّ لاذ منّى بشجرة «3» ، فقال: أسلمت لله. أفأقتله يا رسول الله! بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» قال: فقلت: يا رسول الله! إنّه قد قطع يدي. ثمّ قال ذلك بعد أن قطعها. أفأقتله؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله. فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «4» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (السلم) 18- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: استأذن أبو بكر- رضي الله عنه- على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمع صوت عائشة عاليا، فلمّا دخل تناولها ليلطمها، وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين خرج أبو بكر: «كيف رأيتني أنقذتك من الرّجل؟» . قال: فمكث أبو بكر أيّاما، ثمّ استأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد فعلنا، قد فعلنا» ) * «5» . 19- * (عن عبيد الله بن كعب وكان من أعلم الأنصار، أنّ أباه كعب بن مالك- وكان كعب ممّن شهد العقبة بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها. قال: خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين، وقد صلّينا وفقهنا ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيّدنا، فلمّا توجّهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة قال البراء لنا: يا هؤلاء إنّي قد رأيت والله رأيا وإنّي والله ما أدري توافقوني عليه أم لا؟ قال: قلنا له: وما ذاك؟ قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنيّة منّي بظهر، يعني الكعبة، وأن أصلّي إليها، قال: فقلنا: والله، ما بلغنا أنّ نبيّنا يصلّي إلّا إلى الشّام، وما نريد أن نخالفه، فقال: إنّي أصلّي إليها فقلنا له: لكنّا لا نفعل، فكنّا إذا حضرت الصّلاة صلّينا إلى الشّام وصلّى إلى الكعبة، حتّى قدمنا مكّة قال أخي، وقد كنّا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلّا الإقامة عليه: فلمّا قدمنا مكّة، قال: يا ابن أخي   (1) إن الله أبى: أي أبى دخول الجنة. (2) أحمد 5/ 289. (3) لاذمني بشجرة: أي اعتصم مني. (4) مسلم 1 (95) . (5) أبو داود (4999) وسنده صحيح علي شرط مسلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2281 انطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاسأله عمّا صنعت في سفري هذا، فإنّه والله قد وقع في نفسي منه شيء لمّا رأيت من خلافكم إيّاي فيه، قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكنّا لا نعرفه، لم نره قبل ذلك، فلقينا رجل من أهل مكّة، فسألناه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هل تعرفانه؟ قال: قلنا: لا، قال: فهل تعرفان العبّاس بن عبد المطّلب عمّه؟ قلنا: نعم قال: وكنّا نعرف العبّاس، كان لا يزال يقدم علينا تاجرا، قال: فإذا دخلتما المسجد، فهو الرّجل الجالس مع العبّاس، قال: فدخلنا المسجد، فإذا العبّاس جالس ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه جالس فسلّمنا ثمّ جلسنا إليه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للعبّاس: هل تعرف هذين الرّجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فو الله ما أنسى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الشّاعر؟» قال: نعم قال: فقال البراء بن معرور: يا نبيّ الله! إنّي خرجت في سفري هذا، وهداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر، فصلّيت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتّى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها، قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى معنا إلى الشّام. قال: وأهله يزعمون أنّه صلّى إلى الكعبة حتّى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم، قال: وخرجنا إلى الحجّ فواعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقبة من أوسط أيّام التشريق، فلمّا فرغنا من الحجّ وكانت اللّيلة الّتي وعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيّد من سادتنا، وكنّا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلّمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنّك سيّد من سادتنا، وشريف من أشرافنا، وإنّا نرغب بك عمّا أنت فيه أن تكون حطبا للنّار غدا، ثمّ دعوته إلى الإسلام، وأخبرته بميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلم، وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا. قال: فنمنا تلك اللّيلة مع قومنا في رحالنا حتّى إذا مضى ثلث اللّيل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نتسلّل مستخفين تسلّل القطا حتّى اجتمعنا في الشّعب عند العقبة، ونحن سبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائهم، نسيبة بنت كعب أمّ عمارة إحدى نساء بني مازن بن النّجّار، وأسماء بنت عمرو بن عديّ بن ثابت إحدى نساء بني سلمة، وهي أمّ منيع، قال: فاجتمعنا بالشّعب ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جاءنا، ومعه يومئذ عمّه العبّاس ابن عبد المطّلب وهو يومئذ على دين قومه إلّا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثّق له، فلمّا جلسنا كان العبّاس بن عبد المطّلب أوّل متكلّم، فقال: يا معشر الخزرج! قال وكانت العرب ممّا يسمّون هذا الحيّ من الأنصار الخزرج أوسها وخزرجها- إنّ محمّدا منّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممّن هو على مثل رأينا فيه، وهو في عزّ من قومه ومنعه في بلده قال: فقلنا: قد سمعنا ما قلت، فتكلّم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربّك ما أحببت. قال: فتكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلا ودعا إلى الله- عزّ وجلّ- ورغّب في الإسلام، قال: «أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2282 وأبناءكم» قال: فأخذ البراء بن معرور بيده، ثمّ قال: نعم والّذي بعثك بالحقّ لنمنعنّك ممّا نمنع منه أزرنا، فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنحن أهل الحروب، وأهل الحلقة «1» ورثناها كابرا عن كابر، قال: فاعترض القول والبراء يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو الهيثم بن التّيّهان حليف بني عبد الأشهل، فقال: يا رسول الله! إنّ بيننا وبين الرّجال حبالا وإنّا قاطعوها- يعني العهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «بل الدّم الدّم والهدم الهدم «2» ، أنا منكم، وأنتم منّي، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» وقد قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم» ، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا منهم تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، وأنا معبد بن كعب فحدّثني في حديثه عن أخيه عن أبيه كعب بن مالك، قال كان أوّل من ضرب على يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البراء بن معرور، ثمّ تتابع القوم، فلمّا بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صرخ الشّيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قطّ: يا أهل الجباجب- والجباجب المنازل- هل لكم في مذمّم والصّباة معه قد أجمعوا على حربكم؟ قال عليّ- يعني ابن إسحاق- ما يقول عدوّ الله محمّد؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أزبّ العقبة، هذا ابن أذيب. اسمع أي عدوّ الله، أما والله لأفرغنّ لك» ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ارفعوا إلى رحالكم» قال: فقال له العبّاس بن عبادة ابن نضلة: والّذي بعثك بالحقّ لئن شئت لنميلنّ على أهل منى غدا بأسيافنا، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم أومر بذلك» قال: فرجعنا فنمنا حتّى أصبحنا، فلمّا أصبحنا غدت علينا جلّة قريش حتّى جاؤونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنّه قد بلغنا أنّكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا، والله إنّه ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينه منكم، قال: فانبعث من هنالك من مشركي قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه وقد صدقوا، لم يعلموا ما كان منّا، قال: فبعضنا ينظر إلى بعض قال: وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميّ، وعليه نعلان جديدان، قال: فقلت كلمة كأنّي أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: ما تستطيع يا أبا جابر، وأنت سيّد من سادتنا أن تتّخذ نعلين مثل نعلي هذا الفتى من قريش، فسمعها الحارث فخلعهما ثمّ رمى بهما إليّ، فقال: والله لتنتعلنّهما، قال: يقول أبو جابر: أحفظت والله الفتى فاردد عليه نعليه قال: فقلت: والله لا أردّهما قال: والله   (1) الحلقة: السّلاح عامّة، وقيل هي الدروع خاصة. (2) في المطبوعة: الهدم الهدم، وقد تكون محرفة وصوابها الدم الدم. راجع المسند الجامع (14/ 607) . والهدم بالفتح: القبر، يعني أني أقبر حيث تقبرون وقيل: هو المنزل أي منزلكم منزلي. والهدم بالسكون وبالفتح: هو دم القتيل والمعنى: إن طلب دمكم فقد طلب دمي، وإن أهدر فقد أهدر دمي لاستحكام الألفة بيننا. نهاية (5/ 251) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2283 صلح، والله لئن صدق الفأل لأسلبنّه) * «1» . 20- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، زمن الحديبية، في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتّى إذا كانوا بذي الحليفة، قلّة الهدي، وأشعره، وأحرم بالعمرة وساق الهدي، قال: وسار النّبي صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته فقال النّاس: حل حل «2» خلأت «3» القصواء (مرّتين) «4» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطّة يعظّمون حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . ثمّ زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد «5» قليل الماء. فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعيّ، ثمّ أتاه- يعني عروة بن مسعود- فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكلّما كلّمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومعه السّيف، وعليه المغفر «6» ، فضرب يده بنعل السّيف، وقال: أخّر يدك عن لحيته. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا «7» ؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهليّة، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثمّ جاء فأسلم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا الإسلام فقد قبلنا، وأمّا المال فإنّه مال غدر، لا حاجة لنا فيه» فذكر الحديث فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب: هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» . وقصّ الخبر، فقال سهيل: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل، وإن كان على دينك، إلّا رددته إلينا. فلمّا فرغ من قضيّة الكتاب قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «قوموا فانحروا ثمّ احلقوا» .. ثمّ جاء نسوة مؤمنات مهاجرات فنهاهم الله أن يردّوهنّ، وأمرهم أن يردّوا الصّداق. ثمّ رجع إلى المدينة، فجاءه أبو بصير- رجل من قريش-، يعني فأرسلوا في طلبه، فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتّى إذا بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين والله إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدا، فاستلّه الآخر، فقال: أجل قد جرّبت به، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد «8» ، وفرّ الآخر، حتّى أتى المدينة، فدخل   (1) أحمد (3/ 460- 462) واللفظ له. وقال ابن حجر في الفتح (7/ 261) : أخرجه ابن إسحاق وصححه ابن حبان من طريقه بطوله. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 43- 45) : رواه أحمد والطبراني بنحوه. ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. (2) حل حل: اسم صوت مثل: هيد هيد، يقال للناقة لتقوم وتسرع، ومنه ما يقال للبغل: عدس. وللحمار: حاحا. وما يقال عند الإعجاب: بخ بخ. (3) خلأت: بركت. والقصو: قطع طرف الأذن. والقصواء: هو اسم ناقة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. (4) في جميع الأصول كلمة مرتين هنا، وأظن أن المناسب أن تسبق كلمة (القصواء) . (5) الثمد: الماء القليل الذي لا مادّ له، وقيل: هو الذي يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف. (6) المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة وقيل حلق يتقنع به المتسلح. (7) عروة عم المغيرة، ولم يعرفه بسبب لبسه المغفر، ولعل بعض زرده غطى وجهه. (8) حتى برد: أي مات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2284 المسجد يعدو، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأى هذا ذعرا» . فقال: قد قتل والله صاحبي، وإنّي لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: قد أوفى الله ذمّتك فقد رددتني إليهم، ثمّ نجّاني الله منهم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ويل أمّه مسعر حرب لو كان له أحد» . فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيرّده إليهم، فخرج حتّى أتى سيف البحر، وينفلت أبو جندل، فلحق بأبي بصير حتّى اجتمعت منهم عصابة) * «1» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عليّ والحسن والحسين وفاطمة، فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم» ) * «2» . () من الآثار الواردة في (السلم) 1- * (عن أيوب عن عكرمة- رضي الله عنهما- قال: توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الإثنين، فحبس بقيّة يومه والغد حتّى دفن ليلة الأربعاء. وقالوا: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يمت، ولكن عرج بروحه، كما عرج بروح موسى، فقام عمر، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يمت، ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى، والله لا يموت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلّم حتّى أزبد شدقاه ممّا يوعد ويقول، فقام العبّاس، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مات، وإنّه لبشر، وإنّه يأسن «3» كما يأسن البشر، أي قوم. فادفنوا صاحبكم فإنّه أكرم على الله من أن يميته إماتتين، أيميت أحدكم إماتة، ويميته إماتتين، وهو أكرم على الله من ذلك، أي قوم! فادفنوا صاحبكم، فإن يك كما تقولون: فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التّراب، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما مات حتّى ترك السّبيل نهجا واضحا، فأحلّ الحلال وحرّم الحرام، ونكح وطلّق، وحارب وسالم، ما كان أرعى غنم يتبع بها صاحبها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاه «4» بمخبطه، ويمدر «5» حوضها بيده بأنصب ولا أدأب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان فيكم، أي قوم! فادفنوا صاحبكم، قال: وجعلت أمّ أيمن تبكي، فقيل لها: يا أمّ أيمن، تبكين «6» على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: إنّي والله ما أبكي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن أكون أعلم أنّه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدّنيا، ولكنّي   (1) البخاري- الفتح 7 (4178- 4181) . وأبو داود (2765) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 529- 531) : صحيح. (2) أحمد (2/ 442) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (19/ 6) : إسناده صحيح. ورواه الترمذي (3870) وقال حديث غريب. وابن ماجة (145) . (3) يأسن أي يتغير. (4) العضاه: شجر الشوك. (5) والمدر: هو الطين المتماسك. (6) في سنن الدارمي (تبكي) وما أثبتناه هو الصواب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2285 أبكي على خبر السّماء انقطع، قال حمّاد: خنقت العبرة أيّوب حين بلغ ههنا) * «1» . 2- * (عن إبراهيم التّيميّ عن أبيه قال: قال أسامة بن زيد: لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلّا الله أبدا، فقال سعد بن مالك: وأنا والله لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلّا الله أبدا. فقال لهما رجل: ألم يقل الله وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (الأنفال/ 39) «فقالا: قد قاتلنا حتّى لم تكن فتنة وكان الدّين كلّه لله) *» . () من فوائد (السلم) (1) السّلم استسلام لأمر الله يثمر محبّة الله- عزّ وجلّ- ومرضاته. (2) في السّلم تنتشر الدّعوة إلى الله بأمان واطمئنان. (3) وفيه حقن الدّماء وصون الأبرياء. (4) مسالمة العدوّ أمر مشروع إذا كان فيه مصلحة للمسلمين وتقوية لشوكتهم. (5) كلّ دعوة الإسلام إلى الأمم هي سلم لأنّ في الإسلام السّلام الحقيقيّ. (6) مع أنّ الإسلام يدعو إلى السّلم فلا يعني ذلك الذّلّة والخضوع لأعداء الله؛ لأنّ المسلمين أعزّة بعزّة الله- عزّ وجلّ-.   (1) سنن الدارمي (1/ 52- 53) . (2) الدر المنثور (2/ 638) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2286 السماحة السماحة لغة: مصدر سمح يسمح سماحة وسماحا وسموحة، وتدلّ مادّة (س م ح) كما يقول ابن فارس على معنى السّلاسة والسّهولة، يقال: سمح (بفتح السين) وتسمّح وسامح، فعل شيئا فسهّل فيه وأنشد ثعلب في هذا المعنى: ولكن إذا ما جلّ خطب فسامحت ... به النّفس يوما كان للكره أذهبا ويقال أيضا سمح (بضمّ الميم) ، وأسمح: إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء، وذلك لسهولة ذلك عليه. قال الجوهريّ: السّماح والسّماحة: الجود، وسمح به أي جاد به، وسمح لي أعطاني، والوصف من ذلك: سمح وسميح ومسمح ومسماح. قال ابن منظور: ويقال: رجل سمح وامرأة سمحة من رجال ونساء سماح وسمحاء فيهما، ويقال رجل سميح ومسمح ومسماح، والجمع مساميح (للمذكّر والمؤنّث) . وفي الحديث: «يقول الله عزّ وجلّ: أسمحوا لعبدي، كإسماحه إلى عبادي» ، الإسماح: لغة في السّماح، يقال: سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن الآيات/ الأحاديث/ الآثار 18/ 24/ 14 كرم وسخاء، وقيل: إنّما يقال في السّخاء سمح، وأمّا أسمح، فإنّما يقال في المتابعة والانقياد، ويقال: أسمحت نفسه إذا انقادت، والصّحيح الأوّل، وسمح لي فلان أي أعطاني، وسمح لي بذلك يسمح سماحة. وأسمح وسامح: وافقني على المطلوب. أنشد ثعلب: لو كنت تعطي حين تسأل سامحت ... لك النّفس واحلولاك كلّ خليل والمسامحة: المساهلة، وتسامحوا: تساهلوا. وقال ابن الأعرابيّ: سمح له بحاجته، وأسمح أي سهّل له. وفي الأثر: أنّ ابن عبّاس سئل عن رجل شرب لبنا محضا، أيتوضّأ؟ قال: اسمح يسمح لك. معناه سهّل يسهّل لك وعليك. وقولهم: الحنيفيّة السّمحة ليس فيها ضيق ولا شدّة، ولقد سمح بالضّم سماحة وجاد بما لديه «1» . السماحة اصطلاحا: السّماحة في الاصطلاح تقال على وجهين: الأوّل: ما ذكره الجرجانيّ من أنّ المراد بها: بذل ما لا يجب تفضّلا، أو ما ذكره ابن الأثير من أنّ المقصود بها: الجود عن كرم وسخاء «2» .   (1) مقاييس اللغة (3/ 298) ، والمصباح (1/ 376) واللسان (2/ 489- 490) ، والمصباح (1/ 308) . (2) التعريفات للجرجاني (127) ، والنهاية لابن الأثير (2/ 398) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2287 الآخر: في معنى التّسامح مع الغير في المعاملات المختلفة ويكون ذلك بتيسير الأمور والملاينة فيها الّتي تتجلّى في التّيسير وعدم القهر، وسماحة المسلمين الّتي تبدو في تعاملاتهم المختلفة سواء مع بعضهم أو مع غيرهم من أصحاب الدّيانات الأخرى. سماحة نفس المسلم: من طبيعة النّفس السمحة أن يكون صاحبها هيّنا ليّنا يتقبّل ما يجري به القضاء والقدر بالرّضا والتّسليم، ويحاول أن يجد لكلّ ما يجري به ذلك حكمة مرضية وإن كان مخالفا لهواه ويراقب دائما قول الله تعالى: فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (النساء/ 19) ، وهو من أجل ذلك يستقبل كلّ ما يأتيه من قبل الله عزّ وجلّ بغاية الرّضا، ويلاحظ جوانب الخير في كلّ ما تجري به المقادير، وهو لذلك يترقّب المستقبل بتفاؤل وأمل كما يستقبل الواقع بانشراح لما يحبّ وإغضاء عمّا يكره وبذلك يسعد نفسه ويريح قلبه، وهذا من كمال العقل، لأنّ العاقل هو الشّخص الواقعيّ أي الّذي يسعد نفسه وقلبه بالواقع الّذي لا يملك دفعه أو رفعه، ويعامل النّاس بالتّسامح لأنّه لا يملك أن يطوّع النّاس جميعا لما يريد لأنّهم مثله ذوي طبائع متباينة وإرادات مختلفة «1» . من ظواهر سماحة النفس: لسماحة النّفس مظاهر عديدة أشار إلى أهمّها صاحب الأخلاق الإسلامية ومنها: أوّلا: طلاقة الوجه واستقبال النّاس بالبشر «2» . ثانيا: مبادرة النّاس بالتّحيّة والسّلام والمصافحة وحسن المحادثة «3» لأنّ من كان سمح النّفس بادر إلى ذلك. ثالثا: حسن المصاحبة والمعاشرة والتّغاضي عن الهفوات «4» ، لأنّ من كان سمح النّفس كان حسن المصاحبة لإخوانه ولأهله ولأولاده ولخدمه ولكلّ من يخالطه أو يرعاه «5» . وسائل اكتساب سماحة النفس: من الوسائل النّاجعة لاكتساب هذا الخلق الحميد ما يلي: 1- التّأمّل في التّرغيبات الّتي رغّب الله بها من يتحلّى بهذا الخلق، وتأمّل الفوائد الّتي يجنيها سمح النّفس في العاجل والآجل. 2- التّأمّل في المحاذير الّتي يقع فيها نكد النّفس، وما يجلبه ذلك من مضارّ ومتاعب وخسائر مادّيّة ومعنويّة. 3- الاقتناع الإيماني بسلطان القضاء والقدر،   (1) باختصار وتصرف عن الأخلاق الإسلامية لحبنكة الميداني (2/ 457- 459) . (2) انظر صفة «طلاقة الوجه» ، حيث ذكرنا الأحاديث والآثار الدالة على ذلك. (3) انظر صفة «إفشاء السلام» و «الكلم الطيب» في هذه الموسوعة. (4) انظر صفتي «حسن العشرة» و «حسن المعاملة» ، حيث بسطنا القول في هذه المظاهر. (5) بتصرف واختصار عن الأخلاق الإسلامية للميداني (2/ 463- 471) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2288 لأنّ علم الإنسان بأنّ المقادير أمور مرسومة ولا رادّ لها وأنّها تجري وفقا للحكمة الإلهيّة يجلب الطّمأنينة وثبات القلب وراحة البال «1» وعليه أن يعلم أنّ ما ينزل بالنّاس ممّا يحبّون أو يكرهون إنّما هو من عند الله وبقضائه وقدره، أمّا الحسنات فمن فضل الله عزّ وجلّ، وأمّا السّيّئات فبسبب من الإنسان، إمّا لأنّ ذنبه هو السّبب في استحقاق العقوبة، وإمّا لأنّ تربيته وتأديبه يقتضيان إذاقته بعض ما يكره من مصائب وآلام أي أنّ مصلحة الإنسان نفسه هي الّتي اقتضت أن يصيبه من الله بعض ما يكره من صروف الحياة «2» . نماذج من سماحة الإسلام والمسلمين: قال الشّيخ محمّد الصّادق عرجون تحت عنوان: «سماحة المعاملة في تصرّفات القادة والأمراء في فتوح الشّام» : والنّاظر في تصرّفات قادة الفتوحات الإسلاميّة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمرائه وولاته وتلاميذهم من التّابعين وتابعيهم يرى أنّهم كانوا أحرص على الرّفق والسّماحة في تنفيذ العهود والمصالحات ممّا جعل المعاهدين والمصالحين يتعاونون مع المسلمين في صدق وإخلاص؛ نتيجة لما رأوه من العدالة الرّحيمة في معاملة المسلمين لهم. وقال الشّيخ: تطبيق سماحة الإسلام من أعظم أسباب سرعة انتشاره. وفي هذه السّياسة الحكيمة الرّحيمة أوضح إجابة عن تساؤل المتسائلين عن أسباب السّرعة الهائلة الّتي طوى فيها الإسلام أكثر المعمور من الأرض تحت ظلّه الظّليل. ويتجلّى إبراز هذه المبادأ في أمور: أوّلا: أنّ هذه المبادأ السّمحة الرّاشدة تنقض الفكرة المتعنّتة الجاحدة الّتي يردّدها أعداء الإنسانيّة، بتصوير فتوحاته غزوا مادّيّا لنهب ثروات الأمم، واغتصاب خيراتها وحرمانها من نعم الله عليها فيما أنعم به من مصادر الثّروة الاقتصاديّة. وتصوير هذه الفتوحات بأنّها إكراه للنّاس بقوّة السّلاح على الدّخول في دين الإسلام. لأنّ النّظرة العابرة، بله النّاقدة الفاحصة، في فتوحات الإسلام، تردّ ذلك وتدفع في صدر زاعميه؛ لأنّ هذه الفتوحات، كما دوّنها التّاريخ الصّادق بأقلام جهابذته من أبناء الإسلام، أو غيرهم من طلّاب الحقائق الّذين ينشدونها في مقارّها من واقع الأحداث، مهما كلّفهم ذلك من تعب ومشقّة، أصدق شاهد على عدالة الإسلام وسماحته. فهذا أبو عبيدة بن الجرّاح أمين هذه الأمّة الإسلاميّة، وعظيم فتوح المصالحات. نقرأ في مصالحاته لأهل الشّام أنّه صالحهم على الإبقاء على معابدهم من البيع والكنائس داخل المدن وخارجها مصونة، لا يهدم منها شيء، ولا يغيّر من معالمها شيء. وصالحهم على حقن دمائهم وحفظ حياتهم. وصالحهم على الدّفاع عنهم وحمايتهم من اعتداء من يهمّ بالاعتداء عليهم. وصالحهم على أنّ من قاتلهم أو   (1) الأخلاق الإسلامية للميداني (2/ 471) باختصار. (2) المرجع السابق (2/ 472) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2289 ناوأهم وجب على المسلمين أن يقاتلوه دونهم، ويدفعوه عنهم بقوّة السّلاح. فهل هذه المبادأ الّتي تلزم المسلمين أن يحافظوا على معابد أهل الذّمّة والمعاهدين داخل المدن وخارجها، وتلزمهم بحماية دمائهم أن تسفك والدّفاع عنهم. يمكن أن يشتمّ منها رائحة غزو ماديّ لنهب ثروات أو جمع أموال؟ أو يتصوّر فيها اعتداء على حرّية الأديان؟. ثانيا: إنّ هذه المصالحات الّتي تعتمد على العدل والرّحمة. والّتي قامت على الرّفق بأهل الذّمّة كان لها أثرها الخطير الّذي استهدفه الإسلام من فتوحاته. فقد رأى أهل الذّمّة وفاء المسلمين لهم بشروطهم، وشاهدوا حسن سيرتهم فيهم، وجرّبوا معاملتهم، فوقفوا معهم مخلصين، وصاروا عونا للمسلمين على أعدائهم، فكانوا يخبرونهم بأحوال أعدائهم، ليكونوا منهم على حذر واستعداد لملاقاتهم. بهذه المعاملة السّمحة، وبهذه السّماحة في المعاملة فتحت بلاد الشّام، ولم تكن هذه السّياسة الحكيمة الرّحيمة في معاملة أهل الذّمّة هي منهج أبي عبيدة وحده، بل كانت المنهج الّذي أقام الإسلام دعائمه، وثبّت في شريعته أعلامه. وأعلى في آفاقها منائره، فهو ليس منهجا خاصّا لأمير فتح المصالحة أبي عبيدة توصّل إليه باجتهاده، وفرضه على ولاته الّذين عملوا تحت إمرته؛ وإنّما هو منهج عامّ في شريعة الإسلام؛ ينبع من مصدريها الأصيلين: القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة المطهّرة «1» . [للاستزادة: انظر صفات: تكريم الإنسان- التيسير- الجود- السخاء- الكرم- المروءة- اللين المواساة- الإحسان- الصفح- الشهامة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الانتقام- البخل- التعسير- الشح- الكنز- الإساءة- الجفاء] .   (1) الموسوعة في سماحة الإسلام (1/ 425- 442) باختصار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2290 الآيات الواردة في «السماحة» معنى 1- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «1» 2- قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) «2» 3- وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «3» 4- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «4» 5- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «5» 6- وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) «6» 7- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) «7»   (1) البقرة: 109 مدنية (2) البقرة: 139 مدنية (3) البقرة: 237 مدنية (4) البقرة: 256 مدنية (5) آل عمران: 19- 20 مدنية (6) النساء: 4- 5 مدنية (7) المائدة: 48 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2291 8- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) «1» 9- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108) «2» 10- وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) «3» 11- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) «4» 12- أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) «5» 13- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) «6» 14- * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) «7» 15- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) «8»   (1) المائدة: 69 مدنية (2) الأنعام: 106- 108 مكية (3) الأعراف: 87 مكية (4) يونس: 99- 100 مكية (5) طه: 128- 130 مكية (6) الحج: 67- 69 مدنية (7) العنكبوت: 46- 47 مكية (8) الأحزاب: 45 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2292 16- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «1» 17- قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «2» 18- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) «3»   (1) الشورى: 15 مكية (2) الجاثية: 14- 15 مكية (3) الكافرون: 1- 6 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2293 الأحاديث الواردة في (السماحة) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الأديان أحبّ إلى الله. قال: «الحنفيّة السّمحة» ) * «1» . 2- * (وعنه- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسمح يسمح لك» ) * «2» . 3- * (عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال: أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فصلّى الغداة ثمّ جلس، حتّى إذا كان من الضّحى ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ جلس مكانه حتّى صلّى الأولى والعصر والمغرب، كلّ ذلك لا يتكلّم، حتّى صلّ العشاء الآخرة، ثمّ قام إلى أهله، فقال النّاس لأبي بكر: ألا تسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما شأنه؟ صنع اليوم شيئا لم يصنعه قطّ، قال: فسأله، فقال: «نعم، عرض عليّ ما هو كائن من أمر الدّنيا وأمر الآخرة، فجمع الأوّلون والآخرون بصعيد واحد، ففظع النّاس «3» بذلك، حتّى انطلقوا إلى آدم عليه السّلام والعرق يكاد يلجمهم، فقالوا: يا آدم أنت أبو البشر، اصطفاك الله عزّ وجلّ، اشفع لنا إلى ربّك، قال: لقد لقيت مثل الّذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (آل عمران/ 33) . قال فينطلقون إلى نوح عليه السّلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربّك، فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعائك، ولم يدع على الأرض من الكافرين ديّارا، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ اتّخذه خليلا، فينطلقون إلى إبراهيم، فيقول: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى موسى عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ كلّمه تكليما، فيقول موسى عليه السّلام: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم، فإنّه يبرأ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فيقول عيسى: ليس ذاكم عندي، ولكن   (1) أحمد (1/ 236) ورد في البخاري (باب الدين يسر) رقم (29) ، الفتح (1/ 116) بدون إسناد بلفظ «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: قوله (أحب الدين) أي خصال الدين؛ لأن خصال الدين كلها محبوبة، لكن ما كان منها سمحا- أي سهلا- فهو أحب إلى الله. ويدل عليه ما أخرجه أحمد بسند صحيح من حديث أعرابي لم يسمه أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «خير دينكم أيسره» . أو الدين يسر، أي أحب الأديان إلى الله الحنيفية. والمراد بالأديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ. والحنيفية ملة إبراهيم، والحنيف في اللغة ما كان على ملة إبراهيم وسمي إبراهيم حنيفا لميله عن الباطل إلى الحق لأن أصل الحنف الميل، والسمحة السهلة، أي إنها مبنية على السهولة، لقوله تعالى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ وهذا الحديث المعلق لم يسنده المؤلف في هذا الكتاب، لأنه ليس على شرطه، نعم وصله في كتاب الأدب المفرد، وكذا وصله أحمد بن حنبل وغيره من طريق محمد بن إسحاق عن داود ابن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس وإسناده حسن لكونه تقاصر عن شرطه، وقواه بما دل على معناه لتناسب السهولة واليسر. فتح الباري (1/ 116- 117) . (2) أحمد (1/ 248) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 54) : إسناده صحيح. والسيوطي في الجامع الصغير (1037) ونسبه للطبراني والبيهقي في الشعب. (3) فظع من الفظاعة وهو الأمر الشديد الشنيع ومعنى فظع الناس أي اشتد عليهم الأمر وهالهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2294 انطلقوا إلى سيّد ولد آدم، فإنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشفع لكم إلى ربّكم عزّ وجلّ، قال: فينطلق، فيأتي جبريل عليه السّلام ربّه، فيقول الله- عزّ وجلّ-: ائذن له وبشّره بالجنّة، قال فينطلق به جبريل فيخرّ ساجدا قدر جمعة، ويقول الله- عزّ وجلّ-: ارفع رأسك يا محمّد، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال: فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربّه عزّ وجلّ خرّ ساجدا قدر جمعة أخرى، فيقول الله- عزّ وجلّ-: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال: فيذهب ليقع ساجدا، فيأخذ جبريل عليه السّلام بضبعيه» ، فيفتح الله- عزّ وجلّ- عليه من الدّعاء شيئا لم يفتحه على بشر قطّ، فيقول: أي ربّ، خلقتني سيّد ولد آدم ولا فخر، وأوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، حتّى إنّه ليرد عليّ الحوض أكثر ممّا بين صنعاء وأيلة، ثمّ يقال: ادعوا الصّدّيقين فيشفعون، ثمّ يقال: ادعو الأنبياء، قال: فيجيء النّبيّ ومعه العصابة، والنّبيّ ومعه الخمسة والسّتّة، والنّبيّ وليس معه أحد، ثمّ يقال: ادعوا الشّهداء، فيشفعون لمن أرادوا، وقال: فإذا فعلت الشّهداء ذلك، قال: يقول الله عزّ وجلّ-: أنا أرحم الرّاحمين، أدخلوا جنّتي من كان لا يشرك بي شيئا، قال: فيدخلون الجنّة، قال: ثمّ يقول الله- عزّ وجلّ انظروا في النّار هل تلقون من أحد عمل خيرا قطّ؟ قال: «فيجدون في النّار رجلا. فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي كنت أسامح النّاس في البيع والشّراء، فيقول الله- عزّ وجلّ-: أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي، ثمّ يخرجون من النّار رجلا فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي قد أمرت ولدي إذا متّ فأحرقوني بالنّار ثمّ اطحنوني حتّى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الرّيح، فو الله لا يقدر عليّ ربّ العالمين أبدا! فقال الله- عزّ وجلّ-: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك، قال فيقول الله- عزّ وجلّ-: انظر إلى ملك أعظم ملك، فإنّ لك مثله وعشرة أمثاله، قال: فيقول: لم تسخر بي وأنت الملك؟ قال: وذاك الّذي ضحكت منه من الضّحى» ) * «2» . 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أفضل المؤمنين رجل سمح البيع، سمح الشّراء، سمح القضاء، سمح الاقتضاء» ) * «3» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دخل رجل الجنّة بسماحته قاضيا ومتقاضيا» ) * «4» . 6- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رحم الله رجلا سمحا   (1) أخذ بضبعيه: أي أخذ بعضديه. (2) أحمد: (1/ 4- 5) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 161) . (3) الهيثمي في المجمع (4/ 75) ، وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. (4) أحمد (2/ 210) واللفظ له. وقال الهيثمي في المجمع (4/ 74) رواه أحمد ورجاله ثقات. ولفظه قاضيا ومقتضيا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2295 إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» ) * «1» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: نزول الأبطح ليس بسنّة. إنّما نزله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنّه كان أسمح لخروجه إذا خرج) * «2» . 8- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام» . قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» قال: قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» . قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟ قال: «خلق حسن» . قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك- عزّ وجلّ-. قال: قلت: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه» . قال: قلت: أيّ السّاعات أفضل؟ قال: «جوف اللّيل الآخر. ثمّ الصّلاة المكتوبة مشهودة حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلّا الركعتين حتّى تصلّي الفجر، فإذا صلّيت صلاة الصّبح فأمسك عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس، فإذا طلعت الشّمس فإنّها تطلع في قرني شيطان، وإنّ الكفّار يصلّون لها» ) * «3» . () الأحاديث الواردة في (السماحة) معنى 9- عن عبد الله بن أبي قتادة؛ أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه. ثمّ وجده. فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» ) * «4» . 10- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: أتى الله بعبد من عباده، آتاه الله مالا. فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قال: يا ربّ! آتيتني مالك. فكنت أبايع النّاس. وكان من خلقي الجواز «5» . فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال الله: أنا أحقّ بذا منك. تجاوزوا عن عبدي» . فقال عقبة بن عامر الجهني، وأبو مسعود الأنصاريّ: هكذا سمعناه من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» . 11- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار، أو بمن تحرم عليه النّار: على كلّ قريب هيّن سهل» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 4 (2076) . (2) البخاري- الفتح 3 (1765) ، ومسلم (1311) واللفظ له. وأسمح لخروجه: أي أسهل لخروجه راجعا إلى المدينة. (3) أحمد (4/ 385) ، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 54) : رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب، وقد وثق على ضعف فيه، وأصله عند مسلم. (4) مسلم (1563) . (5) الجواز: أي التسامح والتساهل في البيع والاقتضاء (أي الطلب) . (6) البخاري- الفتح 4 (2077) ، ومسلم (1560) واللفظ له. (7) الترمذي (2488) وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) : حديث حسن. ورواه الطبراني وأبو يعلى عن جابر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2296 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «1» . 13- * (عن عطاء بن فرّوخ مولى القرشيّين: أنّ عثمان- رضي الله عنه- اشترى من رجل أرضا فأبطأ عليه، فلقيه فقال له: ما منعك من قبض مالك؟ قال: إنّك غبنتني، فما ألقى من النّاس أحدا إلّا وهو يلومني، قال: أو ذلك يمنعك؟ قال: نعم، قال: فاختر بين أرضك ومالك، ثمّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أدخل الله- عزّ وجلّ- الجنّة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا، وقاضيا ومقتضيا» ) * «2» . 14- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حوسب رجل ممّن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلّا أنّه كان يخالط النّاس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال: قال الله- عزّ وجلّ-: نحن أحقّ بذلك منه، تجاوزوا عنه» ) * «3» . 15- * (عن الأعمش قال: سألت أبا وائل: شهدت صفّين؟ قال: نعم، فسمعت سهل بن حنيف يقول: اتّهموا رأيكم، رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أردّ أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لرددته، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلّا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا) * «4» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله! لا أفعل. فخرج عليهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أين المتألّي على الله، لا يفعل المعروف؟» فقال: أنا يا رسول الله! فله أيّ ذلك أحبّ) * «5» . 17- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلا إذا باع سهلا إذا اشترى سهلا إذا اقتضى» ) * «6» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رجل يداين النّاس فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه. لعلّ الله يتجاوز عنّا. فلقي الله فتجاوز عنه» ) * «7» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أقال مسلما، أقال الله   (1) البخاري- الفتح 1 (39) والغدوة: السير أول النهار والروحة: السير بعد الزوال، والدّلجة: السير آخر الليل. (2) أحمد (1/ 58) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 335) : إسناده صحيح، ورواه النسائي (7/ 318، 319) وصحيح النسائي (4379) وقال الألباني حسن. وابن ماجة (2202) . (3) مسلم (1561) . (4) البخاري- الفتح 6 (3181) . (5) البخاري- الفتح 5 (2705) واللفظ له، ومسلم (1557) . (6) الترمذي (1320) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه وابن ماجة (1203) وأخرجه البخاري في البيوع حديث رقم 4 (2076) . (7) البخاري- الفتح 4 (2078) ، ومسلم (1562) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2297 عثرته» ) * «1» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنظر معسرا أو وضع له، أظلّه الله يوم القيامة تحت ظلّ عرشه، يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» . قال التّرمذيّ: وفي الباب عن أبي اليسر وأبي قتادة وحذيفة وابن مسعود وعبادة وجابر) * «2» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (السماحة) 21- * (عن أبي رافع، مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: استسلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكرا. فجاءته إبل من الصّدقة. قال أبو رافع: فأمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أقضي الرّجل بكره. فقلت: لا أجد في الإبل إلّا جملا خيارا رباعيّا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطه إيّاه. فإنّ خيار النّاس أحسنهم قضاء» ) * «3» . 22- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ عائشة- رضي الله عنها- في حجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أهلّت بعمرة. وساق الحديث بمعنى حديث اللّيث وزاد في الحديث: قال: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا سهلا «4» . إذا هويت الشّيء تابعها عليه. فأرسلها مع عبد الرّحمن بن أبي بكر فأهلّت بعمرة، من التّنعيم) * «5» . 23- * (عن البراء- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكّة يستأذنهم ليدخل مكّة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلّا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلّا بجلبّان السّلاح «6» ، ولا يدعو منهم أحدا. قال: فأخذ يكتب الشّرط بينهم عليّ بن أبي طالب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله. فقالوا: لو علمنا أنّك رسول الله لم نمنعك ولتابعناك، ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله. فقال: أنا والله محمّد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله. قال: وكان لا يكتب، قال: فقال لعليّ: امح رسول الله. فقال عليّ: والله لا أمحاه أبدا. قال: فأرنيه، قال: فأراه إيّاه، فمحاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيده. فلمّا دخل ومضت الأيام أتوا عليّا فقالوا: مر صاحبك فليرتحل. فذكر ذلك عليّ- رضي الله عنه- لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «نعم» فارتحل) * «7» .   (1) أخرجه أبو داود (3460) واللفظ له، وابن ماجة (2199) . وقال محقق جامع الأصول (1/ 440) : إسناده صحيح. وصححه ابن حبان (5042) ، (5046) . والحاكم (2/ 45) وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) الترمذي (1306) وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وكذلك رواه أحمد ومسلم عن أبي اليسر والسيوطي في الجامع، وصححه الشيخ الألباني (5982) والمنذري في الترغيب (2/ 37) . (3) الترمذي (1318) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (4) سهلا: أي سهل الخلق كريم الشمائل، لطيفا. (5) مسلم (1213) . (6) جلبّان السّلاح هو ألطف من الجراب يكون من الأدم، يوضع فيه السيف مغمدا، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ويعلقه في الرحل. (7) البخاري- الفتح 6 (3184) ، واللفظ له ومسلم (1783) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2298 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان لرجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال: «أعطوه» ، فطلبوا سنّه، فلم يجدوا إلّا سنّا فوقها، فقال: «أعطوه» ، فقال: أوفيتني أوفى الله بك، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خياركم أحسنكم قضاء» ) * «1» . وفي رواية: أنّ رجلا تقاضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأغلظ له فهمّ به أصحابه، فقال: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا، واشتروا له بعيرا فأعطوه إيّاه» «2» . () من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (السماحة) 1- * (قال الإمام عليّ- رضي الله عنه-: «أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم فما يعثر منهم عاثر إلّا ويده بيد الله يرفعه» ) * «3» . 2- * (جاء في الأثر أنّ ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «سئل عن رجل شرب لبنا محضا أيتوضّأ؟ قال: اسمح يسمح لك» ) * قال الأصمعيّ معناه: سهّل يسهّل لك وعليك «4» . 3- * (عن محمّد بن المنكدر قال: «كان يقال: إذا أراد الله بقوم خيرا أمّر عليهم خيارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي سمحائهم» ) * «5» . 4- * (عن عبيس، أبي عبيدة، قال: كان الحسن إذا اشترى شيئا وكان في ثمنه كسر جبره لصاحبه. قال: ومرّ الحسن بقوم يقولون: نقص دانق وزيادة دانق. فقال: «ما هذا، لا دين إلّا بمروءة» ) * «6» . 5- * (قال فرقد السّبخيّ: «لم يكن أصحاب نبيّ قطّ فيما خلا من الدّنيا أفضل من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أشجع لقاء ولا أسمح أكفّا» ) * «7» . 6- * (ذكر الأبشيهيّ في مستطرفه: «أنّ رجلا سبّ رجلا وقال له: إيّاك أعني، فقال الآخر وعنك أعرض» ) *» . 7- * (وقيل: «من عادة الكريم إذا قدر غفر وإذا رأى زلّة ستر» ) * «9» . 8- * (قال ابن مقبل: وإنّي لأستحيي وفي الحقّ مسمح ... إذا جاء باغي العرف، أن أتعذّرا) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 5 (2393) . (2) البخاري- الفتح 5 (2390) ، واللفظ له ومسلم (1601) . (3) المستطرف (1/ 272) . (4) لسان العرب (2/ 489) . (5) المنتقى من مكارم الأخلاق (125) . (6) المرجع السابق (133) . (7) المرجع السابق (132) . (8) المستطرف (1/ 272) . (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (10) لسان العرب (2/ 490) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2299 9- * (أنشد عمران بن موسى المؤدّب: لا ينكتون الأرض عند سؤالهم ... لتطلّب الحاجات بالعيدان بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند اللّقاء كأحسن الألوان) * «1» . 10- * (قال جرير بن عطيّة: غلب المساميح الوليد سماحة ... وكفى قريش المعضلات وسادها) * «2» . 11- * (وقال آخر: في فتية بسط الأكفّ مسامح ... عند الفضال نديمهم لم يدثر) * «3» . 12- * (وأنشد ثعلب: ولكن إذا ما جلّ خطب فسامحت ... به النّفس يوما كان للكره أذهبا) * «4» . 13- * (جاء في مأثور الحكمة: السّماح رباح، أي المساهلة في الأشياء تربح صاحبها) * «5» . 14- * (وقال الشّافعيّ- رحمه الله-: وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ... ودافع ولكن بالّتي هي أحسن) * «6» . () من فوائد (السماحة) 1- يحبّها الله ورسوله والملائكة المقرّبون. 2- يضفيها الله على وجوه المؤمنين لتكون لهم علامة مميّزة في الدّنيا والآخرة. 3- السّمح محبوب لدى أهله ومجتمعه. 4- السّماحة في البيع والشّراء باب عظيم من أبواب كسب الرّزق وتكثيره. 5- السّماحة تجلب التّيسير في الأمور كلّها. 6- بالسّماحة يغنم الإنسان أكبر قدر من السّعادة وهناءة العيش. 7- يجلب سمح النّفس الخير الدّنيويّ حيث يميل النّاس إلى التّعامل معه فيكثر عليه الخير بكثرة محبّيه والمتعاملين معه «7» . 8- السّماحة في التّعامل مع أصحاب الدّيانات الأخرى تجلب لهم الطّمأنينة والأمن فيؤدّي ذلك إلى حبّهم للمتسامحين معهم ومعاونتهم ثمّ الدّخول في هذا الدّين الّذي يقرّ مبدأ التّسامح مع الآخرين وقد حدث ذلك عقب الفتوح الإسلاميّة «8» .   (1) المنتقى من مكارم الأخلاق (145) . (2) لسان العرب (2/ 489) . وقيل هذا البيت لعدي بن الرقاع العاملي، شاعر الوليد بن عبد الملك، والبيت من قصيدته التي مطلعها: عرف الديار توهما فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها (3) المصدر السابق نفسه (2/ 489) . (4) لسان العرب (2/ 489) . (5) لسان العرب (2/ 489) . (6) ديوانه (119) . (7) اقتبسنا هاتين الفائدتين من «الأخلاق الإسلامية» 2/ 460. (8) انظر أثر سماحة الإسلام في نفوس أهل البلاد المفتوحة ص 2288. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2300 السماع* السماع لغة: مصدر قولهم: سمع يسمع سمعا وسماعا، وهو مأخوذ من مادّة (س م ع) الّتي تدلّ على إدراك الشّيء بالأذن، يقال: سمعت الشّيء سمعا أدركته بأذني، ويعبّر بالسّمع تارة عن الأذن كما في قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ (البقرة/ 7) ، وتارة عن الفعل (أي إدراك الشّيء بالأذن) كما في قوله تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (الشعراء/ 212) وتارة عن الفهم كما في قولهم (لم تسمع ما قلت) أي لم تفهم، وذلك كما في قوله تعالى: سَمِعْنا وَأَطَعْنا (النور/ 51) أي فهمنا وارتسمنا، أمّا قوله سبحانه: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (الأنفال/ 21) يجوز أن يكون معناه فهمنا وهم لا يفهمون، وأن يكون معناه فهمنا وهم لا يعملون بموجبه، ومن ثمّ يكونون في حكم من لم يسمع. والاستماع: الإصغاء، ومنه قوله تعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ (ق/ 41) ، ويقال: تسمّعت إليه، فإذا أدغمت قلت: اسّمعت إليه، وقرأ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى (الصافات/ 8) يقال: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 91/ 9/ 6 تسمّعت إليه، وسمعت إليه، وسمعت له كلّه بمعنى، وقول الله تعالى: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ (النساء/ 46) أي لا سمعت، وقوله تعالى: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ (الكهف/ 26) أي ما أبصره وأسمعه على التّعجّب، ويقال سمّع به، أي شهّر به، وفي الحديث «من فعل كذا سمّع الله به سامع خلقه» والتّسميع: التّشنيع، ويقال أيضا (في ضدّ ذلك) سمّع به إذا رفعه من الخمول ونشر ذكره، والسّميع: السّامع، والسّميع: المسمّع، وهو من أسماء الله- عزّ وجلّ- والسّمع آلة السّمع كما في الحديث الشّريف «ملأ الله مسامعه» أو المسامع هنا جمع سمع على غير قياس «1» . السماع اصطلاحا: قال المناويّ: السّماع فهم (السّامع) ما كوشف به من البيان «2» . وقال ابن القيّم: وحقيقة السّماع تنبيه القلب على معاني المسموع وتحريكه عنها طلبا أو هربا، وحبّا أو بغضا «3» . من أسماء الله تعالى «السميع» : قال الغزاليّ- رحمه الله-: السّميع هو الّذي لا   * المقصود سماع التدبر والتفكر لا مجرد السماع. (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 102) ، ومفردات الراغب (242) ، ولسان العرب (8/ 162) ، والصحاح (3/ 123) بتصرف واختصار. (2) التوقيف على مهمات التعاريف ص 197. (3) مدارج السالكين (1/ 517) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2301 يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فهو يسمع السّرّ والنّجوى، بل ما هو أدقّ من ذلك وأخفى. ويدرك دبيب النّملة السّوداء على الصّخرة الصّمّاء في اللّيلة الظّلماء، يسمع حمد الحامدين فيجازيهم، ودعاء الدّاعين فيستجيب لهم، ويسمع بغير أصمخة وآذان، كما يفعل بغير جارحة ويتكلّم بغير لسان، وسمعه منزّه عن أن يتطرّق إليه الحدثان ... والسّمع في حقّه تعالى عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات «1» . وقال ابن منظور: والسّميع من صفاته- عزّ وجلّ- وأسمائه، لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فهو يسمع بغير جارحة، وفعيل: من أبنية المبالغة وفي التّنزيل: وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (النساء/ 143) ، وهو الّذي وسع سمعه كلّ شيء كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (المجادلة/ 1) ، وقال في موضع آخر: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى. (الزخرف/ 80) ، قال الأزهريّ والعجب من قوم فسّروا السّميع بمعنى المسمع فرارا من وصف الله بأنّ له سمعا، وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه فهو سميع ذو سمع بلا تكييف ولا تشبيه بالسّمع من خلقه، ولا سمعه كسمع خلقه، ونحن نصف الله بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف قال: ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السّميع سامعا، ويكون مسمعا، والظّاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السّميع بمعنى السّامع، مثل عليم وعالم، وقدير وقادر، ومناد سميع: مسمع كخبير ومخبر، وأذن سمعة وسمعة وسمعة وسميعة وسامعة وسمّاعة ومسموعة «2» . سمع الإنسان: قال الغزاليّ- رحمه الله-: للعبد من حيث الحسّ حظّ في السّمع، لكنّه قاصر، لأنّه لا يدرك جميع المسموعات، بل ما قرب من الأصوات، ثمّ إنّ إدراكه بجارحة وأداة معرّضة للآفات، فإن خفي الصّوت قصّر (سمع البشر) عن الإدراك، وإن بعد لم يدرك، وإن عظم الصّوت ربّما بطل السّمع واضمحلّ، وإنّما حظّه الدّينيّ أمران: أحدهما: أن يعلم أنّ الله- عزّ وجلّ- سميع، فيحفظ لسانه. الثّاني: أن يعلم أنّه لم يخلق له السّمع إلّا ليسمع كلام الله وحديث رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيستفيد به الهداية إلى طريق الله- عزّ وجلّ- «3» السمع والسماع فى القرآن الكريم: السّمع قوّة في الأذن بها تدرك الأصوات، ويعبّر تارة بالسّمع عن الأذن نحو: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ (البقرة/ 7» ) وتارة عن فعله كالسّماع نحو: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ وتارة عن الفهم، وتارة عن الطّاعة، تقول: اسمع ما أقول لك   (1) المقصد الأسنى (90) . (2) لسان العرب «س م ع» (8/ 164) . والنهاية لابن الأثير (2/ 401) . (3) المقصد الأسنى (91) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2302 ولم تسمع ما قلت: أي لم تفهم. وقوله: سَمِعْنا وَعَصَيْنا* (البقرة/ 93، والنساء/ 46) أي فهمنا ولم نأتمر لك. وقوله: سَمِعْنا وَأَطَعْنا* (البقرة/ 285، والنساء/ 46) أي فهمنا وارتسمنا، وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (الأنفال/ 21) يجوز أن يكون معناه: فهمنا وهم لا يعملون بموجبه، وإذا لم يعمل بموجبه، فهو في حكم من لم يسمع، قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ (الأنفال/ 23) أي أفهمهم بأن جعل لهم قوّة يفهمون بها. وقوله وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ (النساء/ 46) ، فغير مسمع يقال على وجهين: أحدهما: دعاء على الإنسان بالصّمم، والثّاني: أن يقال: أسمعت فلانا إذا سببته، وذلك متعارف في السّبّ، وروي أنّ أهل الكتاب كانوا يقولون ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوهمون أنّهم يعظّمونه ويدعون له، وهم يدعون عليه بذلك وكلّ موضع أثبت فيه السّمع للمؤمنين أو نفي عن الكافرين أو حثّ على تحرّيه، فالقصد به إلى تصوّر المعنى والتّفكّر فيه. وأمّا قوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى (النمل/ 80) أي إنّك لا تفهمهم لكونهم كالموتى في افتقادهم- لسوء فعلهم- القوّة العاقلة الّتي هي الحياة المختصّة بالإنسانيّة، وقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ (الكهف/ 26) أي يقوله فيه تعالى: من وقف على عجائب حكمته، ولا يقال فيه: ما أبصره وما أسمعه لما تقدّم ذكره، وأنّ الله تعالى لا يوصف إلّا بما ورد به السّمع، وقوله في صفة الكفّار أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا (مريم/ 38) معناه: أنّهم يسمعون ويبصرون في ذلك اليوم ما خفي عنهم وضلّوا عنه اليوم، لظلمهم أنفسهم وتركهم النظر، وقوله: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ (المائدة/ 41) أى يسمعون منك لأجل أن يكذبوا، سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ (المائدة/ 41) أي يسمعون لمكانهم، والاستماع: الإصغاء، وقوله: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ (يونس/ 31) أي من الموجد لأسماعهم وأبصارهم والمتولّي بحفظها، والمسمع والمسمع: خرق الأذن، وفي دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلّطه المسائل، ويا من لا يبرمه إلحاح الملحّين ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك، وروح قربك. وقد ورد السّمع في التّنزيل على وجوه: الأوّل: بمعنى الإفهام: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى (النمل/ 80) أي لا تفهمهم. الثّاني: بمعنى إجابة الدّعاء إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (آل عمران/ 38) . الثّالث: بمعنى فهم القلب: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 37) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (الشعراء/ 212) أي سمع الفؤاد سَمِعْنا وَأَطَعْنا (النساء/ 46) أي سمعنا بقلوبنا وأطعنا بجوارحنا. الرّابع: بمعنى سماع جارحة الأذن: سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (الفرقان/ 12) نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ (الجن/ 9) سَمِعْنا وَعَصَيْنا (النساء 46) أي سمعنا بالآذان، وعصينا بالجنان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2303 الخامس: بمعنى سمع الحقّ تعالى المنزّه عن الجارحة والآلة المقدّس عن الصّماخ «1» والمحارة وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (النساء/ 134) وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ 224) إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (سبأ/ 50) «2» . وقد اقتصر ابن الجوزيّ على وجهين اثنين هما: الأوّل: إدراك السّمع للمسموعات، ومنه قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ (آل عمران/ 193) ، وقوله- عزّ من قائل-: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ (الأحقاف/ 29) . الثّاني: سماع القلب، وهو قبوله للمسموع، ومنه قوله تعالى: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ (هود/ 20) ، وقوله- عزّ وجلّ-: وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (الكهف/ 101) «3» . منزلة السماع: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- أمر الله بالسّماع في كتابه. وأثنى على أهله. وأخبر أنّ البشرى لهم، فقال تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا (المائدة/ 108) . وقال وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا (التغابن/ 16) . وقال وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ (النساء/ 46) . وقال: فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (الزمر/ 17- 18) . وقال وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (الأعراف/ 204) . وقال وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ (المائدة/ 83) . وجعل السّماع منه والسّماع منهم دليلا على علم الخير فيهم، وعدم ذلك دليلا على عدم الخير فيهم. فقال: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنفال/ 23) . وأخبر عن أعدائه: أنّهم هجروا السّماع ونهوا عنه. فقال وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ (فصلت/ 26) . فالسّماع رسول الإيمان إلى القلب وداعيه ومعلّمه. وكم في القرآن من قوله أَفَلا يَسْمَعُونَ؟ وقال أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها؟ (الحج/ 46) الآية. فالسّماع أصل العقل، وأساس الإيمان الّذي انبنى عليه. وهو رائده وجليسه ووزيره. ولكنّ الشّأن كلّ الشّأن في المسموع. وفيه وقع خبط النّاس واختلافهم. وغلط منهم من غلط. أنواع السامعين: وأصحاب السّماع، منهم: من يسمع بطبعه ونفسه وهواه. فهذا حظّه من مسموعه: ما وافق طبعه. ومنهم: من يسمع بحاله وإيمانه ومعرفته   (1) الصّماخ: الخرق الذي يفضي إلى الرأس، والمحارة للأذن جوفها. (2) بصائر ذوي التمييز: (3/ 257) وما بعدها. (3) نزهة الأعين النواظر (346) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2304 وعقله. فهذا يفتح له من المسموع بحسب استعداده وقوّته ومادّته. ومنهم: من يسمع بالله، لا يسمع بغيره. كما في الحديث الإلهيّ الصّحيح «فبي يسمع، وبي يبصر» وهذا أعلى سماعا، وأصحّ من كلّ أحد. والكلام في «السّماع» - مدحا وذمّا- يحتاج فيه إلى معرفة صورة المسموع، وحقيقته وسببه، والباعث عليه، وثمرته وغايته. فبهذه الفصول الثّلاثة يتحرّر أمر «السّماع» ويتميّز النّافع منه والضّارّ، والحقّ والباطل، والممدوح والمذموم. أنواع المسموع: فأمّا «المسموع» فعلى ثلاثة أضرب: أحدها: مسموع يحبّه الله ويرضاه. وأمر به عباده. وأثنى على أهله. ورضي عنهم به. الثّاني: مسموع يبغضه ويكرهه. ونهى عنه. ومدح المعرضين عنه. الثّالث: مسموع مباح مأذون فيه. لا يحبّه ولا يبغضه. ولا مدح صاحبه ولا ذمّه. فحكمه حكم سائر المباحات: من المناظر، والمشامّ، والمطعومات، والملبوسات المباحة. فمن حرّم هذا النّوع الثّالث فقد قال على الله ما لا يعلم. وحرّم ما أحلّ الله. ومن جعله دينا وقربة يتقرّب به إلى الله، فقد كذب على الله، وشرع دينا لم يأذن به الله. وضاهأ بذلك المشركين. السّماع المرضيّ: إنّ السّماع المرضيّ أي ذلك الّذي مدحه الله في كتابه. وأمر به وأثنى على أصحابه، وذمّ المعرضين عنه ولعنهم. وجعلهم أضلّ من الأنعام سبيلا. وهم القائلون في النّار وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (الملك/ 10) . وهو سماع آياته المتلوّة الّتي أنزلها على رسوله. فهذا السّماع أساس الإيمان الّذي يقوم عليه بناؤه. وهو على ثلاثة أنواع: سماع إدراك بحاسّة الأذن. وسماع فهم وعقل. وسماع فهم وإجابة وقبول. والثّلاثة في القرآن. فأمّا سماع الإدراك: ففي قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجنّ إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ (الجن/ 1- 2) . وقوله يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى (الأحقاف/ 30) الآية. فهذا سماع إدراك اتّصل به الإيمان والإجابة. وأمّا سماع الفهم: فهو المنفيّ عن أهل الإعراض والغفلة. بقوله تعالى فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ (الروم/ 52) ، وقوله إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (فاطر/ 22) . فالتّخصيص هاهنا لإسماع الفهم والعقل. وإلّا فالسّمع العامّ الّذي قامت به الحجّة: لا تخصيص فيه. ومنه قوله تعالى وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنفال/ 23) . أي لو علم الله في هؤلاء الكفّار قبولا وانقيادا لأفهمهم، وإلّا فهم قد سمعوا سمع الإدراك وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ أي ولو أفهمهم لما انقادوا ولا انتفعوا بما فهموا؛ لأنّ في قلوبهم من داعي التّولّي والإعراض ما يمنعهم عن الانتفاع بما سمعوه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2305 وأمّا سماع القبول والإجابة: ففي قوله تعالى حكاية عن عباده المؤمنين أنّهم قالوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا (النور/ 51) . فإنّ هذا سمع قبول وإجابة مثمر للطّاعة. والتّحقيق: أنّه متضمّن للأنواع الثّلاثة. وأنّهم أخبروا بأنّهم أدركوا المسموع وفهموه. واستجابوا له. ومن سمع القبول: قوله تعالى وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (التوبة/ 47) أي قابلون منهم مستجيبون لهم. هذا أصحّ القولين في الآية. والمقصود: أنّ سماع خاصّة الخاصّة المقرّبين: هو سماع القرآن بالاعتبارات الثّلاثة: إدراكا وفهما، وتدبّرا، وإجابة. وكلّ سماع في القرآن مدح الله أصحابه، وأثنى عليهم، وأمر به أولياءه: فهو هذا السّماع. وهو سماع الآيات، لا سماع الأبيات. وسماع القرآن، لا سماع مزامير الشّيطان، وسماع كلام ربّ الأرض والسّماء لا سماع قصائد الشّعراء، وسماع المراشد، لا سماع القصائد، وسماع الأنبياء والمرسلين، لا سماع المغنّين والمطربين. فهذا السّماع حاد يحدو القلوب، إلى جوار علّام الغيوب، وسائق يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح. ومحرّك يثير ساكن العزمات، إلى أعلى المقامات وأرفع الدّرجات. ومناد ينادي للإيمان. ودليل يسير بالرّكب في طريق الجنان. وداع يدعو القلوب بالمساء والصّباح. من قبيل فالق الإصباح «حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح» . فلم يعدم من اختار هذا السّماع إرشادا لحجّة، وتبصرة لعبرة، وتذكرة لمعرفة، وفكرة في آية، ودلالة على رشد، وردّا على ضلالة، وإرشادا من غيّ، وبصيرة من عمى، وأمرا بمصلحة، ونهيا عن مضرّة ومفسدة، وهداية إلى نور، وإخراجا من ظلمة، وزجرا عن هوى. وحثّا على تقى. وجلاء لبصيرة، وحياة لقلب، وغذاء ودواء وشفاء. وعصمة ونجاة، وكشف شبهة، وإيضاح برهان، وتحقيق حقّ، وإبطال باطل. ونحن نرضى بحكم أهل الذّوق في سماع الأبيات والقصائد. ونناشدهم بالّذي أنزل القرآن هدى وشفاء ونورا وحياة: هل وجدوا ذلك- أو شيئا منه- في الدّفّ والمزمار؟ ونغمة الشّادن ومطربات الألحان؟ والغناء المشتمل على تهييج الحبّ المطلق الّذي يشترك فيه محبّ الرّحمن، ومحبّ الأوطان، ومحبّ الإخوان، ومحبّ العلم والعرفان، ومحبّ الأموال والأثمان، ومحبّ النّسوان والمردان، ومحبّ الصّلبان. فهو يثير من قلب كلّ مشتاق ومحبّ لشيء ساكنه. ويزعج قاطنه. فيثور وجده، ويبدو شوقه. فيتحرّك على حسب ما في قلبه من الحبّ والشّوق والوجد بذلك المحبوب كائنا ما كان. ولهذا تجد لهؤلاء كلّهم ذوقا في السّماع، وحالا ووجدا وبكاء. ويا لله العجب! أيّ إيمان ونور وبصيرة وهدى ومعرفة تحصل باستماع أبيات بألحان وتوقيعات. لعلّ أكثرها قيلت فيما هو محرّم يبغضه الله ورسوله، ويعاقب عليه: من غزل وتشبيب بمن لا يحلّ له من ذكر أو أنثى؟ فإنّ غالب التّغزّل والتّشبيب إنّما هو في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2306 الصّور المحرّمة. ومن أندر النّادر تغزّل الشّاعر وتشبيبه في امرأته، وأمته وأمّ ولده، مع أنّ هذا واقع لكنّه كالشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود. فكيف يقع لمن له أدنى بصيرة وحياة قلب أن يتقرّب إلى الله، ويزداد إيمانا وقربا منه وكرامة عليه، بالتذاذه بما هو بغيض إليه، مقيت عنده، يمقت قائله والرّاضي به؟ وتترقّى به الحال حتّى زعم أنّ ذلك أنفع لقلبه من سماع القرآن والعلم النّافع. وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم؟!. يا لله! إنّ هذا القلب مخسوف به، ممكور به منكوس. لم يصلح لحقائق القرآن وأذواق معانيه، ومطالعة أسراره. فبلاه بقرآن الشّيطان، كما في معجم الطّبرانيّ وغيره- مرفوعا وموقوفا- «إنّ الشّيطان قال: يا ربّ، اجعل لي كتابا. قال: كتابك الوشم. قال: اجعل لي مؤذّنا. قال: مؤذّنك المزمار. قال: اجعل لي بيتا. قال: بيتك الحمّام. قال: اجعل لي مصائد. قال: مصائدك النّساء. قال اجعل لي طعاما. قال: طعامك ما لم يذكر عليه اسمي» . السماع المنهي عنه: وهو ما يبغضه الله ويكرهه، ويمدح المعرض عنه فهو سماع كلّ ما يضرّ العبد في قلبه ودينه كسماع الباطل كلّه، إلّا إذا تضمّن ردّه وإبطاله والاعتبار به وقصد أن يعلم به حسن ضدّه، وكسماع اللّغو الّذي مدح التّاركين لسماعه والمعرضين عنه بقوله سبحانه: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ (القصص/ 55) ، وقوله عزّ وجلّ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (الفرقان/ 72) ، قال محمّد بن الحنفيّة: هو الغناء (ومعنى مرّوا كراما) كما قال الحسن أو غيره: أكرموا نفوسهم عن سماعه، وقال ابن مسعود- رضي الله عنه-: الغناء ينبت النّفاق في القلب كما ينبت الماء البقل «1» . السماع المباح: لم يتحدّث ابن القيّم عن أمثلة هذا النّوع وقد فصّل الإمام الغزاليّ أنواعه، وذكر منها: غناء الحجيج لأشعار تصف الكعبة والمقام وزمزم وسائر المشاعر لما في ذلك من تهييج الشّوق إلى حجّ بيت الله تعالى، ومنها ما يعتاده النّاس لتحريض النّاس على الغزو، ومنها: السّماع في أوقات السّرور تأكيدا للسّرور وتهييجا له إن كان ذلك السّرور مباحا «2» . [للاستزادة: انظر صفات: التأمل- التدبر- التفكر- تلاوة القرآن- الذكر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللهو واللعب] .   (1) مدارج السالكين: (1/ 517- 523) بتصرف. (2) بتصرف واختصار عن الغزالي، انظر إحياء علوم الدين 2/ 277 279. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2307 الآيات الواردة في «السماع» السماع التام وصفا للمولى- عز وجل- (وهو السميع المنزه عن الجارحة والآلة) : 1- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) «1» 2- فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) «2» 3- فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) «3» 4- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «4» 5- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) «5» 6- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «6» 7- ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) «7» 8- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) «8»   (1) البقرة: 127 مدنية (2) البقرة: 137 مدنية (3) البقرة: 181 مدنية (4) البقرة: 224- 227 مدنية (5) البقرة: 244 مدنية (6) البقرة: 256 مدنية (7) آل عمران: 34- 37 مدنية (8) آل عمران: 121 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2308 9- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «1» 10- مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134) » 11- * لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) «3» 12- قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) «4» 13- * وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) «5» 14- وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) «6» 15- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) «7» 16- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) «8» 17- إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) «9» 18- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) «10» 19- * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) «11» 20- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) «12» 21- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) «13»   (1) النساء: 58 مدنية (2) النساء: 134 مدنية (3) النساء: 148 مدنية (4) المائدة: 76 مدنية (5) الأنعام: 13 مكية (6) الأنعام: 115 مكية (7) الأعراف: 200 مكية (8) الأنفال: 17 مدنية (9) الأنفال: 42 مدنية (10) الأنفال: 53 مدنية (11) الأنفال: 61 مدنية (12) التوبة: 98 مدنية (13) التوبة: 103 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2309 22- وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) «1» 23- * مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) «2» 24- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) «3» 25- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) «4» 26- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) «5» 27- قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) «6» 28- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) «7» 29- اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) «8» 30- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) «9» 31- وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «10» 32- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) «11» 33- مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) «12»   (1) يونس: 65 مكية (2) هود: 24 مكية (3) يوسف: 34 مكية (4) ابراهيم: 39 مكية (5) الإسراء: 1 مكية (6) الأنبياء: 4 مكية (7) الحج: 61 مدنية (8) الحج: 75 مدنية (9) النور: 21 مدنية (10) النور: 60 مدنية (11) الشعراء: 217- 220 مكية (12) العنكبوت: 5 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2310 34- وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) «1» 35- ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) «2» 36- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) «3» 37- وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) «4» 38- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «5» 39- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) «6» 40- فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) «7» 41- رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) «8» 42- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) » 43- قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) «10» السميع صفة للمولى- عز وجل- وهي بمعنى الإجابة: 44- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) «11» السماع الناقص صفة للإنسان: 45- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) «12»   (1) العنكبوت: 60 مكية (2) لقمان: 28 مكية (3) سبأ: 50 مكية (4) غافر: 20 مكية (5) غافر: 56 مكية (6) فصلت: 36 مكية (7) الشورى: 11 مكية (8) الدخان: 6 مكية (9) الحجرات: 1- 2 مدنية (10) المجادلة: 1 مدنية (11) آل عمران: 38 مدنية (12) الإنسان: 1- 3 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2311 السماع بمعنى جارحة الأذن: 46- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «1» 47- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) «2» 48- وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) «3» 49- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) «4» 50- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) «5» 51- وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) «6» 52- * يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ   (1) البقرة: 20 مدنية (2) البقرة: 93 مدنية (3) البقرة: 171 مدنية (4) آل عمران: 193 مدنية (5) النساء: 46 مدنية (6) النساء: 140 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2312 فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «1» 53- ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «2» 54- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) «3» 55- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) «4» 56- وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) «5» 57- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) «6» 58- وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) «7» 59- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) «8» 60- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) «9» 61- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) «10» 62- فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) «11» 63- وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) «12»   (1) المائدة: 41- 42 مدنية (2) المائدة: 108 مدنية (3) الأنعام: 25 مكية (4) الأنعام: 46 مكية (5) الأعراف: 204 مكية (6) الأنفال: 31 مكية (7) التوبة: 6 مدنية (8) التوبة: 47 مدنية (9) يونس: 31 مكية (10) يونس: 42 مكية (11) يوسف: 31 مكية (12) الإسراء: 36 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2313 64- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «1» 65- * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) «2» 66- قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (45) «3» 67- قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (60) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) «4» 68- لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (102) «5» 69- الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «6» 70- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) «7» 71- يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) «8» 72- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «9» السماع بمعنى الفهم: 73- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى   (1) الأسراء: 47 مكية (2) مريم: 59- 62 مكية (3) الأنبياء: 45 مكية (4) الأنبياء: 59- 61 مكية (5) الأنبياء: 100- 102 مكية (6) الزمر: 18 مكية (7) الأحقاف: 29- 30 مكية (8) ق: 42 مكية (9) الجن: 1- 2 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2314 أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) «1» 74- * أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) » 75- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) «3» 76- فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) «4» 77- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) «5» 78- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «6» 79- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) «7» 80- * إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) «8» 81- أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) «9» 82- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «10» 83- أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) «11» 84- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ   (1) البقرة: 7 مدنية (2) البقرة: 75 مدنية (3) البقرة: 104 مدنية (4) البقرة: 181 مدنية (5) البقرة: 285 مدنية (6) المائدة: 7 مدنية (7) المائدة: 83 مدنية (8) الأنعام: 36 مكية (9) الأعراف: 100 مكية (10) الأعراف: 179 مكية (11) الأعراف: 195- 198 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2315 وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) «1» 85- هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) «2» 86- أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) «3» 87- أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) «4» 88- الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) «5» 89- يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) «6» 90- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) «7» 91- فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) «8»   (1) الأنفال: 20- 23 مدنية (2) يونس: 67 مكية (3) هود: 20 مكية (4) النحل: 108 مكية (5) الكهف: 101 مكية (6) الحج: 73 مدنية (7) النور: 51 مدنية (8) النمل: 79- 81 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2316 الأحاديث الواردة في (السماع) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء- وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء وأرسلت علينا الشّهب. قال: ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلّا ما حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الّذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء؟ قال: فانطلق الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلمّا سمعوا القرآن تسمّعوا له. فقالوا: هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً* عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. (الجن/ 1- 2) وأنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (الجن/ 1) وإنّما أوحي إليه قول الجنّ) * «1» . 2- * (عن أسيد بن حضير- رضي الله عنه- بينما هو ليلة، يقرأ في مربده «2» إذ جالت «3» فرسه فقرأ. ثمّ جالت أخرى. فقرأ ثمّ جالت أيضا. قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى «4» فقمت إليها، فإذا مثل الظّلّة فوق رأسي، فيها أمثال السّرج، عرجت في الجوّ حتّى ما أراها. قال: فغدوت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله بينما أنا البارحة من جوف اللّيل أقرأ في مربدي، إذ جالت فرسي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اقرإ ابن حضير!) قال: فقرأت، ثمّ جالت أيضا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اقرإ ابن حضير!» فقرأت، ثمّ جالت أيضا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اقرإ ابن حضير» . قال: فانصرفت. وكان يحيى قريبا منها، خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظّلّة فيها أمثال السّرج. عرجت في الجوّ حتّى ما أراها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها النّاس، ما تستتر منهم» ) * «5» . 3- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك. وإلّا أغار، فسمع رجلا يقول: الله أكبر. الله أكبر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على الفطرة» ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. أشهد أن لا إله إلّا الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «خرجت من النّار» . فنظروا فإذا هو راعي معزى «6» ) * «7» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ   (1) البخاري- الفتح 8 (4921) . (2) مربده: هو الموضع الذي ييبس فيه التمر. (3) جالت فرسه: وثبت. (4) يحيى: أراد ابنه وكان قريبا من الفرس. (5) مسلم (796) . (6) معزى هي ذوات الشعر من الغنم الواحدة شاة. (7) مسلم (382) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2317 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنة «1» ، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» ) * «2» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء. ثمّ أتى الجمعة فاستمع وأنصت. غفر له ما بينه وبين الجمعة. وزيادة ثلاثة أيّام. ومن مسّ الحصى فقد لغا» ) * «3» . 6- * (عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى- لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (القيامة/ 16) قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التّنزيل شدّة، وكان ممّا يحرّك شفتيه، فقال ابن عبّاس: فأنا أحرّكها لكم كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرّكهما وقال سعيد: أنا أحرّكهما كما رأيت ابن عبّاس يحرّكهما فحرّك شفتيه، فأنزل الله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ قال: جمعه لك في صدرك وتقرؤه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ قال: فاستمع له وأنصت ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ثمّ إنّ علينا أن تقرأه. فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما قرأه) * «4» . 7- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا، فحفظه حتّى يبلّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» ) * «5» . () الأحاديث الواردة في (السماع) معنى 8- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو وهو حظّه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله- عزّ وجلّ-: إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطّ رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا، فهي كفّارة إلى الجمعة الّتي تليها وزيادة ثلاثة أيّام، وذلك بأنّ الله- عزّ وجلّ- يقول مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (الأنعام/ 160) » ) * «6» . 9- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله   (1) بدنة: المراد هنا الإبل بالاتفاق لتصريح الأحاديث بذلك. أما اللفظ فيقع على الواحدة من الإبل والبقر والغنم سميت بذلك لعظم بدنها. (2) البخاري- الفتح 2 (881) . ومسلم (850) . متفق عليه. (3) مسلم (857) والمراد بمس الحصى أي شيء يشغلك عن الاستماع والإنصات. (4) البخاري- الفتح 1 (5) واللفظ له 8 (4929) ومسلم (448) . (5) الترمذي (2656) وقال حديث حسن، ورواه أحمد (4/ 80) من حديث جبير بن مطعم، والسيوطي في الجامع الصغير، وصحح إسناده الشيخ الألباني (6642) . (6) أبو داود (1113) وحسنه الألباني- انظر صحيح أبي داود (984) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2318 عنهما-، قال: قال عمر بن الخطّاب، وهو جالس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله قد بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل عليه آية الرّجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرّجم في كتاب الله. فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، وإنّ الرّجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرّجال والنّساء، إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل أو الاعتراف) * «1» . () من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (السماع) 1- * (قال الشّعبيّ، فيما يصف به عبد الملك ابن مروان: والله ما علمته إلّا آخذا بثلاث، تاركا لثلاث، آخذا بحسن الحديث إذا حدّث، وبحسن الاستماع إذا حدّث، وبأيسر المؤونة إذا خولف، تاركا لمجاوبة اللّئيم، ومماراة السّفيه، ومنازعة اللّجوج) *» . 2- * (قال بعض الحكماء لابنه: يا بنيّ، تعلّم حسن الاستماع كما تتعلّم حسن الحديث، وليعلم النّاس أنّك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول، فاحذر أن تسرع في القول فيما يجب عنه الرّجوع بالفعل، حتّى يعلم النّاس أنّك على فعل ما لم تقل أقرب منك إلى قول ما لم تفعل) * «3» . 3- * (قالوا: من حسن الأدب أن لا تغالب أحدا على كلامه، وإذا سئل غيرك فلا تجب عنه وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إيّاه، ولا تقتحم عليه فيه ولا تره أنّك تعلمه، وإذا كلّمت صاحبك فأخذته حجّتك فحسّن مخرج ذلك عليه، ولا تظهر الظّفر به وتعلّم حسن الاستماع، كما تعلّم حسن الكلام) * «4» . 4- * (قالت الحكماء: رأس الأدب كلّه حسن الفهم والتّفهّم والإصغاء للمتكلّم) * «5» . 5- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: اعلم أنّ الرّجل قد يكون له قلب وقّاد، مليء باستخراج العبر. واستنباط الحكم. فهذا قلبه يوقعه على التّذكّر والاعتبار. فإذا سمع الآيات كانت له نورا على نور. وهؤلاء أكمل خلق الله. وأعظمهم إيمانا وبصيرة. حتّى كأنّ الّذي أخبرهم به الرّسول مشاهد لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله وأنواعه. حتّى قيل: إنّ مثل حال الصّدّيق مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كمثل رجلين دخلا دارا. فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزئيّاته. والآخر: وقعت يده على ما في الدّار ولم ير تفاصيله ولا جزئيّاته.   (1) مسلم (1691) . (2) انظر العقد الفريد (4/ 55) . (3) المرجع السابق (2/ 264) الصفحة ذاتها. (4) انظر العقد الفريد (2/ 264) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة ذاتها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2319 لكن علم أنّ فيها أمورا عظيمة، لم يدرك بصره تفاصيلها. ثمّ خرجا. فسأله عمّا رأى في الدّار؟ فجعل كلّما أخبره بشيء صدّقه، لما عنده من شواهده. وهذه أعلى الدّرجات الصّدّيقيّة. ولا تستبعد أن يمنّ الله المنّان على عبد بمثل هذا الإيمان. فإنّ فضل الله لا يدخل تحت حصر ولا حسبان. فصاحب هذا القلب إذا سمع الآيات وفي قلبه نور من البصيرة: ازداد بها نورا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السّمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التّذكّر أيضا فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ (البقرة/ 265) . والوابل والطّلّ في جميع الأعمال وآثارها، وموجباتها. وأهل الجنّة سابقون مقرّبون، وأصحاب يمين، وبينهما في درجات التّفضيل ما بينهما. حتّى إنّ شراب أحد النّوعين الصّرف يطيب به شراب النّوع الآخر، ويمزج به مزجا. قال الله تعالى وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (سبأ/ 6) . فكلّ مؤمن يرى هذا. ولكنّ رؤية أهل العلم له لون، ورؤية غيرهم له لون آخر) * «1» . 6- * (قال الله تعالى في آياته المشهودة وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 36- 37) . قال ابن القيّم- رحمه الله-: النّاس ثلاثة: رجل قلبه ميّت. فذلك الّذي لا قلب له. فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقّه. الثّاني: رجل له قلب حيّ مستعدّ، لكنّه غير مستمع للآيات المتلوّة، الّتي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة: إمّا لعدم ورودها، أو لوصولها إليه، ولكنّ قلبه مشغول عنها بغيرها. فهو غائب القلب، ليس حاضرا. فهذا أيضا لا تحصل له الذّكرى، مع استعداده ووجود قلبه. والثّالث: رجل حيّ القلب مستعدّ. تليت عليه الآيات. فأصغى بسمعه، وألقى السّمع وأحضر قلبه. ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه. فهو شاهد القلب. ملق السّمع. فهذا القسم هو الّذي ينتفع بالآيات المتلوّة والمشهودة. فالأوّل بمنزلة الأعمى الّذي لا يبصر. والثّاني بمنزلة البصير الطّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه. والثّالث بمنزلة البصير الّذي قد حدّق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره وقابله على توسّط من البعد والقرب. فهذا هو الّذي يراه. فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصّدور) * «2» .   (1) مدارج السالكين (1/ 476- 477) . (2) المرجع السابق (1/ 477) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2320 من فوائد (السماع) (1) السّماع رسول الإيمان إلى القلب وداعيه ومعلّمه. (2) أصل العقل وأساس الإيمان. (3) تنبيه القلب على معاني المسموع وتحريكه عنه. (4) السّماع حاد يحدو القلوب إلى جوار علّام الغيوب. (5) محرّك يثير ساكن العزمات إلى أعلى المقامات وأرفع الدّرجات. (6) هو دليل يسير بالرّكب في طريق الجنان وداع يدعو القلوب بالمساء والصّباح. (7) هو طريق التّدبّر وسبيل التّفكّر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2321 [ حرف الشين ] الشجاعة الشجاعة لغة: مصدر شجع فلان أي صار شجاعا وهو مأخوذ من مادّة (ش ج ع) الّتي تدلّ على الجرأة والإقدام، قال ابن فارس: ومن ذلك قولهم الرّجل الشّجاع وهو المقدام، والشّجعة من النّساء: الجريئة، وقال ابن منظور: شجع شجاعة: اشتدّ عند البأس. والشّجاعة: شدّة القلب في البأس. ويقال: رجل شجاع وشجاع، وشجاع وأشجع، من قوم شجاع وشجعان، وشجعان. والمرأة شجاعة وشجعة وشجيعة وشجعاء، وقيل: لا توصف به المرأة. وتشجّع فلان: أي تكلّف الشّجاعة. وشجّعته: إذا قلت له أنت شجاع أو قوّيت قلبه. ورجل مشجوع: أي مغلوب بالشّجاعة «1» . واصطلاحا: قال الجاحظ: الشّجاعة هي الإقدام على المكاره والمهالك عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش الآيات/ الأحاديث/ الآثار 7/ 11/ 26 عند المخاوف مع الاستهانة بالموت «2» . وقال المناويّ: هي الإقدام الاختياريّ على مخاوف نافعة في غير مبالاة «3» . وقال ابن حزم- رحمه الله تعالى-: هي بذل النّفس للذّود عن الدّين أو الحريم أو عن الجار المضطهد أو عن المستجير المظلوم، وعمّن هضم ظلما في المال والعرض، وسائر سبل الحقّ سواء قلّ من يعارض أو كثر «4» . وقال الجرجانيّ: هي هيئة حاصلة للقوّة الغضبيّة، بين التّهوّر والجبن، بها يقدم على أمور ينبغي أن يقدم عليها، كالقتال مع الكفّار ما لم يزيدوا على ضعف المسلمين «5» . وقيل: هي الصّبر والثّبات والإقدام على الأمور النّافع تحصيلها أو دفعها وتكون في الأفعال والأقوال «6» . الفرق بين الشجاعة والصبر والكرم: تلتقي هذه الصّفات في بعض الأحيان ولكنّها   (1) لسان العرب (4/ 2200- 2201) . والصحاح: 3/ 1237- 1238، ومقاييس اللغة (3/ 248) . (2) تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 27) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف (ص 202) . (4) مداواة النفوس (80) . (5) التعريفات (125) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (4/ 129) . (6) الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ص 54) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2322 تنفصل في أحيان أخرى بحسب السّياق، يقول الكفويّ: الكرم إن كان بمال فهو جود وإن كان بكفّ ضرر مع القدرة فهو عفو، وإن كان ببذل النّفس فهو شجاعة، وقال أيضا: الصّبر في المحاربة شجاعة، وفي إمساك النّفس عن الفضول قناعة، وفي إمساك كلام الضّمير كتمان، وقد لخّص- رحمه الله- العلاقة بين هذه المصطلحات بقوله: إنّ اختلاف الأسامي (المصطلحات) يكون باختلاف المواقع «1» . منزلة الشجاعة بين الفضائل: قال الطّرطوشيّ: واعلم أنّ كلّ كريهة ترفع، أو مكرمة تكتسب لا تتحقّق إلّا بالشّجاعة، ألا ترى أنّك إذا هممت أن تمنح شيئا من مالك خار طبعك، ووهن قلبك، وعجزت نفسك، فشححت به، وإذا حقّقت عزمك، وقوّيت نفسك، وقهرت ذلك العجز، أخرجت المال المضنون به، وعلى قدر قوّة القلب وضعفه تكون طيبة النّفس بإخراجه، أو كراهية النّفس لإخراجه مع إخراجه، وعلى هذا النّمط جميع الفضائل، مهما لم تقارنها قوّة نفس لم تتحقّق، وكانت مخدوعة. فالجبان يفرّ عن أمّه وأبيه. والشّجاع يقاتل عمّن لا يثوب به إلى رحله، فبقوّة القلب يصاب امتثال الأوامر والانتهاء عن الزّواجر، وبقوّة القلب يصاب اكتساب الفضائل، وبقوّة القلب ينتهى عن اتّباع الهوى والتّضمّخ بالرّذائل. وبقوّة القلب يصبر الجليس على إيذاء الجليس وجفاء الصّاحب، وبقوّة القلب يكتم الأسرار ويدفع العار، وبقوّة القلب يقتحم الأمور الصّعاب، وبقوّة القلب يتحمّل أثقال المكاره، وبقوّة القلب يصبر على أخلاق الرّجال، وبقوّة القلب تنفّذ كلّ عزيمة أوجبها الحزم والعدل. وليس الصّبر والشّجاعة وقوّة النّفس أن تكون مصرّا في المحال «2» لجوجا في الباطل، ولا أن تكون جلدا عند الضّرب، صبورا على التّعب، مصمّما على التّغرير والتّهوّر؛ فإنّ هذه صفة الحمير والخنازير، ولكن أن تكون صبورا على أداء الحقوق عليك، صبورا على سماعها وإلقائها إليك، غالبا لهواك، مالكا لشهواتك، ملتزما للفضائل بجهدك، عاملا في ذلك على الحقيقة الّتي لا يحيلك عنها حياة ولا موت، حتّى يكون عندك موتك على الخير الّذي أشار به العلم وأوجبه العدل، خيرا من البقاء على ما أوجب رفض العلم والعدل «3» . وقال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى-: اعلم أنّ الشّجاعة عماد الفضائل، ومن فقدها لم تكمل فيه فضيلة يعبّر عنها بالصّبر وقوّة النّفس. قال الحكماء: وأصل الخير كلّه في ثبات القلب، والشّجاعة عند اللّقاء على ثلاثة أوجه: الوجه الأوّل إذا التقى الجمعان، وتزاحف العسكران وتكالحت الأحداق بالأحداق، برز من الصّفّ إلى وسط المعترك يحمل ويكرّ وينادي هل من مبارز، والثّاني إذا نشب القوم واختلطوا، ولم يدر أحد منهم من أين يأتيه الموت، يكون رابط الجأش،   (1) الكليات للكفوي (53، 65) . (2) المحال: الجدال (3) سراج الملوك للطّرطوشي (2/ 668- 670) بتصرف يسير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2323 ساكن القلب، حاضر اللّبّ، لم يخالطه الدّهش، ولا تأخذه الحيرة، فيتقلّب تقلّب المالك الأموره، القائم على نفسه. والثّالث إذا انهزم أصحابه يلزم السّاقة، ويضرب في وجوه القوم، ويحول بينهم وبين عدوّهم، ويقوّي قلوب أصحابه، ويزجي الضّعيف، ويمدّهم بالكلام الجميل، ويشجّع نفوسهم، فمن وقع أقامه، ومن وقف حمله، ومن كبا به فرسه حماه حتّى ييأس العدوّ منهم. وهذا أحمدهم شجاعة، وعن هذا قالوا: إنّ المقاتل من وراء الفارّين كالمستغفر من وراء الغافلين، ومن أكرم الكرم الدّفاع عن الحرم «1» . أصل الشجاعة وعوامل تقويتها: يقول الرّاغب: الشّجاعة إن اعتبرت وهي في النّفس، فصرامة القلب على الأهوال، وربط الجأش في المخاوف، وإن اعتبرت بالفعل فالإقدام على موضع الفرصة، وهي فضيلة بين التّهوّر والجبن، وهي تتولّد من الفزع والغضب إذا كانا متوسّطين؛ فإنّ الغضب قد يكون مفرطا كمن يحتدّ سريعا من أشياء صغيرة، وقد يكون مقصّرا كمن لا يغضب من الاجتراء على حرمه وشتم أبيه وأمّه، وقد يكون متوسّطا على ما يجب في وقت ما يجب، وبقدر ما يجب، وكذلك الفزع قد يكون مفرطا فيتولّد منه الجبن الهالع، ومقصّرا فيتولّد عنه الوقاحة والغمارة كمن لا يفزع من شتم آبائه وتضييع حرمه وأصدقائه، وقد يكون متوسّطا كما يجب وبقدر ما يجب ولكونهما أعني الغضب والفزع على حالين محمود ومذموم صارا يحمدان تارة ويذمّان أخرى؛ فإنّ الغضب في نحو قوله تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ والفزع في نحو قول الشّاعر فزعت لظلمة ... إلخ ... محمودان، والتّهوّر هو الثّبات المذموم في الأمور المعطبة «2» . وأصلها في القلب بثبوته وقوّته وسكونه عند المهمّات والمخاوف، وهي خلق نفسيّ، ولكن لها موادّ تمدّها، فأعظم ما يمدّه وينمّيه: الإيمان، وقوّة التّوكّل على الله، وكمال الثّقة به سبحانه، وعلم العبد أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويمدّه أيضا الإكثار من ذكر الله والثّناء عليه. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الأنفال/ 45) . ومن أسباب تقوية هذا الخلق الفاضل أيضا التّمرين؛ فإنّ الشّجاعة، وإن كان أصلها في القلب؛ فإنّها تحتاج إلى تدريب النّفس على الإقدام وعلى التّكلّم بما في النّفس، بإلقاء المقالات والخطب في المحافل، فمن مرّن نفسه على ذلك، لم يزل به الأمر حتّى يكون ملكة له، كذلك يدرّب نفسه على مقارعة الأعداء ولقائهم والجسارة في ميادين القتال فيقوى بذلك قلبه ونفسه، فلا يزال به الأمر حتّى لا يبالي بلقاء الأعداء ولا تزعجه المخاوف. والإخلاص لله وعدم مراعاة الخلق سبب بالغ في تقوية ذلك؛ فإنّ المخلص الّذي لا يريد إلّا وجه الله وثوابه لا يبالي بلوم اللّائمين، إذا كان في ذلك رضا لربّ العالمين. فمتى قوي إيمان العبد بالله   (1) المستطرف (1/ 310) . (2) الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص 328) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2324 وبقضائه وقدره، وقوي يقينه بالثّواب والعقاب وتمّ توكّله على الله وثقته بكفاية الله، وعلم أنّ الخلق لا يضرّون ولا ينفعون وأنّ نواصيهم بيد الله، وعلم الآثار الجليلة النّاشئة عن الشّجاعة، قوي قلبه واطمأنّ فؤاده، وأقدم على كلّ قول وفعل ينفع الإقدام عليه. ولا بدّ لمن كانت هذه حاله أن يمدّها الله بمدد من عنده لا يدركه بحوله ولا قوّته. وكمال زينة هذا الخلق النّبيل: أن يكون موافقا للحكمة؛ فإنّه إذا زاد عن حدّ الحكمة خشي أن يكون تهوّرا وسفها وإلقاء باليد إلى التّهلكة، وذلك مذموم، كما يذمّ الجبن والخور. فالشّجاعة المحمودة تتوسّط خلقين مذمومين، وهما الجبن والتّهوّر، وتكون محمودة، إذا كان المقصود بها نصر الحقّ وردّ الباطل وتحصيل المنافع العامّة والمصالح المشتركة «1» . أنواع الشجاعة قال الرّاغب: أنواع الشّجاعة خمسة: 1- سعيّة كمن أقدم لثوران غضب وتطلّب غلبة. 2- وبهيميّة كمن حارب توصّلا إلى مأكل أو منكح. 3- وتجريبيّة كمن حارب مرارا فظفر. فجعل ذلك أصلا يبني عليه. 4- وجهاديّة كمن يحارب ذبّا عن الدين. 5- وحكميّة وهي ما تكون في كلّ ذلك عن فكر وتمييز وهيئة محمودة بقدر ما يجب وعلى ما يجب، ألا ترى أنّه يحمد من أقدم على كافر غضبا لدين الله أو طمعا في ثوابه أو خوفا من عقابه أو اعتمادا على ما رأى من إنجاز وعد الله في نصرة أوليائه، فإنّ كلّ ذلك محمود وإن كان محض الشّجاعة هو أن لا يقصد بالإقدام حوز ثواب أو دفع عقاب. والفرق بين المقدم في الحرب لمحض الحكمة وإخلاص الدّين، وبين المقدم لغير ذلك هو أنّ المقدم لغير الحكمة والإخلاص يخاف الموت أكثر ممّا يخاف المذمّة الصّادقة والمقدم للحكمة والإخلاص بالضّدّ من ذلك؛ فإنّه يختار الموت الحميد على الحياة الذّميمة، ولذلك قال عليّ- رضي الله تعالى عنه-: (أيّها النّاس إنّكم إن لم تقتلوا تموتوا والّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسّيف أهون من ميتة على فراش) . ومن الشّجاعة المحمودة مجاهدة الإنسان نفسه أو غيره، وكلّ واحد منهما ضربان: مجاهدة النّفس بالقول: وذلك بالتّعلّم. وبالفعل: وذلك بقمع الشّهوة، وتهذيب الحميّة. ومجاهدة الغير بالقول. وذلك تزيين الحقّ وتعليمه، وبالفعل وذلك مدافعة الباطل ومتعاطيه بالحرب «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الثبات- الرجولة جهاد الأعداء- القوة- قوة الإرادة- العزم والعزيمة- النبل- علو الهمة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجبن- التخاذل التهاون- التولى- التخلف عن الجهاد- صغر الهمة- الضعف- الوهن] .   (1) بتصرف شديد من الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (54- 60) . (2) الذريعة إلى مكارم الشريعة (328- 329) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2325 الآيات الواردة في «الشجاعة» معنى 1- وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) «1» 2- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) «2» 3- وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) «4» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «6» 7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) «7» انظر الآيات الواردة في: الثبات- جهاد الأعداء- والصبر والمصابرة   (1) آل عمران: 139 مدنية (2) آل عمران: 146 مدنية (3) النساء: 104 مدنية (4) الأنفال: 15 مدنية (5) الأنفال: 45 مدنية (6) التوبة: 123 مدنية (7) التحريم: 9 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2326 الأحاديث الواردة في (الشجاعة) 1- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس وأشجع النّاس وأجود النّاس، ولقد فزع أهل المدينة، فكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبقهم على فرس، وقال: «وجدناه بحرا «1» » ) * «2» . () الأحاديث الواردة في (الشجاعة) معنى 2- * (عن يسير بن جابر- رضي الله عنه- قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة. فجاء رجل ليس له هجّيرى «3» إلّا: يا عبد الله بن مسعود جاءت السّاعة. قال فقعد وكان متّكئا. فقال: إنّ السّاعة لا تقوم، حتّى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة. ثمّ قال بيده هكذا (ونحّاها نحو الشّام) فقال: عدوّ يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الرّوم تعني؟ قال: نعم. وتكون عند ذاكم القتال ردّة شديدة «4» فيشترط «5» المسلمون شرطة «6» للموت لا ترجع إلّا غالبة. فيقتتلون حتّى يحجز بينهم اللّيل. فيفيء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة. ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت. لا ترجع إلّا غالبة. فيقتتلون. حتّى يحجز بينهم اللّيل. فيفيء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة. ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت. لا ترجع إلّا غالبة. فيقتتلون حتّى يمسوا. فيفيء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة. فإذا كان يوم الرّابع، نهد» إليهم بقيّة أهل الإسلام. فيجعل الله الدّبرة عليهم «8» . فيقتلون مقتلة- إمّا قال: لا يرى مثلها، وإمّا قال: لم ير مثلها- حتّى إنّ الطّائر ليمرّ بجنباتهم «9» فما يخلّفهم حتّى يخرّ ميتا. فيتعادّ بنو الأب «10» كانوا مائة. فلا يجدونه بقي منهم إلّا الرّجل الواحد. فبأيّ غنيمة يفرح؟ أو أيّ ميراث يقاسم؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس، هو أكبر من ذلك. فجاءهم الصّريخ؛ إنّ الدّجّال قد خلفهم في ذراريّهم. فيرفضون «11» ما في أيديهم. ويقبلون. فيبعثون عشرة فوارس طليعة: قال   (1) وجدناه بحرا: أي وجدنا الفرس سريع العدو. (2) البخاري- الفتح 6 (2820) واللفظ له. ومسلم (2307) . (3) ليس له هجيري: أي شأنه ودأبه ذلك. والهجيرى بمعنى الهجير. (4) ردة شديدة: أي عطفة قوية. (5) فيشترط: ضبطوه بوجهين: أحدهما فيشترط، والآخر فيتشرط. (6) شرطة: طائفة من الجيش تقدم للقتال. (7) نهد: أي نهض وتقدم. (8) فيجعل الله الدبرة عليهم: أي الهزيمة. ورواه بعض رواة مسلم: الدائرة، وهو بمعنى الدبرة. وقال الأزهري: الدائرة هي الدولة تدور على الأعداء. وقيل: هي الحادثة. (9) بجنباتهم: أي نواحيهم. وحكى القاضي عن بعض رواتهم: بجثمانهم، أي شخوصهم (10) فيتعاد بنو الأب: في النهاية: أي يعد بعضهم بعضا. (11) فيرفضون: قال ابن فارس: الراء والفاء والضاد أصل واحد، وهو الترك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2327 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم. هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ. أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ» ) * «1» . 3- * (قال أنس- رضي الله عنه- إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ سيفا يوم أحد فقال: «من يأخذ منّي هذا؟» . فبسطوا أيديهم، كلّ إنسان منهم يقول: أنا. أنا. قال: «فمن يأخذه بحقّه؟» . قال: فأحجم القوم. فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: أنا آخذه بحقّه. قال: فأخذه ففلق به هام المشركين) * «2» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال: فتكلّم أبو بكر، فأعرض عنه. ثمّ تكلّم عمر، فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة، فقال: إيّانا تريد يا رسول الله! والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها «3» . ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد «4» لفعلنا، قال: فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش ... الحديث) * «5» . 5- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جبا الرّكيّة «6» ، فإمّا دعا وإمّا بسق فيها «7» . قال: فجاشت «8» . فسقينا واستقينا. قال: ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعانا للبيعة في أصل الشّجرة، قال: فبايعته أوّل النّاس. ثمّ بايع وبايع. حتّى إذا كان في وسط من النّاس قال: «بايع. يا سلمة» . قال قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس. قال: «وأيضا» . قال: ورآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزلا «9» (يعني ليس معه سلاح) . قال: فأعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجفة أو درقة «10» ، ثمّ بايع. حتّى إذا كان في آخر النّاس قال: «ألا تبايعني يا سلمة؟» . قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس، وفي أوسط النّاس. قال: «وأيضا» . قال: فبايعته الثّالثة. ثمّ قال لي: «يا سلمة أين حجفتك أو درقتك الّتي أعطيتك؟» . قال قلت: يا رسول الله لقيني عمّي عامر عزلا. فأعطيته إيّاها.   (1) مسلم (2899) . (2) مسلم (2470) . وفلق به هام المشركين أي شقّ رؤوسهم. (3) لأخضناها: يعني بذلك الخيول، والمعنى: لو أمرتنا أن نخوض بها في البحر لخضنا. (4) برك الغماد: هو موضع من وراء مكة بناحية الساحل. ونضرب أكبادها: أي نركضها ونحثها على السير وهي كناية. (5) مسلم (1779) . (6) جبا الركية: الجبا ما حول البئر. والركي البئر. والمشهور في اللغة ركى، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره. (7) بسق فيها: هكذا هي في جميع النسخ «بسق» وهي صحيحة. يقال: بزق، وبصق، وبسق ثلاث لغات بمعنى، والسين قليلة الاستعمال. (8) فجاشت: أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع. (9) عزلا: ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والآخر ضمهما. وقد فسره بأنه الذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا. (10) حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2328 قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّك كالّذي قال الأوّل «1» : اللهمّ أبغني «2» حبيبا، هو أحبّ إليّ من نفسي» . ثمّ إنّ المشركين راسلونا «3» الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض. واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه، وأحسّه «4» ، وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها «5» فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأبغضتهم، فتحوّلت إلى شجرة أخرى، وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «6» ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «7» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه. قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «8» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «9» . في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه «10» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهره «11» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة.   (1) إنك كالذي قال الأول: الذي صفة لمحذوف. أي إنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول: بالرفع فاعل. والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه. (2) أبغني: أي أعطني. (3) راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح. (4) وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه. (5) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك. (6) فاخترطت سيفي: أي سللته. (7) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. (8) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات: العبلات من قريش، يقال لهم أميّة الصغرى. والنسبة إليهم عبليّ. ترده إلى الواحد. (9) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف. (10) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين. (11) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2329 أندّيه «1» مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «2» . حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال: قلت: خذها: وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «3» . فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا خلّفته وراء ظهري. وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفّون. ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «4» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) . وجلست على رأس قرن. قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا، البرح «5» . والله ما فارقنا منذ غلس «6» . يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكنديّ. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني   (1) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى. (2) فأصك سهما في رحله: أي أضرب. (3) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته. (4) آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها. واحده إرم كعنب وأعناب. (5) البرح: أي الشدة. (6) منذ غلس: أي منذ الظلام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2330 وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن. قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجليّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا غبارهم شيئا. حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد. ليشربوا منه، وهم عطاش. قال: فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه» (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم في نغض «2» كتفه. قال قلت: خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع قال: يا ثكلته أمّه أكوعه بكرة «3» . قال قلت: نعم. يا عدوّ نفسه أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة «4» من لبن وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلّأتهم عنه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل. وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّتي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتّبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة أتراك كنت فاعلا؟» . قلت: نعم، والّذي أكرمك. فقال: «إنّهم الآن ليقرون في أرض غطفان» . قال: فجاء رجل من غطفان، فقال: نحر لهم فلان جزورا، فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء. راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) فحليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث. (2) نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمى بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا. (3) قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف؛ لأنها من الظروف المتمكنة. (4) المذقة: الشّربة من اللبن الممذوق أي المختلط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2331 قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمّي ذرني فلأسابق الرّجل. قال: «إن شئت» . قال: قلت: اذهب إليك. وثنيت رجليّ فطفرت «1» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «2» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «3» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت والله! قال: أنا أظنّ «4» قال: فسبقته إلى المدينة قال: فو الله ما لبثنا إلّا ثلاث ليال حتّى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فجعل عمّي «5» عامر يرتجز بالقوم: تا لله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبّت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هذا؟» . قال: أنا عامر. قال: «غفر لك ربّك» . قال: وما استغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان يخصّه إلّا استشهد. قال: فنادى عمر بن الخطّاب، وهو على جمل له: يا نبيّ الله لولا ما متّعتنا بعامر. قال: فلمّا قدمنا خيبر قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه «6» ويقول: قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح «7» بطل مجرّب «8» إذا الحروب أقبلت تلهّب قال: وبرز له عمّي عامر، فقال: قد علمت خيبر أنّي عامر ... شاكي السّلاح بطل مغامر «9» قال: فاختلفا ضربتين: فوقع سيف مرحب في ترس عامر. وذهب عامر يسفل له «10» . فرجع سيفه على نفسه. فقطع أكحله. فكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقولون: بطل عمل عامر. قتل نفسه. قال: فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم   (1) فطفرت: أي وثبت وقفزت (2) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر (3) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها. (4) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به. (5) فجعل عمي: هكذا قال هنا: عمي. وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال: أخي. فلعله كان أخاه من الرضاعة. وكان عمه من النسب. (6) يخطر بسيفه: أي يرفعه مرة ويضعه أخرى. ومثله: خطر البعير بذنبه يخطر، إذا رفعه مرة ووضعه أخرى. (7) شاكي السلاح: أي تام السلاح. يقال: شاكي السلاح، وشاك السلاح، وشاك في السلاح، من الشوكة وهي القوة. والشوكة أيضا السلاح. ومنه قوله تعالى وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ. (8) بطل مجرب: أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان. والبطل الشجاع يقال بطل الرجل يبطل بطالة وبطولة، إذا صار شجاعا. (9) بطل مغامر: أي يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي بنفسه فيها. (10) يسفل له: أي يضربه من أسفله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2332 وأنا أبكي. فقلت: يا رسول الله! بطل عمل عامر؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال ذلك؟» . قال قلت: ناس من أصحابك. قال: «كذب من قال ذلك. بل له أجره مرّتين» . ثمّ أرسلني إلى عليّ، وهو أرمد. فقال: «لأعطينّ الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله، أو يحبّه الله ورسوله» . قال: فأتيت عليّا فجئت به أقوده، وهو أرمد. حتّى أتيت به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبسق في عينيه فبرأ. وأعطاه الرّاية. وخرج مرحب. فقال: قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب إذا الحروب أقبلت تلهّب فقال عليّ: أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره «1» ... كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصّاع كيل السّندره «2» قال: فضرب رأس مرحب فقتله. ثمّ كان الفتح على يديه» ) * «3» . 6- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يحبّهم الله- عزّ وجلّ- وثلاثة يبغضهم الله- عزّ وجلّ-. أمّا الّذين يحبّهم الله- عزّ وجلّ-: فرجل أتى قوما فسألهم بالله- عزّ وجلّ- ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلّفه رجل بأعقابهم، فأعطاه سرّا، لا يعلم بعطيّته إلّا الله- عزّ وجلّ- والّذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتّى إذا كان النّوم أحبّ إليهم ممّا يعدل به نزلوا، فوضعوا رؤوسهم، فقام يتملّقني، ويتلو آياتي، ورجل كانوا في سريّة فلقوا العدوّ فهزموا، فأقبل بصدره حتّى يقتل أو يفتح الله له. والثّلاثة الّذين يبغضهم الله- عزّ وجلّ-: الشّيخ الزّاني، والفقير المختال، والغنيّ الظّلوم» ) * «4» . 7- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: ندب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّاس يوم الخندق، فانتدب الزّبير، ثمّ ندبهم فانتدب الزّبير، ثمّ ندبهم «5» فانتدب الزّبير. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لكلّ نبيّ حواريّا «6» وحواريّ الزّبير» ) * «7» .   (1) أنا الذي سمتني أمي حيدرة: حيدرة اسم للأسد. وكان علي رضي الله عنه قد سمي أسدا في أول ولادته. وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدا يقتله. فذكره علي- رضي الله عنه- بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. وسمي الأسد حيدرة لغلظه. والحادر الغليظ القوي. ومراده: أنا الأسد في جراءته وإقدامه وقوته. (2) أوفيهم بالصاع كيل السندرة: معناه أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا. والسندرة مكيال واسع. وقيل: هي العجلة. أي أقتلهم عاجلا. وقيل: مأخوذ من السندرة وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسي. (3) مسلم (1807) . (4) النسائي (5/ 84) واللفظ له. والترمذي (2568) وقال: هذا حديث صحيح. والحاكم (1/ 416- 417) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ذكره في المشكاة (1922) . وقال مخرج جامع الأصول: حديث حسن (9/ 564) . (5) ندبهم: أي دعاهم للجهاد وحرض عليه فأجابه الزبير. (6) الحواري: الناصر. (7) البخاري- الفتح 6 (2997) واللفظ له. ومسلم (2415) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2333 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشجاعة) 8- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال لرجل قال له: أكنتم ولّيتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ما ولّى ولكنّه انطلق أخفّاء من النّاس، وحسّر إلى هذا الحيّ من هوازن، وهم قوم رماة. فرموهم برشق من نبل. كأنّها رجل من جراد. فانكشفوا. فأقبل القوم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته. فنزل ودعا واستنصر، وهو يقول: «أنا النّبيّ لا كذب. أنا ابن عبد المطّلب. اللهمّ نزّل نصرك» . قال البراء: كنّا والله إذا احمرّ البأس نتّقي به. وإنّ الشّجاع منّا للّذي يحاذي به- يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 9- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: لمّا جال النّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الجولة يوم أحد، تنحّيت فقلت: أذود عن نفسي، فإمّا أن أستشهد، وإمّا أن أنجو حتّى ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمّر وجهه ما أدري من هو، فأقبل المشركون حتّى قلت: قد ركبوه، ملأ يده من الحصى، ثمّ رمى به في وجوههم، فنكبوا على أعقابهم القهقرى حتّى يأتوا الجبل، ففعل ذلك مرارا، ولا أدري من هو، وبيني وبينه المقداد بن الأسود، فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه، إذ قال المقداد: يا سعد هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوك، فقلت: وأين هو؟ فأشار لي المقداد إليه، فقمت ولكأنّه لم يصبني شيء من الأذى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين كنت اليوم يا سعد؟» . فقلت: حيث رأيت يا رسول الله! فأجلسني أمامه فجعلت أرمي، وأقول: اللهمّ سهمك فارم به عدوّك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ استجب لسعد، اللهم سدّد لسعد رميته، إيها «2» سعد» . فداك أبي وأمّي، فما من سهم أرمي به إلّا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ سدّد رميته وأجب دعوته، إيها سعد» حتّى إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما في كنانته فنبلني سهما نضيّا) * «3» . قال الزّهريّ: إنّ السّهام الّتي رمى بها سعد يومئذ كانت ألف سهم «4» . 10- * (عن العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين. فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم نفارقه. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذاميّ. فلمّا التقى المسلمون والكفّار ولّى المسلمون مدبرين، فطفق   (1) البخاري- الفتح 7 (4317) . ومسلم (1776) واللفظ له. (2) إيه: اسم فعل للاستزادة من حديث أو عمل معهود، فإذا نونتها كانت للاستزادة من حديث أو عمل ما، وتكون للإسكات والكف بمعني حسبك وتنون منصوبة فتقول: إيها لا تحدث. (3) السهم النضي: هو الذي قد ركب عليه الريش وكان أشد من غيره. (4) الحاكم (3/ 26) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2334 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يركض بغلته قبل الكفّار. قال عبّاس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أكفّها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي عبّاس! ناد أصحاب السّمرة» فقال عبّاس: (وكان رجلا صيّتا) فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السّمرة «1» ؟ قال: فو الله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبّيك يا لبّيك. قال: فاقتتلوا والكفّار. والدّعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار. قال: ثمّ قصرت الدّعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا حين حمي الوطيس «2» » قال: ثمّ أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصيات، فرمى بهنّ وجوه الكفّار. ثمّ قال: «انهزموا، وربّ محمّد» . قال: فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فو الله! ما هو إلّا أن رماهم بحصياته. فما زلت أرى حدّهم كليلا «3» وأمرهم مدبرا) * «4» . 11- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة قبل نجد، فأدركنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في واد كثير العضاه «5» . فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة، فعلّق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرّق النّاس في الوادي يستظلّون بالشّجر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ رجلا أتاني وأنا نائم. فأخذ السّيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي. فلم أشعر إلّا والسّيف صلتا «6» في يده. فقال لي: من يمنعك منّي؟ قال: قلت: الله. ثمّ قال في الثّانية: من يمنعك منّي؟ قال: قلت: الله. قال: فشام السّيف «7» فها هو ذا جالس» ثمّ لم يعرض له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) *» .   (1) أصحاب السمرة: هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان. ومعناه نادهم. (2) هذا حين حمى الوطيس: قيل الوطيس هو التنور المسجور. وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم. (3) فما زلت أرى حدهم كليلا: أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة. (4) البخاري- الفتح 6 (2930) برواية البراء. ومسلم (1775) واللفظ له. (5) العضاه: هي كل شجرة ذات شوك. (6) صلتا: بفتح الصاد وضمها: أي مسلولا. (7) فشام السيف: ردّه في غمده. يقال: شام السيف إذا سله وإذا أغمده، فهو من الأضداد. والمراد هنا غمده. (8) مسلم (843) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2335 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الشجاعة) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «إنّ الشّجاعة والجبن غرائز في الرّجال، تجد الرّجل يقاتل لا يبالي ألّا يؤوب إلى أهله، وتجد الرّجل يفرّ عن أبيه وأمّه، وتجد الرّجل يقاتل ابتغاء وجه الله فذلك الشّهيد» ) * «1» . 2- * (قيل لعليّ- رضي الله عنه-: «إذا جالت الخيل، فأين نطلبك؟ قال: حيث تركتموني» ) * «2» . 3- * (قال الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- «كان أوّل من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عبد الله بن مسعود. قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ، فمن رجل يسمعهموه؟. قال عبد الله ابن مسعود: أنا. قالوا: إنّا نخشاهم عليك. إنّما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإنّ الله- عزّ وجلّ- سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتّى أتى المقام في الضّحى وقريش في أنديتها فقام عند المقام ثمّ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رافعا صوته الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ قال: ثمّ استقبلها يقرأ فيها قال: وتأمّلوا فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أمّ عبد؟ قال: ثمّ قالوا إنّه ليتلو بعض ما جاء به محمّد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتّى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ. ثمّ انصرف إلى أصحابه وقد أثّروا في وجهه، فقالوا: هذا الّذي خشينا عليك، قال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن ولئن شئتم لأغادينّهم بمثلها. قالوا: حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون) * «3» . 4- * (قال طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- «لمّا كان يوم أحد ارتجزت بهذا الشّعر: نحن حماة غالب ومالك ... نذبّ عن رسولنا المبارك نضرب عنه اليوم في المعارك ... ضرب صفاح الكوم «4» في المبارك فلمّا انصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، قال لحسّان: «قل في طلحة» . فأنشأ حسّان، وقال: طلحة يوم الشّعب آسى محمّدا ... على سالك ضاقت عليه وشّقت يقيه بكفّيه الرّماح وأسلمت ... أشاجعه تحت السّيوف فشلّت وكان أمام النّاس إلّا محمّدا ... أقام رحى الإسلام حتّى استقلّت «5»   (1) صفوة الأخبار (88) . (2) المستطرف (1/ 316) . (3) فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 838837) . وسيرة ابن هشام (1/ 314) وذكره ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 256) . (4) الكوم: الضراب وأصله من الارتفاع والعلوّ. (5) الحاكم (3/ 25) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2336 5- * (وقال موسى بن طلحة: «إنّ طلحة رجع بسبع وثلاثين أو خمس وثلاثين بين ضربة وطعنة ورمية، ترصّع جبينه وقطعت سبّابته وشلّت الإصبع الّتي تليها» ) * «1» . 6- * (قال سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه-: «كان حمزة بن عبد المطّلب يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويقول: «أنا أسد الله» ) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة منهم خبيب الأنصاريّ، فأخبرني عبيد الله بن عياض أنّ ابنة الحارث أخبرته أنّهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحدّ بها، فلمّا خرجوا من الحرم ليقتلوه قال خبيب الأنصاريّ: ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ شقّ كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع فقتله ابن الحارث، فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه خبرهم يوم أصيبوا) * «3» . 8- * (قال معاذ بن عمرو- رضي الله عنه-: جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني. فلمّا أمكنني حملت عليه، فضربته، فقطعت قدمه بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، وبقيت معلّقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنها القتال، فقاتلت عامّة يومي وإنّي لأسحبها خلفي. فلمّا آذتني، وضعت قدمي عليها ثمّ تمطّأت عليها حتّى طرحتها» قال الذّهبيّ بعد هذه القصّة: «هذه والله الشّجاعة لا كآخر من خدش بسهم ينقطع قلبه وتخور قواه «4» ) * «5» . 9- * (عن رجل من أسلم أنّه قال: «إنّ أبا جهل اعترض لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الصّفا فاذاه وشتمه، وقال فيه ما يكره من العيب لدينه والتّضعيف له، فلم يكلّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومولاة لعبد الله بن جدعان «6» التّيميّ في مسكن لها فوق الصّفا تسمع ذلك، ثمّ انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطّلب أن أقبل متوشّحا قوسه راجعا عن قنص له، وكان إذا فعل ذلك لم يمرّ على نادي قريش وأشدّها شكيمة، وكان يومئذ مشركا على دين قومه، فجاءته المولاة، وقد قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليرجع إلى بيته، فقالت له: يا أبا عمارة! لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمّد من أبي الحكم آنفا، وجده هاهنا فاذاه وشتمه وبلغ ما يكره، ثمّ انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم ولم يكلّم محمّدا فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته- فخرج سريعا لا يقف على   (1) الحاكم (3/ 25- 26) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي (2) الحاكم (3/ 194) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه في التلخيص. (3) البخاري- الفتح 13 (7402) . (4) تخور قواه: تضعف قواه. (5) سير أعلام النبلاء (1/ 250- 251) . (6) عبد الله بن جدعان التّيمي القرشي أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل النبوة. (الأعلام 4/ 76) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2337 أحد كما كان يصنع يريد الطّواف بالبيت متعمّدا لأبي جهل أن يقع به، فلمّا دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم، فأقبل نحوه حتّى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه على رأسه ضربة مملوءة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلّا صبأت فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي ذلك منه. أنا أشهد أنّه رسول الله وأنّ الّذي يقول حقّ، فو الله لا أنزع. فامنعوني إن كنتم صادقين. فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة لقد سببت ابن أخيه سبّا قبيحا، ومرّ حمزة على إسلامه وتابع يخفّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا أسلم حمزة علمت قريش أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عزّ وامتنع، وأنّ حمزة سيمنعه فكفّوا عن بعض ما كانوا يتناولونه وينالون منه، فقال في ذلك سعد حين ضرب أبا جهل فذكر رجزا غير مستقر أوّله: «ذق أبا جهل بما غشيت» . قال: ثمّ رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشّيطان، فقال: أنت سيّد قريش اتّبعت هذا الصّابأ وتركت دين آبائك، للموت خير لك ممّا صنعت، فأقبل على حمزة شبه، فقال: ما صنعت؟ اللهمّ إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي، وإلّا فاجعل لي ممّا وقعت فيه مخرجا، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشّيطان، حتّى أصبح فغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ابن أخي إنّي وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غيّ شديد؟ فحدّثني حديثا فقد استشهيت يا ابن أخي أن تحدّثني، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فألقى الله في نفسه الإيمان، كما قال رسول الله، فقال: «أشهد إنّك لصادق شهادة المصدّق والعارف، فأظهر يا ابن أخي دينك، فهو الله ما أحبّ أنّ لي ما ألمعت الشّمس، وأنّي على ديني الأوّل. قال: فكان حمزة ممّن أعزّ الله به الدّين» ) * «1» . 10- * (قيل لعبد الملك: من أشجع العرب في شعره؟ فقال: «عبّاس بن مرداس حين يقول: أشدّ على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها وهذا أشجع بيت قالته العرب» ) * «2» . 11- * (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «كان موالي بلال يضربونه على بطنه ويعصرونه ويقولون: دينك الّلات والعزّى، فيقول: ربّي الله. أحد أحد، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقلتها. فمرّ أبو بكر بهم، فقالوا اشتر أخاك في دينك، فاشتراه بأربعين أوقيّة، فأعتقه، فقالوا: لو أبى إلّا أوقيّة لبعناه، فقال- وأقسم بالله-: لو أبيتم إلّا بكذا وكذا بشيء كثير لاشتريته» ) * «3» . 12- * (قال الحافظ ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى- في ترجمة البراء بن مالك- رضي الله عنه- «كان من الأبطال الأشدّاء قتل من المشركين مائة رجل مبارزة سوى من شارك فيه» . وقال- رحمه الله تعالى-: «زحف المسلمون إلى المشركين في اليمامة حتّى   (1) الحاكم في المستدرك (3/ 192- 193) . (2) صفوة الأخبار ومنتقى الآثار (83) . (3) سير أعلام النبلاء (1/ 352) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2338 ألجأوهم إلى الحديقة، وفيها عدوّ الله مسيلمة، فقال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فاحتمل حتّى إذا أشرف على الجدار اقتحم فقاتلهم حتّى فتح على المسلمين، ودخل عليهم المسلمون ووقع به يومها بضع وثمانون جراحة من بين رمية بسهم وضربة فحمل إلى رحله يداوى» ) * «1» . 13- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم، حتّى إنّ ذلك عامّة ما تمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتنافون بالجبن والبخل، ولمّا كان صلاح بني آدم لا يتمّ في دينهم ودنياهم إلّا بالشّجاعة والكرم، بيّن الله سبحانه أنّه من تولّى عنه بترك الجهاد بنفسه أبدل الله من يقوم بذلك فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (التوبة/ 38- 39) ، وكذلك من تولّى عنه بترك الإنفاق توعّده كما في آخر سورة (محمّد) صلّى الله عليه وسلّم» . ثمّ قال- رحمه الله تعالى-: «وبالشّجاعة والكرم في سبيل الله فضّل الله السّابقين فقال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى (الحديد/ 10) . وقد ذكر الله عزّ وجلّ- الجهاد بالنّفس والمال في سبيله ومدحه في غير آية من كتابه، وذلك هو الشّجاعة والسّماحة في طاعته سبحانه وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 14- * (قال الذّهبيّ- رحمه الله تعالى- في ترجمة حمزة بن عبد المطّلب- رضي الله عنه-: «الإمام البطل الضّرغام أسد الله أبو عمارة» ) * «3» . 15- * (وقال في ترجمة خالد بن الوليد- رضي الله عنه-: «سيف الله وفارس الإسلام، وليث المشاهد السّيّد الإمام الأمير الكبير قائد المجاهدين، تأمّر على المسلمين يوم مؤتة بعد استشهاد الأمراء وأخذ الرّاية، وحمل على العدوّ. فكان النّصر، وسمّاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: سيف الله، وشهد الفتح وحنينا، وحارب أهل الرّدّة ومسيلمة، وغزا العراق وشهد حروب الشّام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلّا وعليه طابع الشّهداء» ثمّ ذكر حادثة له وقال بعدها «هذه والله الكرامة، وهذه الشّجاعة» ) * «4» . 16- * (قال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى- عن هذا أيضا: «من الأبطال (الشّجعان) سيف الله وسيف رسوله صلّى الله عليه وسلّم بطل مذكور وفارس مشهور في الجاهليّة والإسلام» ) * «5» . 17- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- وهو يعدّد الأبطال الشّجعان منهم عليّ بن أبي طالب آية   (1) الاستيعاب (1/ 137- 139) على حاشية الإصابة. (2) باختصار من الاستقامة (2/ 263- 270) . (3) السير (1/ 172) . (4) انظر ترجمته في السير (1/ 366- 384) (5) المستطرف (1/ 316) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2339 من آيات الله، ومعجزة من معجزات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤيّد بالتأييد الإلهي، مثبّت قواعد الإسلام ومرسيها، وهو المتقدّم على ذوي الشّجاعة كلّهم بلا مرية ولا خلاف، وكان يقول: والّذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسّيف أهون عليّ من موتة على فراش، وقال بعض العرب ما لقينا كتيبة فيها عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلّا أوصى بعضنا على بعض» ) * «1» . 18- * (وقال: «قهر ألب آرسلان ملك التّرك ملك الرّوم وقمعه، وقتل رجاله، وأباد جمعه وكانت الرّوم قد جمعت جيوشا يقلّ أن يجمع لغيرهم من بعدهم مثلها، وكان قد بلغ عددهم ستّمائة ألف مقاتل، كتائب متواصلة، وعساكر مترادفة، وكراديس يتلو بعضها بعضا، لا يدركهم الطّرف، ولا يحصيهم العدد، وقد استعدّوا من الكراع، والسّلاح، والمجانيق، والآلات المعدّة للحروب وفتح الحصون بما لا يحصى. وكانوا قد قسّموا بلاد المسلمين: الشّام، والعراق، ومصر، وخراسان، وديار بكر. ولم يشكّوا أنّ الدّولة قد دارت لهم. وأنّ نجوم السّعود قد خدمتهم. ثمّ استقبلوا بلاد المسلمين فتواترت أخبارهم إلى بلاد المسلمين، واضطربت لها ممالك أهل الإسلام. فاحتشد للقائهم الملك ألب آرسلان وهو الّذي يسمّى الملك العادل، وجمع جموعه بمدينة أصبهان، واستعدّ بما قدر عليه، ثمّ خرج يؤمّهم فلم يزل العسكران يتدانيان إلى أن عادت طلائع المسلمين إلى المسلمين. وقالوا لأب آرسلان: غدا يتراءى الجمعان، فبات المسلمون ليلة الجمعة، والرّوم في عدد لا يحصيهم إلّا الله الّذي خلقهم، وما المسلمون فيهم إلّا أكلة جائع، فبقي المسلمون وجلين لما دهمهم، فلمّا أصبحوا صباح يوم الجمعة نظر بعضهم إلى بعض، فهال المسلمين ما رأوا من كثرة العدوّ، فأمر ألب آرسلان أن يعدّ المسلمون، فبلغوا اثني عشر ألفا، فكانوا كالشّامة البيضاء في الثّور الأسود. فجمع ذوي الرّأي من أهل الحرب والتّدبير، والشّفقة على المسلمين، والنّظر في العواقب، واستشارهم في استخلاص أصوب الرّأي فتشاوروا برهة، ثمّ اجتمع رأيهم على اللّقاء. فتوادع القوم، وتحاللوا، وناصحوا الإسلام وأهله، وتأهّبوا أهبة اللّقاء. وقالوا لألب آرسلان: باسم الله نحمل عليهم. فقال ألب آرسلان: يا معشر أهل الإسلام أمهلوا، فإنّ هذا يوم الجمعة، والمسلمون يخطبون على المنابر، ويدعون لنا في شرق البلاد وغربها، فإذا زالت الشّمس، وعلمنا أنّ المسلمين قد صلّوا ودعوا الله أن ينصر دينه، حملنا عليهم إذ ذاك. وكان ألب آرسلان قد عرف خيمة ملك الرّوم، وعلامته، وزيّه، وزينته، وفرسه. ثمّ قال لرجاله: لا يتخلّف أحد منكم أن يفعل كفعلي، ويتبع أثري، ويضرب بسيفه ويرمي سهمه حيث أضرب بسيفي، وأرمي بسهمي، ثمّ حمل برجاله حملة   (1) المستطرف (1/ 314- 315) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2340 رجل واحد إلى خيمة ملك الرّوم فقتلوا من كان دونها، ووصلوا إلى الملك فقتلوا من كان دونه، وجعلوا ينادون بلسان الرّوم: قتل الملك، قتل الملك. فسمعت الرّوم أنّ ملكهم قد قتل، فتبدّدوا، وتمزّقوا كلّ ممزّق، وعمل السّيف فيهم أيّاما، وأخذ المسلمون أموالهم وغنائمهم. وأتوا بالملك أسيرا بين يدي ألب أرسلان، والحبل في عنقه. فقال له ألب آرسلان: ماذا كنت تصنع بي لو أسرتني، قال: وهل تشكّ أنّني كنت أقتلك. فقال له ألب آرسلان: أنت أقلّ في عيني من أن أقتلك. اذهبوا به فبيعوه لمن يزيد فيه، فكان يقاد والحبل في عنقه، وينادى عليه من يشتري ملك الرّوم. وما زالوا كذلك يطوفون به على الخيام، ومنازل المسلمين وينادون عليه بالدّراهم، والفلوس فلم يدفع فيه أحد شيئا حتّى باعوه من إنسان بكلب، فأخذه الّذي ينادي عليه، وأخذ الكلب وأتى بهما إلى ألب آرسلان وقال قد طفت به جميع العسكر، وناديت عليه، فلم يبذل أحد فيه شيئا، سوى رجل واحد دفع فيه هذا الكلب. فقال قد أنصفك. إنّ الكلب خير منه، ثمّ أمر ألب آرسلان بعد ذلك بإطلاقه وذهب إلى القسطنطينيّة، فعزلته الرّوم وكحّلوه بالنّار. فانظر ماذا يأتي على الملوك إذا عرفوا في الحرب من الحيلة، والمكيدة» ) * «1» . 19- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «لا ينبغي أن يقدم الجيش إلّا الرّجل ذو البسالة والنّجدة والشّجاعة والجرأة، ثابت الجأش، صارم القلب، صادق البأس، ممّن قد توسّط الحروب ومارس الرّجال ومارسوه، ونازل الأقران، وقارع الأبطال، عارفا بمواضع الفرص، خبيرا بمواقع القلب والميمنة والميسرة. فإنّه إذا كان كذلك وصدر الكلّ عن رأيه كانوا جميعا كأنّهم مثله» ) * «2» . 20- * (حكي أنّه كان للعرب فارس يقال له ابن فتحون، وكان أشجع العرب والعجم في زمانه. وكان المستعين يكرمه ويعظّمه ويجري له في كلّ عطيّة خمسمائة دينار. وكانت جيوش الكفّار تهابه وتعرف منه الشّجاعة، وتخشى لقاءه. فيحكى أنّ الرّوميّ كان إذا سقى فرسه ولم يشرب يقول له: ويلك لم لا تشرب هل رأيت ابن فتحون في الماء، فحسده نظراؤه على كثرة العطاء ومنزلته من السّلطان. فوشوا به عند المستعين فأبعده ومنعه من عطائه، ثمّ إنّ المستعين أنشأ غزوة إلى بلاد الرّوم فتقابل المسلمون والمشركون صفوفا، ثمّ برز علج إلى وسط الميدان ونادى وقال: هل من مبارز؟ فبرز إليه فارس من المسلمين فتجاولا ساعة فقتله الرّومي، فصاح المشركون سرورا، وانكسرت نفوس المسلمين، وجعل الكلب الرّوميّ يجول بين الصّفّين وينادي: هل من اثنين لواحد؟ فخرج إليه فارس من المسلمين فقتله الرّوميّ. فصاح الكفّار سرورا، وانكسرت نفوس المسلمين، وجعل الكلب يجول بين الصّفّين وينادي ويقول: ثلاثة لواحد، فلم يجترئ   (1) المستطرف (1/ 311) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2341 أحد من المسلمين أن يخرج إليه، وبقي النّاس في حيرة، فقيل للسّلطان: ما لها إلّا أبو الوليد بن فتحون فدعاه وتلطّف به، قال: السّاعة أكفي المسلمين شرّه، فلبس قميص كتّان واستوى على سرج فرسه بلا سلاح وأخذ بيده سوطا طويلا، وفي طرفه عقدة معقودة، ثمّ برز إليه فتعجّب منه النّصرانيّ. ثمّ حمل كلّ واحد منهما على صاحبه فلم تخطأ طعنة النّصرانيّ سرج ابن فتحون. وإذا ابن فتحون متعلّق برقبة الفرس، ونزل إلى الأرض لا شيء منه في السّرج، ثمّ انقلب في سرجه وحمل على العلج، وضربه بالسّوط فالتوى على عنقه فجذبه بيده من السّرج فاقتلعه، وجاء به يجرّه حتّى ألقاه بين يدي المستعين. فعلم المستعين أنّه كان قد أخطأ في صنعه مع أبي الوليد بن فتحون فاعتذر إليه، وأكرمه، وأحسن إليه، وبالغ في الإنعام عليه، وردّه إلى أحسن أحواله، وكان من أعزّ النّاس إليه» ) * «1» . 21- * (يقال: «الشّجاع محبّب حتّى إلى عدوّه، والجبان مبغّض حتّى إلى أمّه) * «2» . 22- * (قال بعضهم: «الشّجاعة صبر ساعة، وقد جمع الله تعالى جميع ما يحتاج إليه في الحرب في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال/ 45- 46) » ) * «3» . 23- * (وقيل: «الرّجال ثلاثة: فارس وشجاع وبطل، فالفارس الّذي يشدّ إذا شدّوا، والشّجاع الدّاعي إلى البراز والمجيب داعيه، والبطل الحامي لظهورهم إذا انهزموا» ) * «4» . 24- * (وقيل أيضا: «الشّجاع يبادر للحرب غير مبال بها لثقته بنفسه وعزمه على التّغلّب على عدوّه. لكنّه في نفس الوقت يفرّق بين الشّجاعة والتّهوّر والإقدام، وانتظار الفرصة المناسبة لينقضّ» ) * «5» . 25- * (وقال بعضهم: «الشّجاع لا يقرّ له قرار ولا يهدأ له بال، ولا يغمض له جفن، ولا يهنأ بطعام أو شراب إذا كان يرى عدوّه طليقا يتحدّاه وينغّص عليه حياته. وبالطّبع فإنّ الفارس الشّجاع لا بدّ أن يكون متمرّسا على الطّعن والرّمي والإبداع في إصابة الهدف بمرماه، ولا يعيب الشّجاع أن يفرّ مرّة أو مرّتين» ) * «6» . 26- * (قالت الحكماء: أصل الخيرات كلّها في ثبات القلب، ومنه تستمدّ جميع الفضائل وهو الثّبوت والقوّة على ما يوجبه العدل والعلم، والجبن غريزة يجمعها سوء الظّنّ بالله تعالى، والشّجاعة غريزة يجمعها حسن الظّنّ بالله تعالى) * «7» .   (1) المستطرف (1/ 313- 314) . (2) صفوة الأخبار (81) . (3) نفس الموضع السابق (4) صفوة الأخبار (82) (5) المرجع السابق (85) (6) صفوة الأخبار (86) (7) سراج الملوك للطرطوشي ج 2 (2/ 667) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2342 من فوائد (الشجاعة) (1) دليل على حسن الظّنّ بالله والتّوكّل عليه. (2) أصلها الّذي يمدّها الإيمان بالله والصّبر، وهي أصل لكلّ فضيلة من النّجدة والمروءة والنّخوة. (3) الشّجاع يحبّه كلّ الخلق ويهابونه حتّى الأعداء. (4) خلق وسط بين التّهوّر والجبن. (5) تظهر في مواطن الشّدّة والمحنة. (6) تبعث في نفس الإنسان قوّة غير مدركة حين يقرأ عن الشّجعان الأقوياء. (7) الرّجل الشّجاع درع لأمّته وصون لها. (8) الشّجاعة تكون في كثير من الأحيان حاسمة لبعض المواقف الشّائكة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2343 الشرف الشرف لغة: مصدر قولهم شرف يشرف، وهو مأخوذ من مادّة (ش ر ف) الّتي تدلّ على علوّ وارتفاع، فالشّرف: العلوّ، والشّريف: الرّجل العالي، ويقال للّذي غلبه غيره بالشّرف مشروف واستشرفت الشّيء إذا رفعت بصرك تنظر إليه، ويقال للأنوف: الأشراف، الواحد شرف، والمشرف: المكان تشرف عليه وتعلوه، ومشارف الأرض: أعاليها، ويقال إنّ الشّرفة: خيار المال واشتقاقه من الشّرفة الّتي تشرّف بها القصور، والجمع شرف. وقال ابن منظور: الشّرف: الحسب بالآباء، شرف يشرف شرفا وشرفة وشرافة وشرفة فهو شريف أي علا في دين أو دنيا والجمع أشراف وشرفاء. والشّرف والمجد لا يكونان إلّا بالآباء. قال: والحسب والكرم يكونان وإن لم يكن له آباء لهم شرف. يقال: هو شرف قومه وكرمهم أي شريفهم وكريمهم. والشّرف: مصدر الشّريف من النّاس، وشريف وأشراف، مثل نصير وأنصار، وشهيد وأشهاد، والجمع شرفاء وأشراف والشّرفة أعلى الشّيء، والشّرف كالشّرفة والجمع أشراف والشّرف: كلّ نشز من الآيات/ الأحاديث/ الآثار 2/ 26/ 18 الأرض قد أشرف على ما حوله. واستعمل أبو إسحاق الزّجّاج الشّرف في القرآن فقال: أشرف آية في القرآن آية الكرسيّ. وقد شرفه وشرف عليه وشرّفه: جعل له شرفا. وشارفت الرّجل: فاخرته أيّنا أشرف وفي الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما ذئبان عاديان أصابا فريقة غنم بأفسد فيها من حبّ المرء المال والشّرف لدينه» . يريد أنّه يتشرّف للمباراة والمفاخرة «1» . الشرف اصطلاحا: قال الكفويّ: الشّرف محرّكة: العلوّ والمكان العالي، وشرفه كنصره: غلبه شرفا أو طاله في الحسب «2» . الفرق بين الشرف والعزة: الفرق بين العزّة والشّرف أنّ العزّة تتضمّن معنى الغلبة والامتناع. فأمّا قولهم عزّ الطّعام فهو عزيز فمعناه قلّ حتّى لا يقدر عليه، فشبّه بمن لا يقدر عليه، لقوّته ومنعته؛ لأنّ العزّ بمعنى القلّة، والشّرف إنّما هو في الأصل شرف المكان، ومنه قولهم: أشرف فلان على الشّيء إذا صار فوقه، ومنه قيل شرفة القصر، وأشرف على التّلف إذا قاربه، ثمّ استعمل في   (1) لسان العرب (9/ 169- 171) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (3/ 263) . (2) الكليات للكفوى (539) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2344 كرم النّسب فقيل للقرشيّ شريف، وكلّ من له نسب مذكور عند العرب شريف ولهذا لا يقال لله تعالى شريف كما يقال له عزيز» . الفرق بين الشرف والمجد: أنّ المجد لا يكون إلّا بالآباء وعلوّ النّسب، والشّرف يكون بذلك وبغيره «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- العزم والعزيمة- العزة- النبل- النزاهة.- علو الهمة- الشهامة. وفي ضد ذلك: انظر صفات:- الذل- صغر الهمة- الضعف- التهاون- الدياثة- التفريط والإفراط] . () الآيات الواردة في «الشرف» معنى 1- * وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) «3» . 2- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «4»   (1) الفروق اللغوية لأبى هلال العسكرى (148) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) الإسراء: 70 مكية (4) الحجرات: 13 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2345 الأحاديث الواردة في (الشرف) 1- * (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّ امرأة سرقت في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه. قال عروة: فلمّا كلّمه أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتكلّمني في حدّ من حدود الله؟» . قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلمّا كان العشيّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّما أهلك النّاس قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ. والّذي نفس محمّد بيده، لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها» . ثمّ أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتلك المرأة فقطعت يدها. فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوّجت. قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. الحديث وفيه: ثمّ قال لترجمانه: سله. كيف حسبه فيكم؟ قال قلت: هو فينا ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: ومن يتّبعه؟ أشراف النّاس «2» أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم ... الحديث، وفيه: قال لترجمانه: قل له. إنّي سألتك عن حسبه، فزعمت أنّه فيكم ذو حسب. وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها. وسألتك: هل كان في آبائه ملك؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك عن أتباعه، أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. وهم أتباع الرّسل. وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا. فقد عرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على الله. وسألتك: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له؟ فزعمت أن لا. وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب «3» وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون. وكذلك الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنّكم قد قاتلتموه. فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا. ينال منكم وتنالون منه. وكذلك الرّسل تبتلى، ثمّ تكون لهم العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنّه لا يغدر. وكذلك الرّسل لا تغدر. وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله، قلت رجل   (1) البخاري- الفتح 7 (4304) واللفظ له. ومسلم (1688) . (2) أشراف الناس: يعني بأشرافهم كبارهم، وأهل الأحساب فيهم. وفيه إسقاط همزة الاستفهام. (3) بشاشة القلوب: يعني انشراح الصدور. وأصلها اللطف بالإنسان عند قدومه وإظهار السرور برؤيته. يقال بش به وتبشبش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2346 ائتمّ بقول قيل قبله. قال: ثمّ قال: بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة والعفاف. قال: إن يكن ما تقول فيه حقّا، فإنّه نبيّ. وقد كنت أعلم أنّه خارج. ولم أكن أظنّه منكم. ولو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه، لأحببت لقاءه. ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. وليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ) * «1» . 3- * (عن عبد الله بن حبشيّ الخثعميّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سئل: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «طول القيام» . قيل: فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال: «جهد المقلّ» . قيل: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر ما حرّم الله عليه» . قيل: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من جاهد المشركين بماله ونفسه» . قيل: فأيّ القتل أشرف؟ قال: «من أهريق دمه وعقر جواده» ) * «2» . 4- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد! عش ما شئت فإنّك ميّت، واعمل ما شئت فإنّك مجزيّ به وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه، واعلم أنّ شرف المؤمن قيام اللّيل، وعزّه استغناؤه عن النّاس) * «3» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا» ) * «4» . 6- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟» . فقال: رجل من أشراف النّاس، هذا والله حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع. قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ مرّ رجل، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله! هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا» ) * «5» . 7- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: مرّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيهوديّ محمّما «6» مجلودا. فدعاهم صلّى الله عليه وسلّم فقال: «هكذا تجدون حدّ الزّاني في كتابكم؟» . قالوا: نعم. فدعا رجلا من علمائهم. فقال: «أنشدك بالله الّذي أنزل التّوراة على موسى! أهكذا تجدون حدّ الزّاني في كتابكم؟» قال: لا. ولولا أنّك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجده الرّجم. ولكنّه كثر في أشرافنا. فكنّا إذا أخذنا الشّريف تركناه. وإذا أخذنا الضّعيف أقمنا عليه الحدّ. قلنا: تعالوا فلنجتمع   (1) البخاري- الفتح 1 (7) . ومسلم (1773) واللفظ له. (2) أبو داود (1449) وقال الشيخ ناصر الألباني (1/ 372) : صحيح. (3) المنذري في الترغيب (1/ 588) وقال: رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وأخرجه الحاكم (4/ 324- 325) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، ولكن هو ضعيف بسند الحاكم، والحديث بمجموع طرقه حسن، وراجع السلسلة الصحيحة (831) . (4) الترمذي (1920) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وقد روي عن عبد الله بن عمرو من غير هذا الوجه، وأحمد (2/ 185، 222) ، وصححه الشيخ شاكر (6733) ، 7073) ، والحاكم (1/ 62) ، وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي، وفي أبي داود (4943) : «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا» . (5) البخاري- الفتح 11 (6447) . (6) محمّما: أي مسوّد الوجه من الحممة وهي الفحمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2347 على شيء نقيمه على الشّريف والوضيع. فجعلنا التّحميم والجلد مكان الرّجم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه» . فأمر به فرجم. فأنزل الله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ.. إلى قوله إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ (المائدة/ 41) يقول: ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم. فإن أمركم بالتّحميم والجلد فخذوه. وإن أفتاكم بالرّجم فاحذروا. فأنزل الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (5/ المائدة/ 45) . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (5/ المائدة/ 47) . في الكفّار كلّها) * «1» . () الأحاديث الواردة في (الشرف) معنى 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «2» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «3» . فيسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر «4» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون. وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: ائتوا آدم. فيأتون آدم. فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر. خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله. وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح! أنت أوّل الرّسل إلى الأرض. وسمّاك الله عبدا شكورا. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم. فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إنّ   (1) مسلم (1700) . (2) فنهس: بمعنى أخذ بأطراف أسنانه. (3) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية. (4) وينفذهم البصر: قال الكسائي: يقال نفذني بصره إذا بلغني وجاوزني. قال ويقال: أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم. فإن جزتهم حتى تخلفتهم قلت نفذتهم بغير ألف. ومعناه: ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم. وقال صاحب المطالع: معناه أنه يحيط بهم الناظر، لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض. أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2348 ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله!، ولا يغضب بعده مثله. وذكر كذباته، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا موسى أنت رسول الله. فضّلك الله، برسالاته وبتكليمه، على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟. ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى عيسى صلّى الله عليه وسلّم. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله، وكلّمت النّاس في المهد. وكلمة منه ألقاها إلى مريم، وروح منه. فاشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر له ذنبا. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فيأتونّي فيقولون: يا محمّد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء. وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فاتي تحت العرش فأقع ساجدا لربّي. ثمّ يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي. ثمّ يقال: يا محمّد! ارفع رأسك، سل تعطه. اشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا ربّ! أمّتي. أمّتي. فيقال: يا محمّد! أدخل الجنّة من أمّتك من لا حساب عليه، من الباب الأيمن من أبواب الجنّة. وهم شركاء النّاس «1» فيما سوى ذلك من الأبواب. والّذي نفس محمّد بيده! إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة «2» لكما بين مكّة وهجر «3» أو كما بين مكّة وبصرى «4» » ) * «5» . 9- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: سمعت الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إنّي لأرى كتائب لا تولّي حتّى تقتل أقرانها. فقال له معاوية- وكان والله خير الرّجلين- أي عمرو! إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور النّاس، من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرّحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز. فقال: اذهبا إلى هذا الرّجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه. فأتياه فدخلا عليه فتكلّما، وقالا له وطلبا إليه. فقال لهما الحسن بن عليّ: إنّا بني عبد المطّلب قد أصبنا من هذا المال، وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في   (1) شركاء الناس: يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب. (2) إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة: المصراعان جانبا الباب. (3) هجر: هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين. قال الجوهري في صحاحه: هجر اسم بلد مذكر مصروف والنسبة إليه هاجري. قال النووي: وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث «إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر» تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع بها. وهي غير مصروفة. (4) وبصرى: بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل. (5) البخاري- الفتح 8 (4712) . ومسلم (194) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2349 دمائها. قالا: فإنّه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به. فما سألهما شيئا إلّا قالا: نحن لك به. فصالحه. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر- والحسن بن عليّ إلى جنبه- وهو يقبل على النّاس مرّة وعليه أخرى، ويقول: «إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ) * «1» . 10- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: اشترى أبو بكر من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما، قال: فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى منزلي، فقال: لا، حتّى تحدّثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنت معه، قال فقال أبو بكر ... الحديث، وفيه: ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه حتّى قدمنا المدينة، فتلقّاه النّاس فخرجوا في الطّريق وعلى الأجاجير «2» ، فاشتدّ الخدم والصّبيان في الطّريق يقولون: الله أكبر، جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، جاء محمّد، قال: وتنازع القوم أيّهم ينزل عليه، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنزل اللّيلة على بني النّجّار أخوال عبد المطّلب لأكرمهم بذلك، فلمّا أصبح غدا حيث أمر. قال البراء بن عازب: أوّل من كان قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدّار، ثمّ قدم علينا ابن أمّ مكتوم الأعمى أخو بني فهر، ثمّ قدم علينا عمر بن الخطّاب في عشرين راكبا، فقلنا: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: هو على أثري، ثمّ قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر معه» ) * «3» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ «4» لا يعرف، قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر، فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللهمّ اصرعه، فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم، فقال: يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا. قال فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان آخر النّهار مسلحة له، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر، فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وحفّوا دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأشرفوا ينظرون، ويقولون: جاء نبيّ   (1) البخاري- الفتح 5 (2704) . (2) الأجاجير: جمع إجار وهو السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط. (3) رواه أحمد (1/ 403) وأصله في الصحيحين. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 154، 156) رقم (3) . (4) أي كأن كلا منهما قد بدا كذلك وإلا فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسنّ من أبي بكر- رضي الله عنه-. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2350 الله. فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله، إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف «1» لهم، فعجّل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه «2» ، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال: فانطلق فهيّأ لنا مقيلا «3» . قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ وقد علمت يهود أنّي سيّدهم، وابن سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر اليهود، ويلكم اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا. قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالها- ثلاث مرار- قال: فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» . قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام اخرج عليهم» . فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «4» . 12- * (عن بريدة بن الحصيب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحساب أهل الدّنيا الّذي يذهبون إليه: المال» ) * «5» . 13- * (عن أبي هريرة؛ أنّ سعد بن عبادة الأنصاريّ؛ قال: يا رسول الله! أرأيت الرّجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا» . قال سعد: بلى، والّذي أكرمك بالحقّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسمعوا إلى ما يقول سيّدكم» ) * «6» . 14- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- كريم يحبّ الكرم، ويحبّ معالي الأخلاق، ويكره سفسافها» ) *» . 15- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه-   (1) يخترف: أي يجتني من الثمار. (2) وهي معه: أي الثمرة التي اجتناها. (3) مقيلا: أي مكانا تقع فيه القيلولة. (4) البخاري- الفتح 7 (3911) . (5) أخرجه النسائي (6/ 64) في النكاح. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 466) : إسناده حسن، ورواه الحاكم (2/ 163) ، (4/ 425) ، والبيهقي (7/ 135- 136) ، وأحمد (5/ 353، 361) ، والنسائي (2/ 71) والحديث بمجموع طرقه حسن. (6) البخاري- الفتح 12 (6846) ، مسلم (1498) . (7) الحاكم (1/ 48) وقال: صحيح الإسناد واللفظ له. والطبراني في الكبير (6/ 181) . حديث رقم (5928) وقال العراقي في تخريج الإحياء: إسناده صحيح (3/ 344) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي. وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 336، 337) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2351 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للقرشيّ مثلي قوّة الرّجل من غير قريش» . قيل للزّهريّ: ما عنى بذلك قال: «نبل الرّأي» ) * «1» . 16- * (عن المسور- رضي الله عنه- أنّه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته فقال له: قل له فليلقني في العتمة. قال: فلقيه فحمد المسور الله وأثنى عليه وقال: أمّا بعد، والله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحبّ إليّ من سببكم وصهركم، ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فاطمة مضغة منّي، يقبضني ما قبضها، ويبسطني ما بسطها، وإنّ الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري، وعندك ابنتها، ولو زوّجتك لقبضها ذلك» ، قال: فانطلق عاذرا له) * «2» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اهجوا قريشا. فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل «3» » . فأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجهم» . فهجاهم فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك. ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت. فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قد آن لكم «4» أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه «5» . ثمّ أدلع لسانه «6» فجعل يحرّكه. فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم بلساني فري الأديم «7» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعجل. فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإنّ لي فيهم نسبا. حتّى يلخّص لك نسبي» . فأتاه حسّان. ثمّ رجع فقال: يا رسول الله قد لخّص لي نسبك. والّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لحسّان: «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك، ما نافحت عن الله ورسوله» . وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هجاهم حسّان فشفى واشتفى» ) * «8» . قال حسّان: هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء   (1) أحمد (4/ 81) ، والهيثمي في المجمع (10/ 26) ، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح. (2) أحمد (4/ 323) وأصله في الصحيحين، والبخاري. الفتح (3767) ، ومسلم (2449) . (3) رشق بالنبل: بفتح الراء، هو الرمي بها. وأما الرشق، بالكسر، فهم اسم للنبل التي ترمى دفعة واحدة. (4) لقد آن لكم: أي حان لكم. (5) الضارب بذنبه: قال العلماء: المراد بذنبه، هنا، لسانه. فشبه نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه إذا اغتاظ وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه. كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه، فجعل يحركه. فشبه نفسه بالأسد. ولسانه بذنبه. (6) أدلع لسانه: أي أخرجه عن الشفتين. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ودلع اللسان بنفسه. (7) لأفرينهم بلساني فري الأديم: أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد. (8) فشفى واشتفى: أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الإسلام والمسلمين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2352 هجوت محمّدا برّا تقيّا «1» ... رسول الله شيمته الوفاء «2» فإنّ أبي ووالده وعرضي «3» ... لعرض محمّد منكم وقاء «4» ثكلت بنيّتي «5» إن لم تروها ... تثير النّقع «6» من كنفي كداء «7» يبارين الأعنّة «8» مصعدات «9» ... على أكتافها الأسل الظّماء «10» تظلّ جيادنا متمطّرات «11» ... تلطّمهنّ بالخمر النّساء «12» فإن أعرضتموه عنّا اعتمرنا «13» ... وكان الفتح وانكشف الغطاء   (1) هجوت محمدا برّا تقيّا: وفي كثير من النسخ: حنيفا، بدل تقيّا. فالبر الواسع الخير والنفع. وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان. وهو اسم جامع للخير. وقيل: البر، هنا، بمعنى المتنزه عن الماثم. وأما الحنيف فقيل هو المستقيم. والأصح أنه المائل إلى الخير. وقيل الحنيف التابع ملة إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم. (2) شيمته الوفاء: أي خلقه. (3) فإن أبي ووالده وعرضي: هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه. لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف. وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم، من نفسه وأسلافه، وكل ما لحقه نقص يعيبه. (4) وقاء: هو ما وقيت به الشيء. (5) ثكلت بنيتي: قال السنوسي: الثكل فقد الولد. وبنيتي تصغير بنت. فهو بضم الباء. وعند النووي بكسر الباء، لأنه قال: وبنيتي أي نفسي. (6) تثير النقع: أي ترفع الغبار وتهيجه. (7) كنفي كداء: أي جانبي كداء. وكداء ثنية على باب مكة. وعلى هذه الرواية في هذا البيت إقواء مخالف لباقيها. وفي بعض النسخ: غايتها كداء. وفي بعضها: موعدها كداء. وحينئذ فلا إقواء. (8) يبارين الأعنة: ويروى: يبارعن الأعنة. قال القاضي: الأول: هو رواية الأكثرين. ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها، وهي منازعتها لها أيضا. وقال الأبّيّ نقلا عن القاضي: يعني أن الخيول لقوتها في نفسها وصلابة أضراسها تضاهي أعنتها الحديد في القوة، وقد يكون ذلك في مضغها الحديد في الشدة. وقال البرقوقي في شرحه للديوان: أي إنها تجاري الأعنة في اللين وسرعة الانقياد. قال: ويجوز أن يكون المعنى، كما قال صاحب اللسان، يعارضها في الجذب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعلك حدائدها. قال القاضي: ووقع في رواية ابن الحذاء: يبارين الأسنة، وهي الرماح. قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها. وقال البرقوقي: مباراتها الأسنة أن يضجع الفارس رمحه فيركض الفرس ليسبق السنان. (9) مصعدات: أي مقبلات إليكم ومتوجهات. يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب فيها مبتدئا. ولا يقال للراجع. (10) الأسل الظماء: الأسل الرماح. والظماء الرقاق. فكأنها لقلة مائها عطاش. وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء. قال البرقوقي: من قولهم أنا ظمان إلى لقائك. (11) تظل جيادنا متمطرات: أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا. (12) تلطمهن بالخمر النساء: الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها. أي يزلن عنهن الغبار. وهذا لعزتها وكرامتها عندهم. وقال البرقوقي: يقول تبعثهم الخيل فتنبعث النساء يضربن الخيل بخمرهن لتردها. وكأن حسان- رضي الله عنه- أوحي إليه بهذا وتكلم به عن ظهر الغيب. فقد رووا أن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل ليرددنها. (13) فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا ... إلخ: قال البرقوقي: اعتمرنا أي أدينا العمرة. وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة. والفرق بينها وبين الحج أن العمرة تكون للإنسان في السنة كلها. والحج في وقت واحد في السنة، ولا يكون إلا مع الوقوف بعرفة، يوم عرفة. وهي مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة. يقول: إن لم تتعرضوا لنا حين تغزوكم خيلنا وأخليتم لنا الطريق، قصدنا إلى البيت الحرام وزرناه، وتم الفتح وانكشف الغطاء عما وعد الله به نبيه، صلوات الله وتسليماته عليه، من فتح مكة. وقال الأبّيّ: ظاهر هذا، كما قال ابن هشام، أنه كان قبل الفتح في عمرة الحديبية، حين صد عن البيت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2353 وإلّا فاصبروا لضراب يوم ... يعزّ الله فيه من يشاء وقال الله: قد أرسلت عبدا ... يقول الحقّ ليس به خفاء وقال الله: قد يسّرت جندا «1» ... هم الأنصار عرضتها للّقاء «2» لنا في كلّ يوم من معدّ «3» ... سباب أو قتال أو هجاء فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء «4» ) * «5» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تنكح المرأة لأربع «6» : لما لها، ولحسبها «7» ، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدّين تربت يداك «8» » ) * «9» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا ... الحديث، وفيه: قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد. قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنّهنّ هوالك ... » ) * «10» . 20- * (عن سمرة- رضي الله عنه- عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحسب: المال، والكرم: التقوى» ) *1» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟   (1) يسرت جندا: أي هيأتهم وأرصدتهم. (2) عرضتها اللقاء: أي مقصودها ومطلوبها. قال البرقوقي: العرضة من قولهم بعير عرضة للسفر، أي قوي عليه. وفلان عرضة للشر أي قوي عليه. يريد أن الأنصار أقوياء على القتال، همتها وديدنها لقاء القروم الصناديد. (3) لنا في كل يوم من معد: قال البرقوقي: لنا، يعني معشر الأنصار. وقوله من معد، يريد قريشا لأنهم عدنانيون. (4) ليس له كفاء: أي ليس له مماثل ولا مقاوم. (5) البخاري- الفتح 6 (3531) . ومسلم (2490) واللفظ له. (6) تنكح المرأة لأربع: الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر بما يفعله الناس في العادة. فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع. وآخرها عندهم ذات الدين. لا أنه أمر بذلك. فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين. (7) لحسبها: الحسب الفعل الجميل للرجل وآبائه. (8) تربت يداك: ترب الرجل إذا افتقر، أي لصق بالتراب. وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر به. والمراد بها الحث والتحريض. (9) البخاري- الفتح 9 (5090) . ومسلم (1466) واللفظ له. (10) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له. ومسلم (2448) (11) الترمذي (3271) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأحمد (5/ 10) . وابن ماجة (4219) . وذكره الحاكم في المستدرك (2/ 163) وصححه ووافقه الذهبي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2354 قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» . قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» . قالوا: لا. قال: «فو الّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. قال فيلقى العبد فيقول: أي فل! «1» ألم أكرمك، وأسوّدك «2» ، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس «3» وتربع «4» ؟ فيقول: بلى. قال فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقولا: لا فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني «5» . ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل! ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي ربّ فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا ربّ آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت ويثني بخير ما استطاع. فيقول: هاهنا إذا «6» . قال ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر «7» من نفسه. وذلك المنافق وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «8» . 22- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحديث، وفيه: قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها «9» فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأبغضتهم. فتحوّلت إلى شجرة أخرى. وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «10» ثمّ شددت «11»   (1) أي فل: معناه: يا فلان وهو ترخيم على خلاف القياس. وقيل: هي لغة بمعنى فلان. حكاها القاضي. (2) أسودك: أي أجعلك سيّدا على غيرك. (3) ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم. (4) تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها. يقال: ربعتهم، أي أخذت ربع أموالهم. ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا. قال القاضي: بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. من قولهم: اربع على نفسك، أي ارفق بها. (5) فإني أنساك كما نسيتني: أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي. (6) هاهنا إذا: معناه قف هاهنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت منكرا. (7) ليعذر: من الإعذار. والمعنى ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه، بحيث لم يبق له عذر يتمسك به. (8) البخاري- الفتح 13 (7437) . ومسلم (2968) . واللفظ له. (9) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك. (10) فاخترطت سيفي: أي سللته. (11) شددت: حملت وكررت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2355 على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «1» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «2» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «3» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «4» في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «5» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون «6» . فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه قال سلمة: فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهره «7» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة. أندّيه «8» مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «9» . حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال قلت: خذها: وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «10» . فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته. فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه «11» ، علوت الجبل. فجعلت أرديهم   (1) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع. (2) الذي فيه عيناه: يريد رأسه. (3) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد. (4) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف. (5) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين. (6) وهم المشركون: هذه اللفظة ضبطوها بوجهين ذكرهما القاضي وغيره. أحدهما وهمّ المشركون على الابتداء والخبر. والآخر وهمّ المشركون، أي همّوا النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وخافوا غائلتهم. يقال: همني الأمر وأهمّني. وقيل: همني أذابني. وأهمني أغمني. وقيل: معناه هم أمر المشركين النبي صلّى الله عليه وسلّم خوف أن يبيتوهم لقربهم منهم. (7) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال. (8) أندّيه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى. (9) فأصك سهما في رحله: أي أضرب. (10) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته. (11) حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه: التضايق ضد الاتساع. أي تدانى. فدخلوا في تضايقه أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه، فصار لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2356 بالحجارة «1» . قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «2» إلّا خلّفته وراء ظهري «3» . وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم «4» أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا. يستخفّون «5» . ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «6» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة «7» فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) . وجلست على رأس قرن «8» . قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا البرح. والله! ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام قال قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن. قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة فارس رسول   (1) فجعلت أرديهم بالحجارة: يعني لما امتنع علي رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم. يقال: ردى الفرس راكبه إذا أسقطه وهوره. (2) حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من، هنا، زائدة. أتى بها لتأكيد العموم. وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا. ومن، في قوله: من ظهر، بيانية. والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من إبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (3) إلا خلفته وراء ظهري: خلفته أي تركته. يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه. (4) ثم اتّبعتهم: هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم. وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع. وهي أشبه بالكلام وأجود موقعا فيه. وذلك أن تبع المجرد واتبع بمعني مشى خلفه على الإطلاق. وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقه. ومنه قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه. وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أنه، بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه. والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم. (5) يستخفون: أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار. (6) آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها واحده إرم كعنب وأعناب. (7) حتى أتوا متضايقا من ثنية: الثنية العقبة والطريق في الجبل. أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة. (8) على رأس قرن: هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2357 الله صلّى الله عليه وسلّم بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجلىّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا غبارهم، شيئا. حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد «1» . ليشربوا منه وهم عطاش قال: فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه» (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم في نغض «3» كتفه. قال قلت: خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع قال: يا ثكلته أمّه أكوعه بكرة «4» . قال قلت: نعم. يا عدوّ نفسه أكوعك بكرة. قال: وأرادوا «5» فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن «6» وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلّأتهم «7» عنه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّذي «8» استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتّبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه «9» في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة   (1) ذا قرد: هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة: ذا قرد. وفي بعضها: ذو قرد وهو الوجه. (2) فحليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث. (3) نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمي بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا. (4) قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف. لأنها من الظروف المتمكنة. (5) وأردوا: قال القاضي: رواية الجمهور بالدال المهملة، ورواه بعضهم بالمعجمة. قال: وكلاهما متقارب المعني. فبالمعجمة معناه خلفوهما. والرذى الضعيف من كل شيء وبالمهملة معناه أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما وتركوهما. ومنه المتردية وأردت الفرس الفارس أسقطته. (6) بسطيحة فيها مذقة من لبن: السطيحة إناء من جلود سطح بعضها على بعض. والمذقة قليل من لبن ممزوج بماء. (7) حلأتهم: كذا هو في أكثر النسخ: حلأتهم. وفي بعضها حليتهم. (8) من الإبل الذي: كذا في أكثر النسخ: الذي. وفي بعضها: التي. وهو أوجه لأن الإبل مؤنثة، وكذا أسماء الجموع من غير الآدميين. والأول صحيح أيضا. وأعاد الضمير إلى الغنيمة، لا إلى لفظ الإبل. (9) نواجذه: أي أنيابه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2358 أتراك كنت فاعلا؟» . قلت: نعم. والّذي أكرمك فقال: «إنّهم الآن ليقرون «1» في أرض غطفان» . قال: فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزورا. فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء «2» . راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا «3» قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، ذرني فلأسابق الرّجل قال: إن شئت، قال قلت: اذهب إليك وثنيت رجلي فطفرت «4» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «5» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «6» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت. والله. قال: أنا أظنّ «7» قال: فسبقته إلى المدينة» الحديث ... ) * «8» . 23- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتيته فقال: «يا جرير لأيّ شيء جئت؟ قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله. قال: فألقى إليّ كساءه ثمّ أقبل على أصحابه وقال: «إذا جآءكم كريم قوم فأكرموه» . وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي) * «9» . 24- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أكرم سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أهانه الله يوم القيامة» ) * «10» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة   (1) ليقرون: أي يضافون، والقرى الضيافة (2) العضباء: هو لقب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم. والعضباء مشقوقة الأذن. ولم تكن ناقته صلّى الله عليه وسلّم كذلك، وإنما هو لقب لزمها. (3) شدّا: أي عدوا على الرجلين. (4) فطفرت: أي وثبت وقفزت. (5) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر. (6) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها. (7) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به. (8) مسلم (1807) . (9) ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر بدون القصة سنن البيهقي (8/ 168) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) وقد ذكر له طرقا كثيرة. (10) أحمد (5/ 42) واللفظ له، والترمذي (2224) وروى الجزء الأخير منه، وقال: حسن غريب، وفي سنده عندهم زيار بن كسيب وثقه بن حبان ولم يجرحه أحد وقال ابن حجر: مقبول. وحسن الترمذي حديثه التقريب (220) والتهذيب (3/ 382) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2359 من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة «1» ، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة «2» ، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «3» . 26- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى سعد فأتى على حمار، فلمّا دنا من المسجد قال للأنصار: «قوموا إلى سيّدكم، أو خيركم» . فقال: هؤلاء نزلوا على حكمك. فقال: «تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريّهم» . قال: «قضيت بحكم الله» . وربّما قال: «بحكم الملك» ) * «4» . () من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الشرف) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قصّة وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخطبة أبي بكر في الأنصار: فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: «ألا من كان يعبد محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فإنّ محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (الزّمر/ 30) . وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ، (آل عمران/ 144) . قال فنشج النّاس يبكون. قال واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير؛ فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطّاب وأبو عبيدة بن الجرّاح، فذهب عمر يتكلّم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلّا أنّي قد هيّأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثمّ تكلّم أبو بكر فتكلّم أبلغ النّاس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منّا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر: لا، ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله   (1) السكينة: فعيلة من السكون والطمأنينة. (2) حفتهم الملائكة: أي أحاطت بهم. (3) مسلم (2699) . (4) البخاري- الفتح 7 (4121) . واللفظ له ومسلم (1768) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2360 صلّى الله عليه وسلّم. فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه النّاس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله» ) * «1» . 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه والجريء يقاتل عمّا لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشّهيد من احتسب نفسه على الله» ) * «2» . 3- * (وقال أيضا- رضي الله عنه-: «تفقّهوا قبل أن تسودوا» . قال أبو عبد الله (أي البخاريّ) وبعد أن تسودوا) * «3» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «كان عمر يقول: أبو بكر سيّدنا وأعتق سيّدنا، يعني بلالا» ) * «4» . 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «ما رأيت أحدا كان أسود من معاوية بن أبي سفيان. قال: قلت ولا عمر؟ قال: كان عمر خيرا من معاوية رضي الله عنهما- وكان معاوية أسود منه» ) * «5» . 6- * (عن عكرمة قال: «السّيّد: الّذي لا يغلبه الغضب» ) * «6» . 7- * (وقال الضّحّاك: «السّيّد: الحليم التقيّ» ) * «7» . 8- * (وقال مرّة: «السّيّد: الحسن الخلق» ) * «8» . 9- * (عن هشام الكلبيّ قال: «قيل لمعاوية: من أسود النّاس؟ فقال: أسخاهم نفسا حين يسأل وأحسنهم في المجالس خلقا، وأحلمهم حين يستجهل» ) * «9» . 10- * (عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنّه أوصى ولده عند موته، قال: «اتّقوا الله- عزّ وجلّ- وسوّدوا أكبركم؛ فإنّ القوم إذا سوّدوا أكبرهم خلفوا أباهم.- فذكر الحديث- فلا تنوحوا عليّ فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم ينح عليه» ) * «10» . 11- * (قال بعض الأنصار: وقال رسول الله والقول قوله ... لمن قال منّا من تسمّون سيّدا فقالوا له جدّ بن قيس على الّتي ... نبخّله فيها وإن كان أسودا فسوّد عمرو بن الجموح لجوده ... وحقّ لعمرو بالنّدى أن يسوّدا) *1» . 12- * (قد روي من طرق ذكرها الصّوليّ   (1) البخاري- الفتح 7 (3668) . (2) تنوير الحوالك (2/ 19) . (3) فتح الباري (1/ 199) . (4) المنتقى من مكارم الأخلاق (115) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المرجع السابق (116) . (10) أحمد (5/ 61) . (11) فتح الباري (5/ 211) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2361 والجريريّ وغير واحد؛ أنّ هشام بن عبد الملك حجّ في خلافة أبيه وأخيه الوليد، فطاف بالبيت، فلمّا أراد أن يستلم الحجر لم يتمكّن حتّى نصب له منبر فاستلم وجلس عليه، وقام أهل الشّام حوله، فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين، فلمّا دنا من الحجر ليستلمه تنحّى عنه النّاس إجلالا وهيبة واحتراما، وهو في بزّة حسنة، وشكل مليح، فقال أهل الشّام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه استنقاصا به، واحتقارا، لئلّا يرغب فيه أهل الشّام، فقال الفرزدق وكان حاضرا: أنا أعرفه، فقالوا: ومن هو؟ فأشار الفرزدق يقول: هذا الّذي تعرف البطحاء «1» وطأته ... والبيت «2» يعرفه والحلّ والحرم هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهر العلم إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ينمى إلى ذروة العزّ الّتي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم «3» إذا ما جاء يستلم يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلّا حين يبتسم بكفّه خيزران ريحها عبق ... من كفّ أروع في عرنينه «4» شمم مشتقّة من رسول الله نبعته ... طابت عناصرها والخيم والشّيم «5» ينجاب نور الهدى من نور غرّته ... كالشّمس ينجاب عن إشراقها الغيم حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا ... حلو الشّمائل تحلو عنده نعم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء الله قد ختموا من جدّه دان فضل الأنبياء له ... وفضل أمّته دانت له الأمم عمّ البريّة بالإحسان فانقشعت «6» ... عنها الغواية والإملاق والظّلم كلتا يديه غياث عمّ نفعهما ... يستوكفان ولا يعروهما العدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره ... يزينه اثنان حسن الحلم والكرم لا يخلف الوعد ميمون نقيبته ... رحب الفناء أريب حين يعتزم من معشر حبّهم دين وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم   (1) البطحاء: أرض منبسطة ومسيل واسع في وسطها مكة. (2) والبيت: البيت العتيق، الكعبة. (3) الحطيم: ما بين ركن الكعبة والباب. وقيل: جدار الكعبة. (4) عرنينه: أنفه. (5) الشيم: الفضائل. (6) فانقشعت: انجلت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2362 يستدفع السّوء والبلوى بحبّهم ... ويستزاد به الإحسان والنّعم مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم ... في كلّ حكم ومختوم به الكلم إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم ... أو قيل: من خير أهل الأرض قيل: هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت ... والأسد أسد الشّرى والبأس محتدم يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم ... خيم كرام وأيد بالنّدى هضم لا ينقص العدم بسطا من أكفّهم ... سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا أيّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأوّلية هذا أوله نعم فليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم من يعرف الله يعرف أوّلية ذا ... فالدّين من بيت هذا ناله الأمم قال: فغضب هشام من ذلك وأمر بحبس الفرزدق بعسفان، بين مكّة والمدينة، فلمّا بلغ ذلك عليّ بن الحسين بعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، فلم يقبلها وقال: إنّما قلت ما قلت لله- عزّ وجلّ- ونصرة للحقّ، وقياما بحقّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذرّيّته، ولست أعتاض عن ذلك بشيء. فأرسل إليه عليّ بن الحسين يقول: قد علم الله صدق نيّتك في ذلك، وأقسمت عليك بالله لتقبلنّها فتقبّلها منه ثمّ جعل يهجو هشاما) * «1» . 13- * (قال ابن القيّم- رحمه الله- في وصف إرادة ربّ العالمين: يا محمّد! أنت تريد أبا طالب ونحن نريد سلمان، أبو طالب إذا سئل عن اسمه قال عبد مناف. وإذا انتسب افتخر بالآباء. وإذا ذكرت الأموال عدّ الإبل. وسلمان إذا سئل عن اسمه قال: عبد الله، وعن نسبه قال ابن الإسلام. وعن ماله قال: الفقر. وعن حانوته قال: المسجد، وعن كسبه قال: الصّبر. وعن لباسه قال: التّقوى والتّواضع. وعن وساده: قال: السّهر. وعن فخره قال: سلمان منّا. وعن قصده قال: يريدون وجهه. وعن سيره قال: إلى الجنّة. وعن دليله في الطّريق قال: إمام الخلق وهادي الأئمّة) * «2» . 14- * (قال الماورديّ- رحمه الله-: «من يعين ولا يستعين، فهو كريم الطّبع، مشكور الصّنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء، فلا يرى ثقيلا في نائبة، ولا يقعد عن نهضة في معونة، فهذا أشرف الإخوان نفسا وأكرمهم طبعا» ) * «3» .   (1) ديوان الفرزدق. ورواية البيت الأخير فيه: من يشكر الله يشكر أوّليّة ذا ... فالدين من بيت هذا ناله الأمم والقصيدة بهذا الترتيب في البداية والنهاية (9/ 180، 109) . (2) الفوائد (56) . (3) أدب الدنيا والدين (173) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2363 15- * (قال الشّعبيّ: لا نرفع العبد فوق سنّته ... ما دام فينا بأرضنا شرف «1» ) * «2» . 16- * (قال النّابغة الذّبيانيّ: ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذّب «3» 17- * (قال المتنبّي: لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى ... حتّى يراق على جوانبه الدّم) * «4» . 18- * (قال الشّاعر: ومن ذا الّذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه) * «5» . () من فوائد (الشرف) (1) شرف المرء بحسن فعاله لا بحسب آبائه. (2) شرف المرء يجلب له المحبّة بين أهله. (3) الشّرف يحجب المرء عن السّقوط في قبيح الأفعال. (4) إذا شرف المرء بحسن عمله اكتسب رضوان الله وغنم محبّته. (5) محمّد صلّى الله عليه وسلّم سيّد ولد آدم في الدّنيا والآخرة وأشرفهم بحسن خلائقه وكرم أصله. (6) الشّرف إذا اتّخذ ذريعة لأغراض غير مشروعة أضلّ صاحبه وأهلكه.   (1) شرف: أي شريف. (2) لسان العرب (9/ 170) . (3) أدب الدنيا والدين (174) . (4) تاريخ الأدب العربي عمر فروح (2/ 477) . (5) أدب الدنيا والدين (174) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2364 الشفاعة الشفاعة لغة: الشّفاعة مصدر قولهم شفع يشفع وهو مأخوذ من مادّة (ش ف ع) الّتي تدلّ على مقارنة الشّيئين، من ذلك الشّفع خلاف الوتر، تقول: كان فردا فشفعته، قال جلّ ثناؤه وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (الفجر/ 3) ، قال أهل التّفسير: الوتر الله تعالى، والشّفع: الخلق، وشفع فلان لفلان إذا جاء ملتمسا مطلبه ومعينا له، والشّفعة في الدّار من هذا؛ لأنّه يشفع بها ماله، وقال الرّاغب: الشّفع ضمّ الشّيء إلى مثله، ومن ذلك: الشّفعة الّتي هي طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمّه إلى ملكه، والشّفعة: الزّيادة، وهي أن يشفّعك فيما تطلب حتّى تضمّه إلى ما عندك فتزيده وتشفعه بها، أي تزيده بها أي إنّه كان وترا، فضمّ إليه ما زاده وشفعه به. وقد كان الرّجل في الجاهليّة إذا أراد بيع منزل أتاه رجل فشفع إليه فيما باع فشفّعه وجعله أولى بالمبيع ممّن بعد فبسببه سمّيت شفعة. وشفع: أيضا طلب، وتقول: شفع لي يشفع شفاعة وتشفّع. والشّفيع: الشّافع. والجمع شفعاء، واستشفع بفلان على فلان، وتشفّع له إليه فشفّعه فيه. وقال الفارسيّ: استشفعه طلب منه الشّفاعة، أي قال له: كن لي شافعا، واستشفعته إلى الآيات/ الأحاديث/ الآثار 16/ 40/ 11 فلان أي سألته أن يشفع لي إليه. وفي التّنزيل: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها (النساء/ 85) . أي من انضمّ إلى غيره وعاونه وصار شفعا له، أو شفيعا في فعل الخير والشّرّ فعاونه وقوّاه شاركه في نفعه وضرّه، وقيل الشّفاعة هاهنا أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير أو شرّ فيقتدي به فيصير كأنّه شفع له، وقول الله عزّ وجلّ- ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (يونس/ 3) أي يدبّر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلّا أن يأذن للمدبّرات والمقسّمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه. وتقول: شفعت في الأمر شفعاء وشفاعة: طالبت بوسيلة وذمام. والشّفاعة: الدّعاء، والشّفاعة: كلام الشّفيع للملك في حاجة يسألها لغيره. والشّافع: الطّالب لغيره، يتشفّع به إلى المطلوب، يقال: تشفّعت بفلان إلى فلان فشفّعني فيه. وتشفّعت إليه في فلان فشفّعني فيه تشفيعا. والمشفّع: الّذي يقبل الشّفاعة، والمشفّع الّذي تقبل شفاعته. واستشفعت بفلان فشفع لي، وشفّعه: أجاب شفاعته ومنه قوله عليه الصّلاة والسّلام «القرآن شافع مشفّع» «1» .   (1) لسان العرب (8/ 183) ، والصحاح (3/ 1238) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2013) ، والمفردات للراغب (263) ، ومختار الصحاح (340) مادة «ش ف ع» . والمصباح المنير (317) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2365 واصطلاحا: قال الرّاغب: الشّفاعة الانضمام إلى آخر ناصرا له وسائلا عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى، ومنه الشّفاعة يوم القيامة «1» . وقال الجرجانيّ وابن المناويّ: هي السّؤال في التّجاوز عن الذّنوب من الّذي وقعت الجناية في حقّه «2» وقال الكفويّ: هي سؤال فعل الخير وترك الضّرّ عن الغير على سبيل الضّراعة «3» . وقال المناويّ (نقلا عن الحراليّ) : الشّفاعة وصلة بين الشّفيع والمشفوع له لمزيد وصلة بين الشّفيع والمشفوع عنده «4» . أنواع الشفاعة: قال ابن أبي العزّ- رحمه الله تعالى- في شرحه للعقيدة الطّحاوية: الشّفاعة أنواع: النّوع الأوّل: الشّفاعة العظمى الخاصّة بنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. النّوع الثّاني: شفاعته صلّى الله عليه وسلّم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيّئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنّة. النّوع الثّالث: شفاعته صلّى الله عليه وسلّم في قوم آخرين قد أمر بهم إلى النّار أن لا يدخلوها. النّوع الرّابع: شفاعته صلّى الله عليه وسلّم في رفع درجات من يدخل الجنّة فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم. النّوع الخامس: الشّفاعة في أقوام ليدخلوا الجنّة بغير حساب وهم السّبعون ألفا. النّوع السّادس: الشّفاعة في تخفيف العذاب عمّن يستحقّه. كشفاعته في عمّه أبي طالب أن يخفّف عنه عذابه. النّوع السّابع: شفاعته صلّى الله عليه وسلّم أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنّة. النّوع الثّامن: شفاعته في أهل الكبائر من أمّته ممّن دخل النّار فيخرجون منها. وهذه الشّفاعة تشاركه فيها الملائكة والنّبيّون والمؤمنون «5» . الفرق بين الشفاعة الشرعية والشفاعة الشّركيّة: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: عند قوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ* قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (الزمر/ 43- 44) . أخبر الله في كتابه أنّ الشفاعة لمن له ملك السّموات والأرض، وهو الله وحده. فهو الّذي يشفع بنفسه إلى نفسه، ليرحم عبده. فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه. فصارت الشّفاعة في الحقيقة إنّما هي له، والّذي يشفع عنده إنّما يشفع بإذنه له وأمره له، بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهي إرادته من نفسه أن يرحم عبده. وهذا ضدّ الشّفاعة الشّركيّة الّتي أثبتها المشركون ومن وافقهم، وهي الّتي أبطلها الله سبحانه في كتابه،   (1) المفردات للراغب (263) . (2) التعريفات للجرجاني (133) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (206) . (3) الكليات للكفوي (536) . (4) التوقيف (206) . (5) شرح العقيدة الطحاوية (525- 257) بتصرف واختصار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2366 بقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ (البقرة/ 123) وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ (البقرة/ 254) وقال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (الأنعام/ 51) وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ (السجدة/ 4) . فأخبر سبحانه أنّه ليس للعباد شفيع من دونه، بل إذا أراد الله سبحانه رحمة عبده أذن هو لمن يشفع فيه. كما قال تعالى: ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (يونس/ 3) وقال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة/ 255) فالشّفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه، ولا الشافع شفيع من دونه، بل شفيع بإذنه. والفرق بين الشّفيعين، كالفرق بين الشّريك والعبد المأمور. فالشّفاعة الّتي أبطلها الله: شفاعة الشّريك فإنّه لا شريك له، والّتي أثبتها: شفاعة العبد المأمور الّذي لا يشفع، ولا يتقدّم بين يدي مالكه حتّى يأذن له. ويقول: اشفع في فلان. ولهذا كان أسعد النّاس بشفاعة سيّد الشّفعاء يوم القيامة أهل التّوحيد، الّذين جرّدوا التّوحيد وخلّصوه من تعلّقات الشّرك وشوائبه، وهم الّذين ارتضى الله سبحانه. قال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (الأنبياء/ 28) وقال: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (طه/ 109) . وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده: هم الرّسل والملائكة المقرّبون. وهم عبيد محض، لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدّمون بين يديه، ولا يفعلون شيئا إلّا بعد إذنه لهم، وأمرهم. ولا سيّما يوم لا تملك نفس لنفس شيئا. فهم مملوكون مربوبون، أفعالهم مقيّدة بأمره وإذنه. فإذا أشرك بهم المشرك، واتّخذهم شفعاء من دونه، ظنّا منه أنّه إذا فعل ذلك تقدّموا وشفعوا له عند الله، فهو من أجهل النّاس بحقّ الرّبّ سبحانه وما يجب له. ويمتنع عليه. فإنّ هذا محال ممتنع، شبيه قياس الرّبّ تعالى على الملوك والكبراء، حيث يتّخذ الرّجل من خواصّهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج. وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام، واتّخذ المشركون من دون الله الشّفيع والوليّ. فالشّفعاء عند المخلوقين: هم شركاؤهم. فإنّ قيام مصالحهم بهم. وهم أعوانهم وأنصارهم، الّذين قيام أمر الملوك والكبراء بهم. ولولا هم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في النّاس، فلحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قبول شفاعتهم. وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشّافع. لأنّهم يخافون أن يردّوا شفاعتهم فتنتقض طاعتهم لهم، ويذهبون إلى غيرهم. فلا يجدون بدّا من قبول شفاعتهم على الكره والرّضى. فأمّا الغنيّ الّذي غناه من لوازم ذاته، وكلّ ما سواه فقير إليه بذاته. وكلّ من في السّماوات والأرض عبيد له، مقهورون بقهره، مصروفون بمشيئته. لو أهلكهم جميعا لم ينقص من عزّه وسلطانه وملكه وربوبيّته وإلهيّته مثقال ذرّة، قال سبحانه في سيّدة آي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2367 القرآن، آية الكرسيّ: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة/ 255) وقال: قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (الزّمر/ 44) . فأخبر أنّ حال ملكه للسّموات والأرض يوجب أن تكون الشّفاعة كلّها له وحده، وأنّ أحدا لا يشفع عنده إلّا بإذنه، فإنّه ليس بشريك، بل مملوك محض. بخلاف شفاعة أهل الدّنيا بعضهم عند بعض. شروط قبول الشفاعة: وسرّ الفرق بين الشّفاعتين: أنّ شفاعة المخلوق للمخلوق، وسؤاله للمشفوع عنده، لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده، لا خلقا، ولا أمرا، ولا إذنا، بل هو سبب محرّك له من خارج كسائر الأسباب الّتي تحرّك الأسباب. وهذا السّبب المحرّك قد يكون عند المتحرّك لأجله ما يوافقه، كمن يشفع عنده في أمر يحبّه ويرضاه، وقد يكون عنده ما يخالفه، كمن يشفع إليه في أمر يكرهه، ثمّ قد يكون سؤاله، وشفاعته أقوى من المعارض، فيقبل شفاعة الشّافع، وقد يكون المعارض الّذي عنده أقوى من شفاعة الشّافع، فيردّها ولا يقبلها، وقد يتعارض عنده الأمران، فيبقى متردّدا بين ذلك المعارض الّذي يوجب الرّدّ، وبين الشّفاعة الّتي تقتضي القبول، فيتوقّف إلى أن يترجّح عنده أحد الأمرين بمرجّح، فشفاعة الإنسان عند المخلوق مثله: هي سعي في سبب منفصل عن المشفوع إليه يحرّكه به، ولو على كره منه، فمنزلة الشّفاعة عنده منزلة من يأمر غيره، أو يكرهه على الفعل، إمّا بقوّة وسلطان، وإمّا برغبة، فلا بدّ أن يحصل للمشفوع إليه من الشّافع إمّا رغبة ينتفع بها، وإمّا رهبة منه تندفع عنه بشفاعته، وهذا بخلاف الشّفاعة عند الرّبّ سبحانه، فإنّه ما لم يخلق شفاعة الشّافع، ويأذن له فيها، ويحبّها منه، ويرضى عن الشّافع، لم يمكن أن توجد. والشّافع لا يشفع عنده لحاجة الرّبّ إليه، ولا لرهبته منه، ولا لرغبته فيما لديه، وإنّما يشفع عنده مجرّد امتثال لأمره وطاعة له. فهو مأمور بالشّفاعة، مطيع بامتثال الأمر. فإنّ أحدا من الأنبياء والملائكة، وجميع المخلوقات لا يتحرّك بشفاعة ولا غيرها إلّا بمشيئة الله تعالى وخلقه. فالرّبّ سبحانه وتعالى هو الّذي يحرّك الشّفيع حتّى يشفع، والشّفيع عند المخلوق هو الّذي يحرّك المشفوع إليه حتّى يقبل. والشّافع عند المخلوق مستغن عنه في أكثر أموره. وهو في الحقيقة شريكه. ولو كان مملوكه وعبده. فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله منه من النّفع بالنّصر، والمعاونة. وغير ذلك. كما أنّ الشّافع محتاج إليه فيما يناله منه: من رزق، أو نصر، أو غيره، فكلّ منهما محتاج إلى الآخر «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التوسل- التعاون على البر والتقوى- التناصر- الضراعة والتضرع- الإخاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- التخاذل- القسوة- التعاون على الإثم والعدوان] .   (1) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 220- 223) بتصرف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2368 الآيات الواردة في «الشفاعة» آيات تثبت عدم قبول الشفاعة: 1- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) «1» 2- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «3» 4- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «4» 5- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) «5» 6- الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) «6»   (1) البقرة: 47- 48 مدنية (2) البقرة: 122- 123 مدنية (3) البقرة: 254 مدنية (4) الأنعام: 50- 51 مكية (5) الأنعام: 70- 71 مكية (6) السجدة: 1- 4 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2369 الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله تعالى: 7- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) «1» 8- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) «2» 9- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) «3» 10- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) «4» 11- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ   (1) البقرة: 255 مدنية (2) يونس: 3- 5 مكية (3) طه: 105- 110 مكية (4) الأنبياء: 25- 29 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2370 قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) » 12- * وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26) «2» الشفاعة لله- عز وجل-: 13- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) «3» الشفاعة يثاب عليها: 14- مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85) «4» الشفاعة للكفار أمنية لا سبيل إليها: 15- وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (53) «5» الشفاعة في سياق التحذير: 16- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) «6»   (1) سبأ: 22- 23 مكية (2) النجم: 26 مكية (3) الزمر: 43- 44 مكية (4) النساء: 85 مدنية (5) الأعراف: 52- 53 مكية (6) الأنعام: 93- 94 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2371 الأحاديث الواردة في (الشفاعة) 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى النّاس عامّة» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها، فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة حتّى إذا كانوا فحما، أذن بالشّفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر «2» . فبثّوا على أنهار الجنّة. ثمّ قيل: يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل» فقال رجل من القوم: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كان بالبادية) * «3» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل شفيع في الجنّة لم يصدّق نبيّ من الأنبياء ما صدّقت، وإنّ من الأنبياء نبيّا ما يصدّقه من أمّته إلّا رجل واحد» ) * «4» . 4- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا جاءه السّائل أو طلبت إليه حاجة قال: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ما شاء» ) * «5» . 5- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني آت من عند ربّي فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا» ) * «6» . 6- * (عن عثمان بن حنيف- رضي الله عنه-: أنّ رجلا ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال: «إن شئت أخّرت لك وهو خير وإن شئت دعوت» . فقال: ادعه. فأمره أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ويصلّي ركعتين، ويدعو بهذا الدّعاء: «اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بمحمّد نبيّ الرّحمة. يا محمّد! إنّي قد توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى اللهمّ فشفّعه فيّ» ) * «7» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:   (1) البخاري- الفتح 1 (335) واللفظ له، ومسلم (521) . (2) الضبائر: جمع ضبارة، والمراد الجماعات المتفرقة. (3) مسلم (185) . (4) مسلم (196) والبخاري تعليقا. (5) البخاري- الفتح 3 (1432) واللفظ له. ومسلم (2627) . (6) الترمذي (2441) واللفظ له، وقال مخرج جامع الأصول: إسناده حسن (10/ 477) . وذكره في المشكاة وعزاه للترمذي وابن ماجة وقال الشيخ ناصر في تخريجه: صحيح (3/ 1558) رقم (5600) . (7) الترمذي (3578) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجة (1385) واللفظ له وقال عقبة قال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح. والحاكم (1/ 313) وقال: صحيح على- الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2372 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل يشفع للرّجلين والثّلاثة» ) * «1» . 8- * (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الرّجل ليسألني الشّيء فأمنعه حتّى تشفعوا فيه فتؤجروا» وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اشفعوا تؤجروا» ) * «2» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر عنده عمّه أبو طالب. فقال: «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة. فيجعل في ضحضاح «3» من نار يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه» ) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتّى غفر له وهي سورة تبارك الّذي بيده الملك» ) * «5» 11-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أحرّم ما بين لابتي المدينة. أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها» . وقال: «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. لا يدعها أحد رغبة عنها إلّا أبدل الله فيها من هو خير منه. ولا يثبت أحد على لأوائها «6» وجهدها إلّا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» ) * «7» . 12- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خيّرت بين الشّفاعة وبين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة فاخترت الشّفاعة، لأنّها أعمّ وأكفى، أترونها للمتّقين؟ لا. ولكنّها للمذنبين، الخطّائين المتلوّثين» ) * «8» . 13- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: سألت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أن يشفع لي يوم القيامة قال: «أنا فاعل بهم» . قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبيّ   - شرطهما وأقره الذهبي. وفي (1/ 519) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وفي (1/ 562) وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأحمد (4/ 138) . وهذا ليس من دعاء غير الله إذ إن ذلك شرك ولكن طلب الدعاء والشفاعة من الحي القادر عليه. (1) البزار في كشف الأستار (4/ 173) ، وذكره الهيثمي في المجمع. وقال: رجاله رجال الصحيح (10/ 382) ، ورواه المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 446) . (2) النسائي (5/ 78) ، وصحيح سنن النسائي (2397) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 64) وقال: صحيح وعزاه للطبراني وهو في الصحيحة برقم (1464) . (3) ضحضاح: الضحضاح ما رقّ من الماء على وجه الأرض نحو الكعبين. (4) البخاري- الفتح 7 (3885) ، ومسلم (210) واللفظ له. (5) الترمذي (2891) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود (1400) . وابن ماجة (3786) . أحمد (2/ 299) رقم (7962) وقال شاكر: إسناده صحيح (15/ 129) . وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه لأهل السنن (4/ 395) . (6) لأوائها: شدّتها. (7) مسلم (1363) وبعضه عند البخاري من حديث أبي هريرة. الفتح 3 (1869) (8) ابن ماجة (4311) وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وله شاهد عن ابن عمر من طريق صحيحة عند الطبراني قال عنها الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة (مجمع الزوائد 10/ 378) وطريق أخرى ضعيفة عند أحمد (2/ 75) وضعفها الشيخ شاكة رقم (5452) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2373 الله قال: «اطلبني أوّل ما تطلبني على الصّراط» قال: قلت: فإذا لم ألقك على الصّراط. قال: «فأنا عند الميزان» . قال: قلت فإن لم ألقك عند الميزان. قال: «فأنا عند الحوض لا أخطأ هذه الثّلاث مواطن يوم القيامة» ) * «1» . 14- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين، وجاءته وفود هوازن فقالوا: يا محمّد إنّا أهل وعشيرة، فمنّ علينا، منّ الله عليك، فإنّه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك. فقال: «اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم» . قالوا: خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا، فقال: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم، فإذا صلّيت الظّهر، فقولوا: إنّا نستشفع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المؤمنين وبالمؤمنين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نسائنا وأبنائنا» . قال: ففعلوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم» . وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالت الأنصار: مثل ذلك، وقال عيينة بن بدر: أمّا ما كان لي ولبني فزارة فلا، وقال الأقرع بن حابس: أمّا أنا وبنو تميم فلا، وقال عبّاس ابن مرداس: أمّا أنا وبنو سليم فلا، فقالت الحيّان: كذبت، بل هو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها الناس ردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن تمسّك بشيء من الفيء فله علينا ستّة فرائض من أوّل شيء يفيئه الله علينا» . ثمّ ركب راحلته، وتعلّق به النّاس، يقولون: اقسم علينا فيئنا بيننا، حتّى ألجأوه إلى سمرة فخطفت رداءه، فقال: «يا أيّها النّاس: ردّوا عليّ ردائي، فو الله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم، ثمّ لا تلفوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا» . ثمّ دنا من بعيره، فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصابعه السّبّابة والوسطى، ثمّ رفعها، فقال: «يا أيّها النّاس ليس لي من هذا الفيء ولا هذه إلّا الخمس، والخمس مردود عليكم فردّوا الخياط والمخيط، فإنّ الغلول يكون على أهله يوم القيامة عارا ونارا وشنارا، فقام رجل معه كبّة من شعر، فقال: إنّي أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر «2» ، قال: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لك» ، فقال الرّجل: يا رسول الله أمّا إذ بلغت ما أرى، فلا أرب لي بها، ونبذها) * «3» . 15- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصّيام: أي ربّ   (1) الترمذي (2433) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأحمد (3/ 178) واللفظ له. والظاهر والله أعلم أن هذا حوض آخر غير الكوثر لأن المعروف أنه قبل الصراط انظر النهاية لابن كثير (2/ 36) . (2) الدّبر: الجرح الذي يكون في ظهر البعير، وقيل: هو أن يقرح خفّ البعير. (3) أحمد (2/ 184) واللفظ له، وقال شاكر: إسناده صحيح (11/ 18) رقم (6729) . وروى أبو داود بعضه (2694) . والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 336، 337) ، ورواه النسائي مطولا (6/ 262- 264) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2374 منعته الطّعام والشّهوات بالنّهار فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النّوم باللّيل فشفّعني فيه. قال: فيشفّعان» ) * «1» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (الإسراء/ 79) : سئل عنها قال: «هي الشّفاعة» ) * «2» . 17- * (عن خادم للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (رجل أو امرأة) قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممّا يقول للخادم ألك حاجة؟ قال: حتّى كان ذات يوم قال: يا رسول الله حاجتي. قال: «وما حاجتك؟» . قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة. قال: «ومن دلّك على هذا؟» . قال: ربّي- عزّ وجلّ-. قال: «إمّا لا فأعنّي بكثرة السّجود» ) * «3» . 18- * (عن المقدام بن معد يكرب أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للشّهيد عند الله ستّ خصال: يغفر له في أوّل دفعة، ويرى مقعده من الجنّة. ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدّنيا وما فيها، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفّع في سبعين من أقاربه» ) * «4» 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبأ دعوتي شفاعة لأمّتي في الآخرة» ) * «5» . 20- * (عن عبد الله بن شقيق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليدخلنّ الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي، أكثر من بني تميم» ) * «6» . 21- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان. فقال: يا كريب! انظر ما اجتمع له من النّاس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له. فأخبرته. فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت،   (1) الحاكم (1/ 554) ، أحمد (2/ 174) واللفظ له. وقال شاكر: إسناده صحيح (10/ 118) . وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال الطبراني رجال الصحيح (3/ 181) . وذكره ابن كثير في التفسير (1/ 93) . (2) الترمذي (3137) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، وأحمد (2/ 441، 444، 528) . وصحح إسناده الشيخ شاكر. (3) أحمد (3/ 500) واللفظ له، وقال الهيثمي في المجمع (2/ 249) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. والحديث أصله عند مسلم (498) . (4) الترمذي (1663) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجه (2799) . وأحمد (4/ 131) . وسنده صحيح. (5) البخاري- الفتح 11 (6304) واللفظ له. ومسلم (198) . (6) أحمد (3/ 469) ، (5/ 366) ، والدارمي (2/ 328) ، وابن ماجة (4316) ، والحاكم (1/ 570- 571) ، وأيضا الترمذي (2438) وقال: حسن صحيح غريب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2375 فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «1» . 22- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ميّت تصلّي عليه أمّة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلّا شفّعوا فيه» ) * «2» . 23- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما تقولون في هذا؟» . قالوا: حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع، وإن قال أن يستمع. قال: ثمّ سكت. فمرّ رجل من فقراء المسلمين، فقال: «ما تقولون في هذا؟» . قالوا: حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يستمع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» ) * «3» . 24- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استطاع أن يموت بالمدينة، فليمت بها، فإنّي أشفع لمن يموت بها» ) * «4» . 25- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» . قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة صحوا ليس معها سحاب؟، وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟» . قالوا: لا. يا رسول الله! قال: «ما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما «5» . إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّن ليتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب، إلّا يتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ وفاجر. وغبّر أهل الكتاب «6» . فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟. قالوا: كنّا نعبد عزير ابن الله. فيقال: كذبتم، ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فماذا تبغون؟. قالوا: عطشنا. يا ربّنا فاسقنا. فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النّار كأنّها سراب «7» يحطم بعضها بعضا. فيتساقطون في النّار. ثمّ يدعى   (1) مسلم (948) . (2) مسلم (947) . (3) البخاري- الفتح 9 (5091) . (4) الترمذي (3917) واللفظ له، وقال: حسن غريب من حديث أيوب السختياني. وابن ماجة (3112) . والحديث عند أحمد (2/ 74، 104) رقم (5437، 5818) . وقال مخرج جامع الأصول (9/ 321) : رواه أحمد وإسناده صحيح ونقل كلام الترمذي إلا أنه قال: حسن صحيح (9/ 321) . وصحح إسناده الشيخ شاكر (7/ 222) . (5) ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما: معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا. (6) وغبّر أهل الكتاب: معناه بقاياهم. جمع غابر. (7) كأنها سراب: السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لا معا مثل الماء يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2376 النّصارى. فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد المسيح ابن الله. فيقال لهم: كذبتم. ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا. يا ربّنا فاسقنا. قال فيشار إليهم: ألا تردون؟. فيحشرون إلى جهنّم كأنّها سراب يحطم بعضها بعضا «1» فيتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله تعالى من برّ وفاجر، أتاهم ربّ العالمين- سبحانه وتعالى- في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها قال: فما تنتظرون؟ تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربّنا فارقنا النّاس في الدّنيا أفقر ما كنّا إليهم «2» ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. لا نشرك بالله شيئا (مرّتين أو ثلاثا) حتّى إنّ بعضهم ليكاد أن ينقلب «3» . فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق «4» . فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلّا أذن الله له بالسجود. ولا يبقى من كان يسجد اتّقاء ورياء إلّا جعل الله ظهره طبقة واحدة «5» . كلّما أراد أن يسجد خرّ على قفاه. ثمّ يرفعون رؤوسهم، وقد تحوّل في صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة. فقال: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. ثمّ يضرب الجسر على جهنّم. وتحلّ الشّفاعة «6» . ويقولون: اللهمّ سلّم سلّم» . قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: «دحض مزلّة «7» فيه خطاطيف وكلاليب وحسك «8» . تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السّعدان. فيمرّ المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالرّيح وكالطّير وكأجاويد الخيل والرّكاب «9» . فناج   (1) يحطم بعضها بعضا: معناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها. والحطم الكسر والإهلاك. والحطمة اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما يلقى فيها. (2) فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم: معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم. (3) ينقلب: أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى. (4) فيكشف عن ساق: ضبط يكشف بفتح الياء وضمها. وهما صحيحان. (5) ظهره طبقة واحدة: قال الهروي وغيره: الطبق فقار الظهر، أي صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى. (6) ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة: الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان: وهو الصراط. ومعنى تحل الشفاعة: بكسر الحاء وقيل بضمها: أي تقع ويؤذن فيها. (7) دحض مزلة: الدحض والمزلة بمعنى واحد. وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر. ومنه: دحضت الشمس أي مالت. وحجة داحضة أي لا ثبات لها. (8) فيها خطاطيف وكلاليب وحسك: أما الخطاطيف فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد والكلاليب بمعناه. وأما الحسك فهو شوك صلب من حديد. (9) وكأجاويد الخيل والركاب: من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال في النهاية: الأجاويد جمع أجواد، وهو جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطي. والركاب أي الإبل، واحدتها راحلة من غير لفظها. فهو عطف على الخيل. والخيل جمع الفرس من غير لفظه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2377 مسلّم. ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنّم «1» . حتّى إذا خلص المؤمنون من النّار، فو الّذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشدّ مناشدة لله، في استقصاء الحقّ «2» ، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار. يقولون: ربّنا كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم. فتحرّم صورهم على النّار. فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النّار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه. ثمّ يقولون: ربّنا ما بقي فيها أحد ممّن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير «3» فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها أحدا ممّن أمرتنا. ثمّ يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها ممّن أمرتنا أحدا. ثمّ يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها خيرا «4» » . وكان أبو سعيد الخدريّ يقول: إن لم تصدّقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (النساء/ 40) » . فيقول الله عزّ وجلّ-: شفعت الملائكة وشفع النّبيّون وشفع المؤمنون. ولم يبق إلّا أرحم الرّاحمين. فيقبض قبضة من النّار «5» فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطّ. قد عادوا حمما «6» . فيلقيهم في نهر في أفواه الجنّة «7» يقال له نهر الحياة. فيخرجون كما تخرج الحبّة في حميل السّيل «8» . ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشّجر. ما يكون إلى الشّمس أصيفر وأخيضر. وما يكون   (1) ناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم: معناه أنهم ثلاثة أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا. وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص. وقسم يكدس ويلقى فيسقط في جهنم. قال في النهاية: وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط. ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد. والكدش: الطرد والجرح أيضا. (2) في استقصاء الحق: أي تحصيله من خصمه والمتعدي عليه. (3) من خير: قال القاضي عياض- رحمه الله-: قيل: معنى الخير هنا اليقين. قال: والصحيح إن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان. لأن مجرد الإيمان الذي هو التصديق، لا يتجزأ. وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي، أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى، ونية صادقة. (4) لم نذر فيها خيرا: هكذا هو خير بإسكان الياء أي صاحب خير. (5) فيقبض قبضة من النار: معناه يجمع جمعة. (6) قد عادوا حمما: معنى عادوا صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك. بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة. (7) في أفواه الجنة: الأفواه جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس. وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها. قال صاحب المطالع: كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها. (8) الحبة في حميل السيل: الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت في الحشيش. وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره. فعيل بمعنى مفعول. فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة. فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2378 منها إلى الظّلّ يكون أبيض «1» ؟» . فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال: «فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم «2» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله «3» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة، فما رأيتموه، فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟. فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «4» . 26- * (عن رويفع بن ثابت الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال اللهمّ صلّ على محمّد وأنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة شفعت له» ) * «5» . 27- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: لمن سأله عن الورود. فقال: «نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق النّاس «6» ، قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد، الأوّل فالأوّل، ثمّ يأتينا ربّنا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟. فيقولون: ننظر ربّنا. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: حتّى ننظر إليك. فيتجلّى لهم يضحك. فينطلق بهم ويتّبعونه. ويعطى كلّ إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا. ثمّ يتّبعونه. وعلى جسر جهنّم كلاليب وحسك. تأخذ من شاء الله. ثمّ يطفأ نور المنافقين. ثمّ ينجو المؤمنون. فتنجو أوّل زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر. سبعون ألفا لا يحاسبون. ثمّ الّذين يلونهم كأضوأ نجم في السّماء. ثمّ كذلك. ثمّ تحلّ الشّفاعة. ويشفعون حتّى يخرج من النّار من قال: لا إله إلّا الله. وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنّة. ويجعل أهل النّار يرشّون عليهم الماء حتّى ينبتوا نبات الشّيء في السّيل. ويذهب حراقه «7» . ثمّ يسأل حتّى تجعل له الدّنيا وعشرة أمثالها معها» ) * «8» . 28- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّه   (1) ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض: أما يكون في الموضعين الأولين فتامة. ليس لها خبر. معناها ما يقع. وأصيفر وأخيضر مرفوعان. وأما يكون أبيض، فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها. (2) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. قال صاحب التحرير: المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ. (3) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله. (4) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (183) واللفظ له. (5) أحمد (4/ 108) . والطبراني في الكبير (5/ 26) واللفظ له. وقال الهيثمي في المجمع (1/ 163) : رواه البزار والطبراني في الكبير وأسانيدهم حسنة. (6) هكذا وقع هذا اللفظ في جميع الأصول من صحيح مسلم، وهو تصحيف وتغيير وقال القاضي عياض: هذه صورة الحديث في جميع النسخ وفيه تغيير كثير وتصحيف وصوابه: نجيء يوم القيامة على كوم. وفي حديث كعب بن مالك: يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل. (7) الحراق: أثر النار. (8) مسلم (191) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2379 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يحمل النّاس على الصّراط يوم القيامة فتتقادع «1» بهم جنبة الصّراط تقادع الفراش في النّار. قال فينجّي الله- تبارك وتعالى- برحمته من يشاء. قال: ثمّ يؤذن للملائكة والنّبيّين والشّهداء أن يشفعوا فيشفعون ويخرجون ويشفعون ويخرجون ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرّة من إيمان» ) * «2» . 29- * (عن عبد الله بن شقيق- رضي الله عنه- قال: كنت مع رهط بإيلياء، فقال رجل منهم: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يدخل الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي أكثر من بني تميم» ، قيل: يا رسول الله سواك؟. قال: «سواي» . فلمّا قام، قلت: من هذا؟. قالوا: هذا ابن أبي الجدعاء) * «3» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قيل يا رسول الله: من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلّا الله خالصا من قلبه، أو نفسه» ) * «4» . () الأحاديث الواردة في (الشفاعة) معنى 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- ليرفع الدّرجة للعبد الصّالح في الجنّة، فيقول: يا ربّ أنّى لي هذه، فيقول: باستغفار ولدك لك» ) * «5» . 32- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي. فقرأ قراءة أنكرتها عليه. ثمّ دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه. فلمّا قضينا الصّلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرآ. فحسّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شأنهما. فسقط في نفسي من التّكذيب «6» ولا إذ كنت في الجاهليّة، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا. وكأنّما أنظر إلى الله- عزّ وجلّ- فرقا.   (1) فتتقادع بهم جنبتا الصراط: أي تسقطهم فيها. (2) أحمد (5/ 43) واللفظ له. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. ورواه الطبراني في الصغير والكبير بنحوه. ورواه البزار أيضا ورجاله رجال الصحيح (10/ 359) . والحديث عند البزار كما في كشف الأستار (4/ 171) رقم (3467) . وقال البزار: إسناده مرضيون. (3) الترمذي (2438) واللفظ له، وقال: حسن صحيح غريب. وقال مخرج جامع الأصول: هو كما قال (9/ 201) . وكذلك ابن ماجة (4316) . وأحمد (5/ 366) . الدارمي (2/ 423) . والحاكم (1/ 70- 71) وقال: هذا حديث صحيح قد احتجوا برواته. (4) البخاري- الفتح 1 (99) . (5) ابن ماجة (3660) وقال في الزوائد: إسناده صحيح. وأحمد (2/ 509) واللفظ له رقم (10618) . وقال مخرجه: إسناده صحيح (20/ 158) . (6) معنى قول: فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية: وسوس إليه الشيطان تكذيبا لم يعتقده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2380 فقال لي: «يا أبيّ! أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف. فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي. فردّ إليّ الثّانية: اقرأه على حرفين. فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي. فردّ إليّ الثّالثة: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكلّ ردّة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتي. اللهمّ اغفر لأمّتي. وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلّهم حتّى إبراهيم عليه السّلام» ) * «1» . 33- * (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الّذين كانوا يعملون به. تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أمثال، ما نسيتهنّ بعد، قال: كأنّهما غمامتان أو ظلّتان سوداوان بينهما شرق «2» أو كأنّهما حزقان «3» من طير صوافّ تحاجّان عن صاحبهما» ) * «4» . 34- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يبعث النّاس يوم القيامة، فأكون أنا وأمّتي على تلّ ويكسوني ربّي تبارك وتعالى- حلّة خضراء. ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذاك المقام المحمود» ) * «5» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا ربّ حلّه، فيلبس تاج الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ زده فيلبس حلّة الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكلّ آية حسنة» ) * «6» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشفاعة) 36- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ أباه توفّي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلّم جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليشفع له إليه، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّم اليهوديّ، ليأخذ تمر نخله بالّتي له فأبى، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّخل فمشى فيها، ثمّ قال لجابر: «جدّ له فأوف له الّذي له» ، فجدّه بعد ما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره بالّذي كان فوجده يصلّي العصر، فلمّا انصرف أخبره بالفضل، فقال: «أخبر ذلك ابن الخطّاب» ، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليباركنّ فيها) * «7» . 37- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «إنّ زوج بريرة كان عبدا يقال له: مغيث، كأنّي أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته،   (1) مسلم (820) . (2) الشرق: الضياء والنور. (3) حزقاق: الحزق والحزيقة: الجماعة من كل شيء. (4) مسلم (805) . (5) أحمد (3/ 456) واللفظ له، وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأحد إسنادي الكبير رجاله رجال الصحيح. والحاكم (2/ 263) وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي. (6) الترمذي (2915) واللفظ له. والدارمي (2/ 522) رقم (3311) . (7) البخاري- الفتح 5 (2396) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2381 فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعبّاس: «يا عبّاس! ألا تعجب من حبّ مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لو راجعته» . قالت: يا رسول الله! أتأمرني؟. قال: «إنّما أنا أشفع» ، قالت: لا حاجة لي فيه) * «1» . 38- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سلمة وقد شقّ بصره فأغمضه، ثمّ قال: «إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر» ، فضجّ ناس من أهله، فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلّا بخير، فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» ، ثمّ قال: «اللهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره ونوّر له فيه» ) * «2» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سألت ربّي- عزّ وجلّ- فوعدني أن يدخل من أمّتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كلّ ألف سبعين ألفا، فقلت: أي ربّ! إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمّتي. قال: إذن أكملهم لك من الأعراب» ) * «3» . 40- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة كذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو النّاس. خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه، فيستحي. ائتوا نوحا، فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول ائتوا خليل الرّحمن. فيأتونه، فيقول: لست هناكم ائتوا موسى عبدا كلّمه الله وأعطاه التّوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم ويذكر قتل النّفس بغير نفس، فيستحي من ربّه فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فيأتوني، فأنطلق حتّى أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفّع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي مثله- ثمّ أشفّع فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة. ثمّ أعود الرّابعة فأقول: ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثمّ يخرج من النّار من قال: لا إله إلّا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برّة، ثمّ يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله، وكان في قلبه (من الخير) ما يزن ذرّة» ) * «4» .   (1) البخاري- الفتح 9 (5283) واللفظ له. وخرجه مسلم من حديث عائشة- رضي الله عنها- (1504) . (2) مسلم (920) . (3) أحمد (2/ 359) واللفظ له، وقال الشيخ شاكر (6/ 288) رقم (8692) : رمز له السيوطي في الجامع الصغير بأنه صحيح. وذكره الشيخ ناصر في صحيح الجامع (2/ 197) . وهو في الصحيحة (1879) . (4) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له. ومسلم (193) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2382 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الشفاعة) 1- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-: «يجيء القرآن يشفع لصاحبه، يقول: يا ربّ لكلّ عامل عمالة من عمله، وإنّي كنت أمنعه اللّذّة والنّوم فأكرمه، فيقال: ابسط يمينك فيملأ من رضوان الله، ثمّ يقال: ابسط شمالك فيملأ من رضوان الله، ويكسى كسوة الكرامة، ويحلّى حلية الكرامة ويلبس تاج الكرامة» ) * «1» . 2- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: «يجيء القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه فيكون له قائدا إلى الجنّة، ويشهد عليه، ويكون سائقا به إلى النّار» ) * «2» . 3- * (وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ هذا القرآن مأدبة الله فتعلّموا من مأدبته ما استطعتم، إنّ هذا القرآن حبل الله والنّور والشّافع النّافع، عصمة لمن تمسّك به، ونجاة لمن اتّبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوجّ فيقوّم ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرّدّ، فاتلوه فإنّ الله يأجركم على تلاوته، بكلّ حرف عشر حسنات، أما إنّي لا أقول: الم، ولكن بألف ولام وميم» ) * «3» . 4- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «السّابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنّة برحمة الله، والظّالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنّة بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» . 5- * (قال عروة بن الزّبير: «لقي الزّبير سارقا فشفّع فيه، فقيل له حتّى يبلغ الإمام، فقال: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشّافع والمشفّع» ) * «5» . 6- * (قال عكرمة- رحمه الله تعالى-: «إنّ عبّاسا وعمّارا والزّبير أخذوا سارقا فخلّوا سبيله فقلت لابن عبّاس: بئسما صنعتم حين خلّيتم سبيله، فقال: لا أمّ لك! أما لو كنت أنت لسرّك أن يخلّى سبيلك» ) * «6» . 7- * (كان أبو المليح- رحمه الله تعالى- يصلّي على جنازة فظنّوا أنّه قد كبّر، فأقبل عليهم بوجهه وقال: «أقيموا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم» ) * «7» . 8- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: أحبّ الصّالحين ولست منهم ... لعلّي أن أنال بهم شفاعة   (1) الدارمي (2/ 523) رقم (3312) . (2) الدارمي (2/ 525) رقم (3325) . (3) الدارمي (2/ 523- 524) رقم (3325) واللفظ له. والحاكم (1/ 566) وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 267- 269) رقم (660) . (4) تفسير ابن كثير (3/ 555) . (5) قال الحافظ: رواه الطبراني، وقال: والحديث عند ابن أبي شيبة بسند حسن (12/ 87) . (6) قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح (12/ 90) . (7) النسائي (4/ 76) بتصرف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2383 وأكره من تجارته المعاصي ... ولو كنّا سواء في البضاعة) * «1» . 9- (قال أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى- لتلميذه مهنّا لمّا سأله فقال: رجل ظلمني وتعدّى عليّ ووقع في شيء عند السّلطان أعين عليه عند السّلطان؟ قال أحمد: «لا، بل اشفع فيه إن قدرت» . قال: سرقني في المكيال والميزان أدسّ إليه من يوقفه على السّرقة؟. قال أحمد: «إن وقع في شيء فقدرت أن تشفع له فاشفع له» ) * «2» . 10- * (قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى-: «نقل ابن عبد البرّ وغيره: جواز الشّفاعة فيما يقتضي التّعزير» ) * «3» . 11- * (وقال ابن عبد البرّ أيضا: «لا أعلم خلافا أنّ الشّفاعة في ذوي الذّنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السّلطان، وأنّ على السّلطان أن يقيمها إذا بلغته» ) * «4» . () من فوائد (الشفاعة) (1) من دلائل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) دليل كم ال شفقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. (3) بها ترفع الدّرجات وتقال العثرات وتقضى الحاجات. (4) دليل حبّ الله ورضاه عن الشّافع والمشفوع به لمن وقعت منه، ووسيلة الحبّ والرّضا لمن يتطلّع إليه. (5) هي للمسلمين أحبّ من فضائل أعمالهم. (6) دليل حبّ الخير للآخرين وحسن الظّنّ بهم. (7) يحتاج إليها كلّ الخلق يوم القيامة حتّى الفضلاء والمقرّبون. (8) دليل رقّة قلب الشّافع ورحمته بغيره. (9) تزيد من الألفة والتّرابط بين الأفراد في المجتمع الإسلاميّ.   (1) ديوان الشافعي (ص 90) . (2) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/ 203) . (3) الفتح (12/ 90) بتصرف. (4) الفتح (12/ 98) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2384 الشفقة الشفقة لغة: هي الاسم من الإشفاق، وكذلك الشّفق وهي مأخوذة من مادّة (ش ف ق) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على رقّة في الشّيء فمن ذلك قولهم أشفقت من الأمر إذا رققت وحاذرت، وربّما قالوا شفقت، وقال أكثر أهل اللّغة لا يقال إلّا أشفقت وأنا مشفق (وشفيق) . فأمّا قول القائل: كما شفقت على الزّاد العيال فليس من هذا الباب وإنّما معناه بخلت به، إذا قلت أشفقت منه فإنّما تعني حذرته. ويقال شفقت وأشفقت بمعنى واحد وأنكر ذلك أهل اللّغة، والشّفق يأتي على معان منها: بمعنى الشّفقة وذلك كما في قول الشّاعر (إسحاق بن خلف) أو ابن المعلّى: تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا ... والموت أكرم نزّال على الحرم والشّفق: بقيّة ضوء الشّمس وحمرتها في أوّل الآيات/ الأحاديث/ الآثار 8/ 6/ 5 اللّيل إلى قريب من العتمة، وقيل: هي الحمرة من غروب الشّمس إلى وقت العشاء. قال ابن الأثير في مواقيت الصّلاة: حتّى يغيب الشّفق. الشّفق من الأضداد: يقع على الحمرة الّتي ترى في المغرب بعد مغيب الشّمس وبه أخذ الشّافعيّ، وعلى البياض الباقي في الأفق الغربيّ وبه أخذ أبو حنيفة. وقال الفرّاء: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب كأنّه الشّفق، الشّفق هنا الحمرة. ويأتي الشّفق أيضا بمعنى الرّديء من الأشياء، وبمعنى الخيفة (الخوف) تقول أنا مشفق عليك أي أخاف، وأشفقت عليه (خفت) أن يناله مكروه، وأشفق عليه: حذر، وأشفق منه جزع. وقال ابن منظور: الشّفق والشّفقة: الخيفة من شدّة النّصح والشّفق أيضا الشّفقة، وهو أن يكون النّاصح- من عدم بلوغ النّصح خائفا على المنصوح «1» ، والشّفيق: النّاصح الحريص على   (1) في الأصل أن يكون الناصح من بلوغ النصح خائفا على المنصوح، ولعله سقط في المطبوعة لأن الخشية تكون من عدم البلوغ لا من البلوغ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2385 صلاح المنصوح، وقول الله تعالى قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (الطور/ 26) أي كنّا في أهلنا خائفين لهذا اليوم، وشفيق بمعنى مشفق مثل أليم بمعنى مؤلم، وفي حديث بلال أنّه كان يفعل ذلك شفقا من أن يدركه الموت، الشّفق (هنا) والإشفاق: الخوف. والشّفق والشّفقة (أيضا) رقّة من نصح أو حبّ يؤدّي إلى خوف «1» . اصطلاحا: قال الرّاغب: الإشفاق (والشّفقة) عناية مختلطة بخوف؛ لأنّ المشفق يحبّ المشفق عليه، ويخاف ما يلحقه (من أذى) فإذا عدّي ب «من» فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدّي ب «في» فمعنى العناية فيه أظهر «2» . وقال المناويّ: الشّفقة: صرف الهمّة إلى إزالة المكروه عن النّاس «3» . [للاستزادة: انظر صفات: تفريج الكربات- الحنان- الرأفة- الرحمة- الرفق- العطف- التيسير الإحسان- تكريم الإنسان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- سوء المعاملة- العنف- القسوة- التعسير- الإساءة] .   (1) انظر في ذلك: مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 197) الصحاح للجوهري (4/ 1501) ، ولسان العرب (شفق) (ص 2292) ط. دار المعارف، والنهاية لابن الأثير (2/ 487) . (2) المفردات للراغب (264) ، وإلى مثل هذا ذهب كل من الكفوي (في الكليات ص 469) ، والفيروز آبادي (في البصائر ص 33) إلا أنهما ذكرا «على» بدلا من «في» لمعنى العناية ولا تعارض بين الرأيين؛ لأن الفعل أشفق يعدّى بكليهما للمعنى نفسه. (3) وإلى مثل هذا ذهب الجرجاني في التعريفات (127) إلّا أن هناك تصحيفا إذا وردت «الشّفعة» بفاء ساكنة تليها عين مفتوحة، وقد جاء التصويب من المصادر الأخرى التي ربما أخذت عن نسخ صحيحة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2386 الآيات الواردة في «الشفقة» آيات الاشفاق فيها من الله- عز وجل-: 1- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «1» 2- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «2» آيات الإشفاق فيها من الساعة: 3- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) «3» 4- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) «4» آيات الإشفاق فيها من عذاب الله: 5- * إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) «5»   (1) الأنبياء: 25- 28 مكية (2) المؤمنون: 57- 61 مكية (3) الأنبياء: 48- 49 مكية (4) الشورى: 17- 18 مكية (5) المعارج: 19- 27 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2387 آيات الإشفاق فيها ذكرى لما كان منه في الدنيا: 6- وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) «1» 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «2» آيات الإشفاق فيها من الجماد: 8- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) «3»   (1) الطور: 25- 27 مكية (2) المجادلة: 12- 13 مكية (3) الأحزاب: 72 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2388 الأحاديث الواردة في (الشفقة) 1- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السّلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيمّمت، ثمّ صلّيت بأصحابي الصّبح، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا عمرو، صلّيت بأصحابك، وأنت جنب؟» فأخبرته بالّذي منعني من الاغتسال، وقلت: إنّي سمعت الله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء/ 29) فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يقل شيئا» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتيت الطّور فوجدت ثمّ كعبا فمكثت أنا وهو يوما أحدّثه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويحدّثني عن التّوراة فقلت له: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير يوم طلعت فيه الشّمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه قبض وفيه تقوم السّاعة ما على الأرض من دابّة إلّا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة «2» حتّى تطلع الشّمس شفقا من السّاعة إلّا ابن آدم ... الحديث) * «3» . 3- * (عن أبي لبابة بن عبد المنذر- رضي الله عنه-، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ يوم الجمعة سيّد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر. فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفّى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلّا أعطاه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم السّاعة. ما من ملك مقرّب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلّا وهنّ يشفقن من يوم الجمعة» ) * «4» . 4- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة. وآخر أهل النّار خروجا منها. رجل يؤتى به يوم القيامة. فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها. فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيقول: نعم. لا يستطيع أن ينكر. وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه. فيقال له: فإنّ لك مكان كلّ سيّئة حسنة. فيقول: ربّ قد عملت أشياء لا أراها ههنا» . فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه) * «5» . 5- * (عن أسيد بن حضير- رضي الله عنه- قال: بينما هو يقرأ من اللّيل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ   (1) أبو داود (334) . وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن أبي داود 1/ 68) . (2) مصيخة: أي مصغية مستمعة. (3) أبو داود (1046) . والترمذي (488، 491) وقال: حسن صحيح. والنسائي (3/ 114) واللفظ له. (4) ابن ماجة (1084) واللفظ له وفي الزوائد: إسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب (1/ 490) وقال: رواه أحمد وغيره. (5) مسلم (190) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2389 فجالت الفرس، فسكت وسكنت الفرس، ثمّ قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه، فلمّا اجترّه رفع رأسه إلى السّماء حتّى ما يراها، فلمّا أصبح حدّث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «اقرأ يابن حضير، اقرأ يا ابن حضير» . قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى «1» وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السّماء، فإذا مثل الظّلّة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتّى لا أراها «2» ، قال: «وتدري ما ذاك؟» . قال: لا، قال: «تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر النّاس إليها، لا تتوارى منهم» ) «3» . 6- * (عن عبد الله الهوزنيّ قال: لقيت بلالا مؤّذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب، فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء، كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال، إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي، ففعلت، فلمّا أن كان ذات يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا (أن) رآني قال: يا حبشيّ، قلت: يا لبّاه، فتجهّمني، وقال لي قولا غليظا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال: قلت: قريب، قال: إنّما بينك وبينه أربع، فاخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس، حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت (وأمّي) إنّ المشرك الّذي كنت أتديّن منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال! أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر فقد جاءك الله بقضائك» ثمّ قال: «ألم تر الرّكائب المناخات الأربع» فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت، فذكر الحديث، ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه، فقال: «ما فعل ما قبلك؟»   (1) يحيى: ولده. (2) قال ابن حجر: كذا فيه اختصار، وقد أورده أبو عبيد كاملا ولفظه «رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها» وفي رواية إبراهيم بن سعد «فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال الشبح، فعرجت في الجو حتى ما أراها» . أهـ. (الفتح 8/ 682) . (3) البخاري الفتح 8 (5018) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2390 قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم، قال: «انظر أن تريحني منه، فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: «ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث حتّى إذا صلّى العتمة يعني من الغد دعاني قال: «ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى إذا جاء أزواجه فسلّم على امرأة امرأة، حتّى أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه» ) * «1» . () الأحاديث الواردة في (الشفقة) معنى انظر صفات: الخشية- الخوف- الرهبة () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشفقة) انظر صفات: الخشية- الخوف- الرهبة () من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الشفقة) 1- * (قال إبراهيم التّيميّ: «ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النّار؛ لأنّ أهل الجنّة قالوا: الحمد لله الّذي أذهب عنّا الحزن. وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنّة لأنّهم قالوا: إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين» ) * «2» . 2- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (المؤمنون/ 60) قال: «كانوا يعملون ما عملوا من أنواع البرّ وهم مشفقون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب الله» ) * «3» . 3- * (قال الزّهريّ- رحمه الله-: «نهى الله تعالى أن تضارّ والدة بولدها، وذلك أن تقول الوالدة: لست مرضعته، وهي أمثل له غذاء وأشفق عليه وأرفق به من غيرها، فليس لها أن تأبى بعد أن يعطيها من نفسه ما جعل الله عليه» ) * «4» .   (1) أبو داود (3055) . قال الألباني: صحيح الإسناد انظر صحيح سنن أبي داود (2628) . (2) التخويف من النار لابن رجب (ص 21) . (3) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (1/ 390) . (4) البخاري- الفتح (9/ 414) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2391 4- * (عن يحيى بن جعدة قال: كان يقال: «اعمل وأنت مشفق، ودع العمل وأنت تحبّه، عمل قليل ما يداوم عليه» ) * «1» . 5- * (قال بعض الشّعراء: أما والّذي شاء لم يخلق النّوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي أخيّ رعاك الله في كلّ وجهة ... توجّهتها ما بين شرق إلى غرب توهّم منك الشّوق حتّى كأنّني ... أناجيك من قرب وإن لم تكن قربي وأرقب إشفاقي عليك من القذى ... وهبّ ضميري منه أجنحة الرّعب) * «2» . () من فوائد (الشفقة) (1) طريق موصل إلى الجنّة. (2) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام. (3) تثمر الألفة والمحبّة بين النّاس. (4) مظهر من مظاهر مراقبة الله عزّ وجلّ. (5) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. (6) دليل على قرب العبد من ربّه ومحبّته له.   (1) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 489) . (2) الإخوان لابن أبي الدنيا (153) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2392 الشكر الشكر لغة: مصدر شكر يشكر، وهو مأخوذ من مادّة (ش ك ر) الّتي تدلّ على «الثّناء على الإنسان بمعروف يوليكه» ويقال: إنّ حقيقة الشّكر الرّضا باليسير، ومن ذلك فرس شكور إذا كفاه لسمنه العلف القليل. قال: الأعشى: ولا بدّ من غزوة في المصي ... ف رهب تكلّ الوقاح الشّكورا «1» وقال الرّاغب: الشّكر تصوّر النّعمة وإظهارها، وقيل: هو مقلوب عن الكشر أي الكشف: ويضادّه الكفر الّذي هو نسيان النّعمة وسترها. وقيل أصله من عين شكرى أي ممتلئة. فالشّكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه «2» . وقال ابن منظور: «الشّكر، عرفان الإحسان ونشره، وهو مأخوذ من قولك: شكرت الإبل تشكر إذا أصابت مرعى فسمنت عليه، والشّكران خلاف النكران. والشّكر من الله: المجازاة والثّناء الجميل. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 50/ 35/ 38 ويقال: شكره وشكر له يشكر شكرا وشكورا وشكرانا. ويقال أيضا: شكرت الله، وشكرت لله، وشكرت بالله، وكذلك شكرت نعمة الله، ورجل شكور: كثير الشّكر، وهو الّذي يجتهد في شكر ربّه بطاعته وأدائه ما وظّف عليه من عبادته «3» . واصطلاحا: قال الكفويّ: الشّكر كلّ ما هو جزاء للنّعمة عرفا، وقال أيضا: أصل الشّكر: تصوّر النّعمة وإظهارها، والشّكر من العبد: عرفان الإحسان، ومن الله المجازاة والثّناء الجميل «4» . وقال المناويّ: الشّكر: شكران: الأوّل شكر باللّسان وهو الثّناء على المنعم، والآخر: شكر بجميع الجوارح، وهو مكافأة النّعمة بقدر الاستحقاق، والشّكور الباذل وسعه في أداء الشّكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا «5» . وقال ابن القيّم: الشّكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبّة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة «6» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 207) وقد ذكر لهذه المادة ثلاثة معان أخر هى الامتلاء ونوع من النبات والنكاح. انظر هذه المعاني وأمثلتها في (ص 208) من المرجع نفسه. (2) المفردات للراغب (265) . (3) لسان العرب (4/ 2305- 2308) . والصحاح (2/ 702- 703) . (4) الكليات للكفوي (523) . (5) التوقيف على مهمات التعاريف (206- 207) . (6) مدارج السالكين (2/ 244) لابن القيم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2393 وقيل: هو الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع «1» . معنى اسم الله (الشكور) : قال الإمام الغزاليّ: الشّكور (في أسماء الله تعالى) هو الّذي يجازي بيسير الطّاعات كثير الدّرجات، ويعطي بالعمل في أيّام معدودة نعيما في الآخرة غير محدود، ومن جازى الحسنة بأضعافها يقال إنّه شكر تلك الحسنة، ومن أثنى على المحسن أيضا يقال: إنّه شكر، فإن نظرت إلى معنى الزّيادة في المجازاة لم يكن الشّكور المطلق إلّا الله- عزّ وجلّ- لأنّ زياداته في المجازاة غير محصورة ولا محدودة، ذلك أنّ نعيم الجنّة لا آخر له، والله سبحانه وتعالى يقول: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (الحاقة/ 24) . وإن نظرنا إلى معنى الثّناء فإنّ ثناء كلّ مثن يكون على فعل غيره، والرّبّ- عزّ وجلّ- إذا أثنى على أعمال عباده فقد أثنى على فعل نفسه، لأنّ أعمالهم من خلقه، فإن كان الّذي أعطى فأثنى شكورا، فالّذي أعطى وأثنى على المعطي أحقّ بأن يكون شكورا، ومن ثنائه عزّ وجلّ على عباده قوله سبحانه وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ (الأحزاب/ 35) ، وقوله- جلّ من قائل: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص/ 30) ، كلّ ذلك وما يجري مجراه عطيّة منه سبحانه «2» . وقال ابن منظور- رحمه الله تعالى-: والشّكور من صفات الله- جلّ اسمه- معناه: أنّه يزكو عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم الجزاء، وشكره لعباده: مغفرته لهم وإنعامه على عباده وجزاؤه بما أقامه من العبادة. وقال ابن سعديّ: وأمّا الشّكور من عباد الله فهو الّذي يجتهد في شكر ربّه بطاعته وأدائه ما وظّف عليه من عبادته. ومن أسماء الله الحسنى الشّكور، وهو الّذي يشكر القليل من العمل الخالص النّقيّ النّافع، ويعفو عن الكثير من الزّلل، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، بل يضاعفه أضعافا مضاعفة بغير عدّ ولا حساب. ومن شكره أنّه يجزي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. وقد يجزي الله العبد على العمل بأنواع من الثّواب العاجل قبل الآجل، وليس عليه حقّ واجب بمقتضى أعمال العباد، وإنّما هو الّذي أوجب الحقّ على نفسه كرما منه وجودا، والله لا يضيع أجر العاملين إذا أحسنوا في أعمالهم وأخلصوها لله تعالى «3» . الفرق بين الشاكر والشكور: قال المناويّ: إنّ الشّاكر من يشكر على الرّخاء. والشّكور من يشكر على البلاء.   (1) بصائر ذوي التمييز (3/ 339) . (2) المقصد الأسنى (105- 106) . (3) شرح الشافية الكافية، شرح عبد الرحمن بن ناصر السعدي (125، 126) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2394 وقيل: الشّاكر من يشكر على العطاء. والشّكور من يشكر على المنع. وإذا وصف الباري بالشّكور فالمراد إنعامه على عباده «1» . منزلة الشكر من الإيمان وثناء الله على الشاكرين: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: قرن الله سبحانه الشّكر بالإيمان، وأخبر أنّه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ (النساء/ 147) أي إن وفّيتم ما خلقكم له، وهو الشّكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟. وأخبر سبحانه أنّ أهل الشّكر هم المخصوصون بمنّته عليهم من بين عباده. فقال وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (الأنعام/ 53) . وقسّم الله سبحانه وتعالى النّاس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحبّ الأشياء إليه الشّكر وأهله. قال تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (الإنسان/ 3) وهذا كثير في القرآن. يقابل سبحانه بين الشّكر والكفر فهو ضدّه. وعلّق الله سبحانه المزيد بالشّكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره. قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (إبراهيم/ 7) . وأوقف سبحانه الجزاء على المشيئة كثيرا وأطلق ذلك في الشّكر. فقال تعالى: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ 145) وقال سبحانه وتعالى: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ 144) بل قد جعل الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره، فقال تعالى وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (النحل/ 78) . وأخبر سبحانه أنّه إنّما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (البقرة/ 172) وقد أثنى الله سبحانه على أوّل رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشّكر. فقال: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (الإسراء/ 3) . كما أثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكره نعمه. فقال: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (النحل/ 120- 121) فأخبر عنه سبحانه بصفات ثمّ ختمها بأنّه شاكر لأنعمه، فجعل الشّكر غاية خليله. وأمر الله- عزّ وجلّ- عبده موسى أن يتلقّى ما آتاه من النّبوّة والرّسالة وتكليمه إيّاه بالشّكر. فقال تعالى: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (الأعراف/ 144) . بل جعل الله- عزّ وجلّ- أوّل وصيّة وصّى بها الإنسان بعد ما عقل عنه بالشّكر له وللوالدين. فقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ   (1) التوقيف على مهمات التعاريف (207) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2395 اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان/ 14) . كما أخبر سبحانه أنّ رضاه في شكره فقال: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ (الزمر/ 7) «1» . القواعد التي يقوم عليها الشكر: قال الفيروز اباديّ- رحمه الله تعالى-: الشّكر أعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرضا، فإنّه يتضمّن الرّضا وزيادة، والرّضا مندرج في الشّكر، إذ يستحيل وجود الشّكر بدونه، وهو نصف الإيمان ومبناه على خمس قواعد: (1) خضوع الشّاكر للمشكور. (2) وحبّه له. (3) واعترافه بنعمته. (4) والثّناء عليه بها. (5) وألّا يستعملها فيما يكره. فمتى فقد منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشّكر «2» . أنواع الشكر: والشّكر على ثلاثة أضرب: شكر القلب وهو تصوّر النّعمة. وشكر اللّسان. وهو الثّناء على المنعم وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النّعمة بقدر استحقاقه، وقوله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً (سبأ/ 13) معناه اعملوا ما تعملونه شكرا لله. وقيل شكرا مفعول لقوله اعْمَلُوا، وذكر اعملوا ولم يقل اشكروا لينبّه على التزام الأنواع الثّلاثة من الشّكر بالقلب واللّسان وسائر الجوارح وقوله سبحانه اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ (لقمان/ 14) - وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ 144) - وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ (النمل/ 40) وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (سبأ/ 13) . ففيه تنبيه أنّ توفية شكر الله صعب ولذلك لم يثن بالشّكر من أوليائه إلّا على اثنين، قال في إبراهيم عليه السّلام شاكِراً لِأَنْعُمِهِ (النحل/ 121) وقال في نوح: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (الإسراء/ 3) وإذا وصف الله بالشّكر في نحو قوله: وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (التغابن/ 17) إنّما يعني به إنعامه على عباده «3» . العلاقة بين الشكر والصبر: قال ابن حجر- رحمه الله تعالى- الشّكر يتضمّن الصّبر على الطّاعة، والصّبر عن المعصية وقال بعض الأئمّة: الصّبر يستلزم الشّكر ولا يتمّ إلّا به، وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الآخر. فمن كان في نعمة ففرضه الشّكر، والصّبر «4» . أمّا الشّكر فواضح، وأمّا الصّبر فعن المعصية، ومن كان في بليّة ففرضه الصّبر والشّكر، أمّا الصّبر فواضح، وأمّا الشّكر فالقيام بحقّ الله في تلك البليّة، فإنّ لله على العبد عبوديّة في البلاء، كما له عليه عبوديّة في النّعماء «5» .   (1) عدة الصابرين (118- 121) بتصرف. (2) بصائر ذوي التمييز (3/ 34، 334) بتصرف شديد. (3) المفردات للراغب (265- 266) . (4) ففرضه الشكر والصبر: أي الواجب عليه الشكر والصبر (5) الفتح (11/ 311) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2396 الشكر والابتلاء (بالخيرات) : قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: وقوله وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أي نخبركم بالمصائب تارة وبالنّعم تارة أخرى فننظر من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ومن يقنط كما قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس وَنَبْلُوكُمْ يقول: نبتليكم بالشّر والخير فتنة بالشّدّة والرّخاء والصّحّة والسّقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطّاعة والمعصية والهوى والضّلال «1» . وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: كلّ ما يلقى العبد في هذه الدّار لا يخلو من نوعين: أحدهما يوافق هواه ومراده، والآخر لا يوافقه، وهو محتاج إلى الصّبر في كلّ منهما (فإنّه مختبر وممتحن) . النّوع الأوّل: الموافق لغرضه فكالصّحة والسّلامة والجاه والمال وأنواع الملاذّ المباحة وهو أحوج بشيء إلى الصّبر فيها من وجوه: أحدها: أن لا يركن إليها ولا يغترّ بها، ولا تحمله على البطر والأشر والفرح المذموم الّذي لا يحبّ الله أهله. الثّاني: أن لا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها، فإنّها تنقلب إلى أضدادها. الثّالث: أن يصبر على أداء حقّ الله فيها ولا يضيّعه فيسلبها. الرّابع: أن يصبر عن صرفها في الحرام فلا يمكّن نفسه من كلّ ما تريده منها فإنّها توقعه في الحرام، فإن احترز كلّ الاحتراز أوقعته في المكروه، ولا يصبر على السّرّاء إلّا الصّدّيقون. قال بعض السّلف: البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر ولا يصبر على العافية إلّا الصّدّيقون. وقال عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: ابتلينا بالضّرّاء فصبرنا وابتلينا بالسّرّاء فلم نصبر ولذلك حذّر الله عباده من فتنة المال والأزواج والأولاد وإنّما كان الصّبر على فتنة السّرّاء أعظم لأنّه مقرون بالقدرة، والجائع عند غيبة الطّعام أقدر منه على الصّبر عند حضوره «2» . الفرق بين الشكر والحمد: الشّكر كالحمد في أنّهما وصف باللّسان بإزاء النّعمة، إلّا أنّ الحمد يكون باللّسان وبالقلب، بخلاف الشّكر فإنّه يقع بالجوارح. والنّعمة مقيّدة في الشّكر بوصولها إلى الشّاكر بخلافها في الحمد. ويختصّ الشّكر بالله تعالى، بخلاف الحمد «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الاعتراف بالفضل الثناء- الحمد- الطاعة- العبادة- الكلم الطيب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجحود- الإعراض- الغرور- الكبر والعجب- نكران الجميل- الكفر (كفر النعمة) ] .   (1) تفسير ابن كثير 3/، 178 (2) عدة الصابرين (6664) بتصرف يسير. (3) الكليات للكفوي (535) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2397 الآيات الواردة في «الشكر» آيات الشكر فيها لفظا أو معنى: 1- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) * إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «2» 3- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) «3»   (1) البقرة: 151- 158 مدنية (2) البقرة: 172- 173 مدنية (3) الأعراف: 143- 144 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2398 4- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) «1» 5- وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (80) «2» 6- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) «3» 7- أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) «4» 8- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) «5» 9- إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «6»   (1) النحل: 112- 114 مكية (2) الأنبياء: 78- 80 مكية (3) العنكبوت: 16- 17 مكية (4) يس: 31- 35 مكية (5) يس: 71- 73 مكية (6) الزمر: 7 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2399 10- وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) «1» 11- أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) «2» آيات الشكر فيها رجاء اقتضاأ أمر: 12- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «3» 13- وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) «4» 14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «5» 15- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) «6»   (1) الزمر: 65- 66 مكية (2) الواقعة: 68- 74 مكية (3) البقرة: 185 مدنية (4) آل عمران: 123 مدنية (5) المائدة: 6- 7 مدنية (6) المائدة: 89 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2400 16- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) «1» 17- رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) «2» 18- وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) «3» 19- وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) «4» 20- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) «5» 21- وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) «6» 22- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) «7» 23- وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) «8» 24- * اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) «9»   (1) الأنفال: 25- 27 مدنية (2) إبراهيم: 37 مكية (3) النحل: 14 مكية (4) النحل: 78 مكية (5) الحج: 36 مدنية (6) القصص: 73 مكية (7) الروم: 46 مكية (8) فاطر: 12 مكية (9) الجاثية: 12- 13 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2401 آيات الشكر فيها صفة كمال لله تعالى: 25- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147) «1» 26- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «2» 27- ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «3» 28- إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «4» آيات الشكر فيها جزاء عمل صالح أو وعد عليه: 29- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)   (1) النساء: 145- 147 مدنية (2) فاطر: 29- 35 مكية (3) الشورى: 23 مدنية (4) التغابن: 17- 18 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2402 وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) «1» 30- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) «2» 31- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) «3» 32- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) «4» 33- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً (4) إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (14) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا (17) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً   (1) آل عمران: 144- 145 مدنية (2) الأنعام: 52- 53 مكية (3) الإسراء: 18- 19 مكية (4) القمر: 33- 35 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2403 مَنْثُوراً (19) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) «1» آيات الشكر فيها صفة لقلة من البشر وفي مقدمتهم الرسل- صلوات الله عليهم-: 34- قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) «2» 35- وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) «3» 36- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) «4» 37- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) «5» 38- ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (9) «6» 39- * وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)   (1) الإنسان: 1- 22 مدنية (2) الأعراف: 16- 18 مكية (3) الأعراف: 58 مكية (4) النحل: 120- 121 مكية (5) الإسراء: 1- 3 مكية (6) السجدة: 6- 9 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2404 وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14) لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) «1» 40- أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) «2» آيات الشكر فيها منبع التفكر في آيات الكون: 41- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «3» 42- * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) «4» 43- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)   (1) سبأ: 10- 15 مكية (2) الملك: 22- 24 مكية (3) الأنعام: 63- 64 مكية (4) الأعراف: 189- 192 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2405 وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) «1» 44- تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) «2» 45- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «3» 46- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «4» 47- وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) «5» 48- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)   (1) إبراهيم: 5- 8 مكية (2) الفرقان: 61- 62 مكية (3) النمل: 15- 19 مكية (4) لقمان: 31 مكية (5) الشورى: 32- 34 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2406 أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «1» آيات الشكر فيها ثمرة للشاكر نفسه: 49- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «2» 50- وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) «3»   (1) الأحقاف: 15- 16 مكية (2) النمل: 40 مكية (3) لقمان: 12- 14 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2407 الأحاديث الواردة في (الشكر) 1- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذّ «1» ذو حظّ من الصّلاة، أحسن عبادة ربّه وأطاعه في السّرّ، وكان غامضا في النّاس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك، ثمّ نفض بيده، فقال: عجّلت منيّته، قلّت بواكيه، قلّ تراثه، وبهذا الإسناد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا، قلت: لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما» قال ثلاثا أو نحو هذا، فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» ) * «2» . 2- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيده، وقال: «يا معاذ، والله إنّي لأحبّك والله إنّي لأحبّك، فقال: أوصيك يا معاذ! لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ) * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للطّاعم الشّاكر من الأجر مثل ما للصّائم الصّابر» ) * «4» . 4- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول: يا عيسى إنّي باعث من بعدك أمّة إن أصابهم ما يحبّون حمدوا الله وشكروه، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم. قال: يا ربّ كيف هذا لهم ولا حلم ولا علم. قال: أعطيهم من حلمي وعلمي» ) * «5» . 5- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يلقى رجلا فيقول: «يا فلان كيف أنت؟» فيقول: بخير أحمد الله، فيقول له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «جعلك الله بخير» فلقيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال: «كيف أنت يا فلان؟» فقال: بخير إن شكرت. قال: فسكت عنه. فقال: يا نبيّ الله إنّك كنت تسألني فتقول: «جعلك الله بخير وإنّك اليوم سكتّ عنّي فقال له: «إنّي كنت أسألك تقول: بخير أحمد الله   (1) خفيف الحاذ: أي خفيف الظهر. (2) الترمذي (2347) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأحمد (5/ 252) . وذكره في المشكاة (3/ 1433) رقم (5190) . وقال مخرجه الألباني: إسناده حسن. (3) أبو داود (1522) واللفظ له. والنسائي (3/ 53) وقال الألباني: صحيح (1/ 280) رقم (1236) . وأحمد (5/ 245، 247) . (4) الترمذي (2486) واللفظ له وقال: حسن غريب. وابن ماجة (1764) . والدارمي (2/ 131) . وأحمد (2/ 283) رقم (3/ 779) وقال شاكر: إسناده صحيح (14/ 212) . والحاكم (4/ 236) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ في الفتح وعزاه لابن حبان وابن خزيمة وعبد الرزاق. وقال مخرج جامع الأصول: رجاله ثقات (2/ 516) . (5) أحمد (6/ 450) واللفظ له وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن سوار وأبي حليس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان 3 (67، 68) . والحديث ذكره ابن القيم في الزاد وقال مخرجه: إسناده حسن (1/ 46) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2408 فأقول جعلك الله بخير، وإنّك اليوم قلت: إن شكرت فشككت فسكتّ عنك» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي خير يا محمّد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. يا محمّد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: صبوت؟. قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينا رجل يمشى فاشتدّ عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثمّ خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثّرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الّذي بلغ بي. فملأ خفّه ثمّ أمسكه بفيه، ثمّ رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له» . قالوا: يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم أجرا؟ قال: «في كلّ كبد رطبة أجر» ) * «3» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطّريق، فأخّره، فشكر الله له، فغفر له» وقال «الشّهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشّهيد في سبيل الله» ) * «4» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن لم تكن فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو   (1) رواه البخاري في المغازي (70) ، ومسلم في الجهاد (59) ، وأبو داود في الجهاد أيضا (114) . (2) البخاري- الفتح 7 (4372) واللفظ له. ومسلم (1764) . (3) البخاري- الفتح 5 (2363) واللفظ له. مسلم (2244) . (4) البخاري- الفتح 2 (652) . ومسلم (1914) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2409 فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه، فحمد الله على ما فضّله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا» ) * «1» . 10- * (عن صهيب الرّوميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير. وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضرّاء صبر. فكان خيرا له» ) * «2» . 11- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يعرب عنه لسانه فإذا أعرب عنه لسانه إمّا شاكرا وإمّا كفورا» ) * «3» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دعوة، فرفعت إليه الذّراع، وكانت تعجبه فنهس منها نهسة، وقال: أنا سيّد النّاس يوم القيامة. هل تدرون بمن يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم النّاظر، ويسمعهم الدّاعي، وتدنو منهم الشّمس، فيقول بعض النّاس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس: أبوكم آدم. فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنّة ألا تشفع لنا إلى ربّك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربّي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشّجرة فعصيت. نفسي نفسي. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح! أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وسمّاك الله عبدا شكورا، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربّك؟ فيقول: ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله. نفسي نفسي، ائتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيأتوني فأسجد تحت العرش فيقال: يا محمّد ارفع رأسك، واشفع تشفّع وسل تعطه» ) * «4» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء فقال: «ما هذا من الصّوم؟» قالوا: هذا   (1) الترمذي (2512) واللفظ له وقال: حسن غريب وبعضه في مسلم من حديث أبي هريرة (2963) . وابن ماجة (4142) . والحديث في المشكاة (3/ 1446) برقم (5256) وعزاه إلى الترمذي. (2) مسلم (2999) . (3) أحمد (3/ 353) واللفظ له وأصله في الصحيحين دون زيادة: إما شاكراة وإما كفورا. وهو مشهور، من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. وقال الهيثمي في المجمع (7/ 218) رواه أحمد وفيه أبو جعفر الرازي وهو ثقة وفيه خلاف وبقية رجاله ثقات. وثقه الحاكم وابن عبد البر وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وراجع التهذيب (1260) . (4) البخاري الفتح 6 (3340) واللفظ له. ومسلم (194) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2410 اليوم الّذي نجّى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السّفينة على الجوديّ، فصامه نوح وموسى شكرا لله تعالى. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّنا أحقّ بموسى وأحقّ بصوم هذا اليوم» . فأمر أصحابه بالصّوم) * «1» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: مطر النّاس على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أصبح من النّاس شاكر ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا» قال: فنزلت هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ حتّى بلغ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (الواقعة/ 75- 82) * «2» . 15- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به «3» ، فإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره» ) * «4» . 16- * (عن عبد الله بن غنّام البياضيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يصبح: اللهمّ ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك. فلك الحمد ولك الشّكر. فقد أدّى شكر يومه. ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدّى شكر ليلته» ) * «5» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل أحد الجنّة إلّا أري مقعده من النّار لو أساء، ليزداد شكرا، ولا يدخل النّار أحد إلّا أري مقعده من الجنّة لو أحسن ليكون عليه حسرة» ) * «6» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يشكر الله من لا يشكر النّاس» ) * «7» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة، كن ورعا تكن أعبد النّاس. وكن قنعا تكن أشكر النّاس. وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مؤمنا. وأحسن جوار من   (1) رواه البخاري (24) كتاب الأنبياء، ومسلم (128) (الصيام) ، وأحمد (2/ 359، 360) رقم (8702) وقال شاكر: صحيح (16/ 292) وهذا لفظ أحمد. (2) مسلم (73) واللفظ له. وهو في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني بمعناه. (3) فليجز به: أي يكافأ من أعطاه. (4) أبو داود (4813) واللفظ له وقال الألباني: حسن (3/ 914) . والترمذي (2034) وقال حسن غريب. (5) أبو داود (5073) واللفظ له. والنسائي في اليوم والليلة (7) . وذكره النووي في الأذكار، وقال مخرجه: إسناده حسن (152) . وذكره أيضا ابن القيم في الوابل الصيب، وقال مخرجه: رواه أيضا ابن حبان رقم (2361) ونقل تحسين الحافظ في شرح الأذكار (124) (6) البخاري الفتح 11 (6569) . (7) أبو داود (4811) واللفظ له. والترمذي (1954) وقال: حسن صحيح. وأحمد (2/ 258، 295) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح ونقل عن المناوي عزوه لابن حبان (13/ 246) رقم (7495) . والبخاري في الأدب المفرد رقم (33) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2411 جاورك تكن مسلما. وأقلّ الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «1» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ- يوم القيامة: يابن آدم حملتك على الخيل والإبل وزوّجتك النّساء وجعلتك تربع «2» وترأس «3» ، فأين شكر ذلك؟» ) * «4» . () الأحاديث الواردة في (الشكر) معنى 21- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشّربة فيحمده عليها» ) * «5» . 22- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد؟! فو الله لأنا أغير منه. والله أغير منّي، من أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا شخص أغير من الله. ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشّرين ومنذرين، ولا شخص أحبّ إليه المدحة من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «6» . 23- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا ذكر عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك قطعت عنق صاحبك، يقوله مرارا، إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا، إن كان يرى أنّه كذلك، والله حسيبه، ولا يزكّي على الله أحدا» ) * «7» . 24- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نقول في الصّلاة: السّلام على الله، السّلام على فلان، فقال لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم: «إنّ الله هو السّلام، فإذا قعد أحدكم في الصّلاة فليقل: التّحيّات لله ... - إلى قوله- الصّالحين، فإذا قالها أصاب كلّ عبد الله في السّماء والأرض صالح. أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يتخيّر من الثّناء ما شاء» ) * «8» . 25- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة أتاه المهاجرون، فقالوا:   (1) ابن ماجة (4217) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده حسن، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وحسّن إسناده الشيخ الألباني (7710) وكذا في الصحيحة (927) . (2) تربع: تأخذ ربع غنيمة القوم. (3) ترأس: تكون رئيسا للقوم. (4) مسلم (2968) . وأحمد (2/ 492) رقم (10383) واللفظ له وقال مخرجه د. أحمد الحسيني هاشم: إسناده صحيح (20/ 84) . (5) مسلم (2734) (6) البخاري- الفتح 13 (7416) . ومسلم (1499) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 10 (6061) واللفظ له. ومسلم (3000) . (8) البخاري- الفتح 11 (6328) واللفظ له. ومسلم (402) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2412 يا رسول الله ما رأينا قوما أبذل من كثير، ولا أحسن مواساة من قليل، من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنإ، حتّى خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا. ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم» ) * «1» . 26- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «وجبت» . ثمّ مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شرّا، فقال: «وجبت» . فقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: ما وجبت؟ قال: «هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنّة. وهذا أثنيتم عليه شرّا فوجبت له النّار. أنتم شهداء الله في الأرض» ) * «2» . 27- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثّناء» ) * «3» . 28- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أحد أغير من الله، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحبّ إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه» ) «4» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فو الّذي نفسي بيده! لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما» . قال: فيلقى العبد فيقول: أي فل «5» ! ألم أكرمك، وأأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ «6» فيقول: بلى. قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل! ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي ربّ! فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا ربّ آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت، ويثني بخير ما استطاع. فيقول: ههنا إذا قال: ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «7» .   (1) أبو داود (4812) . والترمذي (2487) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه. وقال مخرج جامع الأصول: إسناده صحيح (2/ 561) . (2) البخاري الفتح 3 (1367) واللفظ له. ومسلم (949) . (3) الترمذي (2035) واللفظ له وقال: حسن جيد غريب. والنسائي في عمل اليوم والليلة (75) . وقال مخرج جامع الأصول: إسناده قوي (2/ 558) . (4) مسلم (2760) كتاب التوبة. (5) فل: أي يا فلان. (6) تربع: أي تأخذ ربع غنيمة القوم. والمراد أنك رئيس أو المراد: تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. (7) البخاري- الفتح 13 (7437) . ومسلم (2968) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2413 المثل التطبيقي من حياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في (الشكر) 30- * (عن المغيرة بن شبعة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم أو ليصلّي حتّى ترم قدماه أو ساقاه. فيقال له فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا؟» ) * «1» . 31- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في (ص) وقال: «سجدها داود توبة ونسجدها شكرا» ) * «2» . 32- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في صلاته: «اللهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر، والعزيمة على الرّشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم» ) * «3» . 33- * (عن أبي بكرة نفيع بن الحارث- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا جاءه أمر شرور أو بشّر به خرّ ساجدا شاكرا لله» ) * «4» . 34- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو يقول: «ربّ أعنّى ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ. واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ! اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا إليك مخبتا، إليك أوّاها منيبا، ربّ! تقبّل توبتي واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتي، واسلل سخيمة قلبي» ) * «5» . 35- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش. فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد. وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1130) واللفظ له. ومسلم (2819) . (2) النسائي (2/ 159) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (1/ 902) رقم (917) . والحديث في المشكاة (1/ 326) رقم (1038) وقال الألباني كذلك رواه. والدارقطني بإسناد صحيح، وصححه ابن السكن كما في التلخيص. (3) النسائي (3/ 54) واللفظ له. والترمذي (3407) . وأحمد (4/ 123، 135) . وذكره في جامع الأصول وقال مخرجه: رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وابن حبان في صحيحه (4/ 259) . (4) أبو داود (2774) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 534) . وابن ماجة (1394) . (5) أبو داود (1510) . وابن ماجة (3830) . وأحمد (1/ 227) رقم (1997) وقال شاكر: إسناده صحيح (3/ 309) . وعزاه كذلك للنسائي وابن حبان والحاكم واين أبي شيبة. وصححه الشيخ الألباني (1/ 282) . (6) مسلم (486) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2414 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الشكر) 1- * (كان أبو بكر- رضي الله عنه- يقول في دعائه: «أسألك تمام النّعمة في الأشياء كلّها، والشّكر لك عليها حتّى ترضى وبعد الرّضا، والخيرة في جميع ما تكون فيه الخيرة بجميع ميسور الأمور كلّها لا معسورها يا كريم» ) * «1» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «ما ابتليت ببلاء إلّا كان لله تعالى عليّ فيه أربع نعم: إذا لم يكن في ديني، وإذا لم يكن أعظم، وإذا لم أحرم الرّضا به، وإذا أرجو الثّواب عليه» ) * «2» . 3- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «إنّ النّعمة موصولة بالشّكر، والشّكر يتعلّق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتّى ينقطع الشّكر من العبد» ) * «3» . 4- * (وقال لرجل: يا ابن أعبد هل تدري ما حقّ الطّعام. قال: قلت: وما حقّ الطّعام؟ قال: تقول باسم الله! اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا، قال: وتدري ما شكره إذا فرغت؟ قال: «قلت: وما شكره قال تقول: الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا» ) * «4» . 5- * (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «ما من عبد يشرب الماء القراح فيدخل بغير أذى ويخرج الأذى إلّا وجب عليه الشّكر» ) * «5» . 6- * (قال محمّد بن كعب القرظيّ- رحمه الله تعالى-: «الشّكر تقوى الله تعالى، والعمل الصّالح، وهذا يقال لمن هو متلبّس بالفعل» ) * «6» . 7- * (قال أبو عبد الرّحمن السّلميّ- رحمه الله تعالى-: «الصّلاة شكر، والصّيام شكر، وكلّ خير تعمله لله- عزّ وجلّ- شكر، وأفضل الشّكر الحمد» ) * «7» . 8- * (قال أبو حازم- رحمه الله تعالى- لرجل سأله: ما شكر العينين يا أبا حازم؟ قال: «إن رأيت بهما خيرا أعلنته، وإن رأيت بهما شرّا سترته، قال فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيرا وعيته وإن سمعت بهما شرّا دفعته» ، قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقّا لله هو فيهما. قال: فما شكر البطن؟ قال: قال الله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (المؤمنون/ 5- 7» ) * «8» . 9- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «الخير الّذي لا شرّ فيه: العافية مع الشّكر، فكم من   (1) عدة الصابرين (133) . (2) مختصر منهاج القاصدين (292- 293) . (3) عدة الصابرين (123) . (4) أحمد (1/ 153) . (5) عدة الصابرين (145) . (6) تفسير ابن كثير (3/ 528) . (7) المرجع السابق (3/ 528) . (8) عدة الصابرين (135- 136) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2415 منعم عليه غير شاكر» ) * «1» . 10- * (وقال أيضا: «إنّ الله ليمتّع بالنّعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمّون الشّكر: الحافظ، لأنّه يحفظ النّعم الموجودة: والجالب، لأنّه يجلب النّعم المفقودة» ) * «2» . 11- * (قال بكر بن عبد الله المزنيّ- رحمه الله تعالى-: «قلت لأخ لي أوصني. فقال: ما أدري ما أقول غير أنّه ينبغي لهذا العبد أن لا يفتر من الحمد والاستغفار، فإنّ ابن آدم بين نعمة وذنب، ولا تصلح النّعمة إلّا بالحمد والشّكر، ولا يصلح الذّنب إلّا بالتّوبة والاستغفار» ) * «3» . 12- * (قال كعب الأحبار- رحمه الله تعالى-: «ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدّنيا فشكرها لله، وتواضع بها لله إلّا أعطاه الله نفعها في الدّنيا ورفع له بها درجة في الآخرة. وما أنعم الله على عبد نعمة في الدّنيا، فلم يشكرها لله، ولم يتواضع بها إلّا منعه الله نفعها في الدّنيا، وفتح له طبقات من النّار يعذّبه إن شاء أو يتجاوز عنه» ) * «4» . 13- * (قال يونس بن عبيد- رحمه الله تعالى- لرجل يشكو ضيق حاله: «أيسرّك ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ قال الرّجل: لا. قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا. فذكّره نعم الله عليه. فقال يونس: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة» ) * «5» . 14- * (قال مطرّف- رحمه الله تعالى-: «لأن أعافى فأشكر، أحبّ إليّ من أن أبتلى فأصبر» ) * «6» . 15- * (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «الشّكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كلّه» ) * «7» . 16- * (كتب ابن السّمّاك إلى محمّد بن الحسن رحمهما الله تعالى حين ولي القضاء بالرّقّة: «أمّا بعد فلتكن التّقوى من بالك على كلّ حال، وخف الله من كلّ نعمة أنعم بها عليك من قلّة الشّكر عليها مع المعصية بها. وأمّا التّبعة فيها فقلّة الشّكر عليها، فعفا الله عنك كلّ ما ضيّعت من شكر، أو ركبت من ذنب أو قصّرت من حقّ» ) * «8» . 17- * (قال أبو سليمان الدارنيّ- رحمه الله تعالى-: «جلساء الرّحمن يوم القيامة من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر» ) * «9» . 18- * (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «عليكم بملازمة الشّكر على النّعم، فقلّ   (1) الإحياء (4/ 134) . (2) عدة الصابرين (122) . (3) المرجع السابق (140) . (4) المرجع السابق (145) . (5) المرجع السابق (132) (6) مختصر منهاج القاصدين (295) . (7) عدة الصابرين (124) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المرجع السابق (130) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2416 نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم» ) * «1» . 19- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «من عرف نعمة الله بقلبه، وحمده بلسانه، لم يستتمّ ذلك حتّى يرى الزّيادة لقول الله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم/ 7) ، وإنّ من شكر النّعمة أن يحدّث بها» ) * «2» . 20- * (قال مكّيّ بن إبراهيم- رحمه الله تعالى-: «كنّا عند ابن جريج المكّيّ، فجاء سائل فسأله؟ فقال ابن جريج لخازنه: أعطه دينارا، فقال: ما عندي إلّا دينار إن أعطيته لجعت وعيالك. قال: فغضب وقال: أعطه. قال مكّيّ: فنحن عند ابن جريج، إذ جاءه رجل بصرّة وكتاب وقد بعث إليه بعض إخوانه، وفي الكتاب: إنّي قد بعثت إليك خمسين دينارا قال: فحلّ ابن جريج الصّرّة فعدّها فإذا هي أحد وخمسون دينارا قال: فقال ابن جريج لخازنه: قد أعطيت واحدا فردّه الله عليك وزادك خمسين دينارا» ) * «3» . 12- * (قال أبو حاتم بن حبّان البستيّ رحمه الله تعالى-: «الواجب على العاقل أن يشكر النّعمة، ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته إن قدر بالضّعف وإلّا فبالمثل، وإلّا فبالمعرفة بوقوع النّعمة عنده، مع بذل الجزاء له بالشّكر» ) * «4» . 22- * (وقال: أنشدني عليّ بن محمّد: علامة شكر المرء إعلان حمده ... فمن كتم المعروف منهم فما شكر إذا ما صديقي نال خيرا فخانني ... فما الذّنب عندي للّذي خان أو فجر) * «5» . 23- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «إنّي لأستحبّ للمرء أن يلزم الشّكر للصّنائع، والسّعي فيها من غير قضائها- إذا كان المنعم من ذوي القدر فيه- والاهتمام بالصّنائع؛ لأنّ الاهتمام ربّما فاق المعروف وزاد على فعل الإحسان، إذ المعروف يعمله المرء لنفسه، والإحسان يصطنعه إلى النّاس، وهو غير مهتمّ به، ولا مشفق عليه، وربّما فعله الإنسان، وهو كاره، وأمّا الاهتمام فلا يكون إلّا من فرط عناية، وفضل ودّ، فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكر المعروف، وقال: أنشدني عبد العزيز بن سليمان: لأشكرنّك معروفا هممت به ... إنّ اهتمامك بالمعروف معروف ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشّيء بالقدر المجلوب مصروف) * «6» . 24- * (وقال أنشدني المنتصر بن بلال: ومن يسد معروفا إليك فكن له ... شكورا يكن معروفه غير ضائع ولا تبخلن بالشّكر والقرض فاجزه ... تكن خير مصنوع إليه وصانع) * «7»   (1) عدة الصابرين (144) . (2) الإحياء (4/ 127) . (3) الترمذي (4/ 331) . (4) روضة العقلاء (353) . (5) المرجع السابق (354) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق (350) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2417 25- * (وقال أنشدني الكريزيّ: أحقّ النّاس منك بحسن عون ... لمن سلفت لكم نعم عليه وأشكرهم أحقّهم جميعا ... بحسن صنيعة منكم إليه) * «1» . 26- * (وقال أنشدني بعضهم: فكن شاكرا للمنعمين لفضلهم ... وأفضل عليهم إن قدرت وأنعم ومن كان ذا شكر فأهل زيادة ... وأهل لبذل العرف من كان ينعم) * 2. 27- * (وقال آخر: «الحرّ لا يكفر النّعمة، ولا يتسخّط المعصية، بل عند النّعم يشكر، وعند المصائب يصبر، ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه، والنّعم لا تستجلب زيادتها ولا تدفع الآفات عنها إلّا بالشّكر» ) * 3. 28- * (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-: «من تفضّل الله على عباده أن يجعل للطّاعم إذا شكر ربّه على ما أنعم به عليه ثواب الصّائم الصّابر» ) * «4» . 29- * (قال محمود الورّاق- رحمه الله تعالى-: إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... عليّ له في مثلها يجب الشّكر فكيف وقوع الشّكر إلّا بفضله ... وإن طالت الأيّام واتّصل العمر إذا مسّ بالسّرّاء عمّ سرورها ... وإن مسّ بالضّرّاء أعقبها الأجر وما منهما إلّا له فيه منّة ... تضيق بها الأوهام والبرّ والبحر) * «5» . 30- * (قال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ حقيقة الشّكر ترجع إلى كون العبد مستعملا في إتمام حكمة الله تعالى، فأشكر العباد أحبّهم إلى الله وأقربهم إليه» ) * «6» . 31- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «لم يقصّر بالخلق عن شكر النّعمة إلّا الجهل والغفلة، فإنّهم منعوا بالجهل والغفلة عن معرفة النّعم، ولا يتصوّر شكر النّعمة إلّا بعد معرفتها ثمّ إنّهم إن عرفوا نعمة ظنّوا أنّ الشّكر عليها أن يقول بلسانه: الحمد لله، الشّكر لله، ولم يعرفوا أنّ معنى الشّكر أن يستعمل النّعمة في إتمام الحكمة الّتي أريدت بها وهي طاعة الله عزّ وجلّ- فلا يمنع من الشّكر بعد حصول هاتين المعرفتين إلّا غلبة الشّهوة واستيلاء الشّيطان» ) * «7» . 32- * (قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى-: «الشّكر يكون بالقلب واللّسان والجوارح. أمّا بالقلب فهو أن يقصد الخير ويضمره للخلق كافة. وأمّا   1، 2، 3 روضة العقلاء (350) . (4) الفتح (9/ 583) . (5) عدة الصابرين (130) . (6) الإحياء (984) . (7) المرجع السابق (4/ 123) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2418 باللّسان: فهو إظهار الشّكر لله بالتّحميد، وإظهار الرّضى عن الله تعالى. وأمّا الجوارح: فهو استعمال نعم الله في طاعته، والتّوقّي من الاستعانة بها على معصيته، فمن شكر العينين أن تستر كلّ عيب تراه للمسلم، ومن شكر الأذنين أن تستر كلّ عيب تسمعه» ) * «1» . 33- * (قال الفيروز آباديّ- رحمه الله تعالى-: «الشّكر مع المزيد أبدا، لقوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم/ 7) فمتى لم تر حالك في مزيد فاستقبل الشّكر» ) * «2» . 34- * (قال الحافظ في الفتح: «اختلف النّاس في أيّهما أفضل: الفقير الصّابر أم الغنيّ الشّاكر. والتّحقيق عند أهل الحذق أن لا يجاب في ذلك بجواب كلّيّ، بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والأحوال» ) * «3» . 35- * (قال بعض السّلف رحمهم الله تعالى: «النّعم وحشيّة فقيّدوها بالشّكر» ) * «4» . 36- * (قال بعض الحكماء: «من قصرت يداه عن المكافأة فليطل لسانه بالشّكر» ) * «5» . 37- * (قال أبو تمّام: ومن الرّزيّة أنّ شكري صامت ... عمّا فعلت وأنّ برّك ناطق أأرى الصّنيعة منك ثمّ أسرّها ... إنّي إذا لندى الكريم لسارق» ) * «6» . 38- * (قال بعض أهل العلم: «من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشّكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التّوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصّواب» ) * «7» . () من فوائد (الشكر) (1) من كمال الإيمان وحسن الإسلام إذ إنّه نصف والنّصف الآخر الصبر. (2) اعتراف بالمنعم والنعمة. (3) سبب من أسباب حفظ النعمة بل المزيد. (4) لا يكون باللّسان فقط بل اللّسان يعبّر عمّا في الجنان وكذلك يكون بعمل الجوارح والأركان. (5) كثرة النّعم من المنعم لا يمكن أن يؤدّي الإنسان حقّها إلّا بالشّكر عليها. (6) يكسب رضا الرّبّ ومحبّته. (7) الإنسان الشّكور قريب من النّاس حبيب إليهم. (8) فيه دليل على سموّ النّفس ووفور العقل. (9) الشّكور قرير العين، يحبّ الخير للآخرين ولا يحسد من كان في نعمة.   (1) مختصر منهاج القاصدين (277) . (2) بصائر ذوي التمييز (3/ 339) . (3) الفتح (9/ 583) . (4) الإحياء (4/ 127) . (5) بصائر ذوي التمييز (3/ 339) . (6) المصدر السابق (3/ 340) . (7) إحياء علوم الدين (1/ 160) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2419 الشهامة الشهامة لغة: مصدر: شهم شهامة وهو مأخوذ من مادّة (ش هـ م) الّتي تدلّ على الذّكاء، يقول ابن فارس: الشّين والهاء والميم أصل يدلّ على ذكاء، يقال من ذلك رجل شهم، وربّما قالوا للمذعور مشهوم، وهذا صحيح؛ لأنّه إذا تفزّع بدا ذكاء قلبه، ويقولون: إنّ الشّهام: السّعلاة فإن صحّ هذا فهو أيضا من الذّكاء. الشّهم: الذّكيّ الفؤاد المتوقّد، الجلد، والجمع شهام، وقد شهم الرّجل، بالضّمّ، شهامة وشهومة إذا كان ذكيّا، فهو شهم أي جلد. والشّهم: السّيّد النّجد النّافذ في الأمور، والجمع شهوم. وفرس شهم: سريع نشيط قويّ. وشهم الفرس يشهمه شهما: زجره. وقال الفرّاء: الشّهم في كلام العرب الحمول الجيّد القيام بما الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 8/ 6 حمّل، الّذي لا تلقاه إلّا حمولا طيّب النّفس بما حمّل وفي الحديث: كان شهما أي نافذا في الأمور ماضيا «1» . واصطلاحا: الحرص على ما يوجب الذّكر الجميل في العظائم، وقال بعضهم: هي الحرص على الأمور العظام توقّعا للذّكر الجميل «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- التناصر- الرجولة- الشجاعة- علو الهمة- قوة الإرادة- المواساة- النبل- النزاهة- المواساة- المروءة- العفة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإمّعة- الجبن السفاهة- صغر الهمة] .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 223) ، ولسان العرب (12/ 328) ، والنهاية لابن الأثير (2/ 516) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (208) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2420 الأحاديث الواردة في (الشهامة) معنى 1- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد فقال: يا رسول الله؟ أقاتل أو أسلم؟ قال «أسلم ثمّ قاتل» . فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «عمل قليلا، وأجر كثيرا» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشّهداء أشهدهم. فقال كفى بالله شهيدا. قال: فائتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمّى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبا يركبه يقدم عليه للأجل الّذي أجّله فلم يجد مركبا. فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه. ثمّ زجّج موضعها «2» ، ثمّ أتى بها إلى البحر. فقال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت تسلّفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك. وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا فرضي بذلك، وإنّي جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي أستودعكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة الّتي فيها المال. فأخذها لأهله حطبا، فلمّا نشرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال: أخبرك أنّي لم أجد مركبا قبل الّذي جئت فيه، قال: فإنّ الله قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدّينار راشدا» ) * «3» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة عينا «4» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «5» فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدثّه الحديث قال: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتكلّم فقال: «إنّ لنا طلبة «6» فمن كان ظهره «7» حاضرا فليركب معنا» فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة فقال: «لا إلّا من كان ظهره حاضرا» ، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى سبقوا المشركين إلى بدر. وجاء المشركون. فقال رسول   (1) البخاري- الفتح 6 (2808) واللفظ له. ومسلم (1900) . (2) زجّج موضعها: سوى موضع النقر وأصلحه. (3) البخاري- الفتح 4 (2291) . (4) عينا: أي متجسسا ورقيبا. (5) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره. (6) طلبة: أي شيئا نطلبه. (7) الظهر: الإبل التي يحمل عليها وتركب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2421 الله صلّى الله عليه وسلّم «لا يقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه» «1» فدنا المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى جنّة عرضها السموات والأرض» قال: يقول عمير ابن الحمام الأنصاريّ: يا رسول الله! جنّة عرضها السّموات والأرض؟ قال «نعم» قال: بخ بخ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ» «2» قال: لا. والله يا رسول الله! إلّا رجاءة أن أكون من أهلها. قال «فإنّك من أهلها» فأخرج تمرات من قرنه «3» . فجعل يأكل منهنّ. ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه. إنّها لحياة طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التّمر. ثمّ قاتلهم حتّى قتل) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟ «5» » فقال: عندي خير. يا محمّد! إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. يا محمّد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: صبوت. قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّي يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «6» . 5- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إنّي أخاف أن يراني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيستصغرني فيردّني، وأنا أحبّ الخروج لعلّ الله أن يرزقني الشّهادة. قال: فعرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فردّه، فبكى فأجازه. فكان سعد- رضي الله عنه- يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة) * «7» . 6- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لمّا   (1) حتى أكون أنا دونه: أي قدامه متقدما في ذلك الشيء. لئلا يفوت شيء من المصالح التي لا تعلمونها. (2) بخ بخ: فيه لغتان: إسكان الخاء وكسرها منونا وهي كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه. (3) قرنه: أي جعبة النشاب. (4) مسلم (1901) . (5) ما عندك يا ثمامة: أي ما تظن أني فاعل بك. (6) البخاري- الفتح 7 (4372) واللفظ له. ومسلم (1764) . (7) الإصابة (5/ 36) واللفظ له، وقال أخرجه البزار، ورجاله ثقات، كما في المجمع (6/ 69) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2422 كان يوم أحد انهزم النّاس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأبو طلحة بين يدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مجوّب «1» به عليه بحجفة «2» له، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد القدّ «3» يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا، وكان الرّجل يمرّ معه الجعبة من النّبل، فيقول: انثرها لأبي طلحة، فأشرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمّي، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأمّ سليم وإنّهما لمشمّرتان أرى خدم سوقهما تنقزان «4» القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثمّ ترجعان فتملآنها، ثمّ تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم. ولقد وقع السّيف من يد أبي طلحة إمّا مرّتين وإمّا ثلاثا) * «5» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشهامة) 7- * (سأل رجل البراء- رضي الله عنه- فقال: يا أبا عمارة! أولّيتم يوم حنين؟ قال البراء وأنا أسمع: أمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يولّ يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلمّا غشيه المشركون نزل فجعل يقول: أنا النّبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب. قال: فما رئي من النّاس يومئذ أشدّ منه) * «6» . 8- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس وأجود النّاس وأشجع النّاس. ولقد فزع أهل المدينة، ذات ليلة فانطلق النّاس قبل الصّوت فاستقبلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد سبق النّاس إلى الصّوت وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا» «7» وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرا «8» ، أو إنّه لبحر» ) * «9» . () من الآثار الواردة في (الشهامة) 1- * (عن حذيفة العدويّ، قال: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي، ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، ومسحت به وجهه، فإذا أنا به فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم، فإذا رجل   (1) مجوّب: أي مترس عليه يقيه بها، ويقال للتّرس جوبة. (2) بحجفة: الحجفة بفتحتين الترّس. (3) القد: سير من جلد غير مدبوغ. (4) تنقزان: النقز الوثب. (5) البخاري- الفتح 7 (3811) . (6) البخاري- الفتح 6 (3042) واللفظ له. ومسلم (1776) . (7) لم تراعوا: أي روعا مستقرّا، أو روعا يضركم. (8) بحر: أي فرس واسع الجري. (9) البخاري- الفتح 10 (6033) واللفظ له. ومسلم (2307) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2423 يقول: آه ... فأشار ابن عمّي إليّ أن انطلق به إليه فجئته، فإذا هو هشام بن العاص. فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه.. فأشار هشام انطلق به إليه، فجئته، فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمّي، فإذا هو قد مات، رحمة الله عليهم أجمعين) * «1» . 2- * (عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خرجت مع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى السّوق، فلحقت عمر امرأة شابّة فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي، وترك صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا «2» ولا لهم زرع ولا ضرع «3» وخشيت أن تأكلهم الضّبع «4» ، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاريّ، وقد شهد أبي الحديبية مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فوقف معها عمر ولم يمض. ثمّ قال: مرحبا بنسب قريب ثمّ انصرف إلى بعير ظهير «5» كان مربوطا في الدّار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثمّ ناولها بخطامه ثمّ قال: اقتاديه، فلن يفنى حتّى يأتيكم الله بخير. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أكثرت لها، قال عمر: ثكلتك أمّك، والله إنّي لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثمّ أصبحنا نستفيء سهماننا فيه) * «6» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال يوم أحد لأخيه: خذ درعي يا أخي. قال: أريد من الشّهادة مثل الّذي تريد، فتركاها جميعا) * «7» . 4- * (عن سليمان بن بلال- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر أن يخرج أحدهما. فاستهما، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد- رضي الله عنهما-: إنّه لا بدّ لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنّة لآثرتك به، إنّي أرجو الشّهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد؛ فخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ) * «8» . 5- * (عن معقل بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان فقال: يا أمير المؤمنين أصبهان: الرّأس وفارس وأذربيجان الجناحان فإذا قطعت إحدى الجناحين فالرّأس بالجناح، وإن قطعت الرّأس وقع الجناحان، فابدأ بأصبهان فدخل عمر بن الخطّاب المسجد فإذا هو بالنّعمان بن مقرّن يصلّي فانتظره حتّى قضى صلاته فقال له: إنّي مستعملك فقال: أمّا جابيا فلا وأمّا غازيا فنعم. قال: فإنّك غاز فسرّحه، وبعث إلى أهل الكوفة   (1) إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 258) ، وتفسير ابن كثير (4/ 338) . (2) الكراع بضم الكاف: ما دون الكعب من الشاة. (3) ولا لهم ضرع: ليس لهم ما يحلبونه. (4) الضبع: السنة المجدبة، ومعنى تأكلهم: تهلكهم. (5) بعير ظهير: أي قوي الظهر معد للحاجة. (6) البخاري- الفتح 7 (4160) . ونستقي سهماننا أي نسترجع أنصباءنا من الغنيمة. (7) الهيثمي (5/ 298) . وقال: رجاله رجال الصحيح، وأبو نعيم في الحلية (1/ 367) . (8) أسد الغابة: (2/ 275) بتصرف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2424 أن يمدّوه ويلحقوا به، وفيهم حذيفة بن اليمان والمغيرة ابن شعبة ... الحديث وفيه فقال المغيرة للنّعمان: إنّ القوم قد أسرعوا فينا فاحمل. فقال: إنّك ذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّي أنا شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا لم يقاتل أوّل النّهار أخّر القتال حتّى تزول الشّمس وتهبّ الرّياح، فقال النعمان: أيّها النّاس! أهتزّ ثلاث هزّات، فأمّا الهزّة الأولى فليقض الرّجل حاجته، وأمّا الثّانية فلينظر الرّجل في سلاحه وسيفه، وأمّا الثّالثة فإنّي حامل فاحملوا، فإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد، وإن قتلت فلا تلووا عليّ إنّي داع الله بدعوة فعزمت على كلّ امرئ منكم لما أمّن عليها. فقال: اللهمّ ارزق اليوم النّعمان شهادة تنصر المسلمين وافتح عليهم فأمّن القوم، وهزّ لواءه ثلاث مرّات ثمّ حمل فكان أوّل صريع، فذكرت وصيّته فلم ألو عليه وأعلمت مكانه فكنّآ إذا قتلنا رجلا منهم شغل عنّا أصحابه يجرّونه، ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشّهباء فانشقّ بطنه وفتح الله على المسلمين فأتيت النّعمان وبه رمق فأتيته بماء فجعلت أصبّه على وجهه أغسل التّراب عن وجهه، فقال: من هذا؟ فقلت: معقل بن يسار فقال: ما فعل النّاس؟ فقلت: فتح الله عليهم فقال: الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه) * «1» . 6- * (كان سبب فتح المعتصم عمّوريّة أنّ امرأة من الثّغر سبيت فنادت: وا محمّداه، وا معتصماه، فبلغه الخبر فركب لوقته، وتبعه الجيش فلمّا فتحها قال: لبّيك أيّتها المنادية) * «2» . () من فوائد (الشهامة) (1) تورث الذّكر الجميل. (2) تنبأ عن علوّ الهمّة وإباء النّفس. (3) تعود بالخير على صاحبها وعلى المجتمع. (4) تعين على التّحلّي بالصّفات الحسنة. (5) تدفع إلى أعلى المقامات وأرفع الدّرجات. (6) تشيع الأمن والطّمأنينة في المجتمع.   (1) الحاكم (3/ 293) واللفظ له، والهيثمي في المجمع (6/ 215) . (2) المستطرف في كل فن مستظرف (1/ 135) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2425 الشورى الشورى لغة: اسم للمشاورة، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ش ور) الّتي تدلّ على أخذ شيء من شيء «1» ، وقال بعض أهل اللّغة: من هذا الباب شاورت فلانا في أمري، وهو مشتقّ من شور العسل وكأنّ المستشير يأخذ الرّأي من غيره، يقال: شاوره في الأمر مشاورة. طلب منه المشورة. وأشار به: عرّفه. وأشار إليه وعليه بيده وبعينه وبحاجبه: أومأ. وأشار عليه بكذا: أمره وارتآه له، وبيّن له وجه المصلحة، ودلّه على الصّواب «2» . وفي المصباح: أشار في كذا (أي جعل التّعدية ب (في) لا بالباء. واستشرته راجعته لأرى رأيه، فأشار عليّ بكذا أي أراني ما عنده فيه من المصلحة فكانت إشارته حسنة. والاسم: المشورة. والشّورى: اسم من أشار عليه بكذا، بمعنى استخراج الرّأي. ومنه أهل المشورة ومجلس الشّورى، وهي مصدر بمعنى التّشاور. والمشورة: الشّورى، وكذا المشورة بضمّ الشّين، تقول: شاوره في الأمر واستشاره بمعنى. وفلان خيّر شيّر أي الآيات/ الأحاديث/ الآثار 2/ 17/ 32 يصلح للمشاورة. وجمعه شوراء، والمشيرة: الإصبع السّبّابة «3» . واصطلاحا: استنباط المرء الرّأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور، ويكون ذلك في الأمور الجزئيّة الّتي يتردّد المرء فيها بين فعلها وتركها «4» . شروط المستشار: وقد اشترطوا لأهليّة المستشار شروطا خمسة: 1- عقل كامل مع تجربة سالفة، قال أبو الأسود الدّؤليّ: وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه ... ولا كلّ مؤت نصحه بلبيب ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب ... فحقّ له من طاعة بنصيب 2- أن يكون ذا دين وتقى: فقد ورد في الأثر عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: من أراد أمرا فشاور فيه امرءا مسلما وفّقه الله لأرشد أموره. 3- أن يكون ناصحا ودودا، فإنّ النّصح   (1) مقاييس اللغة (3/ 226) ، قال ابن فارس ولهذه المادة معنى آخر هو إبداء شيء وإظهاره وعرضه مثل قولهم: شرت الدابّة شورا إذا عرضتها، والمكان الذي يعرض فيه الدواب هو المشوار. (2) لسان العرب (4/ 437) ، ومختار الصحاح (350) . (3) المصباح المنير للفيومي (350- 351) . (4) الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب (294) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2426 والمودّة يصدّقان الفكرة ويمحّضان «1» الرّأي. 4- أن يكون سليم الفكر من همّ قاطع، وغمّ شاغل، فإنّ من عارضت فكره شوائب الهموم لا يسلم له رأي، ولا يستقيم له خاطر. 5- ألّا يكون له في الأمر المستشار فيه غرض يتابعه، ولا هوى يساعده، فإنّ الأغراض جاذبة والهوى صادّ «2» ، والرّأي إذا عارضه الهوى وجاذبته الأغراض فسد «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- التعاون على البر والتقوى- التناصر- القدوة الحسنة- النظام الاجتماع] . وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- التفرق- التنازع- التهاون- التفريط والإفراط] . () الآيات الواردة في «الشورى» آيات الشورى فيها على سبيل الأمر: 1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «4» آيات الشورى فيها وصف للمؤمنين: 2- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) «5»   (1) يمحّضان: يخلّصان الرأي. (2) صادّ: مانع صارف. (3) أدب الدنيا والدين (262) . (4) آل عمران: 159 مدنية. (5) الشورى: 36- 39 مكية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2427 الأحاديث الواردة في (الشورى) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّي سأعرض عليك أمرا، فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتّى تشاوري أبويك» . فقلت: وما هذا الأمر؟. قالت: فتلا عليّ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 28- 29) . قالت عائشة: فقلت: وفي أيّ ذلك تأمرني أشاور أبويّ، بل أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. قالت: فسرّ بذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأعجبه، وقال سأعرض على صواحبك ما عرضت عليك، قالت: فقلت له: فلا تخبرهنّ بالّذي اخترت، فلم يفعل، وكان يقول لهنّ كما قال لعائشة، ثمّ يقول: قد اختارت عائشة الله ورسوله والدّار الآخرة، قالت عائشة: قد خيّرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم نر ذلك طلاقا) * «1» . 2- * (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّ جليبيبا كان امرأ يدخل على النّساء يمرّ بهنّ ويلاعبهنّ، فقلت لامرأتي: لا يدخلنّ عليكم جليبيب، فإنّه إن دخل عليكم لأفعلنّ ولأفعلنّ، قال: وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيّم «2» لم يزوّجها، حتّى يعلم هل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها حاجة أم لا؟، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل من الأنصار: «زوّجني ابنتك» ، فقال: نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عيني، فقال: إنّي لست أريدها لنفسي، قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: «لجليبيب» ، قال: فقال: يا رسول الله أشاور أمّها فأتى أمّها، فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب ابنتك، فقالت: نعم ونعمة عيني، فقال: إنّه ليس يخطبها لنفسه، إنّما يخطبها لجليبيب، فقالت: أجليبيب؟، إنيه «3» أجليبيب؟ إنيه. أجليبيب؟ إنيه لا. لعمر الله لا تزوّجه، فلمّا أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره بما قالت أمّها، قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمّها، فقالت: أتردّون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمره، ادفعوني. فإنّه لم يضيّعني. فانطلق أبوها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، قال: شأنك بها فزوّجها جليبيبا، قال: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة له، قال: فلمّا أفاء الله عليه قال لأصحابه: «هل تفقدون من أحد؟» ، قالوا: نفقد فلانا ونفقد فلانا. قال: «انظروا هل تفقدون من أحد؟» . قالوا: لا. قال: «لكنّي أفقد جليبيبا» . قال: «فاطلبوه في القتلى» قال: فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثمّ قتلوه. فقالوا: يا رسول الله! ها هو ذا إلى جنب سبعة قد   (1) أحمد (6/ 185) واللفظ له. وأصله عند البخاري- الفتح 8 (4686) . ومسلم (1478) . (2) أيّم: العزب رجلا كان أو امرأة. (3) إنيه: بكسر الهمزة والنون وسكون الياء وبعدها هاء كلمة تستعملها العرب في الإنكار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2428 قتلهم ثمّ قتلوه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقام عليه. فقال: «قتل سبعة وقتلوه، هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه» مرّتين أو ثلاثا، ثمّ وضعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ساعديه، وحفر له. ما له سرير إلّا ساعدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ وضعه في قبره، ولم يذكر أنّه غسّله. قال ثابت: فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها، وحدّث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتا قال: هل تعلم ما دعا لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ صبّ عليها الخير صبّا، ولا تجعل عيشها كدّا كدّا» «1» قال: فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها، قال أبو عبد الرّحمن: ما حدّث به في الدّنيا أحد إلّا حمّاد بن سلمة، ما أحسنه من حديث) * «2» . 3- * (عن الزّبير- رضي الله عنه- أنّه خاصم رجلا من الأنصار، قد شهد بدرا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شراج من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك» . فغضب الأنصاريّ، فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمّتك؟. فتلوّن «3» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: اسق، ثمّ احبس حتّى يبلغ الجدر. فاستوعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ حقّه للزّبير. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأي سعة له وللأنصاريّ، فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة. قال الزّبير: والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء: الآية 65)) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البكر تستأمر، والثّيّب تشاور» ، قيل: يا رسول الله! إنّ البكر تستحي. قال: «سكوتها رضاها» ) * «5» . 5- * (عن صهيب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى همس شيئا لا نفهمه، ولا يحدّثنا به، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فطنتم لي» . قال قائل: نعم، قال: «فإنّي قد ذكرت نبيّا من الأنبياء أعطى جنودا من قومه، فقال: من يكافيء؟ هؤلاء، أو من يقوم لهؤلاء- أو كلمة شبيهة بهذه- (شكّ سليمان) - قال: فأوحى الله إليه اختر لقومك بين إحدى ثلاث: إمّا أن أسلّط عليهم عدوّا من غيرهم، أو الجوع، أو الموت، قال: فاستشار قومه في ذلك فقالوا: أنت نبيّ الله نكل ذلك إليك، فخر لنا، قال: فقام إلى صلاته، قال: وكانوا يفزعون إذا فزعوا إلى الصّلاة، قال: فصلّى، قال: أمّا عدوّ من غيرهم فلا، أو الجوع فلا، ولكن الموت، قال: فسلّط عليهم الموت ثلاثة أيّام فمات منهم سبعون ألفا، فهمسي الّذي   (1) كدّا: شديدا. (2) أحمد (4/ 422) واللفظ له وذكره ابن كثير (3/ 497- 498) في سبب نزول قوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً ... (الأحزاب/ 26) ، وأصله عند مسلم (2472) . (3) فتلون: فتغير. (4) البخاري- الفتح 5 (2708) . (5) أحمد (2/ 329) وقال الشيخ أحمد شاكر (12/ 102) برقم (7131) : إسناده صحيح. وأصله في الصحيحين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2429 ترون أنّي أقول: اللهمّ يا ربّ بك أقاتل، وبك أصاول «1» ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «2» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المستشار مؤتمن» ) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من تقوّل عليّ ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من النّار، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشده فقد خانه، ومن أفتى بفتيا غير ثبت فإنّما إثمه على من أفتاه» ) * «4» . 8- * (عن معاوية بن جاهمة- رضي الله عنهما-: أنّ جاهمة جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك. فقال: «هل لك من أمّ» ؟ قال: نعم. قال: «فالزمها، فإنّ الجنّة عند رجلها» ) * «5» . () الأحاديث الواردة في (الشورى) معنى 9- * (عن مروان والمسور بن مخرمة- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «معي من ترون، وأحبّ الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطّائفتين: إمّا السّبي وإمّا المال. وقد كنت استأنيت بكم» وكان أنظرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطّائف- فلمّا تبيّن لهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير رادّ إليهم إلّا إحدى الطّائفتين قالوا: فإنّا نختار سبينا، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّ إخوانكم قد جاؤونا تائبين، وإنّي قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم، فمن أحبّ منكم أن يطيّب ذلك فليفعل. ومن أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتّى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفيء «6» الله علينا فليفعل» . فقال النّاس: قد طيّبنا ذلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّا لا ندري من أذن منكم في   (1) أصاول: أسطو وأقهر. (2) الترمذي (3340) وقال عنه: حديث حسن غريب. وأحمد (4/ 333) واللفظ له، وفي جامع الأصول: (10/ 306، 307) وساقه مع حديث أصحاب الأخدود. (3) الترمذي (2823، 2824) ، وأبو داود (5128) ، وقال محقق جامع الأصول: (11/ 562) حديث حسن، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 97) عن عبد الله بن الزبير وقال: رجاله رجال الصحيح واللفظ فيها جميعا. وصححه الشيخ الألباني، صحيح أبي داود (3/ 965) . (4) أحمد (1/ 876) وقال أحمد شاكر صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك بلفظ (من قال علي) (1/ 103) واللفظ له وصححه ووافقه الذهبي، وقال محقق جامع الأصول (12/ 562) : إسناده حسن. (5) النسائي رقم 197 (6/ 11) واللفظ له وأخرجه أحمد في المسند (3/ 429) ، وابن الأثير في الجامع (1/ 403) وقال محققه: إسناده حسن وصححه الحاكم. وذكره الهيثمي في المجمع (8/ 138) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. (6) يفيء: الفيء هو الغنيمة بلا قتال. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2430 ذلك ممّن لم يأذن، فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم «1» أمركم» . فرجع النّاس، فكلّمهم عرفاؤهم، ثمّ رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبروه أنّهم قد طيّبوا وأذنوا. هذا الّذي بلغني عن سبي هوازن) * «2» . 10- * (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: قدم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة. وهم يأبرون «3» النّخل يقولون: يلقّحون النّخل. فقال: «ما تصنعون؟» قالوا: كنّا نصنعه. قال: «لعلّكم لو لم تفعلوا كان خيرا» فتركوه. فنفضت «4» - أو فنقصت. قال: فذكروا ذلك له، فقال: «إنّما أنا بشر. إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به. وإذا أمرتكم بشيء من رأي «5» فإنّما أنا بشر» ) * «6» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشورى) 11- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: استشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأسارى أبا بكر، فقال: قومك وعشيرتك فخلّ سبيلهم. فاستشار عمر، فقال: اقتلهم، قال: ففداهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله عزّ وجلّ-: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ «7» فِي الْأَرْضِ- إلى قوله فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً (الأنفال/ 67- 69) قال فلقي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عمر، قال: «كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء» ) * «8» . 12- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاور، حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال: فتكلّم أبو بكر، فأعرض عنه. ثمّ تكلّم عمر، فأعرض عنه، فقام سعد بن معاذ، فقال: إيّانا تريد؟ يا رسول الله! والّذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها «9» . ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها «10» إلى برك الغماد «11» لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا.   (1) عرفاؤكم: جمع عريف وهو القيّم بأمر القوم وسيّدهم. (2) البخاري- الفتح 7 (4318، 4319) . (3) يأبرون: يقال منه أبر يأبر ويأبر. كبذر يبذر ويبذر. ويقال: أبّر يؤبّر تأبيرا. وتفسيرها بعدها في لفظ الحديث. (4) فنفضت أو فنقصت: فنفضت أي أسقطت ثمرها. قال أهل اللغة: ويقال لذلك المتساقط النفض، بمعنى المنفوض كالخبط بمعنى المخبوط. وأنفض القوم فني زادهم. (5) من رأي: أي في أمر الدنيا ومعايشها لا على التشريع. (6) مسلم (2362) . (7) يثخن: يبالغ في قتل أعدائه. (8) الحاكم (2/ 329) وصححه ووافقه الذهبي. وقد أخرج مسلم نحوه. (9) أن نخيضها البحر لأخضناها: يعني الخيل. أي لو أمرتنا بإدخال خيولنا في البحر وتمشيتنا إياها فيه لفعلنا. (10) أن نضرب أكبادها: كناية عن ركضها. (11) برك الغماد: برك بفتح الباء وإسكان الراء. موضع من وراء مكة بناحية الساحل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2431 ووردت عليهم روايا قريش «1» . وفيهم غلام أسود لبني الحجّاج. فأخذوه. فكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه؟ فيقول: ما لي علم بأبي سفيان. ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة ابن خلف. فإذا قال ذلك ضربوه فقال: نعم. أنا أخبركم. هذا أبو سفيان. فإذا تركوه فسألوه فقال: مالي بأبي سفيان علم. ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف في النّاس. فإذا قال هذا أيضا ضربوه. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلّي. فلمّا رأى ذلك انصرف «2» . قال: «والّذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم» . قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مصرع فلان» قال: ويضع يده على الأرض، هاهنا وهاهنا. قال: فما ماط «3» أحدهم عن موضع يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «4» . 13- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: كان النّاس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتبايعون الثّمار فإذا جدّ «5» النّاس، وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: إنّه أصاب الثّمر الدّمان، (أصابه مرض) ، أصابه قشام- عاهات يحتجّون بها- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا كثرت عنده الخصومة في ذلك: «فأمّا لا فلا تتبايعوا حتّى يبدو صلاح الثّمر» ، كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم. وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنّ زيد ابن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتّى تطلع الثّريّا، فيتبيّن الأصفر من الأحمر) * «6» . 14- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم الحديبية، خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو، وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقّائنا وليس لهم فقه في الدّين، وإنّما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا. قال: «فإن لم يكن لهم فقه في الدّين سنفقّههم» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر قريش لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسّيف على الدّين، قد امتحن الله قلبه على الإيمان» . قالوا: من هو يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ قال: «هو خاصف «7» النّعل» وكان أعطى عليّا نعله يخصفها، ثمّ التفت إلينا عليّ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «8» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا ذكر من شأني الّذي ذكر، وما علمت به، قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا فتشهّد. فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثمّ قال: «أمّا بعد. أشيروا عليّ في أناس   (1) روايا قريش: أي إبلهم التي كانوا يستقون عليها. فهي الإبل الحوامل للماء. واحدتها راوية. (2) انصرف: أي سلم من صلاته. (3) فما ماط أحدهم: أي تباعد. (4) مسلم (1779) (5) جدّ: قطع الثمر وجناه. (6) البخاري- الفتح 4 (2193) . (7) خاصف: خرزها بالمخصف. (8) الترمذي (3715) وقال: حديث حسن صحيح غريب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2432 أبنوا أهلي «1» . وايم الله ما علمت على أهلي من سوء قطّ. وأبنوهم، بمن؟ والله ما علمت عليه من سوء قطّ، ولا دخل بيتي قطّ إلّا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلّا غاب معي» . وساق الحديث بقصّته. وفيه: ولقد دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيتي فسأل جاريتي. فقالت: والله ما علمت عليها عيبا، إلّا أنّها كانت ترقد حتّى تدخل الشّاة فتأكل عجينها. أو قالت خميرها (شكّ هشام) فانتهزها بعض أصحابه، فقال: اصدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. حتّى أسقطوا لها به «2» . فقالت: سبحان الله! والله ما علمت عليها إلّا ما يعلم الصّائغ على تبر الذّهب الأحمر «3» . وقد بلغ الأمر ذلك الرّجل الّذي قيل له. فقال: سبحان الله! والله ما كشفت عن كنف أنثى قطّ. قالت عائشة: وقتل شهيدا في سبيل الله. وفيه أيضا من الزّيادة: وكان الّذين تكلّموا به مسطح وحمنة وحسّان. وأمّا المنافق عبد الله بن أبيّ، فهو الّذي كان يستوشيه «4» ويجمعه. وهو الّذي تولّى كبره، وحمنة) * «5» . 16- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تقولون في هؤلاء الأسرى» قال: فقال أبو بكر- رضوان الله عليه-: يا رسول الله! قومك وأهلك استفدهم واستأدهم لعلّ الله أن يتوب عليهم، قال: وقال عمر: يا رسول الله! أخرجوك وكذّبوك، قرّبهم فاضرب أعناقهم، قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله! انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثمّ أضرمه عليهم نارا، قال: فقال العبّاس: قطعتك رحمك، قال: فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يردّ عليهم، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، قال: فخرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- ليلين قلوب رجال فيه حتّى تكون ألين من اللّبن، وإنّ الله- عزّ وجلّ- ليشدّد قلوب رجال فيه حتّى تكون أشدّ من الحجارة وإنّ مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (إبراهيم/ 36) ، ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى صلّى الله عليه وسلّم قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، وإنّ مثلك يا عمر كمثل- نوح صلّى الله عليه وسلّم قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (نوح/ 26) ، وإنّ مثلك يا عمر كمثل موسى صلّى الله عليه وسلّم قال: وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (يونس/ 88) ، أنتم عالة فلا ينقلبنّ أحد منهم إلّا بفداء- أو ضربة عنق» قال عبد الله: فقلت إلّا سهيل بن بيضاء، فإنّي قد سمعته يذكر   (1) أبّنوا أهلي: باء مفتوحة مخففة ومشددة. رووه، هنا بالوجهين، والتخفيف أشهر. والأبن بفتح الهمزة: التهمة. (2) حتى أسقطوا لها به: ومعناه صرحوا لها بالأمر. (3) تبر الذهب الأحمر: هي القطعة الخالصة. (4) يستوشيه: أي يستخرجه بالبحث والمسألة، ثم يفشيه ويشيعه ويحركه، ولا يدعه يخمد. (5) البخاري- الفتح 8 (4750) و13 (7369- 7370) . ومسلم (2770) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2433 الإسلام، قال: فسكتّ، قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن يقع عليّ حجارة من السّماء في ذلك اليوم. حتّى قال إلّا سهيل بن بيضاء، فأنزل الله- عزّ وجلّ- لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وقوله: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ «1» فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» ) * «3» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، قالت: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد- رضي الله عنهما- حين استلبث الوحي يسألهما، وهو يستشيرهما في فراق أهله، فأمّا أسامة، فأشار بالّذي يعلم من براءة أهله، وأمّا عليّ فقال: لم يضيّق الله عليك، والنّساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك. فقال: «هل رأيت من شيء يريبك؟» قالت: ما رأيت أمرا أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها فتأتي الدّاجن فتأكله. فقام على المنبر فقال: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلّا خيرا» وذكر براءة عائشة، وقال أبو أسامة عن هشام وعنها قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما تشيرون عليّ في قوم يسبّون أهلي ما علمت عليهم من سوء قطّ» وعن عروة قال: لمّا أخبرت عائشة بالأمر، قالت: يا رسول الله! أتأذن لي أن أنطلق إلى أهلي؟ فأذن لها، وأرسل معها الغلام. وقال رجل من الأنصار: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلّم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم) * «4» . () من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الشورى) 1- * (عن ميمون بن مهران، قال: كان أبو بكر الصّدّيق إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى به، وإن لم يعلم خرج فسأل   (1) يثخن: يبالغ في قتل عدوه. (2) هكذا ورد ترتيب الآيات على سبيل الخطأ في مسند أحمد (1/ 383) ومجمع الزوائد (6/ 86- 87) وصوابها وفق المصحف: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلى قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (سورة الأنفال/ 67- 68) . (3) الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 86- 87) واللفظ له وقال: روى الترمذي منه طرفا- ورواه أحمد (1/ 383) وفي رواية فقام عبد الله بن جحش، فقال: يا رسول الله أعداء الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك وأنت بواد كثير الحطب، وفي رواية يستنقذهم بك الله من النّار، وقال أبو بكر: يا رسول الله عترتك وأهلك وقومك تجاوز عنهم لينقذهم الله بك من النار، ورواه أبو يعلى بنحوه ورواه الطبراني أيضا وفيه أبو عبيدة ولم يسمع من أبيه ولكن رجاله ثقات. وذكره الحاكم في المستدرك (3/ 2221) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (4) البخاري- الفتح 13 (7369، 7370) واللفظ له، ومسلم (2770) نحوه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2434 المسلمين عن السّنّة، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم) * «1» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «الرّجال ثلاثة: رجل ترد عليه الأمور، فيسدّدها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرّأي، ورجل حائر بائر «2» لا يأتمر رشدا، ولا يطيع مرشدا» ) * «3» . 3- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: «نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد» ) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- خرج إلى الشّام حتّى إذا كان بسرغ «5» لقيه أمراء الأجناد- أبو عبيدة ابن الجرّاح وأصحابه- فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بأرض الشّام. قال ابن عبّاس: فقال عمر: «ادع لي المهاجرين الأوّلين، فدعاهم، فاستشارهم، وأخبرهم أنّ الوباء قد وقع في الشّام، فاختلفوا: فقال بعضهم: قد خرجنا لأمر، ولا نرى أن نرجع عنه. وقال بعضهم: معك بقيّة النّاس وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عنّي. ثمّ قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم. فقال: ارتفعوا عنّي. ثمّ قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالنّاس ولا تقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في النّاس: إنّي مصبّح على ظهر، فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجرّاح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفرّ من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت إن كانت لك إبل هبطت واديا له عدوتان «6» : إحداهما خصيبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرّحمن بن عوف- وكان متغيّبا في بعض حاجته- فقال: إنّ عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» . قال: فحمد الله عمر، ثمّ انصرف) * «7» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّآء أصحاب مجالس عمر، ومشاورته كهولا كانوا أو شبّانا. فقال عيينة لابن أخيه: يابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاس: فاستأذن الحرّ لعيينة، فأذن   (1) فتح الباري: (13/ 354) . (2) بائر: هالك فاسد. (3) أدب الدنيا والدين (260) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) سرغ: قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز يجوز صرفه وترك الصرف. (6) العدوة: المكان المرتفع. (7) البخاري- الفتح 10 (5729) واللفظ له، ومسلم (2219) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث «إذا سمعتم به بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا ... » الحديث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2435 له عمر، فلمّا دخل عليه، قال: هيه يابن الخطّاب فو الله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) وإنّ هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله) * «1» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت أقرأ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرّحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطّاب في آخر حجّة حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرّحمن، فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر، لقد بايعت فلانا، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة فتمّت، فغضب عمر ... الحديث وفيه: ثمّ قال: إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول: إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت، ألا إنّها قد كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الّذي بايعه تغرّة «2» أن يقتلا ... الحديث) * «3» . 7- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه-: أنّ الرّهط الّذين ولّاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا، فقال لهم عبد الرّحمن: لست بالّذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنّكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرّحمن، فلمّا ولوا عبد الرّحمن أمرهم فمال النّاس على عبد الرّحمن حتّى إذا كانت اللّيلة الّتي أصبحنا منها، فبايعنا عثمان- قال المسور- طرقني عبد الرّحمن بعد هجع من اللّيل، فضرب الباب حتّى استيقظت، فقال: أراك نائما، فو الله ما اكتحلت هذه الثّلاث بكثير نوم. انطلق فادع الزّبير وسعدا، فدعوتهما له، فشاورهما، ثمّ دعاني فقال: ادع لي عليّا، فدعوته، فناجاه حتّى ابهارّ اللّيل «4» . ثمّ قام عليّ من عنده، وهو على طمع، وقد كان عبد الرّحمن يخشى من عليّ شيئا. ثمّ قال: ادع لي عثمان، فدعوته، فناجاه حتّى فرّق بينهم المؤذّن بالصّبح. فلمّا صلّى للنّاس الصّبح واجتمع أولئك الرّهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد- وكانوا وافوا تلك الحجّة مع عمر- فلمّا اجتمعوا تشهّد عبد الرّحمن، ثمّ قال: أمّا بعد يا عليّ إنّي قد نظرت في أمر النّاس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلنّ على نفسك سبيلا. فقال: أبايعك على سنّة الله وسنّة رسوله والخليفتين من بعده: فبايعه عبد الرّحمن وبايعه النّاس: المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون) «5» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-:   (1) البخاري- الفتح 8 (4642) . (2) تغرة: أي حذارا. (3) البخاري- الفتح 12 (6830) . (4) ابهارّ اللّيل: انتصف. (5) البخاري- الفتح 13 (7207) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2436 أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جلد في الخمر بالجريد والنّعال، ثمّ جلد أبو بكر أربعين. فلمّا كان عمر، ودنا الناس من الرّيف والقرى، قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرّحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخفّ الحدود. قال: فجلد عمر ثمانين» ) * «1» . 9- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- عن عمر- رضي الله عنه-، أنّه استشارهم في إملاص المرأة «2» ، فقال المغيرة: قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالغرّة «3» عبد أو أمة) * «4» . 10- * (وقال عمر بن عبد العزيز: «إنّ المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة، لا يضلّ معهما رأي، ولا يفقد معهما حزم» ) * «5» . 11- * (عن معدان بن أبي طلحة: أنّ عمر بن الخطّاب خطب يوم الجمعة. فذكر نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وذكر أبا بكر. قال: إنّي رأيت كأنّ ديكا نقرني ثلاث نقرات. إنّي لا أراه إلّا حضور أجلي. وإنّ أقواما يأمرونني أن أستخلف. وإنّ الله لم يكن ليضيّع دينه، ولا خلافته، ولا الّذي بعث به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فإن عجل بي أمر. فالخلافة شورى بين هؤلاء السّتّة. الذّين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض. وإنّي قد علمت أنّ أقواما يطعنون في هذا الأمر. أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام. فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله، الكفرة الضّلّال. ثمّ إنّي لا أدع بعدي شيئا أهمّ عندي من الكلالة «6» . ما راجعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شيء ما راجعته في الكلالة. وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه. حتّى طعن بإصبعه في صدري. قال: «يا عمر! ألا تكفيك آية الصّيف «7» الّتي في آخر سورة النّساء؟» وإنّي إن أعش أقض فيها بقضيّة. يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن. ثمّ قال: اللهمّ إنّي أشهدك على أمراء الأمصار. وإنّي إنّما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلّموا النّاس دينهم، وسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، ويقسموا فيهم فيئهم «8» ، ويرفعوا إليّ ما أشكل عليهم من أمرهم. ثمّ إنّكم، أيّها النّاس تأكلون شجرتين لا أراهما إلّا خبيثتين. هذا البصل والثّوم. لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا وجد ريحهما من الرّجل في المسجد، أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخا» ) * «9» . 12- * (قال عياض الأشعريّ: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجرّاح، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض، وليس عياض هذا بالّذي حدّث سماكا، قال: وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة. قال: فكتبنا   (1) مسلم (1706) واللفظ له، والبخاري- الفتح 12 (6779) نحوه. (2) إملاص المرأة: هي التي تضرب بطنها فتلقي جنينها. (3) الغرّة: عبد أو أمة. (4) البخاري- الفتح 12 (6905) . (5) أدب الدنيا والدين: 260. (6) الكلالة: أن يموت المرء وليس له والد أو ولد يرثه. (7) آية الصيف: أي التي نزلت في الصيف وهي قوله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (المائدة/ 176) ... إلى آخرها. (8) فيئهم: هو الغنيمة بلا قتال. (9) مسلم (567) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2437 إليه: إنّه قد جاش إلينا الموت «1» ، واستمددناه، فكتب إلينا، إنّه قد جاءني كتابكم تستمدّوني، وإنّي أدلّكم على من هو أعزّ نصرا وأحضر جندا، الله- عزّ وجلّ- فاستنصروه، فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم قد نصر يوم بدر في أقلّ من عدّتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال: فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، قال: وأصبنا أموالا، فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كلّ رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنّي «2» فقال شابّ: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي «3» أبي عبيدة تنقزان «4» وهو خلفه على فرس عري) * «5» . 13- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: «والله، ما استشار قوم قطّ إلّا هدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثمّ تلا وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ (الشورى/ 38) » ) * «6» . 14- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: «إنّما يؤمر الحاكم بالمشورة لكون المشير ينبّهه على ما يغفل عنه، ويدلّه على ما لا يستحضره من الدّليل لا ليقلّد المشير فيما يقوله، فإنّ الله لم يجعل هذا لأحد بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «7» . 15- * (وقال الماورديّ: «اعلم أنّ من الحزم لكلّ ذي لبّ، ألّا يبرم أمرا ولا يمضي عزما إلّا بمشورة ذي الرّأي النّاصح، ومطالعة ذي العقل الرّاجح» ) * «8» . 16- * (قال أحدهم: «من أعجب برأيه لم يشاور، ومن استبدّ برأيه كان من الصّواب بعيدا» ) * «9» . 17- * (وقال أحدهم: «المشاور في رأيه، ناظر من ورائه» ) * «10» . 18- * (وقيل في منثور الحكم: «المشاورة راحة لك، وتعب على غيرك» ) * «11» . 19- * (وقال بعض الحكماء: «الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه» ) * «12» . 20- * (وقال بعض الأدباء: «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار» ) * «13» . 21- * (وقال بعض البلغاء: «من حقّ العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرّأي الفذّ ربّما زلّ، والعقل الفرد ربّما زلّ» ) * «14» .   (1) جاش إلينا الموت: أي تدفق وفاض. (2) يراهني: أصلها (يراهنني) والمراهنة: المخاطرة. (3) عقيصتي: العقصة: خصلة من الشعر معقوصة. (4) تنقزان: يريد تهتزان من شدة الجري، وأصل النقز: القفز والوثوب. (5) أحمد (1/ 49) ، وقال محقق المسند (1/ 344) : إسناده صحيح. (6) فضل الله الصمد في شرح الأدب المفرد: (258) (7) فتح الباري: 13/، 354 (8) أدب الدنيا والدين: (260) . (9) المرجع السابق (261) . (10) المرجع السابق نفسه. (11) المرجع السابق، 289 (12) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها. (13) المرجع السابق (261) . (14) المرجع السابق (263) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2438 22- * (وقال بشّار بن برد: إذا بلغ الرّأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم ولا تجعل الشّورى عليك غضاضة ... فإنّ الخوافي قوّة للقوادم) * «1» . 23- * (وقال آخر: «خليليّ ليس الرّأي في صدر واحد ... أشيرا عليّ بالّذي تريان) * «2» . 24- * (قال ابن عطيّة: والشّورى من قواعد الشّريعة وعزائم الأحكام من لا يستشير أهل العلم والدّين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه وقد مدح الله المؤمنين بقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ (الشورى/ 38) قال أعرابيّ: ما غبنت قطّ حتّى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئا حتّى أشاورهم. وقال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلّق بالحرب، ووجوه النّاس فيما يتعلّق بالمصالح، ووجوه الكتّاب والوزراء والعمّال فيما يتعلّق بمصالح البلاد وعمارتها. وكان يقال: ما ندم من استشار، وكان يقال من أعجب برأيه ضلّ) * «3» . 25- * (عن الحسن البصريّ والضّحّاك قالا: ما أمر الله تعالى نبيّه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم وإنّما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمّته من بعده وفي قراءة ابن عبّاس: * وشاورهم في بعض الأمر) «4» . 26- * (قال الشّاعر: شاور صديقك في الخفيّ المشكل ... واقبل نصيحة ناصح متفضّل فالله قد أوصى بذاك نبيّه ... في قوله شاورهم وتوكّل) * «5» . 27- * (قال الحسن: «ما كمل دين امرئ ما لم يكمل عقله» . فإذا استشير من هذه صفته واجتهد في الصّلاح وبذل جهده فوقعت الإشارة خطأ فلا غرامة عليه) * «6» . 28- * (قال القرطبيّ: وصفة المستشار في أمور الدّنيا أن يكون عاقلا مجرّبا وادّا في المستشير) * «7» . 29- * (قال الشّاعر: وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيبا ولا تعصه) * «8» . 30- * (وقال ابن العربيّ: الشّورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصّواب، وما تشاور قوم إلّا هدوا) * «9» .   (1) أدب الدنيا والدين (263) (2) المرجع السابق (292) ط. مصطفى السقا. (3) تفسير القرطبى (2/ 159) . (4) المرجع السابق (2/ 159- 161) . (5) المرجع السابق نفسه. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق (2/ 161) . (9) المرجع السابق (16/ 25) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2439 31- * (قال القرطبيّ: والشّورى مبنيّة على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، وينظر أقربها قولا إلى الكتاب والسّنّة إن أمكنه فإذا أرشده الله- تعالى- إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكّلا عليه، إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب) * «1» . 32- * (وقال بعضهم: شاور من جرّب الأمور، فإنّه يعطيك من رأيه ما دفع عليه غاليا وأنت تأخذه مجّانا) * «2» . () من فوائد (الشورى) (1) الشّورى من مبادإ الإسلام السّمحة في نظام الحكم. (2) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاور المؤمنين ليطيّب بذلك قلوبهم وليشجّعهم على المضيّ في نشر الدّين والدّعوة إلى الله- عزّ وجلّ-. (3) لقد مدح الله المؤمنين بانتها جهم مبدأ الشّورى بينهم. (4) الشّورى: تبعث في النّاس حبّ التّعاون مع المسئولين وتشجّعهم على تحمّل مسئوليّاتهم أمام مجتمعهم. (5) شورى- ما يدعونه- الدّيمقراطيّة تعتمد رأي الأكثريّة مهما كان شأنها، وشورى الإسلام تعتمد رأي العلماء الأتقياء المخلصين من رجال الأمّة. (6) الشّورى والتّشاور كما تكون في الأمور العامّة بين الحاكم والمحكومين تكون أيضا في الأمور الخاصّة بين أفراد الأسرة في المجتمع. (7) إذا وردت النّصوص الواضحة في المسألة فلا مشورة بعدها. (8) لا يستشار إلّا من عرف بالأمانة والإخلاص والعلم. (9) من استشاره أخوه المسلم، فعليه أن ينصحه فيما يعلم.   (1) تفسير القرطبى (2/ 162) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2440 [ حرف الصاد ] الصبر والمصابرة الصبر لغة: مصدر صبر يصبر وهو مأخوذ من مادّة (ص ب ر) الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على معان ثلاثة: الأوّل الحبس، والثّاني: أعالي الشّيء، والثّالث: جنس من الحجارة، وقد اشتقّ الصّبر المراد هنا من المعنى الأوّل وهو الحبس، يقال: صبرت نفسي على ذلك الأمر أي حبستها، والمصبورة المحبوسة على الموت، ومن الباب ما ورد من نهيه صلّى الله عليه وسلّم عن قتل شيء من الدّوابّ صبرا. وقال الرّاغب: الصّبر: الإمساك في ضيق، يقال صبرت الدّابّة بمعنى حبستها بلا علف، ويقال صبر فلان عند المصيبة صبرا وصبّرته أنا حبسته. قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (الكهف/ 28) أي احبس نفسك معهم. وقال عنترة يذكر حربا كان فيها: فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع يقول: حبست نفسا صابرة «1» . وقيل: أصل الكلمة من الشّدّة والقوّة، ومنه الصّبر للدّواء المعروف بشدّة مرارته وكراهته. قال الأصمعيّ: إذا لقي الرّجل الشّدّة بكمالها قيل لقيها بأصبارها، وقيل مأخوذ من الجمع والضّمّ، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 103/ 48/ 13 فالصّابر يجمع نفسه، ويضمّها عن الهلع. والتّصبّر: تكلّف الصّبر «2» . أمّا الصّبر الجميل في قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السّلام- فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (يوسف/ 18) ، فالمراد به الصّبر الّذي لا جزع فيه ولا شكوى «3» ، وقال ابن جريج عن مجاهد إنّ المعنى: لا أشكو ذلك لأحد «4» . وقال مجاهد أيضا: «الصّبر الجميل: الّذي لا جزع فيه» «5» وقال أبو حيّان: المعنى: أتجمّل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه، وعبوس الجبين، بل على ما كنت عليه معكم (من قبل) «6» وقال ابن تيميّة: الصّبر الجميل هو الّذي لا شكوى فيه ولا معه» «7» . من معاني الصبر: قال الفيروز اباديّ: وربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النّفس لمصيبة سمّي صبرا، وإن كان في محاربة سمّي شجاعة، وإن كان في إمساك الكلام سمّي كتمانا، وإن كان عن فضول العيش سمّي زهدا «8» ، وإن كان عن شهوة الفرج سمّي عفّة، وإن كان عن شهوة طعام سمّي شرف نفس، وإن كان عن إجابة داعي الغضب سمّي حلما «9» . قال ابن القيّم: والاسم الجامع لذلك كلّه «الصّبر» وهذا يدلّك على ارتباط مقامات الدّين كلّها   (1) لسان العرب (4/ 438) . (2) الصحاح للجوهري (2/ 706، 707) ، ولسان العرب، لابن منظور «ص ب ر» (4/ 438) ، والمقاييس (3/ 329) . (3) تفسير القرطبي 9/، 152 (4) السابق 9/، 247 (5) تفسير ابن كثير مجلد 2 ص، 489 (6) تفسير البحر المحيط 5/، 290 (7) انظر الأثر رقم، 8 (8) في الكليات للكفوي (560) ، والصبر في إمساك النفس عن الفضول قناعة. (9) بصائر ذوي التمييز (3/ 383) ، وانظر: التعريفات للجرجاني (ص 131) ، وفي المفردات للراغب (ص 273) : الصبر لفظ- الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2441 بالصّبر «1» . معنى اسم الله الصبور: قال ابن منظور في أسماء الله تعالى: الصّبور «وهو الّذي لا يعاجل العصاة بالانتقام. وهو من أبنية المبالغة، ومعناه قريب من معنى الحليم. والفرق بينهما أنّ المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصّبور كما يأمنها في صفة الحليم. قال أبو إسحاق: الصّبور في صفة الله- عزّ وجلّ-: الحليم. وفي الحديث «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله- عزّ وجلّ-» . أي أشدّ حلما على فاعل ذلك وترك المعاقبة عليه «2» . قال الزّجّاج: الصّبور فعول بمعنى فاعل، ومعنى الصّبر والصّبور في اسم الله تعالى قريب من معنى الحليم «3» . وقال الغزاليّ: الصّبور هو الّذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه، بل ينزّل الأمور بقدر معلوم ويجريها على سنن محدود، لا يؤخّرها عن آجالها المقدّرة لها، ولا يقدّمها على أوقاتها، بل يودع كلّ شيء في أوانه على الوجه الّذي يجب أن يكون كما ينبغي «4» . الصبر اصطلاحا: قال الرّاغب: هو حبس النّفس على ما يقتضيه العقل والشّرع أو عمّا يقتضيان حبسها عنه. وقال الجاحظ: الصّبر عن الشّدائد خلق مركّب من الوقار والشّجاعة. وقال المناويّ: الصّبر: قوّة مقاومة الأهوال والآلام الحسّيّة والعقليّة «5» . وقيل: هو حبس النّفس عن الجزع والتّسخّط، وحبس اللّسان عن الشّكوى، وحبس الجوارح عن التّشويش. وقيل: هو ترك الشّكوى من ألم البلوى لغير الله إلّا إلى الله؛ لأنّ الله تعالى أثنى على أيّوب- عليه السّلام- بالصّبر بقوله إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً (ص/ 44) مع دعائه في دفع الضّرّ عنه بقوله وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (الأنبياء/ 83) فعلم أنّ العبد إذا دعا الله تعالى في كشف الضّرّ عنه لا يقدح في صبره. وقيل: هو خلق فاضل من أخلاق النّفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوّة من قوى النّفس الّتي بها صلاح شأنها وقوام أمرها. وقيل: هو الثّبات على أحكام الكتاب والسّنّة. وقيل: هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب. وقيل: هو الثّبات مع الله، وتلقّي بلائه بالرّحب والسّعة. وقيل: هو ثبات القلب عند موارد الاضطراب «6» . مراتب الصبر: قال الفيروز اباديّ: مراتب الصّبر خمسة: صابر ومصطبر، ومتصبّر، وصبور، وصبّار. فالصّابر أعمّها، والمصطبر: المكتسب للصّبر، المبتلى به، والمتصبّر: متكلّف الصّبر حامل نفسه عليه، والصّبور: العظيم الصّبر الّذي صبره أشدّ من صبر غيره، والصّبّار: الشّديد الصّبر فهذا في القدر والكمّ والّذي قبله في   - عام وربما خولف بين أسمائه باختلاف مواقعه وزاد على ما هنا: وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحابة صدر ويضاده الضجر. (1) مدارج السالكين (3/ 165) . (2) الصحاح للجوهري (2/ 706) ، ولسان العرب (4/ 438) ، التعريفات للجرجاني (131) . (3) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (65) . (4) المقصد الأسنى للغزالي (149) . (5) مفردات الراغب (5273) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (212) . (6) مدارج السالكين (1/ 162، 163) ، والتوقيف (212) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2442 الوصف والكيف «1» . أنواع الصبر: قال أبو عمر: سألت الحليميّ عن الصّبر، قال: ثلاثة أنواع: الصّبر على طاعة الجبّار، والصّبر عن معاصي الجبّار، والصّبر على الصّبر على طاعته وترك معصيته «2» . وقال ابن القيّم: الصّبر باعتبار متعلّقه ثلاثة أقسام: صبر الأوامر والطّاعات حتّى يؤدّيها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتّى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتّى لا يتسخّطها «3» . وقال الفيروز اباديّ: الصّبر على ثلاثة أنواع: (1) صبر بالله، (2) صبر مع الله، (3) صبر لله «4» . أهمية الصبر: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «قد ذكر الله الصّبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعا. وقرنه بالصّلاة في قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (البقرة/ 45) ، وجعل الإمامة في الدّين موروثة عن الصّبر واليقين بقوله: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) . فإنّ الدّين كلّه علم بالحقّ وعمل به، والعمل به لا بدّ فيه من الصّبر. بل وطلب علمه يحتاج إلى الصّبر. كما قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: عليكم بالعلم فإن طلبه لله عبادة، ومعرفته خشية، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يعرف الله ويعبد، وبه يمجّد الله ويوحّد، يرفع الله بالعلم أقواما يجعلهم للنّاس قادة وأئمّة يهتدون بهم وينتمون إلى رأيهم. فجعل البحث عن العلم من الجهاد، ولا بدّ في الجهاد من الصّبر، ولهذا قال تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (سورة العصر) ، وقال تعالى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (ص/ 45) . فالعلم النّافع هو أصل الهدى، والعمل بالحقّ هو الرّشاد، وضدّ الأوّل الضّلال، وضدّ الثّاني الغيّ. فالضّلال العمل بغير علم، والغيّ اتّباع الهوى، قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 1- 2) فلا ينال الهدى إلّا بالعلم ولا ينال الرّشاد إلّا بالصّبر. ولهذا قال عليّ: «ألا إنّ الصّبر من الإيمان بمنزلة الرّأس من الجسد، فإذا انقطع الرّأس بان الجسد، ثمّ رفع صوته فقال ألا لا إيمان لمن لا صبر له» «5» . المصابرة: المصابرة مفاعلة- من الصّبر، ويكثر استعمال هذه الصّيغة- كما يقول الصّرفيّون- في أحد أمرين؛ المشاركة في الأمر كما في نحو قاتل فلان فلانا أي أنّهما اشتركا معا في القتال، الآخر: الموالاة والمتابعة في الأمر كما في قول الله تعالى: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (الأعراف/ 21) أي والى في القسم «6» ، وعلى ذلك فإنّ المصابرة قد تعني:   (1) بصائر ذوي التمييز (3/ 378) ومدارج السالكين (2/ 165) . (2) ذكر في بصائر ذوي التمييز (3/ 375) النوعين الأوّلين وعبر عن الثالث بقوله: صبر على امتحان الله. (3) مدارج السالكين لابن القيم (1/ 165) ، ودليل الفالحين (1/ 137) . (4) البصائر (3/ 376) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) انظر في معاني هذه الصيغة: شذا العرف في فن الصرف للشيخ الحملاوي (41) وقد تفيد هذه الصيغة معان أخر، منها: التكثير والمبالغة كما في: ضاعفت الشيء بمعنى ضعفته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2443 1- المشاركة في الصّبر كأن يصبر الإنسان عن المعاصي، ويصبر الشّيطان على الإغواء وحينئذ تكون الغلبة لأكثرهما صبرا. 2- موالاة الصّبر ومتابعته سواء كان صبرا عن المعاصي أو صبرا على الطّاعات. وكما أمرنا المولى عزّ وجلّ بالصّبر فقد أمرنا أيضا بالمصابرة في قوله عزّ من قائل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران/ 200) . فما معنى المصابرة الّتي أمرنا بها؟ قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- إجابة عن هذا التّساؤل: «قيل في قوله تعالى اصْبِرُوا وَصابِرُوا.. الآية» أنّه انتقال من الأدنى إلى الأعلى، فالصّبر دون المصابرة «1» . وقيل: اصبروا بنفوسكم على طاعة الله، وصابروا بقلوبكم على البلوى في الله. وقيل: اصبروا في الله، وصابروا بالله، (أي أنّ الصّبر يكون في طاعة الله والمصابرة تكون في الاستعانة بالله) . وقيل: اصبروا على النّعماء، وصابروا على البأساء والضّرّاء وقال- رحمه الله تعالى- فالصّبر مع نفسك، والمصابرة بينك وبين عدوّك «2» » «3» . وقال- رحمه الله- في تفسير الآية الكريمة مؤكّدا هذا المعنى الأخير: أمرهم بالصّبر، وهو حال الصّابر في نفسه، والمصابرة مقاومة الخصم في ميدان الصّبر، فإنّها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين- كالمشاتمة والمضاربة «4» - وهي إذن حال المؤمن في الصّبر مع خصمه، أمّا المرابطة فهي الثّبات واللّزوم والإقامة على الصّبر والمصابرة، فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبّد بالتّقوى، فأخبر سبحانه أنّ ملاك ذلك كلّه: التّقوى، وأنّ الفلاح موقوف عليها، فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «5» . وهذا الّذي ذهب إليه ابن القيّم هو عين ما رجّحه الطّبريّ عند ما قال: وأولى التأويلات في ذلك قول من قال: «اصبروا على دينكم وطاعة ربّكم، وذلك أنّ الله لم يخصّص من معاني الصّبر على الدّين والطّاعة شيئا فيجوز إخراجه من ظاهر التّنزيل، ومن ثمّ يكون الأمر بالصّبر على جميع معاني طاعة الله فيما أمر ونهى صعبها وشديدها وسهلها وخفيفها، أمّا المصابرة فيقصد بها مصابرة الأعداء من المشركين لأنّ المعروف من كلام العرب في المفاعلة أن تكون من فريقين أو اثنين فصاعدا، ولا تكون من واحد إلّا قليلا، وإذا كان ذلك كذلك فإنّما أمر المؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم وألّا يكون عدوّهم أصبر منهم «6» . وقال النّيسابوريّ: المراد بالصّبر جهاد النّفس بالرّياضات، وبالمصابرة: مراقبة القلب عند الابتلاءات «7» . وقال القرطبيّ: المصابرة: في قول زيد بن أسلم: «مصابرة الأعداء» وقال الحسن: «على الصّلوات الخمس» ، وقيل: إدامة مخالفة النّفس عن شهواتها فهي   (1) ويشير بهذا إلى أن الصيغة «فاعل» تفيد الموالاة في الصبر والمبالغة فيه. (2) يشير بهذا القول الى أن المراد بالمصابرة المشاركة في الصبر وكأن الإنسان يصبر على الجهاد مثلا (جهاد النفس أو جهاد العدو) فيصبر عليه بمثل ما صبر. (3) مدارج السالكين 1/ 166-، 167 (4) يشير بذلك إلى المعنى الصرفي الأول للصيغة وقد ذكرناه آنفا. (5) التفسير القيم لابن قيم الجوزية ص، 217 (6) ذكر- رحمه الله تعالى- آراء عديدة في تفسير معنى الصبر والمصابرة، ثم وازن بينها ورجح أولى الآراء بالقبول، انظر هذه الآراء في المجلد 3 ج 4 ص 148، 149 (7) تفسير النيسابوري (بهامش الطبري) مجلد 4 ج 4 ص، 175 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2444 تدعو وهي تنزع «1» ، وقال عطاء والقرظيّ (محمّد بن كعب) : صابروا الوعد الّذي وعدتم، أي لا تيأسوا وانتظروا الفرج. قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- والقول الأوّل (أي قول زيد بن أسلم) هو رأي الجمهور، ومثله قول عنترة: فلم أر حيّا صابروا مثل صبرنا ... ولا كافحوا مثل الّذين نكافح أي صابروا العدوّ في الحرب، ولم يبد منهم جبن ولا خور «2» . وقال أبو حيّان: أمر الله تعالى بالصّبر والمصابرة والرّباط، فقيل اصبروا وصابروا بمعنى واحد للتّوكيد «3» ، ثمّ ذكر الآراء الأخرى الّتي ذكرها القرطبيّ «4» ، وذكر ابن كثير- رحمه الله تعالى- أنّ الصّبر على الصّلوات، والمصابرة على النّفس والهوى «5» . قلت: ولا تنافي بين هذه الأقوال جميعا لأنّ الصّيغة تحتملها معا، وقد قرّر علماء الأصول «أنّ المعاني المحتملة (للّفظ أو الصّيغة) مرادة لله تعالى «6» . من مظاهر المصابرة: ذكر ابن القيّم وغيره للمصابرة صورا عديدة، وأشكالا متنوّعة، ذكرناها فيما سبق، ونضيف إليها: 1- المثابرة في إنجاز الأعمال والمواظبة عليها، طالما أنّ هذا العمل في طاعة الله تعالى، وفي هذا يلتقي معنى الاصطبار مع المصابرة، قال تعالى: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ (مريم/ 65) ، وقال تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها (طه/ 132) . 2- متابعة الأعمال وعدم اليأس من إنجازها لما في هذا من إدامة للصّبر عليها، وانتظار للفرج الموعود في قوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (الكهف/ 30) «7» . الصبر على الابتلاء: الابتلاء في اللّغة مصدر قولهم: ابتلى الله العبد ابتلاء إذا اختبره في صبره وشكره «8» . أمّا في الاصطلاح فقد قال الكفويّ: الابتلاء في الأصل هو التّكليف بالأمر الشّاقّ لكنّه لمّا استلزم الاختبار إلى من يجهل العواقب ظنّ ترادفهما «9» ، وقال المناويّ: البلاء كالبليّة: الامتحان، وسمّي الغمّ بلاء لأنّه يبلي الجسم «10» . وقال بعض الباحثين المحدثين: الابتلاء هو المظهر العمليّ لعلاقة العبوديّة بين الله والإنسان، ومعنى هذه العلاقة كمال الطّاعة لكمال المحبّة، والحياة الدّنيا هي الزّمن المقرّر لهذا الابتلاء، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ (الملك/ 2) «11» . وينقسم الابتلاء إلى قسمين: الأوّل: الابتلاء بالشّرّ، وهو مناط الصّبر. الثّاني: الابتلاء بالخير، وهو مناط الشّكر «12» . وفيما يتعلّق بالنّوع الأوّل، فإنّه يشمل الابتلاء   (1) يشير صاحب هذا الرأي إلى أن معنى المفاعلة هنا هو المداومة. (2) تفسير القرطبي (4/ 322- 323) . (3) وهو يشير هنا إلى أن الصيغة تفيد معنى التكثير والمبالغة. (4) انظر تفسير البحر المحيط (3/ 156) . (5) تفسير ابن كثير (1/ 454) . (6) انظر في هذه القاعدة الأصولية الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 227) ، وانظر أيضا المبحث الخامس «المعاني المحتملة مرادة» من كتاب بحوث في علوم القرآن لعبد الغفور جعفر (205- 229) . (7) قال في مختار الصحاح «المثابرة على الأمر: المواظبة عليه، انظر مادة «ث ب ر» (83) ط. دار الكتب المصرية. (8) انظر في المعنى اللغوي للابتلاء: أحمد بن فارس، مقاييس اللغة (1/ 292) ، وقارن بالصحاح (6/ 2284) . (9) معنى الترادف: هو أن يكون للابتلاء والاختبار المعنى نفسه. (10) التوقيف على مهمات التعاريف (83) . (11) ماجد الكيلاني، فلسفة التربية الإسلامية (163) . (12) انظر صفة الشكر (2397) من هذا المجلد، وقارن بصفة «تكريم الإنسان» (// 1135) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2445 بالمحن والكوارث ونقص الأموال والأنفس والثّمرات مصداقا لقوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ (البقرة/ 155) ، وهنا يكون الصّبر والرّضا هما المقياس الحقيقيّ للإيمان الصّادق. ضرورة الابتلاء بالشّرّ: قال ابن القيّم- رحمه الله-: سأل رجل الشّافعيّ رحمه الله- فقال: يا أبا عبد الله، أيّهما أفضل للرّجل أن يمكّن (فيشكر الله عزّ وجلّ) أو يبتلى (بالشّرّ فيصبر) ؟ فقال الشّافعيّ: لا يمكّن حتّى يبتلى، فإنّ الله ابتلى نوحا وإبراهيم ومحمّدا- صلوات الله عليهم أجمعين- فلمّا صبروا مكّنهم، فلا يظنّ أحد أن يخلص من الألم البتّة «1» . الصبر والمصابرة في القرآن الكريم: ورد الصّبر في القرآن الكريم في سياقات عديدة منها: 1- الثّناء على أهله كقوله: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ (البقرة/ 177) . 2- الاستجابة لأمر الله تعالى بالصّبر وإيجاب معيّته لهم تلك المعيّة الّتي تتضمّن حفظهم لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 153) ، وقوله تعالى وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال/ 46) . راجع ص 2451 رقم (26) . 3- الإخبار أنّ أهل الصّبر مع أهل العزائم وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ (الشورى/ 43) . 4- يورث صاحبه الإمامة وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (السّجدة/ 24) . 5- اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان «2» . 6- إطلاق البشرى لأهل الصّبر على الابتلاء بمصائب الحياة الدّنيا ومصاعبها بأنّ جزاءهم على صبرهم هو الحصول على صلوات من ربّهم ورحمة وهداية إلى السّراط المستقيم بإذن الله كقوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 155- 157) . راجع ص 2450 رقم (19) 7- إنّ الصّابرين بأنفسهم على طاعة الله والتّكاليف المنوطة بهم والتّقوى ومجاهدة النّفس ونهيها عن الهوى وتزكيتها ومحاسبتها ومراقبتها عند الابتلاءات جزاؤهم أن يوفّى لهم أجورهم بغير حساب لقوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ... (الزمر/ 9- 10) ، وأولئك الصّابرين لهم عقبى الدّار، لقوله تعالى وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ... (الرعد 22- 24) . راجع ص 2449 رقم (12) . 8- ضمان النّصر والمدد لهم كقوله بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (آل عمران/ 125) «3» . [للاستزادة: انظر صفات: التأني- الثبات- الحلم- الزهد- العفة- كتمان السر- الاحتساب- الرضا- الاستعانة- مجاهدة النفس- محاسبة النفس. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجزع- العجلة القنوط- اليأس- إفشاء السر- الوهن] .   (1) الفوائد لابن القيم (283) (بتصرف يسير) . (2) لم يذكر الفيروز آبادى آية معينة لهذا المعنى، ويمكن التمثيل لذلك بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا ... (آل عمران/ 200) . (3) البصائر (3/ 375) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2446 الآيات الواردة في «الصبر والمصابرة» الصبر على الطاعات: 1- وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «1» 2- فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «3» 4- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) «4» 5- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)   (1) البقرة: 45- 46 مدنية (2) البقرة: 249 مدنية (3) آل عمران: 118- 126 مدنية (4) آل عمران: 142 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2447 وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «1» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) «2» . 7- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «3» 8- وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109) «4» 9- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «5» 10- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) «6» 11- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) «7»   (1) آل عمران: 146- 148 مدنية (2) آل عمران: 200 مدنية (3) النساء: 25 مدنية (4) يونس: 109 مكية (5) هود: 9- 11 مكية (6) هود: 45- 49 مكية (7) هود: 114- 115 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2448 12- وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «1» 13- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «2» 14- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «3» 15- وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (62) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) «4» 16- تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) «5» 17- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) «6»   (1) الرعد: 22- 24 مدنية (2) النحل: 110 مكية (3) الكهف: 28 مكية (4) الكهف: 60- 69 مكية (5) مريم: 63- 65 مكية (6) المدثر: 1- 7 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2449 18- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) «1» الصبر على البلاء: 19- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «2» 20- * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «3» 21- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «4» 22- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) «5» 23- وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) «6»   (1) الإنسان: 23- 25 مدنية (2) البقرة: 153- 157 مدنية (3) البقرة: 177 مدنية (4) آل عمران: 185- 186 مدنية (5) الأنعام: 33- 34 مكية (6) الأعراف: 87 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2450 24- * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126) «1» 25- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) «2» 26- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) «3» 27- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «4» 28- ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) «5» 29- وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ   (1) الأعراف: 117- 126 مكية (2) الأعراف: 128 مكية (3) الأنفال: 45- 46 مدنية (4) يوسف: 16- 18 مكية (5) يوسف: 81- 83 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2451 وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) * قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) «1» 30- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132) «2» 31- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) «3» 32- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) «4» 33- يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) «5» 34- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) «6» 35- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77) «7»   (1) إبراهيم: 7- 12 مكية (2) طه: 130- 132 مكية (3) الحج: 34- 35 مدنية (4) الفرقان: 20 مكية (5) لقمان: 17 مكية (6) غافر: 53- 55 مكية (7) غافر: 77 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2452 36- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) «1» 37- يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (10) «2» ثمار الصبر: 38- الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «3» 39- وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137) «4» 40- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) «5» 41- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) «6» 42- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) «7»   (1) محمد: 31 مدنية (2) المزمل: 1- 10 مكية (3) آل عمران: 16- 17 مدنية (4) الأعراف: 137 مكية (5) الأنفال: 65- 66 مدنية (6) يوسف: 88- 90 مكية (7) إبراهيم: 5 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2453 43- وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) «1» 44- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96) «2» 45- وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) «3» 46- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «4» 47- وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) «5» 48- * وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا   (1) إبراهيم: 21 مكية (2) النحل: 96 مكية (3) النحل: 126- 128 مكية (4) المؤمنون: 99- 111 مكية (5) الفرقان: 73- 75 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2454 وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) «1» 49- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) «2» 50- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) «3» 51- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «4» 52- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) «5» 53- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) «6» 54- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) «7» 55- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) «8»   (1) القصص: 51- 54 مكية (2) القصص: 79- 80 مكية (3) العنكبوت: 57- 59 مكية (4) لقمان: 31 مكية (5) السجدة: 23- 24 مكية (6) سبأ: 15- 19 مكية (7) الزمر: 10 مكية (8) فصلت: 33- 35 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2455 56- وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) «1» 57- إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «2» 58- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) «3» 59- لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) «4» 60- وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «5» الصبر سمة النبيين والصالحين: 61- وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) «6» 62- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ   (1) الشورى: 32- 33 مكية (2) الحجرات: 4- 5 مدنية (3) الإنسان: 5- 12 مدنية (4) البلد: 1- 20 مكية (5) العصر: 1- 3 مكية (6) الأنبياء: 85- 86 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2456 الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) «1» 63- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «2» 64- وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) «3» 65- وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) «4» 66- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) «5» 67- وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «6» 68- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «7» 69- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) «8» 70- وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49) «9» 71- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً   (1) الروم: 58- 60 مكية (2) الأحزاب: 35 مدنية (3) الصافات: 99- 102 مكية (4) ص: 16- 17 مكية (5) ص: 41- 44 مكية (6) الشورى: 40- 43 مكية (7) الأحقاف: 35 مكية (8) ق: 39 مكية (9) الطور: 48- 49 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2457 نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) «1» 72- فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) «2» 73- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (7) «3» 74- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) «4» 75- فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) «5» 76- * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «6» الآيات الواردة في «الصبر والمصابرة» معنى 77- وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) «7» 78- * وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) «8»   (1) القمر: 23- 27 مكية (2) القلم: 44- 50 مكية (3) المعارج: 1- 7 مكية (4) البقرة: 155 مدنية (5) البقرة: 249 مدنية (6) آل عمران: 186 مدنية (7) البقرة: 49 مدنية (8) البقرة: 124 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2458 79- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «1» 80- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) «2» 81- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) «3» 82- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) «4» 83- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) «5» 84- وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) «6» 85- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) «7» 86- وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) «8» 87- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) «9»   (1) آل عمران: 152 مدنية (2) آل عمران: 154 مدنية (3) المائدة: 48 مدنية (4) المائدة: 94 مكية (5) الأنعام: 165 مكية (6) الأعراف: 141 مكية (7) الأعراف: 163 مدنية (8) الأعراف: 168 مدنية (9) الأنفال: 17 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2459 88- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «1» 89- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) «2» 90- وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) «3» 91- إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) «4» 92- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) «5» 93- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) «6» 94- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «7» 95- هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) «8» 96- إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) «9» 97- وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) «10» 98- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) «11» 99- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) «12» 100- الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) «13» 101- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) «14» 102- إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) «15» 103- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) «16»   (1) هود: 7 مكية (2) إبراهيم: 6 مكية (3) النحل: 92 النحل (4) الكهف: 7 مكية (5) الأنبياء: 35 مكية (6) المؤمنون: 30 مكية (7) النمل: 40 مكية (8) الأحزاب: 11 مدنية (9) الصافات: 106 مكية (10) الدخان: 33 مكية (11) محمد: 4 مدنية (12) محمد: 31 مدنية (13) الملك: 2 مدنية (14) القلم: 17 مكية (15) الإنسان: 2 مكية (16) الفجر: 15- 16 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2460 الأحاديث الواردة في (الصبر والمصابرة) 1- عن أميّة الشّعبانيّ، قال: سألت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ؟ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متّبعا ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك- يعني بنفسك- ودع عنك العوامّ فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر، الصّبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» ) * «1» . 2- (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت يا رسول الله، من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام» . قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» . قال: قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» . قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟ قال: «خلق حسن» . قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك- عزّ وجلّ-» ... الحديث) * «2» . 3- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: أرسلت ابنة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليه: إنّ ابنا لي قبض، فأتنا. فأرسل يقرأ السّلام ويقول: «إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى. وكلّ عنده بأجل مسمّى. فلتصبر ولتحتسب» . فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينّها. فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّبيّ ونفسه تتقعقع «3» - قال حسبته أنّه قال: كأنّها شنّ «4» - ففاضت عيناه. فقال سعد: يا رسول الله: ما هذا؟ فقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده. وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء» ) * «5» . 4- (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-، أنّ أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء. فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل. قالوا: يغفر الله لرسول الله. يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم!. قال أنس بن مالك فحدّث ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من قولهم. فأرسل إلى الأنصار. فجمعهم في قبّة من أدم «6» . فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: «ما حديث بلغني عنكم؟» فقال له فقهاء الأنصار: أمّا ذوو رأينا، يا رسول الله! فلم يقولوا شيئا. وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم، قالوا يغفر الله لرسوله. يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم!، فقال   (1) أبو داود (4341) وهذا لفظه، والترمذي (3058) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (4014) ، وشرح السنة (14/ 348) ، وقال محققه: للحديث شواهد يتقوى بها. وقال الألباني في ضعيف أبي داود (430) : لكن فقرة أيام الصبر ثابتة. (2) أحمد (4/ 385) واللفظ له، وابن ماجة (2794) . وأصله عند مسلم. (3) تتقعقع: تتحرك وتضطرب. (4) شنّ: هو القربة الخلق الصغيرة. (5) البخاري الفتح 3 (1284) واللفظ له، ومسلم (923) . (6) في قبة من أدم: القبّة من الخيام: بيت صغير مستدير. ومن أدم معناه من جلود. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2461 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم. أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فو الله! لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به» فقالوا: بلى. يا رسول الله! قد رضينا. قال: «فإنّكم ستجدون أثرة «1» شديدة. فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله. فإنّي على الحوض» . قالوا: سنصبر) * «2» . 5- * (عن عثمان بن حنيف: أنّ رجلا ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: «إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك» . قال: فادعه. وقال: فأمره أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدّعاء «اللهمّ إنّي أسألك، وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة، إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهمّ فشفّعه فيّ» ) * «3» . 6- * (عن أسيد بن حضير: أنّ رجلا من الأنصار خلا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلانا. فقال: «إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «4» . 7- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان في بعض أيّامه الّتي لقي فيها العدوّ ينتظر حتّى إذا مالت الشّمس قام فيهم فقال: «يا أيّها النّاس لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا الله العافية. فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف» . ثمّ قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «اللهمّ منزّل الكتاب، ومجري السّحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم» ) * «5» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّ مولاة له أتته فقالت: اشتدّ عليّ الزّمان، وإنّي أريد أن أخرج إلى العراق. قال: فهلّا إلى الشّام أرض المنشر واصبري لكاع «6» فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من صبر على شدّتها ولأوائها «7» كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» ) * «8» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-: أنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم. حتّى إذا نفد ما عنده قال: «ما يكن عندي من خير فلن أدّخره عنكم. ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله. ومن يصبر يصبّره الله وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصّبر» ) * «9» . 10- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّه قال لعطاء: ألا أريك امرأة من أهل الجنّة؟ قلت:   (1) أثرة: فيها لغتان إحداهما ضم الهمزة وإسكان الثاء وأصحهما وأشهرهما: بفتحهما جميعا والأثرة الاستئثار بالمشترك. (2) البخاري- الفتح 7 (3793) ، ومسلم (1059) واللفظ له (3) الترمذي (3578) وقال: حديث حسن صحيح. وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصححه الشيخ الألباني (1290) . وزاد أحمد وابن خزيمة والحاكم «وشفعني فيه» وهي من الأدلة الكثيرة على أن التوسل والتوجه المذكور في الحديث هو بدعائه صلّى الله عليه وسلّم لأن معناها: اقبل شفاعتي: أي في دعائه وكذلك قوله «فشفعه في» أي اقبل شفاعته أي دعاءه. ذكر هذه الفائدة الشيخ الألباني في صحيح الجامع (1/ 404) . (4) البخاري- الفتح 7 (3792) ، مسلم (1845) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 6 (3024، 3025) ، مسلم (1742) واللفظ له. (6) لكاع: يقال امرأة لكاع ورجل لكع، ويطلق ذلك على اللئيم وعلى العبد وعلى الغبي الذي لا يفهم كلام غيره وعلى الصغير. وخاطبها ابن عمر بهذا إنكارا عليها وليس المراد وصفها بذلك المعنى. (7) أي لأواء المدينة. واللأواء: الشدة وضيق العيش. (8) رواه الترمذي (3918) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله. وأصل الحديث عند مسلم (481، 843، 1004) . (9) البخاري- الفتح 11 (6470) ، ومسلم (1053) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2462 بلى، قال: هذه المرأة السّوداء أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: إنّي أصرع وإنّي أتكشّف، فادع الله لي. قال: «إن شئت صبرت ولك الجنّة. وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» . قالت: أصبر. قالت: فإنّي أتكشّف فادع الله أن لا أتكشّف، فدعا لها) * «1» . 11- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قام فيهم فذكر لهم «أنّ الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال» ، فقام رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفّر عنّي خطاياي؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف قلت؟» . قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نعم. وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلّا الدين، فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك» ) * «2» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّها سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الطّاعون فأخبرها نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطّاعون، فيمكث في بلده صابرا يعلم أنّه لن يصيبه إلّا ما كتبه الله له إلّا كان له مثل أجر الشّهيد» ) * «3» . 13- * (عن محمود بن لبيد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أحبّ الله قوما ابتلاهم. فمن صبر فله الصّبر. ومن جزع فله الجزع» ) * «4» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّا كنّا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده جميعا لم تغادر منّا واحدة. فأقبلت فاطمة- عليها السّلام- تمشي، ولا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رآها رحّب. قال: «مرحبا بابنتي» . ثمّ أجلسها عن يمينه- أو عن شماله-. ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا. فلمّا رأى حزنها سارّها الثّانية، فإذا هي تضحك. فقلت لها أنا- من بين نسائه-: خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسّرّ من بيننا، ثمّ أنت تبكين؟ فلمّا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألتها عمّ سارّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه فلمّا توفّي قلت لها: عزمت عليك- بما لي عليك من الحقّ- لما أخبرتني. قالت: أمّا الآن فنعم. فأخبرتني. قالت: أمّا حين سارّني في الأمر الأوّل، فإنّه أخبرني «أنّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلّ سنة مرّة. وأنّه قد عارضني به العام مرّتين. ولا أرى الأجل إلّا قد اقترب فاتّقي الله واصبري، فإنّي نعم السّلف أنا لك» . قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت. فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية قال: «يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين، أو سيّدة نساء هذه الأمّة» ) * «5» . 15- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله- عزّ وجلّ- قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر عوّضته منهما الجنّة» يريد عينيه) * «6» . 16- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص   (1) البخاري- الفتح 10 (5652) ، ومسلم (2576) واللفظ له. (2) مسلم (1885) . (3) أخرجه البخاري الفتح 10 (5734) . (4) قال المنذري: رواه أحمد ورواته ثقات. الترغيب والترهيب (4/ 283) . وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصححه الشيخ الألباني (282) وفي السلسلة الصحيحة (146) . (5) البخاري- الفتح 11 (6285، 6286) واللفظ له، مسلم (2450) . (6) البخاري- الفتح 10 (5653) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2463 - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيّه من أهل الأرض فصبر واحتسب، وقال ما أمر به بثواب دون الجنّة» ) * «1» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شهر الصّبر وثلاثة أيّام من كلّ شهر صوم الدّهر» ) * «2» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الطّاعم الشّاكر بمنزلة الصّائم الصّابر» ) * «3» . 19- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن- أو تملأ- ما بين السّماوات والأرض، والصّلاة نور، والصّدقة برهان، والصّبر ضياء، والقرآن حجّة لك أو عليك، كلّ النّاس يغدو، فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها» ) * «4» . 20- * (عن رجل من بني سليم قال: عدّهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يدي أو في يده: «التّسبيح نصف الميزان، والحمد لله يملؤه، والتّكبير يملأ ما بين السّماء والأرض، والصّوم نصف الصّبر، والطّهور نصف الإيمان» ) * «5» . 21- * (عن صهيب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له» ) * «6» . 22- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من قضاء الله- عزّ وجلّ- للمؤمن إن أصابه خير حمد ربّه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربّه وصبر، المؤمن يؤجر في كلّ شيء حتّى اللّقمة يرفعها إلى فيّ امرأته» ) * «7» . 23- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله وسعديك فذكر الحديث، قال فيه: «كيف أنت إذا أصاب النّاس موت يكون البيت فيه بالوصيف «8» » ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله، قال: «عليك بالصّبر» أو قال: «تصبر» ثمّ قال لي: «يا أبا ذرّ» . قلت: لبّيك وسعديك. قال:   (1) النسائي (4/ 23) ، وقال محقق جامع الأصول (6/ 434) : إسناده حسن. (2) النسائي (4/ 218) واللفظ له، وأحمد (2/ 263، 384، 513) ، وأحمد (ط شاكر) (7567) وقال محققه إسناده صحيح وجامع الأصول (6/ 340) . (3) الترمذي (2486) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب في صحيح سنن الترمذي للألباني (2021) ، وابن ماجه (1764) ، أخرجه أحمد في المسند (7793) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (4) مسلم (223) . (5) الترمذي (3519) وقال: حديث حسن، وقال محقق جامع الأصول (9/ 558) : حديث حسن. وله شاهد صحيح عند مسلم (223) ، والترمذي (3517) عن أبي مالك: «الطهور شطر الإيمان» والحمد لله تملأ الميزان ... الحديث» . (6) مسلم (2999) . (7) أحمد في المسند (1487) وقال محققه: إسناده صحيح. وقال الهيثمي (7/ 209) : رواه أحمد بأسانيد ورجالها كلها رجال الصحيح. (8) يكون البيت فيه بالوصيف: الوصيف: العبد، والأمة: وصيفة. وجمعهما: وصفاء ووصائف والمراد يكثر الموت حتى يصير موضع قبر يشترى بعبد، من كثرة الموتى. وقبر الميت: بيته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2464 «كيف أنت إذا رأيت أحجار الزّيت قد غرقت بالدّم؟» قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: «عليك بمن أنت منه» قلت: يا رسول الله أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: «شاركت القوم إذن» قلت: فما تأمرني؟ قال: «تلزم بيتك» قلت: فإن دخل عليّ بيتي؟ قال: «فإن خشيت أن يبهرك شعاع السّيف فألق ثوبك على وجهك يبؤ بإثمك وإثمه» ) * «1» . 24- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى- عليه السّلام- خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: أي ربّ! كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتا «2» في مكتل «3» فحيث تفقد «4» الحوت، فهو ثمّ «5» . فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نون، فحمل موسى- عليه السّلام- حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى أتيا الصخرة، فرقد موسى- عليه السّلام- وفتاه. فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر. قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتّى كان مثل الطّاق «6» فكان للحوت سربا، وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلمّا أصبح موسى- عليه السّلام- قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا «7» . قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به. قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. قال: يقصّان آثارهما حتّى أتيا الصّخرة فرأى رجلا مسجّى «8» عليه بثوب فسلّم عليه موسى. فقال له الخضر: أنّى بأرضك السّلام؟ قال أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنّك على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه. قال له موسى- عليه السّلام-: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا؟ قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟ قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرّت بهما سفينة فكلّماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول «9» فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة، فنزعه، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا «10» . قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من   (1) أبو داود (4261) ، ابن ماجه في الفتن (3958) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 7) : حديث حسن. (2) الحوت: السمكة. (3) مكتل: هو القفة والزنبيل. (4) تفقد: أي يذهب منك. (5) فهو ثم: أي هناك. (6) الطاق: عقد البناء. (7) نصبا: النصب: التعب. (8) مسجى: مغطى. (9) بغير نول: بغير أجر. (10) إمرا: عظيما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2465 أمري عسرا، ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل إذا غلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله. فقال موسى: أقتلت نفسا زاكية «1» بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا. قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا. قال: وهذه أشدّ من الأولى. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا. فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ «2» فأقامه. يقول مائل، قال الخضر بيده هكذا فأقامه. قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرا. قال هذا فراق بيني وبينك. سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما» ) * «3» . 25- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قسم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قسما، فقال رجل: إنّ هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته. فغضب حتّى رأيت الغضب في وجهه ثمّ قال: «يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ) * «4» . 26- * (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر ... الحديث، وفيه: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع النّاس في صعيد «5» واحد. وتصلبني على جذع. ثمّ خذ سهما من كنانتي. ثمّ ضع السّهم في كبد القوس «6» ثمّ قل: باسم الله، ربّ الغلام. ثمّ ارمني، فإنّك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع النّاس في صعيد واحد وصلبه على جذع. ثمّ أخذ سهما من كنانته. ثمّ وضع السّهم في كبد القوس ثمّ قال: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ رماه فوقع السّهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السّهم، فمات. فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام. آمنّا بربّ الغلام. آمنّا بربّ الغلام. فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد، والله نزل بك حذرك. قد آمن النّاس، فأمر بالأخدود «7» في أفواه السّكك «8» فخدّت وأضرم النّيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتّى جاءت امرأة ومعها صبيّ لها فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمّه! اصبري، فإنّك على الحقّ» ) * «9» . 27- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام- أو يا غليم- ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا   (1) زاكية: قرىء في السبع زاكية وزكية، قالوا ومعناه طاهرة من الذنوب. (2) ينقض: قرب من الانقضاض أو السقوط. (3) البخاري- الفتح 6 (3401) ، ومسلم (2380) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 6 (3405) واللفظ له، مسلم (1062) . (5) صعيد: الصعيد هنا: الأرض البارزة. (6) كبد القوس: مقبضها عند الرمي. (7) الأخدود: هو الشق العظيم في الأرض، وجمعه أخاديد. (8) أفواه السكك: أبواب الطرق. (9) مسلم (3005) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2466 أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه. واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «1» . 28- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: كنت شاكيا فمرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أقول: اللهمّ إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان متأخّرا فارفعني، وإن كان بلاء فصبّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف قلت؟» قال: فأعاد عليه ما قال. قال: فضربه برجله. وقال: «اللهمّ عافه أو اشفه» قال: فما اشتكيت وجعي بعد) * «2» . 29- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس أحد- أو ليس شيء- أصبر على أذى سمعه من الله، إنّهم ليدعون له ولدا وإنّه ليعافيهم ويرزقهم» ) * «3» . 30- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بامرأة تبكي عند قبر فقال: «اتّقي الله واصبري» . قالت: إليك عنّي فإنّك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه. فقيل لها: إنّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتت باب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم تجد عنده بوّابين. فقالت: لم أعرفك. فقال: «إنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى» ) * «4» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهنّ كنّ له حجابا من النّار» ) * «5» . 32- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنّه من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتة جاهليّة» ) * «6» . 33- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن الّذي يخالط النّاس، ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الّذي لا يخالط النّاس، ولا يصبر على أذاهم» ) * «7» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصبيّ لها فقالت: يا نبيّ الله! ادع الله له فلقد دفنت ثلاثة. قال: «دفنت ثلاثة؟» قالت: نعم قال: «لقد احتظرت بحظار شديد «8» من النّار» ) * «9» . () الأحاديث الواردة في (الصبر والمصابرة) معنى 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لنسوة من الأنصار: «لا يموت لإحداكنّ ثلاثة من الولد فتحتسبه إلّا دخلت الجنّة» فقالت امرأة منهنّ: أو اثنين؟ يا رسول الله! قال: «أو   (1) رواه أحمد في المسند (1/ 307) ، وذكره أحمد شاكر برقم (2804) وقال محققه: إسناده صحيح، الترمذي (2516) وقال: حديث حسن صحيح. (2) رواه الترمذي (3564) وقال حديث حسن صحيح. (3) البخاري الفتح 10 (6099) واللفظ له، مسلم (2804) . (4) البخاري الفتح 3 (1283) واللفظ له، مسلم (926) . (5) صحيح سنن الترمذي (1561) وصححه الألباني، وقال: حديث حسن صحيح. (6) مسلم (1849) . (7) الترمذي (2507) ، ابن ماجة (4032) واللفظ له، أحمد في المسند (5022) وقال محققه: إسناده صحيح. (8) احتظرت بحظار شديد: أي احتمت بحمى عظيم من النار يقيها حرها ويؤمنها من دخولها لأنها صبرت على فقد ابنها. (9) مسلم 2626) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2467 اثنين» ) * «1» . 36- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذ أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدّنيا، وإذا أراد بعبده الشّرّ أمسك عنه بذنبه حتّى يوافى به يوم القيامة» ) * «2» . وبهذا الإسناد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء. وإنّ الله إذا أحبّ قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرّضى، ومن سخط فله السّخط» «3» . 37- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد» ) * «4» . 38- * (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو متوسّد بردة له في ظلّ الكعبة. فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا. فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرّجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه فما يصدّه ذلك عن دينه. والله ليتمّنّ هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله والذّئب على غنمه ولكنّكم تستعجلون» ) * «5» . 39- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، أيّ النّاس أشدّ بلاء؟ قال: «الأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل. يبتلى الرّجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة ابتلي على قدر دينه. فما يبرح البلاء بالعبد حتّى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» ) * «6» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم «7» » ) * «8» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدّنيا ثمّ احتسبه إلّا الجنّة» ) * «9» . 42- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) ، اللهمّ أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلّا أخلف الله له خيرا منها» ) * «10» .   (1) البخاري الفتح 3 (1249) ، ومسلم (2632) واللفظ له. (2) الترمذي (2326) وقال: حديث حسن غريب، وقال الألباني (2/ 285) برقم (1953) : حسن صحيح. (3) الترمذي (2396) . وقال الألباني (2/ 286) برقم (1954) : حسن، وابن ماجه (4031) . (4) الترمذي (1021) وقال: حديث حسن غريب، وحسن إسناده الألباني (1/ 298) برقم (814) . (5) البخاري- الفتح 12 (6943) . (6) سنن الترمذي (2400) ، وقال الترمذي: حديث صحيح، وصحح إسناده الألباني، وابن ماجة (4023) . (7) تحلة القسم: هي تحلة قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها والقسم قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (مريم: 68) . (8) البخاري الفتح 3 (1251) ، مسلم (2632) . (9) البخاري الفتح 11 (6424) . (10) مسلم (918) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2468 43- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مصيبة يصاب بها المسلم، إلّا كفّر بها عنه حتّى الشّوكة «1» يشاكها» ) * «2» . 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتّى يلقى الله وما عليه خطيئة» ) * «3» . 45- * (عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب «4» ولا وصب «5» ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ- حتّى الشّوكة يشاكها-، إلّا كفّر الله بها من خطاياه» ) * «6» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصبر والمصابرة) 46- * (عن عائشة رضي الله عنها- زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت، وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب «7» . فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد! فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «8» 47- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يوعك فقلت: يا رسول الله إنّك توعك «9» وعكا شديدا. قال: «أجل إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت: ذلك بأنّ لك أجرين. قال: «أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى- شوكة فما فوقها- إلّا كفّر الله بها سيّئاته كما تحطّ «10» الشّجرة ورقها» ) * «11» . 48- * (عن جندب بن سفيان- رضي الله عنه- قال: «دميت «12» إصبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض تلك المشاهد فقال: «هل أنت إلّا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت» ) * «13» .   (1) حتى الشوكة: جوزوا فيها الحركات الثلاث، فالجر بمعنى الغاية والنصب بتقدير عامل أي حتى وجدانه الشوكة، والرفع عطفا على الضمير في «نصيب» ، وقيل: على الابتداء. (2) مسلم (2572) . (3) سنن الترمذي (2401) ، وقال الترمذي: حديث حسن، وحسّن إسناده الألباني. (4) النصب: التعب. (5) الوصب: الوجع. (6) البخاري- الفتح 10 (5641، 5642) واللفظ له، ومسلم (2573) . (7) قرن الثعالب: هو قرن المنازل، وهو ميقات أهل نجد، وهو على مرحلتين من مكة، وأصل القرن كل جبل صغير ينقطع من جبل كبير. (8) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له، مسلم (1795) . (9) توعك: الوعك قيل الحمى وقيل ألمها. (10) تحط: تلقيه منتثرا. (11) البخاري- الفتح 10 (5648) واللفظ له، مسلم (2571) . (12) دميت: أي جرحت وخرج منها الدم (13) البخاري- الفتح 10 (6146) ، ومسلم (1796) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2469 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الصبر والمصابرة) 1- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: «وجدنا خير عيشنا الصّبر» ) * «1» . 2- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- «الصّبر مطيّة لا تكبو» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما-: أنّ ثلاثة نفر جاءوه فقالوا: يا أبا محمّد إنّا والله! ما نقدر على شيء: لا نفقة ولا دابّة ولا متاع. فقال لهم: ما شئتم، إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسّر الله لكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسّلطان، وإن شئتم صبرتم» ) * «3» . 4- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: «الصّبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كلّه» ) * «4» . 5- * (قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز عند ما مات ولد سليمان: «أيصبر المؤمن حتّى لا يجد لمصيبته ألما؟ قال يا أمير المؤمنين: «لا يستوي عندك ما تحبّ وما تكره، ولكنّ الصّبر معوّل المؤمن» ) * «5» . 6- * (قيل لربيعة بن عبد الرّحمن: ما منتهى الصّبر؟ قال: يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه» ) * «6» . 7- * (وقال أبو عليّ الدّقّاق: «فاز الصّابرون بعزّ الدّارين. لأنّهم نالوا من الله معيّته فإنّ الله مع الصّابرين» ) * «7» . 8- * (وقيل: الصّبر لله غناء، وبالله تعالى بقاء، وفي الله بلاء، ومع الله وفاء، وعن الله جفاء، والصّبر على الطّلب عنوان الظّفر وفي المحن عنوان الفرج. قال ابن تيمية: ذكر الله تعالى في كتابه: الصّبر الجميل، والصّفح الجميل، والهجر الجميل» . الصّبر الجميل: هو الّذي لا شكوى فيه ولا معه، والصّفح الجميل: هو الّذي لا عتاب معه، والهجر الجميل: هو الّذي لا أذى معه» ) * «8» . 9- * (قال ذو النّون: «الصّبر: التّباعد من المخالفات، والسّكون عند تجرّع غصص البليّات، وإظهار الغنى مع طول الفقر بساحات المعيشة» ) * «9» . 10- قال الفيروز اباديّ: «قيل: الصّبر:   (1) الدر المنثور (1/ 163) . (2) عدة الصابرين لابن القيم (17) . (3) مسلم (2979) . (4) الزهد لوكيع بن الجراح (2/ 456) وقال محققه: رجاله ثقات وقد صح وقفه. (5) الدر المنثور للسيوطي (1/ 378) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها (7) مدارج السالكين (2/ 166) . (8) المرجع السابق (2/ 167) . (9) بصائر ذوي التمييز (3/ 377) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2470 الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، وقيل: هو الفناء في البلوى، بلا ظهور شكوى، وقيل: إلزام النّفس الهجوم على المكاره، وقيل: المقام مع البلاء بحسن الصّحبة، كالمقام مع العافية» ) * «1» . 11- * (وقيل الصّبر: هو الاستعانة بالله، وقيل هو ترك الشّكوى، وقيل: الصّبر مثل اسمه مرّ مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل) * «2» . 12- * (قال الحريريّ: «الصّبر ألّا تفرّق بين حال النّعمة وحال المحنة مع سكون الخاطر فيهما، والتّصبّر: السّكون مع البلاء مع وجدان أثقال المحنة» ) * «3» . 13- * (قال الثوريّ عن بعض أصحابه: ثلاث من الصّبر: ألّا تحدّث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكّي نفسك» ) * «4» . () من فوائد (الصبر والمصابرة) (1) ضبط النّفس عن السّأم والملل، لدى القيام بأعمال تتطلّب الدّأب والمثابرة خلال مدّة مناسبة، قد يراها المستعجل مدّة طويلة. (2) ضبط النّفس عن العجلة والرّعونة، لدى تحقيق مطلب من المطالب المادّيّة أو المعنويّة. (3) ضبط النّفس عن الغضب والطّيش، لدى مثيرات عوامل الغضب في النّفس، ومحرّضات الإرادة للاندفاع بطيش لا حكمة فيه ولا اتّزان في القول أو في العمل. (4) ضبط النّفس عن الخوف لدى مثيرات الخوف في النّفس. (5) ضبط النّفس عن الطّمع لدى مثيرات الطّمع فيها «5» . (6) ضبط النّفس عن الاندفاع وراء أهوائها وشهواتها وغرائزها. (7) ضبط النّفس لتحمّل المتاعب والمشقّات والآلام الجسديّة والنّفسيّة، كلّما كان في هذا التّحمّل خير عاجل أو آجل. (8) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام. (9) يورث هداية في القلب.   (1) بصائر ذوي التمييز (3/ 377) . (2) المرجع السابق (3/ 378) . (3) المرجع السابق (3/ 379) . (4) تفسير ابن كثير (3/ 489) . (5) الفوائد من (1- 5) عن كتاب الأخلاف الإسلامية وأسسها، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (306- 307) بتصرف يسير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2471 (10) يثمر محبّة الله ومحبّة النّاس. (11) سبب للتّمكين في الأرض. (12) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (13) معيّة الله للصّابرين. (14) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. (15) مظهر من مظاهر الرّجولة الحقّة وعلامة على حسن الخاتمة. (16) صلاة الله ورحمته وبركاته على الصّابرين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2472 الصدق الصدق لغة: مصدر قولهم صدق يصدق صدقا «1» وهو مأخوذ من مادّة (ص د ق) الّتي تدلّ على قوّة في الشّيء قولا أو غير قول، من ذلك الصّدق خلاف الكذب لقوّته في نفسه ولأنّ الكذب لا قوّة له، وهو باطل، وأصل هذا من قولهم. شيء صدق، أي صلب «2» ، ورمح صدق، ويقال صدقوهم القتال، وفي خلاف ذلك كذبوهم، وقال الرّاغب: الصّدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا وعدا كان أو غيره، ولا يكونان في القول إلّا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام ولذلك قال تعالى وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (النساء/ 87) وقال ابن منظور: الصّدق: نقيض الكذب، يقال: صدقه الحديث: أنبأه بالصّدق، وصدقت القوم: قلت لهم صدقا، ورجل صدوق أبلغ من الصّادق، والصّدّيق الدّائم التّصديق، ويكون أيضا الّذي يصدّق قوله الآيات/ الأحاديث/ الآثار 92/ 44/ 17 بالعمل، والصّدّيق المبالغ في الصّدق «3» . والصّدّيقون في قوله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء/ 69) جمع صدّيق، وهو المبالغ في الصّدق أو التّصديق أو هو الّذي يحقّق بفعله ما يقوله بلسانه، وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء الّذين يسبقون إلى تصديقهم كأبي بكر- رضي الله عنه- «4» . أمّا الصّادقون الّذين أمرنا المولى بأن نكون معهم في قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) فهم الّذين خرجوا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا مع المنافقين، والمعنى: كونوا على مذهب الصّادقين وسبيلهم، وقيل: هم الأنبياء، وقيل: هم الموفون بما عاهدوا، وقيل: هم المهاجرون، وقيل: هم الّذين استوت ظواهرهم مع بواطنهم «5» ، والّذي جاء بالصّدق وصدّق به في قوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (الزمر/ 33)   (1) في اللسان أنه يقال أيضا صدقا بفتح الصاد وتصداقا وما ذكرناه أشهر- لسان العرب «ص د ق» (10/ 193) . (2) لم يرتض ابن درستويه هذا الاشتقاق فقال: ليس الصدق من الصلابة في شيء ولكن أهل اللغة أخذوه (أي هذا المعنى) من قول النابغة: في حالك اللون صدق غير ذي أود قال: وإنما الصّدق: الجامع للأوصاف المحمودة ... قال الخليل: الصدق الكامل من كل شيء. انظر اللسان (10/ 196) ط. بيروت. (3) المقاييس (3/ 339) ، والمفردات للراغب (277) ، ولسان العرب لابن منظور 10/ 192 (4) باختصار وتصرف يسير عن القرطبي (5/ 272) . (5) المرجع السابق (8/ 288) بتصرف واختصار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2473 فقد قيل في تفسيره: الّذي جاء بالصّدق هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: جبريل عليه السّلام. أمّا الّذي جاء به فهو محمّد صلّى الله عليه وسلّم جاء بالصّدق أي جاء ب «لا إله إلّا الله» وروي عن مجاهد قوله «الّذي جاء بالصّدق وصدّق به» هم أصحاب القرآن والمؤمنون يجيئون يوم القيامة فيقولون: هذا ما أعطيتمونا فعملنا فيه بما أمرتمونا» قال ابن كثير: وهذا القول عن مجاهد يشمل كلّ المؤمنين، فإنّ المؤمنين يقولون الحقّ ويعملون به، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم أولى النّاس بالدّخول في هذه الآية؛ لأنّه جاء بالصّدق وصدّق المرسلين وآمن بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. وحكي عن زيد بن أسلم: أنّ الّذي جاء بالصّدق هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأنّ الّذي صدّق به هم المسلمون «1» . الصدق اصطلاحا: قال الرّاغب: الصّدق مطابقة القول الضّمير والمخبر عنه معا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تامّا، بل إمّا ألّا يوصف بالصّدق، وإمّا أن يوصف تارة بالصّدق وتارة بالكذب على نظرين مختلفين، كقول كافر إذا قال من غير اعتقاد: محمّد رسول الله، فإنّ هذا يصحّ أن يقال: صدق لكون المخبر عنه كذلك، ويجوز أن يقال كذب لمخالفة قوله ضميره، وبالوجه الثّاني، إكذاب الله المنافقين حيث قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ. (المنافقون/ 1) «2» . وقال الجرجانيّ: مطابقة الحكم للواقع، وهذا هو ضدّ الكذب «3» . وقيل: استواء السّرّ والعلانية والظّاهر والباطن بألّا تكذّب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله. وجعلوا الإخلاص لازما، والصّدق أعمّ، فقالوا: كلّ صادق مخلص، وليس كلّ مخلص صادقا. وسئل الجنيد- رحمه الله- عن الصّدق والإخلاص أهما واحد أم بينهما فرق؟ فقال: بينهما فرق. الصّدق أصل، والإخلاص فرع، والصّدق أصل كلّ شيء، والإخلاص لا يكون إلّا بعد الدّخول في الأعمال، والأعمال لا تكون مقبولة إلّا بهما «4» . قال القشيريّ: الصّدق أن لا يكون في أحوالك شوب «5» ، ولا في اعتقادك ريب، ولا في أعمالك عيب. وقد لخّص الماورديّ- رحمه الله- دواعي الصّدق فقال: 1- العقل: من حيث كونه موجبا لقبح الكذب. 2- الشّرع: حيث ورد بوجوب اتّباع الصّدق وحظر الكذب، والله سبحانه لم يشرع إلّا كلّ خير. 3- المروءة: لأنّها مانعة من الكذب باعثة على الصّدق. 4- حبّ الاشتهار بالصّدق: فمن يتمتّع بهذا الاشتهار بين النّاس، لا يردّ عليه قوله، ولا يلحقه ندم «6» .   (1) تفسير ابن كثير (4/ 58- 59) . (2) المفردات للراغب (277) . (3) التعريفات للجرجاني (132) . (4) دليل الفالحين (1/ 202) . (5) الشوب: هو ما اختلط بغيره من الأشياء. (6) أدب الدنيا والدين (261- 262) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2474 مجالات الصدق: قال ابن القيّم- رحمه الله-: والصّدق ثلاثة: قول وعمل وحال. فالصّدق في الأقوال: استواء اللّسان على الأقوال كاستواء السّنبلة على ساقها. والصّدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة، كاستواء الرّأس على الجسد. والصّدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص. واستفراغ الوسع وبذل الطّاقة. فبذلك يكون العبد من الّذين جاءوا بالصّدق. وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صدّيقيّته. كما فعل أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- «1» . وقد أخبر- سبحانه- أنّه أكرم عباده المتّقين بأن جعل لهم: مدخل صدق ومخرج صدق ولسان صدق وقدم صدق ومقعد صدق. وحقيقة الصّدق في هذه الأشياء هو الحقّ الثّابت المتّصل بالله، الموصل إلى الله. وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال. وجزاء ذلك في الدّنيا والآخرة «2» . قال الفيروز اباديّ: والصّدّيق: الرّجل الكثير الصّدق. وقيل: الصّدّيق: من لم يصدر منه الكذب أصلا. وقيل: من صدق بقوله واعتقاده، وحقّق صدقه، قال تعالى في حقّ إبراهيم: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (مريم/ 41) . فالصّدّيقون: قوم دون الأنبياء في الفضيلة، ولكنّ درجتهم ثاني درجة النّبيّين. وفي الجملة، منزلة الصّدق من أعظم منازل القوم، الّذي نشأ منه جميع منازل السّالكين. وهو الطّريق الأقوم الّذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين. وبه تميّز أهل النّفاق من أهل الإيمان، وسكّان الجنان من أهل النّيران. وهو سيف الله في أرضه الّذي ما وضع على شيء إلّا قطعه، ولا واجه باطلا إلّا أزاله وصرعه. فهو روح الأعمال، ومحلّ الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الّذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال «3» . الرسول صلّى الله عليه وسلّم إمام الصادقين: لقد كانت حياته صلّى الله عليه وسلّم أفضل مثال للإنسان الكامل الّذي اتّخذ من الصّدق في القول والأمانة في المعاملة خطّا ثابتا لا يحيد عنه قيد أنملة، وقد كان ذلك فيه بمثابة السّجيّة والطّبع فعرف بذلك حتّى قبل البعثة، وكان لذلك يلقّب بالصّادق الأمين، واشتهر بهذا وعرف به بين أقرانه، وقد اتّخذ صلّى الله عليه وسلّم من الصّدق الّذي اشتهر به بين أهله وعشيرته مدخلا إلى المجاهرة بالدّعوة، إذ إنّه لمّا نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) جمع أهله وسألهم عن مدى تصديقهم له إذا أخبرهم بأمر من الأمور، فأجابوا بما عرفوا عنه قائلين: ما جرّبنا عليك إلّا   (1) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 281) . (2) المرجع السابق (2/ 282) . (3) بصائر ذوي التمييز (3/ 397- 398) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2475 صدقا، روى ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لمّآ نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ... (الشعراء/ 214) صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عديّ» لبطون قريش حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟» . قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» . فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (المسد/ 1- 2) . وقد كان الصّدق من خصائص أقواله صلّى الله عليه وسلّم، يقول صاحب جلاء الأفهام ما خلاصته: لقد كان صلّى الله عليه وسلّم محفوظ اللّسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبا وللصّدق مجانبا.. وكانت قريش كلّها تعرف عنه ذلك، ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرّسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرّسالة، ومن لزم الصّدق في صغره كان له في الكبر ألزم، ومن عصم منه في حقّ نفسه كان في حقوق الله أعصم «1» . وبعد البعثة المباركة كان تصديق الوحي له مدعاة لأن يطلق عليه أصحابه «الصّادق المصدوق» «2» ، وصدق الله- عزّ وجلّ- إذ قال: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم/ 2- 4) . تسمية أبي بكر- رضي الله عنه- بالصّدّيق: لمّا كان حادث الإسراء والمعراج، وأخبر به المصطفى صلّى الله عليه وسلّم قريشا، اختلف النّاس بين مصدّق ومرتاب، ومندهش ومتحيّر، وقد ارتدّ نفر عن الإسلام عند ما حكّموا عقولهم القاصرة، وتجاربهم الّتي ألفوها، لكنّ أبا بكر عند ما أخبر بذلك لم يخالجه شكّ أو يقع في نفسه ريب وأعلن بملء فيه أنّ الرّسول صادق فيما أخبر به، وقد روى الحاكم في المستدرك عنه قوله: «لئن قال ذلك لقد صدق» . فتعجّبوا وقالوا: أو تصدّقه أنّه ذهب اللّيلة إلى بيت المقدس وعاد قبل أن يصبح؟ فقال: «وما يعجّبكم من ذلك! فو الله إنّي لأصدّقه بما هو أبعد من ذلك، أصدّقه في خبر السّماء في غدوة أو روحة» ثمّ أقبل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله عن وصفه، وكلّما ذكر شيئا قال: صدقت. أشهد أنّك رسول الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنت يا أبا بكر الصّدّيق» «3» فمنذئذ سمّي بالصّدّيق، وقيل سمّي بالصّدّيق لتصديقه هذه الواقعة حين كذّبها النّاس «4» .   (1) انظر: الخصلة السادسة من فضائل أقواله صلّى الله عليه وسلّم (443) من هذه الموسوعة. (2) انظر الحديث رقم (36) الذي جاء فيه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- «سمعت الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم ... » . (3) المستدرك (3/ 62- 63) ، وانظر أيضا سيرة ابن هشام (1/ 399) . (4) الرحيق المختوم (27) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2476 فضل الصدق وأثره: قال صاحب البصائر: أمر الله سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصّادقين، وخصّص المنعم عليهم بالنّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) ، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ (النساء/ 69) ، فهم أهل الرّفيق الأعلى، وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ولا يزال الله يمدّهم بنعمه وألطافه، ويزيدهم إحسانا منه وتوفيقا، ولهم مزيّة المعيّة مع الله، فإنّ الله تعالى مع الصّادقين. وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان، والإسلام، والصّدقة، والصّبر، وبأنّهم أهل الصّدق فقال: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ (البقرة/ 177) إلى قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، وهذا صريح في أنّ الصّدق بالأعمال الظّاهرة والباطنة، وأنّ الصّدق هو مقام الإسلام والإيمان. وقسّم سبحانه النّاس إلى صادق ومنافق، فقال: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ (الأحزاب/ 24) . والإيمان أساسه الصّدق، والنّفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذب وإيمان إلّا وأحدهما يحارب الآخر. وأخبر سبحانه أنّه في القيامة لا ينفع العبد وينجّيه من عذابه إلّا صدقه، فقال تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (المائدة/ 119) ، وقال: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ* لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (الزمر/ 33- 35) ، والّذي جاء بالصّدق هو من شأنه الصّدق في قوله، وعمله، وحاله. وقد أمر سبحانه رسوله أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصّدق، فقال: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً. (الإسراء/ 80) . لسان الصدق- قدم الصدق- مدخل ومخرج الصدق- مقعد الصدق: وأخبر عن خليله إبراهيم عليه السّلام أنّه سأله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين. وبشّر عباده أنّ لهم قدم صدق، ومقعد صدق؛ فقال: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (يونس/ 2) ، وقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ (القمر/ 54- 55) . فهذه خمسة أشياء: مدخل الصّدق، ومخرج الصّدق، ولسان الصّدق، ومقعد الصّدق، وقدم الصّدق. وحقيقة الصّدق في هذه الأشياء هو الحقّ الثّابت المتّصل بالله، الموصّل إلى الله، وهو ما كان به وله من الأعمال والأقوال. وجزاء ذلك في الدّنيا والآخرة. أمّا لسان الصّدق فهو الثناء الحسن من سائر الأمم بالصّدق وليس بالكذب؛ كما قال عن بعض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2477 الأنبياء: وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (مريم/ 50) ، والمراد باللّسان ههنا الثناء الحسن، فلمّا كان باللّسان وهو محلّه عبّر عنه به؛ لأنّ اللّسان يراد به ثلاثة معان: هذا، واللّغة كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (إبراهيم/ 4) ، وقوله- عزّ من قائل-: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ (الروم/ 22) ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ (النحل/ 103) ، ويراد به الجارحة نفسها كقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ (القيامة/ 16) . وأمّا قدم الصّدق ففسّر بالجنّة، وفسّر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، وفسّر بالأعمال الصّالحة. وحقيقة القدم: ما قدّموه، ويقدمون عليه يوم القيامة، وهم قدّموا الأعمال والإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، ويقدمون على الجنّة؛ ومن فسّره بالأعمال وبالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلأنّهم قدّموها، وقدّموا الإيمان به بين أيديهم. وأمّا مقعد الصّدق، فهو الجنّة عند ربّهم تبارك وتعالى. ووصف ذلك كلّه بالصّدق مستلزم ثبوته واستقراره، وأنّه حقّ، وأنّه متّصل بالحقّ سبحانه، كان به وله. فمدخل الصّدق ومخرج الصّدق أن يكون دخوله وخروجه حقّا ثابتا لله تعالى ومرضاته، متّصلا بالظّفر ببغيته، وحصول المطلوب، وهو ضدّ مخرج الكذب ومدخله الّذي لا غاية له يوصّل إليها. ولا له ساق ثابتة يقوم عليها؛ كمخرج أعدائه يوم بدر. ومخرج الصّدق كمخرجه هو وأصحابه في ذلك الغزو. وكذلك مدخله المدينة كان مدخل صدق بالله ولله وابتغاء مرضاة الله، فاتّصل به التّأييد، والظّفر، والنّصر، وإدراك ما طلبه في الدّنيا والآخرة؛ بخلاف مدخل الكذب الّذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب؛ فإنّه لم يكن بالله ولا لله بل محادّة لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يتّصل به إلّا الخذلان والبوار. وكذلك مدخل من دخل من اليهود والمحاربين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصن بني قريظة؛ فإنّه لمّا كان مدخل كذب أصابهم منه ما أصابهم. وكلّ مدخل ومخرج كان بالله ولله وصاحبه ضامن على الله، فهو مدخل صدق ومخرج صدق، ولذلك فسّر مدخل الصّدق ومخرجه بخروجه من مكّة، ودخوله المدينة. ولا ريب أنّ هذا على سبيل التّمثيل؛ فإنّ هذا المدخل والمخرج من أجلّ مداخله ومخارجه صلّى الله عليه وسلّم؛ وإلّا فمداخله ومخارجه كلّها مداخل صدق ومخارج صدق إذ هي بالله، ولله، وبأمره، ولابتغاء مرضاته. وما خرج أحد من بيته أو دخل سوقا أو مدخلا آخر إلّا بصدق أو كذب. فمدخل كلّ أحد ومخرجه لا يعدو الصّدق والكذب. فهو صدق غير كذب، وحقّ غير باطل، ودائم غير زائل، ونافع غير ضارّ، وما للباطل ومتعلّقاته إليه سبيل ولا مدخل. علامة الصدق: من علامات الصّدق طمأنينة القلب إليه، ومن علامات الكذب حصول الرّيبة؛ كما في التّرمذيّ مرفوعا: «الصّدق طمأنينة، والكذب ريبة» ، وفي الصّحيحين: «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2478 يهدي إلى الجنّة وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا، وإنّ الرّجل ليكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا، فجعل الصّدق مفتاح الصّدّيقيّة ومبدأها، وهي غايته، فلا ينال درجتها كاذب البتّة، لا في قوله، ولا في عمله، ولا في حاله. ولا سيّما كاذب على الله في أسمائه وصفاته، بنفي ما أثبته لنفسه، أو بإثبات ما نفاه عن نفسه، فليس في هؤلاء صدّيق أبدا، وكذلك الكذب عليه في دينه، وشرعه بتحليل ما حرّمه، وتحريم ما أحلّه، وإسقاط ما أوجبه، وإيجاب ما أسقطه، وكراهة ما أحبّه، واستحباب ما لم يحبّه، كلّ ذلك مناف للصّدّيقيّة. وكذلك الكذب معه في الأعمال بالتّحلّي بحلية الصادقين المخلصين، الزّاهدين المتوكّلين وليس منهم. وكانت الصّدّيقيّة كمال الإخلاص، والانقياد والمتابعة في كلّ الأمور؛ حتّى إنّ صدق المتبايعين يحلّ البركة في بيعهما، وكذبهما يمحو بركة بيعهما. كما في الصّحيحين: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإخلاص- الأمانة- البر- الوفاء- الإيمان- الاستقامة- الطمأنينة- إقامة الشهادة- اليقين] . وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكذب- الافتراء- الإفك- البهتان- الخيانة- نقض العهد- الغدر- شهادة الزور] .   (1) بصائر ذوي التمييز (398- 403) ، وقارن بمدارج السالكين (2/ 281) وما بعدها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2479 الآيات الواردة في «الصدق» طلب الدليل على الصدق: 1- وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) «1» 2- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) «2» 3- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) «3» 4- وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111) «4» 5- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) * كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) «5» 6- الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) «6»   (1) البقرة: 23- 24 مدنية (2) البقرة: 30- 33 مدنية (3) البقرة: 94- 95 مدنية (4) البقرة: 111 مدنية (5) آل عمران: 92- 95 مدنية (6) آل عمران: 168 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2480 7- الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (183) «1» 8- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) «2» 9- قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) «3» 10- وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (104) . حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) «4» 11- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) «5» 12- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) «6» 13- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) «7» 14- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) «8» 15- قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) «9» 16- خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)   (1) آل عمران: 183 مدنية (2) الأنعام: 40 مكية (3) الأعراف: 70 مكية (4) الأعراف: 104- 106 مكية (5) يونس: 38- 40 مكية (6) يونس: 48- 49 مكية (7) هود: 13 مكية (8) هود: 32 مكية (9) يوسف: 17 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2481 لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) «1» 17- قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) «2» 18- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) «3» 19- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177)   (1) الأنبياء: 37- 40 مكية (2) الشعراء: 23- 33 مكية (3) الشعراء: 141- 159 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2482 إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) «1» 20- أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) «2» 21- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) «3» 22- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) «4» 23- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30) «5»   (1) الشعراء: 176- 191 مكية (2) النمل: 64- 65 مكية (3) النمل 71- 72 مكية (4) القصص: 48- 50 مكية (5) السجدة: 28- 30 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2483 24- أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (157) «1» 25- وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37) «2» 26- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) «3» 27- قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) «4» 28- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «5» 29- * وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) «6» 30- أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34) «7» 31- أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) «8»   (1) الصافات: 151- 157 مكية (2) الدخان: 33- 37 مكية (3) الجاثية: 25- 26 مكية (4) الأحقاف: 4 مكية (5) الأحقاف: 11- 12 مكية (6) الأحقاف: 21- 22 مكية (7) الطور: 33- 34 مكية (8) الواقعة: 81- 87 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2484 32- قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) «1» 33- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) «2» 34- أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) «3» الحق والصدق متلازمان: 35- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) «4» 36- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) «5» 37- يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) «6» 38- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ   (1) الجمعة: 6- 7 مدنية (2) الملك: 25- 26 مكية (3) القلم: 35- 41 مكية (4) البقرة: 91 مدنية (5) آل عمران: 1- 4 مدنية (6) النساء: 47 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2485 وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) «1» 39- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92) «2» 40- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) «3» 41- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «4»   (1) المائدة: 44- 48 مدنية (2) الأنعام: 92 مكية (3) يوسف: 23- 29 مكية (4) يوسف: 111 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2486 42- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) «1» 43- وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) * قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) «2» 44- قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (35) «3» 45- وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8) «4»   (1) النور: 6- 9 مدنية (2) النمل: 20- 31 مكية (3) القصص 33- 35 مكية (4) الأحزاب: 7- 8 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2487 46- وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) «1» 47- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) «2» 48- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) «3» 49- وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6) «4» صفات الصادقين: 50- * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «5» 51- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «6»   (1) فاطر: 31 مكية (2) غافر: 28 مدنية (3) الأحقاف: 29- 30 مكية (4) الذاريات: 1- 6 مكية (5) البقرة: 177 مدنية (6) الحجرات: 15- 18 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2488 ثواب الصادقين: 52- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «1» 53- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «2» 54- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «3»   (1) آل عمران: 14- 17 مدنية (2) النساء: 65- 70 مدنية (3) المائدة: 116- 119 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2489 55- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) «1» 56- فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) «2» الصدق سمة النبيين والملائكة والصالحين: 57- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) «3» 58- مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) «4» 59- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) «5» 60- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) «6» 61- فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63)   (1) يونس: 93 مكية (2) الليل: 5- 7 مكية (3) آل عمران: 38- 40 مدنية (4) المائدة: 75 مدنية (5) التوبة: 117- 119 مدنية (6) يوسف: 50- 52 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2490 وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) «1» 62- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) «2» 63- فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) «3» 64- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) «4» 65- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي   (1) الحجر: 61- 66 مكية (2) مريم: 41- 45 مكية (3) مريم: 49- 55 مكية (4) مريم: 56- 57 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2491 إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «1» 66- وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «2» 67- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «3» 68- فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) «4» 69- وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) «5» 70- فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) «6» 71- * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32)   (1) الشعراء: 69- 89 مكية (2) الأحزاب: 22- 24 مدنية (3) الأحزاب: 35 مدنية (4) يس: 50- 52 مكية (5) الصافات: 36- 37 مكية (6) الصافات: 101- 110 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2492 وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) «1» 72- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) «2» 73- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «3» 74- وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) «4» 75- وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) «5» 76- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) «6» 77- * إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ   (1) الزمر: 32- 35 مكية (2) القمر: 54- 55 مكية (3) الحديد: 18- 19 مدنية (4) الحشر: 6- 8 مدنية (5) الصف: 6 مدنية (6) التحريم: 11- 12 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2493 وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «1» من صدق الله صدق الله وعده معه: 78- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) «2» 79- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «3» 80- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) «4» 81- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ   (1) المعارج: 19- 35 مكية (2) آل عمران: 152- 155 مدنية (3) النساء: 87 مدنية (4) النساء: 122 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2494 تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) «1» 82- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) «2» 83- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146) «3» 84- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «4» 85- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) «5»   (1) المائدة: 110- 115 مدنية (2) الأنعام: 114- 115 مكية (3) الأنعام: 146 مكية (4) يونس: 1- 2 مكية (5) الإسراء: 78- 81 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2495 86- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) «1» 87- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «2» 88- لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) «3» الصدق يكشف الحقائق: 89- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) * وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) «4» 90- قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) «5»   (1) الزمر: 73- 74 مكية (2) الأحقاف: 15- 16 مكية (3) الفتح: 27 مدنية (4) التوبة: 42- 47 مدنية (5) يوسف: 17 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2496 91- وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) «1» 92- نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) «2»   (1) النمل: 48- 50 مكية (2) الواقعة: 57- 62 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2497 الأحاديث الواردة في (الصدق) 1- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها، وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته، فوزرهما سواء» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا اقترب الزّمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب. وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا. ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النّبوّة. والرّؤيا ثلاثة: فرؤيا الصّالحة بشرى من الله. ورؤيا تحزين من الشّيطان. ورؤيا ممّا يحدّث المرء نفسه. فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصلّ، ولا يحدّث بها النّاس» ) * «2» . 3- * (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثائر الرّأس «3» فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصّلاة؟ فقال: «الصّلوات الخمس إلّا أن تطوّع شيئا» . فقال: أخبرني بما فرض الله عليّ من الصّيام؟ فقال: «شهر رمضان إلّا أن تطوّع شيئا» . فقال: أخبرني ما فرض الله عليّ من الزّكاة؟ قال: فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشرائع الإسلام. قال: والّذي أكرمك بالحقّ، لا أتطوّع شيئا ولا أنقص ممّا فرض الله عليّ شيئا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح إن صدق، أو دخل الجنّة إن صدق» ) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدّنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة في طعمة» ) * «5» . 5- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل شفيع في الجنّة. لم   (1) أحمد (4/ 230) . والترمذي (2325) وقال: حديث حسن صحيح- وهذا لفظه. وابن ماجة برقم (4228) بلفظ قريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 10) كما قال الترمذي. (2) البخاري- الفتح 12 (7017) ، ومسلم (2263) واللفظ له (3) ثائر الرأس: منتشر الرأس. (4) البخاري- الفتح 4 (1891) واللفظ له. ومسلم (11) . (5) أحمد (2/ 177) واللفظ له، وقال أحمد شاكر (10/ 6652) : إسناده صحيح. قال المنذري في الترغيب (3/ 589) : إسناده حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 314) من رواية عبد الله بن عمر وسكت هو والذهبي عليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2498 يصدّق نبيّ من الأنبياء ما صدّقت. وإنّ من الأنبياء نبيّا ما يصدّقه من أمّته إلّا رجل واحد» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انصرف من اثنتين. فقال له ذو اليدين: أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق ذو اليدين؟» فقال النّاس: نعم. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى اثنتين أخريين، ثمّ سلّم ثمّ كبّر، فسجد مثل سجوده، أو أطول» ) * «2» . 7- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: «إنّما أنا بشر، وإنّه يأتيني الخصم، فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنّه صادق، فأقضي له بذلك. فمن قضيت له بحقّ مسلم، فإنّما هي قطعة من النّار، فليأخذها أو ليتركها» ) * «3» . 8- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاور، حين بلغة إقبال أبي سفيان. قال: فتكلّم أبو بكر، فأعرض عنه. ثمّ تكلّم عمر، فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيّانا تريد؟ يا رسول الله! والّذي نفسي بيده! لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها «4» . ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها «5» إلى برك الغماد «6» لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا. ووردت عليهم روايا قريش «7» وفيهم غلام أسود لبني الحجّاج. فأخذوه. فكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه؟ فيقول: ما لي علم بأبي سفيان. ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة ابن خلف. فإذا قال ذلك ضربوه. فقال: نعم. أنا أخبركم. هذا أبو سفيان. فإذا تركوه فسألوه فقال: مالي بأبي سفيان علم. ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف في الناس. فإذا قال هذا أيضا ضربوه. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلّي. فلمّا رأى ذلك انصرف «8» . قال: «والّذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم وتتركوه «9» إذا كذبكم» . قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مصرع فلان» قال: ويضع يده على الأرض، هاهنا وهاهنا. قال: فما ماط «10» أحدهم عن موضع يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «11» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-   (1) مسلم (196) . (2) البخاري- الفتح 2 (714) واللفظ له. ومسلم (573) . (3) البخاري- الفتح 13 (7181) واللفظ له. ومسلم (1713) . (4) أن نخيضها البحر لأخضناها: يعني الخيل. أي لو أمرتنا بإدخال خيولنا في البحر وتمشيتنا إياها فيه لفعلنا. (5) أن نضرب أكبادها: كناية عن ركضها. (6) برك الغماد: أما برك فهو بفتح الباء وإسكان الراء. وهو موضع من وراء مكة بخمس ليال بناحية الساحل. (7) روايا قريش: أي إبلهم التي كانوا يستقون عليها. فهي الإبل الحوامل للماء. واحدتها راوية. (8) انصرف: أي سلم من صلاته. (9) لتضربوه.. وتتركوه: هكذا وردت بحذف النون في الموضعين لغة، لا لناصب ولا جازم. (10) فما ماط أحدهم: أي تباعد. (11) مسلم (1779) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2499 قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أضحى أو فطر إلى المصلّى، ثمّ انصرف فوعظ النّاس وأمرهم بالصّدقة، فقال: «أيّها النّاس، تصدّقوا» . فمرّ على النّساء، فقال: «يا معشر النّساء تصدّقن، فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النّار» . فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير «1» ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ يا معشر النّساء» . ثمّ انصرف. فلمّا صار إلى منزله جاءت زينب امرأة عبد الله بن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله! هذه زينب، فقال: «أيّ الزّيانب؟» فقيل: امرأة ابن مسعود. قال: «نعم، ائذنوا لها» ، فأذن لها، قالت: يا نبيّ الله، إنّك أمرت اليوم بالصّدقة، وكان عندي حليّ لي فأردت أن أتصدّق بها، فزعم ابن مسعود أنّه وولده أحقّ من تصدّقت به عليهم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم» ) * «2» . 10- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف «3» بهم، فقال: «اثبت أحد؛ فإنّ «4» عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان» ) * «5» . 11- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: أصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» ) * «6» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- ومعاذ رديفه على الرّحل-، قال: «يا معاذ بن جبل» . قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك. قال: «يا معاذ» . قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك (ثلاثا) . قال: «ما من أحد يشهد أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صادقا من قلبه إلّا حرّمه الله على النّار» . قال: يا رسول الله أفلا أخبر به النّاس فيستبشروا؟ قال: «إذا يتّكلوا» ، وأخبر بها معاذ عند موته تأثّما «7» ) * «8» . 13- * (عن رفاعة- رضي الله عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى فرأى النّاس يتبايعون. فقال: «يا معشر التّجّار» ! فاستجابوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: «إنّ التّجّار يبعثون يوم   (1) العشير: الزوج. (2) البخاري- الفتح 3 (1462) واللفظ له. ومسلم (1000) من حديث زينب امرأة عبد الله، نحوه. (3) رجف بهم: أي اضطرب. وذلك معجزة. (4) هكذا وردت في الفتح والصواب (فإنّما) كما أثبته ابن حجر في شرح الحديث (7/ 47) . وكما هو مدون في صحيح البخاري ج 3 ص 1344- 1345 (تحقيق مصطفى البغا) . (5) البخاري- الفتح 7 (3675) واللفظ له. ومسلم (2417) والصدّيق هو أبو بكر، والشهيدان هما عمر وعثمان- رضي الله عنهم-. وقد ماتا شهيدين. وعن أبي هريرة، وفيه زيادة على من ذكر عند البخاري: وعلي وطلحة والزبير وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهم، وأخرى عن أبي هريرة أيضا. (6) الحاكم في المستدرك (4/ 359) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه وصححه الذهبي. وأخرجه أحمد (5/ 233، 323) . (7) قوله: تأثما: أي خشية كتم العلم. (8) البخاري- الفتح 1 (128) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2500 القيامة فجّارا، إلّا من اتّقى الله وبرّ وصدق» ) * «1» . 14- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه كان له جرين «2» تمر، فكان يجده ينقص، فحرسه ليلة، فإذا هو بمثل الغلام المحتلم فسلّم عليه، فردّ السّلام فقال: أجنّي أم إنسيّ؟ فقال: بل جنّي. فقال: أرني يدك فأراه، فإذا يد كلب وشعر كلب، فقال: هكذا خلق الجنّ، فقال: لقد علمت الجنّ أنّه ليس فيهم رجل أشدّ منّي. قال: ما جاء بك؟ قال: أنبئنا أنّك تحبّ الصّدقة، فجئنا نصيب من طعامك. قال: ما يجيرنا منكم؟ قال: تقرأ آية الكرسيّ من سورة البقرة اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قال: نعم. قال: إذا قرأتها غدوة أجرت منّا حتّى تمسي، وإذا قرأتها حين تمسي أجرت منّا حتّى تصبح. قال أبيّ: فغدوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته بذلك. فقال «صدق الخبيث» ) * «3» . 15- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت في المنام أنّي أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي «4» إلى أنّها اليمامة أو هجر «5» ، فإذا هي المدينة، يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أنّي هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد. ثمّ هززته بأخرى، فعاد أحسن ما يكون، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرا، والله خير، فإذا هم النّفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير، وثواب الصّدق الّذي آتانا الله بعد، يوم بدر» ) * «6» . 61- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ أهل الجنّة يتراءون «7» أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدّرّيّ «8» الغابر «9» في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: «بلى والّذي نفسي بيده، رجال   (1) الترمذي (1210) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم (2/ 6) : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. والحديث أورده الهيثمي في المجمع (4/ 73) ، (8/ 36) ونسبه لأحمد والطبراني وقال: رجالهما رجال الصحيح. (2) الجرن: هو موضع تجفيف التمر، وهو له كالبيدر للحنطة. (3) الحاكم في المستدرك (1/ 562) وقال: صحيح الإسناد. ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. والهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 118) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (4) وهلى: وهمي واعتقادي. (5) هجر: مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين. (6) البخاري- الفتح 6 (3622) . ومسلم (2272) . واللفظ له. وقال أكثر شراح الحديث: معناه ثواب الله خير. أي صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا وتأويل النبي لها: «إذا الخير ما جاء الله به» . (7) في رواية أبي ذر: «إنّ أهل الجنّة يتراءون» بوزن يتفاعلون. والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل، حتى إن الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم. (8) الكوكب الدري: الكوكب العظيم. قيل سمي درّيّا لبياضه كالدر. وقيل: لإضاءته. (9) الغابر: الذاهب الماشي الذي تدلى للغروب وبعد عن العيون. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2501 آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين» ) * «1» . 17- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكون صدّيقا، وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وإنّ الرّجل ليكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا» ) * «2» . 18- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: إنّ عليّا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة- رضي الله عنها- فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا عليّ ناكح بنت أبي جهل. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسمعته حين تشهّد يقول: «أمّا بعد، أنكحت أبا العاص بن الرّبيع فحدّثني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة «3» منّي، وإنّي أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد» فترك عليّ الخطبة) * «4» . 19- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا أو قال: حتّى يتفرّقا- فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما «5» » ) * «6» . 20- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينا راع يرعى بالحرّة، إذ عدا الذّئب على شاة من الشّياه، فحال الرّاعي بين الذّئب وبين الشّاة، فأقعى الذّئب على ذنبه، فقال: يا عبد الله! أتحول بيني وبين رزق ساقه الله إليّ. فقال الرّجل: يا عجباه! ذئب يكلّمني بكلام الإنسان. فقال الذّئب: ألا أخبرك بأعجب منّي، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الحرّتين يخبر النّاس بأنباء ما قد سبق، فزوى «7» الرّاعي شياهه إلى زاوية من زوايا المدينة، ثمّ أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النّاس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدق والّذي نفسي بيده» ) * «8» 21- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ «9» ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك   (1) البخاري- الفتح 6 (3256) واللفظ له، ومسلم (2831) . (2) البخاري- الفتح 10 (6094) واللفظ له، مسلم (2607) . (3) بضعة: البضعة: قطعة اللحم. وفي مسلم (مضغة) . (4) البخاري- الفتح 7 (3729) واللفظ له، ومسلم (2449) . (5) محقت بركة بيعهما: أي ذهبت بركته، وهي زيادته ونماؤه. (6) البخاري- الفتح 4 (2079) . واللفظ له ومسلم (1532) . (7) زوى: جمع. (8) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 467) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 291- 292) وقال: رجاله رجال الصحيح. (9) فرق من أرزّ: الفرق مكيال يسع ثلاثة آصع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2502 الفرق فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وإنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها. فقالت: اتّق الله، ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة دّينار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «1» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم. رجل كان له فضل ماء بالطّريق فمنعه من ابن السّبيل، ورجل بايع إمامه لا يبايعه إلّا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر. فقال: والله الّذي لا إله غيره لقد أعطيت بهذا كذا وكذا، فصدّقه رجل، ثمّ قرأ هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا (آل عمران/ 77) » ) * «2» . 23- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فامن به، واتّبعه وصدّقه، فله أجران. وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده، فله أجران. ورجل كانت له أمة فغذّاها فأحسن غذاءها، ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها، فله أجران» ) * «3» . 24- * (عن أبي محمّد، الحسن بن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك «4» إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، والكذب ريبة» ) * «5» . 25- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- في حديث صلاة الكسوف قالت: دخلت على   (1) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له، ومسلم (2743) إلا أنه لم يأت بلفظ «الصدق» . (2) البخاري- الفتح 5 (2358) . (3) البخاري- الفتح 5 (2544) جزء منه وهو ما يخص الجارية، (2547) جزء آخر ما يخص الجارية والمملوك، وساقه كاملا في 6 (3011) . ومسلم (154) واللفظ له. (4) يريبك: من الريب وهو الشك والتهمة، ويروى بفتح الياء وضمها. (5) رواه الترمذي (2518) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (8/ 327، 328) وقال محقق جامع الأصول (6/ 443، 444) : إسناده صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2503 عائشة- رضي الله عنها- والنّاس يصلّون قلت: ما شأن النّاس؟ فأشارت برأسها إلى السّماء، فقلت: آية؟ فأشارت برأسها أي نعم قالت: فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جدّا حتّى تجلّاني الغشي «1» ، وإلى جنبي قربة فيها ماء ففتحتها، فجعلت أصبّ منها على رأسي، فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد تجلّت الشّمس، فخطب النّاس وحمد الله بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد» . قالت: ولغط «2» نسوة من الأنصار، فانكفأت إليهنّ لأسكّتهنّ، فقلت لعائشة: ما قال؟ قالت: قال: «ما من شيء لم أكن أريته إلّا قد رأيته في مقامي هذا، حتّى الجنّة والنّار، وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور مثل- أو قريبا- من فتنة المسيح الدّجّال، يؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن (شكّ هشام) - فيقول: هو رسول الله، هو محمّد صلّى الله عليه وسلّم، جاءنا بالبيّنات والهدى فامنّا وأجبنا واتّبعنا وصدّقنا. فيقال له: نم صالحا، قد كنّا نعلم إن كنت لتؤمن به. وأمّا المنافق- أو قال: المرتاب (شكّ هشام) - فيقال له: ما علمك بهذا الرّجل؟ فيقول: لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «3» . 26- * (عن سويد بن حنظلة- رضي الله عنه- قال: خرجنا نريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدوّ له، فتحرّج القوم أن يحلفوا، وحلفت أنّه أخي، فخلّى سبيله. فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته أنّ القوم تحرّجوا أن يحلفوا، وحلفت أنّه أخي، قال: «صدقت، المسلم أخو المسلم» ) * «4» . 27- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث الإفك قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب ... الحديث، وفيه: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث «5» الوحي. يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد، فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله! هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة. فقال: «أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» . قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ! إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «6» عليها، أكثر من أنّها   (1) تجلّاني الغشي: أي غطّاني ما ينوب الإنسان من الغيبوبة. (2) لغط نسوة: صوّتن أصواتا مختلطة مبهمة لا تفهم. (3) البخاري- الفتح 2 (922) واللفظ له. ومسلم (905) . (4) أبو داود (3256) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 628) : صحيح وهو في صحيح ابن ماجة (2119) . ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 300) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص. (5) استلبث: تأخر ولم ينزل. (6) أغمصه: أي أعيبها به. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2504 جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «1» فتأكله ... الحديث إلى أن قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة! فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب. فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي «2» حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به، فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي، والله! ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا، والله! حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله! ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم» .. إلى آخر الحديث) * «4» . 28- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- فى حديث توبته وصاحبيه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه، إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون غير قريش. حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة. حين تواثقنا على الإسلام «5» . وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري، حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، أنّي لم أكن قطّ أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ. حتّى جمعتهما في تلك الغزوة.   (1) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين. (2) قلص دمعي: أي ارتفع لاستعظام ما يصيبني من الكلام. (3) ما رام: أي ما فارق (4) البخاري- الفتح 7 (4141) ، ومسلم (2770) واللفظ له. (5) تواثقنا على الإسلام: أي تبايعنا عليه وتعاهدنا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2505 فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد. واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «1» . واستقبل عدوّا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الّذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير. ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب، يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله- عزّ وجلّ- وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «2» . فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه. وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم. فأرجع ولم أقض شيئا. وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك، إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ. فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه. ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط «3» الغزو. فهممت أن أرتحل فأدركهم. فياليتني فعلت، ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس، بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا «4» عليه في النّفاق. أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا «5» فقال، وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» . قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله! حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» . فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله! يا رسول الله! ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبينما فهو على ذلك رأى رجلا مبيّضا «7» يزول به «8» السّراب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كن أبا خيثمة» . فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريّ. وهو الّذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه «9» المنافقون. فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجّه قافلا من تبوك، حضرني بثّي «10» ، فطفقت أتذكّر الكذب، وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما، زاح عنّي الباطل، حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه «11» . وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادما. وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين. ثمّ جلس للنّاس، فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتّى جئت، فلمّا سلّمت، تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» . فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال   (1) مفازا: أي برية طويلة قليلة الماء. يخاف فيها الهلاك. (2) أصعر: أميل. (3) تفارط: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا. (4) مغموصا: متهما به. (5) تبوكا: بالتنوين، وكأنه صرفها لإرادة الموقع دون البقعة. (6) عطفيه: جانبيه وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه. (7) مبيّضا: لابس البياض. (8) يزول به: يتحرك به. (9) لمزه: عابوه واحتقروه. (10) بثّي: البث هو أشد الحزن. (11) أجمعت صدقه: أي عزمت عليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2506 لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» . قال: قلت يا رسول الله! إنّي، والله! لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا «1» . ولكنّي، والله! لقد علمت، لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «2» ، إنّي لأرجو فيه عقبى الله «3» . والله! ما كان لي عذر. والله! ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا فقد صدق. فقم حتّى يقضي الله فيك» . فقمت. وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني، فقالوا لي: والله! ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا، لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما اعتذر به إليه المخلّفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لك. قال: فو الله! ما زالوا يؤنّبونني حتّى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأكذّب نفسي. قال: ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟. قالوا: نعم. لقيه معك رجلان. قالا مثل ما قلت. فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت: من هما؟. قالوا: مرارة بن ربيعة العامريّ، وهلال بن أميّة الواقفيّ. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثّلاثة، من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس. وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي، فاستكانا «4» وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم «5» وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطواف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصّلاة. فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام، أم لا؟. ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي. حتّى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت «6» جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ. فسلّمت عليه فو الله! ما ردّ عليّ السّلام. فقلت له: يا أبا قتادة! أنشدك بالله هل تعلمنّ أنّي أحبّ الله ورسوله؟ قال: فسكت. فعدت فناشدته، فسكت، فعدت فناشدته. فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتولّيت، حتّى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ «7» من نبط أهل الشّام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدلّ على كعب بن مالك. قال: فطفق النّاس يشيرون له إليّ. حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان. وكنت   (1) أعطيت جدلا: أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة. (2) تجد عليّ فيه: أي تغضب. (3) إني لأرجو فيه عقبى الله: أي يعقبني خيرا وأن يثيبني عليه. (4) استكانا: خضعا. (5) أشب القوم: أصغرهم سنّا. (6) تسورت: صعدت سوره. (7) نبطيّ: هم فلاحو العجم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2507 كاتبا. فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. قال: فقلت، حين قرأتها: وهذه أيضا من البلاء. فتياممت «1» بها التّنّور فسجرتها «2» بها. حتّى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث «3» الوحي، إذا رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال: فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟. قال: لا. بل اعتزلها. فلا تقربنّها. قال: فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتّى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت له: يا رسول الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟. قال: «لا. ولكن لا يقربنّك» . فقالت: إنّه، والله! ما به حركة إلى شيء. ووالله! ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتك؟. فقد أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه. قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابّ. قال: فلبثت بذلك عشر ليال. فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله عزّ وجلّ- منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى «4» على سلع «5» يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشر. قال: فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج. قال فاذن «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى الجبل. فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله! ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله! ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك   (1) فتياممت: قصدت. (2) سجرتها: أحرقتها. (3) استلبث: أبطأ. (4) أوفى: صعد وارتفع. (5) سلع: جبل بالمدينة. (6) فاذن: فأعلم. (7) أتأمّم: أقصد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2508 منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت: أمن عندك يا رسول الله! أم من عند الله؟. فقال: «لا. بل من عند الله» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك. قال: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله! إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك. فهو خير لك» . قال: فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال: وقلت: يا رسول الله! إنّما أنجاني بالصّدق. وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال: فو الله! ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا، أحسن ممّا أبلاني الله به. والله! ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ، بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 95، 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا، أيّها الثّلاثة، عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال الله- عزّ وجلّ-: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وليس الذي ذكر الله ممّا خلّفنا، تخلّفنا عن الغزو وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «2» . 29- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثّياب. شديد سواد الشّعر. لا يرى عليه أثر السّفر. ولا يعرفه منّا أحد. حتّى جلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه. وقال: يا محمّد! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقيم   (1) أرجأ: أخر. (2) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم 4 (2769) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2509 الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا» قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدّقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشرّه» قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» . قال: فأخبرني عن السّاعة. قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل» قال: فأخبرني عن أمارتها «1» . قال: «أن تلد الأمة ربّتها «2» . وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشّاء، يتطاولون في البنيان «3» » . قال: ثمّ انطلق. فلبثت مليّا «4» . ثمّ قال لي: «يا عمر! أتدري من السّائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّه جبريل. أتاكم يعلّمكم دينكم» ) * «5» . 30- * (عن أبي سفيان صخر بن حرب- رضي الله عنه- في حديثه في قصّة هرقل قال هرقل: فماذا يأمركم؟ - يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- قال أبو سفيان قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدق، والعفاف، والصّلة» ... الحديث) * «6» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح «7» . ثمّ حبّب إليه الخلاء. فكان يخلوا بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد. قبل أن يرجع إلى أهله. ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني «8» حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ. قال فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ الآية 1- 5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره «9» حتّى دخل على خديجة. فقال: «زمّلوني «10» ، زمّلوني» فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة! مالي» وأخبرها الخبر. قال: «لقد خشيت على نفسي» . قالت له خديجة: كلّا.   (1) أمارتها: الأمارة بإثبات الهاء وحذفها هي العلامة. (2) ربتها: معنى ربها وربتها: سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها. (3) العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان: أما العالة فهم الفقراء. والعائل الفقير. والعيلة الفقر. وعال الرجل يعيل عيلة. أي افتقر. والرعاء ويقال فيهم: رعاة، ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان. (4) فلبث مليا: أي وقتا طويلا. (5) البخاري- الفتح 1 (50) من حديث أبي هريرة. ومسلم (8) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له. ومسلم (1773) (7) فلق الصبح: ضياؤه. (8) غطني: عصرني وضمني. (9) ترجف بوادره: معنى ترجف: ترعد وتضطرب. البوادر: جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق. (10) زملوني: غطوني بالثياب ولفوني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2510 أبشر. فو الله! لا يخزيك الله أبدا. والله! إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ «1» ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ «2» . فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «3» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم، يا ليتني فيها جذعا «4» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «5» . 32- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فوضعهما بين يديه، ثمّ قال: «صدق الله ورسوله نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ (التغابن/ 15) . رأيت ولديّ هذين فلم أصبر حتّى نزلت فأخذتهما» ، ثمّ أخذ في خطبته) * «6» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يوم الفتح فجعل خالد بن الوليد على المجنّبة اليمنى، وجعل الزّبير على المجنّبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة «7» وبطن الوادي. فقال: «يا أبا هريرة! ادع لي الأنصار» . فدعوتهم. فجاءوا يهرولون. فقال: «يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش «8» قريش؟» . قالوا: نعم. قال: «انظروا، إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا» . وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله. وقال: «موعدكم الصّفا» . قال: فما أشرف يومئذ لهم أحد إلّا أناموه «9» . قال: وصعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّفا، وجاءت الأنصار. فأطافوا بالصّفا فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله! أبيدت خضراء قريش. لا قريش بعد اليوم قال أبو   (1) تحمل الكلّ: أي تنفق على الضعيف واليتيم والعيال. (2) وتعين على نوائب الحق: النوائب جمع نائبة وهي الحادثة. (3) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته. (4) يا ليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها، وجذعا: يعني قويّا، حتى أبالغ في نصرك. (5) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له. (6) الحاكم في المستدرك (1/ 287) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه. والذهبي في التلخيص. ورواه الحاكم من طريق آخر عن بريدة (4/ 189) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص. (7) البياذقة: هم الرجالة (وهو فارسي معرب) . (8) أوباش: جموع من شتى البطون. (9) أناموه: أي قتلوه فوقع إلى الأرض. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2511 سفيان: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السّلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.. فقالت الأنصار: أمّا الرّجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته. ونزل الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: «قلتم أمّا الرّجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته. ألا فما اسمي إذا! (ثلاث مرّات) أنا محمّد عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم» . قالوا: والله! ما قلنا إلّا ضنّا «1» بالله ورسوله. قال: «فإنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» ) * «2» . 34- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فذكرت ذلك لعمّي- أو لعمر- فذكره للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدعاني فحدّثته. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ فجلست في البيت، فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومقتك، فأنزل الله تعالى إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ... فبعث إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقرأ فقال: «إنّ الله قد صدّقك يا زيد» ) * «3» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمّهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلّا بالله، ولا تحلفوا بالله- عزّ وجلّ- إلّا وأنتم صادقون» ) * «4» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم، صاحب هذه الحجرة، يقول: «لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ» ) * «5» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ولا ينبغي لصدّيق أن يكون لعّانا» ) * «6» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى كاهنا فصدّقه بما يقول أو أتى امرأته حائضا، أو أتى امرأته في دبرها فقد برأ ممّا أنزل الله على محمّد» ) * «7» .   (1) الضن: هو الشح. (2) مسلم (1780) . (3) البخاري- الفتح 8 (4900) واللفظ له. ومسلم (2772) نحو حديث البخاري. (4) أبو داود (3248) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 627) : صحيح وفي صحيح سنن النسائي (3529) والنسائي (7/ 5) . قال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح. انظر جامع الأصول (11/ 655) . (5) أبو داود (4942) واللفظ له. وقال الألباني (3/ 933) : حسن وكذا الترمذي والمشكاة وصحيح الجامع والترمذي (323) برقم (1924) وقال: هذا حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (4/ 516) : وهو حديث حسن. (6) مسلم (2597) . (7) أبو داود (3904) . وقال الألباني (2/ 739) : صحيح وفي صحيح سنن ابن ماجة (522) . والترمذي (135) . وقال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة. وابن ماجة (639) وساق كلام الترمذي فيه قال: إنما معنى الحديث عند أهل العلم على التغليظ. وقال محقق جامع الأصول (5/ 65) : وهو حديث صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2512 39- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من طلب الشّهادة صادقا، أعطيها ولو لم تصبه» ) * «1» . ونحوه من حديث سهل بن حنيف أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سأل الله الشّهادة بصدق بلّغه الله منازل الشّهداء، وإن مات على فراشه» ) * «2» . () الأحاديث الواردة في (الصدق) معنى 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «غزا نبيّ من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع «3» امرأة، وهو يريد أن يبني بها «4» ولمّا يبن بها. ولا أحد بنى بيوتا، لم يرفع سقوفها، ولا آخر اشترى غنما أو خلفات «5» وهو ينتظر ولادها «6» . فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك. فقال للشّمس: إنّك مأمورة، وأنا مأمور. اللهمّ احبسها علينا، فحبست حتّى فتح الله عليهم، فجمع الغنائم فجاءت- يعني النّار- لتأكلها، فلم تطعمها، فقال: إنّ فيكم غلولا، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول «7» فلتبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذّهب فوضعوها فجاءت النّار فأكلتها، ثمّ أحلّ الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلّها لنا» ) * «8» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصدق) 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل ممّن معه يدّعي الإسلام: «هذا من أهل النّار» . فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل من أشدّ القتال، وكثرت به الجراح فأثبتته، فجاء رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أرأيت الّذي تحدّثت أنّه من أهل النّار، قاتل في سبيل الله من أشدّ القتال فكثرت به الجراح. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّه من أهل النار» . فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينما هو على ذلك إذ وجد الرّجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع منها سهما فانتحر بها، فاشتدّ رجال من المسلمين إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله! صدّق الله حديثك، قد   (1) مسلم (1908) . (2) مسلم (1909) . (3) بضع: بضم الباء هو فرج المرأة، أي ملك فرجها بالنكاح. (4) يبني بها: يدخل بها. (5) الخلفات: بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام: جمع خلفة وهي الناقة الحامل. وانظر صفة الإخلاص والتقوى. (6) ولادها: أي نتاجها. (7) الغلول: الخيانة في المغنم. (8) البخاري- الفتح 6 (3124) واللفظ له. ومسلم (1747) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2513 انتحر فلان فقتل نفسه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بلال قم فأذّن، لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن، وإنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرّجل الفاجر» ) * «1» . 42- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- في حديث الحجّ المشهور. قال: فلمّا قدمنا أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن نحلّ. وقال: «أحلّوا وأصيبوا من النّساء» ، قال جابر: ولم يعزم عليهم، ولكن أحلّهنّ لهم. فبلغه أنّا نقول لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلّا خمس أمرنا أن نحلّ إلى نسائنا، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المذي قال: ويقول جابر بيده هكذا وحرّكها، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «قد علمتم أنّي أتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم، ولولا هديي لحللت كما تحلّون فحلّوا، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت. فحللنا وسمعنا وأطعنا» ) * «2» . 43- * (عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام حين جاء وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطّائفتين، إمّا السّبي وإمّا المال فقد كنت استأنيت بهم» ... الحديث» ) * «3» . 44- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عديّ» لبطون قريش حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟» . قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» . فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (المسد/ 1- 2) * «4» . () من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الصدق) 1- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «من كانت له عند النّاس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث، من إذا حدّثهم صدقهم، وإذا ائتمنوه لم يخنهم، وإذا وعدهم وفّى لهم، وجب له عليهم أن تحبّه قلوبهم، وتنطق بالثّناء عليه ألسنتهم، وتظهر له معونتهم» ) * «5» . 2- * (عن عروة أنّه سأل عائشة- رضي الله عنها-: أرأيت قول الله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا «6» أو كذّبوا؟ قالت: بل كذّبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم   (1) البخاري- الفتح 11 (6606) . (2) البخاري- الفتح 13 (736) واللفظ له، ومسلم (1216) . (3) البخاري- الفتح 4 (2307، 2308) . (4) البخاري- الفتح 8 (4770) . (5) الآداب الشرعية: 1/ 29. (6) يوسف: 110. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2514 وما هو بالظّنّ. فقالت: يا عريّة، لقد استيقنوا بذلك. قلت: فلعلّها (أو كذبوا) . قالت: معاذ الله، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها، وأمّا هذه الآية. قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم وصدّقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النّصر، حتّى إذا استيأست ممّن كذّبهم من قومهم وظنّوا أنّ أتباعهم كذّبوهم جاءهم نصر الله» ) * «1» . 3- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- في حديث الغيرة قالت: «ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكنّ نسوة صدق» ) * «2» . 4- * (وقيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى. قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: تقوى الله- عزّ وجلّ-، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني، ثمّ قال: ألا ربّ من تغتشّه «3» لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين) * «4» . 5- * (قال نافع مولى ابن عمر: «طاف ابن عمر سبعا وصلّى ركعتين، فقال رجل من قريش: ما أسرع ما طفت وصلّيت يا أبا عبد الرّحمن؟ فقال ابن عمر: «أنتم أكثر منّا طوافا وصياما ونحن خير منكم بصدق الحديث وأداء الأمانة وإنجاز الوعد» ) * «5» . 6- * (وأنشد محمود الورّاق: اصدق حديثك إنّ في الصّ ... دق الخلاص من الدّنس ودع الكذوب لشأنه ... خير من الكذب الخرس) * «6» . 7- * (وقال منصور الفقيه: الصّدق أولى ما به ... دان امرؤ فاجعله دينا ودع النّفاق فما رأي ... ت منافقا إلّا مهينا) * «7» . 8- * (قال عبد الواحد بن زيد: «الصّدق الوفاء لله بالعمل» ) * «8» . 9- * (وقال إبراهيم الخوّاص: «الصّادق لا تراه إلّا في فرض يؤدّيه، أو فضل يعمل فيه» ) * «9» . 10- * (وقال الجنيد: «حقيقة الصّدق: أن تصدق في موطن لا ينجّيك منه إلّا الكذب» ) * «10» . 11- * (وقيل: «ثلاث لا تخطأ الصّادق: الحلاوة، والملاحة، والهيبة» ) * «11» . 12- * (وقال يوسف بن أسباط: «لأن أبيت ليلة أعامل الله بالصّدق أحبّ إليّ من أن أضرب   (1) البخاري- الفتح 6 (3389) . (2) البخاري- الفتح 9 (5224) واللفظ له، ومسلم (2182) . (3) تغتشه: تظن به الغش. (4) الآداب الشرعية (1/ 39) . (5) مدارج السالكين (2/ 290) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (11) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2515 بسيفي في سبيل الله» ) * «1» . 13- * (وقال بعضهم: «من لم يؤدّ الفرض الدّائم لم يقبل منه الفرض المؤقّت. قيل: وما الفرض الدّائم؟ قال: الصدق» ) * «2» . 14- * (وقيل: من طلب الله بالصّدق أعطاه مرآة يبصر فيها الحقّ والباطل» ) * «3» . 15- * (وقيل: «عليك بالصّدق حيث تخاف أنّه يضرّك، فإنّه ينفعك، ودع الكذب حيث ترى أنّه ينفعك فإنّه يضرّ بك» ) * «4» . 16- * (وقيل: «ما أملق «5» تاجر صدق» ) * «6» . 17- * (وقال الشّاعر: قم لوجه الله بالحقّ وكن ... صادق الوعد فمن يخلف يلم) * «7» . () من فوائد (الصدق) (1) الصّدق طريق الأبرار إلى الجنّة. (2) الصّادقون هم أحباب الله المقرّبون. (3) مدح الله أنبياءه وخلّاصه بأنّهم مصدّقون وصادقون ويوم القيامة ينفعهم صدقهم. (4) الصّادقون يحبّهم النّاس ويثقون بهم ويأتمنونهم في سائر معاملاتهم. (5) الصّادق يعتزّ بنفسه ويرفع نفسه بين أفراد مجتمعه. (6) الصّدق يرفع الأعمال ويعلي شأنها. (7) الصّدق دليل القوّة وسمة الثّقة بالنّفس. (8) الصّدق منجاة والكذب مهواة. (9) الصّدق في الحديث يجعله مؤثّرا في القلوب. (10) الصّادق محشور مع النّبيّين والشّهداء والصّالحين.   (1) مدارج السالكين (2/ 290) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) أملق: افتقر. (6) مدارج السالكين (2/ 290) . (7) الآداب الشرعية (1/ 39) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2516 الصدقة الصدقة لغة: اسم لما يتصدّق به وهو مأخوذ من مادّة (ص د ق) الّتي تدلّ على قوّة في الشّيء قولا أو غيره، ومن ذلك أخذ الصّدق لقوّته في نفسه، ومن الصّدق أخذت الصّدقة، لأنّها تدلّ على صدق العبوديّة لله- تعالى- والصّدقة ما تصدّقت به على الفقراء (أو المساكين) ، والمتصدّق هو الّذي يعطي الصّدقة، ولا يقال ذلك للّذي يسأل الصدقة ليأخذها، والعامّة تغلط في ذلك، وقال بعض أهل اللّغة: إنّ المتصدّق يقال للاثنين جميعا أي الّذي يعطي الصّدقة والّذي يسألها، والمصدّق يقال به على معنيين: الّذي يصدّقك في حديثك، والّذي يأخذ صدقات الغنم (ونحوها) ، وقول الله- تعالى-: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ (الحديد/ 18) بتشديد الصّاد أصله المتصدّقين فقلبت التّاء صادا وأدغمت في الصّاد، والصّدقة ما أعطيته في ذات الله للفقراء، يقال تصدّق عليه (أعطاه الصّدقة) ، وفي الحديث لمّا قرأ القارأ قوله تعالى وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ (الحشر/ 18) . قال صلّى الله عليه وسلّم: «تصدّق رجل من ديناره، ومن درهمه، ومن ثوبه» ، أي ليتصدّق، لفظه الخبر، ومعناه الأمر كقولهم: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 13/ 31/ 7 أنجز حرّ ما وعد، أي لينجز. ويقال صدّق عليه في معنى تصدّق كما في قوله- عزّ وجلّ- فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (القيامة/ 31) ، وفي حديث الزّكاة لا تؤخذ في الصّدقة هرمة ولا تيس إلّا أن يشاء المصدّق. رويت بفتح الصّاد مخفّفة وبفتح الدّال وكسرها، فعلى رواية فتح الدّال- وهي لأبي عبيد- صاحب الماشية وعلى رواية الكسر- وهي للجمهور- عامل الزّكاة، وقال أبو موسى (المدينيّ) : الرّواية بتشديد الصّاد مفتوحة، وتشديد الدّال مكسورة وهو صاحب المال وأصله المتصدّق، والصّدقة في هذا الحديث هي المفروضة أو الواجبة، قال الرّاغب: وقد يسمّى الواجب صدقة إذا تحرّى صاحبها الصّدق في فعله، قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ (التوبة/ 60) ، ويقال أيضا لما يتجافى عنه الإنسان من حقّه: تصدّق به، وذلك قوله عزّ وجلّ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ (المائدة/ 45) ، وقوله- عزّ من قائل- وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ (البقرة/ 280) . أجرى ما يسامح به المعسر مجرى الصّدقة، وعلى هذا ما ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما تأكله العافية «1» فهو صدقة» ، وقول الله   (1) العافية والعافي كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر. وجمعها العوافي، انظر النهاية (3/ 266) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2517 - عزّ وجلّ- فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (المنافقون/ 10) ويحتمل أن يكون من الصّدق أو من الصّدقة «1» . واصطلاحا: قال الجرجانيّ: هي العطيّة يبتغى بها المثوبة من الله- تعالى- وقال الرّاغب: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة، لكنّ الصّدقة في الأصل تقال للمتطوّع به، والزّكاة للواجب «2» . وقال التّهانويّ: الصّدقة: عطيّة يراد بها المثوبة لا التّكرمة؛ لأنّ بها يظهر الصّدق في العبوديّة، وهي أعمّ من الزّكاة، وقد تطلق عليها أيضا «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الإخلاص التقوى- الإسلام- اليقين- الأمانة- البر- الوفاء- الاستقامة- الطمأنينة- إقامة الشهادة- الزكاة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البخل- الشح الجحود- قطيعة الرحم- الكنز- نكران الجميل] .   (1) بتصرف يسير من المراجع الآتية: مقاييس اللغة، لابن فارس (3/ 339) ، والصحاح للجوهري (4/ 1506) ، ولسان العرب، لابن منظور (ص 2419) (ط. دار المعارف) ، والمفردات، للراغب (ص 278) . (2) التعريفات، للجرجاني 138) ، والمفردات للراغب (278) ، وقارن بالتوقيف على مهمات التعريف، للمناوي (214) . (3) كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي (4/ 260) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2518 الآيات الواردة في «الصدقة» الصدقة بمعنى الكفارة: 1- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «1» 2- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) «2» 3- وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) «3» صدقة التطوع: 4- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) «4» 5- يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) «5» 6*- لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) «6»   (1) البقرة: 196 مدنية (2) النساء: 92 مدنية (3) المائدة: 45 مدنية (4) البقرة: 271 مدنية (5) البقرة: 276 مدنية (6) النساء: 114 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2519 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «1» التصدق بإنظار المعسر: 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) «2» مصارف الزكاة والصدقات: 9- وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) * إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «3» فوائد الصدقة: 10- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «4» التّصدّق من سمات الصالحين والمؤمنين: 11- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) «5» 12- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ   (1) المجادلة: 12- 13 مدنية (2) البقرة: 278- 280 مدنية (3) التوبة: 58- 60 مدنية (4) التوبة: 103- 104 مدنية (5) يوسف: 88 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2520 وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «1» وقت الصدقة: 13- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) «2»   (1) الأحزاب: 35 مدنية (2) المنافقون: 10 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2521 الأحاديث الواردة في (الصدقة) 1- * (عن ابن السّاعديّ المالكيّ أنّه قال: استعملني «1» عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- على الصّدقة. فلمّا فرغت منها، وأدّيتها إليه، أمر لي بعمالة «2» . فقلت: إنّما عملت لله وأجري على الله. فقال: خذ ما أعطيت، فإنّي عملت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعمّلني «3» . فقلت مثل قولك. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل، فكل وتصدّق» ) * «4» . 2- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته ... الحديث وفيه: وأهل الجنّة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال» ... الحديث) * «5» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عمر ابن الخطّاب أصاب أرضا بخيبر فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قطّ أنفس عندي منه، فما تأمر به؟. قال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدّقت بها» . قال: فتصدّق بها عمر أنّه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدّق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرّقاب وفي سبيل الله وابن السّبيل، والضّيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم، غير متموّل. قال (الرّاوي) : فحدّثت به ابن سيرين، فقال: غير متأثّل مالا) * «6» . 4- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّ فاطمة- عليها السّلام- ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألت أبا بكر الصّدّيق بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت، وعاشت بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستّة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر وفدك، وصدقته بالمدينة. فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل به إلّا عملت به، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعبّاس، وأمّا خيبر وفدك، فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانتا لحقوقه الّتي تعروه «7» ونوائبه، وأمرهما إلى وليّ الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم» ) * «8» .   (1) استعملني: أي جعلني عاملا على الصدقة، أي على أخذها وجمعها. (2) بعمالة: أجرة عمل. (3) فعمّلني: أي أعطاني عمالتي وأجرة عملي. (4) مسلم (1045) . (5) مسلم (2865) . (6) البخاري- الفتح 5 (2737) واللفظ له. ومسلم (1632) . وقوله غير متأثل مالا: أي غير جامع مالا. (7) تعروه: التي تقصده لطلب رفده واعتراه أمر أي أصابه. (8) البخاري- الفتح 6 (3092- 3093) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2522 5- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله ذهب أهل الدّثور «1» بالأجور يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم ويتصدّقون بفضول أموالهم. قال: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع «2» أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «3» . 6- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على أمّ مبشّر الأنصاريّة في نخل لها. فقال لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من غرس هذا النّخل؟. أمسلم أم كافر؟» فقالت: بل مسلم. فقال: «لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان، ولا دابّة ولا شيء إلّا كانت له صدقة» ) * «4» . 7- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ المسلم إذا أنفق على أهله نفقة، وهو يحتسبها «5» ، كانت له صدقة «6» » ) * «7» . 8- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله. فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة. فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فتردّ في فقرائهم. فإن هم أطاعوا لذلك، فإيّاك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «8» . 9- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه» ، قال: «ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر. وأحدّثكم حديثا فاحفظوه» ، قال: «إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة، يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو نيّته. فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم   (1) أهل الدثور: أصحاب الأموال. (2) البضع: هو فرج المرأة. ويطلق على الجماع. (3) مسلم (1006) . وردت فيه «أجرا» بالرفع على أنه اسم كان مؤخر، وخبرها الجار والمجرور، وبالنصب على أنه خبر كان واسمها مقدر تقديره كان ذلك أجرا له. (4) مسلم (1552) . (5) أي يقصد بها طلب الثواب. (6) أي يثاب عليها كما يثاب على الصدقة. (7) مسلم (1002) . (8) البخاري- الفتح 3 (1458) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2523 لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «1» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! نبّئني، ما حقّ النّاس منّي بحسن الصّحبة؟ فقال: «نعم. وأبيك! لتنبّأنّ. أمّك؟» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أبوك» قال: نبئّني يا رسول الله عن مالي، كيف أتصدّق فيه؟ قال: «نعم. والله! لتنبّأنّ. أن تصدّق وأنت صحيح شحيح. تأمل العيش وتخاف الفقر. ولا تمهل حتّى إذا بلغت نفسك هاهنا، قلت: مالي لفلان، ومالي لفلان. وهو لهم وإن كرهت» ) * «2» . 11- * (عن المنذر بن جرير عن أبيه؛ قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار أو العباء. متقلّدي السّيوف، عامّتهم من مضر بل كلّهم من مضر. فتمعّر «3» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثمّ خرج. فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلّى ثمّ خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الآية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً، والآية الّتي في الحشر اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) تصدّق رجل من ديناره من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ، ولو بشقّ تمرة. قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثمّ تتابع النّاس، حتّى رأيت كومين من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبة «4» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده. من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «5» . 12- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخازن المسلم الأمين الّذي ينفّذ- وربّما قال يعطي- ما أمر به كاملا موفّرا طيّبا به نفسه فيدفعه إلى الّذي أمر له به أحد المتصدّقين» ) * «6» .   (1) الترمذي (2325) . وقال: هذا حديث حسن صحيح وبعضه عند مسلم (2588) . ورواه أحمد (4/ 231) . (2) ابن ماجة 2 (2706) . والحديث أصله في الصحيحين. (3) فتمعر: انقبض وتغير. (4) مذهبة: قال ابن الأثير هكذا جاء في سنن النسائي وبعض طرق مسلم والرواية بالدال المهملة والنون وقد تقدمت. فإن صحت الرواية فهي من الشيء المذهب وهو المموّه بالذهب أو من قولهم: فرس مذهب إذا علت حمرته صفرة. والأنثى مذهبة وإنما خصّ الأنثى بالذكر لأنها أصفى لونا وأرق بشرة. (5) مسلم (1017) . (6) البخاري- الفتح 3 (1438) واللفظ له. ومسلم (1023) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2524 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه «1» يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل «2» . وشابّ نشأ بعبادة الله «3» . ورجل قلبه معلّق في المساجد «4» . ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه «5» . ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال «6» . فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «7» . 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحرّ والذّكر والأنثى والصّغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلاة) * «8» . 15- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعيذك بالله يا كعب ابن عجرة من أمراء يكونون (من) بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة، الصّلاة برهان، والصّوم جنّة حصينة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار يا كعب بن عجرة! إنّه لا يربو لحم نبت من سحت «9» إلّا كانت النّار أولى به» ) * «10» . 16- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» . قال: قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها «11» وأكثرها ثمنا» . قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا أو تصنع لأخرق «12» » قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك» ) * «13» .   (1) يظلهم الله في ظله: المراد هنا ظل العرش. والمراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين. ودنت منهم الشمس، وأخذهم العرق. ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش. (2) الإمام العادل: هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام. (3) شاب نشأ بعبادة الله: أي نشأ متلبسا للعبادة، أو مصاحبا لها أو ملتصقا بها. (4) ورجل قلبه معلق في المساجد: أي شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد. (5) ورجلان تحابا في الله ... : أي اجتمعا وتفرقا على الله، وكانا صادقين في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما. (6) ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال: أي ذات الحسب، والنسب، والجمال، ومعنى دعته أي دعته إلى الزنا بها. (7) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 3 (1503) واللفظ له. ومسلم (984) . (9) السحت: هو المال الحرام. (10) الترمذي (614) واللفظ له، وقال حديث حسن غريب. وصححه الألباني، صحيح الترمذي (1/ 189) برقم (501) ، والنسائي (7/ 160) . والحاكم في المستدرك (4/ 422) . وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (11) أنفسها عند أهلها: أي أرفعها وأجودها. (12) تصنع لأخرق: الأخرق: هو الذي ليس بصانع. يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء، لمن لا صنعة له. (13) مسلم (84) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2525 17- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ» ) * «1» . 18- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ معروف صدقة» ) * «2» . 19- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة «3» » ) * «4» . 20- * (عن زينب الثّقفيّة امرأة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- قالت: كنت في المسجد فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «تصدّقن ولو من حليّكنّ، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيجزي عنّي أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصّدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمرّ علينا بلال، فقلت: سل النّبيّ: أيجزي عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا لا تخبر بنا. فدخل فسأله، فقال: «من هما؟» قال: زينب. قال: «أيّ الزّيانب؟» قال: امرأة عبد الله. قال: «نعم، ولها أجران: أجر القرابة وأجر الصّدقة» ) * «5» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يتصدّق أحد بتمرة من كسب طيّب، إلّا أخذها الله بيمينه، فيربّيها كما يربّى أحدكم فلوّه أو قلوصه «6» . حتّى تكون مثل الجبل أو أعظم» ) * «7» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس المسكين بهذا الطّوّاف الّذي يطوف على النّاس، فتردّه اللّقمة واللّقمتان. والتّمرة والتّمرتان» . قال: فما المسكين؟ يا رسول الله! قال: «الّذي لا يجد غنى يغنيه. ولا يفطن له. فيتصدّق عليه، ولا يسأل النّاس شيئا» ) * «8» .   (1) الترمذي (2616) . واللفظ له وقال: حسن صحيح وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (3/ 13) ، وابن ماجة (3973) . وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29- 30) : صحيح. (2) البخاري- الفتح 10 (6021) واللفظ له. ومسلم (1005) . (3) مخيلة: التعاجب والتفاخر. (4) النسائي (5/ 79) واللفظ له وحسنه الألباني (صحيح النسائي برقم 2399) . وابن ماجة (3605) . والحاكم في المستدرك (4/ 135) . وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (5) البخاري- الفتح 3 (1466) واللفظ له. ومسلم (1000) . (6) قلوصه: هي الناقة الفتية. (7) البخاري- الفتح 3 (1410) . ومسلم (1014) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 3 (1476) . ومسلم (1039) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2526 23- * (عن المقدام بن معديكرب الزّبيديّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما كسب الرّجل كسبا أطيب من عمل يده. وما أنفق الرّجل على نفسه وأهله وولده وخادمه، فهو صدقة» ) * «1» . 24- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلّا كان له به صدقة» ) * «2» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما نقصت صدقة من مال «3» ، وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا «4» ، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله «5» » ) * «6» . 26- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال عمر- رضي الله عنه-: من يحفظ حديثا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا سمعته يقول: «فتنة الرّجل في أهله وماله وجاره، تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة» ... الحديث» ) * «7» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم» ) * «8» . 28- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يصبح على كلّ سلامى «9» من أحدكم صدقة. فكلّ تسبيحة صدقة. وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة. وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة. ونهي عن المنكر صدقة. ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى» ) * «10» .   (1) ابن ماجة (2138) . وصححه الألباني- صحيح سنن ابن ماجة (1739) . (2) البخاري- الفتح 5 (2320) واللفظ له. ومسلم (1553) . (3) ما نقصت صدقة من مال: ذكروا فيها وجهين: أحدهما معناه أنه يبارك فيه ويدفع عنه المضرات، فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية. وهذا مدرك بالحس والعادة، والثاني: أنّه، وإن نقصت صورته، كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه وزيادة إلى أضعاف كثيرة. (4) وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا: فيه أيضا، وجهان: أحدهما على ظاهره. ومن عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاد عزه وإكرامه. والآخر: شأن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك. (5) وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله: فيه أيضا وجهان: أحدهما يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة، ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه. والآخر: أن المراد ثوابه في الآخرة ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا. قال العلماء: وهذه الأوجه في الألفاظ الثلاثة موجودة في العادة معروفة. وقد يكون المراد الوجهين معا في جميعها. في الدنيا والآخرة. (6) مسلم (2588) . (7) البخاري- الفتح 4 (1895) واللفظ له. ومسلم (144) . (8) البخاري- الفتح 4 (1897) . (9) على كل سلامى: قال النووي: أصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله. (10) مسلم (720) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2527 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصدقة) 29- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاهم. ثم سألوه فأعطاهم. حتّى إذا نفد ما عنده قال: «ما يكن عندي من خير، فلن أدّخره عنكم، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبّره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصّبر» ) * «1» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جآءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: «مالك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا. قال: «فهل تجد إطعام ستّين مسكينا؟» . قال: لا. قال: فمكث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبينما نحن على ذلك أتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرق «2» فيها تمر، قال: «أين السّائل؟» فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدّق به» . فقال الرّجل: على أفقر منّي يا رسول الله! فو الله ما بين لابتيها (يريد الحرّتين) أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت أنيابه، ثمّ قال: «أطعمه أهلك» ) * «3» . 31- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرّة «4» المدينة عشاء ونحن ننظر إلى أحد. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ!» ، قال: قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «ما أحبّ أنّ أحدا ذاك عندي ذهب، أمسى ثالثة عندي منه دينار، إلّا دينارا أرصده لدين، إلّا أن أقول به في عباد الله هكذا (حثا بين يديه) «5» ، وهكذا (عن يمينه) ، وهكذا (عن شماله ... الحديث) * «6» . () من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصدقة) 1- * (عن عمر- رضي الله عنه- أنّ الأعمال تباهت فقالت الصّدقة: أنا أفضلكم) * «7» . 2- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا أمرنا بالصّدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رئاء،   (1) مسلم (1053) . (2) العرق: هو زنبيل منسوج من نسائج الخوص وكل شيء مضفور فهو عرق. (3) البخاري- الفتح 4 (1936) واللفظ له، ومسلم (1111) . (4) في حرة المدينة: هي أرض ذات حجارة سود خارج المدينة. (5) حثا بين يديه: هو من كلام أبي ذر ومعناه: رمى. (6) مسلم (94) . (7) المستطرف للإبشيهي (1/ 10) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2528 فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ الآية (التوبة/ 79) » ) * «1» . 3- * (قال عبد العزيز بن عمير: «الصّلاة تبلّغك نصف الطّريق، والصّوم يبلّغك باب الملك، والصّدقة تدخلك عليه» ) * «2» . 4- * (قال ابن أبي الجعد: «إنّ الصّدقة لتدفع سبعين بابا من السّوء» ) * «3» . 5- * (عن الرّبيع بن خثيم أنّه خرج في ليلة شاتية وعليه برنس خزّ فرأى سائلا فأعطاه إيّاه، وتلا قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92) * «4» . 6- * (قال يحيى بن معاذ: «ما أعرف حبّة تزن جبال الدّنيا إلّا من الصّدقة» ) * «5» . 7- * (قال الشّعبيّ: «من لم ير نفسه إلى ثواب الصّدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته، وضرب بها وجهه» ) * «6» . () من فوائد (الصدقة) (1) طهرة للنّفس، وقربة إلى الله- عزّ وجلّ-. (2) طريق موصل إلى محبّة الله ورضوانه. (3) تثمر سعادة الدّين والدّنيا. (4) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام. (5) حفظ الإنسان في ماله وبدنه. (6) دليل على الزّهد. (7) طاعة لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. (8) باب من أبواب التّكافل الاجتماعيّ. (9) تثمر محبّة النّاس.   (1) البخاري- الفتح 8 (4668) . (2) المستطرف للإبشيهي (1/ 9) . (3) إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 226) . (4) المستطرف للإبشيهي (1/ 9) . (5) المرجع السابق (1/ 10) . (6) المرجع السابق نفسه (1/ 10) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2529 الصفح الصفح لغة: الصّفح مصدر «صفح يصفح» إذا أعرض عن الذّنب وتجاوز عنه، فهو من مادّة (ص ف ح) الّتي تدلّ علي عرض الشّيء، ومن ذلك صفح الشّيء عرضه، والصّفح الجنب، وصفحا كلّ شيء جانباه، وصفحة الرّجل: عرض وجهه. ونظر إليه بصفح وجهه، وصفحه أي بعرضه. وصفح عنه يصفح صفحا: أعرض عن ذنبه فلم يؤاخذه به، وحقيقته: ولّاه صفحة وجهه، وهو صفوح وصفّاح: أي عفوّ. والصّفوح: الكريم لأنّه يصفح عمّن جنى عليه. واستصفحه ذنبه: استغفره إيّاه، وطلب أن يصفح له عنه. وفي حديث عائشة تصف أباها- رضي الله عنهما-: «صفوح عن الجاهلين» أي كثير الصفح والعفو والتّجاوز عنهم. والصّفوح من أبنية المبالغة. وقال الفيروز آباديّ: والصّفح أبلغ من العفو، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح. وصفحت عنه: أوليته صفحة جميلة معرضا عن ذنبه، أو لقيت صفحته متحاميا عنه أو تجاوزت الصّفحة الّتي أثبتّ فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولهم: تصفّحت الكتاب. وقوله تعالى: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ (الزخرف/ 89) أمر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يخفّف على نفسه كفر من كفر. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 11/ 7 وقوله: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (الحجر/ 85) أمر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّجاوز عن جنايات المؤمنين. وقوله: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا (التغابن/ 14) إشارة إلى الآباء والأزواج بالعفو عن الأولاد والعيال. وقوله: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا (النور/ 22) إشارة إلى أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- بالتّجاوز عن ذنب مسطح بن أثاثة فيما أخطأ من الخوض في حديث الإفك «1» . واصطلاحا: قال القرطبيّ- رحمه الله-: الصّفح: إزالة أثر الذّنب من النّفس، صفحت عن فلان، إذا أعرضت عن ذنبه، وقد ضربت عنه صفحا، إذا أعرضت عنه وتركته. وقال الرّاغب: الصّفح: ترك الذّنب «2» . بين العفو والصفح: الصّفح أبلغ من العفو؛ لأنّ الصّفح تجاوز عن الذّنب بالكلّيّة واعتباره كأن لم يكن، أمّا العفو فإنّه يقتضي إسقاط اللّوم والذّمّ فقط، ولا يقتضى حصول الثّواب «3» . [للاستزادة: انظر صفات: العفو- الرأفة- الرحمة السماحة- كظم الغيظ- النبل- الشهامة- الرضا. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الانتقام- سوء المعاملة- الشماتة- العدوان- الحقد- النقمة- البغض] .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 272) ، ولسان العرب، (2/ 512 515) . وبصائر ذوي التمييز (3/ 421- 422) ، والنهاية في غريب الحديث (3/ 34) . (2) الجامع لأحكام القرآن (2/ 71) ، والمفردات للراغب (ص ف ح) . (3) الكليات للكفوي (666) بتصرف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2530 الآيات الواردة في «الصفح» الصفح عن المذنبين من المسلمين: 1- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) «2» الصفح عن أهل الكتاب: 3- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «3» 4- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) «4» الصفح عن المشركين: 5- وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) «5» 6- وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) «6»   (1) النور: 21- 22 مدنية (2) التغابن: 14- 15 مكية (3) البقرة: 109 مدنية (4) المائدة: 12- 13 مدنية (5) الحجر: 85 مكية (6) الزخرف: 88- 89 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2531 الأحاديث الواردة في (الصفح) 1- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ هذه الآية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) قال في التّوراة: يا أيّها النبىّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا «1» للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ «2» ولا غليظ «3» ولا سخّاب بالأسواق «4» ، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبنا غلفا» ) * «5» . 2- * (عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله الجدليّ يقول: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: لم يكن فاحشا ولا متفحّشا ولا صخّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة السّيّئة ولكن يعفو ويصفح) * «6» . () الأحاديث الواردة في (الصفح) معنى 3- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: «أتي الله بعبد من عباده، آتاه الله مالا. فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: ولا يكتمون الله حديثا قال: يا ربّ! آتيتني مالك. فكنت أبايع النّاس. وكان من خلقي الجواز. فكنت أتيسّر على الموسر، وأنظر المعسر. فقال الله: أنا أحقّ بذا منك. تجاوزوا عن عبدي» . فقال عقبة بن عامر الجهنيّ، وأبو مسعود الأنصاريّ: هكذا سمعناه من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «7» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلّا الحدود» ) * «8» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ رجلا كان قبلكم رغسه «9» الله مالا، فقال لبنيه لمّا حضر: أيّ أب كنت لكم؟ قالوا:   (1) حرزا: وعاء حصينا لحفظ الأميين. (2) فظّ: الفظ هو الجافي السيء. (3) غليظ: شديد صعب. (4) سخاب بالأسواق: بمعنى الصياح بصوت عال وهي بالسين والصاد. (5) البخاري الفتح 8 (4838) . (6) أحمد (6/ 174) وأصله عند البخاري ومسلم. وهذا لفظ الترمذي (2016) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (7) مسلم (1560) . (8) أبو داود (4375) وهذا لفظه وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 827) : صحيح، وهو في الصحيحة رقم (638) وصحيح الجامع (1185) . وفي المسند (6/ 186) وقال محقق جامع الأصول (3/ 604) : له شواهد ترقيه إلى الحسن. (9) رغسه: بارك له في ماله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2532 خير أب. قال فإنّي لم أعمل خيرا قطّ، فإذا متّ فأحرقوني، ثمّ اسحقوني، ثمّ ذرّوني في يوم عاصف. ففعلوا. فجمعه الله- عزّ وجلّ- فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك. فتلقّاه برحمته» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تجاوز لأمّتي ما حدّثت به أنفسها «2» ما لم يتكلّموا أو يعملوا به» ) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان الرّجل يداين النّاس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعلّ الله أن يتجاوز عنّا. قال فلقي الله فتجاوز عنه» ) * «4» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أقال مسلما أقال الله عثرته يوم القيامة» ) * «5» . 9- * (عن هيّاج بن عمران البرجميّ: أنّ غلاما لأبيه أبق «6» ، فجعل لله عليه إن قدر عليه ليقطعنّ يده، فلمّا قدر عليه بعثني إلى عمران بن حصين، فسألته فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحثّ في خطبته على الصّدقة وينهى عن المثلة «7» ، مر أباك فليتجاوز عن غلامه، وليكفّر عن يمينه. وبعثني إلى سمرة بن جندب فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحثّ في خطبته على الصّدقة، وينهى عن المثلة، فقال له: فليتجاوز عن غلامه، وليكفّر عن يمينه» ) * «8» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصفح) 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقرّبه بها إليك يوم القيامة» ) * «9» . 11- * (عن عروة بن الزّبير: أنّ أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أخبره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركب على حمار عليه قطيفة فدكيّة «10» وأسامة وراءه يعود سعد بن عبادة في بني حارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، فسارا، حتّى مرّا بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ ابن   (1) البخاري الفتح 6 (3478) واللفظ له. ومسلم (2757) . (2) قال النووي: ضبط العلماء أنفسها بالنصب والرفع. وهما ظاهران. إلا أن النصب أظهر وأشهر. قال القاضي عياض: أنفسها بالنصب. ويدل عليه قوله: إنّ «أحدنا يحدث نفسه» قال: قال الطحاوي: وأهل اللغة يقولون أنفسها بالرفع. يريدون بغير اختيارها. قال تعالى: وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ والله أعلم. (3) البخاري- الفتح 5 (2528) . ومسلم (127) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 6 (3480) . (5) أبو داود رقم (3460) . وابن ماجة رقم (2199) واللفظ له. وقال محقق منتقى مكارم الأخلاق (ص 84) : إسناده صحيح. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 662) : صحيح. (6) أبق: أي هرب من غير خوف من باب (قتل وضرب) . (7) المثلة: العقوبة بقطع طرف من الأطراف. (8) المنتقى من مكارم الأخلاق (88) . (9) البخاري- الفتح 11 (6361) . ومسلم (2601) واللفظ له. (10) فدك: مدينة معروفة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2533 سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبيّ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة. فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «1» خمّر «2» ابن أبيّ أنفه بردائه، وقال: لا تغبّروا علينا، فسلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم، ثمّ وقف، فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد الله بن أبيّ بن سلول: أيّها المرء، لا أحسن ممّا تقول إن كان حقّا، فلا تؤذنا به في مجالسنا، فمن جاءك، فاقصص عليه. قال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا في مجالسنا، فإنّا نحبّ ذلك فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتّى كادوا يتساورون «3» . فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم «4» حتّى سكنوا. ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دابّته، فسار حتّى دخل على سعد بن عبادة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب؟» يريد عبد الله بن أبيّ. قال كذا وكذا. فقال سعد بن عبادة: أي رسول الله، بأبي أنت، اعف عنه واصفح، فو الّذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحقّ الّذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحرة على أن يتوّجوه ويعصّبوه بالعصابة، فلمّا ردّ الله ذلك بالحقّ الّذي أعطاك شرق «5» بذلك. فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله- تعالى- وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ (آل عمران/ 186) الآية. وقال وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ (البقرة/ 109) فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتأوّل في العفو عنهم ما أمره الله به، حتّى أذن له فيهم، فلمّا غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا فقتل الله بها من قتل من صناديد الكفّار وسادة قريش. فقفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه منصورين غانمين معهم أسارى من صناديد الكفّار وسادة قريش. قال ابن أبيّ ابن سلول ومن معه من المشركين عبدة الأوثان: هذا أمر قد توجّه «6» ، فبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام، فأسلموا) * «7» . () من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصفح) 1- * (قال يوسف- عليه السّلام- لإخوته لمّا حضرته الوفاة: «يا إخوتاه، إنّي لم أنتصف لنفسي من مظلمة ظلمتها في الدّنيا، وإنّي كنت أظهر الحسنة، وأدفن السّيّئة. فذلك زادي من الدّنيا، يا إخوتي إنّي شاركت آبائي في صالح أعمالهم، فأشركوني في قبورهم» ) * «8» .   (1) عجاجة الدابة: ما ارتفع من غبار حوافرها. (2) خمّر: غطّى. (3) يتساورون: يتشاجرون ويأخذون برأس بعضهم في العراك. (4) يخفّضهم: يسكّنهم ويهدّئهم. (5) شرق: غصّ أي حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم. (6) هذا أمر توجه: يريدون انطلقت السيادة لمحمد وصحبه فبايعوا لما أفلسوا. (7) البخاري الفتح 10 (6207) واللفظ له. ومسلم (1798) . (8) المنتقى من مكارم الأخلاق (84) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2534 2- * (قال معاوية: «عليكم بالحلم والاحتمال حتّى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصّفح والإفضال» ) * «1» . 3- * (عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: «قلت لأبي يوما: إنّ فضلا الأنماطيّ جاء إليه رجل، فقال: اجعلني في حلّ، قال: لا جعلت أحدا في حلّ أبدا، قال: فتبسّم، فلمّا مضت أيّام، قال: يا بنيّ، مررت بهذه الآية فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (الشورى/ 40) فنظرت في تفسيرها، فإذا هو: إذا كان يوم القيامة قام مناد فنادى: لا يقوم إلّا من كان أجره على الله، فلا يقوم إلّا من عفا فجعلت الميّت في حلّ من ضربه إيّاي، ثمّ جعل يقول: وما على رجل ألّا يعذّب الله بسببه أحدا» ) * «2» . 4- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله-: ذكر الله تعالى في كتابه الصّبر الجميل والصّفح الجميل والهجر الجميل. الصّبر الجميل هو الّذي لا شكوى فيه ولا معه، والصّفح الجميل هو الّذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الّذي لا أذى معه» ) * «3» . 5- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه في قوله- تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ قال: «الرّضا بغير عتاب» ) * «4» . 6- * (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى-: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ الحجر/ 85) قال: هذا الصّفح الجميل كان قبل القتال» ) * «5» . 7- * (قال الطّبريّ عند قوله تعالى وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا (التغابن/ 14) : «وإن تعفوا أيّها المؤمنون عمّا سلف منهم من صدّهم إيّاكم عن الإسلام والهجرة، وتصفحوا لهم عن عقوبتكم إيّاهم على ذلك، وتغفروا لهم غير ذلك من الذّنوب» ) * «6» . () من فوائد (الصفح) (1) الصّفح أعمق من العفو. إذ يزيل الله به أثر الضّغائن. (2) أمر الله المؤمنين بالصّفح حتّى عن ألدّ الأعداء كي يذوقوا حلاوة الإيمان، فيدخلوا فيه. (3) الصّفح من مستلزمات الإحسان، والإحسان أعلى درجات الإيمان. (4) الصّفح يقوّي رابطة التّآخي بين أفراد المجتمع ويجعلهم متحابّين متّحدين. (5) الأمّة الّتي يتحلّى معظم أفرادها بالصّفح، تكون أمّة سعيدة في الدّنيا والآخرة. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.   (1) إحياء علوم الدين (3/ 184) . (2) المرجع السابق (87) . (3) مدارج السالكين (2/ 167) . بتصرف. (4) الدر المنثور (5/ 94) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) جامع البيان (12/ 118) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2535 الصلاة الصلاة لغة: اسم مصدر من قولهم صلّى صلاة وهو مأخوذ من مادّة (ص ل و/ ي) الّتي تدلّ على أمرين: الأوّل: النّار وما أشبهها من الحمّى، والآخر جنس من العبادة، يقول ابن فارس: فأمّا الأوّل فقولهم صليت العود بالنّار، والصّلاة ما يصطلى به وما يذكى به النّار ويوقد. وأمّا الثّاني فالصّلاة هي الدّعاء، يقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصلّ» أي فليدع لهم بالخير والبركة. والصّلاة هي الّتي جاء بها الشّرع من الرّكوع والسّجود وسائر حدود الصّلاة، فأمّا الصّلاة من الله تعالى فالرّحمة، ومن ذلك الحديث: اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى يريد بذلك الرّحمة «1» . أمّا الصّلاة فقال كثير من أهل اللّغة هي الدّعاء والتّبريك والتّمجيد، يقال صلّيت له أي دعوت له وزكّيت ... ، وصلاة الله للمسلمين: هو في التّحقيق تزكيته إيّاهم، قال تعالى: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ (البقرة/ 157) الآيات/ الأحاديث/ الآثار 65/ 178/ 8 والصّلاة من الملائكة هي الدّعاء والاستغفار كما هي من النّاس، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ (الأحزاب/ 56) «2» ، وقال ابن الأثير: وقولنا في التشهّد: الصّلوات لله أي الأدعية الّتي يراد بها تعظيم الله تعالى، هو مستحقّها لا تليق بأحد سواه، وأمّا قولنا: اللهمّ صلّ على محمّد فمعناه عظّمه في الدّنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمّته وتضعيف أجره ومثوبته، وقيل المعنى: لمّا أمر الله بالصّلاة عليه ولم تبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله وقلنا اللهمّ صلّ أنت على محمّد، لأنّك أعلم بما يليق به «3» . وقال الجوهريّ: هي أيضا واحدة الصّلوات المفروضة وهو اسم يوضع موضع المصدر تقول: صلّيت صلاة ولا تقل تصلية، ويقال: صلّيت العصا بالنّار إذا ليّنتها وقوّمتها. والمصلّى: تالي السّابق: يقال صلّى الفرس: إذا جاء مصلّيا وذلك لأنّ رأسه عند صلاه، والصّلا ما   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 300) . (2) المفردات للراغب (285) . (3) النهاية لابن الأثير (3/ 50) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2536 عن يمين الذّنب وشماله، وهما صلوان يقال: أصلت الفرس إذا استرخى صلواها، وذلك إذا قرب نتاجها، والصّلاء بالكسر: الشّواء. لأنّه يصلى بالنّار، يقال صليت اللّحم وغيره أصليه صليا إذا شويته، وفي الحديث أنّه صلّى الله عليه وسلّم أتي بشاة مصليّة أي مشويّة «1» والصّلاء أيضا: صلاء النّار فإن فتحت الصّاد قصرت (حذفت الهمزة) وقلت صلا النّار. وقال ابن منظور: الصّلاة: الرّكوع والسّجود، فأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» . فإنّه أراد لا صلاة فاضلة أو كاملة، والجمع صلوات، والصّلاة الدّعاء والاستغفار، والصّلاة من الله الرّحمة. ومن الصّلاة بمعنى الاستغفار حديث سودة: أنّها قالت يا رسول الله، إذا متنا صلّى لنا عثمان بن مظعون حتّى تأتينا، فقال لها: «إنّ الموت أشدّ ممّا تقدّرين» ، قال شمر: قولها صلّى لنا أي استغفر لنا عند ربّه، وكان عثمان مات حين قالت سودة ذلك، وقال الزّجّاج: الأصل في الصّلاة اللّزوم، يقال: قد صلي واصطلى إذا لزم، ومن هذا من يصلى في النّار أي يلزم النّار «2» . وقال ابن الأثير: وقال بعضهم إنّ أصل الصّلاة في اللّغة التّعظيم، وسمّيت العبادة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرّبّ «3» ، وقال السّهيليّ: إنّ أصل الصّلاة انحناء وانعطاف من الصّلوين ثمّ قالوا صلّى عليه بمعنى انحنى عليه، ثمّ سمّوا الرّحمة حنوّا وصلاة إذا أرادوا المبالغة فيها (أي الرّحمة) فقولك صلّى الله على محمّد أرقّ وأبلغ من قولك رحم الله محمّدا في الحنوّ والعطف، والصّلاة أصلها فى المحسوسات وعبّر بها عن هذا المعنى مبالغة وتأكيدا، ومنه قيل: صلّيت على الميّت دعوت له دعاء من يحنو عليه ولذلك لا تكون الصّلاة بمعنى الدّعاء على الإطلاق، فلا تقول صلّيت على العدوّ أي دعوت عليه وإنّما يقال صلّيت عليه في معنى الحنوّ والرّحمة والعطف؛ لأنّها فعي انعطاف، ومن أجل ذلك عدّيت في اللّفظ ب «على» ولا تقول في الدّعاء إلّا صلّيت له بمعنى دعوت له فتعدّي الفعل باللّام إلّا أن تريد الشّرّ والدّعاء على العدوّ «4» . واصطلاحا: أقوال وأفعال مفتتحة بالتّكبير مختتمة بالتّسليم، بشرائط مخصوصة. على تفصيل لدى المذاهب «5» .   (1) الصحاح (6/ 2402) . (2) لسان العرب (14/ 464، 465) وما بعدها. (3) النهاية لابن الأثير (3/ 50) . (4) انظر في هذا الرأي ومناقشته: الغرابة في الحديث النبوي للبركاوي (178) . (5) الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري وجماعته (1/ 175) . وانظر أيضا الفروع لابن مفلح (1/ 285) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2537 أحوال المصلين: قال ابن القيّم- رحمه الله-: والنّاس في الصّلاة على مراتب خمس: أحدها: مرتبة الظّالم لنفسه المفرّط، وهو الّذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها. الثّاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظّاهرة ووضوئها لكن قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار. الثّالث: من يحافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوّه لئلّا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد. الرّابع: من إذا قام إلى الصّلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلّا يضيّع شيئا منها، بل همّه كلّه مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصّلاة وعبوديّة ربّه تبارك وتعالى فيها. الخامس: من إذا قام إلى الصّلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربّه- عزّ وجلّ- ناظرا بقلبه إليه، مراقبا له ممتلئا من محبّته وعظمته كأنّه يراه ويشاهده، وقد اضمحلّت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربّه، فهذا بينه وبين غيره في الصّلاة أفضل وأعظم ممّا بين السّماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربّه- عزّ وجلّ- قرير العين به. فالقسم الأوّل معاقب، والثّاني محاسب، والثّالث مكفّر عنه، والرّابع مثاب، والخامس مقرّب من ربّه- عزّ وجلّ- «1» . الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وصلاة الله على رسوله: رحمته له وحسن ثنائه عليه. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب/ 56) فالصّلاة من العبد دعاء ومن الملائكة دعاء واستغفار، ومن الله رحمة، وبه سمّيت الصّلاة لما فيها من الدّعاء والاستغفار. وفي الحديث: «التّحيّات لله والصّلوات..» قال أبو بكر: الصّلوات معناها التّرحّم. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ (الأحزاب/ 56) أي يترحّمون. وتكون الصّلاة بمعنى الدّعاء: وفي الحديث قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصلّ» . قوله: فليصلّ: يعني فليدع لأرباب الطّعام بالبركة والخير. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ صلاة صلّت   (1) الوابل الصيب (38- 39) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2538 عليه الملائكة عشرا» . وكلّ داع فهو مصلّ «1» . وأمّا قولنا: اللهمّ صلّ على محمّد، فمعناه عظّمه في الدّنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمّته، وتضعيف أجره ومثوبته «2» . وقيل: المعنى لمّا أمرنا الله سبحانه بالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم ولمّا نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله، اللهمّ صلّ أنت على محمّد، لأنّك أعلم بما يليق به. وهذا الدّعاء قد اختلف فيه هل يجوز إطلاقه على غير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو لا؟. والصّحيح أنّه خالص له، ولا يقال لغيره. وقال الخطّابيّ: الصّلاة الّتي بمعنى التّعظيم والتّكريم لا تقال لغيره، والّتي بمعنى الدّعاء والتّبريك تقال لغيره. ومنه: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» أي ترحّم وبارك «3» . معنى صلاة الله والملائكة والإنس والجن: قال ابن الأعرابيّ: الصّلاة من الله رحمة، ومن المخلوقين (الملائكة والإنس والجنّ) : القيام والرّكوع والسّجود والدّعاء والتّسبيح. والصّلاة من الطّير والهوامّ التّسبيح «4» . وقيل: أصلها في اللّغة التّعظيم، وسمّيت الصّلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرّبّ تعالى وتقديسه. وقوله في التّشهّد: «الصّلوات لله» أي الأدعية الّتي يراد بها تعظيم الله هو مستحقّها لا تليق بأحد سواه. من معاني كلمة «الصلاة» في القرآن الكريم: وقد ورد لفظ الصّلاة في القرآن على أوجه منها: 1- بمعنى الدّعاء: إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (التوبة/ 103) . 2- بمعنى الاستغفار: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ (الأحزاب/ 56) . 3- بمعنى الرّحمة: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ (الأحزاب/ 43) . 4- بمعنى صلاة الخوف وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (النساء/ 102) . 5- بمعنى صلاة الجنازة: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (التوبة/ 84) . 6- بمعنى صلاة السّفر: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (النساء/ 101) . 7- بمعنى صلاة الأمم الماضية: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ (مريم/ 31) . 8- بمعنى كنائس اليهود: وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ   (1) لسان العرب (14/ 465) ، وجلاء الأفهام لابن القيم (106- 107) . (2) بصائر ذوي التمييز (3/ 436- 438) . (3) لسان العرب (14/ 466) . (4) تهذيب اللغة (12/ 237) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2539 (الحج/ 40) . 9- بمعنى الصّلوات الخمس: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ (البقرة/ 43 وفي غيرها) . 10- بمعنى الإسلام: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (القيامة/ 31) أي لا أسلم «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإيمان التقوى- الطاعة- العبادة- الاستقامة- القنوت الضراعة والتضرع- الذكر- الخشوع- الخشية- الخوف- الفرار إلى الله- تلاوة القرآن- تعظيم الحرمات- التوسل- السكينة- الطمأنينة- اليقين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: ترك الصلاة- العصيان- الكفر- الفسوق- انتهاك الحرمات- الأمن من المكر- التخاذل- الإلحاد- الزندقة- اتباع الهوى- المجاهرة بالمعصية- الشرك- الإعراض التفريط والإفراط- التهاون- الكسل- اللهو واللعب- الكبر والعجب- الفجور- الهجر- الغي والإغواء] .   (1) بصائر ذوي التمييز: 3/ 436-، 438 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2540 الآيات الواردة في «الصلاة» إقامة الصلاة صفة المؤمنين: 1- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) «1» 2- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «2» 3- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «3» 4- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «4» 5- * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا   (1) البقرة: 1- 4 مدنية (2) البقرة: 40- 43 مدنية (3) البقرة: 83 مدنية (4) البقرة: 109- 110 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2541 عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «1» 6- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «2» 7- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «3» 8- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) «4» 9- وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) «5» 10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) «6»   (1) البقرة: 177 مدنية (2) البقرة: 238- 239 مدنية (3) البقرة: 277 مدنية (4) النساء: 77 مدنية (5) النساء: 159- 162 مدنية (6) المائدة: 6 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2542 11- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «1» 12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «2» 13- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) «3» 14- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) «4» 15- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92) «5» 16- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ   (1) المائدة: 55- 58 مدنية (2) المائدة: 90- 91 مدنية (3) المائدة: 106 مدنية (4) الأنعام: 71- 72 مكية (5) الأنعام: 91- 92 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2543 وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «1» 17- وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) «2» 18- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «3» 19- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «4» 20- فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) «5» 21- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «6» 22- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «7» 23- وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) «8» 24- وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «9»   (1) الأنعام: 161- 163 مكية (2) الأعراف: 170 مكية (3) الأنفال: 2- 4 مدنية (4) التوبة: 5 مدنية (5) التوبة: 11- 12 مدنية (6) التوبة: 17- 18 مدنية (7) التوبة: 71 مدنية (8) يونس: 87 مكية (9) الرعد: 22- 24 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2544 25- قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) «1» 26- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) «2» 27- قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) «3» 28- وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) «4» 29- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) «5» 30- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) «6» 31- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «7» 32- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5)   (1) إبراهيم: 31 مكية (2) الإسراء: 78 مكية (3) الإسراء: 110 مكية (4) الأنبياء: 73 مكية (5) الحج: 34- 35 مدنية (6) الحج: 39- 41 مدنية (7) الحج: 78 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2545 إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «1» 33- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «2» 34- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) «3» 35- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «4» 36- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «5»   (1) المؤمنون: 1- 11 مكية (2) النور: 36- 38 مكية (3) النور: 55- 58 مدنية (4) النمل: 1- 3 مكية (5) الروم: 30- 32 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2546 37- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1» 38- يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «2» 39- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) «3» 40- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «4» 41- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «5» 42- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) «6» 43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)   (1) لقمان: 1- 5 مكية (2) لقمان: 17- 19 مكية (3) الأحزاب: 32- 33 مدنية (4) فاطر: 18 مكية (5) فاطر: 29- 30 مكية (6) الشورى: 36- 39 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2547 أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «1» 44- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) «2» 45- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «3» 46- أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) «4» 47- وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) «5» الصلاة خير عون في الدنيا والدين: 48- وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «6» 49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (15) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ   (1) المجادلة: 12- 13 مدنية (2) الجمعة: 9- 11 مدنية (3) المزمل: 20 مكية (4) العلق: 9- 14 مكية (5) البينة: 5 مدنية (6) البقرة: 45- 46 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2548 صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «1» 50- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «2» 51- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) «3» 52- اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) «4» 53- * إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «5» 54- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) «6» الصلاة شريعة قديمة بقدم النبيين: 55- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)   (1) البقرة: 153- 157 مدنية (2) المائدة: 12 مدنية (3) هود: 114 مكية (4) العنكبوت: 45 مكية (5) المعارج: 19- 35 مكية (6) الأعلى: 14- 15 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2549 قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (41) «1» 56- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «2» 57- قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) «3» 58- وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) «4» 59- وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132) «5» شروط يجب توافرها في الصلاة: 60- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «6» من أنواع الصلاة «صلاة الخوف» : 61- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101)   (1) آل عمران: 38- 41 مدنية (2) إبراهيم: 35- 41 مكية (3) مريم: 30- 31 مكية (4) مريم: 55- 56 مكية (5) طه: 132 مكية (6) النساء: 43 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2550 وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «1» صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم رحمة وسكن؛ لذا يجب الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم: 62- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) «2» 63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) «3» 64- إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) «4» الصلاة مثار سخرية الكافرين: 65- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) «5»   (1) النساء: 101- 103 مدنية (2) التوبة: 103 مدنية (3) الأحزاب: 41- 43 مدنية (4) الأحزاب: 56 مدنية (5) هود: 87 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2551 الأحاديث الواردة في (الصلاة) مرتبة حسب الموضوعات مشروعية الصلاة: 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «فرض الله الصّلاة حين فرضها ركعتين ركعتين، في الحضر والسفر، فأقرّت صلاة السّفر، وزيد في صلاة الحضر» ) * «1» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- في حديث الإسراء قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ففرض الله على أمّتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتّى مررت على موسى فقال: ما فرض الله لك على أمّتك؟ قلت: «فرض خمسين صلاة» . قال: فارجع إلى ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فراجعني فوضع شطرها. فرجعت إلى موسى، قلت: «وضع شطرها» ، فقال: راجع ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. «فراجعت» ، فوضع شطرها. فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. «فراجعته» . فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدّل القول لديّ. فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربّك. فقلت: «استحييت من ربّي» . ثمّ انطلق بي حتّى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي. ثمّ أدخلت الجنّة، فإذا فيها حبايل اللّؤلؤ، وإذا ترابها المسك» ) * «2» . أهمية الصلاة ووجوبها: 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لوفد عبد القيس: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله، هل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلّا الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وتعطوا من المغنم الخمس. وأنهاكم عن أربع: لا تشربوا في الدّبّاء «3» والنّقير «4» والظّروف المزفّتة «5» والحنتمة «6» » ) * «7» . 4- * (عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلّا الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصيام رمضان، وحجّ البيت» ) * «8» . 5- * (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- أنّ رجلا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجد ثائر «9» الرّأس، يسمع دويّ صوته، ولا يفقه ما يقول،   (1) البخاري- الفتح 1 (350) واللفظ له. ومسلم (685) . (2) البخاري- الفتح 1 (349) واللفظ له. ومسلم (163) . (3) الدباء: القرع، واحدها دباءة كانوا ينتبذون فيها فتسرع الشدة في الشراب. (4) النقير: أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر. (5) المزفتة: هي آنية مطلية بالزفت وهو نوع من القار. (6) الحنتمة: جرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة. (7) البخاري- الفتح 13 (7556) واللفظ له. ومسلم (17) . ونحوه عند ابن خزيمة (307) . (8) البخاري- الفتح 1 (8) . ومسلم (16) واللفظ له. (9) ثائر الرأس: منتفش الشعر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2552 حتّى دنا. فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس صلوات في اليوم واللّيلة» . فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إلّا أن تطوّع» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وصيام رمضان» . قال: هل عليّ غيره؟ قال: «لا، إلّا أن تطوّع» ، قال: وذكر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الزّكاة، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إلّا أن تطوّع» ، قال: فأدبر الرّجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح إن صدق» ) * «1» . 6- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة والنّصح لكلّ مسلم» ) * «2» . 7- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثّياب. شديد سواد الشّعر. لا يرى عليه أثر السّفر. ولا يعرفه منّا أحد. حتّى جلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه. وقال: يا محمّد، أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا» قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدّقه. قال: فأخبرني عن الإيمان: قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشرّه» قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» . قال: فأخبرني عن السّاعة. قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل» . قال: فأخبرني عن أمارتها. قال: «أن تلد الأ مة ربّتها. وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشّاء، يتطاولون في البنيان» . قال: ثمّ انطلق. فلبثت مليّا. ثمّ قال لي: «يا عمر، أتدري من السّائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّه جبريل. أتاكم يعلّمكم دينكم» ) * «3» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: حدّثني أبو سفيان في حديث هرقل فقال: «يأمرنا (يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) بالصّلاة والصّدق والعفاف والصّلة «4» ... الحديث» ) * «5» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «إذا توضّأ أحدكم في بيته ثمّ أتى المسجد كان في صلاة حتّى يرجع فلا يقل هكذا: وشبّك بين أصابعه» ) * «6» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب   (1) البخاري- الفتح 1 (46) ، واللفظ له، ومسلم (11) . (2) البخاري- الفتح 2 (524) واللفظ له، ومسلم (56) متفق عليه. (3) مسلم (8) . (4) العفاف: هو الكف عن الحرام والسؤال من الناس. (5) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له. ومسلم (1773) . (6) المستدرك 1/ 206 عن طريق عبد الوارث، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قال الذهبي في التلخيص على شرطهما واللفظ له، وأخرجه ابن خزيمة (439) وقال الأعظمي: إسناده صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2553 أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمسا ما تقول ذلك يبقي من درنه «1» ؟» قالوا: لا يبقي من درنه شيئا. قال: «فذلك مثل الصّلوات الخمس يمحو الله به «2» الخطايا» ) * «3» 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. ولقد هممت أن آمر بالصّلاة فتقام. ثمّ آمر رجلا، فيصلّي بالنّاس، ثمّ أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصّلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار» ) * «4» . 12- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أدلّكم على ما يكفّر الله به الخطايا ويزيد في الحسنات؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «إسباغ الوضوء في المكاره «5» . وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة. ما منكم من رجل يخرج من بيته فيصلّي مع الإمام ثمّ يجلس ينتظر الصّلاة الأخرى إلّا والملائكة تقول: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه» ) * «6» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلّاه ينتظر الصّلاة، وتقول الملائكة: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه، حتّى ينصرف أو يحدث» . قلت: ما يحدث؟ قال: «يفسو، أو يضرط» ) * «7» . فضل الصلاة: 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الصّلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفّارة لما بينهنّ ما لم تغش الكبائر» ) * «8» . 15- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ، قال: ولم يسأله عنه «9» ، قال وحضرت الصّلاة فصلّى مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة قام إليه الرّجل. فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا فأقم فيّ كتاب الله. قال: «أليس قد صلّيت معنا؟» . قال: نعم. قال: «فإنّ الله قد غفر لك ذنبك» . أو قال: «حدّك» ) * «10» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار. ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون:   (1) الدرن: الوسخ. (2) ورواية مسلم «بهن» . (3) البخاري- الفتح 2 (528) واللفظ له. ومسلم (667) . (4) البخاري- الفتح 2 (644) . مسلم (651) واللفظ له ملاحظة: كرر هذا الحديث تحت عنوان صلاة الجماعة. حيث يدخل هنا وهناك. (5) المكاره: جمع مكره وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه. (6) مسلم (251) نحوه. وابن خزيمة برقم (357) واللفظ له، والمستدرك 1/ 191-، 192 (7) مسلم (649) واللفظ له. وابن خزيمة (360) . (8) مسلم (233) . وقوله «ما لم تغش الكبائر» أي ما لم تقصد. (9) لم يسأله عنه: أي لم يستفسره. (10) البخاري- الفتح 12 (6823) واللفظ له. ومسلم (2765) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2554 تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون» ) * «1» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «حبّب إليّ من الدّنيا النّساء والطّيب. وجعل قرّة عيني في الصّلاة» ) * «2» . 18- * (عن رجل من الصّحابة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا بلال! أقم الصّلاة، أرحنا بها» ) * «3» . شروط صحة الصلاة: (1) النّيّة. (2) الإسلام. (3) العقل. (4) التّمييز. (5) الوضوء. (6) طهارة البدن والثّوب والمكان. (7) ستر العورة. (8) دخول الوقت. (9) استقبال القبلة. 19- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» ) * «4» . حكم ترك الصلاة 20- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمن تركها فقد كفر» ) * «5» . 21- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يعقل» ) * «6» . 22- * (عن سبرة بن معبد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «علّموا الصّبيّ الصّلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر» ) * «7» . 23- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص   (1) البخاري- الفتح 2 (555) . مسلم (632) متفق عليه. (2) النسائي (7/ 62) وحسنه الألباني 3 (3680) . قال في المستدرك (2/ 160) : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وأحمد (3/ 128) واللفظ له. (3) أبو داود (4985) واللفظ له. وسكت عنه المنذري، وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 392) فيه إسنادان جيدان بعد ذكر الحديث. (فاسترحت) قال في النهاية: كان اشتغاله بالصلاة راحة له فإنه كان يعدّ غيرها من الأعمال الدنيوية تعبا فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى (2/ 274) . وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 4171) . صحيح وهو في المشكاة (1253) . وقال محقق جامع الأصول (6/ 263) : إسناده صحيح. (4) البخاري- الفتح 1 (1) واللفظ له. مسلم (1907) . (5) الترمذي (5/ 2621) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. والنسائي (1/ 231، 232) . والحاكم (1/ 7) وقال: حديث صحيح الإسناد لا نعرف له علة ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول: (5/ 203، 204) وهو حديث صحيح. (6) الترمذي (1423) ، وقال عنه: حديث حسن غريب والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم. وأبو داود (4403) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (3/ 506، 611) : وإسناده حسن ويشهد له حديث عائشة، وهو حديث صحيح بطرقه وحديث ابن عباس بمعناه أيضا. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 833) : صحيح. (7) الترمذي (407) وقال: حديث حسن صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2555 - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع» ) * «1» . الطّهارة: 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتّى يتوضّأ» ) * «2» . 25- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه دعا بوضوء فتوضّأ، فغسل كفّيه ثلاث مرّات، ثمّ مضمض واستنثر «3» ، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرّات، ثمّ غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرّات، ثمّ غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرّات، ثمّ غسل اليسرى مثل ذلك، ثمّ قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ قام فركع ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه «4» ، غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «5» . 26- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة. وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى النّاس عامّة» ) * «6» . 27- * (عن عائشة- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره حتّى إذا كنّا بالبيداء (أو بذات الجيش) «7» انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التماسه، وأقام النّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى النّاس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التّحرّك إلّا مكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التّيمّم، فتيمّموا، فقال أسيد بن الحضير (وهو أحد النّقباء) : ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت: فبعثنا البعير الّذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته) * «8» . 28- * (عن أبي جهيم بن الحارث بن الصّمّة   (1) أبو داود (495) وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن. (5/ 187) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 1 (135) . ومسلم (225) واللفظ له. (3) واستنثر: الاستنثار: هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق. (4) لا يحدث فيهما نفسه: أي بأمر من أمور الدنيا، ولو عرض له حديث فأعرض عنه بمجرد عروضه عفي عن ذلك. (5) البخاري- الفتح 1 (159) . ومسلم 1 (226) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 1 (335) واللفظ له. ومسلم (521) . (7) بالبيداء أو بذات الجيش: موضعان بين المدينة وخيبر. (8) البخاري- الفتح 7 (3672) . ومسلم (367) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2556 الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من نحو بئر جمل «1» فلقيه رجل فسلّم عليه فلم يردّ عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثمّ ردّ عليه السّلام) * «2» . 29- * (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلمّا رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاته، قال: «ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟» قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ جبريل صلّى الله عليه وسلّم أتاني فأخبرني أنّ فيهما قذرا» . وقال: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه، وليصلّ فيهما» ) * «3» . 30- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى أعرابيّا يبول في المسجد، فقال: «دعوه، حتّى إذا فرغ دعا بماء فصبّه عليه» ) * «4» . 31- * (عن أمّ حبيبة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ أخاها معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- سألها: هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في الثّوب الّذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى» ) * «5» . 32- * (عن جرهد- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أبصره وقد انكشف فخذه في المسجد وعليه بردة، فقال: «إنّ الفخذ من العورة» ) * «6» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يصلّ أحدكم في الثّوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء» ) * «7» . 34- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقبل صلاة الحائض إلّا بخمار» ) * «8» .   (1) من نحو بئر جمل: أي من جانب ذلك الموضع. وبئر جمل موضع بقرب المدينة. (2) البخاري- الفتح 1 (337) واللفظ له. ومسلم (369) . (3) أبو داود (650) واللفظ له، رجاله ثقات خرج لهم الشيخان إلا أبا نعامة السعدي؛ فإنه ثقة خرج له مسلم فقط. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 128) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (5/ 445) : إسناده صحيح. (4) البخاري- الفتح 1 (219) واللفظله. ومسلم (284) . (5) أبو داود (366) واللفظ له. والنسائي (1/ 155) ، وذكره البخاري في ترجمة باب (1/ 555) في الصلاة، باب وجوب الصلاة في الثياب، وفي الثوب الذي يجامع فيه ما لم ير فيه أذى قال محقق جامع الأصول (5/ 443) : صححه ابن حبان وابن خزيمة. (6) أبو داود (4014) . وقال الألباني (2/ 758) : صحيح وخرجه في الإرواء (1/ 297- 298) ، الترمذي (2798) وقال: هذا حديث حسن. والحاكم (4/ 180) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (7) البخاري- الفتح 1 (359) . ومسلم (516) واللفظ له. (8) أبو داود (641) . الترمذي 2 (377) واللفظ له، قال: وقوله: الحائض يعني المرأة البالغ يعني إذا حاضت. وقال: حديث عائشة حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم: أن المرأة إذا أدركت فصلت، وشيء من شعرها مكشوف، لا تجوز صلاتها، والحاكم (1/ 251) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2557 أوقات الصلاة: 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للصّلاة أوّلا وآخرا. وإنّ أوّل وقت صلاة الظّهر: حين تزول الشّمس، وآخر وقتها: حين يدخل وقت العصر. وإنّ أوّل وقت صلاة العصر: حين يدخل وقتها، وإنّ آخر وقتها: حين تصفرّ الشّمس. وإنّ أوّل وقت المغرب: حين تغرب الشّمس، وإنّ آخر وقتها: حين يغيب الأفق. وإنّ أوّل وقت العشاء: حين يغيب الأفق، وإنّ آخر وقتها: حين ينتصف اللّيل. وإنّ أوّل وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإنّ آخر وقتها: حين تطلع الشّمس» ) * «1» . 36- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: «الصّلاة على وقتها» ، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ برّ الوالدين» ، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ الجهاد في سبيل الله» . قال: حدّثني بهنّ، ولو استزدته لزادني) * «2» . 37- * (سئل أبو برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي المكتوبة؟ فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي الهجير- الّتي تدعونها الأولى- حين تدحض الشّمس «3» ، ويصلّي العصر، ثمّ يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة، والشّمس حيّة، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحبّ أن يؤخّر من العشاء الّتي تدعونها العتمة، وكان يكره النّوم قبلها، والحديث بعدها. وكان ينفتل من صلاة الغداة «4» حين يعرف الرّجل جليسه، يقرأ بالسّتّين إلى المائة) * «5» . 38- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-، قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي الظّهر بالهاجرة، والعصر والشّمس نقيّة، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحيانا وأحيانا، إذا رآهم اجتمعوا عجّل، وإذا رآهم أبطأوا أخّر، والصّبح كانوا أو كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّيها بغلس «6» ) * «7» . 39- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أعتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة بالعشاء حتّى رقد النّاس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطّاب فقال: الصّلاة. قال عطاء: قال ابن عبّاس: فخرج نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم- كأنّي أنظر إليه الآن- يقطر رأسه ماء واضعا يده على رأسه فقال: «لولا أن أشقّ على أمّتى لأمرتهم أن يصلّوها هكذا» ) * «8» . 40- * (عن عن عائشة- رضي الله عنها-   (1) الترمذي (151) واللفظ له، وقال: في الباب عن عبد الله بن عمرو، ورواية أخرى عن الأعمش عن مجاهد، قال: كان يقال إن للصلاة أولا وآخرا فذكر نحو القول بمعناه، وقال محقق جامع الأصول: وهو حديث حسن (5/ 214) . ورواه أيضا مالك في الموطأ (1/ 8) والنسائي (1/ 925 و250) . (2) البخاري- الفتح 2 (527) . ومسلم (85) واللفظ له. (3) تدحض الشمس: أي تزول عن وسط السماء. (4) ينفتل من صلاة الغداة: أي يرجع من صلاة الصبح. (5) البخاري- الفتح 2 (547) واللفظ له. ومسلم (647) . (6) بغلس: الغلس: ظلمة آخر الليل. (7) البخاري- الفتح 2 (560) واللفظ له. ومسلم (646) . (8) البخاري- الفتح 2 (571) واللفظ له. ومسلم (642) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2558 قالت: لقد كان نساء من المؤمنات يشهدن الفجر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متلفّعات «1» بمروطهنّ «2» ، ثمّ ينقلبن إلى بيوتهنّ وما يعرفن من تغليس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالصّلاة) * «3» . 41- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، شغل عنها ليلة فأخّرها حتّى رقدنا في المسجد، ثمّ استيقظنا، ثمّ رقدنا، ثمّ استيقظنا، ثمّ خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصّلاة غيركم» ) * «4» . 42- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الّذي تفوته صلاة العصر كأنّما وتر «5» أهله وماله» ) * «6» . 43- * (عن ابن عمارة بن رؤيبة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها» يعني الفجر والعصر) * «7» . 44- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى البردين «8» دخل الجنّة» ) * «9» . 45- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنّا نصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شدّة الحرّ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه، فسجد عليه) * «10» . 46- * (عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا عن الصّلاة «11» ، فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم «12» » ) * «13» . 47- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: بينما النّاس بقباء في صلاة الصّبح إذ جاءهم آت فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أنزل عليه اللّيلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشّام، فاستداروا إلى الكعبة) * «14» . 48- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي نحو بيت المقدس فنزلت قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً   (1) متلفعات: ملتحفات. (2) المروط: أكسية معلمة تكون من خز وتكون من صوف. (3) البخاري- الفتح 2 (578) . ومسلم (645) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 2 (570) واللفظ له. ومسلم (642) . (5) وتر: سلب ونقص: أي أصيب بأهله وماله. (6) البخاري- الفتح 2 (552) . ومسلم (626) واللفظ له. (7) مسلم (634) . (8) البردين: أي الفجر والعصر. (9) البخاري- الفتح 2 (574) ومسلم واللفظ له (635) عن أبي بكر عن أبيه. (10) البخاري- الفتح 3 (1208) . ومسلم (620) واللفظ له 8 (11) أبردوا عن الصلاة: أي أخروها إلى أن يبرد الوقت. (12) فيح جهنم: أي سطوع حرها وانتشاره، وغليانها. (13) البخاري- الفتح 2 (534) واللفظ له. ومسلم (615) . (14) البخاري- الفتح 1 (403) واللفظ له. ومسلم (526) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2559 تَرْضاها (البقرة/ 144) فمرّ رجل من بني سلمة، وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلّوا ركعة فنادى: ألا إنّ القبلة قد حوّلت، فمالوا كما هم نحو القبلة) * «1» . 49- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أقبلت راكبا على حمار أتان «2» ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام «3» ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي بالنّاس، بمنى، إلى غير جدار، فمررت بين بعض الصّفّ فنزلت وأرسلت الأتان ترتع «4» ودخلت في الصّفّ، فلم ينكر ذلك عليّ أحد) * «5» . 50- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من النّاس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنّما هو شيطان» ) * «6» . 51- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجليّ، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) * «7» . 52- * (عن أبي جهيم بن الصّمّة الأنصاريّ رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو يعلم المارّ بين يدي المصلّي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين، خيرا له من أن يمرّ بين يديه» قال أبو النّضر: لا أدري قال: أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة) * «8» . الأذان والإقامة: 53- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا نودي للصّلاة أدبر الشّيطان، وله ضراط حتّى لا يسمع التّأذين، فإذا قضي النّداء أقبل، حتّى إذا ثوّب «9» بالصّلاة أدبر، حتّى إذا قضي التّثويب أقبل، حتّى يخطر «10» بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا- لما لم يكن يذكر- حتّى يظلّ الرّجل لا يدري كم صلّى» ) * «11» . 54- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا كثر النّاس قال ذكروا أن يعلموا وقت الصّلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن يوروا «12» نارا أو يضربوا ناقوسا، فأمر بلال أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة) * «13» . 55- * (عن عمر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا قال المؤذّن: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. ثمّ قال:   (1) وللبخاري نحوه من حديث ابن عمر (4493) في الفتح، ومسلم (527) واللفظ له. وابن خزيمة بلفظ متقارب (430) . (2) أتان: الأنثى من جنس الحمير. (3) ناهزت الاحتلام: قاربت البلوغ. (4) ترتع: ترعى. (5) البخاري- الفتح 1 (493) واللفظ له. ومسلم (504) . (6) البخاري- الفتح 1 (509) واللفظ له. ومسلم (505) . (7) البخاري- الفتح 1 (513) . (8) البخاري- الفتح 1 (510) . ومسلم (507) واللفظ له. (9) ثوب: التثويب هاهنا: إقامة الصلاة. (10) يخطر: أي يوسوس. (11) البخاري- الفتح 2 (608) واللفظ له. ومسلم (389) . (12) يوروا: يشعلوا النار ويوقدوا لها. (13) البخاري- الفتح 2 (606) واللفظ له. ومسلم (378) بلفظ (ينوّروا) بدل (يوروا) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2560 أشهد أنّ محمّدا رسول الله، قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله. ثمّ قال: حيّ على الصّلاة، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: حيّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: الله أكبر، الله أكبر. قال: الله أكبر، الله أكبر. ثمّ قال: لا إله إلّا الله، قال: لا إله إلّا الله، من قلبه دخل الجنّة» ) * «1» . 56- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ، فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا، ثمّ سلوا الله لي الوسيلة، فإنّها منزلة في الجنّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت «2» له الشّفاعة» ) * «3» . 57- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة، آت محمّدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته. حلّت له شفاعتي يوم القيامة» ) * «4» . 58- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصّلاة، وعليكم بالسّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا» ) * «5» . القراءة في الصلاة: 59- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- كانوا يفتتحون الصّلاة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وفي رواية: صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ولمسلم: «صلّيت خلف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر، وعمر، وعثمان- رضي الله عنهم- فكانوا يستفتحون ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في أوّل قراءة ولا في آخرها) * «6» . 60- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ) * «7» . 61- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصّلاة «8» بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرّحمن الرّحيم، قال   (1) مسلم (385) . وابن خزيمة (417) باللفظ نفسه (2) حلت: وجبت. (3) البخاري عن أبي سعيد 2 (611) إلى قوله «ما يقول المؤذن» . ومسلم (384) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 2 (614) . (5) البخاري- الفتح 2 (636) واللفظ له. ومسلم (602) . (6) البخاري- الفتح 2 (743) إلى قوله «رب العالمين» . ومسلم (399) بلفظ قريب من هذا. (7) البخاري- الفتح 2 (756) . ومسلم (394) متفق عليه. (8) الصلاة هنا: يراد بها الفاتحة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2561 الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي، (وقال مرّة: فوّض إليّ عبدي) ، فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل» ) * «1» . 62- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت أصلّي في المسجد فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله! إنّي كنت أصلّي، فقال: «ألم يقل الله اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ؟» (الأنفال/ 24) ثمّ قال لي: «لأعلّمنّك سورة هي أعظم السّور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» ثمّ أخذ بيدي، فلمّا أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلّمنّك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هي السّبع المثاني والقرآن العظيم الّذي أوتيته» ) * «2» . 63- * (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في الرّكعتين الأوليين من صلاة الظّهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطوّل في الأولى ويقصّر في الثّانية، ويسمع الآية أحيانا. وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطوّل في الرّكعة الأولى في صلاة الصّبح ويقصّر في الثّانية) * «3» . 64- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لمعاذ: «لولا صلّيت ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ووَ الشَّمْسِ وَضُحاها ووَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى فإنّه يصلّي وراءك الكبير والضّعيف وذو الحاجة» ) * «4» . 65- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في سفر، فصلّى العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الرّكعتين ب وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه) * «5» . 66- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث رجلا على سريّة، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. فلمّا رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «سلوه، لأيّ شيء يصنع ذلك؟» . فسألوه فقال: «لأنّها صفة الرّحمن- عزّ وجلّ-، فأنا أحبّ أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخبروه أنّ الله- تعالى- يحبّه» ) * «6» .   (1) مسلم (395) . (2) البخاري- الفتح 8 (4474) ، وانظر تعليق ابن حجر (8/ 7) على هذا الحديث. (3) البخاري- الفتح 2 (759) واللفظ له. ومسلم (451) . (4) البخاري- الفتح 2 (705) واللفظ له. ومسلم (465) . (5) البخاري- الفتح 2 (769) ولم يذكر (كان في سفر) . ومسلم (464) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 2 (774) نحوه. ومسلم (813) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2562 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصلاة) (وفيها جميع الأركان والهيئات تامة) 67-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ما صلّيت وراء إمام قطّ أخفّ صلاة ولا أتمّ من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإن كان ليسمع بكاء الصّبيّ فيخفّف مخافة أن تفتن أمّه) * «1» . 68- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كبّر في الصّلاة سكت هنيّة «2» قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمّي! أرأيت سكوتك بين التّكبير والقراءة ما تقول؟ قال: «أقول: اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهمّ! نقّني من خطاياي كما ينقّى الثّوب الأبيض من الدّنس، اللهمّ! اغسلني من خطاياي بالماء والثّلج والبرد» ) * «3» . 69- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصّلاة، وإذا كبّر للرّكوع، وإذا رفع رأسه من الرّكوع، رفعهما كذلك، وقال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السّجود) * «4» . 70- * (عن أبي حميد السّاعدي- رضي الله عنه- قال: كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأيته إذا كبّر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثمّ هصر «5» ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتّى يعود كلّ فقار «6» مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الرّكعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الرّكعة الآخرة قدّم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته) * «7» . 71- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستفتح الصّلاة بالتّكبير والقراءة ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوّبه «8» ، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الرّكوع لم يسجد حتّى يستوي قائما، وكان إذا رفع رأسه من السّجدة لم يسجد حتّى يستوي جالسا، وكان يقول في كلّ ركعتين التّحيّة، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن   (1) البخاري- الفتح 2 (708) . (2) هنية: أي قليلا من الزمان. (3) البخاري- الفتح 2 (744) . ومسلم (598) . (4) البخاري- الفتح 2 (735) . ومسلم 1 (390) . (5) هصر ظهره: أي ثناه إلى الأرض. (6) الفقار: جمع فقرة وهي خرزات الظهر. (7) البخاري- الفتح 2 (828) . (8) لم يشخص رأسه ولم يصوبه: الإشخاص هو الرفع، ولم يصوبه: أي يخفضه خفضا بليغا بل يعدل فيه بين الإشخاص والتصويب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2563 عقبة «1» الشّيطان، وينهى أن يفترش الرّجل ذراعيه افتراش السّبع، وكان يختم الصّلاة بالتّسليم) * «2» . 72- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام إلى الصّلاة يكبّر حين يقوم، ثمّ يكبّر حين يركع، ثمّ يقول: «سمع الله لمن حمده» ، حين يرفع صلبه من الرّكوع، ثمّ يقول وهو قائم: «ربّنا ولك الحمد» ، ثمّ يكبّر حين يهوي، ثمّ يكبّر حين يرفع رأسه، ثمّ يكبّر حين يسجد، ثمّ يكبّر حين يرفع رأسه، ثمّ يفعل مثل ذلك في الصّلاة كلّها حتّى يقضيها، ويكبّر حين يقوم من المثنى «3» بعد الجلوس) * «4» . 73- * (عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير قال: صلّيت خلف عليّ بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبّر، وإذا رفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الرّكعتين كبّر، فلمّا قضى الصّلاة أخذ بيدي عمران بن حصين، فقال: قد ذكّرني هذا صلاة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، أو قال: لقد صلّى بنا صلاة محمّد صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . 74- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: رمقت «6» الصّلاة مع محمّد صلّى الله عليه وسلّم فوجدت قيامه، فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السّجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التّسليم والانصراف قريبا من السّواء. وفي رواية البخاريّ: ما خلا القيام والقعود قريبا من السّواء) * «7» . 75- * (عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرميّ البصريّ قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال: إنّي لأصلّي بكم وما أريد الصّلاة، أصلّي كيف رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي، فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلّي؟ قال: مثل شيخنا هذا، قال: وكان شيخنا يجلس إذا رفع رأسه من السّجود قبل أن ينهض في الرّكعة الأولى) * «8» . 76- * (عن عبد الله بن مالك بن بحينة- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا صلّى «9» فرّج بين يديه حتّى يبدو بياض إبطيه) * «10» . 77- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس في الصّلاة افترش رجله اليسرى، ونصب رجله اليمنى) * «11» .   (1) وعقبة الشيطان: أن يجلس على مقعدته وينصب ساقيه. (2) مسلم (498) . (3) من المثنى: أي من الشفع من الركعتين. (4) البخاري- الفتح 2 (789) . ومسلم (392) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 2 (786) واللفظ له. ومسلم (393) . (6) رمقت الصلاة: أي أطلت النظر إليها. (7) البخاري- الفتح 2 (792 و801 و820) . ومسلم (471) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 2 (677) . (9) أي في السجود. (10) البخاري- الفتح 2 (807) . (11) ابن خزيمة (691) وقال مخرجه: إسناده صحيح. والنسائي نحوه (4/ 126) ، وصحيحه (1/ 193، 194) برقم (856) . وعند البخاري- الفتح 2 (827) من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- نحوه، و (828) من حديث أبي حميد الساعدي نحوه أيضا. واللفظ لابن خزيمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2564 78- * (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) * «1» . واجبات الصلاة: 79- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دخل المسجد فدخل رجل فصلّى، ثمّ جاء فسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليه السّلام، فقال: «ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ» ، فصلّى، ثمّ جاء فسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ارجع فصلّ؛ إنّك لم تصلّ (ثلاثا) » ، فقال: والّذي بعثك بالحقّ فما أحسن غيره فعلّمني. قال «إذا قمت إلى الصّلاة، فكبّر، ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن، ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا، ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائما، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا، ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا، ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها» ) * «2» . 80- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التّشهّد، كفّي بين كفّيه، كما يعلّمني السّورة من القرآن. وفي لفظ فإذا قعد أحدكم في الصّلاة فليقل: «التّحيّات لله، والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين، فإذا قالها أصابت كلّ عبد لله صالح، في السّماء والأرض. أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يتخيّر من المسألة ما شاء» ) * «3» . 81- * (عن كعب بن عجرة رضي الله عنه- أنّه لقي عبد الرّحمن بن أبي ليلى، فقال له: ألا أهدي لك هديّة؟ إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» ) * «4» . 82- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجزأ صلاة من لا يقيم صلبه في الرّكوع والسّجود» ) * «5» . الإمامة في الصلاة: 83- * (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «6» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رفيقا، فلمّا ظنّ أنّا قد اشتهينا أهلنا (أو قد اشتقنا) سألنا عمّن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال:   (1) البخاري- الفتح 1 (516) واللفظ له. ومسلم (543) . (2) البخاري- الفتح 2 (793) واللفظ له. ومسلم (397) . (3) البخاري- الفتح 2 (831، 835) . ومسلم (402) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 11 (6357) واللفظ له. ومسلم (406) . (5) ابن خزيمة (591) واللفظ له، وقال محققه: إسناده صحيح. وابن ماجة (870) بلفظ (لا يقيم الرجل فيها) . (6) شببة: أي شبان واحدهم شاب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2565 «ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلّموهم، ومروهم- وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها- وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم» ) * «1» . 84- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم» ) * «2» . ولمسلم: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسوّي صفوفنا حتّى كأنّما يسوّي بها القداح «3» ، حتّى رأى أنّا قد عقلنا عنه، ثمّ خرج يوما فقام حتّى كاد يكبّر، فرأى رجلا باديا صدره من الصّفّ، فقال: «عباد الله لتسوّنّ صفوفكم، أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم» ) * «4» . 85- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سوّوا صفوفكم، فإنّ تسوية الصّفوف من تمام الصّلاة» ) * «5» . 86- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه أنّ جدّته مليكة دعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لطعام صنعته فأكل منه، ثمّ قال: «قوموا فأصلّي لكم» . قال أنس ابن مالك: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس «6» فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصففت أنا واليتيم «7» وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين، ثمّ انصرف) * «8» . 87- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أما يخشى الّذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار» ) * «9» . 88- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قال: «سمع الله لمن حمده» . لم يحن أحد منّا ظهره حتّى يقع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساجدا، ثمّ نقع سجودا بعده» ) * «10» . 89- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربّنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون» ) * «11» . 90- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فإنّه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «12» .   (1) البخاري- الفتح 2 (631) واللفظ له. ومسلم (674) . (2) البخاري- الفتح 2 (717) . (3) القداح: جمع قدح، وهو السهم الذي كانوا يقتسمون به، أو الذي يرمى به عن القوس. (4) مسلم (436) . (5) البخاري- الفتح 2 (723) . ومسلم (433) واللفظ له. (6) ما لبس: إن لبس كل شيء بحسبه واللبس هنا بمعنى الافتراش. (7) اليتيم: هو (ضمير بن مسعد الحميريّ) . (8) البخاري- الفتح 1 (380) . ومسلم (658) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 2 (691) . ومسلم (427) واللفظ له. (10) البخاري- الفتح 2 (690) . مسلم (474) متفق عليه. (11) البخاري- الفتح 2 (722) . مسلم (414) واللفظ له. (12) البخاري- الفتح 2 (780) . مسلم (410) متفق عليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2566 صلاة الجماعة: 91- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ «1» بسبع وعشرين درجة» ) * «2» . 92- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرّجل في الجماعة تضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا. وذلك أنّه إذا توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ خرج إلى المسجد لا يخرجه إلّا الصّلاة، لم يخط خطوة «3» إلّا رفعت له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلّى لم تزل الملائكة تصلّي عليه ما دام في مصلّاه. اللهمّ صلّ عليه، اللهمّ ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصّلاة» ) * «4» . 93- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت «5» أن آمر بالصّلاة فتقام، ثمّ آمر رجلا، فيصلّي بالنّاس، ثمّ أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصّلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار» ) * «6» . 94- * (وعنه- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثمّ آمر بالصّلاة فيؤذّن لها، ثمّ آمر رجلا، فيؤمّ النّاس، ثمّ أخالف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم، والّذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنّه يجد عرقا «7» سمينا أو مرماتين «8» حسنتين لشهد العشاء» ) * «9» 95- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي لأتأخّر عن صلاة الصّبح من أجل فلان، ممّا يطيل بنا، قال: فما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غضب في موعظة قطّ أشدّ ممّا غضب يومئذ، فقال: «يا أيّها الناس، إنّ منكم منفّرين، فأيّكم أمّ النّاس فليوجز، فإنّ من ورائه الكبير والصّغير وذا الحاجة» ) * «10» . 96- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل بناضحين «11» (وقد جنح اللّيل) فوافق معاذا يصلّي، فترك ناضحه، وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة، أو النّساء، فانطلق الرّجل،   (1) والفذّ: أي الفرد. (2) البخاري- الفتح 2 (645) . ومسلم (650) واللفظ له. (3) خطوة: بضم الخاء ويجوز الفتح. وقيل: الخطوة بالضم: ما بين القدمين، وبالفتح: المرة الواحدة. (4) البخاري- الفتح 2 (647) واللفظ له. ومسلم (649) . (5) هممت: من هم بالأمريهم إذا عزم عليه. (6) البخاري- الفتح 2 (657) و13 (7224) . ومسلم (651) واللفظ له. وقد سبق هذا الحديث برقم (11) في هذه الصفة في بيان أهمية الصلاة، وأعيد هنا لبيان فضل صلاة الجماعة. (7) العرق: بالسكون، العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم (بفتح العين) كما ضبطها الحافظ ابن حجر في الفتح. (8) مرماتين: أي ما بين ظلفي الشاة، يريد حقارته (9) البخاري- الفتح 1 (644) واللفظ له. ومسلم (651، 652) . (10) البخاري- الفتح 2 (704) . ومسلم (466) واللفظ له. (11) النواضح: جمع ناضح وهي الإبل التي يستقى عليها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2567 وبلغه أنّ معاذا نال منه، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكا إليه معاذا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا معاذ، أفتّان أنت- أو أفاتن- ثلاث مرار، فلولا صلّيت بسبّح اسم ربّك، والشّمس وضحاها، واللّيل إذا يغشى، فإنّه يصلّي وراءك الكبير والضّعيف وذو الحاجة» ) * «1» . 97- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» . فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهنّ. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّا سيّئا، ما سمعته سبّه مثله قطّ، وقال: أخبرك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقول: والله لنمنعهنّ؟. وفي لفظ آخر: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ) * «2» . الخشوع والطمأنينة في الصلاة: 98- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى في خميصة «3» لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلمّا انصرف، قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانيّة «4» أبي جهم، فإنّها ألهتني آنفا عن صلاتي» وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: «كنت أنظر علمها وأنا في الصّلاة فأخاف أن تفتنني» ) * «5» . 99- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما. ثمّ انصرف، فقال: «يا فلان، ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلّي إذا صلّى كيف يصلّي؟ فإنّما يصلّي لنفسه، إنّي والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يديّ» ) * «6» . 100- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الالتفات في الصّلاة، فقال: «هو اختلاس «7» يختلسه الشّيطان من صلاة العبد» ) * «8» . من مبطلات الصلاة: 101- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: كنّا نتكلّم في الصّلاة، يكلّم الرّجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصّلاة حتّى نزلت وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ «9» فأمرنا بالسّكوت، ونهينا عن الكلام) * «10» . مكروهات الصلاة: 102- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا وضع العشاء وأقيمت الصّلاة فابدأوا بالعشاء» وعن ابن عمر نحوه) * «11» . ولمسلم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:   (1) البخاري- الفتح 2 (705) واللفظ له. ومسلم 2 (465) . (2) البخاري- الفتح 2 (865) . ومسلم (442) واللفظ له.. (3) خميصة لها أعلام: كساء مربع مخطط بألوان مختلفة. (4) الأنبجانية: بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الباء كساء غليظ ليس له أعلام، منسوبة إلى بلد تسمى أنبجان. (5) البخاري- الفتح 1 (373) واللفظ له. ومسلم (556) . ملاحظة: هذا الحديث يدخل في مكروهات الصلاة أيضا. (6) البخاري- الفتح 2 (741) . ومسلم (423) واللفظ له. (7) اختلاس: الأخذ نهبة وسلبا. (8) البخاري- الفتح 2 (751) . (9) سورة البقرة: آية، 238 وقال الراغب: القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع. (10) البخاري- الفتح 3 (1200) . ومسلم (539) واللفظ له. (11) البخاري- الفتح 2 (671) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2568 سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا صلاة بحضرة الطّعام، ولا هو يدافعه الأخبثان» «1» . 103- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «اعتدلوا في السّجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» ) * «2» . 104- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلاتهم؟ فاشتدّ قوله في ذلك حتّى قال: لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفنّ أبصارهم» ) * «3» . 105- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته. وإنّه أتي بقدر فيها خضرات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: «قرّبوها» إلى بعض أصحابه، فلمّا رآه كره أكلها، قال: «كل. فإنّي أناجي من لا تناجي» ) * «4» . الأوقات التي ينهى عن الصلاة فيها: 106- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: شهد عندي رجال مرضيّون، وأرضاهم عندي عمر، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الصّلاة بعد الصّبح حتّى تشرق الشّمس، وبعد العصر حتّى تغرب) * «5» . 107- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا صلاة بعد الصّبح حتّى ترتفع الشّمس، ولا صلاة بعد العصر حتّى تغيب الشّمس» ) * «6» . وعند مسلم «بعد صلاة الفجر حتّى تطلع الشّمس» . قضاء ما فات من الصلاة: 108- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نسي صلاة فليصلّ إذا ذكرها، لا كفّارة لها إلّا ذلك (وتلا قوله تعالى) : وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه/ 14) . ولمسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفّارتها أن يصلّيها إذا ذكرها» ) * «7» . 109- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشّمس، فجعل يسبّ كفّار قريش، قال: يا رسول الله، ما كدت أصلّي العصر حتّى كادت الشّمس تغرب، قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «والله ما صلّيتها، فقمنا إلى بطحان «8» ، فتوضّأ للصّلاة وتوضّأنا لها، فصلّى العصر بعد ما غربت الشّمس، ثمّ صلّى بعدها المغرب» ) * «9» . 110- * (عن معاذة قالت: سألت عائشة   (1) مسلم (560) والأخبثان: البول والغائط. (2) البخاري- الفتح 2 (822) واللفظ له. ومسلم (493) . (3) البخاري- الفتح 2 (750) واللفظ له. ومسلم (428) عن جابر بن سمرة نحوه (429) عن أبي هريرة نحوه. (4) البخاري- الفتح 9 (5452) . ومسلم (564) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 2 (581) واللفظ له. ومسلم (826) . (6) البخاري- الفتح 2 (586) واللفظ له. ومسلم (827) . (7) البخاري- الفتح 2 (597) واللفظ له. ومسلم (684) . (8) بطحان: واد بالمدينة. (9) البخاري- الفتح 2 (596) واللفظ له. ومسلم (631) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2569 - رضي الله عنها- فقلت: ما بال الحائض تقضي الصّوم ولا تقضي الصّلاة؟. فقالت: أحروريّة أنت؟ «1» . فقالت: لست بحروريّة ولكنّي أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصّوم ولا نؤمر بقضاء الصّلاة) * «2» . الأذكار في الصلاة وبعدها: 111- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت، أنت ربّي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها، لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك! وسعديك! والخير كلّه في يديك، والشّرّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخّي وعظمي وعصبي» . وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت، وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» ، ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به منّي، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلّا أنت» ) * «3» . 112- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منذ نزل عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يصلّي صلاة إلّا دعا أو قال فيها: «سبحانك ربّي وبحمدك، اللهمّ اغفر لي» . وفي لفظ: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي» ) * «4» . 113- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله تعالى عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: علّمني دعاء أدعو به في صلاتي. قال: «قل: اللهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنّك أنت الغفور الرّحيم» ) * «5» .   (1) أحرورية أنت: نسبة إلى حروراء قرية بقرب الكوفة كان أول اجتماع الخوارج بها، ومعنى قول عائشة- رضي الله عنها- إن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الفائتة في زمن الحيض وهو خلاف إجماع المسلمين. (2) البخاري- الفتح 1 (321) . ومسلم (335) واللفظ له. (3) مسلم (771) . (4) البخاري- الفتح 2 (794) . ومسلم (484) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 2 (834) واللفظ له. ومسلم (2705) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2570 114- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رفع الصّوت بالذّكر حين ينصرف النّاس من المكتوبة، كان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . قال ابن عبّاس: كنت أعلم إذا انصرفوا، بذلك إذا سمعته. وفي لفظ: ما كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا بالتّكبير. 115- * (عن ورّاد مولى المغيرة بن شعبة، قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة- في كتاب إلى معاوية-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دبر كلّ صلاة مكتوبة: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» ) * «2» . 116- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله! ذهب أهل الدّثور بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم، فقال: «وما ذاك؟» قالوا: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون ولا نتصدّق، ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلا أعلّمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم؟ ولا يكون أحد أفضل منكم إلّا من صنع مثل ما صنعتم» قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «تسبّحون وتكبّرون وتحمدون، دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين مرّة» ، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» . قال سميّ: فحدّثت بعض أهلي هذا الحديث فقال: وهمت إنّما قال: تسبّح الله ثلاثا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثا وثلاثين، وتكبّر الله ثلاثا وثلاثين. فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك، فأخذ بيدي فقال: قل: الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، حتّى تبلغ من جميعهنّ ثلاثا وثلاثين) * «3» . 117- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النّار ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدّجّال» . وفي لفظ لمسلم: «إذا فرغ أحدكم من التشّهّد الآخر فليتعوّذ بالله من أربع: من عذاب جهنّم، ومن عذاب القبر. ومن فتنة المحيا والممات. ومن شرّ المسيح الدّجّال» ) * «4» .   (1) البخاري- الفتح 2 (841، 842) . ومسلم (583) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 2 (844) واللفظ له. ومسلم (593) . (3) البخاري- الفتح (843) نحوه. ومسلم (595) واللفظ له. وقال النووي: وذكر من طرق غير طريق أبي صالح أنه يسبح ثلاثا وثلاثين مستقلة ويكبر ثلاثا وثلاثين مستقلة، ويحمد كذلك. وهذا ظاهر الأحاديث. انظر مسلم بشرح النووي. (4) البخاري- الفتح 3 (1377) واللفظ الأول له. ومسلم (588) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2571 سجود السهو: 118- * (عن عبد الله بن بحينة، قال: صلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين من بعض الصّلوات، ثمّ قام فلم يجلس. فقام النّاس معه، فلمّا قضى صلاته ونظرنا تسليمه: كبّر. فسجد سجدتين وهو جالس قبل التّسليم ثمّ سلّم) * «1» . 119- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إحدى صلاتي العشيّ «2» - قال محمّد: وأكثر ظنّي أنّها العصر- ركعتين، ثمّ سلّم، ثمّ قام إلى خشبة في مقدّم المسجد، فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- فهابا أن يكلّماه، وخرج سرعان «3» النّاس، فقالوا: أقصرت الصّلاة؟ ورجل يدعوه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذا اليدين، فقال: أنسيت أم قصرت؟ فقال: «لم أنس، ولم تقصر» قال: بلى، قد نسيت، فصلّى ركعتين ثمّ سلّم، ثمّ كبّر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثمّ رفع رأسه فكبّر، ثمّ وضع رأسه فكبّر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثمّ رفع رأسه وكبّر) * «4» . صلاة الجمعة: 120- * (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهّر ما استطاع من طهر، ويدّهن من دهنه، أو يمسّ من طيب بيته، ثمّ يخرج فلا يفرّق بين اثنين، ثمّ يصلّي ما كتب له، ثمّ ينصت إذا تكلّم الإمام إلّا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» ) * «5» . 121- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنة «6» ، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة، فكأنّما قرّب كبشا أقرن «7» ، ومن راح في السّاعة الرّابعة، فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة، فكأنّما قرّب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» ) * «8» . 122- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: الم تَنْزِيلُ- السجدة- وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ. وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون) * «9» . 123- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا   (1) البخاري- الفتح 3 (1224) . ومسلم 1 (570) واللفظ له. (2) العشي: ما بين زوال الشمس إلى غروبها. (3) السرعان: المسرعون إلى الخروج. (4) البخاري- الفتح 3 (1229) . واللفظ له. ومسلم (573) . ظاهر هذا الحديث أن سجود السهو بعد السلام ما قبله، وقد حمله الشافعي على أنه وقوعه بعد السلام كان نسيانا لا عمدا. ينظر: مسلم بشرح النووي. (5) البخاري- الفتح 2 (883) . (6) قرب بدنة: معنى قرب تصدق والبدنة كما قال الجمهور: يقع على الواحدة من الإبل والبقر والغنم. وسميت بذلك لعظم بدنها والمراد هنا الإبل. (7) كبشا أقرن: والكبش الأقرن هو ذو القرن. (8) البخاري- الفتح 2 (881) . ومسلم (850) واللفظ له. (9) مسلم (879) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2572 يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلّي يسأل الله تعالى شيئا إلّا أعطاه إيّاه» ، وأشار بيده يقلّلها) * «1» . 124- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب النّاس يوم الجمعة، فقال: «أصلّيت يا فلان؟» قال: لا. قال: «قم، فاركع ركعتين» وفي رواية: «فصلّ ركعتين» ) * «2» . 125- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قلت: لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» ) * «3» . 126- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة قائما. ثمّ يجلس. ثمّ يقوم. قال: كما تفعلون اليوم) * «4» . 127- * (عن سلمة بن الأكوع وكان من أصحاب الشّجرة) - رضي الله عنه- قال: كنّا نصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الجمعة ثمّ ننصرف وليس للحيطان ظلّ نستظلّ فيه) «5» . وفي لفظ: (كنّا نجمّع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا زالت الشّمس، ثمّ نرجع نتتبّع الفيء «6» ) * «7» . 128- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة، بيد «8» أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثمّ هذا يومهم الّذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالنّاس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنّصارى بعد غد» ) * «9» . 129- * (عن أبي حازم بن دينار: أنّ رجالا أتوا سهل بن سعد السّاعديّ، وقد امتروا «10» في المنبر ممّ عوده؟ فسألوه عن ذلك فقال: والله إنّي لأعرف ممّ هو، ولقد رأيته أوّل يوم وضع، وأوّل يوم جلس عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «11» إلى فلانة- امرأة سمّاها سهل- مري غلامك النّجّار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليهنّ إذا كلّمت النّاس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة «12» ، ثمّ جاء بها فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمر بها فوضعت هاهنا. ثمّ رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى عليها، وكبّر وهو عليها، ثمّ ركع وهو عليها، ثمّ نزل القهقرى «13» فسجد في أصل المنبر ثمّ عاد، فلمّا فرغ أقبل على النّاس فقال: «أيّها الناس إنّما صنعت هذا لتأتمّوا ولتعلموا صلاتي» ) * «14» . 130- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-   (1) البخاري- الفتح 2 (935) واللفظ له. ومسلم (852) . (2) البخاري- الفتح 2 (930) . (3) البخاري- الفتح 2 (934) . ومسلم (851) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 2 (920) بلفظ قريب منه، (928) . ومسلم (861) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 7 (4168) . (6) نتتبع الفيء: أي نتطلب مواقع الظل. (7) مسلم (860) . (8) بيد: غير. (9) البخاري- الفتح 2 (876) واللفظ له. ومسلم (855) . (10) امتروا: من الامتراء وهو المجادلة. (11) هذه الزيادة من نسخة الفتح ط. الباز، وبها يستقيم المعنى. (12) طرفاء الغابة: شجر من شجر الغابة مثل الأثل وأعظم منه، والغابة هنا موضع من عوالي المدينة جهة الشام. وفي الأصل الشجر الملتف. (13) القهقري: المشي إلى الخلف. (14) البخاري- الفتح 2 (917) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2573 قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سجدتين قبل الظّهر وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة، فأمّا المغرب والعشاء ففي بيته. وفي رواية عن حفصة: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر وكانت ساعة لا أدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها) * «1» . 131- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على شيء من النّوافل أشدّ منه تعاهدا على ركعتي الفجر. وفي لفظ لمسلم: «ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها» ) * «2» . 132- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» ) * «3» . 133- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان يسبّح على الرّاحلة قبل أيّ وجه توجّه، ويوتر عليها، غير أنّه لا يصلّي عليها المكتوبة. وفي رواية: كان يوتر على البعير. ولمسلم أيضا: غير أنّه لا يصلّي عليها المكتوبة) * «4» . صلاة الليل والوتر: 134- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة ثمّ مضى، فقلت: يصلّي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النّساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسّلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ، ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» ، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» ، ثمّ قام طويلا قريبا ممّا ركع، ثمّ سجد، فقال: «سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه. قال: وفي حديث جرير من الزّيادة: فقال: «سمع الله لمن حمده. ربّنا لك الحمد» ) * «5» . 135- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه رقد عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستيقظ (يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) فتسوّك وتوضّأ وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) فقرأ هؤلاء الآيات حتّى ختم السّورة، ثمّ قام فصلّى ركعتين فأطال فيهما القيام والرّكوع والسّجود، ثمّ انصرف فنام حتّى نفخ، ثمّ فعل ذلك ثلاث مرّات ستّ ركعات، كلّ ذلك يستاك ويتوضّأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثمّ أوتر بثلاث، فأذّن المؤذّن فخرج إلى الصّلاة وهو يقول: «اللهمّ! اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من   (1) البخاري- الفتح 3 (1172، 1173) . (2) البخاري- الفتح 3 (1163) واللفظ له. ومسلم (725) في اللفظ الآخر. (3) البخاري- الفتح 1 (444) . ومسلم 1 (714) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 2 (1098) واللفظ له. ومسلم (700) . (5) مسلم (772) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2574 خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، اللهمّ أعطني نورا» ) * «1» . 136- * (عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله عنه- أنّه قال: لأرمقنّ «2» صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّيلة، فصلّى ركعتين خفيفتين، ثمّ صلّى ركعتين طويلتين. طويلتين. طويلتين، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين. وهما دون اللّتين قبلهما ثمّ أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة) * «3» . 137- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى حتّى انتفخت «4» قدماه، فقيل له: أتكلّف هذا؛ وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؛ فقال: «أفلا أكون عبدا شكورا» ) * «5» . 138- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت ذات ليلة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قيل له وما ذاك الأمر؟ قال: هممت أن أجلس وأتركه صلّى الله عليه وسلّم) * «6» . 139- * (سئلت عائشة- رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان ينام أوّل اللّيل ويحيي آخره، ثمّ إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثمّ ينام، فإذا كان عند النّداء الأوّل (قالت) وثب، (ولا والله! ما قالت: قام) فأفاض عليه الماء، (ولا والله! ما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد) وإن لم يكن جنبا توضّأ وضوء الرّجل للصلاة، ثمّ صلّى الرّكعتين) * «7» . 140- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يعقد الشّيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على مكان كلّ عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلّت عقدة، فإن توضّأ انحلّت عقدة، فإن صلّى انحلّت عقدة، فأصبح نشيطا طيّب النّفس، وإلّا أصبح خبيث النّفس كسلان» ) * «8» . 141- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا قال: يا رسول الله كيف صلاة اللّيل؟ قال: «مثنى مثنى، فإذا خفت الصّبح فأوتر بواحدة» ) * «9» . 142- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي من اللّيل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلّا في   (1) البخاري- الفتح 2 (699) . ومسلم (763) واللفظ له. (2) لأرمقن: يقال: رمقه بعينه رمقا، إذا أطال النظر إليه أي لأطيلنّ النظر إلى صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (3) مسلم (765) . (4) انتفخت: أي تورمت، وشدة التورم يصاحبها التشقق. (5) البخاري- الفتح 3 (1130) . ومسلم (2819) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 3 (1135) بلفظ (أذر) بدل (أقعد) . وابن ماجة (1418) واللفظ له. (7) مسلم 1 (739) . (8) البخاري- الفتح 3 (1142) واللفظ له. ومسلم (776) . (9) البخاري- الفتح 3 (1137) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2575 آخرها) * «1» . 143- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا فاتته الصّلاة من اللّيل من وجع أو غيره صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة) * «2» . 144- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: من كلّ اللّيل «3» قد أوتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أوّل اللّيل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السّحر) * «4» . 145- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبّر ويرفع رأسه «سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد» ، ثمّ يقول وهو قائم: «اللهمّ أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعيّاش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين ... » ) الحديث) * «5» . صلاة العيدين: 146- * (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- قالت: أمرنا (تعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) أن نخرج في العيدين، العواتق «6» وذوات الخدور «7» ، وأمر الحيّض «8» أن يعتزلن مصلّى المسلمين. وفي لفظ: كنّا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتّى نخرج البكر من خدرها، وحتّى نخرج الحيّض فيكنّ خلف النّاس، فيكبّرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته) * «9» . 147- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: خطبنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم النّحر قال: إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلّي ثمّ نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنّتنا، ومن ذبح قبل أن يصلّي فإنّما هو لحم عجّله لأهله ليس من النّسك في شيء، فقام خالي أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله، أنا ذبحت قبل أن أصلّي، وعندي جذعة خير من مسنّة قال: «اجعلها مكانها» أو قال: اذبحها- «ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك» ) * «10» . 148- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم العيد فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثمّ قام متوكّئا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثّ على طاعته، ووعظ النّاس، وذكّرهم، ثمّ مضى. حتّى أتى النّساء.   (1) البخاري- الفتح 3 (1140) مع اختلاف في آخره. ومسلم (737) واللفظ له. (2) مسلم (746) . (3) من كل الليل: أي: من كل أجزاء الليل. من أوله وأوسطه وآخره. (4) مسلم (745) . (5) البخاري- الفتح 2 (797) نحوه و8 (4560) . ومسلم (675) واللفظ له. (6) العواتق: جمع عاتق وهي الجارية البالغة أو التي قاربت البلوغ. (7) الخدور: البيوت، وقيل الخدر ستر يكون في ناحية البيت (8) الحيض: جمع حائض، مثل راكع وركع. (9) البخاري- الفتح 2 (971) واللفظ الثاني له. ومسلم (890) واللفظ الأول له. (10) البخاري- الفتح 2 (968) . ولعل مرجع هذه الخصوصية أنه كان قد ذبح قبل الصلاة فإجزاء الجذعة من المعز عنه أشبه بالرخصة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2576 فوعظهنّ وذكّرهنّ، فقال: «تصدّقن فإنّ أكثركنّ حطب جهنّم» ، فقامت امرأة من سطة «1» النّساء سفعاء «2» الخدّين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنّكنّ تكثرن الشّكاة «3» وتكفرن العشير «4» » قال: فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ، يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ «5» وخواتمهنّ» ) * «6» . 149- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر يصلّون العيدين قبل الخطبة) * «7» . صلاة المسافرين: 150- * (عن أبي جحيفة (وهب بن عبد الله السّوائيّ) - رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة وهو بالأبطح في قبّة له حمراء من أدم «8» قال: فخرج بلال بوضوئه، فمن نائل وناضح «9» ، قال: فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليه حلّة حمراء. كأنّي أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فتوضّأ وأذّن بلال، قال: فجعلت أتتبّع فاه هاهنا وهاهنا، (يقول يمينا وشمالا) يقول حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح، قال ثمّ ركزت له عنزة «10» فتقدّم فصلّى الظّهر ركعتين يمرّ بين يديه الحمار والكلب، لا يمنع، ثمّ صلّى العصر ركعتين، ثمّ لم يزل يصلّي ركعتين حتّى رجع إلى المدينة) * «11» . 151- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: فرض الله الصّلاة على لسان نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم في الحضر أربعا وفي السّفر ركعتين وفي الخوف ركعة) * «12» . 152- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان لا يزيد في السّفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك رضي الله عنهم-) * «13» . 153- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجمع بين صلاة الظّهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء) * «14» .   (1) من سطة النساء: من خيارهن والوسط العدل والخيار. (2) سفعاء الخدين: السفعة: وزان غرفة: سواد مشرب بحمرة. (3) الشكاة: الشكوى. (4) العشير: الزوج. (5) أقرطتهن: جمع قرط، وهو ما علق بشحمة الأذن من ذهب وغيره. (6) مسلم (885) . وروى البخاري قريبا منه، انظر الفتح 2 (961) . (7) مسلم 888) واللفظ له. وعند البخاري نحوه، انظر الفتح 2 (957) . وبلفظه عن ابن عباس، الفتح 2 (962) . (8) الأدم: الجلد. (9) فمن نائل وناضح: فمنهم من ينال منه شيئا ومنهم من ينضح عليه غيره شيئا مما ناله، ويرش عليه بللا مما حصل له. (10) عنزة: العنزة مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا. (11) مسلم (503) . (12) مسلم (687) . قال النووي: صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات، ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال، وتأولوا حديث ابن عباس على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا ينظر: مسلم بشرح النووي. ولا يخفى أن هذا التأويل إنما هو لصلاة الخوف الواقعة في السفر كما تبين ذلك في أحاديث صلاة الخوف الآتية بعد. (13) البخاري- الفتح 2 (1102) واللفظ له. ومسلم (689) . (14) البخاري- الفتح 2 (1107) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2577 وفي رواية مسلم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع بين الصّلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظّهر والعصر، والمغرب والعشاء» ) * «1» . الصلاة على الميت: 154- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه وعافه «2» واعف عنه وأكرم نزله «3» ووسّع مدخله «4» واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) » . قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «5» . 155- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له- بقديد أو بعسفان- فقال: يا كريب! انظر ما اجتمع له من النّاس، قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقالوا: تقول هم أربعون؟. قال: نعم، قال: أخرجوه. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا، إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «6» . 156- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعى للنّاس النّجاشيّ في اليوم الّذي مات فيه فخرج إلى المصلّى وكبّر أربع تكبيرات) * «7» . 157- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى على قبر بعد ما دفن، فكبّر عليه أربعا) * «8» . 158- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: صلّيت وراء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسطها) * «9» . 159- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شهد الجنازة حتّى يصلّى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتّى تدفن فله قيراطان» قيل: وما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» . ولمسلم: «أصغرهما مثل أحد» ) * «10» . صلاة الخوف: ملاحظة: إنّ صلاة الخوف وإن تعدّدت هيئاتها فلا يعني هذا تعارضا في الأخبار، بل تصلّى كلّ حالة حسب حالة العدوّ فيما إذا كان وجاه المسلمين أو بعيدا عنهم. 160- * (عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب- رضي   (1) مسلم (705) . (2) عافه: أي خلصه من المكاره. (3) وأكرم نزله: أي أحسن نصيبه من الجنة. (4) وسع مدخله: يعني (قبره) . (5) مسلم (963) . (6) مسلم (948) . (7) البخاري- الفتح 3 (1318) . ومسلم (951) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 3 (1336) . ومسلم (954) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 3 (1331) واللفظ له. ومسلم (964) . (10) البخاري- الفتح 3 (1325) . ومسلم (945) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2578 الله عنهما- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف في بعض أيّامه، فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدوّ، فصلّى بالّذين معه ركعة ثمّ ذهبوا، وجاء الآخرون فصلّى بهم ركعة، ثمّ قضت الطّائفتان ركعة ركعة) * «1» . 161- * (عن صالح بن خوّات- رضي الله عنه- عمّن صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم ذات الرّقاع «2» صلاة الخوف: أنّ طائفة صفّت معه وطائفة وجاه العدوّ، فصلّى بالّذين معه ركعة، ثمّ ثبت قائما وأتمّوا لأنفسهم، ثمّ انصرفوا فصفّوا وجاه العدوّ، وجاءت الطّائفة الأخرى فصلّى بهم الرّكعة الّتي بقيت، ثمّ ثبت جالسا وأتمّوا لأنفسهم ثمّ سلّم بهم) * «3» . 162- * (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف، فصفّنا صفّين: صفّ خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعدوّ بيننا وبين القبلة، فكبّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكبّرنا جميعا، ثمّ ركع وركعنا جميعا، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع ورفعنا جميعا، ثمّ انحدر بالسّجود والصّفّ الّذي يليه، وقام الصّفّ المؤخّر في نحر العدوّ، فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّجود وقام الصّفّ الذي يليه، انحدر الصّفّ المؤخّر بالسّجود، وقاموا، ثمّ تقدّم الصّفّ المؤخّر، وتأخّر الصّفّ المقدّم، ثمّ ركع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وركعنا جميعا، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع ورفعنا جميعا، ثمّ انحدر بالسّجود والصّف الّذي يليه الّذي كان مؤخّرا في الرّكعة الأولى، وقام الصّفّ المؤخّر في نحور العدوّ، فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّجود والصّفّ الّذي يليه؛ انحدر الصّفّ المؤخّر بالسّجود، فسجدوا، ثمّ سلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وسلّمنا جميعا. قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم) * «4» . صلاة الخسوف: 163- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: خسفت الشّمس، على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخلت على عائشة وهي تصلّي، فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟. فأشارت برأسها إلى السّماء، فقلت: آية؟، قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي «5» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبي. فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا رأيته في مقامي هذا، حتّى الجنّة والنّار، وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) ،   (1) البخاري- الفتح 2 (942) نحوه. ومسلم (839) واللفظ له. (2) يوم ذات الرّقاع: هي غزوة معروفة. كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد. سميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرقة. (3) مسلم (842) . (4) البخاري- الفتح 7 (4125، 4126، 4127، 4136) مجزءا. وذكره مسلم بتمامه (840) واللفظ له. (5) الغشي: بفتح الغين وسكون الشين وتشديد الياء: الغشاوة أو الغيبوبة التي تحدث بسبب طول القيام في الحر أو غيره من الأحوال. وهي أشبه بالنوم ولهذا جعلت تصب الماء لتفيق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2579 فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟. فأمّا المؤمن، أو الموقن (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) . فيقول: هو محمّد هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات والهدى، فأجبنا وأطعنا- ثلاث مرار- فيقال له: نم. قد كنّا نعلم إنّك لتؤمن به، فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «1» . 164- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ الشّمس خسفت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبعث مناديا: «الصّلاة جامعة» فاجتمعوا. وتقدّم فكبّر، وصلّى أربع ركعات. في ركعتين «2» وأربع سجدات» ) * «3» . 165- * (عن أبي مسعود (عقبة بن عامر) الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوّف الله بهما عباده وإنّهما لا ينكسفان لموت أحد من النّاس، فإذا رأيتم منها شيئا فصلّوا، وادعوا الله حتّى يكشف ما بكم» ) * «4» . 166- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس فقام فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ قام فأطال القيام- وهو دون القيام الأوّل- ثمّ ركع فأطال الرّكوع- وهو دون الرّكوع الأوّل- ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ فعل في الرّكعة الثّانية مثل ما فعل في الرّكعة الأولى، ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا» ثمّ قال: «يا أمّة محمّد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمّة محمّد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ) * «5» . 167- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: خسفت الشّمس في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقام فزعا يخشى أن تكون السّاعة، حتّى أتى المسجد فقام يصلّي بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قطّ، ثمّ قال: «إنّ هذه الآيات الّتي يرسل الله تعالى لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكنّ الله يرسلها يخوّف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ) * «6» . صلاة الاستسقاء: 168- * (عن عبد الله بن زيد المازنيّ- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى فاستسقى، وحوّل رداءه حين استقبل القبلة) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 2 (1053) . ومسلم (905) واللفظ له. (2) أي أربع ركوعات في ركعتين. (3) البخاري- الفتح 2 (1062) ، ومسلم (901) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 2 (1042) . ومسلم (911) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له. ومسلم (904) . (6) البخاري- الفتح 2 (1059) . ومسلم (912) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 2 (1012) . ومسلم (894) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2580 169- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء «1» ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما، ثمّ قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل «2» فادع الله يغثنا، قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثمّ قال: «اللهمّ! أغثنا، اللهمّ! أغثنا، اللهمّ! أغثنا» ، قال أنس: ولا والله! ما نرى في السّماء من سحاب ولا قزعة «3» وما بيننا وبين سلع «4» من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس «5» ، فلمّا توسّطت السّماء، انتشرت، ثمّ أمطرت، قال: فلا والله! ما رأينا الشّمس سبتا «6» ، قال: ثمّ دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السّبل، فادع الله يمسكها عنّا، قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثمّ قال: «اللهمّ! حوالينا ولا علينا، اللهمّ! على الآكام «7» ، والظّراب «8» وبطون الأودية ومنابت الشّجر» . فانقلعت وخرجنا نمشي في الشّمس. قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرّجل الأوّل؟ قال: لا أدري) * «9» . صلاة الضّحى: 170- * (عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة- رضي الله عنها-: هل كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي الضّحى؟ قالت: لا. إلّا أن يجيأ من مغيبه» ) * «10» . 171- * (عن معاذة أنّها سألت عائشة- رضي الله عنها-: كم كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي صلاة الضّحى؟ قالت: أربع ركعات، ويزيد ما شاء) * «11» . صلاة سنّة الفجر: 172- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّ حفصة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أخبرته: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سكت المؤذّن من الأذان لصلاة الصّبح، وبدأ الصّبح ركع ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصّلاة) * «12» . 173- * (وعن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها» ) * «13» . 174- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي ركعتي الفجر، إذا سمع   (1) دار القضاء: هي دار عمر بن الخطاب. رضي الله عنه. سميت بذلك لأنها بيعت في قضاء دينه. (2) انقطعت السبل: أي الطرق، فلم تسلكها الإبل، إما لخوف الهلاك أو الضعف بسبب قلة الكلأ أو عدمه. (3) القزعة: القطعة من السحاب. (4) سلع: هو جبل بقرب المدينة. (5) الترس: هو ما يتقى به السيف أي قطعة سحاب مستديرة. ووجه الشبه الاستدارة والكثافة، لا القدر. (6) سبتا: أي قطعة من الزمان. (7) الآكام: جمع أكمة وهي أعلى من الرابية ودون الهضبة. (8) الظراب: الجبل الصغير. (9) البخاري- الفتح 2 (1013) . ومسلم (897) واللفظ له. (10) مسلم (717) . (11) مسلم (719) . (12) مسلم (723) . (13) مسلم (725) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2581 الأذان، ويخفّفهما) * «1» . صلاة تحية المسجد: 175- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس» ) * «2» . 176- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان لي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دين فقضاني وزادني، ودخلت عليه المسجد، فقال لي: «صلّ ركعتين» ) * «3» . 177- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان لا يقدم من سفر إلّا نهارا؛ في الضّحى. فإذا قدم بدأ بالمسجد. فصلّى فيه ركعتين. ثمّ جلس فيه» ) * «4» . صلاة الاستخارة: 178- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة الأمور كلّها كالسّورة من القرآن: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ يقول: اللهمّ! إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهمّ! إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عنّي واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ رضّني به، ويسمّي حاجته» ) * «5» . () من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الصلاة) 1- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «من السّنّة إذا قال المؤذّن في أذان الفجر حيّ على الفلاح، قال: الصّلاة خير من النّوم» ) * «6» . 2- * (عن عطاء بن أبي رباح، قال: «صلّى بنا ابن الزّبير في يوم عيد في يوم جمعة أوّل النّهار، ثمّ رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلّينا وحدانا، وكان ابن عبّاس بالطّائف، فلمّا قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السّنّة» . وفي رواية: «اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزّبير، فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فجمعهما جميعا، فصلّاهما ركعتين بكرة، لم يزد عليهما حتّى صلّى العصر) * «7» . 3- * (قال حسّان بن عطيّة: «إنّ الرّجلين ليكونان في الصّلاة الواحدة وإنّ ما بينهما في الفضل   (1) مسلم (724) . (2) مسلم (714) . (3) مسلم (715) . (4) مسلم (716) . (5) البخاري- الفتح 11 (6382) . (6) ابن خزيمة (386) وقال محققه: إسناده صحيح. (7) أبو داود (1071، 1072) واللفظ له، قال محقق جامع الأصول (6/ 146) : وإسناده صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2582 كما بين السّماء والأرض، وذلك أنّ أحدهما مقبل بقلبه على الله- عزّ وجلّ- والآخر ساه غافل، فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله وبينه وبينه حجاب لم يكن إقبالا ولا تقريبا، فما الظّنّ بالخالق- عزّ وجلّ-؟ وإذا أقبل على الخالق- عزّ وجلّ- وبينه وبينه حجاب الشّهوات والوساوس، والنّفس مشغوفة بها ملأى منها، فكيف يكون ذلك إقبالا، وقد ألهته الوساوس والأفكار وذهبت به كلّ مذهب؟» ) * «1» . 4- * (عن أمّ الدّرداء قالت: «بات أبو الدّرداء لّيلة يصلّي فجعل يبكي ويقول: اللهمّ أحسنت خلقي فأحسن خلقي حتّى أصبح، فقلت: يا أبا الدّرداء ما كان دعاؤك منذ اللّيلة إلّا في حسن الخلق قال: يا أمّ الدّرداء، إنّ العبد المسلم يحسن خلقه حتّى يدخله حسن خلقه الجنّة ويسوء خلقه حتّى يدخله سوء خلقه النّار. وإنّ العبد المسلم ليغفر له وهو نائم قالت: قلت: وكيف ذاك يا أبا الدّرداء؟ قال: يقوم أخوه من اللّيل فيتهجّد فيدعو الله فيستجيب له ويدعو لأخيه فيستجيب له» ) * «2» . 5- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-: «لولا ثلاث لأحببت أن أكون في بطن الأرض لا على ظهرها: لولا إخوان لي يأتوني ينتقون طيّب الكلام كما ينتقى طيّب التّمر، أو أغفّر وجهي ساجدا لله- عزّ وجلّ- أو غدوة أو روحة في سبيل الله- عزّ وجلّ-» ) * «3» . 6- * (قال عبد الله: كان أبي ساعة يصلّي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثمّ يقوم إلى الصّباح يصلّي ويدعو» ) * «4» . 7- * (وقال إبراهيم بن شمّاس: «كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام وهو يحيي اللّيل» ) * «5» . 8- * (في كتاب أبي جعفر الأدميّ بخطّه، قال: «كنت باليمن في بعض أسفاري، فإذا رجل معه ابن له شابّ، فقال: إنّ هذا أبي وهو من خير الآباء، وقد يصنع شيئا أخاف عليه منه، قلت: وأيّ شيء يصنع؟ قال: لي بقر تأتيني مساء فأحلبها، ثمّ آتي أبي وهو في الصّلاة، فأحبّ أن يكون عيالي يشربون فضله، ولا أزال قائما عليه والإناء في يدي، وهو مقبل على صلاته فعسى أن لا ينفتل ويقبل عليّ حتّى يطلع الفجر، قلت للشّيخ: ما تقول؟ قال: صدق، وأثنى على ابنه، وقال لي: أخبرك بعذري، إذا دخلت في الصّلاة، فاستفتحت القرآن ذهب بي مذاهب، وشغلني حتّى ما أذكره حتّى أصبح، قال سلامة: فذكرت أمرهما لعبد الله بن مرزوق، فقال: هذان يدفع بهما عن أهل اليمن، قال وذكرت أمرهما لابن عيينة، فقال: هذان يدفع بهما عن أهل الدّنيا» ) * «6» .   (1) الوابل الصيب لابن القيم (36) . (2) كتاب الزهد للإمام أحمد (174) . (3) المرجع السابق (168، 169) . (4) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/ 169) . (5) المرجع السابق نفسه (2/ 169) . (6) كتاب الورع لابن أبي الدنيا (100) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2583 من فوائد (الصلاة) (1) حضور القلب واستشعار عظمة الله في الصّلاة. (2) إذا أحضر المصلّي قلبه في صلاته، فإنّه يخرج من صلاته وقد غفرت خطاياه. (3) الصّلاة راحة للنّفس، فإذا أدّاها حقّ أدائها، وجد نشاطا وراحة وروحا. (4) الدّنيا سجن المؤمن يشعر فيها بالضّيق، إذا دخل في الصّلاة وجدها قرّة عينيه ونعيم روحه وجنّة قلبه ومستراحه في الدّنيا. (5) كما أنّها للجسم رياضة بدنيّة تقوّيه وتفيده، فإنّها رياضة للرّوح تقوّيها وتنعشها. (6) الصّلاة صلة بين العبد وربّه، وتذكّر العبد بدوام مراقبته لله- عزّ وجلّ- فيحسن باطنه كما يحسن ظاهره. (7) من أسباب إشاعة النّظافة بين المؤمنين. (8) توحيد اتّجاه جميع المصلّين إلى بيت الله الحرام إشعار بوجوب توحيد القلوب على أمر الله وطاعته وأن يكون المسلمون كالجسد الواحد متعاونين متآزرين. (9) الصّلاة الجامعة: كالجمعة والجماعات وغيرهما تجمع المصلّين ليقفوا على أحوال بعضهم بعضا وليتعلّموا ويتعاونوا ويتآخوا في دين الله، ومن أجل هذا شرع بناء المساجد في الإسلام، وعدّ بناؤها من أكبر القربات عند الله. (10) تقوّي خلق المراقبة والخشية لله- عزّ وجلّ-. (11) تكرار الصّلاة في اليوم واللّيلة خمس مرّات يكون تطهيرا روحيّا للمسلم، يتطهّر بها من غفلات قلبه وزلّات لسانه ومقترفات جوارحه. (12) الصّلاة قوّة خلقيّة هائلة، وفيها إحياء للضّمائر المؤمنة تأمرها بالخير وتنهاها عن الشّرّ «1» .   (1) العبادة في الإسلام للقرضاوي (221) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2584 الصلاح الصلاح لغة: مصدر «صلح» الشّيء يصلح ويصلح صلاحا وهو ضدّ الفساد، ويقال فيه أيضا صلح صلوحا، والوصف منه صالح وصليح، والجمع صلحاء وصلوح، ورجل مصلح في أعماله وأموره، وقد أصلحه الله، والمصلحة: الصّلاح وجمعها مصالح والاستصلاح نقيض الاستفساد، والصّلح: السّلم، والصّلح: تصالح القوم بينهم «1» . قال الرّاغب: قوبل الصّلاح في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسّيّئة. قال تعالى: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً (التوبة/ 102) . وقال- عزّ وجلّ-: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (الأعراف/ 56) . والصّلح يختصّ بإزالة النّفار بين النّاس، يقال منه: اصطلحوا وتصالحوا. قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (النساء/ 128) ، وإصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إيّاه صالحا، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحكم له بالصّلاح «2» . وذلك كما في قوله سبحانه وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (محمد/ 2) . وقوله- عزّ من قائل-: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 112/ 51/ 9 وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي (الأحقاف/ 15) ، وقوله- تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (يونس/ 81) . والصّلاح بكسر الصّاد مصدر كالمصالحة، والاسم منهما «الصّلح» يذكّر ويؤنّث. يقال أصلح ما بينهم (إصلاحا) ، وصالحهم مصالحة وصلاحا. والعرب تؤنّث ذلك. قال بشر بن أبي خازم: يسومون الصّلاح بذات كهف ... وما فيها لهم سلع وقار وقوله: وما فيها أي وما في المصالحة، ولذلك أنّث الصّلاح. واصطلاحا: قال الكفويّ: الصّلاح هو سلوك طريق الهدى، وقيل: هو استقامة الحال على ما يدعو إليه (الشّرع) والعقل «3» ، والصّالح: المستقيم الحال في نفسه، وقال بعضهم: هو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق العباد، والكمال في الصّلاح منتهى درجات المؤمنين ومتمنّى الأنبياء والمرسلين. وقيل: التّغيّر إلى الاستقامة في الحال وضدّه الفساد.   (1) الصحاح (1/ 383) ، ولسان العرب (2/ 516) (ط. بيروت) ، والقاموس المحيط (1/ 293) . (2) المفردات، للراغب (285) . (3) الكليات للكفوي (561) ، ولفظ الشرع إضافة يستقيم بها المعنى وهو غير موجود في الأصل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2585 وقيل: هو حسن الهيئة والمنظر من جهة الخير والدّين لا من جهة الجمال والزّينة «1» . من معاني كلمة «الصلاح» في القرآن الكريم: ذكر أهل التّفسير أنّ الصّلاح في القرآن على أوجه: الأوّل: الإيمان ومنه قوله- تعالى- في «الرّعد» : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ (الرعد/ 23) . الثّاني: علوّ المنزلة. ومنه قوله- تعالى- في «البقرة» : وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (البقرة/ 130) . الثّالث: تسوية الخلق. ومنه قوله تعالى في «الأعراف» : لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً (الأعراف/ 189) ، أي: سويّ الخلق. الرّابع: يكون بمعنى الرّفق، ومنه قوله- تعالى-: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (القصص/ 27) أي الرّافقين بك. الخامس: يكون بمعنى الإحسان كما في قوله- سبحانه- إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ (هود/ 88) . السّادس: يكون بمعنى الطّاعة، قال تعالى: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (البقرة/ 11) ، يعني مطيعين لله- عزّ وجلّ-. السّابع: يكون بمعنى الأمانة، قال تعالى وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً (الكهف/ 82) . يعني ذا أمانة «2» . أهل الصلاح: قال الكفويّ- نقلا عن بعضهم-: من كان مستورا ليس بمهتوك ولا صاحب ريبة وكان مستقيم الطّريقة، وسليم النّاحية من الأذى قليل السّوء، ليس يعاقر النّبيذ، وليس بقذّاف للمحصنات، ولا معروفا بكذب، فهذا عندنا من أهل الصّلاح. اقتران الإيمان بالعمل الصالح: كثيرا ما اقترن الإيمان بالعمل الصّالح في القرآن الكريم، وقد وعد الله- عزّ وجلّ- من جمع بين هذين بالحياة الطّيّبة في الدّنيا والنّعيم المقيم في الآخرة. وفي عديد من آي الذّكر الحكيم ورد الصّلاح سمة للأنبياء ودعوة لهم كما ورد الحثّ عليه في هذه الأمّة وفيمن سبقها من الأمم، كما سيتّضح ذلك من التّصنيف التّالي للآيات الكريمة: [للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الإخبات- الإنابة- الإصلاح- التقوى- حسن السّمت- الخشوع- الخوف- الخشية- الطاعة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الفساد- الاعوجاج- الغي والإغواء- الطغيان- الضلال- الفسوق- العصيان] .   (1) الفتح (10/ 526) . (2) نزهة الأعين النواظر (397، 398) ، وكشف الأسرار عن معنى الوجوه والنظائر (299) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2586 الآيات الواردة في «الصلاح» جزاء العمل الصالح: 1- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «1» 2- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) «2» 3- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82) «3» 4- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «5» 6- فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) «6» 7- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «7» 8- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «8» 9- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)   (1) البقرة: 25 مدنية (2) البقرة: 62 مدنية (3) البقرة: 82 مدنية (4) البقرة: 130 مدنية (5) البقرة: 277 مدنية (6) آل عمران: 56- 57 مدنية (7) النساء: 56- 57 مدنية (8) النساء: 69- 70 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2587 لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «1» 10- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «2» 11- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) «3» 12- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) «4» 13- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «5» 14- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «6» 15- إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) «7» 16- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)   (1) النساء: 122- 124 مدنية (2) النساء: 173 مدنية (3) المائدة: 9 مدنية (4) المائدة: 69 مدنية (5) المائدة: 83- 85 مدنية (6) الأعراف: 42- 43 مكية (7) الأعراف: 196 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2588 وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (121) «1» 17- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) «2» 18- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «3» 19- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) «4» 20- وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) «5» 21- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) «6» 22- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «7» 23- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97) «8» 24- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) «9» 25- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1)   (1) التوبة: 120- 121 مدنية (2) يونس: 3- 4 مكية (3) هود: 9- 11 مكية (4) هود: 23 مكية (5) الرعد: 22- 23 مكية (6) الرعد: 28- 29 مكية (7) إبراهيم: 23 مكية (8) النحل: 97 مكية (9) الإسراء: 9 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2589 قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) «1» 26- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) «2» 27- الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) «3» 28- وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) «4» 29- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (108) «5» 30- * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «6» 31- وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) «7» 32- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) «8» 33- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «9» 34- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «10» 35- وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) «11» 36- فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94) «12» 37- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) «13» 38- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) «14»   (1) الكهف: 1- 3 مكية (2) الكهف: 30 مكية (3) الكهف: 46 مكية (4) الكهف: 88 مكية (5) الكهف: 107- 108 مكية (6) مريم: 59- 60 مكية (7) مريم: 76 مكية (8) مريم: 96 مكية (9) طه: 74- 76 مكية (10) طه: 82 مكية (11) طه: 112 مكية (12) الأنبياء: 94 مكية (13) الأنبياء: 105 مكية (14) الحج: 14 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2590 39- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) «1» 40- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) «2» 41- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «3» 42- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) «4» 43- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) «5» 44- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «6» 45- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) «7» 46- أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) «8» 47- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) «9» 48- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «10»   (1) الحج: 23 مدنية (2) الحج: 49- 51 مدنية (3) الحج: 56- 59 مدنية (4) العنكبوت: 58 مكية (5) الروم: 15 مكية (6) الروم: 44- 45 مكية (7) لقمان: 8 مكية (8) السجدة: 19 مكية (9) الأحزاب: 30- 31 مدنية (10) سبأ: 4 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2591 49- وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) «1» 50- الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «2» 51- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «3» 52- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) «4» 53- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «5» 54- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «6» 55- وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «7» 56- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «8» 57- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) «9» 58- هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) «10» 59- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى   (1) سبأ: 37 مكية (2) فاطر: 7 مكية (3) فاطر: 10 مكية (4) فصلت: 8 مكية (5) فصلت: 46 مكية (6) الشورى: 22- 23 مكية (7) الشورى: 26 مكية (8) الجاثية: 15 مكية (9) الجاثية: 21 مكية (10) الجاثية: 29- 30 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2592 والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) «1» 60- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) «2» 61- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) «3» 62- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «4» 63- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «5» 64- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «6» 65- بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) «7» 66- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «8» 67- وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)   (1) الأحقاف: 15 مكية (2) محمد: 2 مدنية (3) محمد: 12 مدنية (4) الفتح: 29 مدنية (5) التغابن: 9 مدنية (6) الطلاق: 8- 11 مدنية (7) الانشقاق: 22- 25 مكية (8) البروج: 11 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2593 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) «1» 68- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) «2» 69- وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «3» الصلاح سمة النبيين والمؤمنين: 70- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) «4» 71- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) «5» 72*- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) «6» 73- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) «7» 74- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «8»   (1) التين: 1- 8 مكية (2) البينة: 7 مدنية (3) العصر: 1- 3 مكية (4) آل عمران: 38- 39 مدنية (5) آل عمران: 45- 47 مدنية (6) آل عمران: 113- 114 مدنية (7) النساء: 34- 35 مدنية (8) المائدة: 93 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2594 75- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) «1» 76- وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) «2» 77- إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9) «3» 78- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «4» 79- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) «5» 80- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «6» 81- قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (71) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ (72) «7»   (1) الأنعام: 83- 86 مكية (2) الأعراف: 168 مكية (3) يوسف: 8- 9 مكية (4) يوسف: 99- 101 مكية (5) النحل: 120- 122 مكية (6) الكهف: 110 مكية (7) الأنبياء: 69- 72 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2595 82- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) «1» 83- * وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) «2» 84- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) «3» 85- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) «4» 86- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «5» 87- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) «6» 88- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)   (1) الأنبياء: 74- 75 مكية (2) الأنبياء: 83- 86 مكية (3) المؤمنون: 51 مكية (4) النور: 32 مدنية (5) النور: 55 مدنية (6) الفرقان: 68- 71: (68، 69، 71 مكية، 70 مدنية) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2596 وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) «1» 89- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «2» 90- وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «3» 91- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) «4» 92- فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «5» 93- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) «6» 94- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7) «7» 95- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) «8» 96- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) «9»   (1) الشعراء: 69- 83 مكية (2) الشعراء: 224- 227 مكية (3) النمل: 16- 19 مكية (4) القصص: 27 مكية (5) القصص: 67 مكية (6) القصص: 80 مكية (7) العنكبوت: 7 مكية (8) العنكبوت: 9 مكية (9) العنكبوت: 27 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2597 97- وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) «1» 98- سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) «2» 99- * وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «3» 100- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «4» 101- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) «5» 102- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «6» 103- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «7» 104- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «8» 105- إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) «9»   (1) الصافات: 99- 101 مكية (2) الصافات: 109- 112 مكية (3) ص: 21- 24 مكية (4) ص: 27- 28 مكية (5) غافر: 7- 8 مكية (6) غافر: 40 مكية (7) غافر: 58 مكية (8) فصلت: 33 مكية (9) التحريم: 4 مدنية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2598 106- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) «1» 107- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) «2» 108- وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (11) «3» في الصلاح نجاة من الإهلاك: 109- فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) «4» 110- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) «5» 111- وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) «6» الأمر بالصلاح يشمل الأمم السابقة: 112- * وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) «7»   (1) التحريم: 10 مدنية (2) القلم: 48- 50 مكية (3) الجن: 11 مكية (4) هود: 116- 117 مكية (5) الإسراء: 25 مكية (6) الكهف: 82 مكية (7) سبأ: 10- 11 مكية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2599 الأحاديث الواردة في (الصلاح) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أرق «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فقال: «ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني اللّيلة» . قالت وسمعنا صوت السّلاح. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هذا؟» قال سعد بن أبي وقّاص: يا رسول الله، جئت أحرسك. قالت عائشة: فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى سمعت غطيطه «2» ) * «3» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أسرعوا بالجنازة. فإن كانت صالحة قرّبتموها إلى الخير. وإن كانت غير ذلك كان شرّا تضعونه عن رقابكم» ) * «4» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: ألا أخبركم بما سمعت من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي: «إنّ عبدا قتل تسعة وتسعين نفسا، ثمّ عرضت له التّوبة. فسأل عن أعلم أهل الأرض. فدلّ على رجل فأتاه. فقال: إنّي قتلت تسعة وتسعين نفسا! فهل لي من توبة؟ قال: بعد تسعة وتسعين نفسا. قال: فانتضى «5» سيفه فقتله. فأكمل به المائة. ثمّ عرضت له التّوبة. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجل فأتاه، فقال: إنّي قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟. قال: فقال: ويحك ومن يحول بينك وبين التّوبة؟ اخرج من القرية الخبيثة الّتي أنت فيها، إلى القرية الصّالحة، قرية كذا وكذا. فاعبد ربّك فيها. فخرج يريد القرية الصّالحة، فعرض له أجله في الطّريق. فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب. قال إبليس: أنا أولى به، إنّه لم يعصني ساعة قطّ. قال: فقالت ملائكة الرّحمة: إنّه خرج تائبا. فبعث الله- عزّ وجلّ- ملكا فاختصموا إليه ثمّ رجعوا. فقال: انظروا أيّ القريتين كانت أقرب، فألحقوه بأهلها. قال قتادة: فحدّثنا الحسن، قال: لمّا حضره الموت احتفز «6» بنفسه فقرب من القرية الصّالحة، وباعد منه القرية الخبيثة. فألحقوه بأهل القرية الصّالحة» ) * «7» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أمّ حبيبة وأمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولئك إذا كان فيهم الرّجل الصّالح، فمات. بنوا على قبره مسجدا، وصوّروا فيه تلك الصّور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» ) * «8» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ   (1) أرق: أي سهر ولم يأته النوم. (2) غطيطه: صوت النائم المرتفع. (3) البخاري- الفتح 6 (2885) . ومسلم (2410) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 3 (1315) . ومسلم (944) واللفظ له. (5) فانتضى: انتضى السيف أخرجه من غمده. (6) احتفز: أي جدّ وأسرع. (7) البخاري- الفتح 6 (3470) . ومسلم (2766) . وابن ماجة (2622) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 3 (1341) . ومسلم (528) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2600 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى السّقاية فاستسقى. فقال العبّاس: يا فضل، اذهب إلى أمّك فأت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشراب من عندها. فقال: اسقني. قال: يا رسول الله! إنّهم يجعلون أيديهم فيه. قال: اسقني. فشرب منه. ثمّ أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها. فقال: «اعملوا فإنّكم على عمل صالح» . ثمّ قال: «لولا أن تغلبوا لنزلت حتّى أضع الحبل على هذه» يعني عاتقه «1» . وأشار إلى عاتقه) * «2» . 6- * (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّ ماعز بن مالك الأسلميّ أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّي قد ظلمت نفسي وزنيت، وإنّي أريد أن تطهّرني. فردّه، فلمّا كان من الغد أتاه. فقال: يا رسول الله، إنّي قد زنيت. فردّه الثّانية. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قومه فقال: «أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا؟» . فقالوا: ما نعلمه إلّا وفيّ العقل من صالحينا فيما نرى. فأتاه الثّالثة. فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه. فأخبروه: أنّه لا بأس به ولا بعقله. فلمّا كان الرّابعة، حفر له حفرة ثمّ أمر به فرجم ... » الحديث) * «3» . 7- * (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به، قال: «بينما أنا في الحطيم «4» - وربّما قال في الحجر- مضطجعا، إذ أتاني آت ... الحديث، وفيه: «ثمّ أتيت بدابّة دون البغل وفوق الحمار أبيض» . فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس «5» : نعم «يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتّى أتى السّماء الدّنيا، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت، فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلّم عليه. فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الثّانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت، إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة. قال: هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما، فسلّمت، فردّا، ثمّ قالا: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت، إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ، ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الرّابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم   (1) عاتقه: ما بين منكبه وعنقه. (2) البخاري- الفتح 3 (1635) . (3) مسلم (1695) واللفظ له. وأصله عند البخاري الفتح 12 (6824) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-. (4) الحطيم: بناء قبالة الميزاب من خارج الكعبة. هو حجر إسماعيل، وقد جاء ذكره في الحديث عقب كلمة (الحطيم) . وانظر القاموس مادة (حطم) . (5) هو أنس بن مالك- رضي الله عنه-، والحديث من روايته عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2601 المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت، فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلّم عليه، فسلّمت عليه فردّ، ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. فلمّا خلصت، فإذا هارون. قال: هذا هارون فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ، ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء السّادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. فلمّا خلصت، فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ، ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. فلمّا تجاوزت بكى. قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنّ غلاما بعث بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّن يدخلها من أمّتي. ثمّ صعد بي إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قال: مرحبا به، ونعم المجيء جاء. فلمّا خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلّم عليه. قال: فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال «1» هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال: هذه سدرة المنتهى ... لحديث) * «2» . 8- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. وكان يخلو بغار حراء «3» فيتحنّث «4» فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ، وهو في غار حراء ... » الحديث) * «5» . 9- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله» فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: «يوفّقه لعمل صالح قبل الموت» ) * «6» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليأخذ داخلة إزاره «7» فلينفض بها فراشه، وليسمّ الله. فإنّه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه. فإذا أراد أن يضطجع، فليضطجع على شقّه الأيمن. وليقل: سبحانك اللهمّ ربّي بك وضعت جنبي. وبك أرفعه.   (1) قلال هجر: القلال: الجرار، وهجر: بلد معروف من ناحية البحرين. (2) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له. ومسلم (164) . (3) حراء: فيه الصرف ومنعه فيقال: حراء وحراء. كما في «القاموس» . (4) يتحنّث: يتعبد وهي مفسرة في الحديث. (5) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. ومسلم (160) . (6) أخرجه الترمذي (2142) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح. والبغوي في شرح السنة (14/ 290) . وقال محققه: إسناده صحيح. (7) فليأخذ داخلة إزاره: داخلة الإزار طرفه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2602 إن أمسكت نفسي فاغفر لها. وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين» ) * «1» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة، إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «2» . 12- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وهو على المنبر: «إن تطعنوا في إمارته- يريد أسامة بن زيد- فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله. وأيم «3» الله إن كان لخليقا لها. وأيم الله إن كان لأحبّ النّاس إليّ. وأيم الله إنّ هذا لها لخليق «4» - يريد أسامة بن زيد- وأيم الله إن كان لأحبّهم إليّ من بعده، فأوصيكم به فإنّه من صالحيكم» ) * «5» . 13- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الحلال بيّن، وإنّ الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس، فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام كالرّاعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا وإنّ حمى الله محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «6» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّكم محشورون حفاة عراة غرلا «7» . ثمّ قرأ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (الأنبياء/ 104) ، وأوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم. وإنّ أناسا من أصحابي أخذ بهم ذات الشّمال، فأقول: أصحابي أصحابي. فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصّالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ إلى قوله الْحَكِيمُ (المائدة/ 117- 118) » ) * «8» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع، ولا مشعوف «9» . ثمّ يقال له: فيم كنت «10» ؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج «11» له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ   (1) البخاري- الفتح 11 (6320) . ومسلم (2714) واللفظ له. (2) مسلم (1631) . (3) وأيم الله: كلمة تقال في القسم. (4) خليق: جدير. (5) البخاري- الفتح 7 (3730) . ومسلم (2426) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 1 (52) . ومسلم (1599) واللفظ له. (7) غرلا: الغرلة هي جلدة الصبي التي تقطع في الختان. (8) البخاري- الفتح 6 (3349) واللفظ له. ومسلم (2860) . (9) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب. (10) فيم كنت: أي في أي دين. (11) يفرج: يفتح له فتحة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2603 يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله «1» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك. على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «2» . 16- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الهدي الصّالح والسّمت الصّالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «3» . 17- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة، فادعوا الله بها لعلّه يفرجها. فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت «4» عليهم حلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنّه ناء بي الشّجر فما أتيت حتّى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصّبية قبلهما والصّبية يتضاغون عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السّماء، ففرج الله لهم فرجة حتّى يرون «5» منها السّماء. وقال الثّاني: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحبّها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار، فسعيت حتّى جمعت مائة دينار فلقيتها بها، فلمّا قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله، اتّق الله ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه، فقمت عنها، اللهمّ فإن كنت تعلم أنّي قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها، ففرج لهم فرجة. وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه حقّه، فتركه ورغب عنه، فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا وراعيها، فجآءني وقال: اتّق الله ولا تظلمني وأعطني حقّي. فقلت: اذهب إلى تلك البقر وراعيها. فقال: اتّق الله ولا تهزأ بي. فقلت: إنّي لا أهزأ بك، فخذ تلك البقر وراعيها، فأخذه فانطلق.   (1) إن شاء الله: للتبرك لا للشك. (2) ابن ماجة (4268) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (3443) . (3) أبو داود (4776) ، وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه أبو داود وأحمد، وسنده حسن- الفتح 10 (526) باب الهدى الصالح. (4) أرحت عليهم: أي إذا رددكت الماشية من المرعى إليهم. (5) حتى يرون: هكذا بإثبات النون والصواب حذفها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2604 فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي، ففرج الله عنهم» ) * «1» . 18- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة، وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي. فأخذت قربة من ماء إلى جنبي. فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا، أو مثل فتنة المسيح الدّجّال (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) . فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) . فيقول: هو محمّد، هو رسول الله جاءنا بالبيّنات والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنّا نعلم إنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) . فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «2» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خير نساء ركبن الإبل «3» صالح نساء قريش: أحناه «4» على ولد في صغره، وأرعاه على زوج «5» في ذات يده» ) * «6» . 20- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يوعك «7» فوضعت يدي عليه. فوجدت حرّه بين يديّ، فوق اللّحاف. فقلت: يا رسول الله ما أشدّها عليك قال: «إنّا كذلك. يضعّف لنا البلاء، ويضعّف لنا الأجر» . فقلت: يا رسول الله! أيّ النّاس أشدّ بلاء؟ قال: «الأنبياء» قلت: يا رسول الله! ثمّ من؟ قال: «ثمّ الصّالحون. إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر. حتّى ما يجد أحدهم إلّا العباءة يحوّيها. وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرّخاء» ) * «8» . 21- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّنيا متاع وخير متاع الدّنيا المرأة الصّالحة» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 10 (5974) واللفظ له. ومسلم (2743) . (2) البخاري- الفتح 1 (184) . ومسلم (905) واللفظ له. (3) ركبن الإبل: إشارة إلى نساء العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل. (4) أحناه: أكثره شفقة. (5) وأرعاه على زوج: أي أحفظ وأصون لماله. (6) البخاري- الفتح 9 (5082) واللفظ له. ومسلم (2527) . (7) يوعك: يتألم من المرض. (8) ابن ماجة (4024) وهذا لفظه، وفي الزوائد: إسناده صحيح. وبعضه في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. البخاري- الفتح 10 (5648) . ومسلم (2571) . (9) مسلم (1467) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2605 22- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: رأيت في المنام أنّ في يدي قطعة إستبرق «1» . وليس مكان أريد من الجنّة إلّا طارت إليه. قال فقصصته على حفصة. فقصّته حفصة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرى عبد الله رجلا صالحا «2» » ) * «3» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا الصّالحة جزء من ستّة وأربعين جزءا من النّبوّة» ) * «4» . 24- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا الصّالحة من الله والحلم من الشّيطان، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث «5» عن شماله ثلاثا، وليتعوّذ من الشّيطان فإنّها لا تضرّه. وإنّ الشّيطان لا يتراءى «6» بي» ) * «7» . 25- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جهارا غير سرّ يقول: «إنّ آل أبي (يعني فلانا «8» ) ليسوا بأوليائي، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين» ) * «9» . 26- * (عن جندب- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: «إنّي أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل. فإنّ الله تعالى قد اتّخذني خليلا، كما اتّخذ إبراهيم خليلا. ولو كنت متّخذا من أمّتي خليلا لا تّخذت أبا بكر خليلا. ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد، إنّي أنهاكم عن ذلك» ) * «10» . 27- * (عن رفاعة الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صدرنا «11» مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «والّذي نفس محمّد بيده! ما من عبد يؤمن ثمّ يسدّد «12» . إلّا سلك به في الجنّة، وأرجو ألّا يدخلوها حتّى تبوّءوا «13» أنتم، ومن صلح من ذراريّكم مساكن في الجنّة. ولقد وعدني ربّي- عزّ وجلّ- أن يدخل الجنّة من أمّتي سبعين ألفا بغير حساب» ) * «14» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: (أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) مصداق ذلك في كتاب الله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة/ 17) » ) * «15» .   (1) إستبرق: هو ما غلظ من الديباج. (2) صالحا: الصالح هو القائم بحدود الله تعالى وحقوق العباد. (3) البخاري- الفتح 7 (3740) . ومسلم (2478) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 12 (6983) . ومسلم (2263) واللفظ له. (5) فلينفث: فلينفخ. (6) يتراءى: أي لا يظهر في صورتي. (7) البخاري- الفتح 12 (6995) واللفظ له. ومسلم (2261) . (8) (يعني فلانا) هي من بعض الرواة خشي أن يسميه فيترتب عليه مفسدة وفتنة. إما في حق نفسه وإما في حق غيره ولذا كنى عنه. (9) البخاري- الفتح 10 (5990) . ومسلم (215) واللفظ له. (10) مسلم (532) . (11) صدرنا: أي رجعنا من غزو أو سفر. (12) يسدد: يصلح. (13) تبوءوا: يقال بوأه الله منزلا أي أسكنه إياه وتبوأت منزلا أي اتخذته. (14) ابن ماجة (4285) وصححه الألباني صحيح سنن ابن ماجة (3458) وهو في الصحيحة (2405) . (15) البخاري- الفتح 6 (3244) . ومسلم (2824) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2606 29- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد توفّي اليوم رجل صالح من الحبش، فهلمّ فصلّوا عليه» . قال: فصففنا، فصلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليه ونحن صفوف) * «1» . 30- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى ما يحبّ قال: «الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات، وإذا رأى ما يكره قال «الحمد لله على كلّ حال» ) * «2» . 31- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ ... الحديث وفيه: «فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ «3» رأسه بالحجر، فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن، فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر «4» شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر، فإنّه آكل الرّبا. وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها «5» ويسعى حولها، فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة، فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» ، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح، فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا تجاوز الله عنهم» ) * «6» . 32- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة لي، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟ فقال: «لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير- إنّك أن تذر «7» ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة «8» يتكفّفون النّاس «9» ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» . فقلت: يا رسول الله! أخلّف بعد أصحابي؟. قال: «إنّك لن تخلّف «10» ، فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت   (1) البخاري- الفتح 3 (1320) واللفظ له. ومسلم (952) . (2) ابن ماجة (3803) وفي الزوائد: إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 499) . وصححه وأقره الذهبي، والبغوي في شرح السنة (5/ 180) وقال محققه: حسن بشواهده. (3) يثلغ: أي يصيبه ويشدخه. (4) يشرشر: شرشر الشيء عضه ثم ألقاه والشرشرة أصلها أخذ السبع بفيه. (5) يحشها: يحركها لتتقد. (6) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له. ومسلم (2275) . (7) تذر: تترك. (8) عالة: فقراء محتاجين. (9) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم إليهم. (10) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2607 به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون. اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة. يرثي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة» ) * «1» . 33- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة «2» ، والنّاس صفوف خلف أبي بكر. فقال: «أيّها النّاس! إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم، أو ترى له. ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء. فقمن «3» أن يستجاب لكم» ) * «4» . 34- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نقول في الصّلاة خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: السّلام على الله. والسّلام على فلان. فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم: «إنّ الله هو السّلام. فإذا قعد أحدكم في الصّلاة فليقل التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته. السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. فإذا قالها أصابت كلّ عبد لله صالح في السّماء والأرض. أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يتخيّر من المسألة ما شاء» ) * «5» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للعبد المملوك المصلح! أجران» . والّذي نفس أبي هريرة بيده، لولا الجهاد في سبيل الله والحجّ، وبرّ أمّي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك) * «6» . 36- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (المائدة/ 93) قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت منهم» ) * «7» . 37- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام العمل الصّالح فيهنّ أحبّ إلى الله من هذه الأيّام العشر» فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا الجهاد في سبيل الله. إلّا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» ) * «8» . 38- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من نبيّ يمرض إلّا   (1) البخاري- الفتح 3 (12951 واللفظ له. ومسلم (1628) . وأفاد أبو داود الطيالسي أن القائل «يرثى له» .. الخ هو الزهري ويؤيده سقوطها من بعض روايات الحديث. (2) الستارة: هي الستر الذي يكون على باب البيت والدار. (3) فقمن: أي حقيق وجدير. (4) البخاري- الفتح 12 (6990) من حديث أبي هريرة. ومسلم (479) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 2 (831) . ومسلم (402) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 5 (2548) واللفظ له. ومسلم (1665) (7) مسلم (2459) ، والترمذي (3056) ، وأخرجه الطبري (31/ 125) ، والحاكم (4/ 143- 144) . (8) البخاري- الفتح 2 (969) . والترمذي (757) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2608 خيّر بين الدّنيا والآخرة» . وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحّة «1» شديدة، فسمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ (النساء/ 69) فعلمت أنّه خيّر) * «2» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له مظلمة «3» لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه» ) * «4» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من مات مرابطا في سبيل الله أجرى عليه أجر عمله الصّالح الّذي كان يعمل، وأجرى عليه رزقه، وأمن من الفتّان «5» ، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع» ) * «6» . 41- * (عن مرداس الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يذهب الصّالحون الأوّل فالأوّل، ويبقى حفالة «7» كحفالة الشعير- أو التّمر- لا يباليهم الله بالة «8» » ) * «9» . () الأحاديث الواردة في (الصلاح) معنى 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا. وتقيم الصّلاة المكتوبة. وتؤدّي الزّكاة المفروضة. وتصوم رمضان» . قال: والّذي نفسي بيده! لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقص منه. فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة، فلينظر إلى هذا» ) * «10» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف على أناس جلوس فقال: «ألا أخبركم بخيركم من شرّكم» قال: فسكتوا. فقال ذلك ثلاث مرّات، فقال رجل: بلى يا رسول الله! أخبرنا بخيرنا من شرّنا. قال: «خيركم من يرجى خيره ويؤمن شرّه. وشرّكم من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شرّه» ) * «11» .   (1) بحّة: غلظ الصوت وخشونته من داء. (2) البخاري- الفتح 8 (4586) واللفظ له. ومسلم (2444) . (3) المظلمة بكسر اللام على المشهور، وحكى ابن قتيبة والجوهري فتحها. (4) البخاري- الفتح 5 (2449) . (5) الفتان: منكر ونكير. (6) الترمذي (1665) وقال: حديث حسن. وابن ماجة (2767) واللفظ له. وهو عند مسلم بغير هذا اللفظ (1913) . (7) حفالة: أي حثالة، وهي الرديء من كل شيء، وقيل الحثالة: سقط الناس. (8) لا يباليهم الله بالة: أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا. (9) البخاري- الفتح 11 (6434) . (10) البخاري- الفتح 3 (1397) . ومسلم (14) متفق عليه. (11) أحمد (2/ 378) ، والترمذي (2263) ، وقال: حديث حسن صحيح، وابن حبان (527) ، (528) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2609 44- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل يا رسول الله! أنا أعلم لك علمه، فأتاه، فوجده جالسا في بيته منكّسا «1» رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شرّ. كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل النّار، فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال كذا وكذا، فرجع إليه المرّة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: اذهب إليه فقل له: «إنّك لست من أهل النّار، ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «2» . 45- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ خير التّابعين رجل يقال له أويس وله والدة، وكان به بياض «3» فمروه فليستغفر لكم» وفي رواية: كان عمر بن الخطّاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن «4» سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال نعم، قال: من مراد ثمّ من قرن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» فاستغفر لي، فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء «5» النّاس أحبّ إليّ» ) * «6» . 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ربّ أشعث «7» مدفوع بالأبواب «8» لو أقسم على الله لأبرّه «9» » ) * «10» . 47- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تنكح المرأة لأربع: لما لها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدّين تربت يداك «11» » ) * «12» . 48- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عدل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله، اجتمعا عليه وتفرّقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب   (1) منكسا: مطأطئا رأسه من ذلّ. (2) البخاري- الفتح 8 (4846) واللفظ له. ومسلم (119) . (3) بياض: برص. (4) أمداد أهل اليمن: هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو. (5) غبراء الناس: ضعافهم وصعاليكهم الذين لا يؤبه لهم. (6) مسلم (2542) . (7) أشعث: ثائر شعر الرأس. (8) مدفوع بالأبواب: لا قدر له عند الناس. (9) أقسم على الله لأبره: أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراما له باجابة سؤاله. وهذا لعظم منزلته عند الله. (10) مسلم (2622) . (11) تربت يداك: لصقت يداك بالتراب إن لم تظفر بذات الدين، وهي دعاء عليه بالفقر. (12) البخاري- الفتح 9 (5090) . ومسلم (1466) واللفظ له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2610 وجمال، فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «1» . 49- * (عن قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع. فقالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. فصلّى ركعتين، تجوّز فيهما، ثمّ خرج وتبعته، فقلت: إنّك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدّثك لم ذاك؟ رأيت رؤيا على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقصصتها عليه. ورأيت كأنّي في روضة (ذكر من سعتها وخضرتها) وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السّماء. في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقه. قلت لا أستطيع. فأتاني منصف «2» فرفع ثيابي من خلفي. فرقيت، حتّى كنت في أعلاها. فأخذت بالعروة. فقيل لي: استمسك. فاستيقظت، وإنّها لفي يدي. فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تلك الرّوضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة الوثقى. فأنت على الإسلام حتّى تموت» وذلك الرّجل عبد الله بن سلام) * «3» . 50- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تصاحب إلّا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلّا تقيّ» ) * «4» . 51- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» ) * «5» . () المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصلاح) انظر صفات: الإخبات- الإنابة- التقوى- الخشوع- الخشية- الخوف   (1) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له.. ومسلم (1031) (2) منصف: أي خادم من خدام الجنة. (3) البخاري- الفتح 7 (3381) واللفظ له. ومسلم (2484) . (4) أبو داود (4832) واللفظ له. والترمذي (2395) وقال: حديث حسن، والحاكم في المستدرك (4/ 128) وصححه ووافقه الذهبي. (5) البخاري- الفتح 8 (5026) ، ومسلم (816) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2611 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصلاح) 1- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ عمر بن الخطّاب كان حصنا حصينا للإسلام يدخل فيه، ولا يخرج منه، فلمّا مات عمر انثلم «1» من الحصن ثلمة فهو يخرج منه، ولا يدخل فيه، وكان إذا سلك بنا طريقا وجدناه سهلا، فإذا ذكر الصّالحون، فحيّ هلا بعمر بن الخطّاب، كان فصل ما بين الزّيادة والنّقصان، والله لوددت أنّي أخدم مثله حتّى أموت» ) * «2» . 2- * (قال مجاهد- رحمه الله-: «العمل الصّالح يرفع الكلم الطّيّب» ) * «3» . 3- * (عن الحسن قال: «ليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، ولكن ما وقر «4» في القلوب وصدّقته الأعمال، من قال حسنا، وعمل غير صالح، ردّه الله على قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه العمل، وذلك بأنّ الله تعالى يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (فاطر/ 10) » ) * «5» . 4- * (عن أبي حازم قال: «دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تكلّم، فقال: ما لها لا تكلّم؟ قالوا: حجّت مصمتة. قال لها: تكلّمي، فإنّ هذا لا يحلّ. هذا من عمل الجاهليّة. فتكلّمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين، قالت: أيّ المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أيّ قريش أنت؟ قال: إنّك لسئول «6» ، أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصّالح الّذي جاء الله به بعد الجاهليّة؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمّتكم. قالت: وما الأئمّة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى. قال: فهم أولئك على النّاس» ) * «7» . 5- * (قال مالك بن أنس- رحمه الله-: «حقّ على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية. والعلم حسن لمن رزق خيره» ) * «8» . 6- قال الشّافعيّ- رحمه الله-: أحبّ الصّالحين ولست منهم ... لعلّي أن أنال بهم شفاعه وأكره من تجارته المعاصي ... ولو كنّا سواء في البضاعه «9» 7- * (قال يحيى بن معين: وإذا افتقرت إلى الذّخائر «10» لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال) * «11» .   (1) انثلم: انكسر. (2) شرح السنة للبغوي (14/ 95، 96) . (3) البخاري- الفتح 13 (415) . (4) وقر: ثبت واستقر. (5) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص 42- 43) . (6) لسئول: أي كثيرة السؤال. (7) البخاري- الفتح 7 (3834) . (8) حلية الأولياء لأبي نعيم 6 (320) . (9) ديوان الشافعي (ص 90) . (10) الذخائر: جمع ذخيرة وهي ما يخبّأ لوقت الحاجة. (11) انظر: اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (ص 99) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2612 8- * (قال أبو العتاهية: وإذا تناسبت الرّجال، فما أرى ... نسبا يقاس بصالح الأعمال وإذا بحثت عن التّقيّ وجدته ... رجلا يصدّق قوله بفعال وإذا اتّقى الله امرؤ وأطاعه ... فتراه بين مكارم ومعالي) * «1» . 9- * (قال أبو الفضل الرّياشيّ: ما من روى علما ولم يعمل به ... فيكفّ عن وتغ «2» الهوى بأديب حتّى يكون بما تعلّم عاملا ... من صالح فيكون غير معيب ولقلّما تجدي إصابة صائب ... أعماله أعمال غير مصيب) * «3» . () من فوائد (الصلاح) (1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) به تجلب النّعم وتدفع النّقم. (3) علامة على حسن الخاتمة. (4) يثمر محبّة الله، ثمّ محبّة النّاس. (5) طريق موصل إلى الجنّة. (6) وقاية من خطر الذّنوب والمعاصي. (7) الصّلاح سبيل إلى الاستخلاف في الأرض. (8) طريق إلى الحياة الطّيّبة. (9) سبيل إلى النّصر في الدّنيا والآخرة.   (1) ديوان أبو العتاهية. (2) وتغ: الوتغ هو الهلاك والفساد. (3) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (63) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2613 المجلد السابع [تابع حرف الصاد] صلة الرحم الصلة لغة: الصّلة والوصل في اللّغة مصدر «وصل يصل صلة ووصلا» وتدلّ مادّة (وص ل) على «ضمّ شيء إلى شيء حتّى يعلقه، من ذلك الوصل (والصّلة) ضدّ الهجران، والوصل (أيضا) وصل الثّوب والخفّ ونحوهما، ويقال هذا وصل هذا أي مثله، يقال: وصلت الشّيء وصلا وصلة ووصلة، ووصل إليه وصولا أي بلغ وأوصله غيره، وقد يستعمل وصل بمعنى اتّصل: أي دعا بدعوى الجاهليّة، وهو أن يقال: يا لفلان، قال تعالى إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ (النساء/ 90) أي يتّصلون، وكلّ شيء اتّصل بشيء فما بينهما وصلة، وصلة، أي اتّصال وذريعة، يقال: توصّل إليه، أي تلطّف في الوصول إليه، والتّواصل ضدّ التّصارم، ووصّله توصيلا إذا أكثر من وصله. والوصل خلاف الفصل، واتّصل الشّيء بالشّيء لم ينقطع «1» . الصّلة اصطلاحا: وحقيقة الصّلة في هذه الصّفة (صلة الرّحم) : الآيات/ الأحاديث/ الآثار 12/ 46/ 17 العطف والرّحمة، أمّا صلة الله لمن وصل رحمه فهي عبارة عن لطفه بهم ورحمته إيّاهم وعطفه عليهم بإحسانه ونعمه، أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته «2» . الرّحم لغة: الرّحم لغة: اسم مشتقّ من مادّة «ر ح م» الّتي تدلّ على الرّقّة والعطف والرّأفة، والرّحم والرّحم (علاقة) القرابة، وقد سمّيت رحم الأنثى رحما من هذا، لأنّ منها ما يكون ما يرحم ويرقّ له من ولد، والرّحمة والرّحم: الرّقّة والتّعطّف، يقال: رحمته وترحّمت عليه (لنت له وتعطّفت عليه) ، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضا، والرّحمن والرّحيم اسمان مشتقّان من الرّحمة، والرّحيم قد يكون بمعنى المرحوم كما يكون بمعنى الرّاحم «3» (انظر أيضا صفة الرّحمة) . الرّحم اصطلاحا: قال النّوويّ: اختلفوا في حدّ الرّحم الّتي يجب وصلها، فقيل: كلّ رحم محرم، بحيث لو كان أحدهما أنثى والآخر ذكرا حرمت مناكحتهما، وقيل: هو عامّ   (1) مقاييس اللغة (6/ 115) ، والصحاح للجوهري (5/ 1842) ، ولسان العرب لابن منظور (8/ 4850، ط- دار المعارف) . (2) مسلم بشرح النووي (16/ 112، 113) ، الصحاح للجوهري (5/ 1842) . وقد أشار الإمام النووي إلى حقيقة الصلة عند شرحه لقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم «الرّحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله» . (3) مقاييس اللغة (2/ 498) ، الصحاح (5/ 1929) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2614 في كلّ رحم من ذوي الأرحام «1» في الميراث يستوي فيه المحرم وغيره. وهذا هو الصّحيح لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أبرّ البرّ أن يصل الرّجل أهل ودّ أبيه» «2» . صلة الرحم اصطلاحا: قال النّوويّ: صلة الرّحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة، وتارة بالزّيارة والسّلام وغير ذلك «3» . وقد أوضح ابن منظور العلاقة بين المعنيين اللّغويّ والاصطلاحيّ فقال: هي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النّسب والأصهار، والعطف عليهم، والرّفق بهم، والرّعاية لأحوالهم، وكذلك إن بعدوا أو أساؤا، وقطع الرّحم ضدّ ذلك كلّه، فكأنّه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصّهر والصّلة الجائزة والعطيّة «4» . حكم صلة الرحم ودرجاتها: قال القاضي عياض: لا خلاف أنّ صلة الرّحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة والأحاديث تشهد لهذا، ولكنّ الصّلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة بالكلام ولو بالسّلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب، ومنها مستحبّ. ولو وصل بعض الصّلة، ولم يصل غايتها لا يسمّى قاطعا، ولو قصّر عمّا يقدر عليه وينبغي له لا يسمّى واصلا «5» . الصلة بر وإحسان: قال أبو البركات بدر الدّين محمّد الغزّيّ: ويكون حسن العشرة والصّحبة للأهل والولد بالمداراة، وسعة الخلق والنّفس، وتمام النّفقة، وتعليم الأدب والسّنّة، وحملهم على الطّاعة، لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (التحريم/ 6 مدنية) . والصّفح عن عثراتهم والغضّ عن مساوئهم في غير إثم أو معصية «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- البر- بر الوالدين- تكريم الإنسان- الاعتراف بالفضل- المروءة- المحبة- التودد- الإنفاق- الصدقة- حسن العشرة- حسن المعاملة- حسن الخلق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: قطيعة الرحم- الإساءة- الجحود- عقوق الوالدين- نكران الجميل- الكبر والعجب- سوء الخلق- سوء المعاملة] .   (1) ذو الرحم عند أهل الفرائض من الفقهاء هو القريب الذي ليس بذي سهم مقدر ولا عصبة ذكرا كان أو انثى. انظر: كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 80) . (2) مسلم بشرح النووي (16/ 113) . (3) المرجع السابق (2/ 201) . (4) لسان العرب (8/ 4851) . (5) مسلم بشرح النووي (16/ 112، 113) (6) آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة للغزي (ص 51) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2615 الآيات الواردة في «صلة الرحم» الأمر بالإحسان إلى ذوي الأرحام: 1- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «1» 2- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «2» 3- يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) «3» 4- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «4» 5- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «5» 6- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «6»   (1) البقرة: 83 مدنية (2) البقرة: 177 مدنية (3) البقرة: 215 مدنية (4) النساء: 36 مدنية (5) الأنفال: 74- 75 مدنية (6) النحل: 90 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2616 7- وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) «1» 8- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «2» 9- فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) «3» 10- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (6) «4» تعظيم قدر الأرحام: 11- بسم الله الرّحمن الرّحيم يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) «5» 12- أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) «6»   (1) الإسراء: 23- 27 مكية (2) النور: 22 مدنية (3) الروم: 38 مكية (4) الأحزاب: 6 مدنية (5) النساء: 1 مدنية (6) الرعد: 19- 21 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2617 الأحاديث الواردة في (صلة الرحم) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احافظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنّه لا بعد بالرّحم إذا قربت، وإن كانت بعيدة، ولا قرب بها إذا بعدت، وإن كانت قريبة، وكلّ رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها، تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: أتيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة من أدم حمراء في نحو من أربعين رجلا. فقال: «إنّه مفتوح لكم وأنتم منصورون مصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، وليصل رحمه، ومثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ كمثل البعير يتردّى «2» فهو يمدّ بذنبه «3» » ) * «4» . 3- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أوّل ما بعث وهو بمكّة، وهو حينئذ مختف، فقلت: ما أنت؟ قال: «أنا نبيّ» . قلت: وما النّبيّ؟. قال: «رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» . قلت: بما «5» أرسلك؟ قال: «بأن يعبد الله، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام بالبرّ والصّلة» ) * «6» . 4- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكّة، فسلّم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه. فقال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنّهم الأعراب وإنّهم يرضون باليسير. فقال عبد الله: إنّ أبا هذا كان ودّا لعمر «7» بن الخطّاب، وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أبرّ البرّ صلة الولد أهل ودّ أبيه» ) * «8» . 5- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه-: أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بعمل يدخلني الجنّة. قال: «ماله ماله» . وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرب ماله «9» تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل الرّحم» ) * «10» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 156 حديث رقم 73) ورجاله ثقات.. وهو في المستدرك بلفظ قريب وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجه واحد منهما وسكت الذهبي في التلخيص. وفي (4/ 161) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (2) يتردّى: يسقط من مكان عال. (3) بذنبه: بذيله. (4) الحاكم (4/ 159) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي. (5) في الأصل: بما. ومعروف أن (ما) الاستفهامية- تحذف ألفها: إذا دخل عليها حرف جر. (6) الحاكم (4/ 149) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي. (7) ودّا لعمر: صديقا من أهل مودة عمر ومحبته. (8) مسلم (2552) . (9) أرب ماله: يعني حاجة له. (10) البخاري- الفتح 3 (1396) واللفظ له، ومسلم (14) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2618 أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليعمّر بالقوم الدّيار، ويثمّر لهم الأموال، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم» ، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «بصلتهم لأرحامهم» ) * «1» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّحم شجنة «2» متمسّكة بالعرش تكلّم بلسان ذلق «3» ، اللهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول الله- تبارك وتعالى-: أنا الرّحمن الرّحيم، وإنّي شققت للرّحم من اسمي. فمن وصلها وصلته، ومن نكثها «4» نكثته» ) * «5» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق، حتّى إذا فرغ من خلقه قامت الرّحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا ربّ. قال: فذاك لك» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرؤا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ* أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (محمد/ 22- 24) * «6» . 9- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أوصاني خليلي أن لا تأخذني في الله لومة لائم، وأوصاني بصلة الرّحم وإن أدبرت» ) * «7» . 10- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان بن حرب- رضي الله عنه- أخبره: أنّ هرقل أرسل إليه فى ركب من قريش، وكانوا تجّارا بالشّام في المدّة الّتي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادّ «8» فيها أبا سفيان وكفّار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظاماء الرّوم، ثمّ دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيّكم أقرب نسبا بهذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبا. فقال: أدنوه منّي، وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثمّ قال لترجمانه: قل لهم إنّي سائل هذا الرّجل، فإن كذبني فكذّبوه. فو الله لولا   (1) الحاكم (4/ 161) وقال: صحيح غريب ووافقه الذهبي وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن، مجمع الزوائد (8/ 152) ، ونقله المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 336) وذكر الهيثمي بعينها. (2) الشجنة: بالكسر والضم في الأصل الشعبة (في غصن من غصون الشجرة) والمراد قرابة مشتبكة كاشتباك العروق. (3) ذلق: فصيح بليغ. (4) النكث: نقض العهد، والمراد فمن قطعها (5) الحديث له أصل في البخاري- الفتح 10 (5988) والأدب المفرد (ج 1 ص 92، 93، 94 برقم 53، 54، 55) ومجمع الزوائد (8/ 151) واللفظ له وقال: رواه البزار وإسناده حسن والترغيب والترهيب (3/ 340) وقال إسناده حسن. ويشهد له الحديث الذي بعده. (6) البخاري- الفتح 10 (5987) ، ومسلم (2554) واللفظ له، والترغيب والترهيب (3/ 338، 339) . (7) ذكره في المجمع وقال: رواه الطبراني في الصغير (2/ 48 حديث رقم (758) والكبير (2/ 156) برقم (1648) فى حديث طويل والبزار في الزوائد (7/ 265) ورجال الطبراني رجال الصحيح غير سلام بن المنذر وهو ثقة (8/ 154) . (8) مادّ: جاذب وماطل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2619 الحياء من أن يأثروا عليّ كذبا لكذبت عنه ... الحديث وفيه: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدق، والعفاف، والصّلة ... » الحديث) * «1» . 11- * (عن أمّ رومان- رضي الله عنها- قالت: بينا أنا عند عائشة إذ دخلت علينا امرأة من الأنصار، فقالت: فعل الله بابنها وفعل. قالت عائشة: ولم؟ قالت: إنّه كان فيمن حدّث الحديث. قالت عائشة: وأيّ حديث؟ قالت: كذا وكذا. قالت: وقد بلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: نعم. وبلغ أبا بكر؟ قالت: نعم. قالت: فخرّت عائشة مغشيّا عليها فما أفاقت إلّا وعليها حمّى بنافض «2» قالت: فقمت فدثّرتها «3» . قالت: ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «ما شأن هذه» ؟ قالت: قلت يا رسول الله أخذتها حمّى بنافض. قال: «لعلّه في حديث تحدّث به» . قالت: فاستوت له عائشة قاعدة. قالت: والله لئن حلفت لكم لا تصدّقوني، ولئن اعتذرت إليكم لا تعذروني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، والله المستعان على ما تصفون. قالت: وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: وأنزل الله عذرها، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه أبو بكر فدخل فقال: «يا عائشة! إنّ الله- عزّ وجلّ- قد أنزل عذرك» . قالت: بحمد الله لا بحمدك. قالت: قال أبو بكر لها: تقولين هذا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قالت: نعم. قالت: فكان فيمن حدّث الحديث رجل كان يعوله أبو بكر، فحلف أبو بكر، أن لا يصله، فأنزل الله- عزّ وجلّ- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ (النور/ 22) إلى آخر الآية. قال أبو بكر: بلى فوصله) * «4» . 12- * (عن مالك بن ربيعة السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ جاءه رجل من بني سلمة. فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به من بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصّلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهودهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرّحم الّذي لا رحم لك إلّا من قبلهما» ) * «5» . 13- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: إنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر- أو كلمة نحوها- وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه ويصل فيه رحمه،   (1) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له. ومسلم (1773) . (2) حمّى بنافض: أي حمّى ذات رعدة. (3) فدثرتها: فغطّيتها. (4) أحمد (6/ 367، 368) وهذا لفظه وأصله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، وذكره ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسيره (3/ 271) وقال رواه البخاري معلقا مجزوما به وكذلك ابن أبي حاتم وابن جرير. (5) أبو داود (5142) . وابن ماجة (3664) ، والحاكم (4/ 155) وهذا لفظه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2620 ويعلم لله فيه حقّا. فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو نيّته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما وهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء» ) * «1» . 14- * (عن سلمان بن عامر- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الصّدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرّحم اثنتان: صدقة وصلة) * «2» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرّحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله» ) * «3» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلة الرّحم وحسن الجوار، أو حسن الخلق يعمّران الدّيار، ويزيدان في الأعمار» ) * «4» . 17- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: قدمت أمّي وهي مشركة في عهد قريش ومدّتهم، إذ عاهدوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع أبيها، فاستفتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ أمّي قدمت وهي راغبة (يعني في صلتها) . قال: «نعم، صلي أمّك» ) * «5» . 18- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت أشياء كنت أتحنّث «6» بها في الجاهليّة من صدقة، أو عتاقة، ومن صلة رحم فهل فيها من أجر؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أسلمت على ما سلف من خير» ) * «7» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! إنّي إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني، فأنبئني عن كلّ شيء. قال: «كلّ شيء خلق من ماء» قال: قلت: أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنّة. قال: «أفش السّلام، وأطعم الطّعام، وصل الأرحام، وقم باللّيل والنّاس نيام، ثمّ ادخل الجنّة بسلام» ) * «8» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه   (1) الترمذي (2325) وقال: حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 10) : وهو كما قال. (2) النسائي (5/ 92) واللفظ له والترمذي (658) وقال: حسن. وابن ماجة (1844) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 493) : حسن. (3) البخاري- الفتح 10 (5989) . ومسلم (2555) وهذا لفظه. (4) البخاري- الفتح (10/ 429) وقال الحافظ ابن حجر: عند أحمد ورجاله ثقات. وفي أحمد (6/ 159) : عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لها: «إنّه من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة ... إلى آخر الحديث» ، والترغيب والترهيب (3/ 337) وقال: رواته ثقات إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة. (5) البخاري الفتح 10 (5979) . (6) أتحنث: أتعبد (7) البخاري الفتح 3 (1436) واللفظ له. ومسلم (123) . (8) الحاكم (4/ 160) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2621 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرّحم؛ واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع ... » الحديث) * «1» . 21- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الواصل بالمكافىء. ولكن الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها» ) * «2» . 22- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن يبسط «3» له في رزقه وينسأ «4» له في أثره «5» فليصل رحمه» ) * «6» . 23- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن يمدّ له في عمره ويوسّع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السّوء، فليتّق الله، وليصل رحمه» ) * «7» . 24- * (عن مسروق. قال: كنّا عند عبد الله جلوسا. وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرّحمن! إنّ قاصّا عند أبواب كندة يقصّ ويزعم أنّ آية الدّخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفّار. ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزّكام. فقال عبد الله- وجلس، وهو غضبان-: يا أيّها النّاس! اتّقوا الله، من علم منكم شيئا، فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم، فليقل: الله أعلم، فإنّه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإنّ الله- عزّ وجلّ- قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (ص/ 86) إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا رأى من النّاس إدبارا، فقال: «اللهم سبع كسبع يوسف» . قال: فأخذتهم سنة حصّت «8» كلّ شيء حتّى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظر إلى السّماء أحدهم فيرى كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمّد! إنّك جئت تأمر بطاعة الله، وبصلة الرّحم، وإنّ قومك هلكوا، فادع الله لهم. قال الله- عزّ وجلّ- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (الدخان/ 10- 11) إلى قوله تعالى إِنَّكُمْ عائِدُونَ) قال: أفيكشف عذاب الآخرة؟ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (الدخان/ 16) قال يعني، فالبطشة يوم بدر وقد مضت آية الدّخان، والبطشة، واللّزام «9» ، وآية   (1) البيهقي في السنن الكبرى (10/ 62) . والألباني في صحيح الجامع (2/ 950) برقم (5391) . (2) البخاري- الفتح 10 (5991) . (3) بسط الرزق: توسعته. (4) الإنساء: التأخير. (5) الأثر: الأجل. (6) البخاري الفتح 10 (5986) ومسلم (2557) . (7) عبد الله بن أحمد في زوائده على «المسند» (3/ 156) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 290 برقم 1212) صحيح ومجمع الزوائد (8/ 152- 153) وقال: رواه عبد الله بن أحمد والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح غير عاصم بن عروة وهو ثقة. والترغيب والترهيب (3/ 335) واللفظ له. وقال: إسناده جيد (8) حصت: أي استأصلت (9) اللزام: المراد به قوله سبحانه وتعالى: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً، أي يكون عذابهم لزاما. قالوا وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر، وهي البطشة الكبرى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2622 الرّوم «1» » ) * «2» . 25- * (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة، انجفل النّاس قبله «3» . وقيل: قد قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قد قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قد قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثا فجئت في النّاس لأنظر فلمّا تبيّنت وجهه، عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب، فكان أوّل شيء سمعته تكلّم به أن قال: «يا أيّها النّاس أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام» ) * «4» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «5» . 27- * (عن رجل من خثعم أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو فى نفر من أصحابه، فقلت: أنت الّذي تزعم أنّك رسول الله؟ قال: «نعم» . قال: قلت: يا رسول الله! أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: «الإيمان بالله» قال: قلت يا رسول الله! ثمّ مه؟ قال: «ثمّ صلة الرّحم» . قال: قلت: يا رسول الله! ثمّ مه؟. قال: «ثمّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» . قال: قلت: يا رسول الله! أيّ الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: «الإشراك بالله» . قال: قلت: يا رسول الله! ثمّ مه؟. قال: «ثمّ قطيعة الرّحم» . قال قلت: يا رسول الله! ثمّ مه؟ قال: «ثمّ الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف» ) * «6» . 28- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّه قال: لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبدرته، فأخذت بيده وبدرني «7» فأخذ بيدي فقال: «يا عقبة! ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدّنيا والآخرة؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك. ألا ومن أراد أن يمدّ في عمره، ويبسط في رزقه، فليصل ذا رحمه» ) * «8» . 29- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّه قال: أعتق رجل من بنى عذرة عبدا له عن دبر «9» فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألك مال غيره؟» فقال: لا. فقال: «من يشتريه منّي؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله   (1) وآية الروم: المراد به قوله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. وقد مضت غلبة الروم على فارس، يوم الحديبية. (2) البخاري الفتح 8 (4822) . ومسلم (2798) واللفظ له. (3) انجفل الناس قبله: انقلعوا كلهم فمضوا جهته. (4) الترمذي (2485) . وابن ماجة (3251) . واللفظ له. وأحمد (5/ 451) . وذكره الألباني في الصحيحة برقم (569) . (5) البخاري- الفتح 10 (6138) . واللفظ له، ومسلم (47) . (6) مجمع الزوائد (8/ 151) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير نافع بن خالد الطاحي، وهو ثقة، والمنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أبو يعلى بإسناد جيد (3/ 336) واللفظ له. (7) بدرني: أسرع. (8) الحاكم (4/ 161- 162) وهذا لفظه وسكت عنه الذهبي، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 342) . (9) عن دبر: أي علق عتقه بموته، فقال: أنت حر يوم أموت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2623 العدويّ بثمانمائة درهم فجاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدفعها إليه، ثمّ قال: «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا» . يقول: «فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك) * «1» . الأحاديث الواردة في (صلة الرحم) معنى 30- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت ذنبا عظيما فهل من توبة؟. قال: «هل لك من أمّ؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم. قال: «فبرّها» ) * «2» . 31- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ، فقال: يا نبيّ الله، علّمني عملا يدخلني الجنّة، قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» . قال أوليستا واحدا؟ قال «لا» ، «عتق النّسمة أن تعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة أن تعين على الرّقبة، والمنيحة الرّغوب «3» ، والفيء «4» على ذي الرّحم، فإن لم تطق فأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير» ) * «5» . 32- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. قال: «فهل من والديك أحد حيّ» ؟ قال: نعم، بل كلاهما. قال: «فتبتغي الأجر من الله؟» قال: نعم. قال: «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» ) * «6» . 33- * (عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يوصيكم بأمّهاتكم، ثمّ يوصيكم بأمّهاتكم، ثمّ يوصيكم بأمّهاتكم، ثمّ يوصيكم بابائكم، ثمّ يوصيكم بالأقرب فالأقرب» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7186) . ومسلم (997) واللفظ له. (2) صحيح الترمذي (1985) ط. الألباني، أما طبعة شاكر ففيها تحريف شديد في هذا الموضع (1904) . الحاكم (4/ 155) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي وذكر: «ألك والدان؟» . وذكره الألباني في صحيح الترمذي (1554) واللفظ له في هذا الموضع. (3) المنيحة: هي ذات اللبن يقدمها المرء لغيره ليأخذ لبنها ثم يردها إلى صاحبها. (4) الفيء على ذي الرحم: العطف عليه بالبر. (5) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 104 حديث/ 69) ورجاله ثقات. وقال مخرجه محب الدين الخطيب: رواه أحمد وابن حبان فى صحيحه والبيهقي في الشعب. وقال في المجمع (4/ 240) : رواه أحمد ورجاله ثقات. وللحديث روايات أخرى انظرها في «موسوعة أطراف الحديث النبوى» (6/ 563) . (6) البخاري- الفتح 6 (3004) بلفظ مختلف. ومسلم (2546) واللفظ له. (7) قال الحافظ في الفتح (10/ 416) : أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد، وابن ماجة، والحاكم، كما في المستدرك (4/ 151) ، وصححه وأقره الذهبي فيما قال وهو في الأدب المفرد بشرحه (1/ 97، 98 برقم 60) . وهذا لفظه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2624 34- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّ الله تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ «1» ، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «2» . 35- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا كلّ مال نحلته عبدا، حلال «3» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «4» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «5» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «6» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «7» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «8» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «9» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «10» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم   (1) بخ: كلمة تقال عند الرضا والمدح وإذا كررت أفادت التأكيد. (2) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له. ومسلم (998) . (3) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال إلخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (4) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (5) فاجتالتهم: هكذا هو في نسخ بلادنا: فاجتالتهم. وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين. أي استخفّوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها. (6) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (7) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (8) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومنهم من يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومنهم من ينافق. (9) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان. (10) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2625 كما استخرجوك. واغزهم نغزك «1» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «2» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «3» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «4» وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «5» «والشّنظير «6» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «7» . 36- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمّى فيها القيراط «8» ، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها. فإنّ لهم ذمّة «9» ورحما «10» ، أو قال: ذمّة وصهرا «11» فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فاخرج منها» ) * «12» . 37- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ ميمونة بنت الحارث- رضي الله عنها- أخبرته أنّها أعتقت وليدة ولم تستأذن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا كان يومها الّذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت يا رسول الله أنّي أعتقت وليدتي؟ قال: «أو فعلت؟» قالت: نعم. قال: «أما إنّك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك» ) * «13» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أبوك» ) * «14» . 39- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «رأى عمر- رضي الله عنه- حلّة سيراء «15» تباع، فقال: يا رسول الله! ابتع هذه والبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفود، قال: «إنّما يلبس هذه من   (1) نغزك: أي نعينك. (2) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (3) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتّبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (4) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (5) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور. (6) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق. (7) مسلم (2865) . (8) القيراط: قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما. وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به. (9) الذمة: الحرمة والحق، وهي هنا بمعنى الذمام. (10) رحما: الرحم بكون هاجر أم إسماعيل منهم. (11) صهرا: الصهر بكون أم إبراهيم منهم. (12) مسلم (2543) . (13) البخاري- الفتح 5 (2592) وهذا لفظه. ومسلم (999) . وفى رواية عند مسلم: ثم أدناك أدناك. (14) البخاري- الفتح 10 (5971) . ومسلم (2548) واللفظ له. (15) حلة سيراء: حلّة حرير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2626 لا خلاق له» ، فأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منها بحلل، فأرسل إلى عمر بحلّة فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟ قال: «إنّي لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها» ، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكّة قبل أن يسلم) * «1» . 40- * (عن زينب- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تصدّقن يا معشر النّساء! ولو من حليّكنّ» ، قالت: فرجعت إلى عبد الله، فقلت: إنّك رجل خفيف ذات اليد «2» وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمرنا بالصّدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عنّي وإلّا صرفتها إلى غيركم. فقال عبد الله: بل ائتيه أنت. قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ألقيت عليه المهابة قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّ امرأتين بالباب تسألانك: أتجزي الصّدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما «3» ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هما؟» فقال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ الزّيانب؟» قال: امرأة عبد الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لهما أجران أجر القرابة وأجر الصّدقة) * «4» . 41- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: إنّ أمركنّ ممّا يهمّني بعدي، ولن يصبر عليكنّ إلّا الصّابرون» . قال: ثمّ تقول عائشة (لأبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف) فسقى الله أباك من سلسبيل الجنّة، وكان قد وصل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمال بيعت بأربعين ألفا» ) * «5» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (صلة الرحم) 42- * (عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث- رضي الله عنه- قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعبّاس بن عبد المطّلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي وللفضل بن عبّاس) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّماه، فأمّرهما على هذه الصّدقات، فأدّيا ما يؤدّي النّاس، وأصابا ممّا يصيب النّاس! قال: فبينما هما في ذلك جاء عليّ بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا ذلك. فقال عليّ بن أبي طالب: لا تفعلا فو الله ما هو   (1) البخاري- الفتح 10 (5981) . (2) خفيف ذات اليد: كناية عن الحاجة. (3) حجورهما: الحجور جمع حجر، بالفتح وبالكسر، وهو الحضن، يقال: فلان في حجر فلان أي في كنفه وحمايته. (4) البخاري- الفتح 3 (1462) من حديث أبي سعيد. ومسلم (1000) واللفظ له. (5) الترمذي (3749) وقال: حسن صحيح غريب. وقال الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» (3/ 1729) : إسناده حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2627 بفاعل فانتحاه «1» ربيعة، فقال: والله ما تصنع هذا إلّا نفاسة «2» منك علينا، فو الله! لقد نلت صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما نفسناه عليك. قال عليّ: أرسلوهما، فانطلقا، واضطّجع عليّ. قال: فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظّهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها، حتّى جاء فأخذ باذاننا، ثمّ قال: «أخرجا ما تصرّران «3» ثمّ دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال فتواكلنا الكلام، ثمّ تكلّم أحدنا فقال: يا رسول الله! أنت أبرّ النّاس وأوصل النّاس، وقد بلغنا النّكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصّدقات فنؤدّي إليك كما يؤدّي النّاس، ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتّى أردنا أن نكلّمه. قال وجعلت زينب تلمع «4» علينا من وراء الحجاب أن لا تكلّماه، قال: ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ النّاس، ادعوا لي محميّة ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب» . قال فجاآه. فقال لمحميّة «5» : «أنكح هذا الغلام ابنتك (للفضل بن عبّاس) فأنكحه وقال: لنوفل بن الحارث: «أنكح هذا الغلام ابنتك (لي) فأنكحني، وقال لمحميّة: «أصدق عنهما «6» من الخمس كذا وكذا) » * «7» . 43- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جهارا غير سرّ: «إنّ آل أبي- قال عمرو في كتاب محمّد بن جعفر- بياض- ليسوا بأوليائي، وإنّما وليّي الله وصالح المؤمنين، زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان، عن قيس، عن عمرو ابن العاص، قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ولكن لهم رحم أبلّها ببلالها «8» » يعني أصلها بصلتها) * «9» . 44- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فاطمة بضعة «10» منّي، فمن أغضبها أغضبني» ) * «11» . 45- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما غرت على نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا على خديجة، وإنّي لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا ذبح الشّاة فيقول: «أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة» . قالت:   (1) فانتحاه: عرض له. (2) نفاسة: حسدا. (3) ما تصرران: ما تجمعانه في صدوركما من الكلام. (4) تلمع: هو بضم التاء وكسر الميم، ويجوز فتح التاء والميم. يقال: ألمع ولمع، إذا أشار بثوبه أو بيده. (5) محمية: اسم رجل كان على الخمس. (6) أصدق عنهما: أدّ عنهما المهر من حقي. (7) مسلم (1072) . (8) أبلها ببلالها: أنديها بما يبل به الحلق ونحوه (كناية عن الصلة والإيتاء) . وقوله: ببلالها بفتح الباء وكسرهما وهما وجهان مشهوران قيل: وهو بالكسر أوجه فإن من البلال جمع بلل وهو النداوة. (9) البخاري الفتح 10 (5990) واللفظ له. ومسلم (215) . ومعنى الحديث على ما جاء في الفتح: لا أوالي أحدا بالقرابة، وإنما أحب الله تعالى لما له من الحق الواجب على العباد وأحب صالح المؤمنين لوجه الله تعالى، وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح سواء كان من ذوي رحم أو لا. ولكن أرعى لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم. (10) البضعة: القطعة من اللحم. (11) البخاري- الفتح 7 (3714) واللفظ له. مسلم (2449) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2628 فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي قد رزقت حبّها» ) * «1» . 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت هذه الآية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) ، دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا فاجتمعوا. فعمّ وخصّ. فقال: «يا بني كعب بن لؤيّ، أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني مرّة بن كعب! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد شمس! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد المطّلب! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا فاطمة! أنقذي نفسك من النّار. فإنّي لا أملك لكم من الله شيئا. غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (صلة الرحم) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «تعلّموا أنسابكم ثمّ صلوا أرحامكم، والله إنّه ليكون بين الرّجل وبين أخيه شيء، ولو يعلم الّذي بينه وبينه من داخلة الرّحم لأوزعه «3» ذلك عن انتهاكه» ) * «4» . 2- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- لأن أصل أخا من إخواني بدرهم أحبّ إليّ من أن أتصدّق بعشرين درهما، ولأن أصله بعشرين درهما أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمائة درهم، ولأن أصله بمائة درهم أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة» ) * «5» . 3- * (عن عائشة رضي الله عنها- قالت: إنّ فاطمة. عليها السّلام- أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممّا أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم تطلب صدقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا نورث ما تركنا فهو صدقة،: إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال- يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل. وإنّي والله لا أغيّر شيئا من صدقات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حالها الّتي كانت عليها في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتشهّد عليّ، ثمّ قال: إنّا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك- وذكر قرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحقّهم- فتكلّم أبو بكر فقال: «والّذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي» ) * «6» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر   (1) البخاري الفتح 7 (3818) . مسلم (2435) وهذا لفظه. (2) مسلم (204) . (3) أوزعه: كفه ومنعه. (4) جامع البيان فى تفسير القرآن (1/ 144) . (5) إحياء علوم الدين (1/ 220) . (6) البخاري- الفتح 7 (3711، 3712) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2629 مهاجرا قبل الحبشة حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي، قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وأمّنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به. فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر. فطفق أبو بكر يعبد ربّه في داره، ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف «1» عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة، فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرّين الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بمكّة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهّز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» ، قال أبو بكر: هل ترجو ذلك- بأبي أنت-، قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر» ) * «2» . 5- * (قال ابن أبي مليكة: غدوت على ابن عبّاس فقلت: أتريد أن تقاتل ابن الزّبير فتحلّ ما حرّم الله فقال: معاذ الله. إنّ الله كتب ابن الزّبير وبني أميّة محلّين «3» وإنّي والله لا أحلّه أبدا. قال: قال   (1) يتقصّف: يجتمع ويزدحم. (2) البخاري- الفتح 4 (2297) . ورد هذا الأثر في سياقة حديث، والمقصود الاستشهاد بالأثر. (3) محلين: يعني استحلوا القتال بالحرم المكى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2630 النّاس: بايع لابن الزّبير. فقلت: وأين بهذا الأمر عنه، أمّا أبوه فحواريّ «1» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- يريد الزّبير- وأمّا جدّه فصاحب الغار- يريد أبا بكر-، وأمّا أمّه فذات النّطاقين- يريد أسماء-، وأمّا خالته فأمّ المؤمنين- يريد عائشة- وأمّا عمّته فزوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم،- يريد خديجة-، وأمّا عمّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجدّته- يريد صفيّة- ثمّ عفيف في الإسلام قارئ للقرآن. والله لو وصلوني وصلوني من قريب، وإن ربّوني ربّوني أكفاء كرام» ) * «2» . 6- * (عن عروة بن الزّبير قال: ذهب عبد الله بن الزّبير مع أناس من بني زهرة إلى عائشة: وكانت أرقّ شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» . 7- * (قال عطاء- رحمه الله تعالى-: «لدرهم أضعه فى قرابتي أحبّ إليّ من ألف أضعها في فاقة. قال له قائل: يا أبا محمّد، وإن كان قرابتي مثلي في الغنى. قال: وإن كان أغنى منك» ) * «4» . 8- * (قال سعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى- وقد ترك دنانير «اللهمّ إنّك تعلم أنّي لم أجمعها إلّا لأصون بها ديني وحسبي، لا خير فيمن لا يجمع المال فيقضي دينه، ويصل رحمه، ويكفّ به وجهه» ) * «5» . 9- * (قال محمّد بن عليّ بن الحسين- رحمه الله تعالى-: «إنّ أهل البيت ليتبارون، فينمّي الله- عزّ وجلّ- أموالهم» ) * «6» . 10- * (قال عمرو بن دينار- رحمه الله تعالى-: «تعلمنّ أنّه ما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجرا من خطوة إلى ذي الرّحم» ) * «7» . 11- * (قال سليمان بن موسى: «قيل لعبد الله بن محيريز: ما حقّ الرّحم؟ قال: تستقبل إذا أقبلت، وتتبع إذا أدبرت» ) * «8» . 12- * (قال جعفر الصّادق- رحمه الله تعالى-: «مودّة يوم صلة، ومودّة سنة رحم ماسّة، من قطعها قطعه الله- عزّ وجلّ-» ) * «9» . 13- قال المرّوذيّ: «أدخلت على أبي عبد الله (أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-) رجلا من الثّغر فقال: لي قرابة (بالمرغة) ترى لي أن أرجع إلى الثّغر، أو ترى أن أذهب فأسلّم على قرابتي؟ فقال له: استخر الله، واذهب فسلّم عليهم» ) * «10» . 14- * (وقال مثنّى، قلت له: «الرّجل يكون له القرابة من النّساء، فلا يقومون بين يديه فأيّ شيء يجب عليه من برّهم، وفي كم ينبغي أن يأتيهم؟ قال: اللّطف والسّلام» ) * «11» .   (1) حواريّ: هو الصاحب والناصر. (2) البخاري- الفتح 8 (4665) . (3) البخاري- الفتح 6 (3503) . (4) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (62) . (5) الآداب الشرعية لابن مفلح (3/ 269) . (6) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (51) . (7) المرجع السابق (62) . (8) المرجع السابق (64) . (9) الآداب العشرة للغزي (44) . (10) المرجع السابق (1/ 452) . (11) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2631 15- * (وقال الفضل بن عبد الصّمد لأبي عبد الله «1» - رحمه الله تعالى-: «رجل له إخوة وأخوات بأرض غصب ترى أن يزورهم، قال: نعم، يزورهم ويراودهم على الخروج منها، فإن أجابوا وإلّا لم يقم معهم، ولا يدع زيارتهم» ) * «2» . 16- * (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى-: «صلة الرّحم هي أداء الواجب لها من حقوق الله الّتي أوجب لها، والتّعطّف عليها بما يحقّ التّعطّف به عليها» ) * «3» . 17- * (قال الطّيبيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الله يبقي أثر واصل الرّحم طويلا فلا يضمحلّ سريعا كما يضمحلّ أثر قاطع الرّحم» ) * «4» . من فوائد (صلة الرحم) (1) علامة كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) تحقّق السّعة في الأرزاق والبركة في الأعمار. (3) اكتساب رضى الرّبّ ثمّ محبّة الخلق. (4) تقوية أواصر العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأسرة الواحدة والأسر المرتبطة بالمصاهرة والنّسب حتّى يعمّ المجتمع كلّه. (5) استصحاب معيّة النّصر، والتّأييد من الله القويّ العزيز للواصل. (6) للأرحام حقّ وإن كانوا كفّارا، أو فجّارا، أو مبتدعة. (7) تقوّي الصّلة بقرب العلاقة وهي للأقرب أقوى منها للأبعد.   (1) هو أحمد بن حنبل- رحمه الله-. (2) الآداب الشرعية (1/ 452) . (3) جامع البيان في تفسير القرآن (1/ 144) . (4) فتح الباري (10/ 430) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2632 الصمت وحفظ اللسان [الصمت] الصمت لغة: مصدر قولهم: صمت يصمت إذا سكت، وهو مأخوذ من مادّة (ص م ت) الّتي تدلّ على إبهام وإغلاق، يقال من ذلك صمت الرّجل وأصمت إذا سكت، ومنه قولهم: لقيت فلانا ببلدة إصمت، وهي القفر الّتي لا أحد بها، كأنّها صامتة ليس بها ناطق، ويقال ماله صامت ولا ناطق فالصّامت الذّهب والفضّة، والنّاطق: الإبل والغنم والخيل، والصّموت الدّرع اللّيّنة الّتي إذا صبّها الرّجل على نفسه لم يسمع لها صوت، وباب مصمت: قد أبهم إغلاقه، والصّامت من اللّبن: الخاثر، لأنّه إذا كان كذلك فأفرغ فى إناء لم يسمع له صوت. وقال الجوهريّ: يقال: صمت يصمت صمتا وصموتا وصماتا، وأصمت وقيل: أصمت معناه أطال السّكوت مثله، والتّصميت: التّسكيت ومثله السّكوت، ورجل صمّيت أي سكّيت والصّمتة بالضّمّ مثل السّكتة، ويقال: رميته بصماته وسكاته، أي بما صمت به وسكت، وفي حديث أسامة- رضي الله عنه-: «لمّا ثقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الآيات/ الأحاديث/ الآثار -/ 22/ 38 دخلت عليه يوم أصمت فلم يتكلّم» . قال الأزهريّ معناه: «ليس بيني وبينه أحد» وقال ابن الأثير: يقال صمت العليل وأصمت فهو صامت ومصمت إذا اعتقل لسانه، ومنه الحديث الآخر أنّ امرأة من أحمس حجّت مصمتة أي: ساكتة لا تتكلّم. وفي حديث عليّ- رضي الله عنه-: «لا صمت يوما إلى اللّيل» معناه: لا تصمت يوما إلى اللّيل «1» . وفى حديث صفة التّمرة أنّها صمتة للصّغير. أي أنّه إذا بكى أسكت بها. والصّمتة هي الاسم من: صمت، وقيل الصّمت المصدر، وما سوى ذلك فهو اسم، ومن أمثالهم: إنّك لا تشكو إلى مصمّت، أي لا تشكو إلى من لا يعبأ بشكواك، من قولهم صمّت الرّجل شكا إليه فنزع إليه من شكايته «2» . الصمت اصطلاحا: قال الكفويّ: الصّمت إمساك عن قول الباطل دون الحقّ «3» . وقال المناويّ: الصّمت: فقد الخاطر بوجد حاضر، وقيل: سقوط النّطق بظهور الحقّ، وقيل:   (1) نسب الكسائيّ هذه العبارة إلى العرب أيضا، وقال إنها تروى بالرفع والنصب والجر في (يوم) فمن نصب أراد لا تصمت يوما إلى الليل، ومن رفع أراد «لا يصمت يوم إلى اللّيل» ومن خفض فعلى الإضافة. (2) المقاييس (3/ 308) ، الصحاح (1/ 256) ، النهاية (3/ 51) ، لسان العرب (3/ 2492) ، ط. دار المعارف. (3) الكليات للكفوي (507) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2633 انقطاع اللّسان بظهور العيان «1» . الفرق بين السكوت والصمت: الفرق بينهما من وجوه: 1- أنّ السّكوت هو ترك التّكلّم مع القدرة عليه، وبهذا القيد الأخير يفارق الصّمت؛ فإنّ القدرة على التّكلّم غير معتبرة فيه. 2- كما أنّ الصّمت يراعى فيه الطّول النّسبيّ فمن ضمّ شفتيه آنا يكون ساكتا ولا يكون صامتا إلّا إذا طالت مدّة الضّمّ. 3- السّكوت إمساك عن الكلام حقّا كان أو باطلا، أمّا الصّمت فهو إمساك عن قول الباطل دون الحقّ. حفظ اللسان: الحفظ لغة: انظر حفظ في صفة (حفظ الأيمان) . اللسان لغة: اللّسان في اللّغة هو جارحة الكلام، وقد يكنى به عن الكلمة فتؤنّث حينئذ كما في قول أعشى باهلة: إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها. فمن ذكّره قال في الجمع ثلاثة ألسنة ومن أنّثه قال: ثلاث ألسن؛ لأنّ ذلك قياس ما جاء على فعال من المذكّر والمؤنّث وإن أردت به اللّغة أنّثت، واللّسن بالتّحريك الفصاحة، وقد لسن بالكسر فهو لسن وألسن، وقوم لسن. ويقال: لسنته إذا أخذته بلسانك، والملسون: الكذّاب، واللّسن: الكلام واللّغة، واللّسن بالتّحريك: الفصاحة؛ يقال لكلّ قوم لسن: أي لغة يتكلّمون بها واللّسان: اللّغة، قال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ (الروم/ 22) ومن ذلك قولهم: فلان يتكلّم بلسان قومه. أي بلغتهم، واللّسان أيضا الرّسالة، واللّسان: المقول، واللّسان: الثّناء، والإلسان: إبلاغ الرّسالة، وألسنه ما يقول أي أبلغه، وألسن عنه بلّغ، ولسنه يلسنه لسنا: كان أجود لسانا منه، ولسنه: كلّمه، ولسنه أخذه بلسانه، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- وذكر امرأة فقال: إن دخلت عليك لسنتك، أي أخذتك بلسانها، يصفها بالسّلاطة وكثرة الكلام والبذاء، ولسان القوم: المتكلّم بلسانهم، وقوله في الحديث: لصاحب الحقّ اليد واللّسان، اليد: اللّزوم (والقوّة) ، واللّسان: التّقاضي، ولسان الميزان: عذبته، ولسان النّار ما يتشكّل منها على شكل اللّسان «2» . حفظ اللسان اصطلاحا: أن يصون المرء لسانه عن الكذب، والغيبة والنّميمة، وقول الزّور، وغير ذلك ممّا نهى عنه الشّارع الحكيم. قال الجاحظ: ومن الأخلاق الفاضلة: اللهجة وهى الإخبار عن الشّيء على ما هو به، وهذا الخلق مستحسن، ما لم يؤدّ إلى ضرر مجحف، فإنّه ليس بمستحسن صدق الإنسان إن سئل عن فاحشة كان قد ارتكبها، إذ لا يفى صدقة بما يلحقه في ذلك من العار والمنقصة الباقية اللّازمة «3» .   (1) التوقيف على مهمات التعاريف (218) . (2) الصحاح (6/ 2195) ، ولسان العرب (13/ 387) ، ط. بيروت. (3) تهذيب الأخلاق للجاحظ (26) بتصرف يسير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2634 خطر اللسان: قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-: إنّ اللّسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة. فإنّه صغير جرمه «1» ، عظيم طاعته وجرمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلّا بشهادة اللّسان، وهما غاية الطّاعة والعصيان. وأعصى الأعضاء على الإنسان اللّسان، فإنّه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في تحريكه. وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحبائله. وإنّه أعظم آلة للشّيطان في استغواء الإنسان. واللّسان رحب الميدان، ليس له مردّ، ولا لمجاله منتهى وحدّ. له في الخير مجال رحب، وله في الشّرّ ذيل سحب، فمن أطلق عذبة «2» اللّسان، وأهمله مرخيّ العنان «3» سلك به الشّيطان في كلّ ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطرّه إلى البوار، ولا يكبّ النّاس في النّار على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شرّ اللّسان إلّا من قيّده بلجام الشّرع، فلا يطلقه إلّا فيما ينفعه في الدّنيا والآخرة، ويكفّه عن كلّ ما يخشى غائلته في عاجله وآجله. ذلك أنّ خطر اللّسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلّا بالصّمت، فلذلك مدح الشّرع الصّمت وحثّ عليه. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «من صمت نجا» «4» . «5» فضل الكلام والصمت: يقول الماورديّ: اعلم أنّ الكلام ترجمان يعبّر عن مستودعات الضّمائر، ويخبر بمكنونات السّرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على ردّ شوارده، فحقّ على العاقل أن يحترز من زلله، بالإمساك عنه، أو بالإقلال منه. وفى شروط الكلام يقول الماورديّ: واعلم أنّ للكلام شروطا لا يسلم المتكلّم من الزّلل إلّا بها، ولا يعرى من النّقص إلّا بعد أن يستوفيها. وهي أربعة: الشّرط الأوّل: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إمّا فى اجتلاب نفع، أو دفع ضرر. ذلك أنّ مالا داعي له هذيان، وما لا سبب له هجر، ومن سامح نفسه في الكلام إذا عنّ، ولم يراع صحّة دواعيه، وإصابة معانيه، كان قوله مرذولا، ورأيه معلولا. الشّرط الثّاني: أن يأتي به في موضعه، ويتوخّى به إصابة فرصته؛ لأنّ الكلام في غير حينه لا يقع موقع الانتفاع به، وما لا ينفع من الكلام فقد تقدّم القول بأنّه هذيان وهجر، فإن قدّم ما يقتضي التّأخير كان عجلة وخرقا، وإن أخّر ما يقتضي التّقديم كان توانيا وعجزا، لأنّ لكلّ مقام قولا، وفي كلّ زمان عملا. الشّرط الثّالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته، فإنّ الكلام إن لم ينحصر بالحاجة، ولم يقدّر بالكفاية، لم يكن لحدّه غاية، ولا لقدره نهاية، وما لم يكن من الكلام محضورا كان إمّا حصرا إن قصر، أو هذرا إن كثر. الشّرط الرّابع: اختيار اللّفظ الّذي يتكلّم به، لأنّ اللّسان عنوان الإنسان، يترجم عن مجهوله،   (1) جرم: الجرم الجسد. (2) عذبة اللسان: طرفه. (3) العنان: سير اللجام الذي تمسك به الدابة. (4) رواه الترمذي رقم (2503) . وانظر «موسوعة أطراف الحديث النبوي» (8/ 387) . (5) انظر إحياء علوم الدين (3/ 108) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2635 ويبرهن عن محصوله، فيلزم أن يكون بتهذيب ألفاظه حريّا، وبتقويم لسانه مليّا. ومن آداب الكلام: قال- رحمه الله-: واعلم أنّ للكلام آدابا إن أغفلها المتكلّم أذهب رونق كلامه وطمس بهجة بيانه، ولها النّاس عن محاسن فضله، بمساوئ أدبه، فعدلوا عن مناقبه، بذكر مثالبه. ومن آدابه: 1- أن لا يتجاوز في مدح، ولا يسرف في ذمّ، وإن كانت النّزاهة عن الذّمّ كرما، والتّجاوز في المدح قلقا يصدر عن مهانة؛ والسّرف في الذّمّ انتقام يصدر عن شرّ، وكلاهما شين، وإن سلم من الكذب. 2- أن لا تبعثه الرّغبة والرّهبة في وعد أو وعيد يعجز عنهما، ولا يقدر على الوفاء بهما؛ فإنّ من أطلق بهما لسانه، وأرسل فيهما عنانه، ولم يستثقل من القول ما يستثقله من العمل صار وعده نكثا، ووعيده عجزا. 3- أنّه إن قال قولا حقّقه بفعله، وإذا تكلّم بكلام صدّقه بعمله، فإنّ إرسال القول اختيار، والعمل به اضطرار، ولأن يفعل ما لم يقل أجمل من أن يقول ما لم يفعل. 4- أن يراعي مخارج كلامه بحسب مقاصده وأغراضه، فإن كان ترغيبا قرنه باللّين واللّطف، وإن كان ترهيبا خلطه بالخشونة والعنف، فإنّ لين اللّفظ في التّرهيب، وخشونته في التّرغيب، خروج عن موضعهما، وتعطيل للمقصود بهما، فيصير الكلام لغوا، والغرض المقصود لهوا. 5- ألّا يرفع بكلامه صوتا مستكرها، ولا ينزعج له انزعاجا مستهجنا، وليكفّ عن حركة تكون طيشا، وعن حركة تكون عيّا، فإنّ نقص الطّيش أكثر من فضل البلاغة. 6- أن يتجافى هجر القول ومستقبح الكلام، وليعدل إلى الكناية عمّا يستقبح صريحه، ويستهجن فصيحه، ليبلغ الغرض ولسانه نزه، وأدبه مصون، وكما أنّه يصون لسانه عن ذلك، فهكذا يصون عنه سمعه، فلا يسمع خنى، ولا يصغي إلى فحش، فإنّ سماع الفحش داع إلى إظهاره، وذريعة إلى إنكاره؛ وإذا وجد عن الفحش معرضا، كفّ قائله وكان إعراضه أحد النّكيرين، كما أنّ سماعه أحد الباعثين. 7- أن يجتنب أمثال العامّة الغوغاء، ويتخصّص بأمثال العلماء الأدباء. فإنّ لكلّ صنف من النّاس أمثالا تشاكلهم، فلا تجد لساقط إلّا مثلا ساقطا، وتشبيها مستقبحا، وللأمثال من الكلام موقع في الأسماع، وتأثير في القلوب، لا يكاد الكلام المرسل يبلغ مبلغها، ولا يؤثّر تأثيرها؛ لأنّ المعاني بها لائحة والشّواهد بها واضحة، والنّفوس بها وامقة، والقلوب بها واثقة، والعقول لها موافقة، فلذلك ضرب الله الأمثال في كتابه العزيز وجعلها من دلائل رسله، وأوضح بها الحجّة على خلقه؛ لأنّها في العقول معقولة، وفي القلوب مقبولة «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الصدق- كتمان السر- الكلم الطيب- خفظ الصوت- الحلم- الصبر والمصابرة- الأدب- مجاهدة النفس. وفي ضد ذلك: انظر صفات: إفشاء السر- الكذب- اللغو- الغيبة- النميمة- البذاءة] .   (1) أدب الدنيا والدين (266- 276) بتصرف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2636 الأحاديث الواردة في (الصمت وحفظ اللسان) 1- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه أدرك عمر بن الخطّاب في ركب، وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّ الله- عزّ وجلّ- ينهاكم أن تحلفوا بابائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صمت نجا» ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» ) * «3» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله إنّ البكر تستحي، قال: «رضاها صمتها» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (الصمت وحفظ اللسان) معنى 5- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا زعيم ببيت في ربض «5» الجنّة لمن ترك المراء وإن كان محقّا، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسن خلقه» ) * «6» . 6- * (عن الحارث بن هشام- رضي الله عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بأمر أعتصم به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «املك هذا» ، وأشار إلى لسانه) * «7» . 7- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه ارتقى الصّفا فأخذ بلسانه، فقال: يا لسان، قل خيرا تغنم، واسكت عن شرّ تسلم، من قبل أن تندم، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أكثر خطأ ابن آدم في لسانه» ) * «8» . 8- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال:   (1) البخاري- الفتح 10 (6108) ، ومسلم (1646) واللفظ له. (2) الترمذي (2503) وهذا لفظه، وقال: هذا حديث غريب. وقال الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 118) : رواه الطبراني بسند جيد، وقال الحافظ بن حجر في الفتح (11/ 315) : رواته ثقات. وانظر «موسوعة أطراف الحديث النبوي» (8/ 387) . (3) البخاري- الفتح 10 (6018) ، ومسلم (47) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 9 (5137) واللفظ له، ومسلم (1421) . (5) ربض الجنة: ما حول الجنة خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع (وهو ما يعرف الآن بضواحي المدن) انظر النهاية (2/ 185) . (6) أبو داود 4 (4800) وهذا لفظه. والترمذي (1993) وقال: حديث حسن (7) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 527) وقال: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد. (8) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 534) . وقال: رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2637 سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ المسلمين أفضل؟. قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» ) * «1» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله «2» جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم قيل وقال «3» وكثرة السّؤال «4» وإضاعة المال» ) * «5» . 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟. قال: «الصّلاة على ميقاتها» قلت: ثمّ ماذا يا رسول الله؟ قال: «أن يسلم النّاس من لسانك» ) * «6» . 11- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله ما الإسلام؟. قال: «أن يسلم قلبك لله- عزّ وجلّ- وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك» . قال: فأيّ الإسلام أفضل؟. قال: «الإيمان» . قال: وما الإيمان؟. قال: «تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت» . قال: فأيّ الإيمان أفضل؟. قال: «الهجرة» . قال: فما الهجرة؟. قال: «تهجر السّوء» . قال: فأيّ الهجرة أفضل؟. قال: «الجهاد» . قال: وما الجهاد؟. قال: «أن تقاتل الكفّار إذا لقيتهم» . قال: فأيّ الجهاد أفضل؟. قال: «من عقر «7» جواده وأهريق «8» دمه» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثمّ عملان هما أفضل الأعمال إلّا من عمل بمثلهما: حجّة مبرورة أو عمرة مبرورة» ) * «9» . 12- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة، ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصّدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16) ثمّ   (1) البخاري- الفتح 1 (10) ، ومسلم (40) . والترمذي (2504) واللفظ له. (2) والاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بادابه. (3) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس. (4) كثرة السؤال: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لا يقع ولا تدعو إليه الحاجة. (5) مسلم (1715) . وبعضه عند البخاري 9 (5975) . (6) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 523) وقال: رواه الطبراني بإسناد صحيح وصدره في الصحيحين. (7) عقر: قطعت رجله في المعركة. (8) أهريق: لغة من أريق. أي أسيل. (9) قال الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (ص 285) : رواه أحمد (4/ 114) وهذا لفظه بإسناد رجاله رجال الصحيح. وهو في الصحيحة للألباني (551) ، والحديث أصله في مسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2638 قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه «1» ؟» قلت: بلى. يا رسول الله! قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» . ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه» . قلت: بلى، يا نبيّ الله. فأخذ بلسانه. قال: «كفّ عليك هذا» . فقلت: يا نبيّ الله! وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟. قال: «ثكلتك «2» أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «3» . 13- * (عن أسود بن أصرم- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله! أوصني. قال: «تملك يدك» ؟. قلت: فماذا أملك إذا لم أملك يدي؟ قال: «تملك لسانك» ؟. قلت: فماذا أملك إذا لم أملك لساني؟. قال: «لا تبسط يدك إلّا إلى خير، ولا تقل بلسانك إلّا معروفا» ) * «4» . 14- * (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! حدّثني بأمر أعتصم به. قال: قل: «ربّي الله ثمّ استقم» . قلت: يا رسول الله! ما أكثر ما تخاف عليّ؟. فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: «هذا» ) * «5» . 15- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما النّجاة؟. قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك» ) * «6» . 16- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان فلان رديف «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، قال: فجعل الفتى يلاحظ النّساء وينظر إليهنّ. قال: وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصرف وجهه بيده مرارا، قال: وجعل الفتى يلاحظ إليهنّ. قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ابن أخي، إنّ هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له» ) * «8» . 17- * (عن أمّ حبيبة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ كلام ابن آدم عليه لا له إلّا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله» ) * «9» . 18- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإنّ   (1) سنامه: السنام من كل شيء أعلاه. (2) ثكلتك: دعاء عليه بالهلاك. (3) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح وأحمد (5/ 237) ، وابن ماجة (3973) وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29، 30) : صحيح الإسناد، والبيهقي. (4) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 530) وقال: رواه ابن أبي الدنيا. والطبراني بإسناد حسن والبيهقي. (5) الترمذي (2522) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (3972) وصححه الألباني صحيح سنن ابن ماجه (3208) . (6) الترمذي (2406) وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) : وهو كما قال. (7) رديف: يعني يركب خلفه على دابته. (8) أحمد (1/ 229) واللفظ له، وقال الحافظ الدمياطي: رواه أحمد بإسناد صحيح. انظر المتجر الرابح (312) . (9) رواه الترمذي (2412) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (3974) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 731) حديث حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2639 أبعد النّاس من الله القلب القاسي» ) * «1» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ) * «2» . 20- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من يضمن «3» لي ما بين لحييه «4» وما بين رجليه أضمن له الجنّة» ) * «5» . 21- * (عن معاذ- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، أوصني. قال: «اعبد الله كأنّك تراه، واعدد نفسك في الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كلّه» . قال: «هذا» ، وأشار بيده إلى لسانه) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصمت وحفظ اللسان) 22- عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر الذّكر، ويقلّ اللّغو، ويطيل الصّلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصمت وحفظ اللسان) 1- * (قيل لعيسى- عليه السّلام-: دلّنا على عمل ندخل به الجنّة. قال: «لا تنطقوا أبدا» ، قالوا: لا نستطيع ذلك، فقال: «فلا تنطقوا إلّا بخير» ) * «8» . 2- * (قال عيسى- عليه السّلام-: «طوبى لمن بكى على خطيئته، وخزن لسانه، ووسعه بيته» ) * «9» . 3- * (قال سليمان بن داود- عليهما السّلام-: «إن كان الكلام من فضّة فالسّكوت من ذهب» ) * «10» .   (1) الترمذي (2411) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 538) وقال: رواه الترمذي والبيهقي، وقال محقق رياض الصالحين (ص 575) : رواه الترمذي وسنده حسن. (2) مالك في الموطأ (2/ 903) . والترمذي (2317) وقال: هذا حديث غريب، وصححه الألباني صحيح سنن الترمذي (1886) ، وابن ماجة (3976) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 729) : حديث حسن. (3) يضمن: من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية فأطلق الضمان وأراد لازمه. (4) لحييه، بفتح اللام وسكون المهملة والتثنية هما العظمان في جانبي الفم، والمراد بما بينهما: اللسان. (5) البخاري- الفتح 11 (6474) واللفظ له. والترمذي (2408) . (6) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 532) وقال رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد. (7) النسائي (3/ 109) ، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (1341) . (8) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 120) . (9) انظر حسن السمت في الصمت (65) . (10) إحياء علوم الدين (3/ 120) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2640 4- * (كان أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- يضع حصاة في فيه، يمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول: «هذا الّذي أوردني الموارد» ) * «1» . 5- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «من كثر كلامه كثر سقطه» ) * «2» . 6- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «اللّسان قوام البدن، فإذا استقام اللّسان استقامت الجوارح، وإذا اضطرب اللّسان لم تقم له جارحة» ) * «3» . 7- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «أنذرتكم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته» ) * «4» . 8- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «والله الّذي لا إله إلّا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من اللّسان» ) * «5» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «خمس لهنّ أحبّ إليّ من الدّهم «6» الموقوفة: 1- لا تتكلّم فيما لا يعنيك؛ فإنّه فضل، ولا آمن عليك الوزر. 2- ولا تتكلّم فيما يعنيك حتّى تجد له موضعا، فإنّه ربّ متكلّم في أمر يعينه، قد وضعه في غير موضعه فعنت. 3- ولا تمار «7» حليما ولا سفيها؛ فإنّ الحليم يقليك، والسّفيه يؤذيك. 4- واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحبّ أن يذكرك به، وأعفه ممّا تحبّ أن يعفيك منه، وعامل أخاك بما تحبّ أن يعاملك به. 5- واعمل عمل رجل يعلم أنّه مجازى بالإحسان مأخوذ بالاحترام» ) * «8» . 10- * (قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: «دع ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك «9» » ) * «10» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «لا يتّقي الله- عزّ وجلّ- رجل أو أحد حقّ تقاته حتّى يخزن من لسانه» ) * «11» . 12- * (قال عبد الله بن طاوس- رحمه الله-: «كان طاوس- رحمه الله- يتعذّر من طول السّكوت ويقول: «إنّي جرّبت لساني فوجدته لئيما» ) * «12» . 13- * (قال طاوس- رحمه الله-: «لساني   (1) إحياء علوم الدين (3/ 120) . (2) انظر الصمت لابن أبي الدنيا (241) . (3) المرجع السابق (249) . (4) الصمت لابن أبي الدنيا (239- 240) . (5) إحياء علوم الدين (3/ 120) . (6) الدّهم: جمع أدهم، وهو من الخيل ما بين الأشقر والأسود، وناقة دهماء إذا اشتدت ورقتها حتى ذهب البياض الذي فيها. (7) تمار: تجادل. (8) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 122) . (9) ورق: بكسر الراء الفضة وقد تسكّن. (10) إحياء علوم الدين (3/ 122) . (11) ابن ماجة في المقدمة (11) . وحسن السمت في الصمت (53) . (12) الصمت لابن أبي الدنيا (248) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2641 سبع إن أرسلته أكلني» ) * «1» . 14- * (عن يعلى بن عبيد- رحمه الله- قال: «دخلنا على محمّد بن سوقة فقال: «أحدّثكم بحديث لعلّه ينفعكم فإنّه قد نفعني. قال لنا عطاء بن أبي رباح: يا بني أخي، إنّ من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدّون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه، أو تأمر بمعروف، أو تنهى عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك الّتي لا بدّ لك منها، أتنكرون: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ (الانفطار: 10- 11) وعَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ* ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق/ 17- 18) . أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته الّتي أملى صدر نهاره، كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه» ) * «2» . 15- * (قال محمّد بن واسع لمالك بن دينار: «يا أبا يحيى حفظ اللّسان أشدّ على النّاس من حفظ الدّيا نار والدّرهم» ) * «3» . 16- * (قال وهب بن منبّه: في حكمة آل داود: «حقّ على العاقل أن يكون عارفا بزمانه، حافظا للسانه، مقبلا على شانه» ) * «4» . 17- * (قال الحسن- رحمه الله-: «ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه» ) * «5» . 18- * (قال الحسن بن هانئ: إنّما العاقل من ... ألجم فاه بلجام لذ «6» بداء الصّمت خي ... ر لك من داء الكلام ) * «7» . 19- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: كانوا يتكلّمون عند معاوية- رضي الله عنه- والأحنف ساكت، فقالوا: مالك لا تكلّم يا أبا بحر؟. قال: «أخشى الله إن كذبت، وأخشاكم إن صدقت» ) * «8» . 20- * (عن الأوزاعيّ قال: «كتب إلينا عمر ابن عبد العزيز- رحمه الله- برسالة لم يحفظها غيري، وغير مكحول: «أمّا بعد، فإنّه من أكثر ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير، ومن عدّ كلامه من عمله، قلّ كلامه فيما لا ينفعه» ) * «9» . 21- * (عن عمرو بن قيس- رحمه الله- أنّ رجلا مرّ بلقمان، والنّاس عنده، فقال: «ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى. الّذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا؟ قال: بلى. قال: فما الّذي بلغ بك ما أرى؟. قال: «صدق الحديث، وطول السّكوت عمّا لا يعنيني» ) * «10» . 22- * (قال محمّد بن الفضل الحارثيّ- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: كثرة الكلام تذهب   (1) إحياء علوم الدين (3/ 120) . (2) الصمت لابن أبي الدنيا (240- 241) ، والإحياء (23- 124) . (3) إحياء علوم الدين (3/ 120) . (4) المرجع السابق (3/ 120) . (5) إحياء علوم الدين (3/ 120) . (6) لذ: الجأ. (7) الآداب الشرعية (38) . (8) الصمت لابن أبي الدنيا (226) . (9) إحياء علوم الدين (3/ 112) . (10) الصمت لابن أبي الدنيا (265) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2642 الوقار» ) * «1» . 23- * (عن يزيد بن أبي حبيب- رحمه الله- قال: «من فتنة العالم أن يكون الكلام أحبّ إليه من الاستماع وإن وجد من يكفيه؛ فإنّ في الاستماع سلامة، وزيادة في العلم، والمستمع شريك المتكلّم في الكلام إلّا من عصم الله، ترمّق «2» ، وتزيّن، وزيادة، ونقصان) * «3» . 24- * (عن يونس بن عبيد قال: «ما من النّاس أحد يكون لسانه منه على بال إلّا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله» ) * «4» . 25- * (عن الرّبيع بن خثيم- رحمه الله- قال: «لا خير في الكلام إلّا في تسع: تهليل، وتكبير، وتسبيح، وتحميد، وسؤالك عن الخير، وتعوّذك من الشّرّ، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر، وقراءتك القرآن» ) * «5» . 26- * (عن إبراهيم بن عبد العزيز التّيميّ قال: «المؤمن إذا أراد أن يتكلّم نظر، فإن كان كلامه له تكلّم، وإن كان عليه أمسك عنه، والفاجر إنّما لسانه رسلا رسلا «6» » ) * «7» . 27- * (قال عبيد الله بن أبي جعفر: «إذا كان المرء يحدّث في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت، وإن كان ساكتا فأعجبه السّكوت فليتحدّث» ) * «8» . 28- * (عن عبد الله بن المبارك- رحمه الله- قال: «قال بعضهم في تفسير العزلة: هو أن يكون مع القوم، فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت» ) * «9» . 29- * (قال أبو بكر بن عيّاش: «اجتمع أربعة ملوك، فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل، وقال آخر: إنّي إذا تكلّمت بكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلّم بها ملكتها ولم تملكني، وقال ثالث: عجبت للمتكلّم إن رجعت عليه كلمته ضرّته، وإن لم ترجع لم تنفعه. وقال الرّابع: أنا على ردّ ما لم أقل أقدر منّي على ردّ ما قلت» ) * «10» . 30- * (عن عبد العزيز بن أبي روّاد قال: قال رجل لسلمان- رضي الله عنه-: أوصني؟ قال: «لا تكلّم. قال: وكيف يصبر رجل على أن لا يتكلّم؟. قال: فإن كنت لا تصبر على الكلام، فلا تتكلّم إلّا بخير أو اصمت» ) * «11» . 31- * (وذكر ابن عبد البرّ ما أنشده بعضهم: سأرفض ما يخاف عليّ منه ... وأترك ما هويت لما خشيت   (1) حسن السمت في الصمت للسيوطي (28) . (2) ترميق الكلام: تلفيقه. (3) الصمت لابن أبي الدنيا (253) . (4) المرجع السابق (257) . (5) الصمت لابن أبي الدنيا (246) . (6) رسلا: ليّنا مسترخيا لا تؤدة فيه. (7) الصمت لابن أبي الدنيا (247) . (8) المرجع السابق (252) . (9) المرجع السابق (241) . (10) إحياء علوم الدين (3/ 133) . (11) الصمت لابن أبي الدنيا (215) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2643 لسان المرء ينبي عن حجاه «1» . ... وعيّ المرء يستره السّكوت) * «2» . 32- * (قال الشّاعر: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلّا صورة اللّحم والدّم وكائن «3» ترى من ساكت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التّكلّم) * «4» . 33- * (قال الشّاعر: وأعلم علما ليس بالظّنّ إنّه ... إذا زال مال المرء فهو ذليل وإنّ لسان المرء ما لم يكن له ... حصاة «5» على عوراته لدليل) * «6» . 34- * (قال الشّاعر: عوّد لسانك قلّة اللّفظ ... واحفظ كلامك أيّما حفظ إيّاك أن تعظ الرّجال وقد ... أصبحت محتاجا إلى الوعظ) * «7» . 35- * (قال الشّاعر: من لزم الصّمت اكتسى هيبة ... تخفي على النّاس مساويه) * «8» . لسان من يعقل في قلبه ... وقلب من يجهل في فيه) * «9» . 36- * (قال بعضهم: عجبت لإدلال العييّ «10» بنفسه ... وصمت الّذي قد كان بالقول أعلما وفي الصّمت ستر للعييّ وإنّما ... صحيفة لبّ المرء أن يتكلّما) * «11» 37- * (قال بعضهم: «الصّمت يجمع للرّجل فضيلتين: السّلامة في دينه، والفهم عن صاحبه» ) * «12» . 38- * (قال بعضهم: احفظ لسانك أيّها الإنسان ... لا يلد غنّك إنّه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشّجعان) * «13» . من فوائد (الصمت وحفظ اللسان) (1) دليل كمال الإيمان، وحسن الإسلام. (2) السّلامة من العطب في المال، والنّفس، والعرض. (3) دليل حسن الخلق، وطهارة النّفس. (4) يثمر محبّة الله، ثمّ محبّة النّاس. (5) يهيّأ المجتمع الصّالح، والنّشء الصّالح. (6) الفوز بالجنّة، والنّجاة من النّار.   (1) حجاه: عقله. (2) الآداب الشرعية (1/ 38) . (3) وكائن: وكثيرا ما ترى. (4) انظر: أدب الدنيا والدين للماوردي (85) . (5) حصاة: العقل والرزانة. (6) أدب الدنيا والدين للماوردي (87) . (7) المرجع السابق (87) . (8) مساويه: عيوبه. (9) حسن السمت في الصمت للسيوطي رقم (120) (ص 49، 50) . (10) العييّ: العاجز عن الكلام. (11) الآداب الشرعية (1/ 37) . (12) إحياء علوم الدين (3/ 111) . (13) الأذكار للنووي (ص 298) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2644 الصوم الصوم لغة: مصدر صام يصوم صوما وصياما، مأخوذ من مادّة (ص وم) الّتي تدلّ على «إمساك وركود في مكان» من ذلك صوم الصّائم، وهو إمساكه عن مطعمه ومشربه وسائر ما منعه، ويكون الإمساك عن الكلام صوما، قال أهل اللّغة في قوله تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً (مريم/ 26) : إنّه الإمساك عن الكلام أي الصّمت، وأمّا الرّكود فيقال للقائم صائم. والصّوم أيضا: ركود الرّيح، والصّوم: استواء الشّمس انتصاف النّهار كأنّها ركدت عند تدويمها «1» ، وكذلك يقال صام النّهار. وقال ابن منظور: الصّوم ترك الطّعام والشّراب والنّكاح والكلام. وفي الحديث قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى «كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصّوم فإنّه لي» قال أبو عبيد: إنّما خصّ الله تبارك وتعالى الصّوم بأنّه له وهو يجزي به، وإن كانت أعمال البرّ كلّها له وهو يجزي بها؛ لأنّ الصّوم ليس يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل فتكتبه الحفظة، إنّما هو نيّة في القلب وإمساك عن حركة المطعم والمشرب. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 8/ 69/ 7 ورجل صوّام قوّام إذا كان يصوم النّهار ويقوم اللّيل. ورجال ونساء صوّم وصيّم وصوّام وصيّام «2» . وقد جمع المناويّ بين المعاني المختلفة للفظ الصّوم عندما قال: الصّوم: الثّبات على تماسك عمّا من شأن الشّيء أن يتصرّف فيه، ويكون شأنه كالشّمس في وسط السّماء. يقال: صامت الشّمس إذا لم تظهر لها حركة لصعود ولا نزول الّتي هي شأنها، وصامت الخيل إذا لم تزل راكضة غير مركوبة، وصام الإنسان إذا تماسك عمّا من شأنه فعله من حفظ بدنه بالتّغذّي وحفظ نسله بالنّكاح، وفي الصّوم خلاء عن الطّعام، وانصراف عن حال الأنعام، وانقطاع شهوة الفرج، وسلامة الإعراض عن الاشتغال بالدّنيا، والتّوجّه إلى الله، والعكوف في بيته ليحصل بذلك ينبوع الحكمة من القلب «3» . واصطلاحا: هو الإمساك عن الأكل والشّرب والجماع وسائر المفطرات يوما كاملا بنيّة الصّيام من طلوع الفجر الصّادق إلى غروب الشّمس. وقيل: هو إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة.   (1) تدويمها: دورانها. (2) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 323) ، ولسان العرب لابن منظور (12/ 350- 351) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف (220) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2645 وقال الجرجانيّ: الصّوم في الشّرع عبارة عن إمساك مخصوص وهو الإمساك عن الأكل والشّرب والجماع من الصّبح إلى المغرب مع النّيّة «1» . حقيقة الصوم: قال ابن القيّم- رحمه الله- (في الصّوم) : هو لجام المتّقين، وجنّة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرّبين، وهو لربّ العالمين من بين سائر الأعمال، فإنّ الصّائم لا يفعل شيئا، وإنّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النّفس وتلذّذاتها؛ إيثارا لمحبّة الله ومرضاته، وهو سرّ بين العبد وربّه لا يطّلع عليه سواه، والعباد قد يطّلعون منه على ترك المفطرات الظّاهرة، وأمّا كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطّلع عليه بشر، وتلك حقيقة الصّوم. وللصّوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظّاهرة، والقوى الباطنة، وحمايتها من التّخليط الجالب لها الموادّ الفاسدة الّتي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ الموادّ الرّديئة المانعة لها من صحّتها، فالصّوم يحفظ على القلب والجوارح صحّتها، ويعيد إليها ما استلبته «2» منها أيدي الشّهوات، فهو من أكبر العون على التّقوى، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة/ 183) «3» . مراتب الصوم: وللصّوم ثلاث مراتب: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. فأمّا صوم العموم فهو: كفّ «4» البطن والفرج عن قضاء الشّهوة. وأمّا صوم الخصوص: فهو كفّ النّظر، واللّسان، واليد، والرّجل، والسّمع، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام. وأمّا صوم خصوص الخصوص: فهو صوم القلب عن الهمم «5» الدّنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفّه عمّا سوى الله تعالى بالكلّيّة «6» . وأفضل صوم التّطوّع: صوم داود- عليه السّلام- كان يصوم يوما ويفطر يوما. ومن أسرار ذلك النّوع من الصّيام: أنّ النّفس تعطى يوم الفطر حظّها، وتستوفي في يوم الصّوم تعبّدها، وفي ذلك جمع بين مالها وما عليها. وهو العدل. وإنّما سمّي الصّيام صبرا؛ لأنّ الصّبر في كلام العرب الحبس، والصّائم يحبس نفسه عن أشياء جعل الله تعالى قوام بدنه بها. وقال الغزاليّ في الإحياء: اعلم أنّ في الصّوم خصيصة ليست في غيره، وهي إضافته إلى الله- عزّ وجلّ- حيث يقول سبحانه في الحديث القدسيّ: «الصّوم لي وأنا أجزي به» . وكفى بهذه الإضافة شرفا   (1) مختصر منهاج القاصدين (ص 44) ، والتعريفات للجرجاني (141) ، وانظر في شرح هذا التعريف الأخير كشاف اصطلاحات الفنون (4/ 269) . (2) استلبته: أخذته قهرا. (3) زاد المعاد (2/ 29) . (4) كفّ: أي منع. (5) الهمم: جمع همة وهي ما هم به من أمر ليفعل. (6) مختصر منهاج القاصدين (44) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2646 كما شرّف البيت بإضافته إليه في قوله: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ (الحج/ 26) وإنّما فضّل الصّوم لمعنيين: أحدهما: أنّه سرّ وعمل باطن، لا يراه الخلق ولا يدخله رياء. الثّاني: أنّه قهر لعدوّ الله؛ لأنّ وسيلة العدوّ الشّهوات، وإنّما تقوى الشّهوات بالأكل والشّرب وما دامت أرض الشّهوات مخصبة، فالشّياطين يتردّدون إلى ذلك المرعى، وبترك الشّهوات تضيق عليهم المسالك «1» . قال الحليميّ- رحمه الله-: إنّ جماع العبادات فعل أشياء وكفّ عن أشياء، والصّوم يقمع الشّهوات فيتيسّر به الكفّ عن المحارم وهو شطر الصّبر، لأنّه صبر عن الشّهوات، ويبقى وراءه الصّبر على المشاقّ، وهو تكلّف الأفعال المأمور بها. فهما صبران: صبر عن أشياء، وصبر على أشياء. والصّوم معين على أحدهما، فهو إذا نصف الصّبر «2» . حكم الصوم: صوم رمضان واجب بالكتاب والسّنّة «3» والإجماع «4» ، أمّا الصّوم في غير رمضان فينقسم إلى قسمين: الأوّل: صوم الكفّارات والنّذور. الثّاني: صوم التّطوّع. وحكم الأوّل الوجوب «5» ، أمّا الثّاني فحكمه النّدب ما لم يواصل الصّوم «6» . أنواع صوم التّطوّع: لصيام التّطوّع أنواع عديدة منها: 1- صيام ستّة أيّام من شوّال (انظر الحديث رقم 57) . 2- صيام تسع من ذي الحجّة، ويتأكّد صوم يوم عرفة لغير الحاجّ (انظر في فضل صوم يوم عرفة: الحديث رقم 6) . 3- صيام يوم عاشوراء ويوم قبله، أو يوم بعده (انظر الأحاديث: 2، 6، 12) . 4- صيام أكثر شهر شعبان (انظر الحديث رقم 69) . 5- صيام يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوع (انظر الحديثين: 25، 48) . 6- صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر (انظر الأحاديث: 13، 14، 23) . 7- صيام يوم وإفطار يوم (انظر الحديثين: 6، 14) . وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز الفطر لمن صام متطوّعا واستحبّوا له قضاء ذلك اليوم «7» . [للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإيمان- الصبر والمصابرة- العبادة- الطاعة- العبادة- التقوى- تعظيم الحرمات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- الضلال- العصيان- الفسوق- انتهاك الحرمات- التهاون] .   (1) مختصر منهاج القاصدين (44، 45) . (2) المرجع السابق نفسه (44، 45) . (3) انظر الآيات المذكورة (ص 2648) تحت الرقم (1) ، والحديث رقم (4) ص (2651) ، والحديث رقم (20) ص (2654) . (4) يقول الشيخ سيد سابق (فقه السنة 1/ 366) : أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان وأنه أحد أركان الإسلام التي علمت من الدين بالضرورة ومنكره كافر. (5) انظر تفصيل ذلك في مظانه من كتب الفقه. (6) انظر الحديث رقم (67) . (7) انظر في تفصيل ذلك: فقه السنة للشيخ سيد سابق (1/ 380- 384) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2647 الآيات الواردة في «الصوم» صيام الفريضة: 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «1» صيام الكفارات: 2- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «2»   (1) البقرة: 183- 187 مدنية (2) البقرة: 196 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2648 3- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) «1» 4- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) «2» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) «3» . 6- وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (4) «4» جزاء الصائمين: 7- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «5» صيام السابقين: 8- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19)   (1) النساء: 92 مدنية (2) المائدة: 89 مدنية (3) المائدة: 95 مدنية (4) المجادلة: 3- 4 مدنية (5) الأحزاب: 35 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2649 قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) «1»   (1) مريم: 16- 26 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2650 الأحاديث الواردة في (الصوم) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان أحبّ الشّهور إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يصومه شعبان ثمّ يصله برمضان» ) * «1» . 2- * (عن الرّبيّع بنت معوّذ- رضي الله عنها- قالت: أرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتمّ بقيّة يومه، ومن أصبح صائما فليصم، قالت: فكنّا نصومه بعد ونصوّم صبياننا، ونجعل لهم اللّعبة من العهن «2» ، فإذا بكى أحدهم على الطّعام أعطيناه ذلك حتّى يكون عند الإفطار» ) * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهر الله المحرّم، وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة، قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» ، قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقص منه. فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «5» . 5- * (عن أمّ هانئ- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها، فدعا بشراب فشرب، ثمّ ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله أما إنّي كنت صائمة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّائم المتطوّع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر» ) * «6» . 6- * (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن صومه، قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال عمر- رضي الله عنه-: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد رسولا وببيعتنا بيعة. قال فسئل عن صيام الدّهر؟ فقال: «لا صام ولا أفطر- أو ما صام وما أفطر» قال: فسئل عن صيام يومين وإفطار يوم؟ قال: «ومن يطيق «7» ذلك؟» قال: وسئل عن صيام يوم وإفطار يومين؟ قال: «ليت أنّ الله قوّانا لذلك» . وقال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم؟ قال: «ذاك صوم أخي داود- عليه السّلام-» . قال وسئل عن صوم يوم الاثنين،   (1) أبو داود (2431) ، والنسائي (4/ 199) ، وصححه الألباني، صحيح النسائي (2214) ، والبيهقي في السنن (4/ 483) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (6/ 330) وقال محققه: إسناده حسن. (2) العهن: الصوف المصبوغ. (3) البخاري- الفتح 4 (1960) واللفظ له. ومسلم (1136) . (4) مسلم (1163) . (5) البخاري- الفتح 3 (1397) ، ومسلم (14) واللفظ له. (6) الترمذي (732) واللفظ له، والبغوي (6/ 372) ، وفي صحيح سنن الترمذي للألباني (585) . (7) يطيق: يتحمّل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2651 قال: «ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت (أو أنزل عليّ فيه) » . قال: فقال: «صوم ثلاثة من كلّ شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدّهر» ، قال: وسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: «يكفّر السّنة الماضية والباقية» ، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «يكفّر السّنة الماضية» ) * «1» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى مكّة في رمضان فصام، حتّى بلغ الكديد «2» أفطر، فأفطر النّاس) * «3» . 8- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له (أو قال لرجل وهو يسمع) : «يا فلان» : «أصمت من سرّة «4» هذا الشّهر» ؟ قال: لا. قال: «فإذا أفطرت فصم يومين» ) * «5» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قال: ... الحديث وفيه: «فو الّذي نفسي بيده! ما منكم من أحد بأشدّ منا شدة لله، في استقصاء الحقّ «6» ، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار. يقولون: ربّنا! كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم ... » الحديث) * «7» . 10- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه-: أنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! ذهب أهل الدّثور «8» بالأجور، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضول أموالهم. قال: «أوليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع «9» أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «10» . 11- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ العمل أفضل؟ قال: «عليك بالصّوم فإنّه لا عدل «11» له» ) * «12» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: ما علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صام يوما يطلب فضله على الأيّام إلّا هذا اليوم، ولا شهرا إلّا هذا الشّهر يعني   (1) مسلم (1162) . (2) الكديد: ماء بين عسفان وقديد. (3) البخاري- الفتح 4 (1944) . (4) سرة هذا الشهر: سرّته وسطه؛ لأن السرة وسط قامة الإنسان. (5) مسلم (1161) واللفظ له، وأحمد (4/ 428) . (6) في استقصاء الحق: أي تحصيله من خصمه والمتعدي عليه. (7) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (183) واللفظ له (8) الدثور: المال الكثير. (9) بضع: هو الزواج والفرج. (10) مسلم (1006) . (11) العدل: بكسر العين هو المثل والنظير. (12) النسائي (4/ 165) واللفظ له، وقال محقق جامع. الأصول (9/ 456) : إسناده صحيح، كما أخرجه ابن خزيمة (3/ 1893) وهو في الصحيحة للألباني (1937) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2652 رمضان» ) * «1» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاث: «صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وركعتي الضّحى، وأن أوتر قبل أن أنام» ) * «2» . 14- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه يقول: لأقومنّ اللّيل ولأصومنّ النّهار، ما عشت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت الّذي تقول ذلك» ؟ فقلت له: قد قلته يا رسول الله! قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشّهر ثلاثة أيّام، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدّهر. قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «صم يوما وأفطر يومين» . قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله! قال: «صم يوما وأفطر يوما. وذلك صيام داود- عليه السّلام- وهو أعدل الصّيام» . قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أفضل من ذلك» ) * «3» . 15- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل اللّيل من هاهنا «4» وأدبر النّهار من هاهنا، وغربت الشّمس، فقد أفطر الصّائم» ) * «5» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان صائما فليصلّ «6» » ) * «7» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ «8» عليكم فصوموا ثلاثين يوما» ) * «9» . 18- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ في الجنّة بابا يقال له الرّيّان، يدخل منه الصّائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصّائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد» ) * «10» . 19- * (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن   (1) البخاري- الفتح 4 (2006) ، ومسلم (1132) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 4 (1981) واللفظ له. ومسلم (721) . (3) البخاري- الفتح 4 (1976) . ومسلم (1159) . (4) إذا أقبل الليل من هاهنا: أي من جهة المشرق والمراد وجود الظلام حسّا. (5) البخاري- الفتح 4 (1954) واللفظ له. ومسلم (1100) . (6) معنى فليصل: أي فليدعو لصاحب الطعام. (7) مسلم (1150) ، والترمذي (780) وصححه الألباني صحيح الألباني (626) . وعند مسلم بلفظ «إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم» - مسلم (1150) . (8) غمّ: غم عليه الهلال أي حال دون رؤيته غيم. (9) البخاري- الفتح 4 (1900) . ومسلم (1081) واللفظ له. (10) البخاري الفتح 4 (1896) ، ومسلم (1152) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2653 يعلموا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وقعدوا على الشّرف «1» ، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق «2» . فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة، فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآموركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في إثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه «3» منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة «4» الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا «5» جهنّم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلّى وصام؟ قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «6» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه احتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» ) * «7» . 21- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ المسلم المسدّد «8» ليدرك درجة الصّوّام القوّام بايات الله- عزّ وجلّ- لكرم ضريبته وحسن خلقه» ) * «9» .   (1) الشّرف: جمع شرفة: أعلى الشيء وهي أيضا بناء خارج من البيت يستشرف منه على ما حوله. (2) الورق: الفضة. (3) فأحرز: فحفظ نفسه منهم. (4) ربقة: واحدة الرّبق: وهو حبل ذو عرى أو ذو حلق لربط الدواب. (5) جثا جهنم: يقال بالحاء المهملة من حثا: إذا عرف وضم، ويقال بالجيم من جثا: جمع جثوة وهي الجماعة المحكوم عليهم بالنار. (6) الترمذي (2863) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، وابن خزيمة (3/ 195) وقال محققه: إسناده صحيح. وأحمد (4/ 202) ، وابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) . (7) النسائي (4/ 158) واللفظ له، وأحمد (1/ 191) ، عن عبد الرحمن بن عوف وقال الشيخ شاكر (3/ 127) برقم (1660) : إسناده صحيح، وجامع الأصول (9/ 440) وقال محققه: حسن بشواهده. (8) المسدّد: المستقيم الصحيح. (9) أحمد في المسند (2/ 220) واللفظ له، والهيثمي في المجمع (8/ 22) . وصححه الألباني في الصحيحة (522) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2654 22- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان» ) * «1» . 23- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ أتته امرأة، فقالت: إنّي تصدّقت على أمّي بجارية وإنّها ماتت. قال: فقال: «وجب أجرك وردّها عليك الميراث» . قالت: يا رسول الله! إنّه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟. قال: «صومي عنها» . قالت: إنّها لم تحجّ قطّ، أفأحجّ عنها؟. قال: «حجّي عنها» ) * «2» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: «مالك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» . قال: لا. قال: «فهل تجد إطعام ستّين مسكينا؟. قال: لا. قال: فمكث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبينما نحن على ذلك أتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرق «3» فيها تمر، قال: «أين السّائل؟» . فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدّق به» . فقال الرّجل: على أفقر منّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها (يريد الحرّتين) «4» أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت أنيابه، ثمّ قال: «أطعمه أهلك» ) * «5» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحبّ أن يعرض عملي وأنا صائم» ) * «6» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم. الصّائم حتّى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السّماء ويقول الرّبّ: وعزّتي، لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «7» . 27- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط «8» إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟. أما والله! إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي   (1) البخاري- الفتح 1 (8) واللفظ له، ومسلم (16) . (2) مسلم (1149) . (3) العرق: هو زنبيل منسوج من نسائج الخوص وكل شيء مضفور فهو عرق. (4) الحرّة: هي الأرض ذات الحجارة السود. (5) البخاري- الفتح 4 (1936) واللفظ له، ومسلم (1111) . (6) الترمذي (747) واللفظ له، وصححه الألباني. (7) الترمذي (3598) ، وقال: حديث حسن، والبغوي في شرح السنة (6/ 354) وقال محققه: حديث حسن غريب. (8) الرّهط: الجماعة من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو ما دون العشرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2655 أصوم وأفطر وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «1» . 28- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله: إنّ أمّي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: «نعم، فدين الله أحقّ أن يقضى» ) * «2» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّاعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم اللّيل الصّائم النّهار» ) * «3» . 30- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سأل حمزة بن عمرو الأسلميّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الصّيام في السّفر؟. فقال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» ) * «4» . 31- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع فقال: «اتّقوا الله، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «5» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شهر الصّبر وثلاثة أيّام من كلّ شهر صوم الدّهر» ) * «6» . 33- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيام الدّهر، وأيّام البيض صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة» ) * «7» . 34- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صيام يوم عرفة، إنّي أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله والسّنة الّتي بعده» ) * «8» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «الصّوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحّون» ) * «9» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الصّيام جنّد، وحصن حصين من النّار» ) * «10» . 37- * (عن عثمان بن أبي العاص- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الصّيام جنّة من النّار كجنّة أحدكم من القتال» قال: «وصيام   (1) البخاري- الفتح 9 (5063) واللفظ له، ومسلم (1401) . (2) البخاري- الفتح 4 (1953) واللفظ له، ومسلم (1148) . (3) البخاري- الفتح 9 (5353) . (4) البخاري- الفتح 4 (1943) ، ومسلم (1121) واللفظ له. (5) الترمذي (616) وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (1955) ، وأحمد (5/ 251) . (6) النسائي (4/ 218) واللفظ له، وأحمد (2/ 263) وقال الشيخ أحمد شاكر (14/ 12) حديث رقم (7567) : إسناده صحيح. (7) النسائي (4/ 221) واللفظ له، وقال محقق جامع. الأصول (6/ 329) : حديث حسن. (8) الترمذي (749) وقال: حديث حسن. وهو جزء من حديث طويل رواه مسلم (1162) . (9) أبو داود (2322) . والترمذي (697) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (6/ 277) : حديث حسن. (10) أحمد في المسند (2/ 402) واللفظ له، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 172) وقال محققه: إسناده حسن، والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 83) وقال: رواه أحمد بإسناده حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2656 حسن صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر» ) * «1» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الطّاعم الشّاكر بمنزلة الصّائم الصّابر» ) * «2» . 39- * (عن رجل من بني سليم قال: عدّهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يدي، أو في يده. «التّسبيح نصف الميزان، والحمد يملأه، والتّكبير يملأ ما بين السّماء والأرض، والصّوم نصف الصّبر، والطّهور نصف الإيمان» ) * «3» . 40- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحر» ) * «4» . 41- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال عمر- رضي الله عنه-: من يحفظ حديثا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟. قال حذيفة: أنا، سمعته يقول: «فتنة الرّجل في أهله وماله وجاره، تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة ... » . قال: ليس أسأل عن هذه، إنّما أسأل عن الّتي تموج كما يموج البحر. قال: وإنّ دون ذلك بابا مغلقا. قال: فيفتح أو يكسر؟ قال: يكسر قال: ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة. فقلنا لمسروق: سله، أكان عمر يعلم من الباب؟ فسأله فقال: نعم، كما يعلم أنّ دون غد اللّيلة» ) * «5» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: (كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به) ، والصّيام جنّة «6» وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث «7» ولا يصخب «8» ، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إنّي امرؤ صائم، والّذي نفس محمّد بيده لخلوف «9» فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصّائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربّه فرح بصومه» ) * «10» . 43- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم: يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت: فقلت يا رسول الله: ما عندنا شيء قال: «فإنّي صائم» قالت: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأهديت لنا هديّة (أو جاءنا زور) «11» . قالت: فلمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: يا رسول الله أهديت لنا هديّة (أو جاءنا زور) وقد خبّأت لك شيئا. قال: «ما هو؟»   (1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 1891) وقال محققه: إسناده حسن. (2) الترمذي (2468) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب، وصحيح سنن الترمذي، للألباني (2021) ، وأحمد في المسند (7793) وقال محققه: إسناده صحيح. (3) الترمذي (3519) واللفظ له وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (9/ 558) : إسناده حسن. (4) مسلم (1096) . (5) البخاري- الفتح 4 (1895) . (6) جنة: سترة ووقاية ومانع من الآثام. (7) الرفث: السخف وفاحش الكلام. (8) الصخب: الصياح. (9) لخلوف: الخلوف تغير رائحة الفم. (10) البخاري- الفتح 4 (1904) واللفظ له، ومسلم (1151) . (11) أو جاءنا زور: الزور الزوار. ويقع الزور على الواحد والجماعة القليلة والكثيرة. وقولها: جاءنا زور وقد خبأت لك: معناه جاءنا زائرون ومعهم هدية فخبأت لك منها. أو يكون معناه: جاءنا زور فأهدي لنا بسببهم هدية، فخبأت لك منها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2657 قلت: حيس «1» . قال: «هاتيه» فجئت به فأكل، ثمّ قال: «قد كنت أصبحت صائما» ) * «2» . 44- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء. فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى. قال: «فأنا أحقّ بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه» ) * «3» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله- عزّ وجلّ-؟ قال: «لا تستطيعونه» . قال: فأعادوا عليه مرّتين أو ثلاثا. كلّ ذلك يقول: «لا تستطيعونه» . وقال في الثّالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصّائم القائم القانت بايات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتّى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى» ) * «4» . 46- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فرأى رجلا قد اجتمع النّاس عليه، وقد ظلّل عليه. فقال: «ما له؟» . قالوا: رجل صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر» ) * «5» . 47- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّل إحدى نسائه وهو صائم. ثمّ تضحك» . وفي لفظ: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنّه أملككم لإربه «6» » ) * «7» . 48- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتحرّى صوم الاثنين والخميس» ) * «8» . 49- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهليّة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصومه. فلمّا هاجر إلى المدينة، صامه، وأمر بصيامه، فلمّا فرض شهر رمضان. قال: «من شاء صامه، ومن شاء تركه» ) * «9» . 50- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شبابا لا نجد شيئا، فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة «10» فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء «11» » ) * «12» .   (1) حيس: الحيس هو التمر مع السمن والأقط. وقال الهروي: يريده من أخلاط. والأول هو المشهور. (2) مسلم (1154) . (3) البخاري- الفتح 4 (2004) واللفظ له. ومسلم (1130) . (4) مسلم (1878) . (5) البخاري- الفتح 4 (1946) . ومسلم (1115) واللفظ له. (6) إربه: أي حاجته والإربة: البغية في النساء. (7) البخاري- الفتح 4 (1928) . ومسلم (1106) واللفظ له. (8) الترمذي (745) وصححه الألباني، صحيح الترمذي (595) . (9) البخاري- الفتح 4 (2002) . ومسلم (1125) واللفظ له. (10) الباءة: مؤن النكاح، وقيل: التزوج. (11) وجاء: الوجاء هو رض الخصيتين: والمراد أن الصوم يقطع الشهوة ويخفف من حدتها. (12) البخاري- الفتح 9 (5066) واللفظ له، ومسلم (1400) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2658 51- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلّا أن يصوم قبله أو يصوم بعده» ) * «1» . 52- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلّا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النّار سبعين خريفا» ) * «2» . 53- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من آمن بالله ورسوله، وأقام الصّلاة، وصام رمضان. كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها» قالوا: يا رسول الله، أفلا ننبّأ النّاس بذلك؟ قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله، كلّ درجتين ما بينهما كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة وفوقه عرش الرّحمن، منه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «3» . 54- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح منكم اليوم صائما» ؟ قال أبو بكر- رضي الله عنه-: أنا. قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة» ؟ قال أبو بكر- رضي الله عنه-: أنا. قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟» . قال أبو بكر- رضي الله عنه-: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟» . قال أبو بكر- رضي الله عنه-: أنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما اجتمعن في امرئ إلّا دخل الجنّة» ) * «4» . 55- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله! ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة «5» ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» ) * «6» . 56- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه. ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «7» . 57- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صام رمضان، ثمّ أتبعه ستّا من شوّال كان كصيام الدّهر» ) * «8» . 58- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من فطّر صائما   (1) الترمذي (743) واللفظ له، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (593) . (2) البخاري- الفتح 6 (2840) ، ومسلم (1153) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 13 (7423) . (4) مسلم (1028) . (5) من ضرورة: أي من ضرر. (6) البخاري- الفتح 4 (1897) واللفظ له. ومسلم (1027) . (7) البخاري- الفتح 1 (38) . ومسلم (760) واللفظ له. (8) مسلم (1164) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2659 كان له مثل أجره، غير أنّه لا ينقص من أجر الصّائم شيئا» ) * «1» . 59- * (عن حفصة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يجمع «2» الصّيام قبل الفجر فلا صيام له» ) * «3» . 60- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليّه» ) * «4» . 61- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتمّ صومه، فإنّما أطعمه الله وسقاه» ) * «5» . 62- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّه قيل لها: أكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام؟ قالت نعم. فقلت لها: من أيّ أيّام الشّهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أيّ أيّام الشّهر يصوم) * «6» . 63- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لستّ عشرة مضت من رمضان، فمنّا من صام، ومنّا من أفطر، فلم يعب الصّائم على المفطر، ولا المفطر على الصّائم» ) * «7» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصوم) 64- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أمّ سليم، فأتته بتمرو سمن، قال: «أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه فإنّي صائم» . ثمّ قام إلى ناحية من البيت فصلّى غير المكتوبة، فدعا لأمّ سليم وأهل بيتها. فقالت أمّ سليم: يا رسول الله إنّ لي خويصة «8» . قال: «ما هي» ؟ قالت: خادمك أنس. فما ترك خير آخرة، ولا دنيا إلّا دعا لي به: «اللهمّ ارزقه مالا وولدا، وبارك له» ، فإنّي لمن أكثر الأنصار مالا. وحدّثتني ابنتي أمينة أنّه دفن لصلبي مقدم الحجّاج البصرة بضع وعشرون ومائة «9» ) * «10» . 65- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:   (1) الترمذي (807) ، وقال: حديث حسن صحيح، وقال محقق «جامع الأصول» : وهو كما قال، والبغوي في شرح السنة (6/ 377) . (2) يجمع: أي يبيت. والمعنى أن من لم يبيت النية لصيام الفريضة فلا صيام له. (3) الترمذي (730) واللفظ له. وأبو داود (2454) . وقال محقق جامع الأصول (6/ 285) : إسناده صحيح. (4) البخاري- الفتح 4 (1952) . ومسلم (1147) . متفق عليه. (5) البخاري- الفتح 4 (1933) . ومسلم (1155) واللفظ له. (6) مسلم (1160) . (7) مسلم (1116) . (8) خويصة: تصغير خاصة وهي ما يختص بالشيء دون غيره. (9) المراد أنه دفن من أبنائه وحفدته حتى زمن الحجاج ما يزيد على مائة وعشرين، فما بالك بمن بقي منهم؟ وهذا يدل على إجابة المولى- عز وجل- لدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنس. (10) البخاري- الفتح 4 (1982) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2660 كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم يعني من غرّة «1» كلّ شهر ثلاثة أيّام» ) * «2» . 66- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا دخل العشر شدّ مئزره «3» وأحيا ليله «4» وأيقظ أهله» ) * «5» . 67- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والوصال «6» » . قالوا: فإنّك تواصل، يا رسول الله! قال: «إنّكم لستم في ذلك مثلي، إنّي أبيت يطعمني ربّي ويسقيني. فاكلفوا «7» من العمل ما تطيقون» ) * «8» . 68- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شهر رمضان في حرّ شديد حتّى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ، وما فينا صائم إلّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله ابن رواحة) * «9» . 69- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتّى نقول لا يفطر، ويفطر حتّى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استكمل صيام شهر قطّ إلّا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان» ) * «10» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصوم) 1- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «ليس الصّيام من الطّعام والشّراب، ولكن من الكذب والباطل واللّغو» ) * «11» . 2- * (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما: «إنّ عرى «12» الدّين وقوامه الصّلاة والزّكاة لا يفرّق بينهما، وحجّ البيت وصيام رمضان، وإنّ من أصلح الأعمال الصّدقة والصّيام» ) * «13» . 3- * (قال جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والماثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم صيامك وفطرك سواء» ) * «14» .   (1) غرّة: الغرّة من الشهر ليلة استهلال القمر، والغرة من كل شيء: أوله وأكرمه. (2) أبو داود (2450) واللفظ له والترمذي (742) وقال محقق جامع الأصول (6/ 341) : إسناده حسن. (3) شد مئزره: استعد للعبادة وشمر لها. وقيل: اعتزل النساء. (4) أحيا ليله: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر. (5) البخاري- الفتح 4 (2024) واللفظ له. ومسلم (1174) . (6) الوصال: هو صوم يومين فصاعدا من غير أكل وشرب بينهما (7) اكلفوا: أي تحمّلوا من العمل ما تستطيعون الوفاء به أو ما تقدرون عليه. (8) البخاري- الفتح 4 (1966) . ومسلم (1103) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 4 (1945) . ومسلم (1122) واللفظ له. (10) البخاري- الفتح 4 (1969) . ومسلم (1156) واللفظ له. (11) المصنف لابن أبي شيبة (2/ 422) . (12) عرى: جمع عروة وهي ما يستمسك به ويعتصم. (13) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 46) . (14) البخاري- الفتح 4 (1947) ، ومسلم (1116) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2661 4- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: «إذا صمت فتحفّظ ما استطعت» ) * «1» . 5- * (عن الضّحّاك- رحمه الله- قال: «كان الصّوم الأوّل صامه نوح فمن دونه، حتّى صامه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان صومه من شهر ثلاثة أيّام إلى العشاء، هكذا صامه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه» ) * «2» . 6- * (قال البغويّ- رحمه الله- في قوله تعالى الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ (التوبة/ 112) : السّائحون هم الصّائمون. وسمّي الصّائم سائحا لأنّ الّذي يسيح في الأرض متعبّدا لا يكون له زاد فحين يجد يطعم، فالصّائم كذلك يمضي نهاره لا يطعم شيئا» ) * «3» . 7- * (قال البغويّ- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (البقرة/ 153) : أي بالصّوم، وسمّي شهر رمضان شهر الصّبر، وأصل الصّبر الحبس، ففي الصّوم حبس النّفس عن المطاعم وبعض اللّذّات» ) * «4» . من فوائد (الصوم) (1) الوعد بالبشرى والفوز بالجنّة. (2) طهرة للنّفس ووقاية للبدن. (3) يثمر محبّة الله وطاعته. (4) يهذّب الطّباع ويكبح جماح النّفس. (5) دليل صلاح العبد واستقامته. (6) صمام أمن من الوقوع في المحرّمات. (7) يورث الخشية من الله- عزّ وجلّ-. (8) يثمر مراقبة الله- عزّ وجلّ- في السّرّ. (9) ينزّه الإنسان عن مشابهة بقيّة المخلوقات. (10) فيه ناحية صحّيّة فالمعدة بيت الدّاء والحمية (أي الجوع) رأس الدّواء. (11) فيه حرب على الشّيطان. (12) فيه إحساس بألم الفقير والمريض الممنوع من الطّعام.   (1) المصنف لابن أبي شيبة (2/ 421) . (2) تفسير ابن كثير (1/ 214) ، والدر المنثور، للسيوطي (2/ 430) . (3) شرح السنة، للبغوي (6/ 219) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2662 [ حرف الضاد ] الضراعة والتّضرّع الضراعة لغة: مصدر قولهم: ضرع يضرع ضراعة وذلك مأخوذ من مادة (ض ر ع) الّتي تدلّ على لين في الشّيء، ومن هذا الباب ضرع الشّاة، سمّي بذلك لما فيه من لين فأمّا المضارعة فهي التشّابه بين الشّيئين وكأنّهما ارتضعا من ضرع واحد، والنّحويّون يقولون للفعل المستقبل: مضارع لمشاكلته الأسماء فيما يلحقها من الإعراب. يقال: ضرع فلان لفلان وضرع له، إذا ما تخشّع له وسأله أن يعطيه. ويقال: ضرع الرّجل ضراعة أي خضع وذلّ، وأضرعه غيره، وفي المثل: إنّ الحمّى أضرعتني لك والضّرع: الضّعيف، وإنّ فلانا لضارع الجسم أي نحيف ضعيف، وتضرّع فلان إلى الله أي ابتهل قال الفرّاء: يقال: جاء فلان يتضرّع ويتعرّض بمعنى إذا جاء يطلب إليك حاجة. وقال ابن منظور: ضرع إليه يضرع ضرعا وضراعة: خضع وذلّ فهو ضارع من قوم ضرعة وضروع، وتضرّع: تذلّل وتخشّع وقول الله- عزّ وجلّ- فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا (الأنعام/ 43) معناه: تذلّلوا وخضعوا ويقال: ضرع له واستضرع الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 13/ 3 (بمعنى) والضّارع المتذللّ للغنيّ، وأضرعت له مالي أي بذلته له، وقوله- عزّ وجلّ- تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (الأنعام/ 63) المعنى: تدعونه مظهرين الضّراعة وهي شدّة الفقر والحاجة إلى الله- عزّ وجلّ- وفي حديث الاستسقاء «خرج متبذّلا متضرّعا» ، التّضرّع: التّذلّل والمبالغة في السّؤال والرّغبة، وقال الرّاغب: التّضرّع: إظهار الضّراعة وقوله سبحانه: لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (الأعراف/ 94) أي يتضرّعون فأدغم. قال صاحب البصائر: معناه يتذلّلون في دعائهم إيّاه والدّعاء تضرّع؛ لأنّ فيه تذلّل الرّاغبين، قال: وقوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً (الأعراف/ 55) أي مظهرين الضّراعة وهي شدّة الفقر إلى الله تعالى وحقيقته الخشوع «1» . الضراعة اصطلاحا: قال المناويّ: الضّراعة: الخضوع والتّذلّل. التّضرّع: أن تدعو الله- عزّ وجلّ- بضراعة «2» . [للاستزادة: انظر صفات: التوسل- الابتهال- الإخبات- الإنابة- الدعاء- الذكر- الخوف- الخشية- الرجاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغرور- الكبر والعجب- العصيان- القنوط- الغافلة- اليأس- اتباع الهوى] .   (1) المقاييس (3/ 396) ، تهذيب اللغة للأزهري (1/ 470) ، والصحاح (3/ 1249) ، ولسان العرب «ضرع» (2580) ط، دار المعارف، والمفردات للراغب (295) ، وبصائر ذوي التمييز (3/ 473) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (222) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2663 الآيات الواردة في «الضراعة والتضرع» التّضرع على سبيل الأمر والتوجيه: 1- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) «1» 2- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) «2» التّضرع ثمرة الأخذ بالبأساء والضراء: 3- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) «3» 4- * وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «4»   (1) الأعراف: 55 مكية (2) الأعراف: 205 مكية. (3) الأنعام: 40- 45 مكية (4) الأنعام: 59- 64 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2664 5- وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) «1» 6- وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74) * وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) «2»   (1) الأعراف: 94- 99 مكية (2) المؤمنون: 74- 77 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2665 الأحاديث الواردة في (الضراعة والتضرع) 1- * (عن الفضل بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلّ ركعتين وتخشّع، وتضرّع، وتمسكن، وتذرّع «1» وتقنع «2» يديك- يقول: ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك- وتقول: يا ربّ يا ربّ! ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا» ) * «3» . 2- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا» ، قلت: «لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما. وقال ثلاثا أو نحو هذا- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (الضراعة والتضرع) معنى 3- * (عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق «5» من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا لتعفّي أثرها «6» على سارة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه حتّى وضعها عند البيت عند دوحة «7» فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء؟!، فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيّعنا. ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة «8» ، حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ. حتّى بلغ يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) . الحديث؛ وفيه: ثمّ قال: «يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ها هنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة   (1) تذرّع: تتوسل. (2) تقنع: أي تمدّ يديك مسترحما ربك. (3) الترمذي (385) واللفظ له، وانظر كلام أحمد شاكر تعليقا عليه (2/ 227) ، وأبو داود (1296) من حديث المطلب ابن ربيعة، وابن ماجة (1325) نحوه. وأحمد (1/ 211) وقد صححه الشيخ أحمد شاكر وبالغ في الرد على من ضعفه. (4) الترمذي (2347) واللفظ له وقال: حسن، وأحمد (5/ 254) ، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول، وقال مخرجه (10/ 137) : إسناده حسن. (5) المنطق: ما يشد به الوسط (الحزام) . (6) تعفي أثرها: تزيله وتمحوه. (7) الدّوحة: الشجرة العظيمة المتشعبة ذات الفروع الممتدة. (8) الثّنيّة: الطريق في الجبل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2666 على ما حولها- قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يا بني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يا بني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127) . قال: فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127)) * «1» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق، فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت «2» عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون «3» من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها. فقالت: اتّق الله، ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّيا نار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «4» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال: «أيّها النّاس! إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء فقمن «5» أن يستجاب لكم» ) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3364) . (2) انساخت عنهم الصخرة: أي انشقت. (3) يتضاغون: أي يصيحون ببكاء. (4) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743) . (5) قمن: بفتح الميم وكسره- لغتان مشهورتان ومعناه: حقيق وجدير. (6) مسلم (479) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2667 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الضراعة والتضرع) 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: أفاض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من آخر يومه حين صلّى الظّهر، ثمّ رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيّام التّشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشّمس، كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة، ويقف عند الأولى والثّانية، فيطيل القيام ويتضرّع ويرمي الثّالثة، ولا يقف عندها) * «1» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا، حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد) * «2» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات. اللهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم «3» » . فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب، ووعد فأخلف» ) * «4» . 9- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا كان يوم بدر، قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال: «اللهمّ أين ما وعدتني، اللهمّ أنجز ما وعدتني، اللهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا» ، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه: فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: يا نبيّ الله، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ 9) فلمّا كان يومئذ والتقوا، فهزم الله- عزّ وجلّ- المشركين، فقتل منهم سبعون رجلا، وأسر منهم سبعون رجلا، فاستشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر وعليّا وعمر، فقال أبو بكر: يا نبيّ الله، هؤلاء بنو العمّ والعشيرة والإخوان، فإنّي أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفّار، وعسى الله أن يهداهم فيكونون لنا عضدا «5» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى يا ابن الخطّاب؟» قال: قلت: والله ما   (1) أبو داود (1973) واللفظ له، وأحمد (6/ 90) . وذكره البخاري تعليقا بصيغة الجزم، فتح الباري (3/ 576) ط. السلفية. ووصله أبو داود رقم (2000) ، وذكره الترمذي (920) وقال: حسن صحيح، وانظر أيضا ابن ماجة (3059) ، وأحمد (ت: الشيخ أحمد شاكر) حديث رقم (2612) وقال: إسناده حسن. (2) الترمذي (558) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. وأبو داود (1165) ، والنسائي (3/ 156) . وابن ماجة (1266) . وأحمد (1/ 230) . وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (6/ 192) وقال محققه: إسناده حسن. والحديث في صلاة الاستسقاء. (3) المغرم: الغرامة، والغرامة في المال ما يلزم أداؤه تأديبا أو تعويضا أو المغرم «الدين» . (4) البخاري- الفتح 2 (832) . ومسلم (589) . (5) العضد: المعين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2668 أرى ما رأى أبو بكر، ولكنّي أرى أن تمكّنني من فلان، (قريب لعمر) ، فأضرب عنقه، وتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتّى يعلم الله أنّه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم «1» وأئمّتهم، وقادتهم، فهوي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء، فلمّا أن كان من الغد، قال عمر: غدوت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو قاعد وأبو بكر، وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله! أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الّذي عرض على أصحابك من الفداء، لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشّجرة» (لشجرة قريبة) وأنزل الله- عزّ وجلّ-: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الأنفال/ 67) إلى قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ (الأنفال/ 68) من الفداء، ثمّ أحلّ لهم الغنائم، فلمّا كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفرّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكسرت رباعيته وهشّمت البيضة على رأسه، وسال الدّم على وجهه، وأنزل الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها (آل عمران/ 165) الآية بأخذكم الفداء) * «2» . 10- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدويّ النّحل، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرّي عنه، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: «اللهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنّا» ، ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنزل عليّ عشر آيات، من أقامهنّ دخل الجنّة، ثمّ قرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (المؤمنون/ 1) حتّى ختم عشر آيات» ) * «3» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس فقام فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع. ثمّ قام فأطال القيام- وهو دون القيام الأوّل- ثمّ ركع فأطال الرّكوع- وهو دون الرّكوع الأوّل- ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ فعل في الرّكعة الثّانية مثل ما فعل في الأولى، ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا» . ثمّ قال: «يا أمّة محمّد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم   (1) صناديدهم: الصّنديد من الناس الصّندد وهو الشديد. (2) أحمد (1/ 30- 31) رقم (209) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 244- 245) . (3) الترمذي (3173) واللفظ له، وأحمد (1/ 34) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 255) حديث (223) . والحاكم (1/ 535) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. والحديث ذكره ابن كثير في أول تفسير سورة المؤمنين من طريق. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 282) : وهو حديث حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2669 كثيرا» ) * «1» . 12- * (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا أهمّه الأمر رفع رأسه إلى السّماء، فقال: «سبحان الله العظيم» ، وإذا اجتهد في الدّعاء قال: «يا حيّ يا قيّوم» ) * «2» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العليم الحكيم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات والأرض وربّ العرش الكريم» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الضراعة والتضرع) 1- * (عن عون بن عبد الله قال: بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزّبير «4» مكتئبا، معه شيء ينكت «5» به في الأرض، إذ رفع رأسه فسنح له «6» صاحب مسحاة «7» ، فقال له: يا هذا مالي أراك مكتئبا حزينا؟ قال: فكأنّه ازدراه «8» . فقال: لا شيء. فقال صاحب المسحاة: أللدّنيا فإنّ الدّنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، والآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر، يفصل بين الحقّ والباطل. فلمّا سمع ذلك منه كأنّه أعجبه، قال: فقال: لما فيه المسلمون. قال: فإنّ الله سينجّيك بشفقتك على المسلمين، وسل، فمن ذا الّذي سأل الله- عزّ وجلّ- فلم يعطه، ودعاه فلم يجبه، وتوكّل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه؟ قال: فعلقت لدعاء «9» : اللهمّ سلّمني وسلّم منّي فتمحّلت «10» ولم تصب منه أحدا» ) * «11» . 2- * (قال يحيى الغسّانيّ- رحمه الله تعالى-: «أصاب النّاس قحط على عهد داود- عليه السّلام- فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم، فقال أحدهم: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا، وقال الثّاني: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا، اللهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا، وقال الثّالث: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا   (1) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له. ومسلم (901) . (2) الترمذي (3436) وقال: حسن غريب.. (3) البخاري- الفتح 13 (7426) . ومسلم (2730) . (4) فتنة ابن الزبير: قتاله مع الحجاج. (5) نكت: نكت الأرض أثر فيها بعود أو نحوه. (6) فسنح له: عرض له. (7) مسحاة: مجراف من الحديد. (8) ازدراه: استصغر شأنه. (9) فعلقت لدعاء: فاغتنمته. (10) فتمحلت: فانكشفت الفتنة. (11) التوكل على الله لابن أبي الدنيا (52) وقال مخرجه: إسناده صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2670 وقفوا بأبوابنا، اللهمّ إنّا مساكينك، وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا، فسقوا» ) * «1» . 3- * (قال الدّاوديّ- رحمه الله تعالى-: «على الدّاعي أن يجتهد ويلحّ ولا يقل: إن شئت، كالمستثني ولكن دعاء البائس الفقير» ) * «2» . من فوائد (الضراعة والتضرع) (1) تثمر إخلاص الطّلب من الله. (2) تؤذن بضعف العبد وقوّة الرّبّ. (3) تدلّ على دوام الصّلة بين العبد والرّبّ. (4) تثمر النّجاة من الضّرّ والتّخفيف عند القضاء. (5) هي سمة التّوحيد الخالص. (6) سبيل النّجاة في الدّنيا والآخرة. (7) التّضرّع عند نزول البأس سبيل إلي دفعه وترك التّضرّع حينئذ أمارة قسوة القلب. (8) تضرّع قوم يونس إلى الله نفعهم وكشف عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا.   (1) الأذكار، للنووي (612) . (2) الفتح (11/ 145) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2671 [ حرف الطاء ] الطاعة الطاعة لغة: هي الاسم من قولهم: أطاعه يطيعه طاعة، والمصدر الإطاعة، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ط وع) الّتي تدلّ على الإصحاب والانقياد، يقال: طاعه يطوعه طوعا: إذا انقاد معه ومضى لأمره، وأطاعه بمعنى طاع له، ويقال لمن وافق غيره قد طاوعه، والطّوع الانقياد وضدّه الكره، قال تعالى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً (آل عمران/ 83) والطّاعة مثل الطّوع، لكن أكثر ما تقال في الائتمار لما أمر به والارتسام فيما رسم، يقال: طاعه يطوعه (طوعا) ، وطاوعه، يطاوعه مطاوعة، والاسم من ذلك الطّواعة والطّواعة، والوصف من ذلك: طائع وطيّع ومطواع، ومطواعة، يقال: جاء فلان طائعا غير مكره، والجمع: طوّع وجمع المطواع مطاويع، ورجل طيّع أي طائع. وقال ابن منظور: والطّواعية اسم لما يكون مصدرا لطاوعه أي للمطاوعة يقال: طاوعت المرأة زوجها طواعية، وقال ابن السّكّيت: طاع له وأطاعه سواء «1» ولا يقال في الأمر إلّا أطاع، وفي الحديث الآيات/ الأحاديث/ الآثار 39/ 57/ 32 الشّريف: «هوى متّبع وشحّ مطاع» هو أن يطيعه صاحبه في منع الحقوق الّتي أوجبها الله عليه في ماله، أمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ، فإنّه يريد طاعة ولاة الأمر إذا أمروا بما فيه معصية كالقتل والقطع أو نحوه، وقيل معناه أنّ الطّاعة لا تسلم لصاحبها ولا تخلص إذا كانت مشوبة بمعصية، وإنّما تصحّ الطّاعة، وتخلص مع اجتناب المعاصي، والأوّل أشبه بمعنى الحديث، وقولهم: أنا طوع يدك أي منقاد لك، وفلان طوع المكاره: إذا كان معتادا لها، وتطوّع للشّيء وتطوّعه كلاهما: حاوله، وقول الله تعالى: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ معناه: رخّصت وسهّلت وروي عن مجاهد: طوّعت له: شجّعته أي أعانته على ذلك وأجابته إليه. قال أبو عبيد: ولا أدري أصله إلّا من الطّواعية، والاستطاعة استفعال من الطّاعة، ومعناها القدرة على الشّيء، وتطاوع للأمر، وتطوّع به وتطوّعه: تكلّف استطاعته. وفي التّنزيل: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ (المائدة/ 30) ويقال: تطوّع لهذا الأمر حتّى تستطيعه، والتّطوّع: ما تبرّع به الشّخص من ذات نفسه ممّا لا يلزمه فرضه، كأنّهم جعلوا التفعّل هنا اسما   (1) معنى عبارة ابن السكيت أن الفعل طاع يتعدى بالهمزة وبحرف الجر «اللام» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2672 كالتّنوّط، والمطّوّعة: الّذين يتطوّعون للجهاد «1» . الطاعة اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الطّاعة هي موافقة الأمر عندنا (معشر أهل السّنة) ، وعند المعتزلة موافقة الإرادة. وقال الكفويّ: الطّاعة فعل المأمورات ولو ندبا، وترك المنهيّات ولو كراهة، فقضاء الدّين والإنفاق على الزّوجة والمحارم ونحو ذلك طاعة لله وليس بعبادة. وقال ابن المناويّ: (بعد أن نقل كلام الجرجانيّ) عرّفت الطّاعة أيضا بأنّها: كلّ ما فيه رضا وتقرّب إلى الله تعالى «2» . وقال ابن علّان: هي الامتثال ظاهرا، والرّضا باطنا لحكم الله ورسوله وما يقوله من دعا إلى ذلك «3» . أحوال الناس في الطاعة: قال الماورديّ- رحمه الله-: ليس يخلو حال النّاس فيما أمروا به ونهوا عنه، من فعل الطّاعات واجتناب المعاصي، من أربعة أحوال: فمنهم من يستجيب إلى فعل الطّاعة، ويكفّ عن ارتكاب المعاصي. وهذا أكمل أحوال أهل الدّين، وأفضل صفات المتّقين، فهذا يستحقّ جزاء العاملين وثواب المطيعين، ومنهم من يمتنع عن فعل الطّاعات، ويقدم على ارتكاب المعاصي، وهي أخبث أحوال المكلّفين، وشرّ صفات المتعبّدين، فهذا يستحقّ عذاب اللّاهي عن فعل ما أمر به من طاعته، وعذاب المجترئ على ما أقدم عليه من معاصيه، وقد قال ابن شبرمة: عجبت لمن يحتمي من الطّيّبات مخافة الدّاء كيف لا يحتمي من المعاصي مخافة النّار؟ فأخذ ذلك بعض الشّعراء، فقال: جسمك قد أفنيته بالحمى ... دهرا من البارد والحار وكان أولى بك أن تحتمي ... من المعاصي حذر النّار ومنهم من يستجيب إلى فعل الطّاعات، ويقدم على ارتكاب المعاصي، فهذا يستحقّ عذاب المجترئ لأنّه تورّط بغلبة الشّهوة على الإقدام على المعصية، وإن سلم من التّقصير في فعل الطّاعة «4» . قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- في قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النّساء/ 65) قال: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدّسة أنّه لا يؤمن أحد حتّى يحكّم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحقّ الّذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا، ولهذا قال: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء/ 65) . أي إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا ممّا حكمت به، وينقادون له في الظّاهر والباطن فيسلّموا لذلك تسليما كلّيّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة «5» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 431) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 521) ، الصحاح للجوهري (3/ 1255) ، لسان العرب لابن منظور «طوع» (2720) . ط. دار المعارف. (2) الكليات للكفوي (582،) والتعريفات للجرجاني (ص 145) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (225) . (3) دليل الفالحين لابن علان (1/ 430) . (4) أدب الدنيا والدين للماوردي (103- 105) بتصرف. (5) تفسير ابن كثير (1/ 520) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2673 الفرق بين الطاعة والعبادة: قال الكفويّ: الطّاعة: أعمّ من العبادة لأنّ العبادة غلب استعمالها في تعظيم الله غاية التّعظيم والطّاعة تستعمل لموافقة أمر الله وأمر غيره. وقال أبو هلال: الفرق بين الطّاعة والعبادة أنّ العبادة غاية الخضوع، ولا تستحقّ إلّا بغاية الإنعام، ولهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى، ولا تكون العبادة إلّا مع المعرفة بالمعبود، والطّاعة: الفعل الواقع على حسب ما أراده المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممّن يفعل ذلك، وتكون للخالق والمخلوق، والعبادة لا تكون إلّا للخالق، والطّاعة في مجاز اللّغة تكون في اتّباع المدعوّ الدّاعي إلى ما دعاه إليه، وإن لم يقصد التّبع، كالإنسان يكون مطيعا للشّيطان وإن لم يقصد أن يطيعه ولكنّه اتّبع دعاءه وإرادته «1» . الفرق بين الطاعة وموافقة الإرادة: أنّ موافقة الإرادة قد تكون طاعة وقد لا تكون طاعة، وذلك إذا لم تقع موقع الدّاعي إلى الفعل كنحو إرادتك أن يتصدّق زيد بدرهم من غير أن يشعر بذلك، فلا يكون بفعله مطيعا لك ولو علمه ففعله من أجل إرادتك كان مطيعا لك ولذلك لو أحسن بدعائك إلى ذلك فمال معه كان مطيعا لك «2» . الفرق بين الطاعة والخدمة: إنّ الخادم هو الّذي يطوف على الإنسان راعيا في حوائجه، ولهذا لا يجوز أن يقال: إنّ العبد يخدم الله تعالى، وأصل الكلمة الإطافة بالشّيء ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي الاشتغال بما يصلح به شأن المخدوم خدمة، وليس ذلك من الطّاعة والعبادة في شيء، ألا ترى أنّه يقال فلان يخدم المسجد إذا كان يتعهّده بتنظيف وغيره «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإيمان- الإخلاص- التقوى- العبادة- الفرار إلى الله- الخوف- الخشوع- الخشية- الدعاء- الإنابة- الاتباع- الصلاة- الزكاة- الحج والعمرة- تعظيم الحرمات- الصوم. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكفر- العصيان- الفجور- الفسوق- ترك الصلاة- اتباع الهوى- الإعراض- التفريط والإفراط- الضلال- الغي والإغواء- اللهو واللعب- انتهاك الحرمات- التهاون] .   (1) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (182) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (182- 183) بتصرف يسير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2674 الآيات الواردة في «الطاعة» رأس الطاعة طاعة الله والرسل: 1- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) «1» . 2- قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32) «2» 3- وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) «3» 4- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) «4» 5- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «6» 7- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «7» 8- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «8» 9- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «9» 10- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) «10»   (1) البقرة: 285 مدنية (2) آل عمران: 32 مدنية (3) آل عمران: 50 مدنية (4) آل عمران: 132 مدنية (5) النساء: 46 مدنية (6) النساء: 59 مدنية (7) النساء: 64 مدنية (8) المائدة: 7 مدنية (9) المائدة: 92 مدنية (10) الأنفال: 1 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2675 11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) «1» . 12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) «2» 13- وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) «3» 14- وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) «4» 15- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) «5» 16- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) «6» 17- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127)   (1) الأنفال: 20 مدنية (2) الأنفال: 45- 46 مدنية (3) طه: 90 مكية (4) النور: 47 مدنية (5) النور: 51- 56 مدنية (6) الشعراء: 106- 110 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2676 أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) «1» 18- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) «2» 19- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) «3» 20- إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) «4» 21- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) «5» 22- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) «6» 23- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) «7» 24- أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «8» 25- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)   (1) الشعراء: 124- 131 مكية (2) الشعراء: 142- 151 مكية (3) الشعراء: 161- 163 مكية (4) الشعراء: 177- 179 مكية (5) الأحزاب: 32- 33 مدنية (6) الزخرف: 63 مكية (7) محمد: 33 مدنية (8) المجادلة: 13 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2677 وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) «1» 26- فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «2» 27- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) «3» كل المخلوقات تدين لله بالطاعة: 28- أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) «4» 29- وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) «5» 30- * قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) «6» 31- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) «7» ثواب الطائعين وعقوبة العاصين: 32- تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) «8» 33- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) «9» 34- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80)   (1) التغابن: 11- 12 مدنية (2) التغابن: 16 مدنية (3) نوح: 1- 3 مكية (4) آل عمران: 83 مدنية (5) الرعد: 15 مدنية (6) فصّلت: 9- 11 مكية (7) التكوير: 19- 21 مكية (8) النساء: 13 مدنية (9) النساء: 69 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2678 وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) «1» 35- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «2» 36- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) «3» 37- قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (17) «4» 38- قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «5» الطاعة تعفي من العقوبة: 39- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «6»   (1) النساء: 80- 81 مدنية (2) التوبة: 71 مدنية (3) الاحزاب: 70- 71 مدنية (4) الفتح: 16- 17 مدنية (5) الحجرات: 14 مدنية (6) النساء: 34 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2679 الأحاديث الواردة في (الطاعة) 1- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته «1» . عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء «2» . كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «3» . عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «4» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا «5» . رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «6» . وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى، ومسلم. وعفيف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر «7» . له، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له «8» . طمع وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير «9» . الفحّاش» ) * «10» . 2- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثه ومعاذا إلى اليمن. فقال: «يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا لا تختلفا» ) * «11» . 3- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أدّب الرّجل أمته فأحسن تأديبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، ثمّ أعتقها فتزوّجها كان له أجران، وإذا آمن بعيسى ثمّ آمن بي فله أجران، والعبد إذا اتّقى ربّه وأطاع مواليه فله أجران» ) * «12» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشيّ كأنّ رأسه زبيبة» ) * «13» .   (1) نحلته: أعطيته. (2) حنفاء: أي مسلمين وقيل: طاهرين من المعاصي. (3) اجتالتهم: أى استخفّوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه. (4) لا يغسله الماء: يريد أنه محفوظ في الصدور. (5) يثلغوا رأسي: يصيبوه بالحجارة فيشدخوه. (6) نغزك: أي نعينك. (7) لا زبر له: لا عقل له يمنعه، وقيل: هو الذي لا مال له. (8) لا يخفي له: أي لا يظهر له. (9) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش وهو السيء الخلق. (10) مسلم (2865) . (11) البخارى- الفتح 6 (3038) . ومسلم (1733) واللفظ له. (12) البخارى- الفتح 6 (3446) . (13) البخارى- الفتح 13 (7142) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2680 5- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: «إنّ خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع. وإن كان عبدا مجدّع الأطراف «1» ) * «2» . 6- * (عن فاطمة بنت قيس قالت: إنّ زوجها طلّقها ثلاثا. فلم يجعل لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سكنى ولا نفقة. قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا حللت فاذنيني» فاذنته «3» . فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة ابن زيد. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا معاوية فرجل ترب لا مال له «4» . وأمّا أبو جهم فرجل ضرّاب للنّساء. ولكن أسامة بن زيد» فقالت بيدها هكذا: أسامة، أسامة. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طاعة الله وطاعة رسوله خير لك» قالت: فتزوّجته فاغتبطت) * «5» . 7- * (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، ... الحديث، وفيه: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام «6» من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا جهنّم «7» » فقال رجل: يا رسول الله؛ وإن صلّى وصام؟ قال: «وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «8» . 8- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا «9» . فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم «10» فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ) * «11» . 9- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّاس كانوا يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ، فأحدقه القوم بأبصارهم، فقال: إنّي قد أرى الّذي تنكرون، إنّي قلت: يا رسول الله، أرأيت هذا الخير الّذي أعطانا الله أيكون بعده شرّكما كان قبله؟ قال «نعم» قلت: فما العصمة من ذلك؟ قال «السّيف» قلت: يا رسول الله،   (1) وإن كان عبدا مجدّع الأطراف: أى مقطوعا. والمراد أخس العبيد. أي أسمع وأطيع للأمير وإن كان دنيء النسبة. حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف. فطاعته واجبة. (2) مسلم (1837) . (3) آذنته: أعلمته. (4) ترب لا مال له: الترب هو الفقير. فأكده بأنه لا مال له. لأن الفقير قد يطلق على من له شيء يسير لا يقع موقعا من كفايته. (5) مسلم (1480) وقولها «فاغتبطت» أي فرحت بالنعمة. (6) ربقة الإسلام: أي رباطه والربقة: حبل ذو عرى. (7) جثا جهنم: جمع جثوة وهي الجماعة المحكوم عليهم بالنار. (8) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح غريب وابن خزيمة (3/ 195) . وابن منده في الإيمان (1/ 376- 377) حديث (212) . وأحمد في «المسند» (4/ 130 و202) . (9) أدلجوا: أي ساروا معه ليلا. (10) واجتاحهم: أي استأصلهم. (11) البخارى- الفتح 13 (7283) واللفظ له. ومسلم (2283) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2681 ثمّ ماذا يكون؟ قال: «إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه وإلّا فمت وأنت عاضّ بجذل شجرة «1» .» قلت: ثمّ ماذا؟ قال: «ثمّ يخرج الدّجّال معه نهر ونار فمن وقع في ناره وجب أجره وحطّ وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحطّ أجره» . قال: قلت: ثمّ ماذا؟ قال: «ثمّ هي قيامة السّاعة» ) * «2» . 10- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث معاذا- رضي الله عنه- إلى اليمن فقال: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم» ) * «3» . 11- * (عن جرير- رضي الله عنه- قال: بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة. فلقّنني: «فيما استطعت، والنّصح لكلّ مسلم» ) * «4» . 12- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في المنشط والمكره. وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم- أو نقول- بالحقّ حيثما كنّا. ولا نخاف في الله لومة لائم) * «5» . 13- (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سريّة وأمّر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثمّ دخلتم فيها. فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا، فلمّا همّوا بالدّخول، فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنّما تبعنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرارا من النّار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النّار وسكن غضبه، فذكر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنّما الطّاعة في المعروف» ) * «6» . 14- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا قال: فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: إنّه نائم؛ وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا. جعل فيها مأدبة وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن   (1) جذل شجرة: الجذل أصل الشجرة وغيرها بعد ذهاب الفرع. (2) أبو داود (4244) وأصله في الصحيحين. وهو في الصحيحة للألباني (1791) . (3) البخارى- الفتح 3 (1395) واللفظ له ومسلم (19) . (4) البخارى- الفتح 13 (7204) واللفظ له ومسلم (56) . (5) البخارى- الفتح 13 (7199، 7200) . (6) البخارى- الفتح 13 (7145) واللفظ له. ومسلم (1840) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2682 لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم. وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس) * «1» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا ... الحديث، وفيه: بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «2» .. ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «3» . ولا تملأ بيتنا تعشيشا ... الحديث) * «4» . 16- * (عن أمّ الحصين- رضي الله عنها- قالت: حججت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجّة الوداع. فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته. ومعه بلال وأسامة. أحدهما يقود به راحلته. والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الشّمس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولا كثيرا. ثمّ سمعته يقول: «إن أمّر عليكم عبد مجدّع «5» . أسود يقودكم بكتاب الله تعالى، فاسمعوا له وأطيعوا» ) * «6» . 17- * (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدّثني أبي، أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فحمد الله وأثنى عليه، وذكّر ووعظ، فذكر في الحديث قصّة فقال «ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان «7» . عندكم، ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك، إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ ضربا غير مبرّح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا. ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا. فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «8» . 18- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي «9» فأخذت قربة من ماء إلى جنبي. فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «أمّا بعد، ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد   (1) البخاري- الفتح 13 (7281) . (2) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله (3) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة. (4) البخاري- الفتح 9 (5189) . مسلم (2448) . (5) مجدّع: أي مقطع الأعضاء. (6) مسلم (1298) . (7) عوان عندكم: أي أسرى في أيديكم. (8) الترمذي (1163) وقال: هذا حديث صحيح.. والحديث أصله فى مسلم من حديث جابر رضى الله عنه (1218) . (9) تجلاني الغشي: بمعني الغشاوة، أي علاني مرض قريب من الإغماء. لطول تعب الوقوف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2683 رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله. جاءنا بالبيّنات والهدى فأجبنا وأطعنا، ثلاث مرار، فيقال له: نم. قد كنّا نعلم أنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «1» . 19- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم. وتأتون الماء، إن شاء الله، غدا» فانطلق النّاس لا يلوي أحد على أحد «2» .... الحديث، وفيه: ثمّ قال: ما ترون النّاس صنعوا؟ قال: ثمّ قال «3» .: أصبح النّاس فقدوا نبيّهم. فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدكم. لم يكن ليخلّفكم. وقال النّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أيديكم. فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا ... الحديث) * «4» . 20- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيار أئمّتكم الّذين تحبّونهم ويحبّونكم. ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم، وشرار أئمّتكم الّذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» . قيل: يا رسول الله؛ أفلا ننابذهم بالسّيف؟ فقال: «لا. ما أقاموا فيكم الصّلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة» ) * «5» . 21- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل «6» ومنا من هو في جشره «7» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإن أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور   (1) البخارى- الفتح 1 (86) . ومسلم (905) واللفظ له. (2) لا يلوي على أحد: أي لا يعطف. (3) ما ترون الناس صنعوا ثم قال. إلخ: قال النووي: معنى هذا الكلام أنه لما صلى بهم الصبح بعد ارتفاع الشمس، وقد سبقهم الناس، وانقطع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم قال: ما تظنون الناس يقولون فينا؟ فسكت القوم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم وراءكم ولا تطيب نفسه أن يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم وقال باقي الناس: إنه سبقكم فالحقوه فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، فإنهما على الصواب. (4) مسلم (681) . (5) مسلم (1855) واللفظ له أحمد (5/ 444، 6/ 24) والدارمي (2797) . (6) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب. (7) في جشره: الجشر قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم. النهاية (1/ 273) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2684 تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «1» . وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا. والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء/ 29) . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله. واعصه في معصية الله» ) * «2» . 22- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره، ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ) * «3» . 23- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجل سأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقّنا ويسألونا حقّهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسمعوا وأطيعوا، فإنّما عليهم ما حمّلوا، وإنّما عليكم ما حمّلتم» ) * «4» . 24- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع فقال: «اتّقوا الله ربّكم، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «5» . 25- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة يوم العيد. فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة. بغير أذان ولا إقامة. ثمّ قام متوكّئا على بلال، فأمر بتقوى الله. وحثّ على طاعته. ووعظ النّاس. وذكّرهم. ثمّ مضى. حتّى أتى النّساء. فوعظهنّ وذكّرهنّ. فقال: «تصدّقن. فإنّ   (1) فيرقق بعضها بعضا: أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، وقيل معناه يشبه بعضه بعضا. (2) مسلم (1844) . (3) البخاري- الفتح 13 (7144) واللفظ له، ومسلم (1839) . (4) مسلم (1846) . والترمذى (2199) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. (5) الترمذي (616) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم (1/ 9، 389) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. ورواه أحمد في «المسند» (5/ 251) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2685 أكثركنّ حطب جهنّم» فقامت امرأة من سطة النّساء «1» سفعاء الخدّين «2» . فقالت: لم؟ يا رسول الله! قال: «لأنّكنّ تكثرن الشّكاة «3» وتكفرن العشير «4» » . قال: فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ. يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ وخواتمهنّ» ) * «5» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك السّمع والطّاعة في عسرك ويسرك «6» ومنشطك ومكرهك وأثرة «7» عليك» ) * «8» . 27- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الغزو غزوان، فأمّا من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشّريك واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كلّه. وأمّا من غزا رياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لا يرجع بالكفاف» ) * «9» . 28- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رجل: يا رسول الله، أيّ الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربّك، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر وهجرة البادي. فأمّا البادي فيجيب إذا دعي، ويطيع إذا أمر، وأمّا الحاضر فهو أعظمها بليّة، وأعظمها أجرا» ) * «10» . 29- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك. ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «11» . 30- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان غلام يهوديّ يخدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمرض، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم. فأسلم فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «الحمد لله الّذي أنقذه   (1) من سطة النساء: أي من خيارهن. والوسط العدل والخيار. (2) سفعاء الخدين: السفعة: سواد مشرب بحمرة. (3) الشكاة: الشكوى. (4) تكفرن العشير: أي يجحدن الإحسان لضعف عقولهن وقلة معرفتهن. (5) البخارى- الفتح 2 (978) . ومسلم (885) واللفظ له. (6) قال العلماء معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره، مما ليس بمعصية. فإن كان معصية فلا سمع ولا طاعة. (7) وأثرة: هي الاستئثار بأمور الدنيا عليكم. أى اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم. (8) مسلم (1836) . (9) صحيح سنن النسائي (2987) واللفظ له. والحاكم في المستدرك (2/ 85) ووافقه الذهبي. (10) النسائي (7/ 144) وقال محقق جامع الأصول (11/ 608) : حديث حسن. (11) الترمذي (3502) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب. والحاكم في المستدرك (1/ 528) وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2686 من النّار» ) * «1» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلّا من أبى» . قالوا: يا رسول الله؛ ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنّة، ومن عصاني فقد أبى» ) * «2» . 32- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» وكنّا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصّلوات الخمس وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة) ولا تسألوا النّاس شيئا» . فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم. فما يسأل أحدا يناوله إيّاه) * «3» . 33- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنّا نبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة، فيقول لنا: «فيما استطعتم» ) * «4» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ- عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة: آية 284) قال: فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله؛ كلّفنا من الأعمال ما نطيق، الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. (البقرة/ 285) . فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم. فأنزل الله في إثرها آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ 285) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله- عزّ وجلّ- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (قال: نعم) (البقرة/ 286) * «5» . 35- * (عن عديّ بن حاتم، أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد   (1) البخاري- الفتح 3 (1356) . (2) البخاري- الفتح 13 (7280) . (3) مسلم (1043) . (4) الترمذي (1593) وقال هذا حديث حسن صحيح. (5) مسلم (125) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2687 رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال. رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله) * «1» . 36- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» ) * «2» . 37- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجّة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة» ) * «3» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهليّة «4» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «5» يغضب لعصبة «6» . أو يدعو إلى عصبة. أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة. ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «7» . من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه) * «8» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنّما الإمام جنّة «9» يقاتل من ورائه. ويتّقى به. فإن أمر بتقوى الله وعدل؛ فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإنّ عليه منه» ) * «10» . الأحاديث الواردة في (الطاعة) معنى 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا. وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقص منه. فلمّا ولّى. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّد، فلينظر إلى هذا» ) * «11» .   (1) مسلم (870) الفرق بين الصيغتين: أن عبارة التثنية (ومن يعصهما) توهم التسوية بين الله ورسوله فأراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم إزالة هذا الوهم. (2) البخارى- الفتح 11 (6696) . (3) مسلم (1851) . (4) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. (5) عمية: هى الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. (6) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره. لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. (7) ولا يتحاش: أى لا يخاف وباله وعقوبته ولا يكترث بما يفعله فيها. (8) مسلم (1848) . (9) جنّة: أي كالستر؛ لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويمنع الناس بعضهم من بعض. (10) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له ومسلم (1841) . (11) البخارى- الفتح 3 (1397) . ومسلم (14) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2688 41- * (عن طلق بن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا الرّجل دعا زوجته لحاجته فلتأته، وإن كانت على التّنّور «1» » ) * «2» . 42- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فامن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى، وحقّ سيّده فله أجران، ورجل له أمة فغذّاها فأحسن غذاءها. ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها، فله أجران» ) * «3» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «دعوني ما تركتكم «4» ، فإنّما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» ) * «5» . 44- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى نزلنا واديا أفيح «6» . فذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقضي حاجته فاتّبعته بإداوة من ماء. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كالبعير المخشوش «7» ، الّذي يصانع قائده حتّى أتى الشّجرة الآخرى، فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» . فانقادت معه كذلك حتّى إذا كان بالمنصف «8» ممّا بينهما، لأم بينهما (يعني جمعهما) فقال: التئما عليّ بإذن الله» فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر «9» مخافة أن يحسّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقربي فيبتعد (وقال محمّد بن عبّاد: فيتبعّد) فجلست أحدّث نفسي. فحانت منّي لفتة، فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا. وإذا الشّجرتان قد افترقتا. فقامت كلّ واحدة منهما على ساق. فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف وقفة. فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا) ثمّ أقبل. فلمّا انتهى قال: «يا جابر هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم. يا رسول الله، قال: «فانطلق إلى الشّجرتين فاقطع من كلّ واحدة منهما غصنا فأقبل بهما حتّى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته «10» .   (1) التنور: الذي يخبز فيه. (2) الترمذي (1160) وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول 6 (496) : إسناده حسن. (3) البخاري- الفتح 1 (97) ومسلم (154) واللفظ له. (4) دعوني ما تركتكم: أي اتركوني مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء. (5) البخارى- الفتح 13 (7288) واللفظ له. ومسلم (1337) . (6) واديا أفيح: أي واسعا. (7) كالبعير المخشوش: هو الذي يجعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنف البعير إذا كان صعبا. ويشد فيه حبل ليذل وينقاد. (8) بالمنصف: أي نصف المسافة. (9) أحضر: أي أعدو وأسعى سعيا شديدا. (10) حسرته: أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن قطع الأغصان به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2689 فانذلق «1» لي. فأتيت الشّجرتين فقطعت من كلّ واحدة منهما غصنا. ثمّ أقبلت أجرّهما حتّى قمت مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثمّ لحقته فقلت: قد فعلت. يا رسول الله فعمّ ذاك؟ قال: «إنّي مررت بقبرين يعذّبان. فأحببت، بشفاعتي، أن يرفّه «2» عنهما، ما دام الغصنان رطبين» ) * «3» . 45- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء «4» ، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ الله تبارك وتعالى يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92) وإنّ أحبّ أموالي إلىّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله. فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ، ذلك مال رابح. ذلك مال رابح. وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «5» . 46- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها فلمّا قعد منها مقعد الرّجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك؟ أأكرهتك؟ قالت: لا، ولكنّه عمل ما عملته قطّ، وما حملني عليه إلّا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته «6» ؟ اذهبي فهي لك، وقال: لا، والله لا أعصي الله بعدها أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إنّ الله قد غفر للكفل) * «7» . 47- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ. مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله؛ إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ. فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن» «8» قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي. ويهدون بغير هديي «9» ، تعرف منهم وتنكر» . فقلت:   (1) فانذلق: أي صار حادّا. (2) أن يرفه عنهما: أي يخفف. (3) مسلم (3012) . (4) بيرحاء: اسم مال، وموضع بالمدينة. (5) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له. ومسلم (998) . (6) أي هل تفعلينه الآن وما فعلته قبل ذلك. (7) الترمذي (2496) وقال: حديث حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 254، 255) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (8) دخن: قال أبو عبيد وغيره: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد. قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض. ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء. (9) هديي: الهدي الهيئة والسيرة والطريقة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2690 هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم دعاة على أبواب جهنّم «1» من أجابهم إليها قذفوه فيها» . فقلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: «نعم. قوم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا» . قلت: يا رسول الله؛ فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» ، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها. ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «2» . 48- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم «3» الأنبياء. كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ. وإنّه لا نبيّ بعدي. وستكون خلفاء فتكثر» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأوّل فالأوّل «4» . وأعطوهم حقّهم، فإنّ الله سائلهم عمّا استرعاهم» ) * «5» . 49- * (عن عبد الله بن عمر عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: كانت تحتي امرأة كان عمر يكرهها فقال: طلّقها، فأبيت، فأتى عمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال «أطع أباك» ) * «6» . 50- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنّا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى، فرخّص لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «كلوا وتزوّدوا، فأكلنا وتزوّدنا» ) * «7» . 51- * (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله «8» صلّى الله عليه وسلّم وكانت يدي تطيش في الصّحفة «9» . فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا غلام، سمّ الله، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك» فما زالت تلك طعمتي «10» بعد) * «11» . 52- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: لمّا قدم معاذ من الشّام سجد للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما هذا يا معاذ؟» قال: أتيت الشّام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم. فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلا تفعلوا. فإنّي لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والّذي نفس محمّد   (1) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك، فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها. (2) البخارى 6 (3606) ، ومسلم (1847) واللفظ له. (3) تسوسهم الأنبياء: أي يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية. (4) فوا ببيعة الأول فالأول: أي إذا بويع لخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ويحرم عليه طلبها. (5) البخاري- الفتح 6 (3455) . ومسلم 1842 واللفظ له. (6) أحمد فى المسند (4711) واللفظ له (5011) . وأبو داود (1538) ، والترمذى (1201) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 404) : إسناده حسن. (7) البخاري- الفتح 3 (1719) واللفظ له. ومسلم (1972) . (8) في حجر رسول الله: أي في تربيته وتحت رعايته. (9) تطيش في الصحفة: أي تتحرك وتميل إلى نواحي القصعة. (10) طعمتي- بكسر الطاء- أي صفة أكلي. (11) البخاري- الفتح 9 (5376) واللفظ له. ومسلم (2022) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2691 بيده لا تؤدّي المرأة حقّ ربّها حتّى تؤدّي حقّ زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب «1» لم تمنعه» ) * «2» . 53- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ وما رآهم. انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء. وأرسلت عليهم الشّهب. فرجعت الشّياطين إلى قومهم. فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء. وأرسلت علينا الشّهب. قالوا ما ذاك إلّا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فانظروا ما هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء. فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها. فمرّ النّفر الّذين أخذوا نحو تهامة. (وهو بنخل «3» ، عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر) فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له. وقالوا: هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء. فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرّشد فامنّا به ولن نشرك بربّنا أحدا. فأنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (الجن/ 1)) * «4» . 54- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته، ويقتدون بأمره ثمّ إنّها تخلف «5» من بعده خلوف. يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل) * «6» . 55- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: وقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرفات وقد كادت الشّمس تغرب فقال: «يا بلال، أنصت لي النّاس، فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فنصت النّاس فقال: معاشر النّاس، أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربّي السّلام وقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- غفر لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام وضمن عنهم التّبعات «7» فقام عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله؟ هذا لنا خاصّة؟ قال: «هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة» فقال عمر بن الخطّاب: كثر خير الله وطاب) * «8» .   (1) قتب: القتب: إكاف البعير. وقيل: رحل صغير على قدر السنام. والمراد: الحث لهن على مطاوعة أزواجهن. (2) الترمذى (1159) وقال: حديث حسن. وابن ماجة (1853) واللفظ له وقال الألبانى: حسن صحيح. وهو فى الصحيحة له (1203) . (3) بنخل: هكذا وقع، وصوابه بنخلة بالهاء. وهو موضع معروف هناك كذا جاء صوابه في صحيح البخاري. (4) البخارى- الفتح 8 (4921) . ومسلم (449) واللفظ له. (5) إنها تخلف الضمير في إنها ضمير القصة، ومعنى تخلف: تحدث. (6) مسلم (50) . (7) أي حمل عنهم المظالم التى بينهم. (8) قال الحافظ الدمياطي: في المتجر الرابح (236) برقم (953) ، رواه ابن المبارك بإسناد جيد ورواته ثقات أثبات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2692 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الطاعة) 56- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ. وانصرني ولا تنصر عليّ. وامكر لي «1» ولا تمكر عليّ. واهدني ويسّر الهدى لي. وانصرني على من بغى عليّ. ربّ اجعلني لك شكّارا. لك ذكّارا. لك رهّابا. لك مطيعا. إليك مخبتا «2» . إليك أوّاها منيبا «3» . ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي «4» . وأجب دعوتي. واهد قلبي. وسدّد لساني. وثبّت حجّتي واسلل سخيمة قلبي «5» » ) * «6» . 57- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ وهو في اليمن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذهيبة في تربتها، فقسمها بين الأقرع بن حابس الحنظليّ ثمّ أحد بني مجاشع وبين عيينة بن بدر الفزاريّ وبين علقمة بن علاثة العامريّ ثمّ أحد بني كلاب وبين زيد الخيل الطّائيّ، ثمّ أحد بني نبهان فتغيّظت قريش والأنصار فقالوا: يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: إنّما أتألّفهم. فأقبل رجل غائر العينين ناتأ الجبين «7» كثّ اللّحية مشرف الوجنتين «8» محلوق الرّأس. فقال: يا محمّد اتّق الله. فقال: النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «فمن يطيع الله إذا عصيته؟ فيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!» فسأل رجل من القوم قتله، أراه خالد ابن الوليد، فمنعه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من ضئضئ «9» هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام مروق السّهم من الرّميّة يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان. لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد «10» ) * «11» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الطاعة) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «لا تصحب الفجّار، لتعلّم من فجورهم، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين، ولا أمين إلّا من خشي الله، وتخشّع عند القبور، وذلّ عند الطّاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر الّذين يخشون الله» ) * «12» .   (1) امكر لي: مكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه. (2) مخبتا: من الإخبات وهو الخشوع والتواضع. (3) أواها: متضرعا، ومنيبا: من الإنابة وهو الرجوع إلى الله بالتوبة. (4) حوبتي: أي إثمي. (5) اسلل سخيمة قلبي: أي انزع الحقد منه. (6) أبو داود رقم (1510) والترمذي (3551) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (3830) واللفظ له. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 337) : وهو حديث صحيح. (7) ناتئ الجبين: أي بارزه. (8) مشرف الوجنتين: أي غليظهما. (9) ضئضئ: هو الأصل. (10) قتل عاد: يريد قتلا عاما مستأصلا. (11) البخاري- الفتح 13 (7432) واللفظ له. ومسلم (1064) . (12) الدر المنثور للسيوطي (7/ 22) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2693 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- في وصيّته بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث، وفيه: قال: «إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا. فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ... الحديث» ) * «1» . 3- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه-: «إنّ معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقيل: إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقال: ما نسيت، هل تدري ما الأمّة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم. فقال: الأمّة؟ الّذي يعلّم الخير، والقانت المطيع لله وللرّسول، وكان معاذ يعلّم النّاس الخير ومطيعا لله ولرسوله» ) * «2» . 4- * (كتب أبو الدّرداء إلى سلمة بن مخلد: «أمّا بعد، فإنّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبّه الله، وإذا أحبّه الله حبّبه إلى خلقه، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله فإذا أبغضه بغّضه إلى خلقه» ) * «3» . 5- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في قوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ (آل عمران/ 102) قال: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى) * «4» . 6- * (عن عبد الله بن سلمة قال: قال رجل لمعاذ بن جبل: علّمني، قال: وهل أنت مطيعي؟ قال: إنّي على طاعتك لحريص، قال: صم وأفطر، وصلّ ونم، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتنّ إلّا وأنت مسلم، وإيّاك ودعوة المظلوم) * «5» . 7- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الآية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) قال: بلى يا ربّ، بلى يا ربّ) * «6» . 8- * (عن خالد بن أسلم مولى عمر بن الخطّاب قال: خرجت مع عبد الله بن عمر، فلحقه أعرابيّ. فقال له: قول الله وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ 34) قال له ابن عمر: من كنزها فلم يؤّد زكاتها فويل له. إنّما كان هذا قبل أن تنزل الزّكاة. فلمّا أنزلت جعلها الله طهورا للأموال. ثمّ التفت فقال: ما أبالي لو كان لي أحد ذهبا، أعلم عدده وأزكّيه، وأعمل فيه بطاعة الله- عزّ وجلّ-) * «7» . 9- * (عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله- قال: كتب إلىّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما   (1) البخارى- الفتح 3 (1392) . (2) حلية الأولياء، لأبى نعيم (1/ 230) . (3) الزهد، للإمام أحمد بن حنبل ص (168) . (4) أخرجه الحاكم (2/ 294) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. (5) حلية الأولياء، لأبى نعيم (1/ 233) . (6) الدر المنثور، للسيوطى (8/ 59) . (7) ابن ماجة (1/ 1787) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2694 يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امريء مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرّض نفسه للتّهم فلا يلومنّ إلّا نفسه، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه) * «1» . 10- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله- عملوا لله بالطّاعات، واجتهدوا فيها وخافوا أن تردّ عليهم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا) * «2» . 11- * (سئل الحسن البصريّ ما برّ الوالدين؟ قال: أن تبذل لهما ما ملكت، وأن تطيعهما فيما أمراك به، إلّا أن يكون معصية) * «3» . 12- * (قال بعض السّلف: لمّا قدم سليمان ابن عبد الملك المدينة المنوّرة، وهو يريد مكّة المكرّمة أرسل إلى أبي حازم فدعاه، فلمّا دخل عليه، قال له سليمان: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنّكم خرّبتم آخرتكم وعمّرتم الدّنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب، قال: أيّ المؤمنين أكيس؟ قال: رجل عمل بطاعة الله ودعا النّاس إليها. قال: فأيّ المؤمنين أخسر؟ قال: رجل أخطأ في هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره، قال سليمان: ماذا تقول فيما نحن فيه؟ قال: أو تعفيني؟ قال: لا. ولكن نصيحة تلقيها إليّ، قال: يا أمير المؤمنين، إنّ آباءك قهروا النّاس بالسّيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضى منهم حتّى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، وقد ارتحلوا فلو شعرت ما قالوا وما قيل لهم؟. فقال له رجل من جلسائه: بئسما قلت. قال أبو حازم. إنّ الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه. قال: فكيف لنا نصلح هذا الفساد، فقال: أن تأخذه من حلّه فتضعه في حقّه، فقال سليمان: ومن يقدر عليه؟. قال: من يطلب الجنّة ويخاف النّار. فقال: ادع لي. قال أبو حازم: اللهمّ إن كان سليمان وليّك فيسّر له خير الدّنيا والآخرة، وإن كان عدوّك فخذ بناصيته إلى ما تحبّ وترضى. فقال سليمان: أوصني. قال: عظّم ربّك ونزّهه أن يراك حيث ينهاك، أو يفقدك حيث أمرك) * «4» . 13- * (عن الزّهريّ- رحمه الله- قال: إنّ عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- تلا هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قال: استقاموا والله لله بطاعته ولم يروغوا «5» روغان الثّعالب) * «6» . 14- * (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله-: أيضمن لي فتى ترك المعاصي ... وأرهنه الكفالة بالخلاص أطاع الله قوم فاستراحوا ... ولم يتجرّعوا غصص المعاصي ) * «7» .   (1) شعب الإيمان، للبيهقي (2/ 103) . (2) بصائر ذوي التمييز، للفيروز ابادي (2/ 545) . (3) الدر المنثور، للسيوطي (5/ 259) وقال أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه. (4) الدارمي (1164) برقم (647) . (5) يروغوا: أي يخادعوا. (6) الزهد لابن المبارك (110) . (7) أدب الدنيا والدين للماوردي (104) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2695 15- * (قال أبو البختريّ- رحمه الله-: لوددت أنّ الله تعالى يطاع وأنّي عبد مملوك) * «1» . 16- * (عن عبد الله بن المبارك، في ذكر شروط التّوبة، قال: النّدم، والعزم على عدم العود، وردّ المظلمة، وأداء ما ضيّع من الفرائض، وأن يعمد إلى البدن الّذي ربّاه بالسّحت، فيذيبه بالهمّ والحزن حتّى ينشأ له لحم طيّب، وأن يذيق نفسه ألم الطّاعة، كما أذاقها لذّة المعصية) * «2» . 17- * (قال طلق بن حبيب: التّقوى عمل بطاعة الله، رجاء رحمة الله، على نور من الله، والتّقوى ترك معصية الله، مخافة عقاب الله، على نور من الله) * «3» . 18- * (قال مالك- رحمه الله-: بلغني أنّ عمر بن الخطّاب قال: إنّي لأضطجع على فراشي فما يأتيني النّوم، وأقوم إلى الصّلاة، فما تتوجّه إليّ القراءة من اهتمامي بأمر النّاس. قال مالك: يريد أن يطاع الله ولا يعصى الله) * «4» . 19- * (سئل أبو حمزة الشّيبانيّ عن الإخوان في الله- عزّ وجلّ- فقال: المتعاونون على أمر الله- عزّ وجلّ- وإن تفرّقت دورهم وأبدانهم) * «5» . 20- * (كتب رجل إلى أبي العتاهية: يأبا إسحاق إنّي ... واثق منك بودّك فأعنّي بأبي أن ... ت على عيبي برشدك «6» فأجابه بقوله: أطع الله بجهدك ... راغبا أو دون جهدك فأطع مولاك ما تطلب من طاعة عبدك) * «7» . 21- * (قال الحسن- رضي الله عنه- في قوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ قال: أي من طاعتي) * «8» . 22- * (قال محمود الورّاق: هذا الدّليل لمن أرا ... د غنى يدوم بغير مال وأراد عزّا لم توطّده العشائر بالقتال ومهابة من غير سلطان وجاها في الرّجال فليعتصم بدخوله ... في عزّ طاعة ذي الجلال وخروجه من ذلّ معصية له في كلّ حال) * «9» . 23- * (قال شاه الكرمانيّ: علامة صحّة الرّجاء حسن الطّاعة) * «10» . 24- * (قال أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الأندلسيّ لنفسه: إذا كنت أعلم علما يقينا ... بأنّ جميع حياتي كساعةْ   (1) الزهد، لابن المبارك (ص 69) . (2) فتح الباري ج 11، ص 106. (3) المصنف، لابن أبى شيبة (11/ 23) والدر المنثور للسيوطي (1/ 61) . (4) شرح السنة للبغوي (3/ 257) . (5) الإخوان لابن أبي الدنيا (127) . (6) أدب الدنيا والدين للماوردي (131) . (7) الزهد لابن المبارك (109) . (8) الدر المنثور (5/ 7) . (9) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 153) . (10) مدارج السالكين (2/ 37) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2696 فلم لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه) * «1» . 25- * (قال أبو العتاهية: وإذا تناسبت الرّجال، فما أرى ... نسبا يقاس بصالح الأعمال وإذا بحثت عن التّقيّ وجدته ... رجلا يصدّق قوله بفعال وإذا اتّقى الله امرؤ وأطاعه ... فيداه بين مكارم ومعال ) * «2» . 26- * (قال الشّاعر: تعصي الإله وأنت تظهر حبّه ... هذا محال في القياس بديع لو كان حبّك صادقا لأطعته ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع ) * «3» . 27- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: من أعجب الأشياء أن تعرفه ثمّ لا تحبّه، وأن تسمع داعيه ثمّ تتأخّر عن الإجابة. وأن تعرف قدر الرّبح في معاملته ثمّ تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه ثمّ تتعرّض له. وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثمّ لا تطلب الأنس بطاعته. وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثمّ لا تشتاق إلى انشراح الصّدر بذكره ومناجاته. وأن تذوق العذاب عند تعلّق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعمى الإقبال عليه والإنابة إليه) * «4» . 28- * (وقال- رحمه الله- أيضا: إذا علقت شروش «5» . المعرفة في أرض القلب نبتت فيه شجرة المحبّة، فإذا تمكّنت وقويت أثمرات الطّاعة، فلا تزال الشّجرة تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها) * «6» . 29- * (وقال- رحمه الله-: مثال تولّد الطّاعة ونموّها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثمّ أثمرات فأكلت ثمرها وغرست نواها فكلّما أثمر منها شيء جنيت ثمره وغرست نواه وكذلك تداعي المعاصي، فليتدبّر اللّبيب هذا المثال) * «7» . 30- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: قال أكثر المفسّرين في قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (الأعراف/ 56) أي لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدّعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله لها ببعث الرّسل، وبيان الشّريعة، والدّعاء إلى طاعة الله، فإنّ عبادة غير الله والدّعوة إلى غيره والشّرك به. هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنّما هو بالشّرك به ومخالفة أمره، فالشّرك والدّعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متّبع غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلّا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع،   (1) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (107) (2) ديوان أبي العتاهية. (3) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 154) . (4) الفوائد لابن القيم (61) . (5) شروش: أي جذور النبات وأصول الشيء. (6) الفوائد لابن القيم (49) . (7) المصدر السابق (49) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2697 والدّعوة له لا لغيره والطّاعة والاتّباع لرسوله ليس إلّا، وغيره إنّما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة، ومن تدبّر أحوال العالم وجد كلّ صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكلّ شرّ في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدوّ وغير ذلك فسببه: مخالفة رسوله، والدّعوة إلى غير الله ورسوله) * «1» . 31- * (قال ابن ضبارة- رحمه الله-: إنّا نظرنا فوجدنا الصّبر على طاعة الله تعالى أهون من الصّبر على عذاب الله تعالى) * «2» . 32- * (قال الشّاعر: إذا كنت في نعمة فارعها ... فإنّ الذّنوب تزيل النّعم وحطها بطاعة ربّ العبا ... د فربّ العباد سريع النّقم وإيّاك والظّلم مهما استطع ... ت فظلم العباد شديد الوخم وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصر آثار من قد ظلم ) * «3» . من فوائد (الطاعة) (1) الفوز بالجنّة، والنّجاة من النّار. (2) علامة على صلاح العبد واستقامته. (3) تورث هداية في القلب. (4) تثمر محبّة الله ورضاه. (5) بها تدفع النّقم، وتجلب النّعم. (6) حصن حصين من أخطار المعاصي والذّنوب. (7) علامة على حسن الخاتمة. (8) صمام أمن للبيوت وعمارة لها. (9) دليل اليقين وعلامة التّصديق بالدّين. (10) اتّباع للرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.   (1) التفسير القيم لابن القيم (255) . (2) أدب الدنيا والدين للماوردي (103) . (3) الجواب الكافي لابن القيم (103) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2698 طلاقة الوجه الطلاقة لغة: الطّلاقة في اللّغة مصدر قولهم: طلق وجهه إذا كان ضاحكا مستبشرا، وهو مأخوذ من مادّة (ط ل ق) الّتي تدلّ على التّخلية والإرسال، يقال من هذا الأصل: انطلق الرّجل انطلاقا: ذهب، ورجل طلق الوجه وطليقه: أي فرح ظاهر البشر، كأنّه منطلق، وهو ضدّ الباسر؛ لأنّ الباسر «1» الّذي لا يكاد يهشّ ولا ينفسح ببشاشة، ويقال: طلق يده بخير وأطلق بمعنى، ورجل طلق اليدين والوجه وطليقهما: سمحهما وفي الحديث: «أفضل الإيمان أن تكلّم أخاك وأنت طليق» أي مستبشر منبسط الوجه ومنه الحديث أن تلقاه بوجه طلق. ويوم طلق: بيّن الطّلاقة، وليلة طلق أيضا، وليلة طلقة: مشرق لا برد فيه ولا حرّ ولا مطر ولا قرّ، والطّالق: النّاقة ترسل ترعى حيث شاءت، وتقول: هذا أمر ما تطّلق له نفسي، أي لا الآيات/ الأحاديث/ الآثار -/ 9/ 2 تنشرح له، ويقال: طلّق السّليم (أي اللّديغ) إذا سكن وجعه بعد العداد، وقال أبو زيد: الطّليق: المتهلّل البسّام، إذا لم يكن كالحا. ويجمع طلق على طلقات، ولا يقال: أوجه طوالق إلّا في الشّعر خاصّة. ويقال: لقيته منطلق الوجه (بفتحة ثمّ كسرة) إذا أسفر. ويقال للرّجل السّخيّ: طلق الوجه «2» . طلاقة الوجه اصطلاحا: انفساحه بالبشاشة وهشاشته عند اللّقاء بحيث لا يكون كالحا ولا باسرا «3» . [للاستزادة: البشاشة- التودد- حسن السمت- السرور- البشارة- حسن المعاملة- الرضا- التفاؤل- حسن الظن- حسن العشرة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العبوس- الجفاء- الحزن- التطير- الغضب- سوء الظن- سوء الخلق- سوء المعاملة] .   (1) بسر: عبس، قال تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ أي مقطّبة وقال: ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ أي نظر بكراهة شديدة. (2) الصحاح (4/ 1517) . ولسان العرب (5/ 2693- 3696) ، والمفردات للأصفهاني (522) ، والمصباح المنير (377) ، ومقاييس اللغة (3/ 421) . (3) استنبطنا هذا التعريف من جملة ما ذكره الراغب في المفردات (306) ، وابن فارس في المقاييس (3/ 421) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2699 الأحاديث الواردة في (طلاقة الوجة) 1- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «1» » ) * «2» . 2- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه. فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه. وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورؤي بشر ذلك في وجهه. وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه» ) * «3» . 3- * (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» ) * «4» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: إنّي كنت عند رفاعة فطلّقني فبتّ طلاقي «5» فتزوّجت عبد الرّحمن بن الزّبير، وإنّما معه مثل هدبة الثّوب، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتّى تذوقي عسيلته «6» ويذوق عسيلتك» ، وأبو بكر عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخالد بن سعيد بن العاص على الباب ينتظر أن يؤذن له فسمع كلامها فقال: يا أبا بكر ألا تسمع هذه ما تجهر به عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال مرّة: ما نرى هذه ترفث عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «7» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى (اذهب أنت وربّك فقاتلا) ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. أشرق وجهه، وسرّه- يعني قوله-) * «8» . 6- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتيته، فقال: «يا جرير لأيّ شيء جئت؟» قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله. قال: فألقى إليّ كساءه، ثمّ أقبل على أصحابه،   (1) وجه طلق: وجه منبسط. (2) مسلم (2626) . (3) أبو داود (3920) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (7/ 628) : إسناده صحيح. (4) الترمذي (1956) واللفظ له، وقال: حسن غريب. والبخاري في الأدب المفرد (307) ح (891) . وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 112) ح (572) وعزاه كذلك لابن حبان (864) وقال بعد كلامه: والحديث حسن لغيره. والحديث في الشعب للبيهقي (6/ 503، 504) رقم (3056) وقال مخرجه: إسناده حسن. (5) بتّ طلاقي: أي طلقني طلاقا لا رجعة فيه. (6) عسيلته: هذه استعارة لطيفة؛ فإنه شبه لذة الجماع بحلاوة العسل، أو سمى الجماع عسلا لأن العرب تسمى كل ما تستحليه عسلا وأشار بالتصغير إلى تقليل القدر الذي لا بد منه في حصول الاكتفاء منه. (7) البخاري- الفتح 10 (5825) . وهذا اللفظ لأحمد (6/ 37، 38) . (8) البخاري- الفتح 7 (3952) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2700 وقال: «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه» وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي) * «1» . 7- * (كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر النّاس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجّبا ممّا تحدّثوا به وخلطا لنفسه بهم، ولربّما ضحك حتّى تبدو نواجذه. قال الحافظ العراقيّ: حديث «كان أكثر النّاس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجّبا مما تحدّثوا به وخلطا لنفسه بهم» أخرجه التّرمذيّ في الشّمائل من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء. ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وفي الصّحيحين من حديث جرير من حديث عليّ: يضحك ممّا تضحكون منه ويتعجّب ممّا تعجبون منه، ومسلم من حديث جابر بن سمرة: كانوا يتحدّثون في أمر الجاهليّة فيضحكون ويتبسّم» ) * «2» . 8- * (أخرج التّرمذيّ في الشّمائل: كان ضحك أصحابه عنده التّبسّم اقتداء به وتوقيرا له) * «3» . 9- * (كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا سرّ ورضي فهو أحسن النّاس رضا) * «4» . من الآثار الواردة في (طلاقة الوجه) 1- * (قال أبو جعفر بن صهبان- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: أوّل المودّة طلاقة الوجه، والثّانية التّودّد، والثّالثة قضاء حوائج النّاس» ) * «5» . 2- قال بعض الحكماء: من جاد لك بمودّته، فقد جعلك عديل نفسه. فأوّل حقوقه اعتقاد مودّته، ثمّ إيناسه بالانبساط إليه في غير محرّم، ثمّ نصحه في السّرّ والعلانية، ثمّ تخفيف الأثقال عنه، ثمّ معاونته فيما ينوبه من حادثة، أو يناله من نكبة، فإنّ مراقبته في الظّاهر نفاق، وتركه في الشّدّة لؤم» ) * «6» . من فوائد (طلاقة الوجه) (1) تثمر المحبّة بين المسلمين. (2) تبعث الاطمئنان في اللّقاء بين المسلمين. (3) تعين على مناصحة الإخوان. (4) فيها مرضاة للرّبّ. (5) فيها تأسّ بسيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم.   (1) ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر بدون القصة. وسنن البيهقي (8/ 168) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) فانظره هناك فقد ذكر له طرقا كثيرة. (2) الإحياء (2/ 398) . وصححه الألباني في مختصر الشمائل (ح 194) ، وانظر الشمائل، باب ما جاء في ضحكه صلّى الله عليه وسلّم. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) الإحياء (2/ 399) . (5) الإخوان لابن أبي الدنيا (194) . (6) أدب الدنيا والدين (216) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2701 الطمأنينة الطمأنينة لغة: هي الاسم من الاطمئنان الّذي هو مصدر قولهم: اطمأنّ الشّيء يطمئنّ إذا سكن، وذلك مأخوذ من مادّة (ط م ن) بزيادة الهمزة، يقال فيه: اطمأنّ المكان إذا ثبت واستقرّ. واطمأنّ الرّجل اطمئنانا وطمأنينة أي سكن، قال أبو إسحاق في قوله تعالى: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ (النساء/ 103) : أي إذا سكنت قلوبكم، يقال: اطمأنّ الشّيء إذا سكن وطأمنته وطمأنته إذا سكّنته. وقوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ (الرعد/ 28) معناه: إذا ذكر الله بوحدانيّته آمنوا به غير شاكّين. وقيل في تفسير قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ هي الّتي قد اطمأنّت بالإيمان وأخبتت لربّها. وقال الرّاغب: معناه: هي ألّا تصير أمّارة بالسّوء، واطمأنّ وتطامن متقاربان لفظا ومعنى «1» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 12/ 21/ 6 الطمأنينة اصطلاحا: قال الرّاغب: الطّمأنينة: هي السّكون بعد الانزعاج، وقال الكفويّ: الطّمأنينة في الشّرع (أي عند الفقهاء) القرار بمقدار التّسبيحة في أركان الصّلاة «2» ، وقال الحراليّ: هي الهدوء والسّكون على سواء الخلقة واعتدال الخلق «3» ، وقال صاحب المنازل (الهرويّ) الطّمأنينة: سكون يقوّيه أمن صحيح شبيه بالعيان «4» . الفرق بين الطمأنينة والسكينة: قال الفيروز آباديّ: الطّمأنينة والسّكينة كلّ منهما تستلزم الآخرى. لكنّ استلزام الطّمأنينة السّكينة أقوى من العكس. ثمّ إنّ الطّمأنينة أعمّ من السّكينة. وهي على درجات: طمأنينة القلب بذكر الله. وهي طمأنينة الخائف إلى الرّجاء، والطّمأنينة: سكون أمن فيه استراحة أنس. والسّكينة تكون: حينا بعد حين، والطّمأنينة لا تفارق صاحبها وكأنّها نهاية السّكينة «5» .   (1) الصحاح للجوهري (6/ 2158) . ولسان العرب لابن منظور (13/ 268) والمفردات للراغب ص 307 ومقاييس اللغة لابن فارس 3/ 422. (2) المفردات للراغب (307) ، والكليات للكفوي (565) (3) انظر التوقيف على مهمات التعاريف (228) . (4) مدارج السالكين (2/ 536) . (5) انظر بصائر ذوي التمييز (3/ 517) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2702 وذكر ابن القيّم عن صاحب المنازل أنّ بين الطّمأنينة والسّكينة فرقين: أحدهما: أنّ السّكينة صولة تورث خمود الهيبة أحيانا، والطّمأنينة: سكون أمن في استراحة أنس. والثّاني: أنّ السّكينة تكون نعتا، وتكون حينا بعد حين، والطّمأنينة لا تفارق صاحبها، ومن ثمّ تكون الطّمأنينة موجب السّكينة وأثرا من آثارها وكأنّها نهاية السّكينة «1» . درجات الطمأنينة: هي على درجات منها: الدّرجة الأولى: طمأنينة القلب بذكر الله. وهي طمأنينة الخائف إلى الرّجاء. والضّجر إلى الحكم. والمبتلى إلى المثوبة. لأنّ الخائف إذا طال عليه الخوف واشتدّ به، وأراد الله- عزّ وجلّ- أن يريحه، ويحمل عنه أنزل عليه السّكينة فاستراح قلبه إلى الرّجاء واطمأنّ به، وسكن لهيب خوفه. وأمّا طمأنينة الضّجر إلى الحكم: فالمراد بها: أنّ من أدركه الضّجر من قوّة التّكاليف، وأعباء الأمر وأثقاله. ولا سيّما من أقيم مقام التّبليغ عن الله. ومجاهدة أعداء الله، وقطّاع الطّريق إليه. فإنّ ما يحمله ويتحمّله فوق ما يحمله النّاس ويتحمّلونه. فلابدّ أن يدركه الضّجر ويضعف صبره. فإذا أراد الله أن يريحه ويحمل عنه: أنزل عليه سكينة. فاطمأنّ إلى حكمه الدّينيّ. وحكمه القدريّ. ولا طمأنينة له بدون مشاهدة الحكمين. وأمّا طمأنينة المبتلى إلى المثوبة. فلا ريب أنّ المبتلى إذا قويت مشاهدته للمثوبة سكن قلبه، واطمأنّ بمشاهدة العوض. وإنّما يشتدّ به البلاء إذا غاب عنه ملاحظة الثّواب. الدّرجة الثّانية: طمأنينة الرّوح في الشّوق إلى ما وعدت به بحيث لا تلتفت إلى ما وراءها، وهذا شأن كلّ مشتاق إلى محبوب وعد بحصوله، إذ تحدث الطّمأنينة بسكون نفسه إلى وعد اللّقاء والعلم بحصول الموعود به «2» . [للاستزادة: انظر صفات: السكينة- الإيمان- التقوى- الثبات- حسن السمت- الرضا- القناعة- اليقين- الإخبات- الخشوع- الخشية- الذكر- القنوت. وفي ضد ذلك: القلق- السخط- الشك- العجلة- القنوط- الجزع- الكفر- اليأس] .   (1) انظر شرح هذين الفرقين في مدارج السالكين لابن القيم (2/ 536) . (2) المرجع السابق (2/ 538- 540) بتصرف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2703 الآيات الواردة في «الطمأنينة» 1- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) «1» 2- وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «2» 3- فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «3» 4- إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) «4» 5- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «5» 6- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) «6» 7- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) «7» 8- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) «8»   (1) البقرة: 260 مدنية (2) آل عمران: 126 مدنية (3) النساء: 103 مدنية (4) المائدة: 112- 114 مدنية (5) الأنفال: 9- 10 مدنية (6) يونس: 7- 8 مكية (7) الرعد: 28 مدنية (8) النحل: 106 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2704 9- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) «1» 10- قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (95) «2» 11- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) «3» 12- يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) «4»   (1) النحل: 112 مكية (2) الإسراء: 95 مكية (3) الحج: 11 مدنية (4) الفجر: 27- 30 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2705 الأحاديث الواردة في (الطمأنينة) 1- * (عن ميمونة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سجد خوّى بيديه (يعني جنّح) حتّى يرى وضح إبطيه من ورائه. وإذا قعد اطمأنّ على فخذه اليسرى) * «1» . 2- * (عن صفيّة بنت شيبة- رضي الله عنها- قالت: لمّا اطمأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عام الفتح طاف على بعير يستلم الرّكن بمحجن في يده. قالت: وأنا أنظر إليه) * «2» . 3- * (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- قال: «قلت يا رسول الله أخبرني بما يحلّ لي ويحرم عليّ قال: فصعّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصوّب فيّ النّظر. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «البرّ ما سكنت إليه النّفس واطمأنّ إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النّفس. ولم يطمئنّ إليه القلب، وإن أفتاك المفتون» . وقال «لا تقرب لحم الحمار الأهليّ، ولا ذا ناب من السّباع) * «3» . 4- * (عن وابصة بن معبد- رضي الله عنه- قال: «أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البرّ والإثم إلّا سألته عنه، وإذا عنده جمع، فذهبت أتخطّى النّاس، فقالوا: إليك وابصة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إليك يا وابصة. فقلت: أنا وابصة، دعوني أدنو منه، فإنّه من أحبّ النّاس إليّ أن أدنو منه. فقال لي: ادن يا وابصة. ادن يا وابصة، فدنوت منه حتّى مسّت ركبتي ركبته. فقال: يا وابصة أخبرك ما جئت تسألني عنه، أو تسألني؛ فقلت: يا رسول الله، فأخبرني. قال جئت تسألني عن البرّ والإثم. قلت: نعم فجمع أصابعه الثّلاث. فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت نفسك: البرّ ما اطمأنّ إليه القلب، واطمأنّت إليه النّفس. والإثم ما حاك في القلب، وتردّد في الصّدر، وإن أفتاك النّاس» ) * «4» . 5- * (عن أبي الحوراء السّعديّ- رضي الله عنه- قال: قلت للحسن بن عليّ (رضي الله عنهما) ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: حفظت من رسول   (1) مسلم (497) واللفظ له، وأحمد (6/ 332) والنسائي (2/ 232) وصححه الألباني، صحيح النسائي (1/ 247 برقم 1099) . (2) أبو داود (1878) وحسنه الألبانى فى صحيحه (1/ 352 برقم 1654) وابن ماجة (2947) وحسنه الألباني في صحيحه (2/ 162 برقم 2354) . (3) أحمد (4/ 194) وقال مخرج جامع المسانيد والسنن (13/ 451) برقم (10868) تفرد به الإمام أحمد، وذكره الهيثمي في الجمع (1/ 175) وقال: رواه أحمد والطبراني، وفي الصحيح طرف من أوله ورجاله ثقات. (4) أحمد (4/ 228) واللفظ له، وقال مخرج جامع المسانيد (12/ 316 برقم 9701) تفرد به الإمام أحمد فى مسنده ورواه الطبراني في المعجم الكبير (22/ 148 برقم 403) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 175) وقال فيه أيوب بن عبد الله بن مكرز: قال ابن عدي: لا يتابع على حديث، ووثقه ابن حبان، وذكره الهيثمي أيضا في (10/ 294) وقال: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحد إسنادي الطبراني ثقات والدارمي (2533) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2706 الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. فإنّ الصّدق طمأنينة وإنّ الكذب ريبة» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نحن أحقّ بالشّك من إبراهيم إذ قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (البقرة/ 260)) * «2» . 7- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يكون عليكم أمراء تطمئنّ إليهم القلوب، وتلين لهم الجلود، ثمّ يكون عليكم أمراء تشمئزّ منهم القلوب. وتقشعرّ منهم الجلود» ، فقال رجل أنقاتلهم يا رسول الله؟ قال: «لا ما أقاموا الصّلاة» ) * «3» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال. أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ «4» لا يعرف، قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديناي إلى السّبيل، فيحسب الحاسب أنّه إنّما يهديه الطّريق وإنّما يعني سبيل الخير، فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال: يا نبيّ الله هذا فارس قد لحق بنا. قال: فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللهمّ اصرعه» فصرعته فرسه، ثمّ قامت تحمحم قال: ثمّ قال: يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: «قف مكانك لا تتركنّ أحدا يلحق بنا» قال: فكان أول النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وكان آخر النّهار مسلحة «5» له. قال فنزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة ثمّ بعث إلى الأنصار فجاؤا نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطمئنّين. قال: فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وخفروا حولهما بالسّلاح. قال فقيل بالمدينة جاء نبيّ الله فاستشرفوا نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ينظرون إليه ويقولون: جاء نبيّ الله، فأقبل يسير حتّى جاء إلى جانب دار أبي أيّوب، قالوا: فإنّه ليحدّث أهلها إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف «6» لهم منه، فعجل أن يضع الّذي يخترف فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فرجع إلى أهله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ بيوت أهلنا أقرب؟» قال: فقال أبو أيّوب أنا يا نبيّ الله هذه داري، وهذا   (1) الترمذي (2518) وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له، وأحمد (1/ 200) والحاكم في المستدرك (2/ 13، 4/ 199) وصححه ووافقه الذهبي، وعبد الرزاق في مصنفه (4984) والطبراني في الكبير (2708، 2711) . (2) البخاري- الفتح 8 (4537) واللفظ له، ومسلم (151) ، وابن ماجة (4026) ، وأحمد (2/ 326) وشرح السنة (1/ 114 برقم 63) وقال: هذا حديث متفق على صحته. وقوله «نحن أحق بالشك من إبراهيم» ليس اعترافا بالشك على نفسه ولا على إبراهيم، ولكن فيه نفي الشك عنهما، يقول: إذا لم أشك أنا ولم أرتب في قدرة الله عز وجل على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بأن لا يشك ولا يرتاب. فالمسألة من قبل ابراهيم لم تكن شكّا، وإنما لزيادة العلم حيث إن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيد الاستدراك (شرح السنة 1/ 116) . (3) أحمد (3/ 28، 29) وقال مخرج جامع المسانيد (33/ 180 برقم 382، 383) تفرد بها الإمام أحمد في مسنده. وفي شرح السنة بلفظ آخر (10/ 48 برقم 2459) عن أم سلمة. (4) أي: باعتبار الناظر إليهما، وإلا فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسنّ من أبي بكر. (5) مسلحة: الموضع الذي يقيم فيه قوم يحفظون من وراءهم من العدو، لئلا يهجموا عليهم، ويدخلوا عليهم. (6) يخترف: الاختراف اجتناء الثمر من الشجر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2707 بابي، قال: «فانطلق فهيّأ لنا مقيلا، ثمّ جاء. فقال: يا نبيّ الله قد هيّأت لكم مقيلا، فقوما على بركة الله فقيلا. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال، أشهد أنّك رسول الله حقّا، وأنّك جئت بحقّ، ولقد علمت اليهود أنّي سيّدهم وابن سيّدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم فدخلوا عليه فقال لهم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يا معشر اليهود، ويلكم اتّقوا الله، فو الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ. أسلموا» . قالوا ما نعلمه ثلاثا) * «1» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل المسجد، فدخل رجل فصلّى، ثمّ جاء فسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّلام. قال: «ارجع فصلّ. فإنّك لم تصلّ» . فرجع الرّجل فصلّى كما كان صلّى. ثمّ جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم عليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعليك السّلام» ، ثمّ قال: «ارجع فصلّ. فإنّك لم تصلّ» . حتّى فعل ذلك ثلاث مرّات. فقال الرّجل: والّذي بعثك بالحقّ ما أحسن غير هذا. علّمني. قال: «إذا قمت إلى الصّلاة فكبّر. ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن. ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا، ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائما، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا. ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا، ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (الطمأنينة) معنى 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الإيمان يمان، والكفر قبل المشرق، والسّكينة في أهل الغنم. والفخر والرّياء في الفدّادين «3» أهل الخيل والوبر» ) * «4» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه دفع مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة فسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءه زجرا «5» شديدا وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: «أيّها النّاس، عليكم بالسّكينة، فإنّ البرّ ليس بالإيضاع «6» » ) * «7» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إذا أقيمت الصّلاة فلا تأتوها تسعون. وأتوها تمشون. وعليكم السّكينة،   (1) البخاري- الفتح 7 (3911) ، أحمد (3/ 211) واللفظ له، وقال مخرج جامع المسانيد والسنن (22/ 487) برقم 1912) وإسناده صحيح، وانظر «جامع الأصول» (11/ 600) . (2) البخاري- الفتح 2 (793) . ومسلم (397) واللفظ له. (3) هم الذين تعلوا أصواتهم في إبلهم وخيلهم، وقيل الرعاة والجمالون، وإنما هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم وذلك يفضى إلى قساوة القلب. (4) البخاري- الفتح 6 (3301) . ومسلم (52) واللفظ له. (5) زجرا: إثارة للإبل على السرعة. (6) الإيضاع: الإسراع. (7) البخاري- الفتح 3 (1671) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2708 فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا» ) * «1» . 13- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال «مالي أراكم رافعي أيديكم كأنّها أذناب «2» خيل شمس «3» ؟ اسكنوا في الصّلاة» ، قال: ثمّ خرج علينا فرآنا حلقا «4» . فقال: «مالي أراكم عزين «5» ؟» ، قال: ثمّ خرج علينا فقال: «ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربّها؟» . فقلنا: يا رسول الله وكيف تصفّ الملائكة عند ربّها؟ قال: «يتمّون الصّفوف الأول، ويتراصّون في الصّفّ» ) * «6» . 14- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى التّراب بياض بطنه- وهو يقول: لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزل السّكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا «7» . 15- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف. وعنده فرس مربوط بشطنين «8» فتغشّته سحابة. فجعلت تدور وتدنو. وجعل فرسه ينفر منها. فلمّا أصبح أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال: «تلك السّكينة تنزّلت للقرآن» ) * «9» . 16- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوموا حتّى تروني، وعليكم السّكينة» ) * «10» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «11» . 18- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «12» .   (1) البخاري- الفتح 2 (635) . ومسلم (602) واللفظ له. (2) أذناب: جمع ذنب وهو الذّيل. (3) شمس: جمع شموس. وهي التي لا تستقر بل تتحرك بأذنابها وأرجلها. (4) حلقا: جمع الحلقة. (5) عزين: أي جماعات في تفرقة. (6) مسلم (430) . (7) البخاري- الفتح 6 (2837) واللفظ له. ومسلم (1802) . (8) بشطنين: أي بحبلين طويلين مضطربين. (9) مسلم (795) . (10) البخاري- الفتح 2 (909) . (11) مسلم (2699) . (12) البخاري- الفتح 10 (6125) . ومسلم (1734) متفق عليه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2709 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الطمأنينة) 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءته مثل فلق الصّبح. فكان يأتي حراء فيتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد. ويتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فتزوّده لمثلها. حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني «1» حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارىء. فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ حتّى بلغ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ 1- 5) . فرجع بها ترجف بوادره «2» حتّى دخل على خديجة. فقال: زمّلوني، زمّلوني «3» » فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع. فقال: «يا خديجة! مالي؟» ، وأخبرها الخبر. وقال: «قد خشيت على نفسي» فقالت له كلّا. أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ «4» ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ ثمّ انطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد ابن عبد العزّى بن قصيّ،- وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرآ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، فيكتب بالعربيّة من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة: ابن أخي! ماذا ترى؟. فأخبره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما رأى. فقال ورقة: هذا النّاموس الّذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا «5» ، أكون حيّا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» . فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «6» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي فترة حتّى حزن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- فيما بلغنا- حزنا غدا منه مرارا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلّما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل فقال: يا محمّد! إنّك رسول الله حقّا. فيسكن لذلك جأشه «7» وتقرّ نفسه فيرجع. فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك) * «8» .   (1) فغطّني: عصرني عصرا شديدا. (2) بوادره: هي اللحمة بين المنكب والعنق. (3) زمّلوني: أي لفّوني وغطّوني. (4) الكلّ: الضّعيف. (5) جذعا: أي شابّا حدث السّنّ. (6) ينشب: يلبث. (7) الجأش: النفس أو القلب. (8) البخاري- الفتح 12 (6982) واللفظ له. ومسلم (160) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2710 20- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت «1» الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي. فأطال القيام جدّا، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا، ثمّ رفع رأسه فأطال القيام جدّا، وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا، وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد، ثمّ قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع رأسه فقام، فأطال القيام، وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد. ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس، فخطب النّاس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر من آيات الله وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبّروا وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا. يا أمّة محمّد! إن من أحد أغير من الله «2» أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون ما أعلم «3» لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. ألا هل بلّغت؟» ) * «4» . 21- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الطمأنينة) 1- * (قال مالك بن أنس- رحمه الله-: «حقّ على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية. والعلم حسن لمن رزق خيره» ) * «6» . 2- * (قال بشير «7» بن كعب: «مكتوب في الحكمة: إنّ من الحياء وقارا، وإنّ من الحياء سكينة» ) * «8» . 3- * (عن قتادة في قوله تعالى وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ (الرعد/ 28) . قال: هشّت إليه واستأنست به» وقال السّدّيّ في قوله تعالى أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد/ 28) : تسكن القلوب» ) * «9» . 4- * (عن مجاهد في قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا   (1) خسفت الشمس: يقال كسفت الشمس والقمر، وخسفا. وذهب جمهور أهل اللغة على أن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه. (2) إن من أحد أغير من الله: إن نافية بمعنى ما. والمعنى أنه ليس أحد أغير من المعاصي من الله تعالى. ولا أشد كراهية لها منه سبحانه. (3) لو تعلمون ما أعلم: أي لو تعلمون من شدة عقاب الله تعالى وانتقامه من أهل الجرائم، وأهوال القيامة وما بعدها، كما علمت لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم، لفكركم وخوفكم مما علمتموه. (4) البخاري- الفتح 11 (6631) . ومسلم (901) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 3 (1135) واللفظ له. ومسلم (772) . (6) حلية الأولياء لأبي نعيم (6/ 320) . (7) كما في «التقريب» لابن حجر. (8) البخاري- الفتح 10 (6117) . (9) الدر المنثور (4/ 642) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2711 النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (الفجر/ 27) قال: «الّتي أيقنت بأنّ الله ربّها» ) * «1» . 5- * (أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن- رضي الله عنه- في قوله تعالى يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (الفجر/ 27) قال: «إنّ الله إذا أراد قبض عبده المؤمن اطمأنّت النّفس إليه، واطمأنّ إليها، ورضيت عن الله، ورضي الله عنها أمر بقبضها فأدخلها الجنّة وجعلها من عباده الصّالحين» ) * «2» . 6- * (عن قتادة في قوله تعالى يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ قال: هذا المؤمن اطمأنّ إلى ما وعد الله» ) * «3» . من فوائد (الطمأنينة) (1) أثر من آثار هداية القلب. (2) ركن من أركان الصّلاة لا تتمّ إلّا بها. (3) ثناء الله على النّفوس المطمئنّة ورضاه عنها. (4) سبب من أسباب سعادة الإنسان ودليل فلاحه. (5) طريق موصل إلى الجنّة. (6) دليل اليقين وصحّة الدّين. (7) دليل الوقار. (8) الطّمأنينة دليل اتّصاف المرء بالحياء وكفى بالحياء خلقا حميدا. (9) الطّمأنينة عند الموت دليل رضا الله- عزّ وجلّ- وبشرى لصاحبها بدخول الجنّة.   (1) الدر المنثور (8/ 514) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2712 الطموح الطّموح لغة: مصدر قولهم: طمح يطمح، وهو مأخوذ من مادّة (ط م ح) الّتي تدلّ على علوّ في الشّيء، يقال طمح ببصره إلى الشّيء: علا، وكلّ مرتفع مفرط في تكبّر طامح، ويقال في المصدر أيضا طماح مثل جماح، يقال: فرس فيه طماح، وطمحت المرأة مثل جمحت، فهي طامح أي تطمح إلى الرّجال، وفي حديث قيلة: كنت إذا رأيت رجلا ذا قشر طمح بصري إليه، أي امتدّ وعلا، ومنه أيضا الحديث الآخر: فخرّ إلى الأرض فطمحت عيناه إلى السّماء، ويقال أطمح فلان بصره أي رفعه، قال الجوهريّ: وقال بعضهم طمح، أي أبعد في الطّلب ورجل طمّاح: بعيد الطّرف، والطّماح أيضا: الكبر والفخر لارتفاع صاحبه «1» . الطّموح اصطلاحا: لم تذكر كتب الاصطلاحات الّتي وقفنا عليها تعريفا للطّموح ويمكن أن نستخلص ذلك من جملة ما ذكره اللّغويّون وشرّاح الحديث، فنقول: الطّموح: هو أن الآيات/ الأحاديث/ الآثار -/ 2/ 13 ينزع الإنسان إلى معالي الأمور ويعمل على تغيير حاله إلى ما هو أسمى وأنفع، وكلّما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها، ولا يكون ذلك محمودا إلّا إذا وافق الشّرع الحنيف. الطّموح في طلب العلم: قال الشّيخ الخضر حسين- رحمه الله-: «وممّا جبل عليه الحرّ الكريم، أن لا يقنع من شرف الدّنيا والآخرة بشيء ممّا انبسط له، أملا فيما هو أسنى منه درجة وأرفع منزلة «2» . وفي هذا المعنى يقول الشّاعر: والحرّ لا يكتفي من نيل مكرمة ... حتّى يروم «3» الّتي من دونها العطب «4» يسعى به أمل من دونه أجل ... إن كفّه رهب يستدعه رغب لذاك ما سال موسى ربّه أرني ... أنظر إليك وفي تساله عجب يبغي التّزيّد فيما نال من كرم ... وهو النّجيّ لديه الوحي والكتب «5» إنّ معالي الأمور وعرة المسالك محفوفة بالمكاره،   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 423) ، والصحاح للجوهري (1/ 388) ، والنهاية لابن الأثير (3/ 129) ، ولسان العرب لابن منظور (2/ 534) (ط. بيروت) . (2) انظر رسائل الإصلاح للخضر حسين (ص 54) . (3) يروم: يطلب. (4) العطب: الهلاك. (5) انظر تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 28) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2713 والعلم أرفع مقام تطمح إليه الهمم، وأشرف غاية تتسابق إليها الأمم، فلا يخلص إليه الطّالب دون أن يقاسي شدائد، ويحتمل متاعب، ولا يستهين بالشّدائد إلّا كبير الهمّة ماضي العزيمة. كان سعيد بن المسيّب يسير اللّيالي في طلب الحديث الواحد، ورحل أبو أيّوب الأنصاريّ من المدينة إلى عقبة بن عامر وهو في مصر ليروي عنه حديثا، فقدم مصر ونزل عن راحلته ولم يحلّ رحلها، فسمع منه الحديث وركب راحلته وقفل إلى المدينة راجعا، ولم ينتشر العلم في بلاد المغرب أو الأندلس إلّا برجال رحلوا إلى الشّرق ولاقوا في رحلاتهم عناء ونصبا، مثل أسد بن الفرات وأبي الوليد الباجيّ وأبي بكر بن العربيّ. وخلاصة المقال: تذكير النّبهاء من نشئنا بأن يقبلوا على العلم بهمم كبيرة صيانة للوقت من أن ينفق في غير فائدة، وعزم يبلى الجديدان وهو صارم صقيل، وحرص لا يشفي غليله إلّا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة، وغوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك ولا طول مسافة الطّريق، وألسنة مهذّبة لا تقع في لغو أو مهاترة «1» » «2» . الفرق بين الطّموح وعلو الهمة: إذا كان كلّ من الطّموح وعلوّ الهمّة يشتركان في الهدف والغاية، أي تطلّب المعالي، فإنّهما قد يختلفان في الوسيلة والباعث، إذ الباعث في علوّ الهمّة قد يكون الأنفة من خمول الضّعة أو الاستنكار لمهانة النّقص، أمّا الباعث على الطّموح فهو نزوع النّفس دائما نحو الأعلى والأرقى، ومن حيث الوسيلة نجد أنّ الطّموح قد يجنح بصاحبه إلى الغلوّ والإسراف على النّفس أو الغير، أمّا علوّ الهمّة فلا يسلك صاحبها إلّا الدّروب الشّريفة الّتي تتّفق مع مباديّ الشّرع الحنيف. [للاستزادة: انظر صفات: علو الهمة- الشجاعة- الشرف- النبل- القوة والشدة- الرجولة- العزم والعزيمة- قوة الإرادة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: صغر الهمة- التهاون- الجبن- الوهن- الذل- الضعف- الكسل- التفريط والإفراط.   (1) مهاترة: الكلام الساقط. (2) رسائل الإصلاح للخضر حسين (ص 53) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2714 الأحاديث الواردة في (الطموح) معنى 1- * (عن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- تعالى- يحبّ معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها «1» » ) * «2» . 2- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر يتوارى «3» ، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إنّي أخاف أن يراني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيستصغرني فيردّني، وأنا أحبّ الخروج لعلّ الله أن يرزقني الشّهادة. قال: فعرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فردّه، فبكى فأجازه. فكان سعد- رضي الله عنه- يقول: فكنت أعقد حمائل «4» سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الطموح) 1- * (أخرج الطّبرانيّ عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عمر- رضي الله عنه- قال يوم أحد لأخيه: خذ درعي يا أخي. قال: أريد من الشّهادة مثل الّذي تريد، فتركاها جميعا) * «6» . 2- * (عن سليمان بن بلال- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمر أن يخرج أحدهما. فاستهما «7» ، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد- رضي الله عنهما-: إنّه لابدّ لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنّة لآثرتك به، إنّي أرجو الشّهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد؛ فخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ) * «8» . 3- * (قال معاوية لعمرو بن العاص: «من طلب عظيما خاطر بعظيمته» . وكان عمرو يقول: «عليكم بكلّ أمر مزلقة مهلكة. أي عليكم بجسام الأمور» ) * «9» . 4- * (عن دكين الرّاجز قال: «أتيت عمر بن   (1) سفسافها: السفساف: الحقير الرديء من كل شيء وعمل. (2) انظر صحيح الجامع للألباني (1886) وهو في الصحيحة (1388) . (3) يتوارى: يستتر. (4) حمائل: جمع حمالة (بكسر الحاء) علاقة السيف ونحوه. (5) الإصابة (5/ 36) ، واللفظ له، وأخرجه البزار ورجاله ثقات، كما في المجمع (6/ 69) ، وأسد الغابة (4/ 148) . (6) قال الهيثمي (5/ 298) : رجاله رجال الصحيح. وأخرجه ابن سعد (3/ 275) ، وأبو نعيم في الحلية (1/ 367) نحوه. (7) فاستهما: أي اقترعا. (8) الإصابة (3/ 75) . (9) عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 335) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2715 عبد العزيز بعد ما استخلف أستنجز منه وعدا كان وعدنيه وهو والي المدينة فقال لي: يا دكين، إنّ لي نفسا توّاقة «1» ، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلمّا نلتها تاقت إلى الخلافة. فلمّا نلتها تاقت إلى الجنّة» ) * «2» . 5- * (عن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير عن أبيه- رضي الله عنهما- قالا: حدّثني أبي الّذي أرضعني- وكان أحد بني مرّة بن عوف- وكان في تلك الغزوة «غزوة مؤتة» قال: والله لكأنّي أنظر إلى جعفر- رضي الله عنه- حين اقتحم عن فرس له «شقراء» ثّمّ عقرها، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل وهو يقول: يا حبّذا الجنّة واقترابها ... طيّبة وبارد شرابها والرّوم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها عليّ إذ لاقيتها ضرابها «3» ) * «4» . 6- قيل للعتّابيّ: فلان بعيد الهمّة، قال: إذن لا يكون له غاية دون الجنّة) * «5» . 7- * (نظر رجل إلى أبي دلف في مجلس المأمون فقال: إنّ همّته ترمي به وراء سنّه) * «6» . 8- * (قال مالك بن عمارة اللّخميّ: كنت جالسا في ظلّ الكعبة أيّام الموسم عند عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزّبير، وكنّا نخوض في الفقه مرّة، وفي المذاكرة مرّة، وفي أشعار العرب وأمثال النّاس مرّة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتّساع في المعرفة، والتّصرّف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدّث، وحلاوة لفظه إذا حدّث، فخلوت معه ليلة فقلت له، والله إنّي لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرّفك وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلا فسترى العيون طامحة إليّ والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إليّ فلعلّك أن تنقل إليّ ركابك، فلأملأنّ يديك. فلمّا أفضت إليه الخلافة توجّهت إليه فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلمّا رآني أعرض عنّي فقلت: لعلّه لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكرة، فلمّا قضيت الصّلاة ودخل بيته لم ألبث أن خرج الحاجب، فقال: أين مالك بن عمارة. فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه فمدّ إليّ يده وقال: إنّك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلّا ما رأيت، فأمّا الآن فمرحبا، وأهلا، كيف كنت بعدي، فأخبرته، فقال لي: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم، فقال: والله ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكنّي أخبرك بخصال منّي سمت بها نفسي إلى الموضع الّذي ترى. ما خنت ذا ودّ قطّ، ولا شمتّ بمصيبة عدوّ قطّ، ولا أعرضت عن محدّث حتّى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم الله تعالى متلذّذا بها. فكنت أؤمّل بهذه أن يرفع الله تعالى منزلتي، وقد فعل ثمّ دعا بغلام له، فقال: يا غلام بوّئه منزلا في الدّار، فأخذ الغلام بيدي، وأفرد لي منزلا حسنا،   (1) توّاقة: تشتاق إلى الشيء وتنزع إليه. (2) عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 334) . (3) ضرابها: أسلوب تمثيلي والمقصود: أعمل فيها السيف حتى ألحق بها الهزيمة. (4) البداية والنهاية (4/ 244) ، والإصابة (1/ 238) . وأبو نعيم في الحلية (1/ 118) . (5) عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 337) . (6) المرجع السابق (1/ 332) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2716 فكنت في ألذّ حال وأنعم بال، وكان يسمع كلامي، وأسمع كلامه، ثمّ أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه فيرفع منزلتي، ويقبل عليّ ويحادثني ويسألني مرّة عن العراق، ومرّة عن الحجاز، حتّى مضت عشرون ليلة، فتغدّيت يوما عنده، فلمّا تفرّق النّاس نهضت قائما، فقال: على رسلك، فقعدت، فقال: أيّ الأمرين أحبّ إليك: المقام عندي مع النّصفة لك في المعاشرة، أو الرّجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين فارقت أهلي وولدي على أنّي أزور أمير المؤمنين، وأعود إليهم فإن أمرني أمير المؤمنين اخترت رؤيته على الأهل والولد، فقال: لا بل أرى لك الرّجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار كسوة، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟ فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السّلامة) * «1» . 9- * (قال الشّاعر: رأيت عرابة الأوسيّ يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين ) * «2» . 10- قال القاضي عليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ: يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما «3» أرى النّاس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما أنهنهها «4» عن بعض ما لا يشينها «5» ... مخافة أقوال العدا فيم أولما؟ ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت، لكن لا أخدما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة ... إذن فاتّباع الجهل قد كان أحزما ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النّفوس لعظّما ولكن أهانوه فهان ودنّسوا ... محيّاه «6» بالأطماع حتّى تجهّما ) * «7» .   (1) انظر المستطرف (1/ 291- 292) . (2) المرجع السابق (1/ 206) . (3) أحجما: تأخر عنه. (4) أنهنهها: أكفها وأزجرها. (5) يشينها: يعيبها. (6) محيّاه: أي وجهه على سبيل الاستعارة. (7) انظر أدب الدنيا والدين للماوردي (92) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2717 11- * (قال الشّاعر: وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام ) * «1» . 12- * (قال الشّاعر: سافر إذا حاولت قدرا ... سار الهلال فصار بدرا والماء يكسب ما جرى ... طيبا ويخبث ما استقرّا وبنقلها الدّرر النّفيسة ... بدّلت بالبحر نحرا ) * «2» . 13- * (وقال آخر: لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا ... ولا ينال العلا من قدّم الحذرا ومن أراد العلا صفوا بلا كدر ... قضى ولم يقض من إدراكه وطرا وأحزم النّاس من لو مات من ظمأ ... لا يقرب الورد حتّى يعرف الصّدرا «3» ) * «4» . من فوائد (الطموح) 1- دليل شرف النّفس ونبلها. 2- يكسب معالي الأمور وعظائمها. 3- ينزّه النّفس عن سفاسف الأمور. 4- يكسب النّشاط في طلب العلم. 5- يرفع الصّغير ويسمو بالحقير.   (1) صيد الخاطر لابن الجوزي (570) . (2) الفلاكة والمفلكون للإمام الدلجي (141) . (3) الصّدر: الانصراف عن الماء. (4) الفلاكة والمفلكون (140) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2718 الطهارة الطهارة لغة: مصدر قولهم: طهر الشّيء طهرا وطهارة وهو مأخوذ من مادّة (ط هـ ر) الّتي تدلّ على نقاء وزوال دنس، يقال طهر وطهر (بالفتح والضّمّ) ، طهرا وطهارة (المصدران عن سيبويه) ، وقال الرّاغب: يقال: طهرت المرأة وطهرت والفتح أقيس لأنّها خلاف طمثت ويقال في المؤنّث طاهرة (بالتّاء) ، وطهّرته بالماء، نظّفته به، ويقال طهّرته فتطهّر وطهر واطّهّر فهو طاهر ومتطهّر. عن ابن الأعرابيّ وأنشد: أضعت المال للأحساب حتّى ... خرجت مبرّأ طهر الثّياب والطّهر، نقيض الحيض. والطّهر: نقيض النّجاسة، والجمع أطهار. واسم الماء: الطّهور. وكلّ ماء نظيف: طهور، وماء طهور أي يتطهّر به وكلّ طهور طاهر، وليس كلّ طاهر طهورا. قال الأزهريّ: وكلّ ما قيل في قوله- عزّ وجلّ- وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (الفرقان/ 48) فإنّ الطّهور في اللّغة: هو الطّاهر المطهّر؛ لأنّه لا يكون طهورا إلّا وهو يتطهّر به. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 26/ 62/ 13 وقال ابن الأثير: الطّهور بالضّم: التّطهّر وبالفتح: الماء الّذي يتطهّر به. والطّهارة: اسم يقوم مقام التّطهّر بالماء. التّطهّر والتّطهير: التّنزّه والكفّ عن الإثم وما لا يجمل، ورجل طاهر الثّياب أي منزّه. وهم قوم يتطهّرون أي يتنزّهون عن الأدناس ورجل طهر الخلق وطاهره، والأنثى طاهرة. والتّوبة الّتي تكون بإقامة الحدّ، كالرّجم وغيره: طهور للمذنب تطهّره تطهيرا، وقد طهّره الحدّ. وطهّر فلان ولده إذا أقام سنّة ختانه «1» . واصطلاحا: قال الرّاغب: الطّهارة ضربان: طهارة جسم وطهارة نفس، ولكلّ معناه الاصطلاحيّ فطهارة النّفس: ترك الذّنب والعمل للصّلاح وتنقية النّفس من المعايب. وطهارة الجسم: رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما «2» . وقال المناويّ: الطّهارة شرعا صفة حكميّة توجب أن تصحّح للموصوف صحّة الصّلاة به أو فيه   (1) لسان العرب لابن منظور (4/ 504- 507) . ومقاييس اللغة (3/ 428) . (2) المجموع شرح المهذب (1/ 79) ، والمفردات للراغب (ص 308) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2719 أو معه «1» . وقال الجرجانيّ: الطّهارة في الشّرع: عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفة مخصوصة «2» . من معاني كلمة «الطهارة» في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: ذكر أهل التّفسير أنّ الطّهارة في القرآن على أوجه: (1) الطّهارة من الذّنوب، ومنه قوله تعالى في براءة: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها التوبة/ 103) . وفي المجادلة فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ (المجادلة/ 12) . (2) الطّهارة من الأوثان، ومنه قوله تعالى في البقرة: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ (البقرة/ 125) ومثلها في الحجّ. (3) ومنها: الحلال، ومنه قوله تعالى في هود: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ (هود/ 78) أي أحلّ. (4) ومنها: طهارة القلب من الرّيبة، ومنه قوله تعالى في البقرة: ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ (البقرة/ 232) يريد: أطهر لقلب الرّجل والمرأة من الرّيبة، وفي الأحزاب ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ (الأحزاب/ 53) أي من الرّيبة والدّنس. (5) ومنها: الطّهارة من الفاحشة، ومنه قوله تعالى في آل عمران يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ (آل عمران/ 42) «3» . أنواع الطهارة: قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: الطّهارة أنواع: (1) منها الطّهارة من الكفر والفسوق، كما يراد بالنّجاسة ضدّ ذلك كقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (التوبة/ 28) . (2) ومنها: الطّهارة من الحدث وضدّ هذه نجاسة الحدث. (3) ومنها: الطّهارة من الأعيان الخبيثة الّتي هي نجسة «4» . قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: المراد من قوله تعالى وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (المدثر/ 4) الآية تعمّ كلّ ما ذكره ابن تيميّة سابقا، إن كان طهارة القلب، فطهارة الثّوب، وطيب مكسبه تكميل لذلك، فإنّ خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة، كما أنّ خبث المطعم يكسبه ذلك، ولذلك حرّم ما حرّم من اللّباس، لما تكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات الّتي تلبس جلودها، فإنّ الملابسة الظّاهرة تسري إلى الباطن. والمقصود أنّ طهارة الثّوب وكونه من مكسب طيّب وهو من تمام طهارة القلب وكمالها، فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها. فالمقصود لنفسه أولى أن يكون مأمورا به، وإن كان المأمور به طهارة القلب وتزكية النّفس، فلا يتمّ إلّا بذلك. والله   (1) التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (228) وقد نقل تعريفا آخر لا يخرج عن التعريف الأول للإمام النووي. (2) التعريفات (146) . (3) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر (419- 422) باختصار. (4) مجموع الفتاوى (21/ 67، 68) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2720 سبحانه بحكمته جعل الدّخول إلى جنّته موقوفا على الطّيب والطّهارة، فلا يدخلها إلّا طيّب طاهر، فهما طهارتان: طهارة البدن، وطهارة القلب «1» . قال الفيروز آباديّ- رحمه الله تعالى-: الطّهارة ضربان: جسمانيّة، ونفسانيّة وحمل عليهما عامّة الآيات. وقوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (المائدة/ 6) أي استعملوا الماء أو ما يقوم مقامه. وقال تعالى وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ ... (البقرة/ 222) . وقوله تعالى: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا (آل عمران/ 55) . أي مخرجك من جملتهم ومنزّهك أن تفعل فعلهم. وقيل في قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة/ 79) يعني به تطهير النّفس أي إنّه لا يبلغ حقائق معرفته إلّا من يطهّر نفسه من درن الفساد والجهالات والمخالفات. وقوله تعالى وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ (البقرة/ 25) أي مطهّرات من درن الدّنيا وأنجاسها. وقيل من الأخلاق السّيّئة، بدلالة قوله تعالى وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قيل معناه: نفسك نزّهها عن المعايب. وقيل: طهّره عن الأغيار (يعني القلب) ، وتطهّر من الإثم: تنزّه منه. وهو طاهر الثّياب: نزه من مدانس الأخلاق «2» . وقال الجرجانيّ: الطّاهر من عصمه الله- تعالى- من المخالفات وطاهر الظّاهر: من عصمه الله- تعالى- من المعاصي. وطاهر الباطن: من عصمه الله تعالى من الوساوس والهوامس. وطاهر السّرّ: من لا يغافل عن الله- تعالى- طرفة عين. وطاهر السّرّ والعلانية: من قام بتوفية حقوق الحقّ والخلق جميعا لسعته برعاية الجانبين «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التقوى- التوبة- الصلاة- النزاهة- العبادة- الحياء- الوقاية- الصدقة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: النجاسة- الخبث- ترك الصلاة- البذاذة- الإهمال- الكسل- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- التهاون] .   (1) إغاثة اللهفان (1/ 69) بتصرف واختصار. (2) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (3/ 528، 530) باختصار وتصرف. (3) التعريفات (144) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2721 الآيات الواردة في «الطهارة» الطهارة من الذنوب: 1- وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «1» الطهارة من الأوثان: 2- * وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) «2» 3- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) «3» 4- وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) «4» الطهارة بمعنى التعظيم والتوقير: 5- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «5»   (1) الأحزاب: 33- 34 مدنية (2) البقرة: 124- 125 مدنية (3) آل عمران: 55 مدنية (4) الحج: 26 مدنية (5) عبس: 1- 16 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2722 6- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) «1» الطهارة بمعنى الحلال: 7- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) «2» 8- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (14) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا (17) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) «3» الطهارة بمعنى طهارة القلب من الريبة: 9- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «4» 10- * يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ   (1) البيّنة: 1- 3 مدنية (2) هود: 77- 78 مكية. (3) الإنسان: 5- 22 مدنية (4) البقرة: 232 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2723 أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «1» 11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «2» 12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «3» الطهارة من الفاحشة: 13- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «4» 14- وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «5» 15- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)   (1) المائدة: 41- 42 مدنية (2) الأحزاب: 53 مدنية (3) المجادلة: 12- 13 مدنية (4) البقرة: 25 مدنية (5) آل عمران: 42- 43 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2724 فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) «1» 16- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) . فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) «2» الطهارة من الأقذار والأدناس: 17- * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «3» 18- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «4» الطهارة من الحدث: 19- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) «5» 20- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) «6»   (1) الأعراف: 80- 84 مكية (2) النمل: 54- 56 مكية (3) آل عمران: 15- 17 مدنية (4) النساء: 56- 57 مدنية (5) البقرة: 222- 223 مدنية (6) المائدة: 6 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2725 21- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) «1» 22- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) «2» 23- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) «3» 24- أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) «4» 25- إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80) «5» 26- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) «6»   (1) الأنفال: 9- 11 مدنية (2) التوبة: 103 مدنية (3) التوبة: 107- 108 مدنية (4) الفرقان: 45- 49 مكية (5) الواقعة: 77- 80 مكية (6) المدثر: 1- 7 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2726 الأحاديث الواردة في (الطهارة) 1- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البسوا ثياب البياض فإنّها أطهر وأطيب» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دبغ «2» الإهاب «3» فقد طهر» ) * «4» . 3- * (عن سلمان بن عامر الضّبيّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التّمر، فإن لم يجد التّمر فعلى الماء فإنّ الماء طهور» ) * «5» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: إنّ أسماء سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن غسل المحيض! فقال: «تأخذ إحداكنّ ماءها وسدرتها فتطهّر فتحسن الطّهور، ثمّ تصبّ على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتّى تبلغ شؤون رأسها «6» ثمّ تصبّ عليها الماء، ثمّ تأخذ فرصة ممسّكة فتطهّر بها» فقالت أسماء: وكيف تطهّر بها؟ فقال: «سبحان الله! تطهّرين بها» . فقالت عائشة: (كأنّها تخفي ذلك) تتبّعين أثر الدّم. وسألته عن غسل الجنابة. فقال: «تأخذ ماء فتطهّر فتحسن الطّهور أو تبلغ الطّهور، ثمّ تصبّ على رأسها فتدلكه حتّى تبلغ شؤون رأسها، ثمّ تفيض عليها الماء» . فقالت عائشة: نعم النّساء نساء الأنصار! لم يكن يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدّين) * «7» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بالمساجد أن تبنى في الدّور وأن تطهّر وتطيّب» ) * «8» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على أعرابيّ يعوده، فقال: «لا بأس عليك، طهور إن شاء الله» قال: قال الأعرابيّ: طهور بل هو حمّى تفور على شيخ كبير تزيره القبور. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فنعم إذا» ) * «9» . 7- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف.   (1) الترمذي (2811) وقال: حسن صحيح، والنسائي (8/ 250) ، والحاكم (4/ 185) ، وابن ماجة (3567) واللفظ له. وأبو داود (4061) مثله من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-. (2) الدبغ: معالجة جلد الميتة بقرظ وملح أو دواء لإصلاحه. (3) الإهاب: جلد الميتة بعد سلخه عنها. (4) مسلم (366) . (5) أبو داود (2355) واللفظ له. والترمذي (695) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (1699) . والدارمي (2/ 13) حديث (1701) وذكره الألباني في صحيح الجامع وقال: صحيح (1/ 158) . (6) شؤون رأسها: أصول شعر رأسها. (7) البخاري- الفتح 1 (314) . ومسلم (332) واللفظ له. (8) أبو داود (455) وقال المنذري: رواه الخمسة إلا النسائي وأحمد بسند صحيح. وابن ماجة (758) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 13 (7470) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2727 فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» . فبايعناه على ذلك) * «1» . وعند النّسائي بلفظ: «ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فيه فهو طهوره، ومن ستره الله فذاك إلى الله إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له «2» . 8- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الصّعيد الطّيّب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسّه بشرته فإنّ ذلك خير» «3» . 9- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلّل على الحسن والحسين وعليّ وفاطمة كساء، ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا» فقالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: «إنّك إلى خير» ) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال! حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإنّي سمعت دفّ نعليك «5» بين يديّ في الجنّة» . قال: ما عملت عملا أرجى عندي أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطّهور ما كتب لي أن أصلّي) * «6» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! إنّي ذو مال وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج الزّكاة من مالك فإنّها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حقّ السّائل والجار والمسكين» ، فقال: يا رسول الله! أقلل لي؟ قال: «فات ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرا» ، فقال: حسبي يا رسول الله، إذا أدّيت الزّكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم إذا أدّيتها إلى رسولي فقد برئت منها فلك أجرها، وإثمها على من بدّلها» ) * «7» . 12- * عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي، كان كلّ نبيّ يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى كلّ أحمر وأسود. وأحلّت لي   (1) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له. ومسلم (1709) . (2) النسائي (7/ 148) . (3) الترمذي (1/ 212) / 124 وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو داود (1/ 129- 131) ، والنسائي (1/ 16) ، وأحمد (5/ 180) ، والحاكم (1/ 176- 177) ، وقال: صحيح، ووافقه الذهبي. (4) الترمذي (3871) وقال: هذا حديث حسن. ورواه أيضا أحمد في «المسند» (6/ 292 و304) . (5) دفّ نعليك: تحريكهما. (6) البخاري- الفتح 3 (1149) واللفظ له. ومسلم (2458) . (7) أحمد (3/ 136) واللفظ له، وقالي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح (3/ 63) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2728 الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي. وجعلت لي الأرض طيّبة طهورا ومسجدا، فأيّما رجل أدركته الصّلاة صلّى حيث كان. ونصرت بالرّعب بين يدي مسيرة شهر. وأعطيت الشّفاعة» ) * «1» . 13- * (عن أبي صخرة قال: سمعت حمران ابن أبان قال: كنت أضع لعثمان طهوره فما أتى عليه يوم إلّا وهو يفيض عليه نطفة «2» ، وقال عثمان: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند انصرافنا من صلاتنا هذه (قال مسعر: أراها العصر) فقال: «ما أدري أحدّثكم بشيء أو أسكت؟» فقلنا يا رسول الله! إن كان خيرا فحدّثنا وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم. قال: «ما من مسلم يتطهّر فيتمّ الطّهور الّذي كتب الله عليه فيصلّي هذه الصّلوات الخمس إلّا كانت كفّارات لما بينها» ) * «3» . 14- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه دخل على ابن عامر يعوده وهو مريض، فقال: ألا تدعو الله لي، يا ابن عمر؟ فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول «4» » وكنت على البصرة) * «5» . 15- * (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- أنّه سمع ابنه يقول: اللهمّ إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتها. فقال: أي بنيّ، سل الله الجنّة، وتعوّذ به من النّار. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه سيكون في هذه الأمّة قوم يعتدون في الطّهور والدّعاء» ) * «6» . 16- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه طلّق امرأته وهي حائض. فسأل عمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمره أن يراجعها ثمّ يمهلها حتّى تحيض حيضة أخرى. ثمّ يمهلها حتّى تطهر. ثمّ يطلّقها قبل أن يمسّها. فتلك العدّة الّتي أمر الله أن يطلّق لها النّساء. قال: فكان ابن عمر إذا سئل عن الرّجل يطلّق امرأته وهي حائض يقول: إمّا أنت طلّقتها واحدة أو اثنتين، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أمره أن يراجعها ثمّ يمهلها حتّى تحيض حيضة أخرى، ثمّ يمهلها حتّى تطهر. ثمّ يطلّقها قبل أن يمسّها وإمّا أنت طلّقتها «7» ثلاثا. فقد عصيت ربّك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك) * «8» . 17- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: جاء ماعز بن مالك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! طهّرني. فقال: «ويحك «9» ارجع فاستغفر الله وتب إليه» قال: فرجع غير بعيد ثمّ جاء فقال: يا رسول الله! طهّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك   (1) البخاري- الفتح 1 (335) . ومسلم (521) واللفظ له. (2) النطفة: الماء القليل. ومراده: لم يكن يمر عليه يوم إلا اغتسل فيه. (3) البخاري- الفتح 1 (159) . ومسلم (231) واللفظ له. (4) الغلول: الخيانة. وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة. (5) مسلم (224) وقوله: وكنت على البصرة معناه إنك لست بسالم من الغلول فقد كنت واليا على البصرة. (6) أبو داود (96) وهذا لفظه. وهو في المشكاة برقم (418) وعزاه كذلك لأحمد وابن ماجة وفيه قال الشيخ الألباني: إسناده صحيح وصححه جماعة (1/ 131) . (7) إما أنت طلقتها: معناه إن كنت طلقتها. (8) البخاري- الفتح 9 (5258) . ومسلم (1471) واللفظ له. (9) ويحك: كلمة ترحم تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2729 ارجع فاستغفر الله وتب إليه» قال: فرجع غير بعيد. ثمّ جاء فقال: يا رسول الله! طهّرني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك. حتّى إذا كانت الرّابعة قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيم أطهّرك؟» فقال: من الزّنى. فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أبه جنون؟» فأخبر أنّه ليس بمجنون. فقال: «أشرب خمرا؟» فقام رجل فاستنكهه «1» فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أزنيت؟» فقال: نعم. فأمر به فرجم. فكان النّاس فيه فرقتين. قائل يقول: لقد هلك. لقد أحاطت به خطيئته. وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز. أنّه جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده في يده. ثمّ قال: اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة. ثمّ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم جلوس فسلّم ثمّ جلس. فقال: «استغفروا لما عز بن مالك» . قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد تاب توبة لو قسّمت بين أمّة لوسعتهم» . قال ثمّ جاءته امرأة من غامد «2» من الأزد. فقالت: يا رسول الله! طهّرني. فقال: «ويحك! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه» فقالت: أراك تريد أن تردّدني كما ردّدت ماعز بن مالك. قال: «وما ذاك؟» قالت: إنّها حبلى من الزّنى فقال: «آنت؟» قالت نعم. فقال لها: «حتّى تضعي ما في بطنك» قال: فكفلها رجل من الأنصار حتّى وضعت. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قد وضعت الغامديّة. فقال «إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه» فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبيّ الله، قال فرجمها) * «3» . 18- * (عن سراقة بن مالك بن جعشم؛ قال: جاءنا رسل كفّار قريش يجعلون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر دية كلّ واحد منهما لمن قتله أو أسره. فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتّى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة، إنّي قد رأيت آنفا أسودة «4» بالسّاحل أراها محمّدا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنّهم هم، فقلت له: إنّهم ليسوا بهم، ولكنّك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا. ثمّ لبثت في المجلس ساعة، ثمّ قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها عليّ، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجّه «5» الأرض، وخفضت عاليه، حتّى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرّب بي «6» حتّى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها   (1) فاستنكهه: شم رائحته. (2) غامد: بطن من قبيلة جهينة. (3) البخاري- الفتح 12 (في مواضع من حديث جماعة من الصحابة) . ومسلم 3 (1695) واللفظ له. (4) أسودة: أي أشخاصا. (5) الزّجّ: نصل الرمح. (6) تقرب بي: التقريب السير دون العدو وفوق العادة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2730 الأزلام، فاستقسمت بها: أضرّهم أم لا؟ فخرج الّذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرّب بي، حتّى إذا سمعت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت «1» يدا فرسي في الأرض حتّى بلغتا الرّكبتين، فخررت عنها، ثمّ زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلمّا استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان «2» ساطع في السّماء مثل الدّخان، فاستقسمت بالأزلام «3» فخرج الّذي أكره فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتّى جئتهم. ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت له: إنّ قومك قد جعلوا فيك الدّية. وأخبرتهم أخبار ما يريد النّاس بهم، وعرضت عليهم الزّاد والمتاع، فلم يرزآني «4» ، ولم يسألاني إلّا أن قال: أخف عنّا. فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثمّ مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزّبير أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقي الزّبير في ركب من المسلمين كانوا تجّارا قافلين من الشّام، فكسا الزّبير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر ثياب بياض. وسمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكّة، فكانوا يغدون كلّ غداة إلى الحرّة فينتظرونه، حتّى يردّهم حرّ الظّهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم، فلمّا أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود «5» على أطم «6» من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه مبيّضين يزول بهم السّراب «7» ، فلم يملك اليّهوديّ أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدّكم «8» الّذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السّلاح، فتلقّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات اليمين حتّى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل، فقام أبو بكر للنّاس، وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممّن لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحيّي أبا بكر حتّى أصابت الشّمس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل أبو بكر حتّى ظلّل عليه بردائه، فعرف النّاس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك فلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسّس المسجد الّذي أسّس على التّقوى، وصلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ركب راحلته، فسار يمشي معه النّاس، حتّى بركت عند مسجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، وهو يصلّي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا «9» للتّمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله   (1) ساخت: أي غاصت. (2) العثان: الغبار، وقيل: الدخان. (3) الأزلام: هي الأقداح وهي السهام التي لا ريش لها ولا نصل. (4) لم يرزآني: أي لم ينقصاني مما معي شيئا. (5) أوفى رجل من يهود: أي طلع إلى مكان عال فأشرف منه. (6) (أطم) الأطم- بضمتين-: بناء مرتفع، وجمعه آطام. (7) يزول بهم السراب: أي يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له. (8) جدّكم: بفتح الجيم: أي حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه. (9) المربد: هو الموضع الذي يجفف فيه التمر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2731 المنزل» . ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغلامين فساومهما بالمربد ليتّخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقبله منهما هبة، حتّى ابتاعه «1» منهما، ثمّ بناه مسجدا، وطفق «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينقل معهم اللّبن «3» في بنيانه ويقول وهو ينقل اللّبن: «هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربّنا وأطهر ويقول: اللهمّ إنّ الأجر أجر الآخره ... فارحم الأنصار والمهاجره فتمثّل بشعر رجل من المسلمين لم يسمّ لي» ) * «4» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأسير فلهوت عنه فذهب فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما فعل الأسير؟» قالت: لهوت عنه مع النّسوة فخرج، فقال: «مالك قطع الله يدك أو يديك» . فخرج فاذن به النّاس فطلبوه فجاؤا به، فدخل عليّ وأنا أقلّب يديّ، فقال: «مالك أجننت؟» قلت: دعوت عليّ فأنا أقلّب يديّ أنظر أيّهما يقطعان، فحمد الله وأثنى عليه ورفع يديه مدّا وقال: «اللهمّ إنّي بشر، أغضب كما يغضب البشر، فأيّما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعله له زكاة وطهورا» ) * «5» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سأل رجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، إنّا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضّأنا به عطشنا، أفنتوضّأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هو الطّهور ماؤه، الحلّ ميتته» ) * «6» . 21- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّواك مطهرة للفم، مرضاة للرّبّ» ) * «7» . 22- * (عن أبي روح عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه صلّى صلاة الصّبح فقرأ «الرّوم» فالتبس عليه فلمّا صلّى قال: «ما بال أقوام يصلّون معنا لا يحسنون الطّهور فإنّما يلبس علينا القرآن أولئك» ) * «8» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «طهور إناء أحدكم إذا ولغ   (1) ابتاعه: أي اشتراه. (2) طفق: أي جعل. (3) اللبن: بكسر الباء أي الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق. (4) البخاري- الفتح 7 (3906) واللفظ له. ومسلم (2009) بعضه من حديث البراء بن عازب- رضي الله عنهما-. (5) أحمد (6/ 52) ورجاله كلهم ثقات. والحديث عند مسلم. يعني آخره من حديث جماعة من الصحابة بأرقام (2600، 2604) . (6) أبو داود (83) واللفظ له. والترمذي (69) وقال: حسن صحيح. والنسائي (1/ 176) وقال الألبانى في صحيح النسائي: صحيح (1/ 71) حديث (32) . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 62) : وهو حديث صحيح. (7) النسائي (1/ 10) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (1/ 4) . وأحمد (5/ 363، 6/ 47) . والدارمي (1/ 184) حديث (684) . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 177) : إسناده صحيح. (8) النسائي (2/ 156) واللفظ له. أحمد 5 (363) . وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 647) : وهو حديث حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2732 الكلب فيه أن يغسله سبع مرّات» ) * «1» . 24- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد الله تملآن (أو تملأ) ما بين السّماوات والأرض. والصّلاة نور، والصّدقة برهان، والصّبر ضياء، والقرآن حجّة لك أو عليك، كلّ النّاس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها «2» » ) * «3» . 25- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سافرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فحضرت الصّلاة، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن في القوم من طهور؟» قال: فجاء رجل بفضلة في إداوة «4» قال: فصبّه في قدح قال: فتوضّأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ إنّ القوم أتوا بقيّة الطّهور فقالوا: تمسّحوا تمسّحوا. قال: فسمعهم رسول الله: صلّى الله عليه وسلّم فقال: على رسلكم» «5» قال: فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده في القدح في جوف الماء قال: ثمّ قال: أسبغوا الوضوء الطّهور قال: فقال جابر بن عبد الله والّذي أذهب بصري- قال: وكان قد ذهب بصره- لقد رأيت الماء يخرج من بين أصابع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يرفع يده حتّى توضّأوا أجمعون، قال الأسود: حسبته قال: كنّا مائتين أو زيادة) * «6» . 26- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر طهرة للصّائم من اللّغو والرّفث وطعمة للمساكين، من أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصّدقات) * «7» . 27- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قدمت مكّة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصّفا والمروة. قالت: فشكوت ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «افعلي كما يفعل الحاجّ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتّى تطهري» ) * «8» . 28- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله! إنّي امرأة أشدّ ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: «لا، إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات «9» ثمّ تفيضين «10» عليك الماء فتطهرين» ) * «11» . 29- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله أنتوضّأ من بئر بضاعة، وهي بئر   (1) البخاري- الفتح 1 (172) . ومسلم (279) واللفظ له. (2) موبقها: أى يهلكها بالعذاب والمعاصي. (3) مسلم (223) . (4) الإداوة: إناء من جلد فيه ماء. (5) على رسلكم: على مهلكم. (6) أحمد (3/ 358) واللفظ له. والدارمى (1/ 27) حديث (26) . (7) أبو داود (1609) واللفظ له. وابن ماجه (1827) . وذكره فى المشكاة (1/ 570) حديث (1818) وقال الشيخ الألباني: إسناده جيد. (8) البخاري- الفتح 3 (1650) واللفظ له. ومسلم (1211) (9) ثلاث حثيات: يعنى ثلاث غرفات. (10) تفيضين: يعنى تصبين. (11) مسلم (330) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2733 يلقى فيها الحيض «1» ولحوم الكلاب والنّتن؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الماء طهور لا ينجّسه شيء» ) * «2» . 30- * (عن عبد لله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما-؛ قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد. اللهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ» ) * «3» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّاس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنسان منهم وهو عندي، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّكم تطهّرتم ليومكم هذا) * «4» . 32- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كنّا نعدّ الآيات بركة وأنتم تعدّونها تخويفا، كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فقلّ الماء، فقال: «اطلبوا فضلة من ماء» ، فجاؤا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثمّ قال: «حيّ على الطّهور المبارك» ) * «5» . 33- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر فأهويت لأنزع خفّيه، فقال: «دعهما فإنّي أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما» ) * «6» . 34- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يبيت على طهر ثمّ يتعارّ من اللّيل فيذكر الله ويسأل الله خيرا من خير الدّنيا والآخرة إلّا آتاه الله إيّاه» ) * «7» . 35- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مفتاح الصّلاة الطّهور، وتحريمها التّكبير، وتحليلها التّسليم» ) * «8» . 36- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أوى إلى فراشه طاهرا يذكر الله حتّى يدركه النّعاس لم يتقلّب ساعة من اللّيل سأل الله شيئا من خير الدّنيا والآخرة إلّا أعطاه إيّاه» ) * «9» . 37- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-   (1) الحيض: جمع حيضة وهي الخرقة التي تستعمل في دم الحيض. والمعنى العام للحديث: أن السيل كان يجمع هذه الأشياء فيلقيها في البئر لا أنهم طرحوها قصدا. (2) الترمذي (66) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود (66) . والنسائى (1/ 174) وقال الألباني فى صحيح النسائي: صحيح (1/ 70) حديث (315) . وذكر الحافظ في التلخيص أنه صحيح (3/ 4) . (3) مسلم (476) . (4) البخاري- الفتح 2 (902) واللفظ له. ومسلم (847) . (5) البخاري- الفتح 6 (3579) . (6) البخاري- الفتح 1 (206) واللفظ له. ومسلم (272) . (7) مجمع الزوائد (1/ 223) واللفظ له وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وإسناده حسن ومسند أحمد (4/ 113) . (8) الترمذي (3) واللفظ له، وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وابن ماجة (275) . وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 429) : وهو حديث صحيح. (9) الترمذي (3526) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأبو داود (5042) ومثله من حديث معاذ. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 478) : له شواهد بمعناه يقوى بها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2734 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من بات طاهرا بات في شعاره «1» ملك فلا يستيقظ من ليل إلّا قال الملك: اللهمّ اغفر لعبدك كما بات طاهرا» ) * «2» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تطهّر في بيته ثمّ مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطّ خطيئة، والآخرى ترفع درجة» ) * «3» . 39- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، اللهمّ اجعلني من التّوّابين واجعلني من المتطهّرين. فتحت له ثمانية أبواب الجنّة يدخل من أيّها شاء» ) * «4» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «نزلت هذه الآية في أهل قباء فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا (التوبة/ 108) قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية» ) «5» . 41- * (عن أمّ ولد لإبراهيم بن عبد الرّحمن ابن عوف، أنّها سألت أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: إنّي امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر فقالت أمّ سلمة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يطهّره ما بعده» ) * «6» . الأحاديث الواردة في (الطهارة) معنى 42- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنّ من أفضل أعمالكم الصّلاة. ولا يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن» ) * «7» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرّات، فإنّ الشّيطان يبيت على خياشيمه» ) * «8» .   (1) الشعار: الثوب الذي يلي الجسد. (2) الطبراني في الكبير عن ابن عمر- رضي الله عنهما- بلفظ قريب (12/ 446) برقم (13620) . وقال الهيثمي في المجمع: أرجو أنه حسن الإسناد من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- (1/ 226) وهذا لفظه. (3) مسلم (666) . (4) الترمذي (55) وأعله بالاضطراب. وقد ورد لزيادة «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» شاهد عن ثوبان كما في مجمع الزوائد (1/ 239) ، وقبل هذه الزيادة ابن القيم في زاد المعاد (1/ 196) ، 2/ 288) ، وانظر تحقيق الشيخ شاكر للحديث في الترمذي (1/ 83) . (5) أبو داود (44) واللفظ له. وقال الألباني (1/ 11) : صحيح. والترمذي (3100) وقال: غريب من هذا الوجه. وابن ماجة (355) من حديث أبي أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك- رضى الله عنهم-. وقال محقق «جامع الأصول» (2/ 171) : له شواهد يشد بعضها بعضا، فيتقوى الحديث بها. (6) أبو داود (383) واللفظ له. وقال الألباني (1/ 77) : صحيح، وابن ماجة (531) ، وأحمد (6/ 290، 316) . (7) ابن ماجة (278) واللفظ له، والدارمى من حديث ثوبان مقطوعا وبلفظ آخر موصولا (655، 656) ، والبيهقي في الشعب الطريقين (2713، 2714) وقال مخرجه: إسناد أحدهما حسن. وقال الألباني: صحيح: صحيح الجامع (1/ 952) . (8) البخاري- الفتح 6 (3295) . ومسلم (238) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2735 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتّى يغسلها ثلاثا فإنّه لا يدري أين باتت يده» ) * «1» . 45- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن وقل: اللهمّ أسلمت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت. فإن متّ، متّ على الفطرة، فاجعلهنّ آخر ما تقول. فقلت أستذكرهنّ: وبرسولك الّذي أرسلت. قال: لا، وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «2» . 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدّرجات؟» قالوا: بلى، يا رسول الله قال: «إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة فذلكم الرّباط» ) * «3» . 47- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنب فانخنست «4» منه، فذهب فاغتسل ثمّ جاء فقال: «أين كنت يا أبا هريرة؟» قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة. فقال: «سبحان الله، إنّ المسلم لا ينجس» ) * «5» . 48- * (عن نعيم بن عبد الله المجمر قال: رأيت أبا هريرة يتوضّأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثمّ غسل يده اليمنى حتّى أشرع في العضد، ثمّ يده اليسرى حتّى أشرع في العضد، ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل رجله اليمنى حتّى أشرع في السّاق، ثمّ غسل رجله اليسرى حتّى أشرع في السّاق، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ. وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنتم الغرّ المحجّلون يوم القيامة، من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرّته وتحجيله» ) * «6» . 49- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) »   (1) مسلم (278) . (2) البخاري- الفتح 11 (6311) واللفظ له. ومسلم (2710) ، وفي لفظ أبي داود: إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك (5047) . (3) مسلم (251) . (4) فانخنست: يعنى مضيت عنه مستخفيا. (5) البخاري- الفتح 1 (283) واللفظ له. ومسلم (371) . (6) البخاري- الفتح 1 (136) مختصرا. ومسلم (246) واللفظ له الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2736 قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «1» . 50- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عشر من الفطرة: قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، والسّواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم «2» ، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء «3» » قال زكريّاء قال مصعب: ونسيت العاشرة، إلّا أن تكون المضمضة» ) * «4» . 51- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الفطرة خمس (أو خمس من الفطرة) : الختان، والاستحداد «5» ، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقصّ الشّارب» ) * «6» . 52- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، كيف الوضوء؟ قال: «أمّا الوضوء فإنّك إذا توضّأت فغسلت كفّيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأنا ملك، فإذا مضمضت واستنشقت منخريك وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين ومسحت رأسك وغسلت رجليك إلى الكعبين اغتسلت من عامّة خطاياك، فإن أنت وضعت وجهك لله- عزّ وجلّ- خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمّك» ) * «7» . 53- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل. فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ، فأدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما يحدّث النّاس. فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءه، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلّا وجبت له الجنّة» . قال: فقلت: ما أجود هذه فإذا قائل بين يديّ يقول: الّتي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، قال: إنّي قد رأيتك جئت آنفا، قال: «ما منكم من أحد يتوضّأ فيبلغ (أو فيسبغ) الوضوء ثمّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبد الله ورسوله إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية، يدخل من أيّها شاء» ) * «8» . 54- * (عن معاذة أنّ امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟: فقالت: أحروريّة أنت «9» ؟ كنّا نحيض مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلا يأمرنا به أو قالت: فلا نفعله) * «10» . 55- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يتنفّس في الإناء، وأن يمسّ ذكره بيمينه، وأن يستطيب «11» بيمينه) * «12» . 56- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-   (1) مسلم (963) . (2) البراجم: جمع برجمة، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها. (3) انتقاص الماء: الاستنجاء. (4) مسلم (261) . (5) الاستحداد: حلق العانة. (6) البخاري- الفتح 10 (5889) . ومسلم (257) واللفظ له. (7) النسائي (1/ 91، 92) وقال الألباني: صحيح (1/ 107، 108) . (8) مسلم (234) . (9) يقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري ... وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دلّ عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام انكار. قاله ابن حجر في «فتح الباري» . (10) البخاري- الفتح 1 (321) واللفظ له. ومسلم (335) . (11) يستطيب: الاستطابة والإطابة: كناية عن الاستنجاء. (12) البخاري- الفتح 1 (154) . ومسلم (267) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2737 قال: «وقّت لنا في قصّ الشّارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة» ) * «1» . 57- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «2» . 58- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدّائم ثمّ يغتسل منه» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الطهارة) 59- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليحبّ التّيمّن في طهوره إذا تطهّر وفي ترجّله إذا ترجّل، وفي انتعاله إذا انتعل) * «4» . 60- * (عن المهاجر بن قنفذ، أنّه أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يبول فسلّم عليه فلم يردّ عليه حتّى توضّأ ثمّ اعتذر إليه فقال: «إنّي كرهت أن أذكر الله- عزّ وجلّ- إلّا على طهر أو قال على طهارة» ) * «5» . 61- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كانت يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) * «6» . 62- * (عن سفينة، قال أبو بكر «7» صاحب «8» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغتسل بالصّاع ويتطهّر بالمدّ «9» ) * «10» .   (1) مسلم (258) . (2) مسلم (2722) . (3) البخاري- الفتح 1 (239) . ومسلم (282) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 1 (168) . ومسلم (268) واللفظ له. (5) أبو داود (17) واللفظ له. والنسائى (1/ 37) وابن ماجة (1/ 350) . (6) أبو داود (33) واللفظ له. وقال الألباني (1/ 9) : صحيح. وأحمد (6/ 265) . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 137) : وهو حديث حسن. (7) هو أبو بكر بن أبي شيبة راوي الحديث. (8) هو بخفض صاحب، صفة لسفينة. (9) المد:- بالضم- نوع من المكاييل، وهو ربع صاع والصاع خمسة أرطال- والجمع أمداد، ومدد ومداد. ويشبه أن يكون المد الآن بما يقارب نصف لتر أو يزيد. (10) مسلم (326) . وأخرج الشيخان نحوه من حديث أنس- رضي الله عنه-. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2738 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الطهارة) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إنّه مرّ مع صاحب له بميزاب، فقال صاحبه: يا صاحب الميزاب، ماؤك طاهر أم نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب، لا تخبره فإنّ هذا ليس عليه) * «1» . 2- * (قال عثمان بن عفّان- رضي الله عنه-: «لو طهرت قلوبنا لما أشبعت من كلام ربّنا» ) * «2» . 3- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «صلّى سلمان الفارسيّ وأبو الدّرداء- رضي الله عنهما- في بيت نصرانيّة، فقال لها أبو الدّرداء: هل في بيتك مكان طاهر فنصلّي فيه؟ فقالت: «طهّرا قلوبكما ثمّ صلّيا أين أحببتما. فقال له سلمان: خذها من غير فقيه» ) * «3» . 4- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ. فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى، وإنّهنّ من سنن الهدى، ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم، ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم، وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد «4» إلى مسجد من هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيّئة، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق معلوم النّفاق، ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ» ) * «5» . 5- * (قال عبد لله بن عمر- رضي الله عنهما: «فلمّا أنزلت الزّكاة جعلها الله طهرا للأموال» ) * «6» . 6- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (البقرة/ 124) قال: «ابتلاه بالطّهارة خمس في الرّأس وخمس في الجسد، في الرّأس: قصّ الشّارب والمضمضة والاستنشاق والسّواك، وفرق الرّأس. وفي الجسد: تقليم الأظافر وحلق العانة، والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء» ) * «7» . 7- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «ثلاث من الإيمان. أن يحتلم الرّجل في اللّيلة الباردة فيقوم فيغتسل لا يراه إلّا الله، والصّوم في اليوم الحارّ، وصلاة الرّجل في الأرض الفلاة لا يراه إلّا الله» ) * «8» . 8- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه كان إذا توضّأ يأخذ المسك فيديفه «9» في يده ثمّ يمسح به لحيته) * «10» . 9- * (قال أبو أمامة الباهليّ- رضي الله عنه: «إذا وضعت الطّهور مواضعه قعدت مغفورا   (1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/ 57) . (2) إغاثة اللهفان (1/ 55) . (3) المرجع السابق (1/ 153) . (4) يعمد: أي يقصد. (5) مسلم (257، 654) . (6) البخاري- الفتح 3 (318) . (7) تفسير ابن كثير (1/ 166) . (8) البيهقي في الشعب (3/ 22) برقم (2757) . (9) يديفه: يبله بماء ويخلطه. (10) مجمع الزوائد (1/ 240) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2739 لك» ) * «1» . 10- * (قال أبو العالية- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (التوبة/ 108) : «إنّ الطّهور بالماء لحسن، ولكنّهم المطّهّرون من الذّنوب» ) * «2» . 11- * (قال الأعمش- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ: التّوبة من الذّنوب والتّطهّر من الشّرك» ) * «3» . 12- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «من تطهّر في الدّنيا ولقي الله طاهرا من نجاساته دخل الجنّة بغير معوّق، وأمّا من لم يتطهّر في الدّنيا فإن كانت نجاسته عينيّة كالكافر لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته كسبيّة عارضة دخلها بعد ما يتطهّر في النّار من تلك النّجاسة ثمّ لم يخرج منها «4» » ) * «5» . 13- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «جمع الله تعالى بين الزّكاة والطّهارة لتلازمهما كما في قوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها (التوبة/ 103) وذلك لأنّ نجاسة الفواحش والمعاصي في القلب بمنزلة الأخلاط الرّديئة في البدن، وبمنزلة الدّغل في الزّرع، وبمنزلة الخبث في الذّهب والفضّة والنّحاس والحديد. فكما أنّ البدن إذا استفرغ من الأخلاط الرّديئة تخلّصت القوّة الطبيعيّة منها فاستراحت، فعملت عملها بلا معوّق ولا ممانع فنما البدن. فكذلك القلب إذا تخلّص من الذّنوب بالتّوبة، فالمقصود أنّ زكاة القلب موقوفة على طهارته كما أنّ زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرّديئة» ) * «6» . من فوائد (الطهارة) (1) بها ينال العبد محبّة الله ورضاه. (2) شرط لصحّة الصّلاة، والطّواف، ومسّ القرآن. (3) الطّهارة عامّة في كلّ ما يتّصل بالمسلم من مسجده وثوبه وبيته وسوقه وغير ذلك. (4) صحّة للأبدان وقوّة للأديان. (5) الأخذ بالأيسر والأسهل والأوسط قدرا ونوعا سمة ظاهرة في الدّين ومنه باب الطّهارة. (6) طهارة الباطن كطهارة الظّاهر فطهارة الوجدان كطهارة الأبدان بل أهمّ. (7) عبادة لا يطّلع عليها إلّا الله فيستدلّ بها على صحّة الإيمان. (8) إشاعة النّظافة في المجتمع تبعث في النّفس السّرور والانشراح. (9) المجتمع النّظيف الطّاهر قليل خبثه الماديّ والمعنويّ. (10) الطّهارة وسيلة هامّة من وسائل الوقاية من الأمراض، ومن المعروف أنّ الوقاية خير من العلاج.   (1) مجمع الزوائد (1/ 223) وقال: رواه الطبراني ورجاله موثقون. (2) تفسير ابن كثير (2/ 391) . (3) تفسير ابن كثير (2/ 391) . (4) أي لم يخرج من الجنة. (5) إغاثة اللهفان (1/ 71) . (6) انتهى بتصرف واختصار من إغاثة اللهفان (1/ 59- 62) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2740 [ حرف العين ] العبادة العبادة لغة: مصدر عبد يعبد عبادة أي أطاع وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ع ب د) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل لين وذلّ، والآخر شدّة وغلظ «1» ومن الأصل الأوّل أخذ العبد وهو المملوك، والجماعة العبيد، وثلاثة أعبد (في جمع القلّة) وهم العباد (في جمع الكثرة) ، قال الخليل: إلّا أنّهم اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد الله والعبيد المملوكين. يقال: هذا عبد بيّن العبودة ولم نسمعهم يشتقّون منه فعلا، ولو اشتقّ لقيل (عبد) أي صار عبدا وأقرّ بالعبودة، ولكنّه أميت الفعل فلم يستعمل، قال (الخليل) وأمّا عبد يعبد عبادة، فلا يقال إلّا لمن يعبد الله تعالى، يقال منه عبد يعبد عبادة وعبودة وعبوديّة ومعبدا، وتعبّد يتعبّد تعبّدا، فالمتعبّد: المنفرد بالعبادة، ويقال: استعبدت فلانا: اتّخذته عبدا، ويقال تعبّد فلان فلانا إذا صيّره كالعبد له وإن كان حرّا، ويقال أعبد فلان فلانا أي جعله عبدا، ويقال للمشركين: عبدة الطّاغوت والأوثان، وللمسلمين عبّاد يعبدون الله، وذكر بعضهم في جمع عابد عبد، وتأنيث العبد عبدة، والعبدّاء: جماعة العبيد الّذين ولدوا الآيات/ الأحاديث/ الآثار 139/ 69/ 14 في العبوديّة، ومن الباب البعير المعبّد أي المهنوء بالقطران؛ لأنّ ذلك يذلّه ويخفض منه، ومنه أيضا الطّريق المعبّد وهو المسلوك المذلّل «2» . وقال الرّاغب: العبوديّة: إظهار التّذلّل، والعبادة أبلغ منها لأنّها غاية التّذلّل ولا يستحقّها إلّا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى وجمع العبد الّذي هو مسترقّ عبيد، وقيل عبدّا، وجمع العبد الّذي هو العابد عباد، فالعبيد إذا أضيف إلى الله أعمّ من العباد ولهذا قال: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (ق/ 29) فنبّه أنّه لا يظلم من يختصّ بعبادته ولا من ينتسب إلى غيره كعبد شمس وعبد اللّات ونحو ذلك «3» . وقال الجوهريّ: العبد خلاف الحرّ، والجمع عبيد وأعبد وعباد وعبدان وعبدان وعبدّان وعبدّا يمدّ ويقصر، ومعبوداء بالمدّ، وأصل العبوديّة: الخضوع والذّلّ، والتّعبيد: الاستعباد، وهو أن يتّخذه عبدا، وكذلك الاعتباد، وفي الحديث «ورجل اعتبد محرّرا» والإعباد مثله وكذلك التّعبّد، والعبادة الطّاعة، والتّعبّد التّنسّك «4» . وقال ابن منظور: العبد: الإنسان حرّا كان   (1) من هذا الأصل قولهم: العبدة وهي القوّة والصلابة، والعبد وهو الأنفة والحمية انظر في هذا: مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 206) ، ولسان العرب (3/ 275) . (2) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 205، 206) . (3) مفردات الراغب (318) . (4) الصحاح (2/ 502) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2741 أو رقيقا، يذهب بذلك إلى أنّه مربوب لباريه- عزّ وجلّ-، والعبد المملوك: خلاف الحرّ، وأصل العبوديّة الخضوع والذّلّ، ويقال تعبّد الله العبد بالطّاعة أي استعبده، أمّا تعبّدت فلانا فمعناه اتّخذته عبدا مثل عبّدته سواء، وكلّ من دان لملك فهو عابد له، والمعبّد: المكرّم المعظّم كأنّه يعبد قال حاتم: تقول: ألا تبقي عليك، فإنّني ... أرى المال عند الممسكين معبّدا؟ «1» . واصطلاحا: اسم جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظّاهرة. وقيل: هي اسم يجمع كمال الحبّ لله ونهايته، وكمال الذّلّ لله ونهايته. وقيل: عبادة الله: طاعته بفعل المأمور وترك المحذور «2» . وقال المناويّ: العبادة فعل المكلّف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربّه. وقيل: هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التّذلّل والخضوع المتجاوز لتذلّل بعض العباد لبعض، ولذلك اختصّت بالرّبّ، وهي أخصّ من العبوديّة الّتي تعني مطلق التّذلّل «3» . أمّا العبوديّة فقد عرّفها الجرجانيّ بقوله: هي الوفاء بالعهود، وحفظ الحدود، والرّضا بالموجود، والصّبر على المفقود «4» . الفرق بين الطاعة والعبادة: قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين الطّاعة والعبادة: أنّ العبادة غاية الخضوع، ولا تستحقّ إلّا بغاية الإنعام، ولهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى، ولا تكون العبادة إلّا بمعرفة المعبود، أمّا الطّاعة فهي الفعل الواقع على حسب إرادة المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممّن يفعل ذلك وتكون للخالق، والمخلوق، كما أنّ الطّاعة لا يصحبها قصد الاتّباع، كالإنسان يكون مطيعا للشّيطان وإن لم يقصد أن يطيعه ولكنّه اتّبع دعاءه وإرادته «5» . العبادة وأنواع العبد: قال الرّاغب: العبادة ضربان: 1- عبادة بالتّسخير: وهي للإنسان والحيوانات والنّبات. 2- عبادة بالاختيار: وهي لذوي النّطق، وهي المأمور بها في قوله سبحانه يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ (البقرة/ 21) . أمّا العبد فإنّه يقال على أضرب: الأوّل: عبد بحكم الشّرع: وهو الإنسان الّذي يصحّ بيعه وابتياعه. الثّاني: عبد بالإيجاد: وذلك ليس إلّا لله وإيّاه   (1) لسان العرب (3/ 2704) . (2) العبودية لابن تيمية (5) ، وتيسير العزيز الحميد (47) ، وقرة عيون الموحدين (15) ، وفتح المجيد (14) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (234) . (4) التعريفات (151) . (5) بتصرف يسير عن الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري (182) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2742 قصد بقوله إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (مريم/ 93) . الثّالث: عبد بالعبادة والخدمة: والنّاس في هذا ضربان: أ- عبد مخلص لله، وهو المقصود بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ (الكهف/ 1) . ب- عبد للدّنيا وأعراضها، وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها وإيّاه قصد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «تعس عبد الدّرهم، تعس عبد الدّيا نار» ... الحديث» «1» . من معاني كلمة «العبادة» في القرآن الكريم: ذكر أهل التّفسير أنّ العبادة في القرآن على وجهين: أحدهما: التّوحيد. ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً (النساء/ 36) أي وحّدوه. والثّاني: الطّاعة. ومنه قوله تعالى في يس: أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ (يس/ 60) ، وفي سبأ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (سبأ/ 40) «2» . حقيقة العبادة: قال القرطبيّ- رحمه الله-: أصل العبادة: التّذلّل والخضوع، وسمّيت وظائف الشّرع على المكلّفين عبادات؛ لأنّهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذلّلين لله تعالى «3» . قال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله-: التّحقيق بمعنى قوله (إنّي عبدك) : التزام عبوديّته من الذّلّ والخضوع والإنابة، وامتثال أمر سيّده واجتناب نهيه ودوام الافتقار إليه، واللّجوء إليه والاستعانة به، والتّوكّل عليه، وعياذ العبد به ولياذه به، وأن لا يتعلّق قلبه بغيره محبّة وخوفا ورجاء. وفيه أيضا: أنّي عبد من جميع الوجوه: صغيرا وكبيرا، حيّا وميّتا مطيعا وعاصيا، معافى ومبتلى، بالرّوح والقلب واللّسان والجوارح، وفيه أيضا: أنّ مالي ونفسي ملك لك؛ فإنّ العبد وما يملك لسيّده. وفيه أيضا: أنّك أنت الّذي مننت عليّ بكلّ ما أنا فيه من نعمة فذلك كلّه من إنعامك على عبدك. وفيه أيضا: أنّي لا أتصرّف فيما خوّلتني من مالي ونفسي إلّا بأمرك، كما لا يتصرّف العبد إلّا بإذن سيّده، وإنّي لا أملك لنفسي ضرّا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فإن صحّ له شهود ذلك فقد قال: إنّي عبدك حقيقة. ثمّ قال: ناصيتي بيدك، أي أنت المتصرّف فيّ تصرّفني كيف تشاء، لست أنا المتصرّف في نفسي. وكيف يكون له في نفسه تصرّف من نفسه بيد ربّه وسيّده، وناصيته بيده، وقلبه بين أصبعين من أصابعه، وموته وحياته وسعادته وشقاوته وعافيته وبلاؤه كلّه إليه سبحانه ليس إلى العبد منه شيء، بل هو في قبضة سيّده أضعف من مملوك ضعيف حقير، ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له، تحت تصرّفه وقهره، بل الأمر فوق ذلك. ومتى شهد العبد أنّ ناصيته ونواصي العباد كلّها بيد الله وحده يصرّفهم كيف يشاء، لم يخفهم بعد ذلك، ولم يرجهم، ولم ينزلهم منزلة المالكين بل منزلة عبيد   (1) مفردات الراغب (318) . (2) انظر نزهة الأعين النواظر (431، 432) . (3) فتح المجيد (18) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2743 مقهورين مربوبين، المتصرّف فيهم سواهم والمدبّر لهم غيرهم، فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقره وضرورته إلى ربّه وصفا لازما له، ومتى شهد النّاس كذلك لم يفتقر إليهم ولم يعلّق أمله ورجاءه بهم فاستقام توحيده وتوكّله وعبوديّته «1» . أركان العبادة: ويقول ابن القيّم: «العبادة تجمع أصلين: غاية الحبّ وغاية الذّلّ والخضوع ... فمن أحببته ولم تكن خاضعا له لم تكن عابدا له، ومن خضعت له بلا محبّة لم تكن عابدا له حتّى تكون محبّا خاضعا. ومن ههنا كان المنكرون محبّة العباد لربّهم منكرين حقيقة العبوديّة والمنكرون لكونه محبوبا لهم- بل هو غاية مطلوبهم ووجهه الأعلى نهاية بغيتهم- منكرون لكونه إلها، وإن أقرّوا بكونه ربّا للعالمين وخالقا لهم، فهذا الإقرار غاية توحيدهم، وهو توحيد الرّبوبيّة الّذي اعترف به مشركو العرب ولم يخرجوا به عن الشّرك «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الإسلام- الاستعانة- الإنابة- التقوى- التوحيد- الخشوع- الضراعة- الصلاة- الحج والعمرة- الصوم- الطاعة- تلاوة القرآن- الصدقة- الزكاة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- العصيان- الفجور- هجر القرآن- الغافلة- ترك الصلاة- الإعراض- النفاق- التفريط والإفراط- الاعوجاج- التهاون] .   (1) الفوائد لابن القيم (34، 35) . (2) مدارج السالكين (1/ 85- 86) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2744 الآيات الواردة في «العبادة» العبادة بمعنى التوحيد 1- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1» 2- يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) «2» 3- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «3» 4- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)   (1) الفاتحة: 1- 7 مكية (2) البقرة: 21- 24 مدنية (3) البقرة: 83 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2745 وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) «1» 5- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «2» 6- * وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «3» 7- نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) «4» 8- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) «5» 9- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)   (1) آل عمران: 45- 51 مدنية (2) آل عمران: 64 مدنية (3) النساء: 36 مدنية (4) النساء: 172 مدنية (5) المائدة: 72- 76 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2746 ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) «1» 10- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) «2» 11- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) * وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) «3» 12- * إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ   (1) المائدة: 116- 118 مدنية (2) الأنعام: 56 مكية (3) الأنعام: 57- 61 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2747 وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) «1» 13- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) «2» 14- * وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «3» 15- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) «4» 16- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) «5»   (1) الأنعام: 95- 102 مكية (2) الأعراف: 59- 62 مكية (3) الأعراف: 65- 68 مكية (4) الأعراف: 73- 76 مكية (5) الأعراف: 85 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2748 17- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) «1» 18- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) «2» . 19- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) «3» 20- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) «4» 21- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) «5» 22- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) «6» 23- * وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «7»   (1) التوبة: 30- 31 مدنية (2) يونس: 3 مكية (3) يونس: 104- 107 مكية (4) هود: 1- 2 مكية (5) هود: 25- 26 مكية (6) هود: 50 مكية (7) هود: 61 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2749 24- * وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) «1» 25- وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) «2» 26- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) «3» 27- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «4» 28- وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) «5» 29- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «6» 30- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) «7»   (1) هود: 84 مكية (2) الرعد: 36 مدنية (3) النحل: 36 مكية (4) الإسراء: 23- 24 مكية (5) الكهف: 16 مكية (6) الكهف: 110 مكية (7) مريم: 27- 36 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2750 31- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) «1» 32- فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) «2» 33- إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) «3» 34- فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)   (1) الأنبياء: 25- 27 مكية (2) المؤمنون: 24- 33 مكية (3) الأنبياء: 92 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2751 إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «1» 35- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «2» 36- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) «3» 37- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) «4» 38- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (37) «5» 39- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) «6» 40- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «7» 41- قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) «8»   (1) المؤمنون: 101- 111 مكية (2) النور: 55 مدنية (3) النمل: 45- 46 مكية (4) العنكبوت: 16- 17 مكية (5) العنكبوت: 36- 37 مكية (6) يس: 20- 23 مكية (7) الزمر: 1- 3 مكية (8) الزمر: 64- 66 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2752 42- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14) «1» 43- وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) «2» 44- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) «3» 45- * وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) «4» 46- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) «5» 47- أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) «6» 48- وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) «7» 49- لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) «8»   (1) فصلت: 13- 14 مكية (2) فصلت: 37- 38 مكية (3) الزخرف: 63- 68 مكية (4) الأحقاف: 21- 22 مكية (5) نوح: 1- 3 مكية (6) العلق: 9- 12 مكية (7) البينة: 5 مدنية (8) قريش: 1- 4 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2753 العبادة بمعنى الطاعة: 50- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) «1» 51- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «2» 52- نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «3» 53- وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «4» 54- * إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «5»   (1) البقرة: 133- 135 مدنية (2) البقرة: 172- 173 مدنية (3) النساء: 172- 173 مدنية (4) الأعراف: 204- 206 مكية (5) التوبة: 111- 112 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2754 55- وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) «1» 56- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) «2» 57- فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) «3» 58- وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) «4» 59- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) «5» 60- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) «6» 61- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «7» 62- وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60) «8» 63- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) «9»   (1) هود: 123 مكية (2) الحجر: 97- 99 مكية (3) النحل: 114- 115 مكية (4) طه: 9- 14 مكية (5) الأنبياء: 19- 20 مكية (6) الحج: 77 مدنية (7) النمل: 91- 93 مكية (8) غافر: 60 مكية (9) الذاريات: 55- 58 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2755 64- عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) . «1» العبادة توحي بالتشريف وتحمل الثواب العظيم: 65- وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «2» 66- وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) «3» 67- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) «4» 68- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «5» 69- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «6»   (1) التحريم: 5 مدنية (2) البقرة: 89- 90 مدنية (3) البقرة: 186 مدنية (4) البقرة: 207 مدنية (5) آل عمران: 14- 20 مدنية (6) آل عمران: 30 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2756 70- لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (181) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) «1» 71- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) «2» 72- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) «3» 73- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) «4» 74- وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) «5» 75- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) «6»   (1) آل عمران: 181- 182 مدنية (2) الأنعام: 83- 88 مكية (3) الأعراف: 31- 32 مكية (4) الأعراف: 128 مكية (5) الأنفال: 41 مدنية (6) الأنفال: 49- 51 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2757 76- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «1» 77- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) «2» 78- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (35) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) «3» 79- * نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) «4» 80- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) «5» 81- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)   (1) التوبة: 103- 104 مدنية (2) يوسف: 23- 24 مكية (3) الحجر: 28- 43 مكية (4) الحجر: 49- 50 مكية (5) النحل: 1- 2 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2758 وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (5) «1» 82- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (64) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) «2» 83- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) «3» 84- وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (62) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)   (1) الإسراء: 1- 5 مكية (2) الإسراء: 61- 65 مكية (3) الكهف: 1- 3 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2759 قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) «1» 85- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) «2» 86- * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) «3» 87- وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) «4» 88- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ (72) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) «5» 89- * وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) «6» 90- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106) «7» 91- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) «8» 92- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) «9»   (1) الكهف: 60- 70 مكية (2) مريم: 1- 3 مكية (3) مريم: 59- 65 مكية (4) طه: 77 مكية (5) الأنبياء: 72- 73 مكية (6) الأنبياء: 83- 84 مكية (7) الأنبياء: 105- 106 مكية (8) النور: 32 مدنية (9) الفرقان: 1- 2 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2760 93- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «1» 94- * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) «2» 95- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «3» 96- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) * فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57)   (1) الفرقان: 63- 70 مكية (2) الشعراء: 52- 56 مكية (3) النمل: 15- 19 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2761 وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) «1» 97- يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) «2» 98- اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) «3» 99- * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) «4» 100- وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38) وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) «5» 101- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) «6» 102- وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) «7»   (1) النمل: 54- 59 مكية (2) العنكبوت: 56- 62 مكية (3) الروم: 48 مكية (4) يس: 60- 61 مكية (5) الصافات: 36- 40 مكية (6) الصافات: 72- 74 مكية (7) الصافات: 104- 111 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2762 103- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «1» 104- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) «2» 105- وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (161) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163) وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173) «3» 106- وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) «4» 107- وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) «5»   (1) الصافات: 114- 122 مكية (2) الصافات: 123- 132 مكية (3) الصافات: 158- 173 مكية (4) ص: 16- 17 مكية (5) ص: 30- 32 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2763 108- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) «1» 109- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «2» 110- أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «3» 111- فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) «4»   (1) ص: 41- 47 مكية (2) الزمر: 10- 18 مكية (3) الزمر: 36- 37 مكية (4) غافر: 14- 17 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2764 112- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «1» 113- اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) «2» 114- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) «3» 115- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) «4» 116- * وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59) «5» 117- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6)   (1) فصلت: 46 مكية (2) الشورى: 19 مكية (3) الشورى: 22- 27 (22، 26 مكية، 23، 24، 25، 27 مدنية) (4) الشورى: 52- 53 مكية (5) الزخرف: 57- 59 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2765 وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10) «1» 118- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9) «2» 119- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) «3» 120- وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) «4» 121- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) «5» 122- يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) «6» العبادة في سياق التحذير: 123- وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) «7» 124- وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) «8» 125- وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) «9» 126- وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (95) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) «10» 127- أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا (102) «11»   (1) النجم: 1- 10 مكية (2) الحديد: 9 مدنية (3) التحريم: 10 مدنية (4) الجن: 18- 19 مكية (5) الإنسان: 5- 6 مدنية (6) الفجر: 27- 30 مكية (7) الإسراء: 17 مكية (8) الإسراء: 29- 30 مكية (9) الإسراء: 53 مكية (10) الإسراء: 94- 96 مكية (11) الكهف: 102 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2766 128- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) «1» 129- قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) «2» 130- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) «3» 131- * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) «4» 132- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)   (1) الحج: 8- 10 مدنية (2) الزمر: 46 مكية (3) غافر: 28- 31 مكية (4) غافر: 41- 48 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2767 فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85) «1» 133- قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) «2» العبادة تقتضي الاتعاظ والخشية: 134- أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) * وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) «3» 135- وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) «4» 136- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45) «5» 137- أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)   (1) غافر: 83- 85 مكية (2) ق: 27- 29 مكية (3) سبأ: 9- 13 مكية (4) فاطر: 28- 31 مكية (5) فاطر: 45 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2768 رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) «1» العبادة تؤدي إلى الحسرة على من لم يتعظ: 138- إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (29) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30) «2» العبادة تعني البشارة بالحفظ من الشيطان: 139- إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) «3»   (1) ق: 6- 11 مكية (2) يس: 29- 30 مكية (3) ص: 71- 83 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2769 الأحاديث الواردة في (العبادة) 1- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل، يعني عظيم الرّوم ... الحديث وفيه: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأه. فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «1» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) ، فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده، وكثر اللّغط. وأمر بنا فأخرجنا. قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة «2» إنّه ليخافه ملك بني الأصفر «3» . قال: فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سيظهر، حتّى أدخل الله علىّ الإسلام) * «4» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّد. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» قال: والّذي نفسي بيده! لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقص منه. فلمّا ولّى. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «5» . 3- * (عن أبي أيوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بعمل يدخلني الجنّة. قال: ماله ماله. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرب «6» ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل الرّحم» ) * «7» .   (1) الأريسيين: هم الأكارون أي الفلاحون والزارعون. (2) لقد أمر أمر ابن أبي كبشة: أما أمر فبفتح الهمزة وكسر الميم، أي عظم. وأما قوله: ابن أبي كبشة، فقيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى، ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها. فشبهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم به لمخالفته إياهم في دينهم، كما خالفهم أبو كبشة. (3) بني الأصفر: بنو الأصفر هم الروم. (4) البخاري- الفتح 1 (7) . ومسلم (1773) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 3 (1397) . ومسلم (14) واللفظ له. (6) أرب ما له؟ يقول الخطابي في معناه: «كلمة تعجب. يقول: سقطت آرابه وهي أعضاؤه واحدها إرب، وقد يدعى بهذا على الإنسان إذا فعل فعلا يتعجب منه ولا يراد بذلك وقوع العقوبة به وإنما هو كقولهم: قاتله الله، وكقولهم: ثكلته أمه، ونحو ذلك. وفيه وجه آخر قال النضر بن شميل: يقال: أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده وفطن له. وقال الأصمعي: أربت بالشيء إذا صرت فيه ماهرا بصيرا فيكون المعني في ذلك على هذا القول التعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته. (ج 1 ص 728- 729/ أعلام الحديث لأبي سليمان الخطابي) ويقول ابن حجر: «روي بفتح أوله وكسر الراء والتنوين أي هو أرب أي حاذق فطن ولم أقف على صحة هذه الرواية» . فتح الباري. (7) البخاري- الفتح 3 (1396) واللفظ له. ومسلم (14) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2770 4- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أدلّك على سيّد الاستغفار: «اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، وأبوء «1» لك «2» بنعمتك عليّ وأعترف بذنوبي، فاغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، لا يقولها أحدكم حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلّا وجبت له الجنّة، ولا يقولها حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إلّا وجبت له الجنّة» ) * «3» . 5- * (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه-: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به قال: ... الحديث وفيه: «ثمّ فرضت عليّ الصّلاة خمسين صلاة كلّ يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال بما أمرت «4» ؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يوم، وإنّي والله قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فرجعت، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بعشر صلوات كلّ يوم، فرجعت فقال مثله. فرجعت فأمرت بخمس صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإنّي قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك. قال: سألت ربّي حتّى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم. قال: فلمّا جاوزت نادى مناد. أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي» ) * «5» . 6- * (عن عليّ بن ربيعة قال: رأيت عليّا- رضي الله عنه- أنّه أتي بدابّة ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب، قال: باسم الله، فلمّا استوى عليها، قال: الحمد لله، سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، ثمّ حمد الله ثلاثا، وكبّر ثلاثا، ثمّ قال: سبحانك لا إله إلّا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي، ثمّ ضحك، فقلت له: ممّ ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل مثل ما فعلت، ثمّ ضحك، فقلت: ممّ ضحكت يا رسول الله؟، قال: «يعجب الرّبّ من عبده إذا قال: ربّ اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنّه لا يغفر الذّنوب غيري» ) * «6» . 7- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-   (1) وأبوء: أي أعترف وأقر. (2) في البخاري «إليك» . (3) البخاري- الفتح 11 (6306) . الترمذي (5/ 3393) واللفظ له. ولفظ «إليك» من رواية البخاري. (4) بما أمرت: هكذا في البخاري والمعروف أن ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر حذفت الألف فكان يقال «بم» ولعل هنا سقطا. ويعززه ما في صحيح مسلم «بماذا أمرت» . (5) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له. ومسلم (164) . (6) الترمذي (3446) وقال هذا حديث حسن صحيح. أبو داود (2602) . أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. حديث (753) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2771 عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة، قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت، أنت ربّي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت» ) * «1» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّها سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الطّاعون، فأخبرها نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطّاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنّه لن يصيبه إلّا ما كتبه الله له إلّا كان له مثل أجر الشّهيد» ) * «2» . 9- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة النجاشيّ فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف. فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام- قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث) * «3» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: «يوفّقه لعمل صالح قبل الموت» ) * «4» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله- عزّ وجلّ-: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها. فإذا عملها أكتبها له بمثلها» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قالت الملائكة: ربّ ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنّما تركها من جرّاي «5» » ) * «6» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا توضّأ العبد المسلم (أو   (1) مسلم (771) . (2) البخاري- الفتح 10 (5734) . (3) رواه أحمد في المسند 1 (202) واللفظ له، وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أن ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. (4) سنن الترمذي رقم (2142) وصحيح سنن الترمذي (1741) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (5) من جراي: من أجلي. (6) البخاري- الفتح 13 (7501) . مسلم (129) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2772 المؤمن) فغسل وجهه. خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلّ خطيئة كان بطشتها يداه «1» مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كلّ خطيئة مشتها رجلاه «2» مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتّى يخرج نقيّا من الذّنوب» ) * «3» . 13- * (عن أبي هريرة، وأبي سعيد- رضي الله عنهما- أنّهما شهدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا قال العبد: لا إله إلّا الله والله أكبر، قال: يقول الله- عزّ وجلّ-: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا وأنا أكبر. وإذا قال العبد: لا إله إلّا الله وحده. قال: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا وحدي. وإذا قال: لا إله إلّا الله لا شريك له. قال: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا. ولا شريك لي. وإذا قال: لا إله إلّا الله له الملك وله الحمد. قال: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا لي الملك ولي الحمد. وإذا قال لا إله إلّا الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. قال: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا ولا حول ولا قوّة إلّا بي» ) * «4» . 14- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم عرفة إنّ الله ينزل إلى السّماء، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا، ضاحين من كلّ فجّ عميق، أشهدكم أنّي قد غفرت لهم. فتقول له الملائكة: أي ربّ، فيهم فلان يزهو وفلان وفلان، قال، يقول الله: قد غفرت لهم» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فما من يوم أكثر عتيقا من النّار من يوم عرفة» ) * «5» . 15- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟. فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة، وسمّوه بيت الحمد» ) * «6» . 16- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» ) * «7» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليأخذ داخلة إزاره «8» فلينفض بها فراشه، وليسمّ الله. فإنّه لا   (1) بطشتها: أي اكتسبتها. (2) مشتها رجلاه: أي مشت لها أو فيها رجلاه. (3) مسلم (244) . (4) ابن ماجة 2 (3794) ، وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (3061) ، وهو في الصحيحة (1390) . (5) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2840) واللفظ له وقال محققه: إسناده ضعيف، والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 9) وقال محققه: إسناده لا بأس به، والبغوي في شرح السنة (7/ 159) برقم (1931) وقال: أخرجه ابن خزيمة ورجاله ثقات وإسناده قوي لولا عنعنة أبي الزبير. (6) رواه الترمذي (1021) وحسّن إسناده الألباني صحيح الترمذي (814) . وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 433) : له شواهد بمعناه يرتقي بها. (7) البخاري- الفتح 6 (2996) . (8) فليأخذ داخلة إزاره: داخلة الإزار: طرفه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2773 يعلم ما خلفه بعده على فراشه. فإذا أراد أن يضطّجع، ليضطجع على شقّه الأيمن. وليقل: سبحانك اللهمّ ربّي، بك وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين» ) * «1» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ حسن الظّنّ بالله تعالى من حسن العبادة» ) * «2» . 19- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه- وإنّه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النّار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنّة، قال نبيّ الله: «فيراهما جميعا» ) * «3» . 20- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّكم محشورون حفاة عراة غرلا. ثمّ قرأ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (الأنبياء/ 104) ، وأوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم. وإنّ أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشّمال، فأقول: أصحابي أصحابي. فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصّالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ إلى قوله: الْحَكِيمُ (المائدة/ 117- 118) * «4» . 21- * (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشتري عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟. وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند   (1) البخاري- الفتح 11 (6320) . ومسلم (2714) واللفظ له. (2) ذكره ابن الأثير في جامع الأصول (11/ 693) ، وقال محققه: رواه الترمذي رقم (3604) في الدعوات وأبو داود (4993) فى الأدب وأحمد في المسند 2/ 297 وهو حديث حسن. (3) البخاري- الفتح 3 (1374) . ومسلم (2870) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 6 (3349) واللفظ له. مسلم (2860) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2774 الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدي نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا «1» جهنّم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلّى وصام؟ قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «2» . 22- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «إنّ الله- عزّ وجلّ- قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوّضته منهما الجنّة» يريد عينيه) * «3» . 23- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشّربة فيحمده عليها» ) * «4» . 24- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يحبّ العبد التّقيّ الغنيّ الخفيّ» ) * «5» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله «6» جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم: قيل وقال «7» وكثرة السّؤال «8» ، وإضاعة المال» ) * «9» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفونّهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون: لا، والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنّة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا، والله يا ربّ ما رأوها. قال: فيقول: فكيف   (1) جثا: جمع جثوة وهي الجماعة المحكوم عليهم بالنار. (2) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح غريب. وأحمد في «المسند» (4/ 130 و202) وانظر «موسوعة أطراف الحديث النبوي» (3/ 138) . (3) البخاري- الفتح 10 (5653) . (4) مسلم (2734) . (5) مسلم (2965) . (6) الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بادابه. (7) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس. (8) كثرة السؤال: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لم يقع، ولا تدعو إليه الحاجة. (9) مسلم (1715) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2775 لو أنّهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال: يقولون: من النّار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، والله يا ربّ ما رأوها. قال يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «1» . 27- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بني الإسلام على خمس، على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان» ) * «2» . 28- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ، وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: فأمّا الثّلاث الّتي أقسم عليهنّ فإنّه ما نقص مال عبد صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه ويصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. قال: وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا، قال: فهو يقول لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّه، فهذا بأخبث المنازل. قال: وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «3» . 29- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على شابّ وهو في الموت فقال: كيف تجدك؟ قال: والله يا رسول الله، إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو، وأمّنه ممّا يخاف» ) * «4» . 30- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر رجلا فيمن كان سلف- أو قبلكم- آتاه الله مالا وولدا، يعني أعطاه. قال فلمّا حضر قال لبنيه: أيّ أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب.   (1) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له. مسلم (2689) . (2) البخاري- الفتح 1 (8) . مسلم (16) واللفظ له. (3) صحيح سنن الترمذي (1894) والترمذي (2325) وقال: حسن صحيح، أحمد (4/ 231) واللفظ له رقم (18060) وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 61) رقم (3021) وعزاه لأحمد. (4) الترمذي (983) وهذا لفظه، وابن ماجة (4261) وقال النووي: إسناده حسن، وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (3436) وهو في الصحيحة (1051) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 10) : إسناده حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2776 قال: فإنّه لم يبتئر عند الله خيرا. (فسّرها قتادة: لم يدّخر) . وإن يقدم على الله يعذّبه. فانظروا، فإذا متّ فأحرقوني، حتّى إذا صرت فحما فاسحقوني- أو قال فاسهكوني- ثمّ إذا كان ريح عاصف فاذروني فيها، فأخذ مواثيقهم على ذلك وربّي. ففعلوا. فقال الله: كن. فإذا رجل قائم. ثمّ قال: أي عبدي، ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك. أو فرق منك. فما تلافاه أن رحمه الله» ) * «1» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل. وشابّ نشأ في عبادة الله. ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال. فقال: إنّي أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «2» . 32- * (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «العبادة في الهرج «3» كهجرة إليّ» ) * «4» . 33- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: علّمنا خطبة الحاجة: «الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يقرأ ثلاث آيات: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) ، يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً ((الأحزاب/ 33)) * «5» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: أعددت لعبادي الصّالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. مصداق ذلك في كتاب الله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة/ 17)) * «6» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: إذا همّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة. فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف. وإذا همّ بسيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه. فإن عملها كتبتها سيّئة واحدة» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6481) واللفظ له. ومسلم (2757) . (2) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له. (3) المراد بالهرج: الفتنة واختلاف أمور الناس. (4) مسلم (2948) . (5) النسائي (3/ 105) وهذا لفظه، وأبو داود (2118) وصححه الألباني (1860) ، والترمذي (1105) وقال: حديث حسن. وأصله عند مسلم. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 437) : وهو حديث صحيح بطرقه. (6) البخاري- الفتح 6 (3244) . ومسلم (2824) واللفظ له. (7) مسلم (128) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2777 36- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ) * «1» . 37- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رفع رأسه من الرّكوع قال: «ربّنا لك الحمد. ملء السّماوات والأرض. وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثّناء والمجد «2» أحقّ ما قال العبد، وكلّنا لك عبد، اللهمّ لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» ) * «3» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للنّاس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟. قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث» . قال: ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصّلاة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ، قال: متى السّاعة؟. قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، وسأخبرك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة ربّها. وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهنّ إلّا الله، ثمّ تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (لقمان/ 34) ، ثمّ أدبر فقال: «ردّوه» . فلم يروا شيئا. فقال: «هذا جبريل جاء يعلّم النّاس دينهم» ) * «4» . 39- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّي- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» وكنّا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» . فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» . قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟. قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصّلوات الخمس، وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة) ولا تسألوا النّاس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إيّاه» ) * «5» .   (1) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (5/ 13) . ابن ماجة (3973) ، وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29، 30) : صحيح الإسناد. (2) الثناء والمجد: الثناء الوصف الجميل والمدح. والمجد: العظمة ونهاية الشرف. (3) مسلم (477) . (4) البخاري- الفتح 1 (50) واللفظ له. مسلم (9) . (5) مسلم (1043) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2778 40- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نقول في الصّلاة خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: السّلام على الله. السّلام على فلان. فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذات يوم: «إنّ الله هو السّلام. فإذا قعد أحدكم في الصّلاة فليقل التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. فإذا قالها أصابت كلّ عبد لله صالح في السّماء والأرض. أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يتخيّر من المسألة ما شاء» ) * «1» . 41- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت ردف «2» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ليس بيني وبينه إلّا مؤخّرة الرّحل «3» . فقال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبّيك رسول الله وسعديك «4» . ثمّ سار ساعة. ثمّ قال: «يا معاذ بن جبل» . قلت: لبّيك رسول الله وسعديك. ثمّ سار ساعة. ثمّ قال: «يا معاذ بن جبل» . قلت: لبّيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حقّ الله على العباد؟» . قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» . ثمّ سار ساعة، ثمّ قال: «يا معاذ بن جبل» . قلت: لبّيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حقّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك» . قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «أن لا يعذّبهم» ) * «5» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التّقوى هاهنا- ويشير إلى صدره ثلاث مرّات- بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ) * «6» . 43- * (عن عطيّة السّعديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين حتّى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس» ) * «7» . 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا كانت غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة قالوا: يا رسول الله! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا «8» فأكلنا وادّهنّا «9» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «افعلوا» . قال: فجاء عمر فقال: يا رسول الله! إن فعلت قلّ الظّهر «10»   (1) البخاري- الفتح 2 (831) . مسلم (402) واللفظ له. (2) ردف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الردف والرديف هو الراكب خلف الراكب. (3) مؤخرة الرحل: هو العود الذي يكون خلف الراكب. (4) لبيك رسول الله وسعديك: لبيك: أي إجابة لك بعد إجابة للتأكيد. وقيل: أي قربا منك وطاعة لك. ومعنى سعديك: أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة. (5) البخاري- الفتح 13 (7373) . مسلم (30) واللفظ له. (6) مسلم (2564) . (7) الترمذي (2451) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب وقال محقق جامع الأصول (4/ 682) : وهو حديث حسن. (8) نواضحنا: النواضح من الإبل التي يستقى عليها. (9) ادهنا: أي اتخذنا دهنا من شحومها. (10) الظهر: الدواب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2779 ولكن ادعهم بفضل أزوادهم «1» ثمّ ادع الله عليها بالبركة لعلّ الله أن يجعل في ذلك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» . قال: فدعا بنطع «2» فبسطه ثمّ دعا بفضل أزوادهم. قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة. قال: ويجيء الآخر بكفّ تمر. قال ويجيء الآخر بكسرة. حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبركة، ثمّ قال: «خذوا في أوعيتكم» . قال: فأخذوا في أوعيتهم حتّى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملؤوه قال: فأكلوا حتّى شبعوا وفضلت فضلة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة» ) * «3» . 45- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من عمل يوم إلّا يختم عليه، فإذا مرض المؤمن، قالت الملائكة: يا ربّ، عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرّبّ- تبارك وتعالى: اكتبوا له على مثل عمله حتّى يبرأ أو يموت» ) * «4» . 46- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضره أجله فيقول سبع مرّات: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك إلّا عوفي» ) * «5» . 47- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خير معاش النّاس «6» لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه «7» كلّما سمع هيعة «8» أو فزعة طار عليه. يبتغي القتل مظانّه «9» . أو رجل في غنيمة «10» في رأس شعفة «11» من هذه الشّعف. أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصّلاة ويؤتي الزّكاة، ويعبد ربّه حتّى يأتيه اليقين، ليس من النّاس إلّا في خير» ) * «12» . 48- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من شهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنّة حقّ، والنّار حقّ. أدخله الله الجنّة على ما كان من العمل» ) * «13» . 49- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ   (1) أزوادهم: الأزودة: جمع زاد وهي لا تملأ إنما تملأ بها أوعيتها. (2) نطع: هو بساط متخذ من أديم. (3) مسلم (27) . (4) أحمد (4/ 146) ، والبغوي في شرح السنة (5/ 240) واللفظ له، وقال محققه: إسناده صحيح. (5) أبو داود (3106) ، والترمذي (2083) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب، والبغوي في شرح السنة، وقال محققه: حديث حسن. (6) معاش الناس: أي من خير أحوالهم. (7) يطير على متنه: أي يسرع جدا على ظهره حتى كأنه يطير. (8) هيعة: الصوت عند حضور العدو. (9) يبتغي القتل والموت مظانه: يعنى يطلبه من مواطنه التي يرجى فيها لشدة حرصه ورغبته في الشهادة. (10) غنيمة: تصغير غنم. أي قطعة منها. (11) شعفة: أعلى الجبل. (12) مسلم (1889) . (13) البخاري- الفتح 6 (3435) واللفظ له. ومسلم (28) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2780 القرآن فهي خداج «1» (ثلاثا) غير تمام» .. فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي. فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «2» . 50- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «3» . 51- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة. ومن ستر مسلما، ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ) * «4» . 52- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات، فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل بهنّ» . فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس. وارض بما قسم الله تكن أغنى النّاس. وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا. وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما. ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «5» . 53- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني   (1) خداج: الخداج النقصان. (2) مسلم (395) . (3) البخاري- الفتح 11 (6502) . وقال الحافظ ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/ 330) : هذا الحديث تفرّد بإخراجه البخاري من دون بقية أصحاب الكتب ... وهو من غرائب الصحيح. (4) مسلم (2699) . (5) الترمذي (2305) وحسنه الألباني: صحيح الترمذي (1876) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2781 ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد! فقال: ذلك فيما شئت. إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «1» . 54- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلّون وأتيناهم وهم يصلّون» ) * «2» . 55- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي «3» ، وأنا معه إذا ذكرني «4» . فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منهم. وإن تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا. وإن تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت إليه باعا «5» . وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة» ) * «6» . 56- * (عن جبير بن حيّة، قال: بعث عمر النّاس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين، فأسلم الهرمزان، فقال: إنّي مستشيرك في مغازيّ هذه. قال: نعم، مثلها ومثل من فيها من النّاس من عدوّ المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان وله رجلان، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرّجلان بجناح والرّأس، فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرّجلان والرّأس. وإن شدخ الرّأس ذهبت الرّجلان والجناحان والرّأس. فالرّأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس. فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى. وقال بكر وزياد جميعا عن جبير بن حيّة، قال: فندبنا عمر. واستعمل علينا النّعمان بن مقرّن. حتّى إذا كنّا بأرض العدوّ، وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا، فقام ترجمان فقال: ليكلّمني رجل منكم. فقال المغيرة: سل عمّا شئت. قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب كنّا في شقاء شديد وبلاء شديد. نمصّ الجلد والنّوى من الجوع. ونلبس الوبر والشّعر. ونعبد الشّجر والحجر. فبينا نحن كذلك إذ بعث ربّ السّماوات وربّ الأرضين، تعالى ذكره وجلّت عظمته، إلينا نبيّا من أنفسنا، نعرف أباه وأمّه، فأمرنا نبيّنا رسول ربّنا صلّى الله عليه وسلّم أن نقاتلكم حتّى تعبدوا الله وحده. أو تؤدّوا الجزية. وأخبرنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم عن رسالة ربّنا أنّه من قتل منّا صار إلى الجنّة في نعيم لم ير مثلها قطّ. ومن بقي منّا ملك رقابكم» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له ومسلم (1420) . (2) البخاري- الفتح 13 (7429) واللفظ له، ومسلم (632) . (3) معنى قوله (أنا عند ظن عبدي بي) : المراد بالظن هنا: العلم. قاله ابن أبي جمرة. وقال القرطبي: معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار. (4) وقوله: وأنا معه إذا ذكرني: قال الحافظ ابن حجر: بعلمي. (5) والباع: قدر مد اليدين وما بينهما من البدن. (6) البخاري- الفتح 13 (7405) واللفظ له، ومسلم (2675) . (7) البخاري- الفتح 6 (3159) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2782 الأحاديث الواردة في (العبادة) معنى 57- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إذا قضى الله الأمر في السّماء «1» ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا «2» لقوله، كأنّه «3» سلسلة على صفوان «4» ، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربّكم؟. قالوا- للّذي قال-: الحقّ وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترق السّمع، ومسترقوا السّمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان (الرّاوي) بكفّه فحرفها وبدّد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته، حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشّهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا؟، فيصدّق بتلك الكلمة الّتي سمع من السّماء» ) * «5» . 58- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرى مالا ترون وأسمع مالا تسمعون، أطّت «6» السّماء وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وملك واضع جبهته لله ساجدا والله! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذّذتم بالنّساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات «7» تجأرون «8» إلى الله» . قال أبو ذرّ: لوددت أنّي كنت شجرة تعضد «9» ) * «10» . 59- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة «11» والنّاس صفوف خلف أبي بكر. فقال: «أيّها النّاس، إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم. أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء. فقمن «12» أن يستجاب لكم» ) * «13» . 60- * (عن معدان بن أبي طلحة اليعمريّ؛ قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنّة. أو قال: قلت: بأحبّ الأعمال إلى الله. فسكت، ثمّ سألته فسكت. ثمّ سألته الثّالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «عليك بكثرة السّجود لله. فإنّك لا تسجد سجدة إلّا رفعك الله بها درجة. وحطّ عنك بها خطيئة» ) * «14» .   (1) إذا قضى الله الأمر في السماء: أي: إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله. (2) خضعانا: أي خاضعين. (3) كأنه: أي القول المسموع- كلام الله. (4) الصفوان: الحجر الأملس. (5) البخاري- الفتح 8 (4800) . (6) أطت: الأطيط صوت الأقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها، والمعنى: أن كثرة ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. (7) الصعدات: الطرق. (8) تجأرون: ترفعون أصواتكم بالدعاء. (9) تعضد: تقطع. (10) الترمذي (2312) وقال: حديث حسن واللفظ له، وابن ماجة (4190) وقال محقق جامع الأصول (4/ 13) : إسناده حسن. وأحمد في المسند (5/ 173) . (11) الستارة: هي الستر الذي يكون على باب البيت والدار. (12) فقمن: أي حقيق وجدير. (13) البخاري- الفتح 12 (6990) من حديث أبى هريرة. ومسلم (479) واللفظ له. (14) مسلم (488) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2783 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العبادة) 61- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح «1» . ثمّ حبّب إليه الخلاء «2» . فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه. (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد «3» . قبل أن يرجع إلى أهله. ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها ... الحديث» ) * «4» . 62- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سئل عن استسقاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد» ) * «5» . 63- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم (أو ليصلّي) حتّى ترم قدماه (أو ساقاه) فيقال له. فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا» . وفي رواية، عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه. فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبدا شكورا» ) * «6» . 64- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها «7» ، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله، إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «8» . 65- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها سئلت: كيف كان عمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ هل كان   (1) فلق الصبح: قال أهل اللغة: فلق الصبح وفرق الصبح هو ضياؤه. وإنما يقال هذا في الشيء الواضح البين. (2) ثم حبب إليه الخلاء: الخلاء هو الخلوة. قال أبو سليمان الخطابي- رحمه الله-: حببت العزلة إليه صلّى الله عليه وسلّم لأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر، وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويتخضع قلبه. (3) الليالي أولات العدد: معناه يتحنث الليالي الكثيرة. (4) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له. (5) الترمذي (558) وقال: هذا حديث حسن صحيح واللفظ له، وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني. صحيح الترمذي (459) وصحيح ابن ماجة (1046) . (6) البخاري- الفتح 3 (1130) ، 8 (4837) واللفظ له. ومسلم (2819- 2820) . (7) تقالوها: تقللوها. (8) البخاري- الفتح 9 (5063) واللفظ له. ومسلم (1108) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2784 يخصّ شيئا من الأيّام؟. قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيّكم يستطيع ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستطيع؟!) * «1» . 66- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قيل له: وما هممت؟. قال: هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 67- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصير وكان يحجّره «3» من اللّيل فيصلّي فيه. فجعل النّاس يصلّون بصلاته، ويبسطها بالنّهار، فثابوا «4» ذات ليلة. فقال: «يا أيّها النّاس، عليكم من الأعمال ما تطيقون «5» فإنّ الله لا يملّ حتّى تملّوا. وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما دووم عليه «6» وإن قلّ. وكان آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم إذا عملوا عملا أثبتوه «7» ) * «8» . 68- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره «9» وأحيا ليله «10» وأيقظ أهله) * «11» . 69- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. إذا قام من الّليل يتهجّد، قال: «اللهمّ لك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد لك ملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد. أنت نور السّماوات والأرض ولك الحمد. أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد. أنت الحقّ ووعدك الحقّ ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت، أو لا إله غيرك» ) * «12» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (العبادة) 1- * (كتب أبو الدّرداء إلى مسلمة بن مخلد: «أمّا بعد: فإنّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبّه الله، فإذا أحبّه الله، حبّبه إلى خلقه، وإنّ العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله بغّضه إلى خلقه» ) * «13» .   (1) البخاري- الفتح 4 (1987) . ومسلم (783) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 3 (1135) واللفظ له. ومسلم (772) . (3) يحجره: أي يتخذه حجرة. (4) فثابوا: أي اجتمعوا. وقيل: رجعوا للصلاة. (5) ما تطيقون: أي تطيقون الدوام عليه، بلا ضرر. (6) ما دووم عليه: فيه الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثيره المتقطع. (7) أثبتوه: أي لازموه وداوموا عليه. (8) مسلم (782) ، وهو عند البخاري بغير هذا اللفظ (6464) . (9) شد مئزره: أي استعد للعبادة وشمر لها، وقيل: اعتزل النساء. (10) أحيا ليله: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر. (11) البخاري- الفتح 4 (2024) واللفظ له. ومسلم (1174) . (12) البخاري- الفتح 3 (1120) واللفظ له ومسلم (2769) . (13) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (3/ 847) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2785 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي، قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به. فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر. فطفق أبو بكر يعبد ربّه في داره، ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرّين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا أن تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بمكّة- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد أريت دار هجرتكم رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين- وهما الحرّتان- فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهّز أبو بكر مهاجرا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» ، قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر) * «1» . 3- * (سئلت عائشة- رضي الله عنها- عن   (1) البخاري- الفتح 4 (2297) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم عند هجرته بصحبة أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- «على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لى» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2786 الهجرة. فقالت: «لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله- تعالى- وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأمّا اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربّه حيث شاء، ولكن جهاد ونيّة» ) * «1» 4- * (كان عليّ بن الحسين إذا توضّأ اصفرّ وتغيّر، فيقال: مالك؟ فيقول: «أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟» ) * «2» . 5- * (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: «كان عبد الله بن مسعود، إذا هدأت العيون، قام فسمعت له دويّا كدويّ النّحل» ) * «3» . 6- * (عن وهب بن منبّه، قال: «ما عبد الله بمثل الخوف» ) * «4» . 7- * (قال أبو البختريّ- رحمه الله-: «لوددت أنّ الله تعالى يطاع وأنّي عبد مملوك» ) * «5» . 8- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله- كلّما ازداد العبد تحقيقا للعبوديّة ازداد كماله، وعلت درجته، ومن توهّم أنّ المخلوق يخرج من العبوديّة بوجه من الوجوه، أو أنّ الخروج عنها أكمل، فهو من أجهل الخلق بل من أضلّهم) * «6» . 9- * (وقال- رحمه الله-: «التّوحيد الّذي جاءت به الرّسل إنّما يتضمّن إثبات الإلهيّة لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلّا الله: لا يعبد إلّا إيّاه، ولا يتوكّل إلّا عليه، ولا يوالي إلّا له، ولا يعادي إلّا فيه، ولا يعمل إلّا لأجله» ) * «7» . 10- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: فعبادة الرّحمن غاية حبّه ... مع ذلّ عابده هما قطبان وعليهما فلك العبادة دائر ... ما دار حتّى قامت القطبان ) * «8» . 11- * (وقال رحمه الله: حقّ الإله عبادة بالأمر لا ... بهوى النّفوس فذاك للشّيطان من غير إشراك به شيئا هما ... سببا النّجاة فحبّذا السّببان لم ينج من غضب الإله وناره ... إلّا الّذي قامت به الأصلان والنّاس بعد فمشرك بإلهه ... أو ذو ابتداع أو له الوصفان ) * «9» . 12- * (وقال أيضا- رحمه الله-: أما والّذي حجّ المحبّون بيته ... ولبّوا له عند المهلّ وأحرموا   (1) البخاري- الفتح 7 (3900) واللفظ له. ومسلم (1864) (2) مختصر منهاج القاصدين للمقدسي (314) . (3) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (1/ 391) . (4) التخويف من النار لابن رجب (7) . (5) الزهد لابن المبارك (69) . (6) العبودية، لابن تيمية (34) . (7) فتح المجيد (15) . (8) الدر النضيد للشيخ سليمان الحمدان (9) . (9) قرة عيون الموحدين (22) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2787 وقد كشفوا تلك الرّؤوس تواضعا ... لعزّة من تعنوا الوجوه وتسلم يهلّون بالبيداء لبّيك ربّنا ... لك الملك والحمد الّذي أنت تعلم دعاهم فلبّوه رضا ومحبّة ... فلمّا دعوه كان أقرب منهم تراهم على الأنضاء شعثا رؤوسهم ... وغبرا وهم فيها أسرّ وأنعم ) * «1» 13- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «العبادة مدارها على خمس عشرة قاعدة. من كمّلها كمّل مراتب العبوديّة. وبيان ذلك: أنّ العبادة منقسمة على القلب واللّسان والجوارح. والأحكام الّتي للعبوديّة خمسة: واجب، ومستحبّ، وحرام، ومكروه، ومباح. وهنّ لكلّ واحد من القلب واللّسان والجوارح» ) * «2» . 14- * (قال ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله-: «إنّ الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلّة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدّة عذابه ودار عقابه الّتي أعدّها لمن عصاه ليتّقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرّر سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النّار وما أعدّه فيها لأعدائه من العذاب والنّكال، وما احتوت عليه من الزّقّوم والضّريع والحميم والسّلاسل والأغلال، إلى غير ذلك ممّا فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه، والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبّه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه، فمن تأمّل الكتاب الكريم وأدار فكره فيه وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك السّنة الصّحيحة الّتي هي مفسّرة ومبيّنة لمعاني الكتاب، وكذلك سير السّلف الصّالح أهل العلم والإيمان من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، من تأمّلها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات، وأنّ ذلك هو الّذي رقّاهم إلى تلك الأحوال الشّريفة والمقامات السّنيّات، من شدّة الاجتهاد في الطّاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال والمكروهات فضلا عن المحرّمات» ) * «3» .   (1) ميمية ابن القيم (5) . (2) فتح المجيد (18) . (3) التخويف من النار، لابن رجب (6/ 7) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2788 من فوائد (العبادة) 1- تفيد رفعة المكان والمكانة. 2- فيها عظم الثّواب، ورضا ربّ الأرباب. 3- هي دليل اليقين، وعلامة الدّين. 4- ثوابها سكن الجنّة وهي أعظم منّة. 5- دليل التّوكّل، وعلامة التّعقّل. 6- علامة التّوفيق من الله. 7- الملائكة تحفّ العابد بأجنحتها وتحفظه. 8- تتكاثر حوله الرّحمات، وهي أعظم الهبات. 9- صورة لشكر العبد المنعم عليه، وعلامة رضاه عن النّعم. 10- حسن العبادة يثمر حسن الظّنّ بالله تعالى. 11- التّوفيق في سؤال القبر. 12- تثمر الصّبر، والصّبر يثمر حسن العوض. 13- تثمر حبّ النّاس ممّا يثمر حسن الذّكر وحسن الثّواب بالأثر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2789 العدل والمساواة أولا: العدل العدل لغة: مصدر عدل يعدل عدلا وهو مأخوذ من مادّة (ع د ل) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على معنيين متقابلين: أحدهما يدلّ على الاستواء، والآخر على اعوجاج، ويرجع لفظ العدل هنا إلى المعنى الأوّل، وإذا كان العدل مصدرا فمعناه: خلاف الجور وهو ما قام في النّفوس أنّه مستقيم، وقد يستعمل هذا المصدر استعمال الصّفات، فيقال: رجل عدل، والعدل من النّاس المرضيّ المستقيم الطّريقة، ويستوي في هذا الوصف المفرد والمثنّى والجمع والمذكّر والمؤنّث. يقال: رجل عدل، ورجلان عدل ورجال عدل، وامرأة عدل، كلّ ذلك على معنى: ذو عدل، أو ذوو عدل، أو ذوات عدل. فإن رأيته مثنّى أو مجموعا أو مؤنّثا فعلى أنّه قد أجري مجرى الوصف الّذي ليس بمصدر كما في قولهم: قوم عدل وعدول أيضا، وحكى ابن جنّي: امرأة عدلة: ومعنى قولهم رجل عدل، بيّن العدل والعدالة أي أنّه رضا ومقنع في الشّهادة. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 27/ 53/ 26 ويرادف العدل (في معناه المصدريّ) العدالة والعدولة والمعدلة والمعدلة يقال: بسط الوالي عدله ومعدلته ومعدلته بمعنى، وفلان من أهل المعدلة أي من أهل العدل، وتعديل الشّهود أن تقول إنّهم عدول، والعدل والعدل والعديل سواء أي النّظير والمثيل، وقيل هو المثل وليس بالنّظير عينه وفي التّنزيل أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (المائدة/ 95) ، والعدل بالفتح أصله مصدر قولك: عدلت بهذا عدلا تجعله اسما للمثل، لتفرّق بينه وبين عدل المتاع، وقال الرّاغب: العدل والعدل يتقاربان، لكنّ العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، والعدل والعديل فيما يدرك بالحاسّة كالموزونات والمعدودات والمكيلات، وقد فرّق سيبويه بين العدل والعديل فقال: العديل من عادلك من النّاس، والعدل لا يكون إلّا للمتاع خاصّد. والعدل (أيضا) الحكم بالحقّ، وفي قول الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (الطلاق/ 2) قال سعيد بن المسيّب: ذوي عقل، وقال إبراهيم (النّخعيّ) : العدل الّذي لم تظهر منه ريبة (ومن معاني) العدل أن تعدل الشّيء عن وجهه أي تصرفه عنه «1» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 246) ، والصحاح (5/ 1760) ، ولسان العرب (5/ 2838) ، ومفردات الراغب (325) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2790 وفيما يتعلّق بالفعل المشتقّ من هذه المادّة؛ فإنّ معناه يختلف باختلاف التّجرّد والزّيادة من ناحية وباعتبار التّعدّي واللّزوم من ناحية ثانية وباعتبار حرف الجرّ المتعلّق به من ناحية ثالثة، ومن أمثلة ما أوردته كتب اللّغة من ذلك قولهم: عدل في الحكم: لم يجر فيه، وعدل عليه في القضيّة: أنصفه، وعدل عن الحقّ: جار، ويقال: فلان يعدل فلانا: يساويه، وما يعدلك عندنا شيء: أي لا يقع شيء موقعك، وعدلت فلانا بفلان: سوّيت بينهما، وعدل فلان: صار ذا عدل، وعدل بالله: أشرك، وعدل عن الشّيء: حاد عنه، وعدل إليه: رجع، وعدل الفحل عن الإبل: ترك الضّراب، ومن أمثلة الصّيغ المزيدة قولهم: عدّل الشّيء قوّمه والحكم أقامه، وعدّل الشّاهد: زكّاه، وعادل الشّيء، وازنه، وعادل الأمر ارتبك فيه، وتأتي عادل في معنى انعدل أي اعوجّ، أمّا اعتدل فيراد بها استقام، وقد يحتمل الفعل عدل أكثر من معنى كما في قوله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (النمل/ 60) يصحّ أن يكون على تقدير يعدلون به أي يشركون، ويصحّ أن يكون من قولهم: عدل عن الحقّ: جار «1» . «العدل» من أسماء الله- عز وجل-: ومن أسماء الله- تعالى- العدل. وهو الّذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وهو في الأصل مصدر سمّي به فوضع موضع (اسم الفاعل) العادل والمصدر أبلغ منه لأنّه جعل المسمّى نفسه عدلا «2» . ويقول الغزاليّ- رحمه الله-: من أراد أن يفهم وصف الله- عزّ وجلّ- بالعدل ينبغي له أن يحيط علما بأفعال الله- تعالى- من ملكوت السّماوات إلى منتهى الثّرى. حتّى إذا لم ير في خلق الرّحمن من تفاوت، ثمّ رجع إليه بصره فما رأى من فطور، ثمّ رجع مرّة أخرى فانقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير، وقد بهره جمال ما رأى، وحيّره اعتداله وانتظامه، فعند ذلك يعبق بفمه شيء من معاني عدله، تعالى وتقدّس. وقد خلق الله أقسام الموجودات، جسمانيّها وروحانيّها، كاملها وناقصها، وأعطى كلّ شيء خلقه، وهو بذلك جواد، ورتّبها في مواضعها اللّائقة بها وهو بذلك عدل، ولينظر الإنسان إلى بدنه فإنّه مركّب من أعضاء مختلفة، فقد ركّبه من العظم واللّحم والجلد، وجعل العظم عمادا مستبطنا، واللّحم صوانا له مكتنفا إيّاه، وكذلك جعل الجلد صوانا للّحم، فلو عكس هذا التّرتيب وأظهر ما أبطن لبطل النّظام واختلّ العدل، وعلى هذا ينبغي أن تعلم أنّه لم يخلق شيء في موضع إلّا لأنّه متعيّن له، ولو تيامن عنه أو تياسر أو تسفّل أو تعلّى، لكان ناقصا أو باطلا، أو قبيحا، أو خارجا عن المتناسب، كريها في المنظر، ألم تر أنّه مثلا لو خلق الأنف على غير وسط الوجه أو لو خلق على الجبهة أو على   (1) المفردات للراغب (324) (بتصرف يسير) ، وانظر هذه الأمثلة وغيرها في المراجع المذكورة فى التعليق السابق. (2) لسان العرب (5/ 2839) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2791 الخدّ لتطرّق النّقص إليه. ثمّ إنّ الإنسان لو ترقّى ونظر في ملكوت السّماوات والأرض وعجائبها لرأى ما يستحقر فيه عجائب بدنه، وكيف لا؟ وخلق السّماوات والأرض أكبر من خلق النّاس. هذا هو الطّريق لمعرفة هذا الاسم؛ لأنّ معرفة الأسامي المشتقّة من الأفعال لا تفهم إلّا بعد فهم الأفعال وأنت تعلم أنّ كلّ ما في الوجود من أفعال الله. فإذا كان الأمر كذلك فإنّ الواجب على العبد بعد إيمانه بأنّ الله عدل أنّه لا يعترض عليه في تدبيره وحكمه وسائر أفعاله، وافق مراده أم لم يوافق؛ لأنّ كلّ ذلك عدل، وتيقّنه أنّه لو لم يفعل- سبحانه وتعالى- ما فعله لحصل في الوجود أمر آخر هو أعظم ضررا ممّا حصل كما أنّ المريض لو لم يحتجم لتضرّر ضررا يزيد على ألم الحجامة «1» . العدل اصطلاحا: هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله- سبحانه وتعالى- وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم لا الحكم بالرّأي المجرّد «2» . وقيل: بذل الحقوق الواجبة وتسوية المستحقّين في حقوقهم «3» . وقال ابن حزم: هو أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه «4» . وقال الجرجانيّ: العدل الأمر المتوسّط بين الإفراط والتّفريط. والعدالة في الشّريعة: عبارة عن الاستقامة على طريق الحقّ بالاجتناب ممّا هو محظور دينا «5» . فضيلة العدل: قال الفيروز اباديّ- رحمه الله تعالى-: العدل: هو القسط على سواء، وعلى هذا روي: بالعدل قامت السّماوات والأرض، تنبيها على أنّه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما. أنواع العدل وأنحاؤه: والعدل ضربان: مطلق يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا، ولا يوصف بالاعتداء بوجه، نحو الإحسان إلى من أحسن إليك، وكفّ الأذى عمّن كفّ أذاه عنك. وعدل يعرف كونه عدلا بالشّرع. ويمكن أن يكون منسوخا في بعض الأزمنة، كالقصاص وأرش الجنايات، وأخذ مال المرتدّ، ولذلك قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (البقرة/ 194) ، وقال: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (الشورى/ 40) فسمّى ذلك سيّئة واعتداء. وهذا النّحو هو المعنيّ بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (النحل/ 90 مكية) . فإنّ العدل هو المساواة في   (1) بتصرف شديد من المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى (98- 101) . (2) فتح القدير (1/ 480) . (3) الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (253) . (4) مداواة النفوس (81) . (5) التعريفات للجرجاني (153) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2792 المكافأة إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشّرّ بأقلّ منه «1» . أقسام العدل وكيفية تحقيقها: قال الماورديّ: إنّ ممّا تصلح به حال الدّنيا قاعدة العدل الشّامل، الّذي يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطّاعة، وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبر معه النّسل، ويأمن به السّلطان. وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور؛ لأنّه ليس يقف على حدّ، ولا ينتهي إلى غاية، ولكلّ جزء منه قسط من الفساد حتّى يستكمل. ونقل عن بعض البلغاء قوله: إنّ العدل ميزان الله الّذي وضعه للخلق، ونصبه للحقّ فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه، واستعن على العدل بخلّتين: قلّة الطّمع، وكثرة الورع. فإذا كان العدل من إحدى قواعد الدّنيا الّتي لا انتظام لها إلّا به، ولا صلاح فيها إلّا معه، وجب أن يبدأ بعدل الإنسان في نفسه، ثمّ بعدله في غيره. فأمّا عدله في نفسه، فيكون بحملها على المصالح وكفّها عن القبائح، ثمّ بالوقوف في أحوالها على أعدل الأمرين: من تجاوز أو تقصير، فإنّ التّجاوز فيها جور، والتّقصير فيها ظلم، ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم، ومن جار عليها فهو على غيره أجور. فأمّا عدله مع غيره، فقد تنقسم حال الإنسان مع غيره على ثلاثة أقسام: القسم الأوّل: عدل الإنسان فيمن دونه، كالسّلطان في رعيّته، والرّئيس مع صحابته، فعدله فيهم يكون بأربعة أشياء: باتّباع الميسور، وحذف المعسور، وترك التّسلّط بالقوّة، وابتغاء الحقّ في السّيرة، فإنّ اتّباع الميسور أدوم، وحذف المعسور أسلم، وترك التّسلّط أعطف على المحبّة، وابتغاء الحقّ أبعث على النّصرة. القسم الثّاني: عدل الإنسان مع من فوقه. كالرّعيّة مع سلطانها، والصّحابة مع رئيسها، ويكون ذلك بثلاثة أشياء: بإخلاص الطّاعة، وبذل النّصرة، وصدق الولاء؛ فإنّ إخلاص الطّاعة أجمع للشّمل، وبذل النّصرة أدفع للوهن، وصدق الولاء أنفى لسوء الظّنّ. وهذه أمور إن لم تجتمع في المرء تسلّط عليه من كان يدفع عنه واضطرّ إلى اتّقاء من كان يقيه ... وفي استمرار هذا حلّ نظام شامل، وفساد صلاح شامل. القسم الثّالث: عدل الإنسان مع أكفائه، ويكون بثلاثة أشياء: بترك الاستطالة، ومجانبة الإدلال، وكفّ الأذى؛ لأنّ ترك الاستطالة آلف، ومجانبة الإدلال أعطف، وكفّ الأذى أنصف، وهذه أمور إن لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع الأعداء، ففسدوا وأفسدوا. وقد يتعلّق بهذه الطّبقات أمور خاصّة يكون العدل فيها بالتّوسّط في حالتي التّقصير والسّرف، لأنّ العدل مأخوذ من الاعتدال، فما جاوز الاعتدال فهو خروج عن العدل، وإذا كان الأمر كذلك فإنّ كلّ ما خرج عن الأولى إلى ما ليس بأولى خروج عن العدل   (1) بصائر ذوي التمييز (4/ 28- 30) بتصرف يسير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2793 إلى ما ليس بالعدل. ولست تجد فسادا إلّا وسبب نتيجته الخروج فيه عن حال العدل، إلى ما ليس بعدل من حالتي الزّيادة والنّقصان، وإذا لا شيء أنفع من العدل كما أنّه لا شيء أضرّ ممّا ليس بعدل «1» . عدالة الشهود وعلاقتها بالمروءة: قال بعض العلماء: والعدالة صفة توجب مراعاتها الاحتراز عمّا يخلّ بالمروءة عادة ظاهرا، فالمرّة الواحدة من صغائر الهفوات، وتحريف الكلام لا تخلّ بالمروءة ظاهرا لاحتمال الغلط والنّسيان والتّأويل، بخلاف ما إذا عرف منه ذلك وتكرّر، فيكون الظّاهر الإخلال، ويعتبر عرف كلّ شخص وما يعتاده من لبسه، وتعاطيه للبيع، والشّراء وحمل الأمتعة، وغير ذلك، فإذا فعل ما لا يليق به لغير ضرورة قدح وإلّا فلا «2» . ثانيا: المساواة: المساواة لغة: مصدر قولهم: ساواه يساويه إذا عادله، قال الرّاغب: المساواة هي المعادلة المعتبرة بالذّرع والوزن والكيل، يقال: هذا الثّوب مساو لذاك الثّوب، وهذا الدّرهم مساو لذلك الدّرهم، (وهذا التّمر مساو لهذا التّمر) «3» ، وقد يعتبر بالكيفيّة، ولاعتبار المعادلة الّتي فيه (أي في لفظ السّواء) استعمل استعمال العدل، وتسوية الشّيء (بالشّيء) جعلهما سواء، إمّا بالرّفعة وإمّا بالضّعة، والسّويّ: يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط من حيث القدر والكيفيّة «4» . وقال ابن منظور: سواء الشّيء مثله، وجمعه أسواء، قال الشّاعر: النّاس أسواء وشتّى في الشّيم ويقال أيضا: سيّ الشّيء- كما يقال عدّه وعديده أي مثله، وسوى (بالقصر) يكون بمعنيين: يكون بمعنى نفس الشّيء، وبمعنى غير، وقولهم: سواسية، وسواس وسواسوة، كلّها جمع سواء من غير لفظه، وهم سواسية إذا استووا في اللّؤم والخسّة والشّرّ «5» ، وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «النّاس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا» فالمعنى كما قال ابن الأثير: إنّهم يتساوون إذا رضوا بالنّقص وتركوا التّنافس في طلب الفضائل، وقد يكون ذلك خاصّا في الجهل، وذلك أنّ النّاس لا يتساوون في العلم، وإنّما في الجهل، وقيل أراد بالتّساوي: التحزّب والتّفرّق» «6» وقال ابن منظور: وأصل هذا التّساوي في الشّرّ لأنّ الخير إمّا يكون في   (1) أدب الدنيا والدين للماوردي (141- 144) بتصرف. (2) المصباح المنير (2/ 44- 45) ، وانظر لسان العرب (5/ 2838- 2839) . (3) أضفنا هذا المثال إلى ما ذكره الراغب حتى تكتمل أمثلة الذرع والوزن والكيل. (4) المفردات للراغب (باختصار وتصرف) ص 366- 367 (ت: محمد أبي الفضل) . (5) لسان العرب 14/ 410 (ط. بيروت) ، كذا قال ابن منظور نقلا عن أبي عمرو، ويبدو أن ذلك من باب التغليب، وإلا فما المانع من أن يكون الناس سواسية في الخير أيضا. (6) باختصار عن النهاية 2/ 427. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2794 النّادر من النّاس، فإذا استوى النّاس في الشّرّ ولم يكن فيهم ذو خير هلكوا «1» . وقال الفيروز اباديّ: يقال: استوى الشّيئان، وتساويا (تماثلا) وساوى أحدهما صاحبه، وساوى بين الشّيئين، وسوّى بينهما، وساويت هذا بهذا وسوّيته به «2» . وهما سيّان أي مثلان، ولا سيّما زيد أي لا مثيل زيد و «ما» زائدة «3» وفلان وفلان سواء أي متساويان «4» . لفظ سواء في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: ذكر أهل التّفسير أنّ «السّواء» في القرآن الكريم على خمسة أوجه: 1- المعادلة والمماثلة، ومنه قوله تعالى: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ... (الحج/ 25) . 2- العدل، ومنه قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (آل عمران/ 64) . 3- الوسط، ومنه قوله عزّ من قائل: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (الدخان/ 47) . 4- الأمر البيّن ومنه قوله عزّ وجلّ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ (الأنبياء/ 109) . 5- القصد، ومنه قوله تعالى وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (المائدة/ 77) «5» . المساواة اصطلاحا: تعني المساواة- في المجال الأخلاقيّ- أن يكون للمرء مثل ما لأخيه من الحقوق وعليه مثل ما عليه من الواجبات دون زيادة أو نقصان. قال ابن مسكويه «وأقلّ ما تكون المساواة بين اثنين، ولكنّها تكون في معاملة مشتركة بينهما في شيء ما أو أكثر» «6» . والمساواة قيمة لا تنقسم ولا يوجد لها أنواع، وهي أشرف نسب العلاقات بين الأشياء، لأنّها هي المثل بالحقيقة «7» » أي أنّها تجعل كلا طرفيها للآخر سواء بسواء. الفرق بين العدالة والمساواة: المساواة هي الغاية الّتي تسعى العدالة إلى تحقيقها، وهي الغاية المرجوّة منها، والعادل- في مجال الحكم- هو الحاكم بالسّويّة لأنّه يخلف صاحب الشّريعة في حفظ المساواة «8» ، ومن هنا فقد جاء في تعريف العدل أنّه القسط اللّازم للاستواء «9» (أي لتحقيق المساواة بين الطّرفين دون زيادة أو نقصان) ، وإذا كانت العدالة خلقا فإنّ المساواة قيمة وهدف. ولمّا كانت العدالة خلقا أو هيئة نفسانيّة تصدر عنها المساواة فقد اقترن الأمران وارتبطا ارتباطا وثيقا   (1) لسان العرب 14/ 409، وقد نقل هذا الرأي عن الأزهري وذكره أيضا الرازي في مختار الصحاح. انظر مختار الصحاح ص 324. (2) بصائر ذوي التمييز 3/ 284. (3) القاموس المحيط 1673 (ط. بيروت) ، وفي الأصل «وما» لغو والمراد ما أثبتناه وهي كونها زائدة لإفادة توكيد المثلية وقيل اسم موصول. (4) لسان العرب 14/ 411. (5) نزهة الأعين النواظر ص 361. (6) تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 105. (7) المرجع السابق، ص 93. (8) المرجع السابق، ص 98. (9) تهذيب الأخلاق للجاحظ، ص 28. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2795 لأنّ العادل من شأنه أن يساوي بين الأشياء الّتي هي غير متساوية، لمّا كان الأمر كذلك فإنّ كليهما قد يستعمل استعمال الآخر تسامحا «1» ، ولكنّهما غالبا ما يستعملان معا. من صور المساواة في الإسلام: للمساواة في الإسلام صور عديدة فصّلها الشّرع الحكيم، وأشرنا إلى بعضها في «تكريم الإنسان» «2» ، ومنها: - المساواة بين الرّجل والمرأة في أداء الواجبات الشّرعيّة والإثابة عليها. - المساواة بين الزّوجات في حقوق الزّوجيّة (في حالة التّعدّد) . - المساواة بين الأجناس والأعراق في التّمتّع بالحقوق المشروعة لكلّ منهم. - المساواة بين الأبناء في الهبة والوصيّة ونحوهما. - المساواة بين الخصوم في مجالس القضاء وفي سماع الحجّة منهم والقصاص من المعتدي أيّا كانت منزلته. - المساواة في حقّ الكرامة الإنسانيّة، فلا يؤذى أحد بسبب لونه أو جنسه أو مذهبه أو عقيدته. - المساواة في حقّ إبداء الرّأي من المسلم وغير المسلم قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (آل عمران/ 64) . - المساواة في حرمة الدّماء والأموال والأعراض. - المساواة في إيقاع الجزاء بكلّ من ينتهك حدّا من حدود الله، فلا يعفى أحد من العقوبة لشرفه أو قرابته من الحاكم فتلك الّتي أهلكت الأمم السّابقة، أمّا في الإسلام فلا أدلّ على المساواة الكاملة في هذه النّاحية من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها» «3» . - المساواة في نيل الجزاء في الدّنيا والثّواب في الآخرة لكلّ من يعمل عملا صالحا. - المساواة بين المسلمين في الحضور لأماكن العبادة كالمسجد الحرام وغيره. [للاستزادة: انظر صفات: الحكم بما أنزل الله- الاتباع- الإنصاف- القسط- المروءة- الإحسان- تكريم الإنسان- التناصر- المسئولية- السلم- المراقبة- الأمانة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحكم بغير ما أنزل الله- الظلم- انتهاك الحرمات- البغي- التطفيف- العدوان- الطغيان- اتباع الهوى- الحرب والمحاربة- العتو] .   (1) انظر مثلا قول ابن مسكويه «لا تخرج أفعال المراعي للشريعة عن سنن العدل أعني المساواة» انظر تهذيب الأخلاق، ص 107. (2) انظر صفة تكريم الإنسان ج 4 ص 1147 من هذه الموسوعة. (3) البخاري- الفتح 12/ (6788) ، ومسلم (1688) ، وانظر نص الحديث تامّا في صفة «السرقة» ج 10 ص 4630. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2796 الآيات الواردة في «العدل والمساواة» أولا: العدل: آيات العدل فيها عام: 1- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) «1» 2- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) «2» 3- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «3» 4- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «4» آيات العدل فيها في الشهادة 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «5»   (1) الأنعام: 114 مدنية، 115 مكية (2) النحل: 76 مكية (3) النحل: 90 مكية (4) الشورى: 15 مكية (5) البقرة: 282 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2797 6- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «1» 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «2» 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) «3» 9- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) «4» . آيات العدل فيها في الحكم: 10- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «5» . 11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) «6» 12- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)   (1) النساء: 135 مدنية (2) المائدة: 8 مدنية (3) المائدة: 106 مدنية (4) الطلاق: 1- 2 مدنية (5) النساء: 58 مدنية (6) المائدة: 95 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2798 وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) «1» 13- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) «2» ثانيا: المساواة: أ- بين المسلمين وغيرهم: 14- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «3» 15- وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) «4» 16- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) «5» 17- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «6» آيات العدل فيها فيمن تحت الولاية من اليتامى والنساء: 18- وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) «7» 19- وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) «8»   (1) الأنعام: 151- 152 مدنية (2) الحجرات: 9 مدنية (3) آل عمران: 64 مدنية (4) الأنفال: 58 مدنية (5) الأنبياء: 109 مكية (6) الحجرات: 13 مدنية (7) النساء: 3 مدنية (8) النساء: 129 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2799 ب- بين الرجل والمرأة (ثوابا وعقابا) : 20- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «1» 21- وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «2» . 22- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) «3» 23- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97) «4» 24- الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) «5» 25- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «6» 26- وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) «7» 27- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «8» وانظر صفة (القسط)   (1) آل عمران: 195 مدنية (2) النساء: 124 مدنية (3) التوبة: 71- 72 مدنية (4) النحل: 97 مكية (5) النور: 2 مدنية (6) الأحزاب: 35 مدنية (7) الأحزاب: 58 مدنية (8) غافر: 40 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2800 الأحاديث الواردة في (العدل) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فإنّ الله- عزّ وجلّ- محسن يحبّ المحسنين» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرّحمن- عزّ وجلّ- وكلتا يديه يمين، الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» ) * «2» . 3- * (عن عامر قال: سمعت النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطيّة، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتّى يشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطيّة، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟» . قال: لا، قال «فاتّقوا الله واعدلوا بين أولادكم» قال: فرجع فردّ عطيّته) * «3» . 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحبّ النّاس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلسا: إمام عادل، وأبغض النّاس إلى الله، وأبعدهم منه مجلسا: إمام جائر» ) * «4» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة. فإذا أوصى حاف في وصيّته فيختم له بشرّ عمله، فيدخل النّار، وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الشّرّ سبعين سنة. فيعدل في وصيّته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنّة» قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ... إلى قوله: عَذابٌ مُهِينٌ (النساء/ 13- 14) * «5» . 6- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة، وما هي؟» . فناديت بأعلى صوتي ثلاث   (1) مجمع الزوائد (5/ 197) واللفظ له وقال: رواه الطبرانى في الأوسط ورجاله ثقات. وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 194) وقال: حسن وكذلك في الصحيحة برقم (469) . (2) مسلم (1827) واللفظ له. والنسائي (8/ 221، 222) وقال الألباني في صحيحه: صحيح، حديث رقم (4972) . (3) البخاري- الفتح 5 (2587) . (4) الترمذي (1329) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب وذكره في المشكاة وعزاه للترمذي ونقل كلامه (2/ 1094) ، وذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 65) وعزاه لمسند الإمام أحمد. وهو فيه بلفط قريب (3/ 22، 55) . وقد حسنه السيوطي في الجامع الصغير (2174) ، ونقل المناوي عن ابن القطان قوله: الحديث حسن.. (فيض القدير 2/ 411) . (5) أبو داود (2867) والترمذي (2117) وقال: حسن صحيح غريب وابن ماجة (2704) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2801 مرّات: وما هي يا رسول الله؟ قال: «أوّلها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلّا من عدل، وكيف يعدل مع قرابته؟» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لي على قريش حقّا، وإنّ لقريش عليكم حقّا ما حكموا فعدلوا، وائتمنوا فأدّوا، واسترحموا فرحموا» ) * «2» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» ) * «3» . 9- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكارهنا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم) * «4» . 10- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسّم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل: اعدل. قال: «لقد شقيت إن لم أعدل» ) * «5» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث كفّارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات. فأمّا الكفّارات: فإسباغ الوضوء في السبرات «6» ، وانتظار الصّلوات بعد الصّلوات، ونقل الأقدام إلى الجماعات. وأمّا الدّرجات: فإطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام. وأمّا المنجيات: فالعدل في الغضب والرّضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السّر والعلانية. وأمّا المهلكات: فشحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «7» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم، الإمام العادل، والصّائم حتّى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السّماء ويقول: بعزّتي، لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «8» .   (1) مجمع الزوائد (5/ 200) واللفظ له، وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط باختصار ورجال الكبير رجال الصحيح وهو عند البزار (2/ 236) حديث (1597) . (2) المسند (2/ 270) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: صحيح (14/ 72) وهو في المجمع (5/ 192) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. (3) الترمذى (2174) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب وأبو داود (4344) وذكره المنذرى في المختصر وأشار إلى تحسين الترمذي (6/ 191) . وابن ماجة (4011) وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 806) حديث (491) . (4) النسائي (7/ 139) واللفظ له، وصحيح النسائي للألباني (3872) ، وابن ماجة (2866) بلفظ «وعلى أن نقول بالحق» بدل العدل. (5) البخاري- الفتح 6 (3138) واللفظ له، ومسلم (1063) . (6) السبرات: جمع سبرة وهي شدة البرد. (7) كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 59، 60) : (80) ومجمع الزوائد (1/ 91) واللفظ له، وعزاه كذلك للطبراني في الأوسط وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 67) : (3041) وقال: حسن من حديث ابن عمر وهو في الصحيحة (4/ 412) : (1802) فانظره هناك. (8) الترمذي (3598) وقال: حديث حسن. وأحمد بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (15/ 187) (8030) وقال: صحيح، وهو أطول من هذا. وابن ماجة (1752) واللفظ له. وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله على شرط البخاري إلا إسحاق بن عبيد الله بن الحارث وهو ثقة، وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 219) وعزاه لأحمد في مسنده وسنن الترمذي والنسائى وابن ماجة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2802 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبعة يظلّهم الله- تعالى- في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عدل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «1» . 14- * (عن حسين بن الحارث الجدليّ، من جديلة قيس، أنّ أمير مكّة خطب ثمّ قال: عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ننسك للرّؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، قال أبو مالك الأشجعيّ: فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكّة؟ قال: لا أدري ثمّ لقيني بعد، فقال: هو الحارث بن حاطب أخو محمّد بن حاطب. ثمّ قال الأمير: إنّ فيكم من هو أعلم بالله ورسوله منّي وشهد هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأومأ بيده إلى رجل، فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الّذي أومأ إليه الأمير، قال: هذا عبد الله بن عمر، وصدق، وكان أعلم بالله منه، فقال: بذلك أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة، «3» كلّ يوم تطلع فيه الشّمس يعدل بين النّاس صدقة» ) * «4» . 16- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم حنين آثر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أناسا في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فاثرهم يومئذ في القسمة. قال رجل: والله إنّ هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله، فقلت: والله لأخبرنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته فأخبرته. فقال: «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى. فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ) * «5» . 17- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلا منّي أو من أهل بيتي، يواطأ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما   (1) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) . (2) أبو داود (2338) واللفظ له. قال المنذري: قال الدارقطني: هذا إسناد متصل صحيح، ومختصر سنن أبي داود (3/ 226) . والمسند الجامع (5/ 28) . وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 274) : إسناده صحيح. (3) قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (6/ 132) : المعنى على كل مسلم مكلّف بعدد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى على سبيل الشكر له بأن جعل عظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط وخصت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنائع التي اختص بها الآدمي. (4) البخاري- الفتح 5 (2707) واللفظ له، ومسلم (1009) بأطول من هذا وفيه «وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها الى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة» . (5) البخاري- الفتح 6 (3150) واللفظ له، ومسلم (1062) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2803 وجورا» ) * «1» . 18- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن، فقال: اللهمّ إنّي عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إلّا أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا» . قال فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلّمه؟. فقال: «بلى، ينبغي لمن سمعه أن يتعلّمه» ) * «2» . 19- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصاب حدّا فعجّل الله عقوبته في الدّنيا فالله أعدل من أن يثنّي على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدّا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه» ) * «3» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه، ويتّقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره؛ فإنّ عليه منه» ) * «4» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله، لينزلنّ ابن مريم حكما عدلا. فليكسرنّ الصّليب، وليقتلنّ الخنزير. وليضعنّ الجزية. ولتتركنّ القلاص «5» فلا يسعى عليها. ولتذهبنّ الشّحناء والتّباغض والتّحاسد، وليدعونّ إلى المال فلا يقبله أحد» ) * «6» . 22- * (عن إبراهيم بن عبد الرّحمن العذريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» ) * «7» .   (1) الترمذي (2230) وقال: حسن صحيح، وأبو داود- (4282) وهذا لفظه، وذكره الألباني في صحيح الجامع (3/ 70- 71) رقم (5180) وقال: صحيح. (2) أحمد في المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (5/ 3712- 3713) واللفظ له. وقال: إسناده صحيح، وذكره الألباني في صحيح الكلم الطيب (74) حديث (123) وقال: صحيح، والحاكم (1/ 509- 510) وقال: صحيح على شرط مسلم وعزاه ابن تيمية في الأصل إلى أحمد وابن حبان. (3) الترمذي (2626) ، وقال: حسن غريب صحيح، هذا قول أهل العلم، لا نعلم أحدا كفر أحدا بالزنا أو السرقة أو شرب الخمر. وابن ماجه (2604) ، وصححه الحاكم وأقره الذهبي في مواضع من المستدرك (1/ 7، 4/ 445، 4/ 262، 388، وذكره البيهقي أيضا في (8/ 328) . (4) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له، ومسلم (1841) . (5) القلاص: جمع قلوص، وهي من أشرف الإبل. (6) البخاري- الفتح 6 (3448) ومسلم (155) واللفظ له. (7) رواه البيهقي في «المدخل» إلا أن الحديث مرسل لأن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري تابعي لا صحابي وفي وصلته كلام: ينظر هامش الحديث رقم (248) من مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني (1/ 82- 83) . وشرف أصحاب الحديث للبغدادي (29) حديث رقم (55، 56) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2804 الأحاديث الواردة في (العدل) معنى 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار «1» في عقاره جرّة «2» فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي، إنّما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذّهب. فقال الّذي شرى الأرض «3» ، إنّما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد، فقال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدّقا» ) * «4» . 24- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن فقلت: تبعثني إلى قوم ذوي أسنان، وأنا حديث السّنّ. قال: «إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لأحدهما حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل» قال عليّ: فما زلت قاضيا) * «5» . 25- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «6» في الغزو، أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي، وأنا منهم» ) * «7» . 26- * (عن هانىء بن يزيد بن نهيك- رضي الله عنه- قال: إنّه لمّا وفد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع قومه سمعهم وهم يكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «إنّ الله هو الحكم، وإليه الحكم، فلم تكنّى أبا الحكم؟» فقال: إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحسن هذا! فمالك من الولد؟» قال: لي شريح وعبد الله. قال: «فمن أكبرهم. قال: شريح، قال: «فأنت أبو شريح» ) * «8» . 27- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا حلال، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «9» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك،   (1) العقار: الأرض وما يتصل بها. (2) الجرة: إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع ذكره فى المشكاة (1/ 82) رقم (248) وقال الألباني: صحيح. (3) شرى الأرض: أي باعها. (4) البخاري- الفتح 6 (3472) ، ومسلم (1721) واللفظ له. (5) الحاكم (4/ 93) . وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (6) أرملوا في الغزو: أي فني طعامهم. (7) البخاري- الفتح 5 (2486) ومسلم (2500) . (8) أبو داود (4955) واللفظ له وقال الألبانى فى صحيحه: صحيح، رقم (4980) والبيهقي في السنن (10/ 145) (9) اجتالتهم: استخفوهم فذهبوا بهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2805 وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «1» ، تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ، إذا يثلغوا رأسي «2» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك. وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «3» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير «4» الفحّاش» ) * «5» . 28- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا كلّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته، فالأمير الّذي على النّاس راع، وهو مسئول عن رعيّته، والرّجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيّده وهو مسئول عنه، ألا فكلّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته» ) * «6» . 29- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضيا، فقلت: يا رسول الله! ترسلني وأنا حديث السّنّ ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: «إنّ الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتّى تسمع من الآخركما سمعت من الأوّل، فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء» قال: فمازلت قاضيا، أو ما شككت في قضاء بعد» ) * «7» . 30- * (عن بريدة بن الحصيب- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنّة، واثنان في النّار، فأمّا الّذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به، ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم، فهو في النّار، ورجل قضى للنّاس على جهل، فهو في النّار» ) * «8» . 31- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ أناسا نزلوا على حكم سعد بن معاذ،   (1) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مرّ الزمان، فهو كناية عن الثبات، ولا يراد أن الماء لا يمحو ما كتب منه. (2) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (3) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. (4) الشنظير: السيء الخلق. (5) مسلم (2865) . (6) البخاري- الفتح 13 (7138) ومسلم (1829) واللفظ له. (7) أبو داود (3582) واللفظ له، وأحمد (1/ 111) وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند: صحيح، رقم (666) ، والحاكم (4/ 88) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال الألباني: صحيح، إرواء الغليل (8/ 226) رقم (2500) . (8) أبو داود (3573) واللفظ له. والحاكم (4/ 90) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال محقق جامع الأصول: حديث صحيح وعزاه كذلك للطبراني وأبي يعلى من حديث ابن عمر (10/ 167) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2806 فأرسل إليه، فجاء على حمار، فلمّا بلغ قريبا من المسجد، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى خيركم، أو سيّدكم» . فقال: «يا سعد، إنّ هؤلاء نزلوا على حكمك» . قال: فإنّي أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم. قال: «حكمت بحكم الله، أو بحكم الملك» ) * «1» . 32- * (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أمّرني قال: «الإمارة أمانة، وهي يوم القيامة خزي وندامة، إلّا من أمر بحقّ وأدّى بالحقّ عليه فيها» ) * «2» . 33- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك، إلّا أتى الله- عزّ وجلّ- مغلولا يوم القيامة، يده إلى عنقه، فكّه برّه، أو أوبقة إثمه، أوّلها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة» ) * «3» . 34- * (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقدّس الله أمّة لا يقضى فيها بالحقّ، ويأخذ الضّعيف حقّه من القويّ غير متعتع» ) * «4» . 35- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه-: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان» ) * «5» . 36- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟. فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد وأمّته. فيشهدون أنّه قد بلّغ، ويكون الرّسول عليكم شهيدا، فذلك قوله- جلّ ذكره- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً «6» لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة/ 143) » والوسط العدل) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 7 (3804) واللفظ له، ومسلم (1768) . (2) الحاكم (4/ 92) وقال الذهبي: صحيح. (3) أحمد (5/ 267) واللفظ له، وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني وفيه يزيد بن أبي مالك وثقه ابن حبان وغيره، وبقية رجاله ثقات (5/ 205) . (4) الطبراني الكبير (19/ 385) : (903) ، (19/ 387) : (908) ومجمع الزوائد (5/ 209) واللفظ له، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (5) البخاري- الفتح 13 (7158) واللفظ له، ومسلم (1717) . (6) الوسط: العدل. (7) البخاري- الفتح 8 (4487) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2807 الأحاديث الواردة في (المساواة) 37- * (عن أبي حسّان (الأعرج) أنّ عليّا كان يأمر بالأمر فيؤتى، فيقال: فعلنا كذا وكذا، فيقول: صدق الله ورسوله، فقال له الأشتر: إنّ هذا الّذي تقول: قد تفشّغ «1» في النّاس، أفشيء عهده إليك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال عليّ: ما عهد إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشيء خاصّة دون النّاس، إلّا شيء سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي، قال: فلم يزالوا به حتّى أخرج الصّحيفة فإذا فيها: من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين.. وإذا فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» «2» . 38- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّتهم المرأة المخزوميّة الّتي سرقت فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن يجترأ عليه إلّا أسامة حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟» ثمّ قام فخطب فقال: «يا أيّها النّاس، إنّما ضلّ من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق الشّريف تركوه، وإذا سرق الضّعيف فيهم أقاموا عليه الحدّ، وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها» ) * «3» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أذهب الله عنكم عبّيّة الجاهليّة «4» وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ، والنّاس بنو آدم، وآدم من تراب» ) * «5» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التّقوى هاهنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرّات) بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ) * «6» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) * «7» .   (1) تفشّغ: أي فشا وانتشر. (2) المسند 2/ 598، حديث رقم 959، قال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح. (3) البخاري- الفتح 12 (6788) ، واللفظ له. ومسلم (1688) . (4) عبية الجاهلية: المراد به الكبر. وقال ابن الأثير هي فعّولة أو فعّيلة، فإن كانت فعّولة فهي من التّعبية؛ لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية، خلاف من يسترسل على سجيته، وإن كانت فعّيلة فهي من عباب الماء وهو أوله وارتفاعه، وقيل: إن اللام قلبت ياء. النهاية 3/ 169. (5) أبو داود (5116) . والترمذي (3965) وحسنه الألباني (صحيح الترمذي: 3101) . (6) مسلم (2564) . (7) مسلم (2564) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2808 42- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت هذه الآية: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (المائدة/ 42) قال: كان بنو النّضير إذا قتلوا من بني قريظة أدّوا نصف الدّية، وإذا قتل بنو قريظة من بني النّضير أدّوا إليهم الدّية كاملة، فسوّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهم» ) * «1» . 43- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أنّ الخصمين يقعدان بين يدي الحكم» ) * «2» . 44- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- «أنّ أمّه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة، ثمّ بدا له، فقالت: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما وهبت لابني فأخذ أبي بيدي. وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ أمّ هذا، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الّذي وهبت لابنها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا بشير ألك ولد سوى هذا؟» قال: نعم. فقال: «أكلّهم وهبت له مثل هذا؟ «قال: لا. قال «فلا تشهدني إذا، فإنّي لا أشهد على جور» ) * «3» . 45- * (عن النّعمان بن بشير، قال: انطلق به أبوه يحمله إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: اشهد أنّي قد نحلت النّعمان من مالي كذا وكذا. قال، «فكلّ بنيك نحلت مثل الّذي نحلت النّعمان؟ «قال: لا. قال: فأشهد على هذا غيري» قال: أليس يسرّك أن يكونوا لك في البرّ سواء؟ قال: بلى. قال «فلا إذا» ) * «4» . 46- * (عن ابن عبّاس، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم، ويردّ على أقصاهم» ) * «5» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العدل والمساواة) 47- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: يا ابن أختي (لعروة بن الزّبير) كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يفضّل بعضنا على بعض في القسم، من مكثه عندنا، وكان قلّ يوم إلّا وهو يطوف علينا جميعا، فيدنو من كلّ امرأة من غير مسيس حتّى يبلغ إلى الّتي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنّت، وفرقت أن يفارقها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها قالت: تقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها- أراه قال- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ... (النساء/ 128) » ) * «6» . 48- * (عن عائشة- رضي الله عنها-   (1) أبو داود 3 (3591) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3062) : حسن صحيح الإسناد، وهو في النسائي برقم (4733) ، وذكره الألباني في صحيحه أيضا. (2) أبو داود 3 (3588) . (3) مسلم (1623) . (4) البخاري- الفتح 5 (2650) ، والنسائي (4411) . (5) سنن ابن ماجه 2 (2683) . (6) أبو داود (2135) واللفظ له، وقال محققا زاد المعاد: سنده حسن «زاد المعاد» (5/ 150) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2809 قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسم فيعدل، ويقول: «اللهمّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» يعني القلب) *) * «1» . 49- * (عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرّحمن عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين تزوّج أمّ سلمة- رضي الله عنها- قال لها: «ليس بك على أهلك هوان. إن شئت سبّعت عندك. وإن شئت ثلّثت، ثمّ درت» قالت: ثلّث» ) * «2» . 50- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته «3» من بعض فأقضي له على نحو ممّا أسمع منه، فمن قطعت له من حقّ أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنّما أقطع له به قطعة من النّار» ) * «4» . 51- * (عن سويد بن قيس، قال: جلبت أنا ومخرفة العبد بزّا من هجر، فأتينا به مكّة، فجاءنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فساومنا سراويل وعندنا وزّان يزن بالأجر، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا وزّان، زن وأرجح» ) * «5» . 52- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة، فخرجتا معه جميعا. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان باللّيل سار مع عائشة يتحدّث معها، فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين اللّيلة بعيري، وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر؟ قالت: بلى. فركبت عائشة على بعير حفصة، وركبت حفصة على بعير عائشة. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جمل عائشة، وعليه حفصة، فسلّم ثمّ سار معها حتّى نزلوا فافتقدته عائشة فغارت. فلمّا نزلوا جعلت تجعل رجلها بين الإذخر «6» وتقول: يا ربّ سلّط عليّ عقربا أو حيّة تلدغني، رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئا) * «7» . 53- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمّهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمّها، وجعل فيها الطّعام وقال: «كلوا» وحبس الرّسول والقصعة حتّى فرغوا، فدفع القصعة الصّحيحة، وحبس المكسورة) * «8» .   (1) أبو داود (2134) واللفظ له، والترمذي (1140) والنسائي (7/ 64) وابن ماجة (1971) والبيهقي (7/ 298) وأحمد (6/ 144) موصولا، والحاكم (2/ 187) ، وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وابن حبان فى صحيحه كما في الإحسان (6/ 203) وقال محققا زاد المعاد: إسناد ابن ماجة قوي (5/ 149) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 514) : وهو حديث صحيح. (2) مسلم (1460) . (3) ألحن بحجته (أبلغ وأعلم بحجته) . (4) البخاري- الفتح 5 (2680) مسلم (1713) واللفظ له. (5) الترمذي (1305) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (3336) والنسائي (7/ 284) وقال الشيخ الألباني في صحيحه: صحيح (4279) : (2/ 951) وابن ماجة (2220) واللفظ له. (6) الإذخر: حشيش طيب الريح. (7) البخاري- الفتح 9 (5211) ومسلم (2445) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 5 (2481) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2810 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العدل والمساواة) 1- * (قدم على عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- رجل من أهل العراق فقال: لقد جئتك لأمر ماله رأس ولا ذنب، فقال عمر- رضي الله عنه-: «ما هو؟» . قال: شهادات الزّور ظهرت بأرضنا. فقال عمر: «أو قد كان ذلك؟» . قال: نعم. فقال عمر: «والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول» ) * «1» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «إنّ الله إنّما ضرب لكم الأمثال، وصرّف لكم القول لتحيا القلوب، فإنّ القلوب ميّتة في صدورها حتّى يحييها الله، من علم شيئا فلينفع به، إنّ للعدل أمارات وتباشير، فأمّا الأمارات فالحياء والسّخاء والهين واللّين. وأمّا التّباشير فالرّحمة. وقد جعل الله لكلّ أمر بابا، ويسّر لكلّ باب مفتاحا، فباب العدل الاعتبار، ومفتاحه الزّهد، والاعتبار ذكر الموت والاستعداد بتقديم الأموال. والزّهد أخذ الحقّ من كلّ أحد قبله حقّ، والاكتفاء بما يكفيه من الكفاف فإن لم يكفه الكفاف لم يغنه شيء ... » ) * «2» . 3- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: أنّه خطب يوم الجمعة فذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وذكر أبا بكر. قال: «إنّي رأيت كأنّ ديكا نقرني ثلاث نقرات، وإنّي لا أراه إلّا حضور أجلي، وإنّ أقواما يأمرونني أن أستخلف، وإنّ الله لم يكن ليضيّع دينه ولا خلافته، ولا الّذي بعث به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء السّتّة، الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، وإنّي قد علمت أنّ أقواما يطعنون في هذا الأمر. أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام. فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضّلّال. ثمّ إنّي لا أدع بعدي شيئا أهمّ عندي من الكلالة. ما راجعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شيء، ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه. حتّى طعن بأصبعه في صدري» ، فقال: «يا عمر، ألا تكفيك آية الصّيف الّتي في آخر سورة النّساء» وهي قوله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (النساء/ 176) ؟ وإنّي إن أعش أقض فيها بقضيّة يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن. ثمّ قال: «اللهمّ إنّي أشهدك على أمراء الأمصار. وإنّي بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلّموا النّاس دينهم، وسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم ويقسموا فيهم فيئهم، ويرفعوا إليّ ما أشكل عليهم من أمرهم، ثمّ إنّكم أيّها النّاس تأكلون شجرتين لا أراهما إلّا خبيثتين. هذا البصل والثّوم، لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا وجد ريحهما من الرّجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع. فمن أكلهما فليمتهما طبخا» ) * «3» . 4- * (كتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ   (1) الموطأ (2/ 199) . (2) البداية والنهاية لابن كثير (7/ 37) . (3) البداية والنهاية لابن كثير (7/ 37) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2811 - رضي الله عنهما- أنّ القضاء فريضة محكمة، وسنّة متّبعة، فافهم إذا أدلي إليك فإنّه لا ينفع تكلّم حقّ لا نفاذ له، وآس بين النّاس في وجهك ومجلسك وقضائك حتّى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر. والصّلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا، ومن ادّعى حقّا غائبا، أو بيّنة فاضرب له أمدا ينتهي إليه؛ فإن جاء ببيّنة أعطيته بحقّه فإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضيّة؛ فإنّ ذلك أبلغ في العذر، وأجلى للعمى، ولا يمنعك من قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه لرأيك، وهديت فيه لرشدك، أن تراجع الحقّ؛ لأنّ الحقّ قديم لا يبطل الحقّ شيء، ومراجعة الحقّ خير من التّمادي في الباطل، والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشّهادة إلّا مجلود في حدّ، أو مجرّب عليه شهادة الزّور، أو ظنين في ولاء أو قرابة، فإنّ الله- عزّ وجلّ- تولّى من العباد السّرائر وستر عليهم الحدود إلّا بالبيّنات والأيمان، ثمّ الفهم الفهم فيما أدلي إليك ممّا ليس في قرآن ولا سنّة، ثمّ قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال والأشباه، ثمّ اعمد إلى أحبّها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحقّ، وإيّاك والغضب والقلق والضّجر والتّأذّي بالنّاس عند الخصومة والتّنكّر؛ فإنّ القضاء في مواطن الحقّ يوجب الله له الأجر، ويحسن به الذّخر، فمن خلصت نيّته في الحقّ ولو كان على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين النّاس، ومن تزيّن لهم بما ليس في قلبه شانه الله، فإنّ الله- تبارك وتعالى- لا يقبل من العباد إلّا ما كان له خالصا، وما ظنّك بثواب من عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته) * «1» . 5- * (عن خرشة بن الحرّ قال: شهد رجل عند عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- بشهادة فقال له: لست أعرفك، ولا يضرّك أن لا أعرفك، إئت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، قال: بأيّ شىء تعرفه؟. قال: بالعدالة والفضل. فقال: فهو جارك الأدنى الّذي تعرفه ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال: فمعاملك بالدّيا نار والدّرهم اللّذين بهما يستدلّ على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقك في السّفر الّذي يستدلّ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: لست تعرفه، ثمّ قال للرّجل: إئت بمن يعرفك» ) * «2» . 6- * (عن عمرو بن ميمون قال: «رأيت عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة. ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حمّلتما الأرض ما لا تطيق؟ قال: حمّلناها أمرا هي له مطيقة. ما فيها كبير فضل قال: انظرا أن تكونا حمّلتما الأرض ما لا تطيق. قالا: لا. فقال عمر: لئن سلّمني الله لأدعنّ أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا. قال: فما أتت عليه إلّا رابعة حتّى أصيب. قال:   (1) السنن الكبرى للبيهقي (10/ 253) . (2) سنن البيهقي (10/ 125- 126) .. وذكره الألباني في الإرواء (8/ 260) برقم (2637) وقال: صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2812 إنّي لقائم، ما بيني وبينه إلّا عبد الله بن عبّاس غداة أصيب- وكان إذا مرّ بين الصّفّين قال: استووا، حتّى إذا لم ير فيهم خللا تقدّم فكبّر، وربّما قرأ سورة يوسف أو النّحل أو نحو ذلك في الرّكعة الأولى حتّى يجتمع النّاس- فما هو إلّا أن كبّر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني- الكلب، حين طعنه، فطار العلج «1» بسكّين ذات طرفين، لا يمرّ على أحد يمينا ولا شمالا إلّا طعنه، حتّى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة فلمّا رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلمّا ظنّ العلج أنّه مأخوذ نحر نفسه. وتناول عمر يد عبد الرّحمن بن عوف فقدّمه، فمن يلي عمر فقد رأى الّذي أرى وأمّا نواحي المسجد فإنّهم لا يدرون غير أنّهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله. فصلّى بهم عبد الرّحمن بن عوف صلاة خفيفة، فلمّا انصرفوا قال: يا ابن عبّاس، انظر من قتلني. فجال ساعة ثمّ جاء فقال: غلام المغيرة قال: الصّنع «2» ؟ قال: نعم قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفا، الحمد لله الّذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدّعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العبّاس أكثرهم رقيقا. فقال: إن شئت فعلت- أي إن شئت قتلنا. قال: كذبت، بعد ما تكلّموا بلسانكم، وصلّوا قبلتكم، وحجّوا حجّكم؟ فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأنّ النّاس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ: فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول أخاف عليه. فأتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه. ثمّ أتي بلبن فشربه، فخرج من جرحه، فعلموا أنّه ميّت، فدخلنا عليه، وجاء النّاس فجعلوا يثنون عليه. وجاء رجل شابّ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ ولّيت فعدلت، ثمّ شهادة. قال: وددت أنّ ذلك كفاف لا عليّ ولا لي. فلمّا أدبر إذا إزاره يمسّ الأرض، قال: ردّوا عليّ الغلام. قال: يا ابن أخي، ارفع ثوبك، فإنّه أنقى لثوبك، وأتقى لربّك، يا عبد الله بن عمر، انظر ما عليّ من الدّين، فحسبوه فوجدوه ستّة وثمانين ألفا أو نحوه. قال: إن وفى له مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلّا فسل في بني عديّ بن كعب؛ فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عنّي هذا المال. انطلق إلى عائشة أمّ المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السّلام- ولا تقل أمير المؤمنين، فإنّي لست اليوم للمؤمنين أميرا- وقل: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه فسلّم واستأذن، ثمّ دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطّاب السّلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: كنت أريده لنفسي. ولأوثرنّه به اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء. قال: ارفعوني. فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ قال: الّذي تحبّ يا أمير المؤمنين، أذنت. قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهمّ إليّ من ذلك، فإذا أنا قضيت   (1) العلج: الرجل من كفار العجم، والجمع علوج. (2) رجل صنع وامرأة صناع: إذا كان لهما صنعة يعملانها بأيديهما ويكسبان بها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2813 فاحملوني، ثمّ سلّم فقل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين. وجاءت أمّ المؤمنين حفصة والنّساء تسير معها، فلمّا رأيناها قمنا، فولجت عليه فبكت عنده ساعة، واستأذن الرّجال، فولجت داخلا لهم، فسمعنا بكاءها من الدّاخل. فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر- أو الرّهط- الّذين توفيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض: فسمّى عليّا وعثمان والزّبير وطلحة وسعدا وعبد الرّحمن وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء- كهيئة التّعزية له- فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلّا فليستعن به أيّكم ما أمّر، فإنّي لم أعزله عن عجز ولا خيانة. وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين، أن يعرف لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّؤا الدّار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنّهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدوّ، وألّا يؤخذ منهم إلّا فضلهم عن رضاهم. وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنّهم أصل العرب، ومادّة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم، ويردّ على فقرائهم. وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلّا طاقتهم. فلمّا قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلّم عبد الله بن عمر قال: يستأذن عمر بن الخطّاب: قالت: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه فلمّا فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرّهط، فقال عبد الرّحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزّبير: قد جعلت أمري إلى عليّ. فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرّحمن ابن عوف فقال عبد الرّحمن: أيّكما تبرّأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام «1» لينظرنّ أفضلهم في نفسه؟ فأسكت الشّيخان. فقال عبد الرّحمن: أفتجعلونه إليّ، والله عليّ أن لا آلو عن أفضلكم؟ قال: نعم. فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمّرتك لتعدلنّ، ولئن أمّرت عثمان لتسمعنّ ولتطيعنّ. ثمّ خلا بالآخر فقال مثل ذلك. فلمّا أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، فبايع له عليّ، وولج «2» أهل الدّار فبايعوه» ) * «3» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر اشترط عليهم أنّ له الأرض، وكلّ صفراء وبيضاء. يعني الذّهب والفضّة، وقال له أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض، فأعطناها على أن نعملها ويكون لنا نصف الثّمرة ولكم نصفها، فزعم أنّه أعطاهم على ذلك. فلمّا كان حين   (1) والله عليه والإسلام: بالرفع فيهما، والخبر محذوف أي عليه رقيب. (2) ولج: دخل. (3) البخاري- الفتح 7 (3700) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2814 يصرم النّخل «1» ، بعث إليهم، ابن رواحة، فحزر النّخل «2» ، وهو الّذي يدعونه أهل المدينة الخرص، فقال: في ذا كذا وكذا. فقالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة. فقال: فأنا أحزر النّخل وأعطيكم نصف الّذي قلت. قال: قالوا: هذا الحقّ، وبه تقوم السّماء والأرض. فقالوا: قد رضينا أن نأخذ بالّذي قلت) * «3» . 8- * (عن بلال بن رباح الحبشيّ- رضي الله عنه- قال: إنّه جاء إلى عمر بن الخطّاب وهو بالشّام وحوله أمراء الأجناد جلوس، فقال: يا عمر، فقال ها أنا عمر، فقال له بلال: إنّك بين الله وبين هؤلاء، وليس بينك وبين الله أحد، فانظر عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك، ومن خلفك، هؤلاء الّذين خلفك إن يأكلوا إلّا الطّير، قال: «صدقت، والله لا أقوم من مجلسي هذا، تكفّلوا لكلّ رجل من المسلمين طعامه وحظّه من الزّيت والخلّ، فقالوا: إليك يا أمير المؤمنين قد أوسع الله عليك من الرّزق وأكثر من الخير» ) * «4» . 9- * (قال ربعيّ بن عامر- رضي الله عنه- لرستم قائد الفرس لمّا سأله ما جاء بكم؟: «الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدّنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه حتّى نفيء إلى موعود الله. قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنّة لمن مات على قتال من أبى، والظّفر لمن بقي» ) * «5» . 10- * (قال سعيد بن جبير في جواب لعبد الملك عن العدل: «العدل على أربعة أنحاء: العدل في الحكم لقوله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (المائدة/ 42) والعدل في القول لقوله تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا (الأنعام/ 152) والعدل في الفدية لقوله تعالى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ (البقرة/ 123) والعدل في الإشراك، قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (الأنعام/ 1)) * «6» . 11- * (كتب بعض عمّال عمر بن عبد العزيز إليه: أمّا بعد، فإنّ مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالا يرمّها به فعل. فكتب إليه عمر، «أمّا بعد، فقد فهمت كتابك وما ذكرت أنّ مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصّنها بالعدل، ونقّ طرقها من الظّلم، فإنّه مرمّتها   (1) يصرم النخل: يجمع ثمرها. (2) حزر النخل: أي قدّره بالحدس والتخمين، وهو الخرص الذي سيأتي ذكره. (3) أبو داود (3413) من حديث عائشة (3414) من حديث جابر مختصرا، وأصله فى الصحيحين وابن ماجة (1820) وهذا لفظه. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 24) : حديث صحيح. (4) مجمع الزوائد (5/ 213) وقال: رواه الطبرانى ورجاله رجال الصحيح، خلا عبد الله بن الإمام أحمد وهو ثقة مأمون، وفي المعجم الكبير للطبراني (1/ 337) حديث (1011) . (5) البداية والنهاية لابن كثير (7/ 40) . (6) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (506) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2815 والسّلام» ) * «1» . 12- * (قال طاوس وإبراهيم وشريح: «البيّنة العادلة أحقّ من اليمين الفاجرة» ) * «2» . 13- * (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ حظّ العبد من العدل أمر ظاهر لا يخفى، فأوّل شيء يجب عليه من العدل في صفات نفسه أن يجعل الشّهوة والغضب أسيرين تحت إشارة العقل والدّين، فإنّه لو جعل العقل خادما للشّهوة والغضب فقد ظلمه، هذا في الجملة، أمّا تفصيلات ما يجب عليه في العدل في نفسه فمراعاة حدود الشّرع كلّها، وإنّ عدله في كلّ عضو أنّه يستعمله على الوجه الّذي أذن الشّرع فيه. وأمّا عدله في أهله وذويه فأمر ظاهر يدلّ عليه العقل الّذي وافقه الشّرع، وأمّا إن كان من أهل الولاية فإنّ العدل في الرّعيّة من أوجب واجباته» ) * «3» . 14- * (قال ابن حزم- رحمه الله تعالى: «أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبّه، وعلى الحقّ وإيثاره» ) * «4» . 15- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ النّاس لم يتنازعوا في أنّ عاقبة الظّلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: الله ينصر الدّولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدّولة الظّالمة، ولو كانت مؤمنة» ) * «5» . 16- * (وقال أيضا: «أخبر الله في كتابه أنّه أنزل الكتاب والحديد ليقوم النّاس بالقسط، فقال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد/ 25) . ولهذا أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّته بتولية ولاة الأمور عليهم، وأمر ولاة الأمور أن يردّوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين النّاس أن يحكموا بالعدل، وأمرهم بطاعة ولاة الأمور من طاعة الله تعالى» ) * «6» . 17- * (وقال أيضا: «بالصّدق في كلّ الأخبار، والعدل في الإنشاء من الأقوال والأعمال تصلح جميع الأعمال، وهما قرينان كما قال الله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا (الأنعام/ 115)) * «7» . 18- * (وقال: يجب على كلّ وليّ أمر أن يستعين بأهل الصّدق والعدل، وإذا تعذّر ذلك، استعان بالأمثل فالأمثل، وإن كان فيه كذب وظلم، فإنّ الله يؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم، والواجب إنّما هو فعل المقدور) * «8» . 19- * (وقال: فأيّ (يعني فكلّ) من عدل في ولاية من الولايات فساسها بعلم وعدل، وأطاع الله   (1) حلية الأولياء للأصبهاني (5/ 305) . (2) البخاري معلقا مجزوما به- الفتح 5 (340) . (3) انتهى بتصرف شديد من المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى للغزالي (98- 101) . (4) مداواة النفوس (90) . (5) الحسبة (16، 170) . (6) المصدر السابق (19) . (7) الحسبة (22) . (8) المصدر السابق (23) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2816 ورسوله بحسب الإمكان فهو من الأبرار الصّالحين) * «1» . 20- * (وقال أيضا: «أمور النّاس تستقيم في الدّنيا مع العدل، أكثر ممّا تستقيم مع الظّلم في الحقوق. ويقال: الدّنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظّلم والإسلام» ) * «2» . 21- * (وقال أيضا: «العدل نظام كلّ شيء. فإذا أقيم أمر الدّنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق. ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة» ) * «3» . 22- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «إنّ من له ذوق في الشّريعة واطّلاع على كمالها وتضمّنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغية العدل الّذي يسع الخلائق يجد أنّه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمّنته من المصالح، تبيّن له أنّ السّياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأنّ من أحاط علما بمقاصدها ووضعها موضعها وحسن فهمه فيها، لم يحتج معها إلى سياسة غيرها ألبتّة. فإنّ السّياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشّريعة تحرّمها. وسياسة عادلة تخرج الحقّ من الظّالم الفاجر فهي من الشّريعة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها» ) * «4» . 23- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: «التّوحيد والعدل هما جمّاع «5» صفات الكمال» ) * «6» . 24- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: من عرض له قضاء فليقض بما في كتاب الله، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله- عزّ وجلّ- فليقض بما قضى به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله- عزّ وجلّ- ولم يقض به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فليقض بما قاله الصّالحون، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ولم يقض به الصّالحون، فليجتهد رأيه، فإن لم يحسن فليقرّ، ولا يستحي) * «7» . 25- * (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى: وأمّا تفريق بعضهم بين المسكينة والّتي لها قدر (من الجمال) ، فغير جائز لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد سوّى بين أحكامهم في الدّماء فقال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم» «8» وإذا كانوا في الدّماء سواء، فهم في غير ذلك شيء واحد) * «9» . 26- * (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى- جميع النّاس في الشّرف بالنّسبة الطّينيّة إلى آدم وحوّاء- عليهما السّلام- سواء، وإنّما يتفاضلون   (1) المصدر السابق (25) . (2) المصدر السابق (147) . (3) المصدر السابق (148) . (4) الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية لابن القيم (ط 5 دار المدني تحقيق جميل غازى) . (5) الجمّاع- بضم الجيم وتشديد الميم- مجتمع أصل كل شيء. (6) التفسير القيم: ص (179) . (7) النسائي (8/ 230) وقال الألباني فى صحيحه: صحيح الإسناد موقوف (3/ 1092- 1093) والحاكم (4/ 94) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي: صحيح. (8) انظر الحديث رقم 39. (9) تفسير القرطبي 3/ 76. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2817 بالأمور الدّينيّة وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا قال سبحانه بعد النّهي عن الغيبة واحتقار بعض النّاس بعضا منبّها على تساويهم في البشريّة يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا (الحجرات/ 13)) * «1» . من فوائد (العدل) (1) الأمن لصاحبه في الدّنيا والآخرة. (2) دوام الملك وعدم زواله. (3) رضا الرّبّ قبل رضا الخلق عن العادل. (4) سلامة الخلق من شرّه. (5) أصحابه أهل للولاية والحكم والتّقدّم والرّفعة. (6) الصّدع بالحقّ وعدم ممالأة الباطل. (7) يسدّ مسدّ كثير من أعمال البرّ والطّاعة. (8) عموم العدل في الإسلام حتّى إنّه ليشمل الأبعدين فضلا عن الأقربين والكافرين مع المسلمين، ويشمل التّسوية حتّى مع أعضاء الإنسان نفسه. (9) طريق موصل إلى الجنّة. أما عن فوائد (المساواة) فمنها (10) تحقيق الاستقرار والطّمأنينة في المجتمع المسلم لما يشعر به كلّ فرد من أنّه ليس أقلّ من غيره وأنّه سيحصل على حقّه في التّعليم والوظائف العامّة ونحوها. (11) الشّعور بالمساواة يقضي على الفتن الطّائفيّة نظرا لشعور الذّمّيّين بأنّ لهم حقّ المواطنة على قدم المساواة مع المسلمين. (12) المساواة بين الرّجل والمرأة في حقّ العبادة وحصول الثّواب يجعل المرأة تشعر بقيمتها وأنّها لا تشكّل الجانب الأضعف. (13) روح المساواة تقضي على الغرور عند من يظنّون أنفسهم فوق النّاس، كما يقضي على الوهن والضّعف وخور العزيمة عند من يظنّون أنفسهم دونهم. (14) بالمساواة يطمئنّ كلّ فرد إلى عدالة الحكم وأنّ السّياسة الّتي تقوم على ذلك هي سياسة عادلة لا تفرّق بين النّاس تبعا لأعراقهم ووضعهم الاجتماعيّ، أو موقعهم من السّلطة.   (1) تفسير ابن كثير 4/ 217. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2818 العزة العزة لغة: مصدر قولهم: عزّ يعزّ عزّة وعزّا، وذلك مأخوذ من مادّة (ع ز ز) الّتي تدلّ على شدّة وقوّة، وما ضاهاهما من غلبة وقهر، وأصل ذلك من قولهم: أرض عزاز أي صلبة، ويقال تعزّز اللّحم اشتدّ وعزّ كأنّه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه، والعزيز الّذي يقهر ولا يقهر، ويقال: عزّ المطر الأرض: غلبها، وقول الله عزّ وجلّ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (فصلت/ 41) أي يصعب مناله ووجود مثله، والعزّ من المطر: الكثير الشّديد، وأرض معزوزة إذا أصابها ذلك. وقال ابن منظور: العزّ خلاف الذّلّ، وفي الحديث: قال صلّى الله عليه وسلّم لعائشة: هل تدرين لم كان قومك رفعوا باب الكعبة؟ قالت: لا، قال: تعزّزا ألّا يدخلها إلّا من أرادوا، أي تكبّرا وتشدّدا على النّاس، والعزّ في الأصل القوّة والشّدّة والغلبة، يقال: عزّ، يعزّ بالفتح إذا اشتدّ، ورجل عزيز: منيع لا يغلب ولا يقهر. وعزّ يعزّ بالكسر عزّا وعزّة وعزازة وهو عزيز قلّ حتّى لا يوجد. ورجل عزيز من قوم أعزّة وأعزّاء. وقوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الآيات/ الأحاديث/ الآثار 111/ 19/ 5 الْكافِرِينَ (المائدة/ 54) أي جانبهم غليظ على الكافرين، ليّن على المؤمنين، قال الشّاعر: بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... في كلّ نائبة عزاز الآنف وأعزّ الرّجل: جعله عزيزا. وملك أعزّ: عزيز. قال الفرزدق: إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول أي عزيزة طويلة. وتعزّز الرّجل: صار عزيزا، وتعزّز: تشرّف «1» . وأمّا قوله سبحانه: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (النساء/ 139) فإنّ العزّة تعني المنعة والقوّة والمعنى: أيطلبون (أي أهل النّفاق) عند الكافرين المنعة والقوّة باتّخاذهم أولياء من دون أهل الإيمان؟ فإنّ العزّة لله جميعا أي فإنّ المنعة والنّصرة من عند الله الّذي له المنعة، فهلّا اتّخذوا الأولياء من المؤمنين حتّى يعزّهم الله؟ «2» . وقيل المراد بالكافرين هنا اليهود، والمراد بالعزّة: المعونة والظهور على محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه،   (1) مقاييس اللغة (4/ 38) ، والمفردات للراغب (332) . ولسان العرب (عزز) (2924) (ط. دار المعارف) . (2) مختصر تفسير الطبري (1/ 176) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2819 أمّا عزّة الله تعالى فمراد بها: الغلبة والقوّة والقدرة «1» . أمّا العزّة المنسوبة لله- عزّ وجلّ- ولرسوله وللمؤمنين في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (المنافقون/ 8) فإنّ عزّة الله قهره من دونه، وعزّة رسوله إظهار دينه على الأديان كلّها وعزّة المؤمنين: نصر الله إيّاهم على أعدائهم «2» . وقيل: المعنى: ولله الغلبة والقوّة، ولرسوله وللمؤمنين «3» . وقيل: المقصود من هذا: التّهييج على طلب العزّة من جناب الله تعالى، والالتجاء إلى عبوديّته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الّذين لهم النّصرة في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد، روى الإمام أحمد- رحمه الله- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفّار، يريد بهم عزّا وفخرا، فهو عاشرهم في النّار» . «4» . واصطلاحا: قال الرّاغب: العزّة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب «5» . وقال الكفويّ: العزّة: الغلبة الآتية على كلّيّة الباطن والظّاهر (وهذا في جناب الله تعالى) «6» . معنى اسم الله «العزيز» : العزيز اسم من أسماء الله تعالى يقول ابن منظور: العزيز من صفات الله- عزّ وجلّ- وأسمائه الحسنى، ومعناه: الممتنع فلا يغلبه شيء، وقيل: هو القويّ الغالب كلّ شيء، وقيل: هو الّذي ليس كمثله شيء «7» . وقال ابن الأثير: هو الغالب القويّ الّذي لا يغلب «8» . وقال الإمام الغزاليّ: العزيز: هو الخطير الّذي يقلّ وجود مثله وتشتدّ الحاجة إليه، ويصعب الوصول إليه، فما لم يجتمع عليه هذه المعاني الثّلاثة لم يطلق عليه اسم العزيز، فكم من شيء يقلّ وجوده، ولكن إذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه، لم يسمّ عزيزا، وكم من شيء يعظم خطره ولم يكثر نفعه، لم يسمّ عزيز، وكم من شيء يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره، ولكن إذا لم يصعب الوصول إليه، لم يسمّ عزيزا، كالشّمس مثلا، فإنّه لا نظير لها، والأرض كذلك، والنّفع عظيم في كلّ منهما، والحاجة شديدة إليهما، ولكن لا يوصفان بالعزّة لأنّه لا يصعب الوصول إلى مشاهدتهما، فلا بدّ إذن من اجتماع المعاني الثّلاثة (ليصحّ الوصف بالعزّة) ، ثمّ في كلّ واحد من المعاني الثّلاثة كمال ونقصان، والكمال في قلّة الوجود أن يرجع إلى واحد، إذ لا أقلّ من الواحد، ويكون بحيث يستحيل وجود مثله، وليس هذا إلّا الله تعالى، أمّا الشّمس فإنّها وإن كانت واحدة في الوجود فليست واحدة في الإمكان، فيمكن وجود مثلها في الكمال والنّفاسة، أمّا شدّة الحاجة فهي   (1) تفسير البغوي (1/ 491) . (2) المرجع السابق (4/ 350) . (3) مختصر تفسير الطبري (2/ 457) ، وعلى هذا يكون للعزة معنى واحد لا يختلف باختلاف الموصوف بها هنا. (4) عمدة التفسير بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (4/ 16) ، وانظر الحديث رقم (14) . (5) المفردات للراغب (333) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 61) والتوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (241) . (6) الكليات للكفوي (639) . (7) لسان العرب (5/ 374) ط. بيروت، بتصرف يسير.. (8) النهاية لابن الأثيرر (3/ 328) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2820 أن يحتاج إليه (أي العزيز) كلّ شيء في كلّ شيء حتّى في وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك على الكمال إلّا لله عزّ وجلّ، وفيما يتعلّق بالمعنى الثّالث وهو صعوبة الوصول إلى العزيز فالكمال في ذلك يتمثّل في استحالة الوصول إليه، على معنى الإحاطة بكنهه، وليس ذلك على الكمال إلّا لله عزّ وجلّ فالله عزّ وجلّ بذلك هو العزيز المطلق الحقّ، لا يوازيه في ذلك الاسم غيره «1» . المعزّ من أسماء الله عز وجل: إذا كان سبحانه هو الموصوف بالعزّة التّامّة المطلقة فإنّه سبحانه هو «الّذي يهب العزّ لمن يشاء من عباده «2» ، والعزيز من العباد هو كما يقول الغزاليّ: من يحتاج إليه عباد الله في أهمّ أمورهم وهي الحياة الآخرويّة والسّعادة الأبديّة، وذلك ممّا يقلّ- لا محالة- وجوده، ويصعب إدراكه، وهذه رتبة الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين- ويشاركهم في العزّ من ينفرد بالقرب من درجتهم في عصره، كالخلفاء والعلماء، وعزّة كلّ واحد منهم بقدر علوّ مرتبته عن سهولة النّيل والمشاركة، وبقدر عنائه فى إرشاد الخلق «3» . وقال- رحمه الله تعالى-: من رزقه الله القناعة حتّى استغنى بها عن خلقه وأمدّه بالقوّة والتّأييد حتّى استولى بها على صفات نفسه فقد أعزّه الله في الدّنيا وسيعزّه في الآخرة بالتّقريب إليه «4» . وقال الخطّابيّ: العزّ في كلام العرب على ثلاثة أوجه: الأوّل: معنى الغلبة والقهر، ومنه قولهم: من عزّ بزّ، أي من غلب سلب، ومنه قوله سبحانه: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (ص/ 23) أي غلبني. والثّاني: معنى الشّدّة والقوّة كقول الهذليّ يصف العقاب: حتّى انتهيت إلى فراش عزيزة ... سوداء روثة أنفها كالمخصف جعلها عزيزة لأنّها من أقوى جوارح الطّير. والثّالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر يقال منه: عزّ الشّيء يعزّ بكسر العين من يعزّ- فيتأوّل معنى العزيز على هذا أنّه لا يعادله شيء، وأنّه لا مثل له ولا نظير والله أعلم» «5» . عزة الله- عز وجل-: ذكر ابن القيّم: أنّ عزّة المولى سبحانه متضمّنة لهذه الأنواع السّابقة كلّها وهي: 1- عزّة القوّة: الدّالّ عليها من أسمائه القويّ المتين وهي وصفه العظيم الّذي لا تنسب إليه قوّة المخلوقات وإن عظمت. 2- عزّة الامتناع: فإنّه هو الغنيّ بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضرّه فيضرّوه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضّارّ النّافع المعطي المانع. 3- عزّة القهر والغلبة لكلّ الكائنات: فهي كلّها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته،   (1) المقصد الأسنى (بتصرف يسير) ص 73. (2) لسان العرب (5/ 374) . (3) المقصد الأسنى ص 74. (4) المرجع السابق ص 89. (5) شأن الدعاء لأبي سليمان الخطابي، بتحقيق أحمد الدقاق (47- 48) ط 1، 1404. هـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2821 فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرّك منها متحرّك، ولا يتصرّف متصرّف إلّا بحوله وقوّته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا به «1» . العزة في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: قال بعض المفسّرين: العزّة في القرآن على ثلاثة أوجه: أحدها: العظمة، ومنه قوله تعالى: وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (الشعراء/ 44) ، قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (ص/ 82) . والثّاني: المنعة، ومنه قوله تعالى: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (النساء/ 39) . والثّالث: الحميّة، ومنه قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ (البقرة/ 206) ، وقوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (ص/ 2) «2» . العزة الممدوحة والمذمومة: يمدح بالعزّة تارة ويذمّ بها تارة أخرى، ووجه ذلك أنّ العزّة الّتي لله ولرسوله وللمؤمنين هي الدّائمة الباقية؛ لأنّها هي العزّة الحقيقيّة، والعزّة الّتي هي للكافرين هي التّعزّز وهو في الحقيقة ذلّ، كما قال عليه الصّلاة والسّلام «كلّ عزّ ليس بالله فهو ذلّ» وعلى هذا قوله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (مريم/ 81) أي ليتمنّعوا بهم من العذاب «2» . كيف تكون العزة لله جميعا ثم تكون لرسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين؟ تساءل الشّيخ الشّرباصي عن هذا الإشكال فقال: قد يعترض معترض فيقول: كيف نجمع بين قول الحقّ سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ... ، (فاطر/ 10) وقوله- عزّ من قائل: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (المنافقون/ 8) ، والجواب: أنّه لا تنافي بين الآيتين؛ لأنّ العزّ الّذي هو للرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين هو في الحقيقة ملك لله ومخلوق له، وعزّه سبحانه هو المصدر لكلّ عزّ، ومن ثمّ يكون عزّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين مستمدّ من عزّ الله- عزّ وجلّ-. وعلى هذا فالعزّ كلّه لله، والعزّة الّتي عند الإنسان لا تكون فضيلة محمودة إلّا إذا استظلّت بظلّ الله، واحتمت بحماه، أمّا عزّة الكفّار المشار إليها في الآية الكريمة بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (ص/ 2) فهي تعزّز، وهو في الحققة ذلّ؛ لأنّه تشبّع من الإنسان بما لم يعطه، وقد تستعار العزّة للأنفة والحميّة المذمومة، كما في قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ (البقرة/ 206) وكلّ ذلك ليس من العزّ الحقيقيّ في شيء «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- الشرف- القوة- النبل- النزاهة- العفة- الشهامة- علو الهمة- قوة الإرادة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الذل- الضعف- الوهن- صغر الهمة- الخنوثة] .   (1) نزهة الأعين النواظر (434- 435) . (2) المفردات للراغب (333) ، وانظر أيضا الكليات للكفوي (336) . (3) موسوعة له الأسماء الحسنى (72) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2822 الآيات الواردة في «العزة» أولا: العزة من صفات الله- عز وجل-: أ- العزة مقترنة بحكمة الله- عز وجل-: 1- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) «2» 3- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «3» 4- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) «4» 5- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) «5» 6- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) «6»   (1) البقرة: 127- 129 مدنية (2) البقرة: 208- 209 مدنية (3) البقرة: 219- 220 مدنية (4) البقرة: 228 مدنية (5) البقرة: 240 مدنية (6) البقرة: 260 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2823 7- إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) «1» 8- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «2» 9- إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) «3» 10- وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «4» . 11- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «5» 12- وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) «6» . 13- * إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) «7» 14- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)   (1) آل عمران: 5. 6 مدنية (2) آل عمران: 18 مدنية (3) آل عمران: 59- 62 مدنية (4) آل عمران: 126 مدنية (5) النساء: 56- 57 مدنية (6) النساء: 157- 158 مدنية (7) النساء: 163- 165 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2824 فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «1» 15- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) «2» 16- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «3» 17- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) «4» 18- * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «5» 19- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) «6» 20- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «7» 21- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «8»   (1) المائدة: 38- 39 مدنية (2) المائدة: 116- 118 مدنية (3) الأنفال: 9- 10 مدنية (4) الأنفال: 49 مدنية (5) الأنفال: 61- 63 مدنية (6) الأنفال: 67 مدنية (7) التوبة: 40 مدنية (8) التوبة: 71 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2825 22- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «1» 23- لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) «2» 24- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) «3» 25- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25) * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) «4» 26- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) «5» 27- وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «6» 28- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «7»   (1) إبراهيم: 4 مكية (2) النحل: 60 مكية (3) النمل: 7- 10 مكية (4) العنكبوت: 20- 26 مكية (5) العنكبوت: 41- 42 مكية (6) الروم: 27 مكية (7) لقمان: 8- 9 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2826 29- وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) «1» 30- * قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «2» 31- ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) «3» 32- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) «4» 33- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) «5» 34- (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) «6» 35- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) «7» 36- فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «8» 37- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) «9» 38- وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (7) «10»   (1) لقمان: 27 مكية (2) سبأ: 24- 27 مكية (3) فاطر: 2 مكية (4) الزمر: 1 مكية (5) غافر: 7- 8 مكية (6) الشورى: 1- 4 مكية (7) الجاثية: 1- 2 مكية (8) الجاثية: 36- 37 مكية (9) الأحقاف: 1- 2 مكية (10) الفتح: 7 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2827 39- * لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) «1» 40- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) «2» 41- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «3» 42- هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «4» 43- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «5» 44- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «6» 45- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) «7» 46- إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «8»   (1) الفتح: 18- 19 مدنية (2) الحديد: 1- 2 مدنية (3) الحشر: 1 مدنية (4) الحشر: 24 مدنية (5) الممتحنة: 4- 5 مدنية (6) الصف: 1 مدنية (7) الجمعة: 1- 3 مدنية (8) التغابن: 17- 18 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2828 ب- العزة مقترنة برحمة الله- عز وجل-: 47- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) «1» 48- فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) «2» 49- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) «3» 50- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) * قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) «4»   (1) الشعراء: 7- 9 مكية (2) الشعراء: 63- 67 مكية (3) الشعراء: 90- 104 مكية (4) الشعراء 105- 122 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2829 51- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (136) إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) «1» 52- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) «2»   (1) الشعراء: 123- 140 مكية (2) الشعراء: 141- 159 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2830 53- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) «1» 54- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) «2» 55- وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) «3»   (1) الشعراء: 160- 175 مكية (2) الشعراء: 176- 191 مكية (3) الشعراء: 215- 220 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2831 56- الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) «1» 57- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) «2» 58- يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) «3» 59- وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (38) ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) «4» ج- العزة مقترنة بقوة الله- عز وجل-: 60- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) «5» 61- * إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)   (1) الروم: 1- 5 مكية (2) السجدة: 4- 6 مكية (3) يس: 1- 6 مكية (4) الدخان: 38- 42 مكية (5) هود: 66- 68 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2832 الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) «1» 62- يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) «2» 63- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) «3» 64- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) «4» 65- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) «5» 66- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) «6» د- العزة مقترنة بالعلم: 67- * إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) «7»   (1) الحج: 38- 40 مدنية (2) الحج: 73- 74 مدنية (3) الأحزاب: 23- 25 مدنية (4) الشورى: 17- 19 مكية (5) الحديد: 25 مدنية (6) المجادلة: 20- 21 مدنية (7) الأنعام: 95- 96 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2833 68- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) «1» 69- وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) «2» 70- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «3» 71- * قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) «4» 72- وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) «5» هـ- العزة مقترنة بالانتقام: 73- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) «6» 74- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)   (1) النمل: 76- 78 مكية (2) يس: 37- 40 مكية (3) غافر: 1- 3 مكية (4) فصلت: 9- 12 مكية (5) الزخرف: 6- 9 مكية (6) آل عمران: 1- 4 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2834 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) «1» 75- وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) «2» 76- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «3» والعزة مقترنة بالمغفرة: 77- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) «4» 78- قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) «5» 79- خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) «6» 80- * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) «7»   (1) المائدة: 93- 96 مدنية (2) إبراهيم: 46- 47 مكية (3) الزمر: 37 مكية (4) فاطر 27- 28 مكية (5) ص: 65- 66 مكية (6) الزمر: 5 مكية (7) غافر: 41- 42 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2835 81- بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) «1» ز- العزة مقترنة بالحمد: 82- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) «2» 83- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) «3» 84- وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) «4» ح- العزة مقترنة بالهبة: 85- أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) «5»   (1) الملك: 1- 2 مدنية (2) إبراهيم: 1- 3 مكية (3) سبأ: 1- 6 مكية (4) البروج: 1- 9 مكية (5) ص: 8- 9 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2836 ط- العزة مقترنة بالجبروت: 86- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «1» ثانيا: العزة من الله- عز وجل-: 87- قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) «2» ثالثا: العزة لله- عز وجل-: 88- بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) «3» 89- وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) «4» 90- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «5» 91- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «6» 92- إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) «7»   (1) الحشر: 23، 24 مدنية (2) آل عمران: 26 مدنية (3) النساء: 138- 139 مدنية (4) يونس: 65 مكية (5) فاطر: 10 مكية (6) الصافات: 180- 182 مكية (7) ص: 71- 85 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2837 رابعا- العزة لله ولرسوله وللمؤمنين: 93- يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) «1» خامسا- العزة بمعنى الشدة والمشقة: 94- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «2» سادسا:- العزة بمعنى الشدة والغلظة: 95- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «3» سابعا- العزة صفة القرآن الكريم (وهي بمعنى نفاسة القدر) : 96- إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) «4» ثامنا- العزة بمعنى الأنفة والحمية (وهي 97- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) «5» 98- ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5)   (1) المنافقون: 8 مدنية (2) التوبة: 128- 129 مدنية (3) المائدة: 54 مدنية (4) فصلت: 40- 42 مكية (5) البقرة: 204- 206 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2838 وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) «1» تاسعا- العزة بمعنى الغلبة والمنعة: 99- قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) «2» 100- وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) «3» 101- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (41) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) «4» 102- قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34) «5» 103- إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) «6» 104- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) «7» 105- وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) «8» عاشرا- العزيز لقب لحاكم مصر: 106- * وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) «9»   (1) ص: 1- 7 مكية (2) هود: 91- 92 مكية (3) الكهف: 34 مكية (4) الشعراء: 41- 47 مكية (5) النمل: 34 مكية (6) ص: 23 مكية (7) الفتح: 1- 4 مكية (8) القمر: 41- 42 مكية (9) يوسف: 30 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2839 107- قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) «1» 108- قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) «2» 109- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) «3» حادي عشر- العزة بمعنى الامتناع: 110- وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) «4» ثاني عشر- العزة يراد بها الذل والمهانة على سبيل التهكم: 111- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) «5»   (1) يوسف: 51 مكية (2) يوسف: 78 مكية (3) يوسف: 88 مكية (4) إبراهيم: 20 مكية، وفاطر: 17 مكية (5) الدخان: 43- 49 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2840 الأحاديث الواردة في (العزة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينا أيّوب يغتسل عريانا فخرّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيّوب يحتثي «1» في ثوبه، فناداه ربّه: يا أيّوب، ألم أكن أغنيتك عمّا ترى؟ قال: بلى، وعزّتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك» ) * «2» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه عليّ بن أبي طالب فقال: بأبي أنت وأمّي، تفلّت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا الحسن، أفلا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ، وينفع بهنّ من علّمته، ويثبت ما تعلّمت في صدرك؟» . قال: أجل يا رسول الله. فعلّمني. قال: «إذا كان ليلة الجمعة، فإن استطعت أن تقوم في ثلث اللّيل الآخر فإنّها ساعة مشهودة. الدّعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي (يوسف/ 98) يقول: حتّى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أوّلها فصلّ أربع ركعات، تقرأ في الرّكعة الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة يس، وفي الرّكعة الثّانية بفاتحة الكتاب وحم الدّخان، وفي الرّكعة الثّالثة بفاتحة الكتاب والم تَنْزِيلُ السّجدة، وفي الرّكعة الرّابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصّل، فإذا فرغت من التّشهّد فاحمد الله، وأحسن الثّناء على الله، وصلّ عليّ وأحسن، وعلى سائر النّبيّين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الّذين سبقوك بالإيمان، ثمّ قل في آخر ذلك: اللهمّ ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلّف مالا يعنيني، وارزقني حسن النّظر فيما يرضيك عنّي. اللهمّ بديع السّماوات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزّة الّتي لا ترام، أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتني، وارزقني أن أتلوه على النّحو الّذي يرضيك عنّي. اللهمّ بديع السّماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزّة الّتي لا ترام، أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك، ونور وجهك أن تنوّر بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرّج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تعمل به بدني؛ لأنّه لا يعينني على الحقّ غيرك ولا يؤتيه إلّا أنت، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، يا أبا الحسن، فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمس أو سبع «3» يجاب بإذن الله. والّذي بعثني بالحقّ ما أخطأ مؤمنا قطّ» . قال عبد الله بن عبّاس: فو الله ما لبث عليّ إلّا خمسا أو سبعا حتّى جاء عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مثل ذلك المجلس فقال: يا رسول الله، إنّي كنت رجلا فيما خلا لا آخذ إلّا أربع آيات أو نحوهنّ، وإذا قرأتهنّ على نفسي تفلّتن وأنا أتعلّم اليوم أربعين   (1) يحتثي: من الحثية وهي الأخذ باليد. (2) البخاري- الفتح 1 (279) . (3) هذا لفظه والمعروف أن المضاف إليه إذا حذف عوض عنه بالتنوين، فيقال: خمسا أو سبعا كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم «ثلاث من كنّ فيه ... إلخ» فالتقدير ثلاث خصال. ولعله من تحريف النساخ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2841 آية أو نحوها وإذا قرأتها على نفسي فكأنّما كتاب الله بين عينيّ، ولقد كنت أسمع الحديث فإذا ردّدته تفلّت وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدّثت بها لم أخرم «1» منها حرفا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «مؤمن وربّ الكعبة يا أبا الحسن» ) * «2» . 3- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: فأمّا الثّلاث الّذين أقسم عليهنّ فإنّه ما نقص مال عبد صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما، فهو يتقّي فيه ربّه فيصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. قال: وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا، فهو يقول: لو كان لي مال لعملت بعمل فلان، قال: فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما وهو يتخبّط في ماله بغير علم لا يتقّي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقّه فهذا بأخبث المنازل. قال: وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو كان لي مال لعملت بعمل فلان. قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الصّائم حتّى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السّماء، ويقول الرّبّ: وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «4» 5- * (عن سعد- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا «5» والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» . قال: فهؤلاء لربّي. فما لي؟ قال: «قل اللهمّ اغفر لي، وارحمني واهدني وارزقني» ) * «6» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة، فقالت: يا رسول الله، والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحبّ إليّ أن يذلّوا من أهل خبائك، وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحبّ إليّ أن يعزّوا من   (1) لم أخرم: أي لم أدع. (2) الترمذي (479) ، وابن ماجه (1384) واللفظ له، والحاكم (1/ 320) . (3) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح وأحمد (4/ 231) واللفظ له. وبعضه عند مسلم (2588) . (4) الترمذي (3598) واللفظ له وقال: حديث حسن. وأحمد في المسند (8/ 30) وقال محققه إسناده صحيح. (5) الله أكبر كبيرا: أي كبرت كبيرا أو ذكرت كبيرا. (6) مسلم (2696) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2842 أهل خبائك. ثمّ قالت: إنّ أبا سفيان رجل مسّيك «1» ، فهل عليّ من حرج أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ قال لها: «لا حرج عليك أن تطعميهم من معروف» ) * «2» . 7- * (عن محمّد بن سالم قال: حدّثنا ثابت البنانيّ قال: قال لي يا محمّد إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي، وقل: «بسم الله، أعوذ بعزّة الله وقدرته من شرّ ما أجد من وجعي هذا، ثمّ ارفع يدك ثمّ أعد ذلك وترا، فإنّ أنس بن مالك حدثّني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه بذلك) * «3» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «لا إله إلّا الله وحده. أعزّ جنده ونصر عبده. وغلب الأحزاب وحده. فلا شيء بعده» ) * «4» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال: «يا أيّها النّاس إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم. أو ترى له. ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ عزّ وجلّ، وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء. فقمن «5» أن يستجاب لكم» ) * «6» . 10- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يزال هذا الدّين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة» فقال كلمة صمّنيها «7» النّاس فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» ) * «8» . 11- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزال يلقي فيها وتقول: هل من مزيد حتّى يضع فيها ربّ العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض ثمّ تقول: قد قد، بعزّتك وكرمك. ولا تزال الجنّة تفضل حتّى ينشىء الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنّة» ) * «9» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا خلق الله الجنّة والنّار أرسل جبرائيل إلى الجنّة، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاءها فنظر إليها وإلى ما أعدّ الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه، قال: فوعزّتك لا يسمع بها أحد إلّا دخلها، فأمر بها فحفّت بالمكاره،   (1) المسيك: البخيل وزنا ومعنى أي يمسك ما في يديه لا يعطيه أحدا، وقيل: مسّيك- بالكسر والتشديد- أي شديد الإمساك لماله، وهو من أبنية المبالغة. (2) البخاري- الفتح 13 (7161) واللفظ له. ومسلم (1714) . (3) الترمذى (3588) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (7 (565) : حديث حسن. (4) البخاري- الفتح 7 (4114) . مسلم (2724) واللفظ له (5) فقمن: بفتح الميم وكسرها، ومعناه حقيق وجدير. (6) البخاري- الفتح 12 (6990) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. ومسلم (479) واللفظ له. (7) صمنيها: أي أصموني عنها فلم أسمعها لكثرة الكلام. (8) البخاري- الفتح 13 (7223) . ومسلم (1821) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 13 (7384) واللفظ له. ومسلم (2848) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2843 فقال: ارجع إليها، فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفّت بالمكاره، فرجع إليه، فقال: وعزّتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد. قال: اذهب إلى النّار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها. فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع إليه، فقال: وعزّتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفّت بالشّهوات، فقال: ارجع إليها، فرجع إليها، فقال وعزّتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلّا دخلها» ) * «1» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت. وبك آمنت، وعليك توّكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك، لا إله إلّا أنت، أن تضلّني، أنت الحيّ الّذي لا يموت، والجنّ والإنس يموتون» ) * «2» . 14- * (عن أبي ريحانة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفّار، يريد بهم عزّا وفخرا؛ فهو عاشرهم في النّار» ) * «3» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أهجوا قريشا. فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل» «4» فأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجهم» . فهجاهم فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك. ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت. فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قد آن لكم «5» أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه «6» . ثمّ أدلع لسانه «7» فجعل يحرّكه. فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم بلساني فري الأديم «8» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعجل. فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإنّ لي فيهم نسبا. حتّى يلخّص لك نسبي» . فأتاه حسّان. ثمّ رجع فقال: يا رسول الله! قد لخّص لي نسبك. والّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لحسّان: «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك، ما نافحت عن الله ورسوله» . وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هجاهم حسّان فشفى واشتفى» «9» . قال حسّان:   (1) صحيح سنن الترمذي (2075) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 521) : وهو كما قال. وأبو داود (4744) . والنسائي (317) . (2) البخاري- الفتح 13 (7383) . ومسلم (2717) واللفظ له. (3) المسند (1778) ، وفي مجمع الزوائد (8/ 85) «يريد بهم عزّا وكرامة» وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وأبو يعلى، قال: ورجال أحمد ثقات، وقال الشيخ أحمد شاكر (في عمدة التفسير 4/ 16) : ورواه أيضا البخاري في التاريخ الكبير (م 1 ج 2 ص 353) . (4) رشق بالنبل: بفتح الراء، هو الرمي بها. وأما الرشق، بالكسر، فهو اسم للنبل التي ترمى دفعة واحدة. (5) لقد آن لكم: أي حان لكم. (6) الضارب بذنبه: قال العلماء: المراد بذنبه، هنا، لسانه. فشبه نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه اذا اغتاظ وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه. كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه، فجعل يحركه. فشبه نفسه بالأسد. ولسانه بذنبه. (7) أدلع لسانه: أي أخرجه عن الشفتين. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ودلع اللسان بنفسه. (8) لأفرينهم بلساني فري الأديم: أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد. (9) فشفى واشتفى: أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الإسلام والمسلمين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2844 هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمّدا برّا تقيّا «1» ... رسول الله شيمته الوفاء «2» فإنّ أبي ووالده وعرضي «3» ... لعرض محمّد منكم وقاء «4» ثكلت بنيّتي «5» إن لم تروها ... تثير النّقع «6» من كنفي كداء «7» يبارين الأعنّة «8» مصعدات «9» ... على أكتافها الأسل الظّماء «10» تظلّ جيادنا متمطّرات «11» ... تلطّمهنّ بالخمر النّساء «12» فإن أعرضتمو عنّا اعتمرنا «13» ... وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلّا فاصبروا لضراب يوم ... يعزّ الله فيه من يشاء   (1) هجوت محمدا برا تقيا: وفي كثير من النسخ: حنيفا، بدل تقيا. فالبر الواسع الخير والنفع. وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الاحسان. وهو اسم جامع للخير. وقيل: البر، هنا، بمعنى المتنزه عن الماثم. وأما الحنيف فقيل هو المستقيم. والأصح أنه المائل إلى الخير. وقيل الحنيف التابع ملة ابراهيم صلّى الله عليه وسلّم. (2) شيمته الوفاء: أي خلقه. (3) فان أبي ووالده وعرضي: هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه. لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف. وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم، من نفسه وأسلافه، وكل ما لحقه نقص يعيبه. (4) وقاء: هو ما وقيت به الشيء. (5) ثكلت بنيتي: قال السنوسي: الثكل فقد الولد. وبنيتي تصغير بنت. فهو بضم الباء. وعند النووي بكسر الباء، لأنه قال: وبنيتي أي نفسي. (6) تثير النقع: أي ترفع الغبار وتهيجه. (7) كنفي كداء: أي جانبي كداء. وكداء ثنية على باب مكة. وعلى هذه الرواية في هذا البيت إقواء مخالف لباقيها. وفي بعض النسخ: غايتها كداء. وفي بعضها: موعدها كداء. وحينئذ فلا إقواء. (8) يبارين الأعنة: ويروى: يبارعن الأعنة. قال القاضي: الأول: هو رواية الأكثرين. ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفسها تضاهي أعنتها بقوة جيذها لها، وهي منازعتها لها أيضا. وقال الأبّيّ نقلا عن القاضي: يعني أن الخيول لقوتها في نفسها وصلابة أضراسها تضاهي أعنتها الحديد في القوة، وقد يكون ذلك في مضغها الحديد في الشدة. وقال البرقوقي في شرحه للديوان: أي أنها تجاري الأعنة في اللين وسرعة الانقياد. قال: ويجوز أن يكون المعنى، كما قال صاحب اللسان، يعارضنها في الجذب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعلك حدائدها. قال القاضي: ووقع في رواية ابن الحذاء: يبارين الأسنة، وهي الرماح. قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها. وقال البرقوقي: مباراتها الأسنة أن يضجع الفارس رمحه فيركض الفرس ليسبق السنان. (9) مصعدات: أي مقبلات إليكم ومتوجهات. يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب فيها مبتدئا. ولا يقال للراجع. (10) الأسل الظماء: الأسل: الرماح. والظماء: الرقاق. فكأنها لقلة مائها عطاش. وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء. قال البرقوقي: من قولهم أنا ظمان إلى لقائك. (11) تظل جنودنا متمطرات: أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا. (12) تلطمهن بالخمر النساء: الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها. أي يزلن عنهن الغبار. وهذا لعزتها وكرامتها عندهم. وقال البرقوقي: يقول تبعثهم الخيل فتنبعث النساء يضر بن الخيل بخمرهن لتردها. وكأن سيدنا حسان رضي الله عنه أوحي اليه بهذا وتكلم به عن ظهر الغيب. فقد رووا أن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل ليرددنها. (13) فان أعرضتمو عنا اعتمرنا.. إلخ: قال البرقوقي: اعتمرنا أي أدينا العمرة. وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة. والفرق بينها وبين الحج أن العمرة تكون- الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2845 وقال الله: قد أرسلت عبدا ... يقول الحقّ ليس به خفاء وقال الله: قد يسّرت جندا «1» ... هم الأنصار عرضتها اللّقاء «2» لنا في كلّ يوم من معدّ «3» ... سباب أو قتال أو هجاء فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء «4» ) * «5» . الأحاديث الواردة في (العزة) معنى 16- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّه صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذات ليلة، فسمعه حين كبّر، قال: «الله أكبر ذا الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة» وكان يقول في ركوعه: «سبحان ربّي العظيم» . وإذا رفع رأسه من الرّكوع قال: «لربّي الحمد، لربّي الحمد» . وفي سجوده: «سبحان ربّي الأعلى» . وبين السّجدتين: «ربّ اغفر لي، ربّ اغفر لي» . وكان قيامه، وركوعه، وإذا رفع رأسه من الرّكوع، وسجوده، وما بين السّجدتين قريبا من السّواء) * «6» . 17- * (عن عبد الله بن قيس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «جنّتان من فضّة آنيتهما وما فيهما. وجنّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما. وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم إلّا رداء الكبرياء على وجهه في جنّة عدن» ) * «7» . 18- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يطوي الله- عزّ وجلّ- السّماوات يوم القيامة، ثمّ يأخذهنّ بيده اليمنى ثمّ يقول: أنا الملك. أين الجبّارون؟ أين   للإنسان في السنة كلها. والحج وقت واحد في السنة، ولا يكون إلا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة. وهي مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة. يقول: إن لم تتعرضوا لنا حين تغزوكم خيلنا وأخليتم لنا الطريق، قصدنا إلى البيت الحرام وزرناه، وتم الفتح وانكشف الغطاء عما وعد الله به نبيه، صلوات الله وتسليماته عليه، من فتح مكة. وقال الأبّيّ: ظاهر هذا، كما قال ابن هشام، أنه كان قبل الفتح في عمرة الحديبية، حين صد عن البيت. (1) يسرت جندا: أي هيأتهم وأرصدتهم. (2) عرضتها اللقاء: أي مقصودها ومطلوبها. قال البرقوقي: العرضة من قولهم بعير عرضة للسفر، أي قوي عليه. وفلان عرضة للشر أي قوي عليه. يريد أن الأنصار أقوياء على القتال، همتها وديدنها لقاء القروم الصناديد. (3) لنا في كل يوم من معد: قال البرقوقي: لنا، يعني معشر الأنصار. وقوله من معد، يريد قريشا لأنهم عدنانيون. (4) ليس له كفاء: أي ليس له مماثل ولا مقاوم. (5) البخاري- الفتح 6 (3531) . ومسلم (2490) واللفظ له. (6) مسلم رقم (772) وأبو داود (874) والنسائي (2/ 199) واللفظ له، وصححه الألباني. صحيح سنن النسائي (2/ 230) . (7) البخاري- الفتح 13 (7444) . ومسلم (180) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2846 المتكبّرون؟. ثمّ يطوي الأرضين بشماله، ثمّ يقول: أنا الملك. أين الجبّارون؟ أين المتكبّرون؟» ) * «1» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله سبحانه: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري. من نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم» ) * «2» . من الاثار الواردة في (العزة) 1- * (عن طارق بن شهاب، قال: خرج عمر ابن الخطّاب إلى الشّام ومعنا أبو عبيدة بن الجرّاح فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفّيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! أنت تفعل هذا؟ تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوه «3» ! لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، إنّا كنّا أذلّ قوم فأعزّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله» ) * «4» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر» ) * «5» . 3- * (قال إبراهيم بن شيبان: «الشّرف في التّواضع. والعزّ في التّقوى، والحرّيّة في القناعة» ) * «6» . 4- * (عن أسلم أبي عمران التّجيبيّ، قال: «كنّا بمدينة الرّوم، فأخرجوا إلينا صفّا عظيما من الرّوم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر. وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صفّ الرّوم حتّى دخل فيهم، فصاح النّاس، وقالوا: سبحان الله يلقي بيديه إلى التّهلكة، فقام أبو أيّوب فقال: «يا أيّها النّاس إنّكم تتأوّلون هذه الاية هذا التّأويل، وإنّما أنزلت هذه الاية فينا معشر الأنصار لمّا أعزّ الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرّا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أموالنا قد ضاعت، وإنّ الله قد أعزّ الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا. فأصلحنا ما ضاع منها. فأنزل الله على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم يردّ علينا ما قلنا: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة/ 195) . فكانت التّهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو. فما زال أبو أيّوب شاخصا في سبيل الله حتّى دفن بأرض الرّوم» ) * «7» . 5- * (قال أبو بكر بن دريد- رحمه الله- عندما قصد بعض الوزراء في حاجة، فلم يقضها له،   (1) البخاري- الفتح 13 (7412) . ومسلم (2788) واللفظ له. (2) مسلم (2620) . وابن ماجة (4174) واللفظ له. (3) أوه: كلمة توجع وتضجر. (4) الحاكم في المستدرك (1/ 62) وصححه ووافقه الذهبي. (5) البخاري- الفتح 7 (3863) . (6) مدارج السالكين (2/ 343) . (7) الترمذي (2972) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2847 وظهر له منه ضجر. فقال: لا تدخلنّك ضجرة من سائل ... فلخير دهرك أن ترى مسئولا لا تجبهن بالرّد وجه مؤمّل ... فبقاء عزّك أن ترى مأمولا تلقى الكريم فتستدلّ ببشره ... وترى العبوس على اللّئيم دليلا واعلم بأنّك عن قليل صائر ... خبرا، فكن خبرا يروق جميلا) * «1» من فوائد (العزة) (1) مظهر من مظاهر الرّجولة والشّهامة. (2) تورث العفّة والنّزاهة. (3) صمام أمن للمجتمع من الشّرور والأخطار (4) تنمّي الفضيلة وتمحق الرّذيلة (5) بها تستجلب المكارم وتستدفع المكاره. (6) دلالة الثّقة بالله العزيز. (7) مظهر من مظاهر رسوخ اليقين والقوّة في الدّين. (8) بها يستجلب العون من الله. (9) من مكارم صفات الإسلام.   (1) أدب الدنيا والدين للماوردي (194) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2848 العزم والعزيمة العزم لغة: العزم في اللّغة مصدر قولهم عزم يعزم، وهو مأخوذ من مادّة (ع ز م) الّتي تدلّ على الصّريمة والقطع، يقال: عزمت عليك إلّا فعلت كذا، أي جعلته أمرا عزما لا مثنويّة (أي لا استثناء) فيه، ويقال: كانوا يرون لعزمة الخلفاء طاعة، وقال الخليل: العزم ما عقد عليه القلب من أمر أنت فاعله، ويقال ما لفلان عزيمة، أي ما يعزم عليه كأنّه لا يمكنه أن يصرم الأمر بل يختلط فيه ويتردّد، ومن الباب: عزمت على الجنّيّ وذلك أن تقرأ عليه من عزائم القرآن، وهي الايات الّتي يرجى بها قطع الافة، يقال: اعتزم السّائر إذا سلك القصد قاطعا له. والاعتزام لزوم القصد في المشي، والفعل منه عزم وهو من باب ضرب وقعد فعلى هذا تقول: عزم يعزم (بالكسر والضّمّ) عزما ومعزما ومعزما وعزما وعزيما وعزيمة وعزمة، واعتزمه واعتزم عليه أراد فعله وفي التّنزيل العزيز فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ (محمد/ 21) بالرّفع أي عزم عليه أو أنّ أرباب الأمر عزموا عليه. وتقول: ما لفلان عزيمة: أي لا يثبت على أمر يعزم عليه. وعزم عليه ليفعلنّ كذا أي أقسم عليه، وعزمت عليك أي أمرتك أمرا جدّا، وعزائم الايات/ الأحاديث/ الاثار 8/ 18/ 3 السّجود: ما عزم على قارىء آيات السّجود أن يسجد لله فيها. وأولو العزم من الرّسل: هم الّذين عزموا على أمر الله فيما عهد إليهم وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلّى الله عليهم وسلّم أجمعين «1» . واصطلاحا: قال الرّاغب: عقد القلب على إمضاء الأمر. وقال الكفويّ: هو القصد على إمضاء الأمر «2» . الفرق بين العزم والإرادة والهمّ: قال الكفويّ: دواعي الإنسان إلى الفعل من خير أو شرّ على مراتب، منها: الإرادة، ومنها: الهمّ (بالشّيء) ، ومنها: العزم. وذكر الفرق بين هذه الثّلاثة فقال: الهمّ اجتماع النّفس على الأمر، والإزماع عليه، والعزم هو القصد على إمضائه، فالهمّ فوق الإرادة ودون العزم، وهو (أي الهمّ) أوّل العزيمة «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الشجاعة- علو الهمة- قوة الإرادة- القوة- الرجولة- المروءة- الشهامة- النشاط- النبل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإمعة- التهاون- الضعف- الكسل- الوهن- صغر الهمة- اليأس] .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 308) ، والصحاح (5/ 1985) . ولسان العرب (5/ 2932- 2933) . ومفردات القرآن للراغب (565) . والمصباح المنير للفيومي (408) . (2) مفردات القرآن (565) . وبمعناه في لسان العرب (5/ 2932) . والكليات للكفوي (691) . (3) الكليات (961) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2849 الايات الواردة في «العزم والعزيمة» 1- لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «1» 2- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «2» 3- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «3» 4- * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «4» 5- وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «5» 6- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)   (1) البقرة: 226- 227 مدنية (2) البقرة: 235 مدنية (3) آل عمران: 159 مدنية (4) آل عمران: 186 مدنية (5) لقمان: 13- 19 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2850 وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «1» 7- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «2» 8- طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) «3»   (1) الشورى: 36- 43 مكية (2) الأحقاف: 35 مكية (3) محمد: 21 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2851 الأحاديث الواردة في (العزم والعزيمة) 1- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في صلاته: «اللهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر، والعزيمة على الرّشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم» ) * «1» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولنّ اللهمّ إن شئت فأعطني، فإنّه لا مستكره له» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال لمؤذّنه في يوم مطير إذا قلت: أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أنّ محمّدا رسول الله، فلا تقل حيّ على الصّلاة، قل: صلّوا في بيوتكم. قال: فكأنّ النّاس استنكروا ذاك- فقال: أتعجبون من ذا؟ قد فعل ذا من هو خير منّي. إنّ الجمعة عزمة «3» وإنّي كرهت أن أحرجكم، فتمشوا في الطّين والدّحض «4» ) * «5» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال صلّى الله عليه وسلّم: (ص) ليس من عزائم السّجود «6» ، وقد رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسجد فيها) * «7» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لقد أتاني اليوم رجل فسألني عن أمر ما دريت ما أردّ عليه، فقال أرأيت رجلا مؤديا «8» نشيطا يخرج مع أمرائنا في المغازي فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها، فقلت له: والله لا أدري ما أقول لك، إلّا أنّا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعسى ألّا يعزم علينا في أمر إلّا مرّة حتّى نفعله، وإنّ أحدكم لن يزال بخير ما اتّقى الله وإذا شكّ في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه، وأوشك ألّا تجدوه، والّذي لا إله إلّا هو ما أذكر ما غبر «9» من الدّنيا إلّا كالثّغب «10» شرب صفوه وبقي كدره) * «11» . 6- * (عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلميّ قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من خلقه فليتوضّأ وليصلّ ركعتين ثمّ ليقل: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. اللهمّ إنّي أسألك موجبات رحمتك وعزائم   (1) النسائي (3/ 54) واللفظ له. والترمذي (3407) ، أحمد (4/ 125) ، وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 259) : ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وابن حبان في صحيحه برقم (2416) . (2) البخاري- الفتح 11 (6338) . (3) عزمة: أي واجبة متحتمة. (4) الدحض بمعنى الزلق والزلل والوحل الكثير. (5) البخاري- الفتح 2 (901) ، مسلم (699) واللفظ له. (6) يعني السجود في سجدة سورة (ص) ليس على سبيل الأمر والوجوب. (7) البخاري- الفتح 2 (1069) . (8) مؤديا: أي الأداء، ومعناه: قويّا. (9) ما غبر: أي ما مضى. (10) الثّغب: الموضع المطمئن في أعلى الجبل يستنقع فيه ماء المطر، وقيل هو غدير في غلظ من الأرض، وقيل هو غدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق. (11) البخاري- الفتح 6 (2964) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2852 مغفرتك، والغنيمة من كلّ برّ والسّلامة من كلّ إثم، أسألك ألّا تدع لي ذنبا إلّا غفرته، ولا همّا إلّا فرّجته، ولا حاجة هي لك رضا إلّا قضيتها لي، ثمّ يسأل الله من أمر الدّنيا والآخرة ما شاء فإنّه يقدّر» ) * «1» . الأحاديث الواردة في (العزم العزيمة) معنى 7- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أتعلّم له كتاب يهود. قال: «إنّي والله ما آمن يهود على كتاب» قال: فما مرّ بي نصف شهر حتّى تعلّمته له. قال: «فلمّا تعلّمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم» ) * «2» . 8- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكارهنا، وعلى ألاننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنّا لا نخاف في الله لومة لائم) * «3» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله، ذهب الرّجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلّمنا ممّا علّمك الله. فقال: «اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا» ، فاجتمعن. فأتاهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعلّمهنّ ممّا علّمه الله. ثمّ قال: «ما منكنّ امرأة تقدّم بين يديها من ولدها ثلاثة إلّا كان لها حجابا من النّار» فقالت امرأة منهم: يا رسول الله، اثنين؟ قال: فأعادتها مرّتين. ثمّ قال: «واثنين واثنين واثنين» ) * «4» . 10- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يحبّهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فأمّا الّذين يحبّهم الله: فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه، فتخلّف رجل بأعقابهم فأعطاه سرّا لا يعلم بعطيّته إلّا الله، والّذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتّى إذا كان النّوم أحبّ إليهم ممّا يعدل به نزلوا فوضعوا رؤوسهم، فقام أحدهم يتملّقني ويتلو آياتي. ورجل كان في سريّة فلقي العدوّ فهزموا، وأقبل بصدره حتّى يقتل أو يفتح له. والثّلاثة الّذين يبغضهم الله: الشّيخ الزّاني، والفقير المختال، والغنيّ الظّلوم» ) * «5» . 11- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء ما عز بن مالك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم   (1) ابن ماجة فى الإمامة حديث رقم (1384) . (2) الترمذي (2715) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق «جامع الأصول» (8/ 30) : وهو كما قال، وأبو داود (3645) . (3) البخاري- الفتح (7199) و (7200) ، ومسلم (1709) ، والنسائي (7/ 139) واللفظ له، وصحيح النسائي للألباني (3872) . وابن ماجة (3866) بلفظ: وعلى أن نقول بالحق بدل العدل. (4) البخاري- الفتح 13 (7310) . (5) الترمذى (2568) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح. والنسائى (5/ 84) . وأحمد (5/ 153) . وهو في المشكاة حديث (1922) . وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 564) : وهو حديث حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2853 فقال: يا رسول الله، طهّرني. فقال: «ويحك «1» ارجع فاستغفر الله وتب إليه» . قال: فرجع غير بعيد ثمّ جاء فقال: يا رسول الله، طهّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» . قال: فرجع غير بعيد. ثمّ جاء فقال: يا رسول الله! طهّرني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك. حتّى إذا كانت الرّابعة، قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيم أطهّرك؟» . فقال: من الزّنى. فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبه جنون؟» . فأخبر أنّه ليس بمجنون. فقال: «أشرب خمرا؟» . فقام رجل فاستنكهه «2» فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أزنيت؟» . فقال: نعم. فأمر به فرجم. فكان النّاس فيه فرقتين. قائل يقول: لقد هلك. لقد أحاطت به خطيئته. وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز. إنّه جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده في يده. ثمّ قال: اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة. ثمّ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم جلوس فسلّم ثمّ جلس. فقال: «استغفروا لماعز بن مالك» . قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد تاب توبة لو قسمت بين أمّة لوسعتهم» . قال ثمّ جاءته امرأة من غامد «3» من الأزد. فقالت: يا رسول الله! طهّرني. فقال: «ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه» . فقالت: أراك تريد أن تردّدني كما ردّدت ماعز بن مالك. قال: «وما ذاك؟» . قالت: إنّها حبلى من الزّنى. فقال: «آنت؟» قالت: نعم. فقال لها: «حتّى تضعي ما في بطنك» قال: فكفلها رجل من الأنصار حتّى وضعت. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قد وضعت الغامديّة. فقال «إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه» . فقام رجل من الأنصار فقال إليّ رضاعه يا نبيّ الله. قال: فرجمها) * «4» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل» قالها إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار، وقالها محمّد صلّى الله عليه وسلّم حين قالوا إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) * «5» . 13- * (قال أنس- رضي الله عنه-: عمّي الّذي سمّيت به «6» لم يشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا. قال: فشقّ عليه. قال: أوّل مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيّبت عنه. وإن أراني الله مشهدا، فيما بعد، مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ليراني الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها. قال: فشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، قال: فاستقبل سعد بن معاذ. فقال له أنس: يا أبا عمرو! أين؟ فقال: واها لريح الجنّة «7» . أجده دون أحد. قال: فقاتلهم حتّى قتل. قال: فوجد في جسده   (1) ويحك: كلمة ترحم تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها. (2) فاستنكهه: شم رائحته. (3) غامد: بطن من قبيلة جهينة. (4) مسلم (1695) . (5) البخاري- الفتح 8 (4563) . (6) الذي سميت به: أي باسمه، وهو أنس بن النضر. (7) واها لريح الجنة: قال العلماء واها كلمة تحنّن وتلهّف. والقائل هو أنس- رضي الله عنه-. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2854 بضع وثمانون. من بين ضربة وطعنة ورمية. قال: فقالت أخته عمّتي الرّبيّع بنت النّضر: فما عرفت أخي إلّا ببنانه. ونزلت هذه الاية: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب/ 23) قال: فكانوا يرون أنّها نزلت فيه وفي أصحابه) * «1» . 14- * (عن سلمان- رضي الله عنه- قال: كنت رجلا فارسيّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جيّ وكان أبي دهقان «2» قريته وكنت أحبّ خلق الله إليه، فلم يزل به حبّه إيّاي حتّى حبسني في بيته، أي ملازم النّار، كما تحبس الجارية، وأجهدت في المجوسيّة حتّى كنت قطن النّار «3» الّذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة. قال: فشغل في بنيان له ليوما. فقال: لي: يا بنيّ إنّي قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطّلعها «4» ، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النّصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلّون، كنت لا أدري ما أمر النّاس لحبس أبي إيّاي في بيته. فلمّا مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلمّا رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدّين الّذي نحن عليه، فو الله ما تركتهم حتّى غربت الشّمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدّين؟ قالوا: بالشّام، قال ثمّ رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كلّه، قال: فلمّا جئته، قال: أي بنيّ، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت، مررت بناس يصلّون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فو الله ما زلت عندهم حتّى غربت الشّمس. قال: أي بنيّ، ليس في ذلك الدّين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قال: قلت: كلّا والله، إنّه خير من ديننا، قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثمّ حبسني في بيته، قال: وبعثت إلى النّصارى، فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشّام تجّار من النّصارى، فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشّام تجّار من النّصارى. قال: فأخبروني بهم. قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرّجعة إلى بلادهم فاذنوني بهم. قال: فلمّا أرادوا الرّجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثمّ خرجت معهم حتّى قدمت الشّام، فلمّا قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدّين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. قال: فجئته، فقلت: إنّي قد رغبت في هذا الدّين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلّم منك وأصلّي معك، قال: فادخل، فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصّدقة ويرغّبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتّى جمع سبع قلال من ذهب وورق «5» . قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثمّ مات فاجتمعت إليه النّصارى ليدفنوه،   (1) البخاري- الفتح 6 (2805) . ومسلم (1903) واللفظ له. (2) الدهقان: بكسر الدال وضمها: التاجر فارسي معرب، والجمع دهاقنة ودهاقين. (3) قطن النار: أي خازنها وخادمها. (4) فاطّلعها: قوّمها. (5) الورق- بفتح الواو وكسر الراء- الدراهم خاصة وربما سميت الفضة ورقا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2855 فقلت لهم: إنّ هذا كان رجل سوء يأمركم بالصّدقة ويرغّبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلّكم على كنزه، قالوا: فدلّنا عليه. قال: فأريتهم موضعه. قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا. قال: فلمّا رأوها، قالوا: والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه، ثمّ رجموه بالحجارة، ثمّ جاؤا برجل آخر فجعلوه بمكانه. قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلّي الخمس أرى أنّه أفضل منه، أزهد في الدّنيا ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا منه. قال: فأحببته حبّا لم أحبّه من قبله، وأقمت معه زمانا ثمّ حضرته الوفاة؛ فقلت له: يا فلان! إنّي كنت معك وأحببتك حبّا لم أحبّه من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله! فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك النّاس وبدّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلّا رجلا بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلمّا مات وغيّب، لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إنّ فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنّك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات، فلمّا حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إنّ فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللّحوق بك، وقد حضرك من الله- عزّ وجلّ- ما ترى، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنّا عليه إلّا رجلا بنصيبين، وهو فلان، فالحق به. قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب نصيبين فجئته، فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي، قال: فأقم عندي، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فو الله! ما لبث أن نزل به الموت، فلمّا حضر «1» ، قلت له: يا فلان، إنّ فلانا كان أوصى بي إلى فلان، ثمّ أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلّا رجلا بعمّوريّة، فإنّه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته. قال: فإنّه على أمرنا. قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب عمّوريّة وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه، وأمرهم. قال: واكتسبت حتّى كان لي بقرات وغنيمة، قال: ثمّ نزل به أمر الله فلمّا حضر، قلت له: يا فلان، إنّي كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثمّ أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟. قال: أي بنيّ! والله ما أعلمه أصبح على ما كنّا عليه أحد من النّاس، آمرك أن تأتيه، ولكنّه قد أظلّك زمان نبيّ هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهديّة، ولا يأكل الصّدقة، بين كتفيه خاتم النّبوّة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثمّ مات وغيّب   (1) حضر: أي دنا موته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2856 فمكثت بعمّوريّة ما شاء الله أن أمكث، ثمّ مرّ بي نفر من كلب «1» تجّارا، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟: قالوا نعم، فأعطيتهموها وحملوني حتّى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجل من يهود عبدا، فكنت عنده، ورأيت النّخل ورجوت أن تكون البلد الّذي وصف لي صاحبي، ولم يحقّ لي في نفسي، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عمّ له من المدينة من بني قريظة فابتاعني «2» منه، فاحتملني إلى المدينة، فو الله ما هو إلّا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث الله رسوله فأقام بمكّة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرّقّ، ثمّ هاجر إلى المدينة، فو الله إنّي لفي رأس عذق لسيّدي أعمل فيه بعض العمل، وسيّدي جالس، إذ أقبل ابن عمّ له حتّى وقف عليه. فقال فلان: قاتل الله بني قيلة، والله إنّهم الان لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكّة اليوم يزعمون أنّه نبيّ، قال: فلمّا سمعتها أخذتني العرواء «3» حتّى ظننت سأسقط على سيّدي، قال: ونزلت عن النّخلة فجعلت أقول لابن عمّه ذلك: ماذا تقول، ماذا تقول؟ قال: فغضب سيّدي فلكمني لكمة شديدة، ثمّ قال: مالك ولهذا؟! أقبل على عملك، قال: قلت: لا شيء، إنّما أردت أن أستثبت عمّا قال، وقد كان عندي شيء قد جمعته فلمّا أمسيت أخذته، ثمّ ذهبت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: قد بلغني أنّك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء، ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصّدقة فرأيتكم أحقّ به من غيركم، قال: فقرّبته إليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: كلوا، وأمسك يده فلم يأكل، قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة. ثمّ انصرفت عنه، فجمعت شيئا، وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، ثمّ جئت به، فقلت: إنّي رأيتك لا تأكل الصّدقة، وهذه هديّة أكرمتك بها. قال: فأكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، ثمّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ببقيع الغرقد، قال: وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له، وهو جالس في أصحابه، فسلّمت عليه، ثمّ استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الّذي وصف لي صاحبي؟ فلمّا رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استدرته عرف أنّي أستثبت في شيء وصف لي. قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبّله وأبكي. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تحوّل. فتحوّلت، فقصصت عليه حديثي. كما حدّثتك يا ابن عبّاس، قال: فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يسمع ذلك أصحابه، ثمّ شغل سلمان الرّقّ حتّى فاته مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدر وأحد، قال: ثمّ قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كاتب يا سلمان» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أجيبها له بالفقير «4» وبأربعين أوقيّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أعينوا أخاكم» فأعانوني بالنّخل، الرّجل بثلاثين وديّة «5» ، والرّجل بعشرين. والرّجل بخمس عشرة، والرّجل بعشر، يعني الرّجل بقدر ما عنده،   (1) كلب: قبيلة من قبائل العرب. (2) ابتاعني: أي اشتراني. (3) العرواء: الرّعدة. يقال: أخذته الحمى بعروائها. (4) وكذا في نسخة «مسند الإمام أحمد» : بالفقير، وفي «مجمع الزوائد» : بالعفير. (5) الوديّ: بتشديد الياء صغار النخل الواحدة ودية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2857 حتّى اجتمعت لي ثلاثمائة وديّة. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اذهب يا سلمان ففقّر لها «1» ، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي» . ففقّرت لها وأعانني أصحابي، حتّى إذا فرغت منها جئته، فأخبرته، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معي إليها، فجعلنا نقرّب له الوديّ، ويضعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده، فو الّذي نفس سلمان بيده، ما ماتت منها وديّة واحدة، فأدّيت النّخل، وبقي عليّ المال، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثل بيضة الدّجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال: «ما فعل الفارسيّ المكاتب؟» . قال: فدعيت له، فقال: «خذ هذه فأدّ بها ما عليك يا سلمان» . فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله ممّا عليّ؟ قال: «خذها فإنّ الله- عزّ وجلّ- سيؤدّي بها عنك» . قال: فأخذتها فوزنت لهم منها، والّذي نفس سلمان بيده! أربعين أوقيّة فأوفيتهم حقّهم، وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخندق، ثمّ لم يفتني معه مشهد) * «2» . 15- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني «3» حتّى بلغ منّي الجهد «4» ، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني، فقال: اقرأ فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة، ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3) ، فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني، زمّلوني. فزمّلوه «5» حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزّى- ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا   (1) فقر لها: أي احفر لها موضعا تغرس فيه. (2) أحمد (5/ 441- 444) واللفظ له. والبزار (3/ 268) حديث (2726) من حديث بريدة. وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد، كله والطبراني بنحوه في الكبير بأسانيد وإسناد احداها رجالها رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع، والرواية الثانية انفرد بها (9/ 332- 336) . (3) غطني: أي ضمني وعصرني. (4) الجهد: روي بالنصب أي بلغ الغط مني غاية وسعي، وروي بالرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه. (5) زملوه: أي لفّوه وغطوه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2858 ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «1» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» ، قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك، أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «2» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي) * «3» . 16- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة ... الحديث، وفيه: ثمّ إنّ المشركين راسلونا الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض. واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله. أسقي فرسه، وأحسّه وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. قال فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأبغضتهم. فتحوّلت إلى شجرة أخرى. وعلّقوا سلاحهم واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «4» ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «5» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد، لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه. قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «6» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «7» في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «8» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الاية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) يا ليتني فيها جذعا: أي شابّا قويّا حتى أتمكن من نصرك، والجذع: الصغير من البهائم. ونصب «جذع» على أنه خبر كان المقدرة، وقيل: النصب على الحال و «فيها خبر ليت» ، ورواية الأصيلي «يا ليتني فيها جذع» بالرفع خبر ليت وعليه فلا إشكال. (2) لم ينشب: أي لم يلبث. (3) البخاري- الفتح 1 (3) . (4) فاخترطت سيفي: أي سللته. (5) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله فى يده حزمة. (6) العبلات: العبلات من قريش، هم أمية الصغرى. والنسبة اليهم عبلي. ترده الى الواحد. (7) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف. (8) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2859 بظهره «1» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة. أندّيه «2» مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «3» . حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال قلت: خذها: وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «4» . فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته، فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا خلّفته وراء ظهري. وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا. يستخفّون. ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «5» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) . وجلست على رأس قرن. قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح. والله ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة ابن الأكوع، والّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الاخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكنديّ. قال: فأخذت بعنان الاخرم قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الاخر،   (1) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال. (2) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى. (3) فأصك سهما في رحله: أي أضرب. (4) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته. (5) آراما من الحجارة: الارام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها. واحده إرم كعنب وأعناب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2860 وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن. قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة- فارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجليّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا غبارهم، شيئا. حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد ليشربوا منه وهم عطاش قال: فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فخلّيتهم عنه «1» (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم في نغض «2» كتفه. قال قلت: خذها: وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع قال: يا ثكلته أمّه، أكوعه بكرة «3» . قال قلت: نعم. يا عدوّ نفسه أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلّأتهم عنه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّذي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله! خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتّبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة، أتراك كنت فاعلا؟» . قلت: نعم. والّذي أكرمك، فقال: «إنّهم الان ليقرون في أرض غطفان» . قال: فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزورا. فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء. راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه، قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون   (1) فخليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث. (2) نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمي بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا. (3) قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف. لأنها من الظروف المتمكنة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2861 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قلت: يا رسول الله، بأبي وأمّي، ذرني فلأسابق الرّجل، قال: «إن شئت» ، قال: قلت: اذهب إليك. وثنيت رجلي فطفرت «1» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «2» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «3» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت. والله! قال: أنا أظنّ «4» قال: فسبقته إلى المدينة ... الحديث) * «5» 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس وأشجع النّاس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصّوت، فاستقبلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السّيف وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا» ، ثمّ قال: «وجدناه بحرا «6» » أو قال: «إنّه لبحر» ) * «7» . 18- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي، قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة، فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به. فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر. فطفق أبو بكر يعبد ربّه في داره ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين «8» وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا   (1) فطفرت: أي وثبت وقفزت. (2) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أى لئلا يقطعني البهر. (3) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها. (4) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به. (5) مسلم (1807) . (6) وجدناه بحرا: أي وجدنا الفرس كالبحر في عدوه وسرعة جريه. (7) البخاري- الفتح 6 (2908) . (8) يتقصّف عليه نساء المشركين: أي يزدحمن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2862 أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرّين الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا أن تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بمكّة- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أريت دار هجرتكم، ورأيت سبخة ذات نخل بين لابتين» وهما الحرّتان. فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهّز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» ، قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت، قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر) * «1» . من الاثار وأقوال العلماء الواردة في (العزم والعزيمة) 1- * (سمع عامر بن عبد الله بن الزّبير (المتوفى سنة 123 هـ) - رحمه الله تعالى- المؤذّن وهو يجود بنفسه، فقال: خذوا بيدي، فقيل: إنّك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه، فأخذوا بيده، فدخل مع الإمام في المغرب، فركع ركعة ثمّ مات) * «2» . 2- * (قال ابن القيّم، في معنى التّوبة النّصوح: أن يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على ألايعود فيه. وقال الكلبيّ: أن يستغفر باللّسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن. وقال سعيد بن المسيّب: التّوبة النّصوح ما تنصحون بها أنفسكم. وقال محمّد بن كعب القرظيّ: يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللّسان، الإقلاع بالأبدان، إضمار ترك العود بالجنان، مهاجرة سيّيء الإخوان) * «3» . 3- * (قال أبو حازم: عند تصحيح الضّمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الاثام أمّه الفتوح «4» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 4 (2297) . (2) سير أعلام النبلاء (5/ 220) . (3) مدارج السالكين (1/ 309- 310) . (4) أمه الفتوح: أتاه وقصده. (5) حلية الأولياء للأصبهاني (2/ 230) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2863 من فوائد (العزم والعزيمة) 1- العزيمة دليل حسن الظّنّ. 2- دليل متانة الدّين وعلامة اليقين. 3- تصنع المستحيلات وتليّن الصعوبات. 4- هي خير معين على طلب العلم. 5- العزيمة في التّوبة ترزق حسن القبول وحسن المغفرة. 6- العزيمة على طلب الحقّ تثمر نور الحقّ وجلال الإيمان. 7- حسن العزيمة في الجهاد يضاعف قوّة الرّجال إلى ما لا نهاية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2864 العطف العطف لغة: مصدر عطف يعطف عطفا وعطوفا، وهو مأخوذ من مادّة (ع ط ف) الّتي تدلّ على انثناء وعياج، يقال عطفت الشّيء إذا أملته وانعطف إذا انعاج، ويقال: عطف يعطف (بالكسر) من باب ضرب: وهو الحنان والميل، تقول: عطفت النّاقة على ولدها عطفا إذا حنّت عليه ودرّ لبنها، وعطف الله تعالى بقلب السّلطان على رعيّته إذا جعله عاطفا رحيما. وتقول: عطف عطوفا يعني مال، واستعطفته: سألته أن يعطف فعطف، وامرأة عطوف: محبّة لزوجها حانية على أولادها، وامرأة عطف: ليّنة هيّنة ذلول مطواع لا كبر لها. وتعطّف عليه: وصله وبرّه، وتعطّف على رحمه: رقّ لها وأشفق، وتعاطفوا: عطف بعضهم على بعض، ورجل عاطف وعطوف: عائد بفضله حسن الخلق. وقال الرّاغب: العطف يقال في الشّيء إذا ثني أحد طرفيه إلى الاخر كعطف الغصن والوسادة والحبل، ويستعار للميل والشّفقة إذا عدّي ب «على» نحو: عطف عليه، وإذا عدّي ب «عن» يكون على الضّد نحو عطفت عنه أي أعرضت وصددت «1» . واصطلاحا: قال ابن أبي جمرة- رحمه الله تعالى- في بيان الايات/ الأحاديث/ الاثار-/ 19/ 6 المراد بالتّعاطف إنّه: إعانة النّاس بعضهم بعضا، كما يعطف الثّوب عليه ليقوّيه «2» . الفرق بين التراحم والتعاطف والتّوادّ: قال ابن أبي جمرة- رحمه الله- في شرحه لحديث: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» ، قال رحمه الله: الّذي يظهر أنّ التّراحم والتّوادّ والتّعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف: فأمّا التّراحم: فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوّة الإيمان لا بسبب شيء آخر. وأمّا التّوادّ: فالمراد به التّواصل الجالب للمحبّة كالتّزاور والتّهادي. وأمّا التّعاطف: فالمراد به إعانة بعضهم بعضا، كما يعطف الثّوب عليه ليقوّيه «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الشفقة- صلة الرحم- الحنان- الرأفة- الرحمة- الرفق- بر الوالدين- البر- السخاء- الإحسان- كفالة اليتيم- تكريم الإنسان- الإنفاق- المحبة. وفي ضد ذلك: سوء المعاملة- العنف- القسوة- قطيعة الرحم- عقوق الوالدين- العبوس- الجفاء- سوء الخلق] .   (1) مقاييس اللغة (4/ 351) ، الصحاح (4/ 1405) ، ولسان العرب (5/ 2996- 2997) ، ومفردات الراغب (338) . (2) فتح الباري (10/ 453- 454) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2865 الأحاديث الواردة في (العطف) 1- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى» ) * «1» . 2- * (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق- يوم خلق السّماوات والأرض- مائة رحمة، كلّ رحمة طباق ما بين السّماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطّير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة، أكملها بهذه الرّحمة» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (العطف) معنى 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّى أحدكم للنّاس فليخفّف، فإنّ منهم الضّعيف والسّقيم والكبير، وإذا صلّى أحدكم لنفسه فليطوّل ما شاء» ) * «3» . 4- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيّا في السّبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» قلنا: لا، وهي تقدر على ألاتطرحه، فقال: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «4» . 5- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر» ، فسلّم وقال: يا رسول الله، إنّي كان بيني وبين ابن الخطّاب شيء فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) » ، ثمّ إنّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثمّ أبو بكر؟. فقالوا: لا، فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر «5» ، حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟» (مرّتين) فما أوذي بعدها) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) البخاري- الفتح 10 (6011) واللفظ له، ومسلم (2586) . (2) مسلم (2753) . (3) البخاري- الفتح 2 (703) واللفظ له، ومسلم (467) . (4) البخاري- الفتح 10 (5999) واللفظ له، ومسلم (2754) . (5) يتمعّر: يتغير. (6) البخاري- الفتح 7 (3661) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2866 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنّما ذهب بابنك، فقالت الاخرى: إنّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى للكبرى. فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه. فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينهما، فقالت الصّغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصّغرى» ) * «1» . 7- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ فقال: يا نبيّ الله، علّمني عملا يدخلني الجنّة. قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «2» ، أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة. قال: أوليستا واحدا؟ قال لا، عتق النّسمة أن تعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة أن تعين على الرّقبة، والمنيحة الرّغوب، والفيء على ذي الرّحم. فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير) * «3» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: بينما نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل على راحلة له، قال فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» . قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل) * «4» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العطف) 9- * (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «5» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم ومروهم، وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم» ) * «6» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أعتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة حتّى ذهب عامّة اللّيل. وحتّى نام أهل المسجد، ثمّ خرج فصلّى. فقال: «إنّه لوقتها، لولا أن أشقّ على أمّتي» ) * «7» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. فقال: «لقد لقيت من قومك. وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلّا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي- فإذا أنا بسحابة قد   (1) البخاري- الفتح 6 (3427) واللفظ له، ومسلم (1720) . (2) لئن أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: لئن أوجزت الكلام فالمعنى كبير. (3) أحمد: (4/ 299) والأدب المفرد (1/ 104) برقم (69) واللفظ له وقال مخرجه: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الشعب ورجاله ثقات. (4) مسلم (1728) . (5) شببة: جمع شاب مثل بررة جمع بار. (6) البخاري- الفتح 10 (6008) واللفظ له، ومسلم (674) . (7) البخاري- الفتح 2 (569) ، ومسلم (638) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2867 أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد! إنّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربّك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «1» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قالت قريش للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ادع لنا ربّك يجعل لنا الصّفا ذهبا، فإن أصبح ذهبا، اتّبعناك، فدعا ربّه فأتاه جبريل- عليه السّلام- فقال: إنّ ربّك يقرئك السّلام، ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصّفا ذهبا، فمن كفر منهم عذّبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التّوبة والرّحمة. قال: «بل باب التّوبة والرّحمة» ) * «2» . 13- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلّى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها) * «3» . 14- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء «4» ، فأتى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الوثاق. قال: يا محمّد! فأتاه فقال: «ما شأنك؟» . فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاجّ. فقال: (إعظاما لذلك) «أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» . ثمّ انصرف عنه فناداه. فقال: يا محمّد! يا محمّد! وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رقيقا. فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي مسلم. قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كلّ الفلاح» ، ثمّ انصرف. فناداه. فقال: يا محمّد! يا محمّد! فأتاه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي جائع فأطعمني وظمان فاسقني. قال: «هذه حاجتك» ، ففدي بالرّجلين) * «5» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! قلنا: بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «6» رويدا. فجعلت درعي في رأسي «7» واختمرت، وتقنّعت   (1) مسلم (1795) . (2) أحمد (1/ 345) ، مجمع الزوائد (10/ 196) واللفظ له، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (3) البخاري- الفتح 10 (5996) واللفظ له، مسلم (543) . (4) العضباء: ناقة نجيبة كانت لرجل من بني عقيل ثم انتقلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (5) مسلم (1641) . (6) أجافه: أي أغلقه. (7) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة: قميصها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2868 إزاري «1» ، ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام، فأطال القيام، ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «2» . فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش، حشيا رابية «3» » . قالت: قلت: لا شيء. قال: «لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» . قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي! فأخبرته. قال: «فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» . قلت: نعم. فلهدني «4» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» . قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. قال: «نعم» . قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني. فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي. فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» .. قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله! قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «5» 16- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منزلا فانطلق إنسان إلى غيضة «6» فأخرج منها بيض حمّرة فجاءت الحمّرة ترفّ على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورؤوس أصحابه. فقال: «أيّكم فجع هذه؟» ، فقال رجل من القوم: أنا أصبت لها بيضا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اردده» ) * «7» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا أنزلت هذه الاية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا فاجتمعوا، فعمّ وخصّ فقال: «يا بني كعب بن لؤيّ! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني مرّة بن كعب! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد شمس! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد المطّلب! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا فاطمة! أنقذي نفسك من النّار، فإنّي لا أملك لكم من الله شيئا غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها» «8» ) * «9» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما مثلي ومثل أمّتي، كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدّوابّ والفراش يقعن   (1) تقنعت إزاري: لبست إزاري. (2) فأحضرت: فأسرعت. (3) مالك يا عائش حشيا رابية: يعني وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره. (4) فلهدني: دفعني. (5) مسلم (974) . (6) الغيضة: الشجر الملتف. (7) مسند أحمد (1/ 404) برقم (3834) واللفظ له، وأبو داود (5268) . (8) ومعنى الحديث: سأصلها شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة ومنه بلوا أرحامكم أي صلوها. (9) مسلم (204) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2869 فيه، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحّمون «1» فيه» ) * «2» . 19- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم! إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلتهم، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (العطف) 1- * (كان عيسى ابن مريم- عليهما السّلام- يقول: لا تمنع العلم من أهله فتأثم، ولا تنشره عند غير أهله فتجهل، وكن طبيبا رفيقا يضع دواءه حيث يعلم أنّه ينفع) * «4» . 2- * (عن عروة بن الزّبير قال: ذهب عبد الله ابن الزّبير مع أناس من بني زهرة إلى عائشة، وكانت أرقّ شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . 3- * (قال الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما: المروءة حفظ الرّجل دينه، وحذره نفسه، وحسن قيامه بضيفه، وحسن المنازعة، والإقدام في الكراهية. والنّجدة: الذّبّ عن الجار، والصّبر في المواطن. والكرم: التّبرّع بالمعروف قبل السّؤال، والإطعام في المحل، والرّأفة بالسّائل مع بذل النّائل) * «6» . 4- * (قال عون بن عبد الله: بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزّبير «7» مكتئبا، معه شيء ينكت به في الأرض، إذ رفع رأسه فسنح له «8» صاحب مسحاة «9» ، فقال له: يا هذا مالي أراك مكتئبا حزينا؟ قال: فكأنّه ازدراه «10» ، فقال: لا شيء، فقال صاحب المسحاة: أللدّنيا؟ فإنّ الدّنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، والآخرة أجل صادق، يحكم فيها ملك قادر، يفصل بين الحقّ والباطل. فلمّا سمع ذلك منه كأنّه أعجبه، قال: فقال: لما فيه المسلمون. قال: فإنّ الله سينجيك بشفقتك على المسلمين، وسل، فمن ذا الّذي سأل الله- عزّ وجلّ- فلم يعطه،   (1) تقحّمون: التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت. (2) مسلم (2284) . (3) مسلم (2283) في باب شفقته صلّى الله عليه وسلّم ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم. (4) الدارمي (379) . (5) البخاري- الفتح 6 (3503) . (6) الإحياء (3/ 246) . (7) قتاله مع الحجّاج. (8) عرض له. (9) مجراف من الحديد. (10) استصغر شأنه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2870 ودعاه فلم يجبه، وتوكّل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه؟ قال: فعلقت الدّعاء «1» ، اللهمّ سلّمني وسلّم منّي، فتجلّت «2» ولم تصب منه أحدا) * «3» . 5- * (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى-: صلة الرّحم هو أداء الواجب لها من حقوق الله الّتي أوجب لها والتّعطّف عليها بما يحقّ التّعطّف به عليها) * «4» . 6- * (قال أبو سليمان الدّارنيّ: جلساء الرّحمن يوم القيامة من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر) * «5» . من فوائد (العطف) 1- صورة من صور تكامل المجتمع. 2- العطف من رحمة الله. 3- الرّحمة بالضّعفاء والمرضى تدخل السّرور على قلوبهم وتسعدهم. 4- إمهال المخطئين وهو ممّا يصلح المجتمع. 5- الرّحمة بالحيوان. 6- يثمر حبّ الخير للغير.   (1) اغتنمته (2) انكشفت. (3) التوكل على الله لابن أبي الدنيا (52) ، وقال مخرجه: إسناده صحيح. (4) عدة الصابرين (144) . (5) جامع البيان في تفسير القرآن (1/ 144) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2871 العفة العفة لغة: مصدر قولهم عفّ عن الشّيء يعفّ عفّة، وهذا مأخوذ من مادّة (ع ف ف) الّتي تدلّ على «الكفّ عن القبيح» «1» يقال: عفّ عن الحرام يعفّ عفّا وعفّة وعفافا وعفافة، أي كفّ، وقال الرّاغب: أصل العفّة الاقتصار على تناول الشّيء القليل الجاري مجرى العفافة (أي البقيّة من الشّيء) أو مجرى العفعف وهو ثمر الأراك، والاستعفاف طلب العفّة. وقال ابن منظور: العفّة: الكفّ عمّا لا يحلّ ويجمل، والعفّة أيضا: النزاهة. ويقال: عفّ عن المحارم والأطماع الدّنيّة، يعفّ عفّة وعفّا وعفافة وعفافا فهو عفيف، وتعفّف أي تكلّف العفّة. والعفاف أيضا: هو الكفّ عن الحرام والسّؤال من النّاس. والاستعفاف: طلب العفاف، وهذا معنى قول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً (النور/ 33) أي ليضبط نفسه بمثل الصّوم فإنّه وجاء، وكذلك في الحديث: «ومن يستعفف يعفّه الله» . والاستعفاف أيضا: الصّبر الايات/ الأحاديث/ الاثار 5/ 44/ 16 والنّزاهة عن الشّيء ومنه الحديث: «اللهمّ إنّي أسألك العفاف والغنى» . ويقال: رجل عفّ وعفيف والأنثى بالهاء وجمع العفيف: أعفّة وأعفّاء، وقيل: العفيفة من النّساء السّيّدة الخيّرة. وقيل هي عفّة الفرج، ونسوة عفائف، ورجل عفيف أيضا معناه عفّ عن المسألة والحرص، وقيل في وصف قوم: أعفّة الفقر. أي إنّهم إذا افتقروا لم يفشوا المسألة القبيحة «2» . واصطلاحا: قال الرّاغب: العفّة حصول حالة للنّفس تمتنع بها عن غلبة الشّهوة، والمتعفّف هو المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر «3» . وقال أيضا: العفّة هي ضبط النّفس عن الملاذّ الحيوانيّة، وهي حالة متوسّطة من إفراط هو الشّره وتفريط وهو جمود الشّهوة «4» . وقال الكفويّ: العفّة هي الكفّ عمّا لا يحلّ «5» . وقال الجاحظ: هي ضبط النّفس عن الشّهوات   (1) لهذه المادة معنى آخر هو «القلة في الشيء» ومنه العفة في معنى بقية اللبن في الضرع. انظر مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 3) . (2) لسان العرب (4/ 3015) . والصحاح (4/ 1405- 1406) ، والمقاييس (4/ 3) ، والمفردات (339) . (3) المفردات (339) . (4) الذريعة إلى مكارم الشريعة (315) . (5) انظر الكليات (656) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2872 وقصرها على الاكتفاء بما يقيم أود الجسد ويحفظ صحّته فقط، واجتناب السّرف في جميع الملذّات وقصد الاعتدال، وأن يكون ما يقتصر عليه من الشّهوات على الوجه المستحبّ المتّفق على ارتضائه وفي أوقات الحاجة الّتي لا غنى عنها، وعلى القدر الّذي لا يحتاج إلى أكثر منه، ولا يحرس النّفس والقوّة أقلّ منه، وهذه الحال هي غاية العفّة «1» . قال الجرجانيّ- رحمه الله تعالى-: العفّة: هي هيئة للقوّة الشّهويّة متوسّطة بين الفجور الّذي هو إفراط هذه القوّة والخمود الّذي هو تفريطه. فالعفيف من يباشر الأمور على وفق الشّرع والمروءة «2» . أنواع العفة: قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: العفّة والنّزاهة والصّيانة من شروط المروءة، والعفّة نوعان: أحدهما العفّة عن المحارم، والثّاني العفّة عن الماثم، فأمّا العفّة عن المحارم، فنوعان: أحدهما ضبط الفرج عن الحرام، والثّاني كفّ اللّسان عن الأعراض، فأمّا ضبط الفرج عن الحرام فلأنّ عدمه مع وعيد الشّرع وزاجر العقل معرّة فاضحة، وهتكة واضحة. وأمّا كفّ اللّسان عن الأعراض؛ فلأنّ عدمه ملاذّ السّفهاء وانتقام أهل الغوغاء، وهو مستسهل الكفّ، وإذا لم يقهر نفسه عنه برادع كافّ، وزاجر صادّ، تلبّط بمعّارّه، وتخبّط بمضارّه، وأمّا العفّة عن الماثم فنوعان أيضا: أحدهما: الكفّ عن المجاهرة بالظّلم، والثّاني: زجر النّفس عن الإسرار بخيانة. فأمّا المجاهرة بالظّلم فعتوّ مهلك وطغيان متلف، ويؤول إن استمّر إلى فتنة تحيط في الغالب بصاحبها فلا تنكشف إلّا وهو مصروع. وأمّا الاستسرار بالخيانة فضعة لأنّه بذلّ الخيانة مهين، ولقلّة الثّقة به مستكين، وقد قيل: من يخن يهن. هذا ولا يجعل ما يتظاهر به من الأمانة زورا، ولا ما يبديه من العفّة غرورا، فينتهك الزّور وينكشف الغرور، فيكون مع هتكه للتّدليس أقبح، ولمعرّة الرّياء أفضح «3» . قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-: الكمال عزيز والكامل قليل الوجود، وأوّل أسباب الكمال تناسب أعضاء البدن وحسن صورة الباطن، فصورة البدن تسمّى خلقا، وصورة الباطن تسمّى خلقا، ودليل كمال صورة البدن حسن السّمت واستعمال الأدب، ودليل كمال صورة الباطن حسن الطّبائع والأخلاق. فالطّبائع: العفّة، والنّزاهة، والأنفة من الجهل، ومباعدة الشّره. والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب وابتداء المعروف، والحلم عن الجاهل. فمن رزق هذه الأشياء رقّته إلى الكمال، وظهر عنه أشرف الخلال، وإن نقصت خلّة أوجبت النّقص «4» .   (1) تهذيب الأخلاق (21، 22) . (2) التعريفات (151) والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (243) . (3) أدب الدنيا والدين (384- 390) بتصرف شديد. (4) صيد الخاطر (289) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2873 شروط العفة: واعلم أنّه لا يكون المتعفّف عفيفا إلّا بشرائط: وهي ألايكون تعفّفه عن الشّيء انتظارا لأكثر منه أو لأنّه لا يوافقه، أو لجمود شهوته، أو لاستشعار خوف من عاقبته، أو لأنّه ممنوع من تناوله، أو لأنّه غير عارف به لقصوره فإنّ ذلك كلّه ليس بعفّة بل هو إمّا اصطياد، أو تطبّب أو مرض أو خرم أو عجز أو جهل، وترك ضبط النّفس عن الشّهوة أذمّ من تركها عن الغضب. فالشّهوة مغتالة مخادعة، والغضب مغالب والمتحيّز عن قتال المخادع أردأ حالا من المتحيّز عن قتال المغالب. ولهذا قيل عبد الشّهوة أذلّ من عبد الرّقّ، وأيضا بالشّره قد يجهل عيبه فهو شبيه بأهل مدينة لهم سنّة رديئة يتعاطونها وهم يعرفون قبحها، وليس من تعاطى قبيحا يعرفه كمن يتعاطاه وهو يظنّه حسنا «1» . تمام العفة: لا يكون الإنسان تامّ العفّة حتّى يكون عفيف اليد واللّسان والسّمع والبصر فمن عدمها في اللّسان السّخرية، والتّجسّس والغيبة والهمز والنّميمة والتّنابز بالألقاب، ومن عدمها في البصر: مدّ العين إلى المحارم وزينة الحياة الدّنيا المولّدة للشّهوات الرّديئة، ومن عدمها في السّمع: الإصغاء إلى المسموعات القبيحة. وعماد عفّة الجوارح كلّها ألايطلقها صاحبها في شيء ممّا يختصّ بكلّ واحد منها إلّا فيما يسوّغه العقل والشّرع دون الشّهوة والهوى «2» . [للاستزادة: انظر صفات: تعظيم الحرمات- حفظ الفرج- المروءة- النزاهة- الشهامة- الرجولة- النبل- الحجاب- الغيرة- غض البصر- الحياء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: انتهاك الحرمات- الزنا- التبرج- الفسوق- العصيان- الدياثة- الذل- الخنوثة- إطلاق البصر- الغي والإغواء- الفحش- الكذب- النميمة] .   (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (319) بتصرف. (2) الذريعة إلى مكارم الشريعة (319) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2874 الآيات الواردة في «العفة» آيات العفة فيها عن الأجر أو السؤال للحاجة: 1- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) * لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) «1» 2- وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) «2» آيات العفة فيها عن شهوة النكاح أو أسبابه: 3- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ   (1) البقرة: 270- 273 مدنية (2) النساء: 4- 7 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2875 أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «1» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «2» الايات الواردة في «العفة» معنى 5- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) «3» . وانظر صفة «حفظ الفرج»   (1) النور: 30- 33 مدنية (2) النور: 58- 60 مدنية (3) يوسف: 23- 25 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2876 الأحاديث الواردة في (العفة) 1- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدّنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة في طعمة» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعفّ «2» النّاس قتلة: أهل الإيمان» ) * «3» . 3- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنّه كان بالشّام في رجال من قريش قدموا تجّارا في المدّة الّتي كانت بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين كفّار قريش. قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشّام، فانطلق بي وبأصحابي حتّى قدمنا إيلياء، فأدخلنا عليه ... الحديث. وفيه: قال: فماذا يأمركم به؟ قال: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة ... وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأنّ حربكم وحربه تكون دولا، ويدال عليكم المرّة وتدالون عليه الاخرى، وكذلك الرّسل تبتلى وتكون لها العاقبة. وسألتك بماذا يأمركم؟ فزعمت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصّلاة، والصّدق والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة نبيّ قد كنت أعلم أنّه خارج، ولكن لم أعلم أنّه منكم، وإن يك ما قلت حقّا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه» ... الحديث) * «4» . 4- * (عن أبي طلحة الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرأ قومك السّلام فإنّهم ما علمت أعفّة صبر» ) * «5» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-   (1) أحمد (2/ 177) رقم (6661) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 139) : إسناده صحيح وعزاه كذلك للخرائطي في مكارم الأخلاق. (10/ 137) . وذكره الهيثمي في موضعين (4/ 145) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفي (10/ 295) وقال: رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن. وذكره كذلك المنذري في الترغيب في (4/ 589) وقال: رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة. وذكره في المشكاة (5222) وقال رواه أحمد والبيهقي في الشعب. وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 301) رقم (886) وقال: صحيح. وفي الصحيحة (2/ 370) رقم (733) . (2) العفة: النزاهة. ومعناها أنهم إذا قتلوا لا يمثلون. (3) أبو داود (2666) واللفظ له. وابن ماجة (2681، 2682) . وأحمد (1/ 393) رقم (3727) وقال شاكر: إسناده صحيح (5/ 275) . وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 273) : حديث حسن. (4) البخاري- الفتح 6 (2941) واللفظ له. ومسلم (1773) . (5) الترمذي (3903) واللفظ له وقال: حسن غريب. وقال المزي في تحفة الأشراف نقلا عن الترمذي: حسن صحيح (3/ 248) . وأحمد (3/ 150) ، والبزار كما في مجمع الزوائد (10/ 41) ، والحاكم (480) ، وصححه وأقره الذهبي، وصحح الألباني الشطر الثاني منه، وفي الحديث محمد بن ثابت البناني وهو- كما قال الحاكم-: عزيز الحديث لم يأت بمعني منكر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2877 عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يقول: «اللهمّ إنّي أسألك الهدى والتّقى والعفاف والغنى» ) * «1» . 6- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «2» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «3» تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «4» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك. وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «5» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب. «والشّنظير «6» الفحّاش» ) * «7» . 7- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم وعفّوا تعفّ نساؤكم» ) * «8» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة حقّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الّذي يريد الأداء، والنّاكح الّذي يريد العفاف» ) * «9» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأمّا الّذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك المرج «10» والرّوضة كان له حسنات، ولو   (1) مسلم (2721) . (2) اجتالتهم: استخفوهم فذهبوا بهم. (3) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مرّ الزمان. (4) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (5) لا زبر له أي لا عقل له يزبره، ويمنعه مما لا ينبغي. (6) الشنظير: السيء الخلق. (7) مسلم (2865) . (8) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 318) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن. وقال رواه أيضا هو وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها (9) الترمذي (1655) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. والنسائي (6/ 61) . وابن ماجة (2518) . وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن وعزاه أيضا لأحمد وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه (9/ 563) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (3/ 43) . (10) المرج: يعني المرعى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2878 أنّها قطعت طيلها «1» فاستنّت شرفا أو شرفين «2» كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى به كان ذلك حسنات له، وهي لذلك الرّجل أجر، ورجل ربطها تغنّيا وتعفّفا ولم ينس حقّ الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء فهي على ذلك وزر» . وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحمر قال: «ما أنزل الله عليّ فيها إلّا هذه الاية الفاذّة الجامعة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» ) * «3» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «دخل رجل على أهله، فلمّا رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البرّيّة فلمّا رأت امرأته قامت إلى الرّحى فوضعتها وإلى التّنّور فسجرته ثمّ قالت: اللهمّ ارزقنا، فنظرت فإذا الجفنة قد امتلأت. قال: وذهبت إلى التّنّور فوجدته ممتلئا. قال: فرجع الزّوج، قال: أصبتم بعدي شيئا؟ قالت امرأته: نعم من ربّنا، قام إلى الرّحى، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال «أما إنّه لو لم يرفعها لم تزل تدور إلى يوم القيامة» وشهدت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «والله لأن يأتي أحدكم صبيرا ثمّ يحمله يبيعه فيستعفّ منه خير له من أن يأتي رجلا يسأله» ) * «4» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لصاحب الحقّ: «خذ حقّك في عفاف واف أو غير واف» ) * «5» . 12- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «سرّحتني أمّي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته وقعدت فاستقبلني وقال: «من استغنى أغناه الله- عزّ وجلّ- ومن استعفّ أعفّه الله- عزّ وجلّ- ومن استكفى كفاه الله- عزّ وجلّ- ومن سأل وله قيمة أوقيّة، فقد ألحف» فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقيّة فرجعت ولم أسأله» ) * «6» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرض عليّ أوّل ثلاثة يدخلون الجنّة: شهيد وعفيف متعفّف وعبد أحسن عبادة الله، ونصح لمواليه» ) * «7» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ   (1) الطول: هو الحبل. (2) استنت شرفا أو شرفين: يعني جرت شوطا أو شوطين فرحا. (3) البخاري- الفتح 13 (7356) واللفظ له. ومسلم (987) . (4) أحمد (2/ 513) رقم (1669) واللفظ له. قال الهيثمي رحمه الله تعالى: رواه الطبراني في الأوسط بنحوه ورجالهم رجال الصحيح غير شيخ البزار وشيخ الطبراني وهما ثقتان (10/ 256- 257) . (5) ابن ماجة (2422) وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط مسلم. ورواه ابن حبان في صحيحه. وذكره الألباني (2/ 54) وقال: حسن صحيح. (6) النسائي (5/ 98) واللفظ له وقال الألباني: حسن صحيح (2/ 549) (2432) . وأبو داود (1628) وذكره الألباني في الصحيح رقم (1440) . وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (3/ 95) . (7) الترمذي (1642) وقال: حديث حسن واللفظ له. أحمد (2/ 425) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن (18/ 137) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 535) : ورواه أيضا الحاكم والبيهقي. والحديث كما قال الترمذي (10/ 535) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2879 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال رجل لأتصدّقنّ اللّيلة بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق اللّيلة على زانية. قال: اللهمّ لك الحمد على زانية. لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ. فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على غنيّ. قال: اللهمّ لك الحمد على غنيّ لأتصدّقنّ بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق. فأصبحوا يتحدّثون تصدّق على سارق. فقال: اللهمّ لك الحمد على زانية وعلى غنيّ وعلى سارق. فأتي فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت. أمّا الزّانية فلعلّها تستعفّ بها عن زناها، ولعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله. ولعلّ السّارق يستعفّ بها عن سرقته» ) * «1» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المسكين الّذي تردّه التّمرة والتّمرتان. ولا اللّقمة ولا اللّقمتان. إنّما المسكين الّذي يتعفّف. اقرؤا إن شئتم: يعني قوله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً» ) * «2» . 16- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: «إنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم. حتّى إذا نفد ما عنده. قال: «ما يكن عندي من خير فلن أدّخره عنكم. ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله. ومن يصبر يصبّره الله. وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصّبر» ) * «3» . 17- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنفق على نفسه نفقة يستعفّ بها فهي صدقة، ومن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة» ) * «4» . 18- * (عن ابن عمر وعائشة- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من طالب حقّا فليطلبه في عفاف واف أو غير واف» ) * «5» . 19- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمارا وأردفني خلفه وقال: «يا أبا ذرّ، أرأيت إن أصاب النّاس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: «تعفّف» . قال يا أبا ذرّ! أرأيت إن أصاب النّاس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد- يعني القبر- كيف تصنع؟» . قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «اصبر» . قال: «يا أباذرّ أرأيت إن   (1) البخاري- الفتح 3 (1421) . ومسلم (1022) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 8 (4539) واللفظ له. ومسلم (1039) . (3) البخاري- الفتح 3 (1469) . ومسلم (1053) واللفظ له. (4) قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن (3/ 62) . (5) ابن ماجة (2421) واللفظ له وذكره الألباني وقال: صحيح (2/ 54) . وذكره البخاري في الترجمة، وقال الحافظ: أخرجه الترمذي وابن ماجة وابن حبان (الفتح (4/ 359) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2880 قتل النّاس بعضهم بعضا (يعني حتّى تغرق حجارة الزّيت «1» من الدّماء) كيف تصنع؟» . قال: الله ورسوله أعلم. قال: «اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك» . قال: فإن لم أترك؟ قال: «فائت من أنت منهم فكن فيهم» . قال: فاخذ سلاحي؟ قال: «إذا تشاركهم فيما هم فيه ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السّيف فألق طرف ردائك على وجهك حتّى يبوء بإثمه وإثمك» ) * «2» . 20- * (عن معاوية بن حيدة القشيريّ النّيسابوريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قلت: يا رسول الله إنّا قوم نتساءل أموالنا. قال: «يتساءل الرّجل في الجائحة أو الفتق ليصلح به بين قومه، فإذا بلغ أو كرب استعفّ» ) * «3» . 21- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، فرأى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جلده ونشاطه. فقالوا: يا رسول الله! لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن كان خرج يسعى على ولده «4» صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشّيطان» ) * «5» . 22- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وهو على المنبر، وهو يذكر الصّدقة والتّعفّف عن المسألة: «اليد العليا خير من اليد السّفلى. واليد العليا المنفقة، والسّفلى السّائلة» ) * «6» .   (1) حجارة الزيت: اسم موضع بالقرب من المدينة أحجاره لامعة. (2) أبو داود (4261) وهو عند الألباني (3/ 803) وقال: صحيح. وابن ماجة (3958) وقال فيه الألباني: صحيح (2/ 355) . والحاكم (4/ 424) . وأحمد (5/ 149، 163) واللفظ له. وذكره الألباني في إرواء الغليل (8/ 101) رقم (2451) وعزاه كذلك لابن حبان والبيهقي والاجري في الشريعة والطبراني في الكبير. (3) أحمد (5/ 3) وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله ثقات (3/ 99- 1100) ومعني قوله (كرب) أي قارب وأوشك. (4) الولد والولد- بضم أوله- ما ولد، وهو يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى، وقد جمعوا فقالوا: أولاد وولدة وإلدة، وقد يجوز أن يكون الولد جمع ولد كوثن جمع وثن. (5) رواه الطبراني في الكبير (19/ 129) وقال مخرجه: هو في الأوسط والصغير. وذكره الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (633) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (3/ 63) واللفظ له. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح (4/ 325) . (6) البخاري- الفتح 3 (1429) . ومسلم (1033) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2881 الأحاديث الواردة في (العفة) معنى 23- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استغنوا عن النّاس، وما قلّ من السّؤال فهو خير» . قالوا: ومنك يا رسول الله؟. قال: «ومنّي» ) * «1» . 24- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: أصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحافظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» ) * «2» . 25- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم ونحن عنده: «طوبى للغرباء» . فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: «أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم» . قال: وكنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما آخر حين طلعت الشّمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيأتي أناس من أمّتي يوم القيامة نورهم كضوء الشّمس» . قلنا: من أولئك يا رسول الله؟. فقال: «فقراء المهاجرين الّذين تتّقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره، يحشرون من أقطار الأرض» ) * «3» . 26- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» ، وكنّا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» . قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. فعلام نبايعك؟. قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. والصّلوات الخمس. وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة) ولا تسألوا النّاس شيئا. فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم. فما يسأل أحدا يناوله إيّاه» ) * «4» . 27- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّت   (1) الطبراني في الكبير ولفظه: «استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك» (11/ 444) . قال العراقي في تخريج الاحياء أخرجه البزار والطبراني وإسناده صحيح (4/ 211) . وذكره الهيثمي في المجمع (3/ 94) وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. (2) أحمد (5/ 323) واللفظ له. وذكره الدمياطي في المتجر الرابح وقال: رواه أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد (645) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد (3/ 35) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 339) رقم (1029) وقال: حسن وفي الصحيحة (3/ 454) رقم (1470) وعزاه هناك أيضا لابن خزيمة والخرائطي في المكارم والطبراني والبيهقي في الشعب. (3) أحمد (2/ 177) واللفظ له، وقال شاكر: إسناده صحيح (10/ 136) . وقال في المجمع (10/ 258، 259) رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير وله في الكبير أسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح. (4) مسلم (1043) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2882 المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئت» ) * «1» . 28- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل. فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل. فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعلّ الله يفرجها عنكم. فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم «2» ، حلبت، فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ، وإنّه نأى بي ذات يوم الشّجر «3» ، فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون «4» عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم «5» حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، نرى منها السّماء، ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السّماء. وقال الاخر: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها. فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها، قالت: يا عبد الله، اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه. فقمت عنها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم. وقال الاخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ «6» ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها، فجاءني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها، فخذها. فقال: اتّق الله ولا تستهزأ بي. فقلت: إنّي لا أستهزأ بك. خذ ذلك البقر ورعاءها. فأخذه فذهب به. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي. ففرج الله ما بقي» ) * «7» .   (1) أحمد (1/ 191) واللفظ له. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد رواة الصحيح خلا ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات (3/ 52) وكذا الدمياطي في المتجر الرابح وعزاه لابن حبان (493) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 240) رقم (673، 674) . وكذا في آداب الزفاف وقال: حسن أو صحيح (282) . (2) فإذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مراحها. يقال: أرحت الماشية وروحتها، بمعنى. (3) نأى بي ذات يوم الشجر: ومعناه بعد. والنأي البعد. (4) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع. (5) فلم يزل ذلك دأبي: أي حالي اللازمة. (6) بفرق: بفتح الراء وإسكانها، لغتان، الفتح أجود وأشهر. وهو إناء يسع ثلاثة آصع. (7) البخاري- الفتح 6 (3465) . ومسلم (2743) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2883 29- * (عن معاوية بن حيدة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ترى أعينهم النّار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفّت عن محارم الله» ) * «1» . 30- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: قد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه منّي. حتّى أعطاني مرّة مالا. فقلت: أعطه أفقر إليه منّي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذه. وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف، ولا سائل فخذه، ومالا، فلا تتبعه نفسك» ) * «2» . 31- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- أنّه قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: «إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس «3» لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «4» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة الله- عزّ وجلّ-، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «5» . 33- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا وقنّعه الله بما آتاه» ) * «6» . 34- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدّث حديثا لو لم أسمعه إلّا مرّة أو مرّتين حتّى عدّ سبع مرّات ما حدّثت به ولكن سمعته أكثر من ذلك، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها، فلما أرادها على نفسها ارتعدت وبكت. فقال: ما يبكيك؟ قالت: لأنّ هذا عمل ما عملته، وما حملني عليه إلّا الحاجة. فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله تعالى، فأنا أحرى، اذهبي فلك ما أعطيتك، ووالله لا أعصيه بعدها أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إنّ الله قد غفر للكفل. فعجب النّاس من ذلك» ) * «7» .   (1) ذكره الدمياطي في المتجر الرابح (1887) وقال: رواه الطبراني ولا بأس بإسناده إن شاء الله. (2) البخاري- الفتح 13 (7164) . ومسلم (1045) واللفظ له. (3) بإشراف نفس: أي بتطلّع وطمع فيه. (4) البخاري- الفتح 3 (1472) . مسلم (1035) واللفظ له. وفيه عند الطبراني: ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله. وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (3/ 98) . (5) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له. (6) مسلم (1054) . (7) الترمذي (2496) وقال: هذا حديث حسن. وأحمد (2/ 23) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (6/ 334) رقم (4747) . والحاكم (4/ 254- 255) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (491، 492) واللفظ له، وعزاه للترمذي ونقل تحسينه وكذا ابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2884 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدّق به، ويستغني به من النّاس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه. ذلك، فإنّ اليد العليا أفضل من اليد السّفلى، وابدأ بمن تعول» ) * «1» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس» ) * «2» . 37- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصابته فاقة فأنزلها بالنّاس لم تسدّ فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى، إمّا بموت عاجل أو غنى عاجل» ) * «3» . 38- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنّة» ) * «4» . 39- * (عن رجل من بني أسد- رضي الله عنه- أنّه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقالت لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسله لنا شيئا نأكله، فذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا أجدما أعطيك فولّى الرّجل عنه، وهو مغضب وهو يقول: لعمري إنّك لتعطي من شئت. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليغضب على أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقيّة أو عدلها فقد سأل إلحافا» قال الأسديّ: فقلت: للقحة لنا خير من أوقيّة- والأوقيّة أربعون درهما. فرجعت ولم أسأله- فقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك شعير وزبيب فقسم لنا منه حتّى أغنانا الله- عزّ وجلّ-) * «5» . 40- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه: أنّ رجلا من الأنصار أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله، فقال: «أما في بيتك شيء؟» قال: بلى. حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء. قال: «ائتني بهما» ، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده، وقال: «من يشتري هذين» قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: «من يزيد على درهم؟» مرّتين أو ثلاثا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إيّاه، وأخذ الدّرهمين وأعطاهما الأنصاريّ، وقال: «اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالاخر قدوما فأتني به» ، فأتاه به، فشدّ فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عودا بيده، ثمّ قال له: «اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينّك خمسة عشر يوما» فذهب الرّجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما،   (1) مسلم (1042) . وأخرج البخاري نحوه من حديث الزبير ابن العوام 3 (1471) . (2) البخاري- الفتح 11 (6446) . ومسلم (1051) . (3) أبو داود (1645) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (1/ 310) . والترمذي (2326) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأحمد (1/ 389) . ورواه أحمد في «المسند» رقم (3696) و (3896) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (4) البخاري- الفتح 11 (6474) . (5) النسائي (5/ 98- 99) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (2/ 549، 550) . وأبو داود (1627) وقال الألباني: صحيح رقم (1433) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2885 فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إنّ المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» ) * «1» . 41- * (روي أنّ عثمان- رضي الله عنه- أشرف على الّذين حاصروه في الدّار فسلّم عليهم فلم يردّوا عليه فقال عثمان- رضي الله عنه-: أفي القوم طلحة؟ قال طلحة: نعم. قال: فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. أسلّم على قوم أنت فيهم فلا تردّون. قال قد رددت. قال: ما هكذا الرّدّ. أسمعك ولا تسمعني؟. يا طلحة! أنشدك الله، أسمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحلّ دم المسلم إلّا واحدة من ثلاث أن يكفر بعد إيمانه، أو يزني بعد إحصانه، أو يقتل نفسا فيقتل بها» . قال: اللهمّ نعم. فكبّر عثمان فقال: والله ما أنكرت الله منذ عرفته ولا زنيت في جاهليّة ولا إسلام، وقد تركته في الجاهليّة تكرّها، وفي الإسلام تعفّفا وما قتلت نفسا يحلّ بها قتلي» ) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العفة) 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّي لأنقلب إلى أهلي فأجد التّمرة ساقطة على فراشي، ثمّ أرفعها لاكلها ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) * «3» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: أخذ الحسن بن عليّ تمرة من تمر الصّدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصّدقة» ) * «4» . 44- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بتمرة في الطّريق قال: «لولا أنّي أخاف أن تكون من الصّدقة لأكلتها» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العفة) 1- * (قال لقمان الحكيم- رحمه الله تعالى: «حقيقة الورع العفاف» ) * «6» . 2- * (لمّا فتح المسلمون القادسيّة أخذوا الغنائم ودفعوها إلى عمر. فقال: «إنّ قوما أدّوا هذا لأمناء، فقالوا له: عففت فعفّوا ولو رتعت يا أمير المؤمنين لرتعت أمّتك» ) * «7» .   (1) أبو داود (1641) واللفظ له. وابن ماجة (2198) . والترمذي (1218) وقال حسن. (2) أحمد (1/ 163) ورواه مختصرا وله طرق يصح بها. انظر نسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (509) . (3) البخاري- الفتح 5 (2432) . ومسلم (1070) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 3 (1491) . ومسلم (1069) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 5 (2431) واللفظ له. ومسلم (171) . (6) الورع لابن أبي الدنيا (59) . (7) المرجع السابق (122) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2886 3- * (وقال أيضا- رضي الله عنه- على المنبر: «لا تكلّفوا الأمة غير ذات الصّنعة الكسب؛ فإنّكم متى كلّفتموها ذلك كسبت بفرجها، ولا تكلّفوا الصّغير الكسب؛ فإنّه إذا لم يجد يسرق، وعفّوا إذا أعفّكم الله، وعليكم من المطاعم بما طاب منها» ) * «1» . 4- * (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما: «نحن معشر قريش نعدّ الحلم والجود السّؤدد، ونعدّ العفاف وإصلاح المال المروءة» ) * «2» . 5- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لمّا قال له النّاس: بايع لابن الزّبير: «وأين بهذا الأمر عنه «3» ، أمّا أبوه فحواريّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يريد الزّبير. وأمّا جدّه فصاحب الغار- يريد أبا بكر-. وأمّا أمّه، فذات النّطاق- يريد أسماء- وأمّا خالته فأمّ المؤمنين يريد عائشة. وأمّا عمّته فزوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- يريد خديجة- وأمّا عمّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجدّته- يريد صفيّة-، ثمّ عفيف في الإسلام قارئ للقرآن، والله إن وصلوني وصلوني من قريب، وإن ربّوني ربّوني أكفاء كرام «4» . فاثر عليّ التّويتات والأسامات والحميدات يريد أبطنا من بني أسد: بني تويت وبني أسامة وبني أسد أنّ ابن أبي العاص برز يمشي القدميّة «5» يعني عبد الملك بن مروان، وأنّه لوّى ذنبه، يعني ابن الزّبير» ) * «6» . 6- * (قال قلاخ (وهم جماعة يسمّون بهذا الاسم وأشهرهم القلاخ العنبريّ البصريّ المخضرم) لأبي جهل والحارث ابني هشام: فهل يخلدنّ ابني هشام غناهما ... وما يجمعان من مئين ومن ألف يقولان نستغني ووالله ما الغنى ... من المال إلّا ما يعفّ وما يكفي ) * «7» . 7- * (قال محمّد بن الحنفيّة- رحمه الله تعالى: «الكمال في ثلاثة: العفّة في الدّين، والصّبر على النّوائب، وحسن التّدبير في المعيشة» ) * «8» . 8- * (قال محمّد بن أبي عمرة في وصيّته لبنيه وأهل بيته: «أن اتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين» . قال إبراهيم لبنيه ويعقوب: يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة/ 132) . وأوصاهم ألايرغبوا أن يكونوا موالي الأنصار وإخوانهم في الدّين، وأنّ العفّة والصّدق خير وأتقى من الزّنا والكذب ... » ) * «9» . 9- * (قال أبو قلابة (عبد الله بن زيد الجرميّ) - رحمه الله تعالى-: «أىّ رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفّهم أو ينفعهم الله به   (1) الموطأ (981) . (2) الاداب الشرعية (2/ 15) . (3) معنى قوله وأين بهذا الأمر عنه: أن الخلافة ليست بعيدة عنه لشرفه ونسبه ووضعه. (4) أكفاء: جمع كفء وهو المثل، وكرام: أي في أحسابهم (5) القدمية: التبختر. (6) البخاري- الفتح 8 (4665) . (7) القناعة لابن السني (58) . (8) أدب الدنيا والدين (393- 394) . (9) الدارمي (2/ 104) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2887 ويغنيهم» ) * «1» . 10- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «خمس إذا أخطأ القاضي منهنّ خطّة كانت فيه وصمة: أن يكون فهما حليما عفيفا صليبا، عالما سئولا عن العلم» ) * «2» . 11- * (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله تعالى- لأصحابه وقد خرجوا يوم عيد: «إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا عفّة أبصارنا» ) * «3» . 12- * (قال أبو عمرو بن العلاء- رحمه الله تعالى-: «كان أهل الجاهليّة لا يسوّدون إلّا من كانت فيه ستّ خصال وتمامها في الإسلام سابعة: السّخاء، والنّجدة، والصّبر، والحلم، والبيان، والحسب، وفي الإسلام زيادة العفاف» ) * «4» . 13- * (قال منصور الفقيه- رحمه الله تعالى- «فضل التّقى أفضل من فضل اللّسان والحسب، إذاهما لم يجمعا إلى العفاف والأدب» ) * «5» . 14- * (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ دين المرء يفضي إلى السّتر والعفاف، ويؤدّي إلى القناعة والكفاف» ) * «6» . 15- * (قال ابن مفلح- رحمه الله-: «كان يقال: الشّكر زينة الغنى، والعفاف زينة الفقر» . ويقال أيضا: «حقّ الله واجب في الغنى والفقر، ففي الغنى العطف والشّكر، وفي الفقر العفاف والصّبر» ) * «7» . 16- * (قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: «العالم إذا كان عليما ولم يكن عفيفا كان ضرره أشدّ من ضرر الجاهل» ) * «8» . من فوائد (العفة) (1) من ثمرات الأديان ونتاج الإيمان. (2) حفظ الجوارح عمّا حرّم الله، وقيامها بما خلقت له. (3) حفظ الأعراض في الدّنيا، ولذّة النّعيم في الآخرة. (4) هي ركن من أركان المروءة الّتي ينال بها الحمد والشّرف. (5) نظافة المجتمع من المفاسد والماثم. (6) إشاعتها في المجتمع تجعله مجتمعا صالحا. (7) دليل كمال النّفس وعزّها. (8) صاحبها مستريح النّفس مطمئنّ البال. (9) دليل وفرة العقل، ونزاهة النّفس.   (1) مسلم (2/ 692) تعليقا على حديث رقم (994) . (2) الفتح (13/ 156) . (3) الورع لابن أبي الدنيا (63) . (4) الاداب الشرعية (2/ 215) . (5) الاداب الشرعية (2/ 221) . (6) أدب الدنيا والدين (194) . (7) الاداب الشرعية (2/ 310) . (8) الفتح (13/ 149) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2888 العفو والغفران العفو لغة: مصدر قولهم عفا يعفو عفوا وهو مأخوذ من مادّة (ع ف و) الّتي تدلّ على معنيين أصليّين الأوّل: ترك الشّيء، والاخر طلبه «1» ، ومن المعنى الأوّل عفو الله تعالى عن خلقه، وذلك تركه إيّاهم فلا يعاقبهم، فضلا منه تعالى، قال الخليل: العفو تركك إنسانا استوجب عقوبة فعفوت عنه، والله سبحانه هو العفوّ الغفور، قال ابن فارس: وقد يكون أن يعفو عن الإنسان بمعنى التّرك، ولا يكون ذلك عن استحقاق، ألا ترى إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم «عفوت عنكم عن صدقة الخيل» فليس العفو هاهنا عن استحقاق، ويكون معناه تركت أن أوجب عليكم الصّدقة (أي الزّكاة) في الخيل. وذهب الرّاغب إلى أنّ العفو له معنى واحد هو: القصد لتناول الشّيء، يقال من ذلك: عفاه واعتفاه أي قصده متناولا ما عنده وعفت الرّيح الدّار أي قصدتها متناولة آثارها، ومن هذا أيضا العفو بمعنى التّجافي عن الذّنب، وقولهم عفوت عنه: قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه، فالمفعول في الحقيقة متروك (وهو الذّنب) ، وقول الله تعالى خُذِ الْعَفْوَ الايات/ الأحاديث/ الاثار 29/ 34/ 28 (الأعراف/ 199) أي ما يسهل قصده وتناوله، وقيل معناه: تعاطي العفو عن النّاس، وقولهم في الدّعاء: أسألك العفو والعافية أي ترك العقوبة والسّلامة. وقال الجوهريّ: يقال: عفوت عن ذنبه إذا تركته ولم تعاقبه، والعفوّ على فعول: الكثير العفو، ويقال: عفوته أي أتيته أطلب معروفه، واعتفيته مثله، وعفو المال: ما يفضل عن الصّدقة، ويقال: أعفني من الخروج معك: أي دعني منه (وهذا راجع إلى معنى التّرك) ، واستعفاه من الخروج أي سأله الإعفاء منه، والعافية دفاع الله عن العبد، وهي اسم وضع موضع المصدر: يقال: عافاه الله عافية. وقال ابن الأثير: أصل العفو: المحو والطّمس، ومنه حديث أمّ سلمة، «قلت لعثمان: لا تعف سبيلا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحبها» أي لا تطمسها، والعفو في حديث أبي بكر- رضي الله عنه- «سلوا الله العفو والعافية والمعافاة» معناه: محو الذّنوب، وقال ابن منظور: وأمّا العافية فهي أن يعافيه الله تعالى من سقم أو بليّة، وهي: الصّحّة ضدّ المرض، يقال: عافاه الله وأعفاه أي وهب له العافية من العلل والبلايا، وأمّا المعافاة فأن يعافيك الله من النّاس ويعافيهم منك، أي   (1) ومن هذا المعنى الثاني: العفاة وهم طلاب المعروف، ومن ذلك أيضا: أعطيته المال عفوا أي من غير طلب. انظر هذه المعاني وما أشبهها في المقاييس (4/ 61) وما بعدها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2889 يغنيك عنهم ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك ويصرف أذاك عنهم، وقيل: هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفو عن النّاس ويعفوا هم عنه «1» . العفوّ من أسماء الله تعالى: قال ابن الأثير: من أسماء الله تعالى «العفوّ» هو فعول من العفو وهو التّجاوز عن الذّنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطّمس، وهو من أبنية المبالغة «2» وقال الغزاليّ: والعفوّ صفة من صفات الله تعالى، وهو الّذي يمحو السّيّئات ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من الغفور، ولكنّه أبلغ منه فإنّ الغفران ينبأ عن السّتر، والعفو ينبأ عن المحو، والمحو أبلغ من السّتر. وحظّ العبد من ذلك لا يخفى وهو أن يعفو عن كلّ من ظلمه بل يحسن إليه كما يرى الله تعالى محسنا في الدّنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة. بل ربّما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم، وإذا تاب عليهم محا سيّئاتهم، إذ التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له. وهذا غاية المحو للجناية «3» . وقال ابن القيّم- رحمه الله- تعالى: ومن حكمة الله- عزّ وجلّ- تعريفه عبده أنّه لا سبيل له إلى النّجاة إلّا بعفوه ومغفرته- جلّ وعلا- وأنّه رهين بحقّه، فإن لم يتغمّده بعفوه ومغفرته، وإلّا فهو من الهالكين لا محالة فليس أحد من خلقه إلّا وهو محتاج إلى عفوه ومغفرته كما هو محتاج إلى فضله ورحمته «4» . العفو اصطلاحا: قال المناويّ: العفو: القصد لتناول الشّيء والتّجاوز عن الذّنب «5» . وقال الكفويّ: العفو: كفّ الضّرر مع القدرة عليه، وكلّ من استحقّ عقوبة فتركها فهذا التّرك عفو «6» وقال أيضا: العفو عن الذّنب يصحّ رجوعه إلى ترك ما يستحقّه المذنب من العقوبة، وإلى محو الذّنب، وإلى الإعراض عن المؤاخذة كما يعرض المرء عمّا يسهل على النّفس بذله «7» . الفرق بين العفو والصفح: الصّفح والعفو متقاربان في المعنى فيقال: صفحت عنه أعرضت عن ذنبه وعن تثريبه، كما يقال عفوت عنه. إلّا أنّ الصّفح أبلغ من العفو فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصفحت عنه: أوليته صفحة جميلة «8» . الغفران لغة: الغفران مصدر قولهم: غفر الله لفلان غفرانا ويرادفه: المغفرة والغفر، وأصل ذلك: التّغطية والسّتر،   (1) مقاييس اللغة (4/ 56) ، وكتاب العين للخليل بن أحمد (2/ 258) ، والمفردات للراغب (340) ، والصحاح (6/ 2433) ، والنهاية 2/ 265، ولسان العرب (4/ 3020) - ط. دار المعارف. (2) النهاية في غريب الحديث (3/ 265) . (3) المقصد الأسنى (140) . (4) مفتاح دار السعادة (1/ 313) ط. ثانية، تعليق محمود ربيع. (5) التوقيف (243) ، وقد ذكر المناوي تعريفا آخر عن الحرالي ليس مما نحن فيه وهو أن العفو ما جاء بغير تكلف ولا كره. (6) الكليات (53) ، وانظر أيضا (598) . (7) انظر الكليات للكفوي (632) . (8) بصائر ذوي التمييز (3/ 421) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2890 والغفران والمغفرة من الله تعالى هي أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب، والاستغفار: طلب ذلك بالمقال والفعال، وقولهم اغفروا هذا الأمر بغفرته أي استروه بما يجب أن يستر به «1» . والغفران (والمغفرة والغفر) تكون من الله عزّ وجلّ للعبد، وتكون من العبد لأخيه، قال الشّاعر: غفرنا وكانت من سجيّتنا الغفر أنّث الغفر لأنّه في معنى المغفرة، وقولهم: غفر الأمر بغفرته وغفيرته: أصلحه بما ينبغي أن يصلح به، أمّا قولهم: ما عندهم عذيرة ولا غفيرة فمعناه: لا يعذرون ولا يغفرون ذنبا لأحد «2» . الغفران اصطلاحا: هو تغطية الذّنب بالعفو عنه «3» . والغفران المقصود هنا يعني أن يصفح المرء عن ذنب أخيه في حقّه وأن يتجاوز عنه. الفرق بين العفو والغفران: يتمثّل الفرق بين العفو والغفران في أمور عديدة أهمّها: - أنّ الغفران يقتضي إسقاط العقاب ونيل الثّواب، ولا يستحقّه إلّا المؤمن ولا يكون إلّا في حقّ البارىء- تعالى-. - أمّا العفو فإنّه يقتضي إسقاط اللّوم والذّمّ ولا يقتضي نيل الثّواب ويستعمل في العبد أيضا. - العفو قد يكون قبل العقوبة أو بعدها، أمّا الغفران؛ فإنّه لا يكون معه عقوبة البتّة ولا يوصف بالعفو إلّا القادر عليه. - في العفو إسقاط للعقاب، وفي المغفرة ستر للذّنب وصون من عذاب الخزي والفضيحة «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الصفح- الرحمة- الستر- السماحة- المحبة- كظم الغيظ- النبل- الرجولة- النزاهة- حسن العشرة- حسن المعاملة- الشهامة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الانتقام- الأذى- العنف- البغض- سوء الظن- سوء الخلق- سوء المعاملة] .   (1) انظر لسان العرب (6/ 3274) وما بعدها (ط. دار المعارف) ، والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (362) . (2) لسان العرب (6/ 3275) (3) انظر موسوعة له الأسماء الحسنى للشرباصي 2/ 263) . (4) الكليات للكفوي (632، 666) بتصرف يسير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2891 الآيات الواردة في «العفو» العفوّ من أسماء الله تعالى: 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «1» 2- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) «2» 3- إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149) «3» 4- الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) «4» العفو بمعنى الصفح: 5- وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) «5» 6- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «6» 7- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ   (1) النساء: 43 مدنية (2) النساء: 97- 99 مدنية (3) النساء: 149 مدنية (4) المجادلة: 2 مدنية (5) البقرة: 51- 52 مدنية (6) البقرة: 109 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2892 ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «1» 8- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «2» 9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «3» 10- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153)   (1) البقرة: 187 مدنية (2) البقرة: 285- 286 مدنية (3) آل عمران: 130- 136 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2893 * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) «1» 11- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «2» 12- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) «3» 13- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14)   (1) آل عمران: 152- 155 مدنية (2) آل عمران: 159 مدنية (3) النساء: 153 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2894 يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) «1» 14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) «2» 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102) «3» 16- انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) «4» 17- * ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «5» 18- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «6»   (1) المائدة: 12- 16 مدنية (2) المائدة: 94- 96 مدنية (3) المائدة: 101- 102 مدنية (4) التوبة: 41- 43 مدنية (5) الحج: 60 مدنية (6) النور: 22 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2895 19- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) «1» 20- وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «2» 21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) «3» العفو بمعنى الترك: 22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) «4»   (1) الشورى: 25- 35 مكية (2) الشورى: 40- 43 مكية (3) التغابن: 14- 15 مدنية (4) البقرة: 178- 179 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2896 23- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «1» العفو بمعنى الفاضل من المال 24- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) «2» 25- إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) «3»   (1) البقرة: 236- 237 مدنية (2) البقرة: 219 مدنية (3) الأعراف: 196- 199 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2897 الآيات الواردة في «الغفران» 26- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «1» 27- * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) «2» 28- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «3» 29- قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «4»   (1) البقرة: 221 مدنية (2) البقرة: 263 مدنية (3) الشورى: 36- 43 مكية (4) الجاثية: 14- 15 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2898 الأحاديث الواردة في (العفو) 1- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله- تعالى- حدّثنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (الشورى/ 30) . وسأفسّرها لك يا عليّ: «ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدّنيا فبما كسبت أيديكم، والله- تعالى- أكرم من أن يثنّي عليهم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله- تعالى- عنه في الدّنيا فالله- تعالى- أحلم من أن يعود بعد عفوه» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قالت أمّ حبيبة- رضي الله عنها-: «اللهمّ متّعني بزوجي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك سألت الله لاجال مضروبة، وآثار موطوءة، وأرزاق مقسومة، لا يعجّل منها شيئا قبل حلّه، ولا يؤخّر منها شيئا بعد حلّه، ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب في النّار، وعذاب في القبر لكان خيرا لك» ) * «2» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ الرّبيّع- وهي ابنة النّضر- كسرت ثنيّة جارية فطلبوا الأرش «3» ، وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمرهم بالقصاص. فقال أنس بن النّضر: أتكسر ثنيّة الرّبيّع يا رسول الله؟ لا والّذي بعثك بالحقّ لا تكسر «4» ثنيّتها. فقال: «يا أنس، كتاب الله القصاص» فرضي القوم وعفوا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» ) * «5» . 4- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا من أهل مصر سأله فقال: يا ابن عمر، إنّي سائلك عن شيء فحدّثني عنه: هل تعلم أنّ عثمان فرّ يوم أحد؟. قال: نعم. فقال: تعلم أنّه تغيّب عن بدر ولم يشهد؟. قال: نعم. قال الرّجل: هل تعلم أنّه تغيّب عن بيعة الرّضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: الله أكبر. قال ابن عمر: تعال أبيّن لك. أمّا فراره يوم أحد فأشهد أنّ الله عفا عنه وغفر له. وأمّا تغيّبه عن بدر فإنّه كانت تحته بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لك أجر رجل ممّن شهد بدرا وسهمه» . وأمّا تغيّبه عن بيعة الرّضوان   (1) أحمد (1/ 85) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 649) : إسناده حسن، وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/ 373) وعزاه لأحمد، والحاكم في المستدرك 2/ 445) من طريق أبي جحيفة عن علي- رضي الله عنه- وصححه ووافقه الذهبي. (2) مسلم (2663) . (3) الأرش: في الحكومات، وهو الذي يأخذه المشتري من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع، وأروش الجنايات والجراحات من ذلك. (4) قوله (لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها) : ليس من باب العصيان لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنما من باب الرجاء والدعاء أن يلهمهم الله العفو ويعفو. وهذه من كرامة المسلم عند الله إذا دعا استجاب له. (5) البخاري- الفتح 5 (2703) واللفظ له، ومسلم (1675) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2899 فلو كان أحد أعزّ ببطن مكّة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان، وكانت بيعة الرّضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده اليمنى: «هذه يد عثمان» . فضرب بها على يده فقال: «هذه لعثمان» ، فقال له ابن عمر: اذهب بها الان معك «1» ) * «2» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ عطاء بن يسار سأله أن يخبره عن صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التّوراة، قال: أجل. والله إنّه لموصوف في التّوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب «3» في الأسواق، ولا يدفع بالسّيّئة السّيّئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، ويفتح بها أعين عمي وآذان صم وقلوب غلف «4» » ) * «5» 6- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّ كعب بن الأشرف كان يهجو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويحرّض عليه كفّار قريش. وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حين قدم المدينة وأهلها أخلاط «6» منهم المسلمون والمشركون يعبدون الأوثان «7» واليهود، وكانوا يؤذون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. فأمر الله- عزّ وجلّ- نبيّه بالصّبر والعفو. ففيهم أنزل وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً «8» فلمّا أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا يقتلونه، فبعث محمّد بن مسلمة- وذكر قصّة قتله- فلمّا قتلوه فزعت اليهود والمشركون فغدوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: طرق «9» صاحبنا فقتل، فذكر لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي كان يقول، ودعاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه، فكتب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبينهم وبين المسلمين عامّة صحيفة» ) * «10» . 7- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما-   (1) أي اقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان. (2) البخاري- الفتح 7 (3698) (3) سخاب: بالسين، وصخاب: بالصاد: وهو رفع الصوت بالخصام. (4) غلف: كل شيء في غلاف، سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف: إذا لم يكن مختونا. (5) البخاري- الفتح 4 (2125) ، (8/ 4838) هذه الرواية في الجزء الرابع وهي في الثامن بالرقم المبين فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا. (6) أخلاط: أي مختلطون من أقوام شتى متفرقين. (7) الأوثان: جمع وثن وهي الأصنام. (8) آل عمران: آية 186 مدنية. (9) طرق: أي أتي ليلا (فطرق عليه بابه) . (10) أبو داود (3000) وقال محقق جامع الأصول (2/ 636) : رجاله ثقات، وقال الألباني (2/ 582) : صحيح الإسناد، وأخرج غير أبي داود حديث قتل كعب بن الأشرف من حديث جابر أتم من هذا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2900 أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب حمارا، عليه إكاف «1» ، تحته قطيفة «2» فدكيّة «3» . وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر. حتّى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود. فيهم عبد الله بن أبيّ. وفي المجلس عبد الله بن رواحة. فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «4» ، خمّر «5» عبد الله بن أبىّ أنفه بردائه. ثمّ قال: لا تغبّروا علينا «6» . فسلّم عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ وقف فنزل. فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبيّ: أيّها المرء لا أحسن من هذا «7» . إن كان ما تقول حقّا، فلا تؤذنا في مجالسنا. وارجع إلى رحلك «8» . فمن جاءك منّا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا. فإنّا نحبّ ذلك. قال: فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود. حتّى همّوا أن يتواثبوا. فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم «9» ثمّ ركب دابّته حتّى دخل على سعد بن عبادة. فقال: «أي سعد، ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ) قال كذا وكذا» قال: اعف عنه يا رسول الله، واصفح. فو الله لقد أعطاك الله الّذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة «10» أن يتوّجوه، فيعصّبوه بالعصابة «11» . فلمّا ردّ الله ذلك بالحقّ الّذي أعطاكه، شرق بذلك «12» . فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «13» . 8- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان عند أضاة «14» بني غفار. قال فأتاه جبريل- عليه السّلام-، فقال: إنّ الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على حرف. فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمّتي لا تطيق ذلك» . ثمّ أتاه الثّانية، فقال: إنّ الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على حرفين، فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمّتي لا تطيق ذلك» ، ثمّ جاءه الثّالثة، فقال: إنّ الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمّتي لا تطيق ذلك» ، ثمّ جاءه الرّابعة، فقال: «إنّ الله يأمرك أن تقرأ أمّتك   (1) إكاف: هو للحمار بمنزلة السرج للفرس. (2) قطيفة: دثار مخمل جمعها قطائف وقطف. (3) فدكية: منسوبة إلى فدك. بلدة معروفة بالقرب من المدينة. (4) عجاجة الدابة: هو ما ارتفع من غبار حوافرها. (5) خمر أنفه: أي غطاه. (6) لا تغبروا علينا: أي لا تثيروا علينا الغبار. (7) لا أحسن من هذا: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: لا أحسن. أي ليس شيء أحسن من هذا. وكذا حكاه القاضي عن جماهير رواة مسلم. قال: وقع للقاضي أبي علي: لأحسن من هذا. قال القاضي: وهو عندي أظهر. وتقديره أحسن من هذا أن تقعد في بيتك. (8) إلي رحلك: أي إلى منزلك. (9) يخفضهم: أي يسكنهم ويسهل الأمر بينهم. (10) البحيرة: بضم الباء، على التصغير. قال القاضي: وروينا في غير مسلم: البحيرة، مكبرة، وكلاهما بمعنى وأصلها القرية. والمراد بها، هنا، مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم. (11) فيعصبوه بالعصابة: معناه اتفقوا على أن يعينوه ملكهم. وكان من عادتهم، إذا ملكوا إنسانا، أن يتوجوه ويعصبوه. (12) شرق بذلك: أي غصّ. ومعناه حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم. (13) البخاري- الفتح 11 (6254) ، ومسلم (1798) واللفظ له. (14) الأضاة: مجمع الماء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2901 القرآن على سبعة أحرف، فأيّما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا» ) * «1» . 9- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الأنصار كرشي وعيبتي «2» وإنّ النّاس سيكثرون ويقلّون «3» ، فاقبلوا من محسنهم، واعفوا عن مسيئهم» ) * «4» . 10- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على ألاتشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان «5» تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك) * «6» . 11- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «تعافوا «7» فيما بينكم، فما بلغني من حدّ فقد وجب» ) * «8» . 12- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! كم نعفو عن الخادم؟. فصمت!، ثمّ أعاد عليه الكلام، فصمت!، فلمّا كان في الثّالثة، قال: «اعفوا عنه في كلّ يوم سبعين مرّة» ) * «9» . 13- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله «10» ، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كمّا نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «11» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على قدميه وهو في   (1) مسلم (821) . (2) كرشى وعيبتي: معناه جماعتي وخاصتي الذين أثق بهم. (3) ويقلون: أي ويقل الأنصار. (4) مسلم (2510) . (5) قوله ولا تأتوا ببهتان: البهتان الكذب الذي يبهت سامعه. وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما. (6) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له، ومسلم 3 (1709) . (7) تعافوا: أمر بالعفو وهو التجاوز عن الذنب. (8) أبو داود (4376) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 828) : صحيح، وهو عنده في النسائي (4538، 4539) ، النسائي (8/ 70) . الحاكم (4/ 383) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (9) أبو داود (5164) واللفظ له، ونظرت جميع رجاله ثقات ما عدا الخولاني قال عنه في التقريب: لا بأس به. وأخرجه الترمذي وقال: حسن غريب، فالحديث حسن الإسناد، وقال الألباني (3/ 970) : صحيح وعنده في الترمذي (2031) . وقال محقق «جامع الأصول» (8/ 48) : إسناده حسن. (10) وسع مدخله: يعني قبره. (11) مسلم (963) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2902 المسجد «1» ، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «2» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي اللهمّ إنّك عفوّ كريم تحبّ العفو فاعف عنّي» ) * «3» . 16- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول (في رواية أبي بكر) : «السّلام على أهل الدّيار» (وفي رواية زهير) : «السّلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية» ) * «4» . 17- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى. قال الله- تعالى-: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ «5» الاية. وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ «6» الاية، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتأوّل في العفو عنهم ما أمر الله به» ... الحديث) * «7» . 18- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ! إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك «8» ، وجميع سخطك» ) * «9» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ أمّتي معافاة إلّا المجاهرين. وإنّ من الإجهار أن يعمل العبد باللّيل عملا، ثمّ يصبح قد ستره ربّه، فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه. فيبيت يستره ربّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» ) * «10» . 20- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدع هؤلاء الدّعوات حين يمسي وحين يصبح: «اللهمّ إنّي أسألك العافية في الدّنيا والآخرة، اللهمّ إنّي أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهمّ استر عوراتي وآمن   (1) والمسجد بفتح الجيم وكسرها على روايتين، وهو موضع مصلاه في بيته. (2) مسلم (486) . (3) الترمذي 5 (3513) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. الحاكم (1/ 530) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (4) مسلم (975) . (5) آل عمران: آية 186. (6) البقرة: آية 9. (7) البخاري- الفتح 10 (6207) . (8) وفجاءة نقمتك: الفجأة، على وزن ضربة والفجاءة، بضم الفاء وفتح الجيم والمد، لغتان. وهي البغتة. (9) مسلم (2739) . (10) البخاري- الفتح 10 (6096) ، ومسلم (2990) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2903 روعاتي، اللهمّ احفظني من بين يديّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» ) * «1» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا فتح الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم مكّة قام في النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «ومن قتل له قتيل فهو بخير النّظرين، إمّا أن يعفو وإمّا أن يقتل» ) * «2» . 22- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ثمّ يعافيهم ويرزقهم» ) * «3» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقصت صدقة من مال «4» ، وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا «5» ، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله «6» » ) * «7» . 24- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصاب حدّا فعجّل عقوبته في الدّنيا، فالله أعدل من أن يثنّي على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدّا فستره الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه» ) * «8» .   (1) أبو داود (5074) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 957) : صحيح وعنده في ابن ماجة (2/ 332، 333) . ابن ماجة (3871) . الحاكم (1/ 517) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (2) الترمذي (4/ 1405) واللفظ له. النسائي (8/ 38) أبو داود (4505) وقال محقق جامع الأصول (10/ 244) : وهو حديث صحيح، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 853، 854) : صحيح ومعه قصة أبي شاة. (3) البخاري- الفتح 13 (7378) واللفظ له، ومسلم (2804) (4) ما نقصت صدقة من مال: ذكروا فيه وجهين: أحدهما معناه: أنه يبارك فيه ويدفع عنه المضرات، فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية. وهذا مدرك بالحس والعادة. والثاني أنه: وإن نقصت صورته، كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه وزيادة إلى أضعاف كثيرة. (5) وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا: فيه أيضا وجهان: أحدهما على ظاهره، ومن عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاد عزه وإكرامه، والثاني أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك. (6) وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله: فيه أيضا وجهان: أحدهما يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة، ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه. والثاني أن المراد ثوابه في الآخرة رفعه فيها بتواضعه في الدنيا. قال العلماء: وهذه الأوجه في الألفاظ الثلاثة موجودة في العادة معروفة. وقد يكون المراد الوجهين معا في جميعها في الدنيا والآخرة. (7) مسلم (2588) . (8) الترمذي (2626) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وابن ماجة (2604) ، وصححه الحاكم (1/ 7) ، وأقره الذهبي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2904 الأحاديث الواردة في (الغفران) 25- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر «1» » ، فسلّم وقال: يا رسول الله، إنّي كان بيني وبين الخطّاب شيء، فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) . ثمّ إنّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا. فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر «2» ، حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله بعثني إليكم» ، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ (مرّتين) . فما أوذي بعدها» ) * «3» . 26- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبّيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال وهو على المنبر: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرّين الّذين يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (العفو) معنى 27- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: أتي الله تعالى بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟. قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء/ 42) . قال: يا ربّ آتيتني مالك، فكنت أبايع النّاس، وكان من خلقي الجواز «5» فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال- تعالى: أنا أحقّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي» . فقال عقبة بن عامر الجهنيّ وأبو مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنهما-: هكذا سمعناه من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تجاوز لي عن أمّتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلّم» ) * «7» . 29- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المنبر، وكان آخر مجلس جلسه متعطّفا ملحفة على منكبيه قد عصب رأسه بعصابة دسمة، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيّها النّاس!   (1) غامر: أي دخل في غمرة الخصومة، والغامر في الأصل هو الذي يرمي بنفسه في الأمر العظيم كالحرب وغيرها، وقيل هو من الغمر بكسر الغين وهو الحقد، ويكون المعنى صنع أمرا اقتضى له أن يحقد على من صنعه معه ويحقد عليه الاخر. (2) تمعر الوجه: أن تذهب نضارته من الغضب. (3) البخاري- الفتح (3661) . (4) رواه أحمد (حديث رقم 6541) ، وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح. (5) الجواز: المجاوزة أي التسامح والتساهل في البيع والاقتضاء. (6) مسلم (1560) . (7) البخاري- الفتح 5 (2529) واللفظ له، ومسلم (127) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2905 إليّ» ، فثابوا «1» إليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّ هذا الحيّ من الأنصار يقلّون ويكثر النّاس، فمن ولي شيئا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فاستطاع أن يضرّ فيه أحدا، أو ينفع فيه أحدا فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم» ) * «2» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان تاجر يداين النّاس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنّا، فتجاوز الله عنه» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العفو والغفران) 31- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «4» . 32- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه برد نجرانيّ «5» غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ، فجبذه بردائه جبذة «6» شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد أثّرت بها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال: يا محمّد،! مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه، فضحك، ثمّ أمر له بعطاء) * «7» . 33- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده، ولا امرأة ولا خادما إلّا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطّ فينتقم من صاحبه إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله. عزّ وجلّ.) * «8» . 34- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل نجد، فلمّا قفل «9» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتفرّق النّاس يستظلّون بالشّجر فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة وعلّق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعونا، وإذا عنده أعرابيّ. فقال: «إنّ هذا اخترط «10» عليّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا» ، فقال: من يمنعك منّي؟. فقلت: «الله» (ثلاثا) ولم يعاقبه وجلس) * «11» .   (1) فثابوا: من ثاب يثوب إذا رجع. (2) البخاري- الفتح 2 (927) . (3) البخاري- الفتح 4 (2078) واللفظ له، ومسلم (1562) (4) البخاري- الفتح 12 (6929) واللفظ له، ومسلم (1792) (5) نجرانيّ: منسوب إلى نجران، موضع بين الحجاز واليمن. (6) فجبذه: جبذ وجذب لغتان مشهورتان. (7) البخاري- الفتح 10 (6088) واللفظ له، ومسلم (1057) (8) مسلم (2328) . (9) قفل: أي رجع. (10) اخترط: أي سلّ. (11) البخاري- الفتح 6 (2910) واللفظ له، ومسلم (843) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2906 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العفو والغفران) 1- * (عن أبي بكر- رضي الله عنه- أنّه قال: بلغنا أنّ الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي: من كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن النّاس) * «1» . 2- * (خطب أبو بكر- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقامي هذا عام الأوّل، وبكى أبو بكر، فقال أبو بكر: «سلوا الله المعافاة- أو قال: العافية. فلم يؤت أحد قطّ بعد اليقين أفضل من العافية أو المعافاة- عليكم بالصّدق فإنّه مع البرّ وهما في الجنّة، وإيّاكم والكذب فإنّه مع الفجور وهما في النّار، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا كما أمركم الله تعالى» ) * «2» . 3- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «كلّ النّاس منّي في حلّ» ) * «3» . 4- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «سبق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وصلّى أبو بكر وثلّث عمر، ثمّ خطبتنا أو أصابتنا فتنة، يعفو الله عمّن يشاء» ) * «4» . 5- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: «صرخ إبليس يوم أحد في النّاس: يا عباد الله، أخراكم، فرجعت أولاهم على أخراهم حتّى قتلوا اليمان، فقال حذيفة: أبي أبي، فقتلوه. فقال حذيفة: غفر الله لكم، قال: وقد كان انهزم منهم قوم حتّى لحقوا بالطّائف) * «5» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأله، قال: فما قولك في عليّ وعثمان؟ قال: «أمّا عثمان فكان الله عفا عنه، وأمّا أنتم فكرهتم أن يعفو عنه. وأمّا عليّ فابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وختنه «6» وأشار بيده فقال: «هذا بيته حيث ترون «7» » ) * «8» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبّانا. فقال عيينه لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاس: فاستأذن الحرّ لعيينة فأذن   (1) الإحياء: 3/ 195. ط. دار الكتب العلمية- بيروت ط. ثانية 1412 هـ/ 1992 م. (2) أحمد في المسند (1/ 3) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (1/ 156) : إسناده صحيح ورواه الترمذي (3558) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه عن أبي بكر- رضي الله عنه-. (3) الاداب الشرعية (1/ 71) . (4) أحمد (1/ 112) وقال أحمد شاكر (895) : إسناده صحيح، والحديث في مجمع الزوائد (9/ 54) ونسبه لأحمد، والطبراني في الأوسط، وقال: رجال أحمد ثقات. (5) البخاري- الفتح 12 (6883) . (6) معنى ختنه: قال الأصمعي: الأختان من قبل المرأة والأحماء من قبل الزوج والصهر جمعهما. وقيل: اشتق الختن مما اشتق منه الختان، وهو التقاء الختانين. (7) قوله (هذا بيته حيث ترون) : أي وسط بيوت النبي صلّى الله عليه وسلّم وليس في المسجد غير بيته، كما ذكره ابن حجر في الفتح (7/ 91) . (8) البخاري- الفتح 8 (4515) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2907 له عمر، فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فو الله ما تعطينا الجزل «1» ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين! إنّ الله تعالى قال لنبيّه خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) . وإنّ هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله) * «2» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدّية. فقال الله تعالى «3» لهذه الأمّة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ (البقرة/ 178) . فالعفو أن يقبل الدّية في العمد فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ يتبع بالمعروف ويؤدّي بإحسان ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ممّا كتب على من كان قبلكم فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (البقرة/ 178) قتل بعد قبول الدّية) * «4» . 9- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قام يوم مات المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه وقال: عليكم باتّقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسّكينة، حتّى يأتيكم أمير، فإنّما يأتيكم الان، ثمّ قال: استعفوا لأميركم، فإنّه كان يحبّ العفو. ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قلت: أبايعك على الإسلام، فشرط عليّ «والنّصح لكلّ مسلم» . فبايعته على هذا، وربّ هذا المسجد إنّي لناصح لكم، ثمّ استغفر ونزل) * «5» . 10- * (عن معاوية بن سويد- رضي الله عنه- قال: «لطمت مولى لنا فهربت، ثمّ جئت قبيل الظّهر فصلّيت خلف أبي، فدعاه ودعاني، ثمّ قال: امتثل «6» منه، فعفا) * «7» . 11- * (جلس ابن مسعود في السّوق يبتاع طعاما فابتاع، ثمّ طلب الدّراهم وكانت في عمامته فوجدها قد حلّت، فقال: لقد جلست وإنّها لمعي، فجعلوا يدعون على من أخذها ويقولون: اللهمّ اقطع يد السّارق الّذي أخذها، اللهمّ افعل به كذا، فقال عبد الله: «اللهمّ إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذّنب فاجعله آخر ذنوبه» ) * «8» . 12- * (وقال معاوية- رضي الله عنه-: «عليكم بالحلم والاحتمال حتّى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصّفح والإفضال» ) * «9» . 13- * (عن ابن شهاب أنّه سئل: أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟. قال: «بلغنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه، وكان من   (1) الجزل: الكريم المعطاء، والعاقل الأصيل الرأي. (2) البخاري- الفتح 8 (4642) . (3) البقرة: آية 78. (4) البخاري- الفتح 8 (4498) . (5) البخاري- الفتح 1 (58) واللفظ له، ومسلم (56) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «والنصح لكل مسلم» . (6) معنى: امتثل منه: افعل به مثل ما فعل بك. (7) مسلم (1658) . (8) الإحياء (3/ 196) . (9) الإحياء (3/ 195) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2908 أهل الكتاب» ) * «1» . 14- * (أتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث، فقال لرجاء بن حيوة: «ماذا ترى؟» . قال: «إنّ الله- تعالى- قد أعطاك ما تحبّ من الظّفر فأعط الله ما يحبّ من العفو، فعفا عنهم» ) * «2» . 15- * (وقال مالك بن دينار: «أتينا منزل الحكم بن أيّوب ليلا وهو على البصرة أمير، وجاء الحسن، وهو خائف فدخلنا معه عليه، فما كنّا مع الحسن إلّا بمنزلة الفراريج، فذكر الحسن قصّة يوسف- عليه السّلام- وما صنع به إخوته، فقال: باعوا أخاهم وأحزنوا أباهم، وذكر ما لقي من كيد النّساء ومن الحبس، ثمّ قال: أيّها الأمير، ماذا صنع الله به؟ أداله منهم، ورفع ذكره، وأعلى كلمته، وجعله على خزائن الأرض، فماذا صنع يوسف حين أكمل الله له أمره وجمع له أهله؟ قال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف/ 92) ، يعرّض للحكم بالعفو عن أصحابه، قال الحكم: فأنا أقول لا تثريب عليكم اليوم ولو لم أجد إلّا ثوبي هذا لواريتكم تحته» ) * «3» . 16- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ (الأعراف/ 199) قال: «ما أنزل الله إلّا في أخلاق النّاس» ) * «4» . 17- * (وعنه أيضا قال: أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس أو كما قال) * «5» . 18- * (عن الحسن، قال: «أفضل أخلاق المؤمن العفو» ) * «6» . 19- * (وروي أنّ راهبا دخل على هشام بن عبد الملك، فقال للرّاهب: «أرأيت ذا القرنين أكان نبيّا؟» . فقال: «لا، ولكنّه إنّما أعطي ما أعطي بأربع خصال كنّ فيه: كان إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا حدّث صدق، ولا يجمع شغل اليوم لغد» ) * «7» . 20- * (وروي أنّ زيادا أخذ رجلا من الخوارج فأفلت منه، فأخذ أخا له فقال له: إن جئت بأخيك وإلّا ضربت عنقك، فقال: أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين تخلّي سبيلي؟ قال: نعم. قال: فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم وأقيم عليه شاهدين إبراهيم وموسى، ثمّ تلا: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى. وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى. أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (النجم 36- 38) فقال زياد: «خلّوا سبيله، هذا رجل قد لقّن حجّته» ) * «8» . 21- * (قال عمرو بن ميمون: قال عمر- رضي الله عنه-: «أوصي الخليفة بالمهاجرين الأوّلين، أن يعرف لهم حقّهم، وأوصي الخليفة بالأنصار الّذين تبوّؤا «9» الدّار والإيمان من قبل أن يهاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم،   (1) البخاري- الفتح 6 (باب 14/ 319) باب هل يعفي عن الذمي إذا سحر. (2) الإحياء (3/ 196) . (3) الإحياء (3/ 184) . (4) البخاري- الفتح (8/ 155) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) الاداب الشرعية (1/ 71) . (7) الإحياء (3/ 184) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) تبوؤا: أي استوطنوا المدينة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2909 أن يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم» ) * «1» . 22- * (وقال البخاريّ- رحمه الله-: «باب الانتصار من الظّالم لقوله جلّ ذكره: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (الشورى/ 39) قال إبراهيم يعني النّخعيّ: كانوا يكرهون أن يستذلّوا فإذا قدروا عفوا» ) * «2» . 23- * (دخل رجل على عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- فجعل يشكو إليه رجلا ظلمه ويقع فيه فقال له عمر: «إنّك أن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها» ) * «3» . 24- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: قالوا سكتّ وقد خوصمت قلت لهم ... إنّ الجواب لباب الشّرّ مفتاح فالعفو عن جاهل أو أحمق أدب ... نعم وفيه لصون العرض إصلاح إنّ الأسود لتخشى وهي صامتة ... والكلب يحثى ويرمى وهو نبّاح ) * «4» . 25- * (وقال مسلم بن يسار لرجل دعا على ظالمه: «كل الظّالم إلى ظلمه، فإنّه أسرع إليه من دعائك عليه إلّا أن يتداركه بعمل، وقمن ألّا يفعل» ) * «5» . 26- * (عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله- قال: «ما من شيء إلّا والله يحبّ أن يعفى عنه ما لم يكن حدّا عن عباده» ) * «6» . 27- * (وكتب أحدهم إلى صديق له يسأله العفو عن بعض إخوانه: «فلان هارب من زلّته إلى عفوك لائذ منك بك، واعلم أنّه لن يزداد الذّنب عظاما إلّا ازداد العفو فضلا» ) * «7» . 28- * (وقال بعضهم: «ليس الحليم من ظلم فحلم، حتّى إذا قدر انتقم، ولكنّ الحليم من ظلم فحلم حتّى إذا قدر عفا» ) * «8» . من فوائد (العفو والغفران) (1) العفو والغفران من مظاهر حسن الخلق. (2) كلاهما دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (3) كلاهما دليل على سعة الصّدر وحسن الظّنّ. (4) كلاهما يثمر محبّة الله- عزّ وجلّ- ثمّ محبّة النّاس. (5) العفو أمان من الفتن وعاصم من الزّلل. (6) الغفران دليل على كمال النّفس وشرفها. (7) كلّ من العفو والغفران يهيّىء المجتمع والنّشء الصّالح لحياة أفضل. (8) كلاهما طريق نور وهداية لغير المسلمين.   (1) البخاري- الفتح 8 (4888) . (2) البخاري- الفتح (5/ 120) . (3) الإحياء (3/ 183) . (4) دليل الفالحين (3/ 99) . (5) الإحياء (3/ 195) . (6) أخرجه في الموطأ (2/ 438) ، وقال محقق جامع الأصول (3/ 602) : إسناده صحيح. (7) الإحياء (3/ 196) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2910 العلم العلم لغة: مصدر قولهم: علم يعلم علما وهو مأخوذ من مادّة (ع ل م) الّتي تدلّ على أثر بالشّيء يتميّز بها عن غيره، قال الرّاغب: وعلّمته وأعلمته في الأصل واحد، إلّا أنّ الإعلام اختصّ بما كان بإخبار صحيح، والتّعليم اختصّ بما يكون بتكرير وتكثير حتّى يحدث منه أثر في نفس المتعلّم، وقول الله تعالى وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف/ 76) فعليم يصحّ أن يكون إشارة إلى الإنسان العالم الّذي يكون فوق آخر، ويكون تخصيص لفظ العليم الّذي هو للمبالغة تنبيها إلى أنّه بالإضافة إلى الأوّل عليم وإن لم يكن بالإضافة إلى من فوقه كذلك، ويجوز أن يكون قوله «عليم» عبارة عن الله تعالى، وقول الله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ (الجن/ 26/ 27) فيه إشارة إلى أنّ لله تعالى علما يخصّ به أولياءه. والعالم في وصف الله تعالى: هو الّذي لا يخفى عليه شيء «1» . وقال ابن منظور: العلم نقيض الجهل، وعلمت الشّيء الايات/ الأحاديث/ الاثار 379/ 65/ 61 أعلمه علما: عرفته. قال ابن برّيّ: وتقول: علم وفقه: أي تعلّم وتفقّه، وعلم وفقه (بالضّمّ) أي ساد العلماء والفقهاء، والعلّام والعلّامة: النّسّابة وهو من العلم. قال ابن جنّي: رجل علّامة، وامرأة علّامة، وفي حديث ابن مسعود: إنّك غليّم معلّم، أي ملهم للصّواب والخير، وعلم بالشّيء: شعر. يقال: ما علمت بخبر قدومه: أي ما شعرت. وعلم الأمر وتعلّمه: أتقنه. وعلم الرّجل: خبره، وأحبّ أن يعلمه أي يخبره «2» . واصطلاحا: قال الجرجانيّ: العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع «3» . وقال الفيروز اباديّ: العلم ضربان: الأوّل: إدراك ذات الشّيء. والثّاني: الحكم على الشّيء بوجود شيء هو موجود له، أو نفي شيء هو منفيّ عنه، فالأوّل يتعدّى إلى مفعول واحد، والاخر يتعدّى إلى مفعولين، والعلم من وجه آخر ضربان: نظريّ وعمليّ، ومن وجه ثالث: عقليّ وسمعيّ «4» . وقال الكفويّ: المعنى الحقيقيّ للفظ العلم هو   (1) المقاييس (4/ 109) ، والمفردات (344) . (2) لسان العرب (5/ 3083- 3084) ، وانظر: الصحاح للجوهري (5/ 1990- 1991) . (3) التعريفات للجرجاني (191) . (4) انظر تفاصيل ذلك في بصائر ذوي التمييز (88) وما بعدها، والمفردات للراغب (343) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2911 الإدراك، ولهذا المعنى متعلّق هو المعلوم، وله تابع في الحصول يكون وسيلة إليه في البقاء وهو الملكة، وقد أطلق لفظ العلم على كلّ منها إمّا حقيقة عرفيّة، أو اصطلاحيّة، أو مجازا مشهورة «1» . وقال في موضع آخر: العلم يقال لحصول صورة الشّيء عند العقل وللاعتقاد الجازم الثّابت والإدراك الكلّيّ والإدراك المركّب «2» . وقال المناويّ: العلم: هو صفة توجب تمييزا لا يحتمل النّقيض، أو هو حصول صورة الشّيء في العقل «3» . قال ابن العربيّ: العلم أبين من أن يبيّن، وأنكر على من تصدّى لتعريف العلم «4» . وقال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: العلم هو معرفة الشّيء على ما هو به «5» . الفرق بين العلم والمعرفة: المعرفة: تقال للإدراك المسبوق بالعدم، ولثاني الإدراكين إذا تخلّلهما عدم. والإدراك الجزئيّ. والإدراك البسيط. والعلم: يقال لحصول صورة الشّيء عند العقل، وللاعتقاد الجازم المطابق الثّابت ولإدراك الكلّيّ، ولإدراك المركّب. والمعرفة قد تقال فيما تدرك آثاره، وإن لم تدرك ذاته. والعلم لا يقال إلّا فيما أدرك ذاته. والمعرفة تقال فيما لا يعرف إلّا كونه موجودا فقط. والعلم أصله أن يقال فيما يعرف وجوده وجنسه وكيفيّته وعلّته. والمعرفة تقال فيما يتوصّل إليه بتفكّر وتدبّر. والعلم قد يقال في ذلك وفي غيره «6» . وأيضا يستعمل العلم في المحلّ الّذي يحصّل العلم فيه لا بواسطة الكسب، ولهذا يقال: (الله عالم) ولا يقال: (عارف) ، كما لا يقال: (عاقل) فكذا الدّراية فإنّها لا تطلق على الله لما فيها من معنى الحيلة. وفي «النّجاة» : كلّ معرفة وعلم فإمّا تصوّر وإمّا تصديق «7» . أقسام العلم: قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى- في بيان العلم الّذي هو فريضة على كلّ مسلم: اختلفت عبارات النّاس في بيان العلم المفروض، والصّحيح أن يقال: هو علم معاملة العبد لربّه وهو يدخل في باب الاعتقاد والأفعال. وهذا العلم المفروض ينقسم إلى قسمين: فرض عين: وهو ما يتعيّن وجوبه على الشّخص من توحيد الله ومعرفة أوامره وحدوده في العبادات والمعاملات الّتي يحتاج إليها، وفرض كفاية:   (1) الكليات للكفوي (611) . (2) المرجع السابق (686) . (3) التوقيف (246) وفيه تفصيلات عديدة ليس هنا محل ذكرها. (4) الفتح (1/ 141) . (5) الإحياء (298) . (6) الكليات (868) . (7) المرجع السابق (611) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2912 وهو كلّ علم لا يستغنى عنه في قوام الدّنيا. كالطّبّ والحساب وأصول الصّناعات. كالفلاحة والحياكة والحجامة. فلو خلا البلد عمّن يقوم بهذه العلوم والصّناعات أثم أهل البلد جميعا. وإذا قام بها واحد فقط وكفاهم سقط الإثم عن الباقين، والتّعمّق في مثل هذه العلوم يعدّ فضلة، لأنّه يستغنى عنه. ومن العلوم ما يكون مباحا، كالعلم بالأشعار الّتي لا سخف فيها، ومنها ما يكون مذموما، كعلم السّحر والطّلسمات والتّلبيسات. وأمّا العلوم الشّرعيّة فكلّها محمودة، وتنقسم إلى أصول وفروع ومقدّمات ومتمّمات «1» . فضل العلم: قال ابن القيّم: العلم هاد. وهو تركة الأنبياء وتراثهم. وأهله عصبتهم وورّاثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصّدور، ورياض العقول، ولذّة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيّرين، وهو الميزان الّذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال. وهو الحاكم المفرّق بين الشّكّ واليقين، والغيّ والرّشاد، والهدى والضّلال. به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحّد، ويحمد ويمجّد، وبه اهتدى إليه السّالكون. ومن طريقه وصل إليه الواصلون. ومنه دخل عليه القاصدون. وبه تعرف الشّرائع والأحكام، ويتميّز الحلال والحرام. وبه توصل الأرحام، وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب. وهو إمام، والعمل مأموم. وهو قائد، والعمل تابع. وهو الصّاحب في الغربة، والمحدّث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشّبهة، والغنى الّذي لا فقر على من ظفر بكنزه. والكنف الّذي لا ضيعة على من أوى إلى حرزه. مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد. وطلبه قربة. وبذله صدقة. ومدارسته تعدل بالصّيام والقيام. والحاجة إليه أعظم منها إلى الشّراب والطّعام «2» . العلم النافع: قال ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله تعالى-: قد ذكر الله تعالى في كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النّافع وذكر العلم تارة في مقام الذّمّ وهو العلم الّذي لا ينفع، فأمّا الأوّل فمثل قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (الزمر/ 9) ، وقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ (آل عمران/ 18) ، وقوله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (طه/ 114) ، وقوله: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28 مكية) . وغير ذلك من الايات. هذا وقد يكون العلم في نفسه نافعا لكن صاحبه لم ينتفع به. كما قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (الجمعة/ 5) ، وقال سبحانه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي   (1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (بتصرف شديد واختصار 15- 17) . (2) مدارج السالكين (2/ 469- 470) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2913 آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) * (الأعراف/ 175- 176) ، وقال أيضا: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ (الجاثية/ 23) «1» . ضابط العلم النافع: والعلم النّافع هو ما كان ضبط نصوص الكتاب والسّنّة، وفهم معانيها والتّقيّد في ذلك بالمأثور عن الصّحابة والتّابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام من مسائل الحلال والحرام والزّهد والرّقائق والمعارف وغير ذلك. والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أوّلا، ثمّ الاجتهاد على معرفة معانيه وتفهّمه ثانيا. وهذا العلم النّافع يدلّ على أمرين: أحدهما: معرفة الله وما يستحقّه من الأسماء الحسنى والصّفات العلى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه، وخشيته ومهابته، ومحبّته ورجاءه، والتّوكّل عليه والرّضا بقضائه والصّبر على بلائه. والأمر الثّاني: المعرفة بما يحبّه ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات، والأعمال الظّاهرة والباطنة والأقوال «2» . معنى اسم الله العليم العالم العلام: من صفات الله تعالى: العليم والعالم والعلّام، قال الله تعالى: وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (يس/ 81) ، وقال: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ (الرعد/ 9) ، وقال: عَلَّامُ الْغُيُوبِ (المائدة/ 109) . فهو الله العالم بما كان وما يكون قبل كونه، وبما يكون ولمّا يكن بعد قبل أن يكون، لم يزل عالما ولا يزال عالما بما كان وما يكون، ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السّماء، سبحانه وتعالى، أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وظاهرها، دقيقها وجليلها، على أتمّ الإمكان، وعليم فعيل من أبنية المبالغة، ويجوز أن يقال للإنسان الّذي علّمه الله علما من العلوم: عليم. كما قال يوسف للملك: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (يوسف/ 55) ، وقال الله عزّ وجلّ: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) . فأخبر عزّ وجلّ أنّ من عباده من يخشاه، وأنّهم هم العلماء، وكذلك صفة يوسف- عليه السّلام- وكان عليما بأمر ربّه «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الحكمة- الفطنة- الفقه- علو الهمة- البصيرة- النظر والتبصر- التأمل- التفكر- التبين (التثبت) - التدبر- اليقين- قوة الإرادة- المسئولية. وفي ضد لك: انظر صفات: الجهل- السفاهة- الضلال- الطيش- صغر الهمة- الكسل- البلادة والغباء- الحمق- التفريط والإفراط- التهاون.] .   (1) فضل علم السلف على الخلف (125- 126) بتصرف واختصار. (2) فضل علم السلف على الخلف لابن رجب (150، 151) باختصار. (3) لسان العرب: (5/ 3082، 3083) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2914 الآيات الواردة في «العلم» العلم المطلق من صفة المولى- عز وجل 1- هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) «1» 2- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) «2» 3- وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115) «3» 4- فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) «4» 5- * إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) «5» 6- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) «6» . 7- لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «7»   (1) البقرة: 29 مدنية (2) البقرة: 30 مدنية (3) البقرة: 115 مدنية (4) البقرة: 137 مدنية (5) البقرة: 158 مدنية (6) البقرة: 180- 184 مدنية (7) البقرة: 226- 227 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2915 8- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «1» 9- مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261) «2» 10- * إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) «3» 11- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) «4» 12- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) «5» 13- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) «6» 14- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ   (1) البقرة: 255- 256 مدنية (2) البقرة: 261 مدنية (3) آل عمران: 33- 36 مدنية (4) آل عمران: 121 مدنية (5) النساء: 11 مدنية (6) النساء: 26 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2916 مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) «1» 15- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «2» 16- لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) «3» 17- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) «4» 18- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) «5» 19- * جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) «6» 20- * وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) «7» . 21- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) «8» . 22- وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) «9»   (1) النساء: 32 مدنية (2) النساء: 69- 70 مدنية (3) النساء: 166 مدنية (4) النساء: 170 مدنية (5) النساء: 176 مدنية (6) المائدة: 97- 98 مدنية (7) الأنعام: 13 مكية (8) الأنعام: 73 مكية (9) الأنعام: 80 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2917 23- فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) «1» 24- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) «2» 25- وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) «3» 26- قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «4» 27- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) «5» 28- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) «6» 29- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) «7» 30- * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) «8» 31- قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) «9» 32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «10»   (1) الأنعام: 96 مكية (2) الأنعام: 100- 101 مكية (3) الأنعام: 115 مكية (4) الأعراف: 89 مكية (5) الأعراف: 200 مكية (6) الأنفال: 17 مدنية (7) الأنفال: 53 مدنية (8) الأنفال: 61 مدنية (9) التوبة: 14- 15 مدنية (10) التوبة: 28 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2918 33- * إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «1» 34- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) «2» 35- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) «3» 36- وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) «4» 37- وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) «5» 38- إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) «6» 39- قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) «7» 40- وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (81) «8» 41- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) «9» 42- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «10»   (1) التوبة: 60 مدنية (2) التوبة: 115 مدنية (3) يونس: 18 مكية (4) يونس: 65 مكية (5) يوسف: 100 مكية (6) طه: 98 مكية (7) الأنبياء: 4 مكية (8) الأنبياء: 81 مكية (9) الحج: 52 مدنية (10) الحج: 58- 59 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2919 43- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) «1» 44- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) «2» 45- * اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) «3» 46- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «4» 47- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) «5» 48- وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) «6»   (1) النور: 21 مدنية (2) النور: 32 مدنية (3) النور: 35 مدنية (4) النور: 58- 60 مدنية (5) النور: 63- 64 مدنية (6) الفرقان: 5- 6 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2920 49- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) «1» 50- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) «2» 51- إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) «3» 52- قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) «4» 53- وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) «5» 54- * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) «6» 55- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) «7» 56- ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) «8» 57- إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54) «9» 58- قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) «10» 59- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) «11» 60- وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) «12»   (1) الشعراء: 217- 220 مكية (2) النمل: 4- 6 مكية (3) النمل: 78 مكية (4) العنكبوت: 52 مكية (5) العنكبوت: 60- 62 مكية (6) الروم: 54 مكية (7) الأحزاب: 1 مكية (8) الأحزاب: 40 مدنية (9) الأحزاب: 54 مكية (10) سبأ: 26 مكية (11) فاطر: 44 مكية (12) يس: 38 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2921 61- وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) «1» 62- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) «2» 63- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «3» 64- فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) «4» 65- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) «5» 66- لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) «6» 67- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) «7» 68- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) «8» 69- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) «9» 70- إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) «10»   (1) يس: 78- 81 مكية (2) غافر: 1- 2 مكية (3) غافر: 7 مكية (4) فصّلت: 12 مكية (5) فصّلت: 36 مكية (6) الشورى: 12 مكية (7) الزخرف: 9 مكية (8) الدخان: 1- 6 مكية (9) الفتح: 4 مدنية (10) الفتح: 26 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2922 71- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) «1» 72- قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) «2» 73- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «3» 74- قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) «4» 75- هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) «5» 76- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) «6» 77- يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (4) «7» 78- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) «8» 79- قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) «9» 80- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) «10» 81- وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) «11»   (1) الحجرات: 1 مدنية (2) الحجرات: 16- 17 مدنية (3) الحجرات: 18 مدنية (4) الذاريات: 30 مكية (5) الحديد: 3- 4 مدنية (6) المجادلة: 7 مدنية (7) التغابن: 4 مدنية (8) الطلاق: 12 مدنية (9) التحريم: 2 مدنية (10) الملك: 25- 26 مكية (11) الإنسان: 30 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2923 علم الله- عز وجل- بما يظن أنّه قد يخفى: 82- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) «1» 83- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «2» 84- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «3» 85- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) «4» 86- يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) «5» 87- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «6»   (1) البقرة: 94- 95 مدنية (2) البقرة: 143 مدنية (3) البقرة: 187 مدنية (4) البقرة: 197 مدنية (5) البقرة: 215 مدنية (6) البقرة: 219- 220 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2924 88- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «1» 89- أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) «2» 90- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) «3» 91- * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «4» 92- قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) «5» 93- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) «6» 94- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) «7» 95- وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) «8» 96- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) «9» 97- * وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما   (1) البقرة: 235 مدنية (2) البقرة: 246 مدنية (3) البقرة: 270 مدنية (4) البقرة: 283 مدنية (5) آل عمران: 29 مدنية (6) آل عمران: 63 مدنية (7) آل عمران: 92 مدنية (8) آل عمران: 166- 167 مدنية (9) النساء: 17 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2925 وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24) «1» 98- وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) «2» 99- وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) «3» 100 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) «4» 101- أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً (63) «5» 102- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) «6» 103- وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) «7» 104- وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) «8» 105- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) «9»   (1) النساء: 24 مدنية (2) النساء: 35 مدنية (3) النساء: 38- 39 مدنية (4) النساء: 44- 45 مدنية (5) النساء: 63 مدنية (6) النساء: 92 مدنية (7) النساء: 104 مدنية (8) النساء: 111 مدنية (9) النساء: 127 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2926 106- ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147) «1» 107- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «2» 108- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) «3» 109- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «4» 110- وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) «5» 111- ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99) «6» 112- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) «7» 113- وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) «8» 114- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) «9» 115- وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) «10» 116- قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) «11»   (1) النساء: 147 مدنية (2) المائدة: 7 مدنية (3) المائدة: 33- 34 مدنية (4) المائدة: 54 مدنية (5) المائدة: 61 مدنية (6) المائدة: 99 مدنية (7) المائدة: 116 مدنية (8) الأنعام: 3 مكية (9) الأنعام: 33 مكية (10) الأنعام: 53 مكية (11) الأنعام: 58 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2927 117 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) «1» 118- وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124) «2» 119- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) «3» 120 فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (7) «4» 121 وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) «5» 122- وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) «6» 123- إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) «7» 124- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) «8» 125- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) «9» 126- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) «10»   (1) الأنعام: 117 مكية (2) الأنعام: 124 مكية (3) الأنعام: 128 مكية (4) الأعراف: 6- 7 مكية (5) الأعراف: 52 مكية (6) الأنفال: 23 مدنية (7) الأنفال: 43 مدنية (8) الأنفال: 65- 66 مدنية (9) التوبة: 42 مدنية (10) التوبة: 47 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2928 127- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) «1» 128- وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36) «2» 129- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5) «3» 130- * وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (6) «4» 131- وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) «5» 132- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) «6» 133* قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) «7» 134- وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43) «8» 135- وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) «9» 136- وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23)   (1) التوبة: 98 مدنية (2) يونس: 36 مكية (3) هود: 5 مكية (4) هود: 6 مكية (5) يوسف: 19- 20 مكية (6) يوسف: 50- 52 مكية (7) يوسف: 77 مكية (8) الرعد: 42- 43 مدنية (9) الحجر: 21 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2929 وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) «1» 137- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) «2» 138- وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (19) «3» 139- لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) «4» 140- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) «5» 141- وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91) «6» 142- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «7» 143- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) «8» 144- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «9» 145- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) «10» 146- وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)   (1) الحجر: 23- 25 مكية (2) الحجر: 97 مكية (3) النحل: 19 مكية (4) النحل: 23 مكية (5) النحل: 26- 28 مكية (6) النحل: 91 مكية (7) النحل: 125 مكية (8) الإسراء: 25 مكية (9) الإسراء: 47 مكية (10) الإسراء: 54- 55 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2930 قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) «1» 147- ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) «2» 148- وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) «3» 149- قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (51) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (52) «4» 150- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً (104) «5» 151- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) «6» 152- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «7» 153- إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110) «8» 154- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) «9» 155- اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) «10» 156- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) «11» 157- ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) «12» 158- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)   (1) الكهف: 25- 26 مكية (2) مريم: 70 مكية (3) طه: 7 مكية (4) طه: 51- 52 مكية (5) طه: 104 مكية (6) طه: 110 مكية (7) الأنبياء: 28 مكية (8) الأنبياء: 110 مكية (9) الحج: 67- 68 مدنية (10) الحج: 75- 76 مدنية (11) المؤمنون: 51 مكية (12) المؤمنون: 96 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2931 لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29) «1» 159- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (41) «2» 160- قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) «3» 161- أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) «4» 162- وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (74) «5» 163- وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) «6» 164- وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (69) «7» 165- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) «8» 166- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) «9» 167- اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) «10» 168- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) . تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ   (1) النور: 27- 29 مدنية (2) النور: 41 مدنية (3) الفرقان: 6 مكية (4) النمل: 25 مكية (5) النمل: 74 مكية (6) القصص: 37 مكية (7) القصص: 69 مكية (8) القصص: 85 أثناء الهجرة (9) العنكبوت: 42 مكية (10) العنكبوت: 45 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2932 أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) «1» 169- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) «2» 170- وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) «3» 171- إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38) «4» 172- قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) «5» 173- وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (76) «6» 174- إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «7» 175 وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70) «8» 176- يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) «9» 177- أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) «10» 178- لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً   (1) الأحزاب: 50- 51 مدنية (2) فاطر: 8 مكية (3) فاطر: 11 مكية (4) فاطر: 38 مكية (5) يس: 16 مكية (6) يس: 74- 76 مكية (7) الزمر: 7 مكية (8) الزمر: 69- 70 مكية (9) غافر: 19 مكية (10) الشورى: 24- 25 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2933 وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) «1» 179- وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32) «2» 180- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «3» 181- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) «4» 182- وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) «5» 183- قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) «6» 184- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) «7» 185- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «8» 186 الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى (34) «9» 187- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «10» 188- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) «11» 189- وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) «12» 190- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) «13»   (1) الشورى: 49- 50 مكية (2) الدخان: 30- 32 مكية (3) الأحقاف: 8 مكية (4) محمد: 26 مكية (5) محمد: 30 مكية (6) ق: 4 مكية (7) ق: 16 مكية (8) ق: 45 مكية (9) النجم: 32- 35 مكية (10) الممتحنة: 1 مدنية (11) المنافقون: 1 مدنية (12) الملك: 13- 14 مكية (13) القلم: 7 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2934 191- وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) «1» 192- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «2» 193- بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) «3» علم الساعة والغيب مما اختص به المولى عز وجل: 194- * يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) «4» 195- * وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) «5» 196- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) «6» 197- وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) «7» 198- اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) «8»   (1) الحاقة: 49 مكية (2) المزمل: 20 مكية (3) الانشقاق: 22- 23 مكية (4) المائدة: 109 مدنية (5) الأنعام: 59- 60 مكية (6) الأعراف: 187- 188 مكية (7) التوبة: 105- 106 مدنية (8) الرعد: 8- 9 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2935 199- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) «1» 200- قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) «2» 201- إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) «3» 202- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) «4» 203- يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) «5» 204- يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «6» 205- فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14) «7» 206- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) «8» 207- قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) «9» 208- * إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) «10» 209- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «11» 210- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) «12»   (1) المؤمنون: 91- 92 مكية (2) النمل: 65 مكية (3) لقمان: 34 مكية (4) السجدة: 4- 6 مكية (5) الأحزاب: 63 مكية (6) سبأ: 2- 3 مكية (7) سبأ: 14 مكية (8) سبأ: 48 مكية (9) الزمر: 46 مكية (10) فصّلت: 47 مكية (11) الحجرات: 18 مدنية (12) الحشر: 22 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2936 211- إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «1» 212- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28) «2» إسناد العلم لله تعالى يراد به إظهاره للخلائق: 213- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) «3» 214- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) «4» 215- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) «5» 216- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) «6» 217- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) «7» 218- وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) «8» 219- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (11) «9» 220- * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) «10»   (1) التغابن: 17- 18 مدنية (2) الجن: 26- 28 مكية (3) المائدة: 94 مدنية (4) الأنفال: 70- 71 مدنية (5) التوبة: 16 مدنية (6) الكهف: 12 مكية (7) النور: 63- 64 مدنية (8) العنكبوت: 3 مكية (9) العنكبوت: 10- 11 مكية (10) الأحزاب: 18 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2937 221- وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) «1» 222- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) «2» 223- * لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) «3» 224- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) «4» الأمر بالعلم وبيان فضل العلماء: 225- الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) «5» 226- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «6»   (1) سبأ: 20- 21 مكية (2) محمد: 25- 31 مدنية (3) الفتح: 18 مدنية (4) الحديد: 25 مدنية (5) البقرة: 194 مدنية (6) البقرة: 196 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2938 227- * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) «1» 228- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) «2» 229- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) «3» 230- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «4» 231- * وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) «5» 232 وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) «6» 233- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) «7» 234- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) «8»   (1) البقرة: 203 مدنية (2) البقرة: 208- 209 مدنية (3) البقرة: 223- 224 مدنية (4) البقرة: 231 مدنية (5) البقرة: 233 مدنية (6) البقرة: 244 مدنية (7) البقرة: 260 مدنية (8) البقرة: 267- 268 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2939 235 وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) «1» 236- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «2» 237- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «3» 238- وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) * وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) «4» 239- * بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) «5» 240- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «6» 241- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «7» 242- فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) «8» 243- * أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) «9» 244- فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) «10»   (1) المائدة: 49 مدنية (2) المائدة: 92 مدنية (3) الأنفال: 24- 25 مدنية (4) الأنفال: 40- 41 مدنية (5) التوبة: 1- 3 مدنية (6) التوبة: 36 مدنية (7) التوبة: 123 مدنية (8) هود: 14 مكية (9) الرعد: 19 مدنية (10) القصص: 50 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2940 245- وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) «1» 246- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «2» 247- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) «3» 248- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) «4» 249- اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) «5» 250- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «6» 251- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) «7» العلم من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة والأنبياء عامة: 252- وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «8» 253- وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) «9»   (1) فاطر: 28 مكية (2) الزمر: 9 مكية (3) محمد: 19 مدنية (4) الحجرات: 7- 8 مدنية (5) الحديد: 17 مدنية (6) الحديد: 20 مدنية (7) المجادلة: 11 مدنية (8) البقرة: 120 مدنية (9) البقرة: 145 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2941 254- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) «1» 255- فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) «2» 256- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) «3» 257- قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) «4» 258- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) «5» 259- فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) «6» 260- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «7» 261- * نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) «8» 262- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) «9» 263- قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41)   (1) البقرة: 151 مدنية (2) آل عمران: 61 مدنية (3) التوبة: 43- 44 مدنية (4) هود: 79 مكية (5) يوسف: 54- 55 مكية (6) يوسف: 76 مكية (7) الرعد: 37 مدنية (8) الحجر: 49- 53 مكية (9) النمل: 15- 16 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2942 فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) «1» 264- وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) «2» 265- فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) «3» العلم من صفة المؤمنين والذين اختصهم المولى- عز وجل- بتفصيل الايات وفقهها ومعرفة الحق: 266- * إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) «4» 267- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) «5» 268- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) «6» 269- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «7» 270- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) «8»   (1) النمل: 41- 42 مكية (2) القصص: 14 مكية (3) الذاريات: 28 مكية (4) البقرة: 26 مدنية (5) البقرة: 182- 184 مكية (6) البقرة: 230 مدنية (7) آل عمران: 7 مدنية (8) آل عمران: 18- 19 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2943 271- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) «1» 272- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) «2» 273- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) «3» 274- وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) «4» 275- فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) «5» 276- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «6» 277- هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) «7» 278- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) «8» 279- فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) «9» 280- وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (43) «10» 281- بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) «11»   (1) آل عمران: 79 مدنية (2) النساء: 83 مدنية (3) الأنعام: 97 مكية (4) الأنعام: 105 مكية (5) التوبة: 11 مدنية (6) التوبة: 103- 104 مدنية (7) يونس: 5 مكية (8) الحج: 54 مدنية (9) النمل: 52 مكية (10) العنكبوت: 43 مكية (11) العنكبوت: 49 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2944 282- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) «1» 283- وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) «2» 284- كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) «3» 285- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) «4» 286- وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) «5» 287- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) «6» 288- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «7» العلم من صفة بعض أهل الكتاب: 289- قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) «8»   (1) الروم: 56 مكية (2) سبأ: 6 مكية (3) فصّلت: 3 مكية (4) الشورى: 17- 18 مكية (5) الزخرف: 84- 87 مكية (6) محمد: 16 مدنية (7) الممتحنة: 10 مدنية (8) البقرة: 144 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2945 290- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) «1» 291- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247) «2» 292- وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) «3» 293- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) «4» 294- لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) «5» 295- إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) «6» 296- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) «7» 297- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) «8»   (1) البقرة: 146 مدنية (2) البقرة: 247 مدنية (3) آل عمران: 78 مدنية (4) آل عمران: 79 مدنية (5) النساء: 162 مدنية (6) المائدة: 112- 113 مدنية (7) الأنعام: 91 مكية (8) الأنعام: 114 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2946 298- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) «1» 299- أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197) «2» 300- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) «3» اختصاص بعض الخلق بأنواع من العلم واغترار بعضهم بذلك: 301- فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) «4» 302- قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (35) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) «5» 303- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «6» 304- قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) «7» 305- قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (32) «8» 306- وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) «9» 307- وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) «10» نفي العلم عن الناس أو كثير منهم: 308- أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ   (1) الإسراء: 107 مكية (2) الشعراء: 197 مكية (3) القصص: 80 مكية (4) الكهف: 65- 66 مكية (5) الشعراء: 34- 38 مكية (6) النمل: 40 مكية (7) القصص: 78 مكية (8) العنكبوت: 32 مكية (9) الصافات: 158 مكية (10) الشورى: 35 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2947 أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141) «1» 309- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) «2» 310- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «3» 311 وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «4» 312- وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) «5» 313- أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) «6» 314- أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) «7» 315- * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) «8» 316- الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) «9»   (1) البقرة: 140- 141 مدنية (2) البقرة: 216 مدنية (3) البقرة: 232 مدنية (4) الأنفال: 60 مدنية (5) التوبة: 6 مدنية (6) التوبة: 63 مدنية (7) التوبة: 78 مدنية (8) التوبة: 93- 94 مدنية (9) التوبة: 97 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2948 317- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) «1» 318- بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) «2» 319- وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) «3» 320- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) «4» 321- وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) «5» 322- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) «6» 323- قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) «7»   (1) التوبة: 101 مدنية (2) يونس: 39- 40 (39 مكية، 40 مدنية) (3) هود: 30- 32 مكية (4) هود: 46- 49 مكية (5) يوسف: 21 مكية (6) النحل: 101 مكية (7) الإسراء: 84- 85 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2949 324- وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) «1» 325- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) «2» 326- وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) «3» 327- أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) «4» 328- فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) «5» 329- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) «6» 330- وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (64) «7»   (1) الكهف: 19- 22 مكية (2) الحج: 70- 71 مدنية (3) النور: 18- 19 مدنية (4) النمل: 61 مكية (5) القصص: 13 مكية (6) العنكبوت: 41 مكية (7) العنكبوت: 64 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2950 331- وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (7) «1» 332- قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «2» 333- قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) «3» 334- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) «4» 335- لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) «5» 336- وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) «6» 337- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «7» تعليم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم للناس: 338- وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)   (1) الروم: 6- 7 مكية (2) يس: 26- 27 مكية (3) الأحقاف: 23 مكية (4) الفتح: 25 مدنية (5) الفتح: 27 مدنية (6) النجم: 28- 30 مكية (7) المدثر: 31 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2951 قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) «1» 339- رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «2» 340- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «3» 341- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «4» 342- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) «5» 343- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا   (1) البقرة: 31- 33 مدنية (2) البقرة: 129 مدنية (3) البقرة: 238- 239 مدنية (4) البقرة: 250- 251 مدنية (5) البقرة: 259 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2952 تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «1» 344- قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) «2» 345- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) «3» 346- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) «4» 347- يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) «5» 348- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) «6» 349- إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)   (1) البقرة: 282 مدنية (2) آل عمران: 47- 48 مدنية (3) آل عمران: 164- 165 مدنية (4) النساء: 113 مدنية (5) المائدة: 4 مدنية (6) المائدة: 110 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2953 وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) «1» 350- وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) «2» 351- * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «3» 352- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «4» 353- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) «5» 354- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) «6» 355- فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «7» 356- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) «8» 357- وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79)   (1) يوسف: 4- 6 مكية (2) يوسف: 36- 37 مكية (3) يوسف: 101 مكية (4) إبراهيم: 52 مكية (5) الإسراء: 12 مكية (6) مريم: 41- 43 مكية (7) طه: 114 مكية (8) الأنبياء: 74 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2954 وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (81) «1» 358 وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) «2» 359- الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) «3» 360- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «4» 361- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «5» مسئولية العالم بالشيء عمّا يفعله: 362- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) «6» 363- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) «7» 364- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «8»   (1) الأنبياء: 78- 81 مكية (2) النجم: 1- 5 مكية (3) الرحمن: 1- 4 مكية (4) الجمعة: 1- 2 مدنية (5) العلق: 1- 5 مكية (6) البقرة: 188 مدنية (7) الأنفال: 27- 28 مدنية (8) النور: 33 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2955 365- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) «1» انكشاف غطاء العلم في الدنيا أو في الآخرة أو كلاهما: 366- لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) «2» 367- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) «3» 368- وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39) «4» 369- وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) «5» 370- يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) «6» 371- بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66) «7» 372- وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (75) «8» 373- لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) «9» 374- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) «10» 375- فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) «11»   (1) الجمعة: 9 مدنية (2) الأنعام: 67 مكية (3) الأنعام: 135 مكية (4) هود: 38- 39 مكية (5) هود: 93 مكية (6) النور: 24- 25 مدنية (7) النمل: 66 مكية (8) القصص: 75 مكية (9) العنكبوت: 66 مكية (10) الروم: 33- 34 مكية (11) الصافات: 170 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2956 376- قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) «1» 377- وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) «2» 378- قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «3» 379- حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) «4»   (1) ص: 86- 88 مكية (2) الزخرف: 88- 89 مكية (3) الجمعة: 6- 8 مدنية (4) الجن: 24- 25 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2957 الأحاديث الواردة في (العلم) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة: إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن أولاد المشركين. فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» ) * «2» . 3- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع» ) * «3» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» ) * «4» . 5- * (عن الفرزدق بن حنان القاصّ قال: خرجت أنا وعبيد الله بن حيدة في طريق الشّام، فمررنا بعبد الله بن عمرو بن العاص فقال: جاء رجل من قومكما، أعرابيّ جاف جريء، فقال: «يا رسول الله: أين الهجرة؟ إليك حيثما كنت، أم إلى أرض معلومة، أو لقوم خاصّة، أم إذا متّ انقطعت؟ قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة، ثم قال: «أين السّائل عن الهجرة؟» . قال: هأنذا يا رسول الله، قال: «إذا أقمت الصّلاة، وآتيت الزّكاة فأنت مهاجر، وإن متّ بالحضرمة» . قال: يعني أرضا باليمامة، ثمّ قام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت ثياب أهل الجنّة، أتنسج نسجا أم تشقّق من ثمر الجنّة؟» قال: فكأنّ القوم تعجّبوا من مسألة الأعرابيّ! فقال: «ما تعجبون من جاهل يسأل عالما» . قال: فسكت هنيّة، ثمّ قال: «أين السّائل عن ثياب الجنّة؟» . قال: أنا. قال: «لا بل، تشقّق من ثمر الجنّة» ) * «5» . 6- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر- أو كلمة نحوها-. وأحدّثكم حديثا   (1) مسلم (1631) . (2) البخاري- الفتح 3 (1384) ومسلم (2659) واللفظ له (3) الحاكم (1/ 93) واللفظ له وقال الذهبي: (1/ 93) على شرطهما. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار بإسناد حسن. (4) البخاري- الفتح 1 (100) واللفظ له. ومسلم (2673) . (5) أحمد (2/ 203) وقال شاكر: إسناده صحيح (11/ 114) وانظر جامع المسانيد والسنن لابن كثير (26/ 352) وقال مخرجه: تفرد به الإمام أحمد وإسناده صحيح. والفرزدق بن حنان، صوابه حنان بن خارجة. كما صوبه الشيخ أحمد شاكر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2958 فاحفظوه. قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا. فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء» ) * «1» . 7- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ امرأة جاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي. فنظر إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصعّد النّظر إليها وصوّبه، ثمّ طأطأ رأسه. فلمّا رأت المرأة أنّه لم يقض فيها شيئا جلست. فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها. فقال له: هل عندك من شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله. قال اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟. فذهب ثمّ رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئا. قال: انظر ولو خاتما من حديد. فذهب ثمّ رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري. قال سهل: ماله رداء فلها نصفه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك شيء» ، فجلس الرّجل حتى طال مجلسه، ثمّ قام، فرآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مولّيا، فأمر به فدعي. فلمّا جاء قال: «ماذا معك من القرآن؟» . قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا عدّها. قال: أتقرأهنّ عن ظهر قلبك؟ قال: نعم. قال: «اذهب، فقد ملّكتكها بما معك من القرآن» ) * «2» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دخل الخلاء فوضعت له وضوآ. قال: «من وضع هذا؟» . فأخبر. فقال: «اللهمّ فقّهه في الدّين» . وفي لفظ آخر، قال: ضمّني. وقال: «اللهمّ علّمه الكتاب» ) * «3» . 9- * (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: قلت لابن عبّاس- رضي الله عنهما-: إنّ نوفا البكاليّ يزعم أنّ موسى- عليه السّلام- صاحب بني إسرائيل ليس هو صاحب الخضر عليه السّلام، فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى عليه السّلام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه «4» إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين «5» هو أعلم منك. قال موسى: أي ربّ كيف لي به؟ فقيل له: احمل   (1) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح (3021) . وأصله في مسلم. (2) البخاري- الفتح 8 (5030) واللفظ له، ومسلم (1425) وفيه «فعلمها من القرآن» . (3) البخاري- الفتح 1 (143) والجزء الأخير في (75) واللفظ له. ومسلم (2477) . (4) عتب الله عليه: لامه. (5) مجمع البحرين: أي ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق أو بإفريقية، أو طنجة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2959 حوتا «1» في مكتل «2» فحيث تفقد «3» الحوت فهو ثمّ «4» . فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نون. فحمل موسى عليه السّلام حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى أتيا الصّخرة فرقد موسى عليه السّلام وفتاه فاضطّرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر. قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق «5» فكان للحوت سربا. وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما. ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلمّا أصبح موسى عليه السّلام، قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا «6» قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الذي أمر به. قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. قال: يقصّان آثارهما حتّى أتيا الصّخرة فرأيا رجلا مسجّى «7» عليه بثوب. فسلّم عليه موسى. فقال له الخضر: أنّى بأرضك السّلام «8» ؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنّك على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه. قال له موسى عليه السّلام: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا؟ قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرّت بهما سفينة. فكلّماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول «9» فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة فنزعه. فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها. لقد جئت شيئا إمرا «10» . قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا. ثمّ خرجا من السّفينة. فبينما هما يمشيان على السّاحل إذا غلام يلعب مع الغلمان. فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله. قال موسى: أقتلت نفسا زاكية «11» بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا. قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا؟. قال: وهذه أشدّ من الأولى. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من   (1) الحوت: السمكة. (2) مكتل: هو القفة أو الزنبيل، وفي لسان العرب: المكتل: الزنبيل الذي يحمل فيه التمر أو العنب إلى الجرين. (3) تفقد: أي يذهب منك. (4) فهو ثم: أي هناك. (5) الطاق: عقد البناء. (6) نصبا: النصب: التعب (7) مسجى: مغطى. (8) أنّى بأرضك السلام؟: أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام. (9) بغير نول: بغير أجر (10) إمرا: عظيما (11) زاكية: قرىء في السبع: زاكية وزكية: أي طاهرة من الذنوب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2960 لدنّي عذرا «1» . فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ «2» فأقامه. يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا فأقامه «3» . قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرا. قال: هذا فراق بيني وبينك. سأنبّئك بتأويل ما لم تسطع عليه صبرا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما ... الحديث» ) * «4» 10- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: إنّه قدم عليه رجل من المدينة وهو بدمشق. فقال: ما أقدمك يا أخي؟ فقال: حديث بلغني أنّك تحدّثه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: أما جئت لحاجة؟ قال: لا. قال: ما قدمت لتجارة؟ قال: لا. قال: ما جئت إلّا في طلب هذا الحديث؟ قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله له طريقا إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإنّ العالم ليستغفر له من في السّماوات ومن في الأرض حتّى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب. إنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يوّرّثوا دينارا ولا درهما إنّما ورّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظّ وافر» ) * «5» . 11- * (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «6» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم ومروهم وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم» ) * «7» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قلنا: بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما «8» ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا «9» ، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ   (1) بلغت من لدني عذرا: أي بلغت الغاية التي تعذر بسببها في فراقي. (2) ينقض: قرب من الانقضاض أو السقوط. (3) قال الخضر بيده هكذا: أي أشار بيده فأقامه. وهذا تعبير عن الفعل بالقول. (4) البخاري- الفتح 6 (3401) . ومسلم (2380) واللفظ له (5) الترمذي (2682) واللفظ له وعزاه في التحفة لأحمد (2/ 252، 325) من حديث أبي هريرة، والدارمي (3/ 381) النسخة الهندية وأبو داود (3641) . وذكره الألباني في صحيح أبي داود: (2/ 694) برقم (096- 3) وقال: صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (8/ 6) : إسناده حسن. (6) شببة: جمع شابّ، مثل بررة جمع بارّ. (7) البخاري- الفتح 10 (6008) واللفظ له، ومسلم (674) . (8) إلا ريثما: معناه إلا قدر ما. (9) أخذ رداءه رويدا: أي قليلا لطيفا لئلا ينبهها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2961 أجافه «1» رويدا. فجعلت درعي في رأسي «2» ، واختمرت «3» وتقنّعت إزاري «4» . ثمّ انطلقت على إثره. حتىّ جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «5» . فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش! حشيا رابية «6» » قالت: قلت لا شيء. قال: «لتخبريني «7» أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» قالت: قلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي! فأخبرته. قال: «فأنت السّواد «8» الّذي رأيت أمامي؟» . قلت: نعم. فلهدني «9» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. نعم قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني. فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» . قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «10» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلّا ذكر الله، وما والاه، أو عالما أو متعلّما» ) «11» . 14- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أتعلّم له كتاب يهود. قال: «إنّي والله ما آمن يهود على كتاب» . قال: فما مرّ بي نصف شهر حتّى تعلّمته له. قال: «فلمّا تعلّمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم» ) * «12» .   (1) ثم أجافه: أي أغلقه. وإنما فعل ذلك صلّى الله عليه وسلّم في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها، فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل. (2) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة قميصها. (3) واختمرت: أي ألقيت على رأسي الخمار، وهو ما تستر به المرأة رأسها. (4) وتقنعت إزاري: هكذا هو في الأصول: إزاري، بغير باء في أوله. وكأنه بمعنى لبست إزاري، فلهذا عدى بنفسه. (5) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو. أي فعدا فعدوت، فهو فوق الهرولة. (6) مالك يا عائش حشيا رابية: يجوز في عائش فتح الشين وضمها. وهما وجهان جاريان في كل المرخمات. وحشيا: معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النّفس وتواتره. يقال: امرأة حشياء وحشية. ورجل حشيان وحش. قيل: أصله من أصاب الربو حشاه. رابية أي مرتفعة البطن. (7) لتخبريني: هكذا يوجد الفعل في صحيح مسلم ولا يخفى أن الفعل مؤكد بدليل لام القسم، وتوكيده يقتضي حذف ياء المخاطبة وبقاء الكسرة دليلا عليها فيقال: لتخّبرنّي- فلعله خطأ طباعي. (8) فأنت السواد: أي الشخص. (9) فلهدني: قال أهل اللغة: لهده ولهّده، بتخفيف الهاء، وتشديدها، أي دفعه. (10) مسلم (974) . (11) الترمذي (2322) وقال: حسن غريب. وابن ماجة (4112) . (12) الترمذي (2715) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (3645) . وقال الألباني في صحيح أبي داود (2/ 695) : حسن صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2962 15- * (عن العلاء بن خارجة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإنّ صلة الرّحم محبّة للأهل، مثراة للمال، ومنسأة للأجل» ) * «1» . 16- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين. الرّجل تكون له الأمة فيعلّمها فيحسن تعليمها ويؤدّبها فيحسن تأديبها فله أجران، ومؤمن أهل الكتاب الّذي كان مؤمنا ثمّ آمن بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فله أجران، والعبد الّذي يؤدّي حقّ الله وينصح لسيّده» ) * «2» . 17- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الاخر: حدّثنا: «أنّ الأمانة «3» نزلت في جذر قلوب الرّجال، ثمّ علموا من القرآن ثمّ علموا من السّنّة. وحدّثنا عن رفعها. قال: «ينام الرّجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظلّ أثرها مثل أثر الوكت «4» ثمّ ينام النّومة فتقبض فيبقى أثرها مثل أثر المجل «5» ، كجمر دحرجته على رجلك فنفط «6» . فتراه منتبرا «7» وليس فيه شيء، ويصبح النّاس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدّي الأمانة، فيقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا. ويقال للرّجل ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ زمان ولا أبالي أيّكم بايعت «8» . لئن كان مسلما ردّه عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيّا ردّه عليّ ساعيه، وأمّا اليوم فما كنت أبايع إلّا فلانا وفلانا) * «9» . 18- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في الصّفّة. فقال: «أيّكم يحبّ أن يغدو كلّ يوم إلى بطحان «10» أو إلى العقيق «11» فيأتي منه بناقتين كوماوين «12» في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله نحبّ ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله- عزّ وجلّ- خير له من ناقتين. وثلاث خير له من ثلاث. وأربع خير له من أربع. ومن   (1) مجمع الزوائد (8/ 152) واللفظ له. وقال: رواه الطبراني ورجاله قد وثقوا.. وخرجه البخاري في الأدب المفرد موقوفا على عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- انظر ملخص فضل الله الصمد (1/ 108، 109) برقمي (72، 73) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: إسناده لا بأس به (3/ 335) . وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد (2/ 374) . والترمذي (1979) وقال: غريب. والحاكم (161) وصححه. (2) البخاري- الفتح 6 (3011) واللفظ له. ومسلم (154) . (3) الأمانة: المقصود هنا التكليف الذي كلف الله به العباد. (4) الوكت: هو الأثر اليسير أو سواد يسير. (5) المجل: التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها. (6) نفط: إذا صار بين الجلد واللحم ماء. (7) منتبرا: مرتفعا. (8) بايعت: المبايعة هنا البيع والشراء المعروفان. (9) البخاري- الفتح 13 (7086) . ومسلم (143) . (10) بطحان: اسم موضع قرب المدينة. (11) العقيق: اسم واد بالمدينة. (12) ناقة كوماء: عظيمة السنام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2963 أعدادهنّ من الإبل» ) * «1» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. الحديث وفيه: ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله، وكبّروا، وصلّوا، وتصدّقوا. ثمّ قال: يا أمّة محمّد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ) * «2» . 20- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» ) * «3» . 21- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوا الله علما نافعا، وتعوّذوا بالله من علم لا ينفع» ) * «4» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوني» . فهابوه أن يسألوه. فجاء رجل فجلس عند ركبتيه. فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: «لا تشرك بالله شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان «قال: صدقت. قال يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كلّه» . قال: صدقت. قال: يا رسول الله، ما الإحسان؟. قال: «أن تخشى الله كأنّك تراه. فإنّك إن لا تكن تراه فإنّه يراك» . قال: صدقت. قال: يا رسول الله، متى تقوم السّاعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السّائل، وسأحدّثك عن أشراطها. إذا رأيت المرأة تلد ربّها فذاك من أشراطها. وإذا رأيت الحفاة العراة الصّمّ البكم «5» ملوك الأرض فذاك من أشراطها. وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها. في خمس من الغيب لا يعلمهنّ إلّا الله» . ثمّ قرأ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان/ 43) . قال: ثمّ قام الرّجل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ردّوه عليّ» . فالتمس فلم يجدوه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا جبريل أراد أن تعلّموا إذ لم تسألوا» ) * «6» . 23- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ترخّص فيه وتنزّه عنه قوم، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ   (1) مسلم (803) . (2) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له، ومسلم (901) . (3) البخاري- الفتح 9 (5027) . (4) ابن ماجة (3843) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. مجمع الزوائد (10/ 182) وعزاه للطبراني في الأوسط. وذكره الألباني في الصحيحة (4/ 16) ح (1151) وعزاه لمصنف ابن أبي شيبة والمنتخب لعبد بن حميد والفاكهي وقال: إسناده حسن. (5) الصم البكم: المراد بهم الجهلة السفلة الرعاع، أي لما لم ينتفعوا بجوارحهم هذه وكأنهم عدموها. (6) البخاري- الفتح 1 (50) . ومسلم (10) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2964 قال: «ما بال أقوام يتنزّهون عن الشّيء أصنعه؟ فو الله إنّي أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) * «1» . 24- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلّد الخنازير الجوهر واللّؤلؤ» ) * «2» . 25- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العلم علمان. علم في القلب، فذاك العلم النّافع، وعلم على اللّسان، فذاك حجّة الله على ابن آدم» ) * «3» . 26- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم، ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال «4» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «5» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «6» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «7» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «8» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «9» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «10» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ، إذا يثلغوا رأسي «11» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك.   (1) البخاري- الفتح 13 (7301) واللفظ له. ومسلم (2356) . (2) ابن ماجة (224) وفيه قال السيوطي: سئل الشيخ النووي عنه فقال: إنه ضعيف سندا، وإن كان صحيحا معنى. وقال المزي: روي من طرق تبلغ الحسن وهو كما قال: فإني رأيت له خمسين طريقا جمعتها. وللحديث شاهد عند ابن شاهين، وقد روى أيضا بسند رجاله ثقات عن أنس- رضي الله عنه-، وانظر مجمع الزوائد (1/ 119، 120، وكشف الخفا (2/ 43، 44 (1665) . (3) الترغيب والترهيب (1/ 103) واللفظ له، وقال: رواه الخطيب في تاريخه بإسناد حسن، ورواه ابن عبد البر النمري في كتاب العلم عن الحسن مرسلا بإسناد صحيح، وانظره فيه (1/ 190/ 191) ، وقد حسنه السيوطى في الجامع الصغير رقم (5717) . وقال المناوي: قال المنذري: إسناده صحيح، وقال العراقي: جيد، وإعلال ابن الجوزي له وهم، وقال السمهودي: إسناده حسن، ورواه أبو نعيم والديلمي عن أنس- رضي الله عنه- مرفوعا، فيض القدير (4/ 39) . (4) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحام وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (5) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (6) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها. (7) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (8) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (9) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك اليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق. (10) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الزمان. (11) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز: أي يكسر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2965 واغزهم نغزك «1» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربي، ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «2» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «3» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «4» ، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . (وذكر البخل أو الكذب «5» ) والشّنظير «6» الفحّاش، ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «7» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ انفعني بما علّمتني، وعلّمني ما ينفعني، وزدني علما، والحمد لله على كلّ حال» ) * «8» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان من دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع» ) * «9» . 29- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لو استخلفت معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- فسألني عنه ربّي عزّ وجلّ، ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيّك صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ العلماء إذا حضروا ربّهم- عزّ وجلّ- كان معاذ بين أيديهم رتوة «10» بحجر» ) * «11» . 30- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن فقال: اللهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك: ماض فيّ حكمك، عدل فيّ   (1) نغزك: أي نعينك. (2) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (3) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (4) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء اذا أظهرته. وأخفيته اذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (5) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور. (6) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش وهو السّيّىء الخلق. (7) مسلم (2865) . (8) الترمذي (3599) واللفظ له، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وابن ماجه (المقدمه 251، 3833 الدعاء وله شاهد من حديث أنس- رضي الله عنه- في الحاكم (1879، 1/ 510) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي، وهو كما قالا. وله طريق أخرى رواها الطبراني في الأوسط من رواية سهيل بن عياش عن المدنيين وهي ضعيفه، كذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 181) . (9) النسائي (8/ 284) وقال الألباني في صحيحه: صحيح (3/ 1113) ، (5053) . وابن ماجة (250) واللفظ له. (10) جاء في لسان العرب: الرتوة الخطوة ونقل عن ابن الأثير أنها الرمية بسهم. وواضح أن الرمية في الحديث بحجر، والمعنى أن معاذا يسبق العلماء سبقا ظاهرا واضحا. (11) أبو نعيم في الحلية (1/ 228) . واللفظ له. وابن سعد في الطبقات (2/ 248، 3/ 590) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 82) حديث (1091) وذكر له طرقا عديدة ثم قال: وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا شك، ولا يرتاب في ذلك من له معرفة بهذا العلم الشريف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2966 قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إ أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا. قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلّمها؟ فقال: «بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلّمها» ) * «1» . 31- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقيّة «2» قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب «3» أمسكت الماء فنفع الله بها النّاس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنّما هي قيعان «4» لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا. ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به. قال أبو عبد الله: قال إسحاق: وكان منها طائفة قيّلت «5» الماء قاع يعلوه الماء، والصّفصف: المستوي من الأرض» ) * «6» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعلّم علما ممّا يبتغى به وجه الله- عزّ وجلّ- لا يتعلّمه إلّا ليصيب به عرضا من الدّنيا لم يجد عرف الجنّة «7» يوم القيامة» ) * «8» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول: «من جاء مسجدي هذا، لم يأته إلّا لخير يتعلّمه أو يعلّمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرّجل ينظر إلى متاع غيره» ) * «9» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سئل عن علم ثمّ كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» ) * «10» . 35- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله   (1) أحمد في المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (5/ 3712 و (6/ 4318) واللفظ له، وقال: إسناده صحيح. وذكره الألباني في صحيح الكلم الطيب (74) حديث (123) وقال: صحيح. ورواه ابن حبان رقم (972) . (2) نقية: طيبة. (3) أجادب: هي الأرض التي لا تنبت كلأ. وهي جمع جدب على غير قياس. كما قالوا في حسن جمعه محاسن والقياس أن محاسن جمع محسن. (4) قيعان: جمع القاع. وهو الأرض المستوية، وقيل: التي لا نبات فيها. وهو المراد هنا. (5) قيّلت الماء: القيل: شرب نصف النهار، والمراد الشرب على وجه العموم. (6) البخاري- الفتح 1 (79) واللفظ له ومسلم (2282) . (7) عرف الجنة: يعني ريحها. (8) أبو داود (3664) واللفظ له والترمذي (2655) وقال: حسن غريب. وذكر المنذري، المختصر (5/ 255) - يعني لأبي داود. وأحمد (2/ 338) رقم (8238) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (16/ 193) . والحاكم (1/ 85) وقال: صحيح سنده، ثقات رواته، على شرطهما ووافقه الذهبي. واقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي وقال الألباني: صحيح رقم (102) . (9) ابن ماجة (227) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده صحيح على شرط مسلم. وذكره الألباني في صحيح الجامع (3/ 278) رقم (6060) وقال: صحيح. (10) الترمذي (2649) واللفظ له، وقال: حديث حسن. وقال في التحفة: أخرجه أحمد (1/ 101) وأبو داود والنسائي، والحاكم (2/ 344، 353) وقال: صحيح وذكره في- الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2967 عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو يعلم أنّه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» ) * «1» . 36- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أباذرّ، لأن تغدو فتعلّم «2» آية من كتاب الله خير لك من أن تصلّي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلّم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل خير من أن تصلّي ألف ركعة» ) * «3» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه» ) * «4» . 38- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «منهومان لا يشبعان، منهوم في علم لا يشبع، ومنهوم في دنيا لا يشبع» ) * «5» . 39- * (عن ابن الدّيلميّ قال أتيت أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدّثني بشيء لعلّ الله أن يذهبه من قلبي، فقال: لو أنّ الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه عذّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتّى تؤمن بالقدر، وتعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو متّ على غير هذا لدخلت النّار. قال: ثمّ أتيت عبد الله ابن مسعود، فقال مثل ذلك، قال: ثمّ أتيت حذيفة بن اليمان، فقال مثل ذلك، قال: ثمّ أتيت زيد بن ثابت، فحدّثني عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك» ) * «6» . 40- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن   - المشكاة وقال الألباني: صحيح (1/ 77) . وأبو داود (3658) . وابن ماجة (261) . وقال الخطابي: هو في العلم الضروري. كما لو قال: علمني الإسلام والصلاة. وقد حضر وقتها وهو لا يحسنها في نوافل العلم. (1) مسلم (26) . (2) فتعلّم: أي فتتعلّم فحذفت إحدى التائين تخفيفا. (3) ابن ماجة (219) . واللفظ له، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: إسناده حسن (981) . (4) مسلم (2699) . (5) الحاكم (1/ 92) واللفظ له، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم أجد له علة ووافقه الذهبي.. والحديث في المشكاة (1/ 86) وفيه قال الألباني: هو عند ابن عدي وابن عساكر وهو صحيح. (6) المسند (5/ 185) . أبو داود (4699) واللفظ له. وقال الألباني في صحيحه (3/ 890) : صحيح. وابن ماجة (77) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2968 قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «1» . 41- * (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟» ) * «2» . 42- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السّفهاء، ولا تخيّروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنّار النّار» ) * «3» . 43- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا المنذر؟ أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر! أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. قال: فضرب في صدري وقال ليهنك العلم «4» أبا المنذر» ) * «5» . 44- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا، ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرّق بينهم، فجلسنا حجرة «6» إذ ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها حتّى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغضبا، قد احمرّ وجهه يرميهم بالتّراب، ويقول: «مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض. إنّ القرآن لم ينزل يكذّب بعضه بعضا، بل يصدّق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردّوه إلى عالمه» ) * «7» . 45- * (عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» ) * «8» .   (1) مسلم (2722) . (2) الترمذي (2417) وقال: حسن صحيح. (3) ابن ماجة (254) واللفظ له وفي الزوائد: ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم مرفوعا وموقوفا. وهو عند الحاكم (1/ 86) وقال الحاكم والذهبي والرفع أصح. (4) قوله ليهنك العلم: أي ليكن العلم هنيئا لك. (5) مسلم (810) . (6) حجرة: أي في ناحية منفردين. (7) أحمد (2/ 182) رقم (6702) . وقال فيه شاكر: إسناده صحيح (10/ 174) . (8) البزار (1/ 86) حديث (143) . وهو في المشكاة (1/ 82) حديث (248) وقال: رواه البيهقي. وقال الشيخ ناصر في تخريجه: رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي ونقل هناك تصحيح الإمام أحمد للحديث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2969 الأحاديث الواردة في (العلم) معنى 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: يقولون: إنّ أبا هريرة قد أكثر، والله الموعد، ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدّثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك: إنّ إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أراضيهم، وإنّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصّفق «1» بالأسواق. وكنت ألزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ملء بطني. فأشهد إذا غابوا. وأحفظ إذا نسوا، ولقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما «أيّكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي هذا، ثمّ يجمعه إلى صدره، فإنّه لم ينس شيئا سمعه» فبسطت بردة عليّ حتّى فرغ من حديثه. ثمّ جمعتها إلى صدري، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدّثني به. ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدّثت شيئا أبدا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى (البقرة/ 159- 160) إلى آخر الايتين «2» . 47- * (عن الحسن- رضي الله عنه- قال بينما عمران بن حصين- رضي الله عنهما- يحدّث عن سنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم إذ قال له رجل: يا أبا نجيد حدّثنا بالقرآن، فقال له عمران: أنت وأصحابك يقرؤن القرآن، أكنت محدّثي عن الصّلاة وما فيها وحدودها؟، أكنت محدّثي عن الزّكاة في الذّهب والإبل والبقر وأصناف المال؟ ولكن قد شهدت وغبت أنت، ثمّ قال: فرض علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الزّكاة كذا وكذا، وقال الرّجل أحييتني أحياك الله، قال الحسن: فما مات ذلك الرّجل حتّى صار من فقهاء المسلمين» ) * «3» . 48- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تجدون النّاس معادن، فخيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون من خير النّاس في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه. وتجدون من شرار النّاس ذا الوجهين. الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» ) * «4» . 49- * (عن المقدام بن معد يكرب الكنديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يوشك الرّجل متّكئا على أريكته يحدّث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله- عزّ وجلّ- فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه، ألا وإنّ ما حرّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل ما حرّم الله) * «5» . 50- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه   (1) الصّفق- بإسكان الفاء- هو ضرب اليد على اليد، وجرت به عادتهم عند عقد البيع. (2) البخاري- الفتح 1 (118) واللفظ له ومسلم (2492) . (3) الحاكم (1/ 109، 110) وصححه، وافقه الذهبي. (4) البخاري- الفتح 6 (3496) . ومسلم (5262) واللفظ له. (5) أبو داود (4605. الترمذي (5/ 37) وقال: حسن غريب. وابن ماجة (12) واللفظ له. وأحمد (6/ 8) . وصححه الحاكم (1/ 109) وسكت عنه الذهبي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2970 قال: قيل يا رسول الله، من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة ألايسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث: أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة: من قال لا إله إلّا الله خالصا من قلبه، أو نفسه» ) * «1» . 51- * (عن حميد بن عبد الرّحمن قال: سمعت معاوية- رضي الله عنه- خطيبا يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين، وإنّما أنا قاسم، والله يعطي، ولن تزال هذه الأمّة قائمة على أمر الله لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «2» . 52- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ «3» عليهنّ قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمّة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ الدّعوة تحيط من ورائهم» ) * «4» . 53- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ نافع بن عبد الحارث الخزاعيّ لقيه بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكّة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟ قال مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى. قال: إنّه قارىء لكتاب الله- عزّ وجلّ- وإنّه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إنّ نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم قد قال «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» ) *» .   (1) البخاري- الفتح 1 (99) . وقوله «أو في نفسه» شك من الراوي. (2) البخاري- الفتح 1 (71) واللفظ له ومسلم (1037) . (3) لا يغلّ- بالضم- من الإغلال وهو الخيانة، وبالفتح من الغل، وهو الحقد والشحناء، أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق. (4) الترمذي (2658) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (230) من حديث زيد بن ثابت. وأحمد (5/ 182) وذكره الألباني في صحيح الجامع (6642) . (5) مسلم (817) وقال أيضا: تفقهوا قبل أن تسودوا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2971 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العلم) 54- * (عن معاوية بن الحكم السّلميّ رضي الله عنه- قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمّياه! ما شأنكم؟ تنظرون إليّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتهم «1» يصمّتونني «2» ، لكنّي سكتّ. فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبأبي هو وأمّي! ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه. فو الله ما كهرني «3» ولا ضربني ولا شتمني. قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس، إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله! إنّي حديث عهد بجاهليّة «4» . وقد جاء الله بالإسلام. وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال: «فلا تأتهم» قال: ومنّا رجال يتطيّرون. قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم. فلا يصدّنّهم» (قال ابن الصّبّاح: فلا يصدّنّكم) » قال: قلت: ومنّا رجال يخطّون. قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ «5» . فمن وافق خطّه فذاك» قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانيّة «6» . فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّيب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم. آسف كما يأسفون «7» . لكنّي صككتها صكّة «8» فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: «ائتني بها» فأتيته بها. فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السّماء. قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. قال: «أعتقها. فإنّها مؤمنة» * «9» . 55- * (عن أبي رفاعة العدويّ- رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يخطب، قال: فقلت: يا رسول الله! رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه. قال: فأقبل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وترك خطبته حتّى انتهى إليّ فأتي بكرسيّ حسبت قوائمه حديدا. قال: فقعد عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعل يعلّمني ممّا علّمه الله، ثمّ أتى خطبته فأتمّ آخرها» ) * «10» . 56- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) رأيتهم: أي علمتهم. (2) يصمتونني: أي يسكتونني. (3) كهرني: القهر والكهر والنهر متقاربة. أي ما قهرني ولا نهرني. (4) بجاهلية: الجاهلية: ما قبل ورود الشرع. سموا جاهلية لكثرة جهالتهم وفحشهم. (5) يخط: أي يضرب خطوطا كخطوط الرمل فيعرف الأمر بالفراسة. وهو نوع من الكهانة. ولهم فيه أوضاع واصطلاح وأسام وعمل كثير، ويستخرجون به الضمير وغيره، والنبي هو إدريس أو دانيال. (6) الجوانية: موضع في شمال المدينة بقرب أحد. (7) آسف كما يأسفون: أي أغضب كما يغضبون. (8) صككتها صكة: أي ضربتها بيدي مبسوطة. (9) مسلم (537) . (10) مسلم (876) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2972 قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان يعلّمهم هذا الدّعاء كما يعلّمهم السّورة من القرآن، يقول: «قولوا: اللهمّ إنّا نعوذ بك من عذاب جهنّم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» ) * «1» . 57- * (عن حطّان بن عبد الله الرّقاشيّ- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع أبي موسى الأشعريّ صلاة، فلمّا كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرّت الصّلاة «2» بالبرّ والزّكاة؟ قال فلمّا قضى أبو موسى الصّلاة وسلّم انصرف فقال: أيّكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرمّ القوم «3» . ثمّ قال: أيّكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرمّ القوم، فقال: لعلّك يا حطّان قلتها؟ قال: ما قلتها. ولقد رهبت أن تبكعني بها «4» . فقال رجل من القوم: أنا قلتها. ولم أرد بها إلّا الخير. فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبنا فبيّن لنا سنّتنا وعلّمنا صلاتنا. فقال «إذا صلّيتم فأقيموا صفوفكم. ثمّ ليؤمّكم أحدكم. فإذا كبّر فكبّروا. وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. فقولوا: آمين. يجبكم الله «5» . فإذا كبّر وركع فكبّروا واركعوا. فإنّ الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فتلك بتلك وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهمّ ربّنا لك الحمد. يسمع الله لكم. فإنّ الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم: سمع الله لمن حمده. وإذا كبّر وسجد فكبّروا واسجدوا. فإنّ الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فتلك بتلك. وإذا كان عند القعدة فليكن من أوّل قول أحدكم: التّحيّات الطّيّبات الصّلوات لله. السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته. السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. أشهد ألاإله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله» ) * «6» . 58- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي، ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب، وسل تعط» ) * «7» . 59- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: «قل: اللهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك،   (1) مسلم (590) . (2) أقرّت الصلاة: معناه قرنت بهما وأقرت معهما. (3) أرمّ القوم: سكتوا ولم يجيبوا. (4) تبكعني: تبكتني وتوبخني. أي قد خفت أن تستقبلني بما أكره. (5) يجببكم الله: أي يستجيب دعاءكم. (6) مسلم (404) . (7) أبو داود (1481) . والنسائي (3/ 44) واللفظ له وذكره الألباني في الصحيح (1/ 275) حديث (1217) . والترمذي (3476) وقال: حديث حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2973 وارحمني، إنّك أنت الغفور الرّحيم» ) * «1» . 60- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون. قالوا: إنّا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إنّ الله قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، فيغضب حتّى يعرف الغضب في وجهه، ثمّ يقول: إنّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا» ) * «2» . 61- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كالسّورة من القرآن، إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ يقول: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب. اللهمّ إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر «3» خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عنّي واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ رضّني به. ويسمّي حاجته» ) * «4» . 62- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فقال: «يا غلام، إنّي أعلّمك كلمات. احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف» ) * «5» . 63- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن «6» فشربت حتّى إنّي لأرى الرّيّ يخرج في أظفاري ثمّ أعطيت فضلي عمر بن الخطّاب» . قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: «العلم» ) * «7» . 64- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله، ذهب الرّجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلّمنا ممّا علّمك الله. فقال: «اجتمعن يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا» ، فاجتمعن فأتاهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعلّمهنّ ممّا علّمه الله. ثمّ قال: «ما منكنّ امرأة تقدّم بين يديها من ولدها ثلاثة إلّا كان لها حجابا من النّار» فقالت امرأة منهنّ: يا رسول   (1) البخاري- الفتح 2 (834) واللفظ له ومسلم (2705) . (2) البخاري- الفتح 1 (20) . (3) قوله: إن كنت تعلم أن هذا الأمر .... : يسمي الأمر الذي يستخير من أجله: زواجا أو سفرا أو تجارة أو سكنا ... الخ. (4) البخاري- الفتح 11 (6382) واللفظ له. (5) الترمذي (2516) وقال: حسن صحيح. والطبراني في الدعاء (2/ 803) حديث (41) . وقال مخرجه: إسناده حسن. (6) لبن: تفسير اللبن بالعلم فلاشتراكهما في كثرة النفع وفي أنهما سبب الصلاح. (7) البخاري- الفتح 1 (82) واللفظ له، ومسلم (2391) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2974 الله، اثنين؟ قال: فأعادتها مرّتين. ثمّ قال: واثنين واثنين واثنين» ) * «1» . 65- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وكفّي بين كفّيه- التّشهّد. كما يعلّمني السّورة من القرآن: التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته. السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. أشهد ألاإله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله وهو بين ظهرانينا، فلمّا قبض قلنا: السّلام، يعني على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العلم) 1- * (قال المسيح عليه السّلام: «من تعلّم وعلم وعمل فذاك يدعى عظيما في ملكوت السّماء» ) * «3» . 2- * (وقال أيضا عليه السّلام: «لا تمنع العلم من أهله فتأثم، ولا تنشره عند غير أهله فتجهل، وكن طبيبا رفيقا يضع دواءه حيث يعلم أنّه ينفع» ) * «4» . 3- * (قال لقمان لابنه: «يا بنيّ لا تعلّم «5» العلم لتباهي به العلماء أو لتماري به السّفهاء، أو ترائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهدا فيه ورغبة في الجهالة، يا بنيّ، اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلّموك، ولعلّ الله أن يطّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيّا أو عيّا «6» ، ولعلّ الله يطّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم» ) * «7» . 4- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: «تعلّموا العلم، وعلّموه النّاس وتعلّموا له الوقار والسّكينة وتواضعوا لمن تعلّمتم منه ولمن علّمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم» ) *» . 5- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- لرجل من أصحابه: يا كميل: «العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النّفقة، والعلم يزكو بالإنفاق» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7310) واللفظ له وبعضه في 1 (101) . مسلم (2633) . (2) البخاري- الفتح 11 (6265) واللفظ له. ومسلم (402) . (3) العلم لزهير بن حرب (7) . (4) الدارمي (1/ 117) برقم (379) . (5) لا تعلّم: أي لا تتعلم فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. (6) الغي: الضلال، والعي: العجز. (7) الدارمي (1/ 117) برقم (377) . (8) جامع بيان العلم وفضله (1/ 135) . (9) إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 17، 18) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2975 6- * (وقال- رضي الله عنه-: «لا يؤخذ على الجاهل عهد بطلب العلم حتّى أخذ على العلماء عهد ببذل العلم للجهّال، لأنّ العلم كان قبل الجهل به» ) * «1» . 7- * (وقال أيضا- رضي الله عنه-: «العالم أفضل من الصّائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم من الإسلام ثلمة لا يسدّها إلّا خلف منه» ) * «2» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «ما من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحد أكثر حديثا عنه منّي، إلّا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنّه كان يكتب ولا أكتب» ) * «3» . 9- * (قال سلمان- رضي الله عنه-: «علم لا يقال به، ككنز لا ينفق منه» ) * «4» . 10- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «أغد عالما أو متعلّما، ولا تغد بين ذلك» ) * «5» . 11- * (وقال أيضا- رضي الله عنه-: «يا أيّها النّاس تعلّموا، فمن علم فليعمل» ) * «6» . 12- * (وقال أيضا- رضي الله عنه-: «إنّ من العلم أن يقول الّذي لا يعلم: الله أعلم» ) * «7» . 13- * (وقال- رضي الله عنه-: «إنّ أحدا لا يولد عالما، والعلم بالتّعلّم» ) * «8» . 14- * (وقال أيضا: «إنّي لأحسب الرّجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها» ) * «9» . 15- * (وعنه- رضي الله عنه- قال: جاء رجل، فقال: تركت في المسجد رجلا يفسّر القرآن برأيه، يفسّر هذه الاية: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (الدخان/ 10) قال: يأتي النّاس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم. حتّى يأخذهم منه كهيئة الزّكام. فقال عبد الله: من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإنّ من فقه الرّجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم. إنّما كان هذا؛ أنّ قريشا لمّا استعصت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف. فأصابهم قحط وجهد. حتّى جعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد. وحتّى أكلوا العظام. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله، استغفر الله لمضر، فإنّهم قد هلكوا. فقال «لمضر؟ إنّك لجريء» قال: فدعا الله لهم. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (الدخان/ 15) . قال فمطروا. فلمّا أصابتهم الرّفاهية، قال: عادوا إلى ما كانوا عليه. قال فأنزل الله- عزّ وجلّ-: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (الدخان/ 11- 12) ، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (الدخان/ 16)) * «10» قال يعني يوم بدر.   (1) جامع بيان العلم وفضله (1/ 123) . (2) فهارس لسان العرب (1/ 320) . (3) البخاري- الفتح 1 (113) . (4) العلم لزهير بن حرب (8) . (5) كتاب العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب (6) . (6) المصدر السابق (7) . (7) المصدر نفسه (15) . (8) المصدر نفسه (28) . (9) العلم لزهير بن حرب (31) . (10) البخاري- الفتح 8 (4774) . ومسلم (2798) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2976 16- * (وقال- رضي الله عنه-: «لا يزال النّاس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن أكابرهم، فإذا جاء العلم من قبل أصاغرهم فذلك حين هلكوا» ) * «1» . 17- * (قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: «تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح. والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة. لأنّه معالم الحلال والحرام، والأنيس في الوحشة، والصّاحب في الخلوة، والدّليل على السّرّاء والضّرّاء. والزّين عند الأخلاق، والقرب عند الغرباء. يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخلق قادة يقتدى بهم، وأئمّة في الخلق تقتفى آثارهم. وينتهى إلى رأيهم. وترغب الملائكة في حبّهم بأجنحتها تمسحهم. حتّى كلّ رطب ويابس لهم مستغفر. حتّى حيتان البحر وهوامّه. وسباع البرّ وأنعامه. والسّماء ونجومها. لأنّ العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظّلم. وقوّة الأبدان من الضّعف، يبلغ به العبد منازل الأحرار، ومجالسة الملوك، والدّرجات العلى في الدّنيا والآخرة، والفكر به يعدل بالصّيام، ومدارسته بالقيام، به يطاع الله- عزّ وجلّ- وبه يعبد الله- عزّ وجلّ- وبه توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام، إمام العمل والعمل تابعه، يلهمه السّعداء، ويحرمه الأشقياء» ) * «2» . 18- * (وقال معاذ بن جبل- رضي الله عنه- لمّا حضرته الوفاة: «إنّ العلم والإيمان مكانهما، من التمسهما وجدهما. قال ذلك ثلاث مرّات، والتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدّرداء، وعند سلمان الفارسيّ، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه عاشر عشرة في الجنّة» ) * «3» . 19- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «أتدرون ما ذهاب العلم من الأرض؟ قال: قلنا: لا، قال: أن يذهب العلماء» ) * «4» . 20- * (قال عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه-: «فضل العلم أحبّ إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع» ) * «5» . 21- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-: «إنّما أخشى من ربّي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبّيك ربّي، فيقول لي: ما عملت فيما علمت؟» ) * «6» . 22- * (وقال- رضي الله عنه-: «العلم بالتّعلّم، والحلم بالتّحلّم، ومن يتحرّ الخير يعطه، ومن يتوقّ الشّرّ يوقه» ) * «7» . 23- * (وقال أيضا: «العالم والمتعلّم في   (1) جامع بيان العلم وفضله (1/ 159) . (2) أخلاق العلماء، للاجري (34، 35) . (3) الحاكم (1/ 98) وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي. ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «إنه عاشر عشرة في الجنة» . (4) العلم لزهير بن حرب (16) . (5) المرجع السابق (9) . (6) شعب الإيمان للبيهقي (2/ 299) برقم (1852) . (7) العلم لزهير بن حرب (28) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2977 الأجر سواء، وسائر النّاس همج لا خير فيهم» ) * «1» . 24- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-: «مثل العلماء في النّاس كمثل النّجوم في السّماء يهتدى بها» ) * «2» . 25- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «لقد طلب أقوام العلم ما أرادوا به الله ولا ما عنده. قال: فما زال بهم العلم حتّى أرادوا به الله وما عنده» ) * «3» . 26- * (وعنه- رحمه الله تعالى-، قال: «قد كان الرّجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشّعه، وهديه، ولسانه، وبصره، ويديه» ) * «4» . 27- * (وقال: «أفضل العلم الورع والتّفكّر» ) * «5» . 28- * (وقال: «الفقيه: العالم في دينه، الزّاهد في دنياه، الدّائم على عبادة ربّه» ) * «6» . 29- * (وقال أيضا: «العامل على غير علم كالسّالك على غير طريق، والعامل على غير علم يفسد أكثر ممّا يصلح، فاطلبوا العلم طلبا لا تضرّوا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا تضرّوا بالعلم، فإنّ قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتّى خرجوا بأسيافهم على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولو طلبوا العلم لم يدلّهم على ما فعلوا» ) * «7» . 30- * (قال مجاهد بن جبر- رحمه الله تعالى-: «لا يتعلّم العلم مستح ولا مستكبر» ) * «8» . 31- * (قال عطاء بن يسار- رحمه الله تعالى-: «ما أوتي شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم» ) * «9» . 32- * (قال مسروق. رحمه الله تعالى.: «بحسب الرّجل من العلم أن يخشى الله- عزّ وجلّ- وبحسب الرّجل من الجهل أن يعجب بعلمه» ) * «10» . 33- * (قال عبد الله بن عون- رحمه الله تعالى-: «ثلاث أحبّهنّ لنفسي ولإخواني: هذه السّنّة أن يتعلّموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهّموه ويسألوا النّاس عنه، ويدعوا النّاس إلّا من خير» ) * «11» . 34- * (كان عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- كثيرا ما يتمثّل بهذه الأبيات: يرى مستكينا وهو للهو ماقت «12» ... به عن حديث القوم ما هو شاغله وأزعجه علم عن الجهل كلّه ... وما عالم شيئا كمن هو جاهله   (1) أخلاق العلماء للاجري (42) . (2) المرجع السابق (29) . (3) سنن الدارمي (1/ 114) . (4) شعب الإيمان للبيهقي (8/ 427) وقال مخرجه: رجاله ثقات. والاداب الشرعية (2/ 45) . (5) العلم لزهير بن حرب (29) . (6) الشعب للبيهقي (7/ 438) . (7) جامع بيان العلم لابن عبد البر (1/ 136) . (8) الفتح (1/ 228) . (9) العلم لزهير بن حرب (21) . (10) المرجع السابق (9) . (11) البخاري- الفتح (1/ 248) . (12) للهو ماقت: اللهو مايلهي المرء عن الشيء النافع. ماقت: كاره: أزعجه علم الخ: أبعده عنه بشدة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2978 عبوس عن الجهّال حين يراهم ... فليس له منهم خدين «1» يهازله مذكّر ما يبقى من العيش آجلا ... فيشغله عن عاجل العيش آجله» 35- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- في كتابه إلى أبي بكر بن حزم: «انظر ما كان من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاكتبه، فإنّي خفت دروس العلم «3» وذهاب العلماء. ولا تقبل إلّا حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتّى يعلم من لا يعلم، فإنّ العلم لا يهلك حتّى يكون سرّا» ) * «4» . 36- * (قال عون بن عبد الله: قلت لعمر بن عبد العزيز: «يقال إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما، فإن لم تستطع فكن متعلّما، فإن لم تكن متعلّما فأحبّهم، فإن لم تحبّهم فلا تبغضهم. فقال عمر: «سبحان الله لقد جعل الله- عزّ وجلّ- له مخرجا» ) * «5» . 37- * (قال مالك- رحمه الله تعالى-: «المراء في العلم يقسّي القلب، ويورث الضّغن» ) * «6» . 38- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «إذا علمت علما فلير عليك أثره وسمته «7» وسكينته ووقاره وحلمه، وقال: إنّ العلماء لم يكونوا يهذرون الكلام هكذا، ومن النّاس من يتكلّم كلام شهر في ساعة واحدة» ) * «8» . 39- * (قال فضيل بن غزوان- رحمه الله تعالى-: «كنّا نجلس أنا وابن شبرمة والحارث العكليّ والمغيرة والقعقاع بن يزيد باللّيل نتذاكر الفقه، فربّما لم نقم حتّى نسمع النّداء لصلاة الفجر» ) * «9» . 40- * (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «من أوتي علما. لا يزداد فيه خوفا وحزنا وبكاء خليق بأن لا يكون أوتي علما ثمّ قرأ أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (النجم/ 59- 60)) * «10» . 41- * (وقال: «عالم عامل معلّم يدعى كبيرا في ملكوت السّماوات» ) * «11» . 42- * (قال ابن وهب: «كنت بين يدي مالك- رضي الله عنه- فوضعت ألواحي وقمت أصلّي. فقال: «ما الّذي قمت إليه بأفضل ممّا قمت عنه- يعني قام لصلاة النّافلة-) * «12» . 43- * (قال يحيى بن خالد البرمكيّ منشدا:   (1) الخدين: الجليس والصاحب- يهازله: يشاركه في الهزل (2) جامع بيان العلم وفضله (1/ 137) . (3) دروس العلم: فناؤه وذهابه. (4) فتح الباري (1/ 194) . (5) العلم، لزهير بن حرب (6، 7) . (6) فضل علم السلف على الخلف، لابن رجب الحنبلي (142) . (7) السّمت: الهيئة. (8) المدخل لابن الحاج (2/ 124) . (9) العلم لزهير بن حرب (27) . (10) الشعب (8/ 427) وقال مخرجه: إسناده جيد. (11) الترمذي (5/ 49) . (12) مدارج السالكين (2/ 47) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2979 تفنّن وخذ من كلّ علم فإنّما ... يفوق امرؤ في كلّ فنّ له علم فأنت عدوّ للّذي أنت جاهل ... به ولعلم أنت تتقنه سلم ) * «1» 44-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-: «كان هذا العلم كريما يتلاقاه الرّجال، فلمّا دخل في الكتب، دخل فيه غير أهله» ) * «2» . 45- * (قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله تعالى: «طلب العلم أفضل من صلاة النّافلة» ) * «3» . 46- * (عن عبد الله بن المبارك في شأن حمّاد بن زيد: أيّها الطّالب علما ... إيت حمّاد بن زيد تقتبس حلما وعلما ... ثمّ قيّده بقيد «4» 47- * (قال محمّد بن الفضل السّمرقنديّ الواعظ- رحمه الله تعالى-: «كم من جاهل أدركه العلم فأنقذه، وكم من ناسك عمل عمل الجاهليّة فأوبقه. احضر العلم وإن لم تحضرك النّيّة، فإنّما تطلب بالعلم النّيّة، وإنّ أوّل ما يظهر من العبد لسانه، وأوّل ما يظهر من عقله حلمه» ) * «5» . 48- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: «النّاس إلى العلم أحوج منهم إلى الطّعام والشّراب. لأنّ الرّجل يحتاج إلى الطّعام والشّراب في اليوم مرّة أو مرّتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه» ) * «6» . 49- * (قال ذو النّون المصريّ: «كان الرّجل من أهل العلم يزداد بعلمه بغضا للدّنيا وتركا لها، فاليوم يزداد الرّجل بعلمه للدّنيا حبّا وطلبا، وكان الرّجل ينفق ماله على العلم، واليوم يكتسب الرّجل بعلمه مالا، وكان يرى على طالب العلم زيادة صلاح في باطنه وظاهره فاليوم يرى على كثير من أهل العلم فساد الباطن والظّاهر» ) * «7» . 50- * (قال عمرو بن الحارث- رحمه الله تعالى-: «إنّ رجلا كتب إلى أخ له: اعلم أنّ الحلم لباس العلم فلا تعرينّ منه» ) * «8» . 51- * (قال أحمد بن سعيد الدّارميّ: «سمعت من عليّ بن المدينيّ كلمة أعجبتني قرأ علينا حديث الغار، ثمّ قال: إنّما نقل إلينا هذه الأحاديث لنستعملها لا لنتعجّب منها» ) * «9» . 52- * (قال أبو بكر البصريّ: دخلت على سهل بن عبد الله ومعي المحبرة فقال لي: تكتب؟. قلت: نعم. قال: «اكتب فإن استطعت أن تلقى الله- عزّ وجلّ- ومعك المحبرة فافعل» ) * «10» . 53- * (قال عمرو بن عثمان المكّيّ: «العلم   (1) أدب الدنيا والدين (47) . (2) سير أعلام النبلاء للذهبي (7/ 114) . (3) مدارج السالكين (2/ 470) . (4) سير أعلام النبلاء (7/ 459) . (5) الشعب (7/ 451) . (6) مدارج السالكين (2/ 470) . (7) المدخل لابن الحاج (2/ 126) . (8) الشعب (7/ 447) . (9) المرجع السابق (7/ 454) . (10) المرجع السابق (7/ 457) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2980 قائد، والخوف سائق، والنّفس حرون بين ذلك جموح خدّاعة روّاغة. فاحذرها وراعها بسياسة العلم، وسقها بتهديد الخوف يتمّ لك ما تريد» ) * «1» . 54- * (قال أبو بكر الاجرّيّ- رحمه الله تعالى-: «العلماء في كلّ حال لهم فضل عظيم، في خروجهم لطلب العلم، وفي مجالستهم لهم فيه فضل، وفي مذاكرة بعضهم لبعض لهم فيه فضل. وفيم تعلّموا العلم لهم فيه فضل، وفيمن علّموه العلم لهم فيه فضل. فقد جمع الله للعلماء الخير من جهات كثيرة نفعنا الله وإيّاهم بالعلم» ) * «2» . 55- * (وقال أيضا: «لا يكون ناصحا لله تعالى ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم إلّا من بدأ بالنّصيحة لنفسه، واجتهد في طلب العلم والفقه ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم عداوة الشّيطان له وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النّفس حتّى يخالفها بعلم» ) * «3» . 56- * (قال عليّ بن عبد العزيز القاضي الجرجانيّ. رحمه الله تعالى.: يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّل أحجما أرى النّاس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما أنهنهها عن بعض ما لا يشينها ... مخافة أقوال العدا فيم أو لما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة ... إذا فاتّباع الجهل قد كان أحزما ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النّفوس لعظّما ولكن أهانوه فهان ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما ) * «4» . 57- * (قال أبو سعيد الخرّاز- رحمه الله تعالى-: «العلم ما استعملك واليقين ما حملك» ) * «5» 58- * (قال أبو بكر بن دريد- رحمه الله تعالى-: العالم العاقل ابن نفسه ... أغناه جنس علمه عن جنسه   (1) مدارج السالكين (2/ 466) ، العقد الثمين في أخبار البلد الأمين (6/ 412) . وسير أعلام النبلاء (14/ 58) . (2) أخلاق العلماء، للاجري (41) . (3) بصائر ذوي التمييز، للفيروز ابادي (5/ 67) . (4) أدب الدنيا والدين للماوردي (92) . (5) الشعب (7/ 455) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2981 كن ابن من شئت وكن مؤدّبا ... فإنّما المرء بفضل كيسه وليس من تكرمه لغيره ... مثل الّذي تكرمه لنفسه ) * «1» . 59- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «استشهد الله- عزّ وجلّ- بأهل العلم على أجلّ مشهود به وهو التّوحيد وقرن شهادتهم وشهادة ملائكته. وفي ضمن ذلك تعديلهم فإنّه تعالى لا يستشهد بمجروح» ) * «2» . 60- * (قال بعضهم: «من طلب العلم لوجه الله لم يزل معانا، ومن طلبه لغير الله لم يزل مهانا» ) * «3» . 61- * (وقال بعضهم: «الجاهل صغير وإن كان شيخا، والعالم كبير وإن كان حدثا واستشهدوا بقول القائل: تعلّم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل وإنّ كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفّت إليه المحافل ) * «4» . من فوائد (العلم) (1) به يعرف الله ويعبد ويوحّد. (2) هو أساس صحّة الاعتقادات والعبادات. (3) طلب العلم عبادة. (4) هو طريق الوصول إلى الجنّة. (5) يكسب صاحبه الخشية لله. (6) يكسب صاحبه التّواضع للخلق. (7) ينتفع به صاحبه وينتفع به غيره ممّن علّمه (8) يبقى أجره بعد انقطاع أجل صاحبه. (9) يورث صاحبه أعلى المراتب بعد الأنبياء. (10) يرفع الوضيع ويعزّ الذّليل ويجبر الكسير. (11) هو دليل حبّ الخير للاخرين لحرص صاحبه على إخراج النّاس من ظلمات الجهل إلى نور العلم. (12) به توصل الأرحام وتؤدّى الحقوق.   (1) أدب الدنيا والدين للماوردي (54) . (2) مدارج السالكين (2/ 470) . (3) المدخل لابن الحاج (2/ 123) . (4) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/ 159) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2982 علو الهمة العلو لغة: مصدر قولهم علا يعلو علوّا وهو مأخوذ من مادّة (ع ل و) الّتي تدلّ على السموّ والارتفاع، يقال: تعالى النّهار أي ارتفع، والعلاء الرّفعة، وأمّا العلوّ فالعظمة والتّجبّر، يقولون: علا الملك في الأرض علوّا كبيرا، قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ القصص/ 4) ، ورجل عالي الكعب أي شريف، ويقال لكلّ شيء يعلو، فإن كان في الرّفعة والشّرف، قيل علي يعلى، ومن قهر أمرا فقد اعتلاه واستعالى عليه وبه، ويقال من علية النّاس أي من أهل الشّرف، وقول الله تعالى إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (المطففين/ 18) قالوا إنّما هو ارتفاع بعد ارتفاع إلى مالا حدّ له. وقال الجوهريّ: علا في المكان يعلو علوّا، وعلي في الشّرف يعلى علاء ويقال أيضا علا (بالفتح) يعلى، قال رؤبة (جامعا بين اللّغتين) : لمّا علا كعبك بي عليت الايات/ الأحاديث/ الاثار-/ 6/ 35 ويقال: فلان من علية النّاس، وهو جمع رجل عليّ أي شريف رفيع مثل صبيّ وصبية، ويقال: علوت الرّجل: غلبته، وعلوته بالسّيف: ضربته، واستعالى الرّجل أي علا، واستعلاه: علاه، واعتلاه مثله، وتعلّى أي علا في مهلة، وأعلاه الله: رفعه، والتّعالي: الارتفاع، وعلا بالأمر: اضطلع به، وعلو كلّ شيء، وعلوه، وعلوه، وعلاوته، وعاليه وعاليته: أرفعه، وعلا الشّيء علوّا فهو عليّ، وعلي وتعلّى وفي حديث ابن عبّاس، فإذا هو يتعلّى عليّ، أي يترفّع، والعلوّ في قوله تعالى تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً (القصص/ 83) التّكبّر وقيل الفساد والمعاصي «1» . العلي من أسماء الله تعالى: قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى: العليّ والمتعالي: فالعليّ الّذي ليس فوقه شيء في المرتبة والحكم، فعيل بمعنى فاعل من علا يعلو، والمتعالي: الّذي جلّ عن إفك المفترين وعلا شأنه، وقيل: جلّ   (1) المقاييس (4/ 120) ، والصحاح (6/ 2437) ، ولسان العرب (4/ 3088) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2983 عن كلّ وصف وثناء، وهو فاعل من العلوّ، وقد يكون بمعنى العالي «1» . الهمة لغة: الهمّة في اللّغة: مثل الهمّ وكلاهما اسم لما هممت به، قال ابن فارس: والهمّ ما هممت به وكذلك الهمّة، ثمّ تشتقّ من الهمّة الهمام: الملك العظيم الهمّة، ويقال الهمّة أيضا بالفتح وفلان بعيد الهمّة، ويقال لا مهمّة لي (بفتح الهاء) ، ولا همام أي لا أهمّ بذلك ولا أفعله، ويقال: ذهبت أتهمّمه أي أطلبه. وقال ابن منظور: الهمّة: واحدة الهمم. وهمّ بالشّيء يهمّ همّا: نواه وأراده، وعزم عليه. والهمّة والهمّة: ما همّ به من أمر ليفعله. وتقول: إنّه لعظيم الهمّ، وإنّه لصغير الهمّة، وإنّه لبعيد الهمّة. والهمّة بالفتح. والهمام: الملك العظيم الهمّة. والهمام، اسم من أسماء الملك لعظم همّته. وقيل: لأنّه إذا همّ بأمر أمضاه، ولا يردّ عنه بل ينفذ كما أراد، وقيل: الهمام السّيّد الشّجاع السّخيّ» . علو الهمة اصطلاحا: قال المناويّ: عظم (علوّ) الهمّة: عدم المبالاة بسعادة الدّنيا وشقاوتها «3» . وقال الرّاغب: الكبير الهمّة على الإطلاق هو من لا يرضى بالهمم الحيوانيّة قدر وسعه فلا يصير عبد بطنه وفرجه بل يجتهد أن يتخصّص بمكارم الشّريعة.. والصّغير الهمّة من كان على العكس من ذلك وقال- رحمه الله-: والكبير الهمّة على الإطلاق من يتحرّى الفضائل لا لجاه ولا لثروة ولا للذّة،. ولا لاستشعار نخوة واستعلاء على البريّة، بل يتحرّى مصالح العباد شاكرا بذلك نعمة الله ومتوخّيا به مرضاته غير مكترث بقلّة مصاحبيه فإنّه إذا عظم المطلوب قلّ المساعد، وطرق العلاء قليلة الإيناس «4» . وقال الخضر حسين: علوّ الهمّة: هو استصغار ما دون النّهاية من معالي الأمور «5» . [انظر: صفة الشجاعة] . العلم وعلو الهمة: إنّ معالي الأمور وعرة المسالك، محفوفة بالمكاره، والعلم أرفع مقام تطمح إليه الهمم، وأشرف غاية تتسابق إليها الأمم، فلا يخلص إليه الطّالب دون أن يقاسي شدائد ويحتمل متاعب، ولا يستهين بالشّدائد إلّا كبير الهمّة ماضي العزيمة. وكان سعيد بن المسيّب يسير اللّيالي لطلب الحديث الواحد، ورحل   (1) النهاية (3/ 293) . (2) لسان العرب لابن منظور (12/ 620- 621) . (3) التوقيف (243) . (4) الذريعة إلى مكارم الشريعة (291) . (5) وسائل الإصلاح للخضر حسين (57) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2984 أبو أيّوب الأنصاريّ من المدينة إلى عقبة بن عامر، وهو في مصر ليروي عنه حديثا، فقدم مصر ونزل عن راحلته ولم يحلّ راحلته، فسمع منه الحديث وركب راحلته وقفل إلى المدينة راجعا، ولم ينتشر العلم في بلاد المغرب أو الأندلس إلّا برجال رحلوا إلى الشّرق ولاقوا في رحلاتهم عناء ونصبا، مثل أسد بن الفرات، وأبي الوليد الباجيّ، وأبي بكر بن العربيّ. وخلاصة المقال: تذكير النّبهاء من نشئنا بأن يقبلوا على العلم بهمم كبيرة، صيانة للوقت من أن ينفق في غير فائدة، وعزم يبلى الجديدان «1» ، وهو صارم صقيل، وحرص لا يشفي غليله إلّا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة، وغوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك ولا طول مسافة الطّريق، وألسنة مهذّبة لا تقع في لغو أو مهاترة. إنّ عظيم الهمّة يستخفّ بالمرتبة السّفلى أو المرتبة المتوسّطة من معالي الأمور، ولا تهدأ نفسه إلّا حين يضع نفسه في أسمى منزلة وأقصى غاية، ويعبّر عن هذا المعنى النّابغة الجعديّ بقوله: بلغنا السّماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنبغي فوق ذلك مظهرا وإذا كان هذا الخلق لا يقع إلّا على معالي الأمور فلا عظمة لهمم قوم يبتغون النّهاية في زينة هذه الحياة، ويغرقون في التّمتّع بلذّاتها المادّيّة. ومن الخطل في الرّأي أن ينزع الرّجل إلى خصلة شريفة، حتّى إذا شعر بالعجز عن بلوغ غايتها البعيدة انصرف عنها جملة، والتحق بالطّائفة الّتي ليس لها في هذه الخصلة من نصيب، والّذي يوافق الحكمة ويقتضيه حقّ التّعاون في سعادة الجماعة أن يذهب الرّجل في همّه «2» إلى الغايات البعيدة ثمّ يسعى لها سعيها، ولا يقف دون النّهاية إلّا حيث ينفد جهده، ولا يهتدي للمزيد على ما فعل سبيلا. والناس في الحقيقة أصناف: رجل يشعر بأنّ فيه الكفاية لعظائم الأمور، ويجعل هذه العظائم همّته، وهذا من يسمّى (عظيم الهمّة) أو (عظيم النّفس) ، ورجل فيه الكفاية لعظائم الأمور ولكنّه يبخس نفسه، فيضع همّه في سفساف الأمور وصغائرها، وهذا من يسمّى (صغير الهمّة) أو (صغير النّفس) ، ورجل لا يكفي لعظائم الأمور، ويحسّ بأنّه لا يستطيعها وأنّه لم يخلق لأمثالها فيجعل همّته وسعيه على قدر استعداده، وهذا الرّجل بصير بنفسه متواضع في سيرته. هؤلاء ثلاثة، ورابعهم لا يكفى للعظائم ولكنّه يتظاهر بأنّه قويّ عليها مخلوق لأن يحمل أثقالها، وهذا من يسمّونه (فخورا) ، وإن شئت فسمّه (متعظّما) .   (1) الجديدان: هما الليل والنهار. (2) المراد هنا: الهمّة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2985 من أين ينشأ عظم الهمة؟: يتربّى عظم الهمّة من طريق الاقتداء، أو من طريق تلقين الحكمة وبيان فضل عظم الهمّة وما يكسب صاحبه من سؤدد وكمال، أو من طريق درس التّاريخ والنّظر في سير أعاظم الرّجال، فإنّا لو أخذنا نبحث عن مفاخر أولئك الّذين يلهج التّاريخ بأسمائهم لوجدنا معظم مفاخرهم قائمة على هذا الخلق الّذي نسمّيه (عظم الهمّة) ، والقرآن يملأ النّفوس بعظم الهمّة، وهذا العظم هو الّذي قذف بأوليائه ذات اليمين وذات الشّمال، فأتوا على عروش كانت ظالمة، ونسفوها من وجه البسيطة نسفا ثمّ رفعوا لواء العدل والحرّيّة، وفجّروا أنهار العلوم تفجيرا، وإذا رأينا من بعض قرّائه همما ضئيلة ونفوسا خاملة فلأنّهم لم يتدبّروا آياته، ولم يتفقّهوا في حكمه. فضل عظم الهمة: قال الماورديّ- رحمه الله-: اعلم أنّ من شواهد الفضل، ودلائل الكرم: المروءة الّتي هي حلية النّفوس، وزينة الهمم. ومن حقوق المروءة وشروطها، ما لا يتوصّل إليه إلّا بالمعاناة، ولا يوقف عليه إلّا بالتّفقّد والمراعاة، فثبت أنّ مراعاة النّفس إلى أفضل أحوالها هي المروءة، وإذا كانت كذلك، فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها، إلّا من تسهّلت عليه المشاقّ، رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذّ، حذرا من الذّمّ، ولذلك قيل: سيّد القوم أشقاهم. وقال الشّاعر: وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام والدّاعي إلى استسهال ذلك شيئان: أحدهما: علوّ الهمّة، والثّاني: شرف النّفس. أمّا علوّ الهمّة، فلأنّه باعث على التّقدّم، وداع إلى التّخصيص، أنفة من خمول الضّعة، واستنكارا لمهانة النّقص «1» . يسمو هذا الخلق بصاحبه فيتوجّه به إلى النّهايات من معالي الأمور فهو الّذي ينهض بالضّعيف يضطهد أو يزدرى، فإذا هو عزيز كريم، وهو الّذي يرفع القوم من سقوط، ويبدّلهم بالخمول نباهة، وبالاضطهاد حرّيّة، وبالطّاعة العمياء شجاعة أدبيّة. نعم! يورد هذا الخلق صاحبه موارد التّعب والعناء، ولكن التّعب في سبيل الوصول إلى النّهاية من معالي الأمور يشبه الدّواء المرّ فيسيغه المريض كما يسيغ الشّراب عذبا باردا، وعظيم الهمّة قد يشتدّ حرصه على الشّرف حتّى لا يكاد يشعر بما يلاقيه في سبيله من أنكاد وأكدار «2» . قال الشّيخ الخضر حسين- رحمه الله-: وممّا جبل عليه الحرّ الكريم، ألايقنع من شرف الدّنيا والآخرة بشيء ممّا انبسط له، أملا فيما هو أسنى   (1) أدب الدنيا والدين للماوردي (306- 307) . (2) وسائل الإصلاح للخضر حسين (85- 95) باختصار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2986 منه درجة وأرفع منزلة، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز لدكين الرّاجز: إنّ لي نفسا توّاقة، فإذا بلغك أنّي صرت إلى أشرف من منزلتي هذه، فبعين ما أرينّك- قال له ذلك وهو عامل المدينة لسليمان بن عبد الملك- فلمّا صارت إليه الخلافة قدم عليه دكين، فقال له: أنا كما أعلمتك أنّ لي نفسا توّاقة، وأنّ نفسي تاقت إلى أشرف منازل الدّنيا، فلمّا بلغتها وجدتها تتوق لأشرف منازل الآخرة. وفي هذا المعنى: والحرّ لا يكتفي من نيل مكرمة ... حتّى يروم الّتي من دونها العطب يسعى به أمل من دونه أجل ... إن كفّه رهب يستدعه رغب لذاك ما سال موسى ربّه أرني ... أنظر إليك وفي تساله عجب يبغي التّزيّد فيما نال من كرم ... وهو النّجيّ لديه الوحي والكتب «1» علو الهمة وكبر الهمة وعظم الهمة: يعبّر عن هذه الصّفة أحيانا بعظم الهمّة وأحيانا بكبر الهمّة، أمّا عكس ذلك فهو «صغر الهمّة» ، ومن هنا فإنّ تعريف عظم الهمّة أو كبر الهمّة هو نفسه تعريف لعلوّ الهمّة. مجالات علوّ الهمّة: ذكر صاحب كتاب (علوّ الهمّة) أنّ لهذا العلوّ مجالات خمس: طلب العلم، العبادة والاستقامة، البحث عن الحقّ، الدّعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيل الله، وسنوجز القول في هذه المجالات كما يلي «2» : المجال الأوّل: طلب العلم: يتمثّل علوّ الهمّة في طلب العلم في: 1- غيرة على الوقت أن ينفق في غير فائدة. 2- عزم يبلى الجديدان وهو صارم صقيل «3» . 3- حرص لا يشفي غليله إلّا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة. 4- غوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك، ولا طول مسافة الطّريق. 5- ألسنة مهذّبة لا تقع في لغو ولا مهاترة لأنّها شغلت بالحقّ فأشغلها عن الباطل. لقد كان السّلف الصّالح- رضوان الله عليهم- المثل الأعلى في علوّ الهمّة في طلب العلم، وكان على رأسهم عمر بن الخطّاب، وعبد الله بن عبّاس ومحمّد ابن إدريس الشّافعيّ وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثير، فعمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-   (1) وسائل الإصلاح للخضر حسين (ص 85- 95) باختصار. (2) من يريد التفصيل عليه بالرجوع إلى كتاب الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، وعنوانه «علو الهمة» وهو مطبوع في الرياض بالمملكة العربية السعودية 1416 هـ، الباب الرابع (314- 324) . (3) الجديدان هما الليل والنهار، والصارم: السيف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2987 كان يتناوب مع جار له من الأنصار النّزول إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول ابن الخطّاب: فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك، وها هو ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يحدّث عن علوّ همّته في طلب العلم فيقول: كان يبلغني الحديث عن الرّجل فاتي بابه وهو قائل «1» ، فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الرّيح عليّ من التّراب فيخرج فيراني فيقول: يابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما جاء بك؟ هلّا أرسلت إليّ فاتيك؟. فأقول: لا، أنا أحقّ أن آتيك. أمّا الشّافعيّ فقد وصف حاله مع العلم بقوله: أسمع بالحرف ممّا لم أسمعه، فتودّ أعضائي أنّ لها أسماعا تتنعّم به ما تنعّمت به الأذنان. وقيل له يوما: كيف حرصك على العلم؟ قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذّته للمال، فقيل له: فكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلّة ولدها ليس لها غيره، أمّا أحمد ابن حنبل فقد حكى عن نفسه «كنت ربّما أردت البكور في الحديث فتأخذ أمّي بثيابي حتّى يؤذّن النّاس، أو حتّى يصبحوا» . وقال: «لو كان عندي خمسون درهما لخرجت إلى جرير بن عبد الحميد» «2» ، وكان من مظاهر علوّ همّتهم في طلب العلم الدّأب على تحصيله في أقلّ وقت ممكن وها هو الفيروز اباديّ صاحب القاموس يقرأ صحيح مسلم على شيخه في ثلاثة أيّام، أمّا الحافظ ابن حجر فقرأ صحيح البخاريّ في أربعين ساعة، وصحيح مسلم في أربعة مجالس عدا جلسة الختم «3» . ومن هذه المظاهر أيضا الرّحلة في طلب العلم حتّى لقد كان الواحد منهم يرحل مسيرة شهر في حديث واحد «4» ، وكانوا يتحمّلون الفقر والفاقة دون أن يفتّ ذلك في عضدهم، وكانوا لا يكترثون بذلك تمسّكا بمثوبة الصّبر، وكانوا ينفقون كلّ ما عندهم في سبيل العلم، وها هو يحيى بن معين- رحمه الله تعالى- خلّف له أبوه ألف ألف درهم فأنفقها كلّها على تحصيل الحديث حتّى لم يبق له نعل يلبسه، وكان ذلك عندهم- كما أخبر ابن الجوزيّ- أحلى من العسل. يقول- رحمه الله تعالى- لقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشّدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمان الصّبا آخذ أرغفة يابسة وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلّا عند الماء «5» . ومن مظاهر ذلك أيضا سهرهم اللّيالي في   (1) قائل: أي يقضي وقت القيلولة. (2) انظر هذه الحكايات وغيرها في «علو الهمة» 145- 148) . (3) علو الهمة (155- 156) بتصرف واختصار. (4) وذلك كما حدث من جابر بن عبد الله الذي ارتحل شهرا إلى عبد الله بن أنيس وكما رحل أبو أيوب الأنصاري من المدينة إلى عقبة بن عامر وهو في مصر ليروي عنه حديثا، فلما قدمها لم يحل رحله عن ناقته ونزل عنها فسمع الحديث وقفل راجعا إلى المدينة. انظر «علو الهمة» (157) . (5) علو الهمة (164) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2988 طلب العلم وعدم الخلود إلى راحة النّوم، يقول ابن كثير: كان البخاريّ يستيقظ في اللّيلة الواحدة من نومه، فيوقد السّراج ويكتب الفائدة تمرّ بخاطره، ثمّ يطفىء سراجه، ثمّ يقوم مرّة أخرى وأخرى، حتّى كان يتعدّد منه ذلك قريبا من عشرين مرّة. والحكايات في ذلك أكثر من أن تحصى «1» . أمّا مذاكرة العلم ومدارسته فحدّث عنهم ولا حرج، فمن ذلك ما حكاه القطب اليونينيّ عن الإمام النّوويّ من أنّه كان لا يضيع له وقت في ليل ولا نهار إلّا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتّى إنّه في ذهابه في الطّريق وإيابه يشتغل في تكرار محفوظه أو مطالعة، وإنّه بقي على التّحصيل- على هذا الوجه- ستّ سنين، وكان يقرأ في كلّ يوم اثنى عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا، أمّا همّتهم في الحفظ فيكفي دليلا عليها أنّ الإمام أحمد كان يحفظ ألف ألف حديث. فقيل له: ما يدريك؟ قال: ذاكرته وأخذت عليه الأبواب «2» . المجال الثّاني: علوّ الهمّة في العبادة والاستقامة: لقد فقه سلفنا الصّالح عن الله أمره، وتدبّروا في حقيقة الدّنيا فاستوحشوا من فتنتها وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وارتفعت همّتهم عن سفاسفها، فلا تراهم إلّا صوّامين قوّامين، وقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة تشيد بعلوّ همّتهم في التّوبة والاستقامة، وقوّة عزيمتهم في العبادة والإخبات. المجال الثّالث: البحث عن الحقّ: لقد حفل التّاريخ الإسلاميّ بنماذج رائعة من المهتدين الّذين ارتفعت همّتهم في البحث عن الحقيقة الدّينيّة أو البحث عن الدّين الحقّ، وبذلوا في سبيل ذلك النّفس والنّفيس، فصاروا مضرب الأمثال، وحجّة لله على خلقه أنّ من انطلق باحثا عن الحقّ مخلصا لله تعالى فإنّ الله عزّ وجلّ يهديه إليه ويمنّ عليه بأعظم نعمة في الوجود هي نعمة الإسلام «3» . المجال الرّابع: علوّ الهمّة في الدّعوة إلى الله: من أعظم ما يهتمّ به الدّاعية هداية قومه، وبلوغ الجهد في النّصح لهم والصّبر على مشاقّ الدّعوة حتّى تبلغ الغاية الّتي يريد الله أن تبلغها، وقد كان الرّسل الكرام على رأس قائمة عالي الهمّة في هذا المجال وكان حبيبنا وسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الغاية العظمى، والمثل الأعلى الّذي ينبغي أن يحذو حذوه كلّ داعية إلى الله عزّ وجلّ، إذ لم يكن همّه هداية قومه من قريش أو من العرب فحسب وإنّما خاطب ملوك العالم ورؤساءه كي يدخلوا في دين الله.   (1) انظر ذلك في «علو الهمة» (165، 172) . (2) المرجع السابق (183) ؛ وقد ذكر الشيخ محمد المقدم أمثلة أخرى عديدة على علو همة السلف في حب الكتب وتصنيفها ونشر العلم وتعليمه، لم نذكرها خوف الإطالة، ولينظرها من أراد (187- 208) . (3) المرجع السابق (217) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2989 المجال الخامس: الجهاد في سبيل الله: لا يحتاج مجال لعلوّ الهمّة ما يحتاجه الجهاد في سبيل الله وذلك لأنّه يتطلّب رجالا وصفهم الله عزّ وجلّ بقوله: صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب/ 23) . وقد ضرب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم المثل الأعلى في هذا المجال فلم يكن أحد أقرب إلى العدوّ (أي أنّه كان يقاتل في الصّفوف الأماميّة) منه، وكان الصّحابة رضوان الله عليهم مضرب المثل في الشّجاعة اقتداء به صلّى الله عليه وسلّم، وها هو أبو محجن الثّقفيّ يقاتل الفرس يوم القادسيّة حتّى ظنّ بعضهم أنّه ملك «1» . إنّه ما أحوجنا في هذه الأيّام إلى إحياء هذه الرّوح الوثّابة والهمّة العالية في الجهاد ضدّ أعداء الله وأعدائنا في فلسطين، والشّيشان، والبوسنة وغير ذلك من بلاد المسلمين الّتي يدنّسها الأعداء. القيامة التربوية ل «علوّ الهمّة» : إنّ تربية أطفالنا تحتاج كي تؤتي ثمارها في المستقبل رجالا أشدّاء، وجيلا معافى في بدنه وعقله، وحرّاسا للعقيدة والوطن أن نغرس في هؤلاء الأطفال منذ نعومة أظفارهم هذا الخلق الرّفيع «علوّ الهمّة» . وتعدّ الأسرة- وبخاصّة الوالدين أو من يقوم مقامهما- أهمّ عناصر البيئة تأثيرا في إظهار النّبوغ وزراعة الهمّة العالية في قلوب الأطفال، وهذا ما يفسّر لنا سرّ اتّصال سلسلة النّابغين من أبناء أسر معيّنة- كال تيميّة مثلا- حيث تجتمع الاستعدادات الفطريّة، والقدرات الإبداعيّة مع البيئة المساعدة الّتي تكشف هذه المواهب مبكّرا وتنمّيها وتوجّهها إلى الطّريق الأمثال «2» ، وها هو الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- الّذي عدل به عمر ألفا من الرّجال، يشبّ في كنف أمّه صفيّة بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخت أسد الله حمزة، وهؤلاء الكملة العظام، عبد الله والمنذر وعروة أبناء الزّبير- رضي الله عنهم جميعا- كلّهم ثمرات أمّهم ذات النّطاقين أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- «3» ، لقد كان لما غرسته هاتان المرأتان أكبر الأثر في علوّ همّة أبنائهما، وقد حفظ التّاريخ قول السّيّدة فاطمة بنت أسد لابنها عقيل بن أبي طالب: أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهبّ شمأل بليل «4» . فنشأ- رضي الله عنه- عالي الهمّة قويّ الشّكيمة لا يخشى في الحقّ لومة لائم، وقد كان   (1) انظر الأثر رقم (1) في هذه الصفة. (2) علو الهمة (382) . (3) المرجع السابق (383) . (4) هذا البيت مشهور في كتب «شواهد العربية» والنحو، انظره في شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 292) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2990 معاوية- رضي الله عنه- يفخر بتربية أمّه له، فيقول إذا نوزع بالفخر: أنا ابن هند. وما كان له ليقول ذلك إلّا إذا كانت قد اشتهرت بحسن التّربية وتنشئة أولادها على جميل الصّفات، وغرست فيهم روح السّيادة وعلوّ الهمّة، قيل لها ومعاوية وليد بين يديها: إنّي أظنّ أنّ هذا الغلام سيسود قومه. قالت: ثكلته إذن إن لم يسدقومه «1» . وها هو والد الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب في عصر قريب يربّي ابنه على تحمّل المشاقّ ويدرّبه على الإقدام، ويستجيب لطلبه أداء فريضة الحجّ في سنّ مبكّرة فنشأ قويّ الشّكيمة عالي الهمّة واثقا من نفسه، مستعدّا لتحمّل المسئوليّات الكبار، يدلّ على ذلك ما كتبه والد الشّيخ إلى صديق له: تحقّقت أنّه بلغ الاحتلام قبل بلوغه الثّانية عشرة، ورأيته أهلا للصّلاة بالجماعة والائتمام، فقدّمته لمعرفته بالأحكام، وزوّجته بعد البلوغ مباشرة ثمّ طلب منّي الحجّ إلى بيت الله الحرام، فأجبته بالإسعاف إلى ذلك المرام، فحجّ وقضى ركن الإسلام «2» . إنّ تربية الأطفال على علوّ الهمّة لا تنهض به الأسرة وحدها، وإنّما هو واجب المدرسة أيضا، إذ على المعلّم أن يغرس هذه القيامة العظمى في نفوس تلاميذه، وأيضا فإنّ وسائل الإعلام الحديثة- مسموعة أو مرئيّة أو مكتوبة- عليها دور كبير في غرس هذه الهمّة العالية في نفوس مستمعيها أو النّاظرين إليها أو قرّائها، حتّى يخرج من بين هؤلاء من ينهض بالأمّة ويقيلها من العثرات، ومن الوسائل التّربويّة الّتي تساعد في بثّ هذه الرّوح عامل التّشجيع الّذي ينهض به أثرياء الأمّة، فيقيمون المسابقات ويكافئون النّابغين، ولنا في سلفنا الصّالح في هذا المجال أسوة حسنة، يقول الشّاطبيّ في هذه الوسيلة (أي التّشجيع) : إنّها واجب على الكفاية، فإن قام بها البعض سقط الوجوب عن الاخرين وإن لم يقم بها أحد أثموا جميعا، القادر لأنّه قصّر وغير القادر لأنّه قصّر فيما يستطيعه، وهو التّفتيش عن القادر وحمله على العمل وحثّه وتشجيعه، وإعانته على القيام به، بل وإجباره على ذلك «3» . وقد كان الخلفاء والأمراء في طليعة المشجّعين لطلبة العلم وتربيتهم على علوّ الهمّة، وها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب يشجّع ابن عبّاس ويدخله عليه مع من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، يقول ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنّه من حيث علمتم. فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنّه دعاني يومئذ إلّا ليريهم، قال: ما تقولون في   (1) علو الهمة (283) بتصرف يسير. (2) المرجع السابق (386) . (3) الموافقات للشاطبي (1/ 114) ، بواسطة «علو الهمة» (394) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2991 قول الله تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عبّاس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه له، قال: إذا جاء نصر الله والفتح- وذلك علامة أجلك- فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابا. فقال عمر: ما أعلم منها إلّا ما تقول «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الطموح- القوة- قوة الإرادة- الطاعة- المروءة- النشاط- الشجاعة- الرجولة- النبل- الشرف- المسئولية. وفي ضد ذلك: انظر صفات: صغر الهمة- التخاذل- الضعف- الكسل- الوهن- التهاون- التنصل من المسئولية- اليأس] .   (1) البخاري- الفتح 8 (4970) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2992 الأحاديث الواردة في (علو الهمة) 1- * (عن الحسين بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى يحبّ معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها» «1» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (علو الهمة) معنى 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال «ماذا عندك يا ثمامة؟» «3» ، فقال: عندي خير. يا محمّد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد، ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» ، فقال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» ، فقال: عندي ما قلت لك، فقال: «أطلقوا ثمامة» ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد ألاإله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. يا محمّد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟. فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر، فلمّا قدم مكّة قال له قائل: صبوت؟، قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا، والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «4» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين، وتجهّز أبو بكر مهاجرا؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: على رسلك فإنّي أرجو أن يؤذن لي ... الحديث وفيه: قالت عائشة: بينما نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظّهيرة، فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا متقنّعا. في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فدا لك بأبي وأمّي، والله إن جاء به في هذه السّاعة إلّا لأمر. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فاستأذن فأذن له، فدخل، فقال حين دخل لأبي بكر:   (1) سفساف الأمور: الحقير الرّديء منها. (2) صحيح الجامع للألباني (1886) ، وهو في الصحيحة (1388) . (3) ماذا عندك يا ثمامة؟ أي ما تظن أني فاعل بك؟ (4) البخاري- الفتح 7 (4372) واللفظ له، ومسلم (1764) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2993 «أخرج من عندك» ، قال: إنّما هم أهلك «1» بأبي أنت يا رسول الله، قال: «فإنّي قد أذن لي في الخروج» ، قال: فالصّحبة بأبي أنت يا رسول الله، قال: «نعم» ... الحديث) *» . 4- * (قال أبو ذرّ- رضي الله عنه- خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمّنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه فقالوا: إنّك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم «3» أنيس، فجاء خالنا فنثا «4» علينا الّذي قيل له، فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع لك فيما بعد، فقرّبنا صرمتنا «5» ، فاحتملنا عليها، وتغطّى خالنا ثوبه فجعل يبكي، فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة، فنافر «6» أنيس عن صرمتنا وعن مثلها «7» ، فأتينا الكاهن فخيّر أنيسا، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها. قال: وقد صلّيت يابن أخي، قبل أن ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: للهّ، قلت: فأين توجّه؟ قال: أتوجّه حيث يوجّهني ربّي، أصلّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء «8» ، حتّى تعلوني الشّمس. فقال أنيس: إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني، فانطلق أنيس حتّى أتى مكّة، فراث عليّ «9» ، ثمّ جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكّة على دينك، يزعم أنّ الله أرسله، قلت: فما يقول النّاس؟، قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشّعراء. قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر «10» فما يلتئم على لسان أحد بعدي، أنّه شعر، والله! إنّه لصادق، وإنّهم لكاذبون.   (1) أهلك: أي زوجته عائشة- رضي الله عنها-. (2) البخاري- الفتح 10 (5807) . (3) خالف إليهم: أتاهم للفاحشة: أي ليزني بهم. (4) فنثا: أي أشاعه وأفشاه. (5) صرمتنا: الصرمة هي القطعة من الإبل، وتطلق أيضا على القطعة من الغنم. (6) فنافر: قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا: المنافرة المفاخرة والمحاكمة، فيفخر كل واحد من الرجلين على الاخر، ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا، وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر. (7) عن صرمتنا وعن مثلها: معناه: تراهن هو وآخر أيهما أفضل، وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك، فأيهما كان أفضل أخذ الصرمة، فتحاكما إلى الكاهن، فحكم بأن أنيسا أفضل، وهو معنى قوله فخير أنيسا، أي جعله الخيار والأفضل. (8) الخفاء: هو الكساء، وجمعه أخفية ككساء وأكسية. (9) فراث علي: أي أبطأ. (10) أقراء الشعر: أي طرقه وأنواعه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2994 قال: قلت: فاكفني حتّى أذهب فأنظر، قال: فأتيت مكّة، فتضعّفت «1» رجلا منهم، فقلت: أين هذا الّذي تدعونه الصّابأ؟ فأشار إليّ، فقال: الصّابأ «2» ، فمال عليّ أهل الوادي بكلّ مدرة وعظم، حتّى خررت مغشيّا عليّ، قال: فارتفعت حين ارتفعت، كأنّي نصب أحمر «3» ، قال: فأتيت زمزم فغسلت عنّي الدّماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم. ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني «4» ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع «5» . قال: فبينا أهل مكّة في ليلة قمراء «6» إضحيان «7» ، إذ ضرب على أسمختهم «8» فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتين «9» منهم تدعوان إسافا ونائلة، قال: فأتتا عليّ في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الاخرى، قال: فما تناهتا «10» عن قولهما، قال: فأتتا عليّ، فقلت: هن مثل الخشبة «11» غير أنّي لا أكني، فانطلقتا تولولان «12» ، وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا «13» ، قال: فاستقبلهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وهما هابطان، قال: «مالكما؟» ، قالتا: الصّابىء بين الكعبة وأستارها، قال: «ما قال لكما؟» ، قالتا: إنّه قال لنا كلمة تملأ الفم «14» ، وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى استلم الحجر،   (1) فتضعفت: يعني نظرت إلى أضعفهم فسألته، لأن الضعيف مأمون الغائلة دائما. (2) الصابيء: منصوب على الإغراء، أي انظروا وخذوا هذا الصابيء. (3) نصب أحمر: يعني من كثرة الدماء التي سالت منّي بضربهم، والنصب والنصب الصّنم والحجر، كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده، فيحمر بالدم، وجمعه أنصاب ومنه قوله تعالى وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (المائدة/ 3) . (4) عكن بطني: جمع عكنة وهي الطي في البطن من السمن، معنى تكسرت أي انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه. (5) سخفة جوع: بفتح السين وضمها، هي رقة الجوع وضعفه وهزاله. (6) قمراء: أي مقمرة. (7) إضحيان: أي مضيئة، منورة، يقال: ليلة إضحيان وإضحيانة، وضحياء ويوم أضحيان. (8) أسمختهم: هكذا هو في جميع النسخ، وهو جمع سماخ، وهو الخرق الذي في الأذن يفضي إلى الرأس، يقال: صماخ وسماخ، والصاد أفصح وأشهر، والمراد بأسمختهم: آذانهم، أي ناموا، قال الله تعالى فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ (الكهف/ 110) أي أنمناهم. (9) في مسند الإمام أحمد: غير امرأتين (6/ 221) حديث رقم (21015) وهو الظاهر. وفي معظم نسخ مسلم بالياء وفي بعضها وامرأتان بالألف، والأول منصوب بفعل محذوف، أي ورأيت امرأتين. (10) فما تناهتا: أي ما انتهتا. (11) هن مثل الخشبة: الهن والهنة، بتخفيف نونهما، وهو كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر، فقال لهما مثل الخشبة في الفرج وأراد بذلك سبّ إساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك. (12) تولولان: الولولة الدعاء بالويل. (13) أنفارنا: الأنفار جمع نفر أو نفير، وهو الذي ينفر عند الاستغاثة. (14) تملأ الفم: أي عظيمة لا شيء أقبح منها، كالشيء الذي يملأ الشيء ولا يسع غيره، وقيل معناه لا يمكن ذكرها وحكايتها، كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2995 وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثمّ صلّى، فلمّا قضى صلاته (قال أبو ذرّ) فكنت أنا أوّل من حيّاه بتحيّة الإسلام، قال: فقلت: السّلام عليك يا رسول الله، فقال: «وعليك ورحمة الله» . ثمّ قال: «من أنت؟ «1» » ، قال: قلت: من غفار، قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده فقدعني «2» صاحبه، وكان أعلم به منّي، ثمّ رفع رأسه، ثمّ قال: «متى كنت هاهنا؟» ، قال: قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم، قال: «فمن كان يطعمك؟» ، قال: قلت: ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جوع. قال: «إنّها مباركة، إنّها طعام طعم «3» » . فقال أبو بكر: يا رسول الله ائذن لي في طعامه اللّيلة، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطّائف، وكان ذلك أوّل طعام أكلته بها، ثمّ غبرت ما غبرت «4» ، ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه قد وجّهت لي أرض «5» ذات نخل، لا أراها «6» إلّا يثرب «7» فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم» . فأتيت أنيسا، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت، قال: ما بي رغبة عن دينك، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فأتينا أمّنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما «8» ، فإنّي أسلمت وصدّقت. فاحتملنا «9» حتّى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمّهم إيماء1» بن رحضة الغفاريّ وكان سيّدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله إخوتنا، نسلم على الّذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله» ) * «11» . 5- * (عن سليمان بن بلال- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر أن يخرج أحدهما، فاستهما «12» ، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد- رضي الله عنهما-: إنّه لابدّ لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنّة   (1) في مسند الإمام أحمد: ممن أنت. وهو الظاهر. (2) فقدعني: أي كفني، يقال: قدعه وأقدعه، إذا كفه ومنعه. (3) طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام. (4) غبرت ما غبرت: أي بقيت ما بقيت. (5) وجهت لي أرض: أي أريت جهتها. (6) أراها: ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها. (7) يثرب: هذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة، وقد جاء بعد ذلك حديث في النهي عن تسميتها يثرب. (8) ما بي رغبة عن دينكما: أي لا أكرهه، بل أدخل فيه. (9) فاحتملنا: يعني حملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا، وسرنا. (10) إيماء: الهمزة في أوله مكسورة، على المشهور، وحكى القاضي فتحها أيضا، وأشار إلى ترجيحه، وليس براجح. (11) مسلم (2473) . (12) فاستهما: أجريا القرعة بينهما. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2996 لاثرتك به، إنّي أرجو الشّهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ ... الحديث) * «1» . 6- * (عن سعد- رضي الله عنه- قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟، قال: إنّي أخاف أن يراني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيستصغرني فيردّني، وأنا أحبّ الخروج لعلّ الله أن يرزقني الشّهادة، قال: فعرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فردّه، فبكى فأجازه، فكان سعد- رضي الله عنه- يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (علو الهمة) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: حدّثني سلمان قال: كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان، من جيّ، ابن رجل من دهاقينها- وفي حديث ابن إدريس: وكان أبي دهقان «3» أرضه، وكنت أحبّ الخلق إليه- وفي حديث البكّائيّ: أحبّ عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسيّة- وفي حديث عليّ بن جابر: في المجوسيّة- فكنت في النّار الّتي توقد فلا تخبو، وكان أبي صاحب ضيعة، وكان له بناء يعالجه- زاد ابن إدريس في حديثه: في داره- فقال لي يوما: يا بنيّ، قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضّيعة، ولا تحتبس فتشغلني عن كلّ ضيعة بهمّي بك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النّصارى وهم يصلّون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم، وقلت: هذا والله خير من ديننا، فأقمت عندهم حتّى غابت الشّمس، لا أنا أتيت الضّيعة، ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي، وقد قلت للنّصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل هذا الدّين؟. قالوا: بالشّام. فرجعت إلى والدي، فقال: يا بنيّ، قد بعثت إليك رسلا، فقلت: مررت بقوم يصلّون في كنيسة، فأعجبني ما رأيت من أمرهم، وعلمت أنّ دينهم خير من ديننا، فقال: يا بنيّ دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت: كلّا والله، فخافني وقيّدني. فبعثت إلى النّصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم إعلامي من يريد الشّام، ففعلوا، فألقيت الحديد من رجليّ، وخرجت معهم، حتّى أتيت الشّام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا:   (1) الإصابة (2/ 25) . والاستيعاب لابن عبد البر (4/ 143) ، وطبقات ابن سعد (3/ 6/ 47) . (2) الإصابة (3/ 135) ، والهيثمي (5/ 298) وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح، وذكره الهيثمي في موضع آخر (6/ 69) وقال: رواه البزار ورواته ثقات. (3) الدهقان: بكسر الدال وضمها، رئيس القرية. وهو معرب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2997 الأسقفّ، فأتيته فأخبرته، وقلت: أكون معك أخدمك وأصلّي معك؟. قال: أقم، فمكثت مع رجل سوء في دينه، كان يأمرهم بالصّدقة، فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه، حتّى جمع سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا «1» ، فتوفّي، فأخبرتهم بخبره فزبروني، فدللتهم على ماله، فصلبوه ولم يغيّبوه ورجموه، وأحلّوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهدا ورغبة في الآخرة وصلاحا، فألقى الله حبّه في قلبي، حتّى حضرته الوفاة فقلت: أوصني، فذكر رجلا بالموصل، وكنّا على أمر واحد حتّى هلك. فأتيت الموصل، فلقيت الرّجل فأخبرته بخبري، وأنّ فلانا أمرني بإتيانك، فقال: أقم، فوجدته على سبيله وأمره، حتّى حضرته الوفاة، فقلت: أوصني، فقال: ما أعرف أحدا على ما نحن عليه إلّا رجلا بعمّوريّة. فأتيته بعمّوريّة فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام وثاب لي شيء، واتّخذت غنيمة وبقيرات، فحضرته الوفاة فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنّا عليه، ولكن قد أظلّك نبيّ يبعث بدين إبراهيم الحنيفيّة، مهاجره بأرض ذات نخل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النّبوّة، يأكل الهديّة، ولا يأكل الصّدقة، فإن استطعت فتخلص إليه، فتوفّي. فمرّ بي ركب من العرب، من كلب، فقلت: أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إلى بلادكم؟ فحملوني إلى وادي القرى، فباعوني من رجل من اليهود «2» ، فرأيت النّخل، فعلمت أنّه البلد الّذي وصف لي، فأقمت عند الّذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمل في نخله، وبعث الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وغفلت عن ذلك حتّى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عوف فإنّي لفي رأس نخلة إذا أقبل ابن عمّ لصاحبي، فقال: أي فلان، قاتل الله بني قيلة، مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكّة، يزعم أنّه نبيّ، فو الله ما هو إلّا أن سمعتها فأخذني القرّ «3» ، ورجفت بي النّخلة، حتّى كدت أسقط، ونزلت سريعا، فقلت: ما هذا الخبر؟ فلكمني صاحبي لكمة، وقال: وما أنت وذاك؟ أقبل على شأنك، فأقبلت على عملي حتّى أمسيت، فجمعت شيئا فأتيته به، وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي أردت «4» أن أتصدّق به، فبلغني أنّك رجل صالح، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة، فرأيتكم أحقّ به، فوضعته بين يديه، فكفّ يديه، وقال لأصحابه: كلوا، فقلت: هذه واحدة، ورجعت. وتحوّل إلى المدينة، فجمعت شيئا فأتيته به،   (1) ورقا: بكسر الراء فضة. (2) معناه: باعوني لرجل من اليهود. (3) القرّ: البرد. (4) اجتمع عندي أردت: هكذا هي موجودة في الأصل، ولعل صوابها: اجتمع عندي شيء أردت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2998 فقلت: أحببت كرامتك فأهديت لك هديّة، وليست بصدقة، فمدّ يده فأكل، وأكل أصحابه، فقلت: هاتان اثنتان، ورجعت. فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد، وحوله أصحابه فسلّمت، وتحوّلت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم فقبّلته، وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدّثته بشأني كلّه كما حدّثتك يا ابن عبّاس، فأعجبه ذلك، وأحبّ أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرّقّ، فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتّى كاتبته، على أن أغرس له ثلاثمائة وديّة «1» ، وعلى أربعين وقيّة «2» من ذهب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعينوا أخاكم بالنّخل» ، فأعانوني بالخمس والعشر، حتّى اجتمع لي، فقال لي: «فقّر «3» لها ولا تضع منها شيئا حتّى أضعه بيدي» ، ففعلت، فأعانني أصحابي حتّى فرغت، فأتيته، فكنت آتيه بالنّخلة فيضعها، ويسوّي عليها ترابا، فأنصرف، والّذي بعثه بالحقّ فما ماتت منها واحدة، وبقي الذّهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة، من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: «ادع سلمان المسكين الفارسيّ المكاتب» ، فقال: أدّ هذه، فقلت: يا رسول الله، وأين تقع هذه ممّا عليّ؟، وروى أبو الطّفيل، عن سلمان، قال: أعانني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه) * «4» . 2- شجاعة أبي محجن الثّقفيّ- رضي الله عنه- (قتاله يوم القادسيّة حتّى ظنّوا أنّه ملك) . * (أخرج عبد الرّزّاق عن ابن سيرين قال: كان أبو محجن الثّقفيّ- رضي الله عنه- لا يزال يجلد في الخمر، فلمّا أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه، فلمّا كان يوم القادسيّة رآهم يقتتلون، فكأنّه رأى أنّ المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل إلى أمّ ولد سعد أو إلى امرأة سعد يقول لها: إنّ أبا محجن يقول لك: إن خلّيت سبيله وحملته على هذا الفرس ودفعت إليه سلاحا، ليكوننّ أوّل من يرجع إليك إلّا أن يقتل، وأنشأ يقول: كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا عليّ وثاقيا   (1) الودية: النخلة الصغيرة. (2) وقية: هي الأوقية. وهي زنة سبعة مثاقيل وزنة أربعين درهما. وهي في غير الحديث جزء من اثنى عشر جزآ وتختلف باختلاف اصطلاح البلاد- لسان العرب: مادة «وقي» . (3) ومعنى فقر: احفر لها موضعا تغرس فيه، وتسمى الحفرة فقرة بضم الفاء. (4) أسد الغابة لابن الأثير (2/ 265- 267) ، مسند أحمد (5/ 437- 444) ، وطبقات ابن سعد (4/ 45) ، والتاريخ الكبير للبخاري (4/ 135- 136) ، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي (1/ 163- 171) ، ومجمع الزوائد للهيثمي (9/ 332- 344) ، وأسد الغابة لابن الأثير (2/ 365) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2999 إذا قمت عنّاني الحديد وغلّقت ... مصارع دوني قد تصمّ المناديا فذهبت الاخرى، فقالت ذلك لامرأة سعد، فحلّت عنه قيوده، وحمل على فرس كان في الدّار وأعطي سلاحا، ثمّ خرج يركض حتّى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدقّ صلبه، فنظر إليه سعد فجعل يتعجّب منه ويقول: من ذلك الفارس؟! فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتّى هزمهم الله، ورجع أبو محجن- رضي الله عنه-، وردّ السّلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان. فجاء سعد- رضي الله عنه- فقالت له امرأته أو أمّ ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها، ويقول: لقينا ولقينا، حتّى بعث الله رجلا على فرس أبلق، لولا أنّي تركت أبا محجن في القيود لظننت أنّها بعض شمائل أبي محجن، فقالت: والله إنّه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا، فقصّت عليه قصّته، فدعا به وحلّ قيوده. قال أبو محجن- رضي الله عنه- أنا والله لا أشربها أبدا، كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم، قال: فلم يشربها بعد ذلك) * «1» . 3- * (عن معقل بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- شاور الهرمزان. فقال: ما ترى أبدأ: بفارس، أو بأذربيجان، أم بأصبهان؟. فقال: إنّ فارس وأذربيجان الجناحان، وأصبهان الرّأس، فإن قطعت أحد الجناحين قام الجناح الاخر، فإن قطعت الرّأس وقع الجناحان، فابدأ بالرّأس. فدخل عمر- رضي الله عنه- المسجد والنّعمان بن مقرّن- رضي الله عنه- يصلّي، فقعد إلى جنبه، فلمّا قضى صلاته قال: إنّي أريد أن أستعملك. قال: أمّا جابيا «2» ، فلا، ولكن غازيا. قال: فأنت غاز. فوجّهه إلى أصبهان- فذكر الحديث- وفيه: فقال المغيرة للنّعمان: يرحمك الله إنّه قد أسرع في النّاس «3» ، فاحمل. فقال: والله إنّك لذو مناقب «4» ، لقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القتال، وكان إذا لم يقاتل أوّل النّهار أخّر القتال حتّى تزول الشّمس، وتهبّ الرّياح، وينزل النّصر، قال: ثمّ قال: إنّي هازّ لوائي ثلاث مرّات: فأمّا الهزّة «5» الأولى فقضى الرّجل حاجته وتوضّأ، وأمّا الثّانية فنظر رجل في سلاحه، وفي شسعه «6» فأصلحه، وأمّا الثّالثة فاحملوا ولا يلوينّ أحد على أحد وإن قتل النّعمان فلا يلو «7» عليه أحد، فإنّي أدعو الله- عزّ وجلّ- بدعوة، فعزمت على كلّ   (1) الاستيعاب (4/ 184) ، وسنده صحيح، كما في الإصابة (4/ 174) . (2) جابيا: من جبي الخراج أي جمعه. (3) إنه قد أسرع في الناس: أي الرمي، ويريد به رمي الفرس للمسلمين بالنبل في المعركة. (4) مناقب: جمع نقيبة وهي: العقل والمشورة ونفاذ الرأي. (5) الهزة: التحريكة. (6) الشسع: زمام للنعل بين الأصبع الوسطى والتي تليها. (7) يلو: ينتظر: وقوله لا يلوين أحد على أحد أي لا ينتظر حملته معه، وقوله: ولا يلو عليه أحد: أي لا يتوقف عن القتال من أجله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3000 امرىء منكم لما أمّن عليها: اللهمّ أعط اليوم النّعمان الشّهادة في نصر المسلمين، وافتح عليهم. وهزّ لواءه أوّل مرّة، ثمّ هزّ الثّانية، ثمّ شلّ «1» درعه، ثمّ حمل فكان أوّل صريع، فقال معقل: فأتيت عليه، فذكرت عزمته، فجعلت عليه علما، ثمّ ذهبت- وكنّا إذا قتلنا رجلا شغل عنّا أصحابه- ووقع ذو الحاجبين عن بغلته، فانشقّ بطنه، فهزمهم الله، ثمّ جئت إلى النّعمان ومعي إداوة فيها ماء، فغسلت عن وجهه التّراب، فقال: من أنت؟ قلت: معقل بن يسار. قال: ما فعل النّاس؟ فقلت: فتح الله عليهم. قال: الحمد للهّ، اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه. وعند الطّبريّ أيضا عن زياد بن جبير عن أبيه- رضي الله عنهما- فذكر الحديث بطوله في وقعة نهاوند، وفيه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا غزا فلم يقاتل أوّل النّهار لم يعجل حتّى تحضر الصّلاة، وتهبّ الأرواح، ويطيب القتال فما منعني إلّا ذلك اللهمّ إنّي أسألك أن تقرّ عيني اليوم بفتح يكون فيه عزّ الإسلام، وذلّ يذلّ به الكفّار، ثمّ اقبضني إليك بعد ذلك على الشّهادة. أمّنوا يرحمكم الله فأمّنّا وبكينا) * «2» . 4- * (عن جعفر بن عبد الله بن أسلم الهمدانيّ- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم اليمامة كان أوّل النّاس جرح أبو عقيل الأنيفيّ- رضي الله عنه-، رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده، فشطب في غير مقتل، فأخرج السّهم- ووهن له شقّه الأيسر- لما كان فيه، وهذا أوّل النّهار، وجرّ إلى الرّحل «3» - فلمّا حمي القتال وانهزم المسلمون وجازوا رحالهم- وأبو عقيل واهن من جرحه- سمع معن بن عديّ- رضي الله عنه- يصيح بالأنصار: الله الله! «4» والكرّة على عدوّكم، وأعنق معن «5» يقدم القوم، وذلك حين صاحت الأنصار: أخلصونا، أخلصونا، فأخلصوا رجلا رجلا يميّزون. قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد يا أبا عقيل، ما فيك قتال؟!، قال: قد نوّه المنادي باسمي، قال ابن عمر: فقلت: إنّما يقول: يا للأنصار، لا يعني الجرحى!! قال أبو عقيل: أنا رجل من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبوا! قال ابن عمر: فتحزّم أبو عقيل وأخذ السّيف بيده اليمنى مجرّدا، ثمّ جعل ينادي: يا للأنصار، كرّة كيوم حنين، فاجتمعوا- رحمهم الله- جميعا يقدمون المسلمين دربة دون عدوّهم حتّى أقحموا عدوّهم الحديقة، فاختلطوا   (1) شلّ الدرع: لبسها. ينظر: لسان العرب مادة (شل) . (2) أخرجه الطبراني بطوله مثل ما روى الطبري. قال الهيثمي (6/ 217) : رجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المزني، وهو ثقة، الحاكم (3/ 293) عن معقل بطوله. والحاكم (3/ 293) وأقره الذهبي. (3) الرحل: المنزل والخيمة. (4) الله الله- منصوب على التحذير- والمعنى: اتقوا الله وكروا الكرة على عدوكم. (5) أعنق معن: أسرع معن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3001 واختلف السّيوف بيننا وبينهم. قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب، فوقعت على الأرض وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كلّها قد خلصت إلى مقتل، وقتل عدوّ الله مسيلمة، قال ابن عمر: فوقعت على أبي عقيل وهو صريع باخر رمق «1» ، فقلت: أبا عقيل، فقال: لبّيك. بلسان ملتاث «2» - لمن الدّبرة؟، قلت: أبشر، ورفعت صوتي: قد قتل عدوّ الله، فرفع أصبعه إلى السّماء يحمد الله، ومات- رحمه الله- قال ابن عمر: فأخبرت عمر بعد أن قدمت خبره كلّه، فقال: رحمه الله، ما زال يسأل الشّهادة ويطلبها، وإن كان ما علمت من خيار أصحاب نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وقديم إسلام) * «3» . 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عمر- رضي الله عنه- قال يوم أحد لأخيه: خذ الدّرع يا أخي، قال: أريد من الشّهادة مثل الّذي تريد، فتركاها جميعا) * «4» . 6- * (روي عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: لا تصغرنّ هممكم، فإنّي لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم) * «5» . 7- * (عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: خرجت مع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى السّوق، فلحقت عمر امرأة شابّة، فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا، والله ما ينضجون كراعا «6» ، ولا لهم زرع ولا ضرع» ، وخشيت أن تأكلهم الضّبع «8» ، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاريّ، وقد شهد أبي الحديبية مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فوقف معها عمر ولم يمض، ثمّ قال: مرحبا بنسب قريب، ثمّ انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدّار فحمل عليه غرارتين «9» ملأهما طعاما وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثمّ ناولها بخطامه، ثمّ قال: اقتاديه، فلن يفنى حتّى يأتيكم الله بخير. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، قال عمر: ثكلتك أمّك، والله إنّي لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثمّ أصبحنا نستفيء سهماننا منه «10» ) * «11» . 8- * (كان سعيد بن عمرو بن العاص ذا   (1) باخر رمق: باخر ما بقي فيه من حياة. (2) بلسان ملتاث: بلسان متعثر لا ينطق بطلاقة. (3) حياة الصحابة (2/ 201) . (4) الهيثمي (5/ 298) وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح، وابن سعد (3/ 275) ، وأبو نعيم في الحلية (1/ 367) - نحوه (5) أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 327) . (6) لا ينضجون كراعا: معناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه. (7) ولا ضرع: أي ليس لهم ما يحلبونه. (8) وخشيت أن تأكلهم الضبع: أي السنة المجدبة، ومعنى تأكلهم أي تهلكهم. (9) الغرارة: كيس كبير ويسمى بلهجة عصرنا: الجوال. (10) نستفيء سهماننا: نأخذ أنصباءنا من فيئه. (11) البخاري- الفتح 7 (4160) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3002 نخوة وهمّة، قيل له في مرضه: إنّ المريض يستريح إلى الأنين وإلى شرح ما به إلى الطّبيب. فقال أمّا الأنين فهو جزع وعار، والله لا يسمع الله منّي أنينا فأكون عنده جزوعا، وأمّا وصف ما بي إلى الطّبيب فو الله لا يحكم غير الله في نفسي إن شاء أمسكها وإن شاء قبضها) * «1» . 9- * (عن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: حدّثني أبي الّذي أرضعني- وكان أحد بني مرّة بن عوف. وكان في تلك الغزوة (غزوة مؤتة) ، قال: والله لكأنّي أنظر إلى جعفر- رضي الله عنه- حين اقتمّ «2» عن فرس له شقراء ثمّ عقرها، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل، وهو يقول: يا حبّذا الجنّة واقترابها طيّبة وبارد شرابها ... والرّوم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها ... عليّ إذ لاقيتها ضرابها ) * «3» . 10- * (قال سعيد بن العاص: ما شاتمت رجلا مذ كنت رجلا، لأنّي لم أشاتم إلّا أحد رجلين: إمّا كريم فأنا أحقّ أن أجلّه، وإمّا لئيم فأنا أولى أن أرفع نفسي عنه) * «4» . 11- * (قال الحافظ أبو بكر عبد الله بن الإمام الحافظ أبي داود السّجستانيّ، المولود سنة (303 هـ) . قال: دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مدّا باقلّاء، فكنت آكل منه وأكتب عن الأشجّ عبد الله بن سعيد الكنديّ محدّث الكوفة، فما فرغ الباقلّاء حتّى كتبت عنه ثلاثين ألف حديث ما بين مقطوع ومرسل) * «5» . 12- * (قال الحافظ الذّهبيّ في تذكرة الحفّاظ في ترجمة الإمام محمّد بن جرير الطّبريّ، قال أبو محمّد الفرغانيّ تلميذ ابن جرير: كان محمّد بن جرير لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظم ما يؤذى، فأمّا أهل الدّين والعلم فغير منكرين علمه وزهده ورفضه الدّنيا وقناعته بما يجيئه من حصّة خلّفها له أبوه بطبرستان، قال: ورحل محمّد بن جرير لمّا ترعرع، وسمح له أبوه بالسّفر، وكان أبوه طول حياته يوجّه إليه بالشّيء بعد الشّيء إلى البلدان، فسمعته يقول: أبطأت منّي نفقة والدي واضطررت إلى أن بعت ثيابي. ولقد قال ابن جرير: إذا أعسرت لم يعلم رفيقي ... وأستغني فيستغني صديقي حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مكالمتي رفيقي   (1) المستطرف للأبشيهي (1/ 142) . (2) اقتم عن فرس: نزل عنها. (3) البداية والنهاية (4/ 244) أبو داود من هذا الوجه، كما في الإصابة (1/ 238) ، وأبو نعيم في الحلية (1/ 118) . (4) المستطرف في كل فن مستظرف (1/ 136) . (5) انظر صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل لأبي غدة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3003 ولو أنّي سمحت ببذل وجهي ... لكنت إلى الغنى سهل الطّريق وهو الّذي يقول: خلقان لا أرضى طريقهما ... بطر الغنى ومذلّة الفقر فإذا غنيت فلا تكن بطرا ... وإذا افتقرت فته على الدّهر ) * «1» 13- * (حكى القاضي يحيى بن أكثم- رحمة الله عليه- قال: دخلت يوما على الخليفة هارون الرّشيد ولد المهديّ، وهو مطرق مفكّر، فقال لي: أتعرف قائل هذا البيت: الخير أبقى وإن طال الزّمان به ... والشّرّ أخبث ما أوعيت من زاد فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ لهذا البيت شأنا مع قائله، فقال الرّشيد: عليّ به. فلمّا حضر بين يديه، قال له: أخبرني عن قضيّة هذا البيت. فقال: يا أمير المؤمنين كنت في بعض السّنين حاجّا، فلمّا توسّطت البادية في يوم شديد الحرّ سمعت ضجّة عظيمة في القافلة ألحقت أوّلها باخرها، فسألت عن القصّة فقال لي رجل من القوم: تقدّم تر ما بالنّاس، فتقدّمت إلى القافلة فإذا أنا بشجاع أسود فاغر فاه كالجذع، وهو يخور كما يخور الثّور، ويرغو كرغاء البعير، فهالني أمره، وبقيت لا أهتدي إلى ما أصنع في أمره، فعدلنا عن طريقه إلى ناحية أخرى فعارضنا ثانيا، فعلمت أنّه لسبب، ولم يجسر أحد من القوم أن يقربه، فقلت: أفدي هذا العالم بنفسي، وأتقرّب إلى الله تعالى بخلاص هذه القافلة من هذا، فأخذت قربة من الماء فتقلّدتها، وسللت سيفي، وتقدّمت فلمّا رآني قربت منه سكن، وبقيت متوقّعا منه وثبة يبتلعني فيها، فلمّا رأى القربة فتح فاه، فجعلت فم القربة فيه وصببت الماء كما يصبّ في الإناء، فلمّا فرغت القربة تسيّب في الرّمل ومضى، فتعجّبت من تعرّضه لنا وانصرافه عنّا من غير سوء لحقنا منه، ومضينا لحجّنا، ثمّ عدنا في طريقنا ذلك، وحططنا في منزلنا ذلك في ليلة مظلمة مدلهمّة فأخذت شيئا من الماء، وعدلت إلى ناحية عن الطّريق فقضيت حاجتي ثمّ توضّأت وصلّيت وجلست أذكر الله تعالى) * «2» . 14- * (قال مالك بن عمارة اللّخميّ: كنت جالسا في ظلّ الكعبة أيّام الموسم عند عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزّبير، وكنّا نخوض في الفقه مرّة، وفي المذاكرة مرّة، وفي أشعار العرب وأمثال النّاس مرّة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتّساع في المعرفة، والتّصرّف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدّث، وحلاوة لفظه إذا حدّث، فخلوت معه ليلة فقلت له، والله إنّي لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرّفك   (1) انظر صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل لأبي غدة. (2) المستطرف (1/ 345- 346) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3004 وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلا فسترى العيون طامحة إليّ والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إليّ فلعلّك أن تنقل إليّ ركابك، فلأملأنّ يديك. فلمّا أفضت إليه الخلافة توجّهت إليه فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلمّا رآني أعرض عنّي فقلت: لعلّه لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكرة، فلمّا قضيت الصّلاة ودخل بيته لم ألبث أن خرج الحاجب، فقال: أين مالك بن عمارة. فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه فمدّ إليّ يده وقال: إنّك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلّا ما رأيت، فأمّا الان فمرحبا، وأهلا، كيف كنت بعدي، فأخبرته، فقال لي: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم، فقال: والله ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكنّي أخبرك بخصال منّي سمت بها نفسي إلى الموضع الّذي ترى. ما خنت ذا ودّ قطّ، ولا شمتّ بمصيبة عدوّ قطّ، ولا أعرضت عن محدّث حتّى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم الله تعالى متلذّذا بها. فكنت أؤمّل بهذه أن يرفع الله تعالى منزلتي، وقد فعل ثمّ دعا بغلام له، فقال: يا غلام بوّئه منزلا في الدّار، فأخذ الغلام بيدي، وأفرد لي منزلا حسنا، فكنت في ألذّ حال وأنعم بال، وكان يسمع كلامي، وأسمع كلامه، ثمّ أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه فيرفع منزلتي، ويقبل عليّ ويحادثني ويسألني مرّة عن العراق، ومرّة عن الحجاز، حتّى مضت عشرون ليلة، فتغدّيت يوما عنده، فلمّا تفرّق النّاس نهضت قائما، فقال: على رسلك، فقعدت، فقال: أيّ الأمرين أحبّ إليك: المقام عندي مع النّصفة لك في المعاشرة، أو الرّجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين فارقت أهلي وولدي على أنّي أزور أمير المؤمنين، وأعود إليهم فإن أمرني أمير المؤمنين اخترت رؤيته على الأهل والولد، فقال: لا بل أرى لك الرّجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار كسوة، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟ فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السّلامة) * «1» . 15- * (قال ابن الجوزيّ: تأمّلت أحوال النّاس في حالة علوّ شأنهم فرأيت أكثر الخلق تبين حسراتهم حينئذ، فمنهم من بالغ في المعاصي من الشّباب، ومنهم من فرّط في اكتساب العلم ومنهم من أكثر من الاستمتاع باللّذات. فكلّهم نادم في حالة الكبر حين فوات الاستدراك لذنوب سلفت، أو قوى ضعفت، أو فضيلة فاتت، فيمضي زمان الكبر في حسرات، فإن كانت للشّيخ إفاقة من ذنوب قد سلفت، قال: وا أسفاه على ما جنيت؟ وإن لم يكن له إفاقة صار متأسّفا على فوات ما كان يلتذّ به.   (1) المستطرف (1/ 203- 204) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3005 فأمّا من أنفق عصر الشّباب في العلم فإنّه في زمن الشّيخوخة يحمد جنى ما غرس ويلتذّ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذّات البدن شيئا بالإضافة إلى ما يناله من لذّات العلم. هذا مع وجود لذّاته في الطّلب الّذي كان يأمل به إدراك المطلوب، وربّما كانت تلك الأعمال أطيب ممّا نيل منها، كما قال الشّاعر: أهتزّ عند تمنّي وصلها طربا ... وربّ أمنيّة أحلى من الظّفر ولقد تأمّلت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الّذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدّنيا، وأنفقت زمن الصّبوة والشّباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني ممّا نالوه إلّا ما لو حصل لي ندمت عليه، ثمّ تأمّلت حالي فإذا عيشي في الدّنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين النّاس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم. فقال لي إبليس: ونسيت تعبك وسهرك، فقلت له: أيّها الجاهل. تقطيع الأيدي لا وقع له «1» عند رؤية يوسف، وما طالت طريق أدّت إلى صديق: جزى الله المسير إليه خيرا ... وإن ترك المطايا «2» كالمزاد «3» . ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشّدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو «4» ، كنت في زمان الصّبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلّا عند الماء، فكلّما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همّتي لا ترى إلّا لذّة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أنّي عرفت بكثرة سماعي لحديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأحواله وآدابه وأحوال أصحابه وتابعيهم «5» - رضي الله عنهم أجمعين-. 16- * (قال الفضل- وهو ابن زياد-: «سمعت أبا عبد الله، يقول: ليس تضمّ إلى معمر أحدا إلّا وجدته فوقه، رحل في الحديث إلى اليمن وهو أوّل من رحل، فقال له أبو جعفر: والشّام؟، فقال: لا، الجزيرة) » * «6» . 17- * (قال مكحول الدّمشقيّ الإمام: كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلّا حويت عليه فيما أرى، ثمّ أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلّا حويت عليه فيما أرى، ثمّ أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلّا حويت عليه فيما أرى، ثمّ أتيت الشّام فغربلتها، كلّ ذلك أسأل عن النّفل، فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء حتّى أتيت شيخا يقال له زياد بن جارية التّميميّ   (1) لا وقع له: أي لا ألم له. (2) المطايا: جمع مطية: الدابة التي تركب. (3) المزاد: أي المزادة وهي القربة من الجلد إذا كانت خالية من الماء (4) وأرجو: أي أطلبه من العلم وأرجوه من تحصيل الثواب ونفع الناس بالدعوة إلى الله. (5) صيد الخاطر لابن الجوزي (218- 219) . (6) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3006 فقلت له: هل سمعت في النّفل شيئا؟ قال: نعم سمعت حبيب بن مسلمة الفهريّ يقول: شهدت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نفّل الرّبع في البدأة والثّلث في الرّجعة) * «1» . 18- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: والّذي لا إله غيره لقد قرأت من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضعا وسبعين سورة، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله منّي تبلّغني الإبل إليه لأتيته) * «2» . 19- * (قال مسروق: قال عبد الله: ما أنزلت آية إلّا وأنا أعلم فيما أنزلت، ولو أنّي أعلم أنّ أحدا أعلم بكتاب الله منّي تبلغه الإبل والمطايا لأتيته) * «3» . 20- * (كان الإمام البخاريّ يقوم في اللّيلة الواحدة ما يقرب من عشرين مرّة لتدوين حديث أو فكرة طرأت عليه، كما أنّه من أعظم الرّماة، ما كان سهمه يخطأ الهدف إلّا نادرا) * «4» . 21- * (وفي ترجمة الإمام الطّبرانيّ: هو الحافظ العلّامة أبو القاسم سليمان بن أحمد اللّخميّ الشّاميّ الطّبرانيّ مسند الدّنيا، زادت مؤلّفاته عن خمسة وسبعين مؤلّفا. سئل الطّبرانيّ عن كثرة حديثه، فقال: كنت أنام على الحصير ثلاثين سنة) * «5» . 22- * (قال الإمام أحمد بن حنبل: رحلت في طلب العلم والسّنّة إلى الثّغور والشّامات والسّواحل والمغرب والجزائر ومكّة والمدينة والحجاز واليمن والعراقين جميعا وفارس وخراسان والجبال والأطراف ثمّ عدت إلى بغداد. وقال: حججت خمس حجج منها ثلاث حجج راجلا- ولا يغيب عنك أنّ بلده بغداد- أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهما. وقال الإمام ابن الجوزيّ: طاف الإمام أحمد بن حنبل الدّنيا مرّتين حتّى جمع المسند «6» . 23- * (قال أبو عبد الله الحاكم النّيسابوريّ في كتابه (معرفة علوم الحديث) وهو يذكر فضل أصحاب الحديث وطلّابه: هم قوم سلكوا محجّة الصّالحين واتّبعوا آثار السّلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قوم آثروا قطع المفاوز والقفار على التّنعّم في الدّمن والأوكار، وتنعّموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والاثار بوجود الكسر والأطمار ... جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تكاهم وبواريها «7» فرشهم، نبذوا الدّنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة وسمرهم المعارضة (أي مقابلة الكتاب الّذي كتبوه بالكتاب الّذي سمعوه أو نقلوا منه) واسترواحهم المذاكرة، وخلوقهم المداد، ونومهم السّهاد، واصطلاءهم الضّياء،   (1) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) . (2) سير أعلام النبلاء للذهبي (1/ 471) وقال محققه: إسناده صحيح، والأثر عند البخاري بغير هذا السياق (9/ 5002) . (3) انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) . (4) انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) . (5) انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) . (6) انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) . (7) البواري جمع البارية وهي الحصير المنسوج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3007 وتوسّدهم الحصى، فالشّدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرّخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس، فعقولهم بلذاذة السّنّة غامرة، وقلوبهم بالرّضاء في الأحوال عامرة، تعلّم السّنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل السّنّة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم) * «1» . 24- * (قال أبو مسعود عبد الرّحيم الحاجيّ: سمعت ابن طاهر يقول: بلت الدّم في طلب الحديث مرّتين، مرّة ببغداد ومرّة بمكّة، كنت أمشي حافيا في الحرّ فلحقني ذلك، وما ركبت دابّة قطّ في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري) * «2» . 25- * (في كتاب للهند: من لم يركب الأهوال لم ينل الرّغائب، ومن ترك الأمر الّذي لعلّه ينال منه حاجته مخافة ما لعلّه يوقّاه فليس ببالغ جسيما، وإنّ الرّجل ذا المروءة ليكون خامل الذّكر خافض المنزلة، فتأبى مروءته إلّا أن يستعلي ويرتفع، كالشّعلة من النّار الّتي يصونها صاحبها وتأبى إلّا ارتفاعا) * «3» . 26- * (كان أسباب فتح المعتصم عمّوريّة، أنّ امرأة من الثّغر سبيت، فنادت وا محمّداه وا معتصماه! فبلغه الخبر فركب لوقته وتبعه الجيش، فلمّا فتحها قال: لبّيك أيّتها المنادية) * «4» . 27- * (قيل لبعض الحكماء: ما أصعب شيء على الإنسان؟. قال: أن يعرف نفسه ويكتم الأسرار، فإذا اجتمع الأمران، واقترن بشرف النّفس علوّ الهمّة، كان الفضل بهما ظاهرا، والأدب بهما وافرا، ومشاقّ الحمد بينهما مسهّلة، وشروط المروءة بينهما متينة) * «5» . 28- * (قال بعض البلغاء: علوّ الهمّة، بذر النّعم) * «6» . 29- * (قال بعض الحكماء: الهمّة راية الجدّ) *» . 30- * (قال الشّاعر: لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى مثلي ) * «8» . 31- * (عكف أبو صالح أيّوب بن سليمان على كتاب العروض حتّى حفظه، فسأله بعضهم عن   (1) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (200- 221) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المستطرف في كل فن مستظرف (302) . (4) المرجع السابق (1/ 135) . (5) أدب الدنيا والدين للماوردي (328) . (6) المرجع السابق (327) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) البداية والنهاية لابن كثير (9/ 108) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3008 إقباله على هذا العلم بعد الكبر، فقال: حضرت قوما يتكلّمون فيه فأخذني ذلّ في نفسي أن يكون باب من العلم لا أتكلّم فيه) * «1» . 32- * (قال الشّاعر: يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما أرى النّاس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما أنهنهها عن بعض ما لا يشينها ... مخافة أقوال العدا فيم أو لما؟ ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت، ولكن لأخدما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة ... إذن فاتّباع الجهل قد كان أحزما ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النّفوس لعظّما ولكن أهانوه فهان ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما ) * «2» . 33- * (قال حبيب الطّائيّ: أعاذلتي ما أخشن اللّيل مركبا ... وأخشن منه في الملمّات راكبه ذريني وأهوال الزّمان أقاسها ... فأهواله العظمى تليها رغائبه ) * «3» . 34- * (قال كعب بن زهير: وليس لمن لم يركب الهول بغية ... وليس لرحل حطّه الله حامل إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل ) * «4» . 35- * (قال امرؤ القيس: فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي ) * «5» من فوائد (علو الهمة) (1) دليل على كمال الرّجولة وكمال المروءة. (2) تثمر سعادة الدّنيا والآخرة. (3) خلق يوصل إلى محبّة الله ومحبّة النّاس. (4) يحقّق الرّفاهية والسّعادة للأفراد والشّعوب.   (1) أدب الدنيا والدين (ص 54) . (2) المرجع السابق (ص 53) . (3) العقد الفريد لابن عبد ربه (3/ 188) . (4) المرجع السابق (3/ 188) . (5) المرجع السابق (3/ 175) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3009 العمل العمل لغة: مصدر قولهم عمل يعمل وهو مأخوذ من مادّة (ع م ل) الّتي تدلّ على «كلّ فعل يفعل» قال الخليل: عمل يعمل عملا فهو عامل، واعتمل الرّجل إذا عمل بنفسه، والعمالة أجر ما عمل، والعملة: القوم يعملون بأيديهم ضروبا من العمل حفرا أو طيّا أو نحوه، وقيل العمل: المهنة والفعل، والجمع أعمال، عمل عملا، وأعمله غيره واستعمله، واعتمل الرّجل: عمل بنفسه، واستعمل فلان غيره إذا سأله أن يعمل له، واستعمله: طلب إليه العمل. واستعمل فلان إذا ولي عملا من أعمال السّلطان، وفي حديث خيبر: (دفع إليهم أرضهم على أن يعتملوها من أموالهم) ، والاعتمال: افتعال من العمل أي إنّهم يقومون بما يحتاج إليه من عمارة وزراعة وتلقيح وحراسة ونحو ذلك. وأعمل فلان ذهنه في كذا وكذا إذا دبّره بفهمه. وأعمل رأيه وآلته ولسانه. واستعمله: عمل به. ورجل عمول إذا كان كسوبا. ورجل عمول: بمعنى: رجل عمل أي مطبوع الايات/ الأحاديث/ الاثار 151/ 74/ 30 على العمل. وتعمّل فلان لكذا، والتّعميل: تولية العمل. يقال: عمّلت فلانا على البصرة، قال ابن الأثير: قد يكون عمّلته بمعنى ولّيته وجعلته عاملا. قال الأزهريّ: العمالة بالضّمّ، رزق العامل الّذي جعل له على ما قلّد من العمل. والعامل في العربيّة: ما عمل عملا ما. وقيل هو الّذي يتولّى أمور الرّجل في ماله وملكه وعمله، ومنه قيل للّذي يستخرج الزّكاة: عامل «1» . العمل اصطلاحا: قال المناويّ: العمل كلّ فعل من الحيوان بقصد، والعمل أخصّ من الفعل؛ لأنّ الفعل قد ينسب إلى الحيوان الّذي يقع منه فعل بلا قصد، وقد ينسب الفعل إلى الجماد، والعمل قلّما ينسب إلى ذلك. أمّا العمل الصّالح: فهو العمل المراعى من الخلل، وأصله الإخلاص في النّيّة وبلوغ الوسع في المجادلة بحسب علم العامل وإحكامه، وقال بعضهم: العمل الصّالح ما دبّر بالعلم «2» . وقال الكفويّ: العمل: المهنة والفعل، والعمل يعمّ أفعال القلوب والجوارح، ولا يقال إلّا ما كان عن   (1) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 1775) ، والنهاية لابن الأثير (3/ 300) ، ولسان العرب (11/ 474- 476) ، وبصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (4/ 101) . ومقاييس اللغة لابن فارس (4/ 140) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (247) ، والكليات للكفوي (616) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3010 فكر ورويّة ولهذا قرن بالعلم حتّى قال بعض الأدباء: قلب لفظ العمل من لفظ العلم تنبيها على أنّه من مقتضاه «1» . والعمل المبحوث هنا: هو العمل الصّالح من سائر الأعمال الظّاهرة والباطنة، بما في ذلك العبادات من صيام، وصلاة، وزكاة، وحجّ، ونحو ذلك، ولا يكون العمل صالحا إلّا بتوافر شرطين: الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويدخل في ذلك الكسب الحلال. أفضل المكاسب: قال الحافظ ابن حجر: وقد اختلف العلماء في أفضل المكاسب. قال الماورديّ: أصول المكاسب الزّراعة والتّجارة والصّنعة، والأشبه بمذهب الشّافعيّ أنّ أطيبها التّجارة، قال: والأرجح عندي أنّ أطيبها الزّراعة لأنّها أقرب إلى التّوكّل. وتعقّبه النّوويّ بقوله: الصّواب أنّ أطيب الكسب ما كان بعمل اليد، قال: فإن كان زراعة فهو أطيب المكاسب لما يشتمل عليه من كونه عمل اليد، ولما فيه من التّوكّل، ولما فيه من النّفع العام للادميّ وللدّوابّ، ولأنّه لابدّ في العادة أن يؤكل منه بغير عوض، قال الحافظ ابن حجر: قلت: وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفّار بالجهاد وهو مكسب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وهو أشرف المكاسب لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى وخذلان كلمة أعدائه والنّفع الاخروي. قال ابن المنذر: إنّما يفضل عمل اليد سائر المكاسب إذا نصح العامل، كما جاء مصرّحا به قال الحافظ ابن حجر: ومن شرطه ألايعتقد أنّ الرّزق من الكسب بل من الله تعالى بهذه الواسطة، ومن فضل العمل باليد الشّغل بالأمر المباح عن البطالة واللهو وكسر النّفس بذلك، والتّعفّف عن ذلّة السّؤال والحاجة إلى الغير «2» . الفرق بين العمل والفعل: الفعل يدلّ على إحداث شيء من العمل وغيره، وهذا يدلّ على أنّ الفعل أعمّ من العمل، والعمل لا يقال إلّا لما كان عن فكر ورويّة ولا يكون إلّا من الإنسان مصحوبا بقصد، أمّا الفعل فلا يشترط فيه ذلك، ويقع من الإنسان والحيوان والجماد «3» . [للاستزادة: انظر صفات: النشاط- الرجولة- الطموح- قوة الإرادة- العبادة- علو الهمة- المروءة- العزم والعزيمة- القوة والشدة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكسل- التخاذل- التهاون- الوهن- صغر الهمة- الضعف- الإهمال- اليأس] .   (1) الكليات للكفوي (616) . (2) انظر: أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 40) ، وفتح الباري لابن حجر كتاب البيوع باب كسب الرجل وعمله بيده (4/ 356) . (3) الكليات للكفوي (616) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3011 الآيات الواردة في (العمل) العمل الصالح جزاؤه الجنة: 1- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «1» 2- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82) «2» 3- * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «3» 4- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «4»   (1) البقرة: 25 مدنية (2) البقرة: 82 مدنية (3) آل عمران: 133- 136 مدنية (4) آل عمران: 190- 195 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3012 5- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «1» 6- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) * لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127) «2» 7- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «3» 8- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) «4» 9- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) «5» 10- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) «6» 11- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «7» 12- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)   (1) النساء: 122- 124 مدنية (2) الأنعام: 126- 127 مكية (3) الأعراف: 42- 43 مكية (4) يونس: 7- 9 مكية (5) هود: 23 مكية (6) الرعد: 28- 29 مدنية (7) إبراهيم: 23 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3013 خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «1» 13- * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «2» 14- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «3» 15- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) «4» 16- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «5» 17- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «6» 18- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) «7» 19- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «8» 20- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36)   (1) الكهف: 107- 110 مكية (2) مريم: 59- 60 مكية (3) طه: 74- 76 مكية (4) الحج: 14 مدنية (5) الحج: 23- 24 مدنية (6) الحج: 56- 57 مدنية (7) العنكبوت: 58- 59 مكية (8) لقمان: 8- 9 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3014 وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) «1» 21- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) » 22- وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (73) «3» 23- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (14) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «4» 24- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) «5» 25- وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ   (1) سبأ: 36- 37 مكية (2) الشورى: 22- 23 مكية (3) الزخرف: 72- 73 مكية (4) الأحقاف: 13- 16 مكية (5) محمد: 12 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3015 مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) «1» 26- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «2» 27- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) «3» 28- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «4» العمل الصالح جزاؤه الأجر: 29- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) «5» 30- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «6» 31- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)   (1) الواقعة: 10- 24 مكية (2) الطلاق: 8- 11 مدنية (3) المرسللات: 41- 46 مكية (4) البروج: 10- 11 مكية (5) البقرة: 62 مدنية (6) البقرة: 277 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3016 فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) «1» 32- لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «2» 33- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) «3» 34- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (121) «4» 35- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «5» 36- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97) «6»   (1) آل عمران: 55- 57 مدنية (2) النساء: 172- 173 مدنية (3) المائدة: 8- 10 مدنية (4) التوبة: 120- 121 مدنية (5) هود: 9- 11 مكية (6) النحل: 96- 97 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3017 37- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) «1» 38- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) «2» 39- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) «3» 40- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «4» 41- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) «5» 42- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «6» 43- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «7» 44- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «8»   (1) الإسراء: 9- 10 مكية (2) الكهف: 1- 2 مكية (3) الكهف: 29- 31 مكية (4) طه: 82 مكية (5) الحج: 49- 50 مكية (6) الشعراء: 224- 227 مكية (7) النمل: 17- 19 مكية (8) القصص: 65- 67 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3018 45- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) «1» 46- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) «2» 47- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «3» 48- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «4» 49- فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) «5» 50- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) «6» 51- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «7» 52- الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «8» 53- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) » 54- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «10» 55- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ   (1) القصص: 80 مكية (2) الروم: 14- 15 مكية (3) الروم: 44- 45 مكية (4) لقمان: 14- 15 مكية (5) السجدة: 17- 19 مكية (6) الأحزاب: 70- 71 مدنية (7) سبأ: 3- 4 مكية (8) فاطر: 7 مكية (9) فصّلت: 8 مكية (10) الشورى: 25- 26 (25 مدنية، 26 مكية) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3019 فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «1» 56- فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (19) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) «2» 57- وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) «3» اطلاع الله على العمل الصالح: 58- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «4» 59- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) «5» 60- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «6» 61- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) «7»   (1) الفتح: 29 مدنية (2) الانشقاق: 16- 25 مكية (3) التين: 1- 8 مكية (4) البقرة: 110 مدنية (5) النساء: 128 مدنية (6) المائدة: 93 مدنية (7) هود: 112 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3020 62- إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94) «1» 63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) «2» 64- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «3» 65- فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «4» اطلاع الله وعدم غفلته عن العمل الفاسد: 66- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) «5» آيات تدل على العمل الصالح: 67- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «6» 68- إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) «7»   (1) الأنبياء: 92- 94 مكية (2) المجادلة: 11 مدنية (3) الحشر: 18 مدنية (4) التغابن: 8- 9 مدنية (5) البقرة: 72- 74 مدنية (6) هود: 7 مكية (7) الكهف: 7 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3021 69- بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) «1» العمل الدنيوي: 70- * إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «2» 71- أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) «3» 72- * وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) «4» 73- وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) «5» أمر بالعمل للملائكة والرسل والناس أجمعين: 74- وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) «6» 75- وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) «7»   (1) الملك: 1- 2 مكية (2) التوبة: 60 مدنية (3) الكهف: 79 مكية (4) سبأ: 10- 13 مكية (5) يس: 33- 35 مكية (6) التوبة: 105 مدنية (7) هود: 121- 123 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3022 76- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) «1» 77- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) «2» 78- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «3» 79- * وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «4» 80- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) «5» حقيقة عمل الكافرين: 81- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39) «6»   (1) الأنبياء: 25- 27 مكية (2) المؤمنون: 51 مكية (3) النمل: 17- 19 مكية (4) يس: 21- 24 مكية (5) الزمر: 39 مكية (6) النور: 36- 39 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3023 الطاعة تكون سببا في صلاح العمل: 82- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «1» 83- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) «2» 84- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) «3» 85- * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) » 86- وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «5»   (1) النور: 52- 55 مدنية (2) الفرقان: 68- 71 (68- 70 مدنية، 71 مكية (3) العنكبوت: 7- 9 مكية (4) الزمر: 32- 35 مدنية (5) العصر: 1- 3 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3024 العمل الصالح يكفر العمل الفاسد: 87- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «1» 88- إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) «2» الجزاء من جنس العمل: 89- قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141) «3» 90- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «4» 91- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «5» 92- وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) «6» 93- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) «7»   (1) طه: 82 مكية (2) الفرقان: 70- 71 مكية (3) البقرة: 139- 141 مدنية (4) البقرة: 277 مدنية (5) آل عمران: 30 مدنية (6) الانعام: 132- 135 مكية (7) يونس: 3- 4 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3025 94- * يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) «1» 95- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) «2» 96- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «3» 97- وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70) «4» 98- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «5» 99- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «6» 100- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «7» 101- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «8» 102- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) «9» 103- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) «10» 104- وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (19) «11»   (1) النحل: 111 مكية (2) الأحزاب: 30- 31 مدنية (3) فاطر: 10 مكية (4) الزمر: 69- 70 مكية (5) غافر: 40 مكية (6) غافر: 58 مكية (7) فصلت: 46 مكية (8) الجاثية: 15 مكية (9) الجاثية: 21 مكية (10) الجاثية: 27- 30 مكية (11) الاحقاف: 19 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3026 105- فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) «1» 106- إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) «2» الكفر يكون سببا في إضلال العمل: 107- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) «3» أهل العمل الصالح هم أفضل الناس: 108- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) «4» 109- وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58)   (1) الطور: 11- 21 مكية (2) الزلزلة: 1- 8 مدنية (3) محمد: 1- 6 مدنية (4) مريم: 96 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3027 إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61) «1» 110- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «2» 111- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «3» 112- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «4» حسرة الكافرين على العمل الصالح بعد فوات الأوان: 113- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) «5» 114- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «6» الآيات الواردة في (مسؤولية العمل) 115- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) «7» 116- قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ   (1) الصافات: 57- 61 مكية (2) ص: 27- 28 مكية (3) فصلت: 33 مكية (4) البينة: 7- 8 مدنية (5) المؤمنون: 99- 100 مكية (6) فاطر: 36- 37 مكية (7) البقرة: 133- 134 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3028 رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) «1» 117- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) » 118- * وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) «3» 119- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «4» 120- وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «5» 121- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) «6» 122- * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «7» 123- * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ   (1) البقرة: 144 مدنية (2) البقرة: 149 مدنية (3) البقرة: 233- 234 مدنية (4) البقرة: 236- 237 (5) البقرة: 265 مدنية (6) البقرة: 271 مدنية (7) البقرة: 283 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3029 لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) «1» 124- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) «2» 125- أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (163) «3» 126- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) «4» 127- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «5» 128- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) «6» 129- وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) «7» 130- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) «8»   (1) آل عمران: 153 مدنية (2) آل عمران: 156 مدنية (3) آل عمران: 162- 163 مدنية (4) آل عمران: 180 مدنية (5) النساء: 94 مدنية (6) المائدة: 105 مدنية (7) الأنعام: 60 مكية (8) الأعراف: 128- 129 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3030 131- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) «1» 132- قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) «2» 133- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) «3» 134- وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61) «4» 135- وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (82) «5» 136- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «6»   (1) الأنفال: 72 مدنية (2) التوبة: 14- 16 مدنية (3) التوبة: 100- 102 مدنية (4) يونس: 61 مكية (5) الأنبياء: 82 مكية (6) النمل: 93 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3031 137- وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «1» 138- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) «2» 139- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) «3» 140- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) «4» 141- فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) «5» 142- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) «6» 143- * قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «7» 144- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «8» 145- هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) «9» 146- وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) «10» 147- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «11»   (1) القصص: 55 مكية (2) لقمان: 29 مكية (3) الأحزاب: 1- 2 مدنية (4) الأحزاب: 9 مدنية (5) يس: 54 مكية (6) يس: 71- 73 مكية (7) الحجرات: 14 مدنية (8) الحجرات: 18 مدنية (9) الحديد: 4 مدنية (10) الحديد: 10 مدنية (11) الحشر: 18 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3032 148- لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) «1» 149- قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) » 150- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «3» 151- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) «4»   (1) الممتحنة: 3 مدنية (2) النمل: 8 مدنية (3) المنافقون: 10- 11 مدنية (4) التغابن: 2 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3033 الأحاديث الواردة في (العمل) 1- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد. فقال: يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟. قال: «أسلم ثمّ قاتل» . فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عمل قليلا وأجر كثيرا» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أربعون خصلة، أعلاهنّ منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله الله بها الجنّة» ) * «2» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الهجرة. فقال: «ويحك إنّ شأنها شديد، فهل لك من إبل تؤدّي صدقتها؟» . قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار، فإنّ الله لن يترك «3» من عملك شيئا» ) * «4» . 4- * (عن خارجة بن زيد بن ثابت: أنّ أمّ العلاء- امرأة من الأنصار- بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبرته أنّهم اقتسموا المهاجرين قرعة، قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون وأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الّذي توفّي فيه، فلمّا توفّي غسّل وكفّن في أثوابه، دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وما يدريك أنّ الله أكرمه؟» فقلت: بأبي أنت يا رسول الله! فمتى يكرمه الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هو فو الله لقد جاءه اليقين، والله، إنّي لأرجو له الخير، ووالله! ما أدري- وأنا رسول الله- ماذا يفعل بي؟» . فقالت: والله لا أزكّى بعده أحدا أبدا. وفي رواية: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أدري ما يفعل به» . قالت: وأحزنني فنمت، فرأيت لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ذلك عمله» ) * «5» . 5- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (هود/ 114) . قال الرّجل: ألي هذه؟. قال: «لمن عمل بها من أمّتي» ) * «6» . 6- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بعمل يدخلني الجنّة. قال: «ماله ماله» . وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:   (1) البخاري- الفتح 6 (2808) . (2) البخاري- الفتح 5 (2631) . (3) يترك: أي ينقصك. (4) البخاري- الفتح 3 (1452) واللفظ له وقد ذكر أيضا برقم (2633) ، ومسلم (1865) . (5) البخاري- الفتح 12 (7003، 7004) . (6) البخاري- الفتح 8 (4687) وقد ورد هذا الحديث مطولا في باب الخوف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3034 «أرب ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل الرّحم» ) * «1» . 7- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه-: أنّ رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا» . فاتّبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشدّ النّاس على المشركين حتّى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتّى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرّجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسرعا فقال: أشهد أنّك رسول الله، فقال: «وما ذاك؟» . قال: قلت لفلان: من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إليه، وكان أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنّه لا يموت على ذلك، فلمّا جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، عند ذلك: «إنّ العبد ليعمل عمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» ) * «2» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر. كبّر ثلاثا، ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين، وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى. اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر، والخليفة في الأهل. اللهمّ إنّى أعوذ بك من وعثاء السّفر، وكابة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل. وإذا رجع قالهنّ، وزاد فيهنّ: آيبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون» ) * «3» . 9- * (عن مسلم بن يسار الجهنيّ، أنّ عمر ابن الخطّاب سئل عن هذه الاية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ (الأعراف/ 172) قال: قرأ القعنبيّ الاية، فقال عمر: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عنها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- خلق آدم، ثمّ مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرّيّة، فقال: خلقت هؤلاء للجنّة، وبعمل أهل الجنّة يعملون، ثمّ مسح ظهره فاستخرج منه ذرّيّة، فقال: خلقت هؤلاء للنّار، وبعمل أهل النّار يعملون» فقال رجل: يا رسول الله! ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتّى يموت على عمل من أعمال أهل الجنّة فيدخله به الجنّة، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النّار حتّى يموت على عمل من أعمال أهل النّار فيدخله به النّار» ) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 3 (1396) واللفظ له، ومسلم (14) . (2) البخاري- الفتح 11 (6607) واللفظ له، ومسلم (112) . (3) مسلم (1342) . (4) رواه أبو داود في سننه (4703) واللفظ له. سنن الترمذي 5 (3075) وقال: الترمذي: حديث حسن، والبغوي في شرح السنة (1/ 139) وقال محققه: حديث صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3035 قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» . قالوا: لا يا رسول الله! قال: «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» .... الحديث، وفيه: «فيأتيهم الله تعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا فيتّبعونه. ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم «1» . فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز «2» . ولا يتكلّم يومئذ إلّا الرّسل. ودعوى الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «3» هل رأيتم السّعدان؟» . قالوا: نعم. يا رسول الله. قال: «فإنّها مثل شوك السّعدان. غير أنّه لا يعلم ما قدر عظمها إلّا الله. تخطف النّاس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله. ومنهم المجازى حتّى ينجّى» ... الحديث» ) * «4» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال! حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإنّي سمعت دفّ نعليك «5» بين يديّ في الجنّة» . قال: ما عملت عملا أرجى عندي أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطّهور ما كتب لي أن أصلّي» ) * «6» . 12- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: أنّ معاذ بن جبل- رضي الله عنه- كان يصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصّلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوّز رجل فصلّى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا. فقال: إنّه منافق، فبلغ ذلك الرّجل، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوّزت، فزعم أنّي منافق. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معاذ، أفتّان أنت؟ (ثلاثا) اقرأ: والشّمس وضحاها وسبّح اسم ربّك الأعلى ونحوهما» ) * «7» . 13- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أفضل؟. قال: «عليك بالصّوم فإنّه لا عدل له» ) * «8» . 14- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه قال: فأمّا الثّلاث الّذي أقسم عليهنّ: فإنّه ما نقص مال عبد   (1) ويضرب الصراط بين ظهري جهنم: أي يمد الصراط عليها. (2) فأكون أنا وأمتي أول من يجيز: معناها يكون أول من يمضي عليه ويقطعه. (3) وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان: الكلاليب جمع كلوب وكلاب وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور، وأما السعدان فهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب. (4) البخاري- الفتح 13 (7437) ، ومسلم (182) واللفظ له. (5) دفّ نعليك أي تحريكهما. (6) البخاري- الفتح 3 (1149) . (7) البخاري- الفتح 10 (6106) واللفظ له، ومسلم (465) (8) النسائي (4/ 165) وهذا لفظه، قال محقق جامع الأصول (9/ 456) : إسناده صحيح، كما أخرجه ابن خزيمة (3/ 1893) وهو في الصحيحة للألباني (1937) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3036 صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه، فإنّه قال: «إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه ويصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: «فهذا بأفضل المنازل» . قال: «وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا. قال: فهو يقول: لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال: «فأجرهما سواء» ، قال: «وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقّه، فهذا بأخبث المنازل. قال: «وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان» قال: «هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «1» . 15- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قام فيهم فذكر لهم أنّ الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال. فقام رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفّر عنّي خطاياي؟. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم. إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف قلت؟» . قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم. وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلّا الدّين. فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك» ) * «2» . 16- * (عن مسروق قال: سألت عائشة- رضي الله عنها- أيّ العمل كان أحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟. قالت: الدّائم. قلت: متى كان يقوم؟. قالت: يقوم إذا سمع الصّارخ» ) * «3» . 17- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أنبّئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم. وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذّهب والورق، ومن أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» . قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ذكر الله» ) * «4» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكلّ سيّئة يعملها تكتب له بمثلها» ) * «5» . 19- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله» .   (1) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح. أحمد (4/ 231) واللفظ له رقم (18054) وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 61) . رقم (3021) وعزاه لأحمد. (2) مسلم (1885) . (3) البخاري- الفتح 3 (1132) . (4) الترمذي (3377) ، وابن ماجه (2/ 3790) واللفظ له وصححه الألباني: صحيح ابن ماجه (3057) . وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 514) : وهو حديث صحيح. (5) البخاري- الفتح 1 (42) واللفظ له، ومسلم (129) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3037 فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفّقه لعمل صالح قبل الموت» ) * «1» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة، إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «2» . 21- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» ) * «3» . 22- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليدع العمل وهو يحبّ أن يعمل به خشية أن يعمل به النّاس فيفرض عليهم، وما سبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبحة الضّحى قطّ، وإنّي لأسبّحها) * «4» . 23- * (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال هذه داري، وهذا عملي، فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟. وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا، فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام، فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا جهنّم «5» ، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلّى وصام؟ قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي   (1) أخرجه الترمذي (2142) وقال: هذا حديث صحيح، والبغوي في شرح السنة (14/ 290) وقال محققه: إسناده صحيح. (2) مسلم (1631) . (3) البخاري- الفتح 6 (2996) . (4) البخاري- الفتح 3 (1128) . (5) جثا جهنم: الجماعة المحكوم عليهم بالنار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3038 سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «1» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) *» . 25- * (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تدنى الشّمس، يوم القيامة من الخلق حتّى تكون منهم كمقدار ميل. قال: فيكون النّاس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه «3» . ومنهم من يلجمه العرق إلجاما» . قال: وأشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فيه) * «4» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لكلّ عمل شرّة «5» ولكلّ شرّة فترة «6» فإن كان صاحبها سدّد وقارب فارجوه وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدّوه» ) * «7» . 27- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما الأعمال بالنّيّة، وإنّما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» ) * «8» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والوصال «9» » قالوا: فإنّك تواصل يا رسول الله. قال: «إنّكم لستم في ذلك مثلي، إنّى أبيت يطعمني ربّي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون» ) * «10» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال فتنا «11» كقطع اللّيل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا» ) * «12» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال ستّا: طلوع الشّمس من مغربها، أو الدّخان، أو الدّجّال، أو الدّابّة، أو خاصّة أحدكم، أو أمر العامّة» ) * «13» . 31- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل. فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل. فانطبقت   (1) الترمذي (2863) وهذا لفظه وقال: حديث حسن صحيح. ابن خزيمة (3/ 195، 196) . ابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) . (2) مسلم (2564) . (3) الحقوان مثني حقو وهو معقد الإزار. (4) مسلم (2864) . (5) الشرّة: أي النشاط والرغبة. (6) الفترة: الانكسار والضعف. (7) الترمذي (2453) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 314) : إسناده حسن. (8) البخاري- الفتح 11 (6689) واللفظ له، ومسلم (1907) . (9) الوصال: هو صوم يومين فصاعدا من غير أكل وشرب بينهما. (10) البخاري- الفتح 4 (1966) ، ومسلم (1103) . واللفظ له. (11) بادروا بالأعمال فتنا: فيه الحث علي المبادرة بالأعمال الصالحة قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن المتكاثرة الشاغلة. (12) مسلم (118) . (13) مسلم (2947) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3039 عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعلّ الله يفرجها عنكم ... الحديث) * «1» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحبّ أن يعرض عملي وأنا صائم» ) * «2» . 33- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا. قالوا: تذكّر. قال: كنت أداين النّاس فامر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوّزوا عن الموسر. قال: قال الله- عزّ وجلّ: تجوّزوا عنه» ) * «3» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدّقون. قال: «ألا أحدّثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلّا من عمل مثله: تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين» . فاختلفنا بيننا. فقال بعضنا: نسبّح ثلاثا وثلاثين. ونحمد ثلاثا وثلاثين. ونكبّر أربعا وثلاثين. فرجعت إليه، فقال: «تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «4» . 35- * (عن جرير بن عبد الله قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار. قال: فجاءه قوم عراة مجتابي النّمار «5» أو العباء «6» متقلّدي السّيوف. عامّتهم من مضر. بل كلّهم من مضر. فتمعّر «7» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثمّ خرج. فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلّى ثمّ خطب فقال يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الاية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً والاية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) . تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها. بل قد عجزت. قال: ثمّ تتابع   (1) البخاري- الفتح 10 (5974) ، ومسلم (2743) واللفظ له. (2) الترمذي (747) وصححه الألباني، صحيح الترمذي (596) . وهو بنحوه عند مسلم رقم (2565) وأبي داود رقم (4916) ومالك في «الموطأ» (2/ 908) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. (3) البخاري- الفتح 4 (2077) ، ومسلم (1560) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 2 (843) واللفظ له، ومسلم (595) . (5) النمار: هي ثياب صوف مخططة من مازر الأعراب. (6) العباء: جمع عباءة وعباية. نوع من الأكسية. (7) فتمعّر: أي تغير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3040 النّاس. حتّى رأيت كومين «1» من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل «2» . كأنّه مذهبة «3» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده. من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «4» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ خير الكسب كسب يدي عامل إذا نصح» ) * «5» . 37- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «سدّدوا وقاربوا، واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنّة، وأنّ أحبّ الأعمال أدومها إلى الله وإن قلّ» ) * «6» . 38- * (عن ركب المصريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذلّ في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية ورحم أهل الذّلّ والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن النّاس شرّه. طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله» ) * «7» . 39- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدّق» . قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: «فيعين ذا الحاجة الملهوف» . قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: «فيأمر بالخير» . أو قال: «بالمعروف» . قال: فإن لم يفعل؟. قال: «فليمسك عن الشّرّ، فإنّه له صدقة» ) * «8» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: إذا همّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة. فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف. وإذا همّ بسيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيّئة واحدة» ) * «9» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: كلّ   (1) الكوم: المكان المرتفع كالرابية. (2) يتهلّل: أي يستنير فرحا وسرورا. (3) مذهبة: جمعها مذاهب- وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض. (4) مسلم (1017) . (5) مسند أحمد (2/ 357، 358) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقد أورده السيوطي في الجامع الصغير (4527) وحسنه الشيخ الألباني (3278) . (6) البخاري- الفتح 11 (6464) واللفظ له، ومسلم (782) . (7) الترغيب والترهيب (3/ 558) وقال: رواه الطبراني ورواته الى نصيح ثقات وقد حسن هذا الحديث أبو عمر النمري. وركب مختلف في صحبته. (8) البخاري- الفتح 10 (6022) واللفظ له، ومسلم (1008) . (9) مسلم (128) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3041 عمل ابن آدم له إلّا الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به. والصّيام جنّة «1» وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث «2» ولا يصخب «3» ، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: إنّي امرؤ صائم، والّذي نفس محمّد بيده لخلوف «4» فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصّائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربّه فرح بصومه» ) *» . 42- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟. قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» . قال: قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها «6» وأكثرها ثمنا» . قال: قلت: فإن لم أفعل؟. قال: «تعين صانعا أو تصنع لاخرق «7» » قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك» ) * «8» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! إنّي إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني: فأنبئني عن كلّ شيء. قال: «كلّ شيء خلق من ماء» . قال: قلت: أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنّة؟ قال: «أفش السّلام، وأطعم الطّعام، وصل الأرحام، وقم باللّيل والنّاس نيام، ثمّ ادخل الجنّة بسلام» ) * «9» . 44- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت الرّجل يعمل العمل من الخير ويحمده النّاس عليه؟. قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» ) * «10» . 45- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمّه أعجميّة، فنلت منها، فذكرني إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال لي: «أساببت فلانا؟» . قلت: نعم. قال: «أفنلت من أمّه؟» قلت: نعم. قال: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة» . قلت: على حين ساعتى هذه من كبر السّنّ؟. قال: «نعم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا يكلّفه من العمل ما يغلبه، فإن كلّفه ما يغلبه فليعنه عليه» ) * «11» . 46- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة، أفأتصدّق بثلثي مالي؟. قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟. فقال: «لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير-   (1) جنّة: سترة ووقاية ومانع من الاثام. (2) الرفث: السخف وفاحش الكلام. (3) الصخب: الصياح. (4) لخلوف: الخلوف تغير رائحة الفم. (5) البخاري- الفتح 4 (1903) واللفظ له، مسلم (1151) . (6) أنفسها عند أهلها: أي أرفعها وأجودها. (7) تصنع لاخرق: الاخرق هو الذي ليس بصانع. يقال: رجل أخرق وامرأة خرقاء لمن لا صنعة له. (8) البخاري- الفتح 5 (2518) ، ومسلم (84) واللفظ له. (9) الحاكم (4/ 160) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي. (10) مسلم (2642) . (11) البخاري- الفتح 10 (6050) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3042 إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس «1» ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» . فقلت: يا رسول الله، أخلّف بعد أصحابي؟. قال: «إنّك لن تخلّف «2» فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون. اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة» يرثي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة) * «3» . 47- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصير وكان يحجّره «4» من اللّيل فيصلّي فيه. فجعل النّاس يصلّون بصلاته، ويبسطه بالنّهار، فثابوا «5» ذات ليلة. فقال: «يا أيّها النّاس عليكم من الأعمال ما تطيقون «6» فإنّ الله لا يملّ حتّى تملّوا. وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما دووم عليه «7» وإن قلّ» . وكان آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم إذا عملوا عملا أثبتوه «8» » ) * «9» . 48- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير. فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت. ثمّ قال: ألا أدلّك على أبواب الخير؟ الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) ، ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» . قلت: بلى يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ... الحديث) * «10» . 49- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل: ليتني أوتيت   (1) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم إليهم. (2) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه. (3) البخاري- الفتح 3 (1295) واللفظ له، ومسلم (1628) . (4) يحجره: أي يتخذه حجرة. (5) فثابوا: أي اجتمعوا وقيل: رجعوا للصلاة. (6) ما تطيقون: أي تطيقون الدوام عليه، بلا ضرر. (7) ما دووم عليه: فيه الحث على المداومة على العمل، وإن قليله الدائم خير من كثيره المتقطع. (8) أثبتوه: أي لازموه وداوموا عليه. (9) مسلم (782) ، وهو عند البخاري بغير هذا اللفظ (6464) . (10) الترمذي (2616) وقال: حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في المسند (5/ 231) ، وابن ماجه في سننه (3973) وهو حديث صحيح بطرقه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3043 مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» ) * «1» . 50- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لن ينجي أحدا منكم عمله» . قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟. قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني الله برحمة. سدّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدّلجة، والقصد القصد تبلغوا» ) * «2» . 51- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من عمل يوم إلّا وهو يختم عليه، فإذا مرض المؤمن، قالت الملائكة: يا ربّنا عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرّبّ- عزّ وجلّ- اختموا له على مثل عمله حتّى يبرأ أو يموت» ) * «3» . 52- * (عن المقدام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود- عليه السّلام- كان يأكل من عمل يده» ) * «4» . 53- * (عن المقدام بن معد يكرب الزّبيديّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما كسب الرّجل كسبا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرّجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة» ) * «5» . 54- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما منكم من أحد إلّا سيكلّمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلّا ما قدّم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلّا ما قدّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلّا النّار تلقاء وجهه، فاتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة» ) * «6» . 55- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: مثل المسلمين واليهود والنّصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى اللّيل على أجر معلوم، فعملوا له نصف النّهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الّذي شرطت لنا، وما عملنا باطل. فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقيّة عملكم وخذوا أجركم كاملا، فأبوا وتركوا. واستأجر آخرين بعدهم. فقال: أكملوا بقيّة يومكم هذا ولكم الّذي شرطت لهم من الأجر. فعملوا حتّى إذا كان حين صلاة العصر. قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الّذي جعلت لنا فيه. فقال لهم: أكملوا بقيّة عملكم فإنّ ما بقي من النّهار شيء يسير، فأبوا. فاستأجر قوما أن يعملوا له بقيّة يومهم، فعملوا بقيّة يومهم حتّى غابت الشّمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النّور» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 9 (5026) واللفظ له، ومسلم (815) . (2) البخاري- الفتح 11 (6463) واللفظ له، مسلم (2816) . (3) أخرجه أحمد (4/ 146) واللفظ له والبغوي في شرح السنة (5/ 240) وقال محققه: إسناده صحيح. (4) البخاري- الفتح 4 (2072) . (5) أخرجه ابن ماجة في سننه (2138) ، وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (1739) . (6) البخاري- الفتح 13 (7512) واللفظ له، ومسلم (1016) . (7) البخاري- الفتح 4 (2271) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3044 56- * (عن عدىّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا «1» فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة» . قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأنّي أنظر إليه. فقال: يا رسول الله! اقبل عنّي عملك. قال: «ومالك؟» . قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: «وأنا أقوله الان. من استعملناه منكم على عمل فليجىء بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذ. وما نهي عنه انتهى» ) * «2» . 57- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا. وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس. وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما. ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «3» . 58- * (عن أبي فاطمة أنّه قال: يا رسول الله: حدّثني بعمل أستقيم عليه وأعمله. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك بالهجرة، فإنّه لا مثل لها» ) * «4» . 59- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما روى عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا، يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنّما هي أعمالكم أحصاها لكم. ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «5» . 60- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتبع الميّت ثلاثة، فيرجع   (1) المخيط: الإبرة. (2) مسلم (1833) . (3) الترمذي (2305) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1876) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 687) : وهو حديث حسن. (4) النسائي (7/ 145) واللفظ له وصحيح سنن النسائي (3885) وقال محقق جامع الأصول (11/ 605) إسناده حسن. (5) مسلم (2577) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3045 اثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» ) * «1» . الأحاديث الواردة في (العمل) معنى 61- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أطيب ما أكل الرّجل من كسبه وإنّ ولده من كسبه» ) * «2» . 62- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثمّ خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثّرى «3» من العطش فقال الرّجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ منّي، فنزل البئر فملأ خفّه ماء ثمّ أمسكه بفيه حتّى رقي فسقى الكلب فشكر الله له، فغفر له» . قالوا: يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: «في كلّ ذات كبد رطبة أجر» ) *» . 63- * (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأن يأخذ أحدكم أحبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع فيكفّ الله بها وجهه، خير من أن يسأل النّاس أعطي أم منع» ) * «5» . 64- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدّق به ويستغني به من النّاس، خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك فإنّ اليد العليا أفضل من اليد السّفلى، وابدأ بمن تعول» ) * «6» . 65- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلّا كان له به صدقة» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6514) ، ومسلم (2960) واللفظ له. (2) أخرجه أبو داود (3528) ، والترمذي رقم (13580) وابن ماجة في سننه (2137) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (9/ 329) وقال محققه: إسناده صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 570) : وهو حديث صحيح. (3) الثّرى: التّراب النّديّ. (4) مسلم (2244) . (5) البخاري- الفتح 5 (7332) . (6) البخاري- الفتح 3 (1470- 1480) ، ومسلم (1042) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 5 (2320) ، ومسلم (1553) متفق عليه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3046 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العمل) 66- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له، إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا ويغزو معنا ويواسينا بالقليل والكثير وإنّ ناسا يعلموني به عسى ألايكون أحدهم رآه قطّ) * «1» . 67- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية «2» عرضت في الخندق، فقال: «أنا نازل» . ثمّ قام وبطنه معصوب «3» بحجر، ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا. فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا «4» أهيل «5» أو أهيم. فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر. فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق «6» وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة «7» . ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر «8» والبرمة بين الأثافيّ «9» قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال: «كم هو؟» . فذكرت له. فقال: «كثير طيّب» . قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي» . فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار. فلمّا دخل على امرأته قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة «10» والتّنّور إذا أخذ منه ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال: «كلي هذا وأهدي، فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» ) * «11» . 68- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم- أو ليصلّي- حتّى ترم قدماه- أو ساقاه- فيقال له فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وفي رواية: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبدا شكورا) * «12» . 69- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه-   (1) أحمد في المسند (1/ 69، 70) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (2) الكدية: القطعة الشديدة الصلبة من الأرض. (3) معصوب: مربوط. (4) كثيبا: رملا. (5) أهيل: غير متماسك. (6) العناق: أنثى الماعز. (7) البرمة: القدر (وعاء يطبخ فيه الطعام) . (8) انكسر العجين أي لان ورطب والمراد أن الخميرة تمكنت منه. (9) الأثافي: الحجارة التي توضع عليها القدور. (10) يخمر البرمة: أي يغطيها. (11) البخاري- الفتح 7 (4101) واللفظ له ومسلم (2039) . (12) البخاري- الفتح 3 (1130) ، 8 (4837) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3047 قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شهر رمضان في حرّ شديد حتّى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ، وما فينا صائم إلّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله ابن رواحة» ) * «1» . 70- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء. قيل له: وما هممت؟. قال: هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 71- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينقل التّراب يوم الخندق حتّى أغمر بطنه أو اغبرّ بطنه، يقول: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ويرفع بها صوته: أبينا. أبينا) * «3» . 72- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره «4» وأحيا ليله «5» وأيقظ أهله) * «6» . 73- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بعث الله نبيّا إلّا رعى الغنم» . فقال أصحابه: وأنت؟. فقال: «نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة» ) * «7» . 74- * (عن عائشة- رضي الله عنها- وقد سئلت عمّا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة» ) * «8» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العمل) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «لا يغرركم من قرأ القرآن إنّما هو كلام نتكلّم به ولكن انظروا من يعمل به» ) * «9» . 2- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- «ارتحلت الدّنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل» ) * «10» . 3- * (وعنه- رضي الله عنه- قال: «يا حملة العلم، اعملوا به، فإنّما العالم من عمل» ) * «11» . 4- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «إنّي لا أعلم عملا أقرب إلى الله- عزّ وجلّ- من برّ   (1) البخاري- الفتح 4 (1945) ، ومسلم (1122) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 3 (1135) واللفظ له، ومسلم (772) . (3) البخاري- الفتح 7 (4104) واللفظ له، ومسلم (1803) . (4) شد مئزره: أي استعد للعبادة وشمر لها، وقيل: اعتزل النساء. (5) أحيا ليله: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر. (6) البخاري- الفتح 4 (2024) واللفظ له، ومسلم (1174) . (7) البخاري- الفتح 4 (2262) . (8) البخاري- الفتح 10 (6039) . (9) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (71) . (10) البخاري- الفتح (11/ 239) . (11) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (22) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3048 الوالدة» ) * «1» . 5- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: «إنّما أخاف أن يكون أوّل ما يسألني عنه ربّى أن يقول: قد علمت فما عملت فيما علمت؟» ) * «2» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «إذا أعجبك حسن عمل امرىء فقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ولا يستخفّنّك أحد» ) * «3» . 7- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «تعلّموا فمن علم فليعمل» ) * «4» . 8- * (عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ قال: قال لي عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- «هل تدري ما قال أبي لأبيك؟» . قال: قلت: لا. قال: «فإنّ أبي قال لأبيك: يا أبا موسى! هل يسرّك إسلامنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كلّه معه برد لنا، وأنّ كلّ عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا برأس؟ فقال أبي: لا والله، قد جاهدنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنّا لنرجو ذلك، فقال أبي: لكنّي أنا والّذي نفس عمر بيده لوددت أنّ ذلك برد لنا وأنّ كلّ شيء عملناه بعد نجونا منه كفافا رأسا برأس. فقلت: إنّ أباك والله خير من أبي» ) * «5» . 9- * (عن ابن السّاعدىّ المالكيّ، أنّه قال: «استعملني» عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- على الصّدقة. فلمّا فرغت منها، وأدّيتها إليه، أمر لي بعمالة «7» ، فقلت: إنّما عملت لله، وأجري على الله. فقال: خذ ما أعطيت فإنّي عملت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعمّلني «8» . فقلت مثل قولك» . فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدّق» ) * «9» . 10- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: «ليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي ولكن ما وقر في القلوب، وصدّقته الأعمال، من قال حسنا، وعمل غير صالح، ردّه الله على قوله: ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه العمل، وذلك بأنّ الله تعالى يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (فاطر/ 10)) * «10» . 11- * (وعنه أيضا: «يتوسّد المؤمن ما قدّم من عمله في قبره إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، فاغتنموا المبادرة رحمكم الله في المهلة» ) * «11» . 12- * (قال الزّهريّ- رحمه الله-: «لا يرضينّ النّاس قول عالم لا يعمل ولا عامل لا يعلم) * «12» .   (1) فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (1/ 36) . وقال: أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» وهو في «مشكاة المصابيح» كما في «الأدب المفرد» رقم (4) ص (15) بتخريج محمد فؤاد عبد الباقي. (2) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (41) . (3) البخاري- الفتح (13/ 512) . (4) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (24) . (5) البخاري- الفتح 7 (3915) . (6) استعملني: أي جعلني عاملا على الصدقة، أي على أخذها وجمعها. (7) بعمالة: أجرة عمل. (8) فعملني: أي أعطاني عمالتي وأجرة عملي. (9) مسلم (1045) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق» . (10) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (43) . (11) المرجع السابق (97) . (12) المرجع السابق (25) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3049 13- * (كانت حفصة بنت سيرين تقول: يا معشر الشّباب، اعملوا فإنّما العمل في الشّباب) * «1» 14- * (قال مالك بن دينار- رحمه الله-: «إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره، وإذا طلبه لغير العمل زاده فخرا» ) * «2» . 15- * (قال مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير: يا إخوتي، اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنّة، وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف ونحاذر لم نقل: ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الّذي كنّا نعمل، نقول: قد عملنا فلم ينفعنا) * «3» . 16- * (قال يحيى بن معين: وإذا افتقرت إلى الذّخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال ) * «4» . 17- * (قال الفضيل: إنّما نزل القرآن ليعمل به، فاتّخذ النّاس قراءته عملا. قال: قيل: كيف العمل به؟ قال: أي ليحلّوا حلاله، ويحرّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه ويقفوا عند عجائبه) * «5» . 18- * (قال الفضيل بن عياض: لا يزال العالم جاهلا بما علم حتّى يعمل به، فإذا عمل به كان عالما) * «6» . 19- * (وقال: «إنّما يراد من العلم العمل والعلم دليل العمل) » * «7» . 20- * (وقال: «على النّاس أن يتعلّموا فإذا علموا فعليهم العمل» ) * «8» . 21- * (قال الخطيب البغداديّ- رحمه الله-: «إنّي موصيك يا طالب العلم بإخلاص النّيّة في طلبه، وإجهاد النّفس على العمل بموجبه، فإنّ العلم شجرة، والعمل ثمرة، وليس يعدّ عالما من لم يكن بعلمه عاملا» وقيل: العلم والد، والعمل مولود، والعلم مع العمل، والرّواية مع الدّراية» ) * «9» . 22- * (وقال: لا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصّرا في العمل، ولكن اجمع بينهما، وإن قلّ نصيبك منهما» ) * «10» . 23- * (قال أبو عبد الله الرّوذباريّ: «العلم موقوف على العمل، والعمل موقوف على الإخلاص، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله- عزّ وجلّ» ) * «11» 24- * (قال أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الأندلسيّ لنفسه: إذا كنت أعلم علما يقينا ... بأنّ جميع حياتي كساعه   (1) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (109) . (2) المرجع السابق (33) . (3) المرجع السابق (95) . (4) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (99) . (5) المرجع السابق (76) . (6) المرجع السابق (37) . (7) المرجع السابق، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق، والصفحة نفسها (9) المرجع السابق (14) . (10) المرجع السابق، والصفحة نفسها. (11) المرجع السابق (32) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3050 فلم لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة؟ ) * «1» . 25- * (قال بعض الحكماء: «العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يطلب علم، ولولا العلم لم يطلب عمل، ولأن أدع الحقّ جهلا به، أحبّ إليّ من أن أدعه زهدا فيه» ) * «2» . 26- * (قال إبراهيم بن إسماعيل بن مجمّع: «كنّا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به» ) * «3» . 27- * (قال محمّد بن أبي عليّ الأصبهانيّ لبعضهم: اعمل بعلمك تغنم أيّها الرّجل ... لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل والعلم زين وتقوى الله زينته ... والمتّقون لهم في علمهم شغل وحجّة الله ياذا العلم بالغة ... لا المكر ينفع فيها لا ولا الحيل تعلّم العلم واعمل ما استطعت به ... لا يلهينّك عنه اللهو والجدل «4» 28- * (قال أبو الفضل الرّياشيّ: ما من روى علما ولم يعمل به ... فيكفّ عن وتغ «5» الهوى بأديب حتّى يكون بما تعلّم عاملا ... من صالح فيكون غير معيب ولقلّما تجدي إصابة صائب ... أعماله أعمال غير مصيب «6» 29- * (قال محمّد بن عبد الله بن أبان الهيثميّ: إذا العلم لم تعمل به كان حجّة ... عليك ولم تعذر بما أنت حامل فإن كنت قد أبصرت هذا فإنّما ... يصدّق قول المرء ما هو فاعل «7» 30- * (قال إبراهيم بن العبّاس الصّوليّ: اعمل لدار غدا رضوان خازنها ... والجار أحمد والرّحمن بانيها أرض لها ذهب والمسك طينتها ... والزّعفران حشيش نابت فيها «8» من فوائد (العمل) (1) يثمر خشية الله- عزّ وجلّ-. (2) طريق موصل إلى محبّة الله ورضاه. (3) يورث العفّة ويحفظ الكرامة. (4) يهيّء المجتمع الصّالح والفرد الصّالح. (5) سبب سعادة العبد في الدّارين. (6) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (7) صون ماء وجه صاحبه من السّؤال.   (1) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (107) . (2) المرجع السابق (15) . (3) المرجع السابق ((90) . (4) المرجع السابق (38) . (5) الوتغ: الفساد. (6) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (63) . (7) المرجع السابق (55) . (8) الطرائف الأدبية للميمني (126) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3051 عيادة المريض العيادة لغة: مصدر قولهم: عاد المريض يعوده، وهو مأخوذ من مادّة (ع ود) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل تثنية فى الأمر والاخر جنس من الخشب، وإلى المعنى الأوّل ترجع عيادة المريض، يقول ابن فارس، فالمعنى الأوّل: العود وهو تثنية الأمر عودا بعد بدء، نقول: بدأ ثمّ عاد، والعودة المرّة الواحدة، قال: ومن الباب العيادة، وهي أن تعود مريضا، والمعاد: كلّ شيء إليه المصير، والآخرة معاد النّاس «1» . وقال الرّاغب: العود: الرّجوع إلى الشّيء بعد الانصراف عنه إمّا انصرافا بالذّات، أو بالقول والعزيمة، وإعادة الشّيء كالحديث وغيره: تكريره، والعادة اسم لتكرير الفعل والانفعال حتّى يصير ذلك سهلا تعاطيه، والعيد: ما يعاود مرّة بعد أخرى وخصّ في الشّريعة بيوم الفطر ويوم النّحر، ثمّ صار يستعمل في كلّ يوم فيه مسرّة، ومن العود (أيضا) : عيادة المريض «2» ، وقال ابن منظور: العود ثاني البدء، قال الشّاعر: بدأتم فأحسنتم فأثنيت جاهدا ... فإن عدتم أثنيت والعود أحمد الآيات/ الأحاديث/ الاثار 12/ 22/ 13 يقال: عاد إليه يعود عودة وعودا: أي رجع. وفي المثل: والعود أحمد (كما جاء في البيت السّابق) ، وقد عاد له بعد ما كان أعرض عنه، ويقال أيضا عاد إليه وعليه عودا وعيادا، وأعاده (هو) ، وقوله سبحانه اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (الروم/ 11) من ذلك واستعاده إيّاه: سأله إعادته، وتعوّد الشّيء، وعاده، وعاوده، معاودة وعوادا، أي صار عادة له، وقولهم: عاد العليل (المريض) يعوده عودا وعيادة وعيادا زاره. قال أبو ذؤيب: ألا ليت شعري، هل تنظّر خالد ... عيادي على الهجران، أم هو يائس قال ابن جنّي: يجوز أن يكون أراد عيادتي (والوصف من ذلك) رجل عائد من قوم عود وعوّاد، ورجل معود، ونسوة عوائد وعوّد وهنّ اللّاتي يعدن المريض، الواحدة: عائدة، يقال هؤلاء عود فلان وعوّاده مثل زوره وزوّاره، وهم الّذين يعودونه إذا اعتلّ «3» ، وجاء فى حديث فاطمة بنت قيس: «أنّها امرأة يكثر عوّادها» قال ابن الأثير أي زوّارها، وكلّ من أتاك مرّة بعد أخرى فهو عائد، وإن اشتهر ذلك في عيادة المريض حتّى صار كأنّه مختصّ به «4» .   (1) مقاييس اللغة 4/ 180. (2) المفردات للراغب ص 525 بتصرف واختصار. (3) لسان العرب 3/ 319. (4) النهاية لابن الأثير (3/ 317) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3052 المريض لغة: لفظ مريض في اللّغة هو الوصف من قولهم «مرض فلان» أي أصابه المرض، يقال مرض فلان وأمرضه الله، والمرض: السّقم (نقيض الصّحّة) وأصله النّقصان أو الضّعف. يقال: بدن مريض أي ناقص القوّة، وقلب مريض: ناقص الدّين «1» ، والتّمارض أن يري من نفسه المرض وليس به «2» ، وقال الفيروز اباديّ: المرض: إظلام الطّبيعة واضطرابها بعد صفائها واعتدالها، يقال: مرض فهو مرض ومارض ومريض والجمع مراض ومرضى ومراضى، والمرض (بالسّكون) للقلب خاصّة، والمرض بالتّحريك (أي بفتح الميم والرّاء) : الشكّ والنّفاق، والفتور والظّلمة والنّقصان» ، وتأتي صيغة أفعل من ذلك، متعدّية ولازمة، فإن كانت متعدّية كان المعنى هو الجعل أي التّعدية أو مصادفة الشّيء على صفة، ومن ثمّ يكون معنى أمرضه: إمّا جعله مريضا أو صادفه مريضا، والفيصل في تحديد أيّ المعنيين هو السّياق، أمّا إذا كان الفعل لازما، فإنّ معناه: إمّا الصّيرورة كما في قولهم أمرض فلان أي صار ذا مرض «4» ، وقد تفيد الصّيغة معنى الإزالة ومن ثمّ يكون أمرض بمعنى أزال المرض (والمرض هنا بمعنى الشّك) ، وقد فسّر اللّغويّون هذه الصّيغة بلازم معناها فقالوا: وتأتي أمرض بمعنى قارب الإصابة في رأيه وذلك أنّ من أزال الشّكّ عن رأيه فقد قارب أن يكون مصيبا «5» ، وقد استدلّوا على هذا المعنى الأخير بقول الشّاعر: ولكن تحت هذا الشّيب حزم ... إذا ما ظنّ أمرض أو أصابا «6» . وقولهم: أمرض الرّجل يعني: وقع في ماله العاهة. وقولهم: مرّض فلان فلانا، معناه: أقام عليه في مرضه، وداواه ليزول عنه المرض «7» ، وقيل التّمريض: حسن القيام على المريض، وتمريض الأمور: توهينها وعدم إحكامها، وقيل: التّضجيع فيها «8» . وقولهم: رأي مريض، أي فيه انحراف عن الصّواب، قال أبو إسحاق (الزّجّاج) ، يقال المرض والسّقم في البدن والدّين جميعا، كما يقال الصّحّة في   (1) الصحاح (3/ 1106) . (2) هذه المعاني قد يستعمل فيها أيضا لفظ المرض بالتسكين، قال صاحب القاموس: والمرض بالتحريك أو كلاهما ثم ذكر هذه المعاني. انظر: القاموس (843) ط. بيروت. (3) ذكر ذلك في اللسان عن ابن الأعرابي، انظر: لسان العرب (7/ 232) ، وقال الفيروز ابادي في البصائر (4/ 492) وأصل المرض الضّعف، قال: وكلّ من مرض فقد ضعف. (4) نظير ذلك قولهم: أورق الشجر أي صار ذا ورق. (5) انظر في هذا المعنى في الصحاح (3/ 1106) ؛ والقاموس ص 843؛ ولسان العرب (7/ 232) ، وأصل ذلك من قولهم: رأي مريض: بعيد عن الصواب. وأمرض أزال هذا البعد. (6) الصحاح؛ ولسان العرب في الموضعين السابقين. وقد ذكر الفيروز ابادي هذا المعنى ولم يذكر الشاهد. (7) يشير اللغويون بذلك إلى أنّ صيغة فعّل تفيد الإزالة أي إن مرّضه تعني أزال مرضه. (8) الصحاح (3/ 1106) ، ولسان العرب (7/ 233) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3053 البدن والدّين جميعا، والمرض في القلب يصلح لكلّ ما خرج به الإنسان عن الصّحّة في الدّين «1» ، وفي حديث عمرو بن معديكرب «هم شفاء أمراضنا» قال ابن الأثير: أي يأخذون بثأرنا، كأنّهم يشفون مرض القلوب، لا مرض الأجسام «2» . أنواع المرض: قال الفيروز اباديّ: المرض يكون جسمانيّا ويكون نفسانيّا. أمّا الجسمانيّ: فمنه قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ (البقرة/ 184) ، وقوله سبحانه: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ (النور/ 61) . وأمّا النّفسانيّ: فهو عبارة عن الجهل والظّلم والسّجايا الخبيثة كما في قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً (البقرة/ 10) «3» . وقد عبّر بعضهم عن المرض النّفسانيّ بلفظ الرّوحانيّ وقال: هو: عبارة عن الرّذائل كجهل وجبن أو بخل ونفاق وغيرها، سمّيت به لمنعها عن إدراك الفضائل كمنع المرض للبدن عن التّصرّف الكامل، أو لمنعها عن تحصيل الحياة الاخرويّة، أو لميل النّفس به (أي بالمرض الرّوحانيّ) إلى الاعتقادات الرّديئة كما يميل المريض إلى الأشياء المضرّة «4» . لفظ المرض في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: ذكر أهل التّفسير أنّ المرض في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه: أحدها: مرض البدن، ومنه قوله تعالى في البقرة فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ (آية/ 196) . والثّاني: الشّكّ، ومنه قوله تعالى في براءة (التّوبة) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ (آية/ 125) . والثّالث: الفجور، ومنه قوله تعالى في الأحزاب فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ (الاية/ 32) «5» . قال ابن الجوزيّ: وأضاف بعضهم وجها رابعا فقال: المرض الجراح كما في قوله تعالى في النّساء وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ (الاية/ 43) ، وألحقه بعضهم بالقسم الأوّل لأنّ الجراح من جملة الأمراض «6» . عيادة المريض اصطلاحا: العيادة في الاصطلاح: هي الزّيارة والافتقاد (أي التّفقّد) ، أمّا المريض: فهو من اتّصف بالمرض «7» . أمّا المرض اصطلاحا فقد وردت فيه أقوال عديدة منها: 1- قال الجرجانيّ: المرض هو ما يعرض للبدن   (1) لسان العرب (7/ 232) ط. بيروت. (2) النهاية (4/ 319) . (3) بصائر ذوي التمييز (4/ 492) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (303) . (5) قال في البصائر (4/ 492) فسّر المرض هنا بالفجور وبالظّلمة وبالزّنا. (6) نزهة الأعين النواظر (545- 546) . (7) غذاء الألباب (2/ 3) ، وسمّيت بذلك لتكرير الناس لها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3054 فيخرجه عن الاعتدال الخاصّ «1» . 2- وقال المناويّ: المرض: ضعف في القوى يترتّب عليه خلل في الأفعال «2» . 3- وقال ابن الجوزيّ: المرض: إحساس بالمنافي، والصّحّة إحساس بالملائم. وقيل: هو فساد يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال والصّحّة «3» . 4- وقال السّفّارينيّ الحنبليّ: المرض: حالة خارجة عن الطّبع، ضارّة بالفعل، قال: ويعلم من هذا أنّ الالام والأورام (ونحو ذلك) أعراض عن المرض «4» . ونخلص من جملة ما سبق إلى أنّ عيادة المريض تعني في الاصطلاح: أن يزور المرء أخاه ويتفقّده إذا أصابته علّة أو ضعف يخرج به جسمه عن حدّ الاعتدال والصّحّة. وقال ابن حجر: ويلتحق بعيادة المريض تعهّده وتفقّد أحواله والتّلطّف به، وربّما كان ذلك- في العادة- سببا لوجود نشاطه وانتعاش قوّته «5» . حكم عيادة المريض: قال صاحب الاداب الشّرعيّة: تستحبّ عيادة المريض «6» ، ونقل السّفّارينيّ عن ابن حمدان أنّها فرض كفاية، ونقل عن شيخ الإسلام (لعلّه ابن تيميّة) - رحمه الله- قوله: الّذي يقتضيه النّصّ وجوب ذلك، قال: والمراد مرّة (واحدة) ، وقال أبو حفص العكبريّ: السّنّة مرّة وما زاد فنافلة «7» ، ويؤخذ من ذلك أنّ العيادة سنّة وليست فرضا، في المرّة الأولى وأنما فوق ذلك نفل، أمّا دليل من أوجب ذلك فقوله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس تجب للمسلم على أخيه ... » وذكر منها: عيادة المريض «8» . قال السّفّارينيّ: ومن قال بعدم الوجوب أجاب بأنّ هذا الحديث محمول على مزيد التّرغيب في عيادة المريض والاعتناء بها والاهتمام بشأنها «9» . وقد ترجم الإمام أبو عبد الله البخاريّ للباب بقوله: باب وجوب عيادة المريض «10» ، قال ابن حجر: «جزم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة، قال ابن بطّال: يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية، كإطعام الجائع وفكّ الأسير، ويحتمل أن يكون للنّدب، للحثّ على التّواصل والألفة، وجزم الدّاوديّ بالأوّل (أي الاحتمال) فقال: هي فرض يحمله بعض النّاس عن بعض، وقال الجمهور هي في الأصل ندب، وقد تصل إلى الوجوب في حقّ بعض دون بعض، وعن الطّبريّ أنّها تتأكّد في حقّ من ترجى بركته، وتسنّ فيمن يراعى حاله، وتباح في غير ذلك.   (1) التعريفات للجرجاني (22) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 492) ، وعبارته: خروج الطبع من حدّ الاعتدال. (2) التوقيف على مهمات التعاريف (302) . (3) نزهة الأعين النواظر (544) . (4) غذاء الألباب (2/ 3) . (5) فتح الباري (10/ 118) . (6) الاداب الشرعية لابن ملفح (2/ 200) . (7) غذاء الألباب (2/ 3) . (8) ورد الحديث في مسلم (2162) ؛ وانظر أدلة أخرى في المرجع السابق (7) . (9) غذاء الألباب (2/ 7) . (10) انظر هذه الترجمة في فتح الباري (10/ 117) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3055 ونقل النّوويّ: الإجماع على عدم الوجوب يعني على الأعيان «1» » «2» . من يعاد من المرضى؟ جاء في صحيح البخاريّ: «وعودوا المريض ... » «3» . وقد استدلّ بذلك على مشروعيّة العيادة في كلّ مريض رجلا كان أو امرأة أو طفلا، مسلما أو كافرا أيّا كان مرضه. قال ابن حجر: واستثنى بعضهم الأرمد لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو، قال: وهذا الأمر خارجيّ قد يأتي مثله في بقيّة الأمراض كالمغمى عليه، وقد جاء فى عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم: «عادني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من وجع كان بعيني» «4» ، وفى ذلك ردّ على من زعم أنّه لا يعاد منه، وثبوت العيادة فيه يدلّ على ثبوتها فيما هو أشدّ منه «5» ، وقال السّفّارينيّ: تستحبّ العيادة ولو من وجع ضرس أو رمد أو دمّل، وقال بعضهم: هؤلاء الثّلاثة لا يعادون ولا يسمّون مرضى «6» والصّواب خلاف ذلك لضعف ما احتجّ به من قال بذلك وقد اختلف العلماء أيضا في مشروعيّة عيادة المشرك أو المجوسيّ أو الذّمّيّ من ناحية، وعيادة الفاسق أو المبتدع من ناحية ثانية، فأمّا عيادة المشرك والذّمّيّ فقال بعض العلماء: هي جائزة لأنّها نوع برّ في حقّهم وما نهينا عن ذلك «7» . وقال الجيلانيّ: تشرع عيادة المشرك أو الذّمّيّ إذا رجي مصلحته أو دخوله في الإسلام، فأمّا إذا لم يطمع في ذلك فلا «8» . وذهب فريق ثالث إلى تحريم ذلك «9» . والصّواب- كما قال ابن حجر- أنّ ذلك يختلف باختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى، وقال الماورديّ: عيادة الذّمّيّ جائزة والقربة موقوفة على ما يقترن بها (أي بالعيادة) من جوار أو قرابة، والدّليل على ذلك ما رواه أنس عن عيادة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم 1» لليهوديّ «11» . وأنّه عاد عمّه أبا طالب وهو مشرك «12» . أمّا عيادة الفاسق أو المبتدع ومن على شاكلتهما فقال السّفّارينيّ: تحرم   (1) قوله «على الأعيان» أي على أنها فرض عين تجب على الجميع وإلّا فكونها فرض كفاية تجب على بعض دون بعض قد قال به كثير من الفقهاء. (2) فتح الباري (10/ 117) . (3) انظر الحديث رقم (1) . (4) فتح الباري (10/ 118) ، وعبارته في الأدب المفرد «رمدت عيني، فعادني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ، انظر الحديث بتمامه مشروحا في فضل الله الصمد (1/ 628- 629) . (5) فضل الله الصمد 1/ 629؛ وانظر أيضا زاد المعاد (1/ 497) . (6) احتج من قال بعدم مشروعية عيادة هؤلاء بما روي عن أبي هريرة- مرفوعا-: «ثلاثة لا يعاد صاحبهن: الرمد والضرس والدّمّل» ، وقد ذكر ابن الجوزي أن هذا موضوع، وقال السيوطي: ضعيف. (7) انظر هذا الرأي في فضل الله الصمد (1/ 217) . (8) السابق، نفس الصفحة. (9) غذاء الألباب (2/ 8) . (10) فتح الباري (10/ 125) . (11) انظر الحديث رقم (20) . (12) زاد المعاد (1/ 494) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3056 العيادة «1» . وقال الجيلانيّ: الصّحيح الجواز لأنّه مسلم، والعيادة من حقوق المسلمين، وهذا غير حكم المخالطة «2» . أمّا ما رواه أبو داود عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من نهيه عن عيادة مجوس هذه الأمّة، أو ما رواه عن حذيفة- رضي الله عنه- من قوله عليه الصّلاة والسّلام: « ... مجوس هذه الأمّة الّذين يقولون: لا قدر،.. من مرض منهم فلا تعودوهم ... الأثر» «3» ، فذلك محمول على أنّه يخشى على العائد من فساد عقيدة هؤلاء، ومن على شاكلتهم من عوّادهم، وعلى هذا يتأوّل أيضا ما رواه البخاريّ في الأدب المفرد عن عبد الله بن عمرو بن العاص من قوله: «لا تعودوا شرّاب الخمر إذا مرضوا» «4» . ذلك أنّ مجالسهم- ما لم يتوبوا- مظنّة لإفساد مجالسيهم، ومن هنا يكون النّهي متوخّيا إلى درء مفسدة هؤلاء، ولو كان النّفاق أو الفسق ممّا يمنع العيادة لما عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن أبيّ- زعيم المنافقين- في مرضه الّذي مات فيه «5» . آداب عيادة المريض: لعيادة المريض آداب عديدة ينبغي أن تراعى عند زيارته منها: 1- أن يلتزم بالاداب العامّة للزّيارة كأن يدقّ الباب برفق، وألّا يبهم نفسه، وأن يغضّ بصره، وألّا يقابل الباب عند الاستئذان «6» . 2- أن تكون العيادة في وقت ملائم، فلا تكون في وقت الظّهيرة صيفا ولا فى شهر رمضان نهارا، وإنّما تستحبّ بكرة وعشيّة وفي رمضان ليلا «7» . 3- أن تكون العيادة بعد ثلاثة أيّام من المرض «8» ، وقيل: تستحبّ من أوّل المرض «9» ، ورأي الجمهور، عدم التّقيّد بزمن، كما قال الإمام ابن حجر «10» . 4- أن يدنو العائد من المريض ويجلس عند رأسه ويضع يده على جبهته ويسأله عن حاله وعمّا يشتهيه «11» . 5- أن تكون الزّيارة غبّا أي يوما بعد يوم، وربّما اختلف الأمر باختلاف الأحوال سواء بالنّسبة   (1) غذاء الألباب (2/ 8) . (2) فضل الله الصمد (1/ 626) . (3) انظر الأثرين رقم (3) ورقم (4) . (4) انظر الأثر رقم (5) . (5) انظر الحديث رقم (22) . (6) بتصرف واختصار عن فتح الباري (10/ 131) ؛ وإحياء علوم الدين (2/ 209) . (7) غذاء الألباب للسفاريني (2/ 8) ، والاداب الشرعية لابن مفلح (2/ 200) . (8) إحياء علوم الدين (2/ 210) . (9) ذكر السفاريني في غذاء الألباب (2/ 8) احتجاج العلماء لكل الرأين. (10) فتح الباري (10/ 118) . (11) زاد المعاد (1/ 494) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3057 للعائد أو للمريض «1» . فإذا استدعت حالة المريض زيارته يوميّا فلا بأس بذلك خاصّة إذا كان يرتاح لذلك ويهشّ له. 6- ينبغي للعائد ألّا يطيل الجلوس حتّى يضجر المريض، أو يشقّ على أهله، فإذا اقتضت ذلك ضرورة فلا بأس «2» . 7- ألّا يكثر العائد من سؤال المريض، لأنّ ذلك يثقل عليه ويضجره «3» . 8- من آداب العيادة أن يدعو العائد للمريض بالعافية والصّلاح، وقد وردت في ذلك أدعية عديدة منها: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك (سبع مرّات) وأن يقرأ عنده بالفاتحة والمعوّذتين والإخلاص «4» . 9- ألّا يتكلّم العائد أمام المريض بما يقلقه ويزعجه وأن يظهر له من الرّقّة واللّطف ما يطيّب به خاطره «5» . 10- أن يوسّع العائد للمريض في الأمل، ويشير عليه بالصّبر لما فيه من جزيل الأجر، ويحذّره من اليأس ومن الجزع لما فيهما من الوزر «6» . 11- ألّا يكثر عوّاد المريض من اللّغط والاختلاف بحضرته لما في ذلك من إزعاجه وله في هذه الحالة أن يطلب منهم الانصراف. 12- يسنّ لمن عاد مريضا أن يسأله الدّعاء له «7» . 13- يسنّ للعائد الوضوء قبل العيادة لما في ذلك من النّظافة «8» . [للاستزادة: انظر صفات: الألفة- تكريم الإنسان- التودد- الرحمة- المروءة- المحبة- الحنان- العطف- الرأفة- المواساة- البشاشة- الإخاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإهمال- الجفاء- القسوة- الإعراض- التفريط والإفراط- الكسل- التهاون- الغافلة] .   (1) غذاء الألباب (2/ 8) ، وقد أورد قول الناظم: فمنهم مغبّا عده خفّف ومنهم ال ... لذي يوثر التّطويل من متورّد (2) فتح الباري (10/ 118) ، وإحياء علوم الدين (2/ 209) . (3) غذاء الألباب (2/ 12) (بتصرف) قال في منظومة الاداب: « ... ولا تكثر سؤالا تنكدّ» . (4) انظر في هذه الأدعية وغيرها: زاد المعاد (1/ 494- 495) ، وغذاء الألباب. (5) جعل الغزالي في الإحياء (2/ 209) إظهار الرّقّة من آداب الزيارة. (6) فتح الباري (10/ 131- 132) . (7) انظر غذاء الألباب (2/ 12) حيث ذكر في ذلك مجموعة من الأحاديث يقوي بعضها بعضا. (8) انظر الحديث رقم (19) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3058 الآيات الواردة في «عيادة المريض» معنى * 1- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «1» 2- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) * عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) «2» الآيات الواردة في «التخفيف عن المرضى والرفق بهم» أولا: في الصيام: 3- أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «3»   * لم ترد عيادة المريض نصا في القرآن الكريم بيد أنه قد وردت آيات كريمة تحث المسلمين على التراحم فيما بينهم ولا شك أن في عيادة المريض نوعا من التراحم ومن ثمّ تدخل العيادة في مفهوم الاية الكريمة، وفيما يتعلّق بعيادة غير المسلم فقد حثّت آي الذكر الحكيم على أن نبرهم والعيادة نوع من أنواع البر كما قال الجيلاني في فضل الله الصمد 1/ 117. (1) الفتح: 29 مدنية (2) الممتحنة: 5- 8 مدنية (3) البقرة: 184- 185 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3059 ثانيا: في الحج: 4- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «1» ثالثا: في الصلاة: 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «2» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) «3» رابعا: في الجهاد: 7- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) «4» 8- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «5»   (1) البقرة: 196 مدنية (2) النساء: 43 مدنية (3) المائدة: 6 مدنية (4) النساء: 102 مدنية (5) التوبة: 91 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3060 خامسا: في قراءة القرآن: 9- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «1» سادسا: دفع الحرج عنهم: 10- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) » 11- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (17) «3» سابعا: الشافي هو الله: 12- الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) «4»   (1) المزمل: 20 مكية (2) النور: 61 مكية (3) الفتح: 17 مدنية (4) الشعراء: 78- 82 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3061 الأحاديث الواردة في (عيادة المريض) أولا: الحث على عيادة المريض: 1- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكّوا العاني» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عودوا المرضى، واتبعوا الجنائز تذكّركم الآخرة» ) * «2» . 3- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتّباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الدّاعي، وردّ السّلام، ونصر المظلوم، وإبرار المقسم. ونهانا عن سبع: عن خاتم الذّهب- أو قال حلقة الذّهب- وعن لبس الحرير، والدّيباج، والسّندس، والمياثر» ) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس تجب للمسلم على أخيه: ردّ السّلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدّعوة، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز» . وفي رواية أخرى ذكر الحقوق ستّا، فيها: «وإذا استنصحك فانصح له ... » ) * «4» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال يا ربّ، كيف أعودك وأنت ربّ العالمين؟! قال: أما علمت أنّ عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنّك لو عدته لوجدتني عنده؟. يا بن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال يا ربّ، وكيف أطعمك وأنت ربّ العالمين؟! قال: أما علمت أنّه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟. يابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، قال يا ربّ، كيف أسقيك وأنت ربّ العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنّك لو سقيته لوجدت ذلك عندي؟» ) * «5» . 6- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له: «إنّا- والله- قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير» ) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 10 (5649) ؛ وأحمد (4/ 394) ؛ وأبو داود (3105) بلفظ البخاري: قال سفيان: والعاني: الأسير، ومالك (القبس في شرح موطأ الإمام مالك بن أنس) (1113) . (2) أحمد (3/ 48) . والبيهقي في كتاب الجنائز (3/ 379) وإسناده صحيح، وصححه الشيخ أحمد شاكر (1197) . (3) البخاري- الفتح 10 (6222) ، وأحمد (4/ 284، 299) . (4) مسلم (2162) . (5) مسلم (2569) . (6) أحمد (1/ 70) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 378) برقم (504) إسناده صحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3062 ثانيا: آداب العيادة: 7- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حضرتم المريض، أو الميّت، فقولوا خيرا، فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» قالت: فلمّا مات أبو سلمة أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إنّ أبا سلمة قد مات، قال: قولي: اللهمّ اغفر لي وله، وأعقبني «1» منه عقبى حسنة» قالت: فقلت، فأعقبني الله من هو خير لي منه، محمّدا صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أتى مريضا أو أتي به إليه قال عليه الصّلاة والسّلام: «أذهب الباس، ربّ النّاس اشف وأنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» ) * «3» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات، وينفث، فلمّا اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها) * «4» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى الإنسان الشّيء منه، أو كانت به قرحة أو جرح قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإصبعه هكذا. ووضع سفيان سبّابته بالأرض ثمّ رفعها «باسم الله. تربة أرضنا «5» ، بريقة «6» بعضنا، ليشفى به سقيمنا، بإذن ربّنا» قال ابن أبي شيبة «يشفى» وقال زهير «ليشفى سقيمنا» وفى رواية الإمام أحمد «كان يقول في المريض» ) * «7» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرّات: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك، إلّا عوفي» ) * «8» . 12- * (عن ابن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جاء الرّجل يعود مريضا   (1) أعقبني: من الإعقاب، أي بدلني وعوضني. (2) مسلم (919) . (3) البخاري- الفتح 10 (5675) ؛ ومسلم (2191) . (4) مسلم (2192) . (5) أرضنا: قيل: جملة الأرض، وقيل: أرض المدينة خاصّة لبركتها. (6) الريقة: أقل الريق. ومعنى الحديث: أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل ويقول هذا الكلام في حال المسح. (7) مسلم (2194) واللفظ له؛ والبخاري- الفتح 10 (5746) ، وأحمد (6/ 93) . (8) أبو داود (3106) ؛ أحمد (1/ 239) (واللفظ له) ؛ وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 13) برقم (2137) : إسناده صحيح. ويزيد أبو خالد ثقة، ضعفه بعضهم بغير حجة، قال ابن معين والنسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. والترغيب والترهيب (4/ 164) وقال المنذري: رواه أبو داود والترمذي وحسّنه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3063 فليقل: اللهمّ اشف عبدك ينكأ «1» لك عدوّا، أو يمشي لك إلى جنازة» قال أبو داود: وقال ابن السّرح: إلى صلاة) * «2» . ثالثا: ثواب العائد: 13- * ((عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من عاد مريضا لم يزل في خرفة «3» الجنّة» قيل يا رسول الله: وما خرفة الجنّة؟ قال: «جناها» ) * «4» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح اليوم منكم صائما؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «من عاد منكم اليوم مريضا؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «من شهد منكم اليوم جنازة؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «من أطعم منكم اليوم مسكينا؟» قال أبو بكر: أنا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما اجتمعن في رجل إلّا دخل الجنّة» ) * «5» . 15- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم يعود مسلما غدوة «6» إلّا صلّى عليه سبعون ألف ملك حتّى يمسي، وإن عاده عشيّة إلّا صلّى عليه سبعون ألف ملك حتّى يصبح، وكان له خريف «7» في الجنّة» ) * «8» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من عاد مريضا نادى مناد من السّماء: طبت «9» وطاب ممشاك «10» ، وتبوّأت من الجنّة منزلا» ) * «11» . 17- * (عن هارون بن أبي داود قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: يا أبا حمزة، إنّ المكان بعيد، ونحن يعجبنا أن نعودك، فرفع رأسه فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أيّما رجل يعود مريضا فإنّما يخوض في الرّحمة، فإذا قعد عند المريض غمرته الرّحمة» . قال: فقلت يا رسول الله، هذا للصّحيح الّذي يعود المريض، فالمريض ماله؟ قال: «تحطّ عنه ذنوبه» ) * «12» .   (1) ينكأ: أي يؤلم ويوجع. (2) أبو داود (3107) ، وقال محقق جامع الأصول (6/ 628) : إسناده حسن، وصححه الحاكم (1/ 344، 549) ووافقه الذهبي. (3) خرفة الجنة: الخرفة اسم ما يخترف من النخل حتى يدرك. (4) مسلم (2568) . (5) مسلم (1028) في الزكاة وفي فضائل أبي بكر- رضي الله عنه-. (6) غدوة: هي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، والعشية: آخر النهار. (7) الخريف: الثمر المخروف أي المجتنى. (8) الترمذي (969) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب؛ وأبو داود برقم (3098) موقوفا على علي- رضي الله عنه-. (9) طبت: قال الطيبيّ: هو دعاء له بأن يطيب عيشة في الدنيا. (10) طاب ممشاك: طيب الممشى كناية عن سيره وسلوك طريق الآخرة. (11) الترمذي برقم (2009) وقال: حسن غريب، وابن ماجة برقم (1443) ،. وفي سنده سنان (اسمه عيسى بن سنان) ، والحديث أورده السيوطي في الجامع وحسن إسناده الشيخ الألباني رقم (6163) . وانظر جامع الأصول (9/ 534) . (12) أحمد (3/ 174) . ورجاله ثقات وللحديث طريق أخرى عند الطبراني في الصغير والأوسط كما ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 297) وينظر تعجيل المنفعة (280، 284) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3064 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (عيادة المريض) 18- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ غلاما ليهود كان يخدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمرض، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده، فقال: «أسلم» فأسلم) *. وفي رواية عن أنس- رضي الله عنه- أنّ غلاما من اليهود كان مرض، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له (أبوه) : أطع أبا القاسم، فأسلم، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «الحمد لله الّذي أنقذه بي من النّار» ) * «1» . 19- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعود عبد الله بن أبيّ في مرضه الّذي مات فيه، فلمّا دخل عليه عرف فيه الموت، قال: «قد كنت أنهاك عن حبّ يهود» قال: فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمه؟ فلمّا مات أتاه ابنه فقال: يا رسول الله، إنّ عبد الله بن أبيّ قد مات فأعطني قميصك أكفّنه فيه، فنزع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قميصه فأعطاه إيّاه» ) * «2» . 20- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: عادني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا أعقل، فدعا بماء فتوضّأ منه، ثمّ رشّ عليّ فأفقت، فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ» ) * «3» . 21- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على أعرابيّ يعوده، قال: وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل على مريض يعوده قال له: «لا بأس، طهور إن شاء الله» . قال: قلت: طهور كلّا، بل هي حمّى تفور- أو تثور- على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فنعم إذا» » ) * «5» . 22- * (عن سعد- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعودني وأنا مريض بمكّة، فقلت: لي مال، أوصي بمالي كلّه؟ قال: «لا» . قلت: فالشّطر؟ قال: «لا» . قلت: فالثّلث؟ قال: «الثّلث، والثّلث كثير، أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون   (1) البخاري- الفتح 10 (5657) . (2) أبو داود (3094) . قال الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح أبي داود: ضعيف الإسناد ولكن قصة القميص صحيحة. (3) البخاري- الفتح 8 (4577) واللفظ له. وقريب منه البخاري- الفتح 1 (194) وفيه (فنزلت آية الفرائض) ؛ وإن كان ابن حجر في الحديث الثاني قال: إن المراد باية الفرائض هنا قوله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ، ومسلم (1616) . (4) فنعم إذا: الفاء فيه معقبة لمحذوف تقديره: إذا أبيت فنعم، أي كان كما ظننت. قيل: ويحتمل أن يكون ذلك دعاء عليه، ويحتمل أن يكون خبرا عما يئول إليه أمره. وقيل: يحتمل أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن تكون الحمى طهرة لذنوبه. ويحتمل أن يكون أعلم بذلك. (5) البخاري- الفتح 10 (5656) ، (5662) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3065 النّاس في أيديهم. ومهما أنفقت فهو لك صدقة، حتّى اللّقمة ترفعها في في امرأتك، ولعلّ الله يرفعك، ينتفع بك ناس ويضرّ بك آخرون» . وفي رواية أخرى بعد قوله «والثّلث كثير» : ثمّ وضع يده على جبهته، ثمّ مسح يده على وجهي وبطني، ثمّ قال: «اللهمّ اشف سعدا، وأتمم له هجرته» . فما زلت أجد برده على كبدي فيما يخال إليّ حتّى السّاعة) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (عيادة المريض) 1- * (مرض قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله عنهما- مرّة، فاستبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم، فقالوا: إنّهم كانوا يستحيون ممّا لك عليهم من الدّين. فقال أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزّيارة. ثمّ أمر مناديا ينادي: من كان لقيس عليه مال فهو منه في حلّ. فما أمسى حتّى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده) * «2» . 2- * (عن مصعب بن سعد قال: دخل عبد الله ابن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض، فقال: ألا تدعو الله لي يا ابن عمر؟ قال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول «3» » وكنت على البصرة «4» ) * «5» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «القدريّة مجوس هذه الأمّة: إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» ) * «6» . 4- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: لكلّ أمّة مجوس، ومجوس هذه الأمّة الّذين يقولون لا قدر، من مات منهم فلا تشهدوا جنازته، ومن مرض منهم فلا تعودوهم، وهم شيعة الدّجّال، وحقّ على الله أن يلحقهم بالدّجّال) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 9 (5354) ، 10 (5659) ، ومسلم (1628) . (2) مدارج السالكين (2/ 304) . (3) غلول: الغلول: الخيانة، وأصله: السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة. (4) وكنت على البصرة: معناه إنك لست بسالم من الغلول، فقد كنت واليا على البصرة، وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد. ولا يقبل الدعاء لمن هذه صفته، كما لا تقبل الصلاة والصدقة إلّا من متصون. والظاهر- والله أعلم- أن ابن عمر قصد زجر ابن عامر وحثّه على التوبة وتحريضه على الإقلاع عن المخالفات. ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع، فلم يزل النبي صلّى الله عليه وسلّم والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة. (5) مسلم (226) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «لا تقبل صلاة بغير طهور ... » . (6) سنن أبي داود 4 (4691) . (7) المرجع السابق 4 (4692) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3066 5- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لا تعودوا شرّاب الخمر إذا مرضوا) * «1» . 6- * (قال المهلّب: لا نقص على الإمام في عيادة مريض من رعيّته ولو كان أعرابيّا جافيا، ولا على العالم في عيادة الجاهل ليعلّمه ويذكّره بما ينفعه، ويأمره بالصّبر لئلّا يتسخّط قدر الله فيسخط عليه، ويسلّيه عن ألمه، بل يغبطه بسقمه، إلى غير ذلك من جبر خاطره وخاطر أهله) * «2» . 7- * (قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله «3» : فلان مريض، وكان عند ارتفاع النّهار في الصّيف، فقال: ليس هذا وقت عيادة) * «4» . 8- * (قال المرّوذيّ: عدت مع أبي عبد الله مريضا في اللّيل وكان في شهر رمضان ثمّ قال لي: في شهر رمضان يعاد (المريض) في اللّيل) * «5» . 9- * (قال الأعمش: كنّا نقعد في المجلس فإذا فقدنا الرّجل ثلاثة أيّام سألنا عنه فإن كان مريضا عدناه) * «6» . 10- * (قال الغزاليّ: ومنها (أي من حقوق المسلم على المسلم) : أن يعود مرضاهم..، وأدب العائد خفّة الجلسة، وقلّة السّؤال، وإظهار الرّقّة، والدّعاء بالعافية، وغضّ البصر عن عورات الموضع، وعند الاستئذان لا يقابل الباب، ويدقّ برفق، ولا يقول: أنا، إذا قيل له: من؟، ولا يقول: يا غلام، ولكن يحمّد ويسبّح) * «7» . 11- * (قال الشّافعيّ- رضي الله عنه-: مرض الحبيب فعدته ... فمرضت من حذري عليه فأتى الحبيب يعودني ... فشفيت من نظري إليه ) * «8» . 12- * (ذكر ابن الصّيرفيّ الحرّانيّ في نوادره قول بعض الشّعراء: لا تضجرنّ عليلا في مساءلة ... إنّ العيادة يوم بين يومين بل سله عن حاله وادع الإله له ... واجلس بقدر فواق بين حلبين من زار غبّا أخا دامت مودّته ... وكان ذاك صلاحا للخليلين ) * «9» .   (1) فضل الله الصمد 1 (529) (ص 626) . (2) الفتح (10/ 124) وهو استنباط من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين عاد أعرابيا. والحديث في المثل التطبيقي برقم (21) . (3) أبو عبد الله: هو أحمد بن حنبل. (4) فتح الباري (10/ 118) ، والاداب الشرعية لابن مفلح (2/ 200) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، قال السّفّاريني: لأنه ربّما رأى من المريض ما يضعفه ولأنه أرفق بالعائد (غذاء الألباب 2/ 8) . (6) غذاء الألباب (2/ 8) . (7) إحياء علوم الدين (2/ 206) . (8) الاداب الشرعية لابن مفلح (2/ 200) . (9) غذاء الألباب (2/ 10) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3067 13- * (قال الأستاذ خالد محمّد خالد: إنّ هذا المريض يغالب العلّة وتغالبه، ويصارع السّقم ويصارعه، وهو أكثر النّاس حاجة إلى كلّ ما تستطيعه العلاقات الإنسانيّة من سلوى، وعون، وبثّ للعزيمة والأمل والطّمأنينة والسّرور. هناك عند كلّ مريض تجد باقة من الزّهر النّديّ العطر، مهداة من الرّسول الّذي أرسله الله رحمة للعالمين. ومن زهراته الطّيّبات: قوله «من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنّة حتّى يرجع ... الحديث» . ويخبرنا صلّى الله عليه وسلّم بما لعيادة المريض من جلال وخطر حين يقول لنا: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يابن آدم، مرضت فلم تعدني ... الحديث» أيّة صورة من صور الحثّ والتّكريم تفوق الصّورة أو حتّى تضاهيها؟ وأنّى للعلاقات الإنسانيّة أن تجد لها ضميرا كهذا الّذي تجده في كلمات الرّسول؟) * «1» . من فوائد (عيادة المريض) (1) في عيادة المريض إرضاء للمولى عزّ وجلّ وتمتّع بمعيّته طيلة مدّة العيادة. (2) في عيادة المريض تذكير بالآخرة، وترقيق للقلب. (3) عائد المريض تصلّي عليه الملائكة وتستغفر له إلى ثاني أيّام العيادة. (4) في العيادة اتّباع لسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم واتّباع لأمره واقتداء بهديه. (5) في العيادة رجاء شفاء المريض ببركة دعاء العائد له. (6) في عيادة المريض تحقيق للتّواصل بين المسلمين وتحقيق للألفة بينهم. (7) في عيادة المريض جبر لخاطر أهله وإشاعة روح المحبّة بين النّاس. (8) في عيادة المريض رجاء بركة دعاء المريض للعائد فإنّه ممّن تجاب دعوتهم. (9) في عيادة المريض تطييب لخاطره ورفع لروحه المعنويّة ممّا يعجّل له بالشّفاء. (10) في عيادة المريض ما يجعل العائد كأنّه في خرفة الجنّة يريح شذاها رضى وحبورا. (11) عيادة المريض تبشّر صاحبها بدخول الجنّة وخاصّة إذا كان العائد ممّن يشيّع الجنائز ويطعم المساكين.   (1) كما تحدّث الرسول (2/ 207- 209) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3068 (12) عائد المريض تغمره الرّحمة ويخوض فيها. (13) عيادة المريض تبعد صاحبها عن النّار سبعين خريفا. (14) عيادة الذّمّيّ أو المشرك رجاء أن يهديه الله للإسلام. (15) ببركة العيادة تعمّ المودّة والتّراحم بين المسلمين، إذ تحبّب العائد فيمن يعوده وربّما دفعته لأن يسقط عنه ديونه كما حدث من سعد بن عبادة «1» .   (1) انظر الحديث رقم (1) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3069 [ حرف الغين ] غض البصر الغض لغة: مصدر قولهم: غضّ بصره يغضّه غضّا، وهو مأخوذ من مادّة (غ ض ض) الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما: الكفّ والنّقص، والاخر: الطّراوة، وغضّ البصر من المعنى الأوّل، وكلّ شيء كففته فقد غضضته، ومنه قولهم تلحقه في ذلك غضاضة، أي أمر يغضّ له بصره، وقال بعضهم: الغضّ: الخفض، والكفّ والكسر، وأصل الكلمة: غضّ يغضّ غضّا (بالكسر) وغضّا وغضاضة وغضاضا (بالفتح) . فقولك: غضّ طرفه أي خفضه، وكذا غضّ صوته، وكلّ شيء غضضته كففته، والأمر منه في لغة أهل الحجاز: اغضض وأهل نجد يقولون: غضّ طرفك. وانغضاض الطّرف: انغماضه. والإغضاء: إدناء الجفون، وهذا مشتقّ من اللّيلة الغاضية: الشّديدة الظّلمة، ومثله الغضاضة فمعناها: الفتور في الطّرف، فيقال: غضّ وأغضّ وذلك إذا وانى بين جفنيه ولم يلاق (أي بينهما) «1» . الآيات/ الأحاديث/ الاثار 1/ 10/ 16 البصر لغة: اسم لالة الإبصار، وهو مأخوذ من مادّة (ب ص ر) الّتي تدلّ على العلم بالشّيء، ومنه أيضا: البصيرة، وقال الجوهريّ: البصر: حاسّة الرّؤية، وأبصرت الشّيء رأيته، والبصير خلاف الضّرير، وباصرته إذا أشرفت تنظر إليه من بعيد، والبصر: العلم، وبصرت بالشّيء: علمته، قال تعالى: قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ (طه/ 96) ، والبصير: العالم، وقد بصر بصارة، والتّبصّر: التّأمّل والتّعرّف، والبصيرة: الحجّة، والاستبصار في الشّيء، وقولهم: أريته لمحا باصرا، أي نظرا بتحديق شديد، ومعناه: ذو بصر وهو من أبصرت، والمعنى: أريته أمرا شديدا يبصره، وقال اللّيث: البصر: العين، وقال ابن سيده: البصر: حسّ العين، والجمع أبصار، والفعل من ذلك قال ابن منظور: بصر به بصرا وبصارة وأبصره وتبصّره: نظر إليه ببصره، وقال سيبويه: بصر: صار مبصرا، وأبصره: إذا أخبر بالّذي وقعت عينه عليه، وأبصرت الشّيء: رأيته، وباصره: نظر معه إلى شيء أيّهما يبصره قبل صاحبه،   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 248) والصحاح (3/ 1095) ولسان العرب (5/ 3265، 3266) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3070 وباصره أيضا أبصره، ويقال: أبصر الرّجل إذا خرج من الكفر إلى بصيرة الإيمان «1» . البصير من أسماء الله تعالى: قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى البصير، وهو الّذي يشاهد الأشياء كلّها ظاهرها وخفيّها، والبصر في حقّه تعالى عبارة عن الصّفة الّتي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات «2» . وهو سبحانه وتعالى يبصر ببصر، كما صحّ بذلك الخبر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «3» . غض البصر اصطلاحا: أن يغمض المسلم بصره عمّا حرّم عليه، ولا ينظر إلّا لما أبيح له النّظر إليه، ويدخل فيه أيضا إغماض الأبصار عن المحارم، فإن اتّفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصد فليصرف بصره سريعا «4» . قيمة غض البصر: قال القرطبيّ: البصر: هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواسّ إليه، وبحسب ذلك كثر السّقوط من جهته، ووجب التّحذير منه، وغضّه واجب عن جميع المحرّمات. وكلّ ما يخشى الفتنة من أجله «5» . [للاستزادة: انظر صفات: تعظيم الحرمات- الحياء- العفة- النزاهة- حفظ الفرج- تعظيم الحرمات- الحجاب- الوقاية- المراقبة- التقوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: إطلاق البصر- الفتنة- الأذى- اتباع الهوى- الزنا- التبرج- الفجور- الفحش- الدياثة] .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 253) ، والصحاح (2/ 925) ، ولسان العرب (1/ 290) ، وتاج العروس ط. دار الفكر (5/ 61- 62) . (2) النهاية (1/ 131) . (3) أبو داود (4728) وقال الألباني (3/ 895) / (3954) : صحيح. (4) تفسير ابن كثير 2/ 598 (بتصرف) . (5) تفسير القرطبي ج 2 ص 148 (المجلد السادس) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3071 الآيات الواردة في «غض البصر» 1- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «1»   (1) النور: 30- 31 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3072 الأحاديث الواردة في (غض البصر) 1- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه-، أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحافظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» . فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدّ، نتحدّث فيها. فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق حقّه» . قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟. قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «2» . 3- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري) * «3» . 4- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج؛ فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم؛ فإنّه له وجاء» ) * «4» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وإذا زوّج أحدكم خادمه- عبده أو أجيره- فلا ينظر إلى ما دون السّرّة وفوق الرّكبة» ) * «5» . 6- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفضل بن عبّاس يوم النّحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئا، فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للنّاس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النّظر إليها. فقالت: يا رسول الله! إنّ فريضة الله في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الرّاحلة، فهل يقضي عنه أن أحجّ عنه؟ قال: «نعم» ) *» . 7- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال:   (1) أحمد (5/ 323) واللفظ له، الحاكم (4/ 358- 359) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: مرسل وله شاهد. والخرائطي في مكارم الأخلاق (31) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 454) برقم (1470) . وكذا في صحيح الجامع (1/ 339) رقم (1029) . (2) البخاري- الفتح 11 (6229) واللفظ له. ومسلم (2121) . (3) مسلم (2159) . (4) البخاري- الفتح 4 (1905) . ومسلم (1400) واللفظ له وفيه قصة وقوله «وجاء» أي قاطع لتوقانه وشهوته. (5) أبو داود (496) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (5/ 187) : إسناده حسن. (6) البخاري- الفتح 11 (6228) واللفظ له. ومسلم (1334) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3073 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميّت» ) * «1» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرّجل إلى الرّجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثّوب الواحد» ) * «2» . 9- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: «يا عليّ، لا تتبع النّظرة النّظرة؛ فإنّ لك الأولى وليست لك الآخرة» ) * «3» . 10- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ألا أدلّكم على ما يكفّر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى هذه المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، ما منكم من رجل يخرج من بيته متطهّرا فيصلّي مع المسلمين الصّلاة ثمّ يجلس في المجلس ينتظر الصّلاة الاخرى، إنّ الملائكة تقول: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه. فإذا قمتم إلى الصّلاة فاعدلوا صفوفكم، وأقيموها وسدّوا الفرج، فإنّي أراكم من وراء ظهري، فإن قال إمامكم: الله أكبر، فقولوا: الله أكبر، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهمّ ربّنا لك الحمد، وإنّ خير صفوف الرّجال المقدّم، وشرّها المؤخّر، وخير صفوف النّساء المؤخّر، وشرّها المقدّم. يا معشر النّساء! إذا سجد الرّجال فاغضضن أبصاركنّ، لا ترين عورات الرّجال من ضيق الأزر» ) «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (غض البصر) 1- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه: «حفظ البصر أشدّ من حفظ اللّسان) » * «5» . 2- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- «الإثم حوّاز «6» القلوب، وما من نظرة إلّا وللشّيطان فيها مطمع) * «7» . 3- * (قالت أمّ سلمة- رضي الله عنها-:   (1) أبو داود (4015) وقال محقق جامع الأصول (5/ 451) : حديث حسن. (2) مسلم (338) . (3) أبو داود (2149) واللفظ له. والترمذي (2777) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وأحمد (5/ 353، 357) ، الحاكم (3/ 123) ، وقال محقق جامع الأصول (6/ 660) : الحديث حسن. (4) أحمد (3/ 3- 293- 387) واللفظ له. والبيهقي في السنن (2/ 26) - الإحسان في تقريب ابن حبان وقال محققه: إسناده صحيح على شرط البخاري (2/ 127 برقم 402) وابن خزيمة (177- 357) والحاكم (1/ 191- 192) ومسلم عن أبي هريرة (441) وأبو داود (678) والترمذي (244) والنسائي (2/ 93) . (5) الورع لابن أبي الدنيا (62) . (6) حواز: يعني ما يحوزها ويغلب عليها حتى ترتكب ما لا يحسن. وقيل بتخفيف الواو وتشديد الزاي جمع حازة وهي الأمور التي تحز في القلوب. (7) الترغيب والترهيب (3/ 36، 37) وقال: الموقوف أصح وروي مرفوعا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3074 «حماديات النّساء غضّ الأطراف» ) * «1» . 4- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «إذا مرّت بك امرأة فغمّض عينيك حتّى تجاوزك» ) * «2» . 5- * (قال سعيد بن أبي الحسن: قلت للحسن: «إنّ نساء العجم يكشفن صدورهنّ ورؤوسهنّ» . قال: «اصرف بصرك. يقول الله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (النور/ 30)) * «3» . 6- * (قال الزّهريّ- رحمه الله تعالى- في النّظر إلى الّتي لم تحض من النّساء: «لا يصلح النّظر إلى شيء منهنّ ممّن يشتهى النّظر إليه وإن كانت صغيرة» ) * «4» . 7- * (قال وكيع بن الجرّاح- رحمه الله تعالى: خرجنا مع سفيان الثّوريّ في يوم عيد فقال: «إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا غضّ أبصارنا» ) * «5» . 8- * (قال العلاء بن زياد العدويّ- رحمه الله تعالى-: لا تتبع بصرك حسن ردف المرأة، فإنّ النّظر يجعل الشّهوة في القلب) * «6» . 9- * (قال شجاع بن شاه- رحمه الله تعالى-: «من عمّر ظاهره باتّباع السّنّة، وباطنه بدوام المراقبة، وغضّ بصره عن المحارم، وكفّ نفسه عن الشّهوات» ، (وذكر خصلة سادسة) هي أكل الحلال. قال: «لم تخطيء له فراسة» ) * «7» . 10- * (قال ابن دقيق العيد- رحمه الله تعالى-: «إنّ التّقوى سبب لغضّ البصر، وتحصين الفرج» ) * «8» . 11- * (قال ابن كثير. رحمه الله تعالى-: عند تفسير قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ (النور الاية/ 30) «هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضّوا من أبصارهم عمّا حرّم عليهم فلا ينظروا إلّا إلى ما أباح لهم النّظر إليه، وأن يغضّوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتّفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا» ) * «9» . 12- * (قال الحافظ ابن حجر نظما في آداب الطّريق: جمعت آداب من رام الجلوس على ال ... طّريق من قول خير الخلق إنسانا افش السّلام وأحسن في الكلام وش ... مّت عاطسا وسلاما ردّ إحسانا في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث ... لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا   (1) لسان العرب (6/ 3266) (2) الورع لابن أبي الدنيا (66) (3) أضواء البيان (6/ 189- 190) وعزاه للبخاري انظر الفتح 11 (9) (4) البخاري- الفتح (11/ 9) . (5) الورع لابن أبي الدنيا (963) . (6) المصدر السابق (68) . (7) مجموع الفتاوى (15/ 425- 426) . (8) الفتح (9/ 109) . (9) بتصرف يسير من التفسير (3/ 282) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3075 بالعرف مر، وانه عن نكر وكفّ أذى ... وغضّ طرفا وأكثر ذكر مولانا ) * «1» . 13- * (قال بعض السّلف: «من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته» ) * «2» . 14- * (قال بعض أهل العلم: اتّقوا النّظر إلى أولاد الملوك فإنّ فتنتهم كفتنة العذارى) * «3» . 15- * (قال الشّاعر: وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي ... حتّى يواري جارتي مأواها ) * «4» 16- قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: قد أمر الله في كتابه بغضّ البصر وهو نوعان: غضّ البصر عن العورة، وغضّه عن محلّ الشّهوة. فالأوّل منهما: كغضّ الرّجل بصره عن عورة غيره، كما قال النّبيّ «لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل ولا المرأة إلى عورة المرأة» ويجب على الإنسان أن يستر عورته. وأمّا النّوع الثّاني: فهو غضّ البصر عن الزّينة الباطنة من المرأة الأجنبيّة وهذا أشدّ من الأوّل «5» . من فوائد (غض البصر) 1- إنّ غضّ البصر عن العورة الّتي ينهى عن النّظر إليها كالمرأة والأمرد الحسن له ثلاث فوائد: (1) حلاوة الإيمان ولذّته والّتي هي أطيب وأحلى ممّا تركه لله، فإنّ من ترك شيئا للهّ عوّضه الله خيرا منه. (2) نور القلب والفراسة، ولذلك ذكر الله عزّ وجلّ، عقب آيات غضّ البصر الّتي في سورة النّور قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (النور/ 53) وذلك لأنّ الله- عزّ وجلّ- يجزي العبد على عمله بما هو من جنسه. فلمّا منع العبد نور بصره أن ينفذ إلى ما لا يحلّ، أطلق نور بصيرته وفتح عليه باب العلم والمعرفة. (3) قوّة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجّة «6» . 2- يبدل الله صاحبه نورا يجد حلاوته في قلبه. 3- فيه طاعة لله ورسوله يترتّب عليها محبّة توصله إلى إلى الجنّة. 4- من أهمّ الصفات الّتي يتحلّى بها المؤمن وتتولّد من الحياء. 5- فيه راحة للنّفس والبدن. 6- يصون المحارم ويجنّب الوقوع في الزّلل. 7- يجعل المجتمع المتحلّي بهذه الصّفة مجتمعا آمنا متحابّا. 8- يصون المجتمع من انتشار الزّنى. 9- يضرّ بالشّيطان وأعوانه ويستجلب العفّة.   (1) الفتح (11/ 13) . (2) تفسير ابن كثير (3/ 283) . (3) مجموع الفتاوى (15/ 420) . (4) أضواء البيان (6/ 189) . (5) مجموع الفتاوى (15/ 414- 436) . (6) المرجع السابق نفسه (15/ 414- 426) بتصرف واختصار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3076 الغيرة الغيرة لغة: مصدر قولهم: غرت على أهلي غيرة، وهو مأخوذ من مادّة (غ ي ر) الّتي تدلّ على صلاح وإصلاح ومنفعة «1» ، قال ابن فارس: ومن هذا الباب: الغيرة؛ لأنّها صلاح ومنفعة «2» ، يقال: غار الرّجل على أهله يغار غيرا وغيرة وغارا وغيارا ورجل غيور وغيران، وجمع غيور: غير، وجمع غيران: غيارى وغيارى، ويقال (في الوصف أيضا) : رجل مغيار وقوم مغايير، وامرأة غيرى ونسوة غيارى، وامرأة غيور ونسوة غير، صحّت الياء لخفّتها عليهم وأنّهم لا يستثقلون الضّمّة عليها استثقالهم لها على الواو، وبعضهم يخفّفها بالتّسكين فيقول: غير مثل رسل في رسل، وفي حديث أمّ سلمة- رضي الله عنها- إنّ لي بنتا وأنا غيور، هو فعول من الغيرة وهي الحميّة والأنفة، يقال رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء، لأنّ فعولا يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، وفي رواية: امرأة غيرى، هي فعلى من الغيرة، والمغيار الآيات/ الأحاديث/ الاثار-/ 19/ 3 الشّديد الغيرة، قال النّابغة: شمس موانع كلّ ليلة حرّة ... يخلفن ظنّ الفاحش المغيار. وفلان لا يتغيّر على أهله أي لا يغار، وأغار أهله: تزوّج عليها فغارت، والعرب تقول: أغير من الحمّى أي أنّها تلازم المحموم ملازمة الغيور لبعلها «3» . وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: الغيرة مشتقّة من تغيّر القلب وهيجان الغضب، بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشدّ ما يكون ذلك بين الزّوجين «4» . واصطلاحا: كراهة شركة الغير في حقّه. وقال الكفويّ: الغيرة: كراهة الرّجل اشتراك غيره فيما هو من حقّه «5» وذكر الرّجل هنا على سبيل التّمثيل، وإلّا فإنّ الغيرة غريزة تشترك فيها الرّجال والنّساء، بل قد تكون من النّساء أشدّ.   (1) تدل مادة (غ ي ر) أيضا على معنى اختلاف الشيئين، ومنه قولنا: هذا الشيء غير ذاك، أي هو سواه وخلافه. انظر المقاييس (4/ 404) . (2) المقاييس (4/ 403) ، والصحاح (2/ 766) ، والنهاية لابن الأثير (3/ 401) ، ولسان العرب (4/ 3326) (ط. دار المعارف) . (3) انظر النهاية لابن الأثير (3/ 400- 401) ، ولسان العرب (5/ 41- 42) . (4) فتح الباري (9/ 320) وانظر: التعريفات للجرجاني (ص 163) والتوقيف على مهمات التعاريف ص (255) . (5) الكليات للكفوي (671) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3077 غيرة الله- عز وجل-: جاء في الحديث الشّريف أنّ الله- عزّ وجلّ- يغار، وأنّ غيرته- عزّ وجلّ- تكون من إتيان محارمه، ووجه ذلك؛ أنّ المسلم الّذي يطيع هواه أو ينقاد للشّيطان ويقع في محارم الله، فكأنّه جعل لغير الله فيه نصيبا، ولمّا كانت الطّاعة خاصّة بالله- عزّ وجلّ- ويأبى أن يشاركه فيها غيره، كان ذلك مبعثا لأن يستثير العاصي غضب مولاه وغيرته عليه، وما ذلك إلّا لأنّ المولى- سبحانه وتعالى- لا يرضى لعباده المعصية كما لا يرضى لهم الكفر، ومن ثمّ تكون من جانب الله تعالى غيرة حقيقيّة على ما يليق بجلاله وكماله، ومن لوازمها: كراهية وقوع العبد في المعاصي وإشراكه غير الله فيما هو حقّ المولى وحده من التزام بأوامره، واجتناب لمعاصيه. [للاستزادة: انظر صفات: تعظيم الحرمات- الرجولة- الشرف- العزة- الشهامة- النبل- الحجاب- العفة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: انتهاك الحرمات- اتباع الهوي- الخنوثة- الدياثة- الفسوق- التبرج] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3078 الأحاديث الواردة في (الغيرة) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حدّثت، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها ليلا. قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع. فقال: «ما لك؟ يا عائشة! أغرت؟» . فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقد جاءك شيطانك؟» . قالت: يا رسول الله! أو معي شيطان؟. قال: «نعم» . قلت: ومع كلّ إنسان؟ قال: «نعم» . قلت: ومعك؟ يا رسول الله! قال: «نعم، ولكنّ ربّي أعانني عليه حتّى أسلم» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله (تعالى) يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرّم الله عليه» ) * «2» . 3- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من الغيرة ما يحبّ الله- عزّ وجلّ- ومنها ما يبغض الله- عزّ وجلّ- ومن الخيلاء ما يحبّ الله- عزّ وجلّ- ومنها ما يبغض الله- عزّ وجلّ- فأمّا الغيرة الّتي يحبّ الله- عزّ وجلّ- فالغيرة في الرّيبة. وأمّا الغيرة الّتي يبغض الله- عزّ وجلّ- فالغيرة في غير ريبة والاختيال الّذي يحبّ الله- عزّ وجلّ- اختيال الرّجل بنفسه عند القتال وعند الصّدقة. والاختيال الّذي يبغض الله- عزّ وجلّ- الخيلاء في الباطل» ) * «3» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيتني دخلت الجنّة، فإذا أنا بالرّميصاء: امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة «4» : فقلت من هذا؟. فقال: هذا بلال. ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر. فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك» . فقال عمر: بأبي وأمّي يا رسول الله! أعليك أغار؟) *» . 5- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمّهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت الّتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيتها يد الخادم فسقطت الصّحفة فانفلقت، فجمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلق الصّحفة ثمّ جعل يجمع فيها الطّعام الّذي كان في الصّحفة ويقول: «غارت أمّكم» ، ثمّ حبس الخادم «6» حتّى أتى بصحفة من عند الّتي هو في بيتها، فدفع الصّحفة الصّحيحة إلى الّتي كسرت صحفتها «7» ، وأمسك المكسورة في بيت الّتي كسرت فيه) * «8» .   (1) مسلم (2815) (2) البخاري- الفتح 9 (5223) واللفظ له. ومسلم (2761) . (3) أحمد في المسند (5/ 445- 446) . أبو داود (2659) . والنسائي (5/ 78) واللفظ له وحسنه الألباني، صحيح النسائي (2398) والإرواء (1099) . (4) الخشفة بالسكون: الحس والحركة. وقيل هو الصوت. (5) البخاري- الفتح 7 (3679) واللفظ له. ومسلم (2394) (6) حبس الخادم: أي أوقفه. (7) صحفتها: الصحفة: إناء كالقصعة المبسوطة، ونحوها، وجمعها صحاف. (8) البخاري- الفتح 9 (5225) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3079 6- * (عن أسماء- رضي الله عنها- أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا شيء أغير من الله» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المؤمن يغار. والله أشدّ غيرا «2» » ) * «3» . 8- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرّم الفواحش، وما أحد أحبّ إليه المدح من الله» ) * «4» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت «5» الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي فأطال القيام جدّا. ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا. ثمّ رفع رأسه فأطال القيام جدّا. وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدا. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد ثمّ قام فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ رفع رأسه فقام. فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد، ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: إنّ الشّمس والقمر من آيات الله. وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموهما فكبّروا. وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا. يا أمّة محمّد! إن من أحد أغير من الله «6» أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد والله لو تعلمون ما أعلم «7» لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. ألا هل بلّغت» ) * «8» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرف استئذان خديجة «9» . فارتاح لذلك «10» . فقال: «اللهمّ! هالة بنت خويلد» فغرت. فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشّدقين «11» ، هلكت في الدّهر، فأبدلك الله خيرا منها!) * «12» .   (1) البخاري- الفتح 9 (5222) واللفظ له. ومسلم (2762) . (2) والله أشد غيرا (هكذا بفتح الغين وإسكان الياء، منصوب بالألف) وهو الغيرة. (3) مسلم (2761) . (4) البخاري- الفتح 9 (5220) وللفظ له. ومسلم (2760) . (5) خسفت الشمس: يقال كسفت الشمس والقمر وكسفا وانكسفا، وخسفا، وانخسفا بمعنى. وذهب جمهور أهل اللغة وغيرهم على أن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله، ويكون لذهاب بعضه. (6) إن من أحد أغير من الله: إن نافية بمعنى ما. (7) لو تعلمون ما أعلم: الخ. معناه لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم، وأهوال القيامة وما بعدها، كما علمت وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لفكركم وخوفكم مما عملتموه. (8) البخاري- الفتح 9 (5221) . ومسلم (901) واللفظ له (9) فعرف استئذان خديجة: أي صفة استئذان خديجة لشبه صوتها بصوت أختها. فتذكر خديجة بذلك. (10) فارتاح لذلك: أي هش لمجيئها وسر بها لتذكره بها خديجة وأيامها. وفي هذا دليل لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب. (11) حمراء الشدقين: معناه عجوز كبيرة جدا. (12) البخاري- الفتح 7 (3821) . ومسلم (2437) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3080 الأحاديث الواردة في (الغيرة) معنى 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: افتقدت النّبيّ «1» صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فظننت أنّه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسّست «2» ثمّ رجعت. فإذا هو راكع أو ساجد يقول: «سبحانك وبحمدك لا إله إلّا أنت» . فقلت: بأبي أنت وأمّي إنّي لفي شأن «3» ، وإنّك لفي آخر «4» ) * «5» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاطمة، بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستأذنت عليه- وهو مضطجع معي في مرطي «6» - فأذن لها. فقالت: يا رسول الله إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة «7» . وأنا ساكتة. قالت: فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي بنيّة! ألست تحبّين ما أحبّ؟» . فقالت: بلى. قال: «فأحبّي هذه» . قالت، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجعت إلى أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرتهنّ بالّذي قالت: وبالّذي قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنّا من شيء. فارجعي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقولي له: إنّ أزواجك ينشدنك «8» العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله! لا أكلّمه فيها أبدا. قالت عائشة: فأرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهي الّتي كانت تساميني «9» منهنّ في المنزلة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولم أر امرأة قطّ خيرا في الدّين من زينب. وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرّحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، وتقرّب به إلى الله تعالى. ما عدا سورة «10» من حدّ «11» كانت فيها. تسرع منها الفيئة «12» . قالت: فاستأذنت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع عائشة في مرطها. على الحالة الّتي دخلت فاطمة عليها وهي بها. فأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: يا رسول الله! إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت: ثمّ وقعت بي «13» . فاستطالت عليّ،   (1) افتقدت: أي لم أجده. (2) فتحسست: أي تطلبته. (3) اني لفي شأن: تعني أمر الغيرة. (4) وإنك لفي آخر: تعني من نبذ متعة الدنيا، والإقبال على الله- عز وجل- (5) مسلم (485) . (6) مرطي: المرط: كساء من خزّ أو صوف أو كتّان وقيل: هو الثوب الأخضر، وجمعه مروط والمرط: بكسر الميم كل ثوب غير مخيط. (7) العدل في ابنة أبي قحافة: معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب وابنة أبي قحافة: هي السيدة عائشة- رضي الله عنها- وأبو قحافة والد أبي بكر- رضي الله عنه- وكان اسمه قبل الإسلام عبد الله بن أبي قحافة، فلما بكر بالدخول في الإسلام كني بأبي بكر. (8) ينشدنك: أي يسألنك. (9) تساميني: أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة (10) سورة: السورة الثوران وعجلة الغضب. (11) من حد: وهي شدة الخلق وثورانه. (12) الفيئة: الرجوع. والمراد ترجع عن الغضب سريعا. (13) ثم وقعت بي: أي نالت مني بالوقيعة فيّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3081 وأنا أرقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب حتّى عرفت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكره أن أنتصر. قالت: فلمّا وقعت بها لم أنشبها «1» حين أنحيت عليها «2» . قالت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتبسّم: «إنّها ابنة أبي بكر» ) * «3» . 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلنا: بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه» رويدا. فجعلت درعي في رأسي «5» ، واختمرت «6» وتقنّعت إزاري «7» . ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «8» . فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش حشيا رابية «9» » . قالت: لا شيء. قال: «لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» . قالت: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي! فأخبرته. قال: «فأنت السّواد «10» الّذي رأيت أمامي؟» . قلت: نعم. فلهدني «11» في صدري لهدة أوجعتني ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» . قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. ثمّ قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني. فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي، فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» . قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «12» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن ألايكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا ... الحديث   (1) لم أنشبها: أي لم أمهلها. (2) أنحيت عليها: أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة. (3) البخاري- الفتح 5 (2581) . ومسلم (2442) واللفظ له وقولهن هذا إنما من باب الغيرة، وإلا فهو صلّى الله عليه وسلّم أعدل الخلق على الإطلاق. (4) أجافه: أغلقه. (5) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة قميصها. (6) اختمرت: لبست خماري. (7) تقنعت إزاري: لبست إزاري (8) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو، أي فعدا فعدوت، فهو فوق الهرولة. (9) حشيا رابية: وحشيا معناه قد وقع عليك الحشا، وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النفس وتواتره. (10) فأنت السواد: أي الشخص. (11) لهدني: ضربني. (12) مسلم (974) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3082 وفيه: بنت أبي زرع. فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها. وملء كسائها «1» وغيظ جارتها «2» . جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «3» . ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «4» . ولا تملأ بيتنا تعشيشا» .. الحديث) * «5» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبّ العسل والحلوى، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهنّ، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكّة عسل، فسقت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالنّ له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنّه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير «6» ، فإنّه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الرّيح الّتي أجد منك؟ فإنّه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط «7» ، وسأقول ذلك. وقولي أنت يا صفيّة ذاك. قالت تقول سودة: فو الله ما هو إلّا أن قام على الباب فأردت أن أبادئه بما أمرتني به فرقا منك. فلمّا دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟. قال: «لا» . قالت: فما هذه الرّيح الّتي أجد منك؟ قال: «سقتني حفصة شربة عسل» . فقالت: جرست نحله العرفط. فلمّا دار إليّ قلت له نحو ذلك. فلمّا دار إلى صفيّة قالت له مثل ذلك. فلمّا دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: «لا حاجة لي فيه» . قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه «8» ، قلت لها: اسكتي» ) * «9» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت صانعا طعاما مثل صفيّة، صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طعاما فبعثت به، فأخذني أفكل «10» فكسرت الإناء، فقلت: يا رسول الله، ما كفّارة ما صنعت؟ قال: «إناء مثل إناء وطعام مثل طعام» ) * «11» . 17- * (عن هشام بن عروة؛ قال: «كان النّاس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أمّ سلمة فقلن: يا أمّ سلمة، والله إنّ النّاس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، وإنّا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن   (1) ملء كسائها: أي ممتلئة الجسم سمينة. (2) وغيظ جارتها: المراد بجارتها ضرتها. (3) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله. (4) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة. (5) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له (6) مغافير: جمع مغفور، وهو صمغ حلو له رائحة كريهة (7) جرست نحله العرفط، أي رعت نحل هذا العسل الذي شربته الشجر المعروف بالعرفط. (8) حرمناه: أي منعناه. (9) البخاري- الفتح 9 (5268) . (10) أفكل: بفتح الهمزة والكاف بينهما فاء ساكنة هي الرعدة من برد أو خوف، والمراد أنها لما رأت حسن الطعام أخذتها الغيرة الشديدة فأصابتها بسببها الرعدة. (11) النسائي (7/ 71) . وأبو داود 3 (3568) وقال محقق جامع الأصول (8/ 437) : إسناده حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3083 يأمر النّاس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار، قالت: فذكرت ذلك أمّ سلمة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: فأعرض عنّي. فلمّا عاد إليّ ذكرت له ذلك، فأعرض عنّي، فلمّا كان في الثّالثة ذكرت له فقال: «يا أمّ سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنّه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكنّ غيرها» ) * «1» المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الغيرة) 18- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر: «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم عليّ ابن أبي طالب. فلا آذن، ثمّ لا آذن، ثمّ لا آذن. إلّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنّما هي بضعة «2» منّي، يريا بني ما أرابها «3» ، ويؤذيني ما آذاها» ) * «4» . 19- * (عن المغيرة؛ قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح «5» فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه العذر من «6» الله، ومن أجل ذلك بعث المبشّرين والمنذرين، ولا أحد أحبّ إليه المدحة من الله «7» ، ومن أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «8» . من الآثار الواردة في (الغيرة) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة. فخرجتا معه جميعا. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان باللّيل، سار مع عائشة، يتحدّث معها. فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين اللّيلة بعيري وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر؟ قالت: بلى. فركبت عائشة على بعير حفصة. وركبت حفصة على بعير عائشة، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جمل عائشة.   (1) البخاري- الفتح 7 (7753) . (2) بضعه: البضعة بفتح الباء، قطعة اللحم. (3) يريا بني ما أرابها: الريب ما رابك من شيء خفت عقباه. (4) البخاري- الفتح 9 (5230) واللفظ له. ومسلم (2449) . (5) غير مصفح هو بكسر الفاء، أي غير ضارب بصفح السيف، وهو جانبه، بل أضربه بحده. (6) ولا أحد أحب إليه العذر من الله أي ليس أحد أحب إليه الإعذار من الله تعالى، فالعذر بمعني الإعذار والإنذار، قبل أخذهم بالعقوبة، ولهذا بعث الله المرسلين. (7) ولا أحد أحب إليه المدحة: المدحة هو المدح، فإذا ثبتت الهاء كسرت الميم، وإذا حذفت فتحت. (8) البخاري- الفتح 13 (7416) واللفظ له. ومسلم (1499) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3084 وعليه حفصة. فسلّم ثمّ سار معها. حتّى نزلوا. فافتقدته عائشة فغارت. فلمّا نزلوا جعلت تجعل رجلها بين الإذخر «1» وتقول: يا ربّ! سلّط عليّ عقربا أو حيّة تلدغني. رسولك، ولا أستطيع أن أقول له شيئا) * «2» . 2- * (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: «تزوّجني الزّبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز غربه «3» وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكنّ نسوة صدق، وكنت أنقل النّوى من أرض الزّبير- الّتي أقطعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- على رأسي، وهي منّي على ثلثي فرسخ. فجئت يوما والنّوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثمّ قال: إخ إخ «4» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرّجال، وذكرت الزّبير وغيرته- وكان أغير النّاس- فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي قد استحييت فمضى، فجئت الزّبير، فقلت: لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى رأسي النّوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النّوى كان أشدّ عليّ من ركوبك معه قالت: حتّى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس، فكأنّما أعتقني) *» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كنت أغار على اللّاتي وهبن أنفسهنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقول: وتهب المرأة نفسها؟ فلمّا أنزل الله- عزّ وجلّ- تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ (33/ الأحزاب/ آية 51) . قالت: قلت: والله! ما أرى ربّك إلّا يسارع لك في هواك «6» » ) * «7» . من فوائد (الغيرة) (1) صيانة الأعراض وحفظ الحرمات (2) مؤشّر على قوّة الإيمان ورسوخه في القلب (3) تعظيم شعائر الله وحفظ حدوده (4) مظهر من مظاهر الرّجولة الحقّة (5) نشر الفضيلة في المجتمع وتطهيره من الرّذيلة.   (1) الأذخر: نبات معروف توجد فيه الهوام غالبا في البرية. (2) البخاري- الفتح 9 (5211) . ومسلم (2445) واللفظ له. (3) غربه: دلوه. (4) اخ اخ: كلمة تقال للبعير لينيخه (5) البخاري- الفتح 9 (5224) (6) ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك: معناه يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور، ولهذا خيرك. (7) البخاري- الفتح 8 (4788) . ومسلم (1464) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3085 [ حرف الفاء ] الفرار إلى الله الفرار لغة: مصدر قولهم: فرّ يفرّ وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ر) الّتي تدلّ على الانكشاف وما يقاربه من الكشف عن الشّيء «1» ، يقال: فرّ يفرّ فرارا أي هرب، وتفارّوا أي تهاربوا، وفرس مفرّ: يصلح للفرار عليه. والمفرّ: الموضع، وقال الرّاغب: أصل الفرّ: الكشف عن سنّ الدّابّة، ومن ذلك الافترار: وهو ظهور السّنّ من الضّحك، وأفررته: جعلته فارّا، وقول الله تعالى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ (الأحزاب/ 16) إنّما الفرار من الحرب، وقال ابن منظور: الفرّ والفرار: الرّوغان والهرب. فرّ يفرّ فرارا: هرب. ورجل فرور وفرورة وفرّار: غير كرّار، وفرّ، وصف بالمصدر، فالواحد والجمع سواء. وفي حديث الهجرة: قال سراقة بن مالك حين نظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإلى أبي بكر- رضي الله عنه، مهاجرين إلى المدينة فمرّا به فقال: هذان فرّ قريش، أفلا أردّ على قريش فرّها؟. يريد الفارّين من قريش، يقال منه: رجل فرّ ورجلان فرّ، لا يثنّى ولا يجمع. وقوله الآيات/ الأحاديث/ الاثار 1/ 2/ 10 تعالى: أَيْنَ الْمَفَرُّ (القيامة/ 10) أي أين الفرار، وقرىء: أَيْنَ الْمَفَرُّ، أي أين موضع الفرار؟ والفرّى: الكتيبة المنهزمة، وكذلك الفلّى، وأفرّه غيره، وتفارّوا أي تهاربوا، وفرس مفرّ، بكسر الميم: يصلح للفرار عليه، ومنه قوله تعالى أَيْنَ الْمَفَرُّ بكسر الفاء: الموضع. وأفرّ به: فعل به فعلا يفرّ منه. وفي الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال لعديّ بن حاتم: «ما يفرّك عن الإسلام إلّا أن يقال لا إله إلّا الله» . أي: ما يحملك على الفرار إلّا التّوحيد. وكثير من المحدّثين يقولونه بفتح الياء وضمّ الفاء، قال: والصّحيح الأوّل. وفي قول عاتكة: أفرّ صياح القوم عزم قلوبهم ... فهنّ هواء، والحلوم عوازب أي حملها على الفرار وجعلها خالية بعيدة غائبة العقول «2» . واصطلاحا: لم تذكر كتب الاصطلاح عبارة «الفرار إلى الله» على أنّها مصطلح خاصّ، ولكنّ كتب التّفسير قد ذكرت ذلك عند تفسير قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي   (1) لهذه المادة معنيان آخران هما: الخفّة والطّيش، وضرب من الحيوان. انظر في ذلك مقاييس اللغة (4/ 438) . (2) لسان العرب (5/ 50- 51) ، والصحاح (3/ 780) ، ومقاييس اللغة (4/ 438) ، والمفردات (374) ، ونزهة الأعين النواظر (463) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3086 لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (الذاريات/ 50) ، فقال الطّبريّ- عند تفسير هذا الجزء من الاية الكريمة-: «اهربوا أيّها النّاس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به واتّباع أمره والعمل بطاعته» «1» ، وقال القرطبيّ في معنى هذه الاية الكريمة: قل لهم يا محمّد، أي لقومك: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (الذاريات/ 50) أي فرّوا من معاصيه إلى طاعته. وذكر عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قوله في هذه الاية: فرّوا إلى الله بالتّوبة من ذنوبكم، وروي عن ابن عبّاس أيضا في هذه الاية: فرّوا منه إليه واعملوا بطاعته، وقال بعضهم: فرّوا من طاعة الشّيطان إلى طاعة الرّحمن، وقيل: فرّوا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، وقيل: فرّوا إلى ما سبق لكم من الله، ولا تعتمدوا على حركاتكم «2» . وقال الشّوكانيّ: فرّوا إلى الله بالتّوبة من ذنوبكم عن الكفر والمعاصي، وقيل معنى ففرّوا إلى الله: اخرجوا من مكّة. وقال الحسين بن الفضل: احترزوا من كلّ شيء غير الله فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه، وقيل: فرّوا من طاعة الشّيطان إلى طاعة الرّحمن، وقيل: فرّوا من الجهل إلى العلم «3» . وقال أبو حيّان: فرّوا إلى الله: أمر بالدّخول في الإيمان وطاعة الله، وجعل الأمر ذلك بلفظ الفرار لينبّه على أنّ وراء النّاس عقابا وعذابا وأمرا حقّه أن يفرّ منه، فجمعت لفظة ففرّوا بين التّحذير والاستدعاء، وقال الزّمخشريّ: فرّوا إلى طاعته وثوابه من معصيته وعقابه ووحّدوه ولا تشركوا به شيئا «4» . ونستخلص من جملة هذه الأقوال وغيرها أنّ الفرار إلى الله اصطلاحا يعني: أن يفزع الإنسان ويهرب من عقاب الله ومن الشّيطان والمعاصي والجهل وكلّ ما عدا الله إلى طاعة الرّحمن والدّخول في الإيمان. قال ابن القيّم- رحمه الله-: من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 5) : منزلة الفرار: قال الله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ وحقيقة الفرار: الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السّعداء، وفرار الأشقياء. ففرار السّعداء: الفرار إلى الله- عزّ وجلّ- وفرار الأشقياء الفرار منه لا إليه. وأمّا الفرار منه إليه: ففرار أوليائه. قال صاحب المنازل: هو الهرب ممّا لم يكن إلى من لم يزل. وهو على ثلاث درجات: فرار العامّة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا. ومن الكسل إلى التّشمير جدّا وعزما. ومن الضّيق إلى السّعة ثقة ورجاء. يريد بما لم يكن «الخلق» ، وبما لم يزل «الحقّ» . وقوله: (فرار العامّة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا) : فالفرار المذكور: هو الفرار من الجاهلين: من الجهل بالعلم إلى تحصيله، اعتقادا ومعرفة وبصيرة. ومن جهل العمل إلى السّعي النّافع، والعمل الصّالح   (1) تفسير الطبري (11/ 473) . (2) تفسير القرطبي (17/ 36- 37) باختصار وتصرف يسير. (3) فتح القدير (5/ 91) . (4) البحر المحيط (8/ 142) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3087 قصدا وسعيا. وقوله: (ومن الكسل إلى التّشمير جدّا وعزما) : أي يفرّ من إجابة داعي الكسل إلى داعي العمل والتّشمير بالجدّ والاجتهاد. والجدّ ههنا هو صدق العمل، وإخلاصه من شوائب الفتور، ووعود التّسويف والتّهاون، وهو تحت السّين وسوف، وعسى ولعلّ، فهي أضرّ شيء على العبد، وهي شجرة ثمرها الخسران والنّدامات. وقوله: (من الضّيق إلى السّعة ثقة ورجاء) : يريد هروب العبد من ضيق صدره بالهموم والغموم والأحزان والمخاوف الّتي تعتريه في هذه الدّار من جهة نفسه. وما هو خارج عن نفسه ممّا يتعلّق بأسباب مصالحه، ومصالح من يتعلّق به، وما يتعلّق بماله وبدنه وأهله وعدوّه. يهرب من ضيق صدره بذلك كلّه إلى سعة فضاء الثّقة بالله تبارك وتعالى، وصدق التّوكّل عليه، وحسن الرّجاء لجميل صنعه به، وتوقّع المرجوّ من لطفه وبرّه. وكلّما كان العبد حسن الظّنّ بالله، حسن الرّجاء له، صادق التّوكّل عليه، فإنّ الله لا يخيّب أمله فيه ألبتّة، فإنّه سبحانه لا يخيّب أمل آمل، ولا يضيّع عمل عامل. وعبّر عن الثّقة وحسن الظّنّ بالسّعة، فإنّه لا أشرح للصّدر، ولا أوسع له- بعد الإيمان- من ثقته بالله ورجائه له وحسن ظنّه به. وبالجملة فصاحب هذا التّجريد: لا يقنع من الله بأمر يسكن إليه دون الله، ولا يفرح بما حصل له دون الله، ولا يأسى على ما فاته سوى الله، ولا يستغني برتبة شريفة، وإن عظمت عنده أو عند النّاس، فلا يستغني إلّا بالله. ولا يفتقر إلّا إلى الله. ولا يفرح إلّا بموافقته لمرضاة الله. ولا يحزن إلّا على ما فاته من الله. ولا يخاف إلّا من سقوطه من عين الله. واحتجاب الله عنه. فكلّه بالله، وكلّه لله، وكلّه مع الله، وسيره دائما إلى الله. وقد رفع له علمه فشمّر إليه. وتجرّد له مطلوبه فعمل عليه، تناديه الحظوظ: إليّ، وهو يقول: إنّما أريد من إذا حصل لي حصل لي كلّ شيء، وإن فاتني فاتني كلّ شيء، فهو مع الله مجرّد عن خلقه، ومع خلقه مجرّد عن نفسه، ومع الأمر مجرّد من حظّه، أعني الحظّ المزاحم للأمر، وأمّا الحظّ المعين على الأمر: فإنّه لا يحطّه تناوله عن مرتبته، ولا يسقطه من عين ربّه. وهذا أيضا موضع غلط فيه من غلط من الشّيوخ، فظنّوا أنّ إرادة الحظّ نقص في الإرادة. والتّحقيق فيه: أنّ الحظّ نوعان: حظّ يزاحم الأمر، وحظّ يؤازر الأمر. فالأوّل هو المذموم، والثّاني ممدوح وتناوله من تمام العبوديّة، فهذا لون، وهذا لون «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التوبة- الخوف- الرغبة- العفة- الوقاية- العبادة- الهجرة- الرهبة- الذكر- الخوف- الخشية- الخشوع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر- التخاذل- الإعراض- العصيان- الوهن- الغافلة- الغرور- اتباع الهوى- اللهو واللعب] .   (1) مدارج السالكين (1/ 504- 510) باختصار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3088 الآيات الواردة في «الفرار إلى الله» 1- وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) «1» الأحاديث الواردة في (الفرار إلى الله) 1- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «2» فتوضّأ وضوءك للصّلاة. ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن، ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «3» . وفوّضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك «4» ، رغبة ورهبة إليك «5» . لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك. آمنت بكتابك الّذي أنزلت. وبنبيّك الّذي أرسلت. واجعلهنّ من آخر كلامك. فإن متّ من ليلتك، متّ وأنت على الفطرة «6» قال: فرددتهنّ لأستذكرهنّ فقلت: آمنت برسولك الّذي أرسلت. قال: «قل: آمنت بنبيّك الّذي أرسلت» ) * «7» . 2- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء. فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له. ثمّ قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا. ثمّ قال: ألم يأمركم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟. قالوا: بلى. قال: فادخلوها. قال: فنظر بعضهم إلى بعض. فقالوا: إنّما فررنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من النّار. فكانوا كذلك، وسكن غضبه، وأطفئت النّار، فلمّا رجعوا ذكروا ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنّما الطّاعة في المعروف» ) * «8» .   (1) الذاريات: 47- 50 مكية (2) إذا أخذت مضجعك: معناه إذا أردت النوم في مضجعك. (3) أسلمت وجهي إليك. وفي الرواية الاخرى أسلمت نفسي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك. قال العلماء: الوجه والنفس هنا بمعنى الذات كلها، يقال: سلم وأسلم واستسلم بمعنى. (4) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدت في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده. (5) رغبة ورهبة: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عذابك. (6) الفطرة: أي الإسلام. (7) البخاري- الفتح 1 (247) ، ومسلم (2710) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 13 (7257) ، ومسلم (1840) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3089 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفرار إلى الله) 1- * (عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة- رضي الله عنها- مع عبيد بن عمير اللّيثيّ، فسألناها عن الهجرة، فقالت: «لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأمّا اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربّه حيث شاء، ولكن جهاد ونيّة) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خرجت يوم الخندق أقفو «2» آثار النّاس، قالت: فسمعت وئيد الأرض ورائي- يعني حسّ الأرض-. قالت: فالتفتّ فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنّه «3» ، قالت: فجلست إلى الأرض، فمرّ سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوّف على أطراف سعد، قالت: وكان سعد من أعظم النّاس، وأطولهم، قالت: فمرّ وهو يرتجز ويقول: ليت قليلا يدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: فقمت، فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطّاب، وفيهم رجل عليه سبغة له- يعني مغفرا «4» - فقال عمر: ما جاء بك لعمري، والله إنّك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوّز «5» . قالت: فما زال يلومني حتّى تمنّيت أنّ الأرض انشقّت لي ساعتئذ، فدخلت فيها. قالت: فرفع الرّجل السّبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر، ويحك إنّك قد أكثرت منذ اليوم وأين التّحوّز أو الفرار إلّا إلى الله- عزّ وجلّ-. قالت: ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش، يقال له ابن العرقة بسهم، فقال له: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله «6» فقطعه، فدعا الله- عزّ وجلّ- سعد فقال: اللهمّ لا تمتني حتّى تقرّ عيني من قريظة، قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهليّة، قالت: فرقي كلمه «7» وبعث الله- عزّ وجلّ- الرّيح على المشركين فكفى الله- عزّ وجلّ- المؤمنين شرّ القتال، وكان الله عزيزا) * «8» . 3- * (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن الخائفين؟. فقال: قلوبهم بالخوف قرحة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح والموت من   (1) البخاري- الفتح 7 (3900) . (2) أقفو: أتتبّع. (3) المجنّ: الترس وهو ما يتقي به السهام. (4) المغفر: حلق يتقنع به المتسلح، أوزرد يلبس تحت القلنسوة. (5) التحوز: التجمع. (6) الأكحل: عرق في اليد، وهو عرق الحياة. (7) فرقى كلمه: أي شفى جرحه. (8) أحمد (6/ 141) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3090 ورائنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنّم طريقنا، وبين يدي الله ربّنا موقفنا) * «1» . 4- * (ذكر مقاتل أنّ: الفرار: التّوبة. ومنه قوله تعالى في الذّاريات (آية/ 50) : فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) * «2» . 5- * (قال النّيسابوريّ في قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ: أي التجئوا إليه ولا تعبدوا غيره. أمر بالإقبال عليه والإعراض عمّا سواه) * «3» . 6- * (قال ابن جرير الطّبريّ في تأويل قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ الذاريات/ 50) : يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيّها النّاس من عقاب الله إلى رحمته، بالإيمان به، واتّباع أمره، والعمل بطاعته) * «4» . 7- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ: لمّا تقدّم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم، لذلك قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: قل لهم يا محمّد، أي لقومك: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أي فرّوا من معاصيه إلى طاعته. وقال ابن عبّاس: فرّوا إلى الله بالتّوبة من ذنوبكم، وعنه فرّوا منه إليه واعملوا بطاعته. وقال محمّد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (الذاريات/ 50) اخرجوا إلى مكّة. وقال الحسين ابن الفضل: احترزوا من كلّ شيء دون الله فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه. وقال أبو بكر الورّاق: فرّوا من طاعة الشّيطان إلى طاعة الرّحمن. وقال الجنيد: الشّيطان داع إلى الباطل ففرّوا إلى الله يمنعكم منه. وقال ذو النّون المصريّ: ففرّوا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشّكر. وقال عمرو بن عثمان: فرّوا من أنفسكم إلى ربّكم، وقال أيضا: فرّوا إلى ما سبق لكم من الله، ولا تعتمدوا على حركاتكم. وقال سهل بن عبد الله: فرّوا ممّا سوى الله إلى الله) * «5» . 8- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (الذاريات/ 50) : أي الجأوا إليه واعتمدوا في أموركم عليه) * «6» . 9- * (قال مالك بن دينار: بينما أنا أطوف بالبيت إذ أنا بجويرية متعبّدة متعلّقة بأستار الكعبة، وهي تقول: يا ربّ، كم من شهوة ذهبت لذّاتها، وبقيت تبعاتها. وتبكي، فما زال ذلك مقامها حتّى طلع الفجر. قال مالك: فلمّا رأيت ذلك وضعت يديّ على رأسي صارخا أقول: ثكلت مالكا أمّه) *» . 10- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- تحت عنوان (الرّحلة إلى الله وما يعترضها) : إذا عزم العبد على السّفر إلى الله تعالى وإرادته عرضت له   (1) إحياء علوم الدين (4/ 194) . (2) نزهة الأعين النواظر (464) . (3) حاشية السندي على تفسير ابن جرير الطبري (مج 7، ج 27، ص 16) . (4) جامع البيان في تفسير القرآن (مج 11، ج 27، ص 6- 7) . (5) تفسير القرطبي (مج 9، ج 17، ص 36، 37) . (6) تفسير ابن كثير (4/ 238) . (7) إحياء علوم الدين (4/ 194) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3091 الخوادع والقواطع، فينخدع أوّلا بالشّهوات والرّياسات والملاذّ والمناكح والملابس. فإن وقف معها انقطع وإن رفضها، ولم يقف معها وصدق في طلبه ابتلي بوطء عقبه «1» ، وتقبيل يده، والتّوسعة له في المجلس، والإشارة إليه بالدّعاء ورجاء بركته، ونحو ذلك. فإن وقف معه انقطع به عن الله، وكان حظّه منه، وإن قطعه، ولم يقف معه ابتلي بالكرامات والكشوفات، فإن وقف معها انقطع بها عن الله وكانت حظّه، وإن لم يقف معها ابتلي بالتّجريد والتّخلّي ولذّة الجمعيّة، وعزّة الوحدة والفراغ من الدّنيا. فإن وقف مع ذلك انقطع به عن المقصود، وإن لم يقف معه وسار ناظرا إلى مراد الله منه، وما يحبّه منه، بحيث يكون عبده الموقوف على محابّه ومراضيه، أين كانت؟، وكيف كانت؟، تعب بها أو استراح، تنعّم أو تألّم، أخرجته إلى النّاس أو عزلته عنهم، لا يختار لنفسه غير ما يختاره له وليّه وسيّده، واقف مع أمره ينفّذه بحسب الإمكان، ونفسه عنده عليه أهون عليه أن يقدّم راحتها ولذّتها على مرضاة سيّده وأمره، فهذا هو العبد الّذي قد وصل ونفذ ولم يقطعه عن سيّده شيء ألبتّة) * «2» . من فوائد (الفرار إلى الله) (1) رضوان الله سبحانه وتعالى والفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (2) ترك المعاصي والبعد عن الشّبهات. (3) طهارة القلوب وصفاء النّفس. (4) حبّ النّاس والعطف عليهم. (5) يشعر بالسّعادة و الفرح دائما. (6) البعد عن الدّنيا وعدم الانشغال بمباهجها وماثرها.   (1) أي بالسير خلفه. (2) الفوائد (172) . ط. المكتبة الثقافية، بيروت، 1409 هـ/ 1989 م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3092 الفرح الفرح لغة: مصدر قولهم: فرح يفرح، وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ح) الّتي تدلّ على خلاف الحزن يقال: فرح بكذا فهو فرح، قال تعالى: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ والمفراح: الّذي يفرح كلّما سرّه الدّهر، ويقال: فرح به: سرّ، والفرح أيضا: البطر، ومنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص/ 76) معناه- والله أعلم-: لا تفرح بكثرة المال في الدّنيا، لأنّ الّذي يفرح بالمال يصرفه في غير أمر الآخرة وقيل: لا تفرح لا تأشر ولا تبطر، والمعنيان متقاربان؛ لأنّه إذا سرّ ربّما أشر وبطر وتكبّر. وأفرحه: سرّه، يقال: ما يسرّني بهذا الأمر مفرح ومفروح به، ولا تقل مفروح، والتّفريح مثل الإفراح، ويقال: رجل فرح وفرحان وامرأة فرحة وفرحى. وقال ابن منظور: الفرح: نقيض الحزن، وقال ثعلب: هو أن يجد في قلبه خفّة. ورجل فرح وفرح ومفروح، عن ابن جنّي. وفرحان من قوم فراحى وفرحى، وامرأة فرحة وفرحى وفرحانة. الآيات/ الأحاديث/ الاثار 20/ 24/ 6 والمفراح: الّذي يفرح كلّما سرّه الدّهر. وهو الكثير الفرح، وقد أفرحه وفرّحه. والفرحة والفرحة: المسرّة، والفرحة أيضا: ما تعطيه المفرّح لك أو تثيبه به مكافأة له. وفي حديث التّوبة: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده ... » ، وصفة الفرح ثابتة عن الله- عزّ وجلّ- على ما يليق بجلاله وكماله. والتّفريح: مثل الإفراح، وتقول: لك عندي فرحة إن بشّرتني «1» . قال الأزهريّ: فالمفروح هو الشّيء الّذى أنا أفرح به، والمفرح هو الشّيء الّذي يفرحني «2» . واصطلاحا: قال الرّاغب: الفرح: انشراح الصّدر بلذّة عاجلة، وأكثر ما يكون في اللّذّات البدنيّة «3» . وقال المناويّ: الفرح: انفتاح القلب بما يلتذّ به «4» . وقال الكفويّ: الفرح ما يورث أشرا أو بطرا، ولذلك كثيرا ما يذمّ كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ويتولّد هذا عن القوّة الشّهويّة. وقيل: شرح   (1) مقاييس اللغة (4/ 499) ، الصحاح (1/ 390) ، لسان العرب (2/ 541) . (2) تهذيب اللغة (5/ 20) . (3) المفردات للراغب (375) ، وانظر أيضا الذريعة في مكارم الشريعة (339) . (4) التوقيف على مهمات التعريف (258) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3093 الصّدر بلذّة عاجلة، وقيل: لذّة القلب لنيل المشتهى «1» . من معاني كلمة «الفرح» في القرآن الكريم: جاء «الفرح» في القرآن الكريم على نوعين: مطلق ومقيّد. فالمطلق: جاء في الذّمّ. كقوله تعالى إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص/ 76) ، وقوله إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (هود/ 10) . والمقيّد: نوعان أيضا: مقيّد للدّنيا. ينسي صاحبه فضل الله ومنّته، فهو مذموم، كقوله تعالى حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (الأنعام/ 44) . والثّاني: مقيّد بفضل الله ورحمته. وهو نوعان أيضا: فضل ورحمة بالسّبب، وفضل بالمسبّب. فالأوّل: كقوله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس/ 58) والثّاني: كقوله تعالى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (آل عمران/ 170) الفرح نعيم القلب: فالفرح بالله، وبرسوله، وبالإيمان، وبالسّنّة، وبالعلم، وبالقرآن: من أعلى مقامات الدّين. قال الله تعالى وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (التوبة: 124) . وقال: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ (الرعد: 36) . فالفرح بالعلم والإيمان والسّنّة: دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبّته له، وإيثاره له على غيره. فإنّ فرح العبد بالشّيء عند حصوله له: على قدر محبّته له، ورغبته فيه. فمن ليس له رغبة في الشّيء لا يفرحه حصوله له، ولا يحزنه فواته. فالفرح تابع للمحبّة والرّغبة. والفرق بينه وبين الاستبشار: أنّ الفرح بالمحبوب بعد حصوله، والاستبشار: يكون به قبل حصوله. إذا كان على ثقة من حصوله، ولهذا قال تعالى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ (آل عمران/ 170) . والفرح: صفة كمال. ولهذا يوصف الرّبّ تعالى بأعلى أنواعه وأكملها، كفرحه بتوبة التّائب أعظم من فرحة الواجد لراحلته الّتي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقده لها، واليأس من حصولها. والمقصود: أنّ «الفرح» أعلى نعيم القلب، ولذّته وبهجته. والفرح والسّرور نعيمه. والهمّ والحزن عذابه. والفرح بالشّيء فوق الرّضا به. فإنّ الرّضا طمأنينة وسكون وانشراح. والفرح لذّة وبهجة وسرور «2» . أنواع الفرح: من الفرح ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود، فالمذموم ما كان مطلقا غير مقيّد، وهو الّذي يورث الأشر والبطر، والممدوح ما كان مقيّدا بفضل الله ورحمته، ومن ذلك الفرح بالعلم والإيمان والسّنّة.   (1) الكليات للكفوي (508) . (2) مدارج السالكين لابن القيم (3/ 165- 166) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3094 الفرق بين الفرح والسرور: قال الرّاغب: السّرور انشراح الصّدر بلذّة فيها طمأنينة النّفس، عاجلا وآجلا، وذلك في الحقيقة إذا لم يخف زواله ولا يكون ذلك إلّا في القنيات الاخرويّة، والفرح انشراح الصّدر بلذّة عاجلة وذلك يكون في اللّذّات البدنيّة الدّنيويّة «1» . وقال في الكلّيّات: السّرور: لذّة في القلب عند حصول نفع أو توقّعه أو اندفاع ضرر وهو والفرح والحبور أمور متقاربة، لكن السّرور هو الخالص المنكتم، والحبور: ما يرى حبره أي أثره في ظاهر البشرة، وهما مستعملان في المحمود، وأمّا الفرح فكثيرا ما يذمّ، والأوّلان يكونان عن القوّة الفكريّة، والفرح يكون عن القوّة الشّهويّة «2» . وقال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين السّرور والفرح أنّ السّرور لا يكون إلّا بما هو نفع أو لذّة على الحقيقة ... وقد يكون الفرح بما ليس بنفع ولا لذّة، كفرح الصّبيّ بالرّقص والعدو والسّباحة وغير ذلك ممّا يتعبه ويؤذيه ولا يسمّى ذلك سرورا، ألا ترى أنّك تقول: الصّبيان يفرحون بالسّباحة والرّقص ولا تقول: يسرّون بذلك، ونقيض السّرور: الحزن، ومعلوم أنّ الحزن يكون بالمرازي، فينبغي أن يكون السّرور بالفوائد وما يجري مجراها من الملاذّ، ونقيض الفرح: الغمّ. وقد يغتمّ الإنسان بضرر يتوهّمه من غير أن يكون له حقيقة وكذلك يفرح بما لا حقيقة له كفرح الحالم بالمنيّ وغيره، ولا يجوز أن يحزن أو يسرّ بما لا حقيقة له، وصيغة الفرح والسّرور فى العربيّة تنبىء عمّا قلناه فيهما «3» . [للاستزادة: انظر صفات: السرور- الرضا- طلاقة الوجه- التفاؤل- البشارة- التودد. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحزن- العبوس- الكرب- الغضب- اليأس- القنوط- الجزع- السخط] .   (1) الذريعة (339) . (2) الكليات (508) بتصرف يسير. (3) الفروق اللغوية (219- 220) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3095 الآيات الواردة في «الفرح» 1- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) «1» 2- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) «2» 3- وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «3» 4- الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) «4» 5- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) «5» الآيات الواردة في «الفرح» ولها معنى آخر 6- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) «6» 7- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188) «7»   (1) آل عمران: 169- 171 مدنية (2) يونس: 57- 58 مكية (3) الرعد: 36- 37 مدنية (4) الروم: 1- 5 مكية (5) الروم: 36- 37 مكية (6) آل عمران: 120 مدنية (7) آل عمران: 188 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3096 8- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) «1» 9- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) «2» 10- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) «3» 11- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) «4» 12- وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) «5» 13- اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (26) «6» 14- فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) «7» 15- فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) «8» 16- * إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) «9» 17- مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «10» 18- ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) «11» 19- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) «12» 20- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) «13»   (1) الأنعام: 44- 45 مكية (2) التوبة: 50 مدنية (3) التوبة: 81 مدنية (4) يونس: 22 مكية (5) هود: 10 مكية (6) الرعد: 26 مدنية (7) المؤمنون: 53 مكية (8) النمل: 36 مكية (9) القصص: 76 مكية (10) الروم: 32 مكية (11) غافر: 75 مكية (12) غافر: 83 مكية (13) الحديد: 22- 23 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3097 الأحاديث الواردة في (الفرح) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حضر المؤمن» أتته ملائكة الرّحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيّا عنك، إلى روح الله «2» وريحان «3» ، وربّ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتّى إنّه ليناوله بعضهم بعضا، حتّى يأتون به باب السّماء، فيقولون: ما أطيب هذه الرّيح الّتي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشدّ فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه. فيسألونه: ماذا فعل فلان؟. ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه، فإنّه كان في غمّ الدّنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمّه الهاوية. وإنّ الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح «4» فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك، إلى عذاب الله- عزّ وجلّ- فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتّى يأتون به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الرّيح، حتّى يأتون به أرواح الكفّار» ) * «5» . 2- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا صار أهل الجنّة إلى الجنّة، وصار أهل النّار إلى النّار، أتي بالموت حتّى يجعل بين الجنّة والنّار. ثمّ يذبح. ثمّ ينادي مناد: يا أهل الجنّة لا موت. ويا أهل النّار! لا موت. فيزداد أهل الجنّة! فرحا إلى فرحهم. ويزداد أهل النّار حزنا إلى حزنهم» ) * «6» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو يوعك فوضعت يدي عليه. فوجدت حرّه بين يديّ، فوق اللّحاف. فقلت: يا رسول الله! ما أشدّها عليك! قال: «إنّا كذلك. يضعّف لنا البلاء ويضعّف لنا الأجر» قلت: يا رسول الله! أيّ النّاس أشدّ بلاء؟ قال: «الأنبياء» قلت: يا رسول الله! ثمّ من؟ قال: «ثمّ الصّالحون. إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر. حتّى ما يجد أحدهم إلّا العباءة يحوّيها. وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرّخاء» ) * «7» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به. والصّيام جنّة «8» وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث «9» ولا يصخب «10» ، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إنّي امرؤ صائم، والّذي نفس محمّد بيده لخلوف «11» فم   (1) حضر المؤمن: أي حضرته الوفاة. (2) روح الله: أي رحمته. (3) ريحان: طيب. (4) مسح: ثوب من الشعر الغليظ. (5) النسائي (4/ 8) واللفظ له وصحيح النسائي (1729) . والصحيحة للألباني (1309) . (6) البخاري- الفتح 11 (6548) مسلم (2850) واللفظ له. (7) ابن ماجة (4024) واللفظ له وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات وبعضه في الصحيحين: الفتح 10 (5648) ومسلم (2571) من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-. (8) جنّة: سترة ووقاية ومانع من الاثام. (9) الرفث: السخف وفاحش الكلام. (10) الصخب: الصياح. (11) لخلوف: الخلوف تغير رائحة الفم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3098 الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصّائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربّه فرح بصومه» ) * «1» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ قال: يؤتى بالموت كأنّه كبش أملح حتّى يوقف على السّور بين الجنّة والنّار، فيقال: يا أهل الجنّة فيشرئبّون، ويقال: يا أهل النّار فيشرئبّون، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت فيضجع فيذبح، فلولا أنّ الله قضى لأهل الجنّة الحياة فيها والبقاء، لماتوا فرحا. ولولا أنّ الله قضى لأهل النّار الحياة فيها والبقاء لماتوا ترحا» ) * «2» . 6- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض دويّة «3» مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتّى أدركه العطش، ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه. فأنام حتّى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت. فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشدّ فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده» ) * «4» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّها قالت: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا «5» ضاحكا حتّى أرى منه لهواته «6» . إنّما كان يتبسّم. قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا، عرف ذلك في وجهه فقالت: يا رسول الله أرى النّاس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر. وأراك إذا رأيته، عرفت في وجهك الكراهية؟ قالت: فقال «يا عائشة!، ما يؤمّنني أن يكون فيه عذاب. قد عذّب قوم بالرّيح. وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا» ) * «7» . الأحاديث الواردة في (الفرح) معنى 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول الله- عزّ وجلّ- أنا عند ظنّ عبدي بي. وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ هم خير منهم. وإن تقرّب منّي شبرا تقرّبت إليه ذراعا. وإن تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت منه باعا. وإن أتاني يمشى أتيته هرولة «8» » ) * «9» . 9- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما-   (1) البخاري- الفتح 4 (1904) واللفظ له. ومسلم (1151) . (2) البخاري- الفتح 8 (4730) ، ومسلم (2849) ، والترمذي (3156) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. والترح ضد الفرح. (3) الأرض الدوية: الأرض القفر والفلاة الخالية. (4) البخاري- الفتح 11 (6308) ومسلم (2744) واللفظ له. (5) مستجمعا: المستجمع المجد في الشيء، القاصد له. (6) لهواته: اللهوات جمع لهاة. وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك. (7) البخاري- الفتح 8 (4828- 4829) . ومسلم (2744) واللفظ له. (8) هرولة: الهرولة بين المشي والعدو، وهو كناية عن سرعة إجابة الله تعالى وقبول توبة العبد. (9) البخاري- الفتح 13 (7405) ، ومسلم (2675) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3099 قال: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله. اشهد أنّي قد نحلت «1» النّعمان كذا وكذا من مالي. فقال: «أكلّ بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النّعمان؟» قال: لا. قال: «فأشهد على هذا غيري» . ثمّ قال: «أيسرّك أن يكونوا إليك في البرّ سواء؟» قال: بلى. قال: «فلا، إذا» ) * «2» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . قال: والّذي نفسي بيده: لا أزيد على هذا. فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «3» . 11- * (عن قرّة بن إياس- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه ابن له فقال له: «أتحبّه؟» فقال: أحبّك الله كما أحبّه. فمات ففقده فسأل عنه. فقال: «ما يسرّك ألاتأتي بابا من أبواب الجنّة إلّا وجدته عنده يسعى يفتح لك» ) * «4» . 12- * (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين، وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا انصرف تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال: «أظنّكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنّه جاء بشيء» . قالوا: أجل يا رسول الله، قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «5» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا، يا رسول الله. قال «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فإنّكم ترونه كذلك ... الحديث وفيه: ثمّ يقول الله تبارك وتعالى: هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره فيقول: لا أسألك غيره. ويعطي ربّه من عهود ومواثيق ما شاء الله. فيصرف الله وجهه عن النّار. فإذا أقبل على الجنّة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت. ثمّ يقول: أي ربّ، قدّمني إلى باب الجنّة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الّذي أعطيتك. ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك! فيقول: أي ربّ، ويدعو   (1) نحلت: بفتح النون والمهملة، والنّحلة بكسر النون: العطيّة بغير عوض. (2) البخاري- الفتح 5 (2587) ، ومسلم (1623) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 3 (1397) واللفظ له. ومسلم (15) . (4) النسائي (4/ 23) . واللفظ له (3/ 23) . وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (1764) . (5) البخاري- الفتح 11 (6425) واللفظ له. ومسلم (2961) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3100 الله حتّى يقول له: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا. وعزّتك، فيعطي ربّه ما شاء الله من عهود ومواثيق. فيقدّمه إلى باب الجنّة. فإذا قام على باب الجنّة انفهقت «1» له الجنّة. فرأى ما فيها من الخير والسّرور. فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثمّ يقول: أي ربّ، أدخلني الجنّة. فيقول الله تبارك وتعالى له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك ألاتسأل غير ما أعطيت؟ ويلك يا ابن آدم! ما أغدرك! فيقول: أي ربّ، لا أكون أشقى خلقك. فلا يزال يدعو الله حتّى يضحك الله تبارك وتعالى منه. فإذا ضحك الله منه، قال: ادخل الجنّة. فإذا دخلها قال الله له: تمنّه. فيسأل ربّه ويتمنّى. حتّى إنّ الله ليذكّره من كذا وكذا، حتّى إذا انقطعت به الأمانيّ. قال الله تعالى: ذلك لك ومثله معه» . قال أبو هريرة: وذلك الرّجل آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة» ) * «2» . 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيّها النّاس إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا، فقال: أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب، حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة، فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. من أراد بحبوحة «3» الجنّة فليلزم الجماعة. من سرّته حسنته وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «4» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنّيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث «5» ، قالت: وليستا بمغنّيتين «6» . فقال أبو بكر: أبمزمور الشّيطان «7» في بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا بكر، إنّ لكلّ قوم عيدا، وهذا عيدنا» ) *» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلّا الله خالصا من قبل نفسه» ) * «9» .   (1) انفهقت: معناه انفتحت واتسعت. (2) البخاري- الفتح 12 (7437) ومسلم (182) واللفظ له. (3) بحبوحة الجنة: أوسطها وأوسعها وأرجحها. (4) الترمذي (2165) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 669) : إسناده حسن. والبغوي في شرح السنة (11/ 22) . والحاكم في المستدرك (1/ 114) وصححه ووافقه الذهبي. (5) بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث: أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء. ويوم بعاث: هو يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج واستمرت حتى جاء الإسلام. وبعاث: هو موضع من المدينة المنورة. (6) وليستا بمغنيتين: معناه ليس الغناء عادة لهما. (7) بمزمور الشيطان: بضم الميم الأولى وفتحها، والضم أشهر ويقال أيضا: مزمار، وأصله صوت بصفير، والزمير: الصوت الحسن، ويطلق على الغناء أيضا. (8) البخاري- الفتح 2 (949) . ومسلم (892) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 11 (6570) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3101 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّساء خير؟ قال: «الّتي تسرّه إذا نظر «1» ، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره» ) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الفرح) 18- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سمع صوتا من قبر فقال: «متى مات هذا؟» قالوا: مات في الجاهليّة. فسرّ بذلك «3» وقال: «لولا أن لا تدافنوا «4» لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر» ) * «5» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليّ مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: «ألم تري أنّ مجزّزا «6» نظر آنفا «7» إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد. فقال: إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض» ) * «8» . 20- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عليهم الصّوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة فحثّ النّاس على الصّدقة، فأبطأوا عنه، حتّى رؤي ذلك في وجهه. قال: ثمّ إنّ رجلا من الأنصار جاء بصرّة من ورق. «9» وجاء آخر. ثمّ تتابعوا، حتّى عرف السّرور في وجهه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها. ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة، فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء» ) * «10» . 21- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان معنا أناس من الأعراب، فكنّا نبتدر «11» الماء، وكان الأعراب يسبقوننا إليه، فسبق أعرابيّ أصحابه، فسبق الأعرابيّ فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة ويجعل النّطع «12» عليه حتّى تجيء أصحابه، قال: فأتى رجل من الأنصار   (1) إذا نظر: أي إذا نظر الزوج لحسنها ظاهرا، أو لحسن أخلاقها باطنا ودوام اشتغالها بطاعة الله والتقوى. (2) أحمد في المسند (2/ 251) والنسائي (6/ 68) ، والحاكم في المستدرك (2/ 61) وصححه ووافقه الذهبي. (3) فسر بذلك: المراد أزيل عنه ما لحقه من الغم والحزن باحتمال أن يكون الميت مؤمنا معذبا في القبر. (4) لولا ألاتدافنوا: أي لولا خشية أن يفضي سماعكم إلى ترك أن يدفن بعضكم بعضا. (5) مسلم (2868) . والنسائي (4/ 102) واللفظ له. (6) مجزز: هو من بني مدلج، وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد وفي الحديث أن مجززا كان قائفا أي يتتبع الاثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه. (7) آنفا: أي قريبا. (8) البخاري- الفتح 12 (6770) واللفظ له. ومسلم (1459) . (9) الورق: الدراهم. (10) مسلم (1017) . (11) نبتدر الماء: نتسابق ونسرع إليه. (12) النطع: بساط من الجلد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3102 أعرابيّا فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع قباض «1» الماء، فرفع الأعرابيّ خشبته فضرب بها رأس الأنصاريّ فشجّه، فأتى عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه، فغضب عبد الله ابن أبيّ ثمّ قال كما حكى القرآن الكريم ذلك: لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (المنافقون/ 7) ، يعني الأعراب، وكانوا يحضرون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الطّعام، فقال عبد الله: إذا انفضّوا من عند محمّد فأتوا محمّدا بالطّعام، فليأكل هو ومن معه، ثمّ قال لأصحابه كما حكى القرآن الكريم ذلك: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ (المنافقون/ 8) قال زيد: وأنا ردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فسمعت عبد الله بن أبيّ فأخبرت عمّي، فانطلق فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إليه «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحلف وجحد. قال: فصدّقه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذّبني. قال: فجاء عمّي إليّ، فقال: ما أردت إلّا أن مقتك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذّبك والمسلمون. قال: فوقع عليّ من الهمّ ما لم يقع على أحد. قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر قد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا. ثمّ إنّ أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: ما قال شيئا، إلّا أنّه عرك أذني وضحك في وجهي. فقال: أبشر، ثمّ لحقني عمر، فقلت له مثل قولي لأبي بكر، فلمّا أصبحنا قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة المنافقين» ) * «3» . 22- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كان إذا أتاه أمر «4» يسرّه أو يسرّ به، خرّ ساجدا، شكرا لله- تبارك وتعالى-» ) * «5» . 23- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه ... الحديث وفيه: قالت: فو الله ما رام «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «7» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «8» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي «9» عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة، أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (24/ النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت فقال أبو   (1) قباض الماء: بكسر القاف، والمراد به ما يقبض به الماء، ويمسك من الحجارة وغيرها. (2) فأرسل إليه: أي إلى عبد الله. (3) الترمذي (3313) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وكذا رواه البيهقي عن الحاكم بن عبد الله بسندين قويين. (4) أمر: أي أمر عظيم، جليل القدر، رفيع المنزلة. (5) ابن ماجه (1394) واللفظ له. والترمذي (1578) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (2744) ، والدارقطني (157) ، والبيهقي (2/ 370) ، وأحمد (5/ 45) . والحديث بمجموع طرقه حسن. راجع الإرواء (2/ 226) . (6) ما رام: أي ما فارق. (7) البرحاء: هي الشدة. (8) ليتحدر مثل الجمان: أي يتصبب مثل الدرّ. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن. (9) سرّى: أي كشف وأزيل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3103 بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (24/ النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ «1» . 24- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد ... الحديث. وفيه:. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله- عزّ وجلّ- منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «2» يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر. قال: فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج. قال: فاذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس «3» بتوبة الله علينا، حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا. وسعى ساع من أسلم قبلي. وأوفى الجبل. فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله، ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم «4» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يتلقّاني النّاس فوجا فوجا «5» ، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله، ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» قال فقلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ فقال «لا. بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك .... الحديث» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفرح) 1- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة. وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر:   (1) البخاري- الفتح 5 (2661) . ومسلم (2770) واللفظ له. (2) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف. (3) آذن الناس: أي أعلمهم. (4) أتأمم: أي أقصد. (5) فوجا: الفوج الجماعة. (6) البخاري- الفتح 7 (4418) مسلم (2769) واللفظ له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3104 الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة: كذبت يا عمر! كلّا، والله كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم. وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء «1» في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونحن كنّا نؤذى ونخاف. وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. ووالله لا أكذب ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك. قال: فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «2» . يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» . 2- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أمّ مكتوم، وكانوا يقرئون النّاس، فقدم بلال وسعد وعمّار ابن ياسر ثمّ قدم عمر بن الخطّاب في عشرين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما قدم حتّى قرأت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى في سور من المفصّل» ) *» . 3- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر ظهرت الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت الم* غُلِبَتِ الرُّومُ (الروم/ 1- 2) إلى قوله يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ (الروم/ 4- 5) . قال: ففرح المؤمنون بظهور الرّوم على فارس» ) * «5» . 4- * (عن سهل- رضي الله عنه- قال: «كنّا نفرح يوم الجمعة. قلت لسهل: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة: نخل بالمدينة «6» فتأخذ من أصول السّلق «7» فتطرحه في قدر وتكركر «8» حبّات من شعير، فإذا صلّينا الجمعة انصرفنا ونسلّم عليها، فتقدّمه إلينا، فنفرح من أجله، وما كنّا نقيل «9» ولا نتغدّى إلّا بعد الجمعة» ) * «10» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله. إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم   (1) البعداء البغضاء: البعداء في النسب، البغضاء في الدين لأنهم كفار، إلا النجاشي. وكان يستخفي بإسلامه عن قومه. (2) أرسالا: أفواجا. (3) البخاري- الفتح 7 (3136) . ومسلم (2503) واللفظ له. ورد هذا الأثر في سياقة حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر. (4) البخاري- الفتح 7 (3925) . وقوله: «في سور من المفصل» أي مع سور من المفصل. (5) الترمذي (3192) . وقال: حسن غريب. (6) نخل بالمدينة: تفسير لبضاعة، والمراد بالنخل البستان ولذلك كان يؤتى منها بالسلق. (7) السّلق: نبت له ورق طوال وأصل ذاهب في الأرض وورقه رخص يطبخ. (8) تكركر: أي تطحن. (9) نقيل من القيلولة: نومة نصف النهار، أو استراحة إذا اشتد الحر وإن لم يكن مع ذلك نوم. (10) البخاري- الفتح 11 (6248) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3105 فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «1» ، فسمعت أمّي خشف قدميّ «2» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «3» . قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثمّ قالت: يا أبا هريرة، أشهد ألاإله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله، أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال: «خيرا» . قال: قلت يا رسول الله، ادع الله أن يجبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهم المؤمنين، فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني «4» . 6- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «ثمرة الرّضا: الفرح والسّرور بالرّبّ تبارك وتعالى» ) * «5» . من فوائد (الفرح) 1- الفرح بفضل الله يستتبع الشكر ومزيد الفضل . 2- الفرح بفضل الله علامة الإيمان به، وكونه المصدر الحقيقيّ له. 3- الفرح بفضل الله يشيع المودّة بين المؤمنين. 4- الفرح بالابتلاء دليل القرب من الله والرّضا بقضائه. 5- فرح الله بتوبة عبده باعث إلى المسارعة بها وإقلاع العبد عن المعصية. 6- فرح المرء باستقامة الاخرين يشيع الحبّ في المجتمع. ويجلب القرب من الله تعالى. 7- الفرح بفضل الله ثمرة الرّضا من الله على العبد.   (1) مجاف: مغلق. (2) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض. (3) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه. (4) مسلم (2491) . ورد هذا الأثر في سياقه حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر. (5) مدارج السالكين (2/ 183) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3106 الفضل الفضل لغة: مصدر قولهم: فضل يفضل، وهو مأخوذ من مادّة (ف ض ل) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على زيادة في شيء، من ذلك: الفضل: الزّيادة في الخير «1» ، وقال الجوهريّ: الفضل والفضيلة: خلاف النّقص والنّقيصة، والإفضال: الإحسان، والمتفضّل: الّذي يدّعي الفضل على أقرانه «2» ، وقال صاحب المفردات: الفضل: الزّيادة عن الاقتصار، وذلك على ضربين: محمود كفضل الحلم والعلم، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه، والفضل في المحمود أكثر استعمالا والفضول في المذموم «3» (أكثر) ، والفضيلة: الدّرجة الرّفيعة في الفضل، والفواضل: الأيادي الجسيمة «4» ، والفضل والفضالة: البقيّة، والتّفاضل بين القوم: أن يكون بعضهم أفضل من بعض، ورجل فاضل: ذو فضل، ورجل مفضول: قد فضله غيره، وقولهم: فضل فلان على غيره إذا غلب بالفضل عليه، وفي التّنزيل العزيز: يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ الآيات/ الأحاديث/ الاثار 72/ 17/ 11 عَلَيْكُمْ (المؤمنون/ 24) معناه: يريد أن يكون له الفضل عليكم في القدر والمنزلة «5» ، وقال القرطبيّ: المعنى: يريد أن يترفّع عليكم ويتعاظم بدعوى النّبوّة «6» ، وقال القرطبيّ: المعنى: يسودكم ويشرف عليكم بأن يكون متبوعا وأنتم له تبع «7» ، ويقال: فضّلته على غيره تفضيلا: إذا حكمت له بذلك، أو صيّرته كذلك، وأفضل عليه: زاد، قال ذو الإصبع: لاه ابن عمّك لا أفضلت فى حسب ... عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني وأفضل الرّجل على فلان وتفضّل بمعنى أناله من فضله وأحسن إليه، ويقال (أيضا) : تفضّلت عليه وأفضلت بمعنى: تطوّلت «8» ، ويقال: رجل مفضال: كثير الفضل والخير والمعروف، وامرأة مفضالة على قومها: إذا كانت ذات فضل سمحة «9» ، أمّا قول الله عزّ وجلّ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (هود/ 3) فمعناه كما قال ابن كثير: أي (جزاء) فضله في الدّار   (1) مقاييس اللغة 4/ 508، وفي الأصل الزيادة والخير. (2) الصحاح 5/ 1791. (3) المفردات للراغب 381 (تحقيق: كيلاني) . (4) في اللسان: الأيادي الجميلة، وقد جمع الفيروز ابادي في القاموس بين الأمرين فقال: الفواضل: الأيادي الجسيمة أو الجميلة. انظر: القاموس المحيط 1348 (ط. بيروت) . (5) لسان العرب 11/ 524 (ط. بيروت) . (6) تفسير ابن كثير 3/ 254. (7) تفسير القرطبي 12/ 118، وفيه «ونحن له تبع» والسياق يقتضي ما أثبتناه. (8) يشير ابن منظور بذلك إلى أن كلّا من التفضل والإفضال قد يأتي بمعنى الإحسان إلى الغير، ويأتي أيضا بمعنى التطوّل (أو التّطاول) عليهم. (9) لسان العرب 11/ 524. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3107 الآخرة «1» ، وقال أبو حيّان: المعنى: يعطى في الآخرة كلّ من كان له فضل في عمل الخير زيادة تفضّل بها المولى عزّ وجلّ (على ما كان له) ، وعلى هذا فالضّمير في «فضله» يرجع إلى الله عزّ وجلّ، ويجوز أن يرجع الضّمير إلى «كل» أي إلى ذي الفضل في الدّنيا، ومن ثمّ يكون المعنى: يعطى جزاء ذلك الفضل الّذي عمله في الدّنيا لا يبخس منه شيء «2» ، والفضل في الحديث الشّريف: «إنّ لله ملائكة سيّارة فضلا» (بضمّ الضّاد وتسكينها) معناه: زائدين عن الملائكة المرتّبين مع الخلائق «3» . الفضل اصطلاحا: قال الرّاغب: الفضل: كلّ عطيّة لا تلزم من يعطي «4» . وقال الجرجانيّ: الفضل: هو ابتداء إحسان بلا علّة «5» . أنواع الفضل: قال الرّاغب: الفضل إذا استعمل لزيادة شيء على آخر فأنواعه ثلاثة: الأوّل: فضل من حيث الجنس كفضل الحيوان على النّبات. الثّاني: فضل من حيث النّوع كفضل الإنسان على غيره من الحيوان. الثّالث: فضل من حيث الذّات كفضل إنسان على آخر. ولا سبيل للنّاقص في النّوعين الأوّلين أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل، كالفرس والحمار لا يمكنهما أن يستفيدا الفضل الّذي للإنسان، أمّا النّوع الثّالث فقد يكون: أ- عرضيّا فيوجد السّبيل إلى اكتسابه وذلك كفضل المال أو الرّزق وما أشبههما. ب- قد يكون ذاتيّا كفضل الرّجل على المرأة، وذلك بما خصّ الله به الرّجال من الفضيلة الذّاتيّة وبما أعطاهم من المكنة والمال والجاه والقوّة، ومن هذا أيضا فضل بعض النّبيّين على بعض بما فضّلهم الله به «6» ، وهذا القسم لا يمكن اكتسابه كالنّوعين الأوّلين لعدم تعلّقه بمشيئة المفضّل أو المفضول عليه. أمّا إذا استعمل لفظ الفضل في معنى الكمال فإنّ لعلماء «الأخلاق» فيه رأيا خاصّا يمكن استنباطه من تعريفهم للإنسان الفاضل، فمن هو الإنسان الفاضل؟ الإنسان الفاضل: هو- في رأي الماورديّ- من غلبت فضائله رذائله فقدر بوفور الفضائل على قهر الرّذائل فسلم من شين النّقص، وسعد بفضيلة التّخصيص «7» ، ولا يكون ذلك إلّا بمجاهدة النّفس،   (1) تفسير ابن كثير 2/ 451. (2) تفسير البحر المحيط لأبي حيان 5/ 202 (بتصرف يسير) . (3) النهاية لابن الأثير 3/ 455. (4) المفردات للراغب ص 382 (ت: كيلاني) . (5) التعريفات للجرجاني ص 174. (6) المفردات للراغب ص 382. (7) لعل المراد بالتخصيص هنا «الكمال» المتمثل في قهر الغرائز البهيمية بالعقل الذي منحه الله له وخصّه به دون سائر المخلوقات، أو أن المراد هو التخصيص بالكمالات دون النقائص. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3108 وهذه المجاهدة هي الّتي أطلق عليها الشّيخ دراز مصطلح «جهد المدافعة» ويراد بها: تلك العمليّة الّتي نضع فيها في مواجهة الميول الخبيثة الّتي تحثّنا على الشّرّ قوّة مقاومة قادرة على دفع تأثيرها «1» . أمّا ابن مسكويه فإنّه يعرّف الإنسان الفاضل بأنّه: الإنسان الخيّر صاحب الإحسان الذّاتيّ الّذي يبقى ولا ينقطع ويتزايد على الأيّام ولا ينتقص «2» ، ومن كانت هذه سيرته فإنّه يسرّ نفسه، ويسرّ به غيره، ويختار كلّ إنسان مواصلته ومصادقته، فهو صديق نفسه، والنّاس أصدقاؤه، وليس يضادّه إلّا الشّرّير «3» ، ومن النّاس من يصطنع المعروف لأجل الخير نفسه، ومنهم من يصطنعه لأجل الذّكر الجميل، ومنهم من يصطنعه رياء فقط، وأعلى هؤلاء مرتبة من صنع الخير لذاته، وصاحب هذه الرّتبة لا يعرف الذّكر الجميل والثّناء الباقي. ومن سار بهذه السّيرة واختارها لنفسه فقد أحسن إليها وأنزلها في الشّرف الأعلى وأهّلها لقبول الفيض الإلهيّ، وإذا كان بهذه الحال فهو لا محالة يفعل سائر الخيرات، وينفع غيره ببذل الأموال والسّماحة بجميع ما يتشاح النّاس عليه «4» . إنّ الّذي أشار إليه ابن مسكويه هنا من صفة الإنسان الفاضل قد عبّر عنه الشّيخ دراز بأنّه: «الجهد المبدع» وذكر أنّ لهذا الجهد ثلاث درجات: الأولى: الاختيار الإراديّ المتمثّل في البحث الجادّ عن الحلّ الّذي يجب أن نأخذ أنفسنا به ولا نكل أمر تحديد إرادتنا إلى تصاريف الطّبيعة الخارجيّة ولا إلى حركات فطرتنا الدّاخليّة، وإنّما نسمو فوق جميع الاعتبارات الظّاهرة والباطنة، ويعقب هذا البحث الجادّ إرادة واختيار لهذا الحلّ، وكلّ ما هو دون ذلك فعجز وخور. الثّانية: وتتمثّل في اختيار الصّالح، ولا بدّ هنا من استلهام روح الشّرع والتّطابق مع قواعده، وقد يحدث في الواقع أن يكون أحد الحلول كافيا ليوصف بأنّه صالح، وأن يكون هناك حلّ آخر أقلّ من أن يستحقّ هذا الوصف، مثال ذلك «الصّدقة» فهذه المساعدة الماليّة الّتي يريد المتصدّقون أن يقدّموها للفقراء قد تختلف على ما لا يحصى من الدّرجات تبعا لكرمهم ابتداء من الفلس» وانتهاء بهبة الثّروة كلّها، ولكنّ الشّرع الأخلاقيّ في الإسلام لم يدع الأمور فوضى، فالحدّ الأدنى هو الزّكاة المفروضة والحدّ الأقصى هو ثلث الثّروة الكلّيّة، وواجب المسلم (الفاضل) أن يتحاشى الطّرفين المحرّمين، فلا يقلّ عن مقدار الزّكاة ولا يزيد عن الثّلث وهو الحدّ الأقصى المباح. الثّالثة: تتمثّل هذه المرحلة الثّالثة من الجهد   (1) دستور الأخلاق في القرآن الكريم ص 594. (2) وهذا بخلاف الإحسان العارض الذي ليس بخلقيّ ولا هو سيرة لصاحبه فإنه ينقطع ويقع فيه اللّوم. انظر: تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 126. (3) أطلق الجاحظ على «الإنسان الفاضل» عند كل من الماوردي وابن مسكويه اسم «الإنسان التام» وعرّفه بأنّه: هو الذي لم تفته فضيلة ولم تشنه رذيلة، انظر: تهذيب الأخلاق للجاحظ ص 49. (4) باختصار وتصرف عن تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 12- 28. (5) الفلس عملة ذات قيمة متدنية وجمعها فلوس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3109 المبدع في البحث عن الأفضل، ولعلّ أوضح الأمثلة الّتي تحثّ على ذلك ما حدث قبل غزوة بدر عندما أخبر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ الله وعده إحدى الطّائفتين: العير أو النّفير، وقد مال الاتّجاه العامّ أوّل الأمر إلى الحلّ الأقلّ خطرا، والأكثر فائدة، ولكنّ الله عزّ وجلّ كان يريد أكثر الحلول تأثيرا وأعظمها شرفا، وأقدرها على حسم النّزاع بين الشّرّ والباطل، وقد كان، وهكذا فقد دعا الإسلام أتباعه إلى أن يبتغوا في سلّم الأعمال أسماها وأقواها تأثيرا «1» ، ثمّ خلص إلى القول إلى: أنّ العناصر الّتي يتكوّن منها الجهد المبدع هي: الاختيار الإراديّ، والاختيار الصّالح، والاختيار الأفضل، فالعنصر الأوّل هو روح الأخلاق بعامّة، والثّاني يقدّم إلى كلّ نوع من الأخلاق الخاصّة نوعيّتها المختلفة، وأمّا الثّالث فهو الّذي يتمّ عمل الاثنين ويكمله «2» . إنّ كلمة «الأفضل» (ومن ثمّ وصف عمل ما بهذا الوصف وإطلاق لقب الفاضل على صاحبه) لا ينبغي أن تؤخذ على أساس أنّها صيغة الحدّ الأعلى، بل على أساس المقارنة، لأنّ المستوى الّذي يندب جهد كلّ إنسان إلى أن يبلغه (ليكون فاضلا) ليس هو الدّرجة الحدّيّة الّتي تقع فوق التّكليف، وإنّما في هذا الامتداد المتراحب الّذي يتّسع لتنافس كلّ النّاس، حيث يدعى كلّ واحد منهم إلى أن يرتقي بالتّدريج، من نقطة لاخرى، بحسب قدراته، ومع مراعاة ما بقي من تكاليفه «3» . لفظ الفضل في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: الأصل في الفضل: الزّيادة، ويستعار في مواضع تدلّ عليها القرينة، وقد ذكر أهل التّفسير أنّ الفضل في القرآن الكريم على ثمانية أوجه: الأوّل: الإنعام بالإسلام كما في قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ (آل عمران/ 73) . الثّاني: الإنعام بالنّبوّة، ومنه قوله عزّ وجلّ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (النساء/ 113) . الثّالث: الرّزق في الدّنيا، ومنه قوله سبحانه: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (الجمعة/ 10) . الرّابع: الرّزق في الجنّة، ومنه قول الله عزّ وجلّ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ (آل عمران/ 171) . الخامس: الجنّة ومنه قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (الأحزاب/ 47) . السّادس: المنّة والنّعمة، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ (يوسف/ 38) . السّابع: الخلف (ممّا ينفق في سبيل الله) «4» ،   (1) انظر صفة: علو الهمة. (2) باختصار وتصرف عن دستور الأخلاق في القرآن ص 613- 622. (3) المرجع السابق، ص 622. (4) في الأصل: الحلف بالحاء ولا معنى له، وقد زاد محقق الكتاب الطين بلة فقال وفي نسخة الخلق (بالخاء) ، والصواب ما أثبتناه لأن الاية الكريمة جاءت في سياق الحث على الإنفاق وبيان أن الشيطان يخوف أولياءه من الفقر ويأمرهم بالفحشاء- الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3110 ومن ذلك قول الله تعالى وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا (البقرة/ 268) . الثّامن: التّجاوز (بالعفو عن السّيّئات) ومنه قوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ (البقرة/ 243) «1» . وقد زاد الفيروز اباديّ إلى ذلك معاني أخر منها: التّاسع: المعجزة والكرامة، كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا (سبأ/ 10) . العاشر: تأخير العذاب، وذلك كما في قوله تعالى وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور/ 14) . الحادي عشر: الظّفر والغنيمة، وذلك كما في قوله تعالى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ (آل عمران/ 174) . الثّاني عشر: قبول التّوبة والإنابة، وذلك كما في قوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (النور/ 20) . الثّالث عشر: زيادة الثّواب والكرامة، ومنه قول الله تعالى: وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ (الحديد/ 29) . ويمكن أن نضيف إلى ذلك المعاني الاتية «2» : الرّابع عشر: المعروف والإحسان كما في قوله تعالى وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) . الخامس عشر: الشّفاعة في الآخرة، ومن ذلك قوله سبحانه: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ (فاطر/ 30) . السّادس عشر: الخير والنّعمة، كما في قوله تعالى: وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ (يونس/ 107) . السّابع عشر: التّميّز في الخلق أو الرّزق، وذلك كما في قوله سبحانه: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ (هود/ 27) . وسوف نحاول فيما يلي تصنيف الآيات الكريمة الواردة في الفضل وفقا لهذه المعاني. [للاستزادة: انظر صفات: الاعتراف بالفضل- الإحسان- الشفاعة- الصفح- الجود- الكرم- السماحة- الإيثار- الإنصاف- البر- بر الوالدين- الشكر- الحمد. وفي ضد ذلك: انظر صفات: انكار الجميل- الإعراض- الإساءة- الغافلة- التعسير- الانتقام- الشماتة- النقمة- الأثرة- البخل- الشح- عقوق الوالدين] .   - أي البخل، والله عز وجل يعد أولياءه بالمغفرة وأن يعطيهم فضلا أي خلفا عما أنفقوه في سبيله ويكون ذلك بالرزق في الدنيا والنعيم في الآخرة، انظر في تفسير الاية: القرطبي 3/ 329، والتفسير القيم ص 168. (1) ذكر الفيروز ابادي معاني أخرى تتعلق بالتفضيل وليس لذلك علاقة بما نحن بصدده، ولذلك لم نذكرها. (2) اعتمدنا في إثبات المعاني التي لم يذكرها الفيروز ابادي وابن الجوزي على كتب التفسير وخاصة تفسير الطبري وابن كثير وتفسير أبي حيان (البحر المحيط) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3111 الآيات الواردة في «الفضل» أولا: الفضل هو الإنعام بالإسلام (والتوحيد) : 1- وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «2» 3- قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) «3» 4- وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) «4» 5- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) «5» 6- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) «6» ثانيا: الفضل هو الإنعام بالنبوة: 7- وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «7» 8- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) «8»   (1) آل عمران: 73- 74 مدنية (2) المائدة: 54 مدنية (3) يونس: 58 مكية (4) يوسف: 38 مكية (5) الحجرات: 7- 8 مدنية (6) الجمعة: 2- 4 مدنية (7) البقرة: 89- 90 مدنية (8) البقرة: 105 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3112 9- أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) «1» 10- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) «2» * 11- وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (87) «3» ثالثا: الفضل هو الرزق في الدنيا: 12- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) «4» 13- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) «5» 14- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) «6» 15- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37) «7» 16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «8» 17- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «9» 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «10»   (1) النساء: 54 مدنية (2) النساء: 113 مدنية * ذكر القرطبي في تفسير هذه الاية أن الفضل هنا بمعنى العصمة والتبين على الحق (3) الإسراء: 86- 87 مكية (4) البقرة: 198 مدنية (5) آل عمران: 180 مدنية (6) النساء: 32 مدنية (7) النساء: 37 مدنية (8) المائدة: 2 مدنية (9) الأنفال: 29 مدنية (10) التوبة: 28 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3113 19- وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) «1» 20- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) * وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) «2» 21- وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) «3» 22- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) «4» 23- انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) «5» 24- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «6» 25- وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) «7» 26- وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) «8» 27- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) «9» 28- وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) «10»   (1) التوبة: 59 مدنية (2) التوبة: 74- 76 مدنية (3) النحل: 14 مكية (4) الإسراء: 12 مكية (5) الإسراء: 21 مكية (6) النور: 32- 33 مدنية (7) القصص: 73 مكية (8) الروم: 23 مكية (9) الروم: 46 مكية (10) فاطر: 12 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3114 29- * اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) «1» 30- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) «2» 31- فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) «3» 32- * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «4» رابعا: الرزق في الجنة: 33- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) «5» 34- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «6» خامسا: الجنة (وما فيها من القربى واللقاء والرؤية) : 35- وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) «7» 36- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «8» 37- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)   (1) الجاثية: 12 مكية (2) الحشر: 8 مدنية (3) الجمعة: 10 مكية (4) المزمل: 20 مكية (5) آل عمران: 169- 171 مكية (6) النساء: 174- 175 مدنية (7) هود: 3 مكية (8) الروم: 44- 45 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3115 جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) «1» * 39- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) «2» 40- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «3» 41- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «4» سادسا: المنة والنعمة: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «5» 43- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) «6» 44- وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) «7» 45- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «8» 46- الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «9» 47- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) «10» 48- لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) «11»   (1) فاطر: 32- 33 مكية * قيل في معنى الفضل في الاية الكريمة قولان آخران هما: الاصطفاء وإتيانهم الكتاب، انظر تفسير الاية الكريمة في تفسير القرطبي 14/ 349. (2) الشورى: 22 مكية (3) الفتح: 29 مدنية (4) الحديد: 21 مدنية (5) البقرة: 251 مدنية (6) النساء: 83 مدنية (7) الأعراف: 39 مكية (8) النور: 10 مدنية (9) فاطر: 35 مكية (10) غافر: 61 مكية (11) الدخان: 56- 57 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3116 سابعا: الخلف* مما أنفق في الخير: 49- الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) «1» ثامنا: التجاوز والعفو: 50- * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243) «2» 51- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «3» 52- وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) «4» تاسعا: الفضل بمعنى المعجزة والكرامة: 53- وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) «5» 54- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «6» 55- * وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) «7» عاشرا: الفضل بمعنى تأخير العذاب وإمهال العقوبة: 56- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) «8» 57- قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (73) «9»   (1) البقرة: 268 مدنية * ذكرنا قبلا أنه قد حدث تصحيف لهذه الكلمة (الخلف) في نزهة الأعين النواظر، وقد خالف الفيروز ابادي فجعل الفضل في الاية بمعنى البر والصدقة، وقد جعل ذلك في مقابل الفحشاء التي يدعو إليها الشيطان أولياءه، وقد أفاض أبن القيم في شرح هذه الاية في التفسير القيم ص 168 وخلاصة ما ذهب إليه أن الله عز وجل يعد عبده مغفرته لذنوبه، وفضلا بأنه يخلف عليه أكثر مما أنفق في الدنيا. (2) البقرة: 243 مدنية (3) ال عمران: 152 مدنية (4) يونس: 60 مكية (5) النمل: 16 مكية (6) النمل: 40 مكية (7) سبأ: 10 مكية (8) النور: 14 مدنية (9) النمل: 72- 73 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3117 حادي عشر: الظفر والغنيمة: 58- فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «1» 59- وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) «2» ثاني عشر: قبول التوبة والإنابة: 60- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) «3» 61- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) «4» ثالث عشر: زيادة الثواب والكرامة: 62- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «5» 63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «6» رابع عشر: المعروف والإحسان: 64- وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «7» 65- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «8» خامس عشر: الشفاعة في الآخرة: 66- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا   (1) آل عمران: 174 مدنية (2) النساء: 73 مدنية (3) البقرة: 63- 64 مدنية (4) النور: 21 مدنية (5) النساء: 69- 70 مدنية (6) الحديد: 28- 29 مدنية (7) البقرة: 237 مدنية (8) البقرة: 22 مدنية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3118 وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «1» 67- رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «2» 68- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «3» 69- وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «4» سادس عشر: الفضل بمعنى الخير والعفة: 70- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) «5» سابع عشر: الفضل بمعنى التميز: 71- فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) «6» 72- فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) «7»   (1) النساء: 173 مدنية (2) النور: 37- 38 مدنية (3) فاطر: 29- 30 مكية (4) الشورى: 26 مكية (5) يونس: 107 مكية (6) هود: 27 مكية (7) المؤمنون: 24 مكية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3119 الأحاديث الواردة في (الفضل) 1- * (عن عديّ بن حاتم قال: «بينا أنا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل، فقال: «يا عديّ، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: «فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلّا الله» - قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعّار طييء الّذين قد سعّروا البلاد؟ «ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى» . قلت: كسرى ابن هرمز؟ قال: «كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه. وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنّ: ألم أبعث إليك رسولا فيبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلّا جهنّم» ، قال عديّ سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة فبكلمة طيّبة» . قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج ملء كفّه» ) * «1» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا أخذ مضجعه: الحمد لله الّذي كفاني وآواني، وأطعمني وسقاني، والّذي منّ عليّ فأفضل، والّذي أعطاني فأجزل، الحمد لله على كلّ حال، اللهمّ ربّ كلّ شيء ومليكه، وإله كلّ شيء، أعوذ بك من النّار» ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان في سفر فأسحر يقول: «سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه علينا، اللهمّ صاحبنا فأفضل علينا، عائذا بالله من النّار» ) * «3» . 4- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا ابن آدم، إنّك أن تبذل الفضل «4» خير لك، وأن تمسكه شرّ لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «5» . 5- * (عن سالم بن عبد الله عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّه أخبره أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّما   (1) البخاري- الفتح 6/ (3595) . (2) سنن أبي داود (5058) . وابن حبان رقم (5538) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 258) : إسناده حسن. (3) مسلم رقم (2718) وسنن أبي داود (5086) . وانظر «جامع الأصول» (4/ 289) . (4) الفضل هنا ما زاد عن حاجة المرء وحاجة عياله. (5) مسلم (1036) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3120 بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشّمس، أوتي أهل التّوراة التّوراة، وأوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة العصر، ثمّ عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثمّ أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشّمس، فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتابين: أي ربّنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطا قيراطا، ونحن كنّا أكثر عملا، قال: قال الله عزّ وجلّ: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لن يدخل أحدا عمله الجنّة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني الله بفضل ورحمة، فسدّدوا، وقاربوا، ولا يتمنّين أحدكم الموت، إمّا محسنا، فلعلّه أن يزداد خيرا، وإمّا مسيئا فلعلّه أن يستعتب» ) * «2» . 7- عن أبي الزّبير- رضي الله عنه- قال: كان ابن الزّبير يقول في دبر كلّ صلاة، حين يسلّم: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا حول ولا قوّة إلّا بالله، لا إله إلّا الله، ولا نعبد إلّا إيّاه، له النّعمة وله الفضل، وله الثّناء الحسن، لا إله إلّا الله مخلصين له الدّين، ولو كره الكافرون» وقال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهلّل «3» بهنّ دبر كلّ صلاة» ) * «4» . 8- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليصيبنّ أقواما سفع من النّار بذنوب أصابوها عقوبة، ثمّ يدخلهم الله الجنّة بفضل رحمته، يقال لهم الجهنّميّون» ) * «5» . 9- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلّا غفر الله لهما بفضل رحمته إيّاهم» ) * «6» . 10- عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يدعو الله بصاحب الدّين يوم القيامة حتّى يوقف بين يديه، فيقال: يا ابن آدم، فيم أخذت هذا الدّين وفيم ضيّعت حقوق النّاس؟ فيقول: يا ربّ إنّك تعلم أنّي أخذته فلم آكل، ولم أشرب، ولم ألبس، ولم أضيّع ولكن أتى على يدي إمّا حرق، وإمّا سرق، وإمّا وضيعة، فيقول الله عزّ وجلّ: صدق عبدي، أنا أحقّ من قضى عنك اليوم، فيدعو الله بشيء فيضعه في كفّة ميزانه، فترجح حسناته على سيّئاته، فيدخل الجنّة بفضل رحمته» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح (577) . (2) البخاري- الفتح (5673) واللفظ له، ومسلم (2816) . (3) يهلل بهن أي يرفع بهن صوته. (4) مسلم (594) . (5) البخاري- الفتح (7450) . (6) سنن النسائي 1874، وقد روى مثله أيضا عن أبي هريرة انظر الحديث (1876) . وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 593) : وهو حديث صحيح. (7) أحمد، المسند (ت. الشيخ شاكر) رقم (1708) قال: وإسناده حسن، وهو في مجمع الزوائد 4/ 133، وقال رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3121 11- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّبح بالحديبية في إثر السّماء «1» كانت من اللّيل، فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: هل تدرون ماذا قال ربّكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء «2» كذا وكذا، فهو كافر بي مؤمن بالكوكب» ) * «3» . 12- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينا نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له» قال (أبو سعيد) فذكر من أصناف المال ما ذكر حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل» ) * «4» . 13- * (عن أبي حميد أو عن أبي أسيد: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهمّ إنّي أسألك من فضلك» *) «5» . 14- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله، أيّ النّاس أفضل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، قالوا: ثمّ من؟ قال: المؤمن في شعب من الشّعاب يتّقي الله، ويدع النّاس من شرّه» ) * «6» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم صياح الدّيكة فاسألوا الله من فضله فإنّها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوّذوا بالله من الشّيطان فإنّه رأى شيطانا» ) * «7» . 16- * (عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «سلوا الله من فضله، فإنّ الله- عزّ وجلّ- يحبّ أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج» ) * «8» .   (1) السماء هنا هي المطر. (2) أصل النوء الطلوع، وقيل السقوط، والمراد سقوط أو طلوع كوكب ما. (3) البخاري- الفتح (846) ، ومسلم (71) واللفظ له. (4) مسلم (1728) . (5) مسلم (713) واللفظ له، والنسائي (729) ، وفيه رواية للحديث عن أبي أسيد وأبي حميد معا. (6) البخاري- الفتح (2786) . (7) البخاري- الفتح 6 (3303) . (8) الترمذي (3571) قال أبو عيسى: هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث، وقد خولف في روايته، وحماد بن واقد هذا هو الصفار ليس بالحافظ وهو عندنا شيخ بصري، وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، مرسل، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح. وقال محقق جامع الأصول (4/ 166) : هو حديث حسن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3122 الأحاديث الواردة في (الفضل) معنى 17- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثمّ جعل من حوائج النّاس إليه «1» فتبرّم فقد عرّض تلك النّعمة للزّوال» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفضل) 1- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «يأتي على النّاس زمان عضوض، يعضّ الموسر على ما في يديه، قال: ولم يؤمر بذلك، قال الله عزّ وجلّ: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (البقرة/ 237) ، وينهد «3» الأشرار، ويستذلّ الأخيار، ويبايع المضطرّون» ) * «4» . 2- * (قال الحسن في قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (البقرة/ الاية 219) ، العفو: الفضل) * «5» . 3- * (قال الإمام البخاريّ: أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة «أي إمامة النّاس في الصّلاة» ) * «6» . 4- * (قال ميمون بن مهران: «من رضي من الإخوان بترك الإفضال فليؤاخ أهل القبور» ) * «7» . 5- * (قال ابن القيّم: «أنفع النّاس لك رجل مكّنك من نفسه حتّى تزرع فيه خيرا أو تصنع إليه معروفا، فإنّه نعم العون لك على منفعتك وكمالك، فانتفاعك به في الحقيقة مثل انتفاعه بك أو أكثر، وأضرّ النّاس عليك رجل مكّن نفسه منك حتّى تعصي الله فيه فإنّه عون لك على مضرّتك   (1) المعنى: جعل الله هذه النعمة مما يحتاج إليه الناس فطلبوا مساعدة صاحبها فتبرم.. (2) رواه المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 391، وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد. (3) ينهد أي يصعدون وتعلو مكانتهم، ومبايعة المضطرين أي الشراء منهم. (4) أحمد، المسند 1/ 116، وقال الشيخ شاكر (ح 937) إسناده ضعيف لوجود مجهول فيه، ولكنّ للحديث إسنادا آخر يقوى به عند ابن مردويه، وذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ولم يضعفه، انظر تفسير ابن كثير 1/ 297. (5) البخاري- الفتح ج 9، ص 407، قال ابن حجر: وصله عبدين حميد، وعبد الله بن أحمد (بن حنبل) ، في زيادات الزهد نسبه صحيح، وزاد: ولا لوم على الكفاف، والفضل هنا ما لا يؤثر في المال فيمحقه. (6) البخاري- الفتح ج 2 ص 192، وقد ذكر ذلك في ترجمة الباب السادس والأربعين من كتاب الأذان. (7) الاحياء 2/ 173. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3123 ونقصك» ) * «1» . 6- * (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (البقرة/ 237) : الفضل: إتمام الرّجل الصّداق كلّه، أو ترك المرأة النّصف الّذي لها» ) * «2» . 7- * (عن سعيد بن جبير قال: الفضل الإحسان) * «3» . 8- * (وعن الضّحّاك وقتادة والسّدّيّ وأبي وائل: الفضل: المعروف) * «4» . 9- * (حدّث سفيان عن أبي هارون قال: رأيت هارون بن عبد الله في مجلس القرظيّ، فكان عون يحدّثنا ولحيته ترشّ من البكاء ويقول: صحبت الأغنياء فكنت من أكثرهم همّا، حين رأيتهم أحسن ثيابا، وأطيب ريحا، وأحسن مركبا، وجالست الفقراء فاسترحت بهم، وقال عون: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إذا أتاه السّائل وليس عنده شيء فليدع له» ) * «5» . 10- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ 268) : «المغفرة هي السّتر على عباده في الدّنيا والآخرة. والفضل: هو الرّزق في الدّنيا، والتّوسعة والنّعيم في الآخرة» ) * «6» . 11- * (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (هود/ 3) ، «الفضل هو ما يحتسبه الإنسان من كلام يقوله بلسانه، أو عمل يعمله بيده أو رجله، أو ما تطوّع به من ماله فهو فضل الله، يؤتيه ذلك إذا آمن، ولا يتقبّله منه إن كان كافرا» ) * «7» . من فوائد (الفضل) (1) الفضل الأكبر هو لله عزّ وجلّ، ومن تحلّى بذلك فإنّه يؤهّل نفسه لقبول الفيض الإلهيّ، والمدد الرّبّانيّ. (2) الفضل بمعنى إعطاء مالا يجب يجعل لصاحبه مكانة عظمى عند الله عزّ وجلّ وعند النّاس. (3) الفاضل محبوب من النّاس يألفهم ويألفونه. (4) من حاز الفضل في الدّنيا أعطاه الله من فضله في الدّنيا والآخرة.   (1) الفوائد (260) . (2) تفسير القرطبي (3/ 208) . (3) تفسير ابن كثير (1/ 297) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) تفسير القرطبي (3/ 329) . (7) المرجع السابق (9/ 4) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3124 (5) الفاضل يسلم من شين النّقص ويسعد بمرتبة الكمال. (6) الإنسان الفاضل يدفعه فضله إلى أن يكون من ذوي الهمم العالية. (7) الإنسان الفاضل عضو فعّال في المجتمع يسعد ويحظى بالرّضا والقبول وكثرة الأصدقاء. (8) الإنسان الفاضل من شأنه أن يسعد نفسه ويقيها شرّ الشّحّ. (9) الإنسان الفاضل من أتباع الرّحمن، بخلاف الشّرّير الّذي يعدّ من جند الشّيطان. (10) الإنسان الفاضل ذو جهد مبدع خلّاق، يختار الأصلح ويقوم بتنفيذه على أكمل وجه. (11) الفضل مجال للتّنافس الخيّر الّذي لا إفراط فيه ولا تفريط. (12) التحلّي بالفضل يدفع الفاضل إلى عدم ظلم النّاس أو استغلال ظروفهم. (13) الفضل يوطّد أركان الأسرة المسلمة بتنازل أحد الطّرفين عن حقوقه طواعية خاصّة في حالة الزّوجة الّتي لم يدخل بها. (14) التّحلّي بالفضل يدفع إلى الإيثار والتّعوّد على الكرم والزّهد في المال وحسن التّصرّف فيه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3125 المجلد الثامن محتويات المجلد الثامن م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 160/ تابع حرف الفاء الفطنة/ 3126 161/ الفقه/ 3137 162/ حرف القاف القسط/ 3153 163/ القصاص/ 3161 164/ القناعة/ 3167 165/ القنوت/ 3176 166/ القوة والشدة/ 3188 167/ قوة الإرادة/ 3196 168/ حرف الكاف كتمان السر/ 3203 169/ الكرم/ 3214 170/ كظم الغيظ/ 3236 171/ كفالة اليتيم/ 3245 172/ الكلم الطيب/ 3265 173/ حرف اللام اللين/ 3295 174/ حرف الميم مجاهدة النفس/ 3303 175/ محاسبة النفس/ 3317 176/ المحبة/ 3325 177/ المداراة/ 3357 178/ المراقبة/ 3367 179/ المروءة/ 3373 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 180/ المسارعة في الخيرات/ 3387 181/ المسئولية/ 3400 182/ المعاتبة والمصارحة 3418 183/ معرفة الله- عز وجل-/ 3433 184/ المواساة/ 3458 185/ حرف النون النبل/ 3470 186/ النزاهة/ 3475 187/ النشاط/ 3485 188/ النصيحة والتواصي/ 3489 189/ النظام/ 3508 190/ النظر والتبصر/ 3515 191/ حرف الهاء الهجرة/ 3544 192/ الهدى/ 3567 193/ حرف الواو الورع/ 3616 194/ الوعظ/ 3627 195/ الوفاء/ 3638 196/ الوقار/ 3669 197/ الوقاية/ 3675 198/ الولاء والبراء/ 3685 199/ حرف الياء اليقظة/ 3712 200/ اليقين/ 3717 الجزء: 8 [تابع حرف الفاء] الفطنة الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 18/ 11 الفطنة لغة: مصدر فطن للشيء يفطن فطنة وفطانة، قال ابن فارس: الفاء والطّاء والنّون كلمة واحدة تدلّ على ذكاء وعلم بشيء، يقال رجل فطن وفطن (إذا كان ذا فطنة، يقال: فطنت للشّيء وفطنت له، وقال ابن منظور: الفطنة: كالفهم. والفطنة: الحذق والفهم، وقد تفسّر بجودة تهيّؤ النّفس لتصوّر ما يرد عليها من الغير وهي: ضدّ الغباوة. ورجل فطن بيّن الفطنة والفطن. وقد فطن لهذا الأمر- بالفتح- يفطن فطنة. وقد فطن (بالكسر) فطنة وفطانة وفطانية والجمع فطن، والأنثى فطنة. وفطن- بالضّمّ- إذا صارت الفطانة سجيّة له. وأمّا الفطن فذو فطنة للأشياء. وفطّنه لهذا الأمر تفطينا: فهّمه، ويتعدّى بالتّضعيف فيقال: فطّنته للأمر. وفي المثل: لا يفطّن القارة- أنثى الدّببة- إلّا الحجارة. وفاطنه في الحديث راجعه. قال الرّاعي: إذا فاطنتنا في الحديث تهزهزت ... إليها قلوب، دونهنّ الجوانح «1» واصطلاحا: هي قوّة للنّفس تشمل الحواسّ الظّاهرة والباطنة معدّة لاكتساب العلوم. وقيل: هي الاستعداد التّامّ لإدراك العلوم والمعارف بالفكر. وقال الكفويّ: هي التّنبّه للشّيء الّذي يقصد معرفته «2» . الفرق بين الفهم والفطنة والفقه: قال الكفويّ: الفهم: هو التّعلّق غالبا بلفظ من مخاطبك، والفقه: هو العلم بغرض المخاطب من خطابه، والفطنة: هي التّنبّه للشّيء الّذي يقصد معرفته «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الحكمة- الإسلام الإيمان- العلم- الفقه- التقوى- البصيرة- النظر والتبصر- التبين (التثبت) . وفي ضد ذلك: انظر صفات: البلادة والغباء- الحمق- السفاهة- الغفلة- الإعراض- الجهل- الطيش] .   (1) لسان العرب (13/ 323- 324) ، والمصباح المنير (2/ 133) ، والصحاح (6/ 77/ 21) . ومقاييس اللغة لابن فارس (4/ 511) . (2) التعريفات للجرجاني (108) ، والكليات للكفوي (67) (3) ذكر الكفوي ذلك ضمن حديثه عن مراتب وصول العلم إلى النفس. انظر: الكليات (67) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3126 الأحاديث الواردة في (الفطنة) 1- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فقال: «صلّ ركعتين» . ثمّ جاء الجمعة الثانية والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب فقال: «صلّ ركعتين» . ثمّ جاء الجمعة الثّالثة. فقال: «صلّ ركعتين» . ثمّ قال: «تصدّقوا» . فتصدّقوا فأعطاه ثوبين، ثمّ قال: «تصدّقوا» . فطرح أحد ثوبيه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تروا إلى هذا إنّه دخل المسجد بهيئة بذّة، فرجوت أن تفطنوا له فتتصدّقوا عليه، فلم تفعلوا فقلت: تصدّقوا فتصدّقتم فأعطيته ثوبين، ثمّ قلت تصدّقوا فطرح أحد ثوبيه، خذ ثوبك» وانتهره) * «1» . 2- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: انكسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال النّاس: إنّما انكسفت لموت إبراهيم. فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصلّى بالنّاس ستّ ركعات بأربع سجدات. بدأ فكبّر. ثمّ قرأ فأطال القراءة. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع، فقرأ قراءة دون القراءة الأولى. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع فقرأ قراءة دون القراءة الثّانية. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع. ثمّ انحدر بالسّجود فسجد سجدتين. ثمّ قام فركع أيضا ثلاث ركعات. ليس فيها ركعة إلّا الّتي قبلها أطول من الّتي بعدها. وركوعه نحوا من سجوده. ثمّ تأخّر، وتأخّرت الصّفوف خلفه. حتّى انتهينا. (وقال أبو بكر «2» : حتّى انتهى إلى النّساء) ثمّ تقدّم، وتقدّم النّاس معه. حتّى قام في مقامه. فانصرف حين انصرف، وقد آضت الشّمس «3» . فقال: «يا أيّها النّاس إنّما الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. وإنّهما لا ينكسفان لموت أحد من النّاس (وقال أبو بكر: لموت بشر) فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلّوا حتّى تنجلي. ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه. لقد جيء بالنّار. وذلكم حين رأيتموني تأخّرت مخافة أن يصيبني من لفحها «4» . وحتّى رأيت فيها صاحب المحجن يجرّ قصبه «5» في النّار كان يسرق الحاجّ بمحجنه «6» . فإن فطن له قال: إنّما تعلّق بمحجني. وإن غفل عنه ذهب به. وحتّى رأيت فيها صاحبة الهرّة الّتي ربطتها فلم تطعمها. ولم   (1) النسائي (5/ 63) واللفظ له، باب اذا تصدق وهو محتاج إليه. وأبو داود (1675) وقال الألباني (1469) : حسن. وأحمد (3/ 25) . (2) هو أبو بكر بن أبي شيبة راوي الحديث. (3) وقد آضت الشمس: ومعناه رجعت إلى حالها الأول قبل الكسوف. وهو من آض يئيض، إذا رجع. ومنه قولهم: أيضا. وهو مصدر منه. (4) مخافة أن يصيبني من لفحها: أي من ضرب لهبها. ومنه قوله تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ (المؤمنون/ 104) . أي يضربها لهبها. والنفح دون اللفح. قال الله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ (الأنبياء/ 46) أي أدنى شيء منه. (5) القصب بالضّمّ: المعى، وقيل اسم للأمعاء كلها وجمعه أقصاب. (6) بمحجنه: المحجن عصا معقفة الطرف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3127 تدعها تأكل من خشاش الأرض. حتّى ماتت جوعا. ثمّ جيء بالجنّة. وذلكم حين رأيتموني تقدّمت حتّى قمت في مقامي. ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه. ثمّ بدا لي أن لا أفعل. فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه» ) * «1» . 3- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفناء بيته بمكّة جالس، إذ مرّ به عثمان بن مظعون، فكشر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجلس؟» . قال: بلى، قال: فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستقبله، فبينما هو يحدّثه إذ شخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببصره إلى السّماء، فنظر ساعة إلى السّماء، فأخذ يضع بصره حتّى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، وأخذ ينغض «2» رأسه كأنّه يستفقه ما يقال له، وابن مظعون ينظر، فلمّا قضى حاجته واستفقه ما يقال له، شخص بصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السّماء كما شخص أوّل مرّة، فأتبعه بصره حتّى توارى في السّماء، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى، قال: يا محمّد، فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة. قال: «وما رأيتني فعلت؟» . قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السّماء، ثمّ وضعته حيث وضعته على يمينك، فتحرّفت إليه، وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنّك تستفقه شيئا يقال لك، قال: «وفطنت لذاك؟» . قال عثمان: نعم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس» ، قال: رسول الله؟. قال: «نعم» ، قال: فما قال لك؟ قال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل/ 90) قال عثمان: فذلك حين استقرّ الإيمان في قلبي وأحببت محمّدا) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس المسكين الّذي يطوف على النّاس تردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان، ولكن المسكين الّذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس» ) * «4» . 5- * (عن صهيب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى العصر همس، والهمس في بعض قولهم: تحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم، فقيل له: إنّك يا رسول الله إذا صلّيت العصر همست. قال: إنّ نبيّا من الأنبياء كان أعجب بأمّته، فقال: من يقوم لهؤلاء؟ فأوحى الله إليه أن خيّرهم بين أن أنتقم منهم، وبين أن أسلّط عليهم عدوّهم، فاختار النّقمة، فسلّط عليهم الموت، فمات منهم في يوم سبعون ألفا. قال: وكان إذا حدّث بهذا الحديث حدّث بهذا الحديث الآخر.   (1) مسلم (904) واللفظ له. وللبخاري نحوه 2 (1046) من حديث عائشة- رضي الله عنها-. (2) نغض رأسه إذا تحرك، وأنغضه إذا حركه، وقد ينغض رأسه كأنه يستفهم ما يقال له. لسان العرب مادة نغض. (3) أحمد (1/ 318) وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 329) : إسناده صحيح. واللفظ من هذا الموضع. (4) البخاري- الفتح 3 (1479) واللفظ له. ومسلم (1039) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3128 قال: «كان ملك من الملوك وكان لذلك الملك كاهن يكهن له، فقال الكاهن: انظروا لي غلاما فهما أو قال: فطنا لقنا فأعلّمه علمي هذا، فإنّي أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه. قال: فنظروا له على ما وصف، فأمره أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل يختلف إليه وكان على طريق الغلام راهب في صومعة- قال معمر: أحسب أنّ أصحاب الصّوامع كانوا يومئذ مسلمين- قال: فجعل الغلام يسأل ذلك الرّاهب كلّما مرّ به، فلم يزل به حتّى أخبره، فقال: إنّما. أعبد الله. قال: فجعل الغلام يمكث عند الرّاهب ويبطىء على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنّه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الرّاهب بذلك، فقال له الرّاهب: إذا قال لك الكاهن أين كنت؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت، فأخبرهم أنّك كنت عند الكاهن. قال: فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من النّاس كثير قد حبسهم دابّة، فقال بعضهم: إنّ تلك الدّابّة أسد. قال: فأخذ الغلام حجرا قال: اللهمّ إن كان ما يقول الرّاهب حقّا فأسألك أن أقتلها. قال: ثمّ رمى فقتل الدّابّة. فقال النّاس: من قتلها؟ قالوا: الغلام، ففزع النّاس وقالوا: لقد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد. قال: فسمع به أعمى، فقال له: إن أنت رددت بصري فلك كذا وكذا. قال له: لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع إليك بصرك أتؤمن بالّذي يردّه عليك؟ قال: نعم. قال: فدعا الله فردّ عليه بصره. فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم، فبعث إليهم، فأتي بهم، فقال: لأقتلنّ كلّ واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالرّاهب والرّجل الّذي كان أعمى، فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله وقتل الآخر بقتلة أخرى. ثمّ أمر بالغلام، فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلمّا انتهوا به إلى ذلك المكان الّذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون، حتّى لم يبق منهم إلّا الغلام. قال: ثمّ رجع، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلق به إلى البحر، فغرّق الله الّذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك: إنّك لا تقتلني حتّى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني: بسم الله ربّ هذا الغلام. قال: فأمر به فصلب ثمّ رماه، فقال: بسم الله ربّ هذا الغلام. قال: فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثمّ مات، فقال النّاس: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد، فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام. قال: فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلّهم قد خالفوك. قال: فخدّ أخدودا ثمّ ألقى فيها الحطب والنّار، ثمّ جمع النّاس. فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النّار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود. قال: يقول الله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (البروج/ 4- 5) حتّى بلغ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (البروج/ 8) قال: فأمّا الغلام فإنّه دفن، فيذكر أنّه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3129 أخرج في زمن عمر بن الخطّاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل) * «1» . 6- * (عن صهيب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى العصر همس شيئا لا أفهمه ولا يخبرنا به قال: «أفطنتم لي؟» . قلنا: نعم. قال: «إنّي ذكرت نبيّا من الأنبياء أعطي جنودا من قومه فقال من يكافىء هؤلاء؟ أو من يقوم لهؤلاء؟ أو غيرها من الكلام، فأوحي إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث: إمّا أن نسلّط عليهم عدوّا من غيرهم، أو الجوع أو الموت. فاستشار قومه في ذلك فقالوا: أنت نبيّ الله فكلّ ذلك إليك، خر لنا، فقام إلى الصّلاة كانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصّلاة فصلّى ما شاء الله. قال: ثمّ قال: أي ربّ أمّا عدوّ من غيرهم فلا، أو الجوع فلا، ولكن الموت، فسلّط عليهم الموت فمات منهم سبعون ألفا، فهمسي الّذي ترون أنّي أقول: اللهمّ بك أقاتل وبك أصاول ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «2» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في رمضان. فجئت فقمت إلى جنبه. وجاء رجل آخر فقام أيضا. حتّى كنّا رهطا «3» . فلمّا حسّ «4» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّا خلفه، جعل يتجوّز «5» في الصّلاة. ثمّ دخل رحله «6» فصلّى صلاة لا يصلّيها عندنا. قال: قلنا له، حين أصبحنا: أفطنت لنا اللّيلة؟ قال: فقال: «نعم. ذاك الّذي حملني على الّذي صنعت» . قال: فأخذ يواصل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذاك في آخر الشّهر. فأخذ رجال من أصحابه يواصلون. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما بال رجال يواصلون، إنّكم لستم مثلي. أما والله لو تمادّ لي الشّهر «7» لواصلت وصالا يدع المتعمّقون تعمّقهم «8» » ) * «9» .   (1) الترمذي (3340) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. والجزء الثاني منه (حديث الغلام والساحر) هو عند مسلم (3005) والجزء الأول منه عند أحمد (6/ 16) . (2) أحمد (6/ 16) واللفظ له. والترمذي (3065، 3066) مختصرا وقال في الثاني: حديث حسن غريب. (3) رهطا: قال ابن الأثير في النهاية: الرهط من الرجال ما دون العشرة. وقيل: إلى الأربعين. ولا تكون فيهم امرأة. ولا واحد له من لفظه. ويجمع على أرهط وأرهاط وجمع الجمع أراهط. (4) فلما حسّ: هكذا هو في جميع النسخ: حس بغير ألف. ويقع في طرق بعض النسخ، نسخة أحس، بالألف وهذا هو الفصيح الذي جاء به القرآن. وأما حس، بحذف الألف، فلغة قليلة. وهذه الرواية تصح على هذه اللغة. (5) يتجوز: أي يخفف ويقتصر على الجائز المجزىء، مع بعض المندوبات. والتجوز هنا للمصلحة. (6) حتى دخل رحله: أي منزله. قال الأزهري: رحل الرجل، عند العرب، هو منزله سواء كان من حجر أو مدر أو وبر أو شعر، أو غيرها. (7) لو تماد لي الشهر: هكذا هو في معظم الأصول. وفي بعضها: تمادى. وكلاهما صحيح. وهو بمعنى مد، في الرواية الأولى. (8) يدع المتعمقون تعمقهم: الجملة صفة لوصال. ومعنى يدع: يترك.. والتعمق المبالغة في الأمر متشددا فيه طالبا أقصى غايته. (9) مسلم (1104) ، وللبخاري 4 (2012) نحوه من حديث عائشة رضي الله عنها-. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3130 الأحاديث الواردة في (الفطنة) معنى 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس، وقال: إنّ الله خيّر عبدا بين الدّنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله. قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عبد خيّر، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلا غير ربّي لاتّخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته. لا يبقينّ في المسجد باب إلّا سدّ، إلّا باب أبي بكر» ) * «1» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ امرأة من الأنصار، قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كيف أغتسل من المحيض؟ قال: «خذي فرصة ممسّكة، فتوضّئي ثلاثا» . ثمّ إنّ النّبيّ استحيا فأعرض بوجهه أو قال: «توضّئى بها» ، فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها ذهب، فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي، إنّما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذّهب. وقال الّذي له الأرض: إنّما بعتك الأرض وما فيها، فتحا كما إلى رجل، فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدّقا» ) * «3» . 11- * (عن عبد الله بن أبي قتادة؛ أنّ أباه حدّثه قال: انطلقنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم، فأنبئنا بعدوّ بغيقة «4» ، فتوجّهنا نحوهم، فبصر أصحابي بحمار وحش، فجعل بعضهم يضحك إلى بعض، فنظرت فرأيته، فحملت عليه الفرس، فطعنته فأثبتّه، فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني، فأكلنا منه. ثمّ لحقت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخشينا أن نقتطع، أرفع فرسي شأوا وأسير عليه شأوا «5» . فلقيت رجلا من بني غفار في جوف اللّيل فقلت له: أين تركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: تركته بتعهن «6» ، وهو قائل السّقيا «7» . فلحقت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيته، فقلت: يا رسول الله! إنّ أصحابك أرسلوا يقرأون عليك   (1) البخاري- الفتح 7 (3654) واللفظ له. ومسلم (2382) مختصرا. وعند الدارمي (77) بلفظ فطن. (2) البخاري- الفتح 1 (315) واللفظ له. ومسلم (332) . (3) البخاري- الفتح 6 (3472) واللفظ له. ومسلم (1721) . (4) غيقة: ماء لبني غفار بين مكة والمدينة. (5) أرفع فرسي شأوا وأسير عليه شأوا: المراد أنه يركضه تارة ويسير بسهولة تارة أخرى. (6) تعهن: اسم موضع. (7) أي: وفي عزمه أن يقضي وقت القيلولة بالسقيا وهي قرية جامعة بين مكة والمدينة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3131 السّلام ورحمة الله وبركاته، وإنّهم قد خشوا أن يقتطعهم العدوّ دونك، فانظرهم «1» ففعل. فقلت: يا رسول الله إنّا اصّدنا «2» حمار وحش، وإنّ عندنا فاضلة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «كلوا» وهم محرمون) * «3» . 12- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من الشّجر شجرة لا يسقط ورقها. وإنّها مثل المسلم. فحدّثوني ما هي؟» . فوقع النّاس في شجر البوادي. قال عبد الله: ووقع في نفسي أنّها النّخلة. فاستحييت. ثمّ قالوا: حدّثنا ما هي يا رسول الله؟. قال: فقال: «هي النّخلة» . قال فذكرت ذلك لعمر. قال: لأن تكون قلت: هي النّخلة، أحبّ إليّ من كذا وكذا) * «4» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما امرأتان معهما ابناهما. جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما. فقالت هذه لصاحبتها: إنّما ذهب بابنك أنت. وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك. فتحا كمتا إلى داود. فقضى به للكبرى. فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السّلام. فأخبرتاه. فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينكما. فقالت الصّغرى: لا، يرحمك الله «5» هو ابنها. فقضى به للصّغرى» . قال: قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسّكّين قطّ إلا يومئذ. ما كنّا نقول إلّا المدية «6» » ) * «7» . 14- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال علّمني كلاما أقوله. قال: «قل: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» . قال: فهؤلاء لربّي. فما لي؟. قال: «قل اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «8» . 15- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثين رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدّثنا أنّ الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرّجال، ثمّ علموا من القرآن، ثمّ علموا من السّنّة. وحدّثنا عن رفعها. قال: «ينام الرّجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظلّ أثرها مثل أثر الوكت. ثمّ ينام النّومة فتقبض، فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط «9» . فتراه منتبرا وليس فيه شيء، فيصبح النّاس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدّي الأمانة، فيقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا. ويقال للرّجل: ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ زمان وما   (1) فانظرهم: أي انتظرهم. (2) اصّدنا: أصله اصطدنا. (3) البخاري- الفتح 4 (1822) واللفظ له. ومسلم (1196) . (4) البخاري- الفتح 1 (131) . ومسلم (2811) واللفظ له. (5) لا. يرحمك الله: معناه: لا تشقه. ثم استأنفت فقالت: يرحمك الله هو ابنها. قال العلماء: ويستحب أن يقال في مثل هذا بالواو. فيقال: لا. ويرحمك الله. (6) المدية: بضم الميم وفتحها وكسرها، سميت به لأنها تقطع مدى حياة الحيوان. (7) مسلم (1720) . (8) مسلم (2696) . (9) فنفط: النّفط والتّنفّط: الذي يصير في اليد من العمل بالفأس أو نحوها ويصير كالقبّة فيه ماء قليل والمنتبر: المرتفع في جسمه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3132 أبالي أيّكم بايعت. لئن كان مسلمّا ردّه عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيّا ردّه عليّ ساعيه، فأمّا اليوم فما كنت أبايع إلّا فلانا وفلانا» . قال الفربريّ قال أبو جعفر: حدّثت أبا عبد الله فقال: سمعت أبا أحمد بن عاصم يقول: سمعت أبا عبيد يقول: قال الأصمعيّ وأبو عمرو وغيرهما جذر قلوب الرّجال (الجذر الأصل من كلّ شيء. والوكت أثر الشّيء اليسير منه. والمجل أثر العمل في الكفّ إذا غلظ) * «1» . 16- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- قال: قدمت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقبية «2» ، فقال لي أبي مخرمة: انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئا. فقام أبي على الباب فتكلّم، فعرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صوته، خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «3» ومعه قباء وهو يريه محاسنه وهو يقول «خبأت هذا لك، خبأت هذا لك» ) * «4» . 17- * (عن ربيعة بن كعب الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: «سل» . فقلت: أسألك مرافقتك في الجنّة. قال: «أو غير ذلك؟» . قلت: هو ذاك. قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» ) * «5» . 18- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شيء. فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل «6» . فيسأله ونحن نسمع. فجاء رجل من أهل البادية. فقال: يا محمّد أتانا رسولك. فزعم «7» لنا أنّك تزعم أنّ الله أرسلك؟ قال: «صدق» . قال: فمن خلق السّماء «8» قال: «الله» . قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: «الله» . قال: فمن خلق الأرض؟ قال: «الله» . قال: فبالّذي خلق السّماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال. آلله أرسلك؟ قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاة في   (1) البخاري- الفتح 11 (6497) . (2) الأقبية: جمع قباء وهو الثّوب الذي يلبس. (3) المعنى: فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (انظر: الفتح 5/ 315) . (4) البخاري- الفتح 5 (2657) . (5) مسلم (489) . (6) العاقل: لكونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه. وحسن المراجعة. فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب. ولأن أهل البادية هم الأعراب. ويغلب فيهم الجهل والجفاء. والبادية والبدو بمعنى. وهو ما عدا الحاضرة والعمران. والنسبة إليها بدوي. والبداوة الإقامة بالبادية. وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة. (7) زعم رسولك: قوله زعم وتزعم مع تصديق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه، دليل على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه. بل يكون أيضا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه. (8) فمن خلق السماء.. الخ: هذه جملة تدل على أنواع من العلم. قال صاحب التحرير: هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه. فإنه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو؟ ثم أقسم عليه به أن يصدقه في كونه رسولا للصانع. ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رزين. ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر. لا لافتقاره إليها. كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3133 أموالنا. قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهر رمضان في سنتنا. قال: «صدق» قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا. قال: «صدق» . قال، ثمّ ولّى. قال: والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ ولا أنقص منهنّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لئن صدق ليدخلنّ الجنّة» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الفطنة) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «كان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يدني ابن عبّاس، فقال له عبد الرّحمن بن عوف: إنّ لنا أبناء مثله، فقال: إنّه من حيث تعلم، فسأل عمر ابن عبّاس عن هذه الآية إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر/ 1) . فقال: أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه إيّاه، فقال: ما أعلم منها إلّا ما تعلم» ) * «2» . 2- * (عن محمّد بن سيرين قال: «كنت في حلقة فيها عبد الرّحمن بن أبي ليلى، وكان أصحابه يعظّمونه، فذكر آخر الأجلين، فحدّثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد الله بن عتبة، قال: فضمز لي «3» بعض أصحابه، قال محمّد ففطنت له فقلت: إنّي إذا لجريء إن كذبت على عبد الله بن عتبة، وهو في ناحية الكوفة. فاستحيا وقال: لكنّ عمّه لم يقل ذاك، فلقيت أبا عطيّة مالك بن عامر فسألته، فذهب يحدّثني حديث سبيعة، فقلت: هل سمعت عن عبد الله فيها شيئا؟ فقال: كنّا عند عبد الله، فقال: أتجعلون عليها التّغليظ ولا تجعلون عليها الرّخصة؟ لنزلت «4» سورة النّساء القصرى «5» بعد الطّولى «6» وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (الطلاق/ 4)) * «7» . 3- * (عن عيسى قال: سمعت الشّعبيّ يقول: إنّما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل والنّسك، فإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قال: هذا أمر لا يناله إلّا العقلاء. فلم يطلبه، وإن كان عاقلا ولم يكن ناسكا قال: هذا أمر لا يناله إلّا النّسّاك فلم يطلبه، فقال الشّعبيّ: ولقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليست فيه واحدة منهما، لا عقل ولا نسك» ) * «8» .   (1) مسلم (12) . وعند البخاري نحوه 1 (63) . (2) البخاري- الفتح 7 (4430) . (3) فضمز: معناه أشار إليه أن اسكت، ضمز إذا عض على شفتيه. (4) لنزلت: تأكيد لقسم محذوف تقديره: فو الله لقد نزلت. (5) والقصرى: سورة الطلاق. (6) والطولى: سورة البقرة. (7) البخاري- الفتح 8 (4910) . ولمسلم (1484) نحوه من حديث أبي هريرة وابن عباس- رضي الله عنهما-. (8) الدارمي (371) المقدمة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3134 4- * (من أخبار الأذكياء: جاء رجل إلى سليمان بن داود عليهما السّلام وقال: يا نبيّ الله إنّ جيرانا يسرقون إوزّي فلا أعرف السّارق. فنادى الصّلاة جامعة، ثمّ خطبهم وقال في خطبته: وإنّ أحدكم ليسرق إوزّ جاره، ثمّ يدخل المسجد والرّيش على رأسه، فمسح الرّجل رأسه، فقال سليمان: خذوه فهو صاحبكم» ) * «1» . 5- * (ومن أخبار القاضي إياس: أنّ رجلا قصد الحجّ فاستودع إنسانا مالا، فلمّا عاد طلبه منه فجحده المستودع، فأخبر بذلك القاضي إياسا. فقال: أعلم بأنّك جئتني؟ قال: لا. قال: فعد إليّ بعد يومين. ثمّ إنّ القاضي إياسا بعث إلى ذلك الرّجل فأحضره، ثمّ قال له: اعلم أنّه قد تحصّلت عندي أموال كثيرة لأيتام وغيرهم وودائع للنّاس، وإنّي مسافر سفرا بعيدا، وأريد أن أودعها عندك لما بلغني من دينك وتحصين منزلك. فقال: حبّا وكرامة. قال: فاذهب وهيّء موضعا للمال، وقوما يحملونه، فذهب الرّجل وجاء صاحب الوديعة، فقال له القاضي إياس: امض إلى صاحبك، وقل له ادفع إليّ مالي، وإلّا شكوتك للقاضي إياس. فلمّا جاء قال له ذلك، فدفع إليه ماله واعتذر إليه، فأخذه وأتى إلى القاضي إياس وأخبره. ثمّ بعد ذلك أتى الرّجل لطلب الأموال الّتي ذكرها له القاضي. فقال له القاضي بعد أن أخذ الرّجل ماله منه: امض لشأنك لا أكثر الله في النّاس من أمثالك» ) * «2» . 6- * (قال الأبشيهيّ: «قد يخصّ الله تعالى بألطافه الخفيّة من يشاء من عباده، فيفيض عليه من خزائن مواهبه رزانة عقل، وزيادة معرفة، تخرجه عن حدّ الاكتساب، ويصير بها راجحا على ذوي التّجارب والآداب» ) * «3» . 7- * (قال الأبشيهيّ أيضا: «يستدلّ على رجاحة عقل الرّجل بأمور متعدّدّة منها: ميله إلى محاسن الأخلاق، وإعراضه عن رذائل الأعمال، ورغبته في إسداء صنائع المعروف، وتجنّبه ما يكسبه عارا، ويورثه سوء السّمعة» ) * «4» . 8- * (قال عليّ بن عبيدة: «العقل ملك والخصال رعيّة، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها، فسمعه أعرابيّ فقال: هذا كلام يقطر عسله» ) * «5» . 9- * (قيل: من بيّضت الحوادث سواد لمّته «6» ، وأخلقت التّجارب لباس جدّته «7» وأراه الله تعالى لكثرة ممارسته تصاريف أقداره وأقضيته كان جديرا برزانة العقل ورجاحة الدّراية» ) * «8» . 10- * (حدّث الشّعبيّ قال: «جاءت امرأة   (1) المستطرف (2/ 99) . (2) المرجع السابق (2/ 100) . (3) المرجع السابق (1/ 23) . (4) المرجع السابق (1/ 24) . (5) المرجع السابق (1/ 24) . (6) لمته: شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن. (7) جدته: أي لباسه الجديد. (8) المستطرف (1/ 23) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3135 إلى عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقالت: أشكو إليك خير أهل الدّنيا إلّا رجل سبقه بعمل أو عمل مثل عمله، يقوم اللّيل حتّى يصبح، ويصوم النّهار حتّى يمسي، ثمّ أخذها الحياء، فقالت: أقلني يا أمير المؤمنين. فقال: جزاك الله خيرا فقد أحسنت الثّناء. قد أقلتك. فلمّا ولّت، قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين! لقد أبلغت إليك في الشّكوى، فقال: ما اشتكت؟. قال: زوجها، قال: عليّ بالمرأة وزوجها، فجيء بهما. فقال لكعب: اقض بينهما. قال: أأقضي وأنت شاهد؟ قال: إنّك قد فطنت ما لم أفطن إليه قال: فإنّ الله يقول: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (النساء/ 3) صم ثلاثة أيّام وأفطر عندها يوما، وقم ثلاث ليال وبت عندها ليلة. فقال عمر: لهذا أعجب إليّ من الأوّل، فرحله بدابّة وبعثه قاضيا» ) * «1» . 11- * (سرق من رجل خمسمائة دينار، فحمل المتّهمون إلى الوالي، فقال الوالي: أنا ما أضرب أحدا منكم، بل عندي خيط ممدود في بيت مظلم، فادخلوا فليمرّ كلّ منكم يده عليه من أوّل الخيط إلى آخره، ويلفّ يده في كمّه ويخرج، فإنّ الخيط، يلفّ على يد الّذي سرق، وكان قد سوّد الخيط بسخام، فدخلوا فكلّهم جرّيده على الخيط في الظّلمة إلّا واحدا منهم، فلمّا خرجوا نظر إلي أيديهم مسودّة إلّا واحدا، فألزمه بالمال، فأقرّ به» ) * «2» . من فوائد (الفطنة) (1) الفطنة هبة من الله- عزّ وجلّ- تستحقّ زيادة الشّكر. (2) تعين العبد على التّفكير في آلاء الله ونعمه. (3) كلّما ازداد تفكّرا في آلاء الله ازداد خشوعا لله وتعظيما. (4) الفطن يحبّه مجتمعه ويحبّ التّقرّب إليه. (5) والفطنة تخرج صاحبها من المواقف الحرجة سالما. (6) الفطن يعيش سعيدا بين أفراد مجتمعه، ويموت حميدا.   (1) كتاب الأذكياء لابن الجوزي (63) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3136 الفقه الفقه لغة: مصدر قولنا: فقه فلان: أي فهم، وهو مأخوذ من مادّة (ف ق هـ) الّتي تدلّ على إدراك الشّيء والعلم به، تقول: فقهت الحديث أفقهه، وكلّ علم بشيء فهو فقه ثمّ اختصّ بذلك علم الشّريعة «1» . وقال الرّاغب: الفقه هو التّوصّل إلى علم غائب بعلم شاهد، ومن ثمّ فهو أخصّ من العلم. قال تعالى: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (النساء/ 78) ، يقال: فقه الرّجل فقاهة إذا صار فقيها وفقه الرّجل فقها وفقها وفقهه أي فهمه، وتفقّه إذا طلب (علم) الفقه فتخصّص به، قال تعالى لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ (التوبة: 122) «2» . وقال الجوهريّ: الفقه: الفهم، قال أعرابيّ لعيسى بن عمر: شهدت عليك بالفقه. أي بالفهم، ثمّ خصّ به علم الشّريعة. والعالم به فقيه، يقال: فاقهته إذا باحثته في العلم «3» . وقال غيرهم: الفقه العلم بالشّيء والفهم له، وغلب على علم الدّين لشرفه وفضله على سائر أنواع العلم، يقال: أوتي فلان فقها في الدّين أي فهما فيه، ودعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لابن عبّاس فقال: «اللهمّ فقّهه في الدّين وعلّمه التّأويل» ، أي فهّمه تأويله ومعناه، ويقال فقه فقها أي علم علما، قال ابن سيده: ويقال فقه فقاهة وهو فقيه من قوم فقهاء، والأنثى فقيهة من نسوة فقائه وحكى اللّحيانيّ: نسوة فقهاء، وحكى بعضهم: فقه الرّجل فقها الآيات/ الأحاديث/ الآثار 18/ 21/ 22 وفقها، وفقه الشّيء علمه، وأفقهه وفقّهه: علّمه. وفي التّهذيب: أفقهته علّمته الفقه، وفقه عنه بالكسر: فهم، ورجل فقه أي فقيه. وأمّا فقه (بضمّ القاف) فإنّما يستعمل في النّعوت، يقال فقه يفقه فقاهة أي صار فقيها، وقال ابن شميل: أعجبني فقاهته أي فقهه، ورجل فقيه أي عالم، وكلّ عالم بشيء فهو فقيه، وفقيه العرب عالم العرب، وتفقّه: تعاطى الفقه، ومن معاني الفقه أيضا الفطنة. وفي حديث سلمان، أنّه نزل على نبطيّة بالعراق فقال لها: هل هنا مكان نظيف أصلّي فيه؟ فقالت: طهّر قلبك وصلّ حيث شئت، فقال سلمان: فقهت أي فهمت وفطنت ولو قال فقهت كان المعنى صارت فقيهة، ويقال: فقه بالضّمّ إذا صار الفقه سجيّة له وفاقهه ففقهه أي باحثه في العلم فغلبه فيه «4» . الفقه اصطلاحا: قال الرّاغب: هو العلم بأحكام الشّريعة. وقال الجرجانيّ: هو العلم بالأحكام الشّرعيّة العمليّة من أدلّتها التّفصيليّة، وقيل: هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفيّ الّذي يتعلّق به الحكم، وهو علم مستنبط بالرّأي والاجتهاد ويحتاج فيه إلى النّظر والتّأمّل، ولهذا لا يجوز أن يسمّى الله تعالى فقيها لأنّه لا يخفى عليه شيء. وقال المناويّ: الفقه شرعا: هو العلم   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 442) . (2) مفردات الراغب (384) . (3) الصحاح (6/ 2243) . (4) انظر: لسان العرب (13/ 522) ، والمصباح المنير (2/ 134) ، والقاموس المحيط (4/ 291) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3137 بالأحكام الشّرعيّة الّتي طريقها الاجتهاد «1» . وقال أبو الخطّاب: هو العلم بأحكام أفعال المكلّفين الشّرعيّة دون العقليّة، مثل الحرام والحلال والحظر والإباحة ... وما أشبه ذلك «2» . مصادر الفقه الإسلامي: للفقه الإسلاميّ مصادر عديدة أجمع علماء الأصول على أربعة منها، هي: القرآن الكريم، والسّنّة المطهّرة، والإجماع، والقياس، واختلف في المصادر الأخرى، مثل الاستحسان والاستصلاح (المصالح المرسلة) ، والعرف، والاستصحاب «3» . ويقوم المجتهدون باستنباط الأحكام الشّرعيّة من هذه المصادر، فما هو الاجتهاد؟ وهل له شروط معيّنة؟ الاجتهاد: عرّفه الغزاليّ بقوله: هو بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشّريعة. وعرّفه ابن الحاجب: بأنّه يعني استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظنّ بحكم شرعيّ. وقد لخّص بعض الباحثين جملة أقوال علماء الأصول في المعنى الاصطلاحيّ للاجتهاد، فقال: الاجتهاد يعني بذل أقصى الجهد العقليّ في استنباط الأحكام الشّرعيّة العمليّة من أدلّتها التّفصيليّة «4» . أمّا من له حقّ الاجتهاد فهم أولئك الّذين توفّرت فيهم الشّروط الّتي نصّ عليها العلماء في هذا الشّأن، وقد كان الشّافعيّ- رحمه الله- من أسبق من تناول هذه الشّروط عندما قال: «لا يقيس إلّا من جمع الآلة الّتي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله، فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامّه وخاصّه وإرشاده، ويستدلّ على ما احتاج التّأويل منه بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا لم يجد سنّة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس، ولا يكون أن يقيس حتّى يكون عالما بما مضى فيه من السّنّة وأقاويل السّلف، وإجماع النّاس واختلافهم ولسان العرب. وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه حتّى يعرف من أين قال ما قال، وترك ما ترك. فأمّا من تمّ عقله ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يجوز أن يقول بقياس، ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة فليس له أيضا أن يقول بقياس، لأنّه قد يذهب عليه عقل المعاني «5» ، وقد استنبط بعض الباحثين شروطا أخرى للمجتهد ليس هنا محلّ تفصيلها «6» . ولينظرها من شاء في مظانّها من كتب الأصوليّين. [للاستزادة: انظر صفات: الحكمة- العلم- الفطنة. وفي ضد ذلك: انظر صفتي: البلادة والغباء- الجهل] .   (1) المفردات للراغب (384) ، والتعريفات للجرجاني (175) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (263) . (2) انظر التمهيد للخطابي (1/ 4) ، وكتاب الأصول من علم الأصول للعثيمين (6) . (3) انظر في تفاصيل ذلك، مصادر التشريع فيما لا نص فيه للشيخ عبد الوهاب خلاف. (4) انظر بحث الدكتور حسن مرعي المعنون «الاجتهاد في الشريعة الإسلامية» (ج 3 ص 162) ضمن منشورات المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض 1404 هـ. (5) بتلخيص من الرسالة للإمام الشافعي (509. 510) . (6) انظر في ذلك مثلا: كتاب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية لمحمد فوزي فيض الله، والبحثين القيمين للشيخ زكريا البري (233. 256) ، والشيخ علي الخفيف (250. 232) المنشورين ضمن منشورات المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض 1404 هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3138 الآيات الواردة في «الفقه» الفقه بمعناه الخاص (فهم أحكام الشريعة) : 1- * وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) «1» الفقه بمعناه العام (الفهم والإدراك) : 2- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) «2» 3- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (26) «3» 4- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) «4» 5- * إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)   (1) التوبة: 122 مدنية (2) النساء: 77- 78 مدنية (3) الأنعام: 25- 26 مكية (4) الأنعام: 63- 65 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3139 وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) «1» 6- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «2» 7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) «3» 8- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «4» 9- وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) «5» 10- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) «6» 11- أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (40) وَلَقَدْ   (1) الأنعام: 95- 98 مكية (2) الأعراف: 179 مكية (3) الأنفال: 65 مدنية (4) التوبة: 81- 82 مدنية (5) التوبة: 84- 87 مدنية (6) التوبة: 124- 127 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3140 صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) «1» 12- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) «2» 13- ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) «3» 14- وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (35) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (36) «4»   (1) الإسراء: 40- 46 مكية (2) الكهف: 57 مكية (3) الكهف: 92- 95 مكية (4) طه: 17- 36 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3141 15- سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16) «1» 16- * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) «2» 17- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) «3» 18- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) «4»   (1) الفتح: 15- 16 مدنية (2) الحشر: 11- 13 مدنية (3) المنافقون: 1- 3 مدنية (4) المنافقون: 5- 7 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3142 الأحاديث الواردة في (الفقه) 1- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين، وإنّما أنا قاسم، والله يعطي، ولن تزال هذه الأمّة قائمة على أمر الله لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «1» . 2- * (عن درّة ابنة أبي لهب قالت: كنت عند عائشة فدخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ائتوني بوضوء» . قالت فابتدرت أنا وعائشة الكوز فبدرتها فأخذته أنا فتوضّأ فرفع إليّ عينه أو بصره. قال: «أنت منّي وأنا منك» . قالت: فأتي برجل فقال: ما أنا فعلته إنّما قيل لي. قالت: وكان يسأله على المنبر: من خير النّاس؟. فقال: «أفقههم في دين الله وأوصلهم لرحمه» . وذكر شريك شيئين آخرين فلم أحفظهما) * «2» . 3- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ مثل ما بعثني الله- عزّ وجلّ- به من الهدى والعلم كمثل غيث «3» أصاب أرضا. فكانت منها طائفة طيّبة. قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب «4» الكثير وكان منها أجادب «5» أمسكت الماء. فنفع الله بها النّاس. فشربوا منها وسقوا ورعوا. وأصاب طائفة منها أخرى. إنّما هي قيعان «6» لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه «7» في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلّم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا. ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به» ) * «8» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل الخلاء فوضعت له وضوءا. قال: «من وضع هذا؟» . فأخبر، فقال: «اللهمّ فقّهه في الدّين» ) * «9» . 5- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- أنّه خرج من عند مروان نصف النّهار قلنا (والقول هذا لا أبان بن عثمان) : ما بعث إليه في هذه السّاعة إلّا لشيء سأله عنه، فقمنا فسألناه؟ فقال: نعم، سألنا عن   (1) البخاري- الفتح 1 (71) . (2) أحمد (6/ 68) . والهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 258) وقال رجاله ثقات. واللفظ له. (3) غيث: الغيث هو المطر. (4) الكلأ والعشب: العشب والكلأ والحشيش كلها أسماء للنبات. لكن الحشيش مختص باليابس. والعشب والكلا، مقصورا، مختصان بالرطب. والكلأ بالهمز يقع على اليابس والرطب. (5) أجادب: هي الأرض التي لا تنبت كلأ. وقال الخطابي: هي الأرض التي تمسك الماء فلا يسرع فيه النضوب. قال ابن بطال وصاحب المطالع وآخرون: هو جمع جدب على غير قياس. كما قالوا في حسن جمعه محاسن. والقياس أن محاسن جمع محسن. وكذا قالوا مشابه جمع شبه. وقياسه أن يكون جمع مشبه. (6) قيعان: جمع القاع. وهو الأرض المستوية، وقيل الملساء، وقيل التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في هذا الحديث كما صرح به صلّى الله عليه وسلّم. ويجمع أيضا على أقوع وأقواع. (7) فقه: الفقه في اللغة هو الفهم. يقال منه: فقه بكسر القاف يفقه فقها، بفتحها، كفرح يفرح فرحا. أما الفقه الشرعي فقال صاحب العين والهروي وغيرهما: يقال منه فقه بضم القاف. والمراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم «فقه في دين الله» هذا الثاني. فيكون مضموم القاف على المشهور. (8) البخاري- الفتح 1 (79) . ومسلم 4 (2282) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 1 (143) واللفظ له. ومسلم (2477) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3143 أشياء سمعناها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا فحفظه حتّى يبلّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» ) * «1» . 6- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: إنّي عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه قوم من بني تميم فقال: «اقبلوا البشرى يا بني تميم» ، قالوا: بشّرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن فقال: «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم» ، قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقّه في الدّين ولنسألك عن أوّل هذا الأمر ما كان، قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثمّ خلق السّموات والأرض، وكتب في الذّكر كلّ شيء» ثمّ أتاني رجل فقال: يا عمران! أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها فإذا السّراب ينقطع دونها، وأيم الله لوددت أنّها قد ذهبت ولم أقم) * «2» . 7- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: انطلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه حتّى دخلنا كنيسة اليهود، فقال: «يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، يحطّ الله عن كلّ يهوديّ تحت أديم السّماء الغضب الّذي غضب عليهم» قال: فأسكتوا ما أجابه منهم أحد، ثمّ ردّ عليهم فلم يجبه منهم أحد، فقال: أبيتم، فو الله لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النّبيّ المصطفى، آمنتم أو كذّبتم، ثمّ انصرف وأنا معه حتّى كدنا أن نخرج فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنت يا محمّد فقال ذلك الرّجل: أيّ رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم أنّه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك، ولا من أبيك قبلك، ولا من جدّك قبل أبيك، قال: فإنّي أشهد له بالله أنّه نبيّ الله الّذي تجدونه في التّوراة، فقالوا: كذبت ثمّ ردّوا عليه قوله وقالوا فيه شرّا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كذبتم لن يقبل قولكم، أمّا آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأمّا إذا آمن فكذّبتموه وقلتم فيه ما قلتم فلن يقبل قولكم. قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله تعالى فيه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ (الأحقاف: الآية 10) * «3» . 8- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفناء بيته بمكّة جالس، إذ مرّ به عثمان بن مظعون، فكشر «4» إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجلس؟»   (1) الترمذي: 2656) وقال: حديث حسن. وأبو داود: (3660) وقال الألباني (2/ 697) : صحيح وهو في سنن ابن ماجة (230) . وقال محقق جامع الأصول: 8/ 18 واللفظ له وهو حديث صحيح ورواه أيضا أحمد وابن ماجة والدارمي. (2) البخاري- الفتح 13/ 7418) . (3) أحمد (6/ 25) . والحاكم في المستدرك (3/ 415) واللفظ له وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (4) فكشر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الكشر ظهور الأسنان للضحك، وكاشره إذا ضحك في وجهه وباسطه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3144 قال: بلى، قال: فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستقبله، فبينما هو يحدّثه إذ شخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببصره إلى السّماء، فنظر ساعة إلى السّماء، فأخذ يضع بصره حتّى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، وأخذ ينغض «1» رأسه كأنّه يستفقه ما يقال له، وابن مظعون ينظر، فلمّا قضى حاجته واستفقه ما يقال له، شخص بصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السّماء كما شخص أوّل مرّة، فأتبعه بصره حتّى توارى في السّماء، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى، قال: يا محمّد، فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة! قال: «وما رأيتني فعلت؟» . قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السّماء، ثمّ وضعته حيث وضعته على يمينك، فتحرّفت إليه، وتركتني!، فأخذت تنغض رأسك كأنّك تستفقه شيئا يقال لك، قال: «وفطنت لذاك؟» . قال عثمان: نعم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس» ، قال: رسول الله؟ قال: «نعم» ، قال: فما قال لك؟ قال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل/ 90) . قال عثمان: فذلك حين استقرّ الإيمان في قلبي وأحببت محمّدا*) * «2» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تجدون النّاس معادن «3» فخيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا «4» . وتجدون من خير النّاس في هذا الأمر «5» ، أكرههم له. قبل أن يقع فيه. وتجدون من شرار النّاس «6» ذا الوجهين. الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» ) * «7» . 10- * (عن أبي هريرة رضي الله عنه- قال:   (1) ينغض رأسه: أي يحركه ويميل إليه. (2) أحمد (1/ 318) واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 329، 2922) : إسناده صحيح. والحديث في تفسير ابن كثير (2/ 584) عن هذا الموضع، وقال: إسناده جيد متصل حسن، قد بين فيه السماع المتصل ورواه ابن أبي حاتم من حديث عبد الحميد بن بهرام مختصرا. وفي مجمع الزوائد (7/ 48- 49) ، وقال: رواه أحمد وإسناده حسن، وفي الدر المنثور (5/ 159) ، ونسبه أيضا للبخاري في الأدب المفرد والطبراني وابن مردويه. (3) معادن: المعادن الأصول. وإذا كانت الأصول شريفة، كانت الفروع كذلك، غالبا. والفضيلة في الإسلام بالتقوى لكن إذا انضم إليها شرف النسب ازدادت فضلا. (4) فقهوا: كما في «الفتح» وهو الأصل ويجوز كسر القاف. (5) وتجدون من خير الناس في هذا الأمر الخ: قال القاضي: يحتمل أن المراد به الإسلام، كما كان من عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو، وغيرهم من مسلمة الفتح، وغيرهم ممن كان يكره الإسلام كراهية شديدة. ثم لما دخل فيه أخلص وأحبه وجاهد فيه حق جهاده. قال: ويحتمل أن المراد بالأمر هنا: الولايات. لأنه إذا أعطيها من غير مسألة أعين عليها. (6) من شرار الناس: سببه ظاهر. لأنه نفاق محض وكذب وخداع وتحيّل على اطلاعه على أسرار الطائفتين. وهو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، ويظهر لها أنه منها في خير أو شر. وهي مداهنة محرمة. (7) البخاري- الفتح 6 (3496) . مسلم (2526) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3145 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جاء أهل اليمن. هم أرقّ أفئدة. الإيمان يمان «1» والفقه «2» يمان، والحكمة «3» يمانيّة» ) * «4» . 11- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا، قال فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله، ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس» تابعه قتيبة عن ليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال، عن جابر خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» . 12- * (عن أبي وائل قال: خطبنا عمّار. فأوجز وأبلغ. فلمّا نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت. فلو كنت تنفّست «6» فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ طول صلاة الرّجل، وقصر خطبته مئنّة من فقهه. فأطيلوا الصّلاة وأقصروا الخطبة. وإنّ من البيان لسحرا» ) * «7» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فقيه واحد أشدّ على الشّيطان من ألف عابد» ) * «8» . 14- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث» ) * «9» . 15- * (حدّثنا عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء   (1) الإيمان يمان: يمان ويمانية هو بتخفيف الياء عند جماهير أهل العربية. لأن الألف المزيدة فيه عوض من ياء النسب المشددة، فلا يجمع بينهما. (2) والفقه: الفقه هنا عبارة عن الفهم في الدين. واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام الشرعية العملية، بالاستدلال على أعيانها. (3) والحكمة: الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به. والصد عن اتباع الهوى والباطل. (4) البخاري- الفتح 7 (4390) . ومسلم (52) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 13 (7281) . (6) تنفّست: أي أطلت قليلا. (7) مسلم (869) . والمئنّة: بفتح الميم وكسر الهمزة وتشديد النون: أي علامة فقهه. (8) الترمذي (2681) وقال: غريب، وابن ماجة (222) وفي سنده عندهما روح بن جناح الأموي وهو ضعيف، التقريب ص 211 وللحديث شواهد كثيرة ضعيفة وحسنة وصحيحة، تنظر في الدارقطني (3/ 79) ومجمع الزوائد (1/ 121) وأقواها حديث معاوية المتفق عليه: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» البخاري 71 ومسلم، 1037 (9) الفتح (8/ 715) : مشيرا إلى تصحيح حديث أبي داود والترمذي هذا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3146 المشركين، فقالوا: يا رسول الله. خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقّائنا وليس لهم فقه في الدّين، وإنّما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا. قال: «فإن لم يكن لهم فقه في الدّين سنفقّههم» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر قريش لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسّيف على الدّين، قد امتحن الله قلبه على الإيمان» . قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: «هو خاصف النّعل» ، وكان أعطى عليّا نعله يخصفها. ثمّ التفت إلينا عليّ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «1» . 16- * (عن حميد بن عبد الرّحمن قال: سمعت معاوية خطيبا، يقول: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين. وإنّما أنا قاسم، والله يعطي. ولن تزال هذه الأمّة قائمة على أمر الله لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «2» . 17- * (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجد. ثائر الرّأس «3» . نسمع دويّ صوته ولا نفقه ما يقول. حتّى دنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس صلوات في اليوم واللّيلة» . فقال: هل عليّ غيرهنّ؟. قال: «لا. إلّا أن تطّوّع» . وصيام شهر رمضان» . فقال: هل عليّ غيره؟ فقال: «لا. إلّا أن تطّوّع» . وذكر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الزّكاة. فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا. إلّا أن تطّوّع» . قال، فأدبر الرّجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح إن صدق» ) * «4» الأحاديث الواردة في (الفقه) معنى 18- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: جاءت أمّ سليم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله!: إنّ الله لا يستحيي من الحقّ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأت الماء. فغطّت أمّ سلمة- تعني وجهها- وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ قال: نعم،   (1) الترمذي: (3715) . وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ربعي عن علي قال: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعا يقول لم يكذب ربعي بن حراش في الإسلام كذبة. وأخبرني محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن أبي الأسود قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: منصور بن المعتمر أثبت أهل الكوفة. وللحديث روايات أخرى كثيرة. انظر: «جامع الأصول» و «موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف» . (2) البخاري- الفتح 1 (71) واللفظ له. ومسلم (1037) . (3) ثائر: هكذا هي في مسلم برفع ثائر صفة لرجل، وقيل يجوز نصبه على الحال، ومعنى ثائر الرأس: قائم الشعر منتفشه. (4) البخاري- الفتح 1 (46) . ومسلم (11) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3147 تربت يمينك «1» ، ففيم يشبهها ولدها؟» ) * «2» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سألت امرأة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كيف تغتسل من حيضتها؟ قال: فذكرت أنّه علّمها كيف تغتسل. ثمّ تأخذ فرصة من مسك «3» فتطهّر بها. قالت: كيف أتطهّر بها؟. قال: «تطهّري بها. سبحان الله «4» » . واستتر (وأشار لنا سفيان بن عيينة بيده على وجهه) قال: قالت عائشة: واجتذبتها إليّ. وعرفت ما أراد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: تتبّعي بها أثر الدّم. وقال ابن أبي عمر في روايته: فقلت: تتبّعي بها آثار الدّم» «5» ) * «6» . 20- * (عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا حديثا واحدا قال: كنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتي بجمّار «7» فقال: «إنّ من الشّجر شجرة مثلها كمثل المسلم» . فأردت أن أقول هي النّخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكتّ. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هي النّخلة» ) * «8» . 21- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شيء. فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل «9» . فيسأله ونحن نسمع. فجاء رجل من أهل البادية. فقال: يا محمّد! أتانا رسولك. فزعم «10» لنا أنّك تزعم أنّ الله أرسلك؟ قال: «صدق» . قال: فمن خلق السّماء «11» قال: «الله» . قال: فمن خلق الأرض؟. قال: «الله» . قال: فمن نصب الجبال، وجعل فيها ما جعل؟. قال: «الله» . قال: فبالّذي خلق السّماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال. الله أرسلك؟. قال: «نعم. قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا   (1) تربت يمينك أي افتقرت وهي من الألفاظ التي يزجر بها ولا يراد بها ظاهرها. (2) البخاري- الفتح 1 (130) . (3) فرصة من مسك: مثال سدرة. قطعة قطن أو خرقة تستعملها المرأة في مسح دم الحيض. والمعنى تأخذ فرصة مطيبة من مسك. (4) سبحان الله: يراد بها التعجب. ومعنى التعجب هنا: كيف يخفى مثل هذا الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر. (5) تتبعي بها آثار الدم: قال جمهور العلماء: عنى به الفرج. (6) البخاري- الفتح 1 (314) . ومسلم 1 (332) واللفظ له. (7) الجمّار: هو الّذي يؤكل من قلب النخل: يكون لينا. (8) البخاري- الفتح 1 (72) . واللفظ له ومسلم (2811) . (9) العاقل: لكونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه. وحسن المراجعة. فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب. ولأن أهل البادية هم الأعراب. ويغلب فيهم الجهل والجفاء. والبادية والبدو بمعنى. وهو ما عدا الحاضرة والعمران. والنسبة إليها بدوي. والبداوة الإقامة بالبادية. وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة. (10) فزعم رسولك: قوله زعم وتزعم مع تصديق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه، دليل على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه. بل يكون أيضا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه. (11) فمن خلق السماء الخ: هذه جملة تدل على أنواع من العلم. قال صاحب التحرير: هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه. فإنه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو؟ ثم أقسم عليه به أن يصدقه في كونه رسولا للصانع. ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين. ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر. لا لافتقاره إليها. كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3148 وليلتنا. قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟. قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاة في أموالنا. قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟. قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهر رمضان في سنتنا. قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟. قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا. قال: «صدق» . قال: ثمّ ولّى. قال: والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ ولا أنقص منهنّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لئن صدق ليدخلنّ الجنّة» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفقه) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: تفقّهوا قبل أن تسودوا، قال أبو عبد الله يعني البخاريّ: وبعد أن تسودوا، وقد تعلّم أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في كبر سنّهم» ) * «2» . 2- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «إنّ الفقيه حقّ الفقيه من لم يقنّط النّاس من رحمة الله، ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره إنّه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه، ولا قراءة لا تدبّر فيها» ) * «3» . 3- * (روى قثم بن العباس- رضي الله عنهما- قال: «قيل لعليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: كم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة. قيل فكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشّمس» ) * «4» . 4- * (عن مجاهد قال: بينما نحن وأصحاب ابن عبّاس حلق في المسجد، وسعيد بن جبير وعكرمة، وابن عبّاس قائم يصلّي، إذ وقف علينا رجل فقال: هل من مفت؟ فقلنا: سل، فقال: إنّي كلّما بلت تبعه الماء الدّافق، قال قلنا الّذي يكون منه الولد قال: نعم. قلنا عليك الغسل. قال: فولّى الرجل وهو يرجّع. قال وعجل ابن عبّاس في صلاته ثمّ قال لعكرمة: عليّ بالرّجل، وأقبل علينا فقال: أرأيتم ما أفتيتم به هذا الرّجل عن كتاب الله؟ قلنا: لا. قال: فعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلنا: لا. قال: فعن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلنا: لا. قال: فعمّه؟ قلنا: عن رأينا. قال فقال: فلذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فقيه واحد أشدّ على الشّيطان من ألف عابد» قال: وجاء الرّجل فأقبل   (1) مسلم (12) . (2) الفتح (1/ 199) . (3) الدارمي في المقدمة (1/ 101) برقم (297) . (4) أدب الدنيا والدين (12) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3149 عليه ابن عبّاس فقال: أرأيت إذا كان ذلك منك أتجد شهوة في قلبك؟ قال: لا. قال فهل تجد خدرا في جسدك؟ قال: لا. قال: إنّما هذه إبرادة يجزيك منها الوضوء» ) * «1» . 5- * (عن ابن أبي مليكة: قيل لابن عبّاس: «هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنّه ما أوتر إلّا بواحدة، قال: إنّه فقيه» ) * «2» . 6- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «كونوا ربّانيّين حكماء فقهاء» ) * «3» . 7- * (عن مسروق- رحمه الله- قال: جاء إلى عبد الله رجل فقال: «تركت في المسجد رجلا يفسّر القرآن برأيه. يفسّر هذه الآية: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ قال: يأتي النّاس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم. حتّى يأخذهم منه كهيئة الزّكام. فقال عبد الله: من علم علما فليقل به. ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم. فإنّ من فقه الرّجل أن يقول، لما لا علم له به: الله أعلم. إنّما كان هذا، أنّ قريشا لمّا استعصت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف. فأصابهم قحط وجهد «4» . حتّى جعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد. وحتّى أكلوا العظام. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله استغفر الله لمضر «5» فإنّهم قد هلكوا. فقال: «لمضر؟، إنّك لجريء «6» » . قال فدعا الله لهم. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (الدخان/ 15) قال فمطروا فلمّا أصابتهم الرّفاهية، قال، عادوا إلى ما كانوا عليه. قال فأنزل الله- عزّ وجلّ-: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (الدخان/ 10- 11) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (الدخان/ 16) قال: يعني يوم بدر» ) * «7» . 8- * (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «نعم النّساء نساء الأنصار، لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهنّ في الدّين» ) * «8» . 9- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه- «لأن   (1) الآجري في أخلاق العلماء: 26 وقال محققه: ذكر صاحب كنز العمال هذا الأثر وقال: أخرجه ابن عساكر بإسناد حسن. (2) البخاري- الفتح 7 (3765) (3) الفتح (1/ 192) مقدمة باب العلم قبل القول. (4) وجهد: أي مشقة شديدة. (5) استغفر الله لمضر: هكذا وقع في جميع نسخ مسلم: استغفر الله لمضر. وفي البخاري: استسق الله لمضر. قال القاضي: قال بعضهم: استسق هو الصواب اللائق بالحال، لأنهم كفار لا يدعى لهم بالمغفرة. قلت: كلاهما صحيح. فمعنى استسق: اطلب لهم المطر والسقيا. ومعنى استغفر: ادع الله لهم بالهداية التي يترتب عليها الاستغفار. (6) لمضر؟ إنك لجريء: قال الأبي: هو على وجه التقرير والتعريف بكفرهم واستعظامه لهم. أي فكيف يستغفر أو يستسقي لهم وهم عدو الدين. ويصح هذا، عندي، على ما ذكر مسلم من لفظ استغفر. لأن الإنكار إنما هو للاستغفار الذي سأل لهم. بدليل أنه عدل عنه إلى الدعاء لهم بالسقي. ولو كان استعظامه إنما هو لطلب السقيا، لم يستسق لهم. (7) مسلم (2798) . (8) البخاري تعليقا. انظر: الفتح (1/ 276) باب الحياء في العلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3150 أفقه ساعة أحبّ إليّ من أن أحيي ليلة أصلّيها حتّى أصبح، وفقيه أشّدّ على الشّيطان من ألف عابد، ولكلّ شيء دعامة ودعامة الدّين الفقه» ) * «1» . 10- * (قال أبو الدّرداء رضي الله عنه-: من فقه المرء، إقباله على حاجته حتّى يقبل على صلاته، وقلبه فارغ» ) * «2» . 11- * (عن سلمان رضي الله عنه-: «أنّه نزل على نبطيّة بالعراق، فقال لها: هل هاهنا مكان نظيف، أصلّي فيه؟ فقالت: طهّر قلبك، وصلّ حيث شئت، فقال: فقهت أي فهمت وفطنت للحقّ والمعنى الّذي أرادت» ) * «3» . 12- * (قال الحسن البصريّ: «الفقيه الورع الزّاهد الّذي لا يسخر ممّن أسفل منه، ولا يهمز من فوقه، ولا يأخذ على علم علّمه الله، حطاما» ) * «4» . 13- وقال أيضا: (إنّما الفقيه الزّاهد في الدّنيا الرّاغب في الآخرة، البصير في أمر دينه، المداوم على عبادة الله- عزّ وجلّ-» ) * «5» . 14- * (وروي عنه قال: ما رأينا فقيها يماري» ) * «6» . 15- * (وقال عبد الله بن عون البصريّ- من صغار التّابعين-: ثلاث أحبّهنّ لنفسي ولإخواني: هذه السّنّة. أن يتعلّموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهّموه ويسألوا النّاس عنه، ويدعوا النّاس إلّا من خير» ) * «7» . 16- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: «خمس إذا أخطأ القاضي منهنّ خطّة كانت فيه وصمة: أن يكون فهما، حليما، عفيفا، صليبا، عالما، سئولا عن العلم» ) * «8» . 17- * (قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: «من تعلّم القرآن عظمت قيمته، ومن تعلّم الفقه نبل مقداره، ومن كتب الحديث قويت حجّته، ومن تعلّم الحساب جزل رأيه، ومن تعلّم اللّغة رقّ طبعه، ومن لم يصن نفسه، لم ينفعه علمه» ) * «9» . 18- * (وأنشد الرّبيع عن الشّافعيّ- رحمه الله- ومنزلة السّفيه من الفقيه ... كمنزلة الفقيه من السّفيه فهذا زاهد في قرب هذا ... وهذا فيه أزهد منه فيه إذا غلب الشّقاء على سفيه ... تنطّع في مخالفة الفقيه ) * «10» .   (1) مفتاح دار السعادة (69) . (2) الفتح (2/ 186) . (3) النهاية في غريب الحديث (3/ 465) . (4) الآجري في أخلاق العلماء (74) (5) المصدر السابق. والدارمي (1/ 1489) . (6) أخلاق العلماء للآجري (58) . (7) فتح الباري (13/ 263) . (8) الفتح (13/ 156) . (9) أدب الدنيا والدين للماوردي (28) . (10) أدب الدنيا والدين (28) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3151 19- * (قال ابن الجوزيّ: (فإن اتّسع الزّمان للتّزيّد من العلم، فليكن من الفقه فإنّه الأنفع» ) * «1» . 20- * (أنشد المبرّد عن أبي سليمان الغنويّ: فسل الفقيه تكن فقيها مثله ... لا خير في علم بغير تدبّر » ) * «2» . 21- * (قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-: «الفقيه هو العالم بقانون السّياسة وطريق التّوسّط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشّهوات، والملك والدّين توأمان، فالدّين أصل، والسّلطان حارس، ومالا أصل له فمهدوم، ومالا حارس له فضائع، ولا يتمّ الملك والضّبط إلّا بالسّلطان، وطريق الضّبط في فصل الحكومات بالفقه» ) * «3» . 22- * (قال أحد الحكماء: «آية العقل سرعة الفهم» ) * «4» . من فوائد (الفقه) (1) إنّ مثل الفقه في دين الله كمثل الغيث ينزل في الأرض الطّيّبة فينبت الخير للنّاس. (2) الفقه في الدّين يعلي منزلة صاحبه بين قومه ولو كان من أقلّهم شأنا. (3) يصون صاحبه عن الزّلل والخطأ، فيحسن التّحدّث والصّمت والتّصرّف. (4) أهل الفقه: مصابيح الأمّة، تنير لها طريق الهدى. (5) العبادة من غير فقه على خطر عظيم. (6) الرّحلة والاستنفار للتّفقّه في الدّين سنّة السّلف. (7) تعلّم الفقه من أفضل العبادات. (8) قراءة الفقيه للقرآن تكون بتبصّر وتأمّل وتمعّن. (9) بعض الأسئلة المحرجة في الفقه لا بدّ لها من جرأة. (10) الفقه يهذّب الأخلاق، ويضع للطّيش حدودا.   (1) صيد الخاطر (202) . (2) أدب الدنيا والدين (57) . (3) الإحياء (1/ 17) . (4) أدب الدنيا والدين (11) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3152 [ حرف القاف ] القسط الآيات/ الأحاديث/ الآثار 20/ 6/ 1 القسط لغة: قسط وأقسط لغتان بمعنى عدل. وأمّا قسط الّذي مصدره القسط فهو بمعنى جار، فكأنّ الهمزة فيه للسّلب، كما يقال: شكا إليه فأشكاه. والقسط: الميزان، سمّي به من القسط العدل، ففي الحديث «إنّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه» أراد أنّ الله يخفض، ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه، وأرزاقهم النّازلة من عنده كما يرفع الوزّان يده ويخفضها عند الوزن، وقيل: أراد بالقسط: القسم من الرّزق الّذي هو نصيب كلّ مخلوق، وخفضه تقليله، ورفعه تكثيره. والقسط: الحصّة والنّصيب. وتقسّطوا الشّيء بينهم: تقسّموه على العدل والسّواء. وأمّا قوله تعالى: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (الشعراء/ 182) فالمراد أقوم الموازين «1» . معنى اسم الله «المقسط» : في أسماء الله الحسنى «المقسط» بمعنى العادل، وقال الحليميّ: هو المعطي عباده القسط وهو العدل من نفسه، وقد يكون معناه: المعطي لكلّ منهم قسطا من خيره «2» . القسط اصطلاحا: قال المناويّ: القسط (بالكسر) هو النّصيب بالعدل «3» . وقال القرطبيّ: القسط هو العدل في المعاملات «4» . الأمر بالقسط: قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: أخبر الله في كتابه أنّه أنزل الكتاب والحديد ليقوم النّاس بالقسط، فقال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد/ 25 مدنية) . ولهذا أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّته بتولية ولاة الأمور عليهم وأمر ولاة الأمور أن يردّوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين النّاس أن يحكموا بالعدل «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الإنصاف- الحكم بما أنزل الله- العدل والمساواة- الإيمان- الإسلام- التقوى- الإحسان- الأمانة- المروءة- المراقبة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البغي- الظلم- الحكم بغير ما أنزل الله- التطفيف- الضلال- العتو] .   (1) لسان العرب (5/ 3625- 2627) . وانظر الصحاح (3/ 1152) . وبصائر ذوي التمييز (4/ 269) . (2) لسان العرب (5/ 3626) . وفتح الباري، شرح صحيح البخاري (13/ 539) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف (271) . والمراد بهذا القسط يعني أن يأخذ كل نصيبه بالعدل دون زيادة أو جور. (4) تفسير القرطبي (91) . (5) الحسبة (19) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3153 الآيات الواردة في «القسط» الله قائم بالقسط: 1- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (22) «1» القسط في المعاملات: 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «2» 3- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) «3»   (1) آل عمران: 18- 22 مدنية (2) البقرة: 282 مدنية (3) النساء: 127 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3154 4- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «1» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «2» 6- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «3» 7- * وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «4» 8- وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) «5» 9- وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) «6» 10- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ   (1) النساء: 135 مدنية (2) المائدة: 8 مدنية (3) الأنعام: 151- 153 مكية (4) هود: 84- 86 مكية (5) الإسراء: 35- 38 مكية (6) الأنبياء: 46- 47 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3155 شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) «1» 11- ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) «2» 12- الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) «3» 13- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) «4» 14- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) «5» القسط في الحكومات: 15- * يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ   (1) الشعراء: 176- 184 مكية (2) الأحزاب: 4- 5 مدنية (3) الرحمن: 1- 10 مدنية (4) الحديد: 25 مدنية (5) الممتحنة: 8 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3156 وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «1» 16- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) «2» 17- إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47) «3» 18- وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54) «4» 19- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) «5» القسط في العبادات: 20- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «6»   (1) المائدة: 41- 42 مدنية (2) يونس: 3- 5 مكية (3) يونس: 44- 47 مكية (4) يونس: 54 مكية (5) الحجرات: 9- 10 مدنية (6) الاعراف: 27- 30 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3157 الأحاديث الواردة في (القسط) 1- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال «1» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «2» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «3» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «4» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «5» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «6» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «7» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «8» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى، ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «9» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «10» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «11» وإن دقّ، إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل أو الكذب» .   (1) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ ... ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحام وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (2) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (3) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (4) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (5) إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق. (6) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مرّ الزمان. (7) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (8) نغزك: أي نعينك. (9) لا زبر له أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (10) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. (11) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3158 «والشّنظير «1» الفحّاش» . ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسنفق عليك» ) * «2» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرّحمن- عزّ وجلّ- وكلتا يديه يمين، الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» ) * «3» . 3- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من إجلال الله إكرام ذي الشّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السّلطان المقسط» ) * «4» . 4- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على باب بيت فيه نفر من قريش، فقام وأخذ بعضادة الباب، ثمّ قال: «هل في البيت إلّا قرشيّ؟» ، قال: فقيل: يا رسول الله، غير فلان ابن أختنا، فقال: «ابن أخت القوم منهم» ، قال: ثمّ قال: «إنّ هذا الأمر في قريش ما داموا، إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل» ) * «5» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلا من أهل بيتي، يواطىء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا» ) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم حكما مقسطا، فيكسر الصّليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتّى لا يقبله أحد» ) * «7» .   (1) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السىء الخلق. (2) مسلم (2865) . (3) مسلم (1827) . (4) أبو داود (4843) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول: للحديث شواهد يتقوى بها، وقد حسّنه النووي والعراقي وابن حجر (6/ 572) . (5) أحمد (4/ 396) وبعضه في المسند من حديث أبي هريرة، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (14/ 72) . (6) أبو داود (4282) واللفظ له. والترمذي (2231) . وقال: حسن صحيح. وأحمد من مسند أبي سعيد (3/ 27، 28، 36، 37، 52، 70) . (7) البخاري- الفتح 4 (2222) . ومسلم (155) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3159 من الآثار الواردة في (القسط) 1- * (قالت عائشة- رضي الله عنها- لعروة ابن الزّبير في قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى (النساء/ 3) : يا ابن أختي! هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها، تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ ويبلغوا لهنّ أعلى سنّتهنّ في الصّداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ. وقالت عائشة: وإنّ النّاس استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية، فأنزل الله وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قالت عائشة: وقول الله تعالى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ: (النساء/ 127) رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. قالت: فنهوا أن ينكحوا عمّن «1» رغبوا في ماله وجماله في يتامى النّساء إلّا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ إذا كنّ قليلات المال والجمال) * «2» . الأحاديث الواردة في (القسط) معنى انظر صفتي: العدل والحكم بما أنزل الله المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (القسط) انظر صفتي: العدل والحكم بما أنزل الله من فوائد (القسط) (1) فيه مرضاة للرّحمن واتّباع لسيّد الأنام. (2) يضمن الحقوق ويحفظ الأمانات. (3) القيام بالقسط سمة من سمات إخلاص الشّهادة لله. (4) يكسو صاحبه نورا يوم القيامة. (5) من قام بالقسط عظم ثوابه. (6) فيه الحفاظ على سلامة المجتمع. (7) يعيذ صاحبه من لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين.   (1) في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: نهوا عن نكاح من يرغبن فيهن إلا بالقسط. (2) البخاري- الفتح 8 (4574) واللفظ له. ومسلم (3018) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3160 القصاص الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 9/ 6 القصاص لغة: اسم بمعنى القود مأخوذ من مادّة (ق ص ص) الّتي تدلّ على تتبّع الشّيء، من ذلك قولهم: اقتصصت الأثر إذا تتبّعته قال ابن فارس: ومن ذلك اشتقاق القصاص في الجراح، وذلك أنّه يفعل به مثل فعله بالأوّل، فكأنّه اقتصّ أثره، وقال الجوهريّ: القصاص القود، وقد أقصّ الأمير فلانا من فلان إذا اقتصّ له منه فجرحه مثل جرحه، أو قتله قودا، واستقصّه سأله أن يقصّه منه، وقال الفرّاء: قصّه الموت وأقصّه بمعنى دنا منه، وأصل الكلمة قاصّه مقاصّة (مشدّد) ، مثل سارّه مسارّة وحاجّه محاجّة وما أشبه ذلك. والقصاص (بالكسر) ، والقصاصاء (بالكسر أيضا) والقصاصاء (بالضّمّ) لغات فيه: هو القود والقتل بالقتل، والجرح بالجرح. وتقاصّ القوم إذا قاصّ كلّ واحد منهم صاحبه في حساب أو غيره، والتّقاصّ: التّناصف في القصاص، قال قائل: فرمنا القصاص وكان التّقاصّ ... حكما وعدلا على المسلمينا. قال ابن سيده: وهذا الشّاذّ لاجتماع ساكنين، ولذلك رواه بعضهم، وكان القصاص. والاقتصاص: أخذ القصاص. والإقصاص أن يؤخذ لك القصاص «1» . واصطلاحا: قال الجرجانيّ: أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل «2» . وعرّفه الحافظ في الفتح بأنّه: تتبّع جناية الجاني ليؤخذ مثل جنايته «3» . وقال المناويّ: القصاص: تتبّع الدّم بالقود «4» . أثر القصاص في استقرار المجتمع: قال الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ: ومن هدي القرآن للّتي هي أقوم: القصاص، فإنّ الإنسان إذا غضب وهمّ بأن يقتل إنسانا آخر فتذكّر أنّه إن قتله قتل به، خاف العاقبة فترك القتل، فحيي ذلك الّذي يريد قتله، وحيي هو لأنّه لم يقتل فيقتل قصاصا، فقتل القاتل يحيا به ما لا يعلمه إلّا الله كثرة كما ذكرنا، قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة/ 179) ، ولا شكّ أنّ هذا من   (1) الصحاح (3/ 1051- 1052) ، ولسان العرب (6/ 3652) ، مفردات القرآن (672) ، المصباح المنير (506) ، ومقاييس اللغة (5/ 11) . (2) التعريفات (225) . (3) الفتح (11/ 395) . (4) التوقيف (272) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3161 أعدل الطّرق وأقومها، ولذلك يشاهد في أنظار الدّنيا قديما وحديثا قلّة وقوع القتل في البلاد الّتي تحكم بكتاب الله، لأنّ القصاص ردع عن جريمة القتل، كما ذكره الله في الآية المذكورة آنفا. وما يزعمه أعداء الإسلام من أنّ القصاص غير مطابق للحكمة، لأنّ فيه إقلال عدد المجتمع بقتل إنسان ثان بعد أن مات الأوّل، وأنّه ينبغي أن يعاقب بغير القتل فيحبس، وقد يولد له في الحبس فيزيد المجتمع، كلّه كلام ساقط، عار من الحكمة، لأنّ الحبس لا يردع النّاس عن القتل، فإذا لم تكن العقوبة رادعة فإنّ السّفهاء يكثر منهم القتل فيتضاعف نقص المجتمع بكثرة القتل «1» . [للاستزادة؛ انظر صفات: الحكم بما أنزل الله- العدل والمساواة- العفو- القسط- الإنصاف- الطاعة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحكم بغير ما أنزل الله- الظلم- الضلال- البغي- العدوان- العصيان] .   (1) أضواء البيان (3/ 389- 390) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3162 الآيات الواردة في «القصاص» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) «1» 2- الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) «2» 3- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) «3» 4- وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) «4»   (1) البقرة: 178- 179 مدنية (2) البقرة: 194 مدنية (3) المائدة: 44- 45 مدنية (4) الإسراء: 33 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3163 الأحاديث الواردة في (القصاص) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إنّ المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النّار» ) * «1» . ولفظه عند التّرمذيّ: «فيقع فيقتصّ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتصّ ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثمّ طرح في النّار» ) * «2» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل ما يقضى بين النّاس في الدّماء» ) * «3» . 3- * (قال أسيد بن حضير- رضي الله عنه-: بينما هو يحدّث القوم- وكان فيه مزاح- بينا يضحكهم فطعنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خاصرته بعود، فقال: أصبرني. فقال: «اصطبر «4» » ، قال: إنّ عليك قميصا وليس عليّ قميص، فرفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبّل كشحه «5» ، قال: إنّما أردت هذا يا رسول الله) * «6» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كسرت الرّبيّع- وهي عمّة أنس بن مالك- ثنيّة جارية من الأنصار، فطلب القوم القصاص، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالقصاص. فقال أنس بن النّضر عمّ أنس بن مالك: لا والله لا تكسر سنّها يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أنس كتاب الله القصاص» ، فرضي القوم وقبلوا الأرش «7» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» ) * «8» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخلص المؤمنون من النّار، فيحبسون على قنطرة بين الجنّة والنّار، فيقصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدّنيا، حتّى إذا هذّبوا ونقّوا، أذن لهم في دخول الجنّة، فو الّذي نفس محمّد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنّة منه بمنزله كان في الدّنيا» ) * «9» .   (1) مسلم (2581) . (2) الترمذي (2418) ، وقال: حسن صحيح. (3) البخاري- الفتح 11 (6533) . (4) أصبرني من نفسك. فقال اصطبر: أي أقدني من نفسك. قال: استقد، يقال: صبر فلان من خصمه واصطبر: أي اقتص منه. (5) كشحه: أي خصره. (6) أبو داود (5224) ، وقال الألباني (3/ 981) : صحيح. (7) الأرش: دية الجراحات. (8) البخاري- الفتح 8 (4611) واللفظ له، ومسلم (1675) . (9) البخاري- الفتح 11 (6535) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3164 الأحاديث الواردة في (القصاص) معنى 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمّهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمّها، وجعل فيها الطّعام، وقال: «كلوا» وحبس الرّسول صلّى الله عليه وسلّم القصعة حتّى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة» ) * «1» . 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ يهوديّا قتل جارية على أوضاح لها «2» فقتلها بحجر، قال: فجيء بها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وبها رمق. فقال لها: «أقتلك فلان؟» ، فأشارت برأسها أن لا، ثمّ قال لها الثّانية. فأشارت برأسها أن لا. ثمّ سألها الثّالثة. فقالت: نعم، وأشارت برأسها. فقتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين حجرين) * «3» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله عبدا كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض، أو مال، فجاءه فاستحلّه قبل أن يؤخذ، وليس ثمّ دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حمّلوه عليه من سيّئاتهم» ) * «4» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشّاة الجلحاء من الشّاة القرناء» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (القصاص) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- في خطبة له: «إنّي لم أبعث عمّالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به ذلك فليرفعه إليّ، أقصّه منه» . قال عمرو بن العاص- رضي الله عنه-: «لو أنّ رجلا أدّب بعض رعيّته أتقصّه منه؟. قال: إي والّذي نفسي بيده أقصّه، وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقصّ من نفسه» ) * «6» . 2- * (قال أبو العالية- رحمه الله تعالى-: «جعل الله القصاص حياة. فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل» ) * «7» . 3- * (قال الزّجّاج- رحمه الله تعالى-: «إذا علم الرّجل أنّه إن قتل قتل أمسك عن القتل، فكان في ذلك حياة للّذي همّ بقتله ولنفسه، لأنّه من أجل   (1) البخاري- الفتح 5 (2481) . (2) أوضاح لها: أي لأجل حليّ لها من قطع فضة. (3) البخاري- الفتح 12 (6877) ، ومسلم (1672) ، واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 11 (6534) ، الترمذي (2419) ، وقال: حسن صحيح، واللفظ له. (5) مسلم (2582) . والجلحاء: هي التي لا قرن لها. (6) أبو داود (4537) . (7) تفسير ابن كثير (1/ 212) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3165 القصاص أمسك. وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: «أخذ هذا المعنى الشّاعر فقال: أبلغ أبا مالك عنّي مغلغلة «1» ... وفي العتاب حياة بين أقوام. يريد أنّهم إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب) * «2» . 4- * (قال ابن كثير- رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى البقرة/ 178) : «يقول الله تعالى: كتب عليكم العدل في القصاص أيّها المؤمنون حرّكم بحرّكم، وعبدكم بعبدكم، وأنثاكم بأنثاكم، ولا تتجاوزوا وتعتدوا كما اعتدى من قبلكم، وغيّروا حكم الله فيهم. فأمر الله بالعدل في القصاص، ولا يتبع سبيل المفسدين المحرّفين المخالفين لأحكام الله فيهم كفرا وبغيا) * «3» . 5- * (وقال- رحمه الله تعالى- عند قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ... (البقرة/ 179) : يقول الله تعالى وفي شرع القصاص- وهو قتل القاتل- حكمة عظيمة، وهي بقاء المهج وصونها، لأنّه إذا علم القاتل أنّه يقتل انكفّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة للنّفوس، وفي الكتب المتقدّمة: القتل أنفى للقتل فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز) * «4» . 6- * (قال المعرّيّ: يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار فردّ عليه ابن القيمّ: عزّ الأمانة أغلاها، وأرخصها ... ذلّ الخيانة فافهم حكمة الباري ونسبت للإمام الشّافعيّ فتوى في هذه المسألة، قبل أبي العلاء وهو قوله: هناك مظلومة غالت بقيمتها ... وها هنا ظلمت هانت على الباري والأولى: دية اليد الّتي تقطع ظلما قصدا، ففداؤها خمسمائة دينار ذهبا؛ لأنّها يد حرّ شريف. والثّانية يد السّارق الّتي تقطع في ربع دينار سرقته بالشّروط الّتي تتوافر لقطعها عند الفقهاء «5» . من فوائد (القصاص) 1- القصاص يحقن الدّماء. 2- القصاص يريح النّفوس المظلومة. 3- القصاص زجر لمن تسوّل له نفسه القتل. 4- القصاص حياة كما قالت العرب: القتل أنفى للقتل. 5- الرّاضي بالقصاص هو المنتصر.   (1) مغلغلة: رسالة. (2) زاد المسير في علم التفسير (1/ 181) . (3) تفسير ابن كثير (1/ 210) . (4) المرجع السابق (211) . (5) ديوان الشافعي (60، 61) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3166 القناعة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 22/ 21 القناعة لغة: مصدر قنع يقنع قناعة. إذا رضي، ويدلّ أصل المادّة علي معنيين: الأوّل: الإقبال بالوجه على الشّيء، والآخر: المستدير من الرّمل، ومن المعنى الأوّل أخذت القناعة بمعنى الرّضا، وسمّيت بذلك لأنّ القانع يقبل على الشّيء الّذي له راضيا. قال ابن فارس: والإقناع مدّ البعير رأسه إلى الماء للشّرب، قال ابن السّكّيت: قنعت الإبل والغنم للمرتع، إذا مالت له، وفلان شاهد مقنع، وهذا من المعنى الأوّل وهو الرّضا بالشّيء وجمعه مقانع، تقول: إنّه رضى يقنع به. وقال الرّاغب: يقال: قنع يقنع قناعة وقنعانا إذا رضي، وقنع يقنع قنوعا إذا سأل.. وقال بعضهم أصل هذه الكلمة من القناع وهو غطاء الرّأس، فقنع أي لبس القناع ساترا لفقره، وقنع إذا رفع قناعه كاشفا رأسه بالسّؤال. وقال ابن منظور: يقال: رجل قانع من قوم قنّع، وقنع من قنعين، وقنيع من قنيعين وقنعاء. وامرأة قنيع وقنيعة من نسوة قنائع. قال الأزهريّ: رجال مقانع وقنعان إذا كانوا مرضيّين. ورجل قنعان: يرضى باليسير. وفي التّنزيل وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (الحج/ 36) . فالقانع الّذي يسأل، والمعترّ الّذي يتعرّض ولا يسأل، وقيل القانع: المتعفّف، وكلّ يصلح. وقال بعض أهل العلم: إنّ القنوع يكون بمعنى الرّضا والقانع بمعنى الرّاضي، قال وهو من الأضداد. وفي الحديث: «فأكل وأطعم القانع والمعترّ» . هو من القنوع: الرّضا باليسير من العطاء «1» . وقوله من الأضداد، قال الأصمعيّ: القانع الرّاضي بما قسم الله، ومصدره القناعة. والقانع السّائل ومصدره القنوع، ورأيت أعرابيّا يقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك من القنوع والخنوع والخضوع وما يغضّ طرف المرء، ويغري به لئام النّاس. قال عديّ: وما خنت ذا عهد وأبت بعهده ... ولم أحرم المضطرّ إذ جاء قانعا أي سائلا «2» . واصطلاحا: قال ابن السّنّيّ: القناعة: الرّضا بالقسم «3» . وقال الرّاغب: القناعة: الاجتزاء باليسير   (1) لسان العرب: (8/ 297 وما بعدها) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (5/ 33) ؛ والمفردات للراغب (214) . (2) الأضداد للأصمعي (50) ، وللسجستاني: (116) ، وابن السكيت (202) ، وذيل الأضداد للصاغاني: (234) وانظر الأضداد للأنباري (66- 67) . (3) القناعة (40) . والقسم- بفتح القاف وسكون السين- مصدر قسم الشيء يقسمه، والقسم- بكسر القاف وسكون السين- النصيب والحظ، وأشار إلى المعنيين ابن منظور في اللسان «قنع» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3167 من الأغراض المحتاج إليها «1» . وقال الجاحظ: القناعة هي: الاقتصار على ما سنح من العيش، والرّضا بما تسهّل من المعاش، وترك الحرص على اكتساب الأموال وطلب المراتب العالية مع الرّغبة في جميع ذلك وإيثاره والميل إليه وقهر النّفس على ذلك والتّقنّع باليسير منه «2» . وقال المناويّ: القناعة عرفا: الاقتصار على الكفاف، وقيل: الاكتفاء بالبلغة، وقيل: سكون الجأش عند عدم المألوفات، وقيل: الوقوف عند الكفاية «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الرضا- الزهد- التواضع- الورع- النزاهة- العفة- المروءة- مجاهدة النفس- أكل الطيبات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطمع- طول الأمل- أكل الحرام- التطفيف- اتباع الهوى- التناجش- الاحتكار- السرقة- الغلول] . الآيات الواردة في «القناعة» 1- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «4» الآيات الواردة في «القناعة» معنى 2- لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) «5» 3- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «6»   (1) المفردات للراغب (413) . (2) تهذيب الأخلاق للجاحظ (22) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (275) . (4) الحج: 36- 37 مدنية. (5) البقرة: 273 مدنية. (6) النساء: 6 مدنية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3168 الأحاديث الواردة في (القناعة) 1- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا وقنع» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنّعه الله بما آتاه» ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة، كن ورعا تكن أعبد النّاس، وكن قنعا تكن أشكر النّاس، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وأقلّ الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (القناعة) معنى 4- * (عن عمرو بن تغلب- رضي الله عنه- قال: أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوما ومنع آخرين، فكأنّهم عتبوا عليه فقال: «إنّي أعطي قوما أخاف ظلعهم وجزعهم «4» ، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى، منهم عمرو بن تغلب» . فقال عمرو بن تغلب: ما أحبّ أنّ لي بكلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمر النّعم» . زاد أبو عاصم عن جرير قال: سمعت الحسن يقول: حدّثنا عمرو بن تغلب أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بمال أو بسبي فقسمه ... بهذا) * «5» . 5- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ «6» ذو حظّ من الصّلاة، أحسن عبادة ربّه وأطاعه في السّرّ، وكان غامضا في النّاس، لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا، فصبر على ذلك، ثمّ نفض بيده، فقال: عجّلت منيّته، قلّت بواكيه، قلّ تراثه» . وبهذا الإسناد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا، قلت: لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما وقال: ثلاثا أو نحو   (1) الترمذي (2349) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم 1/ 35 وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. (2) مسلم (1054) . (3) ابن ماجة (4217) واللفظ له وفي الزوائد إسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 560) وقال رواه ابن ماجة. والبيهقي في الزهد الكبير. وعند الترمذي بنحوه من حديث الحسن عن أبي هريرة. (4) ظلعهم: اعوجاجهم، وجزعهم: نقيض الصبر على الشر. وأطلق هنا على مرض القلب وضعف اليقين. (5) البخاري الفتح 6 (3145) . (6) قال ابن الأثير: الحاذ في الأصل بطن الفخذ، وقيل: هو الظهر، والمراد في الحديث: الخفيف الظهر من العيال، القليل المال، القليل الحظ من الدنيا. جامع الأصول (10/ 138) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3169 هذا- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم. فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله» ) * «2» . 7- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: «يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالّذي يأكل ولا يشبع. اليد العليا خير من اليد السفلى. قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدا «3» بعدك شيئا حتّى أفارق الدّنيا. فكان أبو بكر- رضي الله عنه- يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه. ثمّ إنّ عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا. فقال عمر: إنّي أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أنّي أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى توفّي» ) * «4» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «اشتكى سلمان، فعاده سعد، فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخى؟ أليس قد صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أليس أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي حنينا للدّنيا، ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ عهدا، فما أراني إلّا قد تعدّيت. قال: وما عهد إليك؟. قال: عهد إليّ أنّه يكفي أحدكم مثل زاد الرّاكب، ولا أراني إلّا قد تعدّيت، وأمّا أنت يا سعد، فاتّق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همّك إذا هممت، قال ثابت: فبلغني أنّه ما ترك إلّا بضعة وعشرين درهما من نفقة كانت عنده) * «5» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الغنى عن كثرة العرض «6» . ولكنّ الغنى غنى النّفس» ) * «7» .   (1) الترمذي (2347) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (10/ 137) إسناده حسن. (2) البخاري الفتح 11 (6490) . ومسلم (2963) واللفظ له. (3) لا أرزأ أحدا: أي لا أصيب من ماله بالطلب منه ولا أنقصه شيئا. (4) البخاري الفتح 3 (1472) واللفظ له. ومسلم (1035) . (5) ابن السني في القناعة (48) وقال: حديث صحيح وللحديث طرق عدة عن سلمان يصح بها قطعا وقد أخرجه من طريق الحسن: وكيع في الزهد (67) ، وأحمد في المسند (5/ 438) والزهد (28، 29) ، وابن سعد في الطبقات (4/ 91) وغيرهم، وطرق أخرى عن سلمان منها: رواية أنس بن مالك عند ابن ماجه (4104) واللفظ له، والطبراني في الكبير (6/ 279) وقال ابن السني: وهذا إسناد جيد قوي. وأخرى غيرها كثيرة. (6) العرض: هو متاع الدنيا. ومعنى الحديث: الغني المحمود غنى النفس وشبعها وقلة حرصها. لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة. لأن من كان طالبا للزيادة لم يستغن بما معه، فليس له غنى. (7) البخاري الفتح 11 (6446) ، ومسلم (1051) متفق عليه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3170 10- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما طلعت شمس قطّ إلّا وبجنبتيها ملكان، إنّهما يسمعان أهل الأرض إلّا الثّقلين: أيّها النّاس، هلمّوا إلى ربّكم، فإنّ ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى، وما غربت شمس قطّ إلّا وبجنبتيها ملكان يناديان: اللهمّ عجّل لمنفق خلفا وعجّل لممسك تلفا» ) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (القناعة) 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو: «اللهمّ قنّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كلّ غائبة لي بخير» ) * «2» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت لعروة: ابن أختي، إن كنّا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلّة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نار. فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التّمر والماء، إلّا أنّه قد كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيران من الأنصار كان لهم منائح «3» ، وكانوا يمنحون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أبياتهم، فيسقيناه) * «4» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ ارزق آل محمّد قوتا» ) * «5» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أدم وحشوه ليف) * «6» . 15- * (عن قتادة- رضي الله عنه- قال: كنّا نأتي أنس بن مالك وخبّازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رغيفا مرقّقا حتّى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا «7» بعينه قطّ) * «8» . 16- * (عن عائشة. رضي الله عنها- قالت: لقد توفّي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما في رفّي من شيء يأكله ذو كبد، إلّا شطر شعير في رفّ لي، فأكلت منه حتّى طال عليّ، فكلته ففني «9» ) * «10» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لقد مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما شبع   (1) ابن السني في القناعة (57) وقال مخرجه: سنده صحيح، ورجاله ثقات جميعا. وذكره الحاكم في المستدرك (2/ 445) واللفظ له، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (2) الحاكم في المستدرك (2/ 356) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (3) المنائح جمع منيحة وهي العطية، والأصل فيها منحة اللبن كالناقة أو الشاة تعطيها غيرك يحتلبها ثم يردها عليك. (4) البخاري الفتح 11 (6459) واللفظ له. ومسلم (2973) (5) البخاري الفتح 11 (6460) واللفظ له. ومسلم (1055) . والقوت: ما يقوت البدن، ويكف عن الحاجة، وفيه دليل على فضل الكفاف، وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك. (6) البخاري الفتح 11 (6456) . (7) الشاة السميط والمسموطة التي نحي شعرها بالماء الحار. (8) البخاري الفتح 11 (6457) . (9) فكلته ففني: أي قسته ففرغ، وفيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله. (10) البخاري الفتح 11 (6451) واللفظ له. ومسلم 4 (2973) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3171 من خبز وزيت، في يوم واحد، مرّتين) * «1» . 18- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «لم يأكل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خوان «2» حتّى مات، وما أكل خبزا مرقّقا حتّى مات» ) * «3» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو كان لي مثل أحد ذهبا ما يسرّني أن لا يمرّ عليّ ثلاث وعندي منه شيء، إلّا شيء أرصده لدين» ) * «4» . 20- * (عن عروة؛ عن عائشة- رضي الله عنهما- قالت: ما أكل آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم أكلتين في يوم إلّا إحداهما تمر» ) * «5» . 21- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما شبع آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم من خبز شعير، يومين متتابعين، حتّى قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» * «6» . 22- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما شبع آل محمّد منذ قدم المدينة من طعام برّ ثلاث ليال تباعا حتّى قبض» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (القناعة) 1- * (قال عمر- رضي الله عنه-: «ألا أخبركم بما أستحلّ من مال الله تعالى: حلّتان لشتائي وقيظي «8» ، وما يسعني من الظّهر «9» لحجّي وعمرتي، وقوتي بعد ذلك كقوت رجل من قريش لست بأرفعهم ولا بأوضعهم، فو الله ما أدري أيحلّ ذلك أم لا؟» ) * «10» . 2- * (وقال أيضا: «إنّ الطّمع فقر، وإنّ اليأس غنى، إنّه من ييأس عمّا في أيدي النّاس استغنى عنهم) * «11» . 3- * (عن أبي عمرو الشّيبانيّ قال: «سأل موسى- عليه السّلام- ربّه- عزّ وجلّ-: أي ربّ، أيّ عبادك أحبّ إليك؟ قال: أكثرهم لي ذكرا. قال: يا ربّ، فأيّ عبادك أغنى؟ قال: أقنعهم بما أعطيته. قال: يا ربّ، فأيّ عبادك أعدل؟ قال: من دان نفسه» ) * «12» . 4- * (كتب بعض بني أميّة إلى أبي حازم   (1) مسلم (2974) . (2) الخوان- بضم الخاء وكسرها لغتان- للذي يؤكل عليه. واقتصر ابن حجر على أن الخاء مكسورة. فتح الباري (11/ 284) . (3) البخاري- الفتح 11 (6450) . (4) البخاري- الفتح 5 (2389) واللفظ له. ومسلم (991) . (5) البخاري- الفتح 11 (6455) واللفظ له. ومسلم (2971) . (6) مسلم (2970) . (7) البخاري- الفتح 11 (6454) واللفظ له. ومسلم (2970) . (8) حلّتان لشتائي وقيظي: أي ثوب للشتاء وثوب للصيف. (9) من الظهر: أي ما يركب من الدواب. (10) الإحياء: (3/ 240) . (11) إحياء علوم الدين (3/ 239) . (12) ابن السني في كتاب القناعة (51) ، وقال محققه: رجاله ثقات مشهورون غير شيخ ابن السني واسمه جعفر بن عيسى أبو أحمد الحلواني. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3172 يعزم عليه إلّا رفع إليه حوائجه. فكتب إليه: قد رفعت حوائجي إلى مولاي، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك عنّي قنعت» ) * «1» . 5- * (قال أبو ذؤيب الهذليّ: والنّفس راغبة إذا رغّبتها ... وإذا تردّ إلى قليل تقنع ) * «2» . 6- * (قال ابن الأعرابيّ يخاطب نفسه: لا تحسبي دراهم ابني مدلج ... تأتيك حتّى تدلجي «3» وتولجي «4» فاقنعي بالعرفج «5» المسحّج «6» . ... وبالثّمام «7» وعرام «8» العوسج «9» ) * «10» . 7- * (قال ابن القيّم: «يكمل غنى القلب بغنى آخر، هو غنى النّفس. وآيته: سلامتها من الحظوظ وبراءتها من المراءاة» ) * «11» . 8- * (قال الإمام الغزاليّ: «كان محمّد بن واسع يبلّ الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد» ) * «12» . 9- * (قال بعض الحكماء: «وجدت أطول النّاس غمّا الحسود، وأهنأهم عيشا القنوع، وأصبرهم على الأذى الحريص إذا طمع، وأخفضهم عيشا أرفضهم للدّنيا، وأعظمهم ندامة العالم المفرّط) * «13» . 10- * (قال قلاخ لأبي جهل والحارث ابني هشام: فهل يخلدنّ ابني هشام غناهما ... وما يجمعان من مئين ومن ألف يقولان نستغني وو الله ما الغنى ... من المال إلّا ما يعفّ وما يكفي «14» . 11- * (قال شاعر: اصبر على كسرة وملح ... فالصّبر مفتاح كلّ زين ولا تعرض لمدح قوم ... يدع إلى ذلّة وشين واقنع فإنّ القنوع عزّ ... والذّلّ في شهوة بدين ) * «15» . 12- * (وقال آخر: رضيت من الدّنيا بقوت يقيمني ... فلا أبتغي من بعده أبدا فضلا   (1) الإحياء (3/ 239) ، والقناعة لابن السني (43) . (2) جمهرة أشعار العرب (242) . (3) تدلجي: من أدلج إذا سار من أول الليل. (4) تولجي: من ولج يلج ولوجا: أي دخل. (5) العرفج: نوع من الشجر البري. (6) المسحج: المقشر. (7) الثمام: نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص واحده ثمامة. (8) العرام: ما سقط من قشر العوسج. (9) العوسج: واحده عوسجة وهي الشجرة الكبيرة من العضاه. (10) جمهرة أشعار العرب (242) . (11) تهذيب مدارج السالكين (474) . (12) الإحياء (3/ 293) . (13) القناعة لابن السني (58) . (14) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (15) المصدر السابق (47) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3173 ولست أروم القوت إلّا لأنّه ... يعين على علم أردّ به جهلا فما هذه الدّنيا بطيب نعيمها ... لأيسر ما في العلم من نكتة عدلا) * «1» . 13- * (وقال آخر: وللرّزق أسباب تروح وتغتدي ... وإنّي منها بين غاد ورائح قنعت بثوب العدم من حلّة الغنى ... ومن بارد عذب زلال بمالح 14- * (وقال آخر: كن بما أوتيته مقتنعا ... تقتفي عيش القنوع المكتفي كسراج دهنه قوت له ... فإذا غرّقته فيه طفي ) * «2» . 15- * (قال بعضهم: «ازهد بما عند النّاس يحبّك النّاس، وارغب فيما عند الله يحبّك الله» ) * «3» . 16- * (قيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟ قال: «قلّة تمنّيك، ورضاك بما يكفيك» ) * «4» . 17- * (وقيل لبعض الحكماء: ما مالك؟ فقال: «التّجمّل في الظّاهر، والقصد في الباطن، واليأس ممّا في أيدي النّاس» ) * «5» . 18- * (وقيل في القناعة: اضرع إلى الله لا تضرع إلي النّاس ... واقنع بيأس فإنّ العزّ في الياس واستغن عن كلّ ذي قربى وذي رحم ... إنّ الغنيّ من استغنى عن النّاس ) * «6» . 19- * (وقيل في هذا المعنى أيضا: يا جائعا قانعا والدّهر يرمقه ... مقدّرا أيّ باب منه يغلقه مفكّرا كيف تأتيه منيّته ... أغاديا أم بها يسري فتطرقه جمعت مالا فقل لي هل جمعت له ... يا جامع المال أيّاما تفرّقه المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلّا يوم تنفقه أرفه «7» ببال فتى يغدو على ثقة ... أنّ الّذي قسّم الأرزاق يرزقه فالعرض منه مصون ما يدنّسه ... والوجه منه جديد ليس يخلقه إنّ القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلّها همّا يؤرّقه «8» . 20- يروى أنّ الخليل بن أحمد الفراهيديّ   (1) القناعة لابن السني (47) . (2) المصدر السابق (41) . (3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. وفي معناه حديث مرفوع أخرجه ابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعا «ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» وإسناده حسن كما في الأربعين النووية رقم (31) . (4) الإحياء (4/ 212) . (5) المرجع السابق (4/ 213) . (6) المرجع السابق (4/ 213) . (7) أرفه: أي ما أرفه (وهي صيغة تعجّب) . (8) الإحياء (4/ 213) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3174 (المتوفّى سنة 170 هـ) رفض أن يكون مؤدّبا لابن سليمان بن عليّ والي الأهواز ثمّ أخرج لرسوله خبزا يابسا وقال له: ما دمت أجد هذا فلا حاجة إلى سليمان، ثمّ أنشد: أبلغ سليمان أنّي عنه في سعة وفي غنى غير أنّي لست ذا مال شحّا بنفسي أنّي لا أرى أحدا يموت هزلا ولا يبقى على حال والفقر في النّفس لا في المال نعرفه ومثل ذاك الغنى في النّفس لا المال) * «1» . 21- * (وقال الشّافعيّ- رحمه الله-: رأيت القناعة رأس الغنى ... فصرت بأذيالها ممتسك فلا ذا يراني على بابه ... ولا ذا يراني به منهمك فصرت غنيّا بلا درهم ... أمرّ على النّاس شبه الملك ) * «2» . من فوائد (القناعة) (1) القناعة من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) القانع تعزف نفسه عن حطام الدّنيا رغبة فيما عند الله. (3) القنوع يحبّه الله ويحبّه النّاس. (4) وهو سعيد النّفس بما قسم له من الدّنيا. (5) لو قنع النّاس بالقليل لما بقي بينهم فقير ولا محروم. (6) تشيع الألفة والمحبّة بين النّاس.   (1) الإحياء (4/ 213) . (2) ديوان الشافعي (102) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3175 القنوت الآيات/ الأحاديث/ الآثار 11/ 23/ 6 القنوت لغة: مصدر قنت يقنت قنوتا، وهو مأخوذ من مادّة (ق ن ت) الّتي تدلّ على طاعة وخير في دين، والأصل فيه الطّاعة، ثمّ سمّي كلّ طاعة في طريق الدّين قنوتا، وسمّي السّكوت في الصّلاة والإقبال عليها قنوتا، قال الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) «1» . وقال ابن منظور: القنوت دوام الطّاعة، وقيل: الدّعاء في الصّلاة، والقنوت: الخشوع والإقرار بالعبوديّة، وقيل: القيام، وزعم ثعلب أنّه الأصل، وقيل: إطالة القيام. ويقال للمصلّي: قانت. وفي الحديث: «مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل القانت الصّائم» أي المصلّي، ويرد القنوت بمعان متعدّدة، كالطّاعة، وقد تقدّم بعضها. فيصرف في كلّ واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه. وقال ابن الأنباريّ: القنوت على أربعة أقسام: الصّلاة، وطول القيام، وإقامة الطّاعة، والسّكوت. قال ابن سيده: القنوت الطّاعة، هذا هو الأصل، ومنه قوله تعالى: وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ (الأحزاب/ 35) ، ثمّ سمّي القيام في الصّلاة قنوتا، ومنه قنوت الوتر. والقانت: الذّاكر لله تعالى. كما قال- عزّ وجلّ-: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً (الزمر/ 9) . وقيل: القانت: العابد. والقانت: القائم بجميع أمر الله تعالى، وجمع القانت من ذلك كلّه: قنّت، وقنت له: ذلّ، وقنتت المرأة لبعلها: أقرّت «2» . ونقل الفيروزاباديّ عن ابن الأعرابيّ قوله: أقنت: دعا على عدوّه، وأقنت: إذا أطال القيام في الصّلاة. وأقنت: إذا أدام الحجّ، وأقنت: إذا أطال الغزو، وأقنت إذا تواضع لله تعالى «3» . القنوت اصطلاحا: قال الرّاغب: القنوت لزوم الطّاعة مع الخضوع، وفسّر في كلّ واحد منهما في قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ وقوله عزّ وجلّ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (البقرة/ 116) . وقال المناويّ: القنوت: ثبات القائم بالأمر على قيامه تحقّقا بتمكّنه فيه.. ودعاء القنوت: هو دعاء الانتصاب في الصّلاة «4» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 31) . (2) انظر الصحاح للجوهري (1/ 261) ، ولسان العرب، لابن منظور (2/ 73، 74) ومقاييس اللغة لابن فارس (5/ 31) . (3) بصائر ذوي التمييز (4/ 298) . (4) مفردات الراغب (ص 413) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص 275) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3176 أنواع القنوت: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: القنوت الّذي يعمّ المخلوقات أنواع: أحدها: طاعة كلّ شيء لمشيئته وقدرته وخلقه، فإنّه لا يخرج شيء عن مشيئته وقدرته وملكه، بل هو مدبّر معبود. وعلى هذا الوجه، فالقانت قد لا يشعر بقنوته، فإنّ المراد بقنوته كونه مدبّرا مصرّفا تحت مشيئة الرّبّ من غير امتناع منه بوجه من الوجوه، وهذا شامل للجمادات والحيوانات وكلّ شيء. قال تعالى: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها (هود/ 56) ، وقال تعالى: فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (يس/ 83) . النّوع الثّاني من القنوت: هو ما يشعر به القانت، وهو اعترافهم كلّهم بأنّهم مخلوقون مربوبون وأنّه ربّهم، كما تقدّم. الثّالث: أنّهم يضطرّون إليه وقت حوائجهم فيسألونه ويخضعون له، وإن كانوا إذا أجابهم أعرضوا عنه. قال الله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ (يونس/ 12) ، وقال تعالى: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (الإسراء/ 67) . وهو أخبر أنّهم له قانتون، فإذا قنتوا له فدعوه، وتضرّعوا إليه عند حاجتهم كانوا قانتين له، وإن كان إذا كشف الضّرّ عنهم نسوا ما كانوا يدعون إليه وجعلوا له أندادا. الرّابع: أنّهم كلّهم لا بدّ لهم من القنوت والطّاعة في كثير من أوامره وإن عصوه في البعض، وإن كانوا لا يقصدون بذلك طاعته، بل يسلّمون له ويسجدون طوعا وكرها. وذلك أنّه أرسل الرّسل وأنزل الكتب بالعدل، فلا صلاح لأهل الأرض في شيء من أمورهم إلّا به، ولا يستطيع أحد أن يعيش في العالم مع خروجه عن جميع أنواعه، بل لا بدّ من دخوله في شيء من أنواع العدل. الخامس: خضوعهم لجزائه لهم في الدّنيا والآخرة، كما ذكر من ذكر أنّهم قانتون يوم القيامة، وهو سبحانه قد يجزي النّاس في الدّنيا فيهلكهم وينتقم منهم، كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وفرعون، فكانوا خاضعين منقادين لجزائه وعقابه قانتين له كرها. والجزاء يكون في الدّنيا، وفي البرزخ وفي الآخرة، وهو سبحانه قائم على كلّ نفس بما كسبت، وهو قائم بالقسط، والجميع مستسلمون لحكمه، قانتون له في جزائهم على أعمالهم، والمصائب الّتي تصيبهم في الدّنيا جزاء لهم. قال تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (الشورى/ 30) ، وقال تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (النساء/ 79) . فهذه خمسة أنواع: قنوتهم لخلقه وحكمه وأمره قدرا، واعترافهم بربوبيّته، واضطرارهم إلى مسألته والرّغبة إليه، ودخولهم فيما يأمر به وإن كانوا كارهين، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3177 وجزاؤهم على أعمالهم «1» . وقال الفيروز اباديّ: القنوت ينقسم إلى أربعة أقسام: الصّلاة، وطول القيام، وإقامة الطّاعة، والسّكوت. روي عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- كنّا نتكلّم في الصّلاة، يكلّم أحدنا صاحبه في حاجته، حتّى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) ، فأمرنا بالسّكوت، وسئل ابن عمر- رضي الله عنهما- عن القنوت، فقال: ما أعرف القنوت إلّا طول القيام، ثمّ قرأ: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ... (الزمر/ 9) ، وقال الزّجّاج: المشهور في اللّغة أنّ القنوت الدّعاء، وأنّ القانت: الدّاعي «2» . [للاستزادة: الخشوع- الرغبة- الصلاة- الضراعة- الطاعة- الإنابة- الرجاء- التوسل- الدعاء- الاستغاثة- الاستغفار- الإخبات- تذكر الموت- الخوف- العبادة وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- العصيان- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- التفريط والإفراط- الغفلة- طول الأمل- القنوط] .   (1) مجموعة الرسائل لابن تيمية (2/ 25- 27) . (2) بصائر ذوي التمييز (4/ 298) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3178 الآيات الواردة في «القنوت» القنوت بمعنى طاعة المخلوقات وخضوعها: 1- وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) «1» 2- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) «2» القنوت بمعنى السكوت: 3- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «3» القنوت بمعنى طول القيام: 4- * وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «4» الأمر بالقنوت: 5- وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «5» القنوت من صفات أنبياء الله وأوليائه والمؤمنين (ومعناه إقامة الطاعة) : 6- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ   (1) البقرة: 115- 117 مدنية (2) الروم: 25- 26 مكية (3) البقرة: 238- 239 مدنية (4) الزمر: 8- 9 مكية (5) آل عمران: 42- 43 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3179 الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «1» 7- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «2» 8- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) «3» 9- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)   (1) آل عمران: 14- 18 مدنية (2) النساء: 34 مدنية (3) النحل: 120- 122 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3180 إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «1» 10- وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) «2» 11- وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) «3»   (1) الأحزاب: 28- 35 مدنية (2) التحريم: 3- 5 مدنية (3) التحريم: 12 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3181 الأحاديث الواردة في (القنوت) 1- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله! من تبعك على هذا الأمر قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام» قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» قال: قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟ قال: «خلق حسن» قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما هجر ربّك عزّ وجلّ ... الحديث» ) * «1» . 2- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أفضل الصّلاة طول القنوت «2» » ) * «3» . 3- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقنت في الصّبح والمغرب» ) * «4» . 4- * (عن عاصم، قال: سألت أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن القنوت فقال: قد كان القنوت. قلت: قبل الرّكوع أو بعده؟ قال: قبله. قال: فإنّ فلانا أخبرني عنك أنّك قلت: بعد الرّكوع. فقال: كذب، إنّما قنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الرّكوع شهرا، أراه كان بعث قوما، يقال لهم القرّاء زهاء سبعين رجلا، إلى قوم من المشركين دون أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد «5» ، فقنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهرا يدعو عليهم) * «6» . 5- * (عن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: علّمني جدّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلمات أقولهنّ في قنوت الوتر: «اللهمّ عافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، واهدني فيمن هديت، وقني شرّ ما قضيت، وبارك لي فيما أعطيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، إنّه لا يذلّ من واليت، سبحانك ربّنا تباركت وتعاليت» ) * «7» . 6- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهرا يدعو على رعل وذكوان) * «8» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله- عزّ   (1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11/ 33) . وهو في الصحيحة للألباني (551) . والحديث أصله عند مسلم (832) . (2) القنوت: المراد به هنا القيام. (3) مسلم (756) . (4) مسلم (678) . (5) وكان المشركون قد قتلوا هؤلاء القراء فيما يعرف ب «حادثة بئر معونة) . (6) البخاري- الفتح 2 (1002) . واللفظ له، ومسلم (677) (7) أبو داود (1425) . وابن ماجة (1178) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (967) . (8) البخاري- الفتح 2 (1003) واللفظ له. ومسلم (677) . ورعل وذكوان: قبيلتان من قبائل العرب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3182 وجلّ؟ قال: «لا تستطيعوه» «1» قال: فأعادوا عليه مرّتين أو ثلاثا. كلّ ذلك يقول: «لا تستطيعونه» . وقال في الثّالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصّائم القائم القانت «2» بآيات الله. لا يفتر من صيام ولا صلاة. حتّى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى» ) * «3» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو في القنوت: «اللهمّ أنج سلمة بن هشام، اللهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللهمّ أنج عيّاش ابن أبي ربيعة، اللهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللهمّ سنين كسني يوسف «4» » ) * «5» . الأحاديث الواردة في (القنوت) معنى 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهر الله المحرّم، وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل» ) * «6» . 10- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيات يكبّر على إثر كلّ حصاة، ثمّ يتقدّم حتّى يسهل «7» فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه، ثمّ يرمي الوسطى ثمّ يأخذ ذات الشّمال «8» فيستهلّ ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثمّ يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثمّ ينصرف فيقول: هكذا رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله) * «9» . 11- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ المسلم المسدّد ليدرك درجة الصّوّام القّوّام بآيات الله- عزّ وجلّ- لكرم ضريبته وحسن خلقه» ) * «10» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) لا تستطيعوه: كذا في معظم النسخ، وفي بعضها لا تستطيعونه بالنون وهذا جار على اللغة المشهورة، والأول صحيح أيضا وهي لغة فصيحة حذف النون من الأفعال الخمسة من غير ناصب ولا جازم. (2) القانت: معنى القانت هنا: المطيع. (3) مسلم (1878) . (4) كسني يوسف: أى اجعلها سنين شدادا ذوات قحط وغلاء، والسنة- كما ذكره أهل اللغة- الجدب. (5) البخاري- الفتح 6 (2932) . واللفظ له ومسلم (675) . (6) مسلم (1163) . (7) يسهل: أي يقصد السهل من الأرض أراد أنه صار إلى بطن الوادي. (8) يأخذ ذات الشمال: أي يقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي إلى جهة شماله. (9) البخاري- الفتح 3 (1751) . (10) أحمد في المسند (2/ 220) واللفظ له. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 257) . والهيثمي في المجمع (8/ 22) ، وصححه الألباني، الصحيحة (522) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3183 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّاعي «1» على الأرملة «2» ، والمسكين كالمجاهد في سبيل الله- وأحسبه قال- (يشكّ القّعنبيّ) كالقائم لا يفتر وكالصّائم لا يفطر» ) * «3» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصّائم القائم الخاشع الرّاكع السّاجد» ) * «4» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (القنوت) 14- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى فكان إذا مرّ بآية رحمة سأل، وإذا مرّ بآية عذاب استجار، وإذا مرّ بآية فيها تنزيه لله سبّح» ) * «5» . 15- * (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن استسقاء «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج متبذّلا «7» متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد» ) * «8» . 16- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم أو ليصلّي حتّى ترم قدماه- أو ساقاه-. فيقال له، فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا؟» وفي رواية عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه. فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبدا شكورا؟» ) * «9» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت «10» الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي فأطال القيام جدّا. ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا. ثمّ رفع رأسه فأطال القيام جدّا. وهو دون القيام الأوّل ثمّ ركع فأطال الرّكوع   (1) الساعي: الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما. (2) الأرملة: من لا زوج لها، وسميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد لفقد الزوج. (3) البخاري- الفتح 10 (6007) واللفظ له. ومسلم (2982) . (4) النسائي (6/ 18) ، وهو في صحيح سنن النسائي (2930) . (5) البخاري- الفتح 9 (5353) . ومسلم (2982) . (6) استسقاء رسول الله: أي صلاته لطلب السقيا ونزول المطر. (7) التبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة، على جهة التواضع. (8) الترمذي (558) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني. (9) البخاري- الفتح 3 (1130) ، 8 (4837) واللفظ له. ومسلم (2120) . (10) خسفت الشمس: يقال كسفت الشمس والقمر، وخسفا. وذهب جمهور أهل اللغة على أن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3184 جدّا. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد، ثمّ قام فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ رفع رأسه فقام. فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال «إنّ الشّمس والقمر من آيات الله، وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموهما فكبّروا، وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا. يا أمّة محمّد! إن من أحد أغير من الله «1» أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد! والله لو تعلمون ما أعلم «2» لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. ألا هل بلّغت؟» ) * «3» . 18- * (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي صدره أزيز كأزيز الرّحى من البكاء صلّى الله عليه وسلّم) * «4» . 19- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ. ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا، إليك مخبتا «5» ، إليك أوّاها «6» منيبا. ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي «7» وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتى، واسلل «8» سخيمة «9» قلبي» ) * «10» . 20- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قيل له: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «11» . 21- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره «12» وأحيا ليله «13» وأيقظ أهله) * «14» . 22- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل يتهجّد قال: «اللهمّ لك الحمد، أنت قيّم السّماوات والأرض   (1) إن من أحد أغير من الله: إن نافية بمعنى ما. والمعنى أنه ليس أحد أمنع من المعاصي من الله تعالى. ولا أشد كراهية لها منه سبحانه. (2) لو تعلمون ما أعلم: أي لو تعلمون من شدة عقاب الله تعالى وانتقامه من أهل الجرائم، وأهوال القيامة وما بعدها، كما علمت لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لفكركم وخوفكم مما عملتموه. (3) البخاري- الفتح 2 (1044) . ومسلم (901) واللفظ له (4) أبو داود 1 (904) واللفظ له. والنسائي (3/ 13) . وقال محقق جامع الأصول (5/ 435) : حديث صحيح. (5) مخبتا: أي خاشعا متواضعا. (6) أواها: أي متضرعا وقيل بكّاء. (7) الحوبة: المأثم. (8) اسلل: أي انزع. (9) سخيمة قلبي: السخيمة الحقد. (10) والترمذي (3551) . وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (157) . وابن ماجة (3830) واللفظ له. (11) البخاري- الفتح 3 (1135) واللفظ له. ومسلم (773) . (12) شد مئزره: أي استعد للعبادة وشمر لها، والعبارة في الأصل كناية عن اعتزال النساء (13) أحيا ليله: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر. (14) البخاري- الفتح 4 (2024) واللفظ له. ومسلم (1174) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3185 ومن فيهنّ، ولك الحمد لك ملك السّموات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحقّ ووعدك الحقّ، ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّ، اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلّا أنت، أو لا إله غيرك» ) * «1» . 23- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها. لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشّر ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي. وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (القنوت) 1- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه-: «إنّ معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقيل: إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقال: ما نسيت، هل تدري ما الأمّة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم. فقال: الأمّة الّذي يعلّم الخير، والقانت المطيع لله وللرّسول، وكان معاذ يعلّم النّاس الخير ومطيعا لله ولرسوله» ) * «3» . 2- * (قال لبيد بن ربيعة- رضي الله عنه-:   (1) البخاري- الفتح 3 (1120) واللفظ له. ومسلم (769) . (2) مسلم (771) . (3) حلية الأولياء لأبي نعيم (1/ 230) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3186 الحمد لله الّذي استقلّت ... بأمره السّماء واطمأنّت وشدّها بالرّاسيات الثّبّت ... ربّ البلاد والعباد القنّت ) * «1» . 3- * (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ: قال: من القنوت: الرّكوع، والخشوع، وغضّ البصر، وخفض الجناح من رهبة الله» ) * «2» . 4- * (روي عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه-: «كنّا نتكلّم في الصّلاة يكلّم أحدنا صاحبه في حاجته، حتّى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فأمرنا بالسّكوت» ) * «3» . 5- * (وسئل ابن عمر- رضي الله عنهما- عن القنوت فقال: «ما أعرف القنوت إلّا طول القيام، ثمّ قرأ: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً» ) * «4» . 6- * (وقوله تعالى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ* قيل: خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون يعني عن كلام الآدميّين، وكلّ ما ليس من الصّلاة في شيء) * «5» . من فوائد (القنوت) (1) دليل على كمال الإيمان وسلامته من الغوائل. (2) طريق موصّل إلى الجنّة. (3) يورث الخشية من الله- عزّ وجلّ-. (4) يثمر محبّة الله وطاعته. (5) دليل صلاح العبد واستقامته. (6) باب من أبواب اللّجوء إلى الله. (7) اتّباع لطرق النّبيّين والصالحين.   (1) انظر الأدب العربي للزيات (20) . (2) شرح السنة للبغوي (3/ 362) . (3) بصائر ذوي التمييز (4/ 298) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3187 القوة والشّدّة أولا: القوة [القوة] لغة: اسم مأخوذ من مادّة (ق وى) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على معنيين: أحدهما على شدّة وخلاف ضعف، والآخر القواء وهو الأرض الخربة «1» ، والقوّة هنا مأخوذة من المعنى الأوّل، والوصف من ذلك: القويّ خلاف الضّعيف، وأصل ذلك من القوى الّتي هي جمع قوّة من قوى الحبل، والمقوي: الّذي أصحابه وإبله أقوياء، ورجل شديد القوى أي شديد أسر الخلق «2» ، وقال الرّاغب: القوّة تستعمل تارة في معنى القدرة نحو قوله خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ* (البقرة/ 63، 93) ، وتارة للتّهيّؤ الموجود في الشّيء نحو أن يقال: النّوى بالقوّة نخل، أي متهيّء ومترشّح أن يكون منه ذلك، ويستعمل ذلك في البدن تارة وفي القلب أخرى، مثال الأوّل قوله تعالى: وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً (فصلت/ 15) فالقوّة هنا قوّة البدن ومثال الثاني قوله- عزّ وجلّ- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (فصلت/ 15) فالقوّة هنا قوّة البدن ومثال الثاني قوله- عزّ وجلّ- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (مريم/ 12) أي بقوّة قلب، وقد تستعمل القوّة ويراد بها المعاون من خارج كما في قوله تعالى: قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً (هود/ 80) قيل معناه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 33/ 13/ 8 من أتقوّى به من الجند أو من المال، وقد تستعمل في القدرة الإلهيّة نحو قوله- عزّ من قائل-: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد/ 25) «3» . وقال الجوهريّ: القوّة: خلاف الضّعف، والقوّة الطّاقة من الحبل وجمعها قوى (بالضّمّ) وقوى (بالكسر) ، يقال: قوي الضّعيف قوّة فهو قويّ، وتقوّى مثله، وقوّيته أنا تقوية «4» ، وقال ابن منظور: يقال: أقوى الحبل والوتر جعل بعض قواه أغلظ من بعض، وفي حديث ابن الدّيلميّ: «ينقض الإسلام عروة عروة كما ينقض الحبل قوّة قوّة،» وقوله- عزّ وجلّ- لموسى حين كتب له الألواح: فَخُذْها بِقُوَّةٍ (الأعراف/ 145) قال الزّجّاج: أي خذها بقوّة في دينك وحجّتك. وقال ابن سيده: قوّى الله ضعفك أي: أبدلك مكان الضّعف قوّة «5» . القوة اصطلاحا: قال الجرجانيّ: القوّة: هي تمكّن الحيوان (أي الكائن الحيّ) من الأفعال الشّاقّة، فإن كان الكائن نباتا سمّيت قوّته قوّة طبيعيّة، وإن كان حيوانا سمّيت قوّته قوّة نفسانيّة وإن كان إنسانا سمّيت قوّته قوّة   (1) من هذا الأصل الآخر قولهم: القواء: الأرض الّتي لا أهل بها، والمقوي: الشخص، الذي لا زاد معه، انظر المقاييس (5/ 37) . (2) المرجع السابق (5/ 36) . (3) المفردات للراغب (419) . (4) الصحاح (6/ 2470) . (5) لسان العرب لابن منظور: (15/ 207) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3188 عقليّة، والقوى العقليّة باعتبار إدراكها للكلّيّات تسمّى القوّة النّظريّة، وباعتبار استنباطها للصّناعات الفكريّة من أدلّتها بالرّأي تسمّى القوّة العمليّة «1» وقال الرّاغب: القوّة الّتي تستعمل للتّهيّؤ في البدن أو القلب يقال بها على وجهين: الأوّل: لما هو موجود ولكنّه لا يستعمل، والآخر لمن يمكن أن يحصل منه الفعل. مثال الأوّل: فلان كاتب بالقوّة لمن يعرف الكتابة، ولكنّه لا يكتب، ومثال الثّاني: فلان كاتب لمن يمكنه تعلّم الكتابة «2» . ثانيا: الشدة: أصل الشّدّة: شدّة العقد، وتدلّ أيضا على القوّة في الشّيء، وفي البدن، وفي قوى النّفس «3» ، وقال ابن منظور: الشّدّة الصّلابة وهي نقيض اللّين وتكون في الجواهر والأعراض، وكلّ شيء أحكم فقد شدّ، وفي الحديث الشّريف: «من يشادّ هذا الدّين يغلبه» أي يقاويه ويقاومه، ويكلّف نفسه من العبادة فوق طاقته والشّدّة أيضا: النّجدة وثبات القلب، وكلّ شجاع شديد «4» . الشّدّة اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات الشّدّة ضمن مصطلحاتها ويمكن في ضوء ما أورده اللّغويّون والمفسّرون أن نعرّفها بأنّها: القوّة الزّائدة في ممارسة التّعامل مع النّفس أو مع الآخرين وهي حينئذ بمعنى التّشدّد الزّائد في أداء الأعمال، وضدّها الرّفق واللّين، وتقاربها الغلظة. حكم الشدة: الشّدّة تطلب في موضعين هما: 1- عند التّعامل مع الكفّار مصداقا لقوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ. 2- عندما تنتهك حرمات الله تعالى أو تتعدّى حدوده. والشّدّة منهيّ عنها في موضعين أيضا: الأوّل: في ممارسة العبادة، الآخر: في التّعامل مع المسلمين. [للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- العزم والعزيمة- العفة- قوة الإرادة- كظم الغيظ- جهاد الأعداء- الثبات- النشاط- الشهامة- النبل- علو الهمة- الشجاعة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الضعف- الوهن- التخاذل- صغر الهمة- التولي- الجبن- الكسل- التهاون- التفريط والإفراط] .   (1) التعريفات للجرجاني (188) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (276) وقد تصرّفنا في العبارة تصرّفا يسيرا بأن وضعنا لفظ (الكائن) بدلا من النّفس. وقد ذكر المؤلفان أنواعا عديدة للقوّة ليس هنا محل تفصيلها. (2) مفردات الراغب (419) بتصرف يسير. (3) مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 180، والصحاح 2/ 453 (4) لسان العرب 3/ 232 (ط. بيروت) والنهاية لابن الأثير 2/ 452 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3189 أولا: الآيات الواردة في «القوة» قوة الإرادة في الطاعات: 1- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) «1» 2- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) «2» 3- وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) «3» 4- * وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) «4» 5- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) «5» قوة الله فوق كل شيء: 6- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) «6» 7- كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) «7» 8- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) «8» 9- وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) «9» 10- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) «10»   (1) البقرة: 63 مدنية (2) البقرة: 93 مدنية (3) الأعراف: 145 مكية (4) الأعراف: 171 مكية (5) مريم: 12 مكية (6) البقرة: 165 مدنية (7) الأنفال: 52 مدنية (8) هود: 66 مكية (9) الكهف: 39 مكية (10) الحج: 39- 40 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3190 11- يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) «1» 12- وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) «2» 13- اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) «3» 14- إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) «4» 15- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) «5» 16- كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) «6» القوة في الحروب والأعمال والعهود: 17- وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «7» 18- قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) «8» 19- وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) «9» الإيمان يكسب قوة الإرادة: 20- وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «10» 21- قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) «11» 22- قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) «12» 23- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) «13»   (1) الحج: 73- 74 مدنية (2) الأحزاب: 25 مدنية (3) الشورى: 19 مكية (4) الذاريات: 58 مكية (5) الحديد: 25 مدنية (6) المجادلة: 21 مدنية (7) الأنفال: 60 مدنية (8) الكهف: 94- 95 مكية (9) النحل: 92 مكية (10) هود: 52 مكية (11) النمل: 38- 39 مكية (12) القصص: 26 مكية (13) النجم: 1- 5 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3191 24- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) «1» أطوار الإنسان قوة وضعف: 25- * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) «2» في الافتخار بالقوة مهلكة: 26- فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) «3» ثانيا: الآيات الواردة في «الشّدّة» 27- فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (5) «4» 28- اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) «5» 29- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) «6» 30- وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) «7» ومن الآيات الواردة في «الشّدّة» معنى 31- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) «8» 32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «9» 33- يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) «10»   (1) التكوير: 19- 20 مكية (2) الروم: 54 مكية (3) فصّلت: 15 مكية (4) الإسراء: 5 مكية (5) طه: 31- 32 مكية (6) محمد: 4 مدنية (7) الفتح: 19 مدنية (8) التوبة: 73 مدنية (9) التوبة: 123 مدنية (10) التحريم: 7 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3192 الأحاديث الواردة في (القوة) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أشهر الحجّ وليالي الحجّ، وحرم الحجّ، فنزلنا بسرف «1» . قالت: فخرج إلى أصحابه، فقال: «من لم يكن منكم معه هدي فأحبّ أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه الهدي فلا» . قالت: فالآخذ بها والتّارك لها من أصحابه. قالت: فأمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجال من أصحابه فكانوا أهل قوّة وكان معهم الهدي فلم يقدروا على العمرة. قالت: فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أبكي ... الحديث) * «2» . 2- * (عن عثمان بن أبي العاص- رضي الله عنه- أنّه قال: أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبي وجع قد كاد يهلكني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «امسح بيمينك سبع مرّات وقل: أعوذ بعزّة الله وقوّته من شرّ ما أجد» . قال: ففعلت. فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم» ) * «3» . 3- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر: «أيّ حين توتر؟» . قال: أوّل اللّيل، بعد العتمة. قال: «فأنت يا عمر؟» . فقال: آخر اللّيل. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أنت يا أبا بكر، فأخذت بالوثقى. وأمّا أنت يا عمر، فأخذت بالقوّة» ) * «4» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو، بهؤلاء الدّعوات لأصحابه «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل. فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «6» . 6- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو على المنبر يقول: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة. ألا إنّ القوّة الرّمي. ألا إنّ القوّة الرّمي. ألا إنّ القوّة الرّمي» ) * «7» . 7- * (عن حمزة بن عمرو الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: يا رسول الله، أجد بي قوّة على الصّيام في السّفر، فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله   (1) سرف:- بفتح أوله وكسر ثانيه- موضع على ستة أميال من مكة، تزوج به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ميمونة بنت الحارث وهناك بنى بها، وهناك توفيت. (2) البخاري- الفتح 3 (1560) . (3) مسلم (2022) . والترمذي (2080) واللفظ له. (4) ابن ماجه (1202) . وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (5) الترمذي (3502) . وحسنه الألباني: صحيح الترمذي (2783) . والبغوي في «شرح السنة» (5/ 174) وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (448) . (6) مسلم (2664) . (7) مسلم (1917) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3193 صلّى الله عليه وسلّم: «هي رخصة من الله. فمن أخذ بها فحسن. ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه» ) * «1» . 8- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يعطى المؤمن في الجنّة قوّة كذا وكذا من الجماع» . قيل: يا رسول الله، أو يطيق ذلك؟ قال: «يعطى قوّة مائة» ) * «2» . ومن الأحاديث الواردة في (الشدة) 9- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الله، ألم أخبر أنّك تصوم النّهار وتقوم اللّيل؟» فقلت: بلى يا رسول الله. قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقّا، وإنّ لعينيك عليك حقّا، وإنّ لزوجك عليك حقّا، وإنّ لزورك «3» . عليك حقّا، وإنّ بحسبك أن تصوم في كلّ شهر ثلاثة أيّام، فإنّ لك بكلّ حسنة عشرة أمثالها، فإذن ذلك صيام الدّهر كلّه» ، (قال عبد الله:) فشدّدت فشدّد عليّ، قلت: يا رسول الله إنّي أجد قوّة، قال: «فصم صيام نبيّ الله داود عليه السّلام ولا تزد عليه» ، قلت: وما كان صيام داود عليه السّلام؟ قال: «نصف الدّهر» ، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا «5» ، وقاربوا «6» ، وأبشروا «7» ، واستعينوا بالغدوة والرّوحة، وشيء من الدّلجة «8» » ) * «9» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الشّديد بالصّرعة «10» ، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «11» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا حبل ممدود بين السّاريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا هذا حبل لزينب، فإذا فترت «12» تعلّقت «13» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد» ) * «14» . 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من هذه؟ قلت: فلانة، لا تنام اللّيل- تذكر من صلاتها- فقال (صلّى الله عليه وسلّم) : «مه «15» عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإنّ الله- عزّ وجلّ- لا يملّ حتّى تملّوا» ) * «16» .   (1) مسلم (1121) . (2) الترمذي (4/ 2536) واللفظ له. وقال: هذا حديث صحيح غريب. والدارمي (2/ 334) وقال محقق جامع الأصول (10/ 530) : إسناده حسن. (3) الزور: يراد به الزّوّار. (4) البخاري- الفتح (1975) ، ومسلم (1159) ، واللفظ للبخاري. (5) سددوا: أي الزموا السداد من غير إفراط ولا تفريط، والسدّاد هو التوسط في العمل. (6) قاربوا: أي اعملوا بما يقرب من الكمال إن لم تستطيعوه. (7) أبشروا: أي بالثواب على العمل الدائم وإن قل. (8) الغدوة: السير أول النهار، والروحة: السير آخره، والدلجة: السر في الليل. (9) البخاري- الفتح (39) . (10) الصرعة: هو الذي يصرع الناس كثيرا بقوته، والتاء فيه للمبالغة. (11) البخاري- الفتح (6114) ، ومسلم (2609) متفق عليه. (12) فترت: قلّ نشاطها في العبادة. (13) أي تعلقت بهذا الحبل لتستعيد نشاطها وقوتها. (14) البخاري- الفتح (1150) . (15) مه: اسم فعل أمر بمعنى كفوا. (16) البخاري- الفتح (1151) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3194 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (القوة والشدة) أولا: القوة: 1- * (قال مجاهد في قوله تعالى: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ (البقرة/ 63) : بقوّة أي بعمل ما فيه) * «1» . 2- * (وقال قتادة في الآية الكريمة نفسها: القوّة: قوّة الجدّ) * 2. 3- * (وقال أبو العالية والرّبيع بن أنس في هذه الآية: بقوّة أي بطاعة) * 3. 4- وقال ابن كثير في قوله تعالى: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (مريم/ 12) : أي بجدّ وحرص واجتهاد) * «4» . ثانيا: الشّدّة: 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح/ 29) ، قال: كان أهل الحديبية أشدّاء على الكفّار أي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته) * «5» . 6- * (وقال ابن كثير في الآية السّابقة: هذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفّار، رحيما برّا بالأخيار عبوسا غضوبا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن» ) * «6» . 7- * (وقال القرطبيّ في الآية الكريمة نفسها؛ وقيل المراد بالّذين آمنوا جميع المؤمنين، وكون الصّفات المذكورة (من الشّدّة والرّحمة في جملة أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشبه أي أقرب إلى الصّواب) * «7» . 8- * (قال الإمام ابن حجر- رحمه الله- تعليقا على الباب الّذي عقده البخاريّ لما يجوز من الغضب والشّدّة لأمر الله تعالى: يشير بذلك إلى أنّ ما ورد من صبره من الأذى إنّما هو فيما كان من حقّ نفسه، وأمّا إذا كان لله تعالى فإنّه يمتثل فيه أمر الله من الشّدّة» ) * «8» . من فوائد (القوة والشدة) (1) تثمر محبّة الله ورضاه. (2) مظهر من مظاهر الرّجولة الحقّة. (3) صمام أمن للمجتمع من الأخطار والأعداء. (4) صيانة للعرض والنّفس والمال. (5) الإعداد لها دليل وعي الأمّة ويقظتها. (6) الشّدّة في التّعامل مع الكفّار خير رادع لهم. (7) الشّدّة في التّعامل مع المنتهكين لحدود الله منها ردع لأمثالهم وتحقيق للسّلام والأمن بالمجتمع. (8) النّهي عن التّشدّد في العبادة فيه رحمة بالنّفس ورفق بها وهي دليل على سماحة الإسلام وسموّه.   1، 2، 3 تفسير ابن كثير 1/، 109 (4) المرجع السابق، 3/، 119 (5) تفسير القرطبي 16/ 292، والبحر المحيط 8/، 100 (6) تفسير ابن كثير 4/، 218 (7) تفسير القرطبي 16/، 262 (8) فتح الباري 10/، 534 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3195 قوة الإرادة القوة لغة واصطلاحا: (انظر: صفة القوة) . أمّا الإرادة: فأصل الكلمة: رود (بفتحتين) بمعنى المشيئة والطّلب والاختيار. والرّود: المهلة في الشيء. وقالوا: رويدا أي مهلا. والإرادة في الأصل: قوّة مركّبة من شهوة وحاجة وأمل، وجعل اسما لنزوع النّفس إلى الشّيء مع الحكم فيه بأنّه يفعل أو لا يفعل، وقد يستعمل مرّة في المبدإ، وهو نزوع النّفس إلى الشّيء، وتارة في المنتهى، وهو الحكم فيه بأنّه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل. وقد تكون بحسب القوّة التّسخيريّة والحسّيّة، وقد تكون بمعنى القوّة الاختياريّة، والإرادة قد تكون محبّة وغير محبّة «1» . الإرادة اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الإرادة: صفة توجب للحيّ حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه، ولا تتعلّق إلا بمعدوم فإنّها صفة تخصّص أمرا بحصوله ووجوده. وقيل: الإرادة: ميل يعقب اعتقاد النّفع «2» . قوة الإرادة اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات تعريفا محدّدا لهذا التّركيب الإضافيّ (قوّة الإرادة) ، بيد أنّه يمكن من خلال تعريف كلّ من عنصري التّركيب (القوّة الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 3/ 6 والإرادة) أن نستنبط تعريفا يجمع طرفيه فنقول: تهيّؤ القلب والعقل بشدّة وعزم لإحداث الفعل أو عدم إحداثه. مستويات الإرادة: يقول الميدانيّ: للإرادة مستويات ثلاثة «3» : 1- مستوى أدنى، وهو الّذي يراد من لفظ الإرادة عند الإطلاق. 2- مستوى أوسط، وقد استعمل في الدّلالة عليه (أيضا) لفظ العقل. 3- مستوى أعلى، ويمثّل الإرادة القويّة الحازمة الجازمة الّتي تواجه العقبات بالثّبات والصّمود، وهذا من شأنه أن ينهض بالإنسان إلى معالي الأمور ويوصّله إلى مراتب الصّابرين المحسنين الّمجاهدين وأن يجعله في تنفيذ ما يريد من أهل العزم «4» . ولقوّة الإرادة أو العزم درجات أيضا إذ يتفاوت اولو العزم فيما بينهم، وقد يصل ذلك في درجاته العليا إلى تنفيذ المراد حتّى ولو اقترن به أشدّ الصّعوبات وأعظم الآلام «5» . إنّ قوّة الإرادة تحتلّ المرتبة العليا في سلّم مستويات توجّه النّفس إلى الإعمال الإراديّة ويسبقها درجات خمس هي:   (1) الصحاح (2/ 478) . واللسان (3/ 1771- 1774) . والمصباح المنير (245) . (2) التعريفات (15) ، وقارن ب «التوقيف» (44) . (3) انظر في تفصيل هذه الأنواع واستخداماتها في القرآن الكريم: الأخلاق الإسلامية لحسن حبنّكة الميداني (2/ 128) وما بعدها. (4) المرجع السابق (2/ 182) . (5) المرجع السابق (1/ 114) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3196 1- توجّه النّفس نحو الشّيء المراد. 2- الرّغبة في حصول هذا الشّيء. 3- الهمّ بالتّنفيذ. 4- الإرادة الجازمة. 5- تعقّل الشّيء المراد. 6- العزم أو الإرادة القويّة «1» . الإرادة القوية أو الإلزام الخلقيّ: تشكّل الإرادة القويّة عنصرا مهمّا من عناصر الإلزام الخلقيّ، ذلك أنّها تعبّر عن بواعث نفسيّة هي الحبّ أو البغض، وعلى أساس هذين الأمرين تكون خلقيّة السّلوك قولا كان أو فعلا، وتمتدّ جذور هذه الإرادة في أعماق النّفس، ومن هنا يكون «فعل المأمور به صادرا عن هذه القوّة الإراديّة» ، ولا يقف الأمر بالإرادة عند هذا الّذي تتّسم فيه بالعمق والقوّة والثّبات في مجالي الفعل والتّرك، وإنّما تتقدّم خطوة أخرى لتعبّر عن مزيد من العمق والصّلابة حينما تتّخذ لها مجالا يتمثّل في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وبذا يصبح الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر صادرا عن المحبّة والإرادة. وهذا يؤكّد حتميّة الصّدق النّفسيّ والقناعة التّامّة في مجال الإرادة حتّى تتأكّد خلقيّة الفعل «2» . قوة الإرادة والتصدي لكيد الشيطان: لقد توعّد الشّيطان بني آدم بالإغواء وبأن يترصّدهم عن الإيمان والطّاعة، وقد أقسم بعزّة الله تعالى أن يغويهم جميعا إلّا المخلصين، وذلك قول الله تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (ص/ 82- 83) . وقد ردّ عليه المولى- عزّ وجلّ- فقال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (الحجر/ 42) . ولكي يحقّق الشّيطان هذه الغاية وضع خطّة محكمة للإغواء كشفت عنها الآيات الكريمة قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (الأعراف/ 16- 17) . نحن إذن في صراع مع عدوّ لدود له أعوان من الإنس والجنّ، وإذا كانت له خطّة محكمة للإيقاع بنا فعلينا أن نعدّ له العدّة كي نكون من المخلصين الّذين ينتصرون عليه بقوّة إيمانهم، وأوّل خطوات هذه الخطّة أن نتسلّح بإرادة قويّة وعزم إيمانيّ لا يلين، ويصحب ذلك التزام صارم بأوامر الله- عزّ وجلّ- والابتعاد عن نواهيه حتّى نستحقّ أن نكون من عباد الله المخلصين، وأعمّ عناصر هذه العبوديّة بعد الإيمان، التّقوى واليقين ونهي النّفس عن الهوى، أمّا الغاية أو الهدف النّهائيّ من هذا الصّراع الأبديّ فهو الجنّة وما فيها من رضوان الله تعالى. كيف نقوّي إرادتنا؟ يستطيع ضعيف الإرادة أن يقوّيها بوسائل عديدة أهمّها: 1- تقوية عناصر الإيمان بالله، وبصفاته العظيمة، وبقضائه وقدره، وبحكمته العالية، وتقوية ما يقتضيه الإيمان من الثّقة بالله، وصدق التّوكّل عليه، وحسن الظّنّ به، فتقوية هذه العناصر تعتبر من الوسائل الجذريّة لاكتساب فضيلة قوّة الإرادة، فضعف الإرادة من عدم الثّقة بالنّفس. والثّقة بالله مع صدق التّوكّل عليه وحسن الظّنّ به تمنح الإنسان ثقة بسداد ما بيّنه أمرا متوكّلا فيه على ربّه، وأملا بمعونة الله   (1) انظر تفصيل ذلك في: الأخلاق الإسلامية (1/ 116) . (2) النظرية الخلقية عند ابن تيمية (174) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3197 في تحقيق النّتائج الّتي يرجوها، فتقوى بذلك إرادته. 2- التّدريب العمليّ على مقاومة أهواء النّفس ومخالفة شهواتها، كلّما ألحّت عليه بمطالبها. 3- ممارسة أنواع العبادات الإسلاميّة تعتبر من الوسائل لتقوية الإرادة الإنسانيّة. فتأدية عبادة الصّلاة بالتزام وانتظام وسيلة تقوّي الإرادة الإنسانيّة على مخالفة كثير من أهواء النّفس. وتأدية عبادة الصّوم بالتزام تامّ وسيلة أخرى تقوّي الإرادة الإنسانيّة ضدّ طائفة من أهواء النّفس. وهكذا سائر العبادات. 4- والتزام طاعة الله في كلّ ما أمر به ونهى عنه من الوسائل النّاجعة في تقوية الإرادة «1» . 5- يستطيع المؤمن أن يقوّي إرادته بوسائل الذّكر والوجل والاستعانة والاستخارة وتلاوة القرآن والتّوكّل على الله- عزّ وجلّ- إذ يجعله ذلك في معيّة مولاه ويزيده أمانا ويقينا ويصير بذلك من المؤمنين حقّا. قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (الأنفال/ 2- 4) . 6- وممّا يقوّي إرادة المؤمن في عمل الخير أن يضع دائما ابتغاء مرضاة الله- عزّ وجلّ- له هدفا وأن يعلم أنّ جائزته العظمى هي الجنّة وما أعدّ الله فيها للمتّقين، وأن يتذكّر دائما قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (النازعات/ 40- 41) . 7- وممّا يزيد قوّة الإرادة فيما يتعلّق بالابتعاد عن المعاصي ويردع عن التّهاون والتّكاسل في الطّاعات، يقين المؤمن بأنّ جزاء ذلك العصيان هو جهنّم وساءت مصيرا، وقد سجّل القرآن على لسان الرّسول- ولنا فيه الأسوة الحسنة-: قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (الأنعام/ 15) «2» . مظاهر قوة الإرادة: لقوّة الإرادة مظاهر عديدة من أهمّها: 1- نهي النّفس عن الهوى والقدرة على السّيطرة على النّفس الأمّارة بالسّوء وكبح جماح النّفس الغضبيّة والشّهويّة. 2- الجدّ في الأمور والأخذ فيها بالحزم والنّظام في الأعمال والبعد عن الفوضى. 3- المبادرة بفعل الخير قبل وجود الموانع وينجم عن ذلك المسارعة إلى الخيرات. 4- من ظواهر قوّة الإرادة التّفاؤل بالخير وصرف النّفس عن التّشاؤم. 5- تلقّي الأحداث بالصّبر وعدم الحزن على ما فات وعدم التّطلّع إلى ما هو بعيد المنال مستحيل التّنفيذ. 6- امتلاك النّفس عند الغضب «3» وكبح جماحها عند اشتدادها في معاملة الغير «4» . [للاستزادة: انظر صفات: العزم والعزيمة- علو الهمة. القوة- كظم الغيظ- الرجولة- المروءة- الشهامة- مجاهدة النفس- الصبر والمصابرة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- التهاون صغر الهمة- الطيش- الكسل- اليأس] .   (1) الأخلاق الإسلامية (2/ 127) . (2) المرجع السابق (2/ 132) . (3) انظر صفة «الغضب» ووسائل السيطرة عليها. (4) الأخلاق الإسلامية (2/ 134- 165) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3198 الأحاديث الواردة في (قوة الإرادة) 1- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أتعلّم له كتاب يهود قال: «إنّي والله ما آمن يهود على كتاب» ، قال: فما مرّ بي نصف شهر حتّى تعلّمته له. قال: فلمّا تعلّمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم) * «1» . 2- * (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- قال: كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه، فقال لي: لن أقضيك حتّى تكفر بمحمّد. قال: فقلت له: إنّي لن أكفر بمحمّد حتّى تموت ثمّ تبعث. قال: وإنّي لمبعوث من بعد الموت؟ فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد. قال: فنزلت هذه الآية أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً إلى قوله: وَيَأْتِينا فَرْداً (مريم/ 77- 80)) * «2» . 3- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة ... الحديث، وفيه: ثمّ إنّ المشركين راسلونا الصّلح. حتّى مشى بعضنا فى بعض «3» . واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا «4» لطلحة بن عبيد الله. أسقي فرسه، وأحسّه «5» وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها «6» فاضطجعت فى أصلها. قال: فأتانى أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون فى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأبغضتهم. فتحوّلت إلى شجرة أخرى. وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «7» ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «8» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد، لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «9» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّى عامر برجل من العبلات «10» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «11» في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «12» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) ذكره البخاري تعليقا 13 (7195) ، والترمذي (2715) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وأبو داود (3645) . (2) مسلم (2795) . (3) مشى بعضنا في بعض في هنا بمعنى إلى أي مشى بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع. (4) تبيعا: أي خادما. (5) وأحسّه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه (6) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك. (7) فاخترطت سيفى: أى سللته. (8) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله فى يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع. (9) ضربت الذي فيه عيناه: يريد رأسه. (10) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، هم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد. (11) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف. (12) بدء الفجور وثناه: أي أوله وآخره والثنى الأمر يعاد مرتين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3199 بظهره «1» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة أندّيه «2» مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرّضّع فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «3» . حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال: قلت: خذها: وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرّضّع قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «4» . فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته، فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه «5» ، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا خلّفته وراء ظهري. وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا. يستخفّون. ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «6» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا «7» من ثنيّة فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعنى يتغدّون) . وجلست على رأس قرن «8» . قال الفزارىّ: ما هذا الّذى أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح «9» . والله ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفونى؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع، والّذى كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكنديّ. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن. قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه، ولحق أبو قتادة- فارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجليّ.   (1) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال. (2) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى. (3) فأصك سهما في رحله: أي أضرب. (4) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته. (5) حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه: أي فدخلوا في تضايقه أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه وحتى لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام. (6) آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدى بها. واحده إرم كعنب وأعناب. (7) حتى أتوا متضايقا من ثنية: أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة. (8) على رأس قرن: هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير. (9) البرح: أي الشدة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3200 حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا غبارهم، شيئا. حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد «1» . ليشربوا منه وهم عطاش قال: فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه «2» (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم فى نغض «3» كتفه. قال: قلت خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع قال: يا ثكلته أمّه، أكوعه بكرة «4» ؟. قال: قلت: نعم. يا عدوّ نفسه! أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلّأتهم عنه «5» . فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّذي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كبدها وسنامها. قال: قلت: يا رسول الله! خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه فى ضوء النّار. فقال: «يا سلمة، أتراك كنت فاعلا؟» . قلت: نعم. والّذى أكرمك، فقال: «إنّهم الآن ليقرون «6» في أرض غطفان» . قال: فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزورا. فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء «7» . راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا. قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه، قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قلت: يا رسول الله، بأبي وأمّي، ذرني فلأ سابق الرّجل، قال: «إن شئت» ، قال: قلت: اذهب إليك. وثنيت رجليّ فطفرت «8» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «9» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «10» . قال: فأصكّه بين كتفيه. قال: قلت: قد سبق والله! قال: أنا أظنّ «11» . قال: فسبقته إلى المدينة ... الحديث) * «12» .   (1) ذا قرد: ماء على ليلتين من المدينة بينه وبين خيبر (حوالي 75 كيلو) . وفي بعض النسخ: ذو قرد. (2) فحليتهم عنه: أى طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعنى أجليتهم عنه. قال القاضى: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا فى الحديث. (3) نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمي بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا. (4) قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أى أنت الأكوع الذى كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف. لأنها من الظروف المتمكنة. (5) حلأتهم عنه: أي منعتهم عنه. (6) ليقرون: أي يضافون: والقرى الضيافة. (7) العضباء: لقب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم. (8) فطفرت: أى وثبت وقفزت. (9) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أى لئلا يقطعني البهر. (10) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها. (11) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به. (12) مسلم (1807) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3201 من الآثار الواردة في (قوة الإرادة) 1- * (قال حبيب الطائيّ: أعاذلتي ما أخشن اللّيل مركبا ... وأخشن منه في الملمّات راكبه ذريني وأهوال الزّمان أقاسها ... فأهواله العظمى تليها رغائبه «1» 2- قال كعب بن زهير: وليس لمن لم يركب الهول بغية ... وليس لرحل حطّه الله حامل إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل ) * «2» . 3- * (قال عليّ بن عبد العزيز القاضي رحمه الله تعالى: يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما ) * «3» . 4- * (قال الشّاعر: إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... ونكّب عن ذكر العواقب جانبا ولم يستشر في أمره غير نفسه ... ولم يرض إلّا قائم السّيف صاحبا ) * «4» . 5- * (نظر معاوية إلى عسكر عليّ- رضي الله عنه- يوم صفّين، فقال: من طلب عظيما خاطر بعظيمته، وأشار إلى رأسه) * «5» . 6- * (من لم يركب الأهوال لم ينل الرّغائب، ومن ترك الأمر الّذي لعلّه أن ينال منه حاجته مخافة ما لعلّه يوقّاه فليس ببالغ جسيما، وإنّ الرّجل ذا المروءة ليكون خامل الذّكر خافض المنزلة، فتأبى مرؤته إلّا أن يستعلي ويرتفع، كالشّعلة من النّار الّتى يصونها صاحبها وتأبى إلّا ارتفاعا) * «6» من فوائد (قوة الإرادة) 1- تيسّر الصّعاب وبها تتخطّى المشاقّ. 2- دليل على قوّة النّفس وصدق العزيمة. 3- تعين على أشرف العبادات وأشقّ الطّاعات. 4- قوّة الإرادة تصنع العظائم. 5- تثمر صلابة الدّين وسعادة الدّنيا والآخرة. 6- قوّة الإرادة تساعد على النّجاح في سائر الأعمال. 7- قويّ الإرادة يحسن استخدام طاقاته. 8- قوّة الإرادة تبعد صاحبها عن الفوضى وتؤدّي إلى سرعة إنجاز الأعمال. 9- في الأخذ بقوّة الإرادة تأسّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ كانت حياته صلّى الله عليه وسلّم مع أصحابه حياة جدّ وحزم ونظام. 10- تؤدّي الإرادة القويّة إلى المسارعة في الخيرات. 11- تؤدّى قوّة الإرادة بصاحبها إلى القناعة وعدم الأسى على ما يفوته. 12- قويّ الإرادة يستطيع أن يكبح غضبه ويسيطر عليه. 13- تؤدّي قوّة الإرادة بصاحبها إلى التّحمّل والصّبر والمثابرة وجعله معدودا من أولى العزم. 14- يستطيع الإنسان بقوّة إرادته أن يعمر الكون فيصبح بذلك أهلا للاستخلاف في الأرض، شريطة أن يستخدم هذه القوّة الإراديّة في طاعة الله- عزّ وجلّ- ولا تنحو به في اتّجاه الفساد أو سفك الدّماء.   (1) العقد الفريد (3/ 19) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) أدب الدنيا والدين (92) . (4) أسرار البلاغة (115) . (5) العقد الفريد (3/ 18) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3202 [ حرف الكاف ] كتمان السر الكتمان لغة: مصدر قولهم: كتم يكتم، كتما وكتمانا، وهو مأخوذ من مادّة (ك ت م) الّتي تدلّ على الإخفاء، ومن ذلك قولك: كتمت الحديث كتما وكتمانا، ويقال: ناقة كتوم: لا ترغو إذا ركبت، قوّة وصبرا، وسحاب مكيتم: لا رعد فيه، وخرز كتيم: لا ينضح الماء، وقوس كتوم لا ترنّ «1» ، وقال الرّاغب: الكتمان: ستر الحديث، وكتمان الفضل هو كفران النّعمة، وقول الله تعالى: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء/ 42) ، قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- إنّ المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنّة إلّا من لم يكن مشركا، قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (الأنعام/ 23) فتشهد عليهم جوارحهم، فحينئذ يودّون أن لم يكتموا الله حديثا. وقال الحسن: في الآخرة مواقف، في بعضها يكتمون وفي بعضها لا يكتمون، وعن بعضهم: لا يكتمون الله حديثا: هو أن تنطق جوارحهم «2» . وقولهم: سرّ كاتم، أي مكتوم. ومكتّم (بالتّشديد) الآيات/ الأحاديث/ الآثار 11/ 8/ 10 بولغ في كتمانه، واكتتمته مثل كتمته، أمّا استكتمته سرّي فمعناه: سألته أن يكتمه، وكاتمني سرّه: كتمه عنّي، ورجل كتمة: إذا كان يكتم سرّه «3» ، ورجل كاتم للسّرّ وكتوم، والكتيم والكتوم القوس، وفي الحديث: أنّه كان اسم قوس سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكتوم» سمّيت به لانخفاض صوتها إذا رمي عنها، يقال: كتمت (القوس) كتوما، وكتمت المزادة تكتم كتوما (أيضا) إذا ذهب سيلان الماء من مخارزها أوّل ما تسرّب «4» ، وقال الفيروز اباديّ: يقال: كتم الشّيء كتما وكتمانا، وكتّمه تكتيما، واكتتمه: أخفاه، قال زهير: فلا تكتمنّ الله ما في نفوسكم ... ليخفى، ومهما يكتم الله يعلم يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر ... ليوم الحساب أو يعجّل فينقم وكتمان الحقّ في قوله تعالى: وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (آل عمران/ 71) إنّما هو لليهود الّذين كانوا يعرفون نعوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصفاته الواردة في التّوراة ويخفونها «5» .   (1) مقاييس اللغة (5/ 159) . (2) المفردات (426) . (3) الصحاح (5/ 2018) . (4) لسان العرب (كتم) (3822- 3824) ، ط. دار المعارف. (5) بتصرف عن: بصائر ذوي التمييز، (4/ 335) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3203 الكتمان اصطلاحا: قال المناويّ: الكتمان: هو ستر الحديث «1» . وقال الكفويّ: الكتمان: الصّبر في إمساك الضّمير «2» . السّرّ لغة: السّرّ في اللّغة: اسم لما يسرّ به الإنسان أي يكتمه، وهو مأخوذ من مادّة (س ر ر) الّتي تدلّ على إخفاء الشّيء «3» ، ومن ذلك السّرّ: خلاف الإعلان. يقال: أسررت الشّيء إسرارا: خلاف أعلنته. ومن الباب: السّرّ وهو النّكاح، وسمّي بذلك لأنّه أمر لا يعلن به، ويقال: السّرسور: العالم الفطن، وأصله من السّرّ، كأنّه اطّلع على أسرار الأمور «4» . وقال الرّاغب: الإسرار خلاف الإعلان. قال تعالى: يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (البقرة/ 77) . ويقال: سارّه إذا أوصاه بأن يسرّه، وأسررت إلى فلان حديثا: أفضيت إليه في خفية، وقول الله تعالى: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (الممتحنة/ 1) أي يطلعونهم على ما يسرّون من مودّتهم، وقد فسّر بأنّ معناه: يظهرون، وهذا صحيح لأنّ الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسّرّ، وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره، فإذا قولهم: أسررت إليه يقتضي من وجه الإظهار، ومن وجه الإخفاء، وعلى هذا قوله تعالى: وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (نوح/ 9) «5» . السّرّ اصطلاحا: قال الرّاغب: السّرّ: هو الحديث المكتّم في النّفس «6» . كتمان السّرّ اصطلاحا: قال الجاحظ: ومنها «7» كتمان السّرّ وهذا الخلق مركّب من الوقار وأداء الأمانة، فإنّ إخراج السّرّ من فضول الكلام وليس بوقور من تكلّم بالفضول. وأيضا فكما أنّه من استودع مالا فأخرجه إلى غير مودعه فقد خفر الأمانة، كذلك من استودع سرّا فأخرجه إلى غير صاحبه فقد خفر الأمانة، وكتمان السّرّ محمود من جميع النّاس وخاصّة ممّن يصحب السّلطان فإنّ إخراجه أسراره مع أنّه قبيح في نفسه يؤدّي إلى ضرر عظيم يدخل عليه من سلطانه «8» . السّرّ نوعان: قال الرّاغب: السّرّ ضربان: أحدهما ما يلقي الإنسان من حديث يستكتم، وذلك إمّا لفظا كقولك لغيرك: اكتم ما أقول لك، وإمّا حالا وهو أن يتحرّى القائل حال انفراده فيما يورده، أو يخفض صوته أو يخفيه عن مجالسيه. ولهذا قيل: إذا حدّثك الإنسان   (1) التوقيف (280) . (2) الكليات (560) . (3) لهذه المادة معنى آخر هو: ما كان من خالص الشيء ومستقرّه، انظر مقاييس اللغة (3/ 67) . (4) المرجع السابق (3/ 67- 70) . (5) المفردات (228) . (6) الذريعة إلى مكارم الشريعة، الأصبهاني (194) . (7) أي من الأخلاق المحمودة. (8) تهذيب الأخلاق للجاحظ (25) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3204 بحديث فالتفت فهو أمانة «1» . والثّاني: أن يكون حديثا في نفسك بما تستقبح إشاعته أو شيئا تريد فعله. وإلى الأوّل من ذلك أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «من أتى منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله» وإلى الثّاني أشار من قال: «من وهن الأمر إعلانه قبل إحكامه» . وكتمان النّوع الأوّل من الوفاء ويختصّ بعامّة النّاس، والثّاني من الحزم والاحتياط وهو مختصّ بالملوك وأصحاب السّياسات. وإذاعة السّرّ من قلّة الصّبر وضيق الصّدر، وتوصف به ضعفة الرّجال والصّبيان والنّساء، والسّبب في أنّه يصعب كتمان السّرّ هو أنّ للإنسان قوّتين: آخذة، ومعطية. وكلتاهما تتشوّف إلى الفعل المختصّ بها، ولولا أنّ الله تعالى وكّل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوّده، فصارت هذه القوّة تتشوّف إلى فعلها الخاصّ بها. فعلى الإنسان أن يمسكها ولا يطلقها إلى حيث ما يجب إطلاقها، ولا يخدعنّك عن سرّك قول من قال: وأكتم السّرّ فيه ضربة العنق. وقول من ينشدك: ويكاتم الأسرار حتّى كأنّه ... ليصونها عن أن تمرّ بباله فذلك قول من يستنزلك عمّا في قلبك، فإذا استفرغ ما عندك لم يرع فيه حقّك، فقد قيل: الصّبر على القبض على الجمر أيسر من الصّبر على كتمان السّرّ. وما أصدق من أنبأ عن حقيقة حاله حيث قال له صديقه: أريد أن أفشي إليك سرّا تحفظه عليّ فقال: لا أريد أن أوذي قلبي بنجواك، وأجعل صدري خزانة شكواك، فيقلقني ما أقلقك، ويؤرّقني ما أرّقك فتبيت بإفشائه مستريحا ويبيت قلبي بحرّه جريحا. وقد قيل: أكثر ما يستنزل الإنسان عن سرّه في ثلاثة مواضع: عند الاضطجاع على فراشه، وعند خلوّه بعرسه، وفي حال سكره، ومن حقّ من يسارر غيره أن يتجنّب المحافل لأمرين: أحدهما: الحذر من أن يساء به الظّنّ: فهذا يقول قد اغتابني ... وذا يستريب، وذا يتّهم والثّاني: أنّه ربّما يتتبّع بالفحص فيطّلع على مراده. ولذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثّالث؛ فإنّ ذلك يحزنه» «2» . والكتمان نوعان أيضا: الأوّل: الكتمان المحمود، وهو ضرب من الأمانة ونوع من الوفاء، وعلامة على الوقار، وهو كتمان سرّ الغير أو النّفس وهو مناط هذه الصّفة ومعقدها. الآخر: الكتمان المذموم وهو على ضربين أيضا: أ- كتمان الشّهادة: وقد ذمّه المولى عزّ وجلّ في قوله وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (البقرة/ 283) . وقال عزّ وجلّ أيضا وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ (البقرة/ 140) . ب- كتمان ما أنزل الله: وقد أخذ المولى عزّ   (1) أي التفت المتكلم يرى أيسمعه أحد أم لا. (2) الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب (297) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3205 وجلّ العهد على الأنبياء والمرسلين بألّا يكتموا ممّا أوحي عليهم شيئا، وتوعّد من يفعل ذلك بذلّ الدّنيا وعذاب الآخرة فقال عزّ من قائل إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (البقرة/ 174) . وقد لعنهم المولى عزّ وجلّ في آية أخرى فقال إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (البقرة/ 159) . قال العزّ بن عبد السّلام: وكتمان ذلك وسيلة إلى تضييع أحكام الله، وما يتعلّق بها من طاعة «1» . كتمان السّرّ في القرآن الكريم: ورد في الذّكر الحكيم كلّ من لفظي «السّرّ» و «الكتمان» على حدته، ولكنّهما لم يردا معا بهذه الصّيغة «كتمان السّرّ» بيد أنّ المعنى المقصود بكتمان السّرّ قد ورد في آيات عديدة لاندراج هذه الصّفة في كلّ من الأمانة والوفاء من جهة، والوقار من جهة أخرى، وذلك أنّ نقيض هذه الصّفة وهو إفشاء السّرّ (انظرها في الصّفات المنهيّ عنها) من قبيل اللّغو الّذي أمرنا بالإعراض عنه، ومن ثمّ يكون الكتمان وقارا والإفشاء لغوا، ومن الوضوح بمكان أنّ الّذي يؤتمن على سرّ فيحافظ عليه يكون مؤدّيا للأمانة، وقد جاء في الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إذا حدّث الرّجل بالحديث ثمّ التفت فهي أمانة» (انظر الحديث رقم 2) . ومن الوفاء أيضا أن يحافظ المسلم على سرّ أخيه فيكتمه وإلّا كان غادرا، ومن حقّ المسلم على المسلم أن يكتم عنه ما يكون قد وصل إليه من سرّه، خاصّة إذا كان قد تعهّد له بحفظ هذا السّرّ وعدم إذاعته. ومن هنا كان كتمان السّرّ نوعا من الوفاء بالعهد، وقد قال تعالى وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (الإسراء/ 34) . [للاستزادة: انظر صفات: الأمانة- الشرف- الصمت وحفظ اللسان- المروءة- النبل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: إفشاء السر- الخيانة- الفضح- الإساءة- الأذى] .   (1) انظر شجرة المعارف والأحوال للعز بن عبد السلام (312) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3206 الآيات الواردة في «كتمان السر» معنى* 1- * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «1» 2- * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «2» 3- بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77) «3» 4- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «4» 5- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) «6» 7- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91) «7»   * ذكرت هذه الآيات لما في كتمان السر من الأمانة التي أمرنا الله عز وجل بالمحافظة عليها. (1) البقرة: 177 مدنية (2) البقرة: 283 مدنية (3) آل عمران: 76- 77 مدنية (4) النساء: 58 مدنية (5) الأنعام: 152 مكية (6) الأنفال: 27- 28 مدنية (7) النحل: 90- 91 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3207 8- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) «1» 9- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «2» 10- وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) «3» 11- وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «4»   (1) الإسراء: 34 مكية (2) المؤمنون: 1- 11 مكية (3) التحريم: 3 مدنية (4) المعارج: 29- 35 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3208 الأحاديث الواردة في (كتمان السر) 1- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإنّ كلّ ذي نعمة محسود» ) * «1» . 2- * (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا حدّث الرّجل بالحديث ثمّ التفت فهي أمانة» ) «2» . 3- * (عن أبي بكر بن محمّد بن بكر بن حزم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما يتجالس المتجالسان بالأمانة ولا يحلّ لأحدهما أن يفشي علي صاحبه ما يكره» ) «3» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «المجالس بالأمانة إلّا ثلاثة: مجالس سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حقّ» ) * «4» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ من أشرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة، الرّجل يفضي إلى امرأته «5» ، وتفضي إليه، ثمّ ينشر سرّها» ) «6» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه سمع عمر بن الخطّاب يحدّث حين تأيّمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السّهميّ وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتوفّي   (1) مجمع الزوائد (8/ 194) ، وقال: رواه الطبراني في الثلاثة، والحديث في المعجم الكبير (20/ 94) ، والصغير (2/ 149) ، وكشف الخفاء (1/ 123) وقال رواه الطبراني وأبو نعيم بسند ضعيف عن معاذ بن جبل رفعه، والصغير للطبراني (2/ 292) واللفظ له. وذكره الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (943) وصححه. (2) أبو داود (4868) واللفظ له، والترمذي (1959) وقال: حديث حسن، وأحمد في المسند (3/ 324) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 247) ، ومجمع الزوائد (8/ 98) والصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا (449) حديث رقم (404) ، وقال محققه: حديث حسن، والألباني في صحيح الجامع، حديث رقم (486) وحسنه. (3) مصنف عبد الرزاق (13/ 22) برقم (1979) ، ابن حجر (11/ 82) ، الزهد لابن المبارك (240، 241) ، وانظر: الإحياء (2/ 194) هامش رقم 5) ، والبيهقي في الشعب (7/ 520) وقال: هذا مرسل جيد. (4) البيهقي في السنن (10/ 247) واللفظ له، أبو داود (4869) ، وأحمد في المسند (2/ 342) وصحيح الجامع الصغير حديث رقم (6678) ، وحسنه الألباني، وتاريخ بغداد (11/ 169) ، والبيهقي في الشعب (7/ 521) ، وفردوس الديلمي (6650) . وانظر: الإحياء (2/ 194) والمعنى أن ما يحدث في المجالس أمانة إلا ما يؤدي إلى إراقة دم من مسلم بغير حق، أو استحلال فرج حرام على وجه الزنا، أو استحلال مال من غير حله سواء من مال مسلم أو ذمي، فمن قال في مجلس أريد قتل فلان والزنا بفلانة أو اقتطاع مال فلان ظلما لا يجوز للمسلمين حفظ سره، بل عليهم إفشاؤه دفعا للمفسدة. (تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، استخراج أبي عبد الله محمود بن محمد الحداد. (3/ 1126) برقم (1644) . (5) يفضي إلى امرأته: أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة. (6) مسلم (1437) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3209 بالمدينة- فقال عمر بن الخطّاب. أتيت عثمان بن عفّان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري. فلبثت ليالي ثمّ لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوّج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصّدّيق فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئا، وكنت أوجد عليه منّي على عثمان، فلبثت ليالي، ثمّ خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنكحتها إيّاه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلّك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر. قلت: نعم. قال أبو بكر: لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلّا أنّي كنت علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو تركها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبلتها» ) * «1» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده، لم يغادر منهنّ واحدة فأقبلت فاطمة تمشي. ما تخطىء مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، فلمّا رآها رحّب بها. فقال: «مرحبا بابنتي» ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا. فلمّا رأى جزعها سارّها الثّانية فضحكت. فقلت لها. خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين نسائه بالسّرار، ثمّ أنت تبكين، فلمّا قام رسول صلّى الله عليه وسلّم سألتها: ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه. قالت: فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحقّ لما حدّثتني ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: أمّا الآن فنعم. أمّا حين سارّني في المرّة الأولى فأخبرني: «أنّ جبريل كان يعارضه القرآن في كلّ سنة مرّة أو مرّتين، وأنّه عارضه الآن مرّتين (وقال) إنّي لا أرى «2» الأجل إلّا قد اقترب، فاتّقي الله واصبري. فإنّه نعم السّلف أنا لك» قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت، فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية فقال: يا فاطمة: أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟» قالت: فضحكت ضحكي الّذي رأيت» ) * «3» . 8- * (عن ثابت عن أنس- رضي الله عنهما- قال: أتى عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وأنا ألعب مع الغلمان- قال: فسلّم علينا، فبعثني إلى حاجة. فأبطأت على أمّي، فلمّا جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنّها سرّ. قالت: لا تحدّثنّ بسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا. قال أنس: والله لو حدّثت به أحدا لحدّثتك يا ثابت) * «4» .   (1) البخاري- الفتح (9/ 5133) واللفظ له. وأحمد (2/ 27) . (2) لا أرى: أى لا أظن. (3) البخاري- الفتح (7/ 3715، 3716) ، ومسلم (2450) واللفظ له،. (4) مسلم (2482) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3210 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (كتمان السر) 1- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: ولا تفش سرّك إلّا إليك ... فإنّ لكلّ نصيح نصيحا فإنّي رأيت غواة الرّجا ... ل لا يتركون أديما صحيحا ) * «1» . 2- * (وقال عليّ بن أبي طالب- كرّم الله وجهه-: «سرّك أسيرك، فإن تكلّمت به صرت أسيره» ) * «2» . 3- * (أسرّ معاوية- رضي الله عنه- إلى الوليد بن عتبة حديثا فقال لأبيه: يا أبتي إنّ أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدّثني به، فإنّ من كتم سرّه كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: قلت يا أبتي وإنّ هذا ليدخل بين الرّجل وبين أبيه، قال: لا، والله يا بنيّ، ولكن أحبّ أن لا تذلّل لسانك بأحاديث السّرّ، فأتيت معاوية- رضي الله عنه- فحدّثته فقال: يا وليد أعتقك أخي من رقّ الخطإ) * «3» . 4- * (قال عمرو بن العاص- رضي الله عنه- ما وضعت سرّي عند أحد أفشاه عليّ فلمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إيّاه) * «4» . 5- * (أخبر المبارك بن فضالة) عن الحسن رحمه الله- قال: سمعته يقول: «إنّ من الخيانة أن تحدّث بسرّ أخيك» ) * «5» . 6- * (عن سعيد بن المسيّب- رضي الله عنه- قال: «كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امرىء مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرّض نفسه للتّهم فلا يلومنّ إلّا نفسه. ومن كتم سرّه كانت الخيرة فى يده. وما كافأت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه ... » الأثر) * «6» . 7- * (قال بعض الحكماء لابنه: يا بنيّ كن جوادا بالمال في موضع الحقّ. ضنينا بالأسرار عن جميع الخلق، فإنّ أحمد جود المرء، الإنفاق في وجه البرّ، والبخل بمكتوم السّرّ) * «7» . 8- * (وقال بعض الفصحاء: ما لم تغيّبه الأضالع فهو مكشوف ضائع) * «8» . 9- * (وقد قيل: الصّبر على القبض على الجمر أيسر من الصّبر على كتمان السّرّ) * «9» .   (1) كتاب الصمت وآداب اللسان، ابن أبي الدنيا (451) . (2) أدب الدنيا والدين، الماوردي (295) . (3) كتاب الصمت وآداب اللسان، ابن أبي الدنيا (452) . (4) كتاب الصمت وآداب اللسان (451- 452) . (5) المرجع السابق (450- 451) . (6) شعب الإيمان، تحقيق البسيوني زغلول (6/ 323 برقم (8345) . (7) أدب الدنيا والدين (295) . (8) المرجع السابق (295) . (9) الذريعة إلى مكارم الشريعة الأصفهاني (298) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3211 10- * (وقيل: أكثر ما يستنزل الإنسان عن سرّه في ثلاثة مواضع: عند الاضطجاع على فراشه. وعند خلوّه بعرسه. وفي حال سكره) * «1» . ومن أقوال الشعراء: 1- قال الشّاعر: إذا المرء أفشى سرّه بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق «2» 2- وقال صالح بن عبد القدّوس: لا تذع سرّا إلى طالبه ... منك فالطّالب للسّرّ مذيع «3» 3- وقال آخر: فلا تنطق بسرّك كلّ سرّ ... إذا ما جاوز الاثنين فاشي «4» 4- قال بعض الشّعراء: ولو قدرت على نسيان ما اشتملت ... منّي الضّلوع على الأسرار والخبر لكنت أوّل من ينسى سرائره ... إذ كنت من نشرها يوما على خطر «5» 5- وقال الشّاعر: ومستودعي سرّا تضمّنت سرّه ... فأودعته من مستقرّ الحشى قبرا ولكنّني أخفيه عنّي كأنّني ... من الدّهر يوما ما أحطت به خبرا وما السّرّ في قلبي كميت بحفرة ... لأنّى أرى المدفون ينتظر النّشرا «6» 6- قال الشّاعر: وأكتم السّرّ فيه ضربة العنق 7- وقال الآخر: ويكتم الأسرار حتّى إنّه ... ليصونها عن أن تمرّ بباله «7» 8- قال ابن المعتزّ: ومستودعي سرّا تبوّأت كتمه ... فأودعته صدري فصار له قبرا «8» 9- وقيل: وما السّرّ في صدري كثاو بقبره ... لأنّي أرى المقبور ينتظر النّشرا ولكنّني أنساه حتّى كأنّني ... بما كان منه لم أحط ساعة خبرا «9»   (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة- الأصفهاني (298) . (2) أدب الدنيا والدين للماوردي (296) . (3) المرجع السابق (297) . (4) المرجع السابق (297) . (5) المرجع السابق (298) . (6) المرجع السابق (298) . (7) الذريعة إلى مكارم الشريعة- الأصفهاني (297) . (8) إحياء علوم الدين (2/ 194) . (9) المرجع السابق (2/ 195) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3212 10- وقيل: وترى الكريم إذا تصرّم وصله ... يخفي القبيح ويظهر الإحسانا وترى اللّئيم إذا تقضّى وصله ... يخفي الجميل ويظهر البهتانا «1» . من فوائد (كتمان السر) (1) به يتمكّن الإنسان من قضاء مصالحه، ولا يواجه بما يعوقه عنها. (2) كتمان السّرّ لون من ألوان الأمانة، والأمانة من علامات الإيمان. (3) كتمان السّرّ لون من الوقار والاحتشام ودليل على الرّزانة والوقار. (4) هو فضيلة إنسانيّة بها يرتقي المرء في درجات الكمال. (5) يوثّق صلة الإنسان بأخيه حين يحفظ أسراره. (6) حين يثق الإنسان بأنّ صاحبه يحفظ أسراره يمهّد ذلك له استشارته فيما لا يحبّ أن يطّلع عليه النّاس. (7) يؤدّي حفظ السّرّ إلى توثيق عرى المحبّة بين الإنسان ومن يحفظ عليه سرّه.   (1) إحياء علوم الدين (2/ 195) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3213 الكرم الكرم لغة: مصدر قولهم (كرم) فلان يكرم، وهو مأخوذ من مادّة (ك ر م) الّتي تدلّ على شرف في الشّيء في نفسه أو شرف في خلق من الأخلاق، يقال رجل كريم، وفرس كريم، ونبات كريم، أمّا الكرم في الخلق فهو الصّفح عن ذنب المذنب، قال ابن قتيبة: الكريم: الصّفوح، والله تعالى هو الكريم الصّفوح عن ذنوب عباده المؤمنين. وقال الجوهريّ: الكرم ضدّ اللّؤم، وقد كرم الرّجل بالضّمّ فهو كريم، وقوم كرام وكرماء، ونسوة كرائم، ويقال رجل كرم، وامرأة كرم ونسوة كرم والكرام بالضّمّ مثل الكريم، فإذا أفرط في الكرم قيل كرّام، وكارمت الرّجل إذا فاخرته في الكرم فكرمته أكرمه (بالضّمّ) إذا غلبته فيه. وأكرمت الرّجل أكرمه وأصله أأكرمه مثل أدحرجه فحذفوا الهمزة الثّانية استثقالا، والتّكرّم: تكلّف الكرم، قال الشّاعر المتلمّس: تكرّم لتعتاد الجميل فلن ترى ... أخا كرم إلّا بأن يتكرّما الآيات/ الأحاديث/ الآثار 40/ 30/ 21 ويقال (أيضا) : أكرم الرّجل إذا أتى بأولاد كرام، واستكرم: استحدث علقا كريما، والأكرومة من الكرم كالأعجوبة من العجب، (وقد يكون) التّكريم والإكرام بمعنى، والاسم: الكرامة، واستكرم الشّيء: طلبه كريما، أو وجده كذلك. والكريم: الّذي كرّم نفسه عن التّدنّس بشيء من مخالفة ربّه. ويقال: هذا رجل كرم أبوه، وكرم آباؤه. وهو أيضا واسع الخلق. وأرض مكرمة وكرم وكريمة: طيّبة، والكريمان: الحجّ والجهاد. والإكرام والتّكريم: أن يوصل إلى الإنسان نفع لا تلحقه فيه غضاضة، أو يوصل إليه شيء شريف. وقوله تعالى بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (الأنبياء/ 36) ، أي جعلهم كراما «1» . واصطلاحا: قال ابن مسكويه: الكرم إنفاق المال الكثير بسهولة من النّفس فى الأمور الجليلة القدر، الكثيرة النّفع «2» . وقيل: هو التّبرّع بالمعروف قبل السّؤال، والإطعام في المحل، والرّأفة بالسّائل مع بذل النّائل.   (1) لسان العرب (7/ 3681- 3684) . وانظر الصحاح (6/ 2019- 2021) . ومختار الصحاح (568) . وبصائر ذوي التمييز (3/ 343) . ومقاييس اللغة لابن فارس (5/ 172) . (2) تهذيب الأخلاق لابن مسكويه (30) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3214 وقيل هو: الإعطاء بالسّهولة. وقيل: الكرم هو إفادة ما ينبغي لا لغرض فمن يهب المال لغرض جلبا للنّفع، أو خلاصا عن الذّمّ، فليس بكريم. فالكريم من يوصل النّفع بلا عوض «1» . معنى اسم الله (الكريم) : قال أبو حامد الغزاليّ: والكريم من أسماء الله تعالى؛ هو الّذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرّجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب، ولا يضيع من لاذبه والتجأ. ويغنيه عن الوسائط والشّفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتّكلّف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط. وقيل: الكريم: هو الكثير الخير، الجواد المعطي الّذي لا ينفد عطاؤه، وهو الكريم المطلق. والكريم: الجامع لأنواع الخير والشّرف والفضائل. والكريم اسم جامع لكلّ ما يحمد، فالله- عزّ وجلّ- كريم حميد الفعال وربّ العرش الكريم العظيم «2» . أنواع الكرم: قال الكفويّ: الكرم إن كان بمال فهو جود. وإن كان بكفّ ضرر مع القدرة فهو عفو. وإن كان ببذل النّفس فهو شجاعة «3» . الكرم أخلاق محمودة وأفعال مشهودة: قال الفيرزاباديّ- رحمه الله-: والكرم إذا وصف الله به فهو اسم لإحسانه وإنعامه، وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة. الّتي تظهر منه، ولا يقال: هو كريم حتّى يظهر منه ذلك. قال بعض العلماء: الكرم كالحرّية، إلّا أنّ الحرّيّة قد تقال في المحاسن الصّغيرة والكبيرة، والكرم لا يقال إلّا في الكبيرة؛ كإنفاق مال في تجهيز جيش الغزاة، وتحمّل حمالة ترقأ بها دماء قوم. وقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات/ آية 13) ، إنّما كان كذلك لأنّ الكرم الفعال المحمودة، وأكرمها ما يقصد به أشرف الوجوه، وأشرف الوجوه ما يقصد به وجه الله، فمن قصد به ذلك فهو التّقيّ. فإذا أكرم النّاس أتقاهم، وكلّ شيء يشرف في بابه وصف بالكرم، نحو قوله تعالى أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (الشعراء/ 7) ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (الواقعة/ 77) . وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (الإسراء/ 23) «4» . الفرق بين الكرم والجود: قال الكفويّ: الكرم يكون مسبوقا باستحقاق السّائل والسّؤال منه. والجود: صفة ذاتيّة للجواد ولا يستحقّ بالاستحقاق والسّؤال، والجواد يطلق على الله تعالى   (1) التعريفات للجرجاني (184) والإحياء للغزالي (3/ 246) ، التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (281) . (2) لسان العرب (7/ 3861) . (3) الكليات للكفوي (53) . (4) بصائر ذوي التمييز (4/ 343، 344) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3215 دون السّخيّ. وقال أبو هلال العسكريّ: الجود: كثرة العطاء من غير سؤال من قولك: جادت السّماء إذا جاءت بمطر غزير، والله تعالى جواد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة. أمّا الكرم: فيتصرّف على وجوه: منها: العزّة، ومنها الفضل، ومنها الحسن، ومنها التّفضيل، ومنها: السّيادة، ويجوز أن يقال: الكرم هو إعطاء شيء عن طيب نفس قليلا كان أو كثيرا، والجود سعة العطاء سواء أكان عن طيب نفس أو لا، ويجوز أن يقال: الكرم هو إعطاء من يريد (المعطي) إكرامه وإعزازه، والجود قد يكون كذلك وقد لا يكون «1» . من معاني الكرم في القرآن الكريم: 1- الحسن، قال تعالى: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (النمل/ 29) . 2- السّهل، قال تعالى: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (الإسراء/ 23) . 3- الكثير، قال تعالى: وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (الأحزاب/ 31) . 4- العظيم، قال تعالى: رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (المؤمنون/ 116) . 5- الفضل. ومنه قوله تعالى في (بني آدم) : أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (الإسراء/ 62) . أي فضّلت عليّ، وفيها «2» : وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ (آية/ 70) . 6- الصّفوح، ومنه قوله تعالى في (الانفطار) (آية 6) ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار- الجود- السخاء- المسارعة في الخيرات- تفريج الكربات- المواساة- الإحسان- الصدقة- كفالة اليتيم. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأثرة- البخل الشح- الكنز- التفريط والإفراط] .   (1) الكليات للكفوي (353) ، والفروق اللغوية لأبي هلال (167، 168) بتصرف. (2) أي سورة الإسراء. (3) المفردات للراغب (246) وبصائر ذوي التمييز (4/ 344، 345) ، ونزهة الأعين النواظر (521، 522) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3216 الآيات الواردة في «الكرم» الكرم بمعنى الإحسان: 1- وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) «1» الكرم بمعنى عظمة القدر والشأن: 2- طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) «2» 3- * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) «3» 4- اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) «5»   (1) يوسف: 21 مكية (2) الشعراء: 1- 7 مكية (3) الشعراء: 52- 59 مكية (4) النمل: 28- 31 مكية (5) لقمان: 8- 11 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3217 6- كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (27) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (28) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (29) «1» 7- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) «2» 8- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) «3» الكرم بمعنى السهل: 9- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) «4» الكرم بمعنى الكثير: 10- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «5» 11- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «6»   (1) الدخان: 25- 29 مكية (2) الحديد: 11 مدنية (3) الحديد: 18 مدنية (4) الإسراء: 23 مكية (5) الأنفال: 1- 4 مدنية (6) الأنفال: 72- 75 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3218 12- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) «1» 13- الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) «2» 14- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) «3» 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «4» الكرم بمعنى العظمة: 16- قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «5»   (1) الحج: 49- 51 مدنية (2) النور: 26 مدنية (3) الأحزاب: 28- 31 مدنية (4) الأحزاب: 41- 48 مدنية (5) النمل: 38- 40 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3219 17- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (28) «1» 18- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (77) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78) «2» 19- أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «3» 20- فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80) «4» 21- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «5» الكرم بمعنى الفضل والشرف: 22- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) «6» 23- * وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) «7»   (1) الرحمن: 26- 28 مكية (2) الرحمن: 77- 78 مكية (3) المؤمنون: 115- 118 مدنية (4) الواقعة: 75- 80 مكية (5) عبس: 1- 16 مكية (6) الإسراء: 61- 62 مكية (7) الإسراء: 70 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3220 24- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «1» الكرم بمعنى الفضل: 25- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) «2» 26- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «3» الإكرام عاقبة المؤمنين في الجنة: 27- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (31) «4» 28- يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «5» 29- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)   (1) الحجرات: 13 مدنية (2) الفجر: 15- 20 مدنية (3) العلق: 1- 5 مكية (4) النساء: 31 مدنية (5) يس: 1- 11 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3221 قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «1» 30- وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (44) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) «2» 31- * إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «3» الكرم صفة الملائكة والنبيين: 32- إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) * وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) «4» 33- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) «5» 34- فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) «6»   (1) يس: 20- 27 مكية (2) الصافات: 39- 49 مكية (3) المعارج: 19- 35 مكية (4) الدخان: 15- 17 مكية (5) الحاقة: 38- 43 مكية (6) التكوير: 15- 21 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3222 35- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) «1» 36- * وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) «2» 37- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «3» 38- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) «4» لا يكرم من يهن الله: 39- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (18) «5» وصف الكافر بالكرم على سبيل 40- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) «6»   (1) الانفطار: 6- 12 مكية (2) يوسف: 30- 31 مكية (3) الأنبياء: 25- 28 مكية (4) الذاريات: 24- 25 مكية (5) الحج: 18 مدنية (6) الدخان: 43- 50 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3223 الأحاديث الواردة في (الكرم) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي، ولا فخر» ) * «1» . 2- * (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله حييّ كريم، يستحيي إذا رفع الرّجل إليه يديه أن يردّهما صفرا خائبتين» ) * «2» . 3- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كلّ يوم قال: «قل كلّ يوم حين تصبح لبّيك اللهمّ لبّيك وسعديك، والخير في يديك ومنك وبك وإليك، اللهمّ ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه، ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا بك، إنّك على كلّ شيء قدير، اللهمّ وما صلّيت من صلاة فعلى من صلّيت، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت، إنّك أنت وليّي في الدّنيا والآخرة، توفّني مسلما وألحقني بالصّالحين، أسألك اللهمّ الرّضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الممات ولذّة نظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، أعوذ بك اللهمّ أن أظلم أو أظلم، أو أعتدي أو يعتدى عليّ، أو أكتسب خطيئة محبطة، أو ذنبا لا يغفر، الّلهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة ذا الجلال والإكرام، فإنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدّنيا وأشهدك وكفى بك شهيدا، أنّي أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كلّ شيء قدير، وأشهد أنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأشهد أنّ وعدك حقّ، والجنّة حقّ، والسّاعة آتية لا ريب فيها، وأنت تبعث من في القبور، وأشهد أنّك إن تكلني إلى نفسي؛ تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة، وإنّي لا أثق إلّا برحمتك فاغفر لي ذنبي كلّه إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم» ) * «3» . 4- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله كريم يحبّ الكرم،   (1) الترمذي (3610) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول: وهو كما قال (8/ 527- 528) ومعناه في الصحيحين. وعزاه الحافظ في النكت الظراف على الأطراف (1/ 218) إلى أبي يعلى. (2) الترمذي (3556) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود (1488) وابن ماجة (3865) . وقال الألباني، في مختصر العلو للعلي الغفار: صحيح وصحح رواية أبي داود، صحيح سنن أبي داود (1320) ورواية ابن ماجة، صحيح سنن ابن ماجة (3117) (3) أحمد (5/ 191) واللفظ له وذكره في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف.. ورواه الطبراني في الكبير (5/ 119) رقم (4803) ، رقم (4932) (5/ 173) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3224 ويحبّ معالي الأخلاق، ويكره سفسافها «1» » ) * «2» . 5- * (عن أبي أسيد مالك بن ربيعة السّاعديّ رضي الله عنه- قال: بينا نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل من بني سلمة؛ فقال: يا رسول الله! هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصّلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرّحم الّتي لا توصل إلّا بهما، وإكرام صديقهما» ) * «3» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء رجل من بني الصّعق- أحد بني كلاب- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن عسب «4» الفحل فنهاه عن ذلك، فقال: «إنّا نكرم على ذلك «5» » ) * «6» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة؟. قالا: الجوع. يا رسول الله! قال: «وأنا. والّذي نفسي بيده لأخرجني الّذي أخرجكما، قوموا فقاموا معه. فأتى رجلا من الأنصار. فإذا هو ليس في بيته، فلمّا رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين فلان؟» . قالت: ذهب يستعذب «7» لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه، ثمّ قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا منّي، قال فانطلق فجاء هم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية «8» فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك والحلوب» . فذبح لهم، فأكلوا من الشّاة. ومن ذلك العذق وشربوا؛ فلمّا أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-: «والّذي نفسي بيده! لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم» ) * «9» . 8- * (عن السّائب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جيء بي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة جاء بي عثمان ابن عفّان وزهير فجعلوا يثنون عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعلموني به قد كان صاحبي   (1) السّفساف: الأمر الحقير والرديء من كل شيء، وهو ضد المعالي والمكارم، وأصله ما يطير من غبار الدقيق إذا نخل، والتراب إذا أثير. (2) الحاكم (1/ 48) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد. والطبراني في الكبير (6/ 181) .، وقال العراقي في تخريج الإحياء: إسناده صحيح (3/ 344) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي، وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 336، 337) . وصححه في صحيح الجامع (1801) . (3) أبو داود (5142) واللفظ له. وابن ماجة (3664) . وأحمد (3/ 498) . وابن حبان رقم (418) . والحاكم (4/ 154) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة رقم (913) . (4) عسب الفحل: ماؤه فرسا كان أو بعيرا أو غيرهما وضرابه أيضا، ولم ينه عنهما بل نهى عن الكراء الذي يؤخذ عليه. (5) أي يعطون عليه شيئا من باب الهدية والإكرام لا من باب الأجرة والثمن. (6) النسائي (7/ 310) واللفظ له. وذكره الألباني في صحيحه (3/ 967) حديث (4357) وقال: صحيح. (7) يستعذب الماء: أي يأتي بالماء العذب الصافي. (8) المدية: السكين. (9) مسلم (2038) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3225 في الجاهليّة» . قال: قال: نعم، يا رسول الله، فنعم الصّاحب كنت. قال: فقال: «يا سائب! انظر أخلاقك الّتي كنت تصنعها في الجاهليّة فاجعلها في الإسلام. اقر الضّيف، وأكرم اليتيم، وأحسن إلى جارك» ) * «1» 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من أكرم النّاس؟. قال: «أكرمهم أتقاهم» . قالوا: يا نبيّ الله، ليس عن هذا نسألك. قال: «فأكرم النّاس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» . قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «أفعن معادن العرب تسألونني؟» . قالوا: نعم. قال: «فخياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام. إذا فقهوا «2» » ) * «3» . 10- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه، وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) » . قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «4» . 11- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدويّ النّحل، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة، فسرّي عنه، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: «اللهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنّا» ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنزل عليّ عشر آيات، من أقامهنّ دخل الجنّة» ثمّ قرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ حتّى ختم عشر آيات) * «5» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما حيينا أبدا فأجابهم (أي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) : «اللهمّ لا عيش إلّا عيش الآخرة. ... فأكرم الأنصار والمهاجره» ) * «6» . 13- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:   (1) أحمد (3/ 425) واللفظ له وذكره الحافظ- في الإصابة (2/ 10) في ترجمته وقال لعله هو السائب بن أبي السائب وكان شريك النبي صلّى الله عليه وسلّم، روى هذا أبو داود والنسائي وابن أبي شيبة. وقال الهيثمي في المجمع: رواه ابو داود باختصار، ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (8/ 190) . (2) معناه: أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس. (3) البخاري- الفتح واللفظ له 6 (3374) . ومسلم (2378) . (4) مسلم (963) . (5) الترمذي (3173) واللفظ له. وأحمد (1/ 34) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 255) حديث (223) . والحاكم (535) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. (6) البخاري- الفتح 7 (3796) واللفظ له. ومسلم (1805) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3226 كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثا وقال: «اللهمّ أنت السّلام ومنك السّلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» ) * «1» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «2» . 15- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحلقة، ورجل قائم يصلّي، فلمّا ركع وسجد جلس وتشهّد ثمّ دعا فقال: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد، لا إله إلّا أنت الحنّان بديع السّماوات والأرض ذا الجلال والإكرام، يا حيّ يا قيّوم. إنّي أسألك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون بم دعا؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده! لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» * «3» . 16- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أتيته، فقال: «يا جرير! لأيّ شيء جئت؟» . قال: جئت لأسلم على يديك، يا رسول الله! قال: فألقى إليّ كساءه ثمّ أقبل على أصحابه، وقال: «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه» . وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي) * «4» . 17- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم فتح مكّة أمّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس إلّا أربعة نفر وامرأتين، وقال «اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلّقين بأستار الكعبة» . عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السّرح. فأمّا عبد الله بن خطل، فأدرك وهو متعلّق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمّار بن ياسر، فسبق سعيد عمّارا وكان أشبّ الرّجلين فقتله، وأمّا مقيس بن صبابة فأدركه النّاس في السّوق فقتلوه. وأمّا عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصفة. فقال أصحاب السّفينة: أخلصوا فإنّ آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجّني من البحر إلّا الإخلاص، لا ينجّينّي في البرّ غيره، اللهمّ إنّ لك عليّ عهدا إن أنت عافيتني ممّا أنا فيه أن آتي محمّدا صلّى الله عليه وسلّم حتّى أضع يدي في يده فلأجدنّه عفوّا كريما، فجاء فأسلم. وأمّا عبد الله ابن سعد بن أبي السّرح، فإنّه اختبأ عند عثمان بن عفّان، فلمّا دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس إلى البيعة جاء به حتّى أوقفه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: يا رسول الله: بايع عبد الله، قال: فرفع رأسه   (1) مسلم (591) . (2) البخاري- الفتح 11 (6346) . ومسلم (2730) واللفظ له (3) النسائي (3/ 52) وذكره الألباني وقال: صحيح (1/ 279) رقم (1233) . وابن ماجة (3858) . وأحمد (3/ 158) واللفظ له. (4) ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر بدون القصة. وسنن البيهقي (8/ 168) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) فانظره هناك فقد ذكر له طرقا كثيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3227 فنظر إليه ثلاثا، كلّ ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟» . فقالوا: وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك؟ هلّا أومأت إلينا بعينك؟ قال: «إنّه لا ينبغي لنبيّ أن يكون له خائنة أعين» ) * «1» . 18- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما كان من صداق أو حباء «2» أو هبة قبل عصمة النّكاح «3» فهو لها، وما كان بعد عصمة النّكاح فهو لمن أعطيه أو حبي، وأحقّ ما يكرم الرّجل به ابنته أو أخته» * «4» . 19- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أذنب فى الدّنيا ذنبا فعوقب به، فالله أعدل من أن يثنّي عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبا في الدّنيا فستر الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه» ) * «5» . 20- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أكرم سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أهانه الله يوم القيامة» ) * «6» . 21- * (عن أبي شريح العدويّ- رضي الله عنه- قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته «7» ، قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة، والضّيافة ثلاثة أيّام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «8» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر   (1) النسائي (7/ 105، 106) واللفظ له. وقال الألباني: صحيح (2/ 853) رقم (3791) . وأبو داود (2683) . (2) الحباء: العطيّة وهو ما يعطيه الزوج سوى الصداق بطريق الهبة، أو بلا تصريح بالهبة. (3) قبل عصمة النكاح: أي قبل عقد النكاح. (4) أبو داود (2129) . والنسائي (6/ 120) . وابن ماجة (1955) واللفظ له. وأحمد (2/ 182) وقال أحمد شاكر: اسناده صحيح (10/ 178) حديث (6709) . والبيهقي (7/ 248) . (5) الترمذي (2626) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وابن ماجة (2604) . وأحمد (1/ 99) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (2/ 118) رقم (577) . والحاكم (2/ 455) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم وأقره الذهبي. (6) أحمد في المسند (5/ 242) والترمذي (4/ 2224) وابن أبي عاصم في السنة (2/ 478) وحسّنه الألباني والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 162) وهو حديث حسن بشواهده. (7) أي يضاف ثلاثة أيام، ثم يعطيه ما يجوز مسافة يوم وليلة. (8) البخاري- الفتح 10 (6019) واللفظ له. مسلم (48) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3228 فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «1» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «2» كريم، والفاجر خبّ «3» لئيم» * «4» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يضمّ أو يضيف هذا؟» فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني فقال: هيّئي طعامك وأصبحي «5» سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنّهما يأكلان، فباتا طاويين «6» ، فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ضحك الله اللّيلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر/ 9)) * «7» . الأحاديث الواردة في (الكرم) معنى 25- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية «8» شديدة، فجاءوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: أنا نازل. ثمّ قام وبطنه معصوب «9» بحجر، ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا. فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية، فعاد كثيبا «10» أهيل «11» أو أهيم. فقلت: يا رسول الله! ائذن لي إلى البيت، فقلت لا مرأتي: رأيت بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر. فعندك شيء؟. فقالت: عندي شعير وعناق. فذبحت العناق «12» وطحنت الشّعير، حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة «13» . ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافيّ «14» قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال: «كم هو؟» . فذكرت له. فقال: كثير   (1) البخاري- الفتح 10 (6018) واللفظ له. ومسلم (47) . (2) الغر: الرجل غير المجرب. (3) الخب: الرجل الخداع. (4) أبو داود (4790) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (3/ 909) . والترمذي (1964) . والحاكم (1/ 43) . والبخاري في الأدب المفرد (418) ص (151) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 382) . وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 644) رقم (935) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 701) : وهو حديث حسن. (5) أصبحي السراج: يعني أوقديه. (6) طاويين: جائعين. (7) البخاري- الفتح 7 (3798) واللفظ له. ومسلم (2054) . (8) الكدية: القطعة الشديدة الصلبة من الأرض. (9) معصوب: مربوط. (10) كثيبا: رملا. (11) أهيل: غير متماسك. (12) العناق: أنثى المعز. (13) البرمة: القدر. (14) الأثافي: الحجارة التي توضع عليها القدور. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3229 طيّب. قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي. فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار. فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك، جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» «1» . فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر «2» البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع «3» فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال: «كلي هذا وأهدي، فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» ) * «4» . 26- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ على رأس جبل، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره، إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثّالثة: زوجي العشنّق، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إذا دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي المسّ مسّ أرنب، والرّيح ريح زرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد. قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع، أناس من حليّ أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح. أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟، عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟، مضجعه كمسلّ شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة، بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا؛ قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا، وأخذ خطّيّا، وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، وقال: كلي أمّ زرع، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كلّ شيء   (1) ولا تضاغطوا: أي لا تزدحموا. (2) يخمّر البرمة: أي يغطيها. (3) ثم ينزع: أي يأخذ اللحم من البرمة. (4) البخاري- الفتح 7 (4101) . ومسلم (2039) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3230 أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «1» . 27- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم المهاجرون المدينة من مكّة، وليس بأيديهم، (يعني شيئا) ، وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كلّ عام ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أمّه أمّ أنس، أمّ سليم كانت أمّ عبد الله بن أبي طلحة، فكانت أعطت أمّ أنس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عذاقا «2» . فأعطاهنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّ أيمن مولاته أمّ أسامة بن زيد. قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا فرغ من قتال أهل خيبر، فانصرف إلى المدينة، ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم «3» - من ثمارهم- فردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أمّه عذاقها، فأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّ أيمن مكانهنّ «4» من حائطه «5» » ) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الكرم) 28- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: بينما أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقفله «7» من حنين، فعلقت «8» النّاس يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة، فخطفت رداءه فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه «9» نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) * «10» . 29- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» . قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه ... الحديث) * «11» . 30- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة. فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟. فقال القوم: هي شملة.   (1) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له. مسلم (2448) . وسبق تفسير ألفاظه الغريبة في صفات سابقة عديدة فأغنانا ذلك عن إعادته هنا. (2) العذاق: جمع عذق وهي النخلة. (3) منائحهم: جمع منيحة والمنيحة هي المنحة. (4) مكانهن: أي بدلهن. (5) حائطه: أي بستانه. (6) البخاري- الفتح 5 (2630) واللفظ له. ومسلم (1771) . (7) مقفله: زمان رجوعه. (8) فعلقت: أي طفقت وأخذت. (9) العضاه: شجر ذو شوك. (10) البخاري- الفتح 6 (2821) . (11) مسلم (2055) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3231 فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت: يا رسول الله! أكسوك هذه. فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلبسها، فرآها عليه رجل من الصّحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه، فاكسنيها. فقال: «نعم» . فلمّا قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لامه أصحابه، فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذها محتاجا إليها. ثمّ سألته إيّاها وقد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه. فقال: رجوت بركتها حين لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعلّي أكفّن فيها) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الكرم) 1- * (قال حكيم بن حزام- رضي الله عنه-: «ما أصبحت صباحا قطّ فرأيت بفنائي طالب حاجة قد ضاق بها ذرعا فقضيتها إلّا كانت من النّعم الّتي أحمد الله عليها، ولا أصبحت صباحا لم أر بفنائي طالب حاجة، إلّا كان ذلك من المصائب الّتي أسأل الله- عزّ وجلّ- الأجر عليها» ) * «2» . 2- * (قال جويرية بن أسماء: «قطع برجل بالمدينة فقيل له: عليك بحكيم بن حزام، فأتاه وهو في المسجد فذكر له حاجته، فقام معه، فانطلق معه إلى أهله، فلمّا دخل داره رأى غلمانا له يعالجون أداة من أداة الإبل، فرمى إليهم بخرقة معه فقال: استعينوا بهذه على بعض ما تعالجون، ثمّ أمر له براحلة مقتّبة محقّبة، وزادا» ) * «3» . 3- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-: «أهدي لرجل رأس شاة، فقال: إنّ أخي وعياله أحوج منّا إلى هذا فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتّى رجعت إلى الأوّل بعد سبعة» ) * «4» . 4- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «ما احتذى النّعال ولا انتعل ولا ركب المطايا، ولا لبس الكور «5» من رجل بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفضل من جعفر ابن أبي طالب في الجود والكرم» ) * «6» . 5- * (قال عبد الله بن جعفر- رحمه الله تعالى- «أمطر المعروف مطرا، فإن أصاب الكرام كانوا له أهلا، وإن أصاب اللّئام كنت له أهلا» ) * «7» . 6- * (قال الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما-: «المروءة: حفظ الرّجل دينه، وحذره نفسه، وحسن قيامه بضيفه وحسن المنازعة، والإقدام في الكراهية. والنّجدة: الذّبّ عن الجار، والصّبر في الموان «8» ، والكرم: التّبرّع بالمعروف قبل السّؤال، والإطعام في   (1) البخاري- الفتح 10 (6036) . (2) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (107) . (3) المرجع السابق، نفس الصفحة. (4) الفتح (7/ 120) وعزاه لابن مردويه. (5) الكور: العمامة. (6) أحمد (414) . (7) الإحياء (3/ 247) . (8) الموان: يقال مان الرجل أهله يمونهم إذا كفاهم وأنفق عليهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3232 المحل «1» ، والرّأفة بالسّائل مع بذل النّائل» * «2» . 7- * (قال أبو الأسود: دخل على الحسن بن عليّ- رضي الله عنهم- نفر من أهل الكوفة وهو يأكل طعاما فسلّموا عليه وقعدوا، فقال لهم الحسن: «الطّعام أيسر من أن يقسم عليه، فإذا دخلتم على رجل منزله فقرّب طعامه، فكلوا من طعامه، ولا تنتظروا، فتقدّم القوم فأكلوا، ثمّ سألوه حاجتهم فقضاها لهم» ) * «3» . 8- * (قال عبد الله بن الحارث: «من لم يكرم ضيفه فليس من محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا من إبراهيم عليه السّلام» ) * «4» . 9- * (قال السّلميّ- رحمه الله تعالى-: «آداب الصّحبة على أوجه ذكر منها: صحبة الوالدين فقال: تكون ببرّهما بالخدمة بالنّفس والمال في حياتهما، وإنجاز وعدهما بعد وفاتهما، والدّعاء لهما في كلّ الأوقات، وإكرام أصدقائهما» ) * «5» . 10- * (قال محمّد بن سيرين- رحمه الله تعالى-: «كانوا يقولون: لا تكرم صديقك بما شقّ عليه» ) * «6» . 11- * (قال أحمد بن عبد الأعلى الشّيبانيّ وأحمد بن عبيد العنيزيّ: «إنّ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنهما- كان في سفر له فمرّ بفتيان يوقدون تحت قدر لهم، فقام إليه أحدهم فقال: أقول له حين ألفيته ... عليك السّلام أبا جعفر فوقف، وقال: السّلام عليك ورحمة الله. قال: وهذي ثيابي قد أخلقت ... وقد عضّني زمن منكر قال له: فهذي ثيابي مكانها. وكان عليه جبّة خزّ وعمامة خزّ. فقال الرّجل: وأنت كريم بني هاشم ... وفي البيت منها الّذي يذكر قال له: يا ابن أخي ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» * «7» . 12- * (قال مالك بن دينار- رحمه الله تعالى-: «المؤمن كريم في كلّ حالة، لا يحبّ أن يؤذي جاره، ولا يفتقر أحد من أقربائه- ويبكي وهو يقول-: وهو والله مع ذلك غنيّ القلب، لا يملك من الدّنيا شيئا، إن أزلّته عن دينه لم يزلّ، وإن خدعته عن ماله انخدع، لا يرى الدّنيا من الآخرة عوضا، ولا يرى البخل من الجود حظّا، منكسر القلب ذو هموم قد تفرّد بها، مكتئب محزون ليس له في فرح الدّنيا نصيب، إن أتاه منها شيء فرّقه، وإن زوي عنه كلّ شيء فيها لم يطلبه- ويبكي ويقول-: هذا والله الكرم، هذا والله   (1) المحل: الشدة، وقيل: الجوع الشديد، وقيل: الجدب. (2) الإحياء (3/ 246) . (3) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (110) . (4) جامع العلوم والحكم (132) . (5) آداب العشرة، للغزي (ص 44) . (6) الأدب المفرد، للبخاري (126) . (7) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (108) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3233 الكرم» ) * «1» . 13- * (قال جعفر الصّادق رحمه الله تعالى: «لا مال أعون من العقل، ولا مصيبة أعظم من الجهل، ولا مظاهرة كالمشاورة، ألا وإنّ الله- عزّ وجلّ- يقول: (إنّي جواد كريم، لا يجاورني لئيم) واللّؤم من الكفر، وأهل الكفر في النّار، والجود والكرم من الإيمان، وأهل الإيمان في الجنّة» ) * «2» . 14- * (قال عبد الرّحمن بن مهديّ- رحمه الله تعالى-: «ليتّق الرّجل دناءة الأخلاق كما يتّقي الحرام، فإنّ الكرم دين» ) * «3» . 15- * (قال محمّد بن يزيد الواسطيّ: حدّثني صديق لي: «أنّ أعرابيّا انتهى إلى قوم فقال: يا قوم أرى وجوها وضيئة، وأخلاقا رضيّة، فإن تكن الأسماء على أثر ذلك فقد سعدت بكم أمّكم، تسمّوا بأبي أنتم، قال أحدهم: أنا عطيّة، وقال الآخر: أنا كرامة، وقال الآخر: أنا عبد الواسع، وقال الآخر: أنا فضيلة، فأنشأ يقول: كرم وبذل واسع وعطيّة ... لا أين أذهب أنتم أعين الكرم من كان بين فضيلة وكرامة ... لا ريب يفقؤ أعين العدم قال: فكسوه وأحسنوا إليه وانصرف شاكرا) * «4» . 16- * (قال أبو سليمان الدّارانيّ: «جلساء الرّحمن يوم القيامة من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر» ) * «5» . 17- * (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: «اعلم أنّ الكريم يجتزى بالكرامة واللّطف، واللّئيم يجتزى بالمهانة والعنف، فلا يجود إلّا خوفا، ولا يجيب إلّا عنفا، كما قال الشّاعر: رأيتك مثل الجوز يمنع لبّه ... صحيحا ويعطي خيره حين يكسر فاحذر أن تكون المهانة طريقا إلى اجتدائك، والخوف سبيلا إلى عطائك، فيجري عليك سفه الطّغام، وامتهان اللّئام، وليكن جودك كرما ورغبة، لا لؤما ورهبة» ) * «6» . 18- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم، حتّى إنّ ذلك عامّة ما تمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن، ثمّ قال: ولمّا كان صلاح بني آدم لا يكون في دينهم ودنياهم إلّا بالشّجاعة والكرم، بيّن الله سبحانه أنّه من تولّى عنه بترك الجهاد بنفسه أبدل الله به من يقوم بذلك، ومن تولّى عنه بإنفاق ماله أبدل الله به من يقوم بذلك. فقال: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ   (1) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (108) . (2) الإحياء (3/ 261) . (3) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (12) . (4) المنتقى من مكارم الأخلاق، للخرائطي (135) . (5) عدة الصابرين (144) . (6) أدب الدنيا والدين (243- 244) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3234 الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (محمد/ 38) . ثمّ قال رحمه الله: وبالشّجاعة والكرم في سبيل الله فضّل الله السّابقين، فقال: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى (الحديد/ 10) . وقد ذكر الجهاد بالنّفس والمال في سبيله ومدحه في غير آية من كتابه، وذلك هو الشّجاعة والسّماحة في طاعته- سبحانه- وطاعة رسوله» ) * «1» . 19- * (قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: «لا يقال للرّجل كريم حتّى يظهر ذلك منه، ولمّا كان أكرم الأفعال ما يقصد به أشرف الوجوه، وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى، وإنّما يحصل ذلك من المتّقي. قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ وكلّ فائق في بابه يقال له كريم» ) * «2» . 20- * (قال الشّيخ محمّد بن محمّد الغزّيّ رحمه الله تعالى-: «من آداب العشرة إيثار الإخوان بالكرامة على نفسه. ثمّ قال: قال أبو عثمان: من عاشر النّاس ولم يكرمهم، وتكبّر عليهم فذلك لقلّة رأيه وعقله، فإنّه يعادي صديقه ويكرّم عدوّه، فإنّ إخوانه في الله أصدقاؤه، ونفسه عدوّه» ) * «3» . 21- * (قال بعض الشّعراء: ليس الكريم الّذي إن زلّ صاحبه ... بثّ الّذي كان من أسراره علما إنّ الكريم الّذي تبقى مودّته ... ويحفظ السّرّ إن صافى وإن صرما) * «4» من فوائد (الكرم) (1) من كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) دليل حسن الظّنّ بالله تعالى (3) الكرامة في الدّنيا ورفع الذّكر في الآخرة. (4) الكريم محبوب من الخالق الكريم وقريب من الخلق أجمعين. (5) الكريم قليل الأعداء والخصوم لأنّ خيره منشور على العموم. (6) الكريم نفعه متعدّ غير مقصور. (7) حسن ثناء النّاس عليه. (8) دليل عراقة الأصل. (9) يبعث على التّكافل الاجتماعيّ والتّوادّ بين النّاس. (10) هو صفة كمال في الإنسان. (11) دليل زهد الإنسان في الدّنيا. (12) هو موافق للفطرة الصّحيحة لذلك كان العرب يتمادحون به. (13) الكرم يزيد البركة فى الرّزق والعمر.   (1) انتهى باختصار من الاستقامة (2/ 263- 270) . (2) الفتح (10/ 457) . (3) آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة لأبي البركات محمد الغزي (21) . (4) آداب العشرة، للغزي (23) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3235 كظم الغيظ الكظم لغة: مصدر قولهم كظم يكظم وهو مشتقّ من مادّة (ك ظ م) ، الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على معنى واحد هو الإمساك والجمع للشّيء، ومن ذلك الكظم للغيظ الّذي يعني: اجتراع الغيظ والإمساك عن إبدائه، وكأنّه يجمعه الكاظم في جوفه، والكظوم: السّكوت، والكظوم: إمساك البعير عن الجرّة، والكظم: مخرج النّفس، لأنّه كأنّه منع نفسه أن يخرج، والكظائم خروق تحفر يجري فيها الماء من بئر إلى بئر، وإنّما سمّيت كظامة لإمساكها الماء، ويقال: كظمت الغيظ كظما وكظوما من باب ضرب، ومعناه: أمسكت على ما في نفسك منه على صفح أو غيظ. وكذلك معناه: تجرّعه واحتمل سببه وربّما قيل فيه كظمت على الغيظ، وكظمني الغيظ فأنا كظيم. ومكظوم، كما يقال: الغيظ مكظوم، وقوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ (آل عمران/ 134) معناه: الحابسين الغيظ أي لا يجازون عليه «1» . واصطلاحا: قال المناويّ: الكظم: الإمساك على ما في النّفس من صفح أو غيظ «2» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 16/ 11 الغيظ لغة: مصدر قولهم: غاظه يغيظه، وهو مأخوذ من مادّة (غ ي ظ) الّتي تدلّ على معنى واحد هو «كرب يلحق الإنسان من غيره» يقال: غاظني يغيظني، وقد غظتني يا هذا، ويقال في الوصف رجل غائظ. وقال الجوهريّ: الغيظ: غضب كامن للعاجز، يقال غاظه فهو مغيظ، ولا يقال: أغاظه. وقالت قتيلة بنت النّضر: ما كان ضرّك لو مننت وربّما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق وجاء فى اللّسان: الغيظ: الغضب، وقيل هو أشدّ منه، وقيل: هو سورته وأوّله، يقال: غاظه فاغتاظ، وغيّظه فتغيّظ، والتّغيّظ والاغتياظ، وفي حديث أمّ زرع: وغيظ جارتها، لأنّها ترى من حسنها ما يغيظها، وفي الحديث: أغيظ الأسماء عند الله رجل تسمّى ب «ملك الأملاك» «3» . واصطلاحا: قال الكفويّ: الغيظ تغيّر يلحق المغتاظ، وذلك لا يصحّ إلّا على الأجسام كالضّحك والبكاء ونحوهما «4» .   (1) لسان العرب (7/ 3886- 1887) . والصحاح (5/ 2022- 2023) . والمصباح المنير (534) ومقاييس اللغة (5/ 184) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (282) . (3) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 405) ، والصحاح (3/ 1176) . (4) الكليات للكفوي (671) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3236 وقال المناويّ: الغيظ: أشدّ الغضب، وهو الحرارة الّتي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه، وقيل: هو الغضب المحيط بالكبد، وهو أشدّ الحنق «1» . كظم الغيظ اصطلاحا: لقد ذكرت كتب الاصطلاح كلّا من الغيظ والكظم على حدة، وقد تكفّل المفسّرون ببيان المراد من ذلك، فقال الطّبريّ: الكاظمين الغيظ: يعني الجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، يقال: كظم فلان غيظه: إذا تجرّعه فحفظ نفسه أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه باستمكانها ممّن غاظها وانتصارها ممّن ظلمها «2» . وقال النّيسابوريّ: كظم غيظه: يعني: سكت عليه ولم يظهره لا بقول ولا بفعل، كأنّه كتمه على امتلائه وردّه في جوفه، وكفّ غضبه (الشّديد) عن الإمضاء، وهذا قسم من أقسام الصّبر والحلم «3» . وقال القرطبيّ: كظم الغيظ: ردّه في الجوف، والسّكوت عليه وعدم إظهاره مع قدرة الكاظم على الإيقاع بعدوّه «4» . وقال ابن عطيّة: كظم الغيظ: ردّه في الجوف إذا كاد أن يخرج من كثرته فضبطه ومنعه «5» . الفرق بين الغيظ والغضب: قال القاضي أبو محمّد عبد الحقّ بن غالب بن عطيّة الأندلسيّ (صاحب التّفسير المشهور) : الغيظ أصل الغضب، وكثيرا ما يتلازمان، ولذلك فسّر بعض النّاس الغيظ بالغضب قال: وليس تحرير الأمر كذلك. بل الغيظ فعل النّفس لا يظهر على الجوارح، والغضب حال لها معه ظهور في الجوارح وفعل ما لا بدّ، ولهذا جاز إسناد الغضب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم. ولا يسند إليه تعالى غيظ. والكظم من أعظم العبادة وجهاد النّفس. وقال الكفوىّ: الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه، والغيظ تغيّر يلحق المغتاظ، ولهذا لا يوصف الله تعالى بالغيظ. وقال القرطبيّ: الغيظ أصل الغضب وكثيرا ما يتلازمان، لكن فرقان ما بينهما، أنّ الغيظ لا يظهر على الجوارح بخلاف الغضب فإنّه يظهر في الجوارح، مع فعل ما ولا بدّ، ولهذا جاء إسناد الغضب إلى الله تعالى «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الحلم- الرفق- الصفح- العفو- اللين- قوة الإرادة- العزم والعزيمة- الرجولة- مجاهدة النفس- الصمت وحفظ اللسان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغضب- الحمق العنف- الطيش- البذاءة- الانتقام- العجلة- السفاهة] .   (1) التوقيف على مهمات التعاريف (282) ، وفي المفردات للراغب (369) «الغيظ: أشد غضب وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه» (2) تفسير الطبري (4/ 61) . (3) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان (4/ 75) (منشور بهامش الطبري) . (4) الجامع لأحكام القرآن (4/ 133) . (5) المحرر الوجيز (3/ 233) . (6) المرجع السابق نفسه، والكليات للكفوي (671) ، والجامع لأحكام القرآن (4/ 133) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3237 الآيات الواردة في «كظم الغيظ» 1- * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «1» الآيات الواردة في «كظم الغيظ» معنى 2- وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) «2» 3- قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «3» 4- * قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) «4» 5- ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (86) «5»   (1) آل عمران: 133- 136 مدنية (2) النحل: 126- 127 مكية (3) يوسف: 17- 18 مكية (4) يوسف: 77 مكية (5) يوسف: 81- 86 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3238 الأحاديث الواردة في (كظم الغيظ) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! أيّ النّاس أحبّ إلى الله تعالى؟ وأيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ النّاس إلى الله تعالى أنفعهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله تعالى سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد- يعني مسجد المدينة- شهرا، ومن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتّى يتهيّأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام» ) * «1» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله» ) * «2» . 3- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّ بقوم يصطرعون، فقال: «ما هذا؟» قالوا: فلان، ما يصارع أحدا إلّا صرعه، قال: «أفلا أدلّكم على من هو أشدّ منه؟ رجل كلّمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه» ) * «3» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد وهو يقول بيده هكذا، فأومأ عبد الرّحمن بيده إلى الأرض: «من أنظر معسرا أو وضع عنه وقاه الله من فيح جهنّم، ألا إنّ عمل الجنّة حزن «4» بربوة (ثلاثا) ، ألا إنّ عمل النّار سهل بشهوة، والسّعيد من وقي الفتن، وما من جرعة أحبّ إليّ من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلّا ملأ الله جوفه إيمانا» ) * «5» . 5- * (عن معاذ بن أنس عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله- عزّ وجلّ- على رؤوس الخلائق حتّى يخيّره من الحور ما شاء» ) * «6» .   (1) رواه الطبراني في الكبير (12/ 453) ، واللفظ له وذكره الشيخ الألباني في الصحيحة (2/ 608- 609) وعزاه كذلك لابن عساكر في التاريخ وقال: هذا إسناد ضعيف جدّا، ثم قال: ولكن رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وأبو إسحاق الزكي في الفوائد المنتخبة وابن عساكر بأسانيد وهذا إسناد حسن. (2) ابن ماجه (4189) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأحمد (2/ 128) برقم (6116) . وقال الشيخ أحمد شاكر (8/ 295) : إسناده صحيح. (3) ذكره الحافظ في الفتح (10/ 535) في شرح حديث رقم (6116) وقال: رواه البزار بسند حسن. والحديث في كشف الأستار (2/ 439) برقم (2053) . (4) الحزن: المكان الغليظ الخشن. (5) أحمد نسخة الشيخ أحمد شاكر (5/ 9- 10) حديث رقم (3017) . وقال ابن كثير في التفسير (1/ 406) : انفرد به أحمد وإسناده حسن ليس فيه مجروح ومتنه حسن. (6) الترمذي (2021) ، وأبو داود (4777) واللفظ له، وابن ماجه (4186)) وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (8/ 443) وقال محققه: وخرجه أيضا الطبراني وأبو نعيم وهو حديث حسن. قال ابن كثير (1/ 406) : رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ونقل تحسين الترمذي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3239 الأحاديث الواردة في (كظم الغيظ) معنى 6- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلّا فليضطجع» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أوصني: قال: «لا تغضب» فردّد مرارا، قال: «لا تغضب» ) * «2» . 8- * (عن سليمان بن صرد- رضي الله عنه- أنّه قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل أحدهما تحمرّ عيناه وتنتفخ أوداجه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الّذي يجد: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» فقال الرّجل: وهل ترى بي من جنون) * «3» . 9- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تعدّون الرّقوب «4» فيكم؟» قال: قلنا: الّذي لا يولد له. قال: «ليس ذاك بالرّقوب، ولكنّه الرّجل الّذي لم يقدّم من ولده شيئا» قال: «فما تعدّون الصّرعة فيكم؟» قالوا: الّذي لا يصرعه الرّجال. قال: «ليس بذلك ولكنّه الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «5» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «6» . 11- * (عن أبي برزة- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت عند أبي بكر- رضي الله عنه- فتغيّظ على رجل فاشتدّ عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أضرب عنقه؟. قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فأرسل إليّ فقال: «ما الّذي قلت آنفا؟» . قلت: ائذن لي أضرب عنقه، قال: «أكنت فاعلا لو أمرتك؟» . قلت: نعم. قال: «لا والله! ما كانت لبشر بعد محمّد صلّى الله عليه وسلّم» . قال أبو داود: هذا لفظ يزيد، قال أحمد بن حنبل: أي لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلا إلّا بإحدى ثلاث الّتي قالها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، وكان للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يقتل) * «7» . 12- * (قال أبو وائل القاصّ: دخلنا على عروة بن محمّد بن السّعديّ فكلّمه رجل فأغضبه، فقام فتوضّأ ثمّ رجع وقد توضّأ فقال: حدّثني أبي عن   (1) رواه أبو داود (4782) واللفظ له، وأحمد (5/ 152) ، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول، وقال محققه (8/ 440) : إسناده حسن. (2) البخاري- الفتح 10 (6116) . (3) البخاري- الفتح 10 (6115) ، ومسلم (2610) واللفظ له (4) الرقوب: أصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد. ومعنى الحديث: إنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده وليس هو كذلك شرعا بل هو من لم يمت أحد من أولاده في حياته فيحتسبه ويكتب له ثواب مصيبته به وثواب صبره عليه. (5) رواه مسلم (2608) . (6) البخاري- الفتح 10 (6114) ومسلم (2609) متفق عليه. (7) أبو داود (4363) وهذا لفظه، والنسائي (7/ 109) . وصححه الألباني في صحيح النسائي (3/ 854) برقم (3801) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3240 جدّي عطيّة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الغضب من الشّيطان، وإنّ الشّيطان خلق من النّار، وإنّما تطفأ النّار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضّأ) * «1» . 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي «2» ، فأذن لها. فقالت: يا رسول الله! إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. وأنا ساكتة.. قالت عائشة: فأرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهي الّتي كانت تساميني منهنّ في المنزلة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم أر امرأة قطّ خيرا في الدّين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرّحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، وتقرّب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدّ «3» كانت فيها، تسرع منها الفيئة. قالت: فاستأذنت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع عائشة في مرطها. على الحالة الّتي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: يا رسول الله! إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت: ثمّ وقعت بي فاستطالت عليّ، وأنا أرقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها، قالت: فلم تبرح زينب حتّى عرفت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكره أن أنتصر. قالت: فلمّا وقعت بها لم أنشبها «4» حين أنحيت «5» عليها. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتبسّم: «إنّها ابنة أبي بكر» ) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (كظم الغيظ) 14- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه رداء نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجبذه «7» بردائه جبذة شديدة. نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد أثّرت بها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال: يا محمّد! مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «8» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ فقال: «لقد لقيت من قومك وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم   (1) أبو داود (4784) وهذا لفظه، وأحمد (4/ 226) ، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (8/ 439) وقال محققه: إسناده حسن. (2) مرطي: أي كسائي. (3) سورة: السورة الثوران وعجلة الغضب. (4) لم أنشبها: لم أمهلها. (5) أنحيت عليها: أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة. (6) البخاري- الفتح 5 (2581) ، ومسلم (2442) واللفظ له. (7) فجبذه: جبذ وجذب لغتان مشهورتان. (8) البخاري- الفتح 10 (6088) . ومسلم (1057) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3241 يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك. وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم» قال: «فناداني ملك الجبال وسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد إنّ الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربّك إليك لتأمرني بأمرك. فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين» . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «1» . 16- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم حنين آثر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله! إنّ هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأتيته فأخبرته. فقال: «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى. فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ) * «2» . من الآثار الواردة في (كظم الغيظ) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: من اتّقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون) * «3» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «قدم عيينة بن حصن بن حذيفة على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا أو شبّانا فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن الحرّ لعيينة، فأذن له عمر، فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فو الله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) وإنّ هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله» ) * «4» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3231) ، ومسلم (1795) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 6 (3150) واللفظ له، ومسلم (1062) . (3) مختصر منهاج القاصدين (182) ، والإحياء (3/ 176) . وفيه زيادة أنه رضي الله عنه قال لابنه: يا بني لا تذهب ماء وجهك بالمسألة ولا تشف غيظك بفضيحتك واعرف قدرك تنفعك معيشتك. (4) البخاري- الفتح 8 (4642) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3242 4- * (جاء غلام لأبي ذرّ- رضي الله عنه- وقد كسر رجل شاة له فقال له: من كسر رجل هذه؟ قال: أنا فعلته عمدا لأغيظك فتضربني فتأثم. فقال: لأغيظنّ من حرّضك على غيظي، فأعتقه) * «1» . 5- * (شتم رجل عديّ بن حاتم وهو ساكت، فلمّا فرغ من مقالته قال: إن كان بقي عندك شيء فقل قبل أن يأتي شباب الحيّ، فإنّهم إن سمعوك تقول هذا لسيّدهم لم يرضوا) * «2» . 6- * (قال محمّد بن كعب- رحمه الله تعالى-: ثلاث من كنّ فيه استكمل الإيمان بالله: إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحقّ، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له) * «3» . 7- * (قال رجل لوهب بن منبّه- رحمه الله تعالى-: «إنّ فلانا شتمك، فقال: ما وجد الشّيطان بريدا غيرك!» ) * «4» . 8- * (أمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل ثمّ قرأ قوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ فقال لغلامه: خلّ عنه) * «5» . 9- * (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: إنّ كظم الغيظ يحتاج إليه الإنسان إذا هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعوّد ذلك مدّة صار ذلك اعتيادا فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وحينئذ يوصف بالحلم) * «6» . 10- * (قال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه الله-: الكاظم إذا كظم لعجز عن التّشفّي في الحال رجع إلى الباطن، فاحتقن فيه فصار حقدا وعلامة ذلك دوام بغض الشّخص، واستثقاله والنّفور منه) * «7» . 11- * (وذكر ابن كثير- رحمه الله- من صفات أصحاب الجنّة عند تفسير قوله تعالى وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ إلى قوله: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ فقال: إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه وعفوا مع ذلك عمّن أساء إليهم) * «8» . 12- * (ذكر ابن كثير في سيرة عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- أنّ رجلا كلّمه يوما حتّى أغضبه فهمّ به عمر ثمّ أمسك نفسه ثمّ قال للرّجل: أردت أن يستفزّني الشّيطان بعزّة السّلطان فأنال منك ما تناله منّي غدا؟ قم عافاك الله، لا حاجة لنا في مقاولتك) * «9» .   (1) مختصر منهاج القاصدين (183) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) الإحياء (3/ 176) . (4) مختصر منهاج القاصدين (184) . (5) الإحياء (3/ 173) . (6) المرجع السابق (3/ 176) بتصرف. (7) مختصر منهاج القاصدين بتصرف يسير (185) . (8) تفسير ابن كثير (1/ 404) . (9) البداية والنهاية (9/ 210) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3243 من فوائد (كظم الغيظ) 1- كظم الغيظ دليل قوّة النّفس وقهر شهوة الغضب. 2- كظم الغيظ دليل تقوى الله وإيثار وعده بالجنّة. 3- كاظم الغيظ يأمنه النّاس فيألفونه ويقتربون منه ولا يتحاشونه. 4- كظم الغيظ يشيع بين النّاس جوّ الصّفاء والوداد والحبّ والإخاء. 5- كظم الغيظ دليل الصّبر والعفو. 6- فيه عظم الثّواب يوم العرض على ربّ الأرباب. 7- الجزاء من جنس العمل، من ضيّق على نفسه حين الغضب وسّع الله في ثوابه. 8- من كظم غيظا ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة 9- كظم الغيظ عاقبته سكن الإيمان في النّفس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3244 كفالة اليتيم الكفالة لغة: مصدر قولهم: كفل به يكفل كفالة، وهو مأخوذ من مادّة (ك ف ل) الّتي تدلّ على تضمّن الشّيء للشّيء. يقول ابن فارس: ومن الباب الكفيل وهو الضّامن، والكافل، وهو الّذي يكفل إنسانا يعوله «1» ، وقال صاحب البصائر: الكفالة: الضّمان. يقال: هو كافيه وكافله، وهو يكفيني ويكفلني: أي يعولني وينفق عليّ، وأكفلته إيّاه وكفّلته (بمعنى) ، وهو كفيل بنفسه وبماله.. والكافل: العائل والضّامن «2» ، والكافل (أيضا) الّذي لا يأكل أو يصل الصّيام، والجمع كفل وكفلاء. يقال: كفل بالرّجل يكفل كنصر ينصر، وكفل يكفل كضرب يضرب، وكفل يكفل ككرم يكرم، وكفل يكفل كعلم يعلم، والمصدر (من ذلك كلّه) كفلا وكفولة وكفالة «3» . وقال الآيات/ الأحاديث/ الآثار 22/ 19/ 25 الرّاغب: يقال: تكفّلت بكذا وكفّلته إيّاه، وقد قرئت الآية الكريمة: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا (آل عمران/ 37) بالتّشديد «كفّلها» وبالتّخفيف «كفلها» «4» فمن شدّد فعلى معنى كفّلها الله زكريّا (جعله كفيلا لها) ، ومن خفّف جعل الفعل لزكريّا والمعنى تضمّنها «5» ، قال قتادة أي ضمّها إليه، وقال أبو عبيدة: ضمن القيام بها، قال: ومن القبول الحسن والنّبات الحسن أن جعل الله تعالى كافلها والقيّم بأمرها وحفظها نبيّا، قيل: وإنّما كفلها زكريّا لأنّ أمّها هلكت وكان أبوها قد هلك وهي في بطن أمّها «6» . وقال ابن منظور: يقال: تكفّلت بالشّيء ومعناه (كما قال ابن الأنباريّ) ألزمته نفسي وأزلت عنه الضّيعة والذّهاب، وهو مأخوذ من الكفل، وهو ما يحفظ الرّاكب من خلفه، والكفل أيضا: النّصيب وهو   (1) مقاييس اللغة 5/ 187، والصحاح (كفل) . (2) بصائر ذوي التمييز (4/ 306) ، ويلاحظ هنا أن الفيروزآبادي قد جعل الكافل يشمل معنى الكفيل أيضا وهو الضّامن، وذلك يختلف عما قال به الجوهري وابن فارس. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) قرأ الكوفيون (حمزة- عاصم- الكسائي) بالتشديد، وباقي السبعة (أبو عمرو وابن عامر ونافع وابن كثير) بالتخفيف (البحر المحيط (2/ 460) . وعلى قراءة التخفيف (زكرياء) بالمد والرفع فاعل. (5) المفردات للراغب (656) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3245 مأخوذ من هذا، وفي حديث إبراهيم (النخعي) : لا تشرب من ثلمة الإناء ولا عروته فإنّها كفل الشّيطان أي مركبه لما يكون فيه من الأوساخ، والكفل من الرّجال: الّذي يكون في مؤخّر الحرب وهمّته في التّأخّر والفرار، والكفل (أيضا) الّذي لا يثبت على ظهور الخيل وجمعه أكفال، والكفل كذلك الحظّ والضّعف من الأجر أو الإثم «1» ، والكفل أيضا: المثل، وفي التّنزيل العزيز يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ (الحديد/ 28) ؛ قيل معناه: يؤتكم ضعفين، وقيل مثلين، وقيل حظّين، قال القرطبيّ: أي مثلين من الأجر على إيمانكم بعيسى ومحمّد عليهما الصّلاة والسّلام، وتأويله يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي كما يحفظ الكفل الرّاكب، وقيل أجر الدّنيا والآخرة «2» . وفي الحديث: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة، له ولغيره» الضّمير في له ولغيره راجع إلى الكافل أي أنّ اليتيم سواء كان الكافل من ذوي رحمه وأنسابه أو كان أجنبيّا لغيره، وقوله كهاتين إشارة إلى إصبعيه: السّبّابة والوسطى «3» . ومن ذلك أيضا ما جاء في الحديث: «الرّابّ كافل» الرّابّ: زوج أمّ اليتيم لأنّه يكفل تربيته ويقوم بأمره مع أمّه «4» ، والمكفول من كفل في صغره ومن ذلك حديث وفد هوازن «وأنت خير المكفولين» يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن الأثير: المراد خير من كفل في صغره، وأرضع وربّي حتّى نشأ، وكان صلّى الله عليه وسلّم مسترضعا في بني سعد «5» . اليتيم لغة: اليتيم في اللّغة اسم على وزن فعيل مأخوذ من قولهم: يتم الصّبيّ ييتم يتما ويتما، قال الجوهريّ: اليتيم في النّاس من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأمّ، يقال أيتمت المرأة فهي موتم أي صار أولادها أيتاما، وكلّ شيء مفرد يعزّ نظيره فهو يتيم، يقال: درّة يتيمة (تنبيها على أنّه قد انقطع مادّتها الّتي خرجت منها، ويقال بيت يتيم تشبيها بالدّرّة اليتيمة، وقولهم: يتّمهم الله أي جعلهم أيتاما «6» ، قال الفند الزّمّانيّ: بضرب فيه تأييم ... وتيتيم وإرنان «7» . وقال آخر يصف راميا أصاب أتانا (الأتان   (1) لسان العرب (11/ 588- 589) ط. بيروت. (2) تفسير القرطبي (17/ 266) . (3) النهاية لابن الأثير (4/) ، 192 (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) الصحاح (5/ 2064) . (7) التأييم: جعل المرأة أيّما والجمع أيامى: وهي من فقدت زوجها، والإرنان: صوت الشّهيق مع البكاء (انظر اللسان 13/ 186) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3246 أنثى الحمار) وأيتم أطفالها: فناط بها سهما شدادا غرارها ... وأيتمت الأطفال منها وجوبها «1» . وقال ابن منظور: اليتم: الانفراد، واليتيم الفرد، واليتم واليتم فقدان الأب، ولا يقال لمن فقد الأمّ من النّاس يتيم ولكن منقطع، وقيل يسمّى عجيّ، والّذي فقد أبويه هو اللّطيم، وقال ابن خالويه: ينبغي أن يكون اليتم في الطّير من قبل الأب والأمّ معا لأنّهما كليهما يزقّان فراخهما، وقال المفضّل: أصل اليتم الغفلة، وبه سمّي اليتيم يتيما لأنّه يتغافل عن برّه. وقال أبو عمرو: اليتم: الإبطاء ومنه أخذ اليتيم لأنّ البرّ يبطىء عنه، ويقال للمرأة يتيمة، ولا يزول عنها اسم اليتم أبدا، وقال أبو عبيدة: تدعى يتيمة ما لم تتزوّج فإذا تزوّجت زال عنها اسم اليتم. وأنشد المفضّل (الضّبّيّ) : أفاطم إنّي هالك فتثبّتي ... ولا تجزعي، كلّ النّساء يتيم وفي التّنزيل العزيز وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ (النساء/ 2) سمّوا يتامى بعد أن أونس منهم الرّشد «2» ، بالاسم الأوّل الّذي كان لهم قبل إيناسه منهم «3» . وقال ابن الأثير: وقد يطلق اليتم على الرّجل والمرأة بعد البلوغ كما كانوا يسمّون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو كبير: يتيم أبي طالب، لأنّه ربّاه بعد موت أبيه، ومن ذلك الحديث الشّريف «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها» أراد باليتيمة: البكر البالغة الّتي مات أبوها قبل بلوغها، فلزمها اسم اليتم فدعيت به وهي بالغة مجازا، وجاء في حديث الشّعبيّ: أنّ امرأة جاءت إليه فقالت: إنّي امرأة يتيمة، فضحك أصحابه، فقال: النّساء كلّهنّ يتامى أي ضعائف «4» . وقد لخّص التهانويّ ما قيل في أصناف اليتم عندما قال: اليتيم إنسان بلا أب، وحيوان بلا أمّ، وجوهر بلا نظير «5» . كفالة اليتيم اصطلاحا: قال ابن حجر: كافل اليتيم: أي القيّم بأمره ومصالحه «6» ، وقال صاحب القاموس الفقهيّ: كافل اليتيم: هو القائم بأمر اليتيم المربّي له «7» ، وإذا كان   (1) مقاييس اللغة (6/ 154) ، وبصائر ذوي التمييز (5/ 380) . (2) يشير هنا إلى قوله سبحانه في نفس السورة في الآية السادسة فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ. (3) لسان العرب (12/ 645) . (4) النهاية لابن الأثير (5/ 292) . (5) كشاف اصطلاحات الفنون (6/ 1544) ، وقد قمنا بترجمة عبارته من الفارسية إلى العربية (البركاوي) . (6) فتح الباري (10/ 451) . (7) القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب (322) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3247 اليتيم شرعا هو الصّغير الّذي فقد أباه «1» ، فإنّ كفالة اليتيم حينئذ تكون: القيام بأمر الطّفل الصّغير ورعاية مصالحه وتربيته والإحسان إليه حتّى يبلغ مبلغ الرّجال إن كان ذكرا أو تتزوّج إن كان بنتا. كفالة اليتيم ترقق القلب: لقد كان عليه الصّلاة والسّلام في نور نبوّته، وجلال رحمته يضمّ إصبعيه السّبّابة والوسطى، ويقول: «أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين» ويقول: «امسح رأس اليتيم ... » «2» . إنّه إنسان مقرور يهرؤه فقد الحنان، امسح رأسه، اقترب منه، ابتسم له، طيّب خاطره، أدخل البهجة على روحه الظّامئة، بكلمة، بلمسة، ببسمة، إنّ العلاقات الإنسانيّة تحقّق كلّ مجد لها حين تضفي على هذا اليتيم المحروم من حنانها ودفئها «3» . محمد صلّى الله عليه وسلّم خير المكفولين: في سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ما تطيب به خواطر اليتامى في كلّ زمان ومكان فقد توفّي والده قبل أن يولد ونشأ في كفالة جدّه عبد المطّلب يلقى من الرّعاية والعناية ما يعوّضه عن فقد أبيه، يقول ابن إسحاق: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع جدّه عبد المطّلب بن هاشم، وكان يوضع لعبد المطّلب فراش في ظلّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك، حتّى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، قال: (ابن إسحاق) : فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتي وهو غلام جفر، حتّى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه، ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطّلب إذا رأى منهم ذلك: دعوا ابني، فو الله، إنّ له لشأنا، ثمّ يجلسه معه على الفراش، ويمسح ظهره بيده، ويسرّه ما يراه يصنع «4» . وبعد أن توفّي عبد المطّلب وعمره صلّى الله عليه وسلّم قد جاوز الثّماني سنوات بقليل، انتقلت كفالته- أخذا بوصيّة جدّه- إلى عمّه الشّقيق أبي طالب «5» ، فنهض أبو طالب بحقّ ابن أخيه على أكمل وجه وضمّه إلى ولده، وقدّمه عليهم واختصّه بفضل احترام وتقدير، فكان لا ينام إلّا وهو إلى جواره ويصطحبه معه ما أمكنته الصّحبة «6» . لقد كانت العرب تعرف ذلك وتحدّث به، وتعرف من وفاء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمن قام بكفالته ما جعل خطيب وفد هوازن يخاطبه مستشفعا في أموال هوازن ونسائها قائلا: يا رسول الله: إنّما في الحظائر عمّاتك   (1) القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب (322) ، ويقصد بالصغر عدم بلوغ الحلم في الذكور وعدم الزواج في الإناث. (2) انظر الحديث رقم (1) ورقم (6) . (3) كما تحدث الرسول- للأستاذ خالد محمد خالد (2/ 204- 205) . (4) السيرة النبوية لابن هشام (1/ 194) . (5) انظر: خاتم النبيين للشيخ أبي زهرة (1/ 166) ، والرحيق المختوم للمباركفوري (66) ، وقارن بالمراجع التي ذكرت هناك. (6) المرجعان السابقان نفسهما، والصفحات نفسها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3248 وخالاتك وحواضنك اللّاتي كنّ يكفلنك ... وأنت خير المكفولين. وما كان من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن وفّى لمن كفله وقام برعايته حقّ كافليه قائلا: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم» «1» ، وهكذا كان صلّى الله عليه وسلّم مضرب المثل في الوفاء والعرفان بالجميل. [للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- البر- التعاون على البر والتقوى- تكريم الإنسان- تفريج الكربات- المواساة- العطف- الكرم- الحنان- الشفقة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- القسوة- الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون- القسوة] .   (1) انظر قصة وفد هوازن وما كان من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم، سيرة ابن هشام (4/ 128) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3249 الآيات الواردة في «كفالة اليتيم» 1- * إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) «1» 2- وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) «2» 3- * وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) «3» الآيات الواردة في «كفالة اليتيم» معنى أولا: الإحسان إلى اليتامى من البر: 4- * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «4»   (1) آل عمران: 33- 37 مدنية (2) آل عمران: 42- 44 مدنية (3) القصص: 12- 13 مكية (4) البقرة: 177 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3250 ثانيا: أمر الله- عز وجل- بالإحسان إلى اليتامى وإصلاح أحوالهم: 5- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «1» 6- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «2» 7- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «3» 8- وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) «4» 9- * وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «5» ثالثا: حق اليتامى في أموال الغنائم والفيء: 10- * وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) «6» 11- ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ   (1) البقرة: 83 مدنية (2) البقرة: 110 مدنية (3) البقرة: 219- 220 مدنية (4) النساء: 8- 10 مدنية (5) النساء: 36 مدنية (6) الأنفال: 41 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3251 مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7) «1» رابعا: إكرام الله عز وجل لليتامى ونعيه على من لم يكرمهم: 12- وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) «2» 13- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) «3» 14- وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) «4» 15- أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7) «5» خامسا: الإقساط إلى اليتامى وعدم ظلمهم: 16- وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) «6» 17- وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) «7»   (1) الحشر: 7 مدنية (2) الكهف: 82 مكية (3) الفجر: 15- 20 مكية (4) الضحى: 1- 11 مكية (5) الماعون: 1- 7 مكية (6) النساء: 2 مدنية (7) النساء: 5 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3252 18- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) «1» 19- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) «2» 20- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) «3» سادسا: جزاء إكرام اليتيم: 21- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) «4» 22- فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) «5»   (1) النساء: 127 مدنية (2) الأنعام: 152 مكية (3) الإسراء: 34 مكية (4) الإنسان: 5- 12 مدنية (5) البلد: 11- 18 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3253 الأحاديث الواردة في (كفالة اليتيم) 1- * (عن سهل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا» وأشار بالسّبّابة «1» والوسطى وفرّج بينهما شيئا) * «2» . 2- * (عن أبي أمامة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلّا لله كان له بكلّ شعرة مرّت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنّة كهاتين» وفرّق بين أصبعيه السّبّابة والوسطى) * «3» . 3- * (عن زينب امرأة عبد الله- رضي الله عنهما- قالت: كنت في المسجد فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «تصدّقن ولو من حليّكنّ، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيجزي عنّي أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصّدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمرّ علينا بلال، فقلنا: سل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيجزي عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا لا تخبر بنا. فدخل فسأله، فقال: «من هما؟» قال: زينب. قال: «أيّ الزّيانب؟» قال: امرأة عبد الله. قال: «نعم، لها أجران «4» : أجر القرابة وأجر الصّدقة» ) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أحرّج «6» حقّ الضّعيفين اليتيم والمرأة» ) * «7» . 5- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله، ألي أجر أن أنفق على بني أبي سلمة؟ إنّما هم بنيّ. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أنفقي عليهم، فلك أجر ما أنفقت عليهم» ) * «8» .   (1) وفي رواية الكشميهني «بالسباحة» وهما بمعنى والسباحة: هي الأصبع التي تلي الإبهام، سميّت بذلك لأنها يسبّح بها في الصلاة، فيشار في التشهّد لذلك، وهي السبابة أيضا لأنها يسبّ بها الشيطان حينئذ. (2) البخاري- الفتح 9 (5304) ، 10 (6005) واللفظ له، ومسلم (2983) ولفظه: «كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار مالك بالسبابة والوسطى.. ومعنى قوله «له أو لغيره» الذي له: أن يكون قريبا له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته، وغيرهم من أقاربه. والذي لغيره أن يكون أجنبيا. (3) أحمد (5/ 250) ، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 190) : رواه أبو داود باختصار ورواه أحمد ورجاله رجال صحيح. (4) ولها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة: أي أجر صلة الرحم وأجر منفعة الصدقة. (5) البخاري- الفتح 5 (1466) واللفظ له، ومسلم (1000) . (6) أحرج: المعنى: أحرج عن هذا الإثم، بمعنى أن يضيّع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيدا. قاله النووي. (7) أحمد (2/ 439) ، وابن ماجة برقم (3678) في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. (8) البخاري- الفتح 3 (1467) واللفظ له، ومسلم (1001) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3254 6- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال: «إنّ ممّا أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها» . فقال رجل: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشّرّ؟ فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقيل له: ما شأنك تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يكلّمك؟ فرأينا أنّه ينزل عليه. قال: فمسح عنه الرّحضاء فقال: «أين السّائل؟» - وكأنّه حمده- فقال: «إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ، إلّا آكلة الخضراء، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها استقبلت عين الشّمس فثلطت وبالت ورتعت. وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل- أو كما قال صلّى الله عليه وسلّم- وإنّ من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة» ) * «1» . 7- * (عن السّائب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جيء بي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة- جاء بي عثمان بن عفّان وزهير- فجعلوا يثنون عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعلموني به، قد كان صاحبي في الجاهليّة» . قال: قال نعم يا رسول الله، فنعم الصّاحب كنت. قال: فقال: «يا سائب: انظر أخلاقك الّتي كنت تصنعها في الجاهليّة فاجعلها في الإسلام: اقر الضّيف، وأكرم اليتيم، وأحسن إلى جارك» ) * «2» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير نساء ركبن الإبل «3» (قال أحدهما: صالح نساء قريش. وقال الآخر: نساء قريش) أحناه «4» على يتيم في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده «5» » ) * «6» . 9- * (عن المستورد القرشىّ، أنّه قال عن عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس» . فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: لئن قلت ذلك، إنّ فيهم لخصالا أربعا: إنّهم لأحلم النّاس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك) * «7» . 10- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: حفظت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى اللّيل» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1465) ، 6 (2842) . (2) أحمد (3/ 425) . وأبو داود (4836) وصححه الألباني (3/ 917) . (3) ركبن الإبل: أي نساء العرب، ولهذا قال أبو هريرة في الحديث: لم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط. والمقصود أن نساء قريش خير نساء العرب. (4) أحناه: أي أشفقه. والحانية على ولدها: التي تقوم عليهم بعد يتم فلا تتزوج. فإن تزوجت فليست بحانية. والمعنى: أحناهن. (5) ذات يده: أي شأنه المضاف إليه. (6) مسلم (2527) . (7) مسلم (2898) . (8) أبو داود (2873) ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني (7485) وفي إرواء الغليل (1231) . وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (11/ 642) : حسن بشواهده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3255 11- * (عن يزيد بن هرمز أنّ نجدة (بن عامر الحروريّ) «1» كتب إلى ابن عبّاس يسأله عن خمس خلال. فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علما ما كتبت إليه «2» . كتب إليه نجدة: أمّا بعد. فأخبرني هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغزو بالنّساء؟ وهل كان يضرب لهنّ بسهم؟ وهل كان يقتل الصّبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟. فكتب إليه ابن عبّاس: كتبت تسألني هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغزو بالنّساء؟ وقد كان يغزو بهنّ فيداوين الجرحى ويحذين «3» من الغنيمة. وأمّا بسهم فلم يضرب لهنّ. وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يقتل الصّبيان، فلا تقتل الصّبيان. وكتبت تسألني: متى ينقضي يتم اليتيم «4» فلعمري إنّ الرّجل لتنبت لحيته وإنّه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها. فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ «5» النّاس فقد ذهب عنه اليتم. وكتبت تسألني عن الخمس «6» لمن هو؟ وإنّا كنّا نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا ذاك «7» ) * «8» . 12- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي فقير ليس لي شيء، ولي يتيم. قال، فقال: «كل من مال يتيمك «9» غير مسرف، ولا مباذر، ولا متأثّل «10» » ) * «11» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات» . قالوا: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات «12» المؤمنات الغافلات» ) * «13» . 14- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أباذرّ، إنّي أراك ضعيفا، وإنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، لا تأمّرنّ على اثنين،   (1) هو من الخوارج. (2) لولا أن أكتم علما ما كتبت إليه: يعني أن ابن عباس يكرهه لبدعته، وهي كونه من الخوارج الذين يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة. ولكن لما سأله عن العلم لم يمكنه كتمه فاضطر إلى جوابه. (3) يحذين: أى يعطين الحذوة وهي العطية، وتسمّى الرضخ وهو العطية القليلة. (4) متى ينقضي يتم اليتيم: أي متى ينتهي حكم يتمه. أما نفس اليتيم فإنه ينقضي بالبلوغ. (5) فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ: أي فإذا صار حافظا لماله، عارفا بوجوه أخذه وعطائه. (6) الخمس: أي خمس الغنيمة الذي جعله الله لذوي القربى. (7) فأبى علينا قومنا ذاك: أي أن ولاة أمرنا من بني أمية رأوا أنه لا يتعيّن صرفه إلينا، بل في المصالح. (8) مسلم (1812) . (9) كل من مال يتيمك: حملوه على ما يستحقه من الأجرة، بسبب ما يعمل فيه ويصلح له. (10) متأثل: أي متخذ منه أصل مال للتجارة ونحوها. وقال ابن الأثير: أي غير جامع. (11) أبو داود (2872) ؛ والنسائي (3668) ولفظهما واحد؛ وابن ماجة (2718) ، وأحمد (2/ 186،) 215، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (12) المحصنات: العفائف. (13) البخاري- الفتح 5 (2766) واللفظ له؛ ومسلم برقم (145) وفي روايته قدّم «أكل مال اليتيم» على «أكل الربا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3256 ولا تولّينّ مال يتيم» ) * «1» . 15- * (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّه سأل عائشة- رضي الله عنها- عن قول الله تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (النساء/ 3) فقالت: يابن أختي! هي اليتيمة تكون في حجر وليّها، تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ ويبلغوا بهنّ أعلى سنّتهنّ من الصّداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ. قال عروة: قالت عائشة: ثمّ إنّ النّاس استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية، فأنزل الله وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ- إلى قوله- وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ والّذي ذكر الله أنّه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى الّتي قال فيها وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يعني هي رغبة أحدكم ليتيمته الّتي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها من يتامى النّساء إلّا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ» ) * «2» . 16- * (عن ابن عبّاس قال: لمّا أنزل الله وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الإسراء/ 34) وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى (النساء/ 10) الآيتين: انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشّيء من طعامه فيجلس له حتّى يأكله أو يفسد فيرمي به، فاشتدّ ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ... الآية. فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم) * «3» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كانت عند أمّ سليم يتيمة، وهي أمّ أنس «4» . فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليتيمة فقال: «آنت هيه؟ لقد كبرت، لا كبر سنّك» فرجعت اليتيمة إلى أمّ سليم تبكي. فقالت أمّ سليم: مالك يا بنيّة؟! قالت الجارية: دعا عليّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا يكبر سنّي. فالآن لا يكبر سنّي أبدا. أو قالت قرني «5» . فخرجت أمّ سليم مستعجلة تلوث خمارها «6» . حتّى لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) أخرجه مسلم (1826) ، والنسائي برقم (3667) ؛ قال القرطبي: «قوله (ضعيفا) أي عن القيام بما يتعين على الأمير من مراعاة مصالح الرعية الدنيوية والدينية، ووجه ضعفه عن ذلك أن الغالب عليه كان الزهد واحتقار الدنيا، ومن هذا حاله لا يعتني بمصالح الدنيا ولا أموالها اللذين بمراعاتهما تنتظم مصالح الدين ويتم أمره ... » . (2) البخاري- الفتح 5 (2494) واللفظ له، ومسلم (3018) . (3) أبو داود (2871) ، والنسائي (3669) . (4) أم أنس: يعني أم سليم. (5) قرني: السن والقرن واحد. (6) تلوث خمارها: أي تديره على رأسها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3257 فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مالك يا أمّ سليم!» فقالت: يا نبيّ الله، أدعوت على يتيمتي؟. قال: «وما ذاك يا أمّ سليم؟» قالت: زعمت أنّك دعوت أن لا يكبر سنّها ولا يكبر قرنها. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «يا أمّ سليم، أما تعلمين أنّ شرطي على ربّي، أنّي اشترطت على ربّي فقلت: إنّما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر. وأغضب كما يغضب البشر. فأيّما أحد دعوت عليه من أمّتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقرّبه بها منه يوم القيامة» ) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (كفالة اليتيم) 18- * (عن عمران بن حصين قال: كنت مع نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم في مسير له فأدلجنا ليلتنا. حتّى إذا كان في وجه الصّبح عرّسنا، فغلبتنا أعيننا حتّى بزغت الشّمس. قال: فكان أوّل من استيقظ منّا أبو بكر، وكنّا لا نوقظ نبّيّ الله صلّى الله عليه وسلّم من منامه إذا نام حتّى يستيقظ، ثمّ استيقظ عمر، فقام عند نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يكبّر ويرفع صوته بالتّكبير حتّى استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا رفع رأسه ورأى الشّمس قد بزغت قال: «ارتحلوا» فسار بنا، حتّى إذا ابيضّت الشّمس، نزل فصلّى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يصلّ معنا، فلمّا انصرف قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا فلان، ما منعك أن تصلّي معنا؟» قال: يا نبيّ الله، أصابتني جنابة، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتيمّم بالصّعيد، فصلّى، ثمّ عجّلني في ركب بين يديه، نطلب الماء، وقد عطشنا عطشا شديدا. فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة «2» . رجليها بين مزادتين «3» . فقلنا لها: أين الماء؟ قالت: أيهاه. أيهاه «4» . لا ماء لكم. قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة. قلنا: انطلقي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: ومن رسول الله؟ فلم نملّكها من أمرها شيئا «5» . حتّى انطلقنا بها، فاستقبلنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألها فأخبرته مثل الّذي أخبرتنا، وأخبرته أنّها موتمة «6» ، لها صبيان أيتام. فأمر براويتها «7» ،   (1) مسلم (2603) . (2) سادلة: أي مرسلة مدلية. (3) مزادتين: المزادة: أكبر من القربة، والمزادتان: حمل بعير، وسميت مزادة لأنه يزاد فيها من جلد آخر من غيرها. (4) أيهاه. أيهاه: بمعنى هيهات. هيهات، ومعناها البعد عن المطلوب واليأس منه. (5) لم نملكها من أمرها شيئا: أي لم نخلها وشأنها حتى تملك أمرها. (6) موتمة: أي ذات أيتام. (7) براويتها: الراوية هي الجمل الذي يحمل الماء وقد يسمّى مزادة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3258 فأنيخت، فمجّ في العزلاوين العلياوين «1» ، ثمّ بعث براويتها، فشربنا، ونحن أربعون رجلا عطاش حتّى روينا. وملأنا كلّ قربة معنا وإداوة، وغسلنا صاحبنا «2» ، غير أنّا لم نسق بعيرا، وهي تكاد تنضرج «3» . من الماء (يعني المزادتين) ثمّ قال: «هاتوا ما كان عندكم» فجمعنا لها من كسر «4» وتمر، وصرّ لها صرّة «5» ، فقال لها: «اذهبي فأطعمي هذا عيالك، واعلمي أنّا لم نرزأ «6» من مائك» . فلمّا أتت أهلها قالت: لقد لقيت أسحر البشر. أو إنّه لنبيّ كما زعم. كان من أمره ذيت وذيت «7» . فهدى الله ذاك الصّرم «8» بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا» ) * «9» . 19- * (عن عبد الله بن جعفر قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: «فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة ... » وفيه: أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه» قالها ثلاث مرار. قال (أي عبد الله بن جعفر) فجاءت أمّنا فذكرت له يتمنا، وجعلت تفرح له، فقال: العيلة تخافين عليهم وأنا وليّهم في الدّنيا والآخرة؟» ) * «10» .   (1) فمج في العزلاوين العلياوين: المج: زرق الماء بالفم. والعزلاء: هو المثعب الأسفل للمزادة الذي يفرغ منه الماء، ويطلق أيضا على فمها الأعلى. (2) وغسلنا صاحبنا: يعني الجنب، أعطيناه ما يغتسل به. (3) تنضرج من الماء: أي تنشق. (4) كسر: جمع كسرة وهي القطعة من الشيء المكسور. (5) وصرّ لها صرة: أي شد ما جمعه لها في لفافة. (6) لم نرزأ: لم ننقص من مائك شيئا. (7) ذيت وذيت: بمعنى كيت وكيت وكذا وكذا. (8) الصرم: أبيات مجتمعة. (9) البخاري- الفتح 6 (3571) ، ومسلم (682) واللفظ له. (10) أحمد (1/ 204، 205) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح؛ وهو في مجمع الزوائد (6/ 156- 157) ، وقال: روى أبو داود وغيره بعضه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3259 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (كفالة اليتيم) 1- * (قال ابن بطّال: حقّ على من سمع هذا الحديث- يعني قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم-: «أنا وكافل اليتيم الحديث» - أن يعمل به ليكون رفيق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الجنّة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك) * «1» . 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: إنّي أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة وليّ اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن احتجت أخذت منه بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت) * «2» . 3- * (جاء رجل إلى ابن عبّاس فقال: «إنّ في حجري أيتاما، وإنّ لهم إبلا فماذا يحلّ لى من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالّتها، وتهنا جرباها، وتلوط حوضها، وتسعى عليها فاشرب غير مضرّ بنسل ولا ناهك في الحلب) * «3» . 4- * (عن ابن عبّاس قال: إنّ ناسا يزعمون أنّ هذه الآية نسخت وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ ... (النساء/ 8) الآية. ولا والله ما نسخت، ولكنّه ممّا تهاون به النّاس، هما واليان: وال يرث فذاك الّذي يرزق ويكسو، ووال ليس بوارث فذاك الّذي يقول قولا معروفا. يقول: إنّه مال يتيم وماله فيه شيء) * «4» . 5- * (وعن ابن عبّاس في هذه الآية قال: أمر الله المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم وأيتامهم ومساكينهم من الوصيّة إن كان أوصى لهم، فإن لم يكن لهم وصيّة وصل إليهم من مواريثهم) * «5» . 6- * (عن ابن عبّاس في قوله تعالى: ... وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ... الآية. قال: وليّ اليتيم إن كان غنيّا فليستعفف، وإن كان فقيرا أخذ من فضل اللّبن وأخذ بالقوت لا يجاوزه، وما يستر عورته من الثّياب، فإن أيسر قضاه، وإن أعسر فهو في حلّ) * «6» . 7- * (وعن ابن عبّاس في هذه الآية أيضا قال: إن كان غنيّا فلا يحلّ له أن يأكل من مال اليتيم شيئا، وإن كان فقيرا فليستقرض منه، فإذا وجد ميسرة فليعطه ما استقرض منه فذلك أكله بالمعروف) * «7» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت في قوله تعالى: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ أنزلت في وليّ اليتيم أن يصيب من ماله إذا كان محتاجا بقدر ماله بالمعروف) * «8» .   (1) الفتح (10/ 451) . (2) الدر المنثور (4/) 436 وانظر: «التفسير المأثور عن عمر ابن الخطاب» جمع وتعليق إبراهيم بن حسن (ط. الدار العربية للكتاب (277) . (3) الدر المنثور (4/) 437 (4) المرجع السابق (4/ 440) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق (4/ 436) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) البخاري- الفتح (5/ 460) ، واللفظ له، ومسلم (3019) ولفظه (ولي اليتيم) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3260 9- * (قال ابن الجوزيّ في قوله تعالى: ... وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ في الأكل بالمعروف أربعة أقوال: أحدها: أنّه الأخذ على وجه القرض، وهو مرويّ عن عمر، وابن عبّاس، وابن جبير، وأبي العالية، وعبيدة، وأبي وائل، ومجاهد، ومقاتل. والثّاني: الأكل بمقدار الحاجة من غير إسراف، وهذا مرويّ عن ابن عبّاس والحسن وعكرمة وعطاء والنّخعيّ وقتادة والسّدّيّ. والثّالث: أنّه الأخذ بقدر الأجرة إذا عمل لليتيم عملا. روي عن ابن عبّاس وعائشة. والرّابع: أنّه الأخذ عند الضّرورة فإن أيسر قضاه، وإن لم يوسر فهو في حلّ. وهذا قول الشّعبيّ) * «1» . 10- * (عن نافع قال: ما ردّ ابن عمر على أحد وصيّته. وكان ابن سيرين أحبّ الأشياء إليه في مال اليتيم أن يجتمع إليه نصحاؤه وأولياؤه فينظروا الّذي هو خير له. وكان طاوس إذا سئل عن شيء من أمر اليتامى قرأ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ. وقال عطاء في يتامى الصّغير والكبير: ينفق الوليّ على كلّ إنسان بقدره من حصّته) * «2» . 11- * (عن الضّحاك عن ابن عبّاس في قوله تعالى: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أي يدفعه عن حقّه) * «3» . 12- * (وقال قتادة في الآية السّابقة يدعّ اليتيم: يقهره ويظلمه) * «4» . 13- * (عن سعيد بن جبير قال: بعث الله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم والنّاس على أمر جاهليّتهم إلّا أن يؤمروا بشيء وينهوا عنه، فكانوا يسألون عن اليتامى ولم يكن للنّساء عدد ولا ذكر، فأنزل الله وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ الآية. وكان الرّجل يتزوّج ما شاء فقال: كما تخافون أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا في النّساء أن لا تعدلوا فيهنّ، فقصرهم على الأربع) * «5» . 14- * (قال الشّنقيطيّ في قوله تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى الآية: ويؤخذ من هذه الآية الكريمة- أيضا- أنّ من كان في حجره يتيمة لا يجوز له نكاحها إلّا بتوفيته حقوقها كاملة، وأنّه يجوز نكاح أربع، ويحرم الزّيادة عليها، كما دلّ على ذلك أيضا إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف الضّالّ) * «6» . 15- * (عن سعيد بن جبير قال: إنّ رجلا من غطفان، كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلمّا بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عنه، فخاصمه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم   (1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (2/ 16) وابن حجر في الفتح (5/ 461) . (2) البخاري- الفتح 5 (2767) . (3) القرطبي (20/ 211) . (4) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (5) الدر المنثور (4/) ، 428 (6) أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (4/ 369) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3261 فنزلت وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ يعني الأوصياء، يقول: أعطوا اليتامى أموالهم، وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ يقول: لا تتبدّلوا الحرام من أموال النّاس بالحلال من أموالكم. يقول: لا تبذّروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام) * «1» . 16- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. اليتيم: هو من قول العرب: درّة يتيمة، إذا لم يكن لها مثل، فمجاز الآية: ألم يجدك واحدا في شرفك لا نظير لك، فآواك الله بأصحاب يحفظونك ويحوطونك) * «2» . 17- * (قال مجاهد في قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (الضحى/ 9) : لا تحتقره. وقال ابن سلام: لا تستذلّه. وقال سفيان: لا تظلمه بتضييع ماله. وقال الفرّاء: لا تمنعه حقّه. والقهر: هو التّسليط بما يؤذي) * «3» . 18- * (وقال القرطبيّ في تفسير الآية السّابقة: أي لا تسلّط عليه بالظّلم، ادفع إليه حقّه، واذكر يتمك. قال: وخصّ اليتيم؛ لأنّه لا ناصر له غير الله تعالى، فغلّظ فى أمره، بتغليظ العقوبة على ظالمه ... ودلّت الآية على اللّطف باليتيم، وبرّه والإحسان إليه، حتّى قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرّحيم) * «4» . 19- * (قال أبو حيّان في قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى/ 9- 11) : ويظهر أنّه لمّا تقدّم ذكر الامتنان عليه صلّى الله عليه وسلّم بذكر الثّلاثة أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى * وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى أمره بثلاثة: فذكر اليتيم أوّلا، وهي البادية، ثمّ ذكر السّائل ثانيا وهو العائل، وكان أشرف ما امتنّ به عليه هي الهداية) * «5» . 20- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (الماعون/ 1- 2) يقول تعالى أرأيت يا محمّد الّذي يكذّب بالدّين وهو المعاد والجزاء والثّواب فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أي هو الّذي يقهر اليتيم ويظلمه حقّه، ولا يطعمه، ولا يحسن إليه) * «6» . 21- * (قال القرطبيّ في تفسير سورة الماعون: نزلت في العاص بن وائل السّهميّ، وقيل: في رجل من المنافقين، وقيل: في الوليد بن المغيرة، وقيل: في أبي جهل، وقيل: في عمرو بن عائذ. وقال ابن جريج، نزلت في أبي سفيان، وكان ينحر في كلّ أسبوع جزورا، فطلب منه يتيم شيئا فقرعه بعصاه، فأنزل الله هذه السّورة) * «7» . 22- * (قال أبو حيّان في قوله تعالى: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ*   (1) الدر المنثور (4/ 425) . (2) تفسير القرطبي (20/ 96) . (3) البحر المحيط (8/ 482) . (4) تفسير القرطبي (20/ 100) . (5) البحر المحيط (4/ 482) . (6) تفسير ابن كثير (4/ 592) . (7) تفسير القرطبي (20/ 210) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3262 وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا* وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (الفجر 17- 20) : (كلّا) ردع للإنسان عن قولهم، ثمّ قال: بل هنا شرّ من هذا القول، وهو أنّ الله تعالى يكرمهم بكثرة المال فلا يؤدّون فيه ما يلزمهم من إكرام اليتيم بالتّفقّد والمبرّة، وحضّ أهله على إطعام المسكين، ويأكلونه أكل الأنعام، ويحبّونه فيشحّون به) * «1» . 23- * (قال أبو حيّان: قال المفسّرون في قوله تعالى: ... وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا ... الآية (آل عمران/ 37) : إنّ حنّة حين ولدت مريم لفّتها في خرقة وحملتها إلى المسجد فوضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة، فقالت لهم: دونكم هذه النّذيرة، فتنافسوا فيها، لأنّها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم، فقال لهم زكريّا: «أنا أحقّ بها، عندي خالتها» ، فقالوا: لا، حتّى نقترع عليها، فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر، قيل: هو نهر الأردنّ، وهو قول الجمهور، وقيل: في عين ماء كانت هناك فألقوا فيه أقلامهم فارتفع قلم زكريّا، ورسبت أقلامهم فتكفّلها، قيل: واسترضع لها، وقال الحسن: لم تلتقم ثديا قطّ، وقال عكرمة: ألقوا أقلامهم فجرى قلم زكريّا عكس جرية الماء، ومضت أقلامهم مع جرية الماء، وقيل: عامت مع الماء معروضة وبقي قلم زكريّا واقفا كأنّما ركز في طين. قال ابن اسحاق: إنّ زكريّا كان تزوّج خالتها، لأنّه وعمران كانا سلفين على أختين، ولدت امرأة زكريّا يحيى، وولدت امرأة عمران مريم. وقال السّدّيّ وغيره: كان زكريّا تزوّج ابنة أخرى لعمران، ويعضّد هذا القول قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في يحيى وعيسى «ابنا الخالة» وقيل: إنّما كفلها لأنّ أمّها هلكت، وكان أبوها قد هلك وهي في بطن أمّها) * «2» . 24- * (قيل لمحمّد بن جعفر الصّادق: لم أوتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أبويه؟ فقال: لئلّا يكون لمخلوق عليه حق) * «3» . 25- * (قال النّيسابوريّ: قال أهل التّحقيق: الحكمة في يتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يعرف قدر الأيتام، فيقوم بأمرهم، وأن يكرم اليتيم المشارك له في الاسم) * «4» .   (1) البحر المحيط (8/ 466) . (2) تفسير الطبري المجلد الثالث (3/ 163، 164) ، والقرطبي (4/ 71) ، والبحر المحيط (2/ 460) والنص منه. (3) تفسير القرطبي (20/ 96) . (4) غرائب القرآن ورغائب الفرقان- بهامش تفسير الطبري (30/ 111) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3263 من فوائد (كفالة اليتيم) (1) صحبة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في الجنّة، وكفى بذلك شرفا وفخرا. (2) كفالة اليتيم صدقة يضاعف لها الأجر إن كانت على الأقرباء (أجر الصّدقة وأجر القرابة) . (3) كفالة اليتيم والإنفاق عليه دليل طبع سليم وفطرة نقيّة. (4) كفالة اليتيم والمسح على رأسه وتطييب خاطره يرقّق القلب ويزيل عنه القسوة. (5) كفالة اليتيم تعود على الكافل بالخير العميم في الدّنيا فضلا عن الآخرة. (6) كفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهيّة، وتسوده روح المحبّة والودّ. (7) في إكرام اليتيم والقيام بأمره إكرام لمن شارك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صفة اليتم، وفي هذا دليل على محبّته صلّى الله عليه وسلّم. (8) كفالة اليتيم تزكي المال وتطهّره وتجعله نعم الصّاحب للمسلم. (9) كفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة الّتي أقرّها الإسلام وامتدح أهلها «1» . (10) كفالة اليتيم دليل على صلاح المرأة إذا مات زوجها فعالت أولادها وخيريّتها في الدّنيا وفوزها بالجنّة ومصاحبة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في الآخرة. (11) في كفالة اليتيم بركة تحلّ على الكافل وتزيد من رزقه.   (1) انظر الحديث رقم (9) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3264 الكلم الطيّب الكلم لغة: جمع كلمة «1» ، وقيل: اسم جنس جمعيّ «2» ، واحده كلمة أمّا الكلام فهو اسم جنس إفراديّ يقع على القليل والكثير، وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ك ل م) الّتي تدلّ على معنيين أصليّين: الأوّل: نطق مفهم، والآخر: الجرح. ومن الأوّل: الكلام، تقول: كلّمته تكليما، وهو كليمي إذا كلّمك أو كلّمته. قال ابن فارس: ثمّ يتّسعون فيسمّون اللّفظة الواحدة المفهمة كلمة، والقصّة كلمة، والقصيدة بطولها كلمة، ويجمعون الكلمة كلمات وكلما، ومن الأصل الآخر قولهم: الكلم الجرح، والكلام الجراحات، وجمع الكلم كلوم، ورجل كليم (مجروح) ، والجمع كلمى «3» . وقد أرجع بعض العلماء معنى الكلام إلى معنى الجرح، وفي ذلك يقول ابن الجوزيّ: الكلام الّذي هو قول من هذا (أي من معنى الجرح) وإنّما سمّي بذلك الآيات/ الأحاديث/ الآثار 74/ 18/ 51 لأنّه يشقّ الأسماع بوصوله إليها كما يشقّ الكلم الّذي هو الجرح الجلد واللّحم، وقيل: سمّي بذلك لتشقيقه المعاني المطلوبة من أنواع الخطاب وأقسامه «4» . وقد جمع الرّاغب بين المعنيين (القول والجرح) في أمر واحد هو التّأثير عندما قال: تدلّ المادّة على التّأثير المدرك بإحدى الحاسّتين السّمع أو البصر، فالكلام والكلمة ونحوهما يدرك بحاسّة السّمع والكلم أي الجرح يدرك بحاسّة البصر «5» . وقال الجوهريّ: الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، أمّا الكلم فلا يكون أقلّ من ثلاث كلمات، ولهذا قال سيبويه: هذا باب علم ما الكلم من العربيّة «6» ، ولم يقل ما الكلام، فجاء بما لا يكون إلّا جمعا. وحكى الفرّاء في الكلمة ثلاث لغات: كلمة (وهي لغة الحجاز) وكلمة (وهي لغة تميم) ، وكلمة (لبعض العرب) ، وذلك مثل كبد، وكبد وكبد، والفعل من ذلك: كلّمته تكليما وكلّاما مثل: كذّبته تكذيبا وكذّابا، وتكلّمت كلمة وبكلمة «7» ، وكالمته إذا جاوبته، وتكالمنا بعد التّهاجر. يقال: كانا متصارمين فأصبحا   (1) ممّن قال بأنه جمع: الجوهري في الصحاح (5/ 2023) ، وابن فارس في المقاييس (5/ 121) . (2) ممّن قال بأنه اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالبا ابن هشام في أوضح المسالك (1/ 12) ، وابن عقيل في شرحه على الألفية (1/ 15) ، والفرق بين اسم الجنس الجمعي والإفرادي أنّ الأول يدلّ على أكثر من اثنين، أمّا الآخر فقد يدلّ على القليل والكثير وذلك مثل ماء- ذهب- كلام ... إلخ. (3) مقاييس اللغة (5/ 121) . (4) نزهة الأعين النواظر (523) . (5) المفردات للراغب (66) بتصرف يسير، وإلى مثل هذا ذهب الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز (4/ 376) . (6) انظر الكتاب لسيبويه- تحقيق عبد السلام هارون (1/ 6) . (7) يشير الجوهري بذلك إلى أنّ الفعل «تكلّم» يتعدّى بالباء وبنفسه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3265 يتكالمان، وقولهم ما أجد متكلّما أي موضع كلام، والكلمانيّ: المنطيق «1» ، وقد ذكر الفيروز آباديّ للكلام معاني عديدة فالكلام (عنده) : إمّا القول (مطلقا) ، أو ما كان مكتفيا بنفسه (وهو الجملة) ، أو الكلام: ما كان ألفاظا منظومة تحتها معان مجموعة «2» . وقد يستعمل الكلام في غير الإنسان كما في قول الشّاعر: فصبّحت والطّير لم تكلّم ... جابية حفّت بسيل مفعم قال ابن منظور: وكأنّ الكلام في هذا الاتّساع محمول على القول، ألا ترى إلى قلّة الكلام وكثرة القول «3» ، وقال أيضا: القرآن كلام الله، وكلم الله وكلماته وكلمته، وكلام الله لا يحدّ ولا يعدّ، وهو غير مخلوق، تعالى الله عمّا يقول المفترون علوّا كبيرا «4» ، وكلمات الله التّامّات، قال ابن الأثير: قيل: المراد بها القرآن، وإنّما وصف كلامه بالتّمام لأنّه لا يجوز في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام النّاس، وقيل معنى التّمام هنا أنّها تنفع المتعوّذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه، أمّا ما جاء في قوله: (سبحان الله عدد كلماته) فكلمات الله كلامه، وهو صفته، وصفاته تعالى لا تنحصر وذكر العدد هنا مبالغة في الكثرة، وقيل يحتمل أن يكون المراد عدد الأذكار، أو عدد الأجور على ذلك «5» . لفظ الكلمات في القرآن الكريم: ورد لفظ الكلمات في القرآن الكريم في سياقات عديدة ومعان مختلفة منها: 1- الكلمات الّتي ابتلى الله تعالى بها إبراهيم عليه السّلام، وهي الواردة في قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ (البقرة/ 124) ، وقد اختلف المفسّرون في المراد بها اختلافات كثيرة، فقيل المراد بها شرائع الإسلام، وهي ثلاثون سهما، عشرة منها في سورة براءة (التّوبة/ 112) وهي قوله عزّ وجلّ التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، وعشرة في (الأحزاب) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ إلى قوله تعالى أَجْراً عَظِيماً (الآية/ 35) ، وعشرة في (المومنون) من أوّلها إلى قوله سبحانه يُحافِظُونَ (الآيات/ 1- 9) . وسَأَلَ سائِلٌ (المعارج) الآيات 22/ 34 من أوّل قوله إِلَّا الْمُصَلِّينَ إلى قوله يُحافِظُونَ، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما-: ما ابتلى الله أحدا بهنّ فقام بها كلّها إلّا إبراهيم عليه السّلام، ابتلي بالإسلام فأتمّه فكتب الله له البراءة، وقال بعضهم: الكلمات (هنا) ما أمر به أو نهي عنه، وقيل ابتلي بذبح ابنه، وقال بعضهم: ابتلي بأداء الرّسالة، قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- والمعنى في ذلك متقارب «6» .   (1) الصحاح (5/ 2023) . (2) بتصرف عن بصائر ذوي التمييز (4/ 377) . (3) لسان العرب (12/ 523) . (4) النهاية (4/ 199، 1/ 197) . (5) المرجع السابق (4/ 198) . (6) تفسير القرطبي (2/ 9) ، وقد ذكر آراء أخرى، تنظر تفصيلا في الموضع المذكور. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3266 وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: اختلف في تعيين الكلمات، فقال قتادة عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- ابتلاه الله بالمناسك، وقيل بالطّهارة: خمس في الرّأس وخمس في الجسد، فأمّا الّتي في الرّأس فهي قصّ الشّارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسّواك، وفرق الرّأس، وأمّا الّتي في الجسد فتقليم الأظافر، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر البول والغائط بالماء (الاستنجاء) «1» . وقيل غير ذلك «2» . 2- الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه، وذلك قوله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة/ 37) ، قال الزّجّاج: المراد- والله أعلم- اعتراف آدم وحوّاء بالذّنب لأنّهما قالا: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (الأعراف/ 23) «3» . وقال الحسن: هي قوله: ألم تخلقني بيدك؟ ألم تسكنّي جنّتك؟ ألم تسجد لي ملائكتك؟ ألم تسبق رحمتك غضبك أرأيت إن تبت كنت معيدي إلى الجنّة؟ قال: نعم، وقيل هي الأمانة المعروضة على السّموات والأرض «4» . قال أبو حيّان: ومعنى تلقّي الكلمات: أخذها وقبولها، أو الفهم، أو الفطانة، أو الإلهام، أو التّعلّم، أو العمل بها «5» . 3- الكلمات بمعنى القرآن ومنه قول الله تعالى (في الأعراف/ 158) يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ «6» . 4- الكلمات بمعنى علم الله وعجائبه، ومن ذلك قوله سبحانه (في الكهف/ 109) قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي «7» . 5- الكلمات مرادا بها الدّين «8» ، وذلك قوله عزّ وجلّ (في الأنعام/ 115) لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «9» . 6- الكلمات مرادا بها الحجج، وذلك قوله تعالى وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ (الشورى/ 24) «10» . لفظ الكلمة في القرآن الكريم: ذكر المفسّرون وعلماء الوجوه والنّظائر للكلمة في القرآن الكريم معاني عديدة منها: 1- الكلمة يراد بها «لا إله إلّا الله» وذلك كما في قوله تعالى: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا (التوبة/ 40) «11» .   (1) اقتصر ابن منظور في اللسان (12/ 524) ؛ وابن الجوزي في نزهة الأعين النواظر (524) على هذه الخصال العشر في تفسير معنى الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام. (2) تفسير ابن كثير (1/ 171) . (3) لسان العرب (12/ 524) . (4) بصائر ذوي التمييز (4/ 378) . (5) تفسير البحر المحيط (1/ 318) ، وقد ذكر آراء عديدة في معنى «الكلمات» التي تلقاها آدم، تنظر هناك. (6) بصائر ذوي التمييز (514) . (7) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (8) نزهة الأعين النواظر (525) . (9) قال الفيروزآبادي: عني بالكلمات هنا الآيات والمعجزات، ونبه بذلك إلى أن ما أرسل من الآيات تام وفيه بلاغ، وقيل ردّ لقولهم: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ (يونس/ 15) . وقيل: أريد بها الأحكام (بصائر ذوي التمييز 4/ 378- 379) . (10) بصائر ذوي التمييز (4/ 379) . (11) نزهة الأعين النواظر (525) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3267 2- الكلمة يراد بها قول «كن» ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ (النساء/ 171) «1» . 3- الكلمة يراد بها القضيّة وذلك كما في قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ (الأنعام/ 115) ، قال الفيروزآباديّ: وكلّ قضيّة تسمّى كلمة سواء كان ذلك مقالا أو فعالا، وفي هذا إشارة إلى نحو قوله عزّ وجلّ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (المائدة/ 3) . وقيل: إشارة إلى ما قاله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل ما خلق الله القلم فقال له: اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة» ، وقيل: الكلمة هي القرآن «2» . 4- الكلمة في قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ (الأعراف/ 137) ، هي قوله عزّ وجلّ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ (القصص/ 5) «3» . 5- الكلمة في قوله سبحانه وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (طه/ 129) يراد بها قوله سبحانه وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء/ 15) ، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: لولا الكلمة السّابقة من الله وهو أنّه لا يعذّب أحدا إلّا بعد قيام الحجّة عليه والأجل المسمّى الّذي ضربه الله لهؤلاء المكذّبين إلى مدّة معيّنة لجاءهم العذاب بغتة «4» . الكلم والكلام والكلمة اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الكلام: ما تضمّن كلمتين بالإسناد «5» (أي إسناد إحداهما إلى الأخرى) وذلك كما في قولنا: الله رحيم. والكلمة: هي اللّفظ الموضوع لمعنى مفرد «6» (كقولنا: محمّد، أسد ... إلخ) . وقال المناويّ: الكلام: إظهار ما في الباطن على الظّاهر لمن يشهد ذلك الظّاهر على نحو من أنحاء الإظهار، وهو في اصطلاح النّحاة: المعنى المركّب الّذي فيه الإسناد التّامّ، وعبّر عنه أيضا بأنّه ما تضمّن من الكلام إسنادا مفيدا مقصودا لذاته «7» . وقال ابن الجوزيّ: الكلام عند النّحويّين لا يطلق إلّا على المفيد فإن أوقعوه على غير المفيد قيّدوه بصفة فقالوا: كلام مهمل، وكلام متروك ... إلخ «8» . وقال ابن عقيل: الكلام: هو اللّفظ المفيد فائدة يحسن السّكوت عليها، ولا يتركّب إلّا من اسمين مثل: زيد قائم، أو اسم وفعل مثل قام زيد. وهو في اصطلاح اللّغويّين: اسم لكلّ ما يتكلّم به مفيدا كان أو غير مفيد. والكلم: ما تركّب من ثلاث كلمات فأكثر   (1) نزهة الأعين النواظر (525) . (2) بصائر ذوي التمييز (4/ 378) . (3) المرجع السابق (4/ 379) ، تفسير القرطبي (7/ 272) . (4) تفسير ابن كثير (3/ 178) ، وقال الفيروز آبادي: هذه الآية إشارة إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضته كلمته وأنه لا تبديل لكلماته، انظر بصائر ذوي التمييز (4/ 379) . (5) التعريفات (194) . (6) السابق، الصفحة نفسها، وانظر التوقيف على مهمات التعاريف (283) . (7) التوقيف على مهمات التعاريف (283) . (8) نزهة الأعين النواظر (523) ، قال ابن الجوزي: أمّا عند أهل اللغة فإنهم يطلقونه على المفيد وعلى غير المفيد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3268 (سواء أفاد أو لم يفد) «1» . وقال الكفويّ: الكلمة: تقع على واحد من الأنواع الثلاثة: الاسم والفعل والحرف وتقع على الألفاظ المنظومة والمعاني المجموعة، ولهذا استعملت في القضيّة والحكم والحجّة، وبجميع هذه المعاني ورد التّنزيل «2» ، ومن استعمالها في معنى الكلام كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا (التوبة/ 40) أي كلامه، ومن ذلك ما جاء في الحديث: «الكلمة الطّيّبة صدقة» أي الكلام. والكلمة (أيضا) لفظ بالقوّة أو بالفعل مستقلّ دالّ بجملته (أي بجملة حروفه) على معنى بالوضع «3» . والكلام: في اصطلاح الفقهاء: هو ما تركّب من حرفين فصاعدا، وعلى ذلك فالحرف الواحد ليس بكلام فلا يفسد الصّلاة، والحرفان يفسدانها ويشترط في الكلام القصد، ومن ثمّ لا يسمّى ما ينطق به النّائم والسّاهي وما تحكيه الحيوانات المعلّمة كلاما «4» . ثمّ قال- رحمه الله تعالى- والكلام في العرف: صوت مقتطع مفهوم يخرج من الفم، أمّا الكلام عند أهل الكلام (أي علماء التّوحيد) : ما يضادّ السّكوت سواء كان مركّبا أو لا، مفيدا فائدة تامّة أو لا «5» ، وهو عند أهل العروض: ما تضمّن كلمتين أو أكثر سواء حسن السّكوت عليه أو لا، مع الدّلالة على معنى صحيح. أمّا الكلم: فهو جنس الكلمة وحقّه أن يقع على الكثير والقليل ولكن غلب على الكثير ولم يقع إلّا على ما فوق الاثنين «6» . وأمّا التّكلّم: فهو استخراج اللّفظ من العدم إلى الوجود ويعدّى بنفسه (فيقال: تكلّمته) ، وبالباء (فيقال تكلّمت به) «7» . القول والكلام واللفظ: قال الكفويّ: القول والكلام واللّفظ من حيث أصل اللّغة بمعنى (واحد) يطلق على كلّ حرف من حروف المعجم (أي حروف المباني مثل الضّاد في ضرب مثلا) أو من حروف المعاني (مثل في ومن) ، وعلى أكثر من ذلك مفيدا كان أو لا، لكنّ القول اشتهر في المفيد، بخلاف اللّفظ، واشتهر الكلام في المركّب من جزءين فصاعدا، ولفظ القول يقع على الكلام التّامّ وعلى الكلمة الواحدة على سبيل الحقيقة، ولفظ الكلمة مختصّ بالمفرد «8» . وقال ابن عقيل: القول يعمّ الجميع أي الكلمة والكلام والكلم «9» . وقال أبو الفتح ابن جنّي: القول: كلّ ما مذل به اللّسان تامّا كان أو ناقصا «10» . وقال ابن الجوزيّ: القول والكلام واحد، قال: وقد فرّق قوم بين الكلام والقول فقالوا: كلّ كلام قول، وليس كلّ   (1) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (1/ 14، 15) . (2) انظر معاني الكلمة في القرآن الكريم في الفقرة السابقة، ويضاف إليها ما ذكره الكفويّ هنا من أن كلمة التقوى هي: «بسم الله الرحمن الرحيم» وأن الكلمة الباقية هي كلمة التوحيد. انظر الكليات للكفوي (4/ 98- 99) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) الكليات للكفوي (4/ 100) وقد أفاض- رحمه الله- في الحديث عن نوعي الكلام: النفسي والحسّي واختلاف علماء الكلام من معتزلة وغيرهم، واستقصاء ذلك ليس من أغراض هذه الموسوعة فلينظره هناك من أراد. (5) المرجع السابق (4/ 102) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق (2/ 107) . (8) الكليات (4/ 18) . (9) شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 16) . (10) الخصائص (1/ 17) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3269 قول كلاما، لأنّ الكلام ما أفاد والقول قد يفيد وقد لا يفيد وقد يطلق القول ويراد به الظّنّ «1» . لفظ القول في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ القول في القرآن الكريم على خمسة أوجه: أحدها: القرآن، ومنه قوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (الزمر/ 17- 18) . الثّاني: الشّهادتان، ومنه قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم/ 27) . الثّالث: السّابق في العلم، ومنه قوله تعالى: وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ... (السجدة/ 13) . الرّابع: العذاب، ومن ذلك قول الله تعالى: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ (النمل/ 82) . الخامس: نفس القول (أي الكلام مطلقا) ، ومنه قوله عزّ ومن قائل: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ (البقرة/ 59) . الطيب لغة واصطلاحا: الطّيّب في اللّغة ضدّ الخبيث ويختلف في الاصطلاح باختلاف ما يوصف به، فإذا وصف به المولى عزّ وجلّ أريد أنّه منزّه عن النّقائص مقدّس عن الآفات والعيوب، وإذا وصف به العبد مطلقا أريد به أنّه المتعرّي عن رذائل الخلق وقبائح الأعمال والمتحلّي بأضداد ذلك، وإذا وصف به الأموال أريد به كونه حلالا من خيار المال «2» ، قلت: وهو إذا وصفت به الأقوال أريد به كونها ممّا يطيب به صاحبها أمام مولاه لكونها ذكرا أو دعاء أو تلاوة للقرآن أو ممّا يستطيبها سامعها لكونها تحيّة أو نحوها ممّا يسعد الخاطر ويجلب السرّور. الكلم الطيب اصطلاحا: قال الكفويّ: الكلم الطّيّب: هو الذّكر والدّعاء وقراءة القرآن وعنه صلّى الله عليه وسلّم: «هو: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» «3» . وقال القرطبيّ: الكلم الطّيّب هو التوحيد الصّادر عن عقيدة طيّبة، وقيل هو التّحميد والتّمجيد وذكر الله ونحو ذلك «4» . ومن الكلم الطّيّب أيضا حديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم لأنّه يبلّغ عن الله- عزّ وجلّ- ويدعو إليه وقد قال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ (فصلت/ 33) وقد كان صلّى الله عليه وسلّم إمام الدّعاة إلى الله عزّ وجلّ، وقد أقسم الله عزّ وجلّ على أنّه صلّى الله عليه وسلّم مؤتمن على الوحي وذو قوّة على تبليغ الرّسالة فقال سبحانه: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ «5» (التكوير 19/ 22) . وقد دعا صلّى الله عليه وسلّم لمن سمع قوله الكريم فبلّغه إلى غيره فقال: «نضّر الله امرأ سمع   (1) نزهة الأعين النواظر (487) . (2) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (2/ 904) . (3) الكليات للكفوي (4/ 99) . (4) تفسير القرطبي (14/ 329) . (5) هذا أحد تفسيرين للآية الكريمة، وهناك تفسير آخر بأن المقصود بصاحب القول هو جبريل عليه السلام، انظر في هذين الرأيين، تفسير القرطبي ج 19 ص 236، وقد ورد التفسيران أيضا في الآية 40 من سورة الحاقة، انظر المرجع السابق 18/، 274 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3270 مقالتي فبلّغها» وقال أيضا: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا، فحفظه حتّى يبلّغه غيره» «1» . وقد أوتي صلّى الله عليه وسلّم جوامع الكلم واختصرت له الحكمة اختصارا «2» . أمّا الكلمة الطّيّبة: فهي قول «لا إله إلّا الله» وقيل: الإيمان «3» . وقال ابن كثير: الكلم الطّيّب: الذّكر والتّلاوة والدّعاء «4» . أمّا الطّيّب من القول فقد قيل فيه إنّه القرآن، وقيل لا إله إلّا الله، وقيل الأذكار المشروعة «5» ، ويؤخذ من تفسيره لآية النّور/ 26 الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ أنّ المراد الطّيّبات من القول للطّيّبين من الرّجال والطّيّبون من الرّجال للطّيّبات من القول، قال: نزلت في عائشة وأهل الإفك ووجهه أنّ الكلام القبيح أولى بأهل القبح من النّاس والكلام الطّيّب أولى بالطّيّبين من النّاس، فما نسبه أهل النّفاق إلى عائشة من كلام (خبيث) هم أولى به وهي أولى بالبراءة والنّزاهة منهم «6» . ونستطيع أن نستنبط من هذا التّفسير أنّ المراد بالكلم الطّيّب أو القول الطّيّب: ما يطيب به خاطر المؤمن من تبرئة ساحته ودفع الرّيبة عنه وأنّ هذا حقيق بالمؤمنين. أقسام الكلم الطيب: ينقسم الكلم الطّيّب تبعا لما جاء في التّفسير إلى ثلاثة أقسام: الأوّل: الذّكر والدّعاء وقراءة القرآن في الدّنيا، وتمجيد الله وتحميده وتسبيحه في الآخرة. الثّاني: كلام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكلّ كلام تضمّن الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ سواء أكان ذلك القول قرآنا أو حديثا الثّالث: ذلك الكلام الّذي يستطيبه السّامع، ويطيب به خاطره، وفي هذا المعنى فإنّ القول أو الكلم قد يوصف بالحسن وبالمعروف وبالكرم ونحو ذلك من الأوصاف الحميدة «7» . [للاستزادة: انظر صفات: إفشاء السلام- التفاؤل- تلاوة القرآن- الدعاء- الذكر- إقامة الشهادة- الأدب- الصدق- الرجاء- الاستغفار- الضراعة والتضرع- البشارة- القنوت. وفي ضد ذلك: انظر صفات: إفشاء السر- الإفك- البهتان- السخرية- الغيبة- الكذب- النميمة- السفاهة- التطير- شهادة الزور- البذاءة] .   (1) انظر ذلك بتفصيل أكثر في فضائل أقواله صلّى الله عليه وسلّم في الجزء الأول (المقدمة) ص 391 (2) انظر هذين الحديثين في صفة التبليغ ج 3 ص 889، ص 890 وقد ذكرنا تخريجهما هناك. (3) المرجع السابق (9/ 359) . (4) تفسير ابن كثير (3/ 557) . (5) المرجع السابق (3/ 223) ، وانطلاقا من ذلك أطلق الإمام ابن القيّم على كتابه في الأذكار «الوابل الصيب في الكلم الطيب» . (6) تفسير ابن كثير (3/ 288) . (7) انظر في ذلك الآيات الواردة في الكلم الطّيّب معنى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3271 الآيات الواردة في «الكلم الطيب» 1- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) «1» 2- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «2» 3- الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) «3» 4- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) «4» 5- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «5»   (1) إبراهيم: 24- 27 مكية (2) الحج: 23- 24 مدنية (3) النور: 26 مدنية. أثبتنا هذه الآية الكريمة هنا اعتمادا على ما قاله المفسرون من أن المراد بالطّيّبات: الطّيّبات من القول، انظر في ذلك تفسير القرطبي (12/ 211) وابن كثير (3/ 289) . (4) النور: 61 مدنية (5) فاطر: 10 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3272 الآيات الواردة في «الكلم الطيب» معنى* أولا: الكلم الطيب ذكرا أو دعاء أو دالّا على التوحيد: 6- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «1» 7- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «2» 8- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «3» 9- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9) «4» 10- الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) «5» 11- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)   * القرآن الكريم كله كلم طيب، وقد اقتصرنا على ما كان منه ذكرا أو دعاء أو دالا على التوحيد (وهو النوع الأول من الكلم الطيب) أو ما كان فيه تطييب لخاطر المؤمن (وهو النوع الثاني) . انظر أنواع الكلم الطيب في الفقرة السابقة. (1) البقرة: 155- 157 مدنية (2) البقرة: 250- 251 مدنية (3) البقرة: 285- 286 مدنية (4) آل عمران: 7- 9 مدنية (5) آل عمران: 16 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3273 وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «1» 12- الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «2» 13- وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) «3» 14- ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «4» 15- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «5» 16- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) «6» 17- * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) «7» 18- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) «8»   (1) آل عمران: 146- 148 مدنية (2) آل عمران: 173 مدنية (3) المائدة: 111 مدنية (4) المائدة: 117- 119 مدنية (5) الأعراف: 42- 43 مكية (6) الأعراف: 75 مكية (7) الأعراف: 117- 125 مكية (8) الأعراف: 172 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3274 19- وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) «1» 20- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «2» 21- فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «3» 22- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) «4» 23- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «5» 24- * وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «6» 25- * وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «7» 26- * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «8»   (1) التوبة: 58- 59 مدنية (2) التوبة: 128- 129 مدنية (3) يونس: 85- 86 مكية (4) هود: 45- 47 مكية (5) هود: 50- 52 مكية (6) هود: 61 مكية (7) هود: 84- 86 مكية (8) يوسف: 101 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3275 27- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «1» 28- وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) «2» 29- أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) «3» 30- وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) «4» 31- وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) «5» 32- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) «6» 33- قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) «7» 34- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)   (1) إبراهيم: 35- 41 مكية (2) الحجر: 51- 52 مكية (3) الكهف: 9- 10 مكية (4) الكهف: 14 مكية (5) الكهف: 39- 41 مكية (6) مريم: 1- 4 مكية (7) طه: 72- 73 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3276 وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «1» 35- وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) «2» 36- فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) «3» 37- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) «4» 38- وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) «5» 39- وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) «6» 40- وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) «7» 41- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) «8» 42- الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) «9» 43- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «10»   (1) الأنبياء: 87- 90 مكية (2) المؤمنون: 97- 98 مكية (3) الشعراء: 46- 50 مكية (4) النمل: 59 مكية (5) القصص: 53 مكية (6) الأحزاب: 22 مدنية (7) سبأ: 23 مكية (8) سبأ: 40- 41 مكية (9) فاطر 35- 36 مكية (10) الزمر: 73- 75 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3277 44- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) «1» 45- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «2» 46- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «3» 47- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «4» 48- قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30) «5» 49- قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) «6» 50- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) «7» 51- رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) «8» 52- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) «9»   (1) فصلت: 33- 35 مكية (2) الشورى: 15 مكية (3) الحشر: 10 مدنية (4) الممتحنة: 4- 5 مدنية (5) الملك: 29- 30 مكية (6) القلم: 28- 29 مكية (7) الإنسان: 23- 26 مدنية (8) النبأ: 37- 38 مكية (9) الكافرون: 1- 6 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3278 53- قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) «1» 54- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5) «2» 55- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) «3» ثانيا: الكلم الذي يستطيبه السامع ويسر منه: 56- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «4» 57- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «5» 58- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) «6» 59- أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً (63) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «7» 60- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ   (1) الإخلاص: 1- 4 مكية (2) الفلق: 1- 5 مكية (3) الناس: 1- 6 مكية (4) البقرة: 83 مدنية (5) البقرة: 235 مدنية (6) البقرة: 262- 263 مدنية (7) النساء: 63- 64 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3279 ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «1» 61- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «2» 62- وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) «3» 63- اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) «4» 64- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) «5» 65- الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «6» 66- وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) «7» ثالثا: جزاء الكلم الطيب: 67- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «8» 68- * وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) «9» 69- قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «10»   (1) النحل: 125 مكية (2) الإسراء: 23- 24 مكية (3) الإسراء: 28 مكية (4) طه: 42- 44 مكية (5) الفرقان: 63 مكية (6) الزمر: 18 مكية (7) الزخرف: 88- 89 مكية (8) المائدة: 83- 85 مدنية (9) النحل: 30- 32 مكية (10) المؤمنون: 108- 111 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3280 70- وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (76) «1» 71- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «2» 72- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) «3» 73- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) «4» 74- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (14) «5»   (1) الفرقان: 73- 76 مكية (2) القصص: 52- 55 مكية (3) الأحزاب: 69- 71 (4) فصلت: 30 مكية (5) الأحقاف: 13- 14 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3281 الأحاديث الواردة في (الكلم الطيب) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل» . قالوا: وما الفأل؟ قال: «كلمة طيّبة» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني، فأنبئني عن كلّ شيء. فقال: «كلّ شيء خلق من ماء» قال: فأنبئني بعمل إن عملت به دخلت الجنّة. قال: «أفش السّلام، وأطب الكلام، وصل الأرحام، وقم باللّيل والنّاس نيام تدخل الجنّة بسلام» ) * «2» . 3- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: بينا أنا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل، فقال: «يا عديّ، هل رأيت الحيرة؟» قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلّا الله- قلت فيما بيني وبين نفسي- فأين دعّار طيّيء الّذين قد سعّروا البلاد؟. «ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى» . قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «كسرى ابن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه. وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنّ: ألم أبعث إليك رسولا فيبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلّا جهنّم» . قال عديّ: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة فبكلمة طيّبة» . قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج ملء كفّه» ) * «3» . 4- * (وعن عديّ بن حاتم (أيضا) قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا النّار» ، ثمّ أعرض وأشاح «4» ، ثمّ قال: «اتّقوا النّار» ، ثمّ أعرض وأشاح ثلاثا حتّى ظننّا أنّه ينظر إليها، ثمّ قال: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيّبة» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) البخاري- الفتح 10 (5776) . ومسلم (2224) . (2) أحمد (2/ 493) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 104) : إسناده صحيح. (3) البخاري- الفتح 3 (1413) ، 6 (3595) واللفظ له، ومسلم (1016) (4) أشاح: أي أظهر الحذر منها، وقيل: أشاح بوجهه عن الشيء: نحاه عنه. وقيل: أشاح: أي صد وانكمش، وقيل: صرف وجهه كالخائف أن تناله. (5) البخاري- الفتح 11 (6540، 6563) واللفظ له،، ومسلم (1016) ، وأحمد (4/، 256) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3282 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى «1» من النّاس عليه صدقة كلّ يوم تطلع فيه الشّمس: يعدل بين الاثنين صدقة «2» ، ويعين الرّجل على دابّته فيحمل عليها- أو يرفع عليها متاعه- صدقة، والكلمة الطّيّبة صدقة، وكلّ خطوة يخطوها إلى الصّلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطّريق صدقة» ) * «3» . 6- * (عن سمرة (بن جندب) عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حدّثتكم حديثا فلا تزيدنّ عليه» ، وقال: «أربع من أطيب الكلام، وهنّ من القرآن، لا يضرّك بأيّهنّ بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر ... » الحديث) * «4» . 7- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام» . قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» قال: قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» . قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟ قال: «خلق حسن» . قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك- عزّ وجلّ-. قال: قلت: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه» . قال: قلت: أيّ السّاعات أفضل؟ قال: «جوف اللّيل الآخر، ثمّ الصّلاة المكتوبة مشهودة حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلّا الرّكعتين حتّى تصلّي الفجر، فإذا صلّيت صلاة الصّبح فأمسك عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس، فإذا طلعت الشّمس فإنّها تطلع في قرني شيطان، وإنّ الكفّار يصلّون لها» ) * «5» . 8- * (عن عبد الرّحمن بن عائش عن بعض أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج عليهم ذات غداة، وهو طيّب النّفس، مسفر الوجه- أو مشرق الوجه- فقلنا: يا رسول الله، إنّا نراك طيّب النّفس، مسفر الوجه- أو مشرق الوجه- فقال: «وما يمنعني وأتاني ربّى- عزّ وجلّ- اللّيلة في أحسن صورة، قال: يا محمّد، قلت: لبّيك ربّى وسعديك. قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري أي ربّ، قال ذلك مرّتين أو ثلاثا. قال: فوضع كفّيه بين كتفيّ فوجدت بردها بين ثدييّ حتّى تجلّى لي ما في السّموات وما في الأرض، ثمّ تلا هذه الآية: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (الأنعام/ 75) . ثمّ قال: يا محمّد،   (1) السّلامى: بضم السين وتخفيف اللام هو المفصل، وجمعه: سلاميات، بفتح الميم وتخفيف الياء. وفي القاموس: السلامى: كحبارى: عظام صغار طول الإصبع في اليد والرجل. (2) يعدل بين الاثنين صدقة: أي يصلح بينهما بالعدل. (3) البخاري- الفتح 6 (2989) واللفظ له، ومسلم (1009) . (4) مسلم (2137) ، وأحمد (5/ 11) واللفظ له، ولفظ مسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع: .... » ، وهي روآية أحمد أيضا في (5/ 10، 5/ 21) وفي (5/ 20) لفظه: «أفضل الكلام بعد القرآن أربع ... » ؛ وابن ماجة (3811) ولفظه: «أربع أفضل الكلام ... » . (5) أحمد (4/ 385) ، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 54) : رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب، وقد وثق على ضعف فيه. وأصله عند مسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3283 فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفّارات. قال: وما الكفّارات؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المسجد خلاف الصّلوات، وإبلاغ الوضوء في المكاره. قال: من فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمّه، ومن الدّرجات: طيب الكلام، وبذل السّلام، وإطعام الطّعام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام. قال: يا محمّد، إذا صلّيت فقل: اللهمّ إنّي أسألك الطّيّبات وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تتوب عليّ، وإذا أردت فتنة في النّاس فتوفّني غير مفتون» ) * «1» . الأحاديث الواردة في (الكلم الطيب) معنى 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيّب، ولا يصعد إلى الله إلّا الطّيّب، فإنّ الله يتقبّلها بيمينه ثمّ يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوّه حتّى تكون مثل الجبل» ) * «2» . 10- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفاه الله- عزّ وجلّ- لعباده: سبحان الله وبحمده» ) * «3» . 11- * (عن أبي طلحة- رضي الله عنه- قال: كنّا قعودا بالأفنية نتحدّث، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام علينا، فقال: «ما لكم ولمجالس الصّعدات «4» ؟ اجتنبوا مجالس الصّعدات» فقلنا: إنّما قعدنا لغير ما باس. قعدنا نتذاكر ونتحدّث. قال: «إمّا لا «5» فأدّوا حقّها: غضّ البصر، وردّ السّلام، وحسن الكلام» ) * «6» . 12- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» . فقال أبو موسى الأشعريّ: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن ألان الكلام، وأطعم الطّعام، وبات لله قائما والنّاس نيام» ) * «7» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان   (1) أحمد في المسند (4/ 66، 5/ 378) ، ورواه الترمذي (3235) من حديث معاذ بن جبل- رضي الله عنه- وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (2) البخاري- الفتح 31 (7430) واللفظ له؛ ومسلم (1015) . (3) أحمد (5/ 148) واللفظ له، والترمذي (3593) ولفظه «أي الكلام أحب إلى الله عزّ وجلّ ... » . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (4) الصعدات: هي الطرقات، واحدها صعيد كطريق. (5) إمّا لا: قال ابن الأثير: أصل هذه الكلمة: إن وما، فأدغمت النون في الميم، وما زائدة في اللفظ لا حكم لها. ومعناه هنا: إن لم تتركوها فأدوا حقها. (6) مسلم (2120) . (7) أحمد في المسند (2/ 173) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (10/ 420) وقال: رواه أحمد، ورجاله وثقوا، على ضعف في بعضهم. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 254) وقال: رواه الطبراني والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. وصححه ابن حبان (641) ، والحاكم (1/ 321) وصححه ووافقه الذهبي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3284 الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم» ) * «1» . 14- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: أخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عاقبة- أو قال في ثنيّة- قال: فلمّا علا عليها رجل نادى فرفع صوته لا إله إلّا الله والله أكبر. قال: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلته، قال: «فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا» . ثمّ قال: «يا أبا موسى- أو يا عبد الله- ألا أدلّك على كلمة من كنز الجنّة؟» قلت: بلى. قال: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «2» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك، حتّى يمسي. ولم يأت أحد أفضل ممّا جاء به إلّا أحد عمل أكثر من ذلك. ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة حطّت خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر» ) * «3» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان «4» ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن «5» : سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» ) * «6» . 17- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن كالأترجّة طعمها طيّب وريحها طيّب، والّذي لا يقرأ كالتّمرة طعمها طيّب ولا ريح لها. ومثل الفاجر الّذي يقرأ القرآن كمثل الرّيحانة ريحها طيّب وطعمها مرّ، ومثل الفاجر الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرّ ولا ريح لها» ) * «7» . 18- * (عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنهم- قال: قلت: يا رسول الله حدّثني بشيء يوجب لي الجنّة، قال: «موجب الجنّة: إطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، وحسن الكلام» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6478) . (2) البخاري- الفتح 11 (6409) واللفظ له، ومسلم (2704) . (3) البخاري- الفتح 11 (6403) ، ومسلم (2691) واللفظ له. (4) شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات فلا يشق عليه. وفي الحديث حث على المواظبة على هذا الذكر وتحريض على ملازمته، لأن جميع التكاليف شاقة على النفس، وهذا سهل ومع ذلك يثقل في الميزان كما تثقل الأفعال الشاقة فلا ينبغي التفريط فيه. (5) حبيبتان إلى الرحمن: المراد أن قائلها محبوب لله، وخص الرحمن من الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله، حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل. فتح الباري (11/ 212) . (6) البخاري- الفتح 11 (6406) ، مسلم (2694) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 13 (7560) . ومسلم (797) . (8) الترغيب والترهيب (3/ 423) ، قال المنذري: رواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما ثقات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3285 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الكلم الطيب) انظر المثل التطبيقي في صفات: تلاوة القرآن- الدعاء- الذكر من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الكلم الطيب) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً.. الآية (إبراهيم/ 24) قال: كلمة طيّبة شهادة أن لا إله إلّا الله كشجرة طيّبة وهو المؤمن) * «1» . 2- * (وقال مجاهد وابن جريج في الآية السّابقة: الكلمة الطّيّبة الإيمان. وعن الرّبيع بن أنس: هي المؤمن نفسه، قال القرطبيّ: يجوز أن يكون المعنى أصل الكلمة في قلب المؤمن وهو الإيمان، شبّهه بالنّخلة فى المنبت، وشبّه ارتفاع عمله في السّماء بارتفاع فروع النخلة، وثواب الله له بالثّمر) * «2» . 3- * (ونقل أبو حيّان قول بعضهم أنّ المراد بالكلمة الطّيّبة جميع الطّاعات أو القرآن، وقيل: هي دعوة الإسلام، وقيل هي الثّناء على الله تعالى، أو التّسبيح والتّنزيه) * «3» . 4- * (عن عطيّة العوفيّ في قوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً.. الآية (إبراهيم/ 24) قال: ذلك مثل المؤمن، لا يزال يخرج منه كلام طيّب وعمل صالح يصعد إليه، وقوله تعالى وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ قال: ذلك مثل الكافر، لا يصعد له كلم طيّب ولا عمل صالح) * «4» . 5- * (وعن عكرمة- رضي الله عنه- في قوله تعالى كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ قال: هي النخلة، لا يزال فيها شيء ينتفع به، إمّا ثمرة وإمّا حطب، قال: وكذلك الكلمة الطّيّبة، تنفع صاحبها في الدّنيا والآخرة) * «5» . 6- * (وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في قوله عزّ وجلّ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً.. الآية (إبراهيم/ 24) : شبّه سبحانه الكلمة الطّيّبة بالشّجرة الطّيّبة، لأنّ الكلمة الطّيّبة تثمر العمل الصّالح والشّجرة الطّيّبة تثمر الثّمر النّافع، وهذا ظاهر على قول جمهور المفسّرين الّذين يقولون: الكلمة الطّيّبة: هي شهادة ألّا إله إلّا الله، فإنّها تثمر جميع الأعمال الصّالحة، الظّاهرة والباطنة، فكلّ عمل صالح مرضيّ لله تعالى فهو ثمرة هذه الكلمة) * «6» . 7- * (وقال- رحمه الله تعالى- (أيضا) : أخبر   (1) تفسير الطبري (12/ 135) . (2) تفسير الطبري (9/ 359) ، وانظر أيضا البحر المحيط حيث نقل أبو حيان هذه الأقوال في (5/ 410) . (3) انظر في هذه الآراء في البحر المحيط (5/ 410) . (4) الدر المنثور (5/ 21) والتفسير القيّم لابن القيّم (329) ، وتفسير الطبري (12/ 136) . (5) الدر المنثور (5/ 23) . (6) التفسير القيّم (327) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3286 المولى عزّ وجلّ عن فضله وعدله في الفريقين: أصحاب الكلم الطّيّب، وأصحاب الكلم الخبيث، فأخبر أنّه يثبّت الّذين آمنوا بإيمانهم بالقول الثّابت أحوج ما يكونون إليه في الدّنيا والآخرة، وأنّه يضلّ الظّالمين وهم المشركون عن القول الثّابت، فأضلّ هؤلاء بعدله لظلمهم وثبّت المؤمنين بفضله لإيمانهم) * «1» . 8- * (عن أبي العالية في قوله تعالى وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ (الحج/ 24) قال: في الخصومة، إذ قالوا: الله مولانا ولا مولى لكم) * «2» . 9- * (وعن إسماعيل بن خالد في الآية السّابقة قال: الطّيّب من القول: القرآن) * «3» . 10- * (وعن الضّحّاك في نفس الآية قال: الطّيّب من القول هو الإخلاص) * «4» . 11- * (وعن ابن زيد في نفس الآية قال: القول الطّيّب: لا إله إلّا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلّا بالله، الّذي قال: إليه يصعد الكلم الطّيّب) * «5» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ: هو قولهم: الحمد لله الّذي صدقنا وعده، يلهمهم الله ذلك- أي في الآخرة-) * «6» . 13- * (وعنه- رضي الله عنه- (أيضا) : يريد بالطّيّب من القول: لا إله إلّا الله، والحمد لله) * «7» . 14- * (وقال القرطبيّ: وقيل: القرآن، ثمّ قيل: هذا في الدّنيا، هدوا إلى الشّهادة وقراءة القرآن، وقيل هدوا في الآخرة إلى الطّيّب من القول وهو الحمد لله لأنّهم يقولون غدا: الحمد لله الّذي أذهب عنّا الحزن، فليس في الجنّة لغو ولا كذب فما يقولونه فهو طيّب القول، وقيل: الطّيّب من القول ما يأتيهم من الله من البشارات الحسنة) * «8» . 15- * (وقال الطّبريّ في تفسير الآية السّابقة: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ: يعني هداهم ربّهم في الدّنيا إلى شهادة ألّا إله إلّا الله) * «9» . 16- * (وقال أبو حيّان في تفسير الآية الكريمة: إن كانت الهداية فى الدّنيا فهو قول لا إله إلّا الله والأقوال الطّيّبة من الأذكار وغيرها، وإن كان إخبارا عمّا يقع منهم في الآخرة فهو قولهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ   (1) المرجع السابق (332) . (2) الدر المنثور (6/ 24) ، وفي هذا إشارة إلى ما ردّ به المسلمون بإرشاد النبي صلّى الله عليه وسلّم على أبي سفيان بن حرب يوم وقعة أحد عندما قال: لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال المسلمون: الله مولانا ولا مولى لكم. (3) المرجع السابق (6/ 24) . (4) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، ويشير ابن زيد بذلك إلى قوله تعالى في سورة فاطر إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ... (الآية 10) ؛ وانظر تفسير الطبري (17/ 102) . (6) تفسير غرائب القرآن للنيسابوري (بهامش الطبري) (17/ 79) . (7) تفسير القرطبي (12/ 30) . (8) المرجع السابق (12/ 31) . (9) المرجع السابق (17/ 102) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3287 الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ (الزمر/ 74) ، وما أشبه ذلك من محاورة أهل الجنّة) * «1» . 17- * (وروى أبو حيّان عن الماورديّ أنّ القول الطّيّب هو الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر) * «2» . 18- * (وقال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ أي إلى القرآن، وقيل: لا إله إلّا الله، وقيل: الأذكار المشروعة) * «3» . 19- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ ... (النور/ 26) قال: والطّيّبات من الكلام للطّيّبين من النّاس والطّيّبون من النّاس للطّيّبات من الكلام. نزلت في الّذين قالوا في زوجة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما قالوا من البهتان) * «4» . 20- * (وعن قتادة- رضي الله عنه- في الآية السّابقة قال: والطّيّبات من القول والعمل للطّيّبين من النّاس والطّيّبون من النّاس للطّيّبات من القول والعمل) * «5» . 21- * (وعن عطاء- رضي الله عنه- في الآية السّابقة قال: والطّيّبات من القول للطّيّبين من النّاس. ألا ترى أنّك تسمع بالكلمة الخبيثة من الرّجل الصّالح فتقول: غفر الله لفلان ما هذا من خلقه، ولا من شيمه، ولا ممّا يقول، قال تعالى: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ أي لا يكون ذلك من شيمهم، ولا من أخلاقهم، ولكنّ الزّلل قد يكون) * «6» . 22- * (عن مجاهد- رحمه الله- في قول الله تعالى الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ ... الآية (النور/ 26) قال: الطّيّبات القول الطّيّب يخرج من الكافر والمؤمن فهو للمؤمن، والخبيثات القول الخبيث يخرج من المؤمن والكافر فهو للكافر، أولئك مبرّأون ممّا يقولون، وذلك أنّه برّأ كليهما ممّا ليس بحقّ من الكلام) * «7» . 23- * (وعن مجاهد (أيضا) في الآية السّابقة: الخبيثات والطّيّبات: القول الحسن والسّيّىء، للمؤمنين الحسن، وللكافرين السّيّىء، أولئك مبرّؤن ممّا يقولون، وذلك بأنّه ما قال الكافرون من كلمة طيّبة فهي للمؤمنين، وما قال المؤمنون من كلمة خبيثة فهي   (1) تفسير البحر المحيط (6/ 335) . (2) المرجع السابق (6/ 336) . (3) تفسير ابن كثير (3/ 223) . (4) تفسير الطبري (18/ 84، 85) ، وقد ذكر هذا التفسير عن كثير من التابعين؛ الدر المنثور (6/ 167) ، وقد نسب القرطبي في تفسيره (12/ 211) هذا القول لمجاهد وابن جبير وعطاء، ونقل عن أبي جعفر النحاس قوله: وهذا من أحسن ما قيل في هذه الآية، ودل على صحة هذا القول قوله سبحانه أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ أي عائشة وصفوان مما يقول الخبيثون والخبيثات. (5) الدر المنثور (6/ 167) ، وتفسير الطبري (18/ 85، 86) . (6) الدر المنثور (6/ 167) . (7) تفسير الطبري (18/ 89) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3288 للكافرين، وكلّ بريء ممّا ليس بحقّه من الكلام) * «1» . 24- * (وعن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى في الآية السّابقة أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ قال: من كان طيّبا فهو مبرّأ من كلّ قول خبيث لقوله تعالى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ، ومن كان خبيثا فهو مبرّأ من كلّ قول صالح يقوله إذ يردّه الله عليه ولا يقبله منه) * «2» . 25- * (عن يحيى الجزّار قال: جاء أسير بن جابر إلى عبد الله (بن مسعود) فقال: قد سمعت الوليد ابن عقبة اليوم تكلّم بكلام أعجبني. فقال عبد الله: إنّ الرّجل المؤمن يكون في فيه الكلمة غير طيّبة تتجلجل في صدره ما تستقرّ حتّى يلفظها، فيسمعها رجل عنده مثلها فيضمّها إليه، وإنّ الرّجل الفاجر تكون في قلبه الكلمة الطّيّبة تتجلجل في صدره ما تستقرّ حتّى يلفظها، فيسمعها الرّجل الّذي عنده مثلها فيضمّها إليه، ثمّ قرأ عبد الله الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ ... الآية) * «3» . 26- * (عن ابن زيد في قوله الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ ... الآية قال: نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان والفرية فبرّأها الله من ذلك، وكان عبد الله بن أبيّ هو الخبيث، فكان هو أولى بأن تكون له (الكلمة) الخبيثة، ويكون لها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيّبا، وكان أولى أن تكون له الطّيّبة، وكانت عائشة الطّيّبة، فكانت أولى أن يكون لها الطّيّب) * «4» . 27- * (قال الطّبريّ- بعد أن ذكر الآراء المختلفة في الآية السّابقة-: وأولى هذه الأقوال في تفسير هذه الآية قول من قال عنى بالخبيثات الخبيثات من القول، وذلك قبيحه وسيّئه، للخبيثين من الرّجال والنّساء، والخبيثون من النّاس للخبيثات من القول، هم بها أولى لأنّهم أهلها، والطّيّبات من القول وذلك حسنه وجميله للطّيّبين من النّاس، والطّيّبون من النّاس للطّيّبات من القول لأنّهم أهلها وأحقّ بها، وإنّما قلنا إنّ هذا القول أولى بتأويل الآية، لأنّ الآيات قبل ذلك إنّما جاءت فى توبيخ الله للقائلين فى عائشة الإفك والرّامين المحصنات الغافلات المؤمنات، فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرّامي والمرميّ به، أشبه من الخبر عن غيرهم) * «5» . 28- * (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال في قوله تعالى فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً ... (النور/ 61) يقول: إذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أهلها تحيّة من عند الله، وهو السّلام، لأنّه اسم الله، وهو تحيّة أهل الجنّة) * «6» . 29- * (عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخلت على أهلك فسلّم عليهم تحيّة من عند الله مباركة طيّبة، قال أبو الزّبير: ما رأيته إلّا أوجبه- أي السّلام-) * «7» .   (1) تفسير الطبري (18/ 89) . (2) الدر المنثور (6/ 167) . (3) المرجع السابق (6/ 168) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) تفسير الطبري (18/ 86) . (6) الدر المنثور (6/ 225) . (7) تفسير الطبري (18/ 132) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3289 30- * (عن عطاء قال: إذا دخلت على أهلك فقل: السّلام عليكم تحيّة من عند الله مباركة طيّبة، فإن لم يكن فيها أحد فقل: السّلام علينا من ربّنا) * «1» . 31- * (عن أبي البختريّ قال: جاء الأشعث ابن قيس وجرير بن عبد الله البجليّ إلى سلمان، فقالا: جئناك من عند أخيك أبي الدّرداء، قال: فأين هديّته الّتي أرسلها معكما؟ قالا: ما أرسل معنا بهديّة. قال: اتّقيا الله، وأدّيا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلّا جاء معه بهديّة. قالا: والله ما بعث معنا شيئا إلّا أنّه قال: أقرئوه منّي السّلام. قال: فأيّ هديّة كنت أريد منكما غير هذه؟ وأيّ هديّة أفضل من السّلام تحيّة من عند الله مباركة طيّبة؟) * «2» . 32- * (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً: وصف الله تعالى هذه التّحيّة بأنّها مباركة طيّبة لما فيها من الأجر الجزيل والثّواب العظيم) * «3» . 33- * (وقال القرطبيّ: وصفها بالبركة لأنّ فيها الدّعاء واستجلاب مودّة المسلّم عليه، ووصفها بالطّيّبة لأنّ سامعها يستطيبها) * «4» . 34- * (وقال أبو حيّان: وصف التّحيّة بالبركة والطّيب لأنّها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة الخير وطيّب الرّزق) * «5» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في قوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قال: الكلم الطّيّب ذكر الله. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال: أداء الفرائض، فمن ذكر الله في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله فصعد به إلى الله، ومن ذكر الله ولم يؤدّ فرائضه حمل كلامه على عمله وكان عمله أولى به) * «6» . 36- * (عن مجاهد- رحمه الله- قال في الآية السّابقة: العمل الصّالح هو الّذي يرفع الكلام الطّيّب) * «7» . 37- * (وعن شهر بن حوشب في الآية الكريمة نفسها قال: (الكلم الطّيّب) القرآن) * «8» . 38- * (وعن مطر- رضي الله عنه- قال: (الكلم الطّيّب) الدّعاء) * «9» . 39- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- (الكلم الطّيّب) ذكر الله) * «10» . 40- * (قال الفرّاء في قوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ: معناه: أنّ العمل الصّالح يرفع الكلام الطّيّب، أي يتقبّل الكلام الطّيّب إذا كان معه عمل صالح) * «11» . 41- * (عن مجاهد: العمل الصّالح يرفع   (1) تفسير الطبري (18/ 132) . (2) الدر المنثور (6/ 226) . (3) تفسير الطبري (18/ 133) . (4) تفسير القرطبي (12/ 318) . (5) تفسير البحر المحيط (6/ 435) . (6) الدر المنثور 7/ 9؛ وقد ذكر الطبري نفس الأثر- مع اختلاف طفيف منسوبا لابن عباس، انظر تفسير الطبري (22/ 80) . (7) الدر المنثور (7/ 9) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (10) فتح الباري (13/ 427) . (11) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3290 الكلم الطّيّب) * «1» . 42- * (قال البيهقيّ: صعود الكلام الطّيّب والصّدقة الطّيّبة عبارة عن القبول) * «2» . 43- * (عن الحسن- رضي الله عنه- قال في قوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال: العمل الصّالح يرفع الكلام الطّيّب إلى الله تعالى، ويعرض القول على العمل، فإن وافقه رفع وإلّا ردّ) * «3» . 44- * (عن المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد الله (بن مسعود) إذا حدّثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله- عزّ وجلّ-، إنّ العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، الحمد لله، لا إله إلّا الله والله أكبر، تبارك الله، أخذهنّ ملك، فجعلهنّ تحت جناحيه، ثمّ صعد بهنّ إلى السّماء، فلا يمرّ بهنّ على جمع من الملائكة إلّا استغفروا لقائلهنّ حتّى يحيّي بهنّ وجه الرّحمن ثمّ قرأ عبد الله إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) * «4» . 45- * (قال ابن بطّال: ... والكلمة الّتي ترفع بها الدّرجات ويكتب بها الرّضوان هي الّتي يدفع بها (صاحبها) عن المسلم مظلمة، أو يفرّج بها عنه كربة، أو ينصر بها مظلوما) * «5» . 46- * (قال الإمام النّوويّ: ... ينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبّر ما يقول قبل أن ينطق، فإن ظهرت فيه مصلحة تكلّم وإلّا أمسك) * «6» . 47- * (قال ابن بطّال: طيب الكلام من جليل عمل البرّ، لقوله تعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* الآية، والدّفع قد يكون بالقول كما يكون بالفعل) * «7» . 48- * (قال ابن بطّال: وجه كون الكلمة الطّيّبة صدقة أنّ إعطاء المال يفرح به قلب الّذي يعطاه ويذهب ما في قلبه، كذلك الكلام الطّيّب، فاشتبها من هذه الحيثيّة) * «8» . 49- * (قال الماورديّ: معنى حسن الخلق أن يكون المسلم سهل العريكة، ليّن الجانب، طلق الوجه، قليل النفور، طيّب الكلمة) * «9» . 50- * (عن عليّ بن عمرو. قال: «نزل عبيد الله ابن العبّاس بن عبد المطّلب منزلا منصرفه من الشّام نحو الحجاز، فطلب غلمانه طعاما، فلم يجدوا في ذلك المنزل ما يكفيهم؛ لأنّه كان مرّ به زياد بن أبي سفيان، أو عبيد الله بن زياد في جمع عظيم، فأتوا على ما فيه، فقال عبيد الله لوكيله: اذهب في هذه البرّيّة «10» ، فلعلّك أن تجد راعيا، أو تجد أخبية «11» فيها لبن أو   (1) المرجع السابق (13/ 426) . (2) المرجع السابق (13/ 427) . (3) الدر المنثور (7/ 9) . (4) تفسير القرطبي (2/ 80) . (5) فتح الباري (11/ 317) ، في شرح الحديث «إن العبد ليتكلم بالكلمة ... » . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) الفتح (10/ 463) . (8) الفتح (10/ 463) . (9) انظر أدب الدنيا والدين (237) وما بعدها. (10) البرّيّة: الصحراء. (11) أخبية: جمع خباء وهو البيت من الوبر أو الشعر أو الصوف يكون على عمودين أو ثلاثة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3291 طعام، فمضى القيّم ومعه غلمان عبيد الله، فدفعوا إلى عجوز في خباء، فقالوا: هل عندك من طعام نبتاعه «1» منك؟ قالت: أمّا طعام أبيعه فلا، ولكن عندي ما إليه حاجة لي ولبنيّ، قالوا: وأين بنوك؟ قالت: في رعي لهم. وهذا أوان أوبتهم «2» ، قالوا: فما أعددت لك ولهم؟ قالت: خبزة وهي تحت ملّتها «3» أنتظر بها أن يجيئوا، قالوا: فما هو غير ذلك؟ - قالت: لا-. قالوا: فجودي لنا بنصفها، قالت: أمّا النّصف فلا أجود به، ولكن إن أردتم الكلّ فشأنكم بها، قالوا: ولم تمنعين النّصف وتجودين بالكلّ؟ قالت: لأنّ إعطاء الشّطر نقيصة. وإعطاء الكلّ فضيلة، فأنا أمنع ما يضعني، وأمنح ما يرفعني، فأخذوا الملّة، ولم تسألهم من هم؟ ولا من أين جاؤوها؟ فلمّا أتوا بها عبيد الله، وأخبروه بقصّة العجوز، عجب وقال: ارجعوا إليها فاحملوها إليّ السّاعة، فرجعوا فقالوا: انطلقي نحو صاحبنا فإنّه يريدك، قالت: ومن هو صاحبكم أصحبه الله السّلامة؟ قالوا: عبيد الله بن العبّاس، قالت: ما أعرف هذا الاسم، فمن بعد العبّاس؟ قالوا: العبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: هذا وأبيكم الشّرف العالي ذروته، الرّفيع عماده، هيه، أبو هذا عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: نعم، قالت: عمّ قريب أم عمّ بعيد؟ قالوا: عمّ هو صنو أبيه، وهو عصبته، قالت: ويريد ماذا؟ قالوا: يريد مكافأتك وبرّك، قالت: علام؟ قالوا: على ما كان منك. قالت: أوه «4» . لقد أفسد الهاشميّ بعض ما أثّل له ابن عمّه «5» ، والله لو كان ما فعلت معروفا ما أخذت بذنبه، فكيف وإنّما هو شيء يجب على الخلق أن يشارك بعضهم فيه بعضا. قال: فانطلقي، فإنّه يحبّ أن يراك، قالت: قد تقدّم منكم وعيد ما أجد نفسي تسخو بالحركة معه، قالوا: فأنت بالخيار إن بدا لك شيء بين أخذه أو تركه. قالت: لا حاجة لي بشيء من هذا إذ كان هذا أوّله. قالوا: فلا بدّ من أن تنطلقي إليه. قالت: فإنّي أنهض على كره إلّا لواحدة، قالوا: وما هي؟ قالت: أرى وجها هو جناح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعضو من أعضائه، ثمّ قامت فحملوها على دابّة من دوابّه، فلمّا صارت إليه سلّمت عليه، فردّ عليها السّلام، وقرّب مجلسها، وقال: ممّن أنت؟ فقالت: أنا من كلب، قال: فكيف حالك؟ قالت: أجد القائت «6» وأستمريه، وأهجع أكثر اللّيل، وأرى قرّة العين من ولد بارّ، وكنّة «7» رضيّة. فلم يبق من الدّنيا شيء إلّا وقد وجدته وأخذته وإنّما أنتظر أن يأخذني، قال: ما أعجب أمرك كلّه. قالت: قفني على أوّل عجب، قال: بذلك لنا ما كان في حواك «8» ، فرفعت رأسها إلى القيّم   (1) نبتاعه: أي نشتريه. (2) أوان أوبتهم: أى وقت رجوعهم. (3) الملة: الرماد الحار والجمر. (4) أوه: كلمة توجع أو تحزن أو شكاية. (5) أثل له ابن عمه: أي ما تركه له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مجد أثيل أي عميق الجذور. (6) القائت: ما يقتات به الإنسان. (7) الكنّة: البيت، والكنة أيضا زوجة الابن. (8) حوا: مقصور حواء وهي بيوت للعرب مجتمعة تكون من الوبر. انظر: لسان العرب، مادة (ح وا) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3292 فقالت: هذا ما قلت لك؟ قال عبيد الله: وما قالت لك؟ فأخبره، فازداد تعجّبا وقال: خبّريني، فما ادّخرت لبنيك إذا انصرفوا؟ قالت: ما قال حاتم طيّء: ولقد أبيت على الطّوى «1» وأظلّه ... حتّى أنال به كريم المأكل فازداد منها عبيد الله تعجّبا. وقال: أرأيت لو انصرف بنوك وهم جياع، ولا شيء عندك، ما كنت تصنعين بهم؟ قالت: يا هذا، لقد عظمت هذه الخبزة عندك وفي عينك حتّى أن صرت لتكثر فيها مقالك، وتشغل بذكرها بالك، أله عن هذا وما أشبهه؛ فإنّه يفسد النّفس، ويؤثّر في الحسّ. فازداد تعجّبا، ثمّ قال لغلامه: انطلق إلى فتيانها فإذا أقبل بنوها فجئني بهم، فقالت العجوز: أما إنّهم لا يأتونك إلّا بشريطة. قال: وما هي؟ قالت: لا تذكر لهم ما ذكرته لي، فإنّهم شباب حداث، تحرجهم الكلمة، ولا آمن بوادرهم إليك، وأنت في هذا البيت الرّفيع والشّرف العالي، فإذا نحن من شرّ العرب جوارا، فازداد عبيد الله تعجّبا، وقال لها: سأفعل ما أمرت به. فقالت العجوز للغلام: انطلق. فاقعد بحذاء الخباء الّذي رأيتني في ظلّه، فإذا أقبل ثلاثة أحدهم دائم الطّرف نحو الأرض، قليل الحركة، كثير السّكون، فذاك الّذي إذا خاصم أفصح وإذا طلب أنجح. والآخر دائم النّظر، كثير الحذر، له أبّهة قد كلمت من حدّه. وأثّرت في نسبه، فذاك الّذي إذا قال فعل، وإذا ظلم قتل. والآخر كأنّه شعلة نار، وكأنّه يطلب الخلق بثأر، فذاك الموت المائت، وهو والله والموت قسمان. فاقرأ عليهم سلامي، وقل لهم تقول لكم والدتكم: لا يحدثنّ أحد منكم أمرا حتّى تأتوها. فانطلق الغلام، فلمّا جاء الفتية أخبرهم. فما قعد قائمهم، ولا شدّ جمعهم حتّى تقدّموا سراعا. فلمّا دنوا من عبيد الله، ورأوا أمّهم، سلّموا، فأدناهم عبيد الله من مجلسه، وقال: إنّي لم أبعث إليكم ولا إلى أمّكم لما تكرهون. قالوا: فما بعد هذا؟ قال: أحبّ أن أصلح من أمركم، وألمّ من شعثكم «2» . قالوا: إنّ هذا قلّ ما يكون إلّا عن سؤال أو مكافأة لفعل قديم. قال: ما هو لشيء من ذلك. ولكن جاورتكم في هذه اللّيلة، وخطر ببالي أن أضع بعض مالي فيما يحبّ الله، قالوا: يا هذا، إنّ الّذي يحبّ الله لا يجب لنا. إذ كنّا في خفض من العيش. وكفاف من الرّزق، فإن كنت هذا أردت فوجّهه نحو من يستحقّ، وإن كنت أردت النّوال مبتدئا لم يتقدّمه سؤال، فمعروفك مشكور وبرّك مقبول، فأمر لهم عبيد الله بعشرة آلاف درهم وعشرين ناقة، وحوّل أثقاله إلى البغال والدّوابّ، وقال: ما ظننت أنّ في العرب والعجم من يشبه هذه العجوز وهؤلاء الفتيان، فقالت العجوز لفتيانها: ليقل كلّ واحد منكم بيتا من الشّعر في هذا   (1) الطّوى: الجوع. (2) شعثكم: تفرقكم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3293 الشّريف، ولعلّي أن أعينكم: فقال الكبير: شهدت عليك بطيب الكلا ... م وطيب الفعال وطيب الخبر وقال الأوسط: تبرّعت بالجود قبل السّؤا ... ل فعال كريم عظيم الخطر وقال الأصغر: وحقّ لمن كان ذا فعله ... بأن يسترقّ رقاب البشر) * «1» . 51- * (قال الفضيل بن عياض: سمعت الثوريّ يقول: لو رميت رجلا بسهم كان أحبّ إليّ من أن أرميه بلساني، لأنّ رمي اللّسان لا يكاد يخطىء) * «2» . من فوائد (الكلم الطيب) أولا: الكلم الطّيّب إن كان ذكرا أو دعاء أو تلاوة للقرآن له فوائد هذه الصّفات مجتمعة، انظر فوائد هذه الصّفات. ثانيّا: أمّا إذا كان الكلم الطّيّب قولا تطيب به نفس سامعه فإنّ من فوائده: (1) للكلم الطّيّب أجر الصّدقة (انظر فوائد الصّدقة) . (2) يدخل صاحبه الجنّة ويقيه من النّار. (3) طيب الكلام شطر الإسلام (انظر الحديث: 7) . (4) لمن طاب كلامه غرف مخصوصة في الجنّة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها (انظر الحديث: 9) . (5) الكلم الطّيّب يصعد إلى الله- عزّ وجلّ- خاصّة مع العمل الصّالح. (6) الكلم الطّيّب فيه أداء لحقّ المجالس. (7) الكلم الطّيّب يرفع درجات صاحبه. (8) الكلم الطّيّب مدعاة للتّذكّر والخشية. (9) الكلم الطّيّب يزيل العداوة ويحلّ محلّها الصّداقة الحميمة.   (1) انظر المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (137/ 141) . (2) المرجع السابق (1/ 442) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3294 [ حرف اللام ] اللين اللين لغة: مصدر قولهم: لان يلين، وهو مأخوذ من مادّة (ل ي ن) الّتي تدلّ على خلاف الخشونة، يقال: هو في ليان من عيشه أي نعمة، وفلان ملينة أي ليّن الجانب «1» ، ويقال أيضا: فلان ليّن، ولين مخفّف منه، وليّنت الشّيء: صيّرته ليّنا، ويقال فيه (كذلك) ألنته وألينته، واللّيان: الملاينة واللّطف وهو الاسم من اللّين، واستلان الشّيء: عدّه ليّنا «2» ، أو رآه كذلك. وقال ابن منظور: يقال في فعل الشّيء اللّيّن: لان الشّيء يلين لينا وليانا، وفي الحديث: «يتلون كتاب الله ليّنا، أي سهلا على ألسنتهم «3» ، وتقول العرب: فلان هيّن ليّن، وهين لين، بالتّثقيل والتّخفيف، وقولهم: أليناء إنّما هو جمع ليّن (بالتّشديد) ، وليس جمعا ل «لين» بالتّخفيف، لأنّ فعلا لا يجمع على أفعلاء «4» . وقول الله عزّ وجلّ: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (آل عمران/ 159) معناه- كما يقول القرطبيّ: أنّه عليه الصّلاة والسّلام لمّا رفق بمن تولّى يوم أحد ولم يعنّفهم بيّن الرّبّ تعالى أنّه فعل ذلك بتوفيق الله تعالى إيّاه «5» ، والقول اللّيّن في قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (طه/ 44) الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 12/ 10 يراد به: الكلام الرّقيق السّهل، قال ابن كثير: الحاصل من أقوالهم في هذه الآية: أنّ دعوة موسى وهارون (لفرعون) تكون بكلام رقيق ليّن سهل رفيق ليكون (ذلك) أوقع في النّفوس وأبلغ وأنجع «6» ، أمّا لين الجلود والقلوب في قوله عزّ وجلّ: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (الزمر/ 23) ففيه إشارة إلى إذعانهم للحقّ وقبولهم له بعد تأبّيهم منه وإنكارهم إيّاه «7» ، وقال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عندما يسمعون كلام الجبّار «8» . اللين اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات- الّتي وقفنا عليها- اللّين مصطلحا، وقد اكتفى اللّغويّون والمفسّرون بذكر المعنى الاستعماليّ أو المعنى المراد، وقد ذكر الفيروزاباديّ اللّين- بحسب ما يتعلّق به- إمّا لين في الأجساد كلين الشّمع والحديد وغيرهما، وإمّا لين في المعاني، كلين الطّبع ولين القول «9» . وقال الرّاغب: اللّين ضدّ الخشونة، ويستعمل ذلك في الأجسام ثمّ يستعار للخلق وغيره من المعاني، فيقال: فلان ليّن وفلان خشن، وكلّ واحد منهما يمدح   (1) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس 5/، 225 (2) الصحاح 6/، 2198 (3) النهاية لابن الأثير 4/، 286 (4) لسان العرب (بتصرف يسير) 13/ 294-، 295 (5) تفسير القرطبي 4/، 248 (6) تفسير ابن كثير 3/، 161 (7) المفردات للراغب ص 457 (ت: كيلاني) . (8) انظر نص كلام ابن كثير في قسم الآثار. (9) بصائر ذوي التمييز 4/، 472 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3295 به طورا، ويذمّ به طورا بحسب اختلاف المواقع «1» . وفي ضوء ذلك يمكننا أن نستخلص للّين بمعناه الأخلاقيّ تعريفا اصطلاحيّا فنقول: اللّين: هو سهولة الانقياد للحقّ، والتلطّف في معاملة النّاس وعند التّحدّث إليهم. أقسام اللين: ينقسم اللّين بحسب ما يضاف إليه إلى: 1- لين القول، ويعني التلطّف في الحديث مع النّاس وأكثر ما يكون ذلك مرغوبا في مجال الدّعوة إلى الله- عزّ وجلّ-. 2- لين القلب، ويعني رقّته وخشيته من الله عزّ وجلّ، وأكثر ما يكون ذلك عند سماع القرآن. 3- لين المعاملة، ويعني الرّفق في معاملة المقصّرين والتماس العذر لهم وعدم تعنيفهم كما حدث من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، حيث لم يعنّف المقصّرين بتوفيق الله وبرحمة منه. الفرق بين اللين والرفق: كما يتّضح من أقسام اللّين فإنّ بين الرّفق واللّين عموما وخصوصا يتّفقان في مجال المعاملة، وينفرد اللّين بمجالي اللّسان والقلب، ومن ثمّ يكون اللّين أعمّ من الرّفق. [للاستزادة: انظر صفات: الرحمة- الرفق- الشفقة- حسن المعاملة- حسن العشرة- الحنان- العطف- الرأفة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغضب- العنف- القسوة- الجفاء- العبوس- سوء المعاملة] . الآيات الواردة في «اللين» 1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «2» 2- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) «3» 3- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) «4» الآيات الواردة في «اللين» معنى انظر الآيات الواردة في صفات: التيسير- الرأفة- الرحمة- الرفق- الشفقة   (1) المفردات للراغب ص، 457 (2) آل عمران: 159 مدنية. (3) طه: 43- 45 مكية. (4) الزمر: 23 مكية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3296 الأحاديث الواردة في (اللين) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: استأذن «1» رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة» ، فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الّذي قلت، ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه- اتّقاء فحشه» ) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاكم أهل اليمن، هم ألين قلوبا وأرقّ أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية، رأس الكفر قبل المشرق» ) * «3» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي أرى اللّيلة في المنام ظلّة «4» تنطف «5» السّمن والعسل، فأرى النّاس يتكفّفون «6» منها بأيديهم. فالمستكثر والمستقلّ، وأرى سببا «7» واصلا «8» من السّماء إلى الأرض، فأراك أخذت فانقطع به. ثمّ أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثمّ أخذ به رجل آخر فعلا، ثمّ أخذ به رجل آخر فانقطع به ثمّ وصل له فعلا، قال أبو بكر: يا رسول الله! بأبي أنت، والله! لتدعنّي فلأعبرنّها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اعبرها» قال أبو بكر: أمّا الظلّة فظلّة الإسلام، وأمّا الّذي ينطف من السّمن والعسل فالقرآن، حلاوته ولينه، وأمّا ما يتكفّف النّاس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقلّ، وأمّا السّبب الواصل من السّماء إلى الأرض فالحقّ الّذى أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله به ثمّ يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثمّ يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثمّ يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثمّ يوصل له فيعلو به، فأخبرني، يا رسول الله! بأبي أنت! أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» «9» ، قال: فو الله! يا رسول الله! لتحدّثني ما الّذي أخطأت؟ قال: «لا   (1) «أنّ رجلا ... إلخ» قال القاضي: هذا الرجل هو عيينة بن حصن، ولم يكن أسلم حينئذ، وإن كان قد أظهر الإسلام، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبيّن حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لم يعرف حاله. قال: وكان في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبعده، ما دلّ على ضعف إيمانه، وارتد مع المرتدين. وجيىء به أسيرا إلى أبي بكر- رضي الله عنه- ووصف النبي صلّى الله عليه وسلّم إياه بأنه بئس أخو العشيرة، من أعلام النبوة، لأنه ظهر كما وصف، وإنما ألان له القول تألفا له ولأمثاله على الإسلام، والمراد بالعشيرة: قبيلته، أي بئس هذا الرجل منها. (2) البخاري- الفتح (6054) . (3) البخاري- الفتح (4388) ، ومسلم (52) واللفظ له. (4) ظلة: أي سحابة. (5) تنطف: أي تقطر قليلا قليلا. (6) يتكففون: يأخذون بأكفهم. (7) سببا: السبب الحبل. (8) واصلا: الواصل بمعنى الموصول. (9) «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» : اختلف العلماء في معناه. فقال ابن قتيبة وآخرون: معناه: أصبت في بيان تفسيرها وصادفت حقيقة تأويلها وأخطأت في مبادرتك بتفسيرها من غير أن آمرك بها. وقال آخرون: هذا الذي قاله ابن قتيبة وموافقوه فاسد لأنه صلّى الله عليه وسلّم قد أذن له في ذلك وقال: «اعبرها» . وإنما أخطأ في تركه تفسير بعضها. فإنّ الرائي قال: رأيت ظله تنطف السمن والعسل. ففسره الصديق- رضي الله عنه- بالقرآن حلاوته ولينه. وهذا إنما هو تفسير العسل. وترك تفسير السمن، وتفسيره السنة. فكان حقه أن يقول: القرآن والسنة. وإلى هذا أشار الطحاوي. وقال آخرون: الخطأ وقع في خلع عثمان لأنه ذكر في المنام أنه أخذ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3297 تقسم» ) * «1» . 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- بعث عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ «2» لم تحصّل من ترابها «3» ، قال: فقسّمها بين أربعة نفر، فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء ... الحديث، وفيه: فقام إليه عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا» ، فقال: «إنّه سيخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب الله ليّنا رطبا «4» » ) * «5» . 5- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: احتبس عنّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات غداة عن صلاة الصبح حتّى كدنا نتراءى «6» عين الشّمس، فخرج سريعا فثوّب بالصّلاة، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتجوّز في صلاته، فلمّا سلّم دعا بسوطه قال لنا على مصافّكم، كما أنتم ثمّ انفتل «7» إلينا ثمّ قال: «أما إنّي سأحدّثكم ما حبسني عنكم الغداة: إنّي قمت من اللّيل فتوضّأت وصلّيت ما قدّر لي فنعست في صلاتي حتّى استثقلت، فإذا أنا بربّى تبارك وتعالى فى أحسن صورة، فقال: يا محمّد. قلت: لبيك ربّ، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قال: فرأيته وضع كفّه بين كتفيّ حتّى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلّى لي كلّ شيء وعرفت، فقال: يا محمّد، قلت: لبيك ربّ، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفّارات، قال: ما هنّ؟ قلت: مشي الأقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد بعد الصّلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات، قال: فيم؟، قلت: إطعام الطّعام، ولين الكلام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام، قال: سل، قل اللهمّ إنّى أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة قوم فتوفّني غير مفتون، أسألك حبّك وحبّ من يحبّك، وحبّ عمل يقرّب إلى حبّك» ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّها حق فادرسوها ثمّ تعلّموها» ) * «8» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أقيموا الصّفوف، فإنّما تصفّون بصفوف الملائكة، وحازوا بين المناكب، وسدّوا الخلل، ولينوا في أيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشّيطان، ومن وصل صفّا وصله الله تبارك وتعالى، ومن قطع صفّا قطعه الله» ) * «9» . 7- * (عن عبد الله بن عمرو (ابن العاص)   بالسبب فانقطع به، وذلك يدل على انخلاعه بنفسه وفسره الصديق بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل به فيعلو به. وعثمان قد خلع قهرا وقتل وولى غيره. فالصواب في تفسيره أن يحمل وصله على ولاية غيره من قومه (أي بني أمية) . (1) مسلم (2269) . (2) أديم مقروظ: أي جلد مدبوغ بالقرظ. (3) لم تحصل من ترابها: أي لم تصفّ من التراب الذي يخالطها. (4) لينا رطبا: هكذا هو في أكثر النسخ: لينا، بالنون أي سهلا، وفي كثير من النسخ ليّا، ومعناه: سهلا لكثرة حفظهم. (5) انظر الحديث كاملا في: مسلم (1064) ، وله روايات عديدة) . (6) نتراءى: أي نرى عين الشمس. (7) انفتل: أقبل علينا. (8) الترمذي (32358، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (9) المسند (2/ 98) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (حديث رقم 5724) ، وأبو داود (666) ، وذكره الألباني في صحيح أبي داود 1/ 131 حديث (620) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3298 - رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» ، فقال أبو موسى الأشعريّ: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن ألان الكلام، وأطعم الطّعام، وبات لله قائما والنّاس نيام» ) * «1» . 8- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «حرّم على النّار كلّ هيّن ليّن سهل قريب من النّاس» ) * «2» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكلمة اللّيّنة «3» صدقة، وكلّ خطوة يمشيها إلى الصّلاة- أو قال: إلى المسجد- صدقة» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (اللين) معنى 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل الزّرع، لا تزال الرّيح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز «5» ، لا تهتزّ حتّى تستحصد «6» » ) * «7» . 11- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل الخامة «8» من الزّرع، تفيئها الرّيح، تصرعها مرّة وتعدلها أخرى، حتى تهيج. ومثل الكافر كمثل الارزة المجذبة «9» على أصلها لا يفيئها شيء حتّى يكون انجعافها مرّة واحدة» ) * «10» . 12- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله   (1) أحمد (2/ 173) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (10/ 420) وقال: رواه أحمد، ورجاله وثقوا، على ضعف في بعضهم. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 254) وقال: رواه الطبراني والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. وصححه ابن حبان (641) ، والحاكم (/ 321) وصححه ووافقة الذهبي. (2) المسند (1/ 415) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، واللفظ له، والترمذي (2488) ، وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (11698) : حديث حسن. ورواه المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 418) . (3) ورد في بعض النسخ «الطيبة» بدلا من «اللينة» وهي بمعناها. (4) المسند (2/ 213) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (حديث رقم 8096) . (5) «الأرز» : قال العلايلي في معجمه: الأرز جنس شجر حي من فصيلة الصنوبريات، واحدته أرزة، وليس هو الشربين ولا الصنوبر، كما وقع في الأصول القديمة، وعند من جاراها. والأرز من أثمن الأشجار وأعظمها. يعلو قرابة (70- 80) قدما. وأغصانه طويلة غليظة تمتد أفقيا من الجذع، وكثيرا ما يبلغ محيط جذع الشجرة عشرين قدما أو يزيد. يفوح من قشره وأغصانه عبير هو أزكى من المسك. (6) تستحصد: أي لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه. (7) مسلم (2809) . (8) الخامة: الطاقة الغضة اللينة من الزرع، وألفها منقلبة عن واو. (9) المجذبة: الثابتة المنتصبة. (10) مسلم (2810) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3299 عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إنّ هذه لموعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، بما عرفتم من سنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهتدين، عضّوا عليها بالنّواجذ، وعليكم بالطّاعة، وإن عبدا حبشيّا، فإنّما المؤمن كالجمل الأنف «1» حيثما قيد انقاد» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (اللين) 1- * (قال عليّ- رضي الله عنه- في وصف العلماء الأتقياء: فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استخشن المترفون، واستوحشوا ممّا أنس منه الجاهلون) * «3» . 2- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (طه/ 44) ، قال: كنّه) * «4» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: خياركم ألاينكم مناكب في الصّلاة) * «5» . 4- * (عن قتادة- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (الزمر/ 23) : هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله عزّ وجلّ بأنّه تقشعرّ جلودهم، وتبكي أعينهم، وتطمئنّ قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنّما هذا في أهل البدع) * «6» . 5- * (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير الآية الكريمة نفسها هذه (أي لين الجلود والقلوب) صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبّار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد، والتّخويف والتّهديد، تقشعرّ منه أي من خوفه وخشيته جلودهم فتنقبض ثمّ تلين لما يرجون ويؤمّلون من رحمته ولطفه) * «7» . 6- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (طه/ 44) : أعذرا   (1) الجمل الأنف: الذي جعل الزمام من أنفه فيجره من يشاء من صغير أو كبير إلى حيث يريد. (2) ابن ماجه (43) . (3) لسان العرب لابن منظور (13/ 394) . (4) المراد: ناده بكنيته، وقد روي عن سفيان الثوري: كنه بأبي مرّة، تفسير ابن كثير (3/ 163) . (5) النهاية لابن الأثير (4/ 286) ، وفيه: ألاين جمع ألين، والمراد: السكون والخشوع والوقار. وانظر اللسان (13/ 295) . (6) تفسير ابن كثير (4/ 56) . (7) المرجع السابق (4/ 55) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3300 إليه «1» ، فقولا له: إنّ لك ربّا ولك معادا، وإنّ بين يديك جنّة ونارا) * «2» . 7- * (وعن السّدّيّ- رحمه الله تعالى- في هذه الآية الكريمة، قال: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ، قال: إلى وعد الله) * «3» . 8- * (ورد في شعر منسوب لزيد بن عمرو بن نفيل، وقيل لأميّة بن أبي الصّلت ما يشبه أن يكون من القول اللّيّن: فقلت له: فاذهب وهارون فادعوا ... إلى الله فرعون الّذي كان باغيا فقولا له: هل أنت سوّيت هذه ... بلا وتد، حتّى استقلّت كما هيا وقولا له: آأنت رفّعت هذه ... بلا عمد، أرفق إذن بك بانيا قولا له: من يخرج الشّمس بكرة ... فيصبح ما مسّت من الأرض ضاحيا وقولا له: من ينبت الحبّ في الثّرى ... فيصبح منه البقل يهتزّ رابيا ويخرج منه حبّه في رءوسه ... ففي ذاك آيات لمن كان واعيا) * «4» . 9- * (وقال الكميت (في وصف آل البيت) : هينون لينون في بيوتهم ... سنخ التّقى والفضائل الرّتب ) * «5» . 10- * (قالت جدّة سفيان (لعلّه الثّوريّ) لسفيان: بنيّ إنّ البّرّ شيء هيّن ... المفرش اللّيّن والطعيّم ومنطق إذا نطقت ليّن) * «6» ، «7» .   (1) أعذرا إليه: أي اقطعا عذره في التجبّر من قوله: أعذر من أنذر. (2) تفسير ابن كثير (3/ 161) . (3) المرجع السابق (4/ 56) . (4) المرجع السابق (3/ 161) . (5) شرح هاشميات الكميت ص، 121 (6) وتروى هذه الأبيات أيضا بتخفيف هيّن وليّن: أي هين ولين. (7) تفسير ابن كثير (4/ 56) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3301 من فوائد (اللين) (1) اللّين من صفات المؤمنين البررة. (2) اللّين أثر من آثار رحمة الله تعالى. (3) اللّين في القول أدعى إلى الإجابة والقبول خاصّة في مجال الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ. (4) اللّين في المعاملة يعطف قلوب النّاس ويجمعهم حول من يلين لهم. (5) اللّين في القلب عند سماع آيات الله دليل على كمال الإيمان وقوّة الإسلام. (6) اللّين يورث الدّرجات العلى من الجنّة. (7) لين المرء مع أخيه (في تسوية الصّفّ في الصّلاة) يسدّ فرجات الشّيطان ويساعد في تسوية الصّفوف. (8) اللّين يباعد من النّار في الآخرة، ومن الشّرّ والعداوات في الدّنيا. (9) اللّين يورث المحبّة والتّعاطف بين الرّؤساء والمرؤسين ويجعلهم صفّا واحدا. (10) اللّين يجلب السّماحة والمودّة ويستدعي رحمة الله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3302 [ حرف الميم ] مجاهدة النفس المجاهدة لغة: مصدر جاهد يجاهد جهادا ومجاهدة، وهو مأخوذ من مادّة (ج هـ د) الّتي تدلّ على «المشقّة» يقال: جهدت نفسي وأجهدت، والجهد الطّاقة، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79) ويقال: إنّ المجهود اللّبن الّذي أخرج زبده، ولا يكاد ذلك يكون إلّا بمشقّة ونصب، وقال الجوهريّ: الجهد والجهد: الطّاقة، وقرئت الآية الكريمة بالوجهين: جُهْدَهُمْ وجُهْدَهُمْ قال الفرّاء: الجهد بالضّمّ الطّاقة، والجهد المشقّة، يقال: جهد دابّته وأجهدها: إذا حمل عليها في السّير فوق طاقتها، وجهد الرّجل في كذا، أي جدّ فيه وبالغ، وجهد الرّجل فهو مجهود، من المشقّة، يقال: أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا، وجاهد في سبيل الله مجاهدة وجهادا، والاجتهاد والتّجاهد: بذل الوسع والمجهود. وقال ابن منظور: الجهد والجهد: الطّاقة والمشقّة وبذل الوسع مصدر من جهد، والمجاهدة مصدر جاهد. والمجاهدة فطام النّفس عن الشّهوات، ونزع القلب عن الأماني والشّهوات «1» . النفس لغة: النّفس في اللّغة: الرّوح، يقال فرحت نفسه، والنّفس (أيضا) الدّم، وذلك أنّه إذا فقد الدّم من الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 18/ 25 الإنسان فقد نفسه. أو لأنّ النّفس تخرج بخروجه، يقال: سالت نفسه، وفي الحديث «ما ليس له نفس سائلة لا ينجّس الماء إذا مات فيه» . والنّفس أيضا الجسد، والنّفس العين، يقال: أصابت فلانا نفس، أي عين، والنّافس العائن، ونفس الشّيء عينه يؤكّد به، يقال رأيت فلانا نفسه. والنّفس بالتّحريك واحد الأنفاس، وقد تنفّس الرّجل وتنفّس الصّعداء، وتنفّس الصّبح، أي تبلّج، ويقال: أنت في نفس من أمرك: أي في سعة، وشيء نفيس. أي يتنافس فيه ويرغب، وهذا أنفس مالي أي أحبّه وأكرمه عندي، ويقال: نفس الشّيء نفاسة أي صار نفيسا، ونافست في الشّيء منافسة ونفاسا، إذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم، وتنافسوا فيه: أي رغبوا. وقال ابن منظور: النّفس في كلام العرب على ضربين: أحدهما: قولك خرجت نفس فلان أي روحه، وفي نفس فلان أن يفعل كذا، أي في روعه. والآخر: جملة الشّيء وحقيقته، تقول قتل فلان نفسه، وأهلك نفسه، أي أوقع الإهلاك بذاته كلّها، وجمع النّفس أنفس (في القلّة) ونفوس (في الكثرة) ، قال ابن خالويه: النّفس: الرّوح، والنّفس: ما يكون به التّمييز، والنّفس الدّم، والنّفس: الأخ، والنّفس بمعنى عند، أمّا النّفس بمعنى الرّوح، والنّفس ما يكون به   (1) لسان العرب (3/ 133- 135) . والصحاح (2/ 460) . ومقاييس اللغة (1/ 486) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3303 التّمييز فشاهده قول الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (الزمر/ 42) ، فالنّفس هي الّتي تزول بزوال الحياة، والنّفس الثّانية هي الّتي تزول بزوال العقل، وأمّا النّفس بمعنى الدّم فشاهده قول السّموأل: تسيل على حدّ الظّبات نفوسنا ... وليست على غير الظّبات تسيل وأمّا النّفس بمعنى الأخ فشاهده قول الله تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ (النور/ 61) . وقال ابن الأنباريّ: النّفس: الغيب، لأنّ النّفس لمّا كانت غائبة أوقعت على الغيب، كأنّه قال: تعلم غيبي يا علّام الغيوب. والعرب قد تجعل النّفس الّتي يحصل بها التّمييز نفسين، وذلك أنّ النّفس قد تأمر بالشّيء وتنهى عنه، وذلك عند الإقدام على أمر مكروه، فجعلوا الّتي تأمره نفسا، وجعلوا الّتي تنهاه كأنّها نفس أخرى. والنّفس يعبّر بها عن الإنسان جميعه، كقولهم عندي ثلاثة أنفس، وذلك كما في قوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (الزمر/ 56) وروي عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: لكلّ إنسان نفسان: إحداهما نفس العقل الّذي يكون به التّمييز، والأخرى: نفس الرّوح الّذي به الحياة، وقال بعض اللّغويّين: النّفس والرّوح واحد، وقال آخرون: هما متغايران إذ النّفس هي الّتي بها العقل، والرّوح هي الّتي بها الحياة، وسمّيت النّفس نفسا لتولّد النّفس منها واتّصاله بها، كما سمّوا الرّوح روحا لأنّ الروح موجود بها. ومن معاني النّفس أيضا: العظمة والكبر، والعزّة، والهمّة، وعين الشّيء وكنهه وجوهره، والأنفة، والعين (الّتي تصيب المعين أي من أصابته العين الحاسدة) «1» . النفس اصطلاحا: النّفس: هي الجوهر البخاريّ اللّطيف الحامل لقوّة الحياة والحسّ والحركة الإراديّة «2» . أنواع النفس: 1- النّفس الأمّارة: وهي الّتي تميل إلى الطّبيعة البدنيّة وتأمر باللّذّات والشّهوات الحسّيّة، وتجذب القلب إلى الجهة السّفليّة، فهي مأوى الشّرور، ومنبع الأخلاق الذّميمة (وهذه هي النّفس الّتي يجب مجاهدتها) . 2- النّفس اللّوّامة: وهي الّتي تنوّرت بنور القلب قدر ما تنبّهت به عن سنة الغفلة، وكلّما صدرت عنها سيّئة بحكم جبلّتها أخذت تلوم نفسها. 3- النّفس المطمئنّة: وهي الّتي تمّ تنوّرها بنور القلب، حتّى انخلعت عن صفاتها الذّميمة وتخلّقت بالأخلاق الحميدة «3» . وقال الجاحظ: وللنّفس ثلاث قوى وهي تسمّى أيضا نفوسا، وهي: النّفس الشّهوانيّة: ويشترك فيها الإنسان وسائر الحيوان. النّفس الغضبيّة: وهي أيضا قاسم مشترك بين   (1) انظر الصحاح (3/ 984) ، والمقاييس (5/ 460) ، ولسان العرب (6/ 233- 237) ط. بيروت. (2) التعريفات للجرجاني (262) . (3) التعريفات (263) (بإيجاز وتصرف يسير) ، وهناك أقسام أخرى ذكرها الجرجاني إلا أنها لا تتعلق بما نحن فيه مثل النفس النباتية والإنسانية والناطقة الخ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3304 الإنسان والحيوان. النّفس النّاطقة: وهي الّتي يتميّز بها الإنسان على سائر الحيوان «1» . مجاهدة النفس اصطلاحا: محاربة النّفس الأمّارة بالسّوء بتحميلها ما يشقّ عليها بما هو مطلوب في الشّرع «2» . وقال المناويّ: وقيل (المجاهدة) هي حمل النّفس على المشاقّ البدنيّة ومخالفة الهوى، وقيل: هي بذل المستطاع في أمر المطاع (أي المولى- عزّ وجلّ) «3» . منزلة مجاهدة النفس: قال ابن علّان: المجاهدة: مفاعلة من الجهد: أي الطّاقة، فإنّ الإنسان يجاهد نفسه باستعمالها فيما ينفعها حالا ومآلا، وهي تجاهده بما تركن إليه «4» . قال ابن حجر- رحمه الله- في قوله- يعني البخاري- (باب من جاهد نفسه في طاعة الله- عزّ وجلّ-) : يعني بيان فضل من جاهد، والمراد بالمجاهدة: كفّ النّفس عن إرادتها من الشّغل بغير العبادة. وقال ابن بطّال: جهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكمل، قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (النازعات/ 40) . ويقع بمنع النّفس عن المعاصي، وبمنعها من الشّبهات، وبمنعها من الإكثار من الشّهوات المباحة لتتوفّر لها في الآخرة. قلت: ولئلّا يعتاد الإكثار فيألفه فيجرّه إلى الشّبهات، فلا يأمن أن يقع في الحرام. كيفية المجاهدة: وعن أبي عمرو بن بجيد: من كرم عليه دينه هانت عليه نفسه. قال القشيريّ: أصل مجاهدة النّفس فطمها عن المألوفات، وحملها على غير هواها. وللنّفس صفتان: انهماك في الشّهوات، وامتناع عن الطّاعات، فالمجاهدة تقع بحسب ذلك. قال بعض الأئمّة: جهاد النّفس داخل في جهاد العدوّ، فإنّ الأعداء ثلاثة: رأسهم الشّيطان، ثمّ النّفس لأنّها تدعو إلى اللّذّات المفضية إلى الوقوع في الحرام الّذي يسخط الرّبّ، والشّيطان هو المعين لها على ذلك ويزيّنه لها. فمن خالف هوى نفسه قمع شيطانه، فمجاهدة نفسه حملها على اتّباع أوامر الله واجتناب نواهيه. وإذا قوي العبد على ذلك سهل عليه جهاد أعداء الدّين، فالأوّل: الجهاد الباطن والثّاني: الجهاد الظّاهر. وجهاد النّفس أربع مراتب: حملها على تعلّم أمور الدّين، ثمّ حملها على العمل بذلك، ثمّ حملها على تعليم من لا يعلم، ثمّ الدّعاء إلى توحيد الله، وقتال من خالف دينه وجحد نعمه. وأقوى المعين على جهاد النّفس جهاد الشّيطان بدفع ما يلقي إليه من الشّبهة والشّكّ، ثمّ تحسين ما نهي عنه من المحرّمات، ثمّ ما يفضي الإكثار منه إلى الوقوع في الشّبهات، وتمام المجاهدة أن يكون متيقّظا لنفسه في جميع أحواله، فإنّه متى غفل عن ذلك استهواه شيطانه ونفسه إلى الوقوع في المنهيّات وبالله التّوفيق «5» . وقال الغزاليّ- رحمه الله-: قد اتّفق العلماء   (1) تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 15) . (2) كتاب التعريفات (204) . (3) التوقيف (ص 297) ، وقد ذكر تعريفات أخرى أقرب إلى تجليات الصوفية. (4) دليل الفالحين (1/ 302) . (5) فتح الباري (11/ 345- 346) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3305 على أن لا طريق إلى سعادة الآخرة إلّا بنهي النّفس عن الهوى ومخالفة الشّهوات. فالإيمان بهذا واجب. وأمّا علم تفصيل ما يترك من الشّهوات وما لا يترك فلا يدرك إلّا بطريق الشّرع. وطريق المجاهدة والرّياضة لكلّ إنسان تختلف بحسب اختلاف أحواله. والأصل فيه أن يترك كلّ واحد ما به فرحه من أسباب الدّنيا، فالّذي يفرح بالمال، أو بالجاه، أو بالقبول في الوعظ، أو بالعزّ في القضاء والولاية، أو بكثرة الأتباع في التّدريس والإفادة، فينبغي أن يترك أوّلا ما به فرحه، فإنّه إن منع عن شيء من ذلك وقيل له: ثوابك في الآخرة لم ينقص بالمنع، فكره ذلك وتألّم به فهو ممّن فرح بالحياة الدّنيا واطمأنّ بها، وذلك مهلك في حقّه. ثمّ إذا ترك أسباب الفرح فليعتزل النّاس، ولينفرد بنفسه، وليراقب قلبه، حتّى لا يشتغل إلّا بذكر الله تعالى والفكر فيه. وليترصّد لما يبدو في نفسه من شهوة ووسواس، حتّى يقمع مادتّه مهما ظهر، فإنّ لكلّ وسوسة سببا، ولا تزول إلّا بقطع ذلك السّبب والعلاقة. وليلازم ذلك بقيّة العمر فليس للجهاد آخر إلّا بالموت «1» . وقال ابن حجر- رحمه الله- في شرح المشكاة في شرح حديث ربيعة بن كعب عندما سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المرافقة في الجنّة: جاهد نفسه بكثرة سجوده حصلت له تلك الدّرجة العليّة الّتي لا مطمع في الوصول إليها إلّا بمزيد الزّلفى عند الله في الدّنيا بكثرة السّجود المومإ إليه بقوله تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (العلق/ 19) فكلّ سجدة فيها قرب مخصوص لتكفّلها بالرّقيّ إلى درجة من درجات القرب وهكذا حتّى ينتهي إلى درجة المرافقة لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم، فنتج من هذا الّذي هو على منوال قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/ 31) أنّ القرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يحصل إلّا بالقرب من الله تعالى. وأنّ القرب من الله تعالى لا ينال إلّا بالقرب من رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فالقربان متلازمان لا انفكاك لأحدهما عن الآخر البتّة. ومن ثمّ أوقع تعالى متابعة رسوله بين تلك المحبّتين ليعلّمنا أنّ محبّة العبد لله ومحبّته للعبد متوقّفتان على متابعة رسوله «2» . النفس التي يجب مجاهدتها: لا شكّ أنّ كلّا من النّفس المطمئنّة واللّوّامة، لا يصدر عنهما إلّا الأخلاق الحميدة، فعن النّفس الأولى يكون اليقين والطّمأنينة والخشوع والإخبات ونحو ذلك من الصّفات الحميدة، أمّا النّفس اللّوّامة فإنّها مبعث التّوبة والاستغفار والإنابة ونحوها، ولا يتبقّى سوى النّفس الأمّارة بالسّوء، وهي منبع الشّرور وأساس الأخلاق الذّميمة من الحسد والكبر والغضب والعدوان ونحو ذلك. أمّا إذا نظرنا إلى قوى النّفس الغضبيّة والشّهوانيّة والنّاطقة، وهي كلّها تسمّى أيضا نفوسا فإنّها جميعا في حاجة إلى المجاهدة، لا أنّها جميعا تؤثّر في الأخلاق، محمودها ومذمومها، فالنّفس الشّهوانيّة قويّة جدّا متى لم يقهرها الإنسان ويؤدّبها ملكته واستولت عليه وانقاد لها فكان بالبهائم أشبه منه بالإنسان ومتى كان كذلك اتّصف بالفجور وغلب عليه اللهو واللّعب وارتكب الفواحش. أمّا النّفس الغضبيّة فلا بدّ أيضا من مجاهدتها وتملّكها وإلّا كثر غضب الإنسان وظهر خرقه واشّتدّ   (1) إحياء علوم الدين (3/ 67- 69) . (2) دليل الفالحين (1/ 318) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3306 حقده ومال إلى الانتقام، وهذه كلّها أفعال تورّط صاحبها وتوقعه في المهاوي والمهالك إذ يغلب الحسد والطّيش والقحة واللّجاج. أمّا النّفس النّاطقة وهي الّتي يكون بها الفكر والذّكر، وهذه صفات حميدة، ولكن لهذه النّفس إلى جانب ذلك رذائل لا بدّ من مجاهدتها عليها، وهي الخبث والحيلة والملق والمكر والرّياء ونحو ذلك «1» . جهاد النّفس يوصل إلى الأخلاق الحميدة: وجهاد النّفس أساس كبير في تهيّؤ الإنسان للخلافة في الأرض، وحتّى تطهر تلك النّفس بالمجاهدة فإنّ لذلك أسبابه ودواعيه، يقول الرّاغب: والّذي يطهّر النّفس: العلم والعبادات الموظّفة الّتي هي سبب الحياة الأخرويّة، كما أنّ الّذي يطهر به البدن هو الماء الّذي هو سبب الحياة الدّنيويّة، ولذلك سمّاها: الحياة وسمّي ما أنزل الله تعالى في كتابه: الماء، فقال اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ (الأنفال/ 24) . فسمّى العلم والعبادة حياة من حيث إنّ النّفس متى فقدتهما هلكت هلاك الأبد، كما قال في وصف الماء: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء 30) . وطهارة النّفس تتحقّق بإصلاح الفكر بالتّعلّم حتّي يميز بين الحقّ والباطل في الاعتقاد، وبين الصّدق والكذب في المقال، وبين الجميل والقبيح في الفعال، وإصلاح الشّهوة بالعفّة حتّى تسلس بالجود، والمواساة المحمودة بقدر الطّاقة، وإصلاح الحميّة بإسلاسها حتّى يحصل التّحكّم، وهو كفّ النّفس عن قضاء وطر الخوف وعن الحرص المذمومين، وبإصلاح هذه القوى الثّلاث يحصل للنّفس العدالة والإحسان «2» . مراتب مجاهدة النّفس: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: جهاد النّفس على أربع مراتب: الأولى: مجاهدتها على تعلّم الهدى ودين الحقّ. الثّانية: مجاهدتها على العمل به (أي بالهدى ودين الحقّ) بعد علمه. الثّالثة: مجاهدتها على الدّعوة إلى الحقّ. الرّابعة: مجاهدتها على الصّبر على مشاقّ الدّعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمّل ذلك كلّه لله. ثمّ قال- رحمه الله- عقب ذلك: فإذا استكمل (المسلم) هذه المراتب الأربع صار من الرّبّانيّين، فإنّ السّلف مجمعون على أنّ العالم لا يستحقّ أن يسمّى ربّانيّا حتّى يعرف الحقّ ويعمل به ويعلّمه، فمن علم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السّموات «3» . [للاستزادة: انظر صفات: محاسبة النفس- التواضع- جهاد الأعداء- العزم والعزيمة- كظم الغيظ- القوة والشدة- قوة الإرادة- الصبر والمصابرة الرجولة- التقوى- أكل الطيبات- المراقبة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- التفريط والإفراط- أكل الحرام- الغرور- الغلول- الكبر والعجب- التطفيف- الغش] .   (1) تهذيب الأخلاق للجاحظ (2015) بتصرف واختصار. (2) الذريعة للراغب (38، 48) . (3) زاد المعاد (3/ 10- 11) بتصرف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3307 الآيات الواردة في «مجاهدة النفس» معنى 1- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) «1» 2- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) * وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) «2» 3- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «3» 4- لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) «4» 5- وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «5» 6- وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) «6»   (1) الأنعام: 52 مكية (2) يوسف: 23. 30 مكية (3) الكهف: 28 مكية (4) القيامة: 1- 4 مكية (5) النازعات: 40- 41 مكية (6) الشمس: 7- 9 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3308 الأحاديث الواردة في (مجاهدة النفس) 1- * (عن فضالة بن عبيد يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «كلّ ميّت يختم على عمله إلّا الّذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنّه ينمّى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر» وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المجاهد من جاهد نفسه» ) * «1» . 2- * (عن سبرة بن أبي فاكه- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قعد «2» لابن آدم بأطرقه، قعد في طريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟ فعصاه وأسلم، وقعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنّما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطّول «3» ، فعصاه فهاجر، ثمّ قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد؟ فهو جهد النّفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال؟ فعصاه فجاهد، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فمن فعل ذلك كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، وإن غرق كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، أو وقصته دابّته كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة» ) * «4» . الأحاديث الواردة في (مجاهدة النفس) معنى 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدّرجات؟» قالوا: بلى. يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة. فذلكم الرّباط» «5» ) * «6» .   (1) أحمد في المسند (6/ 20- 22) ، والترمذي (1621) واللفظ له. وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (2500) إلى قوله «فتنة القبر» وقال محقق جامع الأصول (11/ 21) : إسناده حسن. (2) إن الشيطان قعد: قد جاء في لفظ الحديث، قال «قعد الشيطان لابن آدم بأطرقه» يريد جمع طريق، والمعروف في جمع طريق: أطرقة، وهو جمع قلة، والكثرة: طرق، فأما أطرق في جمع طريق فلم أسمعه ولا رأيته، وأما أفعلة في جميع فعيل، فقد جاء كثيرا، قالوا: رغيف وأرغفة، وجريب وأجربة، وكثيب وأكثبة، وسرير وأسرة، فأما أفعل في جمع فعيل: فلم يجىء إلا فيما كان مؤنثا نحو: يمين وأيمن، فإن كان نظر في جمع طريق إلى جواز تأنيثها، فجمعها جمع المؤنث، فقال طريق وأطرق، فيجوز فإن الطريق يذكر ويؤنث، تقول: الطريق الأعظم، والطريق العظمى. (3) الطّول: الحبل. (4) النسائي (6/ 21- 22) . في الجهاد. وقال محقق جامع الأصول (9/ 540- 541) واللفظ له إسناده حسن وصححه ابن حبان وحسنه الحافظ في الإصابة (3/ 64) (5) فذلكم الرباط: أي الرباط المرغب فيه، وأصل الرباط على الشيء، كأنه حبس نفسه على هذه الطاعات. (6) مسلم برقم (251) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3309 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا «1» فقد آذنته «2» بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه. وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت، وأنا أكره مساءته» ) * «3» . 5- * (عن معقل بن يسار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «العبادة في الهرج كهجرة إليّ «4» » ) * «5» . 6- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله! غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع. فلمّا كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد ابن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون، فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه «6» . قال أنس: كنّا نرى- أو نظنّ- أنّ هذه الاية نزلت فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) إلى آخر   (1) من عادى لي وليا: المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته. وقد استشكل وجود أحد يعاديه لأن المعاداة إنما تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه، وأجيبب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلا، بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر، والمبتدع في بغضه للسني، فتقع المعاداة من الجانبين، أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله، وأما من جانب الآخر فلما تقدم، وكذا الفاسق المجاهر ببغضه الولي في الله وببغضه الآخر لإنكاره عليه ملازمته لنهيه عن شهواته. وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع من أحد الجانبين بالفعل ومن الآخر بالقوة، قال الكرماني: قوله «لي» هو في الأصل صفة لقوله «وليّا» لكنه لما تقدم صار حالا. وقال ابن هبيرة في الإفصاح: قوله «عادى لي وليا» أي اتخذه عدوا ولا أرى المعنى إلا أنه عاداه من أجل ولايته وهو وإن تضمن التحذير من إيذاء قلوب أولياء الله ليس على الإطلاق بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع إلى استخراج حق أو كشف غامض. فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة، وبين العباس وعلي، إلى غير ذلك من الوقائع:- فتح الباري (11/ 350) . (2) فقد آذنته: بالمد وفتح المعجمة بعدها نون أي أعلمته، والإيذان الإعلام، ومنه أخذ الأذان، فتح الباري (11/ 350) . (3) البخاري. انظر الفتح 11 (6502) . (4) العبادة في الهرج كهجرة إلي: المراد بالهرج هنا الفتن واختلاط أمور الناس وأن أفرادا هم الذين يجاهدون أنفسهم على لزوم العبادة. (5) مسلم برقم (2948) . (6) البنان: أطراف الأصابع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3310 الآية» ) * «1» . 7- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه. وكان لا تخطئه صلاة. قال:- فقيل له: أو قلت له-: لو اشتريت حمارا تركبه في الظّلماء وفي الرّمضاء. قال: ما يسرّني أنّ منزلي إلى جنب المسجد. إنّي أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد جمع الله لك ذلك كلّه» ) * «2» . 8- * (عن ربيعة بن كعب الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: «سل» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنّة. قال «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك. قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» ) * «3» . 9- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» ، ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: «الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل شعار الصّالحين «4» ، قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) ثمّ قال: ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ، ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك «5» ذلك كلّه؟» قلت: بلى، يا نبيّ الله، فأخذ بلسانه، قال: «كفّ عليك هذا» فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ قال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم؟!» ) * «6» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا خلق الله الجنّة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثمّ جاء، فقال: أي ربّ، وعزّتك لا يسمع بها أحد إلّا دخلها، ثمّ حفّها بالمكاره، ثمّ قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثمّ جاء فقال: أي   (1) البخاري- الفتح 6 (2805) واللفظ له ومسلم برقم (1903) . (2) مسلم (663) . (3) مسلم (489) . (4) شعار الصالحين: الشعار العلامة، وهو: ما يتنادى به الناس في الحرب مما يكون بينهم علامة يتعارفون بها. (5) الملاك- بكسر الميم وفتحها- قوام الشيء ونظامه وما يعتمد عليه فيه. (6) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وأحمد في المسند، وابن ماجه، وقال محقق جامع الأصول (9/ 534- 535) : هو حديث صحيح بطرقه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3311 ربّ، وعزّتك، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد» قال: «فلمّا خلق الله النّار قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثمّ جاء فقال: أي ربّ، وعزّتك، لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفّها بالشّهوات، ثمّ قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثمّ جاء فقال: أي ربّ، وعزّتك، لقد خشيت ألّا يبقى أحد إلّا دخلها» ) * «1» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد من يملك نفسه عند الغضب» ) * «2» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: أنا عند ظنّ عبدي بي «3» . وأنا معه إذا ذكرني. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. وإن تقرّب إليّ شبرا، تقرّبت إليه ذراعا. وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا. وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ) * «4» . 13- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال «5» ومواقع القطر «6» يفرّ بدينه من الفتن» ) * «7» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (مجاهدة النفس) 14- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى حتّى انتفخت قدماه. فقيل له: أتكلّف هذا «8» ؟ وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فقال «أفلا أكون عبدا شكورا» ) * «9» .   (1) أبو داود (4744) واللفظ له وقال الألباني (3/ 898) : حسن صحيح. والترمذي (2563) وقال: حسن وأصله في الصحيحين. انظر صحيح مسلم رقم (2822، 2823) . والنسائي (7/ 43) الأيمان والنذور. (2) البخاري- الفتح 10 (6114) واللفظ له. ومسلم برقم (2609) . (3) أنا عند ظن عبدي بي: قال القاضي: قيل معناه بالغفران له إذا استغفر، والقبول إذا تاب، والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب الكفاية. وقيل: المراد به الرجاء وتأميل العفو. وهذا أصح. (4) البخاري. انظر الفتح 13 (7405) واللفظ له ومسلم برقم (2675) . وكذلك عند البخاري من حديث أنس (7536) مختصرا. (5) شعف الجبال: يريد به رأس جبل من الجبال. (6) مواقع القطر: أي مواطن المطر. (7) البخاري- الفتح 1 (19) . (8) أتكلّف هذا؟ أي أتتكلف هذا؟ فحذفت إحدى التاءين. (9) البخاري- الفتح 3 (1130) . ومسلم (2819) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3312 15- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء. قلنا: وما هممت؟ قال: أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 16- * (عن حذيفة؛ قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فافتتح البقرة. فقلت «2» : يركع عند المائة. ثمّ مضى. فقلت «3» : يصلّي بها في ركعة. فمضى. فقلت: يركع بها. ثمّ افتتح النّساء فقرأها. ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا. إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح. وإذا مرّ بسؤال سأل. وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ. ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» فكان ركوعه نحوا من قيامه. ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» ثمّ قام طويلا. قريبا ممّا ركع. ثمّ سجد فقال: «سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه) * «4» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا دخل العشر «5» ، أحيا اللّيل، وأيقظ أهله، وجدّ وشدّ المئزر) * «6» . 18- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى، قام حتّى تفطّر «7» رجلاه. فقالت عائشة: يا رسول الله، أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال: «يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكورا» ) * «8» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (مجاهدة النفس) 1- * (قال عيسى- عليه السّلام-: «طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غائب لم يره) » * «9» . 2- * (قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- في وصيّته لعمر حين استخلفه: «إنّ أوّل ما أحذّرك: نفسك الّتي بين جنبيك» ) * «10» . 3- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (الحاقة/ 18)) * «11» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1135) . (2) فقلت أي في نفسي، يعني ظننت أنه يركع عند مائة آية. (3) فقلت يصلي بها في ركعة: معناه ظننت أنه يسلم بها، فيقسمها ركعتين. وأراد بالركعة الصلاة بكاملها، وهي ركعتان، ولا بد من هذا التأويل لينتظم الكلام بعده، وعلى هذا فقوله: ثم مضى، معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أنه لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة. فحينئذ قلت: يركع الركعة الأولى بها، فجاوز وافتتح النساء. (4) مسلم (772) . (5) إذا دخل العشر: أي العشر الأواخر من رمضان. (6) البخاري- الفتح 4 (2024) . ومسلم (1174) واللفظ له (7) تفطر: أصلها تتفطر. حذفت إحدى التاءين. أي تتشقق. (8) البخاري- الفتح 8 (4837) . ومسلم (2820) واللفظ له. (9) إحياء علوم الدين (3/ 71) . (10) جامع العلوم والحكم (172) . (11) مدارج السالكين (1/ 189- 190) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3313 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت عمر بن الخطّاب- وخرجت معه، حتّى إذا دخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط-: «عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين بخ بخ. والله يا ابن الخطّاب لتتّقينّ الله، أو ليعذبنّك» ) * «1» . 5- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «أوّل ما تنكرون من جهادكم أنفسكم» ) * «2» . 6- * (في السّنن لسعيد بن منصور قال: «حدّثنا عبد الوهّاب بن وهب، أخبرني عمر بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال: أنّه بلغه أنّ ابن رواحة- فذكر شعرا له- قال: فلمّا التقوا أخذ الرّاية زيد ابن حارثة، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذها جعفر، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذها ابن رواحة فحاد حيدة فقال: أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... كارهة أو لتطاوعنّه ما لي أراك تكرهين الجنّه ثمّ نزل فقاتل حتّى قتل) * «3» . 7- * (سأل أحدهم عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن الجهاد، فقال له: «ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها) » * «4» . 8- * (عن عمّار بن ياسر قال: ثلاث من جمعهنّ جمع الإيمان: «الإنصاف من نفسه، والإنفاق من الإقتار، وبذل السّلام للعالم» ) * «5» . 9- * (قال إبراهيم بن علقمة لقوم جاءوا من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: وما الجهاد الأكبر؟، قال: جهاد القلب) * «6» . 10- * (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله-: ما عالجت شيئا أشدّ عليّ من نفسي، مرّة لي ومرّة عليّ) * «7» . 11- * (كان أبو العبّاس الموصليّ، يقول لنفسه: يا نفس، لا في الدّنيا مع أبناء الملوك تتنعّمين، ولا في طلب الآخرة مع العبّاد تجتهدين، كأنّى بك بين الجنّة والنّار تحبسين، يا نفس ألا تستحيين) * «8» . 12- * (قال الحسن: ما الدّابّة الجموح بأحوج إلى اللّجام الشّديد من نفسك) * «9» . 13- * (قال ميمون بن مهران: لا يكون الرّجل تقيّا حتّى يحاسب نفسه محاسبة شريكه وحتّى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه) * «10» . 14- * (قال ابن المبارك: فقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ   (1) أخرجه في الموطأ (2/ 992) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 19) : إسناده صحيح. (2) جامع العلوم والحكم (171) . (3) فتح الباري (7/ 584) . (4) جامع العلوم والحكم (171) . (5) كتاب الزهد لوكيع (2/ 504) . (6) جامع العلوم والحكم (171) . (7) إحياء علوم الدين (3/ 71) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (10) كتاب الزهد لوكيع (2/ 501- 502) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3314 النّصر مع الصّبر» يشمل النّصر في الجهادين: جهاد العدوّ الظّاهر وجهاد العدوّ الباطن. فمن صبر فيهما نصر وظفر بعدوّه، ومن لم يصبر فيهما وجزع. قهر وصار أسيرا لعدوّه أو قتيلا له) * «1» . 15- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: لا يسيء الظّنّ بنفسه إلّا من عرفها. ومن أحسن الظّنّ بنفسه فهو من أجهل النّاس بنفسه) * «2» . 16- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: إنّ النّفس عدوّ منازع، يجب علينا مجاهدتها) * «3» . 17- * (نقل ابن رجب في مجاهدة النّفس عن أبى بكر قوله: وهذا الجهاد يحتاج أيضا إلى صبر، فمن صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلبهم، وحصل له النّصر والظّفر، وملك نفسه فصار ملكا عزيزا، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غلب وقهر وأسر، وصار عبدا ذليلا أسيرا في يد شيطانه وهواه كما قيل: إذا المرء لم يغلب هواه أقامه ... بمنزلة فيها العزيز ذليل «4» 18- * (وقال- رحمه الله- بعد أن ساق كثيرا من الأحاديث والآثار في جهاد العدوّ الخارجيّ: «وكذلك جهاد العدوّ الباطن، وهو جهاد النّفس والهوى؛ فإنّ جهادهما من أعظم الجهاد» ) * «5» . 19- * (قال الشّاعر: يا من يجاهد غازيا أعداء دي ... ن الله يرجو أن يعان وينصرا هلّا غشيت النّفس غزوا إنّها ... أعدى عدوّك كي تفوز وتظفرا مهما عنيت جهادها وعنادها ... فلقد تعاطيت الجهاد الأكبرا «6» . 20- * (قال الفيروز آباديّ: والحقّ أن يقال: المجاهدة ثلاثة أضرب: مجاهدة العدوّ الظّاهر ومجاهدة الشّيطان، ومجاهدة النّفس. والمجاهدة تكون باليد واللّسان) * «7» . 21- * (لله درّ من يقول: كلّما عظم المطلوب في قلبك، صغرت نفسك عندك، وتضاءلت القيمة الّتي تبذلها في تحصيله، وكلّما شهدت حقيقة الرّبوبيّة وحقيقة العبوديّة، وعرفت الله وعرفت النّفس، وتبيّن لك أنّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحقّ، ولو جئت بعمل الثّقلين خشيت عاقبته وإنّما يقبله بكرمه وجوده وتفضّله. ويثيبك عليه أيضا بكرمه وجوده وتفضّله) * «8» . 22- * (قال يحيى بن معاذ الرّازيّ: أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدّنيا بالزّهد فيها، ومن الشّيطان بمخالفته، ومن النّفس بترك الشّهوات) * «9» .   (1) جامع العلوم والحكم (172) . (2) مدارج السالكين (1/ 191) . (3) إحياء علوم الدين (3/ 65) . (4) جامع العلوم والحكم (172) . (5) المرجع السابق (171) . (6) بصائر ذوي التمييز (2/ 402) . (7) المرجع السابق (2/ 403) . (8) مدارج السالكين (1/ 196) . (9) إحياء علوم الدين (3/ 71) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3315 23- * (وقال أيضا: جاهد نفسك بأسياف الرّياضة. والرّياضة على أربعة أوجه: القوت من الطّعام، والغمض من المنام، والحاجة من الكلام، وحمل الأذى من جميع الأنام، فيتولّد من قلّة الطّعام موت الشّهوات، ومن قلّة المنام صفو الإرادات، ومن قلّة الكلام السّلامة من الآفات، ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات. وليس على العبد شيء أشدّ من الحلم عند الجفاء، والصّبر على الأذى، وإذا تحرّكت من النّفس إرادة الشّهوات والآثام، وهاجت منها حلاوة فضول الكلام جرّدت سيوف قلّة الطّعام من غمد التّهجّد وقلّة المنام، وضربتها بأيدي الخمول وقلّة الكلام، حتّى تنقطع عن الظّلم والانتقام، فتأمن من بوائقها من بين سائر الأنام، وتصفّيها من ظلمة شهواتها فتنجو من غوائل آفاتها، فتصير عند ذلك نظيفة ونوريّة خفيفة روحانيّة، فتجول في ميدان الخيرات، وتسير في مسالك الطّاعات، كالفرس الفاره في الميدان وكالملك المتنزّه في البستان) * «1» . 24- * (كان مالك بن دينار يطوف في السّوق فإذا رأى الشّيء يشتهيه قال لنفسه: اصبري، فو الله ما أمنعك إلّا من كرامتك عليّ) * «2» . 25- * (قال بعض العارفين في قوله تعالى وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا (العنكبوت/ 69) : ومن جملة المجاهدات مجاهدة النّفس بالصّبر عند الابتلاء، ليعقب ذلك أنس الصّفاء، وينزع عنه لباس الجفاء) * «3» . من فوائد (مجاهدة النفس) (1) إخضاع النّفس والهوى لطاعة الله عزّ وجلّ. (2) إبعادها عن الشّهوات وصدّ القلب عن التّمنّي والتّشهّي. (3) تعوّد الصّبر عند الشّدائد على الطّاعات وعن المعاصي. (4) طريق قويم يوصّل إلى رضوان الله تعالى والجنّة. (5) قمع للشّيطان ووساوسه. (6) نهي النّفس عن الهوى فيه خير الدّنيا والآخرة. (7) من جاهد نفسه وأدّبها سما بين أقرانه وفي مجتمعه. (8) سوء الظّنّ بالنّفس يعين على محاسبتها، وتأديبها. (9) من يجاهد نفسه يمتلك ناصية الخير ويصبح حسن الأخلاق. (10) تحقّق إنكار الذّات وتصفّي الجماعة من الأثرة الضّارة بالجماعة والمجتمع.   (1) إحياء علوم الدين (3/ 66) . (2) المرجع السابق (3/ 67) . (3) دليل الفالحين (1/ 302) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3316 محاسبة النفس المحاسبة لغة: مصدر حاسب يحاسب، وهو مأخوذ من مادّة (ح س ب) الّتي تدلّ على العدّ، تقول: حسبت الشّيء أحسبه حسبا وحسبانا، وحسابا وحسابة إذا عددته، والمعدود: محسوب وحسب أيضا والأخير فعل بمعنى مفعول، ومنه قولهم: ليكن عملك بحسب ذلك أي على قدره وعدده، وحاسبته من المحاسبة، واحتسبت عليه كذا: إذا أنكرته عليه، وشيء حساب أي كاف، ومنه قوله تعالى: عَطاءً حِساباً (النبأ/ 36) أي كافيا، وقول الله تعالى: فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً (الطلاق/ 8) . إشارة إلى نحو ما روي «من نوقش في الحساب معذّب» والحسيب والمحاسب: من يحاسبك، ثمّ عبّر به عن المكافىء في الحساب. وفي قول الله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (البقرة/ 212) أوجه عديدة منها: أنّه يعطي المؤمن ولا يحاسبه عليه، ووجه ذلك أنّ المؤمن لا يأخذ من الدّنيا إلّا قدر ما يجب، وكما يجب، وفي وقت ما يجب، ولا ينفق إلّا كذلك، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله حسابا يضرّه كما روي: من حاسب نفسه في الدّنيا لم يحاسبه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 1/ 3/ 15 الله يوم القيامة. وقال ابن منظور: الحساب والمحاسبة: عدّك الشّيء، وحسب الشّيء يحسبه، بالضّمّ، حسبا وحسابا وحسابة: عدّه. وحاسبه: من المحاسبة. ورجل حاسب من قوم حسّب وحسّاب. وقوله تعالى: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ، أي حسابه واقع لا محالة، وكلّ واقع فهو سريع، وسرعة حساب الله، أنّه لا يشغله حساب واحد عن محاسبة الآخر، وقوله- عزّ وجلّ-: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (الإسراء/ 14) ، أي كفى بك لنفسك محاسبا «1» . النفس لغة واصطلاحا: (انظر مجاهدة النفس) المحاسبة اصطلاحا: قال المناويّ: المحاسبة: هي استيفاء الأعداد فيما للمرء أو عليه «2» . محاسبة النفس اصطلاحا: قال الإمام الماورديّ: محاسبة النّفس: أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره فإن كان محمودا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان   (1) لسان العرب (1/ 313- 314) ، ومقاييس اللغة (2/ 59) ، والصحاح (1/ 110) ، والمفردات (117) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (298) وفي الأصل «فيما للمراد وعليه» وهو تصحيف واضح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3317 مذموما استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله فى المستقبل «1» . أهمية محاسبة النفس: قال الغزاليّ- رحمه الله-: اعلم أنّ مطالب المتعاملين في التّجارات المشتركين في البضائع عند المحاسبة سلامة الرّبح، وكما أنّ التّاجر يستعين بشريكه فيسلّم إليه المال حتّى يتّجر ثمّ يحاسبه، فكذلك العقل هو التّاجر في طريق الآخرة وإنّما مطلبه وربحه تزكية النّفس لأنّ بذلك فلاحها، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) وإنّما فلاحها بالأعمال الصّالحة. والعقل يستعين بالنّفس في هذه التّجارة إذ يستعملها ويستسخرها فيما يزكّيها كما يستعين التّاجر بشريكه وغلامه الّذي يتّجر في ماله، وكما أنّ الشّريك يصير خصما منازعا يجاذبه في الرّبح فيحتاج إلى أن يشارطه أوّلا ويراقبه ثانيا، ويحاسبه ثالثا، ويعاقبه أو يعاتبه رابعا؛ العقل يحتاج إلى مشارطة النّفس أوّلا فيوظّف عليها الوظائف، ويشرط عليها الشّروط، ويرشدها إلى طريق الفلاح، ويجزم عليها الأمر بسلوك تلك الطّرق، ثمّ لا يغفل عن مراقبتها لحظة، فإنّه لو أهملها لم ير منها إلّا الخيانة وتضييع رأس المال، كالعبد الخائن إذا خلا له الجوّ وانفرد بالمال. ثمّ بعد الفراغ ينبغي أن يحاسبها، ويطالبها بالوفاء بما شرط عليها، فإنّ هذه تجارة ربحها الفردوس الأعلى، وبلوغ سدرة المنتهى مع الأنبياء والشّهداء، فتدقيق الحساب في هذا مع النّفس أهمّ كثيرا من تدقيقه في أرباح الدّنيا مع أنّها محتقرة بالإضافة إلى نعيم العقبى، ثمّ كيفما كانت فمصيرها إلى التّصرّم والانقضاء، ولا خير في خير لا يدوم، بل شرّ لا يدوم خير من خير لا يدوم، لأنّ الشّرّ الّذي لا يدوم إذا انقطع بقي الفرح بانقطاعه دائما وقد انقضى الشّرّ، والخير الّذي لا يدوم يبقى الأسف على انقطاعه دائما، وقد انقضى الخير. ولذلك قيل: أشدّ الغمّ عندي في سرور ... تيقّن عنه صاحبه انتقالا فحتم على ذي حزم آمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتّضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها، فإنّ كلّ نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد، فانقباض هذه الأنفاس- ضائعة أو مصروفة إلى ما يجلب الهلاك- خسران عظيم هائل، لا تسمح به نفس عاقل. فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصّبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطة النّفس كما أنّ التّاجر عند تسليم البضاعة إلى الشّريك العامل يفرغ المجلس لمشارطته. فيقول للنّفس: مالي بضاعة إلّا العمر، ومهما فني فقد فني رأس المال، ووقع اليأس من التّجارة وطلب الرّبح، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني   (1) أدب الدنيا والدين (342) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3318 الله فيه، وأنسأ في أجلي وأنعم عليّ به، ولو توفّاني لكنت أتمنّى أن يرجعني إلى الدّنيا يوما واحدا حتّى أعمل فيه صالحا، فاحسبي أنّك قد توفّيت، ثمّ قد رددت فإيّاك ثمّ إيّاك أن تضيّعي هذا اليوم، فإنّ كلّ نفس من الأنفاس جوهرة لها قيمة «1» . محاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده. فأمّا النّوع الأوّل: فهو أن يقف عند أوّل همّه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتّى يتبيّن له رجحانه على تركه. قال الحسن- رحمه الله-: رحم الله عبدا وقف عند همّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخّر. النّوع الثّاني: محاسبة النّفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: محاسبتها على طاعة قصّرت فيها من حقّ الله تعالى؛ فلم توقعها على الوجه الّذي ينبغي. وحقّ الله تعالى في الطّاعة ستّة أمور وهي: الإخلاص في العمل، والنّصيحة لله فيه، ومتابعة الرّسول فيه، وحصول المراقبة فيه، وشهود منّة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كلّه. فيحاسب نفسه: هل وفّى هذه المقامات حقّها، وهل أتى بها في هذه الطّاعة. الثّاني: أن يحاسب نفسه على كلّ عمل كان تركه خيرا له من فعله. الثّالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد: لم فعله؟ وهل أراد به الله والدّار الآخرة؟ فيكون رابحا، أو أراد به الدّنيا وعاجلها؛ فيخسر ذلك الرّبح ويفوته الظّفر به «2» . وقال الغزاليّ في بيان حقيقة المحاسبة بعد العمل: اعلم أنّ العبد كما يكون له وقت في أوّل النّهار يشارط فيه نفسه على سبيل التّوصية بالحقّ فينبغي أن يكون له في آخر النّهار ساعة يطالب فيها النّفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها، كما يفعل التّجّار في الدّنيا مع الشّركاء في آخر كلّ سنة أو شهر أو يوم، حرصا منهم على الدّنيا، وخوفا من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخيرة لهم في فواته! ولو حصل ذلك لهم فلا يبقى إلّا أيّاما قلائل، فكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلّق به خطر الشّقاوة والسّعادة أبد الآباد؟ ما هذه المساهلة إلّا عن الغفلة والخذلان وقلّة التّوفيق- نعوذ بالله من ذلك- «3» . أركان المحاسبة: قال ابن القيّم- رحمه الله-: قال صاحب المنازل: المحاسبة أركان ثلاثة: أحدها: أن تقايس بين نعمتك وجنايتك يعنى أن تقايس بين ما من الله وما منك، فحينئذ يظهر لك التّفاوت، ومعلوم أنّه ليس إلّا عفوه ورحمته، أو الهلاك والعطب وبهذه المقايسة تعلم حقيقة النّفس وصفاتها وعظمة جلال الرّبوبيّة وتفرّد الرّبّ بالكمال والإفضال وأنّ كلّ نعمة منه فضل، وكلّ نقمة منه عدل. ثمّ   (1) انظر إغاثة اللهفان لابن القيم (97، 98، 99) . (2) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 394- 395) . (3) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 405) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3319 تقايس بين الحسنات والسّيّئات، فتعلم بهذه المقايسة أيّهما أكثر وأرجح قدرا وصفة. وثانى هذه الأركان: أن تميّز ما للحقّ عليك من وجوب العبوديّة والتزام الطّاعة واجتناب المعصية وبين مالك وما عليك، فالّذي لك هو المباح الشّرعيّ، فعليك حقّ ولك حقّ، فأدّ ما عليك يؤتك مالك. الثّالث: أن تعرف أنّ كلّ طاعة رضيتها منك فهي عليك، وكلّ معصية عيّرت بها أخاك فهي إليك؛ لأنّ رضاء العبد بطاعته دليل على حسن ظنّه بنفسه، وجهله بحقوق العبوديّة، وعدم عمله بما يستحقّه الرّبّ- جلّ جلاله- ويليق أن يعامل به «1» . [للاستزادة: انظر صفات: مجاهدة النفس- التقوى- المراقبة- الورع- الوقاية- الرجولة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- الإهمال- التفريط والإفراط- الغلول- التهاون] . الآيات الواردة في «محاسبة النفس» معنى 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (19) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (20) «2»   (1) مدارج السالكين (1/ 190) بتصرف واختصار. (2) الحشر: 18- 20 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3320 الأحاديث الواردة في (محاسبة النفس) معنى 1- * (عن ابن شماسة المهريّ قال: حضرنا عمرو بن العاص- رضي الله عنه- وهو في سياقة الموت فبكى طويلا، وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ قال فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله منّي، ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» . قال: قلت أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التّراب شنّا ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور «1» ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي) * «2» . 2- * (عن حنظلة الأسيديّ- رضي الله عنه- وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قال: لقينى أبوبكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكّرنا بالنّار والجنّة. حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا «3» الأزواج والأولاد والضّيعات فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو الله، إنّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» . قلت: يا رسول الله، نكون عندك. تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين. فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، (ساعة وساعة) » ثلاث مرّات) * «4» . 3- * (عن شدّاد بن أوس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكيّس من دان نفسه «5» وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله» ) * «6» .   (1) الجزور: هي الناقة التي تنحر. (2) مسلم (121) . (3) عافسنا: عالجنا معايشنا وحظوظنا (4) مسلم (2750) . (5) قال الترمذي تعقيبا على هذا الحديث: ومعنى قوله: من دان نفسه يعني من يحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة. (6) الترمذي (2577) ، وقال حديث حسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3321 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (محاسبة النفس) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا. فإنّه أهون عليكم في الحساب غدا، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (الحاقة/ 18)) * «1» . 2- * (كتب عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى بعض عمّاله، فكان في آخر كتابه: «أن حاسب نفسك في الرّخاء، قبل حساب الشّدّة؛ فإنّه من حاسب نفسه في الرّخاء، قبل حساب الشّدّة، عاد مرجعه إلى الرّضى والغبطة. ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه، عاد أمره إلى النّدامة، والحسرة. فتذكّر ما توعظ به، لكيما تنتهي، عمّا ينهى عنه، وتكون عند التّذكرة والعظة من أولي النّهى» ) * «2» . 3- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه- سمعت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يوما، وقد خرجت معه، حتّى دخل حائطا فسمعته يقول، وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين بخ، والله لتتّقينّ الله ابن الخطّاب، أو ليعذّبنّك) * «3» . 4- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لفضيل بن زيد الرّقاشيّ: لا يلهينّك النّاس عن ذات نفسك فإنّ الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النّهار بكيت وكيت، فإنّه محفوظ عليك ما قلته، ولم تر شيئا أحسن طلبا ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم) * «4» .. 5- * (عن سلمة بن منصور عن مولى لهم كان يصحب الأحنف بن قيس، قال: كنت أصحبه، فكان عامّة صلاته الدّعاء، وكان يجيء المصباح، فيضع أصبعه فيه، ثمّ يقول: حسّ «5» ، ثمّ يقول: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا، ما حملك على ما صنعت يوم كذا) * «6» . 6- * (قال إبراهيم التّيميّ: مثّلت نفسي في الجنّة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثمّ مثّلت نفسي في النّار آكل من زقّومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها، وأغلالها، فقلت لنفسي: أي نفسي، أيّ شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أردّ إلى الدّنيا، فأعمل صالحا، قال: قلت: فأنت في الأمنيّة، فاعملي) * «7» . 7- * (قال الحسن- رحمه الله-: «إنّ العبد لا   (1) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (22) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (94) . (2) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (59) ، إغاثة اللهفان (95) . (3) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (23) . (4) المرجع السابق (38) . (5) حسّ: كلمة تقال عند الألم المفاجىء. (6) إغاثة اللهفان لابن القيم (68) . (7) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (34) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3322 يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همّته) * «1» . 8- * (وقال- رحمه الله-: المؤمن قوّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنّما خفّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدّنيا، وإنّما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إنّ المؤمن يفاجئه الشّيء ويعجبه، فيقول: والله إنّي لأشتهيك. وإنّك لمن حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات. حيل بيني وبينك، ويفرط منه الشّيء فيرجع إلى نفسه، فيقول: ما أردت إلى هذا؟ مالي ولهذا؟ والله لا أعود إلى هذا أبدا، إنّ المؤمنين قوم أوقفهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم، إنّ المؤمن أسير في الدّنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتّى يلقى الله؛ يعلم أنّه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كلّه) * «2» . 9- * (قال مالك بن دينار- رحمه الله-: رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثمّ زمّها، ثمّ خطمها، ثمّ ألزمها كتاب الله- عزّ وجلّ- فكان لها قائدا) * «3» . 10- * (عن الحسن- رحمه الله-: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة/ 2) قال: لا تلقى المؤمن إلّا يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي، ماذا أردت بأكلتي) * «4» . 11- * (عن وهب بن منبّه، قال: مكتوب في حكمة آل داود: حقّ على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الّذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه، وبين لذّاتها، فيما يحلّ ويحمد، فإنّ في هذه السّاعة عونا على تلك السّاعات، وإجماما للقلوب «5» . وحقّ على العاقل أن لا يرى ظاعنا إلّا في ثلاث: زاد لميعاد، أو مرمّة «6» لمعاش، أو لذّة في غير محرّم. وحقّ على العاقل أن يكون عارفا بزمانه، حافظا للسانه، مقبلا على شأنه) * «7» . 12- * (عن ميمون بن مهران قال: لا يكون الرّجل تقيّا حتّى يكون لنفسه أشدّ محاسبة من الشّريك لشريكه) * «8» . 13- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: عرف أرباب البصائر من جملة العباد أنّ الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنّهم سيناقشون في الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذّرّ من الخطرات واللّحظات، وتحقّقوا أنّه لا   (1) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (34) . (2) المرجع السابق (32) . (3) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (ص 26) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (96) .. (4) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (24) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (96) . (5) إجماما للقلوب: راحة لها، والجمام بالفتح الراحة. (6) مرمّة: متاع البيت. (7) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (30) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (95) . (8) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (25) ، وإغاثة اللهفان: (95) ، وإحياء علوم الدين (4/ 429) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3323 ينجيهم من هذه الأخطار إلّا لزوم المحاسبة، وصدق المراقبة، ومطالبة النّفس في الأنفاس والحركات ومحاسبتها في الخطرات واللّحظات، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفّ في القيامة حسابه وحضر عند السّؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيّئاته، فلمّا انكشف لهم ذلك علموا أنّه لا ينجيهم منه إلّا طاعة الله وقد أمرهم بالصّبر والمرابطة فقال عزّ من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا آل عمران/ 200) فرابطوا أنفسهم أوّلا بالمشارطة، ثمّ بالمراقبة، ثمّ بالمحاسبة، ثمّ بالمعاقبة، ثمّ بالمجاهدة. ثمّ بالمعاتبة. فكانت لهم في المرابطة ستّة مقامات، ولا بدّ من شرحها وبيان حقيقتها وفضيلتها وتفصيل الأعمال فيها وأصل ذلك المحاسبة، ولكن كلّ حساب فبعد مشارطة ومراقبة، ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة) * «1» . 14- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: قد دلّ على وجوب محاسبة النّفس قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ (الحشر/ 18) يقول تعالى: لينظر أحدكم ما قدّم ليوم القيامة من الأعمال: أمن الصّالحات الّتي تنجيه، أم من السّيّئات الّتي توبقه؟. قال قتادة: ما زال ربّكم يقرّب السّاعة حتّى جعلها كغد. والمقصود أنّ صلاح القلب بمحاسبة النّفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها) * «2» . 15- * (عن ابن أبي مليكة قال: دخلنا على ابن عبّاس- رضي الله عنه- فقال: ألا تعجبون لابن الزّبير قام فى أمره هذا، فقلت: لأحاسبنّ نفسي له، ما حاسبتها لأبي بكر ولا لعمر ... الأثر) * «3» . من فوائد (محاسبة النفس) (1) تحقيق السّعادة في الدّارين. (2) تثمر محبّة الله ورضوانه. (3) دليل على صلاح الإنسان. (4) البعد عن مزالق الشّيطان. (5) دليل على الخوف من الله، ومن خاف من الله بلغ المنزلة.   (1) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 418) . (2) إغاثة اللهفان- ابن القيم (1/ 101) . (3) البخاري- الفتح (4666) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3324 المحبة المحبة لغة: هي الاسم من الحبّ وكلاهما مأخوذ من مادّة (ح ب ب) الّتي تدلّ على اللّزوم والثّبات «1» ، قال ابن فارس: واشتقاق الحبّ والمحبّة من أحبّه إذا لزمه، والمحبّ هو البعير الّذي يجسر فيلزم مكانه، وقال الرّاغب: حببت فلانا في الأصل بمعنى أصبت حبّة قلبه، نحو: شغفته وكبدته وفأدته (أي أصبت شغفته وكبده وفؤداه) . وأمّا قولهم: أحببت فلانا فمعناه: جعلت قلبي معرّضا لحبّه واستعمل حببت في موضع: أحببت، قال: والمحبّة: إرادة ما تراه أو تظنّه خيرا، والاستحباب أن يتحرّى الإنسان في الشّيء أن يحبّه كما في قوله تعالى وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى (فصلت/ 18) ومحبّة الله تعالى للعبد: إنعامه عليه ومحبّة العبد له طلب الزّلفى إليه. وقال الجوهرىّ: والحبّ: المحبّة وكذلك الحبّ بالكسر، والحبّ أيضا: الحبيب، وتقول: ما كنت حبيبا، ولقد حببت بالكسر: أي صرت حبيبا، وحبّ بفلان معناه: ما أحبّه إليّ، وأصله حبب بضمّ الباء ومن ذلك قولهم حبّذا زيد، فحبّ أصله حبب وذا فاعله، وقد جعلا شيئا واحدا بمنزلة اسم يرفع ما بعده، وزيد خبره، وتحابّوا: أحبّ بعضهم بعضا، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 39/ 76/ 19 وتحبّب إليه: تودّد، وقال ابن منظور: الحبّ: الوداد. والمحبّة والحبّ: نقيض البغض. وكذلك الحبّ بالكسر ويقال للمحبوب. وأحبّه فهو محبّ، وهو محبوب على غير قياس، وقد قيل: محبّ على القياس. قال الأزهريّ: وحبّه يحبّه بالكسر، فهو محبوب. قال الجوهريّ: وهذا شاذّ. وحكى سيبويه: حببته وأحببته بمعنى. قال: أبو زيد: أحبّه الله فهو محبوب. واستحبّه كأحبّه والاستحباب كالاستحسان. والمحبّة: اسم للحبّ. وتحبّب إليه تودّد. والأنثى: حبّة، ومنه حديث فاطمة رضوان الله عليها، قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن عائشة: «إنّها حبّة أبيك» . وجمع الحبّ: أحباب وحبّان، والحبيب والحباب بالضّمّ: الحبّ والأنثى بالهاء. وحبّب إليه الأمر: جعله يحبّه. وهم يتحابّون: أي يحبّ بعضهم بعضا. والتّحبّب: إظهار الحبّ. وحبّان وحبّان: اسمان موضوعان من الحبّ. والمحبّة والمحبوبة جميعا: من أسماء مدينة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إيّاها «2» . المحبة اصطلاحا: قال الرّاغب: المحبّة ميل النّفس إلى ما تراه وتظنّه خيرا، وذلك ضربان: أحدهما طبيعيّ وذلك يكون في الإنسان والحيوان، وقد يكون في الجمادات،   (1) ولهذه المادة معنيان أصليان هما: الحبة من الشيء ذي الحب، والثاني: القصر (انظر في معاني المادة وأمثلتها مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 26) . (2) لسان العرب (1/ 289- 290) . والمصباح المنير (1/ 127) . وانظر مختار الصحاح (119) ، المقاييس (2/ 26) ، والمفردات للراغب (105) . والصحاح للجوهري (1/ 106) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3325 والآخر اختياريّ ويختصّ به الإنسان «1» . وقال الكفويّ: المحبّة إفراط الرّضا، وهو قسمان: قسم يكون لكلّ مكلّف، وهو ما لا بدّ منه في الإيمان، وحقيقته قبول ما يرد من قبل الله من غير اعتراض على حكمه وتقديره، وقسم لا يكون إلّا لأرباب المقامات وحقيقته ابتهاج القلب وسروره بالمقضيّ، والرّضا فوق التّوكّل لأنّه المحبّة في الجملة «2» . والمحبّة الميل إلى ما يوافق المحبّ، وقد تكون بحواسّه كحسن الصّورة، أو بفعله إمّا لذاته كالفضل والكمال، وإمّا لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر. انتهى ملخّصا قاله النّوويّ ونقله عنه ابن حجر في الفتح «3» . أنواع المحبة (بحسب المحبين) : المحبّة ضربان: طبيعيّ واختياريّ، وهذا الأخير على أربعة أضرب. الأوّل: ما كان للشّهوة، وأكثر ما يكون بين الأحداث. الثّاني: ما كان للمنفعة، ومن ذلك ما يكون بين التّجّار وأصحاب الصّناعات والمذاهب. الثّالث: ما كان مركّبا من الضّربين، وذلك كمن يحبّ غيره لنفع، وذلك الغير يحبّه للشّهوة. الرّابع: ما كان للفضيلة كمحبّة المتعلّم للعالم وهي المحبّة الباقية على مرور الأوقات، أمّا الثّلاثة الأول فقد تطول مدّتها وقد تقصر «4» . أنواع المحبة (بحسب المحبوبين) : للمحبّة بحسب من نحبّهم أنواع ثلاثة هي: محبّة الله تعالى ومحبّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومحبّة الخلق. أولا: محبة الله تعالى: هي أن تهب كلّك لمن أحببت. فلا يبقى لك منك شيء. والمراد: أن تهب إرادتك وعزمك وأفعالك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحبّه، وتجعلها حبسا في مرضاته ومحابّه. فلا تأخذ لنفسك منها إلّا ما أعطاك، فتأخذه منه له «5» . معقد نسبة العبودية: ومعقد نسبة العبوديّة لله تعالى هو المحبّة. فالعبوديّة معقودة بها، بحيث متى انحلّت المحبّة انحلّت العبوديّة. والله أعلم. وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال. الّتي متى خلت منها فهي كالجسد الّذي لا روح فيه. تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدّنيا والآخرة. إذ لهم من معيّة محبوبهم أوفر نصيب. وقد قضى الله يوم قدّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة: أنّ المرء مع من أحبّ. فيالها من نعمة على المحبّين سابغة. تالله لقد سبق القوم السّعاة، وهم على ظهير الفرش نائمون. وقد تقدّموا الرّكب بمراحل، وهم في سيرهم واقفون. من لي بمثل سيرك المدلّل ... تمشي رويدا؟ وتجي في الأوّل أجابوا منادي الشّوق إذ نادى بهم: حيّ على   (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (363) . (2) الكليات للكفوي (478) . (3) فتح الباري (1/ 74) . (4) الذريعة إلى مكارم الشريعة (363) . (5) تهذيب مدارج السالكين (512) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3326 الفلاح. وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم. تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم «1» . وشكروا مولاهم على ما أعطاهم. وإنّما يحمد القوم السّرى عند الصّباح. إقامة البيّنة: لمّا كثر المدّعون للمحبّة طولبوا بإقامة البيّنة على صحّة الدّعوى. فلو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى الخليّ «2» حرقة الشّجيّ «3» . فتنوّع المدّعون في الشّهود. فقيل: لا تقبل هذه الدّعوى إلّا ببيّنة قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/ 31) . فتأخّر الخلق كلّهم. وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه. فطولبوا بعدالة البيّنة بتزكية يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ (المائدة/ 54) . فتأخّر أكثر المحبّين وقام المجاهدون، فقيل لهم: إنّ نفوس المحبّين وأموالهم ليست لهم. فهلمّوا إلى بيعة إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة/ 111) . فلمّا عرفوا عظمة المشتري، وفضل الثّمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التّبايع: عرفوا قدر السّلعة، وأنّ لها شأنا. فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس. فعقدوا معه بيعة الرّضوان بالتّراضي، من غير ثبوت خيار. وقالوا: «والله لا نقيلك ولا نستقيلك» . فلمّا تمّ العقد وسلّموا المبيع، قيل لهم: مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت، وأضعافها معها وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. إذا غرست شجرة المحبّة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثّمار. وآتت أكلها كلّ حين بإذن ربّها. أصلها ثابت في قرار القلب. وفرعها متّصل بسدرة المنتهى. لا يزال سعي المحبّ صاعدا إلى حبيبه لا يحجبه دونه شيء إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (فاطر/ 10) . وإنّما يتكلّم النّاس في أسبابها وموجباتها، وعلاماتها وشواهدها، وثمراتها وأحكامها. فحدودهم ورسومهم دارت على هذه السّتّة. وتنوّعت بهم العبارات. وكثرت الإشارات، بحسب إدراك الشّخص ومقامه وحاله، وملكه للعبارة. الأسباب الجالبة لمحبة الله والموجبة لها: وهي عشرة: أحدها: قراءة القرآن بالتّدبّر والتّفهّم لمعانيه وما أريد به. الثّاني: التّقرّب إلى الله بالنّوافل بعد الفرائض. فإنّها توصّله إلى درجة المحبوبيّة بعد المحبّة. الثّالث: دوام ذكره على كلّ حال: باللّسان والقلب، والعمل والحال. فنصيبه من المحبّة على قدر نصيبه من هذا الذّكر. الرّابع: إيثار محابّه على محابّك عند غلبات الهوى. الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها. وتقلّبه في رياض هذه المعرفة ومباديها. فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله: أحبّه   (1) سراهم: مسيرهم إلى آخر الليل أي في وقت السرى. (2) الخلي: يقال رجل خليّ لا زوجة له وامرأة خلية لا زوج لها. (3) الشّجيّ: الحزين يقال: أشجاه الشيء أغصه، ورجل شج: حزين، والشجي- بتخفيف الياء- هو الذي أصابه الشجى وهو الغصص، وأما الحزين فهو الشجيّ- بتشديد الياء. ومعنى المثل: ويل للمحب من عاذله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3327 لا محالة. السّادس: مشاهدة برّه وإحسانه وآلائه، ونعمه الباطنة والظّاهرة. فإنّها داعية إلى محبّته. السّابع: وهو من أعجبها، انكسار القلب بكلّيّته بين يدي الله تعالى. وليس في التّعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات. الثّامن: الخلوة به وقت النّزول الإلهيّ، لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتّأدّب بأدب العبوديّة بين يديه. ثمّ ختم ذلك بالاستغفار والتّوبة. التّاسع: مجالسة المحبّين الصّادقين، والتقاط أطيب ثمرات كلامهم كما تنتقى أطايب الثّمر. ولا تتكلّم إلّا إذا ترجّحت مصلحة الكلام، وعلمت أنّ فيه مزيدا لحالك، ومنفعة لغيرك. العاشر: مباعدة كلّ سبب يحول بين القلب وبين الله- عزّ وجلّ- والكلام في هذه المنزلة معلّق بطرفين: طرف محبّة العبد لربّه، وطرف محبّة الرّبّ لعبده. والّذي أجمع عليه العارفون: أنّه يحبّهم، وأنّهم يحبّونه، على إثبات الطّرفين، وأنّ محبّة العبد لربّه فوق كلّ محبّة تقدّر. ولا نسبة لسائر المحابّ إليها. وهي حقيقة «لا إله إلّا الله» وكذلك عندهم محبّة الرّبّ لأوليائه ورسله: صفة زائدة على رحمته، وإحسانه وعطائه. فإنّ ذلك أثر المحبّة وموجبها. فإنّه لمّا أحبّهم كان نصيبهم من رحمته وإحسانه وبرّه أتمّ نصيب. وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ (المائدة/ 54) . فقد ذكر أربع علامات: الأولى والثّانية: أنّهم: أذلّة، أعزّة. قيل: معناه: أرقّاء رحماء مشفقين عليهم. عاطفين عليهم، فلمّا ضمّن «أذلّة» هذا المعنى عدّاه بأداة «على» قال عطاء: للمؤمنين كالولد لوالده، والعبد لسيّده، وعلى الكافرين كالأسد على فريسته أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ. العلامة الثّالثة: الجهاد في سبيل الله بالنّفس واليد، واللّسان والمال، وذلك تحقيق دعوى المحبّة. العلامة الرّابعة: أنّهم لا تأخذهم في الله لومة لائم. وهذا علامة صحّة المحبّة، فكلّ محبّ يأخذه اللّوم عن محبوبه فليس بمحبّ على الحقيقة. والقرآن والسّنّة مملوءان بذكر من يحبّه الله سبحانه من عباده المؤمنين. وذكر ما يحبّه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم. كقوله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران/ 146) ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* (آل عمران/ 134، 148) . فلو بطلت مسألة المحبّة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان. ولتعطّلت منازل السّير إلى الله. فإنّها روح كلّ مقام ومنزلة وعمل. فإذا خلا منها فهو ميّت لا روح فيه. ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها. بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام. فإنّه الاستسلام بالذّلّ والحبّ والطّاعة لله. فمن لا محبّة له لا إسلام له البتّة. بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلّا الله. فإنّ «الإله» هو الّذي يألهه العباد حبّا وذلّا، وخوفا ورجاء، وتعظيما وطاعة له، بمعنى «مألوه» وهو الّذي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3328 تألهه القلوب. أي تحبّه وتذلّ له «1» . ثانيا: محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم: إنّ محبّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هي دليل الإيمان الصّادق مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والنّاس أجمعين» وليس هذا الحبّ مجرّد عاطفة جوفاء، وإنّما هو حبّ حقيقيّ نابع من القلب ومن العقل معا ودليل صدق تلك المحبّة هو اتّباع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في كلّ ما أمر به، أو نهى عنه، فالمحبّ مطيع دائما لمن يحبّه ولذلك قيل: لو كان حبّك صادقا لأطعته ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع واتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وطاعته هما الدّليل على محبّة الله تعالى، يقول أبو سليمان الدّارانيّ: لمّا ادّعت القلوب محبّة الله، أنزل الله لها محنة (أي اختبارا) هي قوله سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/ 31) فقوله يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ إشارة إلى دليل المحبّة وثمرتها فدليلها، اتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وثمرتها محبّة المرسل لكم (وهو المولى عزّ وجلّ) فما لم تحصل المتابعة فليست محبّتكم له حاصلة ومحبّته لكم منتفية «2» . ثالثا: محبة الخلق: لمحبّة الخلق أنواع عديدة أفضلها محبّة المؤمن لأخيه في الله تعالى أي حبّا خالصا لا منفعة من وراءه، وقد أشار ابن حزم إلى هذا النّوع من المحبّة (أي محبّة الخلق) فقال: إنّ المحبّة ضروب فأفضلها محبّة المتحابّين في الله- عزّ وجلّ-: إمّا لاجتهاد في العمل، وإما لاتّفاق في أصل النّحلة والمذهب، وإمّا لفضل علم يمنحه الإنسان، ومحبّة القرابة، ومحبّة الألفة، ومحبّة الاشتراك في المطالب، ومحبّة التّصاحب والمعرفة، ومحبّة البرّ يضعه المرء عند أرضه، ومحبّة الطّمع في جاه المحبوب، ومحبّة المتحابّين بسرّ يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبّة بلوغ اللّذّة، وقضاء الوطر، ومحبّة العشق الّتي لا علّة لها إلّا اتّصال النّفوس «3» . إنّ محبّة الخلق بعضهم بعضا في الله تعالى، إنّما هي نابعة في الحقيقة من محبّة العبد لله تعالى، وجالبة لمحبّته سبحانه لهذا العبد، وإذا أحبّ الله عبدا جعله من المحبوبين بين خلقه، يقول العلّامة ابن تيميّة: إنّك إذا أحببت الشّخص لله كان الله هو المحبوب لذاته فكلّما تصوّرته في قلبك، تصوّرت محبوب الحقّ فأحببته، فازداد (بذلك) حبّك لله (انظر الأثر 9) «4» ، أمّا ثمرة هذا الحبّ في الله فهي عديدة ومتنوّعة نشير إليها في فوائد المحبّة (انظر ص 3356) . فضيلة المحبة ومنزلتها: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: هي المنزلة الّتي فيها تنافس المتنافسون. وإليها شخص العاملون. وإلى علمها شمّر السّابقون. وعليها تفانى المحبّون. وبروح نسيمها تروّح العابدون. فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح. وقرّة العيون. وهي الحياة الّتي من حرمها فهو من جملة الأموات. والنّور الّذي من فقده فهو في بحار الظّلمات. والشّفاء الّذي من عدمه حلّت بقلبه جميع الأسقام. واللّذّة الّتي من لم يظفر بها فعيشه   (1) مدارج السالكين (3/ 22) مختصرا. وانظر بصائر ذوي التمييز (2/ 416- 422) . (2) مدارج السالكين (3/ 22) . وانظر في فوائد محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وثمرتها، المقدمة صفحة (ك ب) . (3) طوق الحمامة (63) . (4) انظر أيضا صفتي: الاتباع والإيمان في هذه الموسوعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3329 كلّه هموم وآلام «1» . قال أبو عثمان الجاحظ: ينبغي لمحبّ الكمال أن يعوّد نفسه محبّة النّاس، والتّودّد إليهم، والتّحنّن عليهم، والرّأفة والرّحمة لهم، فإنّ النّاس قبيل واحد متناسبون تجمعهم الإنسانيّة، وحلية القوّة الإلهيّة هي في جميعهم، وفي كلّ واحد منهم، وهي قوّة العقل، وبهذه النّفس صار الإنسان إنسانا. وإذا كانت نفوس النّاس واحدة، والمودّة إنّما تكون بالنّفس، فواجب أن يكونوا كلّهم متحابّين متوادّين، وذلك في النّاس طبيعة، لو لم تقدهم الأهواء الّتي تحبّب لصاحبها التّرؤّس فتقوده إلى الكبر والإعجاب والتّسلّط على المستضعف، واستصغار الفقير وحسد الغنيّ وبغض ذي الفضل، فتسبّب من أجل هذه الأسباب العداوات، وتتأكّد البغضاء بينهم. فإذا ضبط الإنسان نفسه الغضبيّة، وانقاد لنفسه العاقلة، صار النّاس كلّهم له إخوانا وأحبابا، وإذا أعمل الإنسان فكره رأى أنّ ذلك واجب، لأنّ النّاس إمّا أن يكونوا فضلاء أو نقصاء، فالفضلاء يجب عليهم محبّتهم لموضع فضلهم، والنّقصاء يجب عليهم رحمتهم لأجل نقصهم فيحقّ لمحبّ الكمال أن يكون رحيما لجميع النّاس، متحنّنا عليهم رءوفا بهم، وبخاصّة الملك والرّئيس، فإنّ الملك ليس يكون ملكا مالم يكن محبا لرعيّته رءوفا بهم، وذلك أنّ الملك ورعيّته بمنزلة ربّ الدّار وأهل داره، وما أقبح ربّ الدّار أن يبغض أهل داره، فلا يتحنّن عليهم، ولا يحبّ مصالحهم «2» . وقال الرّاغب: المحبّة والعدل من أسباب نظام أمور النّاس، ولو تحابّ النّاس، وتعاملوا بالمحبّة لاستغنوا بها عن العدل، فقد قيل: العدل خليفة المحبّة يستعمل حيث لا توجد المحبّة، ولذلك عظّم الله تعالى المنّة بإيقاع المحبّة بين أهل الملّة، فقال عزّ من قائل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا أي محبّة في القلوب، تنبيها على أنّ ذلك أجلب للعقائد، وهي أفضل من المهابة لأنّ المهابة تنفّر، والمحبّة تؤلّف، وقد قيل: طاعة المحبّة أفضل من طاعة الرّهبة، لأنّ طاعة المحبّة من داخل، وطاعة الرّهبة من خارج، وهي تزول بزوال سببها، وكلّ قوم إذا تحابّوا تواصلوا وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمّروا، وإذا عمّروا عمّروا وبورك لهم «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإخاء- التعارف- الحنان- الألفة- الرأفة- الرحمة- الرفق- العطف- بر الوالدين- حسن العشرة- حسن المعاملة- الإيثار- صلة الرحم- المواساة- تفريج الكربات- المعاتبة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البغض- الجفاء- القسوة- الهجر- الإساءة- الإعراض- العنف- الأثرة- الجحود- العبوس- عقوق الوالدين- البذاءة] .   (1) المرجع السابق، نفس الموضع. (2) تهذيب الأخلاق للجاحظ (55، 56) بتصرف يسير. (3) الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب (364) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3330 الآيات الواردة في «المحبة» آيات محبة الله منها لموسى (صلّى الله عليه وسلّم) وهي رمز محبته لأنبيائه: 1- قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) «1» آيات محبة الله فيها للمحسنين: 2- وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) «2» 3- * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) «3» 4- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) «4» 5- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «5» آيات محبة الله فيها للمتقين: 6- * وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)   (1) طه: 36- 40 مكية (2) البقرة: 195 مدنية (3) آل عمران: 133- 134 مدنية (4) المائدة: 13 مدنية (5) المائدة: 93 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3331 بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) «1» 7- وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) «2» 8- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «3» آيات محبة الله فيها للمقسطين: 9- سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «4» 10- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) «5» 11- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «6» آيات محبة الله فيها للمتطهرين: 12- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ   (1) آل عمران: 75- 76 مدنية (2) التوبة: 3- 4 مدنية (3) التوبة: 7 مدنية (4) المائدة: 42 مدنية (5) الحجرات: 7- 9 مدنية (6) الممتحنة: 8- 9 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3332 يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) «1» 13- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) «2» آيات محبة الله فيها ثمرة اتباع الرسل 14- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32) «3» 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «4» 16- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) «5» آيات محبة الله فيها للصابرين: 17- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «6»   (1) البقرة: 222- 223 مدنية (2) التوبة: 107- 108 مدنية (3) آل عمران: 31- 32 مدنية (4) المائدة: 54 مدنية (5) الصف: 1- 4 مدنية (6) آل عمران: 146- 148 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3333 آيات محبة الله فيها ادعاء مجرد: 18- وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) «1» آيات الحب فيها لله ولمغفرته والإيمان به: 19- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) «2» 20- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «3» آيات الحب فيها للمال والجاه: 21- * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «4» 22- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) «5» 23- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) «6» 24- وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31)   (1) المائدة: 18 مدنية (2) البقرة: 165- 167 مدنية (3) النور: 22 مدنية (4) البقرة: 177 مدنية (5) آل عمران: 14 مدنية (6) آل عمران: 92 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3334 فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33) «1» 25- كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) «2» 26- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) «3» 27- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا (27) «4» 28- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) «5» 29- إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) «6» آيات الحب من الإنسان لغيره: 30- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) «7» 31- * لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9)   (1) ص: 30- 33 مكية (2) القيامة: 20- 21 مكية (3) الإنسان: 5- 8 مكية (4) الإنسان: 24- 27 مكية (5) الفجر: 15- 20 مكية (6) العاديات: 6- 8 مكية (7) آل عمران: 118- 119 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3335 قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (10) «1» 32- إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) «2» 33- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) «3» آيات الحب للنصر: 34- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) «4» 35- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «5» 36- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «6» آيات الحب لما يرضي الله: 37- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)   (1) يوسف: 7- 10 مكية (2) القصص: 56 مكية (3) الحشر: 8- 9 مدنية (4) البقرة: 216 مدنية (5) آل عمران: 152 مدنية (6) الصف: 10- 13 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3336 قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) «1» 38- * وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) «2» الحب لمجرد الشهرة: 39- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188) «3»   (1) التوبة: 23- 24 مدنية (2) يوسف: 30- 34 مكية (3) آل عمران: 188 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3337 الأحاديث الواردة في (المحبة) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النّفاق بغض الأنصار» ) * «1» . 2- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، فقال: إنّي أحبّك. فقال: «استعدّ للفاقة» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الصّيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما. وأحبّ الصّلاة إلى الله صلاة داود. كان ينام نصف اللّيل، ويقوم ثلثه وينام سدسه» ) * «3» . 4- * (عن عمرو بن الحمق الخزاعيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أحبّ الله عبدا عسله «4» » ، فقيل: وما عسله؟. قال: «يوفّق له عملا صالحا بين يدي أجله، حتّى يرضى عنه جيرانه» أو قال- «من حوله» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أشدّ أمّتي لي حبّا، ناس يكونون بعدي، يودّ أحدهم لو رآني، بأهله وماله» ) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص «7» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «8» . فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر) . شكّ إسحاق) - إلّا أنّ الأبرص أو الأقرع، قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر: البقر- قال فأعطي ناقة عشراء «9» . قال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال:   (1) البخاري- الفتح 7 (3784) واللفظ له. ومسلم (75) . (2) الهيثمي في المجمع (1. (274) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. (3) البخاري- الفتح 3 (1131) . ومسلم (1159) واللفظ له. (4) عسله: العسل: طيب الثناء، مأخوذ من العسل، يقال: عسل الطعام يعسله: إذا جعل فيه العسل. شبّه ما رزقه الله تعالى من العمل الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذي يجعل في الطعام فيحلولى به ويطيب. (5) أحمد (4/ 200) عن أبي عنبة عن سريج. وابن حبان في الموارد (1822) . والحاكم (1/ 340) واللفظ له. وصححه ووافقه الذهبي. (6) مسلم (2832) . (7) أبرص: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص. وأبرصه الله. (8) يبتليهم: أي يختبرهم. (9) ناقة عشراء: هي الحامل القريبة الولادة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3338 أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال: فمسحه فردّ الله إليه بصره. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «1» . فأنتج هذان، وولّد هذا «2» قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال: ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال «3» في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن، والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «4» . فقال: إن كنت كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا. وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك، شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فو الله لا أجهدك اليوم «5» شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك» ) * «6» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رجلا زار أخا له في قرية أخرى. فأرصد «7» الله له، على مدرجته «8» ملكا. فلمّا أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربّها «9» ؟ قال: لا. غير أنّي أحببته في الله- عزّ وجلّ- قال: فإنّي رسول الله إليك، بأنّ الله قد أحبّك كما أحببته فيه» ) * «10» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: متى السّاعة يا رسول الله؟ قال: «ما أعددت لها؟» . قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكنّي أحبّ الله ورسوله. قال: «أنت مع من أحببت» ) * «11» .   (1) شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها. (2) فأنتج هذان وولد هذا: هكذا الرواية: فأنتج، رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. وممن حكى اللغتين الأخفش. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولّد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والنتاج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء. (3) انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق. (4) إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة. (5) لا أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه. (6) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له. (7) فأرصد: أي أقعده يرقبه. (8) على مدرجته: المدرجة هي الطريق. سميت بذلك لأن الناس يدرجون عليها. أي يمضون ويمشون. (9) تربها: أي تقوم بإصلاحها، وتنهض إليه بسبب ذلك. (10) مسلم (2567) (11) البخاري- الفتح 10 (6171) واللفظ له. ومسلم (2639) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3339 9- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ رجلا كان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان اسمه عبد الله وكان يلقّب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قد جلده في الشّراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهمّ العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلعنوه، فو الله ما علمت «1» أنّه يحبّ الله ورسوله» ) * «2» . 10- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا كان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فمرّ به رجل، فقال: يا رسول الله، إنّي لأحبّ هذا، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعلمته؟» . قال: لا، قال: «أعلمه» . فلحقه، فقال: إنّي أحبّك في الله. قال: «أحبّك الله الّذي أحببتني له» ) * «3» . 11- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعمله على جيش ذات السّلاسل، قال: فأتيته فقلت: يا رسول الله، أيّ النّاس أحبّ إليك؟ قال: «عائشة» . قال: من الرّجال؟ قال: «أبوها» ) * «4» . 12- * (عن عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «5» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أحبّ إليه من شيء خرج منه» يعني القرآن) * «6» . 13- * (عن يعلى بن أميّة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا يغتسل بالبراز «7» ، فصعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الله عزّ وجلّ- حييّ ستّير، يحبّ الحياء والسّتر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» ) * «8» . 14- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاده، وأنّ أبا ذرّ عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: بأبي أنت يا رسول الله، أيّ الكلام أحبّ إلى الله؟ فقال: «ما اصطفاه الله لملائكته، سبحان ربّي وبحمده، سبحان ربّي وبحمده» ) * «9» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأشجّ عبد القيس: «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة» ) * «10» .   (1) يحتمل أن تكون (ما) موصولة وعلم بمعنى عرف وجملة إنه يحب الخ خبر الموصول والتقدير: الذي علمته أنه يحب الله ورسوله، ويحتمل أن تكون زائدة والتقدير: فو الله علمت أنه الخ وجملة أن واسمها وخبرها سدت مسد معمولي (علم) . (2) البخاري- الفتح 12 (6780) . (3) أبو داود (5125) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 965) . (4) الترمذي (3885) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (9/ 135) : هو حديث صحيح (5) فصلت: 41-، 42 (6) الحاكم في المستدرك (2/ 441) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي (7) بالبراز: بالخلاء. (8) أحمد (4/ 224) . والنسائي (1/ 200) واللفظ له. وأبو داود (4012) وقال الألباني (2/ (758) صحيح. (9) الترمذي (3593) واللفظ له. والحاكم (1/ 501) وصححه ووافقه الذهبي. (10) مسلم (17) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3340 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّهم شأن المخزوميّة، فقالوا: «من يجترىء عليه إلّا أسامة بن زيد حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» . 17- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله- تعالى- ليحمي عبده المؤمن من الدّنيا وهو يحبّه، كما تحمون مريضكم الطّعام والشّراب تخافون عليه» ) * «2» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله إذا أحبّ عبدا دعا جبريل فقال: إنّي أحبّ فلانا فأحبّه. قال: فيحبّه جبريل. ثمّ ينادي في السّماء فيقول: إنّ الله يحبّ فلانا فأحبّوه. فيحبّه أهل السّماء. قال: ثمّ يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إنّي أبغض فلانا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل. ثمّ ينادي في أهل السّماء: إنّ الله يبغض فلانا فأبغضوه. قال: فيبغضونه. ثمّ توضع له البغضاء في الأرض» ) * «3» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه. وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «4» . 20- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده» ) * «5» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله يحبّ العطاس، ويكره التّثاؤب، إذا عطس فحمد الله فحقّ على كلّ مسلم سمعه أن يشمّته. وأمّا التّثاؤب فإنّما هو من الشّيطان، فليردّه ما استطاع، فإذا قال: هاء «6» ضحك منه الشّيطان» ) * «7» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يقول يوم القيامة: أين المتحابّون بجلالي «8» اليوم أظلّهم في ظلّي. يوم لا ظلّ إلّا ظلّي» ) * «9» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 7 (3732) . (2) أخرجه الحاكم في المستدرك: (4/ 208) وصححه ووافقه الذهبي. (3) البخاري- الفتح 13 (7485) الى قوله في الأرض. ومسلم (2637) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 11 (6502) . (5) الترمذي (2819) وقال: هذا حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (10/ 658) : إسناده حسن. (6) فإذا قال: هاء: أي تثاءب، وهاء اسم للصوت الذي يصدر من الإنسان في تلك الحال. (7) البخاري- الفتح 10 (6223) واللفظ له. ومسلم (2994) . (8) بجلالي: أي بعظمتي وطاعتي، لا للدنيا. (9) مسلم (2566) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3341 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لله تسعة وتسعون اسما- مائة إلّا واحدة «1» - لا يحفظها أحد إلّا دخل الجنّة «2» ، وهو وتر يحبّ الوتر» ) * «3» . 24- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من الإيمان أن يحبّ الرّجل رجلا لا يحبّه إلّا لله من غير مال أعطاه، فذلك الإيمان» ) * «4» . 25- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث رجلا على سريّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب «قل هو الله أحد» فلمّا رجعوا ذكروا ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك؟» . فسألوه، فقال: لأنّها صفة الرّحمن، وأنا أحبّ أن أقرأ بها فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أخبروه أنّ الله يحبّه» ) * «5» . 26- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأنصار لا يحبّهم إلّا مؤمن، ولا يبغضهم إلّا منافق. فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» ) * «6» . 27- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، ومن أحبّ عبدا لا يحبّه إلّا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النّار» ) * «7» . 28- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث هنّ حقّ، لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولّى الله عبد فيولّيه غيره «8» . ولا يحبّ رجل قوما إلّا حشر معهم» ) * «9» . 29- * (عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ جهوريّ الصّوت، قال: يا محمّد، الرّجل يحبّ القوم ولمّا يلحق بهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء مع من أحبّ» ) * «10» .   (1) إلا واحدة: كذا ورد، وهو لا يجوز في العربية، وجاءت رواية إلّا واحدا، بالتذكير، وهو الصواب، وخرج التأنيث على إرادة التسمية لا الاسم، وقيل: بل المراد بالاسم الصفة. (2) لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة: أي يقربها ويخضع لها، ومن حفظها عدّا ولم يعمل بها كان كمن حفظ القرآن ولم يعمل بما فيه، وقيل: المراد العمل بها والتعقل بمعاني الأسماء والإيمان بها. (3) البخاري- الفتح 11 (6410) واللفظ له. ومسلم (2677) . والوتر: بفتح الواو وكسرها: الفرد، ومعناه في حق الله أنه الواحد الذي لا نظير له في ذاته. (4) المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 16) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الأوسط. وقال الهيثمي (10/ 274) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات (5) البخاري- الفتح 13 (7375) واللفظ له. ومسلم (813) . (6) البخاري- الفتح 7 (3783) واللفظ له. ومسلم (74) . (7) البخاري- الفتح 1 (21) واللفظ له. ومسلم (43) . (8) أي إن العبد إذا جعل الله وليه فإن الله لا يتخلى عنه. (9) المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 27، 28) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الصغير (2/ 114 برقم 874) بإسناد جيد. وقال الهيثمي (10/. 28) : رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن ميمون الخياط وقد وثق. (10) الترمذي (2387) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 558) : إسناده حسن. وعند البخاري ومسلم (2640، 2641) من حديث عبد الله بن مسعود وحديث: أبي موسى بدون ذكر الأعرابي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3342 30- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحبّ قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء مع من أحبّ» ) * «1» . 31- * (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّ عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم. قالت عائشة: فهمتها فقلت: وعليكم السّام واللّعنة. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهلا يا عائشة، إنّ الله يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» . فقلت: يا رسول الله، أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد قلت: وعليكم» ) * «2» . 32- * (عن أبي إدريس الخولانيّ- رحمه الله- قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا فتى برّاق الثّنايا «3» وإذا النّاس معه، فإذا اختلفوا في شيء، أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل- رضي الله عنه- فلمّا كان من الغد، هجّرت، فوجدته قد سبقني بالتّهجير، ووجدته يصلّي، قال: فانتظرته حتّى قضى صلاته، ثمّ جئته من قبل وجهه، فسلّمت عليه، وقلت: والله إنّي لأحبّك لله، فقال: آلله؟ قلت: آلله، فأخذني بحبوة ردائي، فجبذني إليه، فقال: أبشر، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تعالى: وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ «4» » ) * «5» . 33- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: أدومها وإن قلّ» ) * «6» . 34- * (عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال: «الصّلاة على وقتها» . قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «برّ الوالدين» . قلت: ثمّ أيّ؟. قال: «الجهاد في سبيل الله» ) * «7» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عدل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «8» . 36- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما   (1) البخاري- الفتح 10 (6169) واللفظ له. ومسلم (2640) (2) البخاري- الفتح 10 (6024) واللفظ له. ومسلم (2163) (3) برّاق الثنايا: أي أبيض الثغر حسنه أو كثير التبسم. (4) المتباذلين فيّ: الذين يبذلون أنفسهم في مرضاة الله أو: يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته في الله. (5) رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح (2/ 953) وقال مراجع رياض الصالحين (1/ 156) : إسناده صحيح واللفظ له. وصححه ابن حبان (5/ 575) ، والحاكم في المستدرك (4/ 169) ووافقه الذهبي. (6) البخاري- الفتح 1 (43) . ومسلم (782) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 1 (527) واللفظ له. ومسلم (85) . (8) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3343 أحبّ وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ) * «1» . 37- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما الصّبح فقال: «أشاهد فلان؟» . قالوا: لا، قال: «أشاهد فلان؟» . قالوا: لا، قال: «إنّ هاتين الصّلاتين «2» أثقل الصّلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الرّكب، وإنّ الصّفّ الأوّل على مثل صفّ الملائكة، ولو علمتم ما في فضيلته لابتدرتموه، وإنّ صلاة الرّجل مع الرّجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرّجلين أزكى من صلاته مع الرّجل، وما كثر فهو أحبّ إلى الله تعالى» ) * «3» . 38- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال لي جبريل: إنّه قد حبّب إليك الصّلاة، فخذ منها ما شئت» ) * «4» . 39- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهمّ إنّك عفوّ كريم تحبّ العفو فاعف عنّي» ) * «5» . 40- * (عن عامر بن سعد، قال: كان سعد ابن أبي وقّاص في إبله. فجاءه ابنه عمر. فلمّا رآه سعد، قال: أعوذ بالله من شرّ هذا الرّاكب. فنزل. فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت النّاس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره فقال: اسكت. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يحبّ العبد التّقيّ، الغنيّ، الخفيّ «6» » ) * «7» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله! إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» . فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا   (1) البخاري- الفتح 13 (7144) واللفظ له. ومسلم (1839) (2) يريد صلاة العشاء وصلاة الفجر كما جاء في مسند أحمد (5/ 140) برقم (21324) . (3) أحمد (5/ 140) . وأبو داود (554) واللفظ له. والحاكم (1/ 247) وقال: حكم أئمة الحديث لهذا الحديث بالصحة. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 111) : حسن (4) أحمد (1/ 245) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح وهو في الجامع الصغير (6078) . وذكره الهيثمي في المجمع (2/. 27) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه على بن يزيد وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح. (5) أحمد (6/ 171) . والترمذي (3513) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. والحاكم (1/ 53) . وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي (6) إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي: المراد بالغنى غنى النفس. هذا هو الغنى المحبوب، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ولكنّ الغنى غنى النّفس» . وأما الخفي، فبالخاء المعجمة. ومعناه الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه. وفي هذا الحديث حجة لمن يقول: الاعتزال أفضل من الاختلاط. (7) مسلم (2965) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3344 جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «1» فسمعت أمّي خشف قدميّ «2» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة! وسمعت خضخضة الماء «3» قال: فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثمّ قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال: قلت يا رسول الله! ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهم المؤمنين» . فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «4» . 42- * (عن أسامة بن شريك- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كأنّما على رءوسنا الطّير ما يتكلّم منّا متكلّم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحبّ عباد الله إلى الله؟ قال: «أحسنهم خلقا» ) * «5» . 43- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل «6» . ومنّا من هو في جشره «7» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال «إنّه لم يكن نبيّ قبلي، إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «8» . وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجىء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر، فدنوت منه فقلت له: أنشدك   (1) مجاف: مغلق. (2) الخشف: أي صوتهما في الأرض. (3) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه. (4) مسلم (2491) . (5) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 408) واللفظ له وقال الطبراني في الكبير: ورواته محتج بهم في الصحيجح، وابن حبان في صحيحه، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 24) : رجاله رجال الصحيح. (6) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب. (7) في جشره: الجشر هم القوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت. (8) فيرقق بعضها بعضا: أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، وقيل معناه يشبه بعضه بعضا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3345 الله! آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء/ 29) . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: «أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله» ) * «1» . 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» ) * «2» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا. ولا تؤمنوا «3» حتّى تحابّوا. أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم «4» » ) * «5» . 46- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتّى يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله، وحتّى أن يقذف في النّار أحبّ إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتّى يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما» ) * «6» . 47- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر» . قال رجل: إنّ الرّجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. قال: «إنّ الله جميل يحبّ الجمال. الكبر بطر الحقّ «7» وغمط النّاس «8» » ) * «9» . 48- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «10» . 49- * (عن أبي سلمة أنّه قال: لقد كنت أرى الرّؤيا فتمرضني، حتّى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت أرى الرّؤيا تمرضني، حتّى سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الرّؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحبّ فلا يحدّث به إلّا من يحبّ. وإذا رأى ما يكره فليتعوّذ بالله من شرّها ومن شرّ الشّيطان، وليتفل ثلاثا، ولا يحدّث بها أحدا، فإنّها لن تضرّه» ) * «11» . 50- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وعك «12» أبو بكر   (1) مسلم (1844) . (2) البخاري- الفتح 11 (6406) . ومسلم (2694) متفق عليه. (3) ولا تؤمنوا: بحذف النون من آخره. وهي لغة معروفة صحيحة. ومعنى الحديث: «لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتّحاب. (4) أفشوا السلام بينكم: فيه حث على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم، من عرفت ومن لم تعرف. (5) مسلم (54) . (6) البخاري- الفتح 10 (6041) واللفظ له. ومسلم (43) . (7) بطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا. (8) غمط الناس: احتقارهم. (9) مسلم (91) . (10) البخاري الفتح 1 (13) واللفظ له. ومسلم (45) . (11) البخاري- الفتح 12 (7044) واللفظ له. ومسلم (2261) . (12) وعك: أصابه الوعك وهو الحمى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3346 وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كلّ امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه الحمّى يرفع عقيرته «1» يقول: ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر «2» وجليل وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل وقال: «اللهمّ العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأميّة بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكّة أو أشدّ. اللهمّ بارك لنا في صاعنا وفي مدّنا، وصحّحها لنا، وانقل حمّاها إلى الجحفة» قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، فكان بطحان «3» يجري نجلا «4» . تعني ماء آجنا «5» ) * «6» . 51- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما أحبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا ذا تقى) * «7» . 52- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ لقاء الله، أحبّ الله لقاءه. ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه» . فقلت: يا نبيّ الله! أكراهية الموت؟ فكلّنا نكره الموت. فقال: «ليس كذلك. ولكنّ المؤمن إذا بشّر برحمة الله ورضوانه وجنّته، أحبّ لقاء الله، فأحبّ الله لقاءه. وإنّ الكافر إذا بشّر بعذاب الله وسخطه، كره لقاء الله، وكره الله لقاءه» ) * «8» . 53- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيّام العشر» . فقالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلّا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» ) * «9» . 54- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» ) * «10» . 55- * (عن جابر بن عتيك- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، كان يقول: «من الغيرة ما يحبّ الله،   (1) رفع عقيرته: أي رفع صوته. (2) الإذخر: حشيش أخضر طيب الرائحة. (3) بطحان: بالضم ثم السكون هو واد من وديان المدينة الثلاثة، وورد ضبطها: بطحان، وبطحان. (4) نجلا: أي نزّا، وهو الماء القليل. (5) ماء آجنا: الماء المتغير الطعم واللون. (6) البخاري- الفتح 4 (1889) واللفظ له. مسلم (1376) (7) الهيثمي في المجمع (10/ 274) وقال: رواه أبو يعلى وإسناده حسن. (8) البخاري- الفتح 11 (6507) . ومسلم (2684) واللفظ له (9) أبوا داود (2438) ، وأخرجه أحمد (1/ 224) ، والترمذي (757) . (10) أبو داود (4681) واللفظ له. وأحمد (3/ 438، 440) وقال محقق جامع الأصول (1/ 239) : حديث حسن ورجال إسناده ثقات غير عبد الرحمن الشامي، لكن ذكروا أن أحاديث الثقات عنه مستقيمة وهذا منها ويشهد له حديث معاذ بن أنس فيصح به. وقال الألباني (3/ 886) : صحيح. وهو في الصحيحة (380) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3347 ومنها ما يبغض الله؛ فأمّا الّتي يحبّها الله فالغيرة في الرّيبة، وأمّا الغيرة الّتي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة. وإنّ من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحبّ الله؛ فأمّا الخيلاء الّتي يحبّ الله فاختيال الرّجل بنفسه عند القتال، واختياله عند الصّدقة، وأمّا الّتي يبغض الله فاختياله في البغي والفخر» ) * «1» . 56- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «2» . 57- * (عن فاطمة بنت قيس أنّها قالت: نكحت ابن المغيرة. وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في أوّل الجهاد «3» مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا تأيّمت «4» خطبني عبد الرّحمن بن عوف، في نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وخطبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على مولاه أسامة بن زيد. وكنت قد حدّثت؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحبّني فليحبّ أسامة ... الحديث» ) * «5» . 58- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله- عزّ وجلّ- قد حقّت محبّتي للّذين يتحابّون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتزاورون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتباذلون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتصادقون من أجلي. ما من مؤمن ولا مؤمنة يقدّم الله له ثلاثة أولاد من صلبه، لم يبلغوا الحنث «6» إلّا أدخله الله الجنّة بفضل رحمته إيّاهم» . وفي رواية: «وحقّت محبّتي للّذين يتناصرون من أجلي، وحقّت محبّتي للّذين يتصادقون من أجلي» ) * «7» . 59- * (عن زرّ، قال: قال عليّ- رضي الله عنه-: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة «8» إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ: «أن لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق» ) * «9» . 60- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبل على النّاس بوجهه، فقال: «يأيّها النّاس، اسمعوا واعقلوا، واعلموا أنّ لله عزّ وجلّ- عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشّهداء على مجالسهم وقربهم من الله» فجاء رجل من الأعراب من قاصية النّاس وألوى بيده إلى   (1) النسائي (5/ 78، 79) . وأحمد (5/ 445، 446) . وأبو داود (2659) واللفظ له وقال الألباني (2/ 505) : حديث حسن. (2) مسلم (2664) . (3) فأصيب في أول الجهاد: قال العلماء: ليس معناه أنه قتل في الجهاد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتأيمت بذلك. إنما تأيمت بطلاقه البائن. (4) تأيمت: أي صارت أيمّا، وهي التي لا زوج لها. (5) مسلم (2942) . (6) يبلغوا الحنث: أي لم يبلغو مبلغ الرجال. (7) الهيثمي (10/ 279) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الثلاثة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات (4/ 113، 386) . وذكر الحاكم نحوه في موضعين (4/ 169 و170) في المستدرك وصححهما ووافقه الذهبي في الثاني وسكت عن الأول. والحديثان من رواية أبي إدريس الخولاني عن معاذ وتصديق عبادة بن الصامت- رضي الله عنه-. (8) يقسم بالله- عز وجل-. (9) مسلم (78) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3348 نبىّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبيّ الله! ناس من النّاس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشّهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟! انعتهم لنا- يعنى: صفهم لنا- فسرّ وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسؤال الأعرابيّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هم ناس من أفناء النّاس «1» ونوازع القبائل «2» ، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابّوا في الله، وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، ويجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نورا وثيابهم نورا. يفزع النّاس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» ) * «3» . 61- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والنّاس أجمعين» ) * «4» . 62- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أقرأ من سورة يوسف وسورة هود؟ فقال: «يا عقبة، اقرأ ب أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فإنّك لن تقرأ بسورة أحبّ إلى الله، وأبلغ عنده منها، فإن استطعت أن لا تفوتك فافعل» ) * «5» . الأحاديث الواردة في (المحبة) معنى 63- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني: إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم، وإن تقرّب منّي شبرا، تقرّبت إليه ذراعا. وإذا تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت منه باعا، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة» ) * «6» . 64- * (عن رجل من بني سليط، قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في أزفلة «7» من النّاس فسمعته يقول: «المسلم أخو المسلم، لا يخذله ولا يحقره، التّقوى هاهنا (وأشار إلى صدره) . وما توادّ رجلان في الله- تبارك وتعالى- فيفرّق بينهما إلّا بحدث «8» يحدثه أحدهما» ) * «9» .   (1) أفناء الناس: أي لم يعلم ممن هو، الواحد فنء. (2) نوازع القبائل: جمع نازع ونزيع، وهو الغريب الذي نزع أهله وعشيرته، أي بعد وغاب. (3) أحمد (5/ 343) في المسند واللفظ له. والهيثمي في المجمع (10/ 276) وقال: رواه كله أحمد والطبراني بنحوه ورجاله وثقوا. وله شاهد جيد عنده وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. وقال المنذري في الترغيب (4/ 22) : رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. (4) البخاري- الفتح 1 (15) ، ومسلم (44) . (5) رواه الحاكم (2/ 540) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه الطبراني (17/ 861) ، وابن حبان (1843) وإسناده قوي. (6) مسلم (2675) . (7) أزفلة: أي جماعة من الناس. (8) حدث: الحدث الأمر المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنّة. والمعنى: أنه لا ينبغي أن يفترقا إلا بذلك. (9) الهيثمي في المجمع (10/ 275) واللفظ له وقال: رواه أحمد وإسناده حسن (4/ 66) . والحديث بنحوه عند جمع من أئمة الحديث عن عدد من الصحابة- رضوان الله عليهم- انظر «جامع الأصول» رقم (52) و (4792) و (4794) وتعليق محققه عليها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3349 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المحبة) 65- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر: «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم عليّ ابن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثمّ لا آذن لهم، ثمّ لا آذن لهم، إلّا أن يحبّ ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم فإنّما ابنتي بضعة منّي، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» ) * «1» . 66- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كنّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفيّة وسودة، والحزب الآخر أمّ سلمة وسائر نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان المسلمون قد علموا حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديّة يريد أن يهديها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخّرها، حتّى إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة بعث صاحب الهديّة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة. فكلّم حزب أمّ سلمة فقلن لها: كلّمي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكلّم النّاس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديّة فليهدها حيث كان من بيوت نسائه، فكلّمته أمّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئا، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئا، فقلن لها: فكلّميه، قالت: فكلّمته حين دار إليها أيضا، فلم يقل لها شيئا. فسألنها فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها: كلّميه حتّى يكلّمك. فدار إليها فكلّمته، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة، فإنّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلّا عائشة. قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثمّ إنّهنّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقول: إنّ نساءك ينشدنك العدل «2» في بنت أبي بكر. فكلّمته، فقال: يا بنيّة، ألا تحبّين ما أحبّ؟ قالت: بلى. فرجعت إليهنّ فأخبرتهنّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظت وقالت: إنّ نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة، فرفعت صوتها حتّى تناولت عائشة- وهي قاعدة- فسبّتها، حتّى إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لينظر إلى عائشة هل تكلّم؟ قال: فتكلّمت عائشة تردّ على زينب حتّى أسكتتها. قالت: فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عائشة وقال: «إنّها بنت أبي بكر «3» » ) * «4» . 67- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي طلحة: «التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتّى أخرج إلى خيبر» ، فخرج بي أبو   (1) البخاري- الفتح 7 (3767) . ومسلم (2449) واللفظ له. (2) ينشدنك العدل: أي يطلبن منك العدل. (3) إنها بنت أبي بكر: أي إنها شريفة عاقلة عارفة كأبيها. (4) البخاري- الفتح 5 (2581) واللفظ له. ومسلم (2442) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3350 طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدّين، وغلبة الرّجال» . ثمّ قدمنا خيبر، فلمّا فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفيّة بنت حييّ بن أخطب- وقد قتل زوجها، وكانت عروسا- فاصطفاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه، فخرج بها حتّى بلغنا سدّ الصّهباء حلّت، فبنى بها «1» ، ثمّ صنع حيسا في نطع «2» صغير، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آذن من حولك» . فكانت تلك وليمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على صفيّة. ثمّ خرجنا إلى المدينة قال: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحوّي «3» لها وراءه بعباءة، ثمّ يجلس عند بعيره فيضع ركبته، فتضع صفيّة رجلها على ركبته حتّى تركب، فسرنا حتّى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أحد فقال: «هذا جبل يحبّنا ونحبّه» ثمّ نظر إلى المدينة فقال: «اللهمّ إنّي أحرّم ما بين لابتيها بمثل ما حرّم إبراهيم مكّة. اللهمّ بارك لهم في مدّهم وصاعهم» ) * «4» . 68- * (عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ حدّث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه كان يأخذه والحسن فيقول: «اللهمّ أحبّهما فإنّي أحبّهما» ) «5» . 69- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حبّب إليّ: النّساء والطّيب، وجعل قرّة عيني في الصّلاة» ) * «6» . 70- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّساء والصّبيان مقبلين- قال: حسبت أنّه قال: من عرس- فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممثلا «7» فقال: «اللهمّ أنتم من أحبّ النّاس إليّ» . قالها ثلاث مرار) * «8» . 71- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والحسن بن عليّ على عاتقه يقول: «اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه» ) * «9» . 72- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: كان أوّل ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد. قبل أن يرجع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك   (1) فبنى بها: أي تزوجها. (2) النّطع: بالكسر والفتح: بساط من الجلد. والحيس: تمر يخلط بسمن وأقط بعد نزع النوى منه، ويعجن بشدة. (3) التحوية: أي تدير كساء حول سنام البعير ثم تركبه. (4) البخاري- الفتح 6 (2893) واللفظ له. ومسلم (1365، 1392) . (5) البخاري- الفتح 7 (3735) . (6) النسائي (7/ 61) باب عشرة النساء. وأحمد (3/ 128) واللفظ لهما وقال محقق جامع الأصول (4/ 766) : حديث حسن. (7) ممثلا- بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه-: هكذا ورد من الرباعي، والذي ذكره أهل اللغة أنه من مثل- بفتح الميم وضم الثاء- أي انتصب قائما وهو ثلاثي. (8) البخاري- الفتح 7 (3785) . (9) البخاري- الفتح 7 (3749) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3351 فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارىء» . قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. قال: قلت: «ما أنا بقارىء» . قال: فأخذنى فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارىء» . فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ 1- 5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره «1» حتّى دخل على خديجة. فقال: «زمّلوني، زمّلوني» . فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع «2» . ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة! مالي؟!» ، وأخبرها الخبر. قال «لقد خشيت على نفسي» . قالت له خديجة: كلّا. أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. والله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ «3» ، وتكسب المعدوم «4» ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «5» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم، ياليتني فيها جذعا «6» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» . قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «7» . 73- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «لأعطينّ هذه الرّاية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله» . قال: فبات النّاس يدوكون «8» ليلتهم: أيّهم يعطاها؟ فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» . فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: «فأرسلوا إليه» فأتي به فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه، ودعا له فبرأ، حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ   (1) ترجف بوادره: تضطرب في جسده الشريف اللحمتان فوق الثديين أو الثديان وهذا كناية عن شدة اضطرابه صلّى الله عليه وسلّم. (2) الروع: الفزع. (3) الكل- بفتح الكاف- هو الثّقل من كل ما يتكلّف. (4) تكسب المعدوم: أي تعين الفقير على كسبه، وقيل: المراد أنك تعطي الناس الشيء المعدوم عندهم وتوصله إليهم. (5) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخبر. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته. (6) ياليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها، وجذعا: يعني قويا، حتى أبالغ في نصرك. (7) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له. (8) يدوكون ليلتهم: أي باتوا في اختلاف واختلاط (العيني) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3352 الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم» ) * «1» . 74- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن أشقّ على أمّتي ما تخلّفت عن سريّة، ولكن لا أجد حمولة، ولا أجد ما أحملهم عليه، ويشقّ عليّ أن يتخلّفوا عنّي، ولوددت أنّي قاتلت في سبيل الله فقتلت ثمّ أحييت، ثمّ قتلت، ثمّ أحييت» ) * «2» . 75- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا أبا ذرّ، إنّي أراك ضعيفا. وإنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي. لا تأمّرنّ «3» على اثنين ولا تولّينّ مال يتيم» ) * «4» . 76- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيده وقال: «يا معاذ، والله إنّي لأحبّك، والله إنّي لأحبّك» ، فقال: «أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المحبة) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: وضع عمر على سريره، فتكنّفه «6» النّاس يدعون ويصلّون قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلّا رجل آخذ منكبي، فإذا عليّ بن أبي طالب، فترحّم على عمر وقال: ما خلّفت أحدا أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك. وايم الله إن كنت لأظنّ أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أنّي كثيرا أسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» ) * «7» . 2- * (عن حرملة مولى أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّه بينما هو مع عبد الله بن عمر إذ دخل الحجّاج بن أيمن، فلم يتمّ ركوعه ولا سجوده فقال: أعد. فلمّا ولّى، قال لي ابن عمر: من هذا؟ قلت: الحجّاج بن أيمن بن أمّ أيمن. فقال ابن عمر: «لو رأى هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأحبّه. فذكر حبّه وما ولدته أمّ أيمن» . قال: «وزادني بعض أصحابي عن سليمان:   (1) البخاري- الفتح 7 (4210) واللفظ له. ومسلم (2406) . (2) البخاري- الفتح 6 (2972) . (3) لا تأمّرنّ: بحذف إحدى التاءين أي لا تتأمرن وكذلك قوله: تولّينّ. (4) مسلم (1826) . (5) أبو داود (1522) وقال الألباني (1/ 284) : صحيح. وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (4/ 209) : إسناده صحيح. (6) تكنفه الناس: أحاطوا به. (7) البخاري- الفتح 7 (3685) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3353 وكانت حاضنة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» . 3- * (عن مجاهد- رحمه الله- قال: «مرّ على عبد الله بن عبّاس رجل فقال: إنّ هذا يحبّني. فقيل: أنّى علمت ذلك؟ قال: إنّي أحبّه» ) * «2» . 4- * (عن أبي حيّان التّيميّ- رحمه الله- قال: «رؤي على عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- ثوب كأنّه كان يكثر لبسه، فقيل له فيه. فقال: هذا كسانيه خليلي وصفيّي عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إنّ عمر ناصح الله فنصحه» ) * «3» . 5- * (عن ابن عون قال: «ثلاث أحبّهنّ لنفسي ولإخواني: هذه السّنّة أن يتعلّموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهّموه ويسألوا النّاس عنه، ويدعوا النّاس إلّا من خير» ) * «4» . 6- * (قال رجل لخالد بن صفوان: «أخوك أحبّ إليك أم صديقك؟» . فقال: إنّ أخي إذا لم يكن لي صديقا لم أحبّه» ) * «5» . 7- * (عن سفيان بن عيينة، قال: «سمعت مساور الورّاق يحلف بالله- عزّ وجلّ- ما كنت أقول لرجل إنّي أحبّك في الله- عزّ وجلّ- فأمنعه شيئا من الدّنيا» ) * «6» . 8- * (قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: «ما حفظت حدود الله ومحارمه، ووصل الواصلون إليه بمثل خوفه ورجائه ومحبّته. وهذه الثّلاثة: الحبّ والخوف والرّجاء، هي الّتي تبعث على عمارة الوقت بما هو الأولى لصاحبه، والأنفع له، وهي أساس السّلوك، والسّير إلى الله. وهذه الثّلاثة هي قطب رحى العبوديّة، وعليها دارت رحى الأعمال. فمتى خلا القلب من هذه الثّلاث فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا، ومتى ضعف فيه شيء من هذه ضعف إيمانه بحسبه» ) * «7» . 9- * (وقال- رحمه الله-: «إنّك إذا أحببت الشّخص لله، كان الله هو المحبوب لذاته، فكلّما تصوّرته في قلبك، تصوّرت محبوب الحقّ فأحببته، فازداد حبّك لله، كما إذا ذكرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والأنبياء قبله والمرسلين وأصحابهم الصّالحين، وتصوّرتهم في قلبك، فإنّ ذلك يجذب قلبك إلى محبّة الله المنعم عليهم، وبهم، إذا كنت تحبّهم لله. فالمحبوب لله يجذب إلى محبّة الله، والمحبّ لله إذا أحبّ شخصا لله فإنّ الله هو محبوبه. فهو يحبّ أن يجذبه إلى الله تعالى، وكلّ من المحبّ لله والمحبوب لله يجذب إلى الله» ) * «8» . 10- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «على حسب المحبّة وقوّتها يكون الرّجاء، فكلّ محبّ راج،   (1) البخاري- الفتح 7 (3737) . (2) كتاب الإخوان (ص 143) ، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 275) : رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. (3) كتاب الإخوان (238) . (4) فتح الباري (13/ 263) . (5) الإخوان (134) . (6) كتاب الإخوان (204) . (7) مجموع الفتاوى (15/ 21) . ومدارج السالكين (3/ 133) . (8) مجموع الفتاوى (10/ 608) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3354 خائف بالضّرورة، فهو أرجى ما يكون لحبيبه وأحبّ ما يكون إليه، وكذلك خوفه فإنّه يخاف سقوطه من عينه، وطرد محبوبه له إبعاده، واحتجابه عنه. فخوفه أشدّ خوف، ورجاؤه ذاتيّ للمحبّة، فإنّه يرجوه قبل لقائه والوصول إليه. فتأمّل هذا الموضع حقّ التّأمّل يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبوديّة والمحبّة. فكلّ محبّة فهي مصحوبة بالخوف والرّجاء، وعلى قدر تمكّنها من قلب المحبّ يشتدّ خوفه ورجاؤه» ) * «1» . 11- * (وقال- رحمه الله-: «المحبّة هي حياة القلوب وغذاء الأرواح، وليس للقلب لذّة، ولا نعيم، ولا فلاح، ولا حياة إلّا بها. وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذن إذا فقدت سمعها، والأنف إذا فقد شمّه، واللّسان إذا فقد نطقه، بل فساد القلب إذا خلا من محبّة فاطره وبارئه وإلهه الحقّ أعظم من فساد البدن إذا خلا من الرّوح، وهذا الأمر لا يصدّق به إلّا من فيه حياة» ) * «2» . 12- * (وقال أيضا: «لا ينال رضا المحبوب وقربه والابتهاج والفرح بالدّنوّ منه، والزّلفى لديه، إلّا على جسر من الذّلّة والمسكنة وعلى هذا قام أمر المحبّة فلا سبيل إلى الوصول إلى المحبوب إلّا بذلك» ) * «3» . 13- * (وقال: «المحبّ الصّادق: لا بدّ أن يقارنه أحيانا فرح بمحبوبه، ويشتدّ فرحه به، ويرى مواقع لطفه به، وبرّه به، وإحسانه إليه، وحسن دفاعه عنه، والتّلطّف في إيصاله المنافع والمسارّ والمبارّ إليه بكلّ طريق، ودفع المضارّ والمكاره عنه بكلّ طريق» ) * «4» . 14- * (وقال رحمه الله: «قرّة عين المحبّ ولذّته ونعيم روحه: في طاعة محبوبه، بخلاف المطيع كرها، المتحمّل للخدمة ثقلا: الّذي يرى أنّه لولا ذلّ قهره لما أطاع، فهو يتحمّل طاعته كالمكره الّذي أذلّه مكرهه وقاهره، بخلاف المحبّ الّذي يعدّ طاعة محبوبه قوتا ونعيما، ولذّة وسرورا، فهذا ليس الحامل له ذلّ الإكراه» ) * «5» . 15- * (وقال أيضا- رحمه الله-: «إنّ ما يفعله المحبّ الصّادق، ويأتي به في خدمة محبوبه، هو أسرّ شيء إليه، وألذّه عنده، ولا يرى ذلك تكليفا» ) * «6» . 16- * (وقال- رحمه الله-: «المحبّ الصّادق إن نطق نطق لله وبالله، وإن سكت سكت لله، وإن تحرّك فبأمر الله، وإن سكن فسكونه استعانة على مرضاة الله، فحبّه لله وبالله ومع الله» ) * «7» . 17- * (قال ابن قدامة: «علامة المحبّة، كمال الأنس بمناجاة المحبوب، وكمال التّنعّم بالخلوة، وكمال الاستيحاش من كلّ ما ينقض عليه الخلوة.   (1) مدارج السالكين (2/ 42، 43) . (2) الجواب الكافي (282- 283) . (3) مفتاح دار السعادة (1/ 24) . (4) مدارج السالكين (2/ 42- 43) . (5) تهذيب مدارج السالكين (328) . (6) مدارج السالكين (3/ 165) . (7) مفتاح دار السعادة (1/ 160) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3355 ومتى غلب الحبّ والأنس صارت الخلوة والمناجاة قرّة عين تدفع جميع الهموم، بل يستغرق الحبّ والأنس قلبه» ) * «1» . 18- * (قال بعضهم: تعصي الإله وأنت تزعم حبّه ... هذا محال في القياس بديع لو كان حبّك صادقا لأطعته ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع «2» . 19- * (قال الشّيخ سيّد قطب- رحمه الله-: «حبّ الله لعبد من عبيده، أمر هائل عظيم، وفضل غامر جزيل لا يقدر على إدراك قيمته إلّا من يعرف الله سبحانه بصفاته كما وصف نفسه» ) * «3» . من فوائد (المحبة) (1) دلالة على كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) المحبّة تغذّي الأرواح والقلوب وبها تقرّ العيون، بل إنّها هي الحياة الّتي يعدّ من حرم منها من جملة الأموات «4» . (3) قلب صاحبها تغشاه مباركة الله ونعمه على الدّوام. (4) تظهر آثار المحبّة عند الشّدائد والكربات. (5) من ثمار المحبّة النّعيم والسّرور في الدّنيا الموصّل إلى نعيم وسرور الآخرة. (6) في حبّ الله تعالى حمد المحبوب والرّضى عنه وشكره وخوفه ورجاؤه والتّنعّم بذكره والسّكون إليه والأنس به والإنفاق في سبيله. (7) حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوجب السّعي إلى إحياء سنّته. والحفاظ على دعوته. (8) محبّة النّاس مع التّودّد إليهم تحقّق الكمال الإنسانيّ لمن يسعى إليه. (9) وحبّه صلّى الله عليه وسلّم يستوجب حبّ من أحبّه وما أحبّه. (10) محبّة الإخوان في الله من محبّة الله ورسوله. (11) التّحابّ في الله يجعل المتحابّين في الله من الّذين يستظلّون بظلّ الله تعالى يوم لا ظلّ إلّا ظلّه (الحديث 35) . (12) لا يكتمل إيمان المرء إلّا إذا تحقّق حبّه لأخيه ما يحبّه لنفسه وفي هذا ما يخلّصه من داء الأنانيّة (الحديث 48) . (13) أن يستشعر المرء حلاوة الإيمان فيذوق طعم الرّضا وينعم بالرّاحة النّفسيّة (الحديث 27) . (14) حبّ الله ورسوله وسيلة أكيدة لاستجلاب نصر الله وعونه (الحديث 73) .   (1) مختصر منهاج القاصدين (351) . (2) زاد المعاد (4/ 194) . (3) في ظلال القرآن (2/ 773) . (4) أخذنا هذه الفائدة من كلام ابن القيم (انظر ص 3329 من هذه الموسوعة) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3356 المداراة المداراة لغة: مصدر قولهم دارى فلان فلانا بمعنى ختله وخدعه، يقول ابن فارس: الدّال والرّاء والحرف المعتلّ (الياء) أصلان: أحدهما: قصد الشّيء واعتماده طلبا، والآخر حدّة تكون في الشّيء، وأمّا المهموز (درأ) فأصل واحد وهو دفع الشّيء، ومن المعنى الأوّل للمعتلّ (درى) قولهم: ادّرى بنو فلان مكان كذا، أي اعتمدوه بغزو أو غارة، والدّريّة الدّابّة الّتي يستتر بها الّذى يرمي الصّيد ليصيده، ومن الأصل الآخر قولهم: شاة مدراة: حديدة القرنين، وأمّا الأصل المهموز فمنه قولهم: درأت الشّيء دفعته، قال تعالى: وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ (النور/ 8) . وقال الجوهريّ: ومداراة النّاس تهمز ولا تهمز، وهي المداجاة (أي المساندة للعداوة) والملاينة، وتدّراه وادّراه بمعنى أي ختله، قال سحيم: وماذا تدّري الشّعراء منّي ... وقد جاوزت حدّ الأربعين وقولهم: السّلطان ذو تدرإ أي ذو عدّة وقوّة على دفع أعدائه عن نفسه، والمدارأة: المخالفة والمدافعة ويقال: فلان لا يدارىء ولا يمارىء، فأمّا المداراة ففي الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 6/ 19 حسن الخلق والمعاشرة؛ لأنّه يهمز ولا يهمز، تقول داريته ودارأته، إذا اتّقيته ولاينته. وقال ابن منظور: المداراة: المخالفة والمدافعة، يقال فلان: ذو تدرأ، أي حفاظ ومنعة وقوّة على أعدائه ومدافعة، وذلك في الحرب والخصومة. وأصله مهموز، فيقال: دارأته مدارأة وغير مهموز فيقال: داريته وذلك إذا اتّقيته ولاينته. ومنهم من فرّق بين المهموز وغيره فجعل المهموز بمعنى الاتّقاء لشرّه وغير المهموز لمعنى الختل، فيقال: فلان لا يداري ولا يماري، وكذلك في حديث قيس بن السّائب- رضي الله عنه-: قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شريكي فكان خير شريك، لا يداري ولا يماري. قال أبو عبيد: معناه هنا المشاغبة والمخالفة على الشّريك؛ لأنّه من المهموز يعني درأت، ومنه كذلك قوله تعالى: فَادَّارَأْتُمْ فِيها (البقرة/ 72) يعني اختلافهم في القتل. والمدارأة أيضا: الاعوجاج والاختلاف والنّشوز، قال الشّعبيّ في المرأة المختلعة: إذا كان الدّرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها. ويقال: درأ الدّريئة للصّيد يدرؤها: إذا ساقها واستتر بها فإذا أمكنه الصّيد رمى، كما يقال: ادّرأت للصّيد إذا اتّخذت له دريئة «1» .   (1) لسان العرب (3/ 1347- 1349) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 272) ، والصحاح (1/ 49، 6/ 2336) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3357 واصطلاحا: قال المناويّ: المداراة: الملاينة والملاطفة، وأصلها المخاتلة ومنه: الدّراية وهو العلم مع تكلّف وحيلة «1» . قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-: المداراة: خفض الجناح للنّاس، ولين الكلام وترك الإغلاظ لهم في القول. وقال ابن حجر: المداراة الدّفع برفق «2» . المداراة لا بد منها في الحياة: قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-: الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة من غير مفارقة المداهنة، إذ المداراة من المداري صدقة له، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عليه، والفصل بين المداراة والمداهنة: هو أن يجعل المرء وقته في الرّياضة لإصلاح الوقت الّذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدّين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلّق المرء بخلق شابه بعض ما كره الله منه في تخلّقه فهذا هو المداهنة، لأنّ عاقبتها تصير إلى قلّ ويلازم المداراة لأنّها تدعو إلى صلاح أحواله، ومن لم يدار النّاس ملّوه، وقد أنشد عليّ بن محمّد البسّاميّ: دار من النّاس ملا لاتهم ... من لم يدار النّاس ملّوه ومكرم النّاس حبيب لهم ... من أكرم النّاس أحبّوه فالواجب على العاقل أن يداري النّاس مداراة الرّجل السّابح في الماء الجاري، ومن ذهب إلى عشرة النّاس من حيث هو كدّر على نفسه عيشه، ولم تصف له مودّتهم، لأنّ وداد النّاس لا يستجلب إلّا بمساعدتهم على ما هم عليه. إلّا أن يكون مأثما، فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة، والبشر قد ركّب فيهم أهواء مختلفة وطبائع متباينة، فكما يشقّ عليك ترك ما جبلت عليه فكذلك يشقّ على غيرك مجانبة مثله، فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلّا بمعاشرتهم من حيث هم، والإغضاء عن مخالفتهم في كلّ الأوقات، إذ إنّ من لم يعاشر النّاس على لزوم الإغضاء عمّا يأتون من المكروه، وترك التّوقّع لما يأتون من المحبوب كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه إلى أن ينال منهم الوداد، وترك الشّحناء، ومن لم يدار صديق السّوء كما يداري صديق الصّدق ليس بحازم، ولقد أحسن الّذي يقول: تجنّب صديق السّوء واصرم حباله ... وإن لم تجد عنه محيصا فداره وأحبب حبيب الصّدق واحذر مراءه ... تنل منه صفو الودّ ما لم تماره وذلك لأنّه إذا كان كلّما رأى من أحد زلّة رفضه لزلّته بقي وحيدا، لا يجد من يعاشر، وفريدا لا يجد من يخادن، بل يغضي على الأخ الصّادق زلّاته ولا يناقش الصّديق السّيّيء على عثراته. وقد قال منصور بن محمّد الكريزيّ:   (1) التوقيف (301) . (2) الفتح (10/ 528) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3358 أغمّض عيني عن صديقي كأنّني ... لديه بما يأتي من القبح جاهل وما بي جهل غير أنّ خليقتي ... تطيق احتمال الكره فيما أحاول متى ما يربني مفصل فقطعته ... بقيت ومالي في نهوضي مفاصل ولكن أداريه، وإن صحّ شدّني ... فإن هو أعيا كان فيه تحامل «1» مداراة الأعداء واجب للحذر من شرهم: قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: إذا كان للإنسان عدوّ وقد استحكمت شحناؤه، واستوعرت سرّاؤه، واستخشنت ضرّاؤه، فهو يتربّص بدوائر السّوء انتهاز فرصة ويتجرّع بمهانة العجز مرارة غصّة، فإذا ظفر بنائبة ساعدها، وإذا شاهد نعمة عاندها، فالبعد عن هذا حذرا أسلم، والكفّ عنه متاركة أغنم، لأنّه لا يسلم من عواقب شرّه، ولا يفلت من غوائل مكره إلّا بالبعد عنه أو مداراته. وقد قال لقمان لابنه: يا بنيّ، كذب من قال إنّ الشّرّ بالشّرّ يطفأ، فإن كان صادقا فليوقد نارين، ولينظر هل تطفىء إحداهما الأخرى، وإنّما يطفىء الخير الشّرّ كما يطفىء الماء النّار. وأمّا إذا كان هذا العدوّ لئيم الطّبع خبيث الأصل فمثل هذا لا يستقبح الشّرّ، ولا يكفّ عن المكروه فهذا حاله أطمّ وضرره أعمّ ولا سلامة من مثله إلّا بالبعد عنه والانقباض، ولا خلاص منه إلّا بالصّفح والإعراض لأنّه كالسّبع الضّاري في سوارح الغنم وكالنّار بطبع لا يزول، وجوهر لا يتغيّر «2» . الفرق بين المداراة والمداهنة: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: المداراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذمّ، والفرق بينهما أنّ المداري يتلطّف بصاحبه حتّى يستخرج منه الحقّ أو يردّه عن الباطل، والمداهن يتلطّف به ليقرّه على باطله ويتركه على هواه. فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النّفاق. وقد ضرب مثل لذلك مطابق، وهو حال رجل به قرحة قد آلمته فجاءه الطّبيب المداوي الرّفيق، فتعرّف حالها ثمّ أخذ في تليينها، حتّى إذا نضجت أخذ في بطّها برفق وسهولة، حتّى إذا أخرج ما فيها وضع على مكانها من الدّواء والمرهم ما يمنع فسادها، ثمّ تابع عليها بالمراهم الّتي تنبت اللّحم، ثمّ يذرّ عليها بعد نبات اللّحم ما ينشّف رطوبتها، ثمّ يشدّ عليها الرّباط، ثمّ لم يزل يتابع ذلك حتّى صلحت، أمّا المداهن فقال لصاحبها لا بأس عليك منها وهذه لا شيء فاسترها عن العيون بخرقة ثمّ اله عنها، فلا تزال مدّتها تقوى وتستحكم حتّى عظم فسادها «3» . [للاستزادة: انظر صفات: التودد- الحكمة- الشفقة- حسن الخلق- الحلم- حسن المعاملة- الستر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البذاءة- الفحش- الفضح- المجاهرة بالمعصية- الطيش- الحمق- الإساءة- سوء الخلق- سوء المعاملة- النفاق] .   (1) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (70- 73) بتصرف واختصار. (2) أدب الدنيا والدين (223- 224) بتصرف يسير. (3) الروح لابن القيم ص 208 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3359 الآيات الواردة في «المداراة» معنى 1- * وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «1» 2- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «2» 3- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) «3» 4- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44)   (1) هود: 84- 86 (2) النحل: 125 مكية (3) مريم: 41- 47 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3360 قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) «1» 5- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «2» 6- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «3»   (1) طه: 37- 47 مكية (2) لقمان: 14- 15 مكية (3) غافر: 27- 33 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3361 الأحاديث الواردة في (المداراة) 1- * (عن السّائب- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعلوا يثنون عليّ ويذكروني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أعلمكم به، قلت: صدقت بأبي وأمّي- كنت شريكي فنعم الشّريك، كنت لا تداري ولا تماري» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مداراة النّاس صدقة» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (المداراة) معنى 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يكذب إبراهيم النّبيّ- عليه السّلام- قطّ إلّا ثلاث كذبات: ثنتين في ذات الله «3» ، قوله: إنّي سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا. وواحدة في شأن سارة. فإنّه قدم أرض جبّار ومعه سارة، وكانت أحسن النّاس، فقال لها: إنّ هذا الجبّار، إن يعلم أنّك امرأتي يغلبني عليك. فإن سألك فأخبريه أنّك أختي، فإنّك أختي في الإسلام. فإنّي لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك. فلمّا دخل أرضه رآها بعض أهل الجبّار أتاه فقال له: لقد دخل أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلّا لك. فأرسل إليها فأتي بها. فقام إبراهيم عليه السّلام إلى الصّلاة. فلمّا دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة، فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرّك. فعلت. فعاد. فقبضت أشدّ من القبضة الأولى. فقال لها مثل ذلك. ففعلت. فعاد، فقبضت أشدّ من القبضتين الأوليين. فقال: ادعي الله أن يطلق يدي فلك الله «4» أن لا أضرّك، ففعلت. وأطلقت يده. ودعا   (1) أبو داود (4836) واللفظ له. وقال المنذري في مختصر أبي داود: أخرجه النسائي. وذكره الألباني في صحيحه (3/ 917) رقم (4049) . قال أبو عبيد: معناه هنا المشاغبة والمخالفة على الشريك لأنه من المهموز يعني درأت، ومنه كذلك قوله تعالى: فَادَّارَأْتُمْ فِيها (البقرة/ 72) يعني اختلافهم في القتل. والمدارأة أيضا: الاعوجاج والاختلاف والنشوز، قال الشعبي في المرأة المختلعة: إذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها. (2) رواه ابن حبان (2/ 216) / 471) ، وذكره في الفتح (10/ 545) ، وقال: رواه والطبراني في الأوسط وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر، ضعّفوه وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وكذا أخرجه ابن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه. وذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 96) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه وهو حديث حسن. وانظر المقاصد الحسنة (ص 377) والميزان للذهبي (4/ 462) . (3) ثنتين في ذات الله: معناه أن الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم المخاطب والسامع، وأما في نفس الأمر فليست كذبا مذموما لوجهين: أحدهما أنه ورى بها، فقال في سارة: أختي في الإسلام، وهو صحيح في باطن الأمر، والوجه الثاني أنه لو كان كذبا لا تورية فيه، لكان جائزا في دفع الظالمين، فنبه النبي صلّى الله عليه وسلّم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم. (4) فلك الله: أي شاهد وضامن أن لا أضرك. وهو قسم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3362 الّذي جاء بها فقال له: إنّك إنّما أتيتني بشيطان، ولم تأتني بإنسان، فأخرجها من أرضي، وأعطها هاجر. قال: فأقبلت تمشي، فلمّا رآها إبراهيم عليه السّلام انصرف، فقال لها: مهيم؟ «1» قالت: خيرا. كفّ الله يد الفاجر. وأخدم خادما) * «2» المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المداراة) 4- * (عن عروة بن الزّبير أنّ عائشة أخبرته أنّه استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة» . فلمّا دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثمّ ألنت له في القول. فقال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس منزلة عند الله من تركه أو ودعه النّاس اتّقاء فحشه» ) * «3» . 5- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا نكشر «4» في وجوه أقوام وإنّ قلوبنا لتلعنهم» ) * «5» 6- * (عن ابن أبي مليكة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أهديت له أقبية من ديباج مزرّدة بالذّهب، فقسمها فى أناس من أصحابه، وعزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل فجاء ومعه ابنه المسور بن مخرمة، فقام على الباب، فقال: ادعه لي، فسمع النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم صوته فأخذ قباء فتلقّاه به واستقبله بأزراره فقال: يا أبا المسور، خبأت هذا لك، وكان في خلقه شيء» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المداراة) 1- * (روي أنّ داود- عليه السّلام- جلس كئيبا خاليا فأوحى الله إليه يا داود، مالي أراك خاليا؟ قال: «هجرت النّاس فيك قال: أفلا أدلّك على شيء تبلغ به رضائي؟ خالق النّاس بأخلاقهم واحتجر الإيمان فيما بيني وبينك» ) * «7» . 2- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه- لأمّ   (1) مهيم: يعني ما شأنك وما خبرك. (2) البخاري الفتح 6 (3358) . ومسلم (2371) واللفظ له، وأخدم خادما: أي وهبني خادما وهي هاجر. (3) البخاري الفتح 10 (6131) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ولفظه عند الحارث بن أسامة «إنه منافق أداريه عن نفاقه، وأخشى أن يفسد علي غيره (الفتح: 10/ 529) . (4) نكشر في وجوه أقوام: نبسم في وجوههم. يقال: كشر عن أسنانه أبدى يكون ذلك في الضحك وغيره، والمقصود هنا الضحك بقرينة مقابلته بلعن القلوب. (5) ذكره البخاري معلقا موقوفا على أبي الدرداء. وقال الحافظ في الفتح (10/ 544) : وصله ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في غريب الحديث والدينوري في المجالسة وأخرجه أبو نعيم في الحلية، فهو على شرطه إما حسن أو صحيح. (6) البخاري- الفتح 6 (3127) . (7) الآداب الشرعية (3/ 470) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3363 الدّرداء: «إذا غضبت فرضّيني، وإذا غضبت رضّيتك فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق» ) * «1» . 3- * (قال معاوية- رضي الله عنه-: «لو أنّ بيني وبين النّاس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنّهم إن مدّوها خلّيتها، وإن خلّوا مددتها» ) * «2» . 4- * (قال ابن مفلح- رحمه الله تعالى-: «أعطى الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- شاعرا فقيل له: لم تعطي من يقول البهتان ويعصي الرّحمن؟ فقال: إنّ خير ما بذلت من مالك ما وقيت به من عرضك، ومن ابتغى الخير اتّقى الشّرّ» ) * «3» . 5- * (قال محمّد ابن الحنفيّة- رحمه الله تعالى-: «ليس بحكيم من لا يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدّا، حتّى يجعل الله له فرجا- أو قال مخرجا- وأنشد المتنبّي: ومن نكد الدّنيا على الحرّ أن يرى ... عدوّا له ما من صداقته بدّ «4» 6- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «كانوا يقولون: المداراة نصف العقل، وأنا أقول هي العقل كلّه» ) * «5» . 7- * (قال أبو يوسف- رحمه الله تعالى-: «خمسة يجب على النّاس مداراتهم: الملك المسلّط، والقاضي المتأوّل، والمريض، والمرأة، والعالم ليقبس من علمه» ) * «6» . 8- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: لمّا عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من همّ العداوات إنّي أحيّي عدوّي عند رؤيته ... لأدفع الشّرّ عنّي بالتّحيّات وأظهر البشر للإنسان أبغضه ... كأنّما قد حشا قلبي محبّات النّاس داء وداء النّاس قربهم ... وفي اعتزالهم قطع المودّات «7» 9- (قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-: «من التمس رضا جميع النّاس التمس ما لا يدرك، ولكن يقصد العاقل رضا من لا يجد من معاشرته بدّا، وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها واستقباح أشياء كان يستحسنها، ما لم يكن مأثما، فإنّ ذلك من المداراة، وما أكثر من دارى فلم يسلم فكيف توجد السّلامة لمن لا يداري» ) * «8» . 10- * (قال أبو سليمان الخطّابيّ- رحمه الله تعالى-: ما دمت حيّا فدار النّاس كلّهم ... فإنّما أنت في دار المداراة   (1) روضة العقلاء لابن حبان (72) . (2) روضة العقلاء لابن حبان (72) . (3) الآداب الشرعية (2/ 11) . (4) المرجع السابق (3/ 469) . (5) المرجع السابق (3/ 468) . (6) المرجع السابق (3/ 477) . (7) أدب الدنيا والدين (223) . (8) روضة العقلاء (71- 72) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3364 من يدر دارى ومن لم يدر سوف يرى ... عمّا قليل نديما للنّدامات «1» 11- * (قال القاضي التّنوخيّ: الق العدوّ بوجه لا قطوب به ... يكاد يقطر من ماء البشاشات فأحزم النّاس من يلقى أعاديه ... في جسم حقد وثوب من مودّات الرّفق يمن وخير القول أصدقه ... وكثرة المزح مفتاح العداوات «2» 12- * (قال صالح بن عبد القدّوس: أرضى عن المرء ما أصفى مودّته ... وليس شيء من البغضاء يرضينى والله لو كرهت كفّى مصاحبتي ... لقلت إذ كرهت يوما لها بيني ثمّ انثنيت على الأخرى فقلت لها ... إن تسعديني وإلّا مثلها كوني إنّي كذاك إذا أمر تعرّض لي ... خشيت منه على دنياي أو ديني خرجت منه وعرضي ما أدنّسه ... ولم أقم غرضا للنّذل يرميني وملطف بي مدار ذي مكاشرة ... مغض على وغر في الصّدر مكنون ليس الصّديق الّذي تخشى بوادره ... ولا العدوّ على حال بمأمون يلومني النّاس فيما لو أخبّرهم ... بالعذر فيه يوما لم يلوموني «3» 13- * (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي من أقوى أسباب الألفة بينهم. فإن قال بعضهم إنّ المداراة هي المداهنة، وهذا غلط، لأنّ المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرّمة، والفرق بينهما أنّ المداهنة من الدّهان، وهو الّذي يظهر الشّيء، ويستر باطنه وقد فسّرها العلماء بأنّها معاشرة الفاسق وإظهار الرّضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة: هي الرّفق بالجاهل في التّعليم وبالفاسق في النّهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيّما إذا احتيج إلى تألّفه) * «4» . 14- * (وقال الماورديّ- رحمه الله تعالى- أيضا: إنّ الإنسان إن كان مأمورا بتألّف الأعداء، ومندوبا إلى مقاربتهم، فإنّه لا ينبغي له أن يكون لهم راكنا وبهم واثقا، بل يكون منهم على حذر، ومن مكرهم على تحرّز، فإنّ العداوة إذا استحكمت في الطّباع صارت طبعا لا يستحيل، وجبلّة لا تزول، وإنّما يستكفي بالتّألّف إظهارها «5» ، ويستدفع به   (1) الآداب الشرعية (1/ 54) . (2) أدب الدنيا والدين (223) . (3) الآداب الشرعية (3/ 561) . (4) فتح الباري (10/ 545) . (5) يستكفي: أي يستكفئ من قولهم كفأ القدر غطاه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3365 أضرارها، كالنّار يستدفع بالماء إحراقها، ويستفاد به إنضاجها، وإن كانت محرقة متأجّجة في يابس الحطب لا يقربها إلّا تالف، ولا يدنو منها إلّا هالك) * «1» . 15- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: من الابتلاء العظيم إقامة الرّجل في غير مقامه، مثل أن يحتاج الرّجل الصّالح إلى مداراة الظّالم والتّردّد إليه، وإلى مخالطته من لا يصلح، وإلى أعمال لا تليق به، وإلى أمور تقطع عليه مراده الّذي يؤثره، فقد يقال للعالم: تردّد على الأمير وإلّا خفنا عليك سطوته، فيتردّد فيرى ما لا يصلح له ولا يمكنه أن ينكر أو يحتاج إلى شيء من الدّنيا وقد منع حقّه، فيحتاج أن يعرّض بذكر ذلك أو يصرّح لينال بعض حقّه، ويحتاج إلى مداراة من تصعب مداراته، بل يتشتّت همّه لتلك الضّرورات) * «2» . 16- * (قال بعض العلماء: رأس المداراة ترك المماراة) * «3» . 17- * (وقال شاعر: ما يقي عنك قوما أنت خائفهم ... كمثل دفعك جهّالا بجهّال قعّس «4» إذا حدبوا واحدب إذا قعسوا ... ووازن الشّر مثقالا بمثقال) * «5» . 18- * (قال زهير: ومن لم يصانع في أمور كثيرة ... يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم) * «6» . 19- * (قال النّمر بن تولب: وأبغض بغيضك بغضا رويدا ... إذا أنت حاولت أن تحكما وأحبب حبيبك حبّا رويدا ... فليس يعولك أن تصرما) * «7» . من فوائد (المداراة) 1- الرّاحة في الدّنيا، والأجر والثّواب في الآخرة. 2- لا بدّ منها لاتّقاء شرّ الأشرار، ودوام معاشرة الأخيار. 3- يحتاج إليها مع الأصدقاء كما يحتاج إليها مع الأعداء. 4- دليل كمال العقل، وحسن الخلق، ومتانة الدّين. 5- المداراة تكون في الأمور الدّنيويّة فقط، وتحرم إذا كانت في أمور الدّين وهذه هي المداهنة.   (1) أدب الدنيا والدين (405) بتصرف. (2) صيد الخاطر (290- 291) . (3) الآداب الشرعية (3/ 469) . (4) القعس: خروج الصدر ودخول الظهر وهو ضد الحدب (5) الآداب الشرعية (2/ 11) . (6) المرجع السابق نفسه (1/ 54) . والمنسم- بفتح الميم وكسر السين طرف خف البعير والنعامة والفيل. (7) الآداب الشرعية (1/ 53) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3366 المراقبة المراقبة لغة: مصدر قولهم: راقب مراقبة وهو مأخوذ من مادّة رقب الّتي تدلّ على «انتصاب» لمراعاة شيء ومن ذلك: الرّقيب وهو الحافظ، يقال منه: رقبت أرقب رقبة ورقبانا، والمرقب: المكان العالي يقف عليه النّاظر ومن ذلك اشتقاق الرّقبة لأنّها منتصبة، ولأنّ النّاظر لا بدّ ينتصب عند نظره، ويقال أرقبت فلانا هذه الدّار، وذلك أن تعطيه إيّاها يسكنها، ثمّ يقول له إن متّ قبلي رجعت إليّ، وإن متّ قبلك فهي لك، وهذا من المراقبة كأنّ كلّ واحد منهما يرقب موت صاحبه، والرّقوب: المرأة الّتي لا يعيش لها ولد كأنّها ترقبه لعلّه يبقى لها، وجاء في الصّحاح: والرّقيب: المنتظر، والرّقيب الموكّل بالضّريب، والرّقيب: الثّالث من سهام الميسر، والتّرقّب: الانتظار، وكذلك: الارتقاب. قال تعالى: وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (هود/ 93) . وقال ابن منظور: راقب الله تعالى في أمره أي خافه، ورقبه يرقبه رقبة ورقبانا، بالكسر فيهما، ورقوبا، وترقّبه، وارتقبه: انتظره ورصده، وارتقب: أشرف وعلا، والمرقب والمرقبة: الموضع المشرف، يرتفع عليه الرّقيب. الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 5/ 19 ورقب الشّيء يرقبه: حرسه، وفي أسماء الله تعالى: (الرّقيب) : وهو الحافظ الّذي لا يغيب عنه شيء، فعيل بمعنى فاعل «1» . المراقبة اصطلاحا: قال ابن القيّم: المراقبة دوام علم العبد وتيقّنه باطّلاع الحقّ سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه «2» . وقال المحاسبيّ: المراقبة: دوام علم القلب بعلم الله- عزّ وجلّ- في السّكون والحركة علما لازما مقترنا بصفاء اليقين. أمّا أوّل المراقبة فهو علم القلب بقرب الرّبّ عزّ وجلّ «3» . بيان حقيقة المراقبة ودرجاتها: اعلم أنّ حقيقة المراقبة هي ملاحظة الرّقيب وانصراف الهمم إليه، فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره، يقال إنّه يراقب فلانا، ويراعي جانبه، ويعني بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة، وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب. أمّا الحالة فهي مراعاة القلب للرّقيب واشتغاله   (1) مقاييس اللغة (2/ 427) ولسان العرب (1/ 424/ 426) . (2) مدارج السالكين (2/ 68) . (3) الوصايا للمحاسبى (313) بتصرف واختصار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3367 به والتفاته إليه وملاحظته إيّاه وانصرافه إليه. وأمّا المعرفة الّتي تثمر هذه الحالة فهي العلم بأنّ الله مطّلع على الضّمائر، عالم بالسّرائر، رقيب على أعمال العباد، قائم على كلّ نفس بما كسبت، وأنّ سرّ القلب في حقّه مكشوف كما أنّ ظاهر البشرة للخلق مكشوف بل أشدّ من ذلك. فهذه المعرفة إذا صارت يقينا- أعني أنّها خلت عن الشّكّ- ثمّ استولت بعد ذلك على القلب قهرته؛ فربّ علم لا شكّ فيه لا يغلب على القلب كالعلم بالموت، فإذا استولت على القلب استجرّت القلب إلى مراعاة جانب الرّقيب وصرفت همّه إليه؛ والموقنون بهذه المعرفة هم المقرّبون، وهم ينقسمون إلى الصّدّيقين وإلى أصحاب اليمين «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- مجاهدة النفس- محاسبة النفس- القوة- قوة الإرادة- اليقين- الخوف- الخشية. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الشك- الغفلة- اتباع الهوى- أكل الحرام] .   (1) انظر إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 398) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3368 الأحاديث الواردة في (المراقبة) معنى 1- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل. فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل. فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعلّ الله يفرجها عنكم. فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم «1» ، حلبت، فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ، وإنّه نأى بي ذات يوم الشّجر فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبّية يتضاغون «2» عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، نرى منها السّماء، ففرج الله منها فرجة، فرأوا السّماء. وقال الآخر: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها. فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها «3» قالت: يا عبد الله! اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه «4» فقمت عنها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم. وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها، فجاءني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها، فخذها. فقال: اتّق الله، ولا تستهزأ بي. فقلت: إنّي لا أستهزئ بك. خذ ذلك البقر ورعاءه. فأخذه فذهب به. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي، ففرج الله ما بقي» ) * «5» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل   (1) فإذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم. (2) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع. (3) فلما وقعت بين رجليها: أي جلست مجلس الرجل للوقاع. (4) لا تفتح الخاتم إلا بحقه: الخاتم كناية عن بكارتها. وقوله بحقه: أي بنكاح لا بزنى. (5) البخاري- الفتح 01 (5974) . ومسلم (2743) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3369 ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «1» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ- إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإن عملها أكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قالت الملائكة ربّ! ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة. فإنّه تركها من جرّاي «2» ) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للنّاس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه وبرسله وتؤمن بالبعث» . قال: ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصّلاة وتؤدّي الزّكاة المفروضة وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ، قال: متى السّاعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، وسأخبرك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة ربّتها. وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهنّ إلّا الله، ثمّ تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية (لقمان/ 34) ، ثمّ أدبر فقال: ردّوه فلم يروا شيئا. فقال: «هذا جبريل جاء يعلّم النّاس دينهم» ) * «4» . 5- * (عن معاذ- رضي الله عنه-، قال: يا رسول الله، أوصني. قال: «اعبد الله كأنّك تراه، واعدد نفسك من الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كلّه؟ قال: هذا» وأشار بيده إلى لسانه) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المراقبة) 1- * (قال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى مكّة فعرّسنا في بعض الطّريق فانحدر عليه راع من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم؟ فقال: إنّي مملوك، فقال: قل لسيّدك: أكلها الذّئب؟ قال: فأين الله؟ قال: فبكى عمر- رضي الله عنه- ثمّ غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه، وأعتقه وقال: أعتقتك في الدّنيا هذه الكلمة وأرجو أن تعتقك في الآخرة) * «6» . 2- * (قال ابن المبارك لرجل: راقب الله تعالى، فسأله عن تفسيرها فقال: كن أبدا كأنّك ترى الله عزّ   (1) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له. (2) من جراي: من أجلي. (3) البخاري- الفتح 13 (7501) . ومسلم (129) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 1 (50) واللفظ له. ومسلم (90) . (5) قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 532) : رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد. (6) انظر إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 396) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3370 وجلّ) * «1» . 3- * (قال سفيان الثّوريّ: عليك بالمراقبة ممّن لا تخفى عليه خافية، وعليك بالرّجاء ممّن يملك الوفاء) * «2» . 4- * (قال أبو عثمان: قال لي أبو حفص: إذا جلست للنّاس فكن واعظا لنفسك وقلبك، ولا يغرّنّك اجتماعهم عليك فإنّهم يراقبون ظاهرك والله رقيب على باطنك) * «3» . 5- * (قال الجريريّ: أمرنا هذا مبنيّ على أصلين: أن تلزم نفسك المراقبة لله- عزّ وجلّ- ويكون العلم على ظاهرك قائما) * «4» . 6- * (قال أبو عثمان المغربيّ: أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطّريقة المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعلم) * «5» . 7- * (قال رجل للجنيد: بم أستعين على غضّ البصر؟ فقال: بعلمك أنّ نظر النّاظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه) * «6» . 8- * (قال حميد الطّويل لسليمان بن عليّ: عظني، فقال: لئن كنت إذا عصيت خاليا ظننت أنّه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظنّ أنّه لا يراك فلقد كفرت) * «7» . 9- * (سئل ذو النّون: بم ينال العبد الجنّة؟ فقال: بخمس: استقامة ليس فيها روغان، واجتهاد ليس معه سهو، ومراقبة الله تعالى في السّرّ والعلانية، وانتظار الموت بالتّأهّب له، ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب) * «8» . 10- * (قال عبد الواحد بن زيد: إذا كان سيّدي رقيبا عليّ فلا أبالي بغيره) * «9» . 11- * (قال ابن عطاء: أفضل الطّاعات مراقبة الحقّ على دوام الأوقات) * «10» . 12- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-: الحقّ عزّ وجلّ- أقرب إلى عبده من حبل الوريد. لكنّه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه، فأمر بقصد نيّته، ورفع اليدين إليه، والسّؤال له. فقلوب الجهّال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحقّقت مراقبتهم للحاضر النّاظر لكفّوا الأكفّ عن الخطايا. والمتيقّظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط) * «11» . 13- * (سئل المحاسبيّ عن المراقبة فقال: أوّلها علم القلب بقرب الله تعالى) * «12» .   (1) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 297) . (2) المرجع السابق (4/ 397) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق (4/ 395) . (8) المرجع السابق (4/ 398) (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (10) المرجع السابق (4/ 397) . (11) صيد الخاطر (236) . (12) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 397) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3371 14- * (قال ابن منظور- رحمه الله-: فسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإحسان حين سأله جبريل، صلوات الله عليهما وسلامه، فقال: «هو أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك. أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطّاعة فإنّ من راقب الله أحسن عمله) * «1» . 15- * (ينبغي أن يراقب الإنسان نفسه قبل العمل وفي العمل، هل يحرّكه عليه هوى النّفس أو المحرّك له هو الله تعالى خاصّة؟ فإن كان الله تعالى، أمضاه، وإلّا تركه، وهذا هو الإخلاص. قال الحسن: رحم الله عبدا وقف عند همّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخّر. فهذه مراقبة العبد في الطّاعة، وهو أن يكون مخلصا فيها، ومراقبته في المعصية تكون بالتّوبة والنّدم والإقلاع، ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب، والشّكر على النّعم، فإنّه لا يخلو من نعمة لا بدّ له من الشّكر عليها، ولا يخلو من بليّة لا بدّ من الصّبر عليها، وكلّ ذلك من المراقبة) * «2» . 16- * (سئل بعضهم عن قوله تعالى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (البينة/ 8) فقال: معناه: ذلك لمن راقب ربّه- عزّ وجلّ- وحاسب نفسه وتزوّد لمعاده) * «3» . 17- * (قيل: من راقب الله في خواطره، عصمه في حركات جوارحه) * «4» . 18- (وقيل لبعضهم: متى يهشّ الرّاعي غنمه بعصاه عن مراتع الهلكة؟ فقال: إذا علم أنّ عليه رقيبا) * «5» . 19- * (قال الشّاعر: إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيب ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة ... ولا أنّ ما تخفيه عنه يغيب ألم تر أنّ اليوم أسرع ذاهب ... وأنّ غدا للنّاظرين قريب) * «6» . من فوائد (المراقبة) (1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. (2) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. (3) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام. (4) تثمر محبّة الله تعالى ورضاه. (5) دليل على حسن الخاتمة. (6) مظهر من مظاهر صلاح العبد واستقامته.   (1) لسان العرب (13/ 115- 117) . (2) إغاثة اللهفان لابن القيم (392) . (3) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 397) . (4) المرجع السابق (4/ 396) . (5) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 396) . (6) المرجع السابق (4/ 395) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3372 المروءة المروءة لغة: مصدر مرؤ الرّجل يمرؤ، وهو مأخوذ من مادّة (م ر أ) الّتى ذكر ابن فارس أنّها لا تنقاس (أي ليس لها معنى واحد ترجع إليه مشتقّاتها) ، يقال امرؤ وامرآن وامريء، وامرأة تأنيث امرىء، المروءة: كمال الرّجوليّة. وقال الأزهريّ: قد مرؤ الرّجل، وتمرّأ إذا تكلّف المروءة، والمرآة مصدر الشّيء المرئيّ، وجمع المرآة مراء، والعوامّ يقولون في جمع المرآة مرايا، قال: وهو خطأ والمراء: المماراة والجدل، والمريء الرّجل المقبول في خلقه وخلقه، وقال الجوهريّ: المروءة الإنسانيّة، ولك أن تشدّد (بعد قلب الهمزة واوا فتقول: مروّة) والمرأ: الرّجل، يقال: هذا مرأ صالح، وضمّ الميم لغة، وهما مرءان صالحان، ولا يجمع على لفظه، وبعضهم يقول: هذه مرأة صالحة ومرة أيضا بترك الهمزة وتحريك الرّاء بحركتها، والنّسبة إلى امرىء: مرئيّ. وقال ابن منظور: المروءة: كمال الرّجوليّة. مرؤ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 14/ 28 الرّجل يمرؤ مروءة، فهو مريء على فعيل، وتمرّأ على تفعّل: صار ذا مروءة. وتمرّأ: تكلّف المروءة. وتمرّأ بنا أي طلب بإكرامنا اسم المروءة. وفلان يتمرّأ بنا أي يطلب المروءة بنقصنا أو عيبنا. وفي حديث عليّ- رضي الله عنه-: لمّا تزوّج فاطمة، قال له يهوديّ، أراد أن يبتاع منه ثيابا- لقد تزوّجت امرأة، يريد: امرأة كاملة، كما يقال: فلان رجل أي كامل في الرّجال «1» . المروءة اصطلاحا: قال الماورديّ: المروءة مراعاة الأحوال إلى أن تكون «2» على أفضلها، حتّى لا يظهر منها قبيح عن قصد، ولا يتوجّه إليها ذمّ باستحقاق «3» . وقال الكفويّ: المروّة هي الإنسانيّة. وقيل هي الرّجوليّة الكاملة «4» . وقال الجرجانيّ: هي قوّة للنّفس مبدأ لصدور الأفعال الجميلة عنها المستتبعة للمدح شرعا وعقلا (وعرفا) «5» . وقال المقّريّ: المروءة آداب نفسانيّة، تحمل   (1) مقاييس اللغة (5/ 315) تهذيب اللغة (15/ 288) الصحاح (1/ 72) لسان العرب (1/ 156) . (2) الضمير فى تكون يرجع إلى النفس، ويؤيد هذا قوله فيما بعد: فكتب أن مراعاة النفس على أفضل أحوالها، انظر (هامش 1 ص 306) من كتاب (أدب الدنيا والدين) . (3) أدب الدنيا والدين (306) . (4) الكليات للكفوي (874) . (5) التعريفات (210) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3373 مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات «1» . وقال ابن القيّم: حقيقة المروءة: اتّصاف النّفس بصفات الإنسان الّتي فارق بها الحيوان البهيم، والشّيطان الرّجيم، فإنّ في النّفس ثلاثة دواع متجاذبة: داع يدعوها إلى الاتّصاف بأخلاق الشّيطان، من الكبر، والحسد والعلوّ والبغي، والشّرّ والأذى، والفساد والغشّ. وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان، وهو داعي الشّهوة، وداع يدعوها إلى أخلاق الملك، من الإحسان، والنّصح، والبرّ، والطّاعة، والعلم. والمروءة بغض الدّاعيين الأوّلين وإجابة الدّاعي الثّالث، ولهذا قيل في حدّ المروءة: إنّها غلبة العقل للشّهوة، ونقل عن الفقهاء قولهم: حدّ المروءة: استعمال ما يجمّل العبد ويزينه، وترك ما يدنّسه ويشينه «2» ، سواء تعلّق ذلك به وحده أو تعدّاه إلى غيره «3» . مروءة كلّ شيء بحسبه: وقال- رحمه الله تعالى-: مروءة اللّسان: حلاوته وطيبه ولينه. ومروءة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض. ومروءة المال: الإصابة ببذله مواقعه المحمودة عقلا وعرفا وشرعا. ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه. ومروءة الإحسان والبذل: تعجيله وتيسيره، وتوفيره وعدم رؤيته حال وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه. درجات المروءة: للمروءة ثلاث درجات: الأولى: مروءة المرء مع نفسه، وهي أن يحملها قسرا على فعل ما يجمّل ويزين، وترك ما يقبّح ويشين، ليصير لها ملكة في العلانية، ولا يفعل خاليا ما يستحي من فعله في الملإ، إلّا مالا يحظره الشّرع والعقل. الثّانية: مروءة المرء مع الخلق، بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء، والخلق الجميل، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه. الثّالثة: المروءة مع الحقّ سبحانه، ويكون ذلك بالاستحياء من نظره إليك، واطّلاعه عليك في كلّ لحظة ونفس، وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان فإنّه قد اشتراها منك، وأنت ساع في تسليم المبيع، وليس من المروءة تسليمه معيبا «4» . حقوق المروءة وشروطها: قال بعض البلغاء من شرائط المروءة: 1- أن يتعفّف المرء عن الحرام. 2- أن ينصف في الحكم. 3- أن يكفّ عن الظّلم.   (1) المصباح المنير (2/ 234) وانظر الصحاح في اللغة والعلوم للمرعشلي (2/ 485) . (2) مدارج السالكين 2/ 366 (3) هذه الاضافة مما ذكره في 2/ 353 عند حديثه عن الفتوة. (4) مدارج السالكين 2/ 368 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3374 4- ألّا يطمع فيما لا يستحقّ. 5- ألّا يعين قويّا على ضعيف. 6- ألّا يؤثر دنيّ الأفعال علي شريفها. 7- ألّا يسرّ ما يعقبه الوزر والإثم. 8- ألّا يفعل ما يقبّح الاسم والذّكر. وقال الماورديّ: إذا كانت مراعاة النّفس على أفضل أحوالها هي المروءة، فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها إلّا من تسهّلت عليه المشاقّ، رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذّ، حذرا من الذّمّ، ولذا قيل: سيّد القوم أشقاهم، وقد لحظ المتنبّيّ ذلك فقال: لولا المشقّة، ساد النّاس كلّهم ... الجود يفقر والإقدام قتّال وله أيضا: وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام إنّ حقوق المروءة أكثر من أن تحصى ... فلذلك أعوز استيفاء شروطها، والأظهر من ذلك ينقسم إلى قسمين: شروط المروءة في النّفس، وشروطها في الغير. شروط المروءة في نفس المرء: أي شروطها في نفسه، بعد التزام ما أوجبه الشّرع من أحكامه فيكون بثلاثة أمور: الأوّل: العفّة وهي نوعان: العفّة عن المحارم، والآخر: العفّة عن المآثم (انظر في تفصيل ذلك صفة العفّة) . الثّاني: النّزاهة وهي أيضا نوعان: النّزاهة عن المطامع الدّنيويّة، والثّاني النّزاهة عن مواقف الرّيبة (انظر في تفصيل ذلك صفة النّزاهة) . الثّالث: الصّيانة وهي أيضا على نوعين: أ- صيانة النّفس بالتزام كفايتها، ذلك أنّ المحتاج إلى النّاس كلّ مهتضم، وذليل مستثقل، وهو لما فطر عليه محتاج إلى ما يستمدّه ليقيم أود نفسه، ويدفع ضرورتها ولذلك قالت العرب: كلب جوّال خير من أسد رابض. ب- صيانتها عن تحمّل المنن، ذلك لأنّ المنّة استرقاق للأحرار تحدث ذلّة في الممنون عليه، وسطوة في المانّ، والاسترسال في الاستعانة تثقيل، ومن ثقل على النّاس هان، ولا قدر عندهم لمهان. شروط المروءة في الغير: شروط المروءة في الغير ثلاثة: الأوّل: المؤازرة وهي على نوعين:- الإسعاف بالجاه، ويكون من الأعلى قدرا والأنفذ أمرا، وهو أرخص المكارم يمنا، وألطف الصّنائع موقعا، وربّما كان أعظم من المال نفعا، وهو الظّلّ الّذى يلجأ إليه المضطرّون، والحمى الّذى يأوي إليه الخائفون، ولا عذر لمن منح جاها أن يبخل به، فيكون أسوأ حالا من البخيل بماله. الإسعاف فى النّوائب، وهو إمّا واجب فيما يتعلّق بالأهل والإخوان والجيران، وإمّا تبرّع في من عدا هؤلاء الثّلاثة، أمّا الأهل فلمماسّة الرّحم وتعاطف النّسب. وقد قيل: لم يسد من احتاج أهله إلى غيره، وأمّا الإخوان فلمستحكم الودّ، ومتأكّد العهد وقد سئل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3375 الأحنف بن قيس عن المروءة، فقال: صدق اللّسان ومواساة الإخوان. وأمّا الجار فلدنوّ داره واتّصال مزاره. وللجار حقّ فاحترز من أذاته ... وما خير جار لم يزل لك مؤذيا فيجب في حقوق المروءة وشروط الكرم في هؤلاء الثّلاثة تحمّل أثقالهم وإسعافهم في نوائبهم، ولا فسحة لذي مروءة عند ظهور المكنة، أن يكلهم إلى غيره، أو يلجئهم إلى سؤاله، وليكن السّائل عنهم كرم نفسه، فإنّهم عيال كرمه، وأضياف مروءته. أمّا التّبرّع لغير هؤلاء، فإنّه تبرّع بفضل الكرم وفائض المروءة، فمن تكفّل بنوائب هؤلاء فقد زاد على شرط المروءة وتجاوزها إلى شروط الرّياسة. الثانى: المياسرة وهى أيضا على نوعين: العفو عن الهفوات. المسامحة في الحقوق. فأمّا العفو عن الهفوات، فلأنّه لا مبرّأ من سهو وزلل، ولا سليم من نقص أو خلل، وإذا كان الإغضاء حتما والصّفح كرما، ترتّب ذلك بحسب الهفوة، والهفوات نوعان: صغائر وكبائر، أمّا الصّغائر فمغفورة، والنّفوس بها معذورة، وأمّا الكبائر فنوعان أحدهما: أن يهفو بها خاطيا، ويزلّ بها ساهيا، فالحرج فيها مرفوع، والعتب عليها موضوع، لأنّ هفوة الخاطئ هدر، ولومه هذر. والثّاني: أن يعتمد ما اجترم من كبائره، ويقصد ما اجترح من سيّئاته، وهو في ذلك إمّا موتور، فالّلائمة على من وتره. وإمّا عدوّ قد استحكمت شحناؤه، وحينئذ فالبعد منه حذرا أسلم، وإمّا أن يكون لئيم الطّبع خبيث النّفس ولا سلامة من مثله إلّا بالصّفح والإعراض، وإمّا أن يكون صديقا قد استحدث نبوة وتغيّرا، أو أخا قد استجدّ جفوة وتنكّرا، فأبدى صفحة عقوقه، واطّرح لازم حقوقه فهذا- ومثله- قد يعرض في المودّات المستقيمة، كما تعرض الأمراض في الأجسام السّليمة، فإن عولجت أقلعت، وإن أهملت أسقمت ثمّ أتلفت. أمّا المسامحة فنوعان: المسامحة في العقود، بأن يكون فيها سهل المناجزة، قليل المحاجزة مأمون الغيبة بعيدا من المكر والخديعة، والمسامحة في الحقوق، قال- رحمه الله-: وأمّا الحقوق فتتنوّع المسامحة فيها نوعين: أحدهما: في الأحوال، والثّاني في الأموال. فأمّا المسامحة في الأحوال فهي اطّراح المنازعة في الرّتب، وترك المنافسة في التّقدّم، فإنّ مشاحّة النّفوس فيها أعظم، والعناد عليها أكثر، فإن سامح فيها ولم ينافس. كان مع أخذه بأفضل الأخلاق واستعماله لأحسن الآداب، أوقع في النّفوس من إفضاله برغائب الأموال ثمّ هو أزيد فى رتبته، وأبلغ في تقدّمه. وأمّا المسامحة في الأموال، فتتنوّع ثلاثة أنواع: أ- مسامحة إسقاط لعدم. ب- مسامحة تخفيف لعجز. ج- مسامحة إنظار لعسرة. والمسامحة مع اختلاف أسبابها تفضّل مأثور، وتألّف مشكور، وإذا كان الكريم قد يجود بما تحويه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3376 يده، كان أولى أن يجود بما خرج عن يده فطاب نفسا بفراقه. الثّالث: الإفضال: وهو نوعان:- إفضال اصطناع، ويتضمّن ما أسداه جودا في شكور أو ما تألّف به نبوة نفور، وكلاهما من شروط المروءة لأنّ من قلّت صنائعه في الشّاكرين، وأعرض عن تألّف النّافرين، كان فردا مهجورا، وقابعا «1» محقورا، ولا مروءة لمتروك مطروح ولا قدر لمحقور مهتضم. إفضال استكفاف (أي بالكفّ عن السّفهاء) لأنّ ذا الفضل، لا يعدم حاسد نعمة يبعثه اللّؤم على البداء بسفهه، فإن غفل ذو المروءة عن استكفاف السّفهاء صار عرضه هدفا للمثالب، وحاله عرضة للنّوائب، فإن استكفّهم صان عرضه، وحمى نعمته، وعليه أن يخفي ذلك حتّى لا تنتشر فيه مطامع السّفهاء، وأن يتطلّب له في المجاملة وجها ويجعل في الإفضال عليه سببا «2» . بما تكون المروءة: قال أبو حاتم البستيّ رحمه الله: اختلف النّاس في كيفية المروءة، على أقوال منها: المروءة: إكرام الرّجل إخوان أبيه، وإصلاحه ماله، وقعوده على باب داره ويقصد، بهذا: كرمه. وإتيان الحقّ. وتقوى الله وإصلاح الضّيعة. وإنصاف الرّجل من هو دونه والسّموّ إلى من هو فوقه، والجزاء بما أتي إليه (يقبل الهديّة ويثيب عليها) . ومروءة الرّجل: صدق لسانه واحتمال عثرات جيرانه وبذل المعروف لأهل زمانه وكفّه الأذى عن أباعده وجيرانه. وحسن العشرة وحفظ الفرج واللّسان وترك المرء ما يعاب منه ... وقال ربيعة: المروءة مروءتان فللسّفر مروءة وللحضر مروءة، فأمّا مروءة السّفر: فبذل الزّاد، وقلّة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله. وأمّا مروءة الحضر: فالإدمان إلى المساجد، وكثرة الإخوان في الله، وقراءة القرآن. قال أبو حاتم: اختلفت ألفاظهم في كيفيّة المروءة، ومعاني ما قالوا قريبة بعضها من بعض، أورد لها أكثر من عشرين تعريفا، ثمّ يقول: والمروءة عندي خصلتان: اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال، واستعمال ما يحبّ الله والمسلمون من الخصال «3» . الفرق بين المروءة والرجولة والفتوة: انظر صفة الرجولة. [للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- تفريج الكربات- حسن الخلق- الرجولة- الشهامة- العفة- النزاهة- النبل- الإيثار- أكل الطيبات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإمعة- التخاذل- التفريط والإفراط- التهاون- الإعراض- أكل الحرام- الأثرة] .   (1) من قولهم: قبع القنفذ إذا أدخل رأسه في جلده حتى لا يراه أحد. (2) أدب الدنيا والدين (306- 334) بتصرف. (3) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (304- 310) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3377 الأحاديث الواردة في (المروءة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كرم المؤمن دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه» ) * «1» . الأحاديث الواردة في (المروءة) معنى 2- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- كريم يحبّ الكرماء ويحبّ معالي الأمور، ويكره سفسافها «2» » * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلّا الماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من يضمّ أو يضيّف هذا؟» فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك، وأصبحي سراجك «4» ، ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنّهما يأكلان، فباتا طاويين «5» . فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ضحك الله اللّيلة أو عجب من فعالكما «6» .» فأنزل الله: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) * «7» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ موسى كان رجلا حييّا ستّيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التّستّر إلّا من عيب بجلده: إمّا برص وإمّا أدرة «8» ، وإمّا آفة. وإنّ الله أراد أن يبرّئه ممّا قالوا لموسى، فخلا يوما وحده،   (1) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 405) وقال: رواه ابن حبّان في صحيحه. والحاكم (1/ 123) وقال: صحيح على شرط مسلم. (2) السفساف: الرديء من كل شيء، والأمر الحقير. (3) الخرائطي في مكارم الأخلاق. وذكره الهيثميّ في مجمع الزوائد (8/ 188) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه إلا أنه قال: يحبّ معالي الأخلاق، ورجال الكبير ثقات. (4) أصبحي سراجك: أي أوقديه. (5) طاويين: أي لم يأكلا شيئا. (6) ضحك الله الليلة أو أعجب من فعالكما: أي رضي الله عن صنيعكما، والفعال: بفتح الفاء: اسم الفعل الحسن، قيل: وقد يستعمل في الشر، والفعال بالكسر إذا كان بين اثنين. (7) البخاري الفتح 7 (3798) واللفظ له، ومسلم (2054) (8) والمأدور: من يصيبه فتق فى إحدى خصيتيه. انظر تاج العروس للزبيدى (6/ 18) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3378 فوضع ثيابه على الحجر ثمّ اغتسل. فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر «1» . حتّى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه ممّا يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو الله إنّ بالحجر لندبا «2» من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله (الأحزاب: 69) : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) * «3» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي بطريق، اشتدّ عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثمّ خرج فإذا كلب يلهث «4» يأكل الثّرى «5» من العطش، فقال الرّجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفّه ماء ثمّ أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له. فغفر له» قالوا: يا رسول الله! وإنّ لنا في البهائم أجرا؟ فقال: «في كلّ ذات كبد رطبة أجر «6» » ) * «7» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما كلب يطيف «8» بركيّة «9» كاد يقتله العطش. إذ رأته بغيّ «10» من بغايا بني إسرائيل. فنزعت موقها «11» ، فسقته، فغفر لها به» ) * «12» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها. فأطعمتها ثلاث تمرات. فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة. ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها. فاستطعمتها ابنتاها. فشقّت التّمرة، الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما. فأعجبني شأنها. فذكرت الّذي صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة، أو أعتقها بها من النّار» ) * «13» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه   (1) ثوبي حجر: أي أعطني ثوبي يا حجر. (2) الندب: بفتحتين جمع ندبة وهي أثر الجرح وشبه هنا أثر الضرب في الحجر بأثر الجرح. (3) البخاري- الفتح 6 (3404) . (4) يلهث: يقال: لهث بفتح الهاء وكسرها، يلهث، بفتحها لا غير، لهثا، بإسكانها. والاسم اللهث، بالفتح واللهاث، بضم اللام. ورجل لهثان وامرأة لهثى كعطشان وعطشى. وهو الذي أخرج لسانه من شدة العطش والحر. (5) الثرى: التراب النديّ. (6) في كل ذات كبد رطبة أجر: معناه في الإحسان إلى كل حيوان حي يسقيه، ونحوه، أجر. وسمي الحي ذا كبد رطبة لأن الميت يجف جسمه وكبده. (7) البخاري- الفتح 10 (6009) واللفظ له. ومسلم (2244) . (8) يطيف بالشيء: أي يدور حوله. يقال: طاف به وأطاف، إذا دار حوله. (9) بركيّة: الركية البئر. (10) بغيّ: البغي هي الزانية. والبغاء، بالمد: هو الزنى. (11) موقها: الموق هو الخف، فارسي معرب. ومعنى نزعت موقها أي استقت. يقال: نزعت بالدلو إذا استقت به من البئر ونحوها، ونزعت الدلو أيضا. (12) البخاري- الفتح 6 (3467) واللفظ له. ومسلم (2245) . (13) البخاري- الفتح 3 (1418) نحوه. ومسلم (2630) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3379 قال: «دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فألقى إليّ وسادة حشوها ليف، فلم أقعد عليها، بقيت بيني وبينه) * «1» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّاعي «2» على الأرملة «3» والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر، وكالصّائم لا يفطر» ) * «4» . 10- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيله» . قلت: فأيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها» : قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا، أو تصنع لأخرق «5» » . قال: فإن لم أفعل؟ قال: «تدع النّاس من الشّرّ، فإنّها صدقة تصدّق بها على نفسك» ) * «6» . 11- * (عن شهاب بن عبّاد أنّه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون: قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاشتدّ فرحهم بنا، فلمّا انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحّب بنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودعا لنا، ثمّ نظر إلينا فقال: «من سيّدكم وزعيمكم؟» فأشرنا جميعا إلى المنذر بن عائذ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أهذا الأشجّ؟» فكان أوّل يوم وضع عليه هذا الاسم لضربة بحافر حمار، قلنا: نعم، يا رسول الله. فتخلّف بعد القوم فعقل رواحلهم، وضمّ متاعهم، ثمّ أخرج عيبته «7» فألقى عنه ثياب السّفر، ولبس من صالح ثيابه، ثمّ أقبل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد بسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجله واتّكأ، فلمّا دنا منه الأشجّ، أوسع القوم له وقالوا: ههنا يا أشجّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واستوى قاعدا وقبض رجله: «ههنا يا أشجّ» فقعد عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرحّب به وألطفه وسألهم عن بلادهم وسمّى لهم قرية الصّنفا والمنقيرة وغير ذلك من قرى هجر فقال: بأبي وأمّي يا رسول الله، لأنت أعلم بأسماء قرانا منّا، فقال: «إنّي وطئت بلادكم وفسح لي فيها» . قال: ثمّ أقبل على الأنصار، فقال: «يا معشر الأنصار، أكرموا إخوانكم فإنّهم أشباهكم في الإسلام أشبه شيء بكم أشعارا وأبشارا، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين، إذ أبى قوم أن يسلموا حتى قتلوا» . قال: فلمّا أصبحوا قال: «وكيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إيّاكم؟» . قالوا: خير إخوان ألانوا فراشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلّموننا كتاب ربّنا- تبارك   (1) ذكره الهيثمي في المجمع (8/ 174) واللفظ له وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وهو في المسند 2 (5677) . (2) الساعي: المراد بالساعي: الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما. (3) الأرملة: من لا زوج لها. سواء كانت تزوجت قبل ذلك أم لا. وقيل: هي التي فارقت زوجها. قال ابن قتيبة: سميت أرملة. لما يحصل لها من الإرمال. وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج. يقال: أرمل الرجل، إذا فني زاده. (4) البخاري- الفتح 10 (6007) واللفظ له. ومسلم (2982) (5) والأخرق: الأحمق الجاهل، أو من لا يحسن الصنعة، ومنه الحديث تعين صانعا، أو تصنع لأخرق أي لجاهل بما يجب أن يعمله، ولم يكن في يديه صنعة يكتسب بها. (6) البخاري الفتح 5 (2518) واللفظ له. ومسلم (84) . (7) العيبة: ما يوضع فيه الثياب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3380 وتعالى- وسنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، فأعجبت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفرح بها ثمّ أقبل علينا رجلا رجلا يعرضنا على من يعلّمنا وعلّمنا، فمنّا، من علم التّحيّات وأمّ الكتاب والسّورة والسّورتين والسّنن، فأقبل علينا بوجهه فقال: «هل معكم من أزوادكم» . ففرح القوم بذلك، وابتدروا رواحلهم، فأقبل كليب- رجل منهم- معه صرّة من تمر فوضعها على نطع بين يديه وأومأ بجريدة في يده كان يتخصّر بها فوق الذّراع ودون الذّراعين فقال: تسمّون هذا التّعضوض «1» » قلنا: نعم. ثمّ أومأ إلى صرّة أخرى. فقال: «تسمّون هذا الصّرفان «2» » . قلنا: نعم. ثمّ أومأ إلى صرّة أخرى. فقال: «تسمّون هذا البرنيّ «3» » قلنا: نعم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّه من خير تمركم وأنفعه لكم» قال: فرجعنا من وفادتنا تلك فأكثرنا الغرز منه وعظمت رغبتنا فيه حتّى صار أعظم نخلنا وتمرنا البرنيّ. قال: فقال الأشجّ: يا رسول الله، إنّ أرضنا أرض ثقيلة وخمة «4» وإنّا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيّجت ألواننا وعظمت بطوننا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تشربوا في الدّبّاء والحنتم والنّقير «5» ، وليشرب أحدكم على سقاء يلاث على فيه «6» » . فقال له الأشجّ: بأبي وأمّي يا رسول الله، رخّص لنا في مثل هذه، وأومأ بكفّيه. فقال: يا أشجّ، إنّي إن رخّصت لك في مثل هذه،. وقال بكفّيه هكذا- شربته في مثل هذه وفرّج بين يديه وبسطهما- يعني أعظم منها حتّى إذا ثمل أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمّه فهزر «7» ساقه بالسّيف» . وكان في القوم رجل من بني عقيل يقال له الحارث قد هزرت ساقه في شراب لهم في بيت من الشّعر تمثّل به في امرأة منهم، فقام بعض أهل ذلك البيت فهزر ساقه بالسّيف، فقال الحارث: لمّا سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جعلت أسدل ثوبي فأغطّي الضّربة بساقي، وقد أبداها لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم) * «8» .   (1) التّعضوض نوع من أنواع التمر. (2) الصرفان: وهو نوع من أجود أنواع التمر وأوزنه. (3) البرني: نوع من التمر. (4) أرض وخمة: لا ينجع كلؤها ولا توافق ساكنها. (5) الدّباء: القرع ينتبذ فيه، والحنتم: جرار خضر تميل إلى الحمرة كانت تحمل إلى المدينة فيها الخمر، والنقير: أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء فيصير نبيذا مسكرا. (6) أي يشد على فمه برباط. (7) هزر: أي ضرب. (8) شيء منه عند البخاري 7 (4368) . وعند مسلم (17) . وذكره الهيثمي في المجمع (8/ 177، 178) واللفظ له وقال: رواه أحمد (4/ 207) ورجاله ثقات، وصححت بعض الألفاظ من أحمد، لأن نص المجمع به تصحيف في بعض العبارات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3381 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المروءة) 12- * (عن سهل- رضي الله عنه- أنّ امرأة جاءت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة منسوجة فيها حاشيتها. أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشّملة. قال: نعم. قالت: نسجتها بيدي، فجئت لأكسوكها، فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنّها إزاره، فحسّنها فلان، فقال: اكسنيها، ما أحسنها!. قال القوم: ما أحسنت. لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها، ثمّ سألته وعلمت أنّه لا يردّ. قال: إنّي والله ما سألته لألبسها، إنّما سألته لتكون كفني. قال: سهل فكانت كفنه) * «1» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي خير. يا محمّد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد، ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. يا محمّد، والله، ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. والله، ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ. والله، ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ. وإنّ خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: صبوت؟ قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا والله، لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 14- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة نجد، فلمّا أدركته القائلة «3» وهو في واد كثير العضاه «4» فنزل تحت شجرة واستظلّ بها وعلّق سيفه، فتفرّق النّاس في الشّجر يستظلّون. وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجئنا. فإذا أعرابيّ قاعد بين يديه، فقال: «إنّ هذا أتاني وأنا نائم، فاخترط سيفي «5» ، فاستيقظت وهو قائم على رأسي مخترط سيفي صلتا «6» ، قال: ما يمنعك منّي؟ قلت: الله، فشامه «7» ثمّ قعد، فهو هذا. قال: ولم يعاقبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1277) و4 (2093) و (6036) . (2) البخاري- الفتح 7 (4372) واللفظ له. ومسلم (1764) (3) القائلة: نصف النهار، وفي الصحاح: الظهيرة. (4) العضاهة: بالكسر أعظم الشجر أو كل ذات شوك، والجمع عضاه وعضون. (5) اخترط سيفي: استله. (6) الصّلت من السيوف: الصقيل الماضي. (7) شامه: أي أغمده. (8) البخاري الفتح 7 (4139) واللفظ له. ومسلم (843) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3382 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المروءة) 1- * (عن يحيى بن سعيد أنّ عمر بن الخطّاب، قال: «كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه، والجريء يقاتل عمّا لا يؤوب «1» به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف «2» والشّهيد من احتسب نفسه على الله» ) * «3» . 2- * (كتب عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه-: «خذ النّاس بالعربيّة، فإنّه يزيد في العقل، ويثبت المروءة» ) * «4» . 3- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: «لا تصغرنّ هممكم، فإنّي لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم» ) * «5» . 4- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- لابنه الحسن في وصيّته له: «يا بنيّ، إن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، ولا تكن عبد غيرك، وقد جعلك الله حرّا، فإنّ اليسير من الله تعالى أكرم وأعظم من الكثير من غيره، وإن كان كلّ منه كثيرا» ) * «6» . 5- * (حكي أنّ معاوية سأل عمرا «7» - رضي الله عنهما- عن المروءة؟ فقال: تقوى الله تعالى وصلة الرّحم. وسأل المغيرة؟ فقال: هي العفّة عمّا حرّم الله تعالى، والحرفة فيما أحلّ الله تعالى. وسأل يزيد؟ فقال: هي الصّبر على البلوى، والشّكر على النّعمى، والعفو عند المقدرة «8» . فقال معاوية: أنت منّي حقّا» ) * «9» . 6- * (قال زياد لبعض الدّهاقين «10» : «ما المروءة فيكم؟ قال: اجتناب الرّيب فإنّه لا ينبل مريب، وإصلاح الرّجل ماله فإنّه من مروءته، وقيامه بحوائجه وحوائج أهله فإنّه لا ينبل من احتاج إلى أهله ولا من احتاج أهله إلى غيره» ) * «11» . 7- * (وقيل: «لا مروءة لمن لا أدب له، ولا أدب لمن لا عقل له» ) * «12» . 8- * (وقال بعض الشّعراء:   (1) آب من يئوب أوبا ومآبا رجع. (2) الحتوف: جمع حتف وهو الموت. (3) الموطأ: (2/ 19) باب ما تكون فيه الشهادة. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 695) : قال الزرقاني في شرح الموطأ: رواه البيهقي في السنن من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر. (4) لسان العرب: (1/ 155) . (5) أدب الدنيا والدين للماوردي: (307) . (6) أدب الدنيا والدين (318) . (7) عمرا: أي عمرو بن العاص. (8) المقدرة: القدرة. (9) أدب الدنيا والدين (310) . (10) الدهاقين: واحدة دهقان بكسر الدال وضمها وهو من كانت له رياسة قريته أو جماعته عند العجم. (11) أدب الدنيا والدين (318) . (12) المروءة الغائبة (38) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3383 وكنت إذا صحبت رجال قوم ... صحبتهم وشيمتي الوفاء فأحسن حين يحسن محسنوهم ... وأجتنب الإساءة إن أساءوا وأبصر ما يعيبهم بعين ... عليها من عيوبهم غطاء أريد رضاهم أبدا وآتي ... مشيئتهم وأترك ما أشاء ) * «1» . 9- * (سئل محمّد بن عليّ عن المروءة، فقال: «أن لا تعمل عملا في السّرّ تستحيي منه في العلانية» ) * «2» . 10- * (قال مسروق،: «كان يقال: مجالسة أهل الدّيانة تجلو عن القلب صدأ الذّنوب، ومجالسة ذوي المروءات تدلّ على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تذكّي القلوب» ) * «3» . 11- * (سئل الأحنف بن قيس عن المروءة فقال: «صدق اللّسان، ومواساة الإخوان، وذكر الله تعالى في كلّ مكان» ) * «4» . 12- * (وقال مرّة: «العفّة والحرفة» ) * «5» . 13- * (قال أبو حاتم البستيّ- رحمه الله- بعد أن ساق حديث «كرم المومن دينه، ومروءته عقله» صرّح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الخبر: «بأنّ المروءة هي العقل: أي اسم يقع على العلم بسلوك الصّواب واجتناب الخطإ» وقال: فالواجب على العاقل: أن يلزم إقامة المروءة بما قدر عليه من الخصال المحمودة وترك الخلال المذمومة» ) * «6» . 14- * (وقال رحمه الله: «الواجب على العاقل تفقّد الأسباب المستحقرة عند العوامّ من نفسه حتّى لا يثلم «7» مروءته، فإنّ المحقّرات ضدّ المروءات تؤذي الكامل في الحال بالرّجوع القهقرى إلى مراتب العوامّ وأوباش «8» النّاس» ) * «9» . 15- * (قال الماورديّ: «وأمّا الإسعاف في النّوائب فلأنّ الأيام غادرة، والنّوازل غائرة، والحوادث عارضة، والنّوائب راكضة. والإسعاف في النّوائب نوعان: واجب وتبرّع. فأمّا الواجب فيما اختصّ بثلاثة أصناف وهم الأهل والإخوان والجيران ... فيجب من حقوق المروءة وشروط الكرم في هؤلاء الثّلاثة تحمّل أثقالهم وإسعافهم في نوائبهم. وأمّا التّبرّع ففيمن عدا هؤلاء الثّلاثة من البعداء» ) * «10» . 16- * (وقال: «اعلم أنّ من شواهد الفضل ودلائل الكرم المروءة الّتي هي حلية النّفوس، وزينة الهمم» ) * «11» .   (1) المروءة الغائبة (42) . (2) أدب الدنيا والدين (3152، وتهذيب اللغة للأزهري (15/ 287) . (3) المروءة الغائبة (60) . (4) أدب الدنيا والدين (323) . (5) تهذيب اللغة للأزهري (15/ 287) . (6) المروءة الغائبة (55) . (7) يثلم: من الثلم وهو الخلل. (8) أوباش الناس: أخلاطهم وسفلهم. (9) المروءة الغائبة (61) . (10) أدب الدنيا والدين (323) . (11) المرجع السابق (306) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3384 17- * (وقال أيضا: «شرف النّفس مع صغر الهمّة أولى من علوّ الهمّة مع دناءة النّفس، لأنّ من علت همّته مع دناءة نفسه كان متعدّيا إلى طلب ما لا يستحقّه، ومتخطّيا إلى التماس مالا يستوجبه. ومن شرفت نفسه مع صغر همّته فهو تارك لما يستحقّ، ومقصّر عمّا يجب له، وفضل ما بين الأمرين ظاهر، وإن كان لكلّ واحد منهما من الذّمّ نصيب» ) * «1» . 18- * (وقال: «أمّا شرف النّفس فإنّ به يكون قبول التّأديب واستقرار التّقويم والتّهذيب، لأنّ النّفس ربّما جمحت عن الأفضل وهي به عارفة ونفرت عن التّأديب وهي له مستحسنة، لأنّها عليه غير مطبوعة، وله غير ملائمة فتصير منه أنفر، ولضدّه الملائم آثر» ) * «2» . 19- * (قال الحصين بن المنذر الرّقاشيّ: إنّ المروءة ليس يدركها امرؤ ... ورث المكارم عن أب فأضاعها أمرته نفس بالدّناوة والخنا ... ونهته عن سبل العلا فأطاعها فإذا أصاب من المكارم خلّة ... يبني الكريم بها المكارم باعها ) * «3» . 20- * (يقول شيخ الأزهر السّابق محمّد الخضر حسين: «وتنتظم المروءة أخلاقا سنيّة وآدابا مضيئة، ورسوخ هذه الأخلاق والآداب في النّفس يحتاج إلى صبر ومجاهدة ودقّة ملاحظة وسلامة ذوق) * «4» . 21- * (قال وحيد الدّين خان في كتابه «البعث الإسلاميّ» : «إنّ هؤلاء الّذين نشأوا في جزيرة العرب، وشبّوا في الكثبان الرّمليّة والصّحارى القاحلة الجدباء، كانوا يتمتّعون بميزات يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي المروءة» ) * «5» . 22- * (قال حافظ إبراهيم: إنّي لتطربني الخلال كريمة ... طرب الغريب بأوبة وتلاقي وتهزّني ذكرى المروءة والنّدى ... بين الشّمائل هزّة المشتاق ) * «6» . 23- * (وقال بعضهم: «من حقوق المروءة وشروطها مالا يتوصّل إليه إلّا بالمعاناة، ولا يوقف عليه إلّا بالتّفقّد والمراعاة. فثبت أنّ مراعاة النّفس على أفضل أحوالها هي المروءة، وإذا كانت كذلك فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها إلّا من تسهّلت عليه المشاقّ رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذّ حذرا من الذّمّ، ولذلك قيل: سيّد القوم أشقاهم» ) * «7» . 42- * (قيل لبعض الحكماء: ما أصعب شيء   (1) أدب الدنيا والدين (307) . (2) المرجع السابق نفسه. (3) المرجع السابق (309) . (4) عن كتاب المروءة الغائبة (98) . (5) المروءة لمحمد ابراهيم سليم (9) . (6) كتاب المروءة الغائبة (10) . (7) أدب الدنيا والدين (307) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3385 على الإنسان؟ قال: «أن يعرف نفسه، ويكتم الأسرار فإذا اجتمع الأمران واقترن بشرف النّفس علوّ الهمّة كان الفضل بهما ظاهرا، والأدب بهما وافرا، ومشاقّ الحمد بينهما مسهّلة، وشروط المروءة بينهما متينة» ) * «1» . 25- * (قال بعضهم: الكامل المروءة من حصّن دينه، ووصل رحمه، وأكرم إخوانه) * «2» . 26- * (سئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة، فقال «العقل يأمرك بالأنفع، والمروءة تأمرك بالأجمل» وقال الماورديّ «ولن تجد الأخلاق على ما وصفنا من حدّ المروءة منطبعة، ولا عن المراعاة مستغنية، وإنّما المراعاة هي المروءة لا ما انطبعت عليه من فضائل الأخلاق، لأنّ غرور الهوى ونازع الشّهوة يصرفان النّفس أن تركب الأفضل من خلائقها، والأجمل من طرائقها، وإن سلمت منها، وبعيد أن تسلم إلّا لمن استكمل شرف الأخلاق طبعا، واستغنى عن تهذيبها تكلّفا وتطبّعا» ) * «3» . 27- * (قال أحدهم: إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه عسير ) * «4» . 28- * (قال بعض الشّعراء: إذا أنت لم تعرف لنفسك حقّها ... هوانا بها كانت على النّاس أهونا فنفسك أكرمها وإن ضاق مسكن ... عليك لها فاطلب لنفسك مسكنا وإيّاك والسّكنى بمنزل ذلّة ... يعدّ مسيئا فيه من كان محسنا ) * «5» . من فوائد (المروءة) (1) تعلّم الإنصاف والصّدق والاحتمال والصّبر. (2) تبعد المسلم عمّا يكره الله والمسلمون. (3) رفع الهمم للملمّات، والتّرفّع عن المحقّرات. (4) شكر المنعم على ما أنعم. (5) التّحلّي بالحزم عند العزم والعفو عند المقدرة. (6) تكسب الإنسان مكارم الأخلاق. (7) تبتعد بالإنسان عن كلّ ما يؤذي صفة الكمال في الإنسان. (8) مساعدة الأهل والإخوان والجيران. (9) تعلي شرف النّفس وقدرها. (10) تخلّص الانسان من غرور الهوى ونوازع الشّهوة. (11) تدعو الإنسان إلى الأنفة من الخمول والكسل. (12) تدعو الإنسان إلى استنكار مهانة النّقص. (13) دعوة للإنسان إلى تجنّب الأماني بلا عمل، لأنّ التّمنّي استصغار لنعم الله تعالى. (14) تضفي على الإنسان عزّا، وعلى المجتمع ترابطا.   (1) أدب الدنيا والدين (309) . (2) المرجع السابق (310) . (3) المرجع السابق (306) . (4) المروءة لمحمد ابراهيم سليم (9) . (5) أدب الدنيا والدين (308) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3386 المسارعة في الخيرات المسارعة لغة: مصدر قولنا: سارع فلان إلى كذا، وهو مأخوذ من مادّة (س ر ع) الّتي تدلّ على خلاف البطء، ومنه قول العرب: لسرعان ما صنعت كذا، أي ما أسرع ما صنعته، وأمّا السّرع من الكرم فهو أسرع ما يطلع منه» «1» . وقال الجوهريّ: يقال: سرع سرعا مثل صغر صغرا فهو سريع، وقولهم «سرعان ذا خروجا» ، وسرعان وسرعان ثلاث لغات، أي سرع ذا خروجا، وأسرع القوم، إذا كانت دوابّهم سراعا» «2» . وقال الفيروزاباديّ: السّرعة ضدّ البطء، وتستعمل في الأجسام والأفعال يقال: سرع فهو سريع، وأسرع فهو مسرع، كما يقال: سير سريع، وفرس سريع، والمصدر من سرع هو السّرعة، والسّراعة والسّرع «3» ، وسارع إلى الخير وتسارع «4» (بمعنى) ، قال تعالى: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (المؤمنون/ 61) الآيات/ الأحاديث/ الآثار 18/ 20/ 28 يسارعون أي يسابقون من سابقهم إليها «5» ، وقريء يسرعون في الخيرات، أي يكونون سراعا إليها، أمّا سابقون في الآية الكريمة فقد ذكر القرطبيّ أنّ المراد السّبق إلى أوقاتها، وكلّ من تقدّم في شيء فهو سابق إليه، وكلّ من تأخّر عنه فقد سبقه وفاته، ومن ثمّ تكون اللّام في «لها» بمعنى إلى كما جاء في قوله عزّ وجلّ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (الزلزلة/ 5) أي إليها «6» . وسرعان النّاس: أوائلهم الّذين يتسارعون إلى الشّيء، ويقبلون عليه بسرعة، ويجوز فيها تسكين الرّاء، والمساريع، جمع مسراع، وهو الشّديد الإسراع في الأمور، وهو من أبنية المبالغة «7» ، والمتسرّع: المبادر إلى الشّرّ، يقال تسرّع إلى الشّرّ، والمسرع: السّريع إلى خير أو شرّ، وسارع إلى الأمر كأسرع إليه، وسارع إلى كذا وتسرّع إليه بمعنى «8» ، والمسارعة إلى الشّيء المبادرة إليه «9» ، والفرق بين السّرعة والإسراع أنّ الإسراع فيه   (1) مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 153 (2) الصحاح للجوهري 3/ 1228 (3) أضاف ابن منظور ثلاثة مصادر أخرى هي: السّرع والسّرعو السّرع، انظر اللسان 8/ 151 (4) بصائر ذوي التمييز 3/ 214 (5) يفيد هذا القول أن المفاعلة هنا على بابها أي أنها تدل على المشاركة. (6) تفسير القرطبي 12/ 133 (بتصرف يسير) . (7) انظر النهاية لابن الاثير 2/ 361 (8) يشير صاحب اللسان بهذه العبارة الى أن تسرع تستعمل بمعنى سارع الى الأمر مطلقا خيرا كان أو شرا. (9) لسان العرب 8/ 151 (ط. بيروت) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3387 طلب وتكلّف، وأمّا السّرعة فكأنّها غريزة، يقال: أسرع أي طلب ذلك من نفسه وتكلّفه كأنّه أسرع المشي أي عجّله، وأمّا سرع فلان، فالمعنى أنّ السّرعة فيه طبع وسجيّة «1» ، أمّا قول الله عزّ وجلّ: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (آل عمران/ 133) فالمعنى سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطّاعة، وقيل أداء الفرائض، وقيل الإخلاص، وقيل: التّوبة من الرّبا، وقيل: الثّبات في القتال، وقيل غير هذا، قال القرطبيّ: والآية عامّة في الجميع، ومعناها معنى اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (البقرة/ 148) الّتي تتضمّن الحثّ والاستعجال على جميع الطّاعات بالعموم» «2» . المسارعة في الخيرات اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات- الّتي وقفنا عليها- «المسارعة» في الخيرات مصطلحا، ويمكن أن نعرّف ذلك من خلال ما كتبه اللّغويّون والمفسّرون فنقول: المسارعة في الخيرات: هي المبادرة إلى الطّاعات والسّبق إليها والاستعجال في أدائها وعدم الإبطاء فيها أو تأخيرها. المسارعة والمسابقة والمبادرة: هذه الألفاظ الثّلاثة متقاربة المعنى إلى حدّ كبير، ومع أنّ بينها فروقا في الاستعمال في كثير من السّياقات، إلّا أنّ بينها ما يسمّيه بعض اللّغويّين بالتّرادف الجزئيّ ويراد به أن يستعمل اللّفظان أو الألفاظ استعمالا واحدا في بعض السّياقات دون بعضها الآخر، والألفاظ الثّلاثة (المسارعة- المسابقة- المبادرة) من هذا القبيل، أي إنّها عند الاقتران بالخيرات أو العمل الصّالح يكون لها المعنى نفسه، وقد كثر لفظ «المبادرة» في الحديث الشّريف، ولفظ المسارعة في القرآن الكريم، أمّا المسابقة فقد وردت فيهما على سواء، ومن الألفاظ الحديثيّة الّتي تؤدّي معنى المسارعة أو المبادرة، لفظ التّبكير وخاصّة إذا اقترن بأداء الصّلاة. [للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- البر- بر الوالدين- التعاون على البر والتقوى- الطاعة- العبادة- الإحسان- الكرم- المروءة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإهمال- البخل- التخاذل- التفريط والإفراط- التهاون- الشح- الإعراض- اتباع الهوى] .   (1) لسان العرب 8/ 151 (ط. بيروت) ، وقد نقل هذا الفرق عن سيبويه. (2) تفسير القرطبي 4/ 203، وفي معنى «استبقوا الخيرات» 2/ 165 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3388 الآيات الواردة في «المسارعة في الخيرات» 1- * لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «2» 3- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «4»   (1) آل عمران: 113- 114 مدنية (2) آل عمران: 130- 136 مدنية (3) الأنبياء: 89- 90 مكية (4) المؤمنون: 57- 61 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3389 الآيات الواردة في «المسارعة إلى الخيرات» معنى 5- لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) «1» 6- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) «2» 7- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) «3» 8- * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) «4» 9- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «5» 10- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) «6» 11- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «7» 12- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (41) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ   (1) البقرة: 148 مدنية (2) المائدة: 48 مدنية (3) الأنعام: 14 مكية (4) الأنعام: 141 مكية (5) الأنعام: 161- 163 مكية (6) الأعراف: 143 مكية (7) التوبة: 100 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3390 تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) «1» 13- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) «2» 14- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) «3» 15- وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) «4» 16- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «5» 17- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) «6» 18- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) «7»   (1) الشعراء: 41- 51 مكية (2) فاطر: 32 مكية (3) الزمر: 11- 13 مكية (4) الحديد: 10 مدنية (5) الحديد: 20- 21 مدنية (6) الحشر: 8- 9 مدنية (7) المطففين: 22- 26 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3391 الأحاديث الواردة في (المسارعة في الخيرات) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح وهو مردف أسامة على القصواء- ومعه بلال وعثمان بن طلحة- حتّى أناخ عند البيت، ثمّ قال لعثمان: ائتنا بالمفتاح، فجاءه بالمفتاح ففتح له الباب، فدخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسامة وبلال وعثمان، ثمّ أغلقوا عليه الباب، فمكث نهارا طويلا، ثمّ خرج، وابتدر النّاس الدّخول فسبقتهم، فوجدت بلالا قائما من وراء الباب، فقلت له: أين صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: صلّى بين ذينك العمودين المقدّمين، وكان البيت على ستّة أعمدة سطرين، صلّى بين العمودين من السّطر المقدّم، وجعل باب البيت خلف ظهره، واستقبل بوجهه الّذي يستقبلك حين تلج البيت، بينه وبين الجدار. قال: ونسيت أن أسأله كم صلّى. وعند المكان الّذي صلّى فيه مرمرة حمراء» ) * «1» . 2- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّ أسماء لمّا قدمت لقيها عمر بن الخطّاب- رضي الله تعالى عنه- في بعض طرق المدينة فقال: آلحبشيّة هي؟ قالت: نعم. فقال: نعم القوم أنتم لولا أنّكم سبقتم بالهجرة، فقالت هي لعمر: كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحمل راجلكم، ويعلّم جاهلكم، وفررنا بديننا، أما إنّي لا أرجع حتّى أذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرجعت إليه، فقالت له، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل لكم الهجرة مرّتين؛ هجرتكم إلى المدينة، وهجرتكم إلى الحبشة» ) * «2» . 3- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نتصدّق، فوافق ذلك مالا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكلّ ما عنده، فقال: يا أبا بكر: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: والله لا أسبقه إلى شيء أبدا» ) * «3» . 4- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه وأبو بكر على عبد الله ابن مسعود وهو يقرأ، فقام فسمع قراءته، ثمّ ركع عبد الله وسجد، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «سل تعطه» قال: ثمّ مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه من ابن أمّ عبد» . قال: فأدلجت إلى عبد الله بن مسعود لأبشّره بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فلمّا ضربت الباب، أو قال: لمّا سمع صوتي قال: ما جاء بك هذه السّاعة؟ قلت: جئت لأبشّرك بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: قد سبقك أبو بكر، قلت: إن يفعل فإنّه سبّاق بالخيرات، ما استبقنا خيرا قطّ إلّا سبقنا إليه أبو بكر» ) * «4» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:   (1) البخاري- الفتح 7 (4400) . (2) البخاري- الفتح 7 (4230) ، ومسلم (2503) .. (3) الترمذي برقم (3675) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (4) مسند أحمد 1/ 38، 1/ 26، ونسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (265) وقال: اسناده صحيح، وكذا برقم (175) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3392 قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «عرضت عليّ الأمم فأخذ النّبيّ يمرّ معه الأمّة، والنّبيّ يمرّ معه العشرة، والنّبيّ يمرّ معه الخمسة، والنّبيّ يمرّ وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل هؤلاء أمّتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمّتك، وهؤلاء سبعون ألفا قدّامهم لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون، ولا يتطيّرون، وعلى ربّهم يتوكّلون، فقام إليه عكّاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: «اللهمّ اجعله منهم» ، ثمّ قام إليه رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال «سبقك بها عكّاشة» ) * «1» . 6- * (عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه أمر أصحابه بالغزو، وأنّ رجلا تخلّف وقال لأهله: أتخلّف حتّى أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظّهر ثمّ أسلّم عليه وأودّعه فيدعو لي بدعوة تكون شافعة يوم القيامة. فلمّا صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقبل الرّجل مسلّما عليه فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «والّذي نفسي بيده لقد سبقوك بأبعد ما بين المشرقين والمغربين في الفضيلة» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (المسارعة في الخيرات) معنى 7- * (عن يزيد بن الأخنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تنافس بينكم إلّا في اثنتين: رجل أعطاه الله عزّ وجلّ القرآن فهو يقوم به آناء اللّيل وآناء النّهار ويتّبع ما فيه فيقول رجل: لو أنّ الله تعالى أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم به. ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق ويتصدّق فيقول رجل: لو أنّ الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأتصدّق به ... الحديث» ) * «3» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا الصّبح بالوتر» ) * «4» . 9- * (عن عبد الله بن شفيق قال: سألت ابن عمر عن صلاة اللّيل، فقال ابن عمر: سأل رجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن صلاة اللّيل وأنا بينهما فقال: صلاة اللّيل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصّبح فبادر الصّبح بركعة، وركعتين قبل صلاة الغداة) * «5» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ   (1) البخاري- الفتح 11 (6541) واللفظ له، ومسلم (367) . (2) مسند أحمد 3/، 438 وهو من مسند سهل بن معاذ وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن. (3) البخاري- الفتح 9 (5025) ، ومسلم (815) ، ومسند أحمد 4/ 105 واللفظ له. (4) المصدر السابق 2/ 37، قال الشيخ أحمد شاكر (4952) : إسناده صحيح. (5) المصدر السابق 2/ 71 وقال الشيخ أحمد شاكر (5399) : إسناده صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3393 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: بادروا بالأعمال سبعا: هل تنظرون إلّا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدّجّال، فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة فالسّاعة أدهى وأمرّ) * «1» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: بادروا بالأعمال فتنا كقطع اللّيل المظلم، يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا) * «2» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تبادروا بالأعمال ستّا: طلوع الشّمس من مغربها، والدّجّال، والدّخان، ودابّة الأرض، وخويصة أحدكم، وأمر العامّة» قال عفّان في حديثه: وكان قتادة إذا قال وأمر العامّة وأمر السّاعة.) * «3» . 13- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان المؤذّن إذا أذّن قام ناس من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبتدرون السّواري حتّى يخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم كذلك يصلّون الرّكعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء، قال عثمان بن جبلة وأبو داود عن شعبة «لم يكن بينهما إلّا قليل» ) * «4» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» ) * «5» . 15- * (عن مصعب بن سعد عن أبيه، قال الأعمش: ولا أعلمه إلّا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «التؤدة» «6» في كلّ شيء إلّا في عمل الآخرة) * «7» . 16- * (عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ قال: لمّا حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره، ثمّ قال: أذكّركم بالله هل تعلمون أنّ حراء حين انتفض، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اثبت حراء، فليس عليك إلّا نبي أو صدّيق أو شهيد؟ قالوا: نعم. قال: أذكّركم بالله، هل تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في جيش العسرة: «من ينفق نفقة متقبّلة» والنّاس مجهدون معسرون فجهّزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم. ثمّ قال: أذكّركم بالله، هل تعلمون أنّ بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلّا بثمن فابتعتها   (1) الترمذي (2307) وقال: حسن، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب 4/ 250، وقال حديث حسن. (2) مسلم (186) . (3) مسند أحمد 2/ 324 وقال الشيخ أحمد شاكر (8286) إسناده صحيح، ونسبه في التهذيب 3/ 366 لصحيح مسلم، وابن ماجه برقم (4056) وقال في الزوائد: اسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب 4/، 250 (4) البخاري/ الفتح 2 (625) . (5) المنذري في الترغيب والترهيب 4/ 251 وقال رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. (6) التؤدة: ساكنة وتفتح: التأني والتمهل والرزانة. (7) أبو داود برقم (4811) واللفظ له، والحاكم (4/ 306) وقال: على شرطهما، ووافقه الذهبي، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 252) وقال: رواه أبو داود والحاكم والبيهقي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3394 فجعلتها للغنيّ والفقير وابن السّبيل؟ قالوا: اللهمّ نعم، وأشياء عدّدها» ) * «1» . 17- عن محمّد بن سعد عن أبيه قال: «استأذن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ على صوته، فلمّا استأذن عمر تبادرن الحجاب، فأذن له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال: أضحك الله سنّك يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي. فقال: عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، لمّا سمعن صوتك تبادرن الحجاب. فقال: أنت أحقّ أن يهبن يا رسول الله، ثمّ أقبل عليهنّ فقال: يا عدوّات أنفسهنّ، أتهبنني ولم تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقلن: إنّك أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إيه يا ابن الخطّاب، والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «2» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنة، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» ) * «3» . 19- * (عن أبي قلابة عن أبي المليح قال كنّا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكّروا بصلاة العصر، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» ) * «4» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المسارعة في الخيرات) 20- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وأشجع النّاس، وأجود النّاس، ولقد فزع أهل المدينة، فكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبقهم على فرس، وقال: وجدناه بحرا) * «5» .   (1) الترمذي برقم 3699، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. (2) البخاري- الفتح 10/ 6085) ، 7 (3683) وأحمد (1/ 171) ونسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (1472) . (3) البخاري- الفتح 2 (881) . (4) المصدر السابق 2 (553) . (5) المصدر السابق 6 (2820) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3395 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (المسارعة في الخيرات) 1- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: تقوى الله مفتاح سداد «1» ، وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، فبادروا بالأعمال عمرا ناكسا «2» ، أو مرضا حابسا «3» ، أو موتا خالسا «4» ، فإنّه هادم لذّاتكم، ومباعد طيّاتكم «5» ، زائر غير محبوب، وواتر غير مطلوب، قد أعلقتكم حبائله، وتكنّفتكم «6» غوائله، وأقصدتكم معابله «7» ، فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، واحتدام علله، وحنادس «8» غمراته، وغواشي سكراته، وأليم إرهاقه، ودجوّ إطباقه، وجشوبة «9» مذاقه، فأسكت نجيّكم «10» ، وفرّق نديّكم، فلا تغرّنّكم الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية، الّذين احتلبوا درّتها «11» ، وأصابوا عزّتها، وأفنوا عدّتها، وأخلقوا جدّتها، أصبحت مساكنهم أجداثا، وأموالهم ميراثا، فإنّها غرّارة «12» خدوع، معطية منوع، لا يدوم رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها» ) * «13» . 2- * (عن ابن عبّاس في قوله أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ (المؤمنون/ 61) : قال: «سبقت لهم السّعادة من الله» ) * «14» . 3- * (عن أبي زيد في قوله تعالى اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (البقرة/ 148) قال: فسارعوا في الخيرات) * «15» . 4- * (عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (آل عمران/ 133) . يقول: سارعوا بالأعمال الصّالحة إلى مغفرة من ربّكم) * «16» . 5- * (وعن أنس بن مالك في الآية قال: هي التّكبيرة الأولى) * «17» . 6- * (عن ابن مسعود في الآية وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ (فاطر/ 32) . قال: «يدخلون الجنّة بغير حساب» ) * «18» . 7- * (وعن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-   (1) السداد: ما يسد به الشيء ومنه سداد الثغر. (2) الناكس: الراجع. (3) الحابس: الذي يمنع صاحبه من العمل. (4) الموت الخالس: الذي يأخذ صاحبه على غفلة. (5) الطيات: النيات. (6) التكنف: الحلول بالأكناف وهي الضواحي. (7) المعابل: نصل عريض طويل. (8) الحنادس: الظلم. (9) الجشوبة: خشونة المذاق. (10) النجي: القوم يتناجون. (11) الدرة: اللبن. (12) غرارة: فعالة من الغرور. (13) منال الطالب لابن الأثير 364 (14) الدر المنثور 5/ 22 (15) المرجع السابق 1/ 272 (16) المرجع السابق 2/ 128 (17) المرجع السابق 2/ 128، وتفسير القرطبي 4/ 203 (18) المرجع السابق 5/ 473 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3396 في الآية وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ. قال سابقنا سابق) * «1» . 8- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال في الآية السّابقة وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ قال: «السّابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حساب» ) * «2» . 9- * (عن قتادة قال في الآية وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ. قال: «هذا المقرّب» ) * «3» . 10- * (عن ابن زيد في قوله تعالى: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (الشعراء/ 51) . قال: كانوا كذلك يومئذ أوّل من آمن بآياته حين رآها) * «4» . 11- * (قال القرطبيّ في الآية وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ (آل عمران/ 114) . الّتي يعملونها مبادرين غير متثاقلين لمعرفتهم بقدر ثوابهم. وقيل: يبادرون بالعمل قبل الفوت) * «5» . 12- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (آل عمران/ 133) . المسارعة: المبادرة، أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطّاعة) * «6» . 13- * (وذكر عن عليّ بن أبي طالب في الآية السّابقة: «إلى أداء الفرائض» ، وعن عثمان بن عفّان: إلى الإخلاص. وعن الكلبيّ: إلى التّوبة من الرّبا، وقيل: إلى الثّبات في القتال) * «7» . 14- * (يقول القرطبيّ في قوله تعالى اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (البقرة/ 148) . أي إلى الخيرات، أي بادروا إلى ما أمركم به الله عزّ وجلّ من استقبال البيت الحرام، وإن كان يتضمّن الحثّ على المبادرة والاستعجال إلى جميع الطّاعات بالعموم. يقول: والمعنى المراد بالمبادرة بالصّلاة أوّل وقتها) * «8» . 15- * (قال أبو حيّان الأندلسيّ في قوله تعالى: اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (البقرة/ 148) هذا أمر بالتّبكير إلى فعل الخير والعمل الصّالح وناسب هذا أنّ من جعل الله له شريعة أو قبلة أو صلاة فينبغي الاهتمام بالمسارعة إليها) * «9» . 16- * (قال قتادة: الاستباق في أمر الكعبة رغما لليهود بالمخالفة) * «10» . 17- * (قال ابن زيد: معناه سارعوا إلى الأعمال الصّالحة من التّوجّه إلى القبلة وغيره) * «11» . 18- * (قال الزّمخشريّ: ويجوز أن يكون المعنى فاستبقوا الفاضلات من الجهات وهي الجهات المسامتة للكعبة وإن اختلفت) * «12» . 19- * (يقول أبو حيّان في قوله تعالى   (1) الدر المنثور 5/ 473 (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المرجع السابق ر 5/ 156 (5) تفسير القرطبي 4/ 113 (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق، الصفحة نفسها. (8) المرجع السابق 2/ 112 (9) البحر المحيط (1/ 612) . (10) المرجع السابق (1/ 612) . (11) المرجع السابق (1/ 612) . (12) المرجع السابق (1/ 612) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3397 وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ (آل عمران/ 114) : المسارعة في الخير ناشئة عن فرط الرّغبة فيه، لأنّ من رغب في أمر بادر إليه وإلى القيام به، وآثر الفور على التّراخي) * «1» . 20- * (عن أنس قال: «كنّا نبكّر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة) * «2» . 21- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: إنّ للقلوب شهوة وإدبارا، فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها، ودعوها عند فترتها وإدبارها) * «3» . 22- * (قال أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-: كلّ شيء من الخير يبادر به) * «4» . 23- * (وقال محمّد بن نصر العابد: «وشاورته (أي الإمام أحمد) في الخروج إلى الثّغر فقال: بادر، بادر» ) * «5» . 24- * (كان الجنيد يقرأ وقت خروج روحه، فيقال له: في هذا الوقت؟! فيقول: أبادر طيّ صحيفتي) * «6» . 25- * (قال ابن الجوزيّ: من علم قرب الرّحيل عن مكّة استكثر من الطّواف، خصوصا إن كان لا يؤمّل العود لكبر سنّه وضعف قوّته، فكذلك ينبغي لمن قاربه ساحل الأجل بعلوّ سنّه أن يبادر اللّحظات، وينتظر الهاجم بما يصلح له، فقد كان في قوس الأجل منزع زمان الشّباب) * «7» . 26- * (وقال ابن الجوزيّ- أيضا-: «.. كم يضيّع الآدميّ من ساعات يفوته فيها الثّواب الجزيل، وهذه الأيّام مثل المزرعة، فكأنّه قيل للإنسان: كلّما بذرت حبّة أخرجنا لك ألف كرّ «8» ، فهل يجوز للعاقل أن يتوقّف في البذر ويتوانى؟!» ) * «9» . 27- * (وقال ابن الجوزيّ- أيضا-: «من عجائب ما أرى من نفسي ومن الخلق كلّهم الميل إلى الغفلة عمّا في أيدينا مع العلم بقصر العمر، وأنّ زيادة الثّواب هناك بقدر العمل ههنا. فيا قصير العمر، اغتنم يومي منّي، وانتظر ساعة النّفر، وإيّاك أن تشغل قلبك بغير ما خلق له، واحمل نفسك على المرّ، واقمعها إذا أبت، ولا تسرح لها في الطّول، فما أنت إلّا في مرعى. وقبيح بمن كان بين الصّفّين أن يتشاغل بغير ما هو فيه» ) * «10» . 28- * (وقال أيضا: « ... البدار البدار يا أرباب الفهوم، فإنّ الدّنيا معبر إلى دار إقامة، وسفر إلى المستقرّ والقرب من السّلطان ومجاورته،. فتهّيئوا للمجالسة، واستعدّوا للمخاطبة، وبالغوا في استعمال الأدب، لتصلحوا للقرب من الحضرة. ولا يشغلنّكم   (1) تفسير البحر المحيط 3/ 38 (2) البخاري- الفتح 2 (905) ، 2 (940) . (3) الفوائد ص 202 (4) الآداب الشرعية لابن مفلح 2/ 239 (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) صيد الخاطر 372 (7) المرجع السابق 354 (8) الكرّ: مكيال ضخم يساوي ستين قفيزا. (9) صيد الخاطر 603 (10) المرجع السابق 492 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3398 عن تضمير الخيل تكاسل، وليحملكم على الجدّ في ذلك تذكّركم يوم السّباق ... فليتذكّر السّاعي حلاوة التّسليم إلى الأمين، وليتذكّر في لذاذة المدح يوم السّباق، وليحذر المسابق من تقصير لا يمكن استدراكه» ) * «1» . من فوائد (المسارعة في الخيرات) (1) المسارعة في الخيرات والأعمال الصّالحة مرضاة للرّبّ عزّ وجلّ ومغضبة للشّيطان. (2) المسارعة في الخيرات ترفع صاحبها إلى جنّات عدن حيث النّعيم المقيم والفضل العظيم. (3) السّبق إلى الخيرات يجعل صاحبه من المفلحين في الدّنيا والآخرة. (4) المبادرة إلى العمل الصّالح توجد نوعا من التّنافس الحميد الّذي يرقى بالمجتمع. (5) السّابق إلى الخيرات يغبطه أصحابه ويتمنّون أن يصيروا مثله ويمتد حونه بهذا السّبق. (6) السّابقون إلى الخيرات يدركون مقاصدهم ولا يرجعون خائبين أبدا. (7) المبادرة إلى الصّلاة في أوقاتها وعدم التّخلّف عن الجماعة الأولى تجعل لصاحبها من الفضيلة ما يسبق به المتخلّفين بما هو أبعد ممّا بين المشرقين والمغربين «2» . (8) المبادرة بالأعمال الصّالحة تجعل صاحبها في مأمن من الفتن أو الأمور الّتي قد تشغل الإنسان وتلهيه مثل المرض أو الفقر أو الغنى المطغي أو الهرم. (9) المسارعة إلى صلاة الجمعة والذّهاب إليها في السّاعة الأولى يعظّم الأجر ويجزل الثّواب. (10) السّابقون إلى الخيرات يدخلون الجنّة بغير حساب.   (1) صيد الخاطر 372 (2) الحديثين (6/ 18) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3399 المسئولية المسئولية لغة: المسئوليّة مصدر صناعيّ «1» مأخوذ من مادّة (س أل) الّتي تدلّ على استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إلى المعرفة، أو استدعاء مال أو ما يؤدّي إلى المال، قال الرّاغب: فاستدعاء المعرفة جوابه على اللّسان، واليد خليفة له بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء المال جوابه على اليد، واللّسان خليفة لها إمّا بوعد أو بردّ، والسّؤال للمعرفة يكون تارة للاستعلام، وتارة للتّبكيت كما في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (التكوير/ 8) والسّؤال إذا كان للتّعريف تعدّى إلى المفعول الثّاني تارة بنفسه وتارة بالجارّ، تقول سألته كذا، وسألته عن كذا وبكذا، والأكثر «عن» ، وإذا كان السّؤال لاستدعاء مال فإنّه يتعدّى بنفسه أو بمن، وذلك كما في قول الله تعالى وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً ... (الأحزاب/ 53) وقوله عزّ من قائل: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ (النساء/ 32) . يقال: سألته الشّيء، وسألته عن الشّيء سؤالا، ومسألة والأمر منه اسأل، وقد تخفّف همزته فيقال: سال، والأمر منه سل، وقال ابن سيده: والعرب قاطبة تحذف الهمز منه في الأمر فإذا وصلوا بالفاء أو الواو همزوا وكقولك: فاسأل واسأل، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 29/ 10/ 5 ورجل سؤلة: كثير السّؤال، وتساءلوا: سأل بعضهم بعضا، وأسألته سؤلته ومسألته، أي قضيت حاجته، وقول الله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (الصافات/ 24) قال الزّجّاج: سؤالهم سؤال توبيخ وتقرير، لإيجاب الحجّة عليهم لأنّ الله- جلّ ثناؤه- عالم بأعمالهم. أمّا قوله سبحانه فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (الرحمن/ 39) أي لا يسأل ليعلم ذلك منه، لأنّ الله قد علم أعمالهم، وقال ابن برّيّ: يقال: سألته الشّيء بمعنى استعطيته، وسألته عن الشّيء استخبرته، وقال ابن الأثير: السّؤال في كتاب الله والحديث الشّريف نوعان: أحدهما: ما كان على وجه التّبيّن والتّعلّم ممّا تمسّ الحاجة إليه فهو مباح أو مندوب، أو مأمور به. والآخر: ما كان على طريق التّكلّف والتّعنّت فهو مكروه ومنهيّ عنه، فكلّ ما كان من هذا الوجه ووقع السّكوت عن جوابه فإنّما هو ردع وزجر للسّائل، وإن وقع الجواب عنه، فهو عقوبة وتغليظ، قال ابن منظور: وما جاء في الحديث من أنّه «كره المسائل وعابها» أراد المسائل الدّقيقة الّتي لا يحتاج إليها، وفي حديث الملاعنة: لمّا سأله عاصم عن أمر من يجد مع   (1) معنى المصدر الصناعى: كون الشيء منسوبا إلى أصل الفعل كالحرية والرفاهية ونحوهما، ويصاغ بإضافة ياء مشددة تليها تاء مربوطة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3400 أهله رجلا..» فأظهر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكراهة في ذلك إيثارا لستر العورة، وكراهة لهتك الحرمة، وفي الحديث: أنّه نهى عن كثرة السّؤال، قيل هو من هذا، وقيل هو سؤال النّاس أموالهم من غير حاجة «1» ولفظ «المسئوليّة» من الألفاظ المحدثة الّتي يراد بها التّبعة يقال: أنا بريء من مسئوليّة هذا العمل أي من تبعته، وقيل: المسئوليّة ما يكون به الإنسان مسئولا ومطالبا عن أمور أو أفعال أتاها. والمسئوليّة عند أرباب السّياسة: هي الأعمال الّتي يكون الإنسان مطالبا بها «2» . واصطلاحا: قال الدّكتور دراز: تعني المسئوليّة كون الفرد مكلّفا بأن يقوم ببعض الأشياء وبأن يقدّم عنها حسابا إلى غيره وينتج عن هذا التّحديد أنّ فكرة المسئوليّة تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول بأعماله وعلاقته بمن يحكمون على هذه الأعمال، والمسئوليّة قبل كلّ شيء هي استعداد فطريّ، إنّها هذه المقدرة على أن يلزم الإنسان نفسه أوّلا، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بوساطة جهوده الخاصّة «3» . وقال الخاقانيّ: يراد بالمسئوليّة الشّعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل وليست المسئوليّة مجرّد الإقرار فإنّ الجزم بالشّيء لا يعطي صفة المسئوليّة وإنّما يجد المتحسّس بها أنّ هناك واجبات لا بدّ من الانقياد إليها بغضّ النّظر عن النّتائج، فإنّ إنقاذ الغريق ممّا يشعر الشّخص بالمسئوليّة في إنقاذه إذا كانت له القدرة على الإنقاذ وإنّ دفع الظّلم ممّن له القدرة على دفع الظّلم يجب على ذلك الشّخص أن يدفع عن المظلوم وهو مسئول عن التّرك، فالمسئوليّة تختلف بلحاظ الأفراد وبلحاظ المجتمعات «4» . وقيل: المسئوليّة حالة يكون فيها الإنسان صالحا للمؤاخذة على أعماله وملزما بتبعاتها المختلفة. وقد قرّرها القرآن في آيات كثيرة، فقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (المؤمنون/ 115) . أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (القيامة/ 26) . هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الجاثية/ 29) . مسئوليّة الإنسان أمام الخالق- عزّ وجلّ-: ذكرنا في صفة «الأمانة» أنّ جمهور المفسّرين قد ذكروا أنّ الأمانة تعمّ جميع وظائف الدّين، وأنّ جميع الأقوال في تفسير قول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ (الأحزاب/ 72) متّفقة وراجعة إلى أنّ الأمانة هي التّكليف وقبول الأوامر والنّواهي «5» . إنّ حمل هذه الأمانة يعني مسئوليّة الإنسان   (1) المفردات للراغب (250) ، والصحاح (5/ 1723) ، والنهاية (2/ 328) ، ولسان العرب (س أل) (3/ 1906) ط. دار المعارف. (2) انظر المعجم الوسيط 1/ 413 والمنجد (316) ، ومحيط المحيط (390) . (3) دستود الأخلاق فى القرآن (138) . (4) علم الأخلاق- النظرية والتطبيق (141) . (5) انظر صفة الأمانة، (الفقرة الخاصة بالأمانة والتكليف) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3401 عنها واستعداده لتحمّل نتائجها وقبوله بمبدإ الثّواب والعقاب المنوطين بها، أمّا السّموات والأرض والجبال المشار إليها في الآية الكريمة فلا تعدو وظيفتها أداء الدّور الّذي خلقها الله لتؤدّيه بطريقة عفويّة، وعلى نسق واحد «وليس هناك أيّ تدخّل ممكن لمبادرتها الخاصّة، لا من أجل صيانة النّظام الثّابت، ولا من أجل تغييره، أو تعديله في أيّ صورة ما كان، وإذن فلا مسئوليّة مطلقا «1» تقع عليها. يقول الدّكتور دراز: أمّا في النّظام الأخلاقيّ، فالأمر بالعكس حيث يواجه الفاعل (وهو هنا الإنسان) إمكانات متعدّدة، يستطيع أن يختار من بينها واحدة، توافق هواه، سواء احترم القاعدة (الأخلاقيّة) أو اخترمها، وعلى ذلك فإنّ الإمكان والضّرورة هما الصّفتان اللّتان تكوّنان مجال المسئوليّة أو عدم المسئوليّة «2» ، وجانب الإمكان هو الّذي رصد له الإنسان استعداده. لقد أبرز القرآن الكريم هذا التّباين الّذي يضع الإنسان العاقل «3» في مقابل الكائنات غير المزوّدة بالعقل من حيث مقدرتها الأخلاقيّة، وذلك قول الله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الآية، والحمل هنا يعني في رأي أكثر المفسّرين- تحمّل التّكاليف، كما في قوله عزّ وجلّ عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ.. (النور/ 54) أو قوله سبحانه مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ (الجمعة/ 5) «4» ، وعلى هذا التّفسير يكون المراد بالإنسان جنس الإنسان عامّة كما قال النّيسابوريّ وغيره «5» . أمّا المعنى الآخر للحمل وهو تحمّل الخطإ أو الوزر- وهو أيضا معنى وارد، وقال به بعض المفسّرين، فإنّه يحصر الإنسان في الكافر أو المنافق (أو قابيل) ، خاصّة «6» . وقد لخّص الشّيخ دراز وجهة من قال بذلك من المفسّرين فقال: المعنى: مع أنّ المخلوقات الأخرى قد وفت بمهمّتها حين خضعت للقانون الكونيّ (الّذي خلقها الله عليه) دون اعتراض أو مقاومة قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (فصلت/ 11) ، فإنّ الإنسان الّذي لم يطع القانون الأخلاقيّ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ... الآية (الأعراف/ 172) يبقى محمّلا به وعلى ذلك فالأمر لا يتعلّق بالإنسان بعامّة، بل بالكفّار والعصاة وحدهم، وقال- رحمه الله تعالى- معقّبا على هذا التّفسير: وهو تفسير- لا ريب معقول، في ذاته، ولكنّه فضلا عن ذلك التّقييد الّذي يفرضه على مفهوم الإنسان الّذي جاء غير محدّد في النّصّ، فإنّه لا يحدّد   (1) دستور الأخلاق في القرآن الكريم للدكتور دراز ص، 138 (2) المقصود بذلك أن الإمكان يشكل مجال المسئولية بالنسبة للإنسان المكلف، والضرورة تشكل مجال عدم المسئولية بالنسبة للمخلوقات الأخرى غير المكلفة كالأرض والجبال إلخ. (3) يلاحظ أن من المفسرين من جعل الأمانة هي العقل حيث به تتحصل معرفة التوحيد وتجري العدالة. انظر المقدمة اللغوية لصفة الأمانة. (4) دستور الأخلاق في القرآن ص، 138 (5) انظر تفسير النيسابوري للآية الكريمة ح 22 ص 35 (بهامش الطبري) وتفسير ابن كثير 3/، 532 (6) انظر تفسير القرطبي 14/، 255 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3402 على وجه الدّقة التّطابق بين الأسماء والضّمائر الّتي ترجع إليها، ولم تعد الأمانة المعروضة كما هي وصار من اللّازم اللّجوء إلى فكرة بعيدة «1» حتّى يتقرّر للكائنات غير العاقلة نوع من الالتزام أو المسئوليّة. أنواع المسئولية: 1- المسئوليّة الدّينيّة: وهي التزام المرء بأوامر الله ونواهيه، وقبوله في حال المخالفة لعقوبتها ومصدرها الدّين. 2- المسئوليّة الاجتماعيّة: هي التزام المرء بقوانين المجتمع ونظمه وتقاليده. وقيل: هي المسئوليّة الذّاتيّة عن الجماعة، وتتكوّن من عناصر ثلاثة هي: الاهتمام والفهم والمشاركة «2» . 3- المسئوليّة الأخلاقيّة: هي حالة تمنح المرء القدرة على تحمّل تبعات أعماله وآثارها، ومصدرها الضّمير «3» . وكلّ مسئوليّة قبلناها، وارتضينا الالتزام بها فهي مسئوليّة أخلاقيّة بدليل: أ- أنّ القرآن يقدّم المسئوليّة الدّينيّة ذاتها في صورة أخلاقيّة محضة حين تحايل بعض النّاس على التّخلّص من بعض تعاليم الصّوم سرّا: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ (البقرة/ 178) . ب- أنّ القرآن لا يكتفي بتذكير النّاس في كثير من الأحيان بالأمر الإلهيّ، وإنّما يذكّرهم بالعهد الّذي قطعوه على أنفسهم، يقول الله تعالى: وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (الحديد/ 8) . وقوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (المائدة/ 7) . مدى شمولها: قرّر القرآن أنّ شرط هذه المسئوليّة الشّمول: 1- من ناحية الفرد يقول الله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر/ 92 93) . فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (الأعراف/ 6) . 2- من ناحية الأعمال الخيّرة والشّرّيرة صغيرة وكبيرة.. ظاهرة وخفيّة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ 7- 8) . 3- من ناحية الأقوال والألفاظ سرّها ونجواها. يقول الله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق/ 18) .   (1) انظر في هذه الفكرة المجازية التي يمكن الاستغناء عنها، تفسير القرطبي 14/ 256، بتلخيص وتصرف عن دستور الأخلاق في القرآن ص 138 هامش 2 (2) انظر فى تفصيل: ذلك المسئولية الاجتماعية والشخصية المسلمة للدكتور أحمد سيد عثمان (269) . (3) جمع الدكتور دراز بين النوعين الأول والثالث وتحدث بإفاضة عن شروط هذه المسئولية وخلاصتها: أن يكون العمل شخصيّا، إفراديّا، ثم أداؤه بحرية وأن يكون على وعي كامل ومعرفة بالشرع. انظر فى تفصيل ذلك دستور الأخلاق فى القرآن (148- 222) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3403 4- من ناحية السّمع والبصر والملكات: يقول تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (الإسراء/ 26) . 5- من ناحية النّعيم والمال: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (التكاثر/ 8) . وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزول قدما عبد حتّى يسأل عن عمره فيم أفناه. وعن شبابه فيم أبلاه. وعن علمه فيم عمل فيه. وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟» . المسئولية شخصية: من المبادىء الّتي قرّرها الإسلام قصر المسئوليّة على المسئول وحده. قال تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (البقرة/ 141) . قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (سبأ/ 25) فلا يؤخذ بريء بجريرة مذنب، ولا يشترك أهله فيما اقترفت يداه، أو نسب إليه. وقد كان التّشريع اليونانيّ القديم يقضي بالإعدام على المجرم نفسه، وعلى جميع أفراد أسرته في الخيانة العظمى، وفي انتهاك الأشياء المقدّسة. وحماية للإمام المسلم من الانزلاق في الظّلم جاء قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (الإسراء/ 15) . وقوله تعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ (الإسراء/ 33) . اشتراك الراعي والرعية: الرّاعي والرّعيّة يدان تتعاونان على خير الأمّة. ورعاية مصالحها. وكفالة الأمن على حياة النّاس وأعراضهم وأموالهم. ولا يستقيم أمر الأمّة. ولا تتّسق شئونها إلّا إذا قام كلّ من الحاكم والمحكوم بمسئوليّاته، وأخلص المعاونة لصاحبه. قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته: الإمام راع ومسئول عن رعيّته، والرّجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيّتها، والخادم راع في مال سيّده ومسئول عن رعيّته، والرّجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيّته. وكلّكم راع ومسئول عن رعيّته» . ولكي تنجح الأمّة في مسيرتها. وتحقّق غايتها لا بدّ من أن ينهض كلّ بمسئوليّاته. وإليك تفصيل ذلك: أوّلا: مسئوليّة الرّاعي: 1- التّسوية بين الرّعيّة: أمر الله الحاكم بالعدالة حتّى يسوّي بين النّاس جميعا. قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (المائدة/ 8) . وقال تعالى: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا (النساء/ 135) . وقال تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى (ص/ 20) . وخرج صلّى الله عليه وسلّم في مرضه الأخير بين الفضل بن العبّاس وعليّ بن أبي طالب حتّى جلس على المنبر ثمّ قال: «أيّها النّاس، من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالا فهذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3404 مالي فليأخذ منه. ولا يخش الشّحناء، فإنّها ليست من شأني. ألا وإنّ أحبّكم إليّ من أخذ منّي حقّا إن كان له، أو حلّلني فلقيت ربّي وأنا طيّب النّفس» . وقال صلّى الله عليه وسلّم لأهل بيته: «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عبّاس بن عبد المطّلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفيّة عمّة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمّد، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» . هذا الينبوع الفيّاض الغزير سرت منه العدالة إلى الخلفاء والولاة. 2- رعاية مصالح النّاس: على الحاكم رعاية المصالح الدّينيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والأمنيّة بإقامة المساجد للعبادة. وإنشاء المدارس للتّعليم. ونشر المستشفيات للعلاج. وشقّ التّرع لإحياء الأرض، وتكوين المجتمعات اهتماما للزّراعة والصّناعة والتّجارة. وفتحا لمجالات العمل أمامهم. فمن عجز عن العلم قامت الدّولة برعايته،: يحفظ التّاريخ أنّ عمر- رضي الله عنه- رأى شيخا من أهل الذّمّة يسأل، فقال له: ما الّذي يحملك على ذلك؟ قال: الحاجة. قال عمر: لقد فرضنا لك سهما في بيت مال المسلمين. ما كنّا لنأخذ منك الجزية وأنت شابّ، ونضيّعك وأنت شيخ. قال ابن عمر: إنّ رفقة من التّجّار نزلوا المصلّى، فقال عمر لعبد الرّحمن بن عوف: هل لك أن تحرسهم اللّيلة من السّرقة؟ فباتا يحرسان ويصلّيان ما كتب الله، فسمع عمر في جوف اللّيل بكاء طفل فتوجّه نحوه وقال لأمّه: اتّقي الله، وأصغي إلى طفلك. ثمّ عاد إلى مكانه. فسمع بكاءه، فعاد إلى أمّه وقال مقالته، وعاد إلى مكانه، فلمّا كان آخر اللّيل سمع بكاء الصّبيّ، فقال لأمّه: ويحك، مالي أرى ابنك لا يقرّ منذ اللّيلة؟ قالت:- وهي لا تعرفه- يا عبد الله، قد أبرمتني طول اللّيل، إنّي أعالجه على الفطام فيأبى إلّا رضاعا. قال عمر: ولم؟ قالت: لأنّ عمر لا يفرض إلّا للفطيم. قال: وكم لابنك؟ قالت: كذا وكذا شهرا. قال لها: ويحك لا تعجليه. ثمّ صلّى الفجر، وما يستبين النّاس قراءته من غلبة البكاء!! فلمّا انتهى من صلاته قال: يا بؤسا لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين؟ ثمّ أمر مناديا ينادي: لا تعجلوا صبيانكم على الفطام، فإنّا نفرض لكلّ مولود في الإسلام. 3- حسن اختيار البطانة: حسن اختيار الأعوان من الأمناء المخلصين ذوي الدّراية والكفاية ممّا يحقّق الغايات والأهداف. ويزيل من دنيا النّاس الوساطة والمحسوبيّة والرّشوة. قال صلّى الله عليه وسلّم: «من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه» . وقال عمر لبعض عمّاله: إنّي لم أستعملكم على أمّة محمّد، على أعشارهم ولا على أبشارهم- جلودهم- وإنّما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصّلاة، وتقضوا بينهم بالحقّ، وتقسموا بينهم بالعدل، لا تجلدوا المسلمين فتذلّوهم، ولا تضيّعوا حقوقهم فتفتنوهم. 4- إعطاء القدوة الحسنة: الحاكم سوق ما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3405 راج عنده راج عند النّاس. حينما عهد أبو بكر لعمر بالخلافة أوصاه قائلا: اعلم أنّهم لن يزالوا منك خائفين ما خفت الله. وقال عمر في خطبة له بعد توليته: من رأى فيّ اعوجاجا فليقوّمه، فقال أعرابيّ: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بسيوفنا. ومن شدّة حرصه على مال الدّولة وخوفه من سؤال الله عن الأموال العامّة يقول: لو ماتت شاة على شطّ الفرات ضائعة لظننت أنّ الله سائلني عنها يوم القيامة. تكافؤ المسئولية والجزاء: حدّد القرآن الجزاء بقدر المسئوليّة مع إيثار جانب الرّحمة والعفو. ومضاعفة الحسنة. قال تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها (الأنعام/ 160) . مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (القصص/ 84) . ويمثّل القرآن العدل الإلهي بالميزان. ذلك الميزان الّذي جعله أركان رسالة الأنبياء. قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (الحديد/ 25) . وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (الرحمن/ 7- 9) . هذه معالم المسئوليّة في الإسلام: فالإنسان مسئول عن كسبه من خير وشرّ ومجازى عنه. وباب التّوبة مفتوح له ما بقيت الحياة، والجزاء العادل يوم القيامة «1» . يقول الدّكتور عليّ أبو العينين: ومسئوليّة الفرد نحو المجتمع تتلخّص في التّالي: 1- الالتزام بقانون الجماعة، وهذا يستلزم من الأفراد الالتزام بعقيدة المجتمع الأساسيّة، الّتي تعتبر أمانة اجتماعيّة. 2- التّعاون مع الجماعة في سبيل الخير العامّ: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى (المائدة/ 2) . من مساهمة الاقتصاد وغير ذلك. 3- تقديم العمل الصّالح والتّنافس في هذا السّبيل: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (هود/ 7) . حيث يجب الإنفاق في سبيل الله، واستثمار الأموال، والاعتدال في الإنفاق وغير ذلك من الجوانب الأخلاقيّة. 4- نشر العلم الّذي يسهم إسهاما إيجابيّا في بناء المجتمع وتطويره واستغلال الذّكاء في هذا السّبيل: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ (التوبة/ 122) . ومن ذلك، الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.   (1) انظر دستور الأخلاق في القرآن لدراز (148- 222) . وقارن بما ذكره الدكتور كمال عيسي في «كلمات في الأخلاق الإسلامية (122- 130) » . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3406 أمّا مسئوليّة الدّولة نحو الأفراد فتتلخّص فيما يلي: 1- توفير العلم لجميع أفراد المجتمع انطلاقا من قاعدة وجوب نشر العلم. 2- إقرار النّظام العامّ المستمدّ من شريعة الله وتوفير الأمن والطّمأنينة للفرد والمجتمع ويشمل ذلك الأقلّيّات.. 3- الحفاظ على الوحدة الإسلاميّة. 4- توفير الأمن لجميع أفراد المجتمع، فالمجتمع مسئول عن رفع مستوى أفراده، وتعاونه في سبيل تقوية نفسه. أمّا قيادة المجتمع، فمهمّتها صعبة، ونجاح القيادة نجاح للمجتمع، وفشلها يعوق المجتمع، ولهذا نجد القرآن يلزم القيادة بالعدل والرّحمة بالجميع واتّباع الحقّ، ويبعدها عن انتظار الأجر من المجتمع، ويحذّرها من الفتنة والميل، ويمنعها من الطّغيان والفرديّة، والإفساد في الأرض، ويوجب عليها استشارة الأمّة، والاستماع إلى آرائها بما فيها الآراء المعارضة «1» . تحمل الفرد مسئولية إصلاح المجتمع: قال الدّكتور عبد الكريم زيدان: ومن خصائص النّظام الاجتماعيّ في الإسلام تحميل الفرد مسئوليّة إصلاح المجتمع، بمعنى أنّ كلّ فرد فيه مطالب بالعمل على إصلاح المجتمع وإزالة الفساد منه على قدر طاقته ووسعه، والتّعاون مع غيره لتحقيق هذا المطلوب. قال تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) . تعليل مسئولية الفرد عن إصلاح المجتمع: وإذا كان الفرد مسئولا عن إصلاح المجتمع، فما تعليل ذلك؟ ولماذا يطالب الفرد بهذا الواجب مع مطالبته بإصلاح نفسه؟ الّذي نراه، أنّ تعليل هذه المسئوليّة أو هذه المطالبة، ما يأتي: أوّلا: الفرد يتأثّر بالمجتمع: الإنسان كائن اجتماعيّ يتأثّر بالمجتمع الّذي يعيش فيه، فتمرض روحه أو تهزل، أو تصحّ وتقوى تبعا لصلاح المجتمع أو فساده. وقد أشار النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى هذه الحقيقة، فقد جاء في الحديث الشّريف «ما من مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ... الخ» فالأبوان بالنّسبة للصّغير مجتمعه الصّغير الّذي يؤثّر فيه، فيدفعه إلى الفساد أو الصّلاح، فإذا كان الأبوان ضالّين دفعاه إلى الضّلال، وأخرجاه عن مقتضى الفطرة السّليمة الّتي خلقه الله عليها، وإذا كانا صالحين أبقياه على الفطرة الّتي خلقه الله عليها. ونمّيا فيه جانب الخير. وهكذا شأن المجتمع الكبير في تأثيره في الفرد صلاحا وفسادا. ثانيا: ضرورة قيام المجتمع الصّالح: وقيام المجتمع الصّالح ضروريّ للفرد، لأنّ المطلوب من المسلم تحقيق الغرض الّذي خلق من أجله وهو عبادة الله وحده، قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ 56) . والعبادة اسم جامع لما يحبّه الله تعالى من الأقوال والأفعال والأحوال الظّاهرة   (1) فلسفة التربية الإسلامية في القرآن (200- 201) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3407 والباطنة وهذا المعنى الواسع للعبادة يقتضي أن يجعل المسلم أقواله وأفعاله وتصرّفاته وعلاقاته مع النّاس على وفق ما جاءت به الشّريعة الإسلاميّة، والمسلم لا يستطيع أن يصوغ حياته هذه الصّياغة الإسلاميّة إلّا إذا كان المجتمع الّذي يعيش فيه منظّما على نحو يسهّل عليه هذه الصّياغة أي أن يكون مجتمعا إسلاميّا صحيحا. فإن لم يكن كذلك بأن كان مجتمعا جاهليّا صرفا، أو مجتمعا مشوبا بمعاني الجاهليّة، فإنّ المسلم لا يستطيع فيه أن يحيا الحياة الإسلاميّة المطلوبة أو يتعذّر عليه ذلك. ولهذا يأمر الإسلام بالتّحوّل من المجتمع الجاهليّ إلى المجتمع الإسلاميّ، ما دام عاجزا عن إزالة جاهليّته، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (النساء/ 97) وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أنّها نزلت: في كلّ من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكّنا من إقامة الدّين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع. ولهذا يجب على كلّ مسلم تعهّد المجتمع الّذي يعيش فيه وإزالة المنكر حال ظهوره أو وقوعه وأن لا يستهين به، لأنّ المنكرات كالجراثيم الّتي تؤثّر في الجسد قطعا، وإذا لم تمرض البعض فإنّها تضعف مقاومته فيسهل عليها فيما بعد التّغلّب عليه. ولهذا كانت أولى مهمّات الدّولة الإسلاميّة إقامة هذا المجتمع الإسلاميّ الفاضل وإزالة المنكرات منه، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج/ 41) . ثالثا: النّجاة من العقاب الجماعيّ: وقيام الأفراد بإصلاح المجتمع ينجّيهم وينجّي المجتمع من الهلاك الجماعيّ أو العقاب الجماعيّ أو الضّيق والضّنك والقلق والشّرّ الّذي يصيب المجتمع. وتوضيح هذه الجملة يحتاج إلى شيء من التّفصيل لأهميّة الموضوع وخطورته، فنقول: من سنّة الله تعالى، أنّ المجتمع الّذي يشيع فيه المنكر، وتنتهك فيه حرمات الله، وينتشر فيه الفساد، ويسكت الأفراد عن الإنكار والتّغيير، فإنّ الله تعالى يعمّهم بمحن غلاظ قاسية، تعمّ الجميع، وتصيب الصّالح والطّالح، وهذه في الحقيقة سنّة مخيفة وقانون رهيب يدفع كلّ فرد لا سيّما من كان عنده علم وفقه أو سلطان إلى المسارعة والمبادرة فورا لتغيير المنكر دفعا للعذاب والعقاب عن نفسه وعن مجتمعه «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإخلاص- النظام- الوفاء- الرجولة- الشهامة- القوة- قوة الإرادة- النزاهة- النبل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإمعة- الإهمال- التخاذل- التفريط والإفراط- التهاون- الخيانة- نقض العهد- الغلول- الغدر] .   (1) أصول الدعوة (132- 136) بتصرف واختصار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3408 الآيات الواردة في «المسئولية» 1- فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93) «1» 2- وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) «2» 3- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) «3» 4- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) «4» 5- وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) «5» 6- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) «6» 7- وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (13) «7» 8- وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا (15) «8» 9- * قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) «9» 10- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) «10»   (1) الحجر: 92- 93 مكية (2) النحل: 56- 59 مكية (3) النحل: 93 مكية (4) الإسراء: 34- 36 مكية (5) الأنبياء: 11- 13 مكية (6) الأنبياء: 22- 23 مكية (7) العنكبوت: 13 مكية (8) الأحزاب: 15 مدنية (9) سبأ: 24- 26 مكية (10) الزخرف: 43- 44 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3409 الآيات الواردة في «المسئولية» معنى 11- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) «1» 12- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) «2» 13- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) «3» 14- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «4» 15- وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) «5» 16- أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) «6» 17- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) «7» 18- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84) «8» 19- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) «9»   (1) الأنعام: 104 مكية (2) الأنعام: 160 مكية (3) الأنعام 164 مكية (4) هود: 7 مكية (5) الاسراء: 13- 15 مكية (6) المؤمنون: 115- 116 مكية (7) النور: 55- 56 مدنية (8) القصص: 84 مكية (9) الأحزاب: 72 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3410 20- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «1» 21- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «2» 22- هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) «3» 23- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) «4» 24- أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41) «5» 25- وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «6» 26- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) «7» 27- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) «8» 28- إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) «9» 29- يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) «10»   (1) فاطر: 18 مكية (2) فصلت: 46 مكية (3) الجاثية: 29- 31 مكية (4) ق: 16- 18 مكية (5) النجم: 33- 41 مكية (6) الحديد: 8 مدنية (7) الجمعة: 5 مدنية (8) المدثر: 38- 41 مكية (9) القيامة: 12- 14 مكية (10) الزلزلة: 6- 8 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3411 الأحاديث الواردة في (المسئولية) 1- * (عن لقيط بن عامر- رضي الله عنه- أنّه خرج وافدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له، يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق. قال لقيط فخرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لانسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في النّاس خطيبا، فقال «أيّها النّاس، إنّي قد خبّأت لكم صوتي منذ أربعة أيّام، ألا لأسمعنّكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه» . فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ألا ثمّ لعلّه أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضّلال ألا إنّي مسئول هل بلّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا، ألا اجلسوا، قال: فجلس النّاس وقمت أنا وصاحبي حتّى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله، وهزّ رأسه، وعلم أنّي أبتغي لسقطه، فقال «ضنّ ربّك- عزّ وجلّ- بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلّا الله» ، وأشار بيده ... الحديث) * «1» . 2- * (عن محمّد بن عليّ، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله. فسأل عن القوم «2» . حتّى انتهى إليّ. فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن حسين. فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زرّي الأعلى «3» . ثمّ نزع زرّي الأسفل. ثمّ وضع كفّه بين ثدييّ وأنا يومئذ غلام شابّ. فقال: «مرحبا بك. يا ابن أخي! سل عمّا شئت» . فسألته ... الحديث وفيه: فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا «4» ، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس ابن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واسحللتم فروجهنّ بكلمة الله «5» ، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «6» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ   (1) أحمد (4/ 13- 14) واللفظ له وقال الهيثمي في المجمع (01/ 38 3) : رواه عبد الله والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات. (2) فسأل عن القوم: أي عن جماعة الرجال الداخلين عليه، فإنه إذ ذاك كان أعمى. عمي في آخر عمره. (3) فنزع زري الأعلى: أي أخرجه من عروته ليتكشف صدري عن القميص. (4) كحرمة يومكم هذا: معناه متأكدة التحريم، شديدته. (5) بكلمة الله: قيل: معناه قوله تعالى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم. وقيل: قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ. وهذا الثالث هو الصحيح. (6) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه: قال الإمام النووي: المختار أن معناه: أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيّا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3412 ضربا غير مبرّح «1» ، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله «2» ، وأنتم تسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس «3» : «اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد. ثلاث مرّات ثمّ أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئا، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصّخرات «4» وجعل حبل المشاة بين يديه «5» واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتّى غربت الشّمس، وذهبت الصّفرة قليلا حتّى غاب القرص «6» ، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد شنق للقصواء «7» الزّمام.. الحديث) * «8» . 3- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته، الإمام راع ومسئول عن رعيّته، والرّجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيّتها، والخادم راع في مال سيّده ومسئول عن رعيّته» . قال: وحسبت أنّه قد قال: «والرّجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيّته، وكلّكم راع ومسئول عن رعيّته» ) * «9» . الأحاديث الواردة في تحمل (المسئولية) معنى 4- * (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من الأسد «10» يقال له ابن اللّتبيّة- قال عمرو وابن أبي عمر: على الصّدقة- فلمّا قدم قال: هذا لكم. وهذا لي، أهدي لي.   (1) فاضربوهن ضربا غير مبرح: الضرب المبرح هو الضرب الشديد الشاق. ومعناه اضربوهن ضربا ليس بشديد ولا شاق. والبرح المشقة. (2) كتاب الله: بالنصب، بدل مما قبله. وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. (3) وينكتها إلى الناس: ينكتها. كذا الرواية فيه، بالتاء المثناة فوق. وهو بعيد المعنى. وقيل صوابه ينكبها. قيل: وروي في سنن أبي داود بالتاء المثناة من طريق ابن العربي. وبالموحدة من طريق أبي بكر التمار. ومعناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيرا إليهم. ومنه: نكب كنانته إذا قلبها (4) الصخرات: هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، فهذا هو الموقف المستحب. (5) وجعل حبل المشاة بين يديه: روى حبل وروي جبل، قال القاضي عياض رحمه الله: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة أي مجتمعهم، وأما بالجيم فمعناه طريقهم. (6) حتى غاب القرص: قيل صوابه حين غاب القرص.. ويحتمل أن الكلام على ظاهره. ويكون قوله: حتى غاب القرص بيانا لقوله غربت الشمس وذهبت الصفرة. فإن هذه تطلق مجازا على مغيب معظم القرص فأزال ذلك الاحتمال بقوله: حتى غاب القرص والله أعلم. (7) وقد شنق للقصواء: شنق: ضمّ وضيّق. (8) مسلم (1218) . (9) البخاري- الفتح 2 (893) واللفظ له. ومسلم (1829) . (10) الأسد: ويقال له: الأزدي، من أزد شنوءة. ويقال لهم: الأسد والأزد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3413 قال: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فحمد الله وأثنى عليه. وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا. والّذي نفس محمّد بيده! لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء. أو بقرة لها خوار. أو شاة تيعر «1» » . ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه «2» » . ثمّ قال: اللهمّ! هل بلّغت؟» . مرّتين) * «3» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرّحمن- وكلتا يديه يمين- الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» ) * «4» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تضمّن الله «5» لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي «6» . فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة. أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه. نائلا ما نال من أجر أو غنيمة «7» . والّذي نفس محمّد بيده! ما من كلم يكلم في سبيل الله «8» ، إلّا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك. والّذي نفس محمّد بيده! لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة «9» تغزو في سبيل الله أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم «10» . ولا يجدون سعة «11» . ويشقّ عليهم أن   (1) تيعر: معناه تصيح. واليعار صوت الشاة. (2) عفرتي إبطيه: بضم العين وفتحها. والأشهر الضم. قال الأصمعي وآخرون: عفرة الإبط هي البياض ليس بالناصع، بل فيه شيء كلون الأرض. قالوا: وهو مأخوذ من عفر الأرض، وهو وجهها. (3) البخاري- الفتح 13 (7197) . ومسلم (1832) واللفظ له (4) مسلم (1827) . (5) تضمن الله: وفي الرواية الأخرى: تكفل الله. ومعناهما أوجب الله تعالى له الجنة بفضله وكرمه، سبحانه وتعالى. وهذا الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ الآية. (6) إلا جهادا في سبيلي: هكذا: جهادا، بالنصب. وكذا قال بعده: وإيمانا بي، وتصديقا. وهو منصوب على أنه مفعول له. وتقديره: لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق. ومعناه: لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى. (7) نائلا ما نال من أجر: قالوا: معناه ما حصل له من الأجر بلا غنيمة، إن لم يغنموا. أو من الأجر والغنيمة مما غنموا. وقيل: إن أو هنا بمعنى الواو، أي من أجر وغنيمة. ومعنى الحديث أن الله تعالى ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيرا بكل حال فإما أن يستشهد فيدخل الجنة، وإما أن يرجع بأجر، وإما أن يرجع بأجر وغنيمة. (8) ما من كلم يكلم في سبيل الله: أما الكلم فهو الجرح. ويكلم أي يجرح. والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته، أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى. (9) خلاف سرية: أي خلفها وبعدها. (10) لا أجد سعة فأحملهم: أي ليس لي من سعة الرزق ما أجد به لهم دواب فأحملهم عليها. (11) ولا يجدون سعة: فيه حذف يدل عليه ما ذكر قبله. أي ولا يجدون سعة يجدون بها من الدواب ما يحملهم ليتبعوني ويكونوا معي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3414 يتخلّفوا عنّي «1» . والّذي نفس محمّد بيده! لوددت أنّي أغزو في سبيل الله فأقتل. ثمّ أغزو فأقتل. ثمّ أغزو فأقتل» ) * «2» . 7- * (عن أبي مريم الأزديّ- رحمه الله- قال: دخلت على معاوية، فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان؟ - وهي كلمة تقولها العرب- فقلت: حديثا سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من ولّاه الله- عزّ وجلّ- شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلّته وفقره» ، قال: فجعل رجلا على حوائج النّاس) * «3» . وفي رواية التّرمذيّ: عن عمرو بن مرّة الجهنيّ: أنّه قال لمعاوية: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلّة والمسكنة، إلّا أغلق الله أبواب السّماء دون خلّته وحاجته ومسكنته» . فجعل معاوية رجلا على حوائج النّاس) * «4» . 8- * (عن الحسن، قال: عاد عبيد الله بن زياد، معقل بن يسار المزنيّ. في مرضه الّذي مات فيه. فقال معقل: إنّي محدّثك حديثا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. لو علمت أنّ لي حياة ما حدّثتك. إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعيّة، يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته، إلّا حرّم الله عليه الجنّة» » ) * «5» . 9- * (عن عديّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجل أسود، من الأنصار. كأنّي أنظر إليه. فقال: يا رسول الله، اقبل عنّي عملك. قال: «ومالك؟» قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن. من استعملناه منكم على عمل فليجأ بقليله وكثيره. فما أوتي منه أخذ. وما نهي عنه انتهى» ) * «6» . 10- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبيّ. ثمّ قال: «يا أبا ذرّ، إنّك ضعيف. وإنّها أمانة «7» . وإنّها يوم القيامة خزي وندامة. إلّا من أخذها بحقّها، وأدّى الّذي عليه فيها» ) * «8» .   (1) ويشق عليهم أن يتخلفوا عني: أي ويوقعهم تأخرهم عني في المشقة، يعني يصعب عليهم ذلك. (2) البخاري- الفتح 1 (36) . ومسلم (1876) . (3) أبو داود (2948) وقال الألباني (2/ 569) : صحيح واللفظ من تحقيق الألباني. وقال محقق جامع الأصول (4/ 52) : إسناده حسن. (4) الترمذي (1332 و1333) . (5) البخاري- الفتح 13 (7150) . ومسلم (142) واللفظ له. (6) مسلم (1833) . (7) إنك ضعيف وإنها أمانة: هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية. وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها، أو كان أهلا ولم يعدل فيها، فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط. وأما من كان أهلا للولاية، وعدل فيها، فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة. (8) مسلم (1825) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3415 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المسئولية) 1- * (دخل أعرابيّ على سليمان بن عبد الملك، فقال: تكلّم يا أعرابيّ. فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي مكلّمك بكلام فاحتمله وإن كرهته، فإنّ وراءه ما تحبّ إن قبلته. فقال: «يا أعرابيّ، إنّا نجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه ولا نأمن غشّه فكيف بمن نأمن غشّه ونرجو نصحه؟ فقال الأعرابيّ: يا أمير المؤمنين، إنّه قد تكنّفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم، ابتاعوا دنياهم بدينهم، ورضاك بسخط ربّهم، خافوك في الله تعالى، ولم يخافوا الله فيك، فلا تأمنهم على من ائتمنك الله عليه، فإنّهم لم يألوا في الأمانة تضييعا، وفي الأمّة خسفا وعسفا، وأنت مسئول عمّا اجترحوا، وليسوا بمسئولين عمّا اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإنّ أعظم النّاس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره» ) * «1» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «دخلت على حفصة فقالت: أعلمت أنّ أباك غير مستخلف؟ قال قلت: ما كان ليفعل. قالت: إنّه فاعل. قال: فحلفت أنّي أكلّمه في ذلك. فسكتّ. حتّى غدوت. ولم أكلّمه. قال: فكنت كأنّما أحمل بيميني جبلا حتّى رجعت فدخلت عليه. فسألني عن حال النّاس. وأنا أخبره. قال: ثمّ قلت له: إنّي سمعت النّاس يقولون مقالة. فآليت أن أقولها لك. زعموا أنّك غير مستخلف. وإنّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاءك وتركها رأيت أن قد ضيّع. فرعاية النّاس أشدّ. قال: فوافقه قولي. فوضع رأسه ساعة ثمّ رفعه إليّ. فقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- يحفظ دينه. وإنّي لئن لا أستخلف فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يستخلف. وإن أستخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف. قال: فو الله! ما هو إلّا أن ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر. فعلمت أنّه لم يكن ليعدل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا. وأنّه غير مستخلف» ) * «2» . 3- * (قال د. حسن عليّ الحجّاجيّ: يرى ابن القيّم أنّ مسئوليّة التّربية تقع على الآباء والمربّين لا سيّما إذا كان النّاشىء في أوّل مراحل نموّه، فإنّه في أمسّ الحاجة إلى تقويم أخلاقه وتوجيه سلوكه، وهو بمفرده لا يستطيع القيام بذلك، فالمسئوليّة على وليّ أمره، يقول- رحمه الله-: ( ... وممّا يحتاج إليه الطّفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه، فإنّه ينشأ على ما عوّده المربّي في صغره من حرد وغضب، ولجاج، وعجلة، وخفّة مع هواه وطيش، وحدّة، وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك. وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة، فلو تحرّز منها غاية التّحرّز فضحته ولا بدّ يوما ما، ولهذا تجد أكثر النّاس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التّربية الّتي نشأ   (1) كلمات في الأخلاق الإسلامية (129) . (2) البخاري- الفتح 13 (7218) . ومسلم (1823) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3416 عليها) . فابن القيّم يبيّن أنّ للتّربية أهمّية قصوى في تهذيب الخلق وتقويم السّلوك، كما يوضّح أنّ التّربية السّليمة هي الّتي تجعل للتّدريب والتّعويد شأنا في رسوخ الصّفات الطّيّبة. وفي هذا القول أيضا يحمّل ابن القيّم التّربية مسئوليّة انحراف الأخلاق والسّلوك» ) * «1» . 4- * (قال د. محمّد عليّ الهاشميّ: «الفرد المسلم يشعر بمسئوليّته عن رعيّته: ذلك أنّه ما من تقصير أو تهاون أو تفريط في جنب الله ورسوله، يقع فيه أحد أفراد أسرة هذا المسلم إلّا وهو مسئول عنه: «كلّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته ... » . وهذه المسئوليّة الّتي يحسّها المسلم الصّادق من جرّاء تفريط أحد أفراد أسرته تخزّ جنبه، فلا يطيق عليها صبرا، ويسارع في إزالة أسبابها مهما تكن النّتائج، فما يصبر على هذه المسئوليّة، وما يطيق السّكوت عليها إلّا رجل في إيمانه ضعف، وفي دينه رقّة) * «2» . 5- * (قال الدّكتور عليّ أبو العينين: «من المقوّمات الأساسيّة الّتي يقوم عليها المجتمع المسلم أنّه مجتمع مسئول، كلّ فرد فيه مطالب بالمشاركة في تسيير أمور مجتمعه، والمسلمون مسئولون عن بعضهم، ومأمورون بالدّعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «3» . من فوائد (المسئولية) (1) تشعر بوجوب أداء الأمانة أمام الله وأمام النّاس. (2) الإخلاص في العمل والثّبات عليه. (3) كسب ثقة النّاس واعتزازهم به. (4) يشعر الشّخص المسئول بالسّعادة تغمره كلّما قام بتنفيذ عمل نافع. (5) كلّ مسئول بقدر استطاعة تحمّله ولا يخلو أحد من المسئوليّة مهما قلّت منزلته في المجتمع. (6) تجعل بنيان الدّولة قويّا غير قابل للتّصدّع عند التّعرّض للمحن والحروب. (7) المسئوليّة تجعل للإنسان قيمة في مجتمعه.   (1) عن كتاب الفكر التربوي عند ابن القيم (162) . (2) شخصية المسلم (14- 15) . (3) التربية الإسلامية وتنمية المجتمع الإسلامي (54) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3417 المعاتبة والمصارحة المعاتبة لغة: المعاتبة مصدر قولهم: عاتب يعاتب، وهو مأخوذ من مادّة (ع ت ب) الّتي تدلّ على «الأمر فيه صعوبة من كلام أو غيره» من ذلك العتبة، وهي أسكفّة الباب، وإنّما سمّيت بذلك لارتفاعها عن المكان المطمئنّ السّهل، ومن الباب العتب بمعنى الموجدة، تقول عتبت على فلان عتبا ومعتبة، أي وجدت عليه، ثمّ يشتقّ منها فيقال: أعتبني، أي ترك ما كنت أجد عليه «1» ورجع إلى مسرّتي، وهو معتب أي راجع عن الإساءة، ويقولون: أعطاني العتبى أي أعتبني، والتّعتّب: إذا قال هذا وهذا يصفان الموجدة وكذلك المعاتبة، ويقال للرّجل إذا طلب أن يعتب: قد استعتب. قال أبو الأسود: فعاتبته ثمّ راجعته ... عتابا رقيقا وقولا أصيلا فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلّا قليلا وقال الرّاغب: إنّ قولهم: أعتبت فلانا أي أبرزت الغلظة الّتي وجدت له في الصّدر، وأعتبته أيضا: حملته على العتب، وأعتبته أي أزلت عتبه، نحو أشكيته (أي أزلت شكواه) قال تعالى: فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 14/ 13/ 15 والاستعتاب: أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب، والعتبى إزالة ما لأجله يعتب، وبينهم أعتوبة: أي ما يتعاتبون به، وقال الجوهريّ: يقال: عتب عليه، أي وجد عليه عتبا ومعتبا، والتّعتّب مثله، والاسم المعتبة والمعتبة (بفتح التّاء وكسرها) ، وتقول: عاتبه معاتبة (وعتابا) ، وأعتبني فلان، إذا عاد إلى مسرّتي راجعا عن الإساءة، واستعتب وأعتب بمعنى (واحد) ، واستعتب أيضا طلب أن يعتب، ومن ذلك استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني، والاعتتاب: الانصراف عن الشّيء، وقال الفيروز آباديّ: والعتوب من لا يعمل فيه العتاب، وقراءة عبيد بن عمير: (وإن يستعتبوا) على ما لم يسمّ فاعله (مبنيّ للمجهول) معناه: إن أقالهم الله، وردّهم إلى الدّنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق في علم الله تعالى لهم من الشّقاء، وذلك كما في قوله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ «2» . وقال ابن منظور: العتب: الموجدة، يقال: عتب عليه يعتب ويعتب عتبا وعتابا ومعتبا ومعتبة ومعتبة: وجد عليه. قال الغطمّش الضّبّيّ:   (1) أجد عليه: أي أغضب منه ويشير ابن فارس بهذه العبارة إلى أنّ صيغة أفعل هنا تفيد السّلب والإزالة، كما يقال: أعجمت الكتاب، أى أزلت عجمته. (2) والقراءة الأخرى وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا (بالبناء للمعلوم) . ومعناه: إن يستقيلوا لا يقالوا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3418 أقول وقد فاضت بعيني عبرة ... أرى الدّهر يبقى والأخلّاء تذهب أخلّاي! لو غير الحمام أصابكم ... عتبت ولكن ليس للدّهر معتب قوله: عتبت أي سخطت، أي لو أصبتم في حرب لأدركنا بثأركم وانتصرنا، ولكنّ الدّهر لا ينتصر منه. وعاتبه معاتبة وعتابا: لامه. قال الشّاعر: أعاتب ذا المودّة من صديق ... إذا ما رابني منه اجتناب إذا ذهب العتاب فليس ودّ ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب والعتبى: الرّضا، وأعتبه: أعطاه العتبى وأرضاه، والعتبى (أيضا) رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب، والإعتاب كذلك، والاستعتاب طلبك إلى المسيء الرّجوع عن إساءته، وقال أبو منصور: العتب والعتبان: لومك الرّجل على إساءة كانت له إليك، فاستعتبته منها، وكلّ واحد من اللّفظين (العتب والعتبان) يخلص للعاتب، فإذا اشتركا في ذلك، وذكّر كلّ واحد منهما صاحبه ما فرط منه إليه من الإساءة، فهو العتاب والمعاتبة، وفي الحديث: كان يقول لأحدنا عند المعتبة «1» : ماله تربت يمينه! والعتب: الرّجل الّذي يعاتب صاحبه أو صديقه في كلّ شيء إشفاقا عليه ونصيحة له، والعتوب: الّذي لا يعمل فيه العتاب، ويقال إذا تعاتبوا: أصلح ما بينهم العتاب، وروي عن أبي الدّرداء أنّه قال: معاتبة الأخ خير من فقده، والعتبى اسم على فعلى، يوضع موضع الإعتاب وهو الرّجوع عن الإساءة إلى ما يرضي العاتب، وفي الحديث: لا يعاتبون في أنفسهم، يعني لعظم ذنوبهم وإصرارهم عليها، وإنّما يعاتب من ترجى عنده العتبى، وفي الحديث الشّريف: لا يتمنّينّ أحدكم الموت، إمّا محسنا فلعلّه يزداد، وإمّا مسيئا فلعلّه يستعتب، أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرّضا، ومنه الحديث. «ولا بعد الموت من مستعتب» معناه: ليس بعد الموت من استرضاء، لأنّ الأعمال بطلت، وانقضى زمانها، وما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل «2» . المعاتبة اصطلاحا: قال المناويّ: العتاب هو مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة «3» . وقال أبو منصور الأزهريّ: التّعتّب والمعاتبة والعتاب: كلّ ذلك مخاطبة المدلّين أخلّاءهم، طالبين حسن مراجعتهم ومذاكرة بعضهم بعضا ما كرهوه ممّا كسبهم الموجدة «4» . التوسط فى المعاتبة: قال الماورديّ- رحمه الله-: إنّ كثرة العتاب تكون سببا للقطيعة، واطّراح جميعه دليل علي قلّة الاكتراث بأمر الصّديق، وقد قيل: علّة المعاداة قلّة المبالاة، والمفروض أن تتوسّط الحال بين العتاب وتركه،   (1) المعتبة: بفتح التاء وكسرها: من الموجدة أي الغضب. (2) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 226) المفردات للراغب (321) الصحاح للجوهرى (1/ 176) لسان العرب «عتب» (2793) ط. دار المعارف، وبصائر ذوى التمييز (4/ 17) . (3) التوقيف (236) . (4) تهذيب اللغة للأزهرى (2/ 278) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3419 فيسامح بالمتاركة، ويستصلح بالمعاتبة، لأنّ المسامحة والاستصلاح إذا اجتمعا، لم يلبث معهما نفور، ولم يبق معهما وجد، وقد قال بعضهم: لا تكثرنّ معاتبة إخوانك فيهون عليهم سخطك «1» . المصارحة لغة: المصارحة مصدر قولهم: صارحه بكذا إذا صرّح له بما في نفسه أي أظهره، وهي مأخوذة من مادّة (ص ر ح) الّتي تدلّ على ظهور الشّيء وبروزه، ومن ذلك الشّيء الصّريح (أي الخالص) ، وكلّ خالص صريح، يقال هو بيّن الصّراحة والصّروحة «2» ، والصّريح اللّبن إذا ذهبت رغوته، وجاء بنوا تميم صريحة: إذا لم يخالطهم غيرهم ويقال: انصرح الحقّ أي بان، وشتمت فلانا مصارحة، أي كفاحا ومواجهة، والتّصريح خلاف التّعريض، ويوم مصرّح أي ليس فيه سحاب، وفي المثل: صرّح الحقّ عن محضه أي انكشف «3» ، وقال ابن منظور: الصّرح والصّريح والصّراح والصّراح والصّراح المحض الخالص من كلّ شيء «4» ، وفي حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سئل متى يحلّ شراء النّخل؟ قال: حين يصرّح. قيل: وما التّصريح؟ قال: حين يستبين الحلو من المرّ، والتّصريح ضدّ الكناية «5» ، وفي المثل: ظهر الصّريح بجانب المتن، يضرب هذا للأمر الّذي وضح، ويقال صرّح فلان ما في نفسه (تصريحا) ، وصارح (غيره به) مصارحة إذا أبدى ما في نفسه وأظهره «6» . المصارحة اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات الّتي وقفنا عليها «المصارحة» مصطلحا ومن ثمّ تكون باقية على أصل معناها الّذي ذكره اللّغويّون وهو: أن يظهر كلّ متحدّث للآخر رأيه واضحا جليّا دون لبس أو غموض. أمّا التّصريح عند علماء البلاغة فهو ما ليس بكناية أو تعريض والمراد بالكناية أن تعبّر عن الشّيء وأنت تريد لازم معناه دون أن تصرّح بذلك المعنى كقولك: فلان كثير الرّماد تريد كونه كريما، أمّا التّعريض فهو أن تستعمل اللّفظ في معناه لكي تلوّح به إلى غيره كأن تخاطب شخصا بشيء وأنت تريد اتّصاف غيره به (إيّاك أعني واسمعي يا جارة) ، ولكلّ من التّصريح والكناية والتّعريض موطنه الّذي يستعمل فيه ومقامه الّذي يتطلّبه وإذا استعمل في غير ذلك كان غير مطلوب. [للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- التذكير- التودد- الصدق- النصيحة- الوعظ- الإرشاد- المحبة. وفي ضد ذلك: الإهمال- الجفاء- الحقد- الهجر الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون- البغض النفاق- الرياء] .   (1) أدب الدنيا والدين (179) بتصرف واختصار. (2) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 347) . (3) الصحاح للجوهري (1/ 382) . (4) لسان العرب ص 2425 (ط. دار المعارف) . (5) النهاية لابن الأثير (3/ 20) ، والصّراحة في القول أشبه بذلك إذ عندما يستبين الحلو من المر في الحوار الصرح الصادق بين الأطراف المعنية بأمر ما. (6) اللسان ص 2425 (ط. دار المعارف) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3420 الآيات الواردة في «المعاتبة» 1- وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) «1» 2- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) «2» 3- وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) «3» 4- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) «4» الآيات الواردة في «المعاتبة» معنى 5- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) «5» 6- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ   (1) النحل: 84 مكية (2) الروم: 55- 57 مكية (3) فصلت: 19- 24 مكية (4) الجاثية: 31- 35 مكية (5) الأنفال: 67- 68 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3421 بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) «1» 7- * قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (75) «2» 8- قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19) «3» 9- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) «4» 10- يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) «5» 11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) «6» 12- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) «7» 13- قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) «8» 14- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) «9»   (1) التوبة: 42- 43 مدنية (2) الكهف: 75 مكية (3) الشعراء: 18- 19 مكية (4) الأحزاب: 36- 38 مدنية (5) الأحزاب: 63 مدنية (6) الصف: 2- 4 مدنية (7) التحريم: 1- 5 مدنية (8) القلم: 28 مكية (9) عبس: 1- 10 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3422 الأحاديث الواردة في (المعاتبة) 1- * (عن أميّة أنّها سألت عائشة- رضي الله عنها- عن قول الله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ وعن قوله: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «هذه معاتبة الله العبد فيما يصيبه من الحمّى والنّكبة، حتّى البضاعة يضعها في كمّ قميصه، فيفقدها فيفزع لها، حتّى إنّ العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر «1» الأحمر من الكير «2» » ) * «3» . 2- * (عن عمرو بن تغلب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بمال- أو سبي- فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا، فبلغه أنّ الّذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثمّ أثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فو الله إنّي لأعطي الرّجل، والّذي أدع أحبّ إليّ من الّذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع «4» ، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب» . فو الله ما أحبّ أنّ لي بكلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمر النّعم «5» ) * «6» . 3- * (عن سعيد بن جبير- رحمه الله. قال: قلت لابن عبّاس- رضي الله عنهما-: إنّ نوفا البكاليّ «7» يزعم أنّ موسى- عليه السّلام- صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر «8» عليه السّلام- فقال: كذب عدوّ الله «9» سمعت أبيّ ابن كعب يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى- عليه السّلام- خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا   (1) التبر: الذهب، وقيل: هو ما كان من الذهب غير مضروب. (2) الكير: الزقّ الذي ينفخ فيه الحداد، والجمع أكيار وكيرة (3) الترمذي (2991) وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث عائشة لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، وأحمد (6/ 218) وفي سنده عندهما: علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف احتج به مسلم في المتابعات والشواهد، والحديث بمعناه عند أبي داوود 3093 وله شواهد كثيرة ضعيفة وحسنة وصحيحة جمعها الحافظ ابن كثير في تفسير الآية 123 من سورة النساء. (4) الهلع: هو أسوأ الجزع وأفحشه، وقيل: الحرص. (5) حمر النّعم: الإبل والشاء وقيل: الإبل والبقر والغنم يذكّر ويؤنث، والجمع أنعام وجمع الجمع أناعيم، وبعير أحمر وإبل حمراء والجمع حمر- بسكون الميم- والعرب تقول: خير الإبل حمرها، لأنها أصبر على السير في الهواجر. (6) البخاري- الفتح 2 (923) . (7) نوف البكالي: نسبة إلي بني بكال من حمير وهو صاحب عليّ- عليه السلام- والمحدّثون يقولون: نوف البكّاليّ- بفتح الباء وتشديد الكاف-. (8) الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد- اختلف في اسمه وفي كونه نبيّا أو وليا في أقوال عديدة أوردها ابن حجر في فتح الباري (6/ 499- 205) وورد في حديث صحيح في البخاري 6 (3402) عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء. (9) كذب عدو الله: قال العلماء: هو على وجه الإغلاظ والزجر عن مثل قوله. لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة. إنما قاله مبالغة في إنكار قوله، لمخالفته قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكان ذلك في حال غضب ابن عباس. لشدة إنكاره. وحال الغضب تطلق الألفاظ ولا تراد بها حقائقها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3423 من عبادي بمجمع البحرين «1» هو أعلم منك. قال موسى: أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتا «2» في مكتل «3» فحيث تفقد «4» الحوت فهو ثمّ «5» . فانطلق وانطلق معه فتاه «6» وهو يوشع بن نون. فحمل موسى عليه السّلام- حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى أتيا الصّخرة فرقد موسى- عليه السّلام- وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر. قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتّى كان مثل الطّاق «7» ، فكان للحوت سربا وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما «8» ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلمّا أصبح موسى عليه السّلام- قال لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا «9» قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا «10» . قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ «11» فارتدّا على آثارهما قصصا. قال: يقصّان آثارهما حتّى أتيا الصّخرة فرأى رجلا مسجّى «12» عليه بثوب فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السّلام «13» . قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنّك على علم من علم الله علّمكه الله، لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علّمنيه، لا تعلمه. قال له موسى- عليه السّلام-: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا؟ قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرّت بهما سفينة. فكلّماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول «14» فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قوم حملونا بغير   (1) بمجمع البحرين: قال القسطلانيّ: أي ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق. أو بإفريقية أو طنجة. (2) الحوت: السمكة (3) مكتل: هو القفّة أو الزنبيل (4) تفقد: أي يذهب منك (5) فهو ثمّ: أي هناك (6) فتاه: أي صاحبه (7) الطاق: عقد البناء. (8) وليلتهما: ضبطوه بنصب ليلتهما وجرّها. (9) نصبا: النصب: التعب. (10) واتخذ سبيله في البحر عجبا: قيل: إن لفظة عجبا يجوز أن تكون من تمام كلام يوشع وقيل: من كلام موسى. أي قال موسى: عجبت من هذا عجبا. وقيل: من كلام الله تعالى. ومعناه اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا. (11) نبغي: أي نطلب. معناه أن الذي جئنا نطلبه هو الموضع الذي نفقد فيه الحوت. (12) مسجّى: مغطى. (13) أنّى بأرضك السلام: أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام. قال العلماء: أنّى تأتي بمعنى أين ومتى وحيث وكيف. (14) بغير نول: بغير أجر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3424 نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئا إمرا «1» . قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا «2» . ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل إذا غلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله. فقال موسى: أقتلت نفسا زاكية «3» بغير «4» نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا «5» . قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: وهذه أشدّ من الأولى. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا «6» . فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ «7» فأقامه. يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا «8» فأقامه. قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا، لو شئت لاتّخذت عليه أجرا. قال هذا فراق بيني وبينك. سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما» ) * «9» . 4- * (عن زاذان أبي عمر عن عليم- رحمهما الله- قال: كنّا جلوسا على سطح، معنا رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عليم» : لا أحسبه إلّا قال: «عبس الغفاريّ» . والنّاس يخرجون في الطّاعون. فقال عبس: يا طاعون خذني، ثلاثا يقولها. فقال له عليم: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّ أحدكم الموت عند انقطاع عمله، ولا يردّ فيستعتب» . فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بادروا بالموت ستّا «10» : إمرة السّفهاء، وكثرة الشّرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدّم، وقطيعة الرّحم، ونشوا «11» . يتّخذون القرآن مزامير، يقدّمون الرّجل يغنّيهم، وإن كان أقلّ منهم فقها» ) * «12» .   (1) إمرا: عظيما. (2) ولا ترهقني من أمري عسرا: قال الإمام الزمخشريّ: يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه. أي ولا تغشني عسرا من أمري. وهو اتباعه إياه. يعني ولا تعسّر عليّ متابعتك ويسّرها عليّ بالإغضاء وترك المناقشة. (3) زاكية: قريء في السبع زاكية وزكية. قال: ومعناه طاهرة من الذنوب. (4) بغير نفس: أي بغير قصاص لك عليها. (5) نكرا: النكر هو المنكر. (6) قد بلغت من لدني عذرا: معناه قد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي. (7) فوجد فيها جدارا يريد أن ينقض: هذا من المجاز. لأن الجدار لا يكون له حقيقة إرادة. ومعناه قرب من الانقضاض، وهو السقوط. (8) قال الخضر بيده هكذا: أي أشار بيده فأقامه. وهذا تعبير عن الفعل بالقول. وهو شائع. (9) البخاري الفتح 6 (3401) مسلم (2380) واللفظ له. (10) بادروا بالموت: أي ارضوا بالموت. (11) نشوا: يقال: نشي الرجل من الشراب نشوا ونشوة ونشوة: سكر فهو نشوان، والأنثى: نشوى وجمعها نشاوى. (12) أحمد (3/ 494) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 245) واللفظ له وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير (18/ 34) بنحوه إلا أنه قال: عن عابس الغفاري قال: سمعت رسول الله يتخوف على أمته من ست خصال. إمرة الصبيان، وكثرة الشّرط، والرشوة في الحكم، وقطيعة الرحم، واستخفاف بالدم، ونشو يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا بأفضلهم يغنيهم غناء» وفي إسناد أحمد عثمان بن عمير البجلي وهو ضعيف وأحد إسنادي الكبير ورجاله رجال الصحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3425 5- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية، يعاتبهم الله بها إلّا أربع سنين وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) * «1» . 6- * (عن يحيى بن سعيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رؤي وهو يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك فقال: «إنّي عوتبت اللّيلة في الخيل» ) * «2» . 7- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر- رضي الله عنه- عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة «3» ، فتبرّز، ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين! من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله- عزّ وجلّ- لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما؟ فقال: واعجبا لك يا ابن عبّاس! عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله. وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله! إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني. فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة! أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم. فقلت: خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك. ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا، وقال: أثمّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه وقال: حدث أمر عظيم، قلت: ما هو؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم منه   (1) ابن ماجة (4192) قال المحقق: في الزوائد: هذا إسناده صحيح، ورجاله ثقات. (2) تنوير الحوالك (2/ 23) واللفظ له والحديث وصله ابن عبد البر من طريق عبد الله بن عمرو الفهري عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أنس ووصله أبو عبيدة في كتاب الخيل من طريق يحيى بن سعيد عن شيخ من الأنصار ورواه أبو داود في المراسيل من مرسل نعيم بن أبي هند. قال ابن عبد البر: روى موصولا عنه عن عروة البارقي وقال: «عوتبت الليلة في الخيل» في رواية أبي عبيدة في إذالة الخيل له من مرسل عبد الله بن دينار وقال: إن جبريل بات الليلة يعاتبني في إذالة الخيل أي امتهانها. وانظر جامع الأصول (5/ 51) في حاشية المحقق. (3) الإداوة: بكسر الهمزة- إناء صغير من جلد يتخذ للماء وتجمع على أداوي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3426 وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه: قال قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ هذا يوشك أن يكون فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت: ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟ أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت فجئت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم. فجلست معهم قليلا. ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة الّتي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله، فلمّا ولّيت منصرفا، فإذا الغلام يدعوني، قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكىء على وسادة من أدم حشوها ليف. فسلّمت عليه، ثمّ قلت- وأنا قائم- طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: «لا» ثمّ قلت- وأنا قائم-: أستأنس يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأمنك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة ثلاث «1» ، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال: «أو في شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» فقلت: يا رسول الله! استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: «ما أنا بداخل عليهنّ شهرا» من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله. فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين. قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك. ثمّ قال: «إنّ الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ- إلى   (1) أهبة ثلاث: هكذا وردت، ولعل صوابها آهبة علي أنها جمع قليل للإهاب وهو الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ، والجمع الكثير: أهب، وأهب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3427 قوله- عَظِيماً قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة) * «1» . 8- * (عن أمّ سلمة ابنة أبي أميّة بن المغيرة رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النّجاشيّ، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلمّا بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النّجاشيّ فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنّجاشيّ هدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلّا أهدوا له هديّة، ثمّ بعثوا بذلك مع عبد الله بن ربيعة بن المغيرة المخزوميّ وعمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما. ادفعوا إلى كلّ بطريق هديّته قبل أن تكلّموا النّجاشيّ فيهم، ثمّ قدّموا للنّجاشيّ هداياه، ثمّ سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلّمهم،. قالت: فخرجا فقدما على النّجاشيّ، ونحن عنده بخير دار وعند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلّا دفعا إليه هديّته قبل أن يكلّما النّجاشيّ، ثمّ قالا لكلّ بطريق منهم: إنّه قد صبأ إلى بلد الملك منّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردّهم إليهم، فإذا كلّمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلّمهم إلينا ولا يكلّمهم، فإنّ قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم، ثمّ إنّهما قرّبا هداياهم إلى النّجاشيّ، فقبلها منهما، ثمّ كلّماه فقالا له: أيّها الملك، إنّه صبأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه، قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النّجاشيّ كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيّها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما فليردّاهم إلى بلادهم وقومهم، قال: فغضب النّجاشيّ، ثمّ قال: لاها الله، وايم الله! إذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد ... ) * «2» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لن يدخل أحدا عمله الجنّة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا إلّا أن يتغمدّني الله بفضل ورحمة فسدّدوا وقاربوا، ولا يتمنّينّ أحدكم الموت، إمّا محسنا فلعلّه أن يزداد خيرا، وإمّا مسيئا فلعلّه أن يستعتب «3» » ) * «4» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال   (1) البخاري- الفتح 5 (2468) واللفظ له، وعند مسلم مختصرا (1083) . (2) أحمد (1/ 202- 203) وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. (3) وإما مسيئا فلعله أن يستعتب: أي يرجع عن موجب العتب عليه. (4) البخاري- الفتح 10 (5673) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3428 عمر: وافقت الله في ثلاث- أو وافقني ربّي في ثلاث- قلت: يا رسول الله! لو اتّخذت مقام إبراهيم مصلّى، وقلت: يا رسول الله! يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض نسائه، فدخلت عليهنّ قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدّلنّ الله رسوله خيرا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر! أما في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يعظ نساءه حتّى تعظهنّ أنت؟ فأنزل الله: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ الآية) * «1» . الأحاديث الواردة في (المعاتبة) معنى 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا فرخّص فيه، فتنزّه عنه قوم «2» فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فخطب فحمد الله، ثمّ قال: «ما بال أقوام «3» يتنزّهون عن الشّيء أصنعه، فو الله إنّي لأعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) * «4» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبّابا ولا فحّاشا ولا لعّانا، كان يقول لأحدنا عند المعتبة «5» : «ما له ترب جبينه «6» » ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 8 (4483) . (2) فتنزه عنه قوم: أي تباعد عنه قوم. (3) ما بال أقوام: في رواية جرير ما بال رجال قال ابن بطال: هذا لا ينافي الترجمة، لأن المراد بها المواجهة مع التعيين كأن يقول ما بالك يا فلان تفعل كذا، وما بال فلان يفعل كذا. فأما مع الإبهام فلم تحصل المواجهة وإن كانت صورتها موجودة وهي مخاطبة من فعل ذلك، لكنه لما كان جملة المخاطبين ولم يميز عنهم صار كأنه لم يخاطب. (4) البخاري- الفتح 10 (6101) واللفظ له مسلم (2356) وترجم له البخاري في باب من لم يواجه الناس بالعتاب (5) كان يقول لأحدنا عند المعتبة: بفتح الميم وسكون المهملة وكسر المثناة الفوقية- ويجوز فتحها- بعدها موحدة وهي مصدر عتب عليه يعتب عتبا وعتابا ومعتبة ومعاتبة، قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة. (6) ما له ترب جبينه: قال الخطابي: يحتمل أن يكون المعنى خر لوجهه فأصاب التراب جبينه ويحتمل أن يكون دعاء له بالعبادة كأن يصلي فيترب جبينه، والأول أشبه لأن الجبين لا يصلى عليه، قال ثعلب: الجبينان يكتنفان الجبهة ومنه قوله تعالى: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي ألقاه على جبينه، قلت: وأيضا فالثاني بعيد جدّا، لأن هذه الكلمة استعملها العرب قبل أن يعرفوا وضع الجبهة بالأرض في الصلاة وقال الداودي: قوله ترب جبينه كلمة تقولها العرب جرت على ألسنتهم، وهي من التراب، أي سقط جبينه للأرض، وهو كقولهم رغم أنفه، ولكن لا يراد معنى قوله ترب جبينه، بل هو نظير قوله تربت يمينك، أي أنها كلمة تجري على اللسان ولا يراد حقيقتها. (7) البخاري- الفتح 10 (6031) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3429 ومن الأحاديث الواردة في (المصارحة) 13- * (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- أنّه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شراج من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك» . فغضب الأنصاريّ فقال: يا رسول الله آن كان ابن عمّتك. فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «اسق، ثمّ احبس حتّى يبلغ الجدر» . فاستوعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ حقّه للزّبير. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأي سعة له وللأنصاريّ فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة: قال الزّبير: والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء/ 65) » ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (المعاتبة) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره، حتّى إذا كنّا بالبيداء (أو بذات الجيش) انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التماسه، وأقام النّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى النّاس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبالنّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني أبو بكر. وقال ما شاء الله أن يقول. وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التّحرّك إلّا مكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التّيمّم فتيمّموا، فقال أسيد بن الحضير (وهو أحد النّقباء) : ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت عائشة: فبعثنا البعير الّذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته) * «2» . 2- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضى الله عنها- أنّها خطبت على عبد الرّحمن بن أبي بكر قريبة بنت أبي أميّة فزوّجوه، ثمّ إنّهم عتبوا على عبد الرّحمن وقالوا: ما زوّجنا إلّا عائشة، فأرسلت عائشة إلى عبد الرّحمن فذكرت ذلك له، فجعل أمر قريبة بيدها فاختارت زوجها، فلم يكن ذلك طلاقا) * «3» . 3- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-:   (1) البخاري- الفتح (2708) . (2) البخاري- الفتح 1 (334) ، مسلم (367) واللفظ له. (3) تنوير الحوالك شرح موطأ مالك (2/ 82) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3430 «معاتبة الأخ خير من فقده» ) * «1» . 4- * (قال الزّجّاج: قال الحسن في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً قال: من فاته عمله من الذّكر والشّكر بالنّهار، كان له في اللّيل مستعتب، ومن فاته باللّيل، كان له في النّهار مستعتب، قال: أراه يعني وقت استعتاب أي وقت طلب عتبى، كأنّه أراد وقت استغفار) * «2» . 5- * (قال أبو الحسن بن منقذ: أخلاقك الغرّ السّجايا ما لها ... حملت قذى الواشين وهي سلاف ومرآة رأيك في عبيدك ما لها ... صدئت وأنت الجوهر الشّفّاف ) * «3» . 6- * (قيل: العتاب خير من الحقد، ولا يكون العتاب إلّا على زلّة، وقد مدحه قوم فقالوا: العتاب حدائق المتحابّين، ودليل على بقاء المودّة ... وذمّه بعضهم، قال إياس بن معاوية: وخرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلمّا كان في بعض المناهل لقيه ابن عمّ له فتعانقا، وتعاتبا وإلى جانبهما شيخ من الحيّ. فقال لهما: أنعما عيشا، إنّ المعاتبة تبعث التّجنّي، والتّجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة، قال الشّاعر: فدع العتاب فربّ شرر ... هاج أوّله العتاب ) * «4» . 7- * (كان ابن عرادة السّعديّ مع سلم بن زياد بخراسان، وكان له مكرما، وابن عرادة يتجنّى عليه، ففارقه وصاحب غيره، ثمّ ندم ورجع إليه، وقال: عتبت على سلم فلمّا فقدته ... وصاحبت أقواما بكيت على سلم رجعت إليه بعد تجريب غيره ... فكان كبرء بعد طول من السّقم ) * «5» . 8- * (قال الغطمّش الضّبّيّ: أقول وقد فاضت بعيني عبرة ... أرى الدّهر يبقى والأخلّاء تذهب أخلّاي لو غير الحمام أصابكم ... عتبت ولكن ليس للدّهر معتب ) * «6» . 9- * (وقال أبو الأسود: فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلّا قليلا ) * «7» . 10- * (قال الشّاعر: أعاتب ذا المودّة من صديق ... إذا ما رابني منه اجتناب إذا ذهب العتاب فليس ودّ ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب ) * «8» .   (1) لسان العرب «عتب» . (2) لسان العرب «عتب» . (3) المستطرف (1/ 283) . (4) المستطرف (1/ 282) واللسان «عتب» . (5) المستطرف (1/ 283) . (6) لسان العرب «عتب» . (7) المصدر السابق «عتب» . (8) لسان العرب «عتب» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3431 11- * (قال بشّار بن برد: إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لن تلقى الّذي لا تعاتبه. وإن أنت لم تشرب مرارا علي القذى ... ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه؟ فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه ... مقارف ذنب مرّة ومجانبه ) * «1» . 12- * (وقال آخر: دعوت الله أن تسمو وتعلو ... علوّ النّجم في أفق السّماء فلمّا أن سموت بعدت عنّي ... فكان إذا على نفسي دعائي ) * «2» . 13- * (وقال آخر يعاتب صديقه على كتاب أرسله إليه: اقرأ كتابك، واعتبره قريبا ... فكفى بنفسك لي عليك حسيبا أكذا يكون خطاب إخوان الصّفا ... إن أرسلوا جعلوا الخطاب خطوبا ما كان عذري إن أجبت بمثله ... أو كنت بالعتب العنيف مجيبا لكنّني خفت انتقاص مودّتي ... فيعدّ إحساني إليك ذنوبا ) * «3» . 14- * (وقال آخر: أراك إذا ما قلت قولا قبلته ... وليس لأقوالي لديك قبول وما ذاك إلّا أنّ ظنّك سيّء ... بأهل الوفا والظّنّ فيك جميل فكن قائلا قول الحماسيّ تائها ... بنفسك عجبا وهو منك قليل وننكر إن شئنا على النّاس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول ) * «4» . 15- * (ومن أحسن ما قيل في العتاب: وفي العتاب حياة بين أقوام ... وهو المحكّ لدى لبس وإيهام فما ثمّ شيء أحسن من معاتبة الأحباب، ولا ألذّ من مخاطبة ذوي الألباب» ) * «5» . من فوائد (المعاتبة) (1) تزيل صدأ البغض والكراهية من القلوب. (2) تزيد المحبّة والألفة. (3) تذهب نزغ الشّيطان ووساوسه. (4) تنقّي النّفوس وتطهّرها من ظنون الإثم. (5) تقوّي أواصر الودّ والتّفاهم في المجتمع.   (1) أدب الدنيا والدين (179) . (2) المستطرف (1/ 283) . (3) المرجع السابق (1/ 283) . (4) المرجع السابق (283) . (5) المرجع السابق (284) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3432 معرفة الله- عزّ وجلّ- المعرفة لغة: مصدر قولهم: عرف الشّيء يعرفه، وهي مأخوذة من مادّة (ع ر ف) الّتي تدلّ على السّكون والطّمأنينة، يقول ابن فارس: العين والرّاء والفاء أصلان «1» صحيحان يدلّ أحدهما على تتابع الشّيء الشّيء متّصلا بعضه ببعض، والآخر على السّكون والطّمأنينة، ومن الأصل الأوّل: عرف الفرس لتتابع الشّعر عليه، وجاءت القطا عرفا عرفا أي بعضها خلف بعض، والأصل الآخر، المعرفة والعرفان، تقول: عرف فلان فلانا عرفانا ومعرفة، وهذا أمر معروف لأنّ من عرف شيئا سكن إليه ومن أنكره توحّش منه ونبا عنه «2» ، وقال الخليل: ونفس عروف، إذا حملت على أمر بسأت به أي اطمأنّت، قال الشّاعر: فآبوا بالنّساء مردّفات ... عوارف بعد كنّ واتّجاح «3» . والعرف: ريح طيّب، تقول: ما أطيب عرفه، وقال الله عزّ وجلّ: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 34/ 6/ 32 (محمد/ 6) أي طيّبها «4» ، قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: المعنى في الآية الكريمة: طيّبها لهم بأنواع الملاذّ، وقيل: المعنى: إذا دخلوها يقال لهم: تفرّقوا إلى منازلكم، فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم «5» . وقال الرّاغب: المعرفة (كالعرفان) من قولهم: عرفت الشّيء أي أصبت عرفه أي رائحته أو حدّه «6» ، وقال الفيروزاباديّ: يقال: عرفه يعرفه إذا علمه (علما خاصّا) ، أي أدركه بتفكّر وتدبّر لأثره، قال: وهي أخصّ من العلم، يقال: فلان يعرف الله ولا يقال: يعلم الله لأنّ معرفة البشر لله تعالى هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته، ويقال: الله يعلم كذا، ولا يقال: يعرف كذا لأنّ المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصّل إليه بتفكّر وتدبّر «7» . ويرادف المعرفة العرفان والعرفة، قال في القاموس: يقال: عرفه يعرفه معرفة وعرفانا وعرفة (بالكسر) ، وعرفّانا، والوصف من ذلك عارف   (1) معنى «أصلان» في قول ابن فارس: أن له معنيين أصليين تقاس عليهما مشتقات المادة. (2) مقاييس اللغة 4/ 281 (بتصرف) . (3) الاتجاح من الوجاح وهو الستر، والمراد: معترفات بالذلّ والهوان. (4) كتاب العين 2/ 123 (5) انظر هذين الرأين وغيرهما في تفسير القرطبي مجلد 8 ج 16 ص 153، والرأي الأول يجعل اللفظ مشتقا من العرف وهو الرّائحة، والثاني يجعله مشتقا من التّعريف وهو الإعلام بالشيء، وكلاهما راجع إلى معنى السكون والطمأنينة. (6) المفردات للراغب ص 333 (7) بصائر ذوي التمييز 4/ 47 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3433 وعريف وعروفة «1» ، قال الجوهريّ: (ومن معاني) العارف: الصّبور، يقال: أصيب فلان فوجد عارفا، والعروف مثله، قال عنترة: فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع وقولهم: رجل عروفة بالأمور أي عارف بها، والهاء للمبالغة، والعارف والعريف بمعنى، وأنشد الأخفش لطريف بن عمرو الغنويّ: أو كلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم والتّعريف: الإعلام، والتّعريف: إنشاد الدّابّة، والتّعريف: التّطييب (من العرف) ، والتّعريف: الوقوف بعرفات، والعرّاف: الكاهن، والعرّاف: الطّبيب «2» ، وقولهم: أمر عريف وعارف أي معروف (فعيل بمعنى مفعول) ، ويقال: أعرف فلان فلانا وعرّفه: وقّفه على ذنبه، ثمّ عفا عنه، وعرّفه الأمر: أعلمه إيّاه، وعرّفه بيته: أعلمه بمكانه، وعرّفه به: وسمه (أي وصفه له) . قال سيبويه: وأمّا عرّفته بزيد فإنّما عرّفته بهذه العلامة وأوضحته بها، وقولهم: اعترف القوم: سألهم، وقيل: سألهم عن خبر ليعرفه، وربّما وضعوا عرف موضع اعترف، كما وضعوا اعترف موضع عرف، وقولهم: تعرّفت ما عند فلان، أي تطلّبت حتّى عرفت، وتقول: ائت فلانا فاستعرف إليه حتّى يعرفك، وتعارف القوم: عرف بعضهم بعضا «3» ، وجاء في حديث ابن مسعود: « ... فيقال لهم: هل تعرفون ربّكم؟ فيقولون: إذا اعترف لنا عرفناه» قال ابن الأثير: أي إذا وصف نفسه بصفة نحقّقه بها عرفناه «4» ، وقول الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ (البقرة/ 146) الضّمير في «يعرفونه» يرجع إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم والمعنى أنّهم يعرفون نبوّته وصدق رسالته «5» ، أمّا قوله سبحانه: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (النحل/ 83) النّعمة هي نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وإنكارها تكذيبه، وقيل: يعرفون نعمة الله بتقلّبهم فيها، وينكرونها بترك الشّكر عليها «6» ، وقال ابن كثير: (المعنى) يعرفون أنّ الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك (الفضل) وهو المتفضّل به عليهم، ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون الرّزق والنّصر لسواه «7» . لفظ الجلالة لغة: اختلف اللّغويّون في لفظ الجلالة «الله» فقال بعضهم إنّه علم غير مشتقّ، وهو اسم موضوع هكذا «الله» وليس أصله «إلاه» وليس من الأسماء الّتي يجوز فيها اشتقاق فعل، كما يجوز في الرّحمن الرّحيم.   (1) القاموس المحيط (عرف) ص 1080 (ط. بيروت) . (2) الصحاح 4/ 1403 (3) لسان العرب (عرف) ص 2898 (ط. دار المعارف) . (4) النهاية لابن الأثير 3/ 217 (5) تفسير القرطبي 2/ 110 (6) السابق 10/ 106 المرجع، وقد ذكر في الآية الكريمة ستة وجوه أخرى تنظر في الموضع المذكور. (7) تفسير ابن كثير ج 3 ص 580 (بتصرف يسير) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3434 وقيل إنّه مشتقّ، وأصله إلاه، ثمّ دخلت عليه الألف واللّام، فقيل الإلاه، ثمّ حذفت همزته تخفيفا لكثرة الاستعمال، وأدغم اللّامان «1» مع التّفخيم، ولكنّ اللّام ترقّق إذا كسر ما قبلها. وقال الغزاليّ: فأمّا قوله «الله» «2» . فهو اسم للموجود الحقّ، الجامع لصفات الإلهيّة، المنعوت بنعوت الرّبوبيّة، المتفرّد بالوجود الحقيقيّ، فإنّ كلّ موجود سواه غير مستحقّ الوجود بذاته، وإنّما استفاد الوجود منه- سبحانه- وكلّ ما عداه من حيث ذاته هالك، ومن الجهة الّتي تليه موجود، فكلّ موجود هالك إلّا وجهه، والأشبه أنّه جار في الدّلالة على هذا المعنى مجرى أسماء الأعلام، وكلّ ما ذكر في اشتقاقه وتعريفه تعسّف وتكلّف «3» . وقال السّفارينيّ: «الله» علم للذّات الواجب الوجود لذاته، المستحقّ لجميع الكمالات، وهو مشتق عند سيبويه، واشتقاقه من أله (على وزن فعل) إذا تحيّر، لتحيّر الخلق في كنه ذاته تعالى وتقدّس. وقيل: من لاه يليه إذا علا، أو من لاه يلوه، إذا احتجب، وهذا الاسم عربيّ عند الأكثر، وزعم بعضهم أنّه معرّب، فقيل عبريّ وقيل سوريانيّ، قالى السّفارينيّ: والقول بأنّه معرّب ساقط لا يلتفت إليه «4» . وقولهم «اللهمّ» معناه: يا ألله وهذه الميم المشدّدة عوض من «يا» (الّتي للنّداء) ، لأنّهم لم يجدوا «يا» مع هذه الميم في كلمة واحدة، ووجدوا اسم الله مستعملا ب «يا» إذا لم يذكروا الميم في آخر الكلمة، فعلموا أنّ الميم في آخر الكلمة بمنزلة «يا» في أوّلها، والضّمة الّتي هي في الهاء هي ضمّة الاسم المنادى المفرد، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم قبلها «5» ، ومن العرب من يقول إذا طرح الميم: يا ألله اغفر لي (بهمزة) ، ومنهم من يقول: يا الله (بغير همز) ، فمن حذف الهمزة فهو على السّبيل (المعتاد) في حذف الهمزة مع ياء النّداء، ومن همزها فعلى توهّم أصالتها نظرا لعدم سقوطها (في غير النّداء) «6» . المعرفة اصطلاحا: قال الكفويّ: المعرفة هي الإدراك المسبوق بالعدم، وتقال أيضا لثاني الإدراكين إذا تخلّلهما عدم، ولإدراك الأمر الجزئيّ أو البسيط «7» . وقال الجرجانيّ: المعرفة إدراك الشّيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم، ولذلك يسمّى الحقّ تعالى بالعالم دون العارف «8» . وقال صاحب التّوقيف (بعد أن ذكر تعريف   (1) المعجم الكبير 1/ 433 (2) قوله «الله» يشير الغزالي إلى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الشريف الذي رواه مسلم (2677) عن أبي هريرة، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إنّ لله- عزّ وجلّ تسعة وتسعين اسما» . (3) المقصد الأسنى ص 61 (4) غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب 1/ 10 (5) لسان العرب 13/ 470 (ط. بيروت) ، وقد نسب هذا الرأي للخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بهم. (6) بتصرف يسير عن المرجع السابق، الصفحة نفسها. (7) الكليات للكفوي ص 824 (8) التعريفات ص 336 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3435 الجرجانيّ) : المعرفة عند القوم سموّ اليقين، وقيل: سقوط الوهم لوضوح الاسم «1» . وقال الفيروزاباديّ: المعرفة إدراك الشّيء بتفكّر وتدبّر لأثره، يقال: فلان يعرف الله، لأنّ معرفة البشر لله إنّما هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته، وهي أخصّ من العلم «2» . الفرق بين المعرفة والعلم: قال الفيروزاباديّ: الفرق بين المعرفة والعلم من وجوه لفظا ومعنى، أمّا من جهة اللّفظ ففعل المعرفة (عرف- يعرف ... ) يتعدّى لمفعول واحد، تقول عرفت زيدا، وفعل العلم (علم- يعلم ... ) يتعدّى لمفعولين، كما في قولك علمته مؤمنا، وإذا تعدّى لمفعول واحد كان بمعنى المعرفة كقولك: هذا أمر لا تعلمه أي لا تعرفه «3» . أمّا الفرق من جهة المعنى فمن وجوه: الأوّل: المعرفة تتعلّق بذات الشّيء، والعلم يتعلّق بأحواله ولذلك جاء الأمر في القرآن بالعلم دون المعرفة، وذلك كما في قوله سبحانه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (محمد/ 19) . الثّاني: المعرفة في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه فإذا أدركه قيل: عرفه وذلك كما في قوله تعالى: فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (يوسف/ 58) ، والمعرفة على هذا نسبة الذّكر النّفسيّ وهو حضور ما كان غائبا عن الذّاكر، ولذا فإنّ ضدّ المعرفة الإنكار وضدّ العلم الجهل. الثّالث: أنّ المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره، ذلك أنّ التّمييز الحاصل عن المعرفة يرجع إلى إدراك الذّات وإدراك صفاتها، أمّا تمييز العلم فإنّه يرجع إلى تخليص الذّات وتخليص صفاتها من غيرها «4» . الرّابع: المعرفة علم بعين الشّيء مفصّلا عمّا سواه، بخلاف العلم فإنّه قد يتعلّق بالشّيء مجملا «5» . الخامس: وأضاف الكفويّ إلى ذلك فرقا آخر هو أنّ العلم أعمّ من المعرفة، فالمعرفة تقال فيما لا يعرف إلّا كونه موجودا فقط، والعلم يقال في ذلك وفي غيره «6» . لفظ الجلالة اصطلاحا: «الله» قال الغزاليّ: هو الاسم الدّالّ على الذّات الجامعة لصفات الإلهيّة كلّها حتّى لا يشذّ منها شيء،   (1) انظر التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص 310 (2) بصائر ذوي التمييز 4/ 47 (3) بصائر ذوي التمييز (بتصرف) وقد استبدلنا الأمثلة التي ذكرها الفيروزابادي، وهي أمثلة قرآنية تحتاج إلى التفسير بأمثلة مبسطة قصدا للإيجاز. (4) ذكر الفيروزابادي فرقا آخر يتعلق بهذا الفرق ويرجع إليه وهو أنك إذا قلت: علمت زيدا لم تفد المخاطب شيئا لأنّه ينتظر أن تخبره على أي حال علمته، فإذا قلت: كريما أو شجاعا حصلت له الفائدة، وإذا قلت: عرفت زيدا استفاد المخاطب أنك أثبتّه وميّزته عن غيره ولم ينتظر شيئا، ولهذا الفرق أيضا علاقة بالتعدي واللزوم الراجعين إلى المجال اللغوي. (5) بصائر ذوي التمييز (بتصرف واختصار) 4/ 49- 51 (6) الكليات ص 824 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3436 وسائر الأسماء لا يدلّ آحادها إلّا على آحاد المعاني، من علم وقدرة أو فعل أو غير ذلك، وهو أخصّ أسمائه تعالى، إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا، وسائر الأسماء قد يسمّى بها غيره، ولهذين الوجهين يشبه أن يكون هذا الاسم أعظم هذه الأسماء «1» . وقال السّفارينيّ: وهو (أي لفظ الجلالة) الاسم الأعظم عند أكثر أهل العلم، وعدم الإجابة لأكثر النّاس مع الدّعاء به لتخلّف بعض شروطه الّتي من أهمّها الإخلاص وأكل الحلال، وقد قدّم على الرّحمن الرّحيم (في البسملة) لأنّه اسم ذات في الأصل، وهما اسما صفة في الأصل والذّات متقدّمة على الصّفة «2» . وقال مؤلّفو المعجم الكبير: الله: علم على الإله المعبود بحقّ، الجامع لكلّ صفات الكمال، وتفرّد سبحانه بهذا الاسم فلا يشركه فيه غيره «3» . معرفة الله عزّ وجلّ اصطلاحا: قال الكفويّ: المعرفة في اصطلاحهم: هي معرفة الله عزّ وجلّ بلا كيف ولا تشبيه «4» . وقال بعضهم: معرفة الله عزّ وجلّ هي ثمرة التّوحيد، والمراد بها: معرفته عزّ وجلّ بصفاته الواجبة له مع تننزيهه عمّا يستحيل اتّصافه به، معرفة صحيحة ناشئة عن الأدلّة اليقينيّة «5» . حكم معرفة الله عزّ وجلّ: قال الكفويّ: معرفة الله عزّ وجلّ بالدّليل الإجماليّ فرض عين لا مخرج عنه لأحد من المكلّفين، وهي بالتّفصيل فرض كفاية لا بدّ أن يقوم به البعض «6» . تفاضل الناس في المعرفة: قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: أصل التّفاضل بين النّاس إنّما هو بمعرفة الله ومحبّته. وإذا كانوا يتفاضلون فيما يعرفونه من المعروفات، وإذا كانوا يتفاضلون في معرفة الملائكة وصفاتهم والتّصديق بهم، فتفاضلون في معرفة الله وصفاته والتّصديق به أعظم، وكذلك إن كانوا يتفاضلون في معرفة روح الإنسان وصفاتها، والتّصديق بها، أو في معرفة الجنّ وصفاتهم وفي التّصديق بهم، أو في معرفة ما في الآخرة من النّعيم والعذاب، فتفاضلهم في معرفة الله وصفاته (أعظم) ، بل إن كانوا متفاضلين في معرفة أبدانهم وصفاتها، وصحّتها ومرضها، وما يتبع ذلك فتفاضلهم في معرفة الله تعالى أعظم وأعظم، إنّ كلّ ما يعلم ويقال يدخل في معرفة الله تعالى، إذلا موجود إلّا وهو خلقه وكلّ ما في المخلوقات من الصّفات والأسماء والأقدار والأفعال شواهد ودلائل على ما لله سبحانه من الأسماء الحسنى والصّفات العلى، وكلّ   (1) المقصد الأسنى ص 60 (2) غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب 1/ 10 (3) المعجم الكبير، تأليف لجنة من أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة (انظر قائمة المراجع) . (4) الكليات ص 825 (5) انظر توضيح العقيدة المفيدة في علم التوحيد ص 7 (6) الكليات ص 825، والمراد بالمعرفة التفصيلية معرفة ما جاء به القرآن الكريم والسّنّة المطهرة عن الله- عزّ وجلّ- وأسمائه وصفاته، لا ما ادخره الله في علم الغيب عنده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3437 كمال في المخلوقات من أثر كماله، وكلّ كمال ثبت لمخلوق فالخالق أحقّ به، وكلّ نقص تنزّه عنه مخلوق فالخالق أحقّ بتنزيهه عنه، لقد ثبت في الحديث الشّريف أنّ لله أسماء استأثر بها «1» في علم الغيب عنده، وأسماء الله متضمّنة لصفاته، وليست أسماء أعلام محضة، وإذا كان من أسمائه ما اختصّ هو بمعرفته، ومن أسمائه ما خصّ به ما شاء من عباده، علم أنّ تفاضل النّاس في معرفته أعظم من تفاضلهم في معرفة كلّ ما يعرفونه «2» . طرق المعرفة بالله عزّ وجلّ: قال ابن القيّم: الرّبّ تعالى يدعو عباده في القرآن الكريم إلى معرفته من طريقين: أحدهما: النّظر في مفعولاته. والثّاني: التّفكّر في آياته وتدبّرها، فتلك «3» وهذه آياته المسموعة المعقولة. فالنّوع الأوّل كقوله سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ (البقرة/ 164) ، وقوله عزّ من قائل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) . ومثل هذا كثير في القرآن «4» . الثّاني: كقوله سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (النساء/ 82) . وقوله عزّ من قائل: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (المؤمنون/ 68) ، وقوله سبحانه: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ (ص/ 29) وهو كثير أيضا «5» . فأمّا المفعولات فإنّها دالّة على الأفعال، والأفعال دالّة على الصّفات، فإنّ المفعول يدلّ على فاعل فعله، وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه لاستحالة صدور الفعل الاختياريّ من معدوم، أو موجود لا قدرة له ولا حياة، ولا علم ولا إرادة، ثمّ ما في المفعولات من التّخصيصات المتنوّعة دالّ على إرادة الفاعل، وأنّ فعله ليس بالطّبع بحيث يكون واحدا غير متكرّر، وما فيها «6» من المصالح   (1) جاء في الحديث الذي رواه ابن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم « ... أسألك بكل اسم سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقلك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري ... إلخ» انظر الحديث. كلاملا في مجمع الزوائد 10/ 136، وفي المسند 5 (3712) ، قال شاكر: إسناده صحيح. (2) بتصرف واختصار عن الفتاوى 7/ 569- 571 (3) تلك: إشارة إلى مفعولات الله أي مخلوقاته، وهذه: إشارة إلى آي القرآن الكريم. (4) ذكر الإمام الغزالي في الإحياء آيات أخرى عديدة ورد فيها ذكر عجائب صنعته سبحانه، ثم قال: ليس يخفى على من له أدنى مسكة من عقل إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات وأدار نظره على عجائب خلق الله في الأرض والسماوات، وبدائع فطرة الحيوانات والنبات، أن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره، وفاعل يحكمه ويقدره، بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرّفة بمقتضى تدبيره (إحياء علوم الدين 1/ 105) . (5) انظر صفة تدبر القرآن. (6) أي ما في مصنوعات الله ومخلوقاته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3438 والحكم والغايات المحمودة دالّ على حكمته تعالى، وما فيها من النّفع والإحسان والخير دالّ على رحمته، وما فيها من البطش والانتقام والعقوبة دالّ على غضبه، وما فيها من الإكرام والتّقريب والعناية دالّ على محبّته، وما فيها من الإهانة والإبعاد والخذلان دالّ على بغضه ومقته، وما فيها من ابتداء الشّيء في غاية النّقص والضّعف ثمّ سوقه إلى تمامه ونهايته دالّ على وقوع المعاد، وما فيها من أحوال النّبات والحيوان (وتصريف الرّياح والسّحاب والمياه) دليل على إمكان المعاد، وما فيها من ظهور آثار الرّحمة والنّعمة على خلقه دليل على صحّة النّبوّات، وما فيها من الكمالات الّتي لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أنّ معطي تلك الكمالات أحقّ بها، فمفعولاته من أدلّ شيء على صفاته، وصدق ما أخبرت به رسله عنه، وهي شاهدة تصدّق الآيات المسموعات، ومنبّهة على الاستدلال بالآيات المصنوعات قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت/ 53) ، أي إنّ القرآن حقّ، وقد أخبر سبحانه أنّه لا بدّ أن يريهم من آياته المشهودة ما يبيّن لهم أنّ آياته المتلوّة حقّ، ثمّ أخبر بكفاية شهادته على صحّة خبره بما أقام من الدّلائل والبراهين على صدق رسوله، فآياته (الكونيّة) شاهدة بصدقه وهو (أي القرآن) شاهد بصدق رسوله بآياته (المتلوّة) ، فهو عزّ وجلّ الشّاهد والمشهود له، وهو الدّليل والمدلول عليه، وهو سبحانه أعرف من كلّ معروف، وأبين من كلّ دليل، فالأشياء عرفت به في الحقيقة، وإن كان عرف بها في النّظر والاستدلال «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الإسلام الحكمة- العلم- الفطنة- النظر والتبصر- البصيرة- التدبر- العبادة- التفكر- التذكر- التأمل- الفقه. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجهل- السفاهة- الكفر- الإعراض- البلادة والغباء- الضلال- الغي والإغواء- نكران الجميل- اتباع الهوى- التفريط والإفراط] .   (1) الفوائد لابن القيم بتصرف ص 31- 33 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3439 الآيات الواردة في «معرفة الله عزّ وجلّ» 1- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «1» 2- وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) «2» 3- * لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «3» 4- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) «4»   (1) البقرة: 87- 90 مدنية (2) البقرة: 145- 147 مدنية (3) المائدة: 82- 85 مدنية (4) الأنعام: 20 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3440 5- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83) «1» 6- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «2» الآيات الواردة في «معرفة الله- عزّ وجلّ-» معنى 7- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) «3» 8- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) «4» 9- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) «5» 10- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) «6» 11- وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا   (1) النحل: 82- 83 مكية (2) النمل: 91- 93 مكية (3) البقرة: 72- 73 مدنية (4) البقرة: 259 مدنية (5) النساء: 78 مدنية (6) الأنعام: 65 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3441 مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) «1» 12- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «2» 13- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) «3» 14- قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) «4» 15- المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) «5» 16- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)   (1) الأنعام: 99 مكية (2) الأعراف: 146 مكية (3) الأعراف: 182- 185 مكية (4) يونس: 101 مكية (5) الرعد: 1- 2 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3442 وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) «1» 17- تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «2» 18- قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) «3» 19- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) «4» 20- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) «5» 21- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «6» 22- فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ   (1) النحل: 10- 18 مكية (2) الإسراء: 44 مكية (3) الشعراء: 23- 28 مكية (4) النمل: 13- 14 مكية (5) القصص: 71- 73 مكية (6) الروم: 8- 10 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3443 وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (22) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «1» 23- اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) «2» 24- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) «3» 25- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «4» 26- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (79)   (1) الروم: 17- 24 مكية (2) الروم: 48- 50 مكية (3) السجدة: 23- 27 مكية (4) غافر: 13 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3444 وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «1» 27- وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) «2» 28- سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54) «3» 29- وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) «4» 30- إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) «5» 31- هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «6»   (1) غافر: 79- 82 مكية (2) فصلت: 37- 39 مكية (3) فصلت: 53- 54 مكية (4) الشورى: 28- 34 مكية (5) الجاثية: 3- 6 مكية (6) الجاثية: 20 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3445 32- أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) «1» 33- وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) «2» 34- أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) «3»   (1) ق: 6- 11 مكية (2) الذاريات: 20- 23 مكية (3) الغاشية: 17- 20 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3446 الأحاديث الواردة في (معرفة الله- عز وجل-) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام- أو يا غليّم- ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه. واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال: «إنّك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أوّل ما تدعوهم إليه عبادة الله عزّ وجلّ، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوقّ كرائم أموالهم» ) * «2» . 3- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السّراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفّح، فأمّا القلب الأجرد فقلب المؤمن، سراجه فيه نوره، وأمّا القلب الأغلف فقلب الكافر، وأمّا القلب المنكوس فقلب المنافق، عرف ثمّ أنكر، وأمّا القلب المصفّح فقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدّها الماء الطّيّب، ومثل النّفاق فيه كمثل القرحة يمدّها القيح والدّم، فأيّ المدّتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» ) * «3» . 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» . قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة صحوا ليس معها سحاب؟، وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟» . قالوا:   (1) المسند (1/ 307) ، وهو في نسخة الشيخ أحمد شاكر رقم (2804) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: رواه أحمد بثلاثة أسانيد أحدها صحيح متصل (وهو الذي عولنا عليه هنا) ، ورواه أيضا الترمذي برقم (2516) بلفظ مختلف، وقال: حسن صحيح. (2) مسلم (31) . (3) المسند (3/ 17) ونسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (11135) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3447 لا. يا رسول الله! قال: «ما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما «1» . إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّن ليتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب، إلّا يتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ وفاجر. وغبّر أهل الكتاب «2» . فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟. قالوا: كنّا نعبد عزير ابن الله. فيقال: كذبتم، ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فماذا تبغون؟. قالوا: عطشنا. يا ربّنا فاسقنا. فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النّار كأنّها سراب «3» يحطم بعضها بعضا. فيتساقطون في النّار. ثمّ يدعى النّصارى. فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد المسيح ابن الله. فيقال لهم: كذبتم. ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا. يا ربّنا فاسقنا. قال فيشار إليهم: ألا تردون؟. فيحشرون إلى جهنّم كأنّها سراب يحطم بعضها بعضا «4» فيتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله تعالى من برّ وفاجر، أتاهم ربّ العالمين- سبحانه وتعالى- في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها قال: فما تنتظرون؟ تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربّنا فارقنا النّاس في الدّنيا أفقر ما كنّا إليهم «5» ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. لا نشرك بالله شيئا (مرّتين أو ثلاثا) حتّى إنّ بعضهم ليكاد أن ينقلب «6» . فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق «7» . فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلّا أذن الله له بالسّجود. ولا يبقى من كان يسجد اتّقاء ورياء إلّا جعل الله ظهره طبقة واحدة «8» . كلّما أراد أن يسجد خرّ على قفاه. ثمّ يرفعون   (1) ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما: معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا. (2) وغبّر أهل الكتاب: معناه بقاياهم. جمع غابر. (3) كأنها سراب: السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لا معا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. (4) يحطم بعضها بعضا: معناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها. والحطم الكسر والإهلاك. والحطمة اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما يلقى فيها. (5) فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم: معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم. (6) ينقلب: أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى. (7) فيكشف عن ساق: ضبط يكشف بفتح الياء وضمها. وهما صحيحان. (8) ظهره طبقة واحدة: قال الهروي وغيره: الطبق فقار الظهر، أي صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3448 رؤوسهم، وقد تحوّل في صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة. فقال: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. ثمّ يضرب الجسر على جهنّم. وتحلّ الشّفاعة «1» . ويقولون: اللهمّ سلّم سلّم» . قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: «دحض مزلّة «2» فيه خطاطيف وكلاليب وحسك «3» . تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السّعدان. فيمرّ المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالرّيح وكالطّير وكأجاويد الخيل والرّكاب «4» . فناج مسلّم. ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنّم «5» . حتّى إذا خلص المؤمنون من النّار، فو الّذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشدّ مناشدة لله، في استقصاء الحقّ «6» ، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار. يقولون: ربّنا كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم. فتحرّم صورهم على النّار. فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النّار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه. ثمّ يقولون: ربّنا ما بقي فيها أحد ممّن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير «7» فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها أحدا ممّن أمرتنا. ثمّ يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها ممّن أمرتنا أحدا. ثمّ يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها خيرا «8» » . وكان أبو سعيد الخدريّ يقول: إن لم تصدّقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (النساء/ 40) » . فيقول الله- عزّ وجلّ-: شفعت الملائكة وشفع النّبيّون وشفع المؤمنون. ولم يبق إلّا أرحم   (1) ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة: الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان: وهو الصراط. ومعنى تحل الشفاعة: بكسر الحاء وقيل بضمها: أي تقع ويؤذن فيها. (2) دحض مزلة: الدحض والمزلة بمعنى واحد. وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر. ومنه: دحضت الشمس أي مالت. وحجة داحضة أي لا ثبات لها. (3) فيها خطاطيف وكلاليب وحسك: أما الخطاطيف فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد والكلاليب بمعناه. وأما الحسك فهو شوك صلب من حديد. (4) وكأجاويد الخيل والركاب: من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال في النهاية: الأجاويد جمع أجواد، وهو جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطي. والركاب أي الإبل، واحدتها راحلة من غير لفظها. فهو عطف على الخيل. والخيل جمع الفرس من غير لفظه. (5) ناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم: معناه أنهم ثلاثة أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا. وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص. وقسم يكدس ويلقى فيسقط في جهنم. قال في النهاية: وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط. ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد. والكدش: الطرد والجرح أيضا. (6) في استقصاء الحق: أي تحصيله من خصمه والمتعدي عليه. (7) من خير: قال القاضي عياض- رحمه الله-: قيل: معنى الخير هنا اليقين. قال: والصحيح إن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان. لأن مجرد الإيمان الذي هو التصديق، لا يتجزأ. وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي، أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى، ونية صادقة. (8) لم نذر فيها خيرا: هكذا هو خير بإسكان الياء أي صاحب خير. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3449 الرّاحمين. فيقبض قبضة من النّار «1» فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطّ. قد عادوا حمما «2» . فيلقيهم في نهر في أفواه الجنّة «3» يقال له نهر الحياة. فيخرجون كما تخرج الحبّة في حميل السّيل «4» . ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشّجر. ما يكون إلى الشّمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظّلّ يكون أبيض «5» ؟» . فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال: «فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم «6» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله «7» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة، فما رأيتموه، فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟. فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «8» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال أناس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فهل تضارّون في رؤية الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا. قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يجمع الله النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه، فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته الّتي يعرفون فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته الّتي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا فيتّبعونه ... الحديث» ) * «9» .   (1) فيقبض قبضة من النار: معناه يجمع جمعة. (2) قد عادوا حمما: معنى عادوا صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك. بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة. (3) في أفواه الجنة: الأفواه جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس. وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها. قال صاحب المطالع: كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها. (4) الحبة في حميل السيل: الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت في الحشيش. وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره. فعيل بمعنى مفعول. فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة. فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها. (5) ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض: أما يكون في الموضعين الأولين فتامة. ليس لها خبر. معناها ما يقع. وأصيفر وأخيضر مرفوعان. وأما يكون أبيض، فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها. (6) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. قال صاحب التحرير: المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ. (7) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله. (8) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (183) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح (806) ، ومسلم (299) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3450 الأحاديث الواردة في (معرفة الله- عز وجل-) معنى 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون. قالوا: إنّا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إنّ الله قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فيغضب حتّى يعرف الغضب في وجهه ثمّ يقول: «إنّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (معرفة الله- عز وجل-) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (الأعراف/ 172) قال: إنّ الله تبارك وتعالى ضرب منكبه الأيمن فخرجت كلّ نفس مخلوقة للجنّة بيضاء نقيّة، فقال: هؤلاء أهل الجنّة ثمّ ضرب منكبه الأيسر فخرجت كلّ نفس مخلوقة للنّار سوداء، فقال: هؤلاء أهل النّار، ثمّ أخذ عهودهم على الإيمان والمعرفة له ولأمره والتّصديق به وبأمره وأشهدهم على أنفسهم فآمنوا وصدّقوا وعرفوا وأقرّوا وبلغني أنّه أخرجهم على كفّه أمثال الخردل) * «2» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (الأنعام/ 75) إنّه تعالى جلّى له الأمر سرّه وعلانيته فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق فلمّا جعل يلعن أصحاب الذّنوب قال الله: إنّك لا تستطيع هذا، فردّه كما كان قبل ذلك. قال ابن كثير: فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتّى رأى ذلك عيانا ويحتمل أن يكون كشف عن بصيرته حتّى شاهده بفؤاده وتحقّقه وعرفه وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة والدّلالات القاطعة كما رواه الإمام أحمد والتّرمذيّ وصحّحه عن معاذ بن جبل في حديث المنام «أتاني ربّي في أحسن صورة فقال: يا محمّد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا ربّ، فوضع يده بين كتفيّ حتّى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلّى لي كلّ شيء وعرفت ذلك» ) * «3» .   (1) البخاري- الفتح 1 (20) ، قال ابن حجر: كذا في رواية أبي ذر، وهو لفظ الحديث الذي أورده في جميع طرقه، وفي رواية الأصيلي: «أعرفكم» وكأنه مذكور بالمعنى حملا على ترادفهما هنا، وهو ظاهر هنا وعليه عمل المصنف. (2) تفسير الطبري مجلد 6 ج 9 ص 78 (3) ابن كثير ج 2 ص 156 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3451 3- * (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قول الله عزّ وجلّ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام/ 79) ، نُورٌ عَلى نُورٍ (النور/ 35) قال: كذلك قلب المؤمن يعرف الله عزّ وجلّ ويستدلّ عليه بقلبه، فإذا عرفه ازداد نورا على نور، وكذا إبراهيم عليه السّلام عرف الله عزّ وجلّ بقلبه واستدلّ عليه بدلائله، فعلم أنّ له ربّا وخالقا، فلمّا عرّفه الله عزّ وجلّ بنفسه ازداد معرفة فقال أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ (الأنعام/ 80)) * «1» . 4- * (وعنه أيضا- رضي الله عنه-: أفضل العبادة الفقه في الدّين، والحقّ سبحانه وتعالى جعل الفقه صفة القلب فقال: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها (الأعراف/ 179) ، فلمّا فقهوا علموا، ولمّا علموا عملوا، ولمّا عملوا عرفوا، ولمّا عرفوا اهتدوا، فكلّ من كان أفقه كانت نفسه أسرع إجابة وأكثر انقيادا لمعالم الدّين وأوفر حظّا من نور اليقين، فالعلم جملة موهوبة من الله للقلوب والمعرفة تميّز تلك الجملة) * «2» . 5- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: رحم الله تعالى صهيبا لو لم يخف الله لم يعصه، يعني لو كتب له كتاب الأمان من النّار حمله صرف «3» المعرفة بعظيم أمر الله على القيام بواجب حقّ العبوديّة) * «4» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: اختصم رجلان، فدارت اليمين على أحدهما، فحلف بالله الّذي لا إله إلّا هو ما له عليه حقّ فنزل جبريل فقال: مره فليعطه حقّه، فإنّ الحقّ قبله، وهو كاذب، وكفّارة يمينه معرفته بالله أنّه لا إله إلّا هو، أو شهادته أنّه لا إله إلّا هو) * «5» . 7- * (قال البخاريّ: وباب قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «أنا أعلمكم بالله» وأنّ المعرفة فعل القلب لقول الله تعالى: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (البقرة/ 225)) * «6» . 8- * (قال النّوويّ في شرح قوله صلّى الله عليه وسلّم «الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصّلاة ... إلى آخره» : أمّا العبادة، فهي: الطّاعة مع خضوع، فيحتمل أن يكون المراد بالعبادة هنا: معرفة الله تعالى والإقرار بوحدانيّته، فعلى هذا يكون عطف الصّلاة والصّوم والزّكاة عليها لإدخالها في الإسلام. فإنّها لم تكن دخلت في العبادة، وعلى هذا إنّما اقتصر على هذه الثّلاث لكونها من أركان الإسلام وأظهر شعائره والباقي ملحق بها) * «7» .   (1) تفسير القرطبي 7/ 219 (2) إحياء علوم الدين وكتاب عوارف المعارف للسهروردي ص 46 (ط. دار المعرفة، بيروت) . (3) صرف المعرفة: أي المعرفة الصّرفة بمعنى المعرفة المجرّدة. (4) إحياء علوم الدين وكتاب عوارف المعارف للسهروردي ص 58 (ط. دار المعرفة، بيروت) . (5) المسند 1/ 322، ونسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (2959) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (6) الفتح 1/ 88 (7) صحيح مسلم في شرح الحديث رقم (7) ص 196 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3452 9- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: أخوف النّاس لربّه أعرفهم بنفسه وبربّه، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أخوفكم لله» ، وكذلك قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) ثمّ إذا كملت المعرفة أورثت جلال الخوف واحتراق القلب) * «1» . 10- * (وقال أيضا: الخوف من المعصية خوف الصّالحين، والخوف من الله خوف الموحّدين والصّدّيقين وهو ثمرة المعرفة بالله تعالى، وكلّ من عرفه وعرف صفاته علم من صفاته ما هو جدير بأن يخاف من غير جناية) * «2» . 11- * (وقال- رحمه الله- كذلك: لا وصول إلى سعادة لقاء الله في الآخرة إلّا بتحصيل محبّته والأنس به في الدّنيا، ولا تحصل المحبّة إلّا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلّا بدوام الفكر) * «3» . 12- * (وقال أيضا: من عرف الله تعالى عرف أنّه يفعل ما يشاء ولا يبالي، ويحكم ما يريد ولا يخاف) * «4» . 13- * (قال ابن القيّم: اعلم أنّ الله تعالى خلق في صدرك بيتا وهو القلب، ووضع في صدره عرشا لمعرفته يستوي عليه المثل الأعلى وهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه. والمثل الأعلى من معرفته ومحبّته وتوحيده مستو على سرير القلب وعلى السّرير بساط من الرّضا، ووضع عن يمينه وشماله مرافق شرائعه وأوامره. وفتح إليه بابا من جنّة رحمته والأنس به والشّوق إلى لقائه. وأمطره من وابل كلامه ما أنبت فيه أصناف الرّياحين والأشجار المثمرة من أنواع الطّاعات. والتّهليل والتّسبيح والتّحميد والتّقديس. وجعل في وسط البستان شجرة معرفته تعالى، فهي تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها من المحبّة والإنابة والخشية والفرح به والابتهاج بقربه وأجرى إلى تلك الشّجرة ما يسقيها من تدبّر كلامه وفهمه والعمل بوصاياه، وعلّق في ذلك البيت قنديلا أسرجه بضياء معرفته والإيمان به وتوحيده فهو يستمدّ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ (النور/ 35)) * «5» . 14- * (قال بعضهم: من أمارات المعرفة بالله حصول الهيبة، فمن ازدادات معرفته زادت هيبته. وقال أيضا: المعرفة توجب السّكينة. وقيل: علامتها أن يحسّ بقرب قلبه من الله فيجده قريبا منه) * «6» . 15- * (وقال الشّبليّ: ليس لعارف علاقة، ولا لمحبّ شكوى، ولا لعبد دعوى، ولا لخائف قرار، ولا لأحد من الله فرار) * «7» .   (1) إحياء علوم الدين ج 4 ص 164 (2) المرجع السابق ج 4 ص 167 (3) المرجع السابق ج 4 ص 168 (ط. دار الريان، القاهرة) . (4) المرجع السابق، ص 177 (5) الفوائد ص 242، 243 (6) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 52 (7) المرجع السابق، نفسه، الصفحة نفسها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3453 16- * (قال الفيروزاباديّ (تعقيبا على كلام الشّبليّ في الأثر السّابق) : وهذا كلام جيّد، فإنّ المعرفة الصّحيحة تقطع من القلب العلائق كلّها، وتعلّقه بمعروفه فلا يبقى فيه علاقة لغيره، ولا تمرّ به العلائق إلّا وهي مجتازة) * «1» . 17- * (وقال أحمد بن عاصم: من كان بالله أعرف كان من الله أخوف. ويدلّ على هذا قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) . وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أعرفكم بالله وأشدّكم له خشية» ) * «2» . 18- * (وقال هرم بن حيّان: المؤمن إذا عرف ربّه عزّ وجلّ أحبّه، وإذا أحبّه أقبل إليه) * «3» . 19- * (وقال أيضا: من عرف نفسه وعرف ربّه عرف قطعا أنّه لا وجود له من ذاته إنّما وجود ذاته ودوام وجوده وكمال وجوده من الله وإلى الله وبالله) * «4» . 20- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: من عرف ربّه أحبّه، ومن عرف الدّنيا زهد فيها، ومن خلا عن الحبّ هذا فلأنّه اشتغل بنفسه وشهواته وذهل عن ربّه وخالقه فلم يعرفه حقّ معرفته وقصر نظره على شهواته ومحسوساته) * «5» . 21- * (وقال ذو النّون: الزّهّاد ملوك الآخرة، وهم فقراء العارفين) *. 22- * (سئل الجنيد عن العارف فقال: لون الماء لون إنائه. وهذه كلمة رمز بها إلى حقيقة العبوديّة، وهو أنّه يتلّون في أقسام العبوديّة، فبينا تراه مصلّيا، إذ رأيته ذاكرا أو قارئا، أو متعلّما، أو معلّما، أو مجاهدا، أو حاجّا، أو مساعدا للضّعيف، أو معينا للملهوف، فيضرب في كلّ غنيمة بسهم. فهو مع المنتسبين منتسب، ومع المتعلّمين متعلّم، ومع الغزاة غاز، ومع المصلّين مصلّ، ومع المتصدّقين متصدّق. وهكذا ينتقل في منازل العبوديّة من عبوديّة إلى عبوديّة، وهو مستقيم على معبود واحد لا ينتقل عنه إلى غيره) * «6» . 23- * (وقال ابن عطاء: المعرفة على ثلاثة أركان: الهيبة، والحياء، والأنس) *. 24- * (وقيل: العارف ابن وقته. وهذا من أحسن الكلام وأخصره، فهو مشغول بوظيفة وقته عمّا مضى وصار في العدم، وعمّا لم يدخل بعد في الوجود، فهمّه عمارة وقته الّذي هو مادّة حياته الباقية. ومن علاماته أنّه مستوحش ممّن يقطعه عنه. ولهذا قيل:   (1) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 25. (2) المرجع السابق، نفسه، الصفحة نفسها. (3) الإحياء ج 4 ص 313 (ط. الريان) . (4) المرجع السابق، ج 4 ص 318 (5) المرجع السابق، ص 318، 319 (6) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 55 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3454 العارف من أنس بالله فأوحشه من الخلق، وافتقر إلى الله فأغناه عنهم، وذلّ لله فأعزّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغفر بالله فأحوجهم إليه) *. 25- * (وقيل: العارف فوق ما يقول، والعالم دون ما يقول. يعني: أنّ العالم علمه أوسع من حاله وصفته والعارف حاله وصفته فوق كلامه وخبره) * «1» . 26- * (قال الفيروزاباديّ: وعلامة العارف أن يكون قلبه مرآة إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الّذي دعا إلى الإيمان به، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يتراءى فيها سبحانه والدّار الآخرة والجنّة والنّار والملائكة والرّسل، كما قيل: إذا سكن الغدير على صفاء ... فيشبه أن يحرّكه النّسيم بدت فيه السّماء بلا مراء ... كذاك الشّمس تبدو والنّجوم كذاك قلوب أرباب التجلّي ... يرى في صفوها الله العظيم ومن علامات المعرفة أن يبدو لك الشّاهد وتفنى الشّواهد، وتنجلي العلائق وتنقطع العوائق، وتجلس بين يدي الرّبّ، وتقوم وتضطجع على التّأهّب للقائه كما يجلس الّذي قد شدّ أحماله وأزمع السّفر، على تأهّب له، ويقوم على ذلك ويضطجع عليه. ومن علامات العارف: أنّه يأسف على فائت ولا يفرح بآت ولأنّه ينظر في الأشياء الفناء والزّوال، وأنّها في الحقيقة كالظّلال والخيال. وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفا حتّى يكون كالأرض يطؤها البرّ والفاجر، وكالسّحاب يظلّ كلّ شيء، وكالمطر يسقي ما يحبّ وما لا يحبّ) * «2» . 27- * (وقال يحيى بن معاذ: يخرج العارف من الدّنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربّه. وهذا من أحسن ما قيل، لأنّه يدلّ على معرفته بنفسه وعلى معرفته بربّه وجماله وجلاله، فهو شديد الإزراء على نفسه، لهج بالثّناء على ربّه) * «3» . 28- * (وقال أبو يزيد: إنّما نالوا المعرفة بتضييع ما لهم، والوقوف مع ما له. يريد تضييع حظوظهم والوقوف مع حقوق الله تعالى. وقال آخر: لا يكون العارف عارفا حتّى لو أعطي ملك سليمان لم يشغله عن الله طرفة عين. وهذا يحتاج إلى شرح، فإنّ ما هو دون ذلك يشغل القلب، لكن إذا كان اشتغاله بغير الله لله فذلك اشتغال بالله) * «4» . 29- * (حكى الفيروزاباديّ عن بعضهم قوله: من عرف الله ضاقت عليه الأرض بسعتها. وقال غيره: من عرف الله اتّسع عليه كلّ ضيق.   (1) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 54 (2) المرجع السابق ج 4 ص 53 (3) المرجع السابق ج 4 ص 54 (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3455 قال الفيروزاباديّ: ولا تنافي بين هذين الكلامين فإنّه يضيق عليه كلّ مكان لاتّساعه فيه على شأنه ومطلوبه، ويتّسع له ما ضاق على غيره لأنّه ليس فيه ولا هو مساكن له بقلبه، فقلبه غير محبوس فيه. والأوّل في بداية المعرفة، والثّاني في غايتها الّتي يصل إليها العبد. وقال: من عرف الله تعالى صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلّ شيء، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأنس بالله) * «1» . 30- * (وقال غيره: من عرف الله قرّت عينه بالله وقرّت به كلّ عين، ومن لم يعرف الله تقطّع قلبه على الدّنيا حسرات، ومن عرف الله لم يبق له رغبة فيما سواه) * «2» . 31- * (قال ابن الجوزيّ: من ذاق طعم المعرفة وجد طعم المحبّة، فالرّضا من جملة ثمرات المعرفة، فإذا عرفته سبحانه رضيت بقضائه) * «3» . 32- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: ليس في الدّنيا ولا في الآخرة أطيب عيشا من العارفين بالله تعالى، فإنّ العارف به مستأنس به في خلوته، فإن عمّت نعمة علم من أهداها، وإن مرّ مرّ حلا مذاقه في فيه لمعرفته بالمبتلي، وإن سأل فتعوّق مقصوده، صار مراده ما جرى به القدر، علما منه بالمصلحة، بعد يقينه بالحكمة، وثقته بحسن التّدبير) * «4» . من فوائد (معرفة الله- عز وجل-) (1) معرفة الله عزّ وجلّ هي أساس الإيمان به، والتّصديق برسله، وما أرسلوا به. (2) معرفة الله عزّ وجلّ تورث السّكينة والرّضا، وتبعد عن العبد السّخط والغضب. (3) العارف بالله تعالى من أطيب النّاس عيشا. (4) المعرفة بالله عزّ وجلّ تورث محبّته سبحانه. (5) معرفة الله عزّ وجلّ هي جماع السّعادة في الدّنيا والآخرة. (6) من عرف الله عزّ وجلّ في الرّخاء عرفه الله عزّ وجلّ في شدّته وأنقذه منها.   (1) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 52 (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) صيد الخاطر ص 102 (4) المرجع السابق ص 158 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3456 (7) المعرفة في قلب المؤمن سراج ينير طريقه، أمّا معرفة المنافق الّتي يعقبها إنكار فإنّها تجعل قلبه منكوسا. (8) العارفون بالله يوم القيامة يهديهم ربّهم بإيمانهم فيتّبعونه عندما يأتيهم في صورته الّتي يعرفونها (الحديث رقم 5) . (9) العارفون بالله تعالى لهم أوفر حظّ من نور اليقين وأصحاب اليقين هم الفائزون في الدّنيا والآخرة. (10) المعرفة تورث الخوف من الله عزّ وجلّ وتؤدّي إلى الخشية منه والبعد عن معاصيه. (11) من ثمرات المعرفة الإقبال على الله عزّ وجلّ. (12) قلب العارف يزداد نورا على نور. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3457 المواساة المواساة لغة: المواساة مصدر قولهم: واسيته وهي لغة في آسيته، يقول ابن فارس: الهمزة والسّين والواو أصل واحد يدلّ على المداواة والإصلاح. يقال: أسوت الجرح إذا داويته، ولذلك يسمّى الطّبيب الآسي. قال الحطيئة: هم الآسون أمّ الرّأس لمّا ... تواكلها الأطبّة والإساء ويقال: أسوت بين القوم، إذا أصلحت بينهم، ومن هذا الباب قولهم: لي في فلان أسوة (بضمّ الهمزة وكسرها) ، أي قدوة، أي أنّي أقتدي به، وأسّيت فلانا إذا عزّيته من هذا، أي قلت له: ليكن لك بفلان أسوة فقد أصيب بمثل ما أصبت به فرضي وسلّم، ومن هذا الباب آسيته بنفسي (وواسيته) . وقال الرّاغب: الأسو: إصلاح الجرح وأصله: إزالة الأسى، والآسى: طبيب الجرح، جمعه: إساء وأساة، والمجروح مأسيّ وأسيّ معا، ويقال آسيته (أصلحته) ، قال الشّاعر: آسى أخاه بنفسه. وقال: آخر: فآسى وآذاه فكان كمن جنى. الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 27/ 15 وقال الجوهريّ: في مادّة (وس ى) : وواساه لغة ضعيفة في آساه، تبنى على يواسي، وقد استوسيته: أي قلت له واسني، وقال في مادّة (أسا) يقال: آسيته بمالي مواساة، أي جعلته أسوتي فيه، والإسوة والأسوة (بالكسر والضّمّ) هي ما يأتسي به الحزين ويتعزّى به، والجمع إسى وأسى، ثمّ سمّي الصّبر أسى، وتآسوا: أي آسى بعضهم بعضا، والأسى: المداواة والعلاج، وهو الحزن أيضا والإساء: الدّواء بعينه والإساء (أيضا) الأطبّة. جمع الآسي. وقال ابن منظور: الأسا (مفتوح مقصور) المداواة والعلاج، وهو الحزن أيضا، وأسا الجرح أسوا وأسا: داواه، والأسوّ على فعول: دواء تأسو به الجرح، ويقال: أسا بينهم أسوا أصلح، وتآسوا أي آسى بعضهم بعضا، قال الشّاعر: وإنّ الألى بالطّفّ من آل هاشم ... تآسوا فسنّوا للكرام التّآسيا قال ابن برّيّ: وهذا البيت تمثّل به مصعب (بن الزّبير) يوم قتل، وتآسوا فيه من المؤاساة لا من التّأسّي، والمواساة: المساواة والمشاركة في المعاش والرّزق وأصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا وفي حديث الحديبية: إنّ المشركين واسونا للصّلح، جاء به على التّخفيف، وعلى الأصل جاء الحديث الآخر: ما أحد عندي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3458 أعظم يدا من أبي بكر آساني بنفسه وماله، ويقال: آساه بماله: أناله منه وجعله فيه أسوة، وقيل لا يكون منه ذلك إلّا من كفاف، فإن كان من فضلة فليس بمؤاساة. قال أبو طالب: أصل الكلمة إمّا أن يكون أساه يأسوه، إذا عالجه وداواه، وإمّا أن يكون من آس يئوس: إذا عاض، فأخّر الهمزة وليّنها ولكلّ مقال. وأمّا قولهم: واساه فلغة ضعيفة في آساه. وقال أبو بكر في قولهم: ما يواسي فلان فلانا ثلاثة أقوال: أحدها: ما يشارك فلان فلانا فالمواساة المشاركة. وأنشد لهذا المعنى: فإن يك عبد الله آسى ابن أمّه ... وآب بأسلاب الكميّ المغاور وثانيها: ما يصيبه بخير. من قول العرب: آس فلانا بخير أي أصبه. ثالثها: ما يعوّضه من مودّته ولا قرابته شيئا أي ما يعوّضه وهو مأخوذ من الأوس وهو العوض. ويقال: قد استوسيته: أي قلت له: واسني «1» . واصطلاحا: قال ابن مسكويه: المواساة: معاونة الأصدقاء والمستحقّين ومشاركتهم في الأموال والأقوات «2» . وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: المواساة: أن يجعل صاحب المال يده ويد صاحبه في ماله سواء «3» . وقال غيرهما: المواساة: المشاركة والمساهمة في المعاش والرّزق «4» . أنواع المواساة: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: المواساة للمؤمنين أنواع: الأوّل: مواساة بالمال. الثّاني: مواساة بالجاه. الثّالث: مواساة بالبدن والخدمة. الرّابع: مواساة بالنّصيحة والإرشاد. الخامس: مواساة بالدّعاء والاستغفار لهم. السّادس: مواساة بالتّوجّع لهم. قال: وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلّما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلّما قوي قويت، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعظم النّاس مواساة لأصحابه بذلك، فلا أتباعه من المواساة بحسب اتّباعهم له، ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد، وقد تجرّد وهو ينتفض، فقالوا: ما هذا يا أبا نصر؟ فقال: ذكرت الفقراء وبردهم، وليس لي ما أواسيهم، فأحببت أن أواسيهم في بردهم» «5» . وهذا النّوع الأخير الّذي يعني المشاركة إنّما يرمي إلى جبر خاطر المحتاجين عندما يتعذّر القيام بسدّ هذه الحاجة، وفي هذا ما يعينهم على الرّضا الصّبر وتحمّل المشاقّ.   (1) تهذيب اللغة للأزهرى (13/ 138- 139) . ولسان العرب (8/ 4840) . والصحاح (6/ 2524) . وتاج العروس (10/ 390- 391) ومقاييس اللغة (1/ 107) ، المفردات (18) . (2) تهذيب الأخلاق لابن مسكويه (3/ 31) . (3) الفتح (7/ 25) . (4) لسان العرب لابن منظور (1/ 82) ط. دار المعارف. (5) الفوائد ص 224 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3459 من المواساة جبر خاطر المسلم وإدخال السّرور على قلبه: لمّا كانت المواساة لا تقتصر على مشاركة المسلم لأخيه في المال والجاه أو الخدمة والنّصيحة.. أو غير ذلك فإنّ من المواساة مشاركة المسلم في مشاعره خاصّة في أوقات حزنه، وعند تعرّضه لما يعكّر صفوه، وهنا فإنّ إدخال السّرور عليه وتطييب خاطره بالكلمة الطّيّبة، أو المساعدة الممكنة بالمال أو الجاه، أو المشاركة الوجدانيّة هو من أعظم المواساة وأجلّ أنواعها، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يواسي بالقليل والكثير «1» ، وقد علّمنا؟ أنّ من أقال مسلما من عثرته أقال الله عثرته «2» ، وأنّ الله عزّ وجلّ لا يزال في حاجة العبد مادام العبد في حاجة أخيه «3» . إنّ حاجة المسلم تتنوّع وتختلف من موقف إلى آخر، فهناك من تكون حاجته إلى المال، وهناك من تكون حاجته إلى عمل أو وظيفة، وهناك من تكون حاجته إلى كلمة طيّبة، وهناك من تكون حاجته إلى دفع الظّلم عنه، وهناك من تكون حاجته إلى مشاركة النّاس له في أتراحه أو أفراحه، وهناك من تكون حاجته في وضع الدّين عنه أو إرجائه، إلى غير ذلك من الحاجات وكلّ ذلك يدخل في إطار القاعدة العامّة للمواساة، وهي أن يكون المسلم في حاجة أخيه، وعلى المسلم أن يعرف أنّ فائدة هذه المواساة لا ترجع إلى صاحب الحاجة (المواسى) فقط، وإنّما تشمل أيضا المواسي لأنّ الله عزّ وجلّ يقف إلى جانبه ويكون في حاجته، هذا في الدّنيا، ويجازيه عليها أفضل جزاء يوم القيامة، وقد أخبر الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم أنّ من لقي أخاه بما يحبّ ليسرّه بذلك سرّه الله عزّ وجلّ يوم القيامة «4» ، لقد حفلت سير أعلام النّبلاء بنماذج مشرّفة من المواساة، ومن تأمّل هذه الصّفحات المشرقة الّتي حفلت بها سير هؤلاء يتّضح أنّ مجالسة المساكين والتّحدّث معهم فيه جبر خاطرهم وإدخال السّرور عليهم «5» ، وإذا كان الإنسان واجدا فإنّه كان يتكفّل بنفقة هؤلاء وإعالتهم مع المحافظة على كرامتهم وتقديم المعونة لهم سرّا «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- الإنفاق- البر- بر الوالدين- تفريج الكربات- حق الجار- السخاء- صلة الرحم- عيادة المريض- كفالة اليتيم تكريم الإنسان- الكرم- الجود- الصدقة. وفي ضد ذلك انظر صفات: الأثرة- البخل- التخاذل- الشح- الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون- قطيعة الرحم- عقوق الوالدين- الكنز] .   (1) انظر الحديث رقم 21 (2) انظر الحديث رقم 12 (3) انظر الحديث رقم 11 (4) انظر الحديث رقم 22 (5) انظر الأثر رقم 11 (6) انظر الأثر رقم 9 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3460 الأحاديث الواردة في (المواساة) 1- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر» فسلّم وقال: يا رسول الله إنّي كان بيني وبين ابن الخطّاب شيء «فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر» (ثلاثا) ثمّ إنّ عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر (أي تذهب نضارته من الغضب) حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» (مرّتين) فما أوذي بعدها) * «1» . 2- * (عن أنس قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير، ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ حتّى خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم» ) * «2» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثّناء. قالت: فغرت يوما، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشّدق، قد أبدلك الله- عزّ وجلّ- بها خيرا منها. قال: «ما أبدلني الله- عزّ وجلّ- خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي النّاس، وصدّقتني إذ كذّبني النّاس، وواستني بمالها إذ حرمني النّاس، ورزقني الله عزّ وجلّ- ولدها إذ حرمني أولاد النّساء» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (المواساة) معنى 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت شعب الأنصار أو وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار» فقال أبو هريرة: فما ظلم بأبي وأمّي صلّى الله عليه وسلّم، لآووه ونصروه، قال: وأحسبه قال: وواسوه) * «4» .   (1) البخاري- الفتح 7 (3661) . (2) الترمذي (2487) وقال: حسن صحيح، واللفظ له، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 227) وقال: رواه أحمد على شرط الشيخين. (3) أحمد (6/ 117- 118) واللفظ له، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 126) وقال: إسناده لا بأس به، وذكره الحافظ في الإصابة (4/ 283) وعزاه لابن عبد البر، وهو في الاستيعاب (4/ 286، 287) حاشية على الإصابة. (4) أحمد (2/ 414) واللفظ له في هذا الرقم وقريب منه في رقم (469) وقال مخرجه: إسناده صحيح. وأصل الحديث في الصحيحين من أحاديث عدة من الصحابة. انظر مثلا البخاري. الفتح 13 (7244) ، مسلم (1059) ، وحديث عائشة- رضي الله عنها- أيضا فيه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3461 5- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «1» في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي، وأنا منهم» ) * «2» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعون خصلة- أعلاهنّ منيحة العنز- ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها، وتصديق موعودها، إلّا أدخله الله بها الجنّة» قال حسّان بن عطيّة- أحد الرّواة- فعددنا ما دون منيحة «3» العنز. من ردّ السّلام وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطّريق ونحوه فما استطعنا أن نبلّغ خمس عشرة خصلة) * «4» . 7- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكّوا العاني» ) * «5» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بعسّ «6» وتروح بعسّ إنّ أجرها لعظيم» ) * «7» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طعام الاثنين كافي الثّلاثة، وطعام الثّلاثة كافي الأربعة» ) * «8» . 10- * (عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة فأصابنا جهد «9» حتّى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا «10» ، فأمر نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فجمعنا مزاودنا «11» فبسطنا له نطعا «12» فاجتمع زاد القوم على النّطع. قال: فتطاولت لأحزره «13» كم هو؟ فحزرته كربضة العنز «14» ونحن أربع عشرة مائة. قال: فأكلنا حتّى شبعنا جميعا ثمّ حشونا جربنا «15» فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «فهل من وضوء» ؟ قال: فجاء رجل بإداوة «16»   (1) أرملوا: أي فني طعامهم. (2) البخاري- الفتح 5 (2486) ، مسلم (2500) متفق عليه. (3) المنيحة- بوزن عظيمة- العطية. (4) البخاري- الفتح 5 (2631) . (5) البخاري- الفتح 9 (5373) . (6) العس: القدح الكبير. (7) البخاري- الفتح 5 (2629) ، مسلم (1019) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 9 (5392) ، مسلم (2058) واللفظ لهما. قال المهلب رحمه الله تعالى: المراد بهذا الحديث وأمثاله الحض على المكارم والتقنع بالكفاية والمواساة وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضا بحسب من يحضر. الفتح (9/ 535) . (9) الجهد- بفتح الجيم- وهو المشقة. (10) ننحر بعض ظهرنا: أي نذبح بعض إبلنا. (11) مزاودنا: جمع مزود وهو الوعاء الذي يحمل فيه الزاد. (12) نطعا: أي سفرة من أديم، أو بساطا. (13) فتطاولت لأحزره: أي أظهرت طولي لأقدره وأخمنه. (14) كربضة العنز: أي كمبركها، أو كقدرها وهي رابضة. (15) جربنا: الجرب جمع جراب ككتاب وكتب وهو الوعاء من الجلد يجعل فيه الزاد. (16) الإداوة هي المطهرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3462 له فيها نطفة «1» فأفرغها في قدح فتوضّأنا كلّنا ندغفقه دغفقة «2» أربع عشرة مائة) * «3» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالت الأنصار: اقسم بيننا وبينهم النّخل، قال: «لا» قال: «يكفوننا المئونة، ويشركوننا في الثّمر» قالوا: سمعنا وأطعنا) * «4» . 12- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه» ) * «5» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أقال مسلما أقاله الله عثرته» ) * «6» . 14- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ضحّى منكم فلا يصبحنّ في بيته بعد ثالثة شيئا، فلمّا كان في العام المقبل، قالوا: يا رسول الله!، نفعل كما فعلنا عام أوّل؟ فقال: «لا، إنّ ذاك عام كان النّاس فيه بجهد فأردت أن يفشو فيهم «7» » ) * «8» . 15- * (عن جابر بن عبد الله قال: كنّا فى زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نأخذ الأرض بالثّلث أو الرّبع الماذيانات «9» ، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى ذلك فقال: من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها، فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها» ) * «10» . 16- * (عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أنّ أصحاب الصّفّة كانوا ناسا فقراء، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال مرّة: «من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثلاثة. ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس» أو كما قال: وإنّ أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم بعشرة، وأبو بكر بثلاثة، قال: فهو وأنا وأبي وأمّي- ولا أدري هل قال: وامرأتي وخادم بين بيتنا وبيت أبي بكر- قال: وإنّ أبا بكر تعشّى عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ لبث حتّى صلّيت العشاء، ثمّ رجع فلبث حتّى نعس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء بعدما مضى من اللّيل ما شاء الله، قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ - أو قالت: ضيفك- قال: أو ما عشيّتهم؟ قالت: أبوا حتّى تجيء. قد عرضوا عليهم   (1) نطفة: قليل من الماء. (2) ندغفقه دغفقة: أي نصبه صبا شديدا. (3) مسلم (1729) . (4) البخاري- الفتح 7 (3782) . (5) الطبراني في الكبير (5/ 118) ، وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (537) وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات (8/ 193) . واللفظ فيه. (6) أبو داود (3460) واللفظ له، أحمد (2/ 252) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (13/ 168) حديث (7425) ، والحاكم (2/ 45) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 440) : إسناده صحيح. (7) يفشو فيهم: أي يشيع لحم الأضاحي في الناس. (8) البخاري- الفتح 10 (5569) ، مسلم (1974) واللفظ له. (9) الماذيانات: هي مسايل المياه وقيل: ما ينبت على حافتي مسيل الماء وقيل: ما ينبت حول السواقي لفظة معربة. (10) مسلم (1536) ، ومن حديث أبي هريرة (1544) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3463 فغلبوهم. قال: فذهبت أنا فاختبأت. وقال: يا غنثر! فجدّع وسبّ «1» ، وقال: كلوا. لا هنيئا. وقال: والله لا أطعمه أبدا. قال: فايم الله! ما كنّا نأخذ من لقمة إلّا ربا من أسفلها أكثر منها. قال: حتّى شبعنا وصارت أكثر ممّا كانت قبل ذلك. فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر. قال لامرأته: يا أخت بني فراس! ما هذا؟ قالت: لا. وقرّة عيني! لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار. قال: فأكل منها أبو بكر وقال: إنّما كان ذلك من الشّيطان. يعني يمينه. ثمّ أكل منها لقمة. ثمّ حملها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأصبحت عنده، قال: وكان بيننا وبين قوم عقد فمضى الأجل. فعرّفنا «2» اثنا عشر رجلا، مع كلّ رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كلّ رجل، إلّا أنّه بعث معهم فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال) * «3» . 17- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر «4» فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل) * «5» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي مجهود «6» . فأرسل إلى بعض نسائه. فقالت: والّذي بعثك بالحقّ! ما عندي إلّا ماء. ثمّ أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك. حتّى قلن كلّهنّ مثل ذلك: لا. والّذي بعثك بالحقّ! ما عندي إلّا ماء. فقال: «من يضيف هذا، اللّيلة، رحمه الله» فقام رجل من الأنصار فقال: أنا. يا رسول الله!، فانطلق به إلى رحله. فقال لامرأته: هل عندك شيء؟. قالت: لا. إلّا قوت صبياني. قال: فعلّليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السّراج وأريه أنّا نأكل. فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السّراج حتّى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضّيف، فلمّا أصبح غدا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما اللّيلة» ) * «7» . 19- * (عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثلاثين ومائة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل مع أحد منكم طعام؟» فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، ثمّ جاء رجل مشرك مشعانّ «8» طويل بغنم يسوقها، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أبيع أم عطيّة- أو قال: هبة-؟» قال: لا، بل بيع. قال:   (1) (يا غنثر فجدع وسب) غنثر: الثقيل الوخيم، وقيل: الجاهل أو السفيه. وجدع: أي دعا بالجدع وهو قطع الأنف وغيره من الأعضاء. والسب: الشتم. (2) عرّفناه: أي جعلنا عرفاء. (3) مسلم (2057) . (4) الظهر: يراد به ما يركب من الدواب وخصه اللغويون بالإبل. والفضل: ما زاد عن الحاجة. (5) مسلم (1728) . (6) مجهود: أصابني الجهد وهو المشقة والحاجة وسوء العيش والجوع. (7) البخاري- الفتح 7 (3798) ، ومسلم (2054) واللفظ له. (8) مشعانّ: أي منتفش الشعر ثائر الرأس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3464 فاشترى منه شاة. فصنعت، فأمر نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم بسواد البطن «1» يشوى، وايم الله ما من الثّلاثين ومائة إلّا قد حزّ له حزّة «2» من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاها إيّاه، وإن كان غائبا خبّأها له، ثمّ جعل فيها قصعتين، فأكلنا أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فحملته على البعير، أو كما قال) * «3» . 20- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قدم علينا عبد الرّحمن بن عوف وآخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع- وكان كثير المال- فقال سعد: قد علمت الأنصار أنّي من أكثرها مالا، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلّقها حتّى إذا حلّت تزوّجتها. فقال عبد الرّحمن: بارك الله لك في أهلك، فلم يرجع يومئذ حتّى أفضل شيئا من سمن وأقط، فلم يلبث إلّا يسيرا حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه وضر من صفرة «4» ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهيم؟» «5» قال: تزوّجت امرأة من الأنصار. قال: «ما سقت فيها؟» قال: وزن نواة من ذهب- أو نواة من ذهب- فقال: «أولم ولو بشاة» ) * «6» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رجل يداين النّاس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعلّ الله يتجاوز عنّا، فلقي الله تعالى فتجاوز عنه» ) * «7» . 22- * (عن عبد الله بن أبي قتادة- رضي الله عنهما- أنّ أبا قتادة طلب غريما له، فتوارى عنه، ثمّ وجده، فقال: إنّي معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله «8» ، قال: فإنّي سمعت، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» ) * «9» . 23- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لقي أخاه المسلم بما يحبّ ليسرّه بذلك، سرّه الله عزّ وجلّ يوم القيامة» ) * «10» . 24- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أحبّ الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السّرور على المسلم» ) * «11» .   (1) بسواد البطن: أي الكبد. (2) حزّ حزّة: أي قطع قطعة. (3) البخاري- الفتح 9 (5382) واللفظ له، ومسلم (2056) . (4) معنى الحديث أنه وجد به لطخامن طيب له لون فسأل عنه فأخبره أنه تزوج وذلك من فعل العروس إذا دخل على زوجته. (5) مهيم: أي ما شأنك وما حالك؟ (6) البخاري. الفتح 7 (3781) . (7) البخاري- الفتح 11 (6480) من حديث حذيفة، و (6481) من حديث أبي سعيد، ومسلم (1562) واللفظ له. (8) آلله الأولى قسم سؤال أي أبا لله، والثانية قسم جواب وقد حذف حرف القسم وعوض عنه همزة الاستفهام. (9) مسلم (1563) . (10) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 394، وقال رواه الطبراني باسناد حسن. (11) المرجع السابق، الصفحة نفسها، وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3465 المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المواساة) 25- * (عن المقداد- رضي الله عنه- أنّه قال: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «1» فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فليس أحد منهم يقبلنا «2» . فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه. قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما. ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي. ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «3» . فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت في بطني «4» وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان. فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم. وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم. ثمّ أتى المسجد فصلّى. ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: «اللهمّ! أطعم من أطعمني. واسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ. وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هي حافلة «5» . وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة «6» . فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» قال: قلت: يا رسول الله! اشرب، فشرب ثمّ ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي، وأصبت دعوته، ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك «7» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله! كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله أفلا كنت آذنتني،   (1) الجهد: بفتح الجيم، هو الجوع والمشقة. (2) فليس أحد منهم يقبلنا: هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به. (3) ما به حاجة إلى هذه الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره، والفعل منه جرعت. (4) وغلت في بطني: أي دخلت وتمكنت منه. (5) (حافلة) الحفل في الأصل الاجتماع. ويقال للضرع الملوء باللبن: ضرع حافل، وجمعه حفّل. (6) (رغوة) هي زبد اللبن الذي يعلوه، وهي بفتح الراء وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات. (7) (إحدى سوآتك) أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3466 فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ! ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك. من أصابها من النّاس) * «1» . 26- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه قال وهو يخطب: إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإنّ ناسا يعلموني به عسى أن لا يكون أحدهم رآه قطّ) * «2» . 27- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت جالسا في داري. فمرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأشار إليّ. فقمت إليه. فأخذ بيدي. فانطلقنا حتّى أتى بعض حجر نسائه. فدخل. ثمّ أذن لي. فدخلت الحجاب عليها «3» . فقال: «هل من غداء» فقالوا: نعم. فأتي بثلاثة أقرصة. فوضعن على نبيّ «4» . فأخذ رسول الله قرصا فوضعه بين يديه. وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يديّ. ثمّ أخذ الثّالث فكسره باثنين. فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يديّ. ثمّ قال: «هل من أدم؟» قالوا: لا. إلّا شيء من خلّ. قال: «هاتوه. فنعم الأدم هو» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المواساة) 1- * (قال إبراهيم بن أدهم- رحمه الله تعالى-: المواساة من أخلاق المؤمنين) * «6» . 2- * (قال أبو الأعرج- رضي الله عنه- لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم- رضي الله عنه- أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التّواسي بما في أيدينا، وما رأيت في مجلسه مماريين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا) * «7» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا نسمّي جعفرا أبا المساكين، كان يذهب إلى بيته، فإذا لم يجد لنا شيئا، أخرج لنا عكّة أثرها عسل، فنشقّها ونلعقها) * «8» . 4- * (قال الذّهبيّ: قيل: كانت لأبي برزة الأسلميّ جفنة من ثريد غدوة، وجفنة عشيّة للأرامل واليتامى والمساكين) * «9» .   (1) مسلم (2055) . (2) أحمد (1/ 69- 70) برقم (504) . وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 378) : إسناده حسن. (3) فدخلت الحجاب عليها: معناه دخلت الحجاب إلى الموضع الذي فيه المرأة، وليس فيه أنه رأى بشرتها. (4) على نبيّ: أي على مائدة من خوص، وروى «بتي» والبتّ: كساء من وبر أو صوف، فلعله منديل وضع عليه هذا الطعام. ورواه بعضهم بنيّ: وهو الصواب وهو طبق من خوص. (5) مسلم (2052) . (6) حلية الأولياء (7/ 370) . (7) نزهة الفضلاء 1/ 493 (8) المرجع السابق 1/ 39 (9) المرجع السابق، 1/ 216 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3467 5- * (عن شعبة- رضي الله عنه- قال: لمّا توفّي الزّبير لقي حكيم (بن حزام) عبد الله بن الزّبير، فقال: كم ترك أخي من الدّين؟ قال: ألف ألف، قال: عليّ خمسمائة ألف) * «1» . 6- * (قال ابن عيينة: كان سعيد بن العاص إذا قصده سائل وليس عنده شيء قال: اكتب عليّ سجلا بمسألتك إلى الميسرة) * «2» . 7- * (عن أبي حمزة الثّماليّ- رضي الله عنه- قال: إنّ عليّ بن الحسين كان يحمل الخبز باللّيل على ظهره يتّبع به المساكين في الظّلمة، ويقول: إنّ الصّدقة في سواد اللّيل تطفيء غضب الرّبّ) * «3» . 8- * (عن عمرو بن ثابت- رضي الله عنه- قال: لمّا مات عليّ بن الحسين وجدوا بظهره أثرا ممّا كان ينقل الجرب «4» باللّيل إلى منازل الأرامل) * «5» . 9- * (عن محمّد بن إسحاق- رضي الله عنه- قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلمّا مات عليّ بن الحسين، فقدوا ذلك الّذي كانوا يؤتون باللّيل) * «6» . 10- * (وقال شيبة بن نعامة: لمّا مات عليّ (بن الحسين) - رضي الله عنهما- وجدوه يعول مائة أهل بيت، قال الذّهبيّ: قلت ولهذا كان يبخّل فإنّه كان ينفق سرّا ويظنّ أهله أنّه كان يجمع الدّراهم) * «7» . 11- * (عن بكر بن عبد الله «8» - رضي الله عنه- قال: إنّي لأرجو أن أعيش عيش الأغنياء، وأموت موت الفقراء، قال الذّهبيّ: فكان رحمه الله كذلك، يلبس كسوته، ثمّ يجيء إلى المساكين، فيجلس معهم يحدّثهم ويقول: لعلّهم يفرحون بذلك) * «9» . 12- * (قال أبو حمزة- رضي الله عنه- اختلفت إلى إبراهيم الصّائغ نيّفا وعشرين سنة، ما علم أحد من أهل بيتي أين ذهبت، ولا من أين جئت، قال الذّهبيّ لأنّ إبراهيم كان في السّجن، ولا يذهب إليه أحد إلّا متخفّيا) * «10» . 13- * (عن محمّد بن عليّ بن الحسن- رضي الله عنهم- قال: أراد جار لأبي حمزة السّكّريّ أن يبيع داره، فقيل له: بكم؟ قال: بألفين ثمن الدّار، وبألفين جوار أبي حمزة، فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجّه إليه بأربعة آلاف، وقال لا تبع دارك» ) * «11» . 14- * (قال الحاكم (النّيسابوريّ) صحبت ابن أبي ذهل حضرا وسفرا ... قيل لي: إنّ عشر غلّته   (1) نزهة الفضلاء 1/ 219 (2) السابق، 1/ 295 (3) السابق، 1/ 406 (4) الجرب جمع جريب وهو وعاء يحمل فيه الطعام والدقيق ونحوهما. (5) نزهة الفضلاء 1/ 406- 407 (6) نزهة الفضلاء 1/ 406 (7) السابق 1/ 407 (8) بكر بن عبد الله بن عمرو المزني إمام قدوة واعظ يذكر مع الحسن وابن سيرين (سير أعلام النبلاء 4/ 532- 536) . (9) نزهة الفضلاء 1/ 438 (10) السابق، 1/ 594- 595 (11) نزهة الفضلاء 1/ 595 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3468 تبلغ ألف حمل، وحدّثني أبو أحمد الكاتب أنّ النّسخة بأسامي من يمونهم تزيد على خمسة آلاف بيت، وقد عرضت عليه ولايات جليلة فأبى» ) * «1» . 15- * (حكى الذّهبيّ أنّ الرّفاعيّ (أبا العبّاس أحمد بن أبي الحسن المغربيّ ثمّ البطائحيّ، كان يجمع الحطب، ويجيء به إلى بيوت الأرامل، ويملأ لهم بالجرّة» ) * «2» . من فوائد (المواساة) (1) تورث حبّ الله- عزّ وجلّ- ثمّ حبّ الخلق. (2) دليل حبّ الخير للآخرين. (3) تشيع روح الأخوّة بين المسلمين. (4) تقوّي العلاقات بين المسلمين. (5) تساعد على قضاء حاجات المحتاجين وسدّ عوز المعوزين. (6) تدخل السّرور على المسلم وترفع من معنويّاته فيقبل على الحياة مسرورا. (7) المواساة تجعل صاحبها من المسرورين يوم القيامة. (8) المواساة من أحبّ الأعمال إلى الله- عزّ وجلّ-. (9) المواساة تدعو إلى الألفة وتؤكّد معنى الإخاء وتنشر المحبّة. (10) المواساة تدفع الغيظ وتذهب الغلّ وتميت الأحقاد.   (1) نزهة الفضلاء 2/، 1182 (2) المرجع السابق 2/، 1471 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3469 [ حرف النون ] النبل الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 4/ 9 النبل لغة: مصدر قولهم: نبل فلان أي صار نبيلا، وهو مأخوذ من مادّة (ن ب ل) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على فضل وكبر، ثمّ يستعار منه الحذق في العمل، فيقال للفضل في الإنسان نبل، والمعنى في الحذق قولهم: إنّ النّابل: الحاذق بالأمر، والفعل (أي المصدر) النّبالة، وفلان أنبل النّاس بالإبل: أي أعلمهم بما يصلحها، قال الشّاعر: تدلّى عليها بالحبال موثّقا ... شديد الوصاة نابل وابن نابل وفي الباب قياس آخر يدلّ على رمي الشّيء ونبذه وخفّة أمره، ومن ذلك: النّبل: السّهام العربيّة، والنّابل صاحب النّبل، والنّبّال الّذي يعمله، ونبلته: أي رميته بالنّبل. وقال الجوهريّ: النّبل: النّبالة والفضل، وقد نبل- بالضّمّ- فهو نبيل، والجمع نبل- بالتّحريك- مثل كريم وكرم، يقال: نابلته فنبلته، إذا كنت أجود نبلا منه، وقد يكون ذلك في النّبل أيضا، وتنبّل تكلّف النّبل، وتنبّل (أيضا) أخذ الأنبل فالأنبل وتنبّل البعير: مات، قال ابن الأعرابيّ ويقال: تنبّل الإنسان أيضا (مات) ، والنّبيلة: الجيفة «1» والنّابل: الحاذق بالأمر، يقال فلان نابل وابن نابل، أي حاذق وابن حاذق، ويقال ما انتبل نبله إلّا بأخرة، أي ما انتبه له وما بالى به، وقال ابن منظور: النّبل، بالضّمّ: الذّكاء والنّجابة، وقد نبل نبلا ونبالة وتنبّل، وهو نبيل ونبل، والأنثى نبلة، والجمع نبال بالكسر، ونبل، بالتّحريك ونبلة. والنّبيلة: الفضيلة، وأمّا النّبالة فهي أعمّ، تجري مجرى النّبل، وتكون مصدرا للشّيء النّبيل أي الجسيم قال: والنّبل في معنى جماعة النّبيل، كما أنّ الأدم جماعة الأديم، والكرم قد يجيء جماعة الكريم، وفي بعض القول: رجل نبل وامرأة نبلة وقوم نبال، وفي المعنى الأوّل، قوم نبلاء. وقال ابن سيده: وكلّ حاذق نابل ويقال: نبل الرّجل بالطّعام ينبله: علّله به. وناوله الشّيء بعد الشّيء، ونبل به ينبله: رفق به، ولأنبلنّك بنبالتك، أي لأجزينّك جزاءك، والنّبل (بالفتح) حسن السّوق، والنّابل: المحسن للسّوق وقولهم: انبل بقومك أي ارفق بهم، والنّبل (بضمّتين) الرّفق، والنّبل:   (1) فى هذا إشارة إلى أنّ تنبّل بمعنى مات مأخوذ من النبيلة بمعنى الجيفة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3470 الحذق، والنّبالة والنّبل في الرّجال، ويقال: ثمرة نبيلة وقدح نبيل (أي ضخم) «1» . النبل اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات لفظ «النّبل» أو النّبالة ضمن الاصطلاحات، ومن ثمّ يكون النّبل باعتباره خلقا حميدا باقيا على أصل معناه في اللّغة، ويمكن أن نستخلص له تعريفا من جملة ما أوردته كتب اللّغة فنقول: النّبل: خلق حميد يتحلّى صاحبه بالذّكاء والنّجابة في ذاته، والفضل والرّفق في تعامله مع النّاس، مع حذق في الرّأي والعمل. [للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- الشرف- الشهامة- علو الهمة- قوة الإرادة- المروءة- النزاهة العفة- الورع- القوة والشدة- المسئولية- النشاط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الخنوثة- التخاذل- الدياثة- صغر الهمة- الضعف- التهاون] .   (1) لسان العرب (11/ 640) ، الصحاح (5/ 823) ، مقاييس اللغة (5/ 384) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3471 الأحاديث الواردة في (النبل) 1- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للقرشيّ مثلي قوّة الرّجل من غير قريش» . فقلت للزّهريّ: ما عنى بذلك؟ قال: نبل الرّأي) * «1» . الأحاديث الواردة في (النبل) معنى 2- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّي لأوّل النّاس تنشقّ الأرض عن جمجمتي يوم القيامة، ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيّد النّاس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة، ولا فخر ... الحديث) * «2» . 3- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لبني ساعدة: «من سيّدكم؟» . قالوا: جدّ بن قيس. قال: «بم سوّدتموه؟» . قالوا: إنّه أكثرنا مالا، وإنّا على ذلك لنزنّه «3» بالبخل؟. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأيّ داء أدوى من البخل؟» . قالوا: فمن سيّدنا؟. قال: «بشر بن البراء بن معرور «4» » ) * «5» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا أبي بكر وعمر: «هذان سيّدا كهول «6» أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلّا النّبيّين والمرسلين» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (النبل) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «ما رأيت أحدا كان أسود من معاوية بن أبي سفيان» . قلت: ولا عمر؟. قال: «كان عمر خيرا من معاوية، وكان معاوية أسود منه» ) * «8» .   (1) أحمد (4/ 81) واللفظ له وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 178) : رواه أحمد ورجال أحمد رجال الصحيح. (2) أحمد (3/ 144) واللفظ له، وابن ماجه في الزهد (37) ، والترمذي بنحوه رقم (3615) ، وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (8/ 528) كما قال الترمذي. (3) زنّه: ظنه به واتهمه. وفي الحديث: إنا لنزنّه بالبخل: أي نتهمه به. (4) البراء بن معرور: أول من استقبل الكعبة حياّ وميتّا، وكان يصلي إلى الكعبة والنبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي إلى بيت المقدس، فأطاع النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما حضره الموت قال لأهله: استقبلوا الكعبة. (5) المستدرك (4/ 163) عن أبي هريرة والإصابة (1/ 155) .، وقال الحاكم: صحيح ووافقه الذهبي، مكارم الأخلاق (564- 607) واللفظ له. (6) كهول: الكهل من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إلي الأربعين وقيل: إلى تمام الخمسين، ووخطه الشيب. (المعجم الوسيط) (7) الترمذي (3665- 3666) وحسّنه محقق جامع الأصول (8/ 629) واللفظ له. (8) المنتقى من مكارم الأخلاق (ص 115) والسواد هنا من السؤدد وهو النبل والشرف وليس سواد اللون. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3472 2- * (قيل لمعاوية: من أسود النّاس؟ قال: «أسخاهم نفسا حين يسأل، وأحسنهم في المجالس خلقا، وأحلمهم حين يستجهل» ) * «1» . 3- * (ذكر بعض خصال النّبلاء*: قال ابن الجوزيّ: خلقت لي همّة عالية تطلب الغايات. فقلّت السّنّ وما بلغت ما أمّلت، فأخذت أسأل تطويل العمر، وتقوية البدن، وبلوغ الآمال. فأنكرت عليّ العادات، وقالت: ما جرت عادة بما تطلب. فقلت: إنّما أطلب من قادر يخرق العادات. وقد قيل لرجل: لنا حويجة. فقال: اطلبوا لها رجيلا. وقيل لآخر: جئناك في حاجة لا ترزؤك، فقال: هلّا طلبتم لها سفاسف النّاس؟. فإذا كان أهل الأنفة من أرباب الدّنيا يقولون هذا، فلم لا نطمع في فضل كريم قادر؟ «2» . إلى أن يقول: فالله الله، وعليكم بملاحظة سير السّلف، ومطالعة تصانيفهم، وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم، كما قال: فاتني أن أرى الدّيار بطرفي ... فلعلّي أرى الدّيار بسمعي وإنّي أخبر عن حالي، ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابا لم أره، فكأنّي وقعت على كنز. ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النّظاميّة، فإذا به يحتوي على نحو ستّة آلاف مجلّد، وفي ثبت كتب أبي حنيفة، وكتب الحميديّ، وكتب شيخنا عبد الوهّاب وابن ناصر، وكتب أبي محمّد بن الخشّاب، وكانت أحمالا، وغير ذلك من كلّ كتاب أقدر عليه. ولو قلت: إنّي طالعت عشرين ألف مجلّد كان أكثر وأنا بعد في الطّلب. فاستفدت بالنّظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم، وعباداتهم، وغرائب علومهم، ما لا يعرفه من لم يطالع. فصرت أستزري ما النّاس فيه، وأحتقر همم الطلّاب ولله الحمد. وقال أيضا: ما يتناهى في طلب العلم إلّا عاشق العلم، والعاشق ينبغي أن يصبر على المكاره، ومن ضرورة المتشاغل به البعد عن الكسب، ومذ فقد التّفقّد لهم من الأمراء ومن الإخوان لازمهم الفقر ضرورة. والفضائل تنادي: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً. فكلّما خافت من ابتلاء قالت: لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتّى تلعق الصّبرا ولمّا آثر أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى- طلب العلم وكان فقيرا، بقي أربعين سنة يتشاغل به ولا يتزوّج، فينبغي للفقير أن يصابر فقره كما فعل أحمد. ومن يطيق ما أطاق!؟ فقد ردّ من المال خمسين ألفا،   (1) المنتقى من مكارم الأخلاق (116) . * ومن يتعشق أخبار النبلاء فعليه مراجعة كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي. وكتاب «تعريف ذوي العلا بمن لم يذكره الذهبي في النبلا» لمؤرّخ مكة الشهير تقي الدّين الفاسي. (2) صيد الخاطر (297) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3473 وكان يأكل الكامخ ويتأدّم بالملح. فما شاع له الذّكر الجميل جزافا، ولا تردّدت الأقدام إلى قبره إلّا لمعنى عجيب، فياله ثناء ملأ الآفاق!، وجمالا زيّن الوجود، وعزّا نسخ كلّ ذلّ. هذا في العاجل، وثواب الآجل لا يوصف. فالصّبر الصّبر أيّها الطّالب للفضائل، فإنّ لذّة الرّاحة بالهوى أو البطالة، تذهب، ويبقى الأسى، وقال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: يا نفس ما هو إلّا صبر أيّام ... كأنّ مدّتها أضغاث أحلام يا نفس جوزي عن الدّنيا مبادرة ... وخلّ عنها فإنّ العيش قدّامي ) * «1» . 4- * (قال المتنبّي: وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام ) * «2» . 5- * (قال عكرمة: السّيّد الّذي لا يغلبه غضبه) * «3» . 6- * (قال الضّحّاك: السّيّد الحسن الخلق) * «4» . 7- * (قال الضّحّاك: السّيّد: الحليم التّقيّ) * «5» . 8- * (قال كشاجم: لا أستلذّ العيش لم أدأب له ... طلبا وسعيا في الهواجر والغلس وأرى حراما أن يواتيني الغنى ... حتّى يحاول بالعناء ويلتمس فاصرف نوالك عن أخيك موفّرا ... فاللّيث ليس يسيغ إلّا ما افترس ) * «6» . 9- * (قال الشّاعر: تفضّل على من شئت واعن بأمره ... فأنت ولو كان الأمير أميره وكن ذا غنى عن من تشاء من الورى ... ولو كان سلطانا فأنت نظيره ومن كنت محتاجا إليه وواقفا ... على طمع منه فأنت أسيره ) * «7» . من فوائد (النبل) 1- يثمر قوّة العقل. 2- فيه تأسّ بسيّد النّبلاء وأشرف الخلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. 3- النّببل سيّد في قومه. 4- يثمر الكرم والجود. 5- يثمر الحلم والعفو والصّفح.   (1) صيد الخاطر (552- 553) . (2) أدب الدنيا والدين للماوردي (278) . (3) المنتقى من مكارم الأخلاق (115) . (4) المرجع السابق (115) . (5) المرجع السابق (115) . (6) أدب الدنيا والدين (288) . (7) صيد الخاطر (426) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3474 النزاهة الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 17/ 11 النزاهة لغة: هي الاسم من التّنزّه، وهذا الاسم مأخوذ من مادّة (ن ز هـ) الّتي تدلّ على بعد في مكان أو غيره، يقال منه: رجل نزيه أي بعيد عن المطامع الدّنيّة، ونزه النّفس، ونازه النّفس: ظلفها (أي بعيدها) عن المدانس، وقولهم: خرجنا نتنزّه، إذا تباعدوا عن الماء والرّيف، ومكان نزيه: خال ليس به أحد. وقال ابن الأثير: أصل النّزه: البعد، وتنزيه الله تعالى: تبعيده عمّا لا يجوز عليه من النّقائص. قال ابن منظور: والتّنزّه: التّباعد، والاسم النّزهة. ومكان نزه ونزيه، وقد نزه نزاهة ونزاهية. وخرجنا نتنزّه في الرّياض وأصله من البعد، وقد نزهت الأرض. وهو يتنزّه عن الشّيء إذا تباعد عنه. وفي حديث عمر رضي الله عنه: الجابية أرض نزهة أي بعيدة عن الوباء (والجابية قرية بدمشق) قال ابن سيده: وتنزّه الإنسان خرج إلى الأرض النّزهة. قال: والعامّة يضعون الشّيء في غير موضعه ويغلطون فيقولون خرجنا نتنزّه: إذا خرجوا إلى البساتين فيجعلون التّنزّه الخروج إلى البساتين والخضر والرّياض، وإنّما التّنزّه: التّباعد عن الأرياف والمياه حيث لا يكون ماء ولا ندى ولا جمع ناس. ومنه قيل: فلان يتنزّه عن الأقذار وينزّه نفسه عنها، أي يباعد نفسه عنها. ورجل نزه الخلق ونزهه. ونازه النّفس: عفيف متكرّم يحلّ وحده ولا يخالط البيوت بنفسه ولا ماله. والاسم النّزه والنّزاهة. ونزّه نفسه عن القبيح: نحّاها. والنّزاهة: البعد عن السّوء. وإنّ فلانا لنزيه كريم إذا كان بعيدا من اللّؤم، وهو نزيه الخلق. قال الأزهريّ: التّنزّه: رفعه نفسه عن الشّيء تكرّما ورغبة عنه. والتّنزيه: تسبيح الله- عزّ وجلّ- وإبعاده عمّا يقول المشركون وتقديسه عن الأنداد والأشباه. وفي الحديث: كان يصلّي من اللّيل فلا يمرّ بآية فيها تنزيه الله إلّا نزّهه. ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: الإيمان نزه أي بعيد عن المعاصي. ومنه الحديث في تفسير سبحان الله: هو تنزيهه أي إبعاده عن السّوء وتقديسه. وفي حديث المعذّب في قبره: كان لا يستنزه من البول أي لا يستبرأ ولا يتطهّر ولا يستبعد منه، وقوم أنزاه أي يتنزّهون عن الحرام، الواحد نزيه مثل مليء وأملاء، ورجل نزيه ونزه أي ورع، ويقال أيضا: فلان نزيه أي بعيد (عن الماء) ، وتنزّهوا بحرمكم عن القوم أي تباعدوا، وهذا مكان نزيه: خلاء بعيد عن النّاس ليس فيه أحد، فأنزلوا فيه حرمكم، ونزه الفلا: ما تباعد منها عن المياه والأرياف «1» .   (1) لسان العرب لابن منظور (13/ 548- 549) . وانظر النهاية في غريب الحديث (5/ 43) . ومختار الصحاح: (655) ، ومقاييس اللغة (5/ 418) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3475 واصطلاحا: قال الجرجانيّ: النّزاهة: هي عبارة عن اكتساب مال من غير مهانة ولا ظلم للغير «1» وأضاف المناويّ إلى عدم المهانة والظّلم قيدا آخر في تعريف النّزاهة: هو «الإنفاق في المصارف الحميدة، فقال: النّزاهة: هي اكتساب المال من غير مهانة ولا ظلم، وإنفاقه في المصارف الحميدة «2» . وقال الماورديّ: النّزاهة تكون عن المطامع الدّنيّة ومواقف الرّيبة «3» . أنواع النزاهة: قال الماورديّ: النّزاهة نوعان: أحدهما: النّزاهة عن المطامع الدّنيّة. والثّاني: النّزاهة عن مواقف الرّيبة، فأمّا المطامع الدّنيّة، فلأنّ الطمع ذلّ، والدّناءة لؤم، وهما أدفع شيء للمروءة وقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول في دعائه: اللهمّ إنّي أعوذ بك من طمع يهدي إلى طبع، أي إلى شين وعيب. وقال بعض الشّعراء: لا تخضعنّ لمخلوق على طمع ... فإنّ ذلك نقص منك في الدّين واسترزق الله ممّا في خزائنه ... فإنّما هو بين الكاف والنّون والباعث على ذلك شيئان: الشّره، وقلّة الأنفة، فلا يقنع بما أوتي وإن كان كثيرا، لأجل شرهه، ولا يستنكف ممّا منع وإن كان حقيرا، لقلّة أنفته. وهذه حال من لا يرضى لنفسه قدرا، ويرى المال أعظم خطرا، فيرى بذل أهون الأمرين لأجلّهما مغنما، وليس لمن كان المال عنده أجلّ، ونفسه عليه أقلّ، إصغاء لتأنيب، ولا قبول لتأديب. وحسم هذه المطامع شيئان: اليأس، والقناعة. وقد روى عبد الله بن مسعود، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ روح القدس نفث في روعي «4» : أنّ نفسا لن تموت حتّى تستوفي رزقها؛ فاتّقوا الله وأجملوا في الطّلب، ولا يحملنّكم إبطاء الرّزق على أن تطلبوه بمعاصي الله تعالى، فإنّ الله- عزّ وجلّ- لا يدرك ما عنده إلّا بطاعته» فهذا شرط. وأمّا مواقف الرّيبة فهي التّردّد بين منزلتي حمد وذمّ، والوقوف بين حالتي سلامة وسقم، فتتوجّه إليه لائمة المتوهّمين، ويناله ذلّة المريبين، وكفى بصاحبها موقفا، إن صحّ افتضح، وإن لم يصحّ امتهن. وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» . والدّاعي إلى هذه الحال شيئان: الاسترسال، وحسن الظّنّ. والمانع منهما شيئان: الحياء والحذر. وربّما انتفت الرّيبة بحسن الثّقة، وارتفعت التّهمة بطول الخبرة «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الشهامة- العفة- المروءة- الورع- الرجولة- الشرف- علو الهمة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاحتكار- أكل الحرام- التطفيف- الغلول- التناجش- صغر الهمة- الدياثة- الخنوثة] .   (1) التعريفات (260) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (323) . (3) أدب الدنيا والدين (314) . (4) الروع: القلب والفؤاد (انظر: المعجم الوسيط «روع» ) . (5) أدب الدنيا والدين (314، 315) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3476 الأحاديث الواردة في (النزاهة) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قبرين. فقال: «أما إنّهما ليعذّبان، وما يعذّبان في كبير، أمّا أحدهما فكان يمشي بالنّميمة، وأمّا الآخر فكان لا يستتر من بوله» . قال: فدعا بعسيب «1» رطب فشقّه باثنين، ثمّ غرس على هذا واحدا، وعلى هذا واحدا، ثمّ قال: «لعلّه أن يخفّف عنهما، ما لم ييبسا» . وعن سليمان الأعمش، بهذا الإسناد. غير أنّه قال: «وكان الآخر لا يستنزه عن البول (أو من البول) » ) * «2» . الأحاديث الواردة في (النزاهة) معنى 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا «3» له. فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة «4» فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي. إنّما اشتريت منك الأرض. ولم أبتع منك الذّهب. فقال الّذي شرى الأرض «5» : إنّما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحاكما إلى رجل. فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية. وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدّقا» ) * «6» . 3- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل: أيّ الكلام أفضل؟. قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده» ) * «7» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله- تبارك وتعالى- ملائكة سيّارة «8» فضلا «9» يتّبّعون «10» مجالس الذّكر. فإذا   (1) بعسيب: العسيب هو الجريد والغصن من النخل. (2) البخاري- الفتح 1 (216) . ومسلم (292) واللفظ له. (3) عقارا: العقار هو الأرض وما يتصل بها. وحقيقة العقار الأصل. سمي بذلك من العقر، بضم العين وفتحها، وهو الأصل. ومنه: عقر الدار، بالضم والفتح. (4) الجرة: إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع. (5) شرى الأرض: وفي بعض النسخ اشترى. قال العلماء: الأول أصح. وشرى بمعنى باع، كما في قوله تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ولهذا قال: فقال الذي شرى الأرض إنما بعتك. (6) البخاري- الفتح 6 (3472) . ومسلم (1721) واللفظ له. (7) مسلم (2731) . (8) سيارة: معناه: سياحون في الأرض. (9) فضلا: ضبطوه على أوجه. أرجحها وأشهرها فضلا. والثانية فضلا ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب. والثالثة: فضلا. والرابعة: فضل على أنه خبر مبتدأ محذوف. والخامسة فضلاء، جمع فاضل. قال العلماء: معناه على جميع الروايات، أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق. فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر (10) يتّبّعون: أي يتتبعون، من التّتبّع، وهو البحث عن الشيء والتفتيش. والوجه الثاني: يبتغون، من الابتغاء، وهو الطلب. وكلاهما صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3477 وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم. وحفّ «1» بعضهم بعضا بأجنحتهم. حتّى يملأوا ما بينهم وبين السّماء الدّنيا. فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السّماء. قال: فيسألهم الله- عزّ وجلّ- وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟. فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبّحونك ويكبّرونك ويهلّلونك ويحمدونك ويسألونك. قال: وما يسألوني؟. قالوا: يسألونك جنّتك. قال: وهل رأوا جنّتي؟. قالوا: لا. أي ربّ، قال: فكيف لو رأوا جنّتي؟. قالوا: ويستجيرونك «2» . قال: وممّ يستجيرونني؟. قالوا: من نارك. يا ربّ، قال: وهل رأوا ناري؟. قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟. قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم. فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم ممّا استجاروا. قال: فيقولون: ربّ، فيهم فلان. عبد خطّاء «3» . إنّما مرّ فجلس معهم. قال: فيقول: وله غفرت. هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» ) * «4» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن جويرية- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصّبح، وهي في مسجدها «5» ، ثمّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة. فقال: «ما زلت على الحال الّتي فارقتك عليها؟» . قالت: نعم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرّات. لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد «6» كلماته» ) * «7» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: ائتني بالشّهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا. قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمّى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الّذي أجّله فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثمّ زجّج موضعها «8» ، ثمّ أتى بها إلى البحر فقال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت تسلّفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك. وسألني شهيدا، فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بذلك. وإنّي جهدت   (1) وحف: وفي بعض النسخ: حض، أي حث على الحضور والاستماع. وروي: وحط ومعناه أشار إلى بعض بالنزول. ويؤيد هذه الرواية قوله بعده، في البخاري: هلمّوا إلى حاجتكم. ويؤيد الرواية الأولى، وهي حف، قوله في البخاري: يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم. (2) ويستجيرونك من نارك: أي يطلبون الأمان منها. (3) خطّاء: أي كثير الخطايا. (4) البخاري- الفتح 11 (6408) . ومسلم (2689) واللفظ له (5) في مسجدها: أي موضع صلاتها. (6) مداد (بكسر الميم) : قيل معناه مثلها في العدد، وقيل: مثلها في أنها لا تنفد. وقيل في الثواب. والمداد، هنا، مصدر بمعنى المدد وهو ما كثرت به الشيء قال العلماء: واستعماله، هنا، مجاز. لأن كلمات الله تعالى لا تحصر بعد ولا غيره، والمراد المبالغة به في الكثرة. (7) مسلم (2726) . (8) زجج موضعها: أي سوى موضع النقر وأصلحه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3478 أن أجد مركبا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي أستودعكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلمّا نشرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركبة لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الّذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟. قال: أخبرك أنّي لم أجد مركبا قبل الّذي جئت فيه. قال: فإنّ الله قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدّينار راشدا» ) * «1» . 7- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: إعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق، فساقها، دفإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «2» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدّقون. قال: «ألا أحدّثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم،   (1) البخاري- الفتح 4 (2291) . (2) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3479 ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلّا من عمل مثله: تسبّحون وتحمّدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين» ، فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا: نسبّح ثلاثا وثلاثين، ونحمّد ثلاثا وثلاثين، ونكبّر أربعا وثلاثين. فرجعت إليه، فقال: «تقول سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «1» . 9- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس. فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه. ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «2» . 10- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني. ثمّ قال: «إنّ هذا المال خضرة حلوة «3» ، فمن أخذه بطيب نفس «4» بورك له فيه. ومن أخذه بإشراف نفس «5» لم يبارك له فيه. وكان كالّذي يأكل ولا يشبع «6» . واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «7» . 11- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن معه بالمدينة الظّهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى استوت به على البيداء، حمد «8» الله وسبّح وكبّر، ثمّ أهلّ بحجّ وعمرة، وأهلّ النّاس بهما، فلمّا قدمنا أمر النّاس فحلّوا، حتّى كان يوم التّروية أهلّوا بالحجّ. قال: ونحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدنات بيده قياما، وذبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة كبشين أملحين) * «9» . 12- * (عن أبي الحوراء السّعديّ؛ قال: قلت للحسن بن عليّ: ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما   (1) البخاري- الفتح 2 (843) وهذا لفظ البخاري. ومسلم (595) . (2) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له. ومسلم (1599) . (3) خضرة حلوة: شبهه في الرغبة فيه، والميل إليه، وحرص النفوس عليه، بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة، فإنّ الأخضر مرغوب فيه على انفراده، والحلو كذلك على انفراده. فاجتماعهما أشد، وفيه إشارة إلى عدم بقائه. لأن الخضراوات لا تبقى ولا تراد للبقاء. (4) بطيب نفس: فيه احتمالان: أظهرهما أنه عائد على الآخذ. ومعناه من أخذه بغير سؤال ولا إشراف ولا تطلع بورك له فيه. والثاني أنه عائد إلى الدافع. ومعناه أنه من أخذ ممن يدفع منشرحا بدفعه إليه طيب النفس، لا بسؤال اضطره إليه أو نحوه، مما لا تطيب معه نفس الدافع. (5) بإشراف نفس: قال العلماء: إشراف النفس تطلعها إليه وتعرضها له وطمعها فيه. (6) كالذي يأكل ولا يشبع: قيل: هو الذي به داء لا يشبع بسببه. وقيل: يحتمل أن المراد التشبيه بالبهيمة الراعية. (7) البخاري- الفتح 3 (1472) . ومسلم (1035) واللفظ له. (8) المراد: فحمد الله. (9) البخاري- الفتح 3 (1551) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3480 لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة» ) * «1» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده» ) * «2» . 14- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف أنت إذا بقيت في حثالة من النّاس؟» . قال: قلت: يا رسول الله، كيف ذلك؟. قال: «إذا مرجت عهودهم وأماناتهم وكانوا هكذا» ، وشبّك يونس بين أصابعه، يصف ذاك، قال: قلت: ما أصنع عند ذاك يا رسول الله؟. قال: «اتّق الله- عزّ وجلّ- وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصّتك، وإيّاك وعوامّهم» ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (النزاهة) 15- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة قال فافتتح (البقرة) فقرأ حتّى بلغ رأس المائة. فقلت: يركع ثمّ مضى حتّى بلغ المائتين. فقلت: يركع ثمّ مضى حتّى ختمها قال: فقلت: يركع. ثمّ افتتح سورة آل عمران حتّى ختمها، قال: فقلت: يركع. ثمّ افتتح سورة النّساء فقرأها، قال: ثمّ ركع، قال: فقال في ركوعه: «سبحان ربّي العظيم» . قال: وكان ركوعه بمنزلة قيامه، ثمّ سجد فكان سجوده مثل ركوعه، وقال في سجوده: «سبحان ربّي الأعلى» . قال: وكان إذا مرّ بآية رحمة سأل، وإذا مرّ بآية فيها عذاب تعوّذ، وإذا مرّ بآية فيها تنزيه لله عزّ وجلّ- سبّح) * «4» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:» «إنّي لأنقلب إلى أهلي، فأجد التّمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) «5» . 17- * (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: كنت أرتمي بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ كسفت الشّمس. فنبذتها، فقلت: والله! لأنظرنّ إلى ما حدث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كسوف الشّمس، قال: فأتيته وهو قائم في الصّلاة. رافع يديه، فجعل يسبّح ويحمّد ويهلّل ويكبّر ويدعو، حتّى حسر عنها. قال: فلمّا حسر عنها، قرأ سورتين وصلّى ركعتين) * «6» .   (1) الترمذي (2518) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (8/ 327 و328) . وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 444) : إسناده صحيح واللفظ فى الترمذى والجامع. (2) البخاري- الفتح 11 (6406) واللفظ له. ومسلم (2694) . (3) أحمد (2/ 162) وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 9) : إسناده صحيح. (4) أصله وسياقه عند مسلم (772) بنفس السند، وهذا لفظ أحمد (5/ 384) . وابن ماجة (1351) . (5) البخاري- الفتح 5 (2432) واللفظ له. ومسلم (1070) . (6) مسلم (913) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3481 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (النزاهة) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- «قالت: «كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: وما هو؟ قال: (كنت) تكهّنت لإنسان في الجاهليّة، وما أحسن الكهانة، إلّا أنّي خدعته فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الّذي أكلت منه، قالت: فأدخل أبو بكر يده فقاء كلّ شيء في بطنه» ) * «1» . 2- * (عن عاصم بن عمر بن الخطّاب قال: بعث إليّ عمر عند الفجر أو عند صلاة الصّبح، فأتيته فوجدته جالسا في المسجد، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّي لم أكن أرى شيئا من هذا المال يحلّ لي قبل أن أليه إلّا بحقّه، ثمّ ما كان أحرم عليّ منه يوم وليته، فعاد بأمانتي، وإنّي كنت أنفقت عليك من مال الله شهرا، فلست بزايدك عليه وإنّي كنت أعطيتك ثمرتي بالعالية العام، فبعه فخذ ثمنه، ثمّ ائت رجالا من تجّار قومك فكن إلى جنبه، فإذا ابتاع شيئا فاستشركه، وأنفقه عليك وعلى أهلك» ، قال: «فذهبت ففعلت» ) * «2» . 3- * (عن الحسن قال: «بينما عمر بن الخطّاب يمشي ذات يوم في نفر من أصحابه، إذا صبيّة في السّوق يطرحها الرّيح لوجهها من ضعفها، فقال عمر: يا بؤس هذا، من يعرف هذه؟ قال له عبد الله: أو ما تعرفها؟ هذه إحدى بناتك، قال: وأيّ بناتي؟ قال: بنت عبد الله بن عمر، قال: فما بلغ بها ما أرى من الضّيعة؟ قال: إمساكك ما عندك، قال: إمساكي ما عندي عنها يمنعك أن تطلب لبناتك ما تطلب الأقوام، أما والله ما لك عندي إلّا سهمك مع المسلمين، وسعك أو عجز عنك، بيني وبينكم كتاب الله» ) * «3» . 4- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: «إنّه لا أجده يحلّ لي، أن آكل من مالكم هذا، إلّا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزّيت، والخبز والسّمن، قال: فكان ربّما يؤتى بالجفنة قد صنعت بالزّيت، وممّا يليه منها سمن، فيعتذر إلى القوم ويقول: إنّي رجل عربيّ، ولست أستمري الزّيت» ) * «4» . 5- * (وعن زيد بن أسلم أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- شرب لبنا فأعجبه، فقال للّذي سقاه: من أين لك هذا اللّبن؟ فأخبره أنّه ورد على ماء قد سمّاه، فإذا نعم من نعم الصّدقة وهم يسقون فحلبوه لي من ألبانها، فجعلته في سقائي وهو هذا، فأدخل عمر يده فاستقاءه» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 7 (3842) . (2) الورع لابن أبي الدنيا (112) . (3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) مختصر شعب الايمان (53) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3482 6- * (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «سبحان الله» . قال: «تنزيه الله نفسه عن السّوء» ) * «1» . 7- * (عن عبد الرّحمن بن يزيد، قال: أكثروا على عبد الله (ابن مسعود) ذات يوم، فقال عبد الله: «إنّه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك، ثمّ إنّ الله- عزّ وجلّ- قدّر علينا: أن بلغنا ما ترون، فمن عرض له منكم قضاء بعد اليوم، فليقض بما في كتاب الله، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله، فليقض بما قضى به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، ولا قضى به نبيّه، فليقض بما قضى به الصّالحون، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، ولا قضى به الصّالحون، فليجتهد رأيه، ولا يقل: إنّي أخاف، فإنّ الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبين ذلك أمور متشابهات، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ) * «2» . 8- * (قال محمّد بن المنكدر- رحمه الله تعالى:- «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الّذين كانوا ينزّهون أنفسهم وأسماعهم عن مجالس اللهو ومزامير الشّيطان، أسكنوهم بياض المسك، ثمّ يقول للملائكة: أسمعوهم تمجيدي وتحميدي» ) * «3» . 9- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-: «الكمال عزيز، والكامل قليل الوجود، وأوّل أسباب الكمال تناسب أعضاء البدن وحسن صورة الباطن، فصورة البدن تسمّى خلقا، وصورة الباطن تسمّى خلقا، ودليل كمال صورة البدن حسن السّمت واستعمال الأدب، ودليل كمال صورة الباطن حسن الطّبائع والأخلاق، فالطّبائع العفّة والنّزاهة والأنفة من الجهل، ومباعدة الشّره، والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب وابتداء المعروف والحلم عن الجاهل. فمن رزق هذه الأشياء رقّته إلى الكمال، وظهر عنه أشرف الخلال، وإن نقصت خلّة أوجبت النّقص» ) * «4» . 10- * (قال أبو يزيد الفيض: «سألت موسى ابن أعين عن قول الله- عزّ وجلّ- إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (المائدة/ 27) ، قال: «تنزّهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسمّاهم متّقين» ) * «5» . 11- * (قال ابن أبي الدّنيا: أنشدني الحسين ابن عبد الرّحمن: نزهة المؤمن الفكر ... لذّة المؤمن العبر نحمد الله وحده ... نحن كلّ على خطر ربّ لاه وعمره ... قد تقضّى وما شعر ربّ عيش قد كان فو ... ق المنى مونق الزّهر   (1) تفسير ابن كثير (1/ 77) . (2) أخرجه النسائي (8/ 230) وهذا لفظه وقال: هذا الحديث جيد وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 179) : إسناده حسن. وجاء نحوه عند الترمذي من حديث الحسن بن علي (2520) . (3) الورع لابن أبي الدنيا (71) . (4) صيد الخاطر (289) . (5) كتاب الورع لابن أبي الدنيا (59) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3483 في خرير من العيو ... ن وظلّ من الشّجر وسرور من النّبا ... ت وطيب من الثّمر غيّرته وأهله ... سرعة الدّهر بالغير نحمد الله وحده ... إنّ في ذا لمعتبر إنّ في ذا لعبرة ... للبيب إن اعتبر ) * «1» من فوائد (النزاهة) (1) تنزيه الله- عزّ وجلّ- عمّا لا يليق به من الأسماء والصّفات والأفعال وهو التّسبيح. (2) المؤمن التّقيّ يتنزّه عن أشياء من الحلال مخافة أن يقع في الحرام، لتبقى العلاقة بينه وبين الله- عزّ وجلّ- ناصعة لا تشوبها شائبة. (3) من نزّه نفسه عمّا في أيدي النّاس وصانها عن مواقف الرّيبة والتّهم أحبّه النّاس وكان موضع ثقتهم. (4) إنّ الّذين ينزّهون أنفسهم وأسماعهم في الحياة الدّنيا عن مجالس اللهو ومزامير الشّيطان يسكنهم الله في الآخرة بياض المسك، ثمّ يقول للملائكة: أسمعوهم تمجيدي وتحميدي. (5) النّزيه يحبّه الله ويحبّه النّاس. (6) النّزاهة تثمر الورع وتنمّي التّقوى.   (1) تفسير ابن كثير (1/ 440) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3484 النشاط الآيات/ الأحاديث/ الآثر/ 7/- النشاط لغة: مصدر قولهم «نشط ينشط» وهو مأخوذ من مادّة (ن ش ط) الّتي تدلّ على اهتزاز وحركة وسمّيت الحالة الّتي ينشط فيها الإنسان ويخفّ للعمل ويسرع إليه نشاطا لما يصاحبها من الحركة والاهتزاز والتّفتّح، وسمّي الثّور ناشطا لأنّه ينشط من بلد إلى بلد، ويقال: أنشط القوم إذا كانت دوابّهم نشيطة، ونشطت النّاقة في سيرها إذا شدّت، والأنشوطة: العقدة مثل عقدة السّراويل، يقال: أنشطته بأنشوطة، وأنشطت العقال: مددت أنشوطته فانحلّت وقال قوم: الإنشاط: الحلّ، والتّنشيط: العقد، والنّاشطات في قوله تعالى: (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) ، قيل أراد بها النّجوم الخارجات من الشّرق إلى الغرب بسير الفلك أو السّائرات من المغرب إلى المشرق بسير أنفسها من قولهم ثور ناشط أي خارج من أرض إلى أرض، وقيل الملائكة الّتي تنشط أرواح النّاس أي تنزعها، وقيل الملائكة الّتي تعقد الأمور من قولهم نشطت العقدة، وتخصيص النّشط وهو العقد الّذي يسهل حلّه تنبيها على سهولة الأمر عليهم، والنّشيطة ما ينشط الرّئيس لأخذه (أي يخفّ له ويسرع إليه) قبل القسمة، وفي القاموس: يقال نشط كسمع فهو ناشط ونشيط أي طابت نفسه للعمل وغيره ونشط الحبل كنصر عقده، ونشط من المكان كضرب: خرج، ونشط الدّلو ينشطها (بالكسر) نزعها بلا بكرة. وقال الجوهريّ: يقال نشط الرّجل نشاطا فهو نشيط، وتنشّط لأمر كذا والنّاشط الثّور الوحشيّ يخرج من أرض إلى أرض وقوله سبحانه: وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً يعنى النّجوم تنشط من برج إلى برج كالثّور النّاشط من بلد إلى بلد، والهموم تنشط بصاحبها (أي تخفّ به وتخرجه من بلد إلى بلد) قال هميان بن قحافة: أمست همومى تنشط المناشطا ... الشّام بي طورا وطورا واسطا وقال ابن منظور: النّشاط ضدّ الكسل، يكون ذلك فى الإنسان والدّابّة يقال: نشط نشاطا، ونشط إليه، فهو نشيط، ونشّطه هو وأنشطه وقولهم «نشيط» أي طيّب النّفس للعمل، والنّعت: ناشط، وفي حديث عبادة: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنشط والمكره» المنشط هنا مفعل من النّشاط وهو الأمر الّذى تنشط له وتخفّ إليه وتؤثر فعله وهو مصدر بمعنى النّشاط، ويقال رجل نشيط ومنشط أي نشط دوابّه وأهله، ورجل متنشّط إذا كانت له دابّة يركبها، فإذا سئم الرّكوب نزل عنها وقيل منتشط (من الانتشاط وهو النّزول عن الدّابة من طول الرّكوب) ولا يقال ذلك للرّاجل، وأنشط القوم إذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3485 كانت دوابّهم نشيطة، وأنشطه الكلأ أسمنه «1» . النشاط اصطلاحا: قال ابن الأثير: المنشط: مفعل من النّشاط وهو الأمر الّذى تنشط له وتخفّ إليه وتؤثر فعله، وهو مصدر بمعنى النّشاط، ومن ثمّ يكون النّشاط هو أن يخفّ الإنسان إلى الأمر ويؤثر فعله. وقال الإمام ابن حجر في شرح قوله صلّى الله عليه وسلّم «بايعنا على السّمع والطّاعة في منشطنا ومكرهنا، أي في حالة نشاطنا، وفي الحالة الّتي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به، والظّاهر أنّه أراد في وقت الكسل والمشقّة في الخروج ليطابق قوله «منشطنا» قال ابن حجر- رحمه الله-: ويؤيّده ما وقع في رواية إسماعيل بن عبيد «في النّشاط والكسل» ، ونستنبط من ذلك أنّ النّشاط يقابله الكسل، وإذا كانت كتب المصطلحات لم تعرّف النّشاط فإنّها عرّفت الكسل، فقال ابن المناويّ: الكسل هو التّغافل عمّا لا ينبغي التّغافل عنه، وقال الرّاغب: الكسل هو التّثاقل عمّا لا ينبغي التّثاقل عنه. ونستطيع على ضوء ذلك أن نعرّف النّشاط اصطلاحا فنقول: النّشاط هو عدم التّغافل عمّا لا ينبغي التّغافل عنه أو هو عدم التّثاقل عمّا لا ينبغي التّثاقل عنه. أهمية النشاط واطّراح الكسل: قال الرّاغب في الذّريعة: من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانيّة، بل من الحيوانيّة، وصار من جنس الموتى، وحقّ الإنسان أن يتأمّل قوّته ويسعى بحسب ذلك إلى ما يفيده السّعادة، ويتحقّق أنّ اضطرابه (أي نشاطه) سبب وصوله من الذّلّ إلى العزّ، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الضّعة إلى الرّفعة، ومن الخمول إلى النّباهة، وعليه أن يعلم أنّ من تعوّد الكسل ومال إلى الرّاحة فقد الرّاحة (فحبّ الهوينى يكسب النّصب) ، وقد قيل: إذا أردت ألّا تتعب، فاتعب لئلّا تتعب، وقد قيل (أيضا) إيّاك والكسل والضّجر فإنّك إن كسلت لم تؤدّ حقّا، وإن ضجرت لم تصبر على الحقّ، وإذا تأمّلت قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «سافروا تغنموا» ونظرت إليه نظرا عاليا علمت أنّه حثّك على التّحرّك (أي النّشاط) الّذي يثمر لك جنّة المأوى، ومصاحبة الملإ الأعلى بل مجاورة الله تعالى «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- القوة- قوة الإرادة- العمل- علو الهمة- العزم والعزيمة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التهاون- الضعف- الكسل- الوهن- التفريط والإفراط] .   (1) مقاييس اللغة (5/ 426) ، والمفردات للراغب (493) ، والصحاح (3/ 1193) ، اللسان (7/ 4428) ، القاموس المحيط (890) ط. بيروت. (2) كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص 383 وما بعدها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3486 الأحاديث الواردة في (النشاط) 1- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا «1» ، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحقّ أينما كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم) * «2» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا حبل ممدود بين السّاريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل زينب، فإذا فترت تعلّقت، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد» ) * «3» . 3- * (عن زيد بن أرقم قال: سحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أيّاما، فأتاه جبريل- عليه السّلام- فقال: إنّ رجلا من اليهود سحرك، عقد لك عقدا في بئر كذا وكذا. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستخرجوها، فجأ بها، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّما نشط من عقال «4» ، فما ذكر ذلك لذلك اليهوديّ، ولا رآه في وجهه قطّ) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يعقد الشّيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كلّ عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلّت عقدة، فإن توضّأ انحلّت عقدة، فإن صلّى انحلّت عقدة، فأصبح نشيطا طيّب النّفس، وإلّا أصبح خبيث النّفس كسلان» ) * «6» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (النشاط) 5- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى بياض بطنه- وهو يقول: «لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزل السّكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا » ) * «7» . 6- * (قالت عائشة- رضي الله- عنها للأسود بن يزيد سألها عن قيام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كان ينام أوّل اللّيل ويحيي آخره، ثمّ إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثمّ ينام، فإذا كان عند النّداء وثب (ولا والله ما قالت: قام) فأفاض عليه الماء (ولا والله ما قالت: اغتسل) وإن لم يكن جنبا توضّأ وضوء الرّجل   (1) الأثرة: بفتحتين- الاسم من آثر إذا أعطى، أراد أنه يتأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه. (2) البخاري- الفتح 13 (7199) ، مسلم (1709) ص (1470) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 3 (1150) . (4) العقال- بكسر العين- الرباط الذي يعقل به والجمع عقل. (5) النسائي (7/ 113) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (5/ 68) ، إسناده صحيح. ورواه البخاري من حديث عائشة- رضي الله عنها-، (5763) ، وكذا مسلم (2189) . (6) البخاري- الفتح 3 (1142) واللفظ له، مسلم (776) . (7) البخاري. الفتح 6 (2837) واللفظ له، ومسلم (1802) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3487 للصّلاة، ثمّ صلّى ركعتين) * «1» . 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة نزل في علو المدينة «2» ، في حيّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف، قال: فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثمّ أرسل إلى ملأ بني النّجّار، قال: فجاء وا متقلّدي سيوفهم، قال وكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النّجّار «3» حوله حتّى ألقى بفناء أبي أيّوب، قال: فكان يصلّي حيث أدركته الصّلاة ويصلّي في مرابض الغنم، قال: ثمّ إنّه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ بني النّجّار، فجاءوا، فقال: يا بني النّجّار ثامنوني بحائطكم هذا «4» ، فقالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله، قال: فكان فيه ما أقول لكم: كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسوّيت، وبالنّخل فقطع، قال: فصفّوا النّخل قبلة المسجد، قال: وجعلوا عضادتيه «5» حجارة، قال: جعلوا ينقلون ذاك الصّخر. وهم يرتجزون- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم يقول: اللهمّ إنّه لا خير إلّا خير الآخره ... فانصر الأنصار والمهاجره ) * «6» . من فوائد (النشاط) 1- دليل اليقين والإيمان. 2- علامة من علامات إزهاق الشّيطان بذكر الله. 3- كثرة تحصيل الثّواب. 4- الاجتهاد في الطّاعات، وبلوغ أعلى المقامات. 5- يرفع قدر الضّعيف. 6- النّشاط في العبادة دليل رضا الله وعلامة القرب منه. 7- النّشاط في عمل الخير يكسب المرء حبّ الله ورضا الناس ويرفع ذكره في العالمين. 8- به تعمر الدّنيا، وتفتح البلدان لنشر دين الله. 9- به يزاد عن الأوطان، وتحمى الأعراض وتنشر الفضيلة، وتدحر الرّذيلة.   (1) البخاري. الفتح 3 (1146) ، ومسلم (739) واللفظ له. (2) علو المدينة: كل ما في جهة نجد يسمى العالية، وقباء من عوالي المدينة. وما في جهة تهامة يسمى السافلة. (3) ملأ بني النجار: أي جماعتهم. (4) ثامنوني بحائطكم هذا: أي قرروا معي ثمن بستانكم هذا، أو ساوموني بثمنه. (5) عضادتيه: تثنية عضادة- بكسر العين- وهي الخشبة التي على كتف الباب، ولكل باب عضادتان. (6) البخاري- الفتح 7 (3932) واللفظ له، ومسلم (1804) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3488 النصيحة والتواصي الآيات/ الأحاديث/ الآثار 21/ 36/ 26 النصيحة لغة: هي الاسم من النّصح، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ن ص ح) الّتي تدلّ على ملاءمة بين شيئين وإصلاح لهما، وأصل ذلك النّاصح وهو الخيّاط، والنّصاح: هو الخيط يخاط به، ومن المادّة النّصح، والنّصيحة: خلاف الغشّ، يقال: نصحته أنصحه، وهو ناصح الجيب مثل يضرب لمن وصف بخلوص العمل، والتّوبة النّصوح منه «1» ، كأنّها صحيحة ليس فيها خرق ولا ثلمة. وناصح العسل خالصه، كأنّه الخالص الّذي لا يتخلّله ما يشوبه، وقال الرّاغب: النّصح مأخوذ من قولهم: نصحت له الودّ، أي أخلصته أو من قولهم: نصحت الجلد: خطته. واستخدام الفعل باللّام أفصح، قال تعالى: وَأَنْصَحُ لَكُمْ (الأعراف/ 62) ، والنّصيح: النّاصح، وجمعه نصحاء، ورجل ناصح الجيب أي: نقيّ القلب، قال الأصمعيّ: النّاصح: الخالص من العسل وغيره، وكلّ شيء خلص فقد نصح، وانتصح فلان أي قبل النّصيحة، يقال: انتصحني إنّني لك ناصح، وتنصّح أي تشبّه بالنّصحاء، واستنصحه: عدّه نصيحا، والتّوبة النّصوح هي الصّادقة، والنّصح بالفتح مصدر قولهم نصحت الثّوب: خطته. وقال ابن منظور: نصح الشّيء: خلص والنّاصح الخالص من العمل وغيره. والنّصح: الإخلاص والصّدق في المشورة والعمل. وقال ابن الأثير: النّصيحة كلمة يعبّر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له «2» . واصطلاحا: كلمة جامعة تتضمّن قيام النّاصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلا، وتشمل النّصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمّة المسلمين وعامّتهم «3» . وقال الجرجانيّ: هي الدّعاء إلى ما فيه الصّلاح والنّهي عمّا فيه الفساد «4» . وقال الكفويّ: النّصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظّ للمنصوح له «5» . وقال الرّاغب: النّصح: تحرّي فعل أو قول فيه صلاح صاحبه «6» .   (1) هكذا قال ابن فارس (المقاييس 5/ 435) ، وقال الراغب: إن التّوبة النصوح قد تكون من هذا (أى الإخلاص) وإمّا من معنى الإحكام من قولهم نصحت الجلد أى خطته. (2) لسان العرب (7/ 4438) . وانظر الصحاح (1/ 410، 411) . والمصباح المنير (2/ 276) ، مقاييس اللغة (5/ 435) ، المفردات للراغب (494) . (3) جامع العلوم والحكم (76) . (4) التعريفات (360) ، وإلى مثل هذا ذهب المناوي في التوقيف (325) . (5) الكليات (908) . (6) المفردات (494) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3489 وقال في الذّريعة: النّصح إخلاص المحبّة للغير بإظهار ما فيه صلاحه «1» . أول النصح: أوّل النّصح أن ينصح الإنسان نفسه، فمن غشّها فقلّما ينصح غيره، وحقّ من استنصح أن يبذل غاية النّصح وإن كان ذلك في شيء يضرّه، ويتحرّى فيه قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (النساء/ 135) ، وقال تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى (الأنعام/ 152) ، وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: لا يزال الرّجل يزداد فى صحّة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غشّه سلبه الله نصحه ورأيه، ولا يلتفتنّ إلى من قال: إذا نصحت الرّجل فلم يقبل منك فتقرّب إلى الله بغشّه، فذلك قول ألقاه الشّيطان على لسانه، اللهمّ إلّا أن يريد بغشّه السّكوت عنه، فقد قيل: كثرة النّصيحة تورث الظّنّة، ومعرفة النّاصح من الغاشّ صعبة جدّا، فالإنسان- لمكره- يصعب الاطّلاع على سرّه، إذ هو قد يبدي خلاف ما يخفي، وليس كالحيوانات الّتي يمكن الاطّلاع على طبائعها «2» . لمن تكون النصيحة؟ وكيف؟ النّصيحة- كما جاء في الحديث- تكون لله ولرسوله ولكتابه ولأئمّة المسلمين وعامّتهم «3» . وقد أوضح العلماء معنى هذه النّصيحة فيما يحكيه ابن حجر قال: النّصيحة لله وصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرا وباطنا، والرّغبة في محابّه بفعل طاعته، والرّهبة من مساخطه بترك معصيته، والجهاد في ردّ العاصين إليه. والنّصيحة لكتاب الله تعلّمه، وتعليمه، وإقامة حروفه في التّلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهّم معانيه، وحفظ حدوده، والعمل بما فيه، وذبّ تحريف المبطلين عنه، والنّصيحة لرسوله تعظيمه، ونصره حيّا وميّتا، وإحياء سنّته بتعلّمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، ومحبّته ومحبّة أتباعه، والنّصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حمّلوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسدّ خلّتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، وردّ القلوب النّافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظّلم بالّتي هي أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النّصيحة لهم ببثّ علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظّنّ بهم، والنّصيحة لعامّة المسلمين الشّفقة عليهم، والسّعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكفّ وجوه الأذى عنهم، وأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه «4» . وقال عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ: النّصيحة لله ورسوله تكون بصدق الإيمان، وإخلاص النّيّة في الجهاد والعزم عليه عند القدرة، وفعل المستطاع من الحثّ والتّرغيب والتّشجيع للمسلمين عليه «5» . التواصي لغة: التّواصي مصدر قولهم: تواصى فلان وفلان   (1) الذريعة (295) . (2) المرجع السابق (295- 296) . (3) انظر الحديث رقم (7) . (4) فتح الباري 1/ 167 (5) تيسير الكريم الرحمن 10/ 275 (بتصرف) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3490 أي أوصى كلّ منهما صاحبه بمعنى عهد إليه، وأوصى الرّجل ووصّاه بمعنى، والاسم من ذلك: الوصيّة والوصاة، قال الشّاعر: ألا من مبلغ عنّي يزيدا ... وصاة من أخي ثقة ودود «1» . وقول الله تعالى: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الأنعام/ 151) إشارة إلى ما تقدّم من قوله سبحانه قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ... قال القرطبيّ: هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيّه بأن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرّم الله، وهكذا يجب على من بعده من العلماء أن يبلّغوا النّاس ويبيّنوا لهم ما حرّم عليهم ممّا أحلّ. وقوله ذلِكُمْ إشارة إلى هذه المحرّمات (والمأمورات) ، والوصيّة هي الأمر المؤكّد المقدور «2» ، وقال أبو حيّان: في لفظ وصّاكم من اللّطف والرّأفة ما لا يخفى من الإحسان، قال الأعشى: أجدّك لم تسمع وصاة محمّد ... نبيّ الإله حين أوصى وأشهدا وقد وصف بها (أي الوصيّة) ما فرضه الله عزّ وجلّ على عباده في كلّ الشّرائع كما يقول ابن عبّاس رضي الله عنهما- في هذه الآية الكريمة والآيتين بعدها (الآيات 151- 153 من سورة الأنعام) «3» . فهذه هي الآيات المحكمات الّتي أجمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قطّ في ملّة «4» ، وقال الطّبريّ في معنى قوله تعالى: وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (العصر/ 3) أي أوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل في كتابه من أمره واجتناب ما نهى عنه فيه، والحقّ كتاب الله تعالى، أمّا التّواصي بالصّبر فمعناه: أوصى بعضهم بعضا بالصّبر على العمل بطاعة الله «5» . وقال النّيسابوريّ وفي لفظ التّواصي دون الدّعاء أو النّصيحة تأكيد بليغ كأنّه أمر مهتمّ به كالوصيّة «6» . التواصي اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات- الّتي وقفنا عليها- التّواصي مصطلحا، ويمكن تعريفه في ضوء ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون: أن يوصي بعض النّاس بعضا بالعمل بكتاب الله وبطاعته وبالانتهاء عمّا نهى الله عنه. أمّا الوصيّة (يرادفها الوصاة) فإنّ لها في الشّرع معنيان: الأوّلّ: عهد خاصّ مضاف إلى ما بعد الموت، وقد يصحبه التّبرّع «7» ، وعرّف صاحب المغني هذا النّوع فقال: هي التّبرّع بالمال بعد الموت «8» ، وقد عقد الفقهاء لذلك باب الوصايا. الآخر: وهو المراد هنا، ما يقع به الزّجر عن المنهيّات والحثّ على المأمورات «9» ويكون ذلك من   (1) انظر لسان العرب 15/ 394 (2) تفسير القرطبي 7/ 134 (3) انظر هذه الآيات في الشاهد القرآني رقم (14) . (4) تفسير البحر المحيط 4/ 250 (5) تفسير الطبري ج 30 (مجلد 12) ص 188 (6) تفسير النيسابوري، بهامش الطبري ج 30 (مجلد 12) ص 160 (7) فتح الباري ج 5، ص 419 (8) المغني لابن قدامة 6/ 414، وانظر أيضا الشرح الكبير، المجلد نفسه والصفحة نفسها. (9) فتح الباري ج 5، ص 419 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3491 المولى عزّ وجلّ ومن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومن صالح المسلمين، والموصى به في هذا النّوع يشمل أمورا كثيرة منها: الوصيّة بكتاب الله تعالى، وبتقواه والصّبر على الطّاعة وبرّ الوالدين وإكرام الجار، ونحو ذلك. الوصية بكتاب الله عزّ وجلّ: قال ابن حجر: المراد بالوصيّة بكتاب الله تعالى حفظه حسّا ومعنى، فيكرّم ويصان، ولا يسافر به إلى أرض العدوّ، ويتّبع ما فيه فيعمل بأوامره وتجتنب نواهيه، ويداوم على تلاوته وتعلّمه وتعليمه «1» . النّصيحة والوصيّة (الوصاة) والتّواصي: بين هذه الأمور الثّلاثة تقارب في المعنى، فجميعها يراعى فيه إرادة الخير للمنصوح أو الموصى ودعاؤه إلى ما فيه صلاحه، بيد أنّ النّصيحة يراعى فيها قيد الإخلاص وضدّها الغشّ، أمّا الوصيّة فيراعى فيها المحبّة والتّأكيد ومزيد الاهتمام، وكلاهما يقتضي طرفين أحدهما معط والآخر متلقّ فالمعطي هو النّاصح أو الموصي، أمّا المتلقّي فهو المنصوح أو الموصى، أمّا في التّواصي فإنّ كلا الطرفين معط ومتلقّ في آن واحد، لأنّه يوصي غيره ويوصيه غيره في حال حياتهما. التواصي والشورى: لقد أقسم المولى- عزّ وجلّ- أنّ الإنسان لفي خسر واستثنى من ذلك من توفّرت فيه أربع خصال هي: الإيمان، والعمل الصّالح، والتّواصي بالحقّ، والتّواصي بالصّبر، وذلك قوله سبحانه: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وقد قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: «لو تدبّر النّاس هذه السّورة لوسعتهم» «2» ، وقد صدق أبو عبد الله (الشّافعيّ) ، لأنّها تنظّم حياة الفرد والمجتمع، ونصيب الفرد فيها الإيمان والعمل الصّالح، أمّا نصيب المجتمع فهو أن يوصى بعض النّاس بعضا بالحقّ وبالصّبر أي بأداء الطّاعات وترك المحرّمات من ناحية، وعلى تحمّل البلايا والأذى من ناحية أخرى، ولا يتحقّق هذا التّواصي إلّا عند الاجتماع والتّشاور في أمور الدّين والدّنيا، وأمر المؤمنين- كما أخبر المولى عزّ وجلّ- إنّما هو- شورى بينهم «3» ، ولا تكون هذه الشّورى ذات جدوى إلّا إذا تضمّنت التّواصي بالحقّ وبالصّبر وبالمرحمة ونحو ذلك ممّا أمرنا الله به ورسوله، وهكذا فإنّه إذا صلح أمر المسلم بالإيمان والعمل الصّالح، صلح أمر الأمّة كلّها بالشّورى القائمة على التّواصي بالحقّ ونحوه. [للاستزادة: انظر صفات: الإصلاح- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- التذكير- الشورى- الكلم الطيب- الإرشاد- الإيمان- التبليغ- الهدى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الضلال- الغي والإغواء- الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون] .   (1) فتح الباري 8/ 686 (2) تفسير ابن كثير 4/ 585 (3) انظر صفة الشورى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3492 الآيات الواردة في «النصيحة» آيات فيها نصح من الرسل: 1- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) «1» 2- * وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «2» 3- فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) «3» 4- وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93) «4» آيات فيها نفع النصح مرهون بإرادة الله: 5- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)   (1) الأعراف: 59- 62 مكية (2) الأعراف: 65- 68 مكية (3) الأعراف: 77- 79 مكية (4) الأعراف: 90- 93 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3493 وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) «1» آيات النصح فيها علامة إخلاص: 6- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «2» 7- وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) * وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) «3» 8- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) «4» 9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «5» آيات النصح فيها مدّعى: 10- لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (10) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) «6» 11- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) «7»   (1) هود: 32- 34 مكية (2) التوبة: 91 مدنية (3) القصص: 11- 12 مكية (4) القصص: 20 مكية (5) التحريم: 8 مدنية (6) يوسف: 7- 11 مكية (7) الأعراف: 19- 21 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3494 الآيات الواردة في «الوصية والتواصي» 12- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) «1» 13- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) «2» 14- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «3» 15- قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) «4» 16- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «5» 17- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) «6»   (1) البقرة: 130- 132 مدنية (2) النساء: 131 مدنية (3) الأنعام: 151- 153 مكية (4) مريم: 30- 31 مكية (5) العنكبوت: 8 مكية (6) لقمان: 14 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3495 18- * شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) «1» 19- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «2» 20- وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) «3» 21- وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «4»   (1) الشورى: 13 مكية (2) الأحقاف: 15- 16 مكية (3) البلد: 12- 18 مكية (4) العصر: 1- 3 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3496 الأحاديث الواردة في (النصيحة) 1- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نصح العبد لسيّده وأحسن عبادة الله فله أجره مرّتين» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ ... » - حديث صفة حجّته صلّى الله عليه وسلّم وفيه: «وأنتم مسئولون عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت) * «2» . 3- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والنّصح لكلّ مسلم» ) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حقّ المسلم على المسلم ستّ» . قيل: ما هنّ يا رسول الله؟. قال: «إذا لقيته فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمّته «4» . وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتّبعه» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح» ) * «6» . 6- * (عن يزيد بن حكيم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوا النّاس يرزق الله بعضهم من بعض، وإذا استشار أحدكم أخاه فلينصحه» ) * «7» . 7- * (عن تميم الدّاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّين النّصيحة» . قلنا: لمن؟. قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» ) * «8» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا ثلاث: فرؤيا حقّ، ورؤيا يحدّث بها الرّجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشّيطان. فمن رأى ما يكره فليقم فليصلّ» . وكان يقول: «يعجبني القيد وأكره الغلّ. القيد ثبات في الدّين» . وكان يقول: «من رآني فإنّي أنا هو، فإنّه ليس   (1) البخاري- الفتح 5 (2550) . ومسلم (1664) واللفظ له. (2) أبو داود (1905) . وابن ماجه (3074) . وأصله في صحيح مسلم (1218) . (3) البخاري- الفتح 3 (1401) .، ومسلم (56) (4) فسمّته: تشميت العاطس أن يقول له: يرحمك الله، ويقال بالسين المهملة والمعجمة لغتان مشهورتان. (5) مسلم (2162) ، وقوله: إذا مات فاتبعه: أي اتبع جنازته. (6) أحمد (2/ 334) حديث (8433) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وقال ذكره السيوطي في الجامع الصغير وأشار إلى حسنه وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 132) حديث (3278) وقال: حسن. (7) الإصابة (6/ 339) : أخرجه أبو داود الطيالسي (ص 185) ، وجامع المسانيد (12/ 425) برقم (9861) . (8) مسلم (55) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3497 للشّيطان أن يتمثّل بي» ، وكان يقول: «لا تقصّ الرّؤيا إلّا على عالم أو ناصح» ) * «1» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عرض عليّ أوّل ثلاثة يدخلون الجنّة: شهيد، وعفيف متعفّف، وعبد أحسن عبادة الله، ونصح لمواليه» ) * «2» . 10- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه يوم مات المغيرة بن شعبة- رضي الله عنهما-: «قام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: عليكم باتّقاء الله وحده لا شريك له والوقار والسّكينة، حتّي يأتيكم أمير (وكان المغيرة أميرا عليهم) فإنّما يأتيكم الآن. ثمّ قال: استغفروا لأميركم، فإنّه كان يحبّ العفو. ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قلت: أبايعك على الإسلام، فشرط عليّ «والنّصح «3» لكلّ مسلم» فبايعته على ذلك، وربّ هذا المسجد إنّي لناصح لكم، ثمّ استغفر ونزل) * «4» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للمؤمن على المؤمن ستّ خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلّم عليه إذا لقيه، ويشمّته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد» ) * «5» . 12- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للمملوك الّذي يحسن عبادة ربّه، ويؤدّي إلى سيّده الّذي له عليه من الحقّ والنّصيحة والطّاعة، أجران» ) * «6» . 13- * (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد يسترعيه الله رعيّة فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنّة» ) * «7» . 14- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والنّصيحة لولاة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم» ) «8» .   (1) الترمذي (2280) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وانظر «جامع الأصول» (2/ 515- 518) والتعليق عليه. (2) الترمذي (1642) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأحمد (2/ 425) برقم (9504) وقال مخرجه: إسناده حسن (18/ 137، 138) . والحديث في المشكاة (2/ 1126) حديث (2832) وعزاه للترمذي، ولم يذكر الشيخ ناصر فيه شيئا. وقال مخرج جامع الأصول (10/ 535) : رواه أيضا الحاكم والبيهقي والحديث كما قال الترمذي. (3) والنصح- بالجر- عطفا على الإسلام. ويجوز نصبه عطفا على مقدر أي شرط على الإسلام والنصح (الفتح 1/ 169) . (4) البخاري- الفتح 1 (58) واللفظ له. ومسلم (56) . (5) الترمذي (2737) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وذكره الشيخ الألباني في صحيح النسائي (2/ 4170) برقم (1830) .. (6) البخاري- الفتح 5 (2551) واللفظ له، ومسلم (1665) . (7) البخاري- الفتح 13 (7150) واللفظ له. ومسلم (142) (8) الترمذي (2658) ، وأحمد (4/ 80) ، وابن ماجة (3056) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده فيه محمد بن اسحاق وهو مدلس، وقد عنعنه. والمتن على حاله صحيح، وذكره الألباني في صحيح الجامع (6642) . واللفظ لابن ماجة. وقال ابن رجب: إسناده جيد، جامع العلوم والحكم (73) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3498 الأحاديث الواردة في (النصيحة) معنى 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار «1» في عقاره جرّة «2» فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي، إنّما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذّهب. فقال الّذي شرى الأرض «3» : إنّما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحاكما إلى رجل. فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟. فقال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدّقا» ) * «4» . 16- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا- أو قال حتّى يتفرّقا- فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» ) * «5» . 17- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة، إلّا كانت له بطانتان. بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى» ) * «6» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المستشار مؤتمن» ) * «7» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه» ) * «8» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (النصيحة) 20- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر «9» فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «ألك مال غيره؟» فقال: لا. فقال: «من يشتريه منّي؟» فاشتراه نعيم بن عبد الله العدويّ بثمانمائة درهم. فجاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدفعها إليه. ثمّ قال: «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها.   (1) العقار: الأرض وما يتصل بها. (2) الجرة: إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع. (3) شرى الأرض: أي باعها. (4) البخاري- الفتح 6 (3472) ، ومسلم (1721) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 4 (2079) واللفظ له. ومسلم (1532) . (6) البخاري- الفتح 13 (7198) . (7) الترمذي (2823) وقال: حسن غريب. وأبو داود (5128) وقال المنذري: أصح طرق هذا الحديث حديث أبي هريرة وعزاه أيضا للنسائي. مختصر السنن (8/ 28- 29) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 562) : وهو حديث حسن. (8) أبو داود (4918) واللفظ له. والأدب المفرد (239) للبخاري. وذكره الألباني في صحيح الجامع (6/ 6) برقم (6532) وقال: حسن. (9) عن دبر: أي علق عتقه بموته، فقال: أنت حر يوم أموت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3499 فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك) * «1» . 21- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ عبد الله هلك وترك تسع بنات (أو قال: سبع) فتزوّجت امرأة ثيّبا. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا جابر، تزوّجت؟» قال: قلت: نعم. قال: فبكر أم ثيّب؟» قال: قلت: بل ثيّب يا رسول الله! قال: «فهلّا جارية تلاعبها وتلاعبك (أو قال تضاحكها وتضاحكك) » قال: قلت له: إنّ عبد الله هلك وترك تسع بنات (أو سبع) وإنّي كرهت أن آتيهنّ أو أجيئهنّ بمثلهنّ. فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهنّ وتصلحهنّ. قال: «فبارك الله لك» أو قال لي خيرا) * «2» . 22- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم، إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان «3» ، فالنّجاء «4» ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا «5» فانطلقوا على مهلتهم. وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم. فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم «6» . فذلك مثل من أطاعني واتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب ما جئت به من الحقّ» ) * «7» . 23- * (عن فاطمة بنت قيس- رضي الله عنها- أنّ أبا عمرو بن حفص طلّقها البتّة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله! ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكرت ذلك له، فقال لها: ليس لك عليه نفقة، فأمرها أن تعتدّ في بيت أمّ شريك، ثمّ قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي. اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم، فإنّه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني «8» ، قالت: فلمّا حللت ذكرت له أنّ معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه «9» ، وأمّا معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد» فكرهته، ثمّ قال: «انكحي أسامة» ، فنكحته، فجعل الله فيه خيرا كثيرا واغتبطت) * «10» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تنكح المرأة لأربع. لمالها،   (1) مسلم (997) . (2) البخاري- الفتح 9 (5080) . ومسلم (715) ، (1087) كتاب الرضاع واللفظ له. (3) أنا النذير العريان: أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم. وأكثر ما يفعل هذا طليعة القوم ورقيبهم. (4) النجاء: اطلبوا النجاة. (5) فأدلجوا: ساروا من أول الليل. (6) اجتاحهم: استأصلهم. (7) البخاري- الفتح 11 (6482) . ومسلم (2283) واللفظ له. (8) آذنيني: أي أعلميني. (9) فلا يضع عصاه عن عاتقه: دلالة على كثرة الأسفار، أو كثرة الضرب للنساء. (10) مسلم (1480) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3500 ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدّين تربت يداك «1» » ) * «2» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتاه رجل فأخبره أنّه تزوّج امرأة من الأنصار. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنظرت إليها؟» قال: لا. قال: فاذهب فانظر إليها، فإنّ في أعين الأنصار شيئا «3» » ) * «4» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلي كمثل رجل استوقد نارا، فلمّا أضاءت ما حولها جعل الفراش «5» وهذه الدّوابّ الّتي في النّار يقعن فيها. وجعل يحجزهنّ ويغلبنه فيتقحّمن فيها. قال فذلكم مثلى ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم «6» عن النّار. هلمّ عن النّار، هلمّ عن النّار، فتغلبوني تقحّمون «7» فيها» ) * «8» . الأحاديث الواردة في (الوصية والتواصي) 27- * (عن مصعب بن سعد عن أبيه- رضي الله عنهما-، أنّه نزلت فيه آيات من القرآن، قال: حلفت أمّ سعد ألّا تكلّمه أبدا حتّى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أنّ الله وصّاك بوالديك، وأنا أمّك وأنا آمرك بهذا، قال (سعد) : مكثت ثلاثا حتّى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عزّ وجلّ في القرآن هذه الآية: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ وفيها: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (لقمان 14/ 15) » ) * «9» . الحديث «10» . 28- * (عن طلحة بن مصرّف- رضي الله عنه- قال: «سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: لا، قلت: فلم كتب على المسلمين الوصيّة «11» ، أو فلم أمروا بالوصيّة؟ قال: أوصى بكتاب الله «12» عزّ وجلّ» ) *. 29- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) تربت يداك: ترب الرجل إذا افتقر، أي لصق بالترب، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب والمراد بها الحث والتحريض. (2) البخاري- الفتح 9 (5090) . ومسلم (1466) واللفظ له. (3) شيئا: المراد صغر وقيل زرقة. (4) مسلم (1424) . (5) الفراش: الذي يطير كالبعوض. (6) بحجزكم: جمع حجزه، وهي معقد الازار والسراويل. (7) تقحمون: تقدمون وتقعون في الأمور الشاقة من غير تثبت. (8) البخاري- الفتح 11 (6483) . ومسلم (2284) واللفظ له. (9) مسلم (1748) . (10) للحديث بقية تتضمن آيات أخرى نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه-. (11) الوصية المسئول عنها أولا هي وصية الرجل في ماله، أي في الأمور المادية، ولما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليس عنده شيء يوصي به من نحو العقارات والأموال فقد انصرفت وصيته إلى الجانب الأهم وهو كتاب الله عز وجل، وبهذا يفسر تركه للوصية في حديث عائشة رقم (1635) في صحيح مسلم حيث قالت: «ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء» أي بشيء من أمور الدنيا. (12) البخاري، الفتح (5022) ومسلم (1634) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3501 قال: «يوم الخميس! وما يوم الخميس! «1» ، ثمّ بكى حتّى بلّ دمعه الحصى، الحديث، وفيه: أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم «2» ، قال: وسكت عن الثّالثة، أو قالها فأنسيتها» ) * «3» ، «4» . 30- * (عن سليمان بن بريدة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة، أوصاه في خاصّته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا «5» ، ثمّ قال: اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ... » ) * الحديث «6» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاث: بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وركعتي الضّحى، وأن أوتر قبل أن أرقد» ) * «7» . 32- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) * «8» . 33- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: «إنّ خليلي صلّى الله عليه وسلّم أوصاني: إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» ) * «9» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمرا فليتكلّم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنّساء، فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضّلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنّساء خيرا» ) * «10» . 35- * (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط «11» فاستوصوا بأهلها خيرا فإنّ لهم ذمّة ورحما، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها» ) * «12» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- «أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوصني، قال: لا تغضب، فردّد مرارا، قال: لا تغضب» ) * «13» .   (1) في هذه العبارة تفخيم أمر هذا اليوم في الشدة والمكروه. (2) معنى هذه العبارة: الأمر بضيافة الوفود وإكرامهم تطييبا لنفوسهم وترغيبا لغيرهم، وإعانة لهم على سفرهم. (3) الساكت هنا هو ابن عباس، والناسي هو سعيد بن جبير الذي روى حديثه، قال المهلب: والثالثة هي تجهيز جيش أسامة. (4) البخاري 6 (3053) ، ومسلم 2 (1627) ، واللفظ له. (5) المراد أوصاه بمن معه. (6) مسلم 3 (1731) . (7) البخاري، الفتح 3 (1178) ، ومسلم (721) ، واللفظ له. (8) البخاري، الفتح 10 (6014) ، ومسلم (2625) ، واللفظ واحد. (9) مسلم (2625) . (10) البخاري 6 (3331) ، ومسلم 2 (1468) . (11) القيراط جزء من أجزاء الدينار، والدرهم، وهو الآن كذلك ويستعمل أيضا اسما لجزء من أربعة وعشرين جزءا من الفدان وكان أهل مصر- ولا يزالون- يكثرون من استعماله والتحدث به، وقد ورد التصريح باسم مصر في الحديث الذي أورده مسلم عقيب هذا. (12) مسلم 4 (2543) . (13) البخاري، الفتح 10 (6116) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3502 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (النصيحة) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضوان الله عليه- وهو على المنبر: «أنشدكم الله! لا يعلم أحد منّي عيبا إلّا عابه» فقال رجل: نعم يا أمير المؤمنين، فيك عيبان. قال: وما هما: قال: تديل بين البردين «1» ، وتجمع بين الأدمين «2» ولا يسع ذلك النّاس. قال: فما أدال بين بردين، ولا جمع بين أدمين حتّى لقي الله تعالى» ) * «3» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «ولكلّ جعلنا موالي» قال: ورثة: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ كان المهاجرون لمّا قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاريّ دون ذوي رحمه للأخوّة الّتي آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينهم، فلمّا نزلت وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ... (النساء/ 133) نسخت، ثمّ قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ... (النساء/ 13) من النّصر والرّفادة والنّصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصي له» ) * «4» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت أقرىء عبد الرّحمن بن عوف، فلمّا كان آخر حجّة حجّها عمر، فقال عبد الرّحمن بمنى: لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل قال: إنّ فلانا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا، فقال عمر: لأقومنّ العشيّة فأحذّر هؤلاء الرّهط الّذين يريدون أن يغصبوهم، قلت: لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاع النّاس يغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزّلوها على وجهها، فيطير بها كلّ مطير، فأمهل حتّى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السّنّة فتخلص بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار فيحفظوا مقالتك وينزّلوها على وجهها. فقال: والله لأقومنّ به في أوّل مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة، فقال: إنّ الله بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل آية الرّجم» ) * «5» . 4- * (عن المسور بن مخرمة وعبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث- رضي الله عنهما- أنّهما قالا لعبيد الله بن عديّ بن الخيار: ما يمنعك أن تكلّم خالك عثمان (يعني ابن عفّان) في أخيه الوليد بن عقبة (يعني أخاه من الرّضاع) وكان أكثر النّاس فيما فعل به. قال عبيد الله: فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصّلاة فقلت له: إنّ لي إليك حاجة، وهي نصيحة. فقال: أيّها المرء، أعوذ بالله منك. فانصرفت. فلمّا قضيت الصّلاة جلست إلى المسور وإلى ابن عبد يغوث فحدّثتهما بما قلت لعثمان وقال لي. فقالا: قد قضيت الّذي كان عليك. فبينما أنا جالس معهما جاءني رسول عثمان، فقالا لي قد ابتلاك الله. فانطلقت حتّى دخلت عليه، فقال: ما نصيحتك الّتي ذكرت آنفا؟ قال: فتشهّدت ثمّ قلت: إنّ الله بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، وأنزل عليه الكتاب وكنت ممّن استجاب لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وآمنت به وهاجرت الهجرتين الأوليين، وصحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورأيت هديه. وقد أكثر النّاس في شأن الوليد بن عقبة، فحقّ عليك أن تقيم عليه الحدّ ... الأثر» ، وفيه «فجلد الوليد أربعين   (1) تديل بين البردين: أي تلبسه وتخليه وتلبس غيره. (2) الأدمين: مثنّى أدم، وهو ما يؤكل به الخبز أي شيء كان (3) الدارمي (1/ 169) ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (154) . (4) البخاري- الفتح 8 (4580) . (5) البخاري- الفتح 13 (7323) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3503 جلدة، وأمر عليّا أن يجلده، وكان هو يجلده» ) * «1» . 5- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «ما زال لله تعالى نصحاء، ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حقّ الله، ويعملون لله تعالى في الأرض بالنّصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض» ) * «2» . 6- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- يوصي ابنه عبد الملك بعد ما تولّى الخلافة: «أمّا بعد: فإنّ أحقّ من تعاهدت بالوصيّة والنّصيحة بعد نفسي أنت، وإنّ أحقّ من رعى ذلك وحفظه عنّي أنت، وإنّ الله- تعالى- له الحمد قد أحسن إلينا إحسانا كثيرا بالغا في لطيف أمرنا وعامّته، ... إلى أن قال له: وإنّي لأعظك بهذا، وإنّي لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لكثير من أمري، ولو أنّ المرء لم يعظ أخاه حتّى يحكم نفسه، ويكمل في الّذي خلق له لعبادة ربّه، إذا تواكل النّاس الخير، وإذا يرفع الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، واستحلّت المحارم، وقلّ الواعظون والسّاعون لله بالنّصيحة في الأرض، فلله الحمد ربّ السّموات والأرض ربّ العالمين وله الكبرياء في السّموات والأرض وهو العزيز الحكيم» ) * «3» . 7- * (قال مسعر بن كدام- رحمه الله تعالى: «رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سرّ بيني وبينه، فإنّ النّصيحة في الملأ تقريع» ) * «4» . 8- * (قال معمر بن راشد بن همّام الصّنعانيّ: «كان يقال: أنصح النّاس لك من خاف الله فيك» ) * «5» . 9- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: تعهّدني بنصحك في الفرادى ... وجنّبني النّصيحة في الجماعه فإنّ النّصح بين النّاس نوع ... من التّوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت قولي ... فلا تغضب إذا لم تعط طاعه ) * «6» . 10- * (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «الحبّ أفضل من الخوف، ألا ترى إذا كان لك عبدان، أحدهما يحبّك والآخر يخافك، فالّذي يحبّك ينصحك شاهدا كنت أو غائبا لحبّه إيّاك، والّذي يخافك عسى أن ينصحك إذا شهدت لما يخافك ويغشّك إذا غبت ولا ينصحك» . وقال أيضا: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعيّر» ) * «7» . 11- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: «ليس على المسلم نصح الذّمّيّ، وعليه نصح المسلم» ) * «8» . 12- * (قال الآجرّيّ- رحمه الله تعالى-: «لا يكون ناصحا لله تعالى ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم إلّا من بدأ بالنّصيحة لنفسه، واجتهد في طلب العلم والفقه ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم   (1) البخاري- الفتح 7 (3872) . (2) بصائر ذوي التمييز (5/ 67، 68) . (3) حلية الأولياء (5/ 275- 277) . (4) الآداب الشرعية، لابن مفلح (1/ 290) . (5) جامع العلوم والحكم (71) . (6) التعليق على الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب (39) . (7) جامع العلوم والحكم (68- 71) . (8) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 290) . جامع العلوم والحكم (78) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3504 عداوة الشّيطان له وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النّفس حتّى يخالفها بعلم» ) * «1» . 13- * (قال ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى: محّض أخاك النّصيحة وإن كانت عنده فضيحة) * «2» . 14- * (قال أبو زكريّا (النّوويّ) - رحمه الله تعالى: قالوا مدار الدّين على أربعة أحاديث، وأنا أقول بل مداره على حديث «الدّين النّصيحة» ) * «3» . 15- * (قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: «الواجب على المسلم أن يحبّ ظهور الحقّ ومعرفة المسلمين له، سواء كان ذلك في موافقته أو مخالفته. وهذا من النّصيحة لله ولكتابه ورسوله ودينه وأئمّة المسلمين وعامّتهم، وذلك هو الدّين كما أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» . 16- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «من عرف منه أنّه أراد بردّه على العلماء النّصيحة لله ورسوله، فإنّه يجب أن يعامل بالإكرام والاحترام والتّعظيم كسائر أئمّة المسلمين الّذين كان يردّ على المخطىء منهم، ومن عرف أنّه أراد بردّه عليهم التّنقيص والذّمّ وإظهار العيب، فإنّه يستحقّ أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرّذائل المحرّمة» ) * «5» . 17- * (وقال- رحمه الله-: «فشتّان بين من قصده النّصيحة، وبين من قصده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلّا على من ليس من ذوي العقول الصّحيحة» ) * «6» . 18- * (وقال- رحمه الله-: «إنّ النّاصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنّما غرضه إزالة المفسدة الّتي وقع فيها، ولذلك فإنّه ينبغي أن تكون سرّا فيما بين الآمر والمأمور، وأمّا الإشاعة وإظهار العيوب فهو ممّا حرّمه الله ورسوله، ومن حبّ إشاعة الفاحشة في المؤمنين» ) * «7» . 19- * (قال عبّاد بن عبّاد الخوّاص الشّاميّ أبو عتبة: «أمّا بعد: اعقلوا والعقل نعمة، فربّ ذي عقل قد شغل قلبه بالتّعمّق فيما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتّى صار عن ذلك ساهيا ... إلى أن قال: وناصحوا الله في أمّتكم إذ كنتم حملة الكتاب والسّنّة. فإنّ الكتاب لا ينطق حتّى ينطق به، وإنّ السّنّة لا تعمل حتّى يعمل بها، فمتى يتعلّم الجاهل إذا سكت العالم، فلم ينكر ما ظهر ولم يأمر بما ترك، وقد أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه ... ولا تكتفوا من السّنّة بانتحالها بالقول دون العمل بها، فإنّ انتحال السّنّة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العلم، ولا تعيبوا بالبدع تزيّنا بعيبها فإنّ فساد أهل البدع ليس بزائد في صلاحكم، ولا تعيبوها بغيا على أهلها. فإنّ البغي من فساد أنفسكم، وليس ينبغي للمطبّب أن يداوي المرضى بما يبرئهم ويمرضه، فإنّه إذا مرض اشتغل بمرضه عن مداواتهم، ولكن ينبغي أن يلتمس لنفسه الصّحّة ليقوى بها على علاج المرضى، فليكن أمركم فيما تنكرون على إخوانكم نظرا منكم لأنفسكم، ونصيحة منكم لربّكم، وشفقة منكم على إخوانكم، وأن تكونوا مع ذلك بعيوب   (1) بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي (5/ 67) . (2) المرجع السابق (3/ 605) . (3) بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي (5/ 64) . (4) الفرق بين النصيحة والتعيير (32- 33) . (5) الفرق بين النصيحة والتعيير (36) بتصرف يسير. (6) الفرق بين النصيحة والتعيير (41) . (7) المرجع السابق (39) بتصرف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3505 أنفسكم أعنى منكم بعيوب غيركم، وأن يستعظم بعضكم بعضا النّصيحة، وأن يحظى عندكم من بذلها لكم وقبلها منكم. وقد قال عمر بن الخطّاب- رضي الله تعالى عنه-: «رحم الله من أهدى إليّ عيوبي» ، تحبّون أن تقولوا فيحتمل لكم، وإن قيل لكم مثل الّذي قلتم غضبتم، تجدون على النّاس فيما تنكرون من أمورهم وتأتون مثل ذلك، أفلا تحبّون أن يؤخذ عليكم ... » ) * «1» . 20- * (قال بعض الشّعراء: اصف ضميرا لمن تعاشره ... واسكن إلى ناصح تشاوره وارض عن المرء في مودّته ... ممّا يؤدّي إليك ظاهره من يكشف النّاس لا يجد أحدا ... تنصح منهم له سرائره أوشك أن لا يدوم وصل أخ ... في كلّ زلّاته تنافره «2» . 21- * (وقال آخر: وأجب أخاك إذا استشارك ناصحا ... وعلى أخيك نصيحة لا تردد «3» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الوصية والتواصي) 22- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عندما قيل له: أوصنا يا أمير المؤمنين، قال: أوصيكم بذمّة الله، فإنّه ذمّة نبيّكم، ورزق عيالكم» ) * «4» . 23- * (عن جابر- رضي الله عنه- لمّا حضر أحد «5» . دعاني أبي من اللّيل فقال: ما أراني إلّا مقتولا في أوّل من يقتل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإنّي لا أترك بعدي أعزّ عليّ منك، غير نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّ عليّ دينا فاقضه «6» ، واستوص بأخواتك خيرا) * «7» . 24- * (قال جندب لأصحابه وهو يوصيهم: إنّ أوّل ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألّا يأكل إلّا طيّبا فليفعل، ومن استطاع ألّا يحال بينه وبين الجنّة بملء كفّ من دم هراقه فليفعل» ) * «8» . 25- * (عن الشّافعيّ- رضي الله عنه- قال في قوله تعالى وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (العصر/ 1- 3) . لو تدبّر النّاس هذه السّورة لوسعتهم» ) * «9» . 26- * (سأل بعضهم شيخ الإسلام ابن تيميّة أن يوصيه بما فيه صلاح دينه ودنياه، فأجاب- رحمه الله-: أمّا الوصيّة فما أعلم وصيّة أنفع من وصيّة الله   (1) الدارمي (1/ 166- 167) . (2) أدب الدنيا والدين (291) . (3) المرجع السابق (294) . (4) البخاري- الفتح 6 (3162) . (5) المراد: لما كان يوم غزوة أحد. (6) أي اقض عني هذا الدين. (7) البخاري- الفتح 3 (1351) . (8) البخاري- الفتح 3 (7152) ، قال ابن حجر: وقع هذا الحديث من هذا الوجه موقوفا، وهكذا أخرجه الطبراني عن الحسن عن جندب موقوفا، قال: وسياقه يحتمل الرفع والوقف. (9) تفسير ابن كثير (4/ 585) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3506 ورسوله لمن عقلها واتّبعها، قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ (النساء/ 131) ، ووصّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معاذا لمّا بعثه إلى اليمن فقال: «اتّق الله حيثما كنت وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» «1» . فهذه وصيّة جامعة لمن عقلها، مع أنّها تفسير للوصيّة القرآنيّة، أمّا بيان جمعها فلأنّ العبد عليه حقّان: حقّ لله عزّ وجلّ، وحقّ لعباده، ثمّ الحقّ الّذي عليه لا بدّ أن يخلّ ببعضه أحيانا، إمّا بترك المأمور به أو فعل المنهيّ عنه، وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت» تحقيق لحاجته إلى التّقوى في السّرّ والعلانيّة (وفي كلّ زمان ومكان) ، ثمّ قال: «وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها» لأنّه لمّا كان الذّنب للعبد كأنّه أمر حتم كان الكيّس هو الّذي لا يزال يأتي من الحسنات ما يمحو به السّيئات، وفي هذا إرشاد للخاصّة والعامّة بما يخلّص النّفوس من ورطات الذّنوب وهو إتباع السّيّئات الحسنات، ولمّا قضى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بهاتين الكلمتين حقّ الله من عمل الصّالح وإصلاح الفاسد، قال: «وخالق النّاس بخلق حسن» وهو حقّ النّاس، وأمّا بيان أنّ هذا كلّه في وصيّة الله فهو أنّ اسم «تقوى الله يجمع فعل كلّ ما أمر به الله به إيجابا واستحبابا، وما نهى عنه تحريما وتنزيها، وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد) * «2» . من فوائد (النصيحة والتواصي) (1) النّصيحة لبّ الدّين وجوهر الإيمان. (2) دليل حبّ الخير للآخرين، وبغض الشّرّ لهم. (3) تكثير الأصحاب؛ إذ إنّه يؤمن منه الجانب، وتقليل الحسّاد؛ إذ إنّه لا يحبّ لغيره الشّرّ والفساد. (4) صلاح المجتمع؛ إذ تشاع فيه الفضيلة، وتستر فيه الرّذيلة. (5) إحلال الرّحمة والوداد مكان القسوة والشّقاق. (6) الاشتغال بالنّفس لاستكمال الفضائل من تمام النّصح. (7) بيان خطأ المخطىء في المسألة والمسائل- وإن كرهه- من النّصيحة الواجبة لا من الغيبة المحرّمة. (8) من قام بها على وجهها يستحقّ الإكرام لا اللّوم والتّقريع. (9) في التّواصي بالحقّ وبالصّبر ونحوهما ما يكفل حياة مستقرّة للمجتمع الإسلاميّ. (10) في الأخذ بوصيّة الله- عزّ وجلّ- ووصيّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم صلاح حال الفرد والمجتمع معا. (11) للوصيّة الصّادقة تأثير بالغ في النّفس وهي دافع قويّ لتنفيذ الموصى به. (12) الوصيّة وسيلة من وسائل التّقوى والتّذكّر والتّعقّل «3» .   (1) انظر هذا الحديث في صفة حسن الخلق، ج 5 ص 1575 (حديث رقم 1) . (2) باختصار وتصرف يسير عن الفتاوى 10/ 653-، 654 (3) انظر الشاهد القرآني رقم (14) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3507 النظام الآيات/ الأحاديث/ الآثار 7/ 12/- النظام لغة: مصدر قولهم: نظمت الشّيء، وهو مأخوذ من مادّة (ن ظ م) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على تأليف الشّيء وتآلفه «1» ، وقال الجوهريّ: يقال: نظمت اللّؤلؤ أي جمعته في السّلك، والتّنظيم مثله، ومنه نظمت الشّعر (نظما) ، ونظّمته (تنظيما) ، والنّظام الخيط الّذي ينظم به اللّؤلؤ، ونظم من لؤلؤ، وهو في الأصل مصدر (سمّي به) ، وقال ابن الأثير: وفي حديث أشراط السّاعة «وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه» النّظام العقد من الجوهر والخرز ونحوهما، وسلكه خيطه. وقال ابن منظور: النّظم التّأليف، يقال نظمه نظما ونظاما، ونظّمه فانتظم وتنظّم، ويقال: نظمت اللّؤلؤ أي جمعته في السّلك، وكلّ شيء قرنته بآخر أو ضممت بعضه إلى بعض فقد نظمته، والنّظم (يستعمل أيضا) بمعنى المنظوم، وذلك وصف بالمصدر، والنّظام ما نظمت فيه الشّيء من خيط وغيره، ونظام كلّ أمر: ملاكه، والجمع أنظمة وأناظيم ونظم، والنّظم (أيضا) نظمك الخرز بعضه إلى بعض في نظام واحد، ويقال: ليس لأمره نظام أي لا تستقيم طريقته، والانتظام: الاتّساق، والنّظام: الهدي والسّيرة، وليس لأمرهم نظام، أي ليس له هدي ولا متعلّق ولا استقامة، وما زال على نظام واحد أي عادة، ويقال: تناظمت الصّخور: تلاصقت، جاء في المعجم الوسيط: النّظام التّرتيب والاتّساق، ونظام الأمر: قوامه وعماده، والنّظام: الطّريقة: يقال ما زال على نظام واحد (أي طريقة واحدة) «2» . قلت: وفي حديث أمّ معبد جاء في صفته صلّى الله عليه وسلّم كأنّ منطقه خرزات نظم يتحدّرن، يعني أنّ كلامه- عليه الصّلاة والسّلام- كان ينساب مرتّبا منسّقا كأنّه خرزات عقد تنساب في سلاسة وترتيب، فلا يتأخّر ما حقّه التّقديم، ولا يتقدّم اللّاحق على السّابق، وإنّما وضع كلّ في مكانه اللّائق به «3» .   (1) فى الأصل «على تأليف الشيء وتأليفه» بتكرير لفظ تأليفه، وهذا التكرير لا معنى له وقد ذكر المحقق في هامش (3) أنه ربما كان المقصود «وتكثيفه» وهذا بعيد جدا من حيث اللفظ والمعنى، ولعل الصواب ما أثبتناه. (2) مقاييس اللغة (5/ 443) ، والصحاح (5/ 2041) ، والنهاية (5/ 79) ، ولسان العرب (نظم) (1469) (ط. دار المعارف) ، والمعجم الوسيط (2/ 941) . (3) منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير (172) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3508 النظام اصطلاحا: لم تذكر كتب الاصطلاحات القديمة الّتى وقفنا عليها لفظ «نظام» باعتباره مصطلحا خاصّا بفنّ معيّن ومن ثمّ يكون اللّفظ في معناه الأخلاقيّ باقيا على أصل معناه في الاستعمال اللّغويّ، وإذا استرشدنا بما جاء في حديث أمّ معبد من وصف كلامه صلّى الله عليه وسلّم بأنّه «خرزات نظم يتحدّرن» وبما جاءت به معاجم اللّغة، من أنّ النّظام يعني الاتّساق والاستقامة، فإنّنا نستطيع القول بأنّ «النّظام» في الاصطلاح (الأخلاقيّ) هو: أن يرتّب الفرد أو الجماعة الأمور ترتيبا يجعلها متناسقة مؤتلفة لا تناقض فيها ولا تنافر (بحيث يتقدّم ما حقّه التّقديم ويتأخّر ما ينبغي فيه التّأخير) ولا يكون ذلك إلّا باتّباع منهج الشّرع الحنيف، وما أقرّته الجماعة بما لا يتعارض مع هذا المنهج. أمّا في المعاجم المتخصّصة الحديثة؛ فقد وردت للنّظام التّعاريف الاصطلاحيّة الآتية: النّظام: قواعد ضبط السّلوك أو العمل ورقابتهما «1» وقيل: هو قواعد ضبط السّلوك أو العمل به «2» . ويقال: النّظام: وضع الأشياء أو الأفكار على صورة مرتّبة. أمّا النّظام الاجتماعيّ فهو جملة القوانين الّتي يخضع لها المجتمع «3» . وفي المجال الإداريّ يعرّف النّظام بأنّه: المبدأ الّذي يقضي بضرورة ترتيب العناصر المادّيّة والبشريّة في المشروع بطريقة منطقيّة ومنسّقة «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الطاعة- المراقبة- المسئولية- الرجولة- التأني. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإهمال- التفريط والإفراط- التهاون- البذاءة- الطيش- العجلة] .   (1) فى الأصل: قواعد ضبط ورقابة السلوك أو العمل، وقد أصلحنا العبارة بما يتفق مع الاستعمال الفصيح فى اللغة. (2) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (111) وانظر أيضا معجم مصطلحات العلوم الإنسانية (109) . (3) المعجم الفلسفي (201) . (4) معجم مصطلحات العلوم الإدارية (319) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3509 الآيات الواردة في «النظام» معنى 1- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) «1» 2- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «2» 3- قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (110) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118)   (1) آل عمران: 121- 125 مدنية (2) النساء: 102- 103 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3510 فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) «1» 4- وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) «2» 5- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) «3» 6- قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30)   (1) الأعراف: 106- 120 مكية (2) النور: 59- 62 مدنية (3) النمل: 17- 21 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3511 أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34) «1» 7- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) «2»   (1) النمل: 29- 34 مكية (2) الصف: 4 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3512 الأحاديث الواردة في (النظام) معنى 1- * (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال عمرو: كان النّاس إذا نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منزلا، تفرّقوا في الشّعاب والأودية، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ تفرّقكم في هذه الشّعاب والأودية، إنّما ذلكم من الشّيطان» فلم ينزل بعد ذلك منزلا إلّا انضمّ بعضهم إلى بعض حتّى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمّهم) * «1» . 2- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخازن المسلم الأمين الّذي (ينفذ وربّما قال يعطى) ما أمر به، فيعطيه كاملا موفّرا، طيّبة به نفسه، فيدفعه إلى الّذي أمر له به، أحد المتصدّقين» ) * «2» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال: «إنّك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أوّل ما تدعوهم إليه عبادة الله- عزّ وجلّ-، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم. فإذا فعلوا، فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوقّ كرائم أموالهم» . وفي لفظ آخر: «واتّق دعوة المظلوم؛ فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب) » * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربّنا لك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون، وأقيموا الصّفّ في الصّلاة، فإنّ إقامة الصّفّ من حسن الصّلاة» ) * «4» . 5- * (عن أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمّروا أحدهم» ) * «5» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سوّوا صفوفكم، فإنّ تسوية الصّفّ من تمام الصّلاة» ) * «6» . 7- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل نجد، فوازينا العدوّ فصاففنا لهم، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي لنا، فقامت طائفة معه تصلّي، وأقبلت طائفة على العدوّ، وركع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن معه وسجد   (1) أبو داود (2628) واللفظ له. وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 21) وقال محققه هو حديث حسن. (2) البخاري- الفتح 3 (1438) . ومسلم (1023) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 5 (2448) . ومسلم (19) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 2 (722) واللفظ له. ومسلم (414) . (5) أبو داود (2608) وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 18) وقال محققه: إسناده حسن. (6) البخاري- الفتح 2 (723) . ومسلم (433) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3513 سجدتين، ثمّ انصرفوا مكان الطّائفة الّتي لم تصلّ فجاءوا، فركع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهم ركعة وسجد سجدتين، ثمّ سلّم، فقام كلّ واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين) * «1» . 8- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: «كنّا نبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة، يقول لنا: فيما استطعت» ) * «2» . 9- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح مناكبنا في الصّلاة ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم. ليليني منكم أولو الأحلام والنّهى «3» ، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم) * «4» . 10- * (عن أبي عبد الله النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم» ) * «5» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلّا بإذنه «6» .، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلّا بإذنه) * «7» . 12- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسّنّة، فإن كانوا في السّنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما. ولا يؤمّنّ الرّجل الرّجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلّا بإذنه» ) * «8» . من فوائد (النظام) (1) دليل الالتزام بأحكام الشّرع. (2) إمكان القيام بالأعمال الكثيرة في الأوقات القليلة. (3) القيام بالأعباء على قدر التّحمّل والإمكانات. (4) التزام النّظام يبعد الشّيطان ويجلب البركة. (5) النّظام يحفظ أمر الجماعة ويقيها من الاختلاف والتفرّق. (6) النّظام يؤدّي إلى ألفة الجماعة وعدم اختلافها. (7) النّظام يوطّد أركان الأسرة ويدعّم العلاقات الاجتماعيّة. (8) النّظام يبعد الشّحناء ويؤدّي إلى تولية الأحقّ في الإمامة وغيرها.   (1) البخاري- الفتح 2 (942) واللفظ له. ومسلم (839) . (2) مسلم (1867) . (3) الأحلام والنهي: أي ذوو الألباب والعقول. (4) مسلم (432) . (5) البخاري- الفتح 2 (717) . ومسلم (436) واللفظ له. (6) شاهد: أي حاضر. وهذا في صوم التطوع أما صوم الفريضة فلا تحتاج إلى إذنه. (7) البخاري- الفتح 9 (5195) . ومسلم (1026) واللفظ له. (8) مسلم (673) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3514 النظر والتبصر الآيات/ الأحاديث/ الآثار 145/ 13/ 16 النّظر و التّبصّر لغة: النّظر لغة: اسم لحسّ العين، ومصدر لقولهم: نظره، ونظر إليه نظرا ومنظرا ونظرانا ومنظرة وتنظارا بمعنى: تأمّله بعينه، ويقال: نظر لهم بمعنى رثى لهم وأعانهم، ونظر بينهم: حكم «1» ، وقال ابن منظور: النّظر: الفكر في الشّيء تقدّره وتقيسه منك، والنّظرة: اللّمحة بالعجلة، وقول بعضهم: من لم يعمل نظره لم يعمل لسانه، معناه: من لم يرتدع بالنّظر إلى نفسه من ذنب أذنبه لم يرتدع بالقول، أمّا قوله سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (القيامة/ 22) فالمراد أنّها نضرت بنعيم الجنّة والنّظر إلى ربّها «2» ، والنّظر يقع على الأجسام والمعاني، فما كان بالأبصار فهو للأجسام وما كان بالبصائر كان للمعاني «3» ، أمّا قوله سبحانه وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (الأعراف/ 198) فالمراد بالنّظر- كما يقول القرطبيّ: فتح العينين إلى المنظور إليه، أي وتراهم (أي الأصنام) كالنّاظر إليك وقيل كانت لهم أعين من جواهر مصنوعة فلذلك قال: وتراهم ينظرون، وقيل المراد بذلك المشركون، أخبر عنهم بأنّهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم «4» ، وقال صاحب البصائر: واستعمال النّظر في البصر أكثر استعمالا عند العامّة، وفي البصيرة عند الخاصّة، ويقال: نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أم لم تره، ونظرت إليه: إذا رأيته وتدبّرته ومن ذلك قوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (الغاشية/ 17) ، أمّا قولهم: نظرت في كذا. فالمعنى تأمّلته وذلك كما في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.. (الأعراف/ 185) إذ يراد منه الحثّ على تأمّل حكمته في خلقها، والنّظر أيضا: الانتظار، ومنه قوله تعالى: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ (الحديد/ 13) ، ويستعمل النّظر أيضا في التّحيّر في الأمر نحو قوله تعالى: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (البقرة/ 55) ، والنّظر: البحث، وهو أعمّ من القياس، لأنّ كلّ   (1) القاموس المحيط 663 (ط. بيروت) ، وقد حكى الفيروزابادي فتح العين وكسرها في الماضي، فقال: نظره كنصره وسمعه، لكن الفتح هو الأكثر استعمالا. (2) نقل ابن منظور في هذا الموضع عن الأزهري قوله: ولا وجه لمن قال في معنى الآية الكريمة أن النظر هنا معناه الانتظار لأن الفعل «نظر» إذا تعدى بإلى فإنه لا يكون (النظر) إلا بالعين. انظر اللسان 5/ 216، 217 (3) لسان العرب 5/ 218 (4) تفسير القرطبي 7/ 344، وقد ذهب أبو عبيد إلى المعنى الأول ولكنه ذكر أن المراد المقابلة لأن النظر لا يكون إلا بها، انظر اللسان 5/ 218 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3515 قياس نظر، ولا عكس، والنّظير المثل، والجمع نظراء، وأصله المناظر، كأنّ كلّ واحد منهما ينظر إلى صاحبه فيباريه، والمناظرة المباحثة والمباراة في النّظر، واستحضار كلّ ما يراه (المناظر) ببصيرته «1» . التّبصّر لغة: التّبصّر في اللّغة مصدر قولهم: تبصّر الشّيء إذا نظر إليه هل يعرفه؟ وهو مأخوذ من مادّة (ب ص ر) الّتي تدلّ على العلم بالشّيء «2» ، ومعناه: التّأمّل والتّعرّف، أمّا التّبصير فهو التّعريف والإيضاح، يقال: بصّره بالأمر تبصيرا وتبصرة فهّمه إيّاه، أمّا البصر فهو اسم لحاسّة الإبصار، أي الرّؤية «3» والبصيرة: عقيدة القلب، وقيل هي اسم لما اعتقد في القلب من الدّين وتحقيق الأمر، وقيل: هي الفطنة، وقيل: هي الثّبات في الدّين، وقولهم: فعل ذلك علي بصيرة أي على عمد، وعلى غير بصيرة أي على غير يقين ويقال: تبصّر في رأيه واستبصر: تبيّن ما يأتيه من خير وشرّ، أمّا قولهم: استبصر في أمره ودينه، فمعناه: كان ذا بصيرة، أمّا قوله سبحانه (في عاد وثمود) وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (العنكبوت/ 38) فمعناه: أنّهم أتوا ما أتوه وقد تبيّن لهم أنّ عاقبته عذابهم «4» . وقال القرطبيّ: في ذلك قولان (آخران) أحدهما: كانوا مستبصرين في الضّلالة «5» ، والآخر: كانوا مستبصرين قد عرفوا الحقّ من الباطل بظهور البراهين، وهذا القول أشبه، لأنّه إنّما يقال: فلان مستبصر إذا عرف الشّيء على الحقيقة، قال الفرّاء: كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم «6» . وقال الفيروزاباديّ: البصيرة هي قوّة القلب المدركة، ويقال لها بصر أيضا، ولا يكاد يقال للجارحة النّاظرة بصيرة، إنّما هي بصر، وقول الله عزّ وجلّ أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ (يوسف/ 108) فالمعنى: على معرفة وتحقّق، أمّا قوله سبحانه: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ فالمعنى عليه من جوارحه بصيرة تبصره وتشهد عليه يوم القيامة، وقيل جعله على نفسه بصيرة كما يقال: فلان جود لأنّ الإنسان ببديهة عقله يعلم أنّ ما يقرّبه إلى الله هو السّعادة، وما يبعده عن طاعته هو الشّقاوة، وقيل الهاء (أي التّاء) في بصيرة للمبالغة، (والمعنى أنّ الإنسان بصير على نفسه بدرجة تشرف على الغاية) «7» ، وقال القرطبيّ: جاء تأنيث البصيرة لأنّ المراد بالإنسان هنا الجوارح لأنّها شاهدة على نفس الإنسان، فكأنّه قال: بل الجوارح على نفس   (1) بتصرف يسير عن: بصائر ذوي التمييز 5/ 82- 84، ومقاييس اللغة لابن فارس 1/ 253 (2) انظر في مدلول لفظ «البصر» ما ذكرناه عن أئمة اللغة في صفة «غض البصر» . (3) لسان العرب 4/ 65 (ط. بيروت) . (4) نقل القرطبي هذا القول عن مجاهد، تفسير القرطبي 13/ 344 (5) السابق، الصفحة نفسها. (6) بصائر ذوي التميير 2/ 223 (7) تفسير القرطبي 19/ 100، وقد ذكر آراء أخرى في تفسير الآية الكريمة عن بعض التابعين سنذكرها في قسم الآثار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3516 الإنسان بصيرة «1» ، أمّا جعل آية النّهار مبصرة في قوله سبحانه: وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (الإسراء/ 12) فالمعنى: صار أهله بصراء «2» ، وقيل: منيرة أو مضيئة، يبصر فيها «3» ، والمستبصر في حديث أمّ سلمة «أليس الطّريق يجمع التّاجر وابن السّبيل والمستبصر والمجبور» يقصد به: المستبين للشّيء، أي أنّهم كانوا على بصيرة من ضلالتهم، أرادت أنّ تلك الرّفقة قد جمعت الأخيار والأشرار «4» . مادّة البصر في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض أهل التّفسير أنّ البصر «5» في القرآن الكريم على أربعة أوجه: الأوّل: البصر بالقلب ومنه قوله تعالى: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (الأعراف/ 198) «6» . الثّاني: البصر بالعين، ومنه قوله تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (ق/ 22) . الثّالث: البصر بالحجّة، ومنه قوله تعالى: لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (طه/ 125) . الرّابع: البصر: الاعتبار، ومنه قوله تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (الذاريات/ 21) أي تعتبرون وقد جعل بعضهم هذا الوجه من النّوع الأوّل وهو البصر بالقلب «7» . النّظر والتّبصّر اصطلاحا: النّظر اصطلاحا: قال الفيروزاباديّ: النّظر: تقليب البصيرة لإدراك الشّيء ورؤيته وقد يراد به التّأمّل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص «8» . أمّا التّبصّر: فلم يرد ضمن ما أوردته كتب المصطلحات الّتي وقفنا عليها- ومن ثمّ فإنّه يكون باقيا على أصل استعماله في اللّغة، وإذا تأمّلنا ما ذكره صاحب اللّسان من أنّ التّبصّر هو النّظر إلى الشّيء بقصد معرفته «9» ، وأنّ تبصّر واستبصر بمعنى، يقال تبصّر في رأيه واستبصر: تبيّن ما يأتيه من خير وشرّ، وتأمّلنا أيضا ما ذكره القرطبيّ من أنّ الاستبصار هو معرفة الشّيء على الحقيقة (من خلال البراهين) «10» ، وأنّ الألف والسّين والتّاء تدلّ على الطّلب (وهذا هو المعنى الصّرفيّ للصّيغة) ؛ إذا كان الأمر كذلك فإنّه يمكن تعريف التّبصّر من خلال ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون بالقول: التّبصّر: طلب معرفة الأمور على حقيقتها من خلال البراهين الحسّيّة الّتي يمكن للعين رؤيتها وللبصيرة   (1) تفسير القرطبي 19/ 100 (2) بصائر ذوي التمييز 2/ 223 (3) تفسير ابن كثير 3/ 29، والبحر المحيط 6/ 3 (4) النهاية لابن الأثير 1/ 132 (5) في الأصل «البصير» ، وما ذكرناه أولى لأن الوجه الرابع يتعلق بالبصر مطلقا لا بلفظ «بصر» فقط. (6) مبنى هذا التفسير على أن المراد هنا هم المشركون وليس الأصنام (انظر المقدمة اللغوية) . (7) نزهة الأعين النواظر ص 200- 201 (8) بصائر ذوي التمييز 5/ 82 (9) عبارة ابن منظور في اللسان: تبصر الشيء: نظر إليه، هل يعرفه؟ (اللسان 4/ 65) . (10) انظر تفسير القرطبي 13/ 343 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3517 (أي قوّة القلب المدركة) تأمّلها واعتقاد صحّتها.. وهذه خطوة نحو تحقيق النّظر بمعناه الأخير الّذي ذكره الفيروز اباديّ، أمّا المعنيان الأوّلان للنّظر وهما: تقليب البصيرة، والتأمّل والفحص فهما من أعمال العقل الخالصة، ولهذا فقد ربطنا بين الأمرين النّظر والتّبصّر لأنّ كلّا منهما لا يغني عن الآخر من ناحية، ولأنّ النّاس مختلفون في قدراتهم من ناحية ثانية، فهناك من قويت بصائرهم ويستطيعون من خلالها تحقيق المعرفة واليقين المطلوبين، وهناك من لم يزوّدوا بمثل هذه القوّة، وهؤلاء عليهم النّظر في البراهين الحسّيّة الّتي توصّلهم إلى الغاية المطلوبة. والخلاصة أنّ بين الأمرين (النّظر والتّبصّر) تكاملا وهما معا يسدّان حاجة جميع النّاس على اختلاف عقولهم، فالنّظر (العقليّ) قد يكتفي به البعض، أمّا البعض الآخر فعليه أن يطلب المعرفة (وخاصّة ما يتعلّق بمعرفة الله عزّ وجلّ) من خلال رؤيته لعجائب الصّنعة وعظيم الإتقان فيها، وفي ضوء ذلك نستطيع أن نصوغ تعريفا للأمرين معا على النّحو التّالي: النّظر والتّبصّر: تقليب البصيرة لإدراك حقائق الأشياء ومعرفتها بعد التّأمّل فيها وفحصها وطلب ذلك من خلال البراهين الحسّيّة المشاهدة «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاعتبار- التأمل التبين- التدبر- التفكر- البصيرة- اليقين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللهو واللعب- التفريط والإفراط- طول الأمل] .   (1) استنبطنا هذه الفقرة من أقوال العلماء في هذه المادة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3518 الآيات الواردة في «النظر والتبصر» أولا: الآيات الواردة في النظر: أ- الأمر بالنظر في مخلوقات الله عز وجل-: 1- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) «1» 2- وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) «2» 3- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) «3» 4- أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) «4» 5- قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) «5» 6- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «6» 7- فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) «7» 8- أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) «8»   (1) البقرة: 259 مدنية (2) الأنعام: 99 مكية (3) الأعراف: 133 مكية (4) الأعراف: 185 مكية (5) يونس: 101 مكية (6) العنكبوت: 20 مكية (7) الروم: 50 مكية (8) ق: 6- 7 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3519 9- أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) «1» ب- الأمر بالنظر في أحوال الأمم السابقة: 10- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) «2» 11- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) «3» 12- وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) «4» 13- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) «5» 14- فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «6» 15- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «7» 16- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) «8» 17- وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) «9»   (1) الغاشية: 17- 20 مكية (2) آل عمران: 137 مدنية (3) الأنعام: 11 مكية (4) الأعراف: 84- 86 مكية (5) الأعراف: 103 مكية (6) يونس: 73 مكية (7) يوسف: 109 مكية (8) النحل: 36 مكية (9) النمل: 14 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3520 18- وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) «1» 19- لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) «2» 20- فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) «3» 21- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) «4» 22- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) «5» 23- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) «6» 24- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «7» 25- * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) «8» 26- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «9» 27- * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) «10»   (1) النمل: 50- 51 مكية (2) النمل: 68- 69 مكية (3) القصص: 40 مكية (4) الروم: 9 مكية (5) الروم: 41- 42 مكية (6) فاطر: 44 مكية (7) الصافات: 72- 73 مكية (8) غافر: 21 مكية (9) غافر: 82 مكية (10) محمد: 10 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3521 ج- الأمر بالنظر في أحوال المكذبين والمشركين: 28- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) «1» 29- مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) «2» 30- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «3» 31- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) «4» 32- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) «5» 33- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) «6» 34- انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) «7» 35- قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97) «8» 36- وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ   (1) النساء: 49- 50 مدنية (2) المائدة: 75 مدنية (3) الأنعام: 22- 24 مكية (4) الأنعام: 46 مكية (5) الأنعام: 65 مكية (6) يونس: 38- 39 مكية (7) الإسراء: 48- 49 مكية (8) طه: 97 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3522 يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) «1» 37- * قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «2» د- الأمر بالنظر في أحوال الدنيا وخلق الإنسان: 38- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) «3» 39- اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (33) «4» 40- فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) «5» 41- فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا (29) وَحَدائِقَ غُلْباً (30) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (32) «6» 42- فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (7) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (8) «7»   (1) الفرقان: 7- 9 مكية (2) الزخرف: 24- 25 مكية (3) الإسراء: 18- 20 مكية (4) النمل: 28- 33 مكية (5) الصافات: 102 مكية (6) عبس: 24- 33 مكية (7) الطارق: 5- 8 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3523 ثانيا: التبصر: أ- البصير من أسماء المولى- عز وجل- وصفاته*: 43- وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96) «1» 44- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «2» 45- * وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) «3» 46- وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «4» 47- وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «5» ب- البصر من نعم الله- عز وجل- التي وهبها الإنسان (يحفظها عليه ويسأله عنها) : 48- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «6» 49- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ   * اكتفينا بما ورد في سورة البقرة، وقد ورد الإسم الكريم «البصير» الوصف «بصير» في ثمان وثلاثين آية أخرى، تنظر في المصحف الشريف وهي: آل عمران، الآيات/ 15، 15620، 163، والنساء: الآيتان/ 58، 134، المائدة/ 71، الأنفال/ 39، 72، هود/ 112، الإسراء/ 1، 17، 30، 96، طه/ 35، الحج/ 61، 75، الفرقان/ 20، لقمان/ 28، الأحزاب/ 9، سبأ/ 11، فاطر/ 31، 45، غافر/ 20، 44، 56، فصلت/ 40، الشورى/ 11، 27، الفتح/ 24، الحجرات/ 18، الحديد 4، المجادلة/ 1، الممتحنة/ 3، التغابن/ 2، الملك/ 19، الإنسان/ 2، الإنشقاق 15 (1) البقرة: 96 مدنية (2) البقرة: 110 مدنية (3) البقرة: 233 مدنية (4) البقرة: 237 مدنية (5) البقرة: 265 مدنية (6) البقرة: 20 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3524 كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) «1» 50- وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) «2» 51- وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) «3» 52- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (78) «4» 53- ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (9) «5» 54- وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) «6» 55- قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (23) «7» ج- البصر وسيلة لإدراك نعم الله- عز وجل- ومعرفته: 56- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) «8» 57- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) «9» 58- وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) «10» 59- هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) «11»   (1) الأنعام: 46 مكية (2) النحل: 78 مكية (3) الإسراء: 36 مكية (4) المؤمنون: 78 مكية (5) السجدة: 6- 9 مكية (6) الأحقاف: 26 مكية (7) الملك: 23 مكية (8) القصص: 72 مكية (9) السجدة: 27 مكية (10) الذاريات: 20- 21 مكية (11) الطور: 14- 15 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3525 60- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «1» 61- الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) «2» د- مجالات التبصر ووسائلة: 62- وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) «3» 63- هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) «4» 64- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) «5» 65- وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «6» 66- قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102) «7» 67- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) «8» 68- أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) «9» 69- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) «10»   (1) الحشر: 2 مدنية (2) الملك: 3- 4 مكية (3) الأعراف: 203 مكية (4) يونس: 67 مكية (5) الإسراء: 12- 13 مكية (6) الإسراء: 59 مكية (7) الإسراء: 102 مكية (8) النمل: 13 مكية (9) النمل: 86 مكية (10) القصص: 43 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3526 70- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) «1» 71- هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «2» 72- وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) «3» هـ- التبصر من صفات الأنبياء والمؤمنين: 73- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) «4» 74- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) «5» 75- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) «6» 76- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) «7» 77- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) * مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) «8» 78- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «9» 79- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) «10»   (1) غافر: 61 مكية (2) الجاثية: 20 مكية (3) ق: 7- 8 مكية (4) آل عمران: 13 مدنية (5) الأنعام: 50 مكية (6) الأنعام: 104 مكية (7) الأعراف: 201 مكية (8) هود: 23- 24 مكية (9) يوسف: 108 مكية (10) الرعد: 16 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3527 80- قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) «1» 81- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44) «2» 82- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) «3» 83- وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) «4» 84- وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) «5» 85- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «6» 86- وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) «7» 87- وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) «8» 88- يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15) «9»   (1) طه: 96 مكية (2) النور: 43- 44 مدنية (3) فاطر: 19- 22 مكية (4) الصافات: 175- 179 مكية (5) ص: 45- 47 مكية (6) غافر: 58 مكية (7) النجم: 13- 18 مكية (8) القلم: 3- 6 مكية (9) القيامة: 13- 15 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3528 و الكفار والمنافقون لا ينفعهم الله- عز وجل- بالتبصر: 89- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) «1» 90- وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) «2» 91- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «3» 92- أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) «4» 93- وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) «5» 94- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) «6» 95- الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) «7» 96- وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) «8» 97- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) «9»   (1) البقرة: 7 مدنية (2) الأنعام: 110 مكية (3) الأعراف: 179 مكية (4) الأعراف: 195 مكية (5) الأعراف: 198 مكية (6) يونس: 42- 43 مكية (7) هود: 19- 20 مكية (8) الحجر: 14- 15 مكية (9) النحل: 106- 108 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3529 98- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) «1» 99- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) «2» 100- وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) «3» 101- الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) «4» 102- أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) «5» 103- وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) «6» 104- فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23) «7» ز- التبصر في غير وقته لا جدوى فيه: 105- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) «8» 106- وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) «9» 107- وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) «10»   (1) الحج: 46 مدنية (2) العنكبوت: 38 مكية (3) يس: 9 مكية (4) يس: 65- 66 مكية (5) الجاثية: 23 مكية (6) الأحقاف: 26 مكية (7) محمد: 22- 23 مدنية (8) مريم: 37- 38 مكية (9) السجدة: 12 مكية (10) ص: 62- 64 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3530 108- لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) «1» 109- وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) «2» ح- التبصر يمنع من الموبقات: 110- ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) «3» 111- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) «4» الآيات الواردة في «التبصر» معنى 112- فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) «5» 113- أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6) «6» 114- أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) «7» 115- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) «8» 116- * أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) «9» 117- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) «10» 118- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) «11»   (1) ق: 22 مكية (2) المعارج: 10- 11 مكية (3) الأنبياء: 2- 3 مكية (4) النمل: 54- 55 مكية (5) البقرة: 73 مدنية (6) الأنعام: 6 مكية (7) التوبة: 126 مدنية (8) الرعد: 12 مدنية (9) الرعد: 19 مدنية (10) الرعد: 41 مدنية (11) النحل: 48 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3531 119- أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) «1» 120- * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «2» 121- فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89) «3» 122- أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) «4» 123- بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44) «5» 124- وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40) «6» 125- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «7» 126- أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) «8» 127- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «9» 128- أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) «10» 129- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) «11» 130- وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «12»   (1) النحل: 79 مكية (2) الإسراء: 99 مكية (3) طه: 88- 89 مكية (4) الأنبياء: 30 مكية (5) الأنبياء: 44 مكية (6) الفرقان: 40 مكية (7) الشعراء: 7- 8 مكية (8) النمل: 86 مكية (9) النمل: 93 مكية (10) العنكبوت: 19 مكية (11) العنكبوت: 67 مكية (12) الروم: 24 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3532 131- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) «1» 132- أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) «2» 133- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «3» 134- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) «4» 135- أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) «5» 136- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) «6» 137- أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) «7» 138- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «8» 139- يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) «9» 140- فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) «10» 141- سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) «11» 142- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) «12»   (1) الروم: 37 مكية (2) لقمان: 20 مكية (3) لقمان: 31 مكية (4) السجدة: 27 مكية (5) سبأ: 9 مكية (6) يس: 71 مكية (7) يس: 77 مكية (8) غافر: 13 مكية (9) غافر: 81 مكية (10) فصلت: 15 مكية (11) فصلت: 53 مكية (12) الأحقاف: 33 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3533 143- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) «1» 144- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) «2» 145- أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (16) «3»   (1) القمر: 1- 3 مكية (2) الملك: 19 مكية (3) نوح: 15- 16 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3534 الأحاديث الواردة في (النظر والتبصر) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم، فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة «1» ، فقال: أنّا سيّد النّاس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد «2» واحد، فيسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر «3» ، وتدنو الشّمس، فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون، وما لا يحتملون، فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم، فيقول بعض النّاس لبعض: ائتوا آدم ... » الحديث» ) * «4» . 2- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما حديثا طويلا عن الدّجّال، فكان فيما حدّثنا قال: «يأتي «5» ، وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة «6» ، فينتهي إلى بعض السّباخ الّتي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير النّاس- أو من خير النّاس «7» - فيقول له أشهد أنّك الدّجّال الّذي حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثه، فيقول الدّجّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثمّ أحييته، أتشكّون في الأمر؟ فيقولون: لا، قال: فيقتله ثمّ يحييه، فيقول حين يحييه «8» : والله! ما كنت فيك قطّ أشدّ بصيرة منّي الآن، قال فيريد الدّجّال أن يقتله، فلا يسلّط عليه» ) * «9» . 3- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. اصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك وسعديك «10» والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك، أنا بك وإليك «11» . تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك   (1) نهس نهسة، أي أخذ قطعة بأطراف أسنانه. (2) الصعيد: الأرض الواسعة المستوية. (3) المعنى ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم. (4) البخاري، الفتح 8 (4712) ، ومسلم 1 (194) ، واللفظ له. (5) أي الدجال. (6) نقاب المدينة أي طرقها وفجاجها، والنقاب جمع نقب، وهو الطريق بين جبلين. (7) الشك من الراوي. (8) القائل هو الرجل الذي وصفه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأنه خير الناس أو من خير الناس. (9) البخاري- الفتح 13 (7132) ، ومسلم 4 (2938) ، واللفظ له. (10) سعديك: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة. (11) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3535 ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت. وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر. لا إله إلّا أنت» ) * «1» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله- تعالى- قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته» ) * «2» 5- * (عن ابن شهاب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام من اللّيل فنظر في أفق السّماء فقال: «ماذا فتح اللّيلة من الخزائن؟ وماذا وقع من الفتن؟ كم من كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة، أيقظوا صواحب الحجر «3» » ) * «4» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في سجود القرآن باللّيل: سجد وجهي للّذي خلقه، وشقّ سمعه وبصره بحوله وقوّته» ) * «5» . 7- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سجد يقول: اللهمّ لك سجدت، ولك أسلمت، وبك آمنت، سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره فأحسن صورته، وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» ) * «6» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا نظر أحدكم إلى من فضّل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممّن فضّل عليه» ) * «7» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) مسلم (771) . (2) البخاري، الفتح (6502) . (3) صواحب الحجر: هن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، والحجر هي منازلهن، وانما خصهن بالايقاظ لأنهن الحاضرات حينئذ. (4) الموطأ 2/ 913 (كتاب اللباس ح 8) ، هكذا رواه مالك مرسلا، وقد رواه الإمام البخاري موصولا عن أم سلمة- رضي الله عنها- غير أنه لم يذكر عبارة «فنظر في أفق السماء» ، انظر: البخاري- الفتح 1 (115) . (5) الترمذي (580) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي 2/، 222 (6) النسائي 2/ 221 (ح 1126) ، وقد روى مثله ايضا عن جابر بن عبد الله حديث رقم (1127) ، ومحمد بن مسلمة (ح 1128) إلا انه قيد هذا الدعاء بسجود صلاة التطوع، وابن ماجه (1054) . (7) البخاري، الفتح (6490) ، ومسلم (2963) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3536 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألّا تزدروا نعمة الله «1» » . قال أبو معاوية «عليكم» ) * «2» . «3» . 10- * (عن أبي شريح- رضي الله عنه- أنّه قال لعمرو بن سعيد- وهو يبعث البعوث إلى مكّة- ائذن لي أيّها الأمير أحدّثك قولا قام به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلّم به: حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس، فلا يحلّ لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها فقولوا: إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثمّ عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشّاهد الغائب» ) * «4» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بتّ ليلة عند خالتي ميمونة، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من اللّيل، فأتى حاجته «5» ، ثمّ غسل وجهه ويديه، ثمّ نام، ثمّ قام فأتى القربة، فأطلق شناقها «6» ، ثمّ توضّأ وضوءا بين الوضوءين، ولم يكثر، وقد أبلغ، ثمّ قام فصلّى. فقمت فتمطّيت كراهية أن يرى أنّي كنت أنتبه له، فتوضّأت. فقام فصلّى. فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه. فتتامّت صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اللّيل ثلاث عشرة ركعة، ثمّ اضطجع. فنام حتّى نفخ. وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصّلاة. فقام فصلّى ولم يتوضّأ وكان في دعائه «اللهم! اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، وعظّم لي نورا» ) * «7» . 12- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فصلّى الغداة ثمّ جلس، حتّى إذا كان من الضّحى ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ جلس مكانه حتّى صلّى الأولى والعصر والمغرب، كلّ ذلك لا يتكلّم، حتّى صلّى العشاء الآخرة، ثمّ قام إلى أهله، فقال النّاس لأبي بكر: ألا تسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما شأنه؟ صنع اليوم شيئا لم يصنعه قطّ، قال: فسأله، فقال: نعم، عرض عليّ ما هو كائن من أمر الدّنيا وأمر الآخرة، فجمع الأوّلون والآخرون بصعيد واحد، ففظع النّاس «8» بذلك،   (1) مسلم (2963) . (2) أبو معاوية هو الذي روى الحديث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. (3) الفرق بين هذا الحديث والذي قبله أن هنا حثا على النظر من أول الأمر إلى من هو أسفل، كما أن فيه ذكرا لسبب النظر، أما الحديث السابق فإن الإنسان هو الذي يبدأ بالنظر إلى من هو فوقه، وربما لحقه من ذلك حرن أو نحوه، فأرشده الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى علاج هذه الحالة ومن ثم أثبتنا الحديثين معا. (4) البخاري، الفتح (104) . (5) أتى حاجته أي قضى حاجته في المحل الخاص بذلك. (6) أطلق شناقها أي فك الخيط الذي تربط به في الوتد، والشناق الخيط. (7) مسلم (763) . (8) فظع من الفظاعة وهو الأمر الشديد الشنيع ومعنى فظع الناس أي اشتد عليهم الأمر وهالهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3537 حتّى انطلقوا إلى آدم عليه السّلام والعرق يكاد يلجمهم، فقالوا: يا آدم أنت أبو البشر، وأنت اصطفاك الله عزّ وجلّ، اشفع لنا إلى ربّك، قال: لقد لقيت مثل الّذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (آل عمران/ 33) قال فينطلقون إلى نوح عليه السّلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربّك، فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعائك، ولم يدع على الأرض من الكافرين ديّارا، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ اتّخذه خليلا، فينطلقون إلى إبراهيم، فيقول: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى موسى عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ كلّمه تكليما، فيقول موسى عليه السّلام: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم، فإنّه يبرأ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فيقول عيسى: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى سيّد ولد آدم، فإنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشفع لكم إلى ربّكم عزّ وجلّ، قال: فينطلق، فيأتي جبريل عليه السّلام ربّه، فيقول الله- عزّ وجلّ-: ائذن له وبشّره بالجنّة، قال فينطلق به جبريل فيخرّ ساجدا قدر جمعة، ويقول الله عزّ وجلّ: ارفع رأسك يا محمّد، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال: فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربّه عزّ وجلّ خرّ ساجدا قدر جمعة أخرى، فيقول الله عزّ وجلّ: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال: فيذهب ليقع ساجدا، فيأخذ جبريل عليه السّلام بضبعيه «1» ، فيفتح الله- عزّ وجلّ- عليه من الدّعاء شيئا لم يفتحه على بشر قطّ، فيقول: أي ربّ، خلقتني سيّد ولد آدم ولا فخر، وأوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، حتّى إنّه ليرد عليّ الحوض أكثر ممّا بين صنعاء وأيلة، ثمّ يقال: ادعوا الصّدّيقين فيشفعون، ثمّ يقال: ادعو الأنبياء، قال: فيجيء النّبيّ ومعه العصابة، والنّبيّ ومعه الخمسة والسّتّة، والنّبيّ وليس معه أحد، ثمّ يقال: ادعوا الشّهداء، فيشفعون لمن أرادوا، وقال: فإذا فعلت الشّهداء ذلك، قال: يقول الله- عزّ وجلّ-: أنا أرحم الرّاحمين، أدخلوا جنّتي من كان لا يشرك بي شيئا، قال: فيدخلون الجنّة، قال: ثمّ يقول الله- عزّ وجلّ انظروا في النّار هل تلقون من أحد عمل خيرا قطّ؟ قال: فيجدون في النّار رجلا. فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي كنت أسامح النّاس في البيع والشّراء، فيقول الله- عزّ وجلّ-: أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي، ثمّ يخرجون من النّار رجلا فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي قد أمرت ولدي إذا متّ فأحرقوني بالنّار ثمّ اطحنوني حتّى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الرّيح، فو الله لا يقدر عليّ ربّ العالمين أبدا! فقال الله- عزّ وجلّ-: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك، قال فيقول الله   (1) أخذ بضبعيه: أي أخذ بعضديه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3538 - عزّ وجلّ-: انظر إلى ملك أعظم ملك، فإنّ لك مثله وعشرة أمثاله، قال: فيقول: لم تسخر بي وأنت الملك؟ قال: وذاك الّذي ضحكت منه من الضّحى» ) * «1» . 13- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن لم تكن فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه، فحمد الله على ما فضّله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا» ) * «2» . الأحاديث الواردة في (النظر والتبصر) معنى [انظر صفات: الفراسة والبصيرة- التفكر- التدبر] من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (النظر والتبصر) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا كان يوم أحد هزم المشركون، فصرخ إبليس- لعنة الله عليه- أي عباد الله، أقراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة، فإذا هو بأبيه اليمان «3» ، فقال: أي عباد الله، أبي أبي، قال: قالت: فو الله ما احتجزوه حتّى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، قال عروة: فو الله ما زالت في حذيفة بقيّة خير حتّى لحق بالله» ) * «4» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت «5» : «لقد بصّر أبو بكر النّاس الهدى، وعرّفهم الحقّ الّذي عليهم وخرجوا من عنده يتلون وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... .. إلى والشّاكرين (آل عمران/ 144) » ) * «6» . 3- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (القيامة/ 14) : بصيرة أي شاهد وهو شهود   (1) أحمد: (1/ 4- 5) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 161) . (2) الترمذي (2512) واللفظ له وقال: حسن غريب وبعضه في مسلم من حديث أبي هريرة (2963) . وابن ماجة (4142) . والحديث في المشكاة (3/ 1446) برقم (5256) وعزاه إلى الترمذي. (3) قال الإمام البخاري عقب إيراده الحديث: بصرت: علمت من البصيرة في الأمر، وأبصرت من «بصر العين» ، ويقال: بصرت وأبصرت واحد. (4) البخاري، الفتح (4065) . (5) جاء ذلك في سياق حديث عائشة عن انتقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى، وما حدث من أبي بكر وعمر حينذاك. (6) البخاري، الفتح (3670) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3539 جوارحه عليه، يداه بما يبطش بهما، ورجلاه بما مشى عليهما، وعيناه بما أبصر بهما» ) * «1» . 4- * (وقال الحسن- رضي الله عنه- في الآية الكريمة السّابقة: يعني أنّ الإنسان بصير بعيوب غيره جاهل بعيوب نفسه» ) * «2» . 5- * (عن اللّيث- رضي الله عنه- قال: وكان الّذي نهي عنه من ذلك- أي من كراء الأرض- ما لو نظر فيه ذو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه، لما فيه من المخاطرة» ) * «3» . 6- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى: «من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها، نال خيرها، ونجا من شرّها، ومن لم ير العواقب غلب عليه الحسّ، فعاد عليه بالألم ما طلب منه السّلامة، وبالنّصب مارجا منه الرّاحة» ) * «4» . 7- * (وقال ابن الجوزيّ- أيضا-: قرأت هذه الآية قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ (الأنعام/ 46) ، فلاحت لي إشارة كدت أطيش منها، وذلك أنّه إن كان عني بالآية نفس السّمع والبصر فإنّ السّمع آلة لإدراك المسموعات، والبصر آلة لإدراك المبصرات فهما يعرضان ذلك على القلب فيتدبّر ويعتبر، فإذا عرضت المخلوقات على السّمع والبصر أوصلا إلى القلب أخبارها، وأنّها تدلّ على الخالق، وتحمل على طاعة الصّانع، وتحذّر من بطشه عند مخالفته. وإن عني معنى (حقيقة) السّمع والبصر، فذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا (لأنّهما) شغلا بالهوى، فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات، فيرى وكأنّه ما رأى، ويسمع وكأنّه ما سمع» ) * «5» . 8- * (وقال ابن الجوزيّ- أيضا- «رأيت كلّ من يعثر بشيء أو ينزلق في مطر يلتفت إلى ما عثر به، فينظر إليه، طبعا موضوعا في الخلق، إمّا ليحذر منه إن جاز عليه مرّة أخرى أو لينظر- مع احترازه وفهمه- كيف فاته التّحرّز من مثل هذا؟ فأخذت من ذلك إشارة، وقلت: يا من عثر مرارا، هلّا أبصرت ما الّذي عثّرك؟ أو، هلّا قبّحت- مع حزمها- تلك الواقعة» ) * «6» . 9- * (وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: إذا نظر العاقل إلى أفعال الباري سبحانه، رأى أشياء لا يقتضيها عقله، مثل الآلام والذّبح للحيوان، وتسليط الأعداء على الأولياء- مع قدرته سبحانه على منع ذلك- وكالابتلاء بالمجاعة للصّالحين.. وأشياء كثيرة من هذا الجنس يعرضها العقل على العادات في تدبيره فيرى أنّه لا حكمة تظهر له فيها.   (1) تفسير القرطبي 19/ 100 (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) البخاري، الفتح (2347) ، وهذا الأثر عن الليث جاء تعقيبا على حديث رافع بن خديج عن غميه أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنهى عن ذلك. (4) صيد الخاطر ص 3 (5) المرجع السابق، 114- 115 (بتصرف واختصار) . (6) المرجع السابق 146- 147 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3540 فالاحتراز من العقل به (أي بالعقل أيضا) أن يقال له: ألم يثبت عندك أنّه سبحانه مالك حكيم وأنّه لا يفعل شيئا عبثا؟ فيقول: بلى. فيقال له: نحن نحترز من تدبيرك الثّاني بما ثبت عندك في الأوّل، فلم يبق إلّا أنّه خفي عليك وجه الحكمة في فعله تعالى.. واعتبر بحال الخضر وموسى- عليهما السّلام- إذ لمّا فعل الخضر أشياء تخرج عن العادات أنكر موسى ونسي إعلام الخضر له بأنّه ينظر فيما لا يعلمه من العواقب، فإذا خفيت العاقبة على موسى مع مخلوق، فأولى أن يخفى علينا كثير من حكمة الحكيم، وهذا أصل إن لم يثبت عند الإنسان أخرجه إلى الاعتراض والكفر، وإن ثبت استراح عند نزول كلّ آفة» ) * «1» . 10- * (وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: النّظر في العواقب، وفيما يجوز أن يقع شأن العقلاء وأمّا النّظر في الحالة الرّاهنة فحسب، فحالة الجهلة الحمقى، مثل أن يرى نفسه معافى وينسى المرض، أوغنيّا وينسى الفقر أو يرى لذّة عاجلة وينسى ما تجني عواقبها، وليس للعقل شغل إلّا النّظر في العواقب، وهو يشير بالصّواب، من أين يقبل؟) * «2» . 11- * (وقال ابن مفلح (عن أبي الفرج) : إنّما فضّل العقل على الحسّ بالنّظر في العواقب فإنّ الحسّ لا يرى إلّا الحاضر، والعقل يلاحظ الآخرة «3» ويعمل على ما يتصوّر أن يقع، فلا ينبغي للعاقل أن يغفل عن تلمّح العواقب، فمن ذلك إنّ التّكاسل في طلب العلم وإيثار عاجل الرّاحة يوجب (عند النّظر والتّبصّر) حسرات دائمة لا تفي لذّة البطالة بمعشار تلك الحسرة) * «4» . 12- * (قال ابن مفلح المقدسيّ في الفصل الّذي عقده للبصيرة (التّبصّر) والنّظر في العواقب: كان ملوك فارس يعتبرون أحوال الحواشي (رجال حاشيتهم) بإيفاد التّحف على أيدي مستحسنات الجواري، حتّى إذا أطالوا الجلوس، ودبّت بوادي الشّهوة، قتلوهم، وكانوا إذا أرادوا مطالعة عقائد النّسّاك دسّوا من يتابعهم على ذمّ الدّولة، فإذا أظهروا ما في نفوسهم استأصلوهم. قال بعضهم: لذلك ينبغي الحذر من هذه الأحوال، ومن مخض الرّأي كانت زبدته الصّواب» ) * «5» . 13- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- أيضا: (يقول الشّيطان لأعوانه) امنعوا ثغر العين أن يكون نظره اعتبارا، بل اجعلوه تفرّجا واستحسانا وتلهّيا، فإن استرق (البصر) نظرة عبرة فأفسدوها عليه بنظرة الغفلة والاستحسان والشّهوة، فإنّ ذلك أقرب إليه وأعلق بنفسه، وأخفّ عليه، وعليكم بثغر العين فإنّكم تنالون منه بغيتكم، وإنّي ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النّظر، فإنّي أبذر به في القلب بذر الشّهوة، ثمّ أسقيه بماء الأمنية، ثمّ لا أزال أعده وأمنّيه،   (1) صيد الخاطر ص 463- 464 (2) المرجع السابق ص 529 (3) الآخرة هنا ما يقع بأخرة. (4) الآداب الشرعية 2/ 229، وقد ذكر أمثلة أخرى عديدة مشابهة. (5) المرجع السابق 2/ 229 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3541 وأقوده بزمام الشّهوة إلى الانخلاع من العصمة، فلا تهملوا أمر هذا الثّغر» ) * «1» . 14- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «الرّبّ تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين: أحدهما: النّظر في مفعولاته. والثّاني: التّفكّر في آياته وتدبّرها. فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة. فالنّوع الأوّل كما في قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) ، ومثل هذا في القرآن كثير «2» والثّاني كقوله: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (النساء/ 82)) * «3» ، «4» . 15- * (وقال الشّاعر: النّاس في غفلة والموت يوقظهم ... وما يفيقون حتّى ينفد العمر يشيّعون أهاليهم بجمعهم ... وينظرون إلى ما فيه قد قبروا ويرجعون إلى أحلام غفلتهم ... كأنّهم ما رأوا شيئا ولا نظروا ) * «5» . 16- * (وقال أبو جعفر القرشيّ: وإذا نظرت تريد معتبرا ... فانظر إليك ففيك معتبر ) * «6» . من فوائد (النظر والتبصر) (1) في النّظر والتّبصّر تنفيذ لأمر الله- عزّ وجلّ- حيث أمر بذلك في مواضع عديدة من القرآن الكريم «7» . (2) في النّظر في عجائب مخلوقات الله- عزّ وجلّ- ما يوصّل إلى معرفته سبحانه عن اقتناع. (3) النّظر والتّبصر وسيلة الإنسان العاقل إلى اليقين. (4) النّظر والتّبصر من وسائل العلم الّتي يهتدي بها الإنسان إلى معرفة صدق الرّسل فيما أخبروا به عن الله- عزّ وجلّ-.   (1) الداء والدواء ص 181 (2) انظر القسم الخاص بالآيات الواردة في الحث على النظر في مخلوقات الله- عز وجل-. (3) انظر صفة التدبر، ومعرفة الله- عز وجل-. (4) الفوائد ص 31، 32 (5) صيد الخاطر ص 116 (6) هذا أوّل أبيات ستة ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار، ونقلها عنه ابن كثير في تفسيره 4/ 113 (7) انظر الآيات الواردة في الحث على النظر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3542 (5) النّظر في عواقب الأمور يقي الإنسان من مخاطر العجلة والوقوع في المهالك. (6) النّظر في الأمور والتّبصّر فيها يعوّدان الإنسان على التّأنّي فتأتي قراراته سليمة وأفعاله متّزنة. (7) النّظر في أحوال الأمم السّابقة يؤدّي إلى الاتّعاظ بأحوالهم ويدفع إلى طاعة الله- عزّ وجلّ- حتّى لا يصيبنا ما أصابهم. (8) النّظر في آلاء الله وعجائب قدرته يدفعان المرء إلى التّصديق والإيمان بما أعدّه للمتّقين في الدّار الآخرة. (9) النّظر والتّبصّر يرتفعان بالإنسان عن درجة الحيوانيّة ويرقيان به إلى أعلى مراتب المخلوقات. (10) في النّظر اتّباع لسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ومن يطع الرّسول فقد أطاع الله. (11) نظر الإنسان إلى من هو دونه في أمور الدّنيا يؤدّي به إلى الرّضا والقناعة وشكر الله- عزّ وجلّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3543 [ حرف الهاء ] الهجرة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 21/ 40/ 9 الهجرة لغة: الهجرة هي الاسم من الهجر أو الهجران، وهي مأخوذة من مادّة (هـ ج ر) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل: القطيعة، والآخر: شدّ شيء وربطه «1» . فمن الأوّل؛ أخذ الهجر ضدّ الوصل وكذلك الهجران، وقولهم: هاجر القوم من دار إلى دار: تركوا الأولى للثّانية، كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكّة إلى المدينة، وقال الرّاغب: المهاجرة في الأصل: مصارمة الغير ومتاركته، من قوله- عزّ وجلّ- وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا (البقرة/ 218) . والهجر والهجران مفارقة الإنسان غيره، إمّا بالبدن أو باللّسان أو بالقلب قال تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ (النساء/ 34) وهذا كناية عن عدم قربهنّ (مفارقة بالبدن) وقوله سبحانه: إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (الفرقان/ 30) فهذا هجر بالقلب واللّسان، أمّا قوله- عزّ وجلّ- وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (المزمل/ 10) فيحتمل الثّلاثة، وقوله سبحانه: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدّثّر/ 5) حثّ على المفارقة بالوجوه كلّها. وقال الجوهريّ: الهجر ضدّ الوصل، والمهاجرة من أرض إلى أرض، ترك الأولى للثّانية، والتّهاجر: التّقاطع، والهجر أيضا: الهذيان، يقال من ذلك هجر المريض يهجر هجرا، فهو هاجر، والكلام مهجور، والهجر بالضّمّ: الاسم من الإهجار، وهو الإفحاش في المنطق، والخنا. وقال ابن منظور: الهجرة والهجرة: الخروج من أرض إلى أرض. والمهاجرون: الّذين ذهبوا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، مشتقّ منه. ويقال: هجره يهجره هجرا وهجرانا: صرمه. وهما يهتجران ويتهاجران، والاسم الهجرة. وتهجّر فلان أي تشبّه بالمهاجرين. وقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: هاجروا ولا تهجّروا، قال أبو عبيد: يقول أخلصوا الهجرة لله ولا تشبّهوا بالمهاجرين على غير صحّة منكم. فهذا هو التّهجّر، وهو كقولك فلان يتحلّم وليس بحليم، ويتشجّع أي أنّه يظهر ذلك وليس فيه، قال الأزهريّ: وأصل المهاجرة عند العرب خروج   (1) ذكر ذلك ابن فارس ولم يذكر له مثالا، ويبدو أن المقصود بذلك قولهم: حبل هجار للذي يشد به الفحل، وفحل مهجور أي مربوط به، وقد أرجع الراغب هذا المعنى الثاني إلى الأول فقال: والهجار حبل يشد به الفحل فيصير سببا لهجرانه الإبل. انظر المفردات للراغب ص (537) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (6/ 34) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3544 البدويّ من باديته إلى المدن. يقال: هاجر الرّجل إذا فعل ذلك، وكذلك كلّ مخل بمسكنه منتقل إلى قوم آخرين بسكناه. فقد هاجر قومه. وسمّي المهاجرون مهاجرين لأنّهم تركوا ديارهم ومساكنهم الّتى نشأوا بها لله. ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة، فكلّ من فارق بلده من بدويّ أو حضريّ أو سكن بلدا آخر، فهو مهاجر. قال الله- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً (النساء/ 100) وكلّ من أقام من البوادي ببواديهم ومحاضرهم في القيظ ولم يلحقوا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يتحوّلوا إلى أمصار المسلمين الّتي أحدثت في الإسلام وإن كانوا مسلمين، فهم غير مهاجرين، وليس لهم في الفيء نصيب ويسمّون الأعراب «1» . واصطلاحا: هي ترك الوطن الّذي بين الكفّار، والانتقال إلى دار الإسلام «2» . وقال الرّاغب: الهجرة: الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكّة إلى المدينة، قيل: ومقتضى ذلك هجران الشّهوات والأخلاق الذّميمة والخطايا وتركها ورفضها «3» . وقال الكفويّ: الهجرة: هجرتان: أولاهما: هجرة المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة فرارا من أذى قريش، وثانيتهما: هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين قبله وبعده ومعه إلى المدينة، وقد كانت الهجرة من فرائض الإسلام بعد هجرته صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ نسخت بعد فتح مكّة لقوله صلّى الله عليه وسلّم «لا هجرة بعد الفتح» «4» . أنواع الهجرة: قال ابن الأثير: الهجرة هجرتان: إحداهما الّتي وعد الله عليها الجنّة في قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة/ 111) فكان الرّجل يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويدع أهله وماله، لا يرجع في شيء منه وينقطع بنفسه إلى مهاجره، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكره أن يموت الرّجل بالأرض الّتي هاجر منها، فمن ثمّ قال: «لكن البائس سعد بن خولة» يرثي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة. وقال حين قدم مكّة: «اللهمّ لا تجعل منايانا بها» فلمّا فتحت مكّة صارت دار إسلام كالمدينة، وانقطعت الهجرة. والهجرة الثّانية: من هاجر من الأعراب وغزا مع المسلمين، ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى. فهو مهاجر وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة وهو المراد بقوله «لا تنقطع الهجرة حتّى تنقطع التّوبة» فهذا وجه الجمع بين الحديثين. وإذا أطلق في الحديث ذكر الهجرتين فإنّما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة «5» .   (1) الصحاح (2/ 851) ، مقاييس اللغة (6/ 34) ، بصائر ذوي التمييز (5/ 304) ، مفردات الراغب (537) ، لسان العرب (5/ 250) (ط بيروت) . (2) التعريفات للجرجاني (256) والمراد بالوطن هنا الإقامة والتوطن. (3) المفردات (537) . (4) الكليات (ص 692) . (5) النهاية لابن الأثير (5/ 244) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3545 الهجرة إلى الله ورسوله: قال ابن القيّم- رحمه الله-: الهجرة هجرتان: هجرة إلى الله بالطّلب والمحبّة والعبوديّة والتّوكّل والإنابة والتّسليم والتّفويض والخوف والرّجاء والإقبال عليه وصدق اللّجأ والافتقار في كلّ نفس إليه. وهجرة إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم في حركاته وسكناته الظّاهرة والباطنة بحيث تكون موافقة لشرعه الّذي هو تفصيل محابّ الله ومرضاته. ولا يقبل الله من أحد دينا سواه، وكلّ عمل سواه فعيش النّفس وحظّها لا زاد المعاد «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الفرار إلى الله- مجاهدة النفس- الولاء والبراء- محاسبة النفس الرغبة والترغيب- التعارف. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- موالاة الكفار- الإعراض- التخاذل- التفريط والإفراط] .   (1) طريق الهجرتين لابن القيم (1/ 20) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3546 الآيات الواردة في «الهجرة» هجرة الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين: 1- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) «1» 2- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25) * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) «2»   (1) القصص: 20- 24 مكية (2) العنكبوت: 16- 26 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3547 ثواب المهاجرين: 3- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «1» 4- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «2» 5- * وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) «3» 6- الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) «4» 7- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «5» 8- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) «6» 9- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) «7» 10- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «8» 11- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)   (1) البقرة: 218 مدنية (2) آل عمران: 193- 195 مدنية (3) النساء: 100 مدنية (4) التوبة: 20- 22 مدنية (5) التوبة: 100 مدنية (6) التوبة: 117 مدنية (7) النحل: 41- 42 مكية (8) النحل: 110 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3548 لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «1» موالاة المهاجرين ومعاملتهم: 12- وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) «2» 13- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) «3» 14- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «4» 15- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «5» 16- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (6) «6» 17 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ   (1) الحج: 58- 59 مدنية (2) النساء: 89- 90 مدنية (3) الأنفال: 72 مدنية (4) الأنفال: 74- 75 مدنية (5) النور: 21- 22 مدنية (6) الأحزاب: 6 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3549 يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) «1» 18- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «2» 19- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «3» لا عذر عن عدم الهجرة: 20- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) «4» ومن الآيات الواردة في «الهجرة» معنى هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم: 21 إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «5»   (1) الأحزاب: 50 مدنية (2) الحشر: 8- 10 مدنية (3) الممتحنة: 10 مدنية (4) النساء: 97- 99 مدنية (5) التوبة: 40 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3550 الأحاديث الواردة في (الهجرة) 1- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله! من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام وإطعام الطّعام» . قلت: ما الإيمان؟ قال «الصّبر والسّماحة» قال: قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟ قال: «خلق حسن» قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما هجر ربّك- عزّ وجلّ-» قال: قلت: أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده، وأهريق دمه» قال: قلت: أيّ السّاعات أفضل، قال: «جوف اللّيل الآخر» ثمّ الصّلاة مكتوبة مشهودة حتّى يطلع الفجر ... الحديث» ) * «1» . 2- * (عن مجاشع بن مسعود السّلميّ- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأخي بعد الفتح فقلت: يا رسول الله! جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة. قال: «ذهب أهل الهجرة بما فيها» فقلت: على أيّ شيء تبايعه؟. قال «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله. قال: «فهل من والديك أحد حيّ؟» قال: نعم. بل كلاهما. قال: «فتبتغي الأجر من الله؟» قال: نعم. قال: «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» ) * «3» 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-: أنّ أعرابيّا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الهجرة فقال: «ويحك، إنّ شأنها شديد، فهل لك من إبل تؤدّي صدقتها؟» قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار، فإنّ الله لن يترك «4» من عملك شيئا» ) * «5» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أنّ ثلاثة نفر جاءوه. فقالوا: يا أبا محمّد! إنّا والله ما نقدر على شيء لا نفقة ولا دابّة ولا متاع. فقال لهم: إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسّر الله لكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسّلطان. وإن شئتم صبرتم. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنّة بأربعين خريفا» قالوا: فإنّا نصبر لا نسأل شيئا) * «6» . 6- * (عن جنادة بن أبي أميّة- رضي الله عنه-   (1) مسند أحمد (4/ 385) واللفظ له، وعبد بن حميد (300) ، وابن ماجة (2794) مختصرا، وأصله عند مسلم. (2) البخاري- الفتح 7 (4305، 4306) واللفظ له. ومسلم (1863) . (3) البخاري- الفتح 10 (5972) . ومسلم (2549) واللفظ له. (4) يترك: أي ينقصك. (5) البخاري- الفتح 3 (1452) واللفظ له. ومسلم (1865) (6) مسلم (2979) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3551 أنّ رجالا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال بعضهم: الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك. فانطلقت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إنّ ناسا يقولون إنّ الهجرة قد انقطعت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد» ) * «1» . 7- * (عن عبد الله بن زيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا فتح حنينا قسّم الغنائم فأعطى المؤلّفة قلوبهم، فبلغه أنّ الأنصار يحبّون أن يصيبوا ما أصاب النّاس، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي؟، وعالة فأغناكم الله بي؟، ومتفرّقين فجمّعكم الله بي؟» . ويقولون: الله ورسوله أمنّ. فقال: «ألا تجيبوني؟» ، فقالوا: الله ورسوله أمنّ. فقال: «أما إنّكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا- لأشياء عدّدها زعم عمرو أن لا يحفظها-. فقال: ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، الأنصار شعار «2» والنّاس دثار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك النّاس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم» «3» ) * «4» . 8- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ الطّفيل ابن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! هل لك في حصن حصين ومنعة «5» ؟ (قال: حصن كان لدوس في الجاهليّة) فأبى ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. للّذي ذخر الله للأنصار. فلمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرو. وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة «6» . فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص «7» له، فقطع بها براجمه «8» ، فشخبت يداه «9» حتّى مات. فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطّيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطّفيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اللهمّ، وليديه فاغفر» ) * «10» . 9- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه وهو في سياقة الموت- أنّه بكى طويلا، وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ قال فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي قد كنت على   (1) الهيثمي في المجمع (5/ 251) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وهو في أحمد (4/ 62، 5/ 375) . (2) الشعار: الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوقه. (3) معنى الحديث: أن الأنصار هم البطانة والخاصة وألصق الناس بي من سائر الناس. (4) البخاري- الفتح 7 (3779) من حديث أبي هريرة ومسلم (1061) واللفظ له. (5) منعة: بفتح النون وإسكانها: العزة والامتناع وقيل: منعة جمع مانع، أي جماعة يمنعوك ممن يقصدك بمكروه. (6) فاجتووا المدينة: أي كرهوا المقام بها لضجر ونوع من سقم. (7) مشاقص: جمع مشقص وهو سهم فيه نصل عريض. (8) براجمه: البراجم مفاصل الأصابع. (9) شخبت يداه: أي سال دمها. (10) مسلم (116) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3552 أطباق ثلاث «1» لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي، ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عينيّ منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التّراب شنّا، ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي) * «2» . 10- * (عن أبي فاطمة- رضي الله عنه-: أنّه قال: يا رسول الله! حدّثني بعمل أستقيم عليه وأعمله. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك بالهجرة، فإنّه لا مثل لها» ) * «3» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن أربعين، فمكث بمكّة ثلاث عشرة سنة، ثمّ أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين ثمّ توفّي صلّى الله عليه وسلّم) «4» . 12- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ فقراء المهاجرين يدخلون الجنّة قبل أغنيائهم بمقدار خمسمائة سنة» ) * «5» . 13- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما الأعمال بالنّيّة، وإنّما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» ) * «6» . 14- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي، أنا أصغرهما، أحدهما: أبو بردة. والآخر: أبو رهم.- إمّا قال في بضع وإمّا قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي- قال: فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ   (1) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث. (2) مسلم (121) . (3) النسائي (7/ 145) وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3924) ، وانظر الصحيحة (1937) . (4) البخاري- الفتح 7 (3851) . (5) ابن ماجة (4123) . وحسنه الألباني صحيح ابن ماجة (3327) ، وأصله عند مسلم عن حديث عبد الله بن عمرو. (6) البخاري- الفتح 11 (6689) . ومسلم (1907) متفق عليه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3553 بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا. قال: فوافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا.. أو قال: أعطانا منها-، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا. إلّا لمن شهد معه. إلّا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه. قسم لهم معهم، قال: فكان ناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة-: نحن سبقناكم بالهجرة) * «1» . 15- * (عن العلاء بن الحضرميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث للمهاجر بعد الصّدر «2» » ) * «3» . 16- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة. وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة: كذبت. يا عمر! كلّا والله! كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم. وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء «4» في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله، لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. وو الله! لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله! إنّ عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «5» . يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» . 17- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت في المنام أنّي أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي «7» إلى أنّها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة، يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أنّي هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد. ثمّ هززته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها أيضا   (1) البخاري- الفتح 7 (4230) . ومسلم (2502) واللفظ له. (2) معنى الحديث: أن الإقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح، لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها. (3) البخاري- الفتح 7 (3933) واللفظ له، مسلم (1352) . (4) البعداء البغضاء: البعداء في النسب، البغضاء في الدين، لأنهم كفار، إلا النجاشي. (5) أرسالا: أفواجا. (6) البخاري- الفتح 7 (4230- 4231) . ومسلم (2503) واللفظ له. (7) وهلي: أي وهمي واعتقادي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3554 بقرا «1» ، والله خير «2» ، فإذا هم النّفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصّدق الّذي آتانا الله بعد، يوم بدر» ) * «3» . 18- * (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «العبادة في الهرج «4» كهجرة إليّ» ) * «5» . 19- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رجل: يا رسول الله! أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك- عزّ وجلّ» وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر، وهجرة البادي. فأمّا البادي فيجيب إذا دعي ويطيع إذا أمر. وأمّا الحاضر فهو أعظمهما بليّة وأعظمهما أجرا» ) * «6» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هاجر إبراهيم- عليه السّلام- بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك، أو جبّار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النّساء. فأرسل إليه: أن يا إبراهيم، من هذه الّتي معك؟ قال: أختي، ثمّ رجع إليها، فقال: لا تكذّبي حديثي، فإنّي أخبرتهم أنّك أختي، والله، إن «7» على الأرض من مؤمن غيري وغيرك، فأرسل بها إليه، فقام إليها، فقامت توضّأ وتصلّي، فقالت: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي «8» إلّا على زوجي، فلا تسلّط عليّ الكافر. فغطّ «9» حتّى ركض «10» برجله. قالت: اللهمّ! إن يمت يقال هي قتلته. فأرسل ثمّ قام إليها، فقامت توضّأ وتصلّي، وتقول: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجى إلّا على زوجى، فلا تسلّط عليّ هذا الكافر. فغطّ حتّى ركض برجله. فقالت: اللهمّ! إن يمت فيقال هي قتلته. فأرسل في الثّانية أو في الثّالثة. فقال: والله ما أرسلتم إليّ إلّا شيطانا. أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر «11» . فرجعت إلى إبراهيم- عليه السّلام- فقالت: أشعرت أنّ الله كبت «12» الكافر وأخدم وليدة» ) * «13» . 21- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم افتتح مكّة: «لا هجرة «14»   (1) جاء في غير مسلم: ورأيت بقرا تنحر، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا بما ذكر. فنحر البقر هو قتل الصحابة- رضي الله عنهم- الذين قتلوا بأحد. (2) قال القاضي: قال أكثر شراح الحديث معناه ثواب الله خير. (3) البخاري- الفتح 6 (3622) . ومسلم (2272) واللفظ له (4) المراد بالهرج: الفتنة واختلاف أمور الناس. (5) مسلم (2948) . (6) النسائي (7/ 144) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (11/ 608) : حديث حسن. (7) إن هنا نافيه: أي ما على الأرض ... إلخ. (8) أحصنت: منعت. (9) غط: من الغطيط وهو صوت يخرج مع نفس النائم. (10) ركض: أي ضرب برجله. (11) آجر: وفي رواية هاجر. (12) كبت الكافر: أي أخزاه أو أحزنه. (13) البخاري الفتح 4 (2217) واللفظ له. ومسلم (2371) . (14) لا هجرة بعد الفتح: أي لا هجرة من مكة لأنها صارت دار إسلام. وأما الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام فهي باقية الى يوم القيامة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3555 ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا، فإنّ هذا بلد حرّم الله يوم خلق السّماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد «1» شوكه ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلّا من عرّفها، ولا يختلى خلاها «2» » قال العبّاس: يا رسول الله! إلّا الإذخر «3» فإنّه لقينهم «4» ولبيوتهم. قال: قال «إلّا الإذخر» ) * «5» . 22- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة فنزل أعلى المدينة في حيّ يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيهم أربع عشرة ليلة، ثمّ أرسل إلى بني النّجّار فجاءوا متقلّدي السّيوف، كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النّجّار حوله، حتّى ألقى بفناء أبي أيّوب، وكان يحبّ أن يصلّي حيث أدركته الصّلاة ويصلّي في مرابض «6» الغنم، وأنّه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ من بني النّجّار فقال: «يا بني النّجّار! ثامنوني «7» بحائطكم هذا» قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله. فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم: قبور المشركين، وفيه خرب «8» ، وفيه نخل. فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، ثمّ بالخرب فسوّيت، وبالنّخل فقطع. فصفّوا النّخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه «9» الحجارة، وجعلوا ينقلون الصّخر وهم يرتجزون، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معهم وهو يقول: اللهمّ لا خير إلّا خير الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره » ) * «10» . 23- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة ثمّ أمر بالهجرة، وأنزل الله عليه وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ (الإسراء/ 80 مكية) » ) * «11» . 24- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟ فقال: «لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير-، إنّك أن تذر   (1) لا يعضد: لا يقطع. (2) الخلا: الرطب من النبات واختلاؤه قطعه واحتشاشه. (3) الإذخر: نبات عشبي له رائحة عطرة. (4) لقينهم: القين: الحدّاد. وقال الطبري: القين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه. (5) البخاري الفتح 4 (1834) واللفظ له. ومسلم (1353) . (6) مرابض الغنم: هي جمع مربض بكسر الباء أي أماكن بولها وإبعارها. (7) ثامنوني: اذكروا لي ثمنه لأذكر لكم الثمن الذي أختاره كالمساومة. (8) خرب: هي جمع خربه. (9) عضاديته: هما خشبتان منصوبتان مثبتتان في الحائط على جانبيه. (10) البخاري- الفتح 1 (428) واللفظ له. ومسلم 3 (1805) (11) الترمذي (3139) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند (1/ 223 برقم 1953) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 291 برقم 1948) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3556 ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس «1» ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» . فقلت: يا رسول الله! أخلّف بعد أصحابي؟ قال: «إنّك لن تخلّف «2» ، فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون، اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة» ، يرثي «3» له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة) * «4» . 25- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كانت المؤمنات، إذا هاجرن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمتحنهنّ. يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ (الممتحنة/ 20 مدنية) إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا الشّرط من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة «5» ، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أقررن بذلك من قولهنّ. قال لهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انطلقن فقد بايعتكنّ» لا والله ما مسّت يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يد امرأة قطّ، غير أنّه بايعهنّ بالكلام، والله ما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على النّساء إلّا بما أمر الله، يقول لهنّ، إذا أخذ عليهنّ: «قد بايعتكنّ «كلاما» ) * «6» . 26- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما حين طلعت الشّمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيأتي أناس من أمّتي يوم القيامة نورهم كضوء الشّمس» . قلنا: من أولئك يا رسول الله؟ فقال: «فقراء المهاجرين، الّذين تتّقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره، يحشرون من أقطار الأرض» ) * «7» . 27- * (عن عبد الله بن السّعديّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تنقطع الهجرة ما دام العدوّ يقاتل» . فقال معاوية وعبد الرّحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهم-: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الهجرة خصلتان، إحداهما أن تهجر السّيّئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله. ولا تنقطع الهجرة ما تقبّلت التّوبة، ولا تزال التّوبة مقبولة حتّى تطلع الشّمس من المغرب، فإذا طلعت   (1) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم إليهم. (2) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه. (3) يرثى له: يتوجع له ويرق له لكونه مات بمكة. وقيل: إن القائل يرثى له ... الخ. هو الزهري، وراجع ابن حجر في شرح هذا الحديث (3/ 196/ 197) . (4) البخاري- الفتح 3 (1295) واللفظ له. ومسلم (1628) (5) أقر بالمحنة: أي بايع البيعة الشرعية. (6) البخاري- الفتح 9 (5288) واللفظ له. ومسلم (1866) (7) أحمد في المسند (2/ 177 برقم 6659) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (10/ 136 برقم 6650) . والهيثمي في المجمع 10 (258، 259) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وله في الكبير أسانيد رجال أحدها رجال الصحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3557 طبع على كلّ قلب بما فيه، وكفي النّاس العمل» ) * «1» . 28- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم المهاجرون المدينة من مكّة، وليس بأيديهم يعني شيئا-، وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كلّ عام، ويكفوهم العمل والمؤونة، وكانت أمّه، أمّ أنس، أمّ سليم، كانت أمّ عبد الله بن أبي طلحة، فكانت أعطت أمّ أنس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عذاقا «2» . فأعطاهنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّ أيمن مولاته أمّ أسامة بن زيد، قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا فرغ من قتال أهل خيبر، فانصرف إلى المدينة، ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم «3» - من ثمارهم- فردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أمّه عذاقها، فأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّ أيمن مكانهنّ من حائطه «4» ) * «5» . 29- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ) * «6» . 30- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه قال: هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من اليمن، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هجرت الشّرك، ولكنّه الجهاد، هل باليمن أبواك؟» قال: نعم. قال: «أذنا لك؟» قال: لا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ارجع إلى أبويك فإن فعلا وإلّا فبرّهما» ) * «7» . 31- * (عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسّنّة، فإن كانوا في السّنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما «8» ، ولا يؤمّنّ الرّجل الرّجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته «9» إلّا بإذنه» ) * «10» . 32- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهمّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلّا أخلف الله له خيرا منها. قالت: فلمّا مات أبو سلمة، قلت: أيّ المسلمين خير من أبي سلمة، أوّل   (1) أحمد في المسند (1/ 192 برقم 1676) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 133، 134) برقم 1671) . والهيثمي في المجمع (5/ 250، 251) وقال: روى أبو داود والنسائي بعض حديث معاوية، رواه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير من غير ذكر حديث ابن السعدي. (2) العذاق: جمع عذق وهي النخلة. (3) منائحهم: جمع منيحة والمنيحة هي المنحة. (4) من حائطه: أي من بستانه. (5) البخاري- الفتح 5 (2630) واللفظ له. ومسلم (1771) (6) البخاري- الفتح 11 (6484) واللفظ له. ومسلم (40) . (7) الهيثمي في المجمع (8/ 138) وقال: رواه أحمد وإسناده حسن. (8) سلما: أي إسلاما. (9) تكرمته: التكرمة الفراش ونحوه. (10) مسلم (673) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3558 بيت هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ إنّي قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: أرسل إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاطب ابن أبي بلتعة يخطبني له. فقلت: إنّ لي بنتا وأنا غيور. فقال: «أمّا ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها. وأدعو الله أن يذهب بالغيرة» ) * «1» . الأحاديث الواردة في (الهجرة) معنى 33- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النّجاشيّ، ونحن نحو من ثمانين رجلا، فيهم عبد الله بن مسعود، وجعفر، وعبد الله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى. فأتوا النّجاشيّ، وبعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، بهديّة، فلمّا دخلا على النّجاشيّ، سجدا له، ثمّ ابتدراه عن يمينه وعن شماله، ثمّ قالا له: إنّ نفرا من بني عمّنا نزلوا أرضك، ورغبوا عنّا وعن ملّتنا، قال: فأين هم؟ قال: هم في أرضك فابعث إليهم، فبعث إليهم، فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم، فاتّبعوه، فسلّم، ولم يسجد، فقالوا له: ما لك لا تسجد للملك؟ قال: إنّا لا نسجد إلّا لله- عزّ وجلّ-. قال: وما ذاك: قال: إنّ الله- عزّ وجلّ- بعث إلينا رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأمرنا أن لا نسجد لأحد إلّا لله- عزّ وجلّ- وأمرنا بالصّلاة والزّكاة، قال عمرو بن العاص: فإنّهم يخالفونك في عيسى ابن مريم. قال: ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمّه؟ قالوا: نقول كما قال الله- عزّ وجلّ-: هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول الّتي لم يمسّها بشر، ولم يفرضها ولد «2» . قال: فرفع عودا من الأرض، ثمّ قال: يا معشر الحبشة والقسّيسين والرّهبان، والله ما يزيدون على الّذي نقول فيه ما يسوى هذا، مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنّه رسول الله، فإنّه الّذي نجد في الإنجيل، وإنّه الرّسول الّذي بشّر به عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتّى أكون أنا أحمل نعليه وأوضّئه. وأمر بهديّة الآخرين فردّت إليهما، ثمّ تعجّل عبد الله بن مسعود حتّى أدرك بدرا، وزعم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استغفر له حين بلغه موته) * «3» . 34- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل مكّة قال: «اللهمّ لا تجعل منايانا بها حتّى تخرجنا منها» «4» ) * «5» .   (1) مسلم (918) . (2) ولم يفرضها ولد: أي لم يؤثّر فيها ولم يحزّها قبل المسيح عليه السلام. والفرض: الحز في الشيء والقطع. (3) أحمد في المسند (1/ 461 برقم 4399) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن، (6/ 186 برقم 4400) . (4) المعنى: أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يكره أن يموت هو أو أحد من المهاجرين بمكة حتى تثبت لهم هجرتهم. (5) أحمد في المسند (2/ 25 برقم 4777) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (7/ 9 برقم 4778) وهو في مجمع الزوائد (5/ 253) وقال: رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3559 35- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وعك «1» أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت! كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كلّ امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله.) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الهجرة) 36- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ لا يعرف. قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله! هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: اللهمّ اصرعه» فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم، فقال: يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا. قال: فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان آخر النّهار مسلحة «3» له، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر فسلّموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وحفّوا دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبيّ الله. فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف «4» لهم، فعجل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ بيوت أهلنا أقرب؟» فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال فانطلق فهيّء لنا مقيلا «5» . قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ. وقد علمت يهود أنّي سيّدهم وابن   (1) وعك: بالبناء للمجهول- أي أصابه الوعك وهي الحمى، قاله ابن حجر في الفتح (7/ 308) . (2) البخاري- الفتح 7 (3926) . (3) مسلحة: المسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو. (4) يخترف: يجتني الثمار. (5) مقيلا: أي مكانا تقع فيه القيلولة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3560 سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت، قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر اليهود! ويلكم اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا» . قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قالها ثلاث مرار- قال: «فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام، اخرج عليهم فخرج» فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو، إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 37- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أمّ مكتوم، وكانوا يقرئون «2» النّاس، فقدم بلال وسعد وعمّار بن ياسر، ثمّ قدم عمر بن الخطّاب في عشرين من أصحاب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما قدم حتّى قرأت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (الأعلى/ 1) في سور من المفصّل» ) * «3» . 38- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين، وتجهّز أبو بكر مهاجرا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» . فقال أبو بكر: أو ترجوه بأبي أنت؟. قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر. قال عروة: قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظّهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فدا لك بأبي وأمّي. والله إن جاء به في هذه السّاعة إلّا لأمر. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن، فأذن له، فدخل فقال حين دخل لأبي بكر: أخرج من عندك. قال: إنّما هم أهلك «4» بأبي أنت يا رسول الله! قال: فإنّى قد أذن لي في الخروج، قال: فالصّحبة بأبي أنت يا رسول الله! قال: نعم. قال فخذ بأبي أنت يا رسول الله! إحدى راحلتيّ هاتين. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بالثّمن. قالت: فجهّزناهما أحثّ «5» الجهاز، ووضعنا لهما سفرة «6» في جراب، فقطعت   (1) البخاري- الفتح 7 (3911) . (2) وكانوا يقرئون الناس: هكذا وردت. ووجهها ابن حجر على أن أقل الجمع اثنان، وإما على أن من كان يقرأ بأنه كان يقرأ معهما أيضا. وفي رواية الأصيلي وكريمة «فكانا يقرئان الناس» قال ابن حجر: وهو أوجه. راجع فتح الباري (7/ 306) . (3) البخاري الفتح 7 (3925) . (4) أهلك: أي زوجته عائشة رضي الله عنها. (5) أحث الجهاز: أي أسرعه. (6) السفرة: طعام يتخذ لمسافر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3561 أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكأت «1» به الجراب- ولذلك كانت تسمّى ذات النّطاقين- ثمّ لحق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكث فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر- وهو غلام شابّ لقن ثقف «2» فيرحل من عندهما سحرا فيصبح من قريش بمكّة كبائت، فلا يسمع أمرا يكادان به إلّا وعاه، حتّى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظّلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسلهما حتّى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس «3» . يفعل ذلك كلّ ليلة من تلك اللّيالي الثّلاث» ) * «4» . 39- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أبو بكر- رضي الله عنه- إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلا، فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي، قال فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر، حدّثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم، أسرينا ليلتنا ومن الغد حتّى قام قائم الظّهيرة، وخلا الطّريق لا يمرّ فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظلّ لم تأت عليه الشّمس فنزلنا عنده، وسوّيت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكانا بيدي ينام عليه، وبسطت عليه فروة وقلت له: نم يا رسول الله! وأنا أنفض لك ما حولك. فنام وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصّخرة يريد منها مثل الّذي أردنا. فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة- أو مكّة- قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب؟ قال: نعم. فأخذ شاة، فقلت: انفض الضّرع من التّراب والشّعر والقذى. قال: فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض. فحلب في قعب «5» كثبة «6» من لبن، ومعي إداوة حملتها للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرتوي منها يشرب ويتوضّأ. فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللّبن حتّى برد أسفله. فقلت: اشرب يا رسول الله! فشرب حتّى رضيت، ثمّ قال: ألم يأن للرّحيل: قلت: بلى. قال: فارتحلنا بعد ما مالت الشّمس، واتّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أتينا يا رسول الله، فقال: لا تحزن، إنّ الله معنا. فدعا عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فارتطمت به فرسه إلى بطنها- أرى في جلد من الأرض «7» ، (شكّ زهير) - فقال: إنّي أراكما قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، فالله لكما أن أردّ عنكما الطّلب. فدعا له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنجا. فجعل لا يلقى أحدا إلّا قال: كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلّا ردّه، قال: ووفى لنا» ) * «8» . 40- * (عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة   (1) فأوكأت: من الوكاء وهو ما يشد به الكيس. (2) رجل لقن ثقف: إذا كان ضابطا لما يحويه قائما به. (3) الغلس: ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح. (4) البخاري الفتح 10 (5807) . (5) قعب: هو القدح الضخم الغليظ والجمع قعاب وأقعب. (6) كثبة: هي حلبة خفيفة ويطلق على القليل من الماء واللبن وعلى الجرعة تبقى في الإناء وعلى القليل من الطعام والشراب وغيرهما من كل مجتمع. (7) جلد من الأرض: أي أرض صلبة. (8) البخاري- الفتح 6 (3615) واللفظ له. ومسلم (2009) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3562 - رضي الله عنه- قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطّعام، فكان أبو هريرة ممّا يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع، ثمّ لقيت أبا هريرة من العشيّ. فقلت: الدّعوة عندي اللّيلة. فقال: سبقتني. قلت: نعم. فدعوتهم. فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم؟ يا معشر الأنصار! ثمّ ذكر فتح مكّة. فقال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى قدم مكّة. فبعث الزّبير على إحدى المجنّبتين «1» ، وبعث خالدا على المجنّبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسّر «2» . فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبة. قال: فنظر فرآني، فقال: «أبو هريرة؟» قلت: لبّيك يا رسول الله! فقال: «لا يأتينى إلّا أنصاريّ» فقال: «اهتف لي بالأنصار «قال: فأطافوا به. ووبّشت قريش أوباشا لها «3» وأتباعا. فقالوا: نقدّم هؤلاء. فإن كان لهم شيء كنّا معهم. وإن أصيبوا أعطينا الّذي سئلنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» ثمّ قال بيديه، إحداهما على الأخرى. ثمّ قال: «حتّى توافوني بالصّفا» قال: فانطلقنا. فما شاء أحد منّا أن يقتل أحدا إلّا قتله. وما أحد منهم يوجّه إلينا شيئا. قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله! أبيحت خضراء قريش. لا قريش بعد اليوم. ثمّ قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فقالت الأنصار، بعضهم لبعض: أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة: وجاء الوحي. وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا. فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ينقضي الوحي. فلمّا انقضى الوحي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الأنصار؟» . قالوا: لبّيك يا رسول الله! قال: «قلتم أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته. قالوا: قد كان ذاك. قال: «كلّا. إنّي عبد الله ورسوله. هاجرت إلى الله وإليكم. والمحيا محياكم. والممات مماتكم» . فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله، ما قلنا الّذي قلنا إلّا الضّنّ «4» بالله وبرسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» قال: فأقبل النّاس إلى دار أبي سفيان. وأغلق النّاس أبوابهم. قال: وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل إلى الحجر. فاستلمه. ثمّ طاف بالبيت. قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه. قال: وفي يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوس. وهو آخذ بسية القوس «5» . فلمّا أتى على الصّنم جعل يطعنه في عينه ويقول: «جاء الحقّ وزهق الباطل» . فلمّا فرغ من طوافه أتى الصّفا فعلا عليه. حتّى نظر إلى البيت ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو» ) * «6» .   (1) المجنبتين: هما الميمنة والميسرة ويكون القلب بينهما. (2) الحسر: الذين لا دروع لهم. (3) أي جمعت جموعا من قبائل شتى. (4) إلا الضن: هو الشح. (5) بسية القوس: أي بطرفها المنحنى. قال في المصباح: هي خفيفة الياء ولا مها محذوفة. وترد في النسبة فيقال: سيوي. والهاء عوض عنها. ويقال لسيتها العليا يدها، ولسيتها السفلى رجلها. وقال النووي: هي المنعطف من طرفي القوس. (6) مسلم (1780) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3563 من الآثار الواردة في (الهجرة) 1- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان فرض للمهاجرين الأوّلين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: هو من المهاجرين. فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: «إنّما هاجر به أبواه. يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه» ) * «1» . 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها-. فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت: كنت أريده لنفسي فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع، فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا، ثمّ قل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين، إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا. فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وولج عليه شابّ من الأنصار فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله: كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ استخلفت فعدلت، ثمّ الشّهادة بعد هذا كلّه. فقال: ليتني يا ابن أخي وذلك كفافا لا عليّ ولا لي. أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين خيرا، أن يعرف لهم حقّهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان أن يقبل من محسنهم ويعفى عن مسيئهم. وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلّفوا فوق طاقتهم» ) * «2» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب قال: وقدمت أنا وعمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدناه قائلا «3» فرجعنا إلى المنزل فأرسلني عمر، وقال: اذهب فانظر هل استيقظ؟ فأتيته فدخلت عليه فبايعته، ثمّ انطلقت إلى عمر فأخبرته أنّه قد استيقظ، فانطلقنا إليه نهرول هرولة حتّى دخل عليه فبايعه، ثمّ بايعته» ) * «4» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال لابن أبي موسى الأشعريّ: هل تدري ما قال أبي لأبيك؟ قال: قلت: لا. قال: فإنّ أبي قال لأبيك: يا أبا موسى، هل يسرّك إسلامنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كلّه معه برد «5» لنا،   (1) البخاري- الفتح 7 (3912) . (2) البخاري الفتح 3 (1392) . (3) قائلا: من القيلولة. (4) البخاري- الفتح 7 (3916) . (5) برد لنا: ثبت لنا ودام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3564 وأنّ كلّ عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا، رأسا برأس. فقال أبي: لا والله، قد جاهدنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصلّينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنّا لنرجو ذلك، فقال أبي: لكنّى أنا والّذي نفس عمر بيده لوددت أنّ ذلك برد لنا وأنّ كلّ شيء عملنا بعد نجونا منه كفافا رأسا برأس. فقلت: إنّ أباك والله خير من أبي» ) * «1» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت أقرىء عبد الرّحمن بن عوف، فلمّا كان آخر حجّة حجّها عمر، فقال عبد الرّحمن بمنى: لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل، قال: إنّ فلانا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا. فقال لعمر: لأقومنّ العشيّة فأحذّر هؤلاء الرّهط الّذين يريدون أن يغصبوهم. قلت: لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاع النّاس يغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها فيطير بها كلّ مطير، فأمهل حتّى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السّنّة فتخلص بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار فيحفظوا مقالتك، وينزلوها على وجهها. فقال: والله لأقومنّ به في أوّل مقام أقومه بالمدينة» ) * «2» . 6- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر وعمر كانوا من المهاجرين، لأنّهم هجروا المشركين وكان من الأنصار مهاجرون، لأنّ المدينة كانت دار شرك فجاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة) * «3» . 7- * (عن خبّاب- رضي الله عنه-؛ قال: هاجرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنّا من مات لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها «4» ، قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفّنه إلّا بردة إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن نغطّي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر «5» » ) * «6» . 8- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: ما عدّوا من مبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا من وفاته ما عدّوا إلّا من مقدمه المدينة» ) * «7» . 9- * (قال العزّ بن عبد السّلام- رحمه الله تعالى- «الهجرة هجرتان: هجرة الأوطان، وهجرة الإثم والعدوان. وأفضلهما هجرة الإثم والعدوان. لما فيها من إرضاء الرّحمن، وإرغام النّفس والشّيطان» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 7 (3915) . (2) البخاري- الفتح 13 (7323) (3) النسائي (7/ 145) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح. (4) يهدبها: يجتنيها. (5) الإذخر: نبت طيب الريح. (6) البخاري- الفتح 3 (1276) واللفظ له. ومسلم (940) . (7) البخاري- الفتح 7 (3934) . (8) شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال للعز بن عبد السلام (383) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3565 من فوائد (الهجرة) (1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. (2) إعلان العبوديّة الكاملة لله- عزّ وجلّ- والانقياد له. (3) دليل محبّة الله ومحبّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. (4) دليل صلاح العبد واستقامته. (5) الوعد بالكرامة والفوز بالجنّة. (6) تفريج الكربات وحصول الخيرات. (7) تمحيص للإيمان واختبار للإنسان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3566 الهدى الآيات/ الأحاديث/ الآثار 171/ 52/ 14 الهدى لغة: الهدى والهداية مصدران لقولهم: هدى يهدي، وهما مأخوذان من مادّة (هـ د ى) الّتى تدلّ على أصلين: أحدهما: التّقدّم للإرشاد، والآخر: بعثة لطف «1» ، فالأوّل قولهم: هديته الطّريق هداية أي تقدّمته لأرشده، وكلّ متقدّم لذلك هاد، وينشعب هذا المعنى فيقال: الهدى خلاف الضّلالة، ومن الباب قولهم: نظر فلان هدي أمره أي جهته، وما أحسن هديته أي هديه، والأصل الآخر الهديّة: وهي ما أهديت من لطف إلى ذي مودّة، يقال: أهديت أهدي إهداء. ومن الباب الهدي والهديّ: ما أهدي من النّعم إلى الحرم قربة إلى الله تعالى، وقال الرّاغب: الهداية دلالة بلطف، من ذلك هوادي الوحش أي متقدّماتها الهادية لغيرها، وخصّ ما كان دلالة ب «هديت» وما كان إعطاء بأهديت، والهدى والهداية في موضوع اللّغة واحد، لكن قد خصّ الله عزّ وجلّ لفظة الهدى بما تولّاه وأعطاه واختصّ هو به دون ما هو إلى الإنسان نحو قوله تعالى هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة/ 2) ، وقوله عزّ وجلّ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (البقرة/ 5) ، والاهتداء يختصّ بما يتحرّاه الإنسان على طريق الاختيار إمّا في الأمور الدّنيويّة أو الأخرويّة كما في قوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها (الأنعام/ 97) وقوله عزّ وجلّ: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (البقرة/ 53) ، ويقال المهتدي لمن يقتدي بعالم كما في قوله سبحانه: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (المائدة/ 104) تنبيها إلى أنّهم لا يعلمون بأنفسهم ولا يقتدون بعالم) . وقال الجوهريّ: الهدى: الرّشاد والدّلالة؛ يؤنّث ويذكّر، يقال: هداه الله للدّين هدى، والهدى في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ (السجدة/ 26) أي لم يبيّن لهم، والهداء مصدر قولك: هديت المرأة إلى زوجها هداء وقد هديت إليه، ويقال: هدى هدي فلان أي سار سيرته، وفي الحديث: واهدوا هدي عمّار (أي سيروا سيرته) ، والتّهادي أن يهدي بعضهم إلى بعض، وفي الحديث: «تهادوا تحابّوا» . وقال ابن منظور: هو من هداه يهديه هدى وهديا وهداية وهدية. والهدى: ضدّ الضّلال وهو الرّشاد والبيان، لازم ومتعدّ، يقال: هداه الله الطّريق وهي لغة الحجاز. ولغة غيرهم يتعدّى بالحرف فيقال   (1) اللطف بالتحريك التحفة والهدية، والبعثة المرة من البعث أي الإرسال. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3567 هداه إلى الطّريق وللطّريق أي بيّنه له وعرّفه به. وهداه الله إلى الإيمان وللإيمان أي أرشده إليه. وهدي هدي فلان سار سيرته، وهدى فلانا تقدّمه. وهدى الشّيء تهدية وهو لا يهدّي إلّا أن يهدى: أي لا يقدر أن ينتقل عن مكانه إلّا أن ينقلوه. ومعنى لا يهدّي: لا يهتدي. والهدى: مؤنّث ويذكّر، يقال: هو على الهدى، وسل الله الهدى: أي الدّلالة على الرّشاد. والهدى: النّهار أيضا «1» . الهادي من أسماء الله تعالى: قال الزّجّاج: الهادي: هو الّذي هدى خلقه إلى معرفته وربوبيّته وهو الّذي هدى عباده إلى صراطه المستقيم «2» . وقال الزّجّاجيّ- رحمه الله-: الله عزّ وجلّ الهادي يهدي عباده إليه، ويدلّهم عليه وعلى سبيل الخير والأعمال المقرّبة منه عزّ وجلّ، وقال الغزاليّ رحمه الله- الهادي- في أسمائه تعالى- هو الّذي هدى خواصّ عباده أوّلا إلى معرفة ذاته حتّى استشهدوا بها على الأشياء، وهدى عوامّ عباده إلى مخلوقاته حتّى استشهدوا بها على ذاته، وهدى كلّ مخلوق إلى ما لا بدّ له منه في قضاء حاجاته فهدى الطّفل إلى التقام الثّدي عند انفصاله، والفرخ إلى التقاط الحبّ وقت خروجه «3» . والهداة من العباد: الأنبياء والعلماء الّذين أرشدوا الخلق إلى السّعادة وهدوهم إلى صراط الله المستقيم، يكون المولى- عزّ وجلّ- هو الهادي على ألسنتهم، وهم مسخّرون تحت قدرته وتدبيره «4» . الهدى اصطلاحا: قال الرّاغب: الهداية دلالة بلطف، فإن قيل كيف جعلت الهداية دلالة بلطف وقد قال تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (الصافات/ 23) قيل: استعمال اللّفظ في ذلك على سبيل التّهكّم مبالغة في المعنى كما في قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (التوبة/ 34) . وقال الجرجانيّ: الهداية الدّلالة على ما يوصّل إلى المطلوب «5» وقيل: هي سلوك طريق يوصّل إلى المطلوب. والملاحظ هنا أنّه أضاف قيد «التّوصيل إلى المطلوب» وحذف قيد «كونها بلطف» وقد جمع المناويّ بين كلّ من الرّاغب والجرجانيّ فقال: الهداية: دلالة بلطف إلى ما يوصّل إلى المطلوب «6» . وقال الكفويّ: الهداية هي الدّلالة على طريق من شأنه الإيصال (إلى المطلوب) سواء حصل الوصول بالفعل في وقت الاهتداء أو لم يحصل «7» . وقال ابن القيّم: الهداية: هي البيان والدّلالة، ثمّ التّوفيق والإلهام، وهو بعد البيان والدّلالة. ولا سبيل إلى البيان والدّلالة إلّا من جهة الرّسل، فإذا   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (6/ 24- 43) ، والمفردات للراغب (540) وما بعدها، والصحاح (6/ 2533) . (2) الأسماء الحسنى (64) . (3) اشتقاق أسماء الله الحسني (187) . (4) المقصد الأسني (146) . (5) التعريفات للجرجاني (277) . (6) التوقيف (343) . (7) الكليات (952) ، وقد نقل الكفوي نقاشا طويلا حول قيد الإيصال هذا بين المعتزلة وأهل السنة ليس هنا محل إيراده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3568 حصل البيان والدّلالة والتّعريف ترتّب عليه هداية التّوفيق «1» . وقال ابن كثير: الهداية: الإرشاد والتّوفيق، وقد تعدّى الهداية بنفسها كما في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (الفاتحة/ 6) ، فتضمّن معنى ألهمنا أو وفّقنا أو ارزقنا أو أعطنا. ووَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (البلد/ 10) أي بيّنّا له الخير والشّرّ. وقد تعدّى ب* (إلى) * كما في قوله تعالى: اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (النحل/ 121) ، وذلك بمعنى الإرشاد والدّلالة. وقد تعدّى باللّام كقول أهل الجنّة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا (الأعراف/ 43) أي وفّقنا وجعلنا له أهلا «2» . وقال البغويّ: اهدنا: أرشدنا، وقال عليّ وأبيّ ابن كعب- رضي الله عنهما-: ثبّتنا «3» . أنواع الهداية: قال القرطبيّ: والهدى هديان: 1- هدى دلالة: وهو الّذي تقدر عليه الرّسل وأتباعهم، قال تعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد/ 7) وقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (الشورى/ 52) ، فأثبت لهم الهدى الّذي معناه الدّلالة والدّعوة والتّنبيه. 2- وهدى تأييد وتوفيق: وهو الّذي تفرّد به سبحانه، فقال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (القصص/ 56) فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ... «4» . وقال الطّبريّ: هدى أي من الضّلالة وهدى للمتّقين نور للمتّقين والهدى مصدر من قولك هديت فلانا الطّريق إذا أرشدته إليه ودللته عليه وبيّنته له أهديه هدى وهداية. ا. هـ «5» . ويقول الفيروز ابادىّ: وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أضرب:- الأوّل: الهداية الّتي عمّ بها كلّ مكلّف من العقل والفطنة والمعارف الضّروريّة، بل عمّ بها كلّ شيء حسب احتماله، كما قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (طه/ 50) . الثّاني: الهداية الّتي جعلت للنّاس بدعائه إيّاهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك، والمقصود بقوله: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (الأنبياء/ 73) . الثّالث: التّوفيق الّذي يختصّ به من اهتدى، وهو المعنيّ بقوله: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً (محمد/ 17) ، وقوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن/ 11) . الرّابع: الهداية في الآخرة إلى الجنّة، وهو المعنيّ بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا (الأعراف/ 43) . وهذه الهدايات الأربع مترتّبة. فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثّانية، بل لا يصحّ تكليفه. ومن لم تحصل له الثّانية لا تحصل له الثّالثة والرّابعة.   (1) فتح الباري (1/ 211) . (2) تفسير القرأن العظيم (1/ 29) . وانظر: عمدة التفسير (80) . (3) معالم التنزيل (1/ 41) . (4) معالم التنزيل (1/ 160) . (5) جامع البيان (1/ 76) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3569 والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلّا بالدّعاء وتعريف الطّرق دون سائر الهدايات، وإلى الأوّل أشار بقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (الشورى/ 52) ، وبقوله: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد/ 7) أي راع، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (القصص/ 56) . وكلّ هداية ذكر الله تعالى أنّه منع الكافرين والظّالمين فهي الهداية الثّالثة، الّتي هي التّوفيق الّذي يختصّ به المهتدون. والرّابعة الّتي هي الثّواب في الآخرة، وإدخال الجنّة المشار إليها بقوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ (آل عمران/ 86) إلى قوله وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة/ 5) «1» . الهدى في القرآن الكريم: أجمعت كتب الوجوه والنّظائر في القرآن الكريم أنّ لفظ الهدى وما اشتقّ منه أكثر الألفاظ وجوها وقد ذكر له مقاتل بن سليمان البلخيّ في الأشباه والنّظائر ويحيى بن سلّام في «التّصاريف» والسّيوطيّ في «الإتقان» سبعة عشر وجها، وذكر ابن الجوزيّ في «نزهة الأعين النّواظر» أربعة وعشرين وجها انفرد فيها بعشرة أوجه، وانفرد مقاتل وابن سلّام والسّيوطيّ بثلاثة، ومن ثمّ تصبح جملة الأوجه سبعة وعشرين وجها. قال يحيى بن سلّام في تفسير لفظ «الهدى» وما اشتقّ منه سبعة عشر وجها: الوجه الأوّل: هدى يعنى بيانا، وذلك قوله في البقرة: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (البقرة/ 5) يعني على بيان من ربّهم، وقوله قَدَّرَ فَهَدى (الأعلى/ 3) يعني بيّن له سبيل الهدى وسبيل الضّلالة. الوجه الثّاني: هدى يعني دين الإسلام، وذلك قوله في الحجّ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (الحج/ 67) يعني على دين مستقيم حقّ، وهو الإسلام. وقال في آل عمران قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ (آل عمران/ 73) يعني: إنّ الدّين دين الله وهو الإسلام، وهو الحقّ ونحوه كثير. الوجه الثّالث: هدى يعني الإيمان. وذلك قوله في سورة مريم: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً (مريم/ 76) يعني يزيدهم إيمانا. وفي سورة سبأ أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى (سبأ/ 32) يعني عن الإيمان. الوجه الرّابع: هدى يعنى دعاء، وذلك قوله فى الرّعد: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد/ 7) يعنى داعيا يعنى نبيّا، وفى الأنبياء وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ (الأنبياء/ 73) يعنى يدعون «بأمرنا» . الوجه الخامس: هدى يعني معرفة وذلك قوله في النّحل: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (النحل/ 16) يعني يعرفون الطّرق، وفي سورة طه ثُمَّ اهْتَدى (طه/ 82) ، ثمّ عرف الصّواب. وفي الأنبياء فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (الأنبياء/ 31) يعني لعلّهم يعرفون الطّريق. الوجه السّادس: هدى يعني أمرا، يعني أمر   (1) بصائر ذوي التمييز (5/ 313- 413) وانظر المفردات للراغب (538) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3570 النّبىّ، وذلك قوله فى الّذين كفروا مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى (محمد/ 25) يعني أمر محمّد أنّه رسول الله وقامت عليهم الحجّة بالنّبيّ والقرآن. وفي البقرة إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى (البقرة/ 159) يعني أمر محمّد أنّه رسول الله. وقال قتادة: وكتموا الإسلام، وكتموا محمّدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم. الوجه السّابع: هدى يعنى رشدا. وذلك قوله فى القصص عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي (القصص/ 22) قال قتادة: أن يرشدني (سواء السّبيل) وفي ص وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (ص/ 22) يعني أرشدنا. الوجه الثّامن: هدى يعني رسلا وكتبا. وذلك قوله في البقرة فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً (البقرة/ 38) يعني رسلا وكتبا، وفي سورة طه فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ يعني رسلي وكتبي، فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (طه/ 123) . الوجه التّاسع: هدى يعني القرآن، وذلك قوله في النّجم وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (النجم/ 23) يعني القرآن فيه بيان كلّ شيء. وفي سورة الكهف وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى (الكهف/ 55) يعني القرآن. الوجه العاشر: هدى يعني التّوراة، وذلك قوله فى سورة «غافر» : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى (غافر/ 53) يعني التّوراة. وفي الم السّجدة: وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (السجدة/ 23) يعني التّوراة. الوجه الحادي عشر: هدى يعني التّوفيق. وذلك قوله في البقرة: أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ((البقرة 157) إلى الاسترجاع والصّبر، يعني هم الموفّقون. وفي التّغابن وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن/ 11) يعني يوفّق قلبه إلى الاسترجاع عند المصيبة ويسلّم ويرض ويعرف أنّها من الله. الوجه الثّاني عشر: هدى يعني إقامة الحجّة. وذلك قوله في البقرة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة/ 258) . المشركين، لا يهديهم إلى الحجّة ولا يهديهم من الضّلالة إلى دينه. الوجه الثّالث عشر: هدى يعني التّوحيد، وذلك قوله في القصص إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا (القصص/ 57) يعنى التّوحيد وهو الإيمان. وفي: إنّا فتحنا لك: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى (الفتح/ 28) يعني التّوحيد وَدِينِ الْحَقِّ يعني الإسلام. الوجه الرّابع عشر: هدى يعني سنّة، وذلك قوله في الزّخرف وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (الزخرف/ 22) يعني مستنّون سنّتهم في الكفر. وفي الأنعام يقول للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (الأنعام/ 90) يعني بسنّتهم، التّوحيد «اقتده» يعني استنّ بها. الوجه الخامس عشر: هدى يعني التّوبة، وذلك قوله في الأعراف إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ (الأعراف/ 156) تفسير مجاهد وقتادة: إنّا تبنا إليك. الوجه السّادس عشر: يهدي يصلح، وذلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3571 قوله في سورة يوسف وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (يوسف/ 52) يعني لا يصلح عمل الزّناة. الوجه السّابع عشر: هدى يعني الإلهام، وذلك قوله في طه الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (طه/ 50) يعني ألهمه لمرعاه، فمنها ما يأكل النّبت، ومنها ما يأكل الحبّ، ومنها ما يأكل اللّحم. وقوله (خلقه) يعني صورته الّتي تصلح له. قال: ثُمَّ هَدى يعني ألهمه كيف يأتي معيشته ومرعاه، وذلك قوله في سبّح اسم ربّك الأعلى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (الأعلى/ 3) يعني قدّر الخلق، الذّكر والأنثى، فهدى يعني ألهم كيف يأتيها وتأتيه. وأضاف ابن الجوزيّ: في نزهة الأعين النّواظر عدّة أوجه أخرى وهي: الوجه الثّامن عشر: الاستبصار، ومنه قوله تعالى في البقرة فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (البقرة/ 16) . الوجه التّاسع عشر: الدّليل ومنه قوله تعالى في سورة طه أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (طه/ 10) قيل معناه (إن لم يكن هذه) نارا فعلّني أرى من يدلّني على النّار. الوجه العشرون: التّعليم: ومنه قوله تعالى في سورة النّساء وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (النساء/ 26) . الوجه الحادي والعشرون: الفضل: ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (النساء/ 50) أي: أفضل. الوجه الثّاني والعشرون: التّقديم: ومنه قوله تعالى في سورة الصّافّات فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (الصافات/ 23) . الوجه الثّالث والعشرون: الموت على الإسلام: ومنه قوله تعالى في سورة طه وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (طه/ 82) . الوجه الرّابع والعشرون: الثّواب: ومنه قوله تعالى في سورة اللّيل: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (الليل/ 12) . الوجه الخامس والعشرون: الإذكار: ومنه قوله تعالى فى سورة الضّحى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى الضحى/ 7) أي ناسيا فذكّرك. الوجه السّادس والعشرون: الصّواب: ومنه قوله تعالى: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (العلق/ 11) . الوجه السّابع والعشرون: الثّبات: ومنه قوله تعالى في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (الفاتحة/ 6) ، (أي ثبّتنا عليه) «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإرشاد الإسلام- الإيمان- التبليغ- الثبات- الكلم الطيب- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الضلال- الغي والإغواء- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الإعراض- التفريط والإفراط] .   (1) نزهة الأعين النواظر (629- 630) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3572 الآيات الواردة في «الهدى» الهدى على سبيل الرجاء: 1- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1» 2- وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) «2» 3- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) «3» 4- وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) «4» 5- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) «5» 6- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «6» 7- وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) «7» 8- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) «8»   (1) الفاتحة: 6- 7 مكية (2) البقرة: 53 مدنية (3) البقرة: 150 مدنية (4) آل عمران: 103 مدنية (5) الأعراف: 158- 159 مكية (6) التوبة: 17- 18 مدنية (7) النحل: 14- 16 مكية (8) الكهف: 23- 24 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3573 9- وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) «1» 10- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) «2» 11- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) «3» 12- الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) «4» 13- * وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) «5» 14- * وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) «6» 15- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) «7» 16- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) «8»   (1) الأنبياء: 31 مكية (2) المؤمنون: 49 مدنية (3) القصص: 20- 22 مكية (4) السجدة: 1- 3 مكية (5) الصافات: 83- 99 مكية (6) ص: 21- 22 مكية (7) الزخرف: 9- 10 مكية (8) الزخرف: 26- 27 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3574 الهدى وصف للوحي (الكتب السماوية) : 17- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1» 18- قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) «2» 19- قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) «3» 20- وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «4» 21- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «5» 22- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) «6» 23- هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) «7» 24- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) «8»   (1) البقرة: 1- 5 مدنية (2) البقرة: 38 مدنية (3) البقرة: 97 مدنية (4) البقرة: 120 مدنية (5) البقرة: 185 مدنية (6) آل عمران: 1- 4 مدنية (7) آل عمران: 138 مدنية (8) المائدة: 15- 16 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3575 25- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) «1» 26- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) «2» 27- ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) «3» 28- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ   (1) المائدة: 44- 46 مدنية (2) الأنعام: 84- 91 مكية (3) الأنعام: 154 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3576 دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «1» 29- وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) «2» 30- وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «3» 31- وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) «4» 32- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) «5» 33- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) «6» 34- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «7» 35- وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) «8» 36- وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) «9» 37- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) «10» 38- وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) «11»   (1) الأنعام: 155- 157 مكية (2) الأعراف: 52 مكية (3) الأعراف: 154- 155 مكية (4) الأعراف: 203 مكية (5) التوبة: 33 مدنية (6) يونس: 57 مكية (7) يوسف: 111 مكية (8) النحل: 64 مكية (9) النحل: 89 مكية (10) النحل: 101- 102 مدنية (11) الإسراء: 2 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3577 39- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) «1» 40- وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (95) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) «2» 41- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) «3» 42- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «4» 43- * اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) «5» 44- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «6» 45- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) «7» 46- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) «8» 47- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)   (1) الإسراء: 9 مكية (2) الإسراء: 94- 96 مكية (3) طه: 43- 47 مكية (4) الحج: 23- 24 مدنية (5) النور: 35 مدنية (6) النمل: 1- 3 مكية (7) النمل: 76- 77 مكية (8) القصص: 43 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3578 الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1» 48- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) «2» 49- وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) «3» 50- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) «4» 51- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) «5» 52- وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) «6» 53- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) «7» 54- هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) «8» 55- هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «9» 56- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) «10»   (1) لقمان: 1- 5 مكية (2) السجدة: 23- 26 مكية (3) سبأ: 6 مكية (4) الزمر: 23 مكية (5) غافر: 53- 54 مكية (6) فصلت: 44 مكية (7) الشورى: 52- 53 مكية (8) الجاثية: 11 مكية (9) الجاثية: 20 مكية (10) الأحقاف: 29- 30 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3579 57- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) «1» 58- أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) «2» 59- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) «3» 60- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «4» 61- وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (13) «5» 62- أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) «6» الهدى واقع من الله وفضل منه: 63- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) «7» 64- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «8» 65- رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) «9» 66- وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) «10»   (1) الفتح: 28 مدنية (2) النجم: 19- 23 مكية (3) الصف: 9 مدنية (4) الجن: 1- 2 مكية (5) الجن: 13 مكية (6) العلق: 9- 12 مكية (7) البقرة: 198 مدنية (8) البقرة: 213 مدنية (9) آل عمران: 8 مدنية (10) آل عمران: 73 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3580 67- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) «1» 68- وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) «2» 69- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) «3» 70- وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) «4» 71- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) «5» 72- وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) «6»   (1) آل عمران: 96 مدنية (2) آل عمران: 101 مدنية (3) النساء: 26 مدنية (4) النساء: 66- 68 مدنية (5) الأنعام: 71 مكية (6) الأنعام: 75- 82 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3581 73- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) «1» 74- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «2» 75- وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) «3» 76- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) «4» 77- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «5» 78- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) «6» 79- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) «7» 80- قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) «8»   (1) الأنعام: 161 مكية (2) الأعراف: 42- 43 مكية (3) الأعراف: 181 مكية (4) التوبة: 115 مدنية (5) يونس: 9- 10 مكية (6) يونس: 24- 25 مكية (7) يونس: 35 مكية (8) إبراهيم: 11- 12 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3582 81- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) «1» 82- نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) «2» 83- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) «3» 84- وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) «4» 85- قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (49) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (50) «5» 86- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) «6» 87- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «7» 88- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) «8» 89- وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (31) «9»   (1) النحل: 120- 121 مكية (2) الكهف: 13 مكية (3) مريم: 58 مدنية (4) مريم: 76 مكية (5) طه: 49- 50 مكية (6) طه: 116- 123 مكية (7) الحج: 36- 37 مدنية (8) الحج: 54 مدنية (9) الفرقان: 31 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3583 90- * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) «1» 91- قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) «2» 92- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «3» 93- ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) «4» 94- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) «5» 95- وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «6» 96- يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) «7» 97- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) «8»   (1) الشعراء: 52- 62 مكية (2) الشعراء: 75- 78 مكية (3) النمل: 63 مكية (4) الأحزاب: 4 مدنية (5) الصافات: 114- 118 مكية (6) الزمر: 17- 18 مكية (7) الحجرات: 17 مدنية (8) التغابن: 11 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3584 98- إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) «1» 99- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) «2» 100- أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) «3» 101- وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) «4» الهدى رهن بمشيئة الله وإرادته: 102- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71) «5» 103- * سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «6» 104- * لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) «7»   (1) الإنسان: 2- 3 مدنية (2) الأعلى: 1- 3 مكية (3) البلد: 8- 10 مكية (4) الضحى: 1- 11 مكية (5) البقرة: 70- 71 مدنية (6) البقرة: 142- 143 مدنية (7) البقرة: 272 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3585 105- وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35) «1» 106- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) «2» 107- قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (149) «3» 108- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) «4» 109- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «5» 110- وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9) «6» 111- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) «7» 112- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) «8» 113- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) «9» 114- إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِ   (1) الأنعام: 35 مكية (2) الأنعام: 125 مكية (3) الأنعام: 149 مكية (4) الرعد: 27 مدنية (5) إبراهيم: 4 مكية (6) النحل: 5- 9 مكية (7) النحل: 93 مكية (8) الحج: 16 مدنية (9) النور: 46 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3586 شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) «1» 115- وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) «2» 116- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) «3» 117- * شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) «4» 118- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «5» الهدى في مقابل الضلال من الله أو من العبد: 119- * إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) «6» 120- فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «7» 121- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (104) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ   (1) القصص: 56- 57 مكية (2) السجدة: 13 مكية (3) فاطر: 8 مكية (4) الشورى: 13 مكية (5) المدثر: 31 مكية (6) البقرة: 26 مدنية (7) آل عمران: 20 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3587 تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «1» 122- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) «2» 123- وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) «3» 124- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «4» 125- مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178) «5» 126- وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) «6» 127- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) «7» 128- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (37) «8»   (1) المائدة: 104- 108 مدنية (2) الأنعام: 56 مكية (3) الأنعام 116- 117 مكية (4) الأعراف: 29- 30 مكية (5) الأعراف: 178 مكية (6) يونس: 43 مكية (7) يونس: 108 مكية (8) النحل: 36- 37 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3588 129- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «1» 130- مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) «2» 131- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) «3» 132- * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) «4» 133- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) «5» 134- وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) «6» 135- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) «7» 136- * قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) «8» 137- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) «9» 138- أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «10»   (1) النحل: 125 مكية (2) الإسراء: 15 مكية (3) الإسراء: 97 مكية (4) الكهف: 17 مكية (5) النمل: 91- 92 مكية (6) القصص: 37 مكية (7) القصص: 85 مكية (8) سبأ: 24 مكية (9) سبأ: 50 مكية (10) الزمر: 36- 37 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3589 139- إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) «1» 140- ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) «2» 141- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) «3» 142- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) «4» الهدى وعد من الله أو من غيره: 143- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «5» 144- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) «6» 145- وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) «7» 146- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) «8» 147- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) «9»   (1) الزمر: 41 مكية (2) النجم: 30 مكية (3) الحديد: 26 مدنية (4) القلم: 7 مكية (5) النساء: 174- 175 مدنية (6) مريم: 41- 43 مكية (7) العنكبوت: 69 مكية (8) غافر: 38 مكية (9) محمد: 2- 5 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3590 148- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) «1» 149- وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) «2» 150- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) «3» 151- إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) «4» الهدى وصفا للبشر إثباتا أو نفيا: 152- فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) «5» 153- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «6» 154- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) «7» 155- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) «8» 156- أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) «9»   (1) الفتح: 1- 3 مدنية (2) الفتح: 20 مدنية (3) النازعات: 15- 19 مدنية (4) الليل: 12- 13 مكية (5) البقرة: 137 مدنية (6) البقرة: 155- 157 مدنية (7) النساء: 97- 98 مدنية (8) الأنعام: 97 مكية (9) الأعراف: 100 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3591 157- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) «1» 158- قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) «2» 159- وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) «3» 160- كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «4» 161- أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) «5» 162- قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135) «6» 163- قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (71) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ (72) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) «7» 164- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4) «8» 165- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) «9» 166- قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) «10»   (1) الرعد: 7 مدنية (2) الإسراء: 84 مكية (3) طه: 9- 10 مكية (4) طه: 81- 82 مكية (5) طه: 128 مكية (6) طه: 135 مكية (7) الأنبياء: 69- 73 مكية (8) الحج: 3- 4 مدنية (9) الحج: 67 مدنية (10) النور: 54 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3592 167- فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (37) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) «1» 168- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) «2» 169- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) «3» 170- وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) «4» 171- أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) «5»   (1) النمل: 36- 41 مكية (2) سبأ: 32 مكية (3) يس: 20- 21 مكية (4) محمد: 17 مدنية (5) الملك: 22 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3593 الأحاديث الواردة في (الهدى) 1- * (عن عبد الرّحمن بن عمرو السّلميّ، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممّن نزل فيه وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (التوبة/ 92) فسلّمنا، وقلنا: أتيناك، زائرين، وعائدين، ومقتبسين. قال العرباض: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟. فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الرّاشدين، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه- أو صاحبه- يرحمك الله، فإذا قال يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم» ) * «2» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ لا يعرف، قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟. فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللهمّ اصرعه» ، فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم، فقال: يا نبيّ الله، مرني بما شئت. قال: «فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا» . قال: فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان آخر النّهار مسلحة له «3» ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وحفّوا دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبيّ الله. فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم «4» ، فعجل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ بيوت أهلنا أقرب؟» . فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال   (1) أبو داود (4607) واللفظ له. وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 871) حديث رقم (3851) : صحيح. والترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (1/ 279) : إسناده صحيح. (2) البخاري- الفتح 10 (6224) . (3) مسلحة له: أي حارسا له. (4) يخترف لهم: أي يجتني من الثمار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3594 فانطلق فهيّأ لنا مقيلا «1» . قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ. وقد علمت يهود أنّي سيّدهم وابن سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر اليهود، ويلكم اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو، إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا» . قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالها ثلاث مرار- قال: «فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» . قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله، ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام! اخرج عليهم» فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو! إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 4- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟ وكان بيتا في خثعم يسمّى كعبة اليمانيّة. فانطلقت في خمسين ومائة من أحمس- وكانوا أصحاب خيل- فأخبرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتّى رأيت أثر أصابعه في صدري، فقال: «اللهمّ ثبّته، واجعله هاديا مهديّا» . فانطلق إليها فكسرها وحرّقها، فأرسل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبشّره، فقال رسول جرير لرسول الله: يا رسول الله، والّذي بعثك بالحقّ، ما جئتك حتّى تركتها كأنّها جمل أجرب. فبارك على خيل أحمس ورجالها مرّات) * «3» . 5- * (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا عرض لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في سفر. فأخذ بخطام ناقته «4» أو بزمامها. ثمّ قال: يا رسول الله أو يا محمّد! أخبرني بما يقرّبني من الجنّة وما يباعدني من النّار؟ قال: فكفّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ نظر في أصحابه. ثمّ قال: «لقد وفّق أو لقد هدي» . قال: كيف قلت؟ قال فأعاد. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تعبد الله لا تشرك به شيئا. وتقيم الصّلاة. وتؤتي الزّكاة. وتصل الرّحم. دع النّاقة» ) * «5» . 6- * (عن أبي الأشعث الصّنعانيّ أنّ خطباء قامت بالشّام وفيهم رجال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام آخرهم رجل يقال له مرّة بن كعب، فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قمت، وذكر الفتن فقرّبها، فمرّ رجل مقنّع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفّان، قال:   (1) مقيلا: أي مكانا نستريح فيه وقت القيلولة وهى الظهيرة. (2) البخاري- الفتح 7 (3911) . (3) البخاري- الفتح 6 (3076) واللفظ له ومسلم (2476) . (4) بخطام ناقته: الخطام- بكسر الخاء حبل من ليف أو كتان يجعل في أنف البعير ليقاد به. (5) مسلم (13) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3595 فأقبلت عليه بوجهه، فقلت: هذا؟ قال نعم) * «1» . 7- * (عن عبد الله بن عمر. رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو على أربعة، فأنزل الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (الأعراف/ 128) قال: فهداهم الله للإسلام) * «2» . 8- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر في دعائه أن يقول: «اللهمّ مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك» . قالت: قلت يا رسول الله! أو أنّ القلوب لتتقلّب؟ قال: «نعم، ما من خلق الله من بني آدم من بشر إلّا أنّ قلبه بين أصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله- عزّ وجلّ- أقامه وإن شاء الله أزاغه، فنسأل الله ربّنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لّدنه رحمة إنّه هو الوهّاب» . قالت: قلت: يا رسول الله ألا تعلّمني دعوة أدعو بها لنفسي، قال: «بلى. قولي: اللهمّ! ربّ محمّد النّبيّ اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلّات الفتن ما أحييتنا» ) * «3» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله- تعالى- تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنّة، هو الله الّذي لا إله إلّا هو، الرّحمن، الرّحيم، الملك، القدّوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارىء، المصوّر، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرّزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرّافع، المعزّ، المذلّ، السّميع، البصير، الحكم، العدل، اللّطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشّكور، العليّ، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرّقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشّهيد، الحقّ، الوكيل، القويّ، المتين، الوليّ، الحميد، المحصي، المبدىء، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصّمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأوّل، الآخر، الظّاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البرّ، التّوّاب، المنتقم، العفوّ، الرّؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنيّ، المغني، المانع، الضّارّ، النّافع، النّور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرّشيد، الصّبور» ) * «4» .   (1) الترمذي (3704) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح وأحمد (4/ 236) . وابن ماجة في المقدمة (111) ورواية أحمد فيها: (هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى) . (2) أحمد (2/ 104) واللفظ له، وأصله عند البخاري (8/ 74) برقم (4560) وذكره ابن حجر وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. (3) أحمد (6/ 302) . ونحوه عند مسلم (2654) من حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- وأقرب منه عند الترمذي (2140- 2141) وقال: حديث حسن صحيح. والهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 325) وقال: روى الترمذي بعضه ورواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد وثق. (4) الترمذي (3507) وقال: هذا حديث غريب، حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلّا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث. وابن ماجة (3861) وقال في الزوائد: طريق الترمذي أصح شيء في الباب. وقال النووي في الأذكار (128) : حديث حسن رواه الترمذي وغيره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3596 10- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم دخل نخلا لبني النّجّار، فسمع صوتا ففزع، فقال: «من أصحاب هذه القبور؟» . قالوا: يا رسول الله، ناس ماتوا في الجاهليّة، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار، ومن فتنة الدّجّال» قالوا: وممّ ذاك يا رسول الله؟. قال: «إنّ المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء، غيرها، فينطلق به إلى بيت كان له في النّار فيقال له: هذا بيتك كان لك في النّار ولكنّ الله عصمك ورحمك فأبدلك به بيتا في الجنّة، فيقول: دعوني حتّى أذهب فأبشّر أهلي، فيقال له: اسكن، وإنّ الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول النّاس، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثّقلين» ) * «1» . 11- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الهدى الصّالح، والسّمت الصّالح، والاقتصاد، جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «2» . 12- * (عن رافع بن سنان أنّه أسلم، وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: ابنتي وهي فطيم أو شبهه، وقال رافع: ابنتي، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقعد ناحية» . وقال لها: «اقعدي ناحية» قال: وأقعد الصّبيّة بينهما، ثمّ قال: «ادعواها» فمالت الصّبيّة إلى أمّها، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهدها» . فمالت الصّبيّة إلى أبيها، فأخذها) * «3» . 13- * (عن يزيد بن حيّان. قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم. فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت، يا زيد خيرا كثيرا. رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمعت حديثه. وغزوت معه. وصلّيت خلفه. لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: يا ابن أخي! والله لقد كبرت سنّي. وقدم عهدي. ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فما حدّثتكم فاقبلوا. وما لا، فلا تكلّفونيه. ثمّ قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا خطيبا. بماء يدعى خمّا، بين مكّة والمدينة. فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر. ثمّ قال: «أمّا بعد. ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله.   (1) أبو داود (4/ 4751) . واللفظ له وذكره الألباني في الصحيحة (ح 1344) وقال: أخرجه أحمد (3/ 331) . وهذا إسناد جيد رجاله رجال الصحيح. وذكره في صحيح أبي داود (ح 3977) وقال عنه: صحيح والثقلان هما الإنس والجن. (2) أبو داود (4776) وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 79) ، 3996: حسن. (3) أبو داود (2/ 2244) وقال الألباني في صحيح أبي داود (2/ 422) : صحيح. والنسائي (6/ 185) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3597 واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثمّ قال: «وأهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي» . فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس. قال: كلّ هؤلاء حرم الصّدقة؟ قال: نعم) * «1» . 14- * (عن عثمان بن أبي العاص وامرأة من قيس أنّهما سمعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال أحدهما: سمعته يقول: «اللهمّ اغفر لي ذنبي خطئي وعمدي» . قال الآخر: سمعته يقول: «اللهمّ أستهديك لأرشد أمري، وأعوذ بك من شرّ نفسي» ) * «2» . 15- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضيا، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السّنّ ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: «إنّ الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل، فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء» . قال: فما زلت قاضيا، أو ما شككت في قضاء بعد) * «3» . 16- * (عن سعد- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» قال: فهؤلاء لربّي. فما لي؟ قال: «قل: اللهمّ اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني» ) * «4» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «حين أسري بي لقيت موسى عليه السّلام، (فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا رجل (حسبته قال) مضطرب «5» . رجل الرّأس. كأنّه من رجال شنوءة. قال، ولقيت عيسى (فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا ربعة «6» أحمر كأنّما خرج من ديماس» . (يعني الحمّام) «7» قال، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه. وأنا أشبه ولده به. قال، فأتيت بإناءين في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر. فقيل لي: خذ أيّهما شئت. فأخذت اللّبن فشربته. فقال: هديت الفطرة- أو أصبت الفطرة- أما إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك) * «8» . 18- * (عن لقيط بن عامر أنّه خرج وافدا   (1) مسلم (2408) . (2) أحمد 4/، 217 ومجمع الزوائد 10/ 177 واللفظ له وقال: رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: وامرأة من قريش ورجالهما رجال الصحيح. (3) أبو داود 3 (3582) . قال الألباني في صحيح أبي داود (2/ 684) : حسن. وأحمد (1/ 136) . وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 73) : إسناده صحيح. (4) مسلم (2696) . (5) المضطرب: الطويل غير الشديد. (6) ربعة: بفتح الراء- هو المربوع، والمراد: أنه ليس بطويل جدا ولا قصير جدا بل وسط. (7) والمراد وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى كأنه كان في موضع كنّ فخرج منه وهو عرقان. (8) البخاري- الفتح 6 (3437) . ومسلم (168) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3598 إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق «1» قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لانسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة «2» فقام فى النّاس خطيبا فقال: «أيّها النّاس، ألا إنّي خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيّام، ألا لأسمعنّكم، ألا فهل من امرىء بعثه قومه» فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا ثمّ لعلّه أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضّلال ألا إنّي مسئول: هل بلّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا ألا اجلسوا، قال: فجلس النّاس وقمت أنا وصاحبي حتّى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره «3» قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله وهزّ رأسه وعلم أنّي أبتغي لسقطه فقال «ضنّ ربّك عزّ وجلّ بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلّا الله» وأشار بيده قلت: وما هي؟ قال: «علم المنيّة، قد علم منيّة أحدكم ولا تعلمونه، وعلم المنيّ حين يكون فى الرّحم، قد علمه ولا تعلمون، وعلم ما في غد، وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مشفقين «4» . فيظلّ يضحك قد علم أنّ غيركم إلى قرب، قال لقيط: لن نعدم من ربّ يضحك خيرا، وعلم يوم السّاعة، قلت يا رسول الله! علّمنا ممّا تعلّم النّاس وما تعلم، فأنا من قبيل لا يصدّقون تصديقنا أحد من مذحج الّتي تربو علينا وخثعم الّتي توالينا وعشيرتنا الّتي نحن منها قال: تلبثون ما لبثتم ثمّ يتوفّى نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تلبثون ما لبثتم ثمّ تبعث الصّائحة لعمر إلهك، ما تدع على ظهرها من شيء إلّا مات والملائكة الّذين مع ربّك- عزّ وجلّ- فأصبح ربّك- عزّ وجلّ- يطيف في الأرض وخلت عليه البلاد فأرسل ربّك عزّ وجلّ السّماء بهضب «5» من عند العرش، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميّت إلّا شقّت القبر عنه حتّى تجعله من عند رأسه فيستوي جالسا، فيقول ربّك: مهيم «6» لما كان فيه، يقول: يا ربّ أمس اليوم «7» ولعهده الحياة يحسبه حديثا بأهله، فقلت: يا رسول الله! كيف يجمعنا بعد ما تمزّقنا الرّياح والبلى والسّباع؟ قال: «أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله، الأرض أشرفت عليها وهي مدرة «8» بالية فقلت لا تحيا أبدا، ثمّ أرسل ربّك- عزّ وجلّ- عليها السّمآء فلم تلبث عليك إلّا أيّام حتّى أشرفت عليها وهي شرية «9»   (1) في الأصل ليست منقوطة، وهو مشهور. (2) زاد في نسخة «فقام في الغداة خطيبا» . (3) في النسخ: وحصره. وفي هامش إحداها: صوابه بصره. المصنف. (4) أزلين مشفقين: أي في حال ضيق وشدة وخوف. (5) أي بمطر، وفي الأصل (تهضب) والتصويب من النهاية. (6) مهيم: أى ما شأنك وما حالك؟. (7) أمس اليوم: أي أمس كأنه صار اليوم. (8) المدرة: قطعة الطين اليابس. (9) شرية: الشرية الحنظلة، أراد أن الأرض اخضرت بالنبات فكأنها حنظلة واحدة، قال ابن الأثير: والرواية شربة بالباء الموحدة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3599 واحدة ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعهم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فيخرجون من الأصواء «1» ومن مصارعهم فتنظرون إليه وينظر إليكم» قال: قلت: يا رسول الله! وكيف نحن ملء الأرض وهو شخص واحد ننظر إليه وينظر إلينا؟ قال: أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله «2» - عزّ وجلّ- الشّمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة لا تضارّون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم لا تضارّون في رؤيتهما» . قلت: يا رسول الله! فما يفعل بنا ربّنا عزّ وجلّ إذا لقيناه؟ قال: «تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا يخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربّك- عزّ وجلّ- بيده غرفة من الماء فينضح «3» قبيلكم بها، فلعمر إلهك ما تخطىء وجه أحدكم منها قطرة، فأمّا المسلم فتدع وجهه مثل الرّيطة «4» البيضاء، وأمّا الكافر فتخطمه مثل الحميم الأسود «5» ألا ثمّ ينصرف نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ويفترق على أثره الصّالحون فيسلكون جسرا من النّار فيطأ أحدكم الجمر فيقول حسّ «6» ، يقول ربّك عزّ وجلّ- أو أنّه: ألا فتطّلعون على حوض الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على أظمأ والله ناهلة عليها قطّ ما رأيتها فلعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلّا وضع عليها قدح يطهّره من الطّوف «7» والبول والأذى، وتحبس الشّمس والقمر ولا ترون منهما واحدا، قال: قلت: يا رسول الله! فبم نبصر؟ قال: «بمثل بصرك ساعتك هذه وذلك قبل طلوع الشّمس في يوم أشرقت الأرض واجهت به الجبال» قال: قلت: يا رسول الله فبم نجزى من سيّئاتنا وحسناتنا؟ قال: «الحسنة بعشر أمثالها والسّيّئة بمثلها إلّا أن يعفو» قال: قلت: يا رسول الله! أمّا الجنّة أمّا النّار قال: «لعمر إلهك إنّ للنّار لسبعة أبواب، ما منهنّ بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين عاما، وإنّ للجنّة لثمانية أبواب، ما منهما بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين عاما» قلت: يا رسول الله! فعلام نطّلع من الجنّة؟ قال: «على أنهار من عسل مصفّى، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه، وماء غير آسن «8» ، وبفاكهة، لعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه، وأزواج مطهّرة» قلت: يا رسول الله! ولنا فيها أزواج أو منهنّ مصلحات؟ قال: «الصّالحات للصّالحين، تلذّونهنّ مثل لذّاتكم في الدّنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد» قال لقيط: فقلت: أقضي ما نحن بالغون ومنتهون   (1) الأصواء: القبور وأصلها من الصّوى: الأعلام، فشبه القبور بها. (2) آلاء الله: نعمه. (3) فينضح: أي يرش (4) الريطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، وقيل: كل ثوب لين دقيق. (5) فتخطمه مثل الحميم الأسود: أي تصيب خطمه وهو أنفه يعني تجعل له أثرا مثل أثر الخطام، والحميم الماء الحار وفي رواية مثل الحمم وهو الفحم. (6) حسّ كلمة: تقال عند التألم من شيء محس. (7) الطوف: الغائط يقال: طاف يطوف طوفا أي ذهب إلي البراز، لقضاء الحاجة. (8) غير أسن: غير متغير. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3600 إليه؟ فلم يجبه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت: يا رسول الله! (على) «1» ما أبايعك؟ قال فبسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وقال: «على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وزيال المشرك، وأن لا تشرك بالله إلها غيره» قال: قلت: وإنّ لنا ما بين المشرق والمغرب، فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده، وظنّ أنّي مشرط شيئا لا يعطينيه، قال: قلت: نحلّ منها حيث شئنا ولا يجني امرؤ إلّا على نفسه، فبسط يده، وقال: «ذلك لك تحلّ حيث شئت ولا يجني عليك إلّا نفسك» قال: فانصرفنا عنه، ثمّ قال: «إنّ هذين لعمر إلهك من أتقى النّاس في الأولى والآخرة» فقال له كعب ابن الخدريّة أحد بني بكر بن كلاب: من هم يا رسول الله؟ قال: «بنو المنتفق أهل ذلك» قال: فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت يا رسول الله هل لأحد ممّن مضى من خير في جاهليّتهم؟ قال: قال رجل من عرض قريش، «والله إنّ أباك المنتفق لفي النّار» قال فلكأنّه وقع حرّ بين جلدي ووجهي ولحمى ممّا قال لأبي على رؤوس النّاس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله! فإذا الأخرى أجمل، فقلت: يا رسول الله وأهلك؟ قال: وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامريّ أو قرشيّ من مشرك فقل: أرسلني إليك محمّد فأبشّرك بما يسوؤك، تجرّ على وجهك وبطنك في النّار» قال: قلت: يا رسول الله! ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلّا إيّاه، وكانوا يحسبونه أنّهم مصلحون قال: «ذلك لأنّ الله عزّ وجلّ بعث في آخر كلّ سبع أمم- يعني نبيّا- فمن عصى نبيّه كان من الضّالّين، ومن أطاع نبيّه كان من المهتدين) * «2» . 19- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّمآء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي «3» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبي. فجعلت أصبّ على رأسي- أو على وجهي- من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات   (1) زيادة من المسند الجامع (15/ 19) . (2) رواه أحمد (4/ 13- 14) واللفظ له والهيثمي في المجمع (1/ 338) وقال: رواه عبد الله. والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل، ورجالها ثقات والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط. وذكره ابن القيم في الزاد (3/ 673- 677) وقال عنه: هذا حديث كبير جليل قد خرج من مشكاة النبوة. وذكر كلاما طويلا في قوته. (3) تجلاني الغشي: أي علاني مرض قريب من الإغماء لطول تعب الوقوف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3601 والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنّا نعلم إنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت) * «1» . 20- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سلمة وقد شقّ بصره «2» . فأغمضه. ثمّ قال: «إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر» فضجّ ناس من أهله. فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلّا بخير. فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» ثمّ قال: «اللهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين «3» . واغفر لنا وله يا ربّ العالمين. وافسح له في قبره. ونوّر له فيه) * «4» . 21- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأيته ينقل من تراب الخندق حتّى وارى عنّى التّراب جلدة بطنه وكان كثير الشّعر- فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التّراب يقول: اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا إنّ الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا قال ثمّ يمدّ صوته بآخرها) » «5» . 22- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: زوّجني أبي امرأة من قريش، فلمّا دخلت عليّ جعلت لا أنحاش لها «6» ممّا بي من القوّة على العبادة من الصّوم والصّلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كنّته «7» حتّى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرّجال، أو كخير البعولة من رجل لم يفتّش لنا كنفا، ولم يعرف لنا فراشا، فأقبل عليّ فعذمني «8» وعضّني بلسانه! فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها «9» وفعلت وفعلت!! ثمّ انطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكاني فأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتيته، فقال لي: أتصوم النّهار؟ قلت: نعم، قال: وتقوم اللّيل؟ قلت: نعم، قال: لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأمسّ النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» قال: «اقرأ القرآن في كلّ شهر» قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ عشرة أيّام» قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتّى قال: صم يوما وأفطر يوما فإنّه أفضل الصّيام وهو صيام أخي داود صلّى الله عليه وسلّم قال حصين في حديثه: ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: فإنّ لكلّ   (1) البخاري- الفتح 1 (86) . ومسلم (905) واللفظ له. (2) شق بصره: أي شخص وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه. (3) في الغابرين: أي الباقين أي كن خليفة له في ذريته. (4) مسلم (920) . (5) البخاري- الفتح 7 (4106) واللفظ له في هذا الموضع 6 (3034) ، ومسلم (1803) . (6) لا أنحاش لها: أي لا أكترث لها، ولا أعبأبها. (7) الكنّة: بفتح الكاف، وهي هنا زوجة الابن. (8) فعذمني: أي لامني. (9) فعضلتها: هو من العضل: وهو المنع، أراد أنك لم تعاملها معاملة الأزواج لنسائهم، ولم تتركها تتصرف في نفسها فكأنك قد منعتها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3602 عابد شرّة «1» ولكلّ شرّة فترة «2» ، فإمّا إلى سنّة، وإمّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنّة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو حيث ضعف وكبر، يصوم الأيّام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوّى بذلك، ثمّ يفطر بعد تلك الأيّام، قال: وكان يقرأ في كلّ حزبه «3» كذلك، يزيد أحيانا وينقص أحيانا، غير أنّه يوفي العدد إمّا في سبع وإمّا في ثلاث، قال: ثمّ كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ ممّا عدل به أو عدل، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره) * «4» . 23- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع» ) * «5» . 24- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: قدم طفيل بن عمرو الدّوسيّ وأصحابه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله! إنّ دوسا عصت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس. قال: «اللهمّ اهد دوسا وائت بهم» ) * «6» . 25- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قل: اللهمّ اهدني وسدّدني، واذكر بالهدى هدايتك الطّريق. والسّداد، سداد السّهم) * «7» . 26- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم، ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ، ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى، ويقول: «أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمّد «8» ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا «9» فإليّ وعليّ» ) * «10» . 27- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كان اليهود يتعاطسون «11» عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يرجون أن يقول لهم: «يرحمكم الله، فيقول: يهديكم الله،   (1) شرة: نشاط. (2) فترة: انكسار وضعف. (3) الحزب: ما يجعله الرجل علي نفسه من قراءة وصلاة كالورد (4) أخرجه الترمذي. وأحمد 2/، 158 قال أحمد شاكر 9/ 188، 6477: إسناده صحيح، رواه عنه كثير من التابعين وأخرجه الأئمة في دواوينهم ولكني لم أجده مفصلا بهذا السياق إلا في هذا الموضع. (5) رواه الترمذي (4/ 576) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 35) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وابن ماجة (2/ 1386) من حديث عبد الله بن عمرو وبلفظ «قد أفلح» . (6) البخاري- الفتح 6 (2937) . ومسلم (2524) متفق عليه. (7) مسلم (2725) (8) الهدى هدى محمد: الهدى- بضم الهاء وفتح الدال- فيهما، وبفتح الهاء وإسكان الدال. وجهان ذكرهما العلماء. (9) الضياع:- بفتح الضاد- العيال، والمراد: من ترك أطفالا وعيالا ذوي ضياع. فأوقع المصدر موقع الاسم. (10) ومسلم (867) (11) يتعاطسون: أي يتكلفون العطاس ويتظاهرون به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3603 ويصلح بالكم» ) * «1» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ أهل النّار يرى مقعده من الجنّة فيقول: لو أنّ الله هداني فيكون عليهم حسرة، قال: وكلّ أهل الجنّة يرى مقعده من النّار فيقول: لولا أنّ الله هداني. قال: فيكون له شكرا» ) * «2» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله، إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» . فخرجت مستبشرا بدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «3» فسمعت أمّي خشف قدميّ «4» ، فقالت: مكانك! يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «5» . قال فاغتسلت ولبست درعها «6» ، وعجلت عن خمارها ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين. وحبّب إليهم المؤمنين» . فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني، إلّا أحبّني) * «7» . 30- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «أين عليّ ابن أبي طالب؟» . فقالوا: هو، يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: «فأرسلوا إليه» . فأتى به فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه ودعا له فبرأ. حتّى كأن لم يكن به وجع. فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟. فقال: «انفذ على رسلك. حتّى تنزل بساحتهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» ) * «8» . 31- * (عن سعيد بن المسيّب، عن أبيه رضي الله عنهما- قال لمّا حضرت أبا طالب الوفاة،   (1) الترمذي (2739) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (5038) ، وقال الألباني 3/ 944: صحيح. (2) أحمد (2/ 512) والهيثمي في المجمع (01/ 399) وقال: رجاله رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 435- 436) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (3) مجاف: مغلق (4) خشف قدمىّ: أي صوتهما في الأرض (5) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه. (6) درع المرأة: قميصها. (7) مسلم (2491) . (8) البخاري- الفتح 7 (3701) . ومسلم (2406) متفق عليه، وحمر النعم: هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3604 جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمّ قل: لا إله إلّا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله» . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتّى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو على ملّة عبد المطّلب. وأبى أن يقول: لا إله إلّا الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله عزّ وجلّ: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (التوبة/ 113) . وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص/ 56) * «1» . 32- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر، قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال: «اللهمّ! أين ما وعدتني؟، اللهمّ! أنجز ما وعدتني، اللهمّ! إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا» ، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر- رضي الله عنه- فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه ثمّ قال: يا نبيّ الله، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله عزّ وجلّ-: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ 9) فلمّا كان يومئذ والتقوا، فهزم الله- عزّ وجلّ- المشركين، فقتل منهم سبعون رجلا، وأسر منهم سبعون رجلا، فاستشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر وعليّا وعمر- رضي الله عنهم-، فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: يا نبيّ الله! هؤلاء بنو العمّ والعشيرة والإخوان، فإنّي أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفّار، وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى يا بن الخطّاب؟» . قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر- رضي الله عنه- ولكنّي أرى أن تمكّنني من فلان، قريبا لعمر، فأضرب عنقه، وتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه وتمكّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتّى يعلم الله أنّه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمّتهم، وقادتهم، فهوي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال أبو بكر- رضي الله عنه-، ولم يهو ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلمّا أن كان من الغد، قال عمر- رضي الله عنه-: غدوت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو قاعد وأبو بكر- رضي الله عنه-، وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الّذي عرض عليّ أصحابك من الفداء،   (1) البخاري- الفتح 3 (1360) ومسلم (24) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3605 لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشّجرة» ، لشجرة قريبة، وأنزل الله- عزّ وجلّ-: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلى قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ (الأنفال/ 67) من الفداء، ثمّ أحلّ لهم الغنائم، فلمّا كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفرّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكسرت رباعيته وهشمت البيضة «1» على رأسه، وسال الدّم على وجهه، وأنزل الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها الآية (آل عمران/ 165) ، بأخذكم الفداء» ) * «2» . 33- * (عن أبي الحوراء السّعديّ، قال: قلت للحسن بن عليّ: ما تذكر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أذكر أنّي أخذت تمرة من تمر الصّدقة، فألقيتها في فمي، فانتزعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلعابها فألقاها في التّمر، فقال له رجل: ما عليك لو أكل هذه التّمرة؟ قال: «إنّا لا نأكل الصّدقة» قال: وكان يقول «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة. قال: وكان يعلّمنا هذا الدّعاء: «اللهمّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّه لا يذلّ من واليت» ، وربّما قال «تباركت ربّنا وتعاليت» ) * «3» . 34- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ وما رآهم. انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ «4» ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء، وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم، فقالوا: مالكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب، قالوا: ما ذاك إلّا من شيء حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها «5» ، فانظروا ما هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ النّفر الّذين أخذوا نحو تهامة (وهو بنخل «6» ، عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر) فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له، وقالوا: هذا حال بيننا وبين خبر السّماء، فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ   (1) البيضة: الخوذة على الرأس تقي المحارب. (2) أحمد (30- 31) . وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 244) : إسناده صحيح. (3) أحمد (1/ 200) والترمذي: (2518) والدارمي: (1589- 1594) . وقال محقق جامع الأصول (6/ 444) : إسناده صحيح. (4) سوق عكاظ: هو موضع بقرب مكة كانت تقام به في الجاهلية سوق يقيمون فيه أياما، قال النووي: تصرف ولا تصرف، والسوق تؤنث وتذكر، وفي القاموس: وعكاظ كغراب، سوق بصحراء بين نخلة والطائف، كانت تقوم هلال ذي القعدة، وتستمر عشرين يوما تجتمع قبائل العرب فيتعاكظون، أي يتفاخرون ويتناشدون، قال النووي: قيل سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم. (5) فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها: الضرب في الأرض الذهاب فيها، وهو ضربها بالأرجل (6) وهو بنخل: هكذا وقع في صحيح مسلم: بنخل، وصوابه بنخلة، بالهاء، وهو موضع معروف هناك، كذا جاء صوابه في صحيح البخاري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3606 نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (الجن/ 1، 2) فأنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (الجن/ 1)) * «1» . 35- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما كان من نبيّ إلّا وقد كان له حواريّون يهتدون بهديه «2» ويستنّون بسنّته» ) * «3» . 36- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقيّة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها النّاس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنّما هي قيعان «4» لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه «5» في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به» . قال أبو عبد الله: قال إسحاق: وكان منها طائفة قيّلت «6» الماء قاع يعلوه الماء، والصّفصف المستوي من الأرض» ) * «7» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «8» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ سنّة ضلال فاتّبع عليها كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، ومن سنّ سنّة هدى فاتّبع عليها كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» ) * «9» . 39- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في حديث أبي سفيان مع هرقل، قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم، من محمّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الرّوم: سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «10» ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) . قال أبو سفيان: فلمّا قال   (1) البخاري- الفتح 8 (4921) . ومسلم (449) (2) يهتدون بهديه: أي بطريقته وسمته. (3) مسلم (49) . (4) القيعان: بكسر القاف جمع قاع، وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت. (5) فقه: أي صار فقيها. (6) قيلت: أي شربت، والقيل: شرب نصف النهار. (7) البخاري- الفتح 1 (79) . واللفظ له ومسلم (2282) . (8) مسلم (2674) . (9) أحمد (2/ 505) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وهو عند مسلم بلفظ آخر وعند الترمذي والنسائي وغيرهم. (10) الأريسيين: اختلفوا في المراد بهم على أقوال: أصحها وأشهرها أنهم الأكارون أي الفلاحون والزراعون ومعناه: إن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3607 ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصّخب، وارتفعت الأصوات، وأخرجنا، وقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة «1» ، إنّه يخافه ملك بني الأصفر «2» ، فما زلت موقنا أنّه سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام) * «3» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة، بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثمّ هذا يومهم الّذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالنّاس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنّصارى بعد غد» ) * «4» . 41- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: «يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط «5» إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه) * «6» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنّة» ، فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «يقتل هذا فيلج الجنّة، ثمّ يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام، ثمّ يجاهد في سبيل الله فيستشهد» ) * «7» .   (1) أمر أمر ابن أبي كبشة: أمر: أي عظم، وابن أبي كبشة قيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها فشبهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم به لمخالفته إياهم في دينهم كما خالفهم أبو كبشة. (2) بنو الأصفر: هم الروم. (3) البخاري- الفتح 1 (7) . ومسلم (1773) . (4) البخاري- الفتح 2 (876) . ومسلم (855) . (5) المخيط: أي الإبرة. قالوا: هذا تقريب للأفهام، ومعناه لا ينقص شيئا أصلا. (6) حديث قدسي رواه مسلم (2577) . (7) البخاري- الفتح 6 (2826) ومسلم (1890) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3608 الأحاديث الواردة في (الهدى) معنى 43- * (عن أنس- رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: «يوفّقه لعمل صالح قبل الموت» ) * «1» . 44- * (عن عديّ بن حاتم أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت» . قال: قل: ومن يعص الله ورسوله» «2» . قال ابن نمير: فقد غوى) * «3» . 45- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: «خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم. وتأتون الماء، إن شاء الله، غدا فانطلق النّاس لا يلوى أحد على أحد «4» قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير حتّى ابهارّ اللّيل «5» وأنا إلى جنبه. قال فنعس «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فمال عن راحلته. فأتيته فدعمته «7» . من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى تهوّر اللّيل «8» مال عن راحلته. قال: فدعمته من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى إذا كان من آخر السّحر مال ميلة. هي أشدّ من الميلتين الأوليين. حتّى كاد ينجفل «9» . فأتيته فدعمته. فرفع رأسه فقال: «من هذا؟» . قلت: أبو قتادة. قال: «متى كان هذا مسيرك منّي؟» . قلت: ما زال هذا مسيرى منذ اللّيلة. قال: «حفظك الله بما حفظت به نبيّه «10» » ثمّ قال: «هل ترانا نخفى على النّاس؟» . ثمّ قال: «هل ترى من أحد؟» . قلت: هذا راكب. ثمّ قلت: هذا راكب آخر. حتّى اجتمعنا فكنّا سبعة ركب «11» . قال: فمال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الطّريق. فوضع رأسه. ثمّ قال: «احفظوا علينا صلاتنا. فكان أوّل من استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والشّمس في ظهره. قال: فقمنا فزعين. ثمّ قال: «اركبوا» . فركبنا. فسرنا. حتّى إذا ارتفعت الشّمس نزل. ثمّ دعا بميضأة «12» كانت معي فيها شيء من   (1) الترمذي (2142) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (4/ 135) من حديث عمر الجمعي بلفظ» يهديه الله- عز وجل- إلى العمل الصالح» . (2) مسلم (870) . (3) كأنه قصد بذلك إرشاد الخطيب إلى عدم التسوية بين الله- تبارك وتعالى- وبينه صلّى الله عليه وسلّم وإفراد كل منهما بالذكر. (4) لا يلوي على أحد: أي لا يعطف. (5) ابهار الليل: أي انتصف. (6) فنعس: النعاس مقدمة النوم. (7) فدعمته: أي أقمت ميله من النوم، وصرت تحته. كالدعامة للبناء فوقها. (8) تهور الليل: أي ذهب أكثره. مأخوذ من تهور البناء، وهو انهداده. (9) ينجفل: أي يسقط. (10) بما حفظت به نبيه: أي بسبب حفظك نبيه. (11) سبعة ركب: هو جمع راكب. كصاحب وصحب، ونظائره. (12) بميضأة: هي الإناء الذي يتوضأ به، كالركوة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3609 ماء. قال: فتوضّأ منها وضوءا دون وضوء «1» . قال: وبقي فيها شيء من ماء. ثمّ قال لأبي قتادة: «احفظ علينا ميضأتك. فسيكون لها نبأ» . ثمّ أذّن بلال بالصّلاة. فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين. ثمّ صلّى الغداة فصنع كما كان يصنع كلّ يوم. قال: وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وركبنا معه. قال فجعل بعضنا يهمس إلى بعض «2» : ما كفّارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثمّ قال: «أما لكم فيّ أسوة «3» ؟» . ثمّ قال: «أما إنّه ليس في النّوم تفريط «4» . إنّما التّفريط على من لم يصلّ الصّلاة حتّى يجيء وقت الصّلاة الأخرى. فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها. فإذا كان الغد فليصلّها عند وقتها» . ثمّ قال: «ما ترون النّاس صنعوا؟» . قال: ثمّ قال «5» : «أصبح النّاس فقدوا نبيّهم» . فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدكم. لم يكن ليخلّفكم. وقال النّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أيديكم. فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا. قال: فانتهينا إلى النّاس حين امتدّ النّهار وحمي كلّ شيء. وهم يقولون: يا رسول الله! هلكنا. عطشنا. فقال: «لا هلك عليكم «6» » . ثمّ قال: «أطلقوا لي غمري «7» » . قال: ودعا بالميضأة. فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصبّ وأبو قتادة يسقيهم. فلم يعد أن رأى النّاس ماء في الميضأة تكابّوا عليها «8» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحسنوا الملأ «9» . كلّكم سيروى» . قال ففعلوا. فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصبّ وأسقيهم حتّى ما بقي غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ثمّ صبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «اشرب» . فقلت: لا أشرب حتّى تشرب يا رسول الله قال: «إنّ ساقي القوم آخرهم شربا» . قال فشربت. وشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فأتى النّاس الماء جامّين رواء «10» . قال فقال عبد الله بن   (1) وضوءا دون وضوء: أي وضوءا خفيفا. (2) يهمس إلى بعض: أي يكلمه بصوت خفي. (3) أسوة: الأسوة كالقدوة والقدوة، هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره. إن حسنا وإن قبيحا. وإن سارّا وإن ضارّا. ولهذا قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب/ 21) . فوصفها بالحسنة. كذا قال الراغب. (4) ليس في النوم تفريط: أي تقصير في فوت الصلاة. لانعدام الاختيار من النائم. (5) ما ترون الناس صنعوا قال ثم قال.. الخ: قال النووي: معنى هذا الكلام أنه صلّى الله عليه وسلّم لما صلّى بهم الصبح، بعد ارتفاع الشمس، وقد سبقهم الناس. وانقطع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم. قال: ما تظنون الناس يقولون فينا؟ فسكت القوم. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم وراءكم. ولا تطيب نفسه أن يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم. فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم. وقال باقي الناس: إنه سبقكم فالحقوه. فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، فإنهما على الصواب. (6) لاهلك عليكم: أي لا هلاك. (7) أطلقوا لى غمري: أي ائتوني به. والغمر القدح الصغير. (8) فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها: أي لم يتجاوز رؤيتهم الماء في الميضأة تكابهم، أي تزاحمهم عليها، مكبا بعضهم على بعض. (9) أحسنوا الملأ: الملأ الخلق والعشرة. يقال: ما أحسن ملأ فلان أي خلقه وعشرته. وما أحسن ملأ بني فلان أي عشرتهم وأخلاقهم. ذكره الجوهري وغيره. وأنشد الجوهري: تنادوا يالبهثة إذ رأونا ... فقلنا: أحسني ملأ جهينا (10) جامين رواء: أي مستريحين قد رووا من الماء. والرواء ضد العطاش جمع ريّان وريّا، مثل عطشان وعطشى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3610 رباح: إنّي لأحدّث هذا الحديث في مسجد الجامع «1» . إذ قال عمران بن حصين: انظر أيّها الفتى كيف تحدّث. فإنّي أحد الرّكب تلك اللّيلة» . قال قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال: ممّن أنت؟، قلت: من الأنصار. قال: حدّث فأنتم أعلم بحديثكم. قال: فحدّثت القوم. فقال عمران: لقد شهدت تلك اللّيلة وما شعرت أنّ أحدا حفظه كما حفظته «2» » ) * «3» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الهدى) 46- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان يقول: «اللهمّ إنّي أسألك الهدى والتّقى والعفاف «4» والغنى «5» ) * «6» . 47- * (عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف، قال: سألت عائشة أمّ المؤمنين: بأيّ شيء كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يفتتح صلاته إذا قام من اللّيل؟ قالت: كان إذا قام من اللّيل افتتح صلاته: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ) * «7» . 48- * (عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة: بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قيام اللّيل؟ فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبّر عشرا، وحمد الله عشرا، وسبّح عشرا، وهلّل عشرا، واستغفر عشرا، وقال: «اللهمّ اغفر لي، واهدني، وارزقني، وعافني» . ويتعوّذ من ضيق المقام يوم القيامة، قال أبو داود: ورواه خالد بن معدان عن ربيعة الجرشيّ عن عائشة، نحوه) * «8» . 49- * (عن السّائب، قال صلّى بنا عمّار بن ياسر صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم: لقد خفّفت أو أوجزت الصّلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا   (1) في مسجد الجامع: هو من باب إضافة الموصوف إلى صفته. فعند الكوفيين يجوز ذلك بغير تقدير. وعند البصريين لا يجوز إلا بتقدير. ويتأولون ما جاء بهذا بحسب مواطنه. والتقدير هنا: مسجد المكان الجامع. وفي قول الله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ (القصص/ 44) أي المكان الغربي. وقوله تعالى: وَلَدارُ الْآخِرَةِ (النحل/ 30) أي الحياة الآخرة. (2) حفظته: ضبطناه، حفظته بضم التاء وفتحها. وكلاهما حسن. (3) مسلم (681) . (4) العفاف: العفاف والعفة: هو التنزه عما لا يباح، والكف عنه. (5) الغنى: الغنى هنا: غنى النفس والاستغناء عن الناس، وعما في أيديهم. (6) مسلم (2721) . (7) مسلم (770) . (8) أبو داود (1/ 203) ، (266) . والنسائي (3/ 209) . وابن ماجة (1356) . وقال الألباني في صحيح أبي داود (1/ 146) ح 693: حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (4/ 236) : حسن صحيح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3611 قام تبعه رجل من القوم هو أبيّ غير أنّه كنى عن نفسه، فسأله عن الدّعاء ثمّ جاء فأخبر به القوم: اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهمّ وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب وأسألك القصد في الفقر والغني، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين) * «1» . 50- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: ما صلّيت وراء نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم، إلّا سمعته يقول حين انصرف: «اللهمّ اغفر لي خطئي وعمدي، اللهمّ اهدني لصالح الأعمال والأخلاق، إنّه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيّئها إلّا أنت» ) * «2» . 51- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي «3» للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا «4» وما أنا من المشركين «5» . إنّ صلاتي ونسكي «6» ومحياي ومماتي «7» لله ربّ العالمين «8» لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق «9»   (1) أحمد (4/ 264) . والنسائي (3/ 54) . وابن الأثير في «جامع الأصول» (4/ 210) وقال محققه: إسناده جيد. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1237) . (2) الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 173) وقال: رواه الطبراني ورجاله وثقوا. (3) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي للذي فطر السماوات والأرض. أي ابتدأ خلقها. (4) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام. وأصل الحنف الميل. ويكون في الخير والشر. وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة: وقيل: المراد بالحنيف، هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي. (5) وما أنا من المشركين: بيان للحنيف وإيضاح لمعناه: والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم. (6) إن صلاتي ونسكي: قال أهل اللغة: النسك العبادة. وأصله من النسيكة، وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط. والنسيكة، أيضا، ما يتقرب به إلى الله تعالى. (7) ومحياي ومماتي: أي حياتي وموتي. ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانها. والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي. (8) رب العالمين: في معنى رب أربعة أقوال: حكاها الماوردي وغيره: الملك والسيد والمدبر والمربي. فإن وصف الله تعالى برب، لأنه مالك أو سيد، فهو من صفات الذات. وإن وصف به لأنه مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله. ومتى دخلته الألف واللام، فقيل الرب، اختص بالله تعالى. وإذا حذفتا جاز إطلاقه على غيره، فيقال: رب المال ورب الدار ونحو ذلك. والعالمين: جمع عالم، وليس للعالم واحد من لفظه. (9) واهدني لأحسن الأخلاق: أي أرشدني لصوابها، ووفقني للتخلق بها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3612 لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك «1» وسعديك «2» والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك «3» . تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» . وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «4» . 52- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله أخرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم. قال: «اللهمّ اهد ثقيفا» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الهدى) 1- * (عن عبد الله- رضي الله عنه-، قال: من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ. فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى وإنّهنّ من سنن الهدى لو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم. ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم. وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيّئة. ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق، معلوم النّفاق، ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ» ) * «6» . 2- * (وقال ابن مسعود أيضا: «كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى، أحلاس «7» البيوت، وسرج اللّيل، جدد القلوب، خلقان الثّياب، تعرفون في السّماء وتخفون على أهل الأرض» ) * «8» . 3- * (وقال: لا يكن أحدكم إمّعة، قالوا وما الإمّعة؟ قال: يقول: «أنا مع النّاس، إن اهتدوا   (1) لبيك: قال العلماء: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة. يقال: لّب بالمكان لبّا، وألبّ إلبابا، إذا أقام به (2) وسعديك: قال الأزهري وغيره: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة. (3) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك، وتوفيقي بك. (4) مسلم (771) . (5) الترمذي (5/ 3945) وقال: وهذا حديث حسن صحيح غريب. (6) مسلم (654) . (7) ملازمين بيوتكم. (8) الفوائد (203) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3613 اهتديت وإن ضلّوا ضللت، ألا ليوطّننّ أحدكم نفسه على أنّه إن كفر النّاس لا يكفر» ) * «1» . 4- * (وقال أيضا: «امشوا إلى المسجد، فإنّه من الهدى وسنّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 5- * (عن أبي أمامة بن سهل، قال: «كنّا مع عثمان وهو محصور في الدّار، فدخل مدخلا كان إذا دخله يسمع كلامه من على البلاط، قال: فدخل ذلك المدخل، وخرج إلينا، فقال: إنّهم يتوعّدوني بالقتل آنفا، قال: قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين، قال: وبم يقتلونني؟ إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحلّ دم امرىء مسلم إلّا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا فيقتل بها. فو الله ما أحببت أنّ لي بديني بدلا منذ هداني الله، ولا زنيت في جاهليّة ولا في إسلام قطّ، ولا قتلت نفسا، فبم يقتلونني؟» ) * «3» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في قصصه يذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث يعني بذلك ابن رواحة قال: فينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى، فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع ) * «4» . 7- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: «إنّ أشبه النّاس دلّا وسمتا وهديا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن أمّ عبد، من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا» ) * «5» . 8- * (عن أنس بن مالك أنّه سمع عمر الغد حين بايع المسلمون أبا بكر واستوى على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تشهّد قبل أبي بكر فقال: «أمّا بعد فاختار الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم الّذي عنده على الّذي عندكم، وهذا الكتاب الّذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا، وإنّما هدى الله به رسوله) * «6» . 9- * (قال ابن الجوزيّ: «والله ما ينفع تأديب الوالد إذا لم يسبق اختيار الخالق لذلك الولد فإنّه سبحانه إذا أراد شخصا ربّاه من طفولته وهداه إلى الصّواب ودلّه على الرّشاد، وحبّب إليه ما يصلح، وصحبه من يصلح، وبغّض إليه ضدّ ذلك» ) * «7» . 10- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «والعبد مضطرّ دائما إلى أن يهديه الله الصّراط المستقيم، فهو مضطرّ إلى مقصود هذا الدّعاء، فإنّه لا نجاة من العذاب ولا وصول إلى السّعادة إلّا بهذه الهداية، وهذا الهدى لا يحصل إلّا بهدى الله» ) * «8» .   (1) الفوائد (204) . (2) أحمد (1/ 444) . (3) أحمد (1/ 62) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 437) : إسناده صحيح، هذا أثر في سياقه حديث والمقصود هنا الاستشهاد بالأثر. (4) البخاري- الفتح 10 (6151) . (5) البخاري- الفتح 10 (6097) . (6) البخاري- الفتح 13 (7269) . (7) صيد الخاطر (299) . (8) الفتاوى (14/ 37) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3614 11- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «الهداية تجرّ الهداية، والضّلال يجرّ الضّلال، فأعمال البرّ تثمر الهدى، وكلّما ازددت منها ازداد الهدى، وأعمال الفجور بالضّدّ، وذلك أنّ الله سبحانه يحبّ أعمال البرّ فيجازي عليها بالهدى والفلاح، ويبغض أعمال الفجور ويجازي عليها بالضّلال والشّقاء» ) * «1» . 12- * (وقال أيضا: «إنّ العبد إذا آمن بالكتاب واهتدى به مجملا وقبل أوامره وصدّق بأخباره، كان ذلك سببا لهداية أخرى تحصل له على التّفصيل، فإنّ الهداية لا نهاية لها ولو بلغ العبد فيها ما بلغ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً (مريم/ 76) » ) * «2» . 13- * (وقال أيضا: «فالهدى والفضل والنّعمة والرّحمة متلازمات لا ينفكّ بعضها عن بعض» ) * «3» . 14- * (وقال أيضا: «أكمل الهدي هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان موفّيا كلّ واحد منهما أي الإسلام والإحسان حقّه» ) * «4» . من فوائد (الهدى) (1) ينير قلب المؤمن بنور العلم والإيمان. (2) من أكبر نعم الله على العبد أن يهديه الله سبيل الرّشاد. (3) الهدى هديان: هدى الله الّذي لا يقدر عليه مخلوق. وهدى الدّلالة ما يستفاد من الرّسل وأتباعهم. (4) أساس الهدى التّوحيد فمن أخلص العبادة لله وحده كان من المهتدين. (5) إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان كثيرا ما يبتهل إلى الله- عزّ وجلّ- بالدّعاء لأقوام وأفراد يسأله الهداية لهم. (6) الهدى كلّ الهدى في كتاب الله- عزّ وجلّ- وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (7) طريق موصّل إلى رضوان الله وجنّته. (8) المهتدي قريب من ربّه قريب من إخوانه. (9) نشر الهدى في المجتمعات يزيد في الطّاعات ويبعد عن المعاصي.   (1) تنوير الحوالك (1/ 338) . (2) المصدر السابق (1/ 177) . (3) المصدر السابق (1/ 184) . (4) المصدر السابق (1/ 195) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3615 [ حرف الواو ] الورع الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 31/ 22 الورع لغة: مصدر قولهم: ورع يرع وهو مأخوذ من مادّة (ور ع) الّتي تدلّ على الكفّ والانقباض، قال ابن فارس: ومنه (أي من هذا المعنى) الورع: العفّة، وهي الكفّ عمّا لا ينبغي، والورع (أيضا) الرّجل الجبان، والفعل منه ورع يورع ورعا إذا كان جبانا، وورّعته وأورعته: كففته «1» . وقال الجوهريّ: قال ابن السّكّيت وأصحابنا (الكوفيّون) يذهبون بالورع إلى الجبان وليس كذلك، وإنّما الورع: الصّغير الضّعيف الّذي لا غناء عنده، ويقال من ذلك: إنّما مال فلان أوراع: أي صغار، والورع (بكسر الرّاء) : الرّجل التّقيّ، وتورّع من كذا أي تحرّج. وقال الفيروزاباديّ: الورع التّقوى، وقد ورع كورث، ووجل، ووضع، وكرم «2» أي تحرّج. وقال ابن منظور: الورع: التّحرّج، والورع: بكسر الرّاء: الرّجل التّقيّ المتحرّج. والورع في الأصل: الكفّ عن المحارم والتّحرّج منها، ثمّ استعير للكفّ عن المباح والحلال وقال الأصمعيّ: الرّعة الهدى وحسن الهيئة. يقال: قوم حسنة رعتهم أي شأنهم وأمرهم وأدبهم وأصله من الورع، وهو الكفّ عن القبيح «3» . واصطلاحا: قال المناويّ: قيل (في تعريفه) : الورع ترك ما يريبك، ونفي ما يعيبك، والأخذ بالأوثق، وحمل النّفس على الأشقّ. وقيل: النّظر في المطعم واللّباس، وترك ما به بأس، وقيل: تجنّب الشّبهات، ومراقبة الخطرات «4» . وقال الكفويّ: الورع: الاجتناب عن الشّبهات سواء كان تحصيلا أو غير تحصيل؛ إذ قد يفعل المرء فعلا تورّعا، وقد يتركه تورّعا أيضا، ويستعمل بمعنى التّقوى، وهو الكفّ عن المحرّمات القطعيّة «5» . وقال الرّاغب: الورع عبارة عن ترك التّسرّع إلى   (1) معنى ذلك أنه يقال ورع يرع مثل ورث يرث، وورع يورع مثل وجل يوجل، وورع يرع مثل وضع يضع وورع يورع مثل كرم يكرم. (2) مقاييس اللغة (6/ 100) ، والصحاح (3/ 1297) ، ولسان العرب (ورع) (6/ 4814) (ط. دار المعارف) ، والقاموس المحيط (3/ 96) . (3) لسان العرب (8/ 388) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (337) . (5) الكليات للكفوي (944) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3616 تناول أعراض الدّنيا «1» . وقيل ترك ما لا بأس به حذرا ممّا به بأس. وقيل هو: ترك الشّبهات وهو الورع المندوب، ويطلق على ترك المحرّمات «2» . وقال ابن تيمية: هو الورع عمّا قد تخاف عاقبته وهو ما يعلم تحريمه وما يشكّ في تحريمه، وليس في تركه مفسدة أعظم من فعله، وكذلك الاحتيال بفعل ما يشكّ في وجوبه لكن على هذا الوجه «3» . وقال ابن القيّم: ترك ما يخشى ضرره في الآخرة «4» . كمال الورع: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشرّ الشّرّين، ويعلم أنّ الشّريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلّا فمن لم يوازن ما في الفعل والتّرك من المصلحة الشّرعيّة، والمفسدة الشّرعيّة فقد يدع واجبات ويفعل محرّمات، ويرى ذلك من الورع، كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظّلمة ويرى ذلك ورعا، ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمّة الّذين فيهم بدعة أو فجور ويرى ذلك من الورع، ويمتنع عن قبول شهادة العباد وأخذ علم العالم لما في صاحبه من بدعة خفيّة، ويرى ترك قبول سماع هذا الحقّ الّذي يجب سماعه من الورع «5» . الورع عن الحرام والمكروهات لا عن الواجبات والمستحبات: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى- بعد كلام ذكر فيه الفرق بين الزّهد والورع: وبهذا يتبيّن أنّ الواجبات والمستحبّات لا يصلح فيها زهد ولا ورع، وأمّا المحرّمات والمكروهات فيصلح فيها الزّهد والورع «6» . ولذا يقول الجرجانيّ: هو اجتناب الشّبهات خوفا من الوقوع في المحرّمات. وقيل: هو ملازمة الأعمال الجميلة «7» . أنواع الورع ودرجاته: قسّم الرّاغب الأصفهانيّ الورع إلى ثلاث مراتب: 1- واجب: وهو الإحجام عن المحارم، وذلك للنّاس كافّة. 2- مندوب: وهو الوقوف عن الشّبهات، وذلك للأواسط. 3- فضيلة: وهو الكفّ عن كثير من المباحات والاقتصار على أقلّ الضّرورات، وذلك للنّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين «8» . وقال الشّيخ أبو إسماعيل الهرويّ- رحمه الله   (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (323) . (2) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لمحمد بن علان (3/ 26) . (3) الفتاوى (10/ 511- 512) . (4) الفوائد (118) . (5) المرجع السابق (10 (512) . (6) المرجع السابق (10/ 512) . (7) التعريفات للجرجاني (252) . (8) الذريعة إلى مكارم الشريعة (323) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3617 تعالى-: الورع على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: تجنّب القبائح لصدق النّفس، وتوفير الحسنات وصيانة الإيمان. الدّرجة الثّانية: حفظ الحدود عند ما لا بأس به، إبقاء على الصّيانة، والتّقوى، وصعودا عن الدّناءة، وتخلّصا عن اقتحام الحدود. الدّرجة الثّالثة: التّورّع عن كلّ داعية تدعو إلى شتات الوقت والتّعلّق بالتّفرّق «1» . مظاهر الورع: للورع مظاهر عديدة تختلف باختلاف أعضاء الإنسان الّتي يتصوّر استخدامها في أغراض الدّنيا، كما تختلف باختلاف العلاقات الإنسانيّة الّتي قد تتعارض فيها الرّغبات، وتختلف المصالح، ولله درّ ابن أبي الدّنيا الّذي قسّم الورع إلى أبواب بحسب ذلك كلّه، فعقد أبوابا كبارا حشد فيها أحاديث وآثارا. وقد جاءت على النّحو التّالي: 1- باب الورع في النّظر. 2- باب الورع في السّمع. 3- باب الورع في الشّمّ. 4- باب الورع في اللّسان. 5- باب الورع في البطش. 6- باب الورع في البطن. 7- باب الورع في الفرج. 8- باب الورع في السّعي. 9- باب الورع في الشّراء والبيع «2» . [للاستزادة: انظر صفات: التقوى- حسن الخلق- الزهد- مجاهدة النفس- المروءة- النزاهة- الرضا- الرهبة- الرغبة والترغيب- الخشوع- محاسبة النفس- الخشية- الخوف. وفي ضد ذلك: انظر صفات: انتهاك الحرمات التطفيف- الطمع- الغلول- العصيان- الغفلة- الفجور- الفسوق] .   (1) مدارج السالكين لابن القيم (3/ 24- 26) . (2) انظر رسالة ابن أبي الدنيا في «الورع» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3618 الأحاديث الواردة في (الورع) 1- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع» ) * «1» . 2- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: ذكر رجل عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعبادة واجتهاد، وذكر عنده آخر برعة. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعدل بالرّعة «2» » ) * «3» . الأحاديث الواردة في (الورع) معنى 3- * (عن وابصة بن معبد صاحب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسأله عن البرّ والإثم فقال: «جئت تسأل عن البرّ والإثم» فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما جئتك أسألك عن غيره، فقال: «البرّ ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه النّاس» ) * «4» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّها النّاس، اتّقوا الله وأجملوا في الطّلب، فإنّ نفسا لن تموت حتّى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطّلب. خذوا ما حلّ، ودعوا ما حرم» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي، إنّما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذّهب. وقال الّذي له الأرض: إنّما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال: أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدّقا» ) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل بأن يسلفه ألف دينار، فدفعها إليه، فخرج في   (1) البزار كما في كشف الأستار (1/ 85) / 139، والطبراني في الأوسط (4/ 569) / 3972، وأبو نعيم في الحلية (2/ 211- 212) ، والحاكم (1/ 92- 93) وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي. وقال المنذري في الترغيب (1/ 93) : حسن. وله شواهد كثيرة لعله يصح بها. (2) بالرعة: الرّعة مصدر من الورع وهو التّقى، يقال ورع كعلم يرع رعة. (3) الترمذي (2519) وقال: حسن غريب. وذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية، وقال: إسناده جيد. (4) أحمد (4/ 227) واللفظ له، والدارمي (2/ 246) ، ورواه أيضا أحمد بنحوه في «المسند» من حديث أبي ثعلبة الخشني (4/ 194) ، وذكره المنذري في الترغيب (3/ 16) وجوّد إسناده وأورده السيوطي في الجامع الصغير (3198) ، وصحح إسناده الشيخ الألباني (2878) . (5) ابن ماجه (2144) واللفظ له. وذكر الشيخ أحمد شاكر له شواهد كثيرة جدا فانظره في التعليق على الرسالة للإمام الشافعي (94) . وقال الشيخ أحمد شاكر: قال ابن الأثير في شرحه على المسند: هذا الحديث مشهور دائر بين العلماء. والحاكم (2/ 4) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. (6) البخاري- الفتح 6 (3472) واللفظ له. ومسلم (1721) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3619 البحر فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار فرمى بها في البحر، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه، فإذا بالخشبة، فأخذها لأهله حطبا، فذكر الحديث فلمّا نشرها وجد المال» ) * «1» . 7- * (عن أبي قتادة وأبي الدّهماء- رضي الله عنهما- قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقلنا: هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا؟ قال: نعم. سمعته يقول: «إنّك لن تدع شيئا لله- عزّ وجلّ- إلّا أبدلك الله به ما هو خير لك منه» وفي رواية: أخذ بيدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يعلّمني ممّا علّمه الله- تبارك وتعالى- وقال: «إنّك لن تدع شيئا اتّقاء لله- عزّ وجلّ- إلّا أعطاك الله خيرا منه» ) * «2» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما. أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «أربع إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدّنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة في طعمة» ) * «3» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّها النّاس، إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. (المؤمنون/ 51) ، وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) . ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك؟» «4» ) * «5» . 10- * (عن عقبة بن الحارث- رضي الله عنه- أنّه تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت: إنّي قد أرضعت عقبة والّتي تزوّج. فقال لها عقبة: ما أعلم أنّك أرضعتني، ولا أخبرتني. فركب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف وقد قيل؟» ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره) * «6» . 11- * (عن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة» ) * «7» . 12- * (عن النّوّاس بن سمعان الأنصاريّ رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البرّ   (1) البخاري- الفتح 3 (1498) . (2) مجمع الزوائد (10/ 296) وقال: رواه كله أحمد بأسانيد ورجاله رجال الصحيح. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 287) : رواه النسائي وإسناده جيد. (3) مجمع الزوائد (10/ 295) وقال: رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن، وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند (10/ 137- 139) واللفظ له: حديث رقم (6652) إسناده صحيح، وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق (1/ 41) . (4) فأنى يستجاب لذلك: فكيف يستجاب له؟. (5) مسلم (1015) . (6) البخاري- الفتح 1 (88) (7) سنن النسائي (8/ 327، 328) وصحيح سنن النسائي (5269) . الترمذي (2518) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وقال الشيخ أحمد شاكر في نسخته (3/ 169) : إسناده صحيح حديث رقم (1723) . ومعنى الحديث على ما قاله النووي في الرياض: اترك ما تشك فيه، وخذ ما لا تشك فيه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3620 والإثم؟. فقال: «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس» ) * «1» . 13- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس، فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «2» . 14- * (عن طريف أبي تميمة قال: شهدت صفوان وجندبا وأصحابه وهو يوصيهم فقالوا: هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا؟ قال سمعته يقول: «من سمّع سمّع الله به يوم القيامة» قال: «ومن شاقّ شقّ الله عليه يوم القيامة» فقالوا: أوصنا. فقال: إنّ أوّل ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع ألّا يأكل إلّا طيّبا فليفعل، ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنّة بملء كفّ من دم هراقة «3» فليفعل» ) * «4» . 15- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم ونحن عنده: «طوبى للغرباء» فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: «أناس صالحون، في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم» ، قال: وكنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما آخر حين طلعت الشّمس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيأتي أناس من أمّتي يوم القيامة نورهم كضوء الشّمس» . قلنا: من أولئك يا رسول الله؟ فقال: «فقراء المهاجرين، والّذين تتّقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره، يحشرون من أقطار الأرض» ) * «5» . 16- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما-؛ قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّاس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب «6» صدوق اللّسان» . قالوا: صدوق اللّسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: «هو التّقيّ النّقيّ، لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد» ) * «7» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «طلب الحلال واجب على كلّ مسلم» ) * «8» . 18- * (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله   (1) مسلم (2553) . (2) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له. مسلم (1599) . (3) هراقة: أي صبّه. قاله الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» . (4) البخاري- الفتح 13 (7152) . (5) المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (10/ 136) حديث (6650) واللفظ له وقال: صحيح. وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 258- 259) . (6) قلب مخموم: أي نقيّ من الغل والحسد. (7) ابن ماجه (4216) واللفظ له وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 669) حديث (948) وعزاه أيضا لابن عساكر. (8) مجمع الزوائد (10/ 291) وقال: رواه أحمد وإسناده جيد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3621 عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالقاحة «1» ، ومنّا المحرم ومنّا غير المحرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش- يعني وقع سوطه- فقالوا: لا نعينك عليه بشيء، إنّا محرمون، فتناولته فأخذته، ثمّ أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته «2» فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم: كلوا. وقال بعضهم: لا تأكلوا. فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو أمامنا، فسألته فقال: «كلوه حلال» ) * «3» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن يأخذ أحدكم حبله ثمّ يغدو- أحسبه قال- إلى الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدّق خير له من أن يسأل النّاس» ) * «4» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال ليس المسكين الّذي يطوف على النّاس تردّه اللّقمة واللّقمتان والتّمرة والتّمرتان، ولكن المسكين الّذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن به فيتصدّق عليه ولا يقوم فيسأل النّاس» ) * «5» . 21- * (عن عديّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا «6» فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة» قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار. كأنّي أنظر إليه، فقال: يا رسول الله! اقبل عنّي عملك. قال: «وما لك؟» . قال: سمعتك تقول: كذا وكذا. قال: «وأنا أقوله الآن. من استعملناه منكم على عمل فليجىء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ. وما نهي عنه انتهى» ) * «7» 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ) * «8» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «9» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) القاحة: اسم واد على بعد ثلاثة أميال من المدينة. (2) الأكمة: هي التّلّ وهو ما ارتفع عن الأرض. ومعنى عقرته أي نحرته. (3) البخاري- الفتح 4 (1823) اللفظ له. ومسلم (1196) . (4) البخاري الفتح 3 (1480) واللفظ له. ومسلم (1042) . (5) البخاري الفتح 3 (1479) واللفظ له. ومسلم (1029) . (6) المخيّط: هو الإبرة. (7) مسلم (1833) . (8) الترمذي (2317) وقال: حديث غريب. ابن ماجه (3976) . وذكره مالك في الموطأ عن على بن أبي طالب (2/ 689) ، وقال الزرقاني في شرح الموطأ: الحديث حسن بل صحيح، وقال: أخرجه أحمد وأبو يعلى والترمذي. (9) الترمذي (2305) واللفظ له وقال: حديث غريب، والحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئا وهو من روايته عنه، وابن ماجه (4217) بمعناه، وقال في الزوائد: هذا إسناد حسن. ومسند أحمد بتخريج الشيخ أحمد شاكر (15/ 228) حديث (8081) وقال: صحيح لغيره. والورع لابن أبي الدنيا (40) وقال مخرجه إسناده حسن. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 687) : وهو حديث حسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3622 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، لأنّ يأخذ أحدكم حبله فيذهب إلى الجبل فيحتطب ثمّ يأتي به يحمله على ظهره، فيبيعه فيأكل خير له من أن يسأل النّاس، ولأن يأخذ ترابا فيجعله في فيه خير له من أن يجعل في فيه ما حرّم الله عليه» ) * «1» . 25- * (عن عطيّة السّعديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين حتّى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس» ) * «2» . 26- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين قال لها أهل الإفك ... الحديث، وفي آخره: «وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: يا زينب، ما علمت؟ ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله: أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلّا خيرا. قالت: وهي الّتي كانت تساميني «3» فعصمها الله بالورع» ) * «4» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الورع) 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- أخذ تمرة من تمر الصّدقة فجعلها في فيه، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفارسيّة: «كخ، كخ «5» . أما تعرف أنّا لا نأكل الصّدقة» ) * «6» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأنقلب إلى أهلي فأجد التّمرة ساقطة على فراشي ثمّ أرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) * «7» . 29- * (عن نافع مولى ابن عمر: أنّ ابن عمر سمع صوت زمّارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطّريق وهو يقول: يا نافع، أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتّى قلت: لا، فوضع يديه وأعاد راحلتة إلى الطّريق، وقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمع صوت زمّارة راع فصنع مثل هذا» ) * «8» . 30- * (عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال   (1) مجمع الزوائد (10/ 293) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد وثق. وقال أحمد شاكر في تخريج المسند: إسناده صحيح حديث رقم 13 (237) (7482) واللفظ له. (2) الترمذي (2451) وقال: حديث حسن غريب، ابن ماجه (4215) والفظ لهما، وقال محقق جامع الأصول 4 (682) : حديث حسن، حديث رقم (2791) . (3) تساميني: تقترب مني في المنزلة. (4) البخاري الفتح 5 (2661) واللفظ له، ومسلم (2770) . (5) كخ كخ: كلمة زجر للصبي. (6) البخاري الفتح 6 (3072) واللفظ له، مسلم (1069) . (7) البخاري الفتح 5 (2432) ، ومسلم (1070) واللفظ له. (8) أحمد (2/ 8) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (6/ 246) برقم (4535) وعزاه لأبي داود (4924) ورد قول أبي داود أن الحديث منكر. الورع لابن أبي الدنيا (67) ، وقال مخرجه: صحيح وعزاه لابن حبان والبيهقي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3623 نعم. كثيرا، كان لا يقوم من مصلّاه الّذي يصلّي فيه الصّبح حتّى تطلع الشّمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدّثون فيأخذون في أمر الجاهليّة فيضحكون، ويتبسّم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا قطّ ضاحكا حتّى أرى منه لهواته «2» ، إنّما كان يتبسّم» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الورع) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهّنت لإنسان في الجاهليّة، وما أحسن الكهانة إلّا أنّي خدعته، فأعطاني بذلك، فهذا الّذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كلّ شيء في بطنه» ) * «4» . 2- * (عن عمرو بن ميمون قال رأيت عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة، ... وفيه: فقالوا: «أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر. أو الرّهط- الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض. فسمّى عليّا وعثمان والزّبير وطلحة وسعدا وعبد الرّحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء» ) * «5» . 3- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه كان فرض للمهاجرين الأوّلين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة. فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنّما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه» ) * «6» . 4- * (عن ثعلبة بن أبي مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قسم مروطا بين نساء من نساء أهل المدينة فبقي منها مرط جيّد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين! أعط هذا بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي عندك- يريدون أمّ كلثوم بنت عليّ- فقال عمر: أمّ سليط أحقّ به (وأمّ سليط من نساء الأنصار ممّن بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) . قال عمر: فإنّها كانت تزفر «7» لنا القرب يوم أحد» ) * «8» . 5- * (عن معاذ بن عبد الرّحمن بن عثمان التّيميّ عن أبيه. قال: كنّا مع طلحة بن عبيد الله ونحن   (1) مسلم (2322) . (2) لهواته: جمع لهاة، وهي لحمة في سقف أقصى الفم مشرفة على الحلق. (3) البخاري الفتح 10 (6092) واللفظ له. مسلم (899) بأطول من هذا. (4) البخاري الفتح 7 (3842) . (5) البخاري الفتح 7 (3700) . (6) البخاري الفتح 7 (3912) . (7) تزفر: تحمل. (8) البخاري الفتح 7 (4071) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3624 حرم فأهدي له طير، وطلحة راقد، فمنّا من أكل، ومنّا من تورّع. فلمّا استيقظ طلحة وفّق من أكله، وقال: أكلناه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» . 6- * (قال طاوس- رحمه الله تعالى-: «مثل الإسلام كمثل شجرة، فأصلها الشّهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا- شيء سمّاه- وثمرها الورع، لا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع له» ) * «2» . 7- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «أفضل العلم الورع والتوّكّل» ) * «3» . 8- * (وقال- رحمه الله تعالى: «الفقيه الورع الزّاهد المقيم على سنّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، الّذي لا يسخر بمن أسفل منه، ولا يهزأ بمن فوقه، ولا يأخذ على علم علّمه الله- عزّ وجلّ- حطاما» ) * «4» . 9- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه» ) «5» . 10- * (وقال أيضا: «ما في الأرض شيء أحبّه للنّاس من قيام اللّيل، فقال له قائل: فأين الورع؟ قال: به به «6» ذلك ملاك الأمر» ) * «7» . 11- * (وقال- رحمه الله تعالى- لغلام: «ما ملاك الدّين؟» قال: الورع. قال: «فما آفته؟» قال: الطّمع. فعجب الحسن منه» ) * «8» . 12- * (قال خرشة بن الحرّ- رضي الله عنه-: شهد رجل عند عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- بشهادة، فقال له: لست أعرفك، ولا يضرّك أن لا أعرفك، ائت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه. قال: بأيّ شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل، قال: فهو جارك الأدنى الّذي تعرفه ليله ونهاره ومدخله ومخرجه، قال: لا. قال: فمعاملك بالدّينار والدّرهم اللّذين بهما يستدلّ على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقك في السّفر الّذي يستدلّ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: لست تعرفه، ثمّ قال للرّجل: ائت بمن يعرفك» ) * «9» . 13- * (قال الأوزاعيّ: «كنّا نمزح ونضحك فلّما صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التّبسّم» ) * «10» . 14- * (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله تعالى-: عليك بالورع يخفّف الله حسابك، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وادفع الشّك باليقين يسلم لك دينك» ، وعن قتيبة بن سعيد قال: «لولا سفيان   (1) مسلم (1197) . ومعنى وفّق من أكله: أي صوّبه. (2) الورع لابن أبي الدنيا (109) وقال مخرجه: إسناده صحيح. (3) الزهد للإمام أحمد (325) . (4) الآداب الشرعية (2/ 45) . (5) الورع لابن أبي الدنيا (42) وقال مخرجه: إسناده حسن. (6) به به: حسن حسن. (7) الورع لابن أبي الدنيا (50) وقال مخرجه: إسناده حسن (8) مدارج السالكين (2/ 23) . (9) سنن البيهقي (10/ 125 126) . وذكره الألباني في الإرواء (8/ 260) حديث رقم (2627) ، وقال: صحيح وعزاه للعقيلي (354) ونقل تصحيح ابن السكن له. (10) الآداب الشرعية (2/ 44) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3625 الثّوريّ لمات الورع» ) * «1» . 15- * (قال صالح المرّيّ- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: التّورّع في الفتن كعبادة النّبيّين في الرّخاء» ) * «2» . 16- * (قال حبيب- يعني ابن أبي ثابت رحمه الله تعالى-: «لا يعجبكم كثرة صلاة امرىء ولا صيامه، ولكن انظروا إلى ورعه، فإن كان ورعا مع ما رزقه الله من العبادة فهو عبد لله حقّا» ) * «3» . 17- * (قال الضّحّاك بن عثمان- رحمه الله تعالى-: «أدركت النّاس وهم يتعلّمون الورع، وهم اليوم يتعلّمون الكلام» ) * «4» . 18- * (قال محمّد بن واسع- رحمه الله تعالى: «يكفي من الدّعاء مع الورع اليسير منه» ) * «5» . 19- * (قال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله تعالى: «لن يعدم المتورّع عن الحرام فتوحا من الحلال» ) * «6» . 20- * (قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله تعالى: «إنّما أهلك النّاس فضول الكلام وفضول المال» ) * «7» . 21- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: «زينة العلم الورع والحلم» ) * «8» . 22- * (قال أبو محمّد بن أبي زيد- إمام المالكيّة في زمانه-: «جماع آداب الخير وأزمّته تتفرّع من أربعة أحاديث: قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ، وقوله: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وقوله للّذي اختصر له في الوصيّة: «لا تغضب» وقوله: «المؤمن يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «9» . من فوائد (الورع) (1) الورع من أعلى مراتب الإيمان، وأفضل درجات الإحسان. (2) يحقّق للمؤمن راحة البال، وطمأنينة النّفس. (3) الكّفّ عن الحرام والبعد عمّا لا ينبغي. (4) إشاعته في المجتمع يجعله مجتمعا صالحا نظيفا. (5) الورع يحبّه الله- عزّ وجلّ- ويحبّه الخلق. (6) الورع يستجاب دعاؤه.   (1) الورع لابن أبي الدنيا (112) وقال مخرجه: إسناده صحيح، وحلية الأولياء (7/ 20) . (2) الورع لابن أبي الدنيا (51) وقال مخرجه: إسناده حسن. (3) المرجع السابق (60) وقال مخرجه: إسناده حسن. (4) المرجع السابق (50) وقال مخرجه: إسناده صحيح. (5) المرجع السابق (125) وقال مخرجه: إسناده حسن. (6) إحياء علوم الدين (1/ 223) . (7) الآداب الشرعية (3/ 270) . (8) المرجع السابق (2/ 45) . (9) جامع العلوم والحكم لابن رجب (105) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3626 الوعظ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 22/ 12/ 6 الوعظ لغة: الوعظ مصدر قولهم: وعظ يعظ وهو من مادّة (وع ظ) الّتي تدلّ على التّخويف، والعظة الاسم منه «1» ، وقال الخليل: العظة: الموعظة. يقال: وعظت الرّجل أعظه عظة وموعظة، واتّعظ: تقبّل العظة، وهو تذكيرك إيّاه الخير ونحوه ممّا يرقّ له قلبه. وقال الجوهريّ: الوعظ: النّصح والتّذكير بالعواقب، تقول: وعظته وعظا وعظة فاتّعظ «2» ، وفي الحديث الشّريف: «يأتي على النّاس زمان يستحلّ فيه الرّبا بالبيع، والقتل بالموعظة» والمعنى في ذلك أن يقتل البريء ليتّعظ به المريب «3» . وقال ابن منظور: الوعظ والعظة والعظة والموعظة: النّصح والتّذكير بالعواقب، قال ابن سيدة: هو تذكيرك للإنسان بما يليّن قلبه من ثواب وعقاب. وقد وعظه وعظا وعظة، واتّعظ هو: قبل الموعظة، حين يذكر الخبر ونحوه. ويقال: السّعيد من وعظ بغيره، والشّقيّ من اتّعظ به غيره «4» . واصطلاحا: قيل: هو التّذكير بالخبر فيما يرقّ له القلب «5» . وقال الرّاغب: الوعظ زجر مقترن بتخويف «6» . من يصلح للوعظ؟: ليس كلّ النّاس يصلح لوعظ العامّة وإرشادهم، وإنّما يقتصر ذلك على طائفة من العلماء الّذين أشار إليهم الرّاغب عند ما قال: حقّ الواعظ أن تكون له مناسبة إلى الحكماء ليقدر على الاقتباس عنهم والاستفادة منهم، ومناسبة إلى الدّهماء، حتّى يقدروا بها على الأخذ منه، ومثل ذلك كمثل الوزير للسّلطان، إذ يجب فيه (أي الوزير) أن يكون متخلّقا بأخلاق الملوك، وأن يكون له تواضع السّوقة ليصلح أن يكون واسطة بينه وبينهم، فإذن حقّ الواعظ أن تكون له نسبة إلى الحكيم، ونسبة إلى العامّة يأخذ من الحكيم ويعطيهم، وذلك كنسبة الغضاريف إلى اللّحم والعظم جميعا، ولولا ذلك لما أمكن للعظم أن يكتسب الغذاء من اللّحم «7» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (6/ 126) . (2) الصحاح (3/ 1181) . (3) بصائر ذوي التمييز (5/ 240) . (4) لسان العرب (7/ 466) . (5) التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (339) ، التعريفات للجرجاني (275) . (6) المفردات للراغب (527) . (7) الذريعة إلى مكارم الشريعة (252) بتصرف يسير. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3627 الحالة التي يجب أن يكون عليها الواعظ: قال الرّاغب: حقّ الواعظ أن يتّعظ ثمّ يعظ، ويبصر ثمّ يبصّر، ويهتدي ثمّ يهدي، ولا يكون كدفتر يفيد ولا يستفيد، ويجب ألا يجرح مقاله بفعاله، وألّا يكذّب لسانه بحاله، فيكون ممّن وصفهم الله تعالى بقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.. إلى قوله وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (البقرة/ 204، 205) ، ونحو ما قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «قصم ظهري رجلان: جاهل متنسّك وعالم متهتّك، فالجاهل يغرّ النّاس بتنسّكه، والعالم ينفّرهم بتهتّكه» والواعظ ما لم يكن مع مقاله فعاله لا ينتفع به، وذلك أنّ عمله يدرك بالبصر، وعلمه يدرك بالبصيرة، وأكثر النّاس هم أصحاب الأبصار دون البصائر، فيجب أن تكون عنايته بإظهار عمله الّذي يدركه جماعتهم أكثر من عنايته بالعلم الّذي لا يدركه سوى أصحاب البصائر منهم. ومنزلة الواعظ من الموعوظ كمنزلة المداوي، فكما أنّ الطّبيب إذا قال للنّاس: لا تأكلوا هذا، فإنّه سمّ قاتل. ثمّ رأوه آكلا له عدّ سخرية وهزأ، كذلك الواعظ إذا أمر بما لا يعمله. وبهذا النّظر قيل يا طبيب طبّب نفسك. بل قد قال تعالى: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (الصف/ 2 3) إلى غير ذلك من الآيات. وأيضا فالواعظ من الموعوظ يجري مجرى الطّبائع بما ليس منتقشا بها، فكما أنّه محال أن ينطبع الطّين بما ليس منتقشا في الطّابع، كذلك محال أن يحصل في نفس الموعوظ ما ليس بموجود في نفس الواعظ، فإذا لم يكن الواعظ إلّا ذا قول مجرّد من الفعل لم يتلقّ عنه الموعوظ إلّا القول دون الفعل، وأيضا فإنّ الواعظ يجري من النّاس مجرى الظّلّ من ذي الظّلّ، فكما أنّه محال أن يعوجّ ذو الظّلّ والظّلّ مستقيم، كذلك من المحال أن يعوجّ الواعظ والموعوظ مستقيم. وكذلك النّار والأرض والهواء. فالواعظ إذا كان غاويا جرّ بغيّه غيره إلى نفسه، ولهذا حكى الله تعالى عن الكفّار قولهم: رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا (القصص/ 63) وقال أيضا فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (الصافات/ 32) . فمن ترشّح للوعظ ثمّ فعل فعلا قبيحا اقتدى به غيره فقد جمع بين وزره ووزرهم كما قال تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ وقال تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ (النحل/ 25) الآية. وقد قال- عليه السّلام- «من سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» بل قد قال الله تعالى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (الأنعام/ 31) «1» . تفسير الحكمة والموعظة الحسنة: قال ابن القيّم- رحمه الله-: «وإنّما ينتفع بالعظة بعد حصول ثلاثة أشياء: شدّة الافتقار إليها   (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (254، 256) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3628 والعمى عن عيب الواعظ. وتذكّر الوعد والوعيد. وإنّما يشتدّ افتقار العبد إلى العظة- وهي التّرغيب والتّرهيب- إذا ضعفت إنابته وتذكّره، وإلّا فمتى قويت إنابته وتذكّره: لم تشتدّ حاجته إلى التّذكير والتّرغيب والتّرهيب، ولكن تكون الحاجة منه شديدة إلى معرفة الأمر والنّهي. و «العظة» يراد بها أمران: الأمر والنّهي المقرونان بالرّغبة والرّهبة، ونفس الرّغبة والرّهبة. فالمنيب المتذكّر: شديد الحاجة إلى الأمر والنّهي، والمعرض الغافل شديد الحاجة إلى التّرغيب والتّرهيب. والمعارض المتكبّر: شديد الحاجة إلى المجادلة. فجاءت هذه الثّلاثة في حقّ هؤلاء الثّلاثة في قوله: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل/ 125) أطلق الحكمة، ولم يقيّدها بوصف الحسنة. إذ كلّها حسنة، ووصف الحسن لها ذاتيّ. وأمّا «الموعظة» فقيّدها بوصف الإحسان. إذ ليس كلّ موعظة حسنة. وكذلك «الجدال» قد يكون بالّتي هي أحسن. وقد يكون بغير ذلك. وهذا يحتمل أن يرجع إلى حال المجادل وغلظته، ولينه وحدّته ورفقه. فيكون مأمورا بمجادلتهم بالحال الّتي هي أحسن. ويحتمل أن يكون صفة لما يجادل به، من الحجج والبراهين، والكلمات الّتي هي أحسن شيء وأبينه، وأدلّه على المقصود. وأوصله إلى المطلوب. والتّحقيق: أنّ الآية تتناول النّوعين. وأمّا العمى عن عيب الواعظ: فإنّه إذا اشتغل به حرم الانتفاع بموعظته. لأنّ النّفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به. وهذا بمنزلة من يصف له الطّبيب دواء لمرض به مثله. والطّبيب معرض عنه غير ملتفت إليه. بل الطّبيب المذكور عندهم: أحسن حالا من هذا الواعظ المخالف لما يعظ به. لأنّه قد يقوم دواء آخر عنده مقام هذا الدّواء. وقد يرى أنّ به قوّة على ترك التّداوي. وقد يقنع بعمل الطّبيعة وغير ذلك، بخلاف هذا الواعظ. فإنّ ما يعظ به طريق معيّن للنّجاة لا يقوم غيرها مقامها. ولا بدّ منها. ولأجل هذه النّفرة قال شعيب- عليه السّلام- لقومه: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ (هود/ 88) وقال بعض السّلف: إذا أردت أن يقبل منك الأمر والنّهي، إذا أمرت بشيء فكن أوّل الفاعلين له، المؤتمرين به. وإذا نهيت عن شيء، فكن أوّل المنتهين عنه. وقد قيل: يا أيّها الرّجل المعلّم غيره ... هلّا لنفسك كان ذا التّعليم؟ تصف الدّواء لذي السّقام وذي الضّنى ... ومن الضّنى تمسي وأنت سقيم لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3629 فهناك يقبل ما تقول ويقتدى ... بالقول منك. وينفع التّعليم. فالعمى عن عيب الواعظ: من شروط تمام الانتفاع بموعظته. وأمّا تذكّر الوعد والوعيد: فإنّ ذلك يوجب خشيته والحذر منه. ولا تنفع الموعظة إلّا لمن آمن به، وخافه ورجاه. قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ (هود/ 103) وقال: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى الأعلى/ 10) وقال: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (النازعات/ 45) وأصرح من ذلك قوله تعالى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (ق: 45) فالإيمان بالوعد والوعيد وذكره: شرط في الانتفاع بالعظات والآيات والعبر. ممّا يستحيل حصوله بدونه «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإنذار- التذكير- الدعوة إلى الله- الهدى- التبليغ- الكلم الطيب- التقوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الضلال- الغي والإغواء- التفريط والإفراط- الإعراض] .   (1) انظر مدارج السالكين (1/ 479- 481) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3630 الآيات الواردة في «الوعظ» آيات الله وكتبه وشرائعه أعظم المواعظ: 1- وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) «1» 2- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «2» 3- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) «3» 4- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «4» 5- وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) «5» 6- وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) «6» 7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ   (1) البقرة: 65- 66 مدنية (2) البقرة: 231- 232 مدنية (3) البقرة: 275 مدنية (4) النساء: 58 مدنية (5) هود: 120 مكية (6) المجادلة: 3 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3631 نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) «1» 8- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) «2» 9- وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) «3» 10- وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) «4» 11- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) «5» 12- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) «6» وجوب الوعظ والتلطف فيه: 13- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «7» 14- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (62)   (1) الطلاق: 1- 2 مدنية (2) آل عمران: 137- 138 مدنية (3) المائدة: 46 مدنية (4) الأعراف: 145 مدنية (5) يونس: 57 مكية (6) النور: 33- 34 مدنية (7) النساء: 34 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3632 أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً (63) «1» 15- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) «2» 16- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «3» 17- وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) «4» 18- * قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) «5» وجوب العمل بالموعظة: 19- وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) «6» 20- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) «7» 21- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «8» 22- وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) «9»   (1) النساء: 61- 63 مدنية (2) الأعراف: 163- 165 مكية (3) النحل: 125 مكية (4) لقمان: 12- 13 مكية (5) سبأ: 46 مكية (6) النساء: 66 مدنية (7) هود: 46 مكية (8) النحل: 90 مكية (9) النور: 16- 17 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3633 الأحاديث الواردة في (الوعظ) 1- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي لأتأخّر عن صلاة الصّبح من أجل فلان. ممّا يطيل بنا. فما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غضب في موعظة قطّ أشدّ ممّا غضب يومئذ. فقال: «يا أيّها النّاس! إنّ منكم منفّرين. فأيّكم أمّ النّاس فليوجز فإنّ من ورائه الكبير والضّعيف وذا الحاجة» ) * «1» . 2- * (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، قال: حدّثني أبي، أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ. فذكر في الحديث قصّة، فقال: «ألا. واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان «2» عندكم ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك، إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا. ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا. فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «3» . 3- * (عن عبد الله بن زمعة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب وذكر النّاقة والّذي عقر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذ انبعث أشقاها» : انبعث لها رجل عزيز عارم «4» منيع في رهطه مثل أبي زمعة» وذكر النّساء. فقال: «يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبد فلعلّه يضاجعها من آخر يومه» . ثمّ وعظهم في ضحكهم من الضّرطة وقال: «لم يضحك أحدكم ممّا يفعل؟» ) * «5» . 4- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة. وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة: كذبت يا عمر. كلّا. والله كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله! لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر   (1) البخاري- الفتح 2 (702) . ومسلم (466) واللفظ له. (2) عوان عندكم: أي أسرى في أيديكم. (3) الترمذي (1163) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 504) : وللحديث شواهد في «الصحيحين» منها حديث جابر- رضي الله عنه- الطويل في حجّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند مسلم، فالحديث صحيح.. (4) عارم: أي صعب على من يرومه. (5) البخاري- الفتح 8 (4942) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3634 ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. وو الله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال: فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسلا «1» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة يوم العيد. فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة. بغير أذان ولا إقامة. ثمّ قام متوكّئا على بلال، فأمر بتقوى الله. وحثّ على طاعته. ووعظ النّاس. وذكّرهم. ثمّ مضى. حتّى أتى النّساء. فوعظهنّ وذكّرهنّ. فقال: «تصدّقن فإنّ أكثركنّ حطب جهنّم» . فقامت امراة من سطة النّساء «3» سفعاء الخدّين «4» . فقالت: لم؟ يا رسول الله. قال: «لأنّكنّ تكثرن الشّكاة «5» وتكفرن العشير «6» » قال: فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ. يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ وخواتمهنّ) * «7» . 6- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-: قالت النّساء للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غلبنا عليك الرّجال، فاجعل لنا يوما من نفسك. فوعدهنّ يوما لقيهنّ فيه فوعظهنّ وأمرهنّ، فكان فيما قال لهنّ: «ما منكنّ امرأة تقدّم ثلاثة من ولدها إلّا كان لها حجابا من النّار» . فقالت امرأة. واثنين؟ فقال: «واثنين» ) * «8» . 7- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتخوّلنا بالموعظة في الأيّام كراهة السّآمة علينا) * «9» . 8- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة، وإن عبد حبشيّ، فإنّه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «10» .   (1) أرسالا: أفواجا. (2) البخاري- الفتح 6 (3136) . ومسلم (2503) واللفظ له (3) من سطة النساء: أي من خيارهن. والوسط العدل والخيار. (4) سفعاء الخدين: السفعة: سواد مشرب بحمرة. (5) الشكاة: الشكوى. (6) تكفرن العشير أي يجحدن الإحسان لضعف عقولهن وقلة معرفتهن. (7) البخاري- الفتح 2 (978) . ومسلم (885) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 1 (101) واللفظ له. ومسلم (2633) . (9) البخاري- الفتح 1 (68) واللفظ له. ومسلم (2821) . (10) الترمذي (2676) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (4607) . وابن ماجة في المقدمة (42) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3635 الأحاديث الواردة في (الوعظ) معنى 9- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا حلال» ... الحديث) * «1» . 10- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل- ومنّا من هو في جشره «2» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم» .. الحديث) * «3» . 11- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فقال: «لا والله! ما أخشى عليكم، أيّها النّاس إلّا ما يخرج الله لكم من زهرة الدّنيا» . فقال رجل: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشّرّ؟. فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة. ثمّ قال: «كيف قلت؟» . قال: قلت: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشّرّ؟. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخير لا يأتي إلّا بخير أو خير هو؟. إنّ كلّ ما ينبت الرّبيع يقتل حبطا «4» أو يلمّ «5» . إلّا آكلة الخضر. أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشّمس. ثلطت «6» أو بالت. ثمّ اجترّت، فعادت فأكلت. فمن يأخذ مالا بحقّه يبارك له فيه. ومن يأخذ مالا بغير حقّه فمثله كمثل الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «7» . 12- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه. حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى. ويقول: «أمّا بعد. فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدى هدى محمّد. وشرّ الأمور محدثاتها. وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك مالا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» ) * «8» .   (1) مسلم (2865) . (2) في جشره: الجشر: قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم. (3) مسلم (1844) . (4) حبطا: أي تخمة. وهي امتلاء البطن وانتفاخه من الإفراط في الأكل. (5) يلمّ: يقارب الإهلاك. (6) ثلطت: ثلط البعير إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا. (7) البخاري- الفتح 6 (2842) . ومسلم (1052) واللفظ له. (8) مسلم (867) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3636 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الوعظ) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «الشّقيّ من شقي في بطن أمّه والسّعيد من وعظ بغيره» .. الحديث) * «1» . 2- * (وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله- أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك، فقال: «فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر» ) * «2» . 3- * (قال مقاتل- في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (الفرقان/ 73) : قال: «إذا وعظوا بالقرآن لم يقعوا عليه صمّا لم يسمعوه، عميانا لم يبصروه، ولكنّهم سمعوا وأبصروا وأيقنوا به» ) * «3» . 4- * (قال الشّاعر: يا واعظ النّاس قد أصبحت متّهما ... إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهدا ... فالموبقات لعمري أنت جانيها تعيب دنيا وناسا راغبين لها ... وأنت أكثر منهم رغبة فيها ) * «4» . 5- * (قال أبو محرز الطّناويّ: «كفتك القبور مواعظ الأمم السّالفة» ) * «5» . 6- * (قال بعض الصّلحاء: «لنا من كلّ بيّت عظة بحاله، وعبرة بماله» ) * «6» . من فوائد (الوعظ) 1- طريق موصل إلى الجنّة. 2- ينير العقول ويصلح القلوب. 3- حصول المحبّة والألفة بين المسلمين. 4- يثمر السّعادة في الدّارين. 5- يحفظ الإنسان من كيد الشّيطان.   (1) مسلم (2645) . (2) تفسير ابن كثير (1/ 438) . (3) مدارج السالكين (1/ 474) . (4) إحياء علوم الدين (1/ 63) . (5) أدب الدنيا والدين (130) . (6) المرجع السابق (130) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3637 الوفاء الآيات/ الأحاديث/ الآثار 21/ 42/ 16 الوفاء لغة: مصدر قولهم: وفى يفي وفاء، وهو مأخوذ من مادّة (وف ي) الّتي تدلّ على «إكمال وإتمام» يقول ابن فارس: ومن هذا الوفاء: إتمام العهد وإكمال الشّرط، ويقولون منه أيضا: أوفيتك الشّيء، إذا قضيته إيّاه وافيا، وتوفّيت الشّيء واستوفيته، إذا أخذته كلّه حتّى لم تترك منه شيئا «1» . وقال الجوهريّ: الوفاء ضدّ الغدر، يقال: وفى بعهده وأوفى بمعنى، ووفى الشّيء وفيّا على (وزن) فعول أي تمّ وكثر «2» ، والوفيّ الوافي، ووفى على الشيء: أشرف، وأوفاه حقّه ووفّاه بمعنى، واستوفى حقّه وتوفّاه بمعنى، وتوفّاه الله: قبض روحه، ووافى فلان: أتى، وتوافى القوم: تتامّوا «3» . وقال الرّاغب: الوافي: الّذي بلغ التّمام من كلّ شيء، يقال: درهم واف وكيل واف، قال تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ (الإسراء/ 35) ووفى بعهده وأوفى إذا تمّم العهد ولم ينقض حفظه، واشتقاق ضدّه وهو الغدر يدلّ على ذلك وهو ترك (الحفظ) ، والقرآن الكريم جاء بصيغة الرّباعيّ «أوفى» قال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ (البقرة/ 40) ، وتوفية الشّيء بذله وافيا، واستيفاؤه: تناوله وافيا، وقد عبّر عن النّوم والموت بالتّوفّي. قال الكسائيّ وأبو عبيدة: وفيت بالعهد وأوفيت به سواء. والوفيّ: الّذي يعطي الحقّ ويأخذ الحقّ. وفي حديث زيد بن أرقم: وفت أذنك وصدّق الله حديثك. كأنّه جعل أذنه في السّماع كالضّامنة بتصديق ما حكت، فلمّا نزل القرآن في تحقيق ذلك الخبر صارت الأذن كأنّها وافية بضمانها خارجة من التّهمة فيما أدّته إلى اللّسان. وفي رواية: أوفى الله بأذنه. أي أظهر صدقه في إخباره عمّا سمعت أذنه. يقال: وفى بالشّيء وأوفى ووفّى بمعنى واحد. وأوفى الكيل أتمّه ولم ينقص منه شيئا. قال الله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِي، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ* ، وفي الحديث: «فمررت بقوم تقرض شفاههم كلّما قرضت وفت» أي تمّت وطالت. والموافاة: أن توافي إنسانا في الميعاد، توافينا في   (1) مقاييس اللغة (6/ 129) . (2) يشير الجوهري بذلك إلى أنّ مصدر وفى قد يأتي على فعول مثل قعود وجلوس. (3) الصحاح (6/ 2526) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3638 الميعاد ووافيته فيه، وتوفّى المدّة: بلغها واستكملها، وهو من ذلك. وكلّ شيء بلغ تمام الكمال فقد وفى وتمّ، ويقال: أوفيته حقّه ووفّيته أجره «1» . والوفاء في اللّغة: الخلق الشّريف العالي الرّفيع من قولهم: وفى الشّعر فهو واف إذا زاد، ووفيت له بالعهد أفي، ووافيت أوافي. ومنه الوفاء بالعهد: وسمّي بذلك لما فيه من بلوغ تمام الكمال في تنفيذ كلّ ما عاهد عليه الله، وفي كلّ ما عاهد عليه العباد «2» . الوفاء اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الوفاء: هو ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء «3» . وقال الجاحظ: الوفاء: هو الصّبر على ما يبذله الإنسان من نفسه ويرهنه به لسانه «4» . والخروج ممّا يضمنه (بمقتضى العهد الّذي قطعه على نفسه) وإن كان مجحفا به، فليس يعدّ وفيّا من لم تلحقه بوفائه أذيّة وإن قلّت، وكلّما أضرّ به الدّخول تحت ما حكم به على نفسه كان ذلك أبلغ في الوفاء «5» . وقال الرّاغب: الوفاء بالعهد: إتمامه وعدم نقض حفظه «6» . وقال أيضا: الوفاء صدق اللّسان والفعل معا «7» . الوفاء قيمة إنسانية نادرة: للوفاء بالعهود قيمة إنسانيّة وأخلاقيّة عظمى لأنّه يرسي دعائم الثّقة في الأفراد ويؤكّد أواصر التّعاون في المجتمع، يقول الرّاغب الأصفهانيّ في ذلك: الوفاء: أخو الصّدق والعدل، والغدر: أخو الكذب والجور، ذلك أنّ الوفاء: صدق اللّسان والفعل معا، والغدر كذب بهما، لأنّ فيه مع الكذب نقض للعهد. والوفاء: يختصّ بالإنسان، فمن فقد فيه (الوفاء) فقد انسلخ من الإنسانيّة، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان وصيّره قواما لأمور النّاس، فالنّاس مضطرّون إلى التّعاون، ولا يتمّ تعاونهم إلّا بمراعاة العهد والوفاء به، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التّعايش. ولذلك عظّم الله تعالى أمره فقال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (البقرة/ 40) ، وقيل في قوله- عزّ وجلّ-: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (المدثر/ 4) ، أي نزّه نفسك عن الغدر، وقد عظّم حال السّموأل فيما التزم به من الوفاء بدروع   (1) لسان العرب (15/ 398- 400) . (2) المرجع السابق. وانظر: بصائر ذوي التمييز (4/ 114- 115) . ونزهة الأعين النواظر (446- 448) . (3) التعريفات (ص 274) ، والمناوي في التوقيف (ص 393) . (4) معنى هذه العبارة: أن الإنسان يصبح رهينة بما ينطق به لسانه ولا يكون وفيّا إلّا إذا حرر نفسه بالوفاء بما التزم به، وهذا هو مضمون العبارة التالية في قوله «والخروج مما يضمنه» أي خروج الإنسان من العهد الذي قطعه على نفسه وألزمه به لسانه مما ضمنه للغير. (5) تهذيب الأخلاق (ص 24) ويبدو أن الجاحظ يتحدث هنا عن وفاء بعينه وهو ما تعلق بالوعود المقطوعة للآخرين. (6) المفردات (528) . (7) الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص 292) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3639 امرىء القيس، ممّا يدلّ على أنّ الوفاء قيمة عظيمة قدّرها عرب الجاهليّة. وقد أقرّهم الإسلام على ذلك، ولا يستطيع ذلك إلّا القليلون، ولقلّة وجود ذلك في النّاس قال تعالى: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ (الأعراف/ 103) ، وقد ضرب به المثل في العزّة فقالت العرب: «هو أعزّ من الوفاء» «1» . أنواع الوفاء: للوفاء أنواع عديدة باعتبار الموفى به، فهي قد تكون وفاء بالعهد، وقد تكون وفاء بالعقد أو الميثاق، وقد تكون وفاء بالوعد. وتوضيح ذلك فيما يلي: الوفاء بالعهد: هو- كما ذكر الرّاغب- إتمامه وعدم نقض حفظه، ويتطابق من ثمّ صدق القول والعمل جميعا «2» ، وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «العهود ما أحلّ الله وما حرّم وما فرض وما حدّ في القرآن كلّه» «3» . أمّا الوفاء بالعقد: فالمراد به إمّا العهد، وبذلك يتطابق مع النّوع الأوّل، وقيل: العقود هي أوكد العهود، وقيل: هي عهود الإيمان والقرآن، وقيل: هي ما يتعاقده النّاس فيما بينهم «4» . أمّا الوفاء بالوعد: فالمراد به أن يصبر الإنسان على أداء ما يعد به الغير ويبذله من تلقاء نفسه، ويرهنه به لسانه حتّى وإن أضرّ به ذلك، وقد ذكرنا من قبل قول الجاحظ: وكلّما أضرّ به الدّخول تحت ما حكم به على نفسه كان ذلك أبلغ في الوفاء «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الاعتراف بالفضل الأمانة- الصدق- المسئولية- المواساة- كتمان السر- الإخلاص. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغدر- الجحود نقض العهد- نكران الجميل- الخيانة- إفشاء السر- التنصل من المسئولية] .   (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (292- 293) . (2) المفردات (528) ، والذريعة إلى مكارم الشريعة (292) . (3) عمدة التفسير للشيخ أحمد شاكر (4/ 62) . (4) تفسير البغوي (2/ 6) . (5) انظر: نص الجاحظ كاملا في «الوفاء اصطلاحا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3640 الآيات الواردة في «الوفاء» أولا: الوفاء بالعهد: أ- الوفاء بالعهد على سبيل الأمر: 1- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «1» 2- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «2» 3- بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)   (1) البقرة: 40- 43 مدنية (2) الأنعام: 151- 153 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3641 وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) «1» 4- * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) «2» 5- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) «3» ب- الوفاء بالعهد من سمات الإيمان: 6- * لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ   (1) التوبة: 1- 12 مدنية (2) النحل: 90- 92 مكية (3) الإسراء: 34- 35 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3642 فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «1» 7- * وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77) «2» 8- * أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «3» 9- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «4» 10- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «5»   (1) البقرة: 177 مدنية (2) آل عمران: 75- 77 مدنية (3) الرعد: 19- 24 مدنية (4) المؤمنون: 1- 11 مكية (5) الأحزاب: 23- 24 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3643 11- * إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «1» ج- الوفاء من صفة الله- عز وجل-: 12- وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (80) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) «2» 13- * إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) «3» د- الوفاء المطلق من صفة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين-: 14- أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41) «4» هـ- الوفاء بالعهد سبيل الوصول إلى الأجر العظيم من الله- عز وجل-: 15- إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10)   (1) المعارج: 19- 35 مكية (2) البقرة: 80- 81 مدنية (3) التوبة: 111 مدنية (4) النجم: 36- 41 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3644 سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) «1» ثانيا: الوفاء بالعقود: 16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «2» ثالثا: الوفاء بالوعود: 17- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) «3» 18- * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) «4» الآيات الواردة في «الوفاء» معنى 19- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «5» 20- وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96) «6» 21- وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8) «7»   (1) الفتح: 10- 11 مدنية (2) المائدة: 1- 2 مدنية (3) مريم: 54- 55 مكية (4) مريم: 59- 62 مكية (5) المائدة: 7 مكية (6) النحل: 95- 96 مكية (7) الأحزاب: 7- 8 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3645 الأحاديث الواردة في (الوفاء) 1- * (عن عقبة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أحقّ ما أوفيتم من الشّروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» ) * «1» . 2- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» ) * «2» . 3- * (عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه أخبره: أنّ أباه توفّي وترك عليه ثلاثين وسقا «3» لرجل من اليهود، فاستنظره «4» جابر، فأبى أن ينظره، فكلّم جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليشفع له إليه، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّم اليهوديّ ليأخذ تمر نخله بالّتي له، فأبى، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّخل فمشى فيها، ثمّ قال لجابر: جدّ له «5» فأوف له الّذي له، فجدّه بعد ما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره بالّذي كان، فوجده يصلّي العصر، فلمّا انصرف أخبره بالفضل «6» ، فقال: أخبر ذلك ابن الخطّاب، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليباركنّ فيها) * «7» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يؤتى بالرّجل المتوفّى عليه الدّين، فيسأل: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدّث أنّه ترك لدينه وفاء صلّى، وإلّا قال للمسلمين: صلّوا على صاحبكم. فلمّا فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفّي من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته» ) * «8» . 5- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنّه كان بالشّام في رجال من قريش قدموا تجارا «9» في المدّة الّتي كانت بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين كفّار قريش ... الحديث. وفيه: قال- يعني قيصر- فماذا يأمركم به؟ قال «10» : يأمرنا   (1) البخاري- الفتح 9 (5151) واللفظ له. ومسلم (1418) أى أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح. (2) رواه أحمد (5/ 323) والطبراني حكاه الهيثمي في المجمع (4/ 218) واللفظ عندهما متفق. ورجال أحمد ثقات إلا أن المطلب لم يسمع من عبادة. والحاكم في المستدرك (4/ 359) وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال فيه إرسال. (3) الوسق: بفتح الواو وكسرها- مكيلة معلومة، وقيل: حمل بعير وهو ستون صاعا بصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو خمسة أرطال وثلث، والجمع أوسق ووسوق. (4) استنظره: أي طلب إعطاءه مهلة للسداد. (5) جدّ له: أي اقطع له. (6) أخبره بالفضل: أي بالزيادة. (7) البخاري- الفتح 5 (2396) . (8) البخاري- الفتح 4 (2298) . (9) تجارا: رجل تاجر والجمع تجار- بالكسر والتخفيف- وتجّار- بالضم والتشديد- وتجر. (10) قال: يأمرنا أن نعبد الله. القائل هو أبو سفيان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3646 أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة. فقال لترجمانه حين قلت ذلك له: قل له إنّي سألتك عن نسبه فيكم، فزعمت أنّه ذو نسب، وكذا الرّسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم، هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله- قلت- رجل يأتمّ بقول قد قيل قبله. وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ويكذب على الله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت يطلب ملك آبائه، وسألتك أشراف النّاس يتّبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل، وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتّى يتمّ، وسألتك هل يرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، فكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرّسل لا يغدرون. وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأنّ حربكم وحربه تكون دولا، ويدال عليكم المرّة وتدالون عليه الأخرى، وكذلك الرّسل تبتلى وتكون لها العاقبة. وسألتك بماذا يأمركم؟ فزعمت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصّلاة، والصّدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة نبيّ قد كنت أعلم أنّه خارج، ولكن لم أعلم أنّه منكم، وإن يك ما قلت حقّا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه ... الحديث) * «1» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ امرأة من جهينة جاءت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّ أمّي نذرت أن تحجّ فلم تحجّ حتّى ماتت، أفأحجّ عنها؟ قال: «نعم، حجّي عنها، أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحقّ بالوفاء» ) * «2» . 7- * (عن عليّ بن الحسين: أنّهم حين قدموا المدينة، من عند يزيد بن معاوية، مقتل الحسين بن عليّ رضي الله عنهما- لقيه المسور بن مخرمة، فقال له: هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟. قال: فقلت له: لا. قال له: هل أنت معطيّ سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه. وايم الله؛ لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا، حتّى تبلغ نفسي. إنّ عليّ ابن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة. فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يخطب النّاس في ذلك، على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: «إنّ فاطمة منّي. وإنّي   (1) البخارى- الفتح 6 (2941) واللفظ له. ومسلم (1773) . (2) البخارى- الفتح 4 (1852) واللفظ له. ومسلم (1334) نحوه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3647 أتخوّف أن تفتن في دينها «1» » . قال: ثمّ ذكر صهرا «2» له من بني عبد شمس. فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه فأحسن. قال: «حدّثني فصدقني. ووعدني فأوفى لي. وإنّي لست أحرّم حلالا «3» ولا أحلّ حراما. ولكن، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبنت عدوّ الله مكانا واحدا أبدا» ) * «4» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته: «أوفوا بحلف الجاهليّة، فإنّ الإسلام لم يزده إلّا شدّة، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام» ) * «5» . 9- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» . فبايعناه على ذلك) * «6» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطّريق يمنع منه ابن السّبيل. ورجل بايع إماما لا يبايعه إلّا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفى له، وإلّا لم يف له. ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر، فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا، فصدّقه فأخذها، ولم يعط بها» ) * «7» . 11- * (عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين. فسمعته يحدّث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء «8» . كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ «9» . وإنّه لا نبيّ بعدي. وستكون خلفاء   (1) أن تفتن فى دينها: أي بسبب الغيرة الناشئة من البشرية. (2) ثم ذكر صهرا: هو أبو العاص بن الربيع. زوج زينب رضي الله عنها، بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والصهر يطلق على الزوج وأقاربه وأقارب المرأة. وهو مشتق من صهرت الشيء وأصهرته، إذا قربته. والمصاهرة مقاربة بين الأجانب والمتباعدين. (3) لست أحرم حلالا: أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله. فإذا أحل شيئا لم أحرمه. وإذا حرمه لم أحله، ولم أسكت عن تحريمه، لأن سكوتي تحليل له. ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله. (4) البخاري الفتح 7 (3729) . ومسلم (2449) واللفظ له. (5) أحمد (2/ 207) واللفظ له. والترمذي (1585) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 566) : كما قال الترمذي. (6) البخاري الفتح 1 (18) واللفظ له. ومسلم (709) . (7) البخاري الفتح 13 (7212) واللفظ له. ومسلم (108) (8) تسوسهم الأنبياء: أي يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية. والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه. (9) كلما هلك نبي خلفه نبي: في هذا الحديث جواز قول: هلك فلان، إذا مات. وقد كثرت الأحاديث به. وجاء في القرآن العزيز قوله تعالى: حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3648 فيكثرون» . قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأوّل فالأوّل «1» . وأعطوهم حقّهم. فإنّ الله سائلهم عمّا استرعاهم» ) * «2» . 12- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: يا رسول الله، إنّي نذرت في الجاهليّة أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أوف نذرك» . فاعتكف ليلة) * «3» . 13- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي، إنّي حرّمت الظّلم على نفسي «4» وجعلته بينكم محرّما. فلا تظّالموا «5» يا عبادي، كلّكم ضالّ «6» إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي، كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، إنّكم تخطئون «7» باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كلّ إنسان مسألته. ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط «8» إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «9» .   (1) فوا ببيعة الأول فالأول: معنى هذا الحديث إذا بويع لخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها. وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ويحرم عليه طلبها. وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أم جاهلين. وسواء كانا في بلدين أو بلد. أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره. (2) البخاري- الفتح 6 (3455) . ومسلم (1842) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 4 (2042) واللفظ له. ومسلم (1656) (4) إني حرمت الظلم على نفسي: قال العلماء: معناه تقدست عنه وتعاليت. وأصل التحريم في اللغة المنع. فسمى تقدسه عن الظلم تحريما، لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء. (5) فلا تظالموا: أي لا تتظالموا. والمراد لا يظلم بعضكم بعضا. (6) كلكم ضال إلا من هديته: ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال، إلا من هداه الله تعالى. وفي الحديث المشهور «كل مولود يولد على الفطرة» . فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا. وهذا الثاني أظهر. (7) إنكم تخطئون: الرواية المشهورة: تخطئون، بضم التاء. وروى بفتحها وفتح الطاء. يقال: خطىء يخطأ إذا فعل ما يأثم به، فهو خاطىء. ومنه قوله تعالى: اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (يوسف/ 97) . ويقول في الإثم أيضا: أخطأ. فهما صحيحان. (8) إلا كما ينقص المخيط: قال العلماء: هذا تقريب إلى الإفهام. ومعناه لا ينقص شيئا أصلا. كما قال في الحديث الآخر «لا يغيضها نفقة» أي لا ينقصها نفقة. لأن ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المحدود الفاني. وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه، وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة. والمقصود التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه. فإن البحر من أعظم المرئيات عيانا وأكبرها والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء. (9) مسلم (2577) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3649 الأحاديث الواردة في (الوفاء) معنى 14- * (عن سعيد بن المسيّب- رضي الله عنه- قال: حدّث عثمان بن أبي العاص قال: آخر ما عهد إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أممت قوما فأخفّ بهم الصّلاة» ) * «1» . 15- * (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- قالت: أخذ علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند البيعة أن لا ننوح، فما وفت منّا امرأة غير خمس نسوة: أمّ سليم، وأمّ العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ، وامرأتين، أو ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى) * «2» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا «3» له. فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة «4» فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي. إنّما اشتريت منك الأرض. ولم أبتع منك الذّهب. فقال الّذي شرى الأرض «5» : إنّما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحاكما إلى رجل. فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية. وأنفقوا على أنفسكما منه. وتصدّقا» ) * «6» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ، إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر. فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقرّبه بها إليك يوم القيامة» ) * «7» . 18- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة: «اللهمّ إنّي أنشدك عهدك ووعدك. اللهمّ إن شئت لم تعبد بعد اليوم» . فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربّك. وهو في الدّرع، فخرج وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ* بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (القمر/ 45- 46) ، وقال وهيب: حدّثنا خالد «يوم بدر» ) * «8» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص «9» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «10»   (1) مسلم (468) . (2) البخاري- الفتح 3 (1306) واللفظ له. ومسلم (936) . (3) عقارا: العقار هو الأرض وما يتصل بها. وحقيقة العقار الأصل. سمي بذلك من العقر، بضم العين وفتحها، وهو الأصل. ومنه: عقر الدار، بالضم والفتح. (4) جرة: إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع. (5) شرى الأرض: هكذا هو في أكثر النسخ. شرى. وفي بعضها: اشترى. قال العلماء: الأول أصح. وشرى بمعنى باع، كما في قوله تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ. ولهذا قال: فقال الذي شرى الأرض إنما بعتك. (6) البخاري الفتح 6 (3472) . ومسلم (1721) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 11 (6361) . ومسلم (2601) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 6 (2915) . (9) أبرص: قال في القاموس: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص. وأبرصه الله. (10) يبتليهم: أي يختبرهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3650 فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عنّي الّذي قد قذرني «1» النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر. شكّ إسحاق) إلّا أنّ الأبرص والأقرع قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر: البقر قال: فأعطي ناقة عشراء «2» . فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال: فمسحه، فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال: فمسحه فردّ الله إليه بصره. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «3» . فأنتج هذان وولّد هذا «4» . قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال: ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته «5» . فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال «6» في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «7» . فقال: إن كنت كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا. وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك، شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فو الله لا أجهدك اليوم «8» شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك» ) * «9» .   (1) قذرني الناس: أي اشمأزوا من رؤيتي. (2) ناقة عشراء: هي الحامل القريبة الولادة. (3) شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها. (4) فأنتج هذان وولد هذا: هكذا الرواية: فأنتج، رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. وممن حكى اللغتين الأخفش. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والنتاج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء. (5) أي جاءه في صورة رجل أبرص- كما كان كذلك قبل أن يمسحه الملك. (6) انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق. (7) إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة. (8) أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه. (9) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3651 20- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رجلا قدم من جيشان (وجيشان من اليمن) فسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة يقال له المزر؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسكر هو؟» قال: نعم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر حرام. إنّ على الله عزّ وجلّ- عهدا، لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول الله؛ وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النّار، أو عصارة أهل النّار» ) * «1» . 21- * (عن ابن محيريز؛ أنّ رجلا من بني كنانة يدعى المخدجيّ سمع رجلا بالشّام يدعى أبا محمّد يقول: إنّ الوتر واجب، قال المخدجيّ: فرحت إلى عبادة بن الصّامت فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمّد، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد، فمن جاء بهنّ لم يضيّع منهنّ شيئا استخفافا بحقّهنّ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنّة، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند الله عهد: إن شاء عذّبه، وإن شاء أدخله الجنّة» ) * «2» . 22- * (عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّ كفّار قريش، كتبوا إلى ابن أبيّ ومن كان يعبد معه الأوثان، من الأوس، والخزرج، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بالمدينة، قبل وقعة بدر: إنّكم آويتم صاحبنا، وإنّا نقسم بالله لتقاتلنّه أو لتخرجنّ أو لنسيرنّ إليكم بأجمعنا حتّى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم فلمّا بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من عبدة الأوثان، اجتمعوا لقتال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا بلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقيهم فقال: «لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر ممّا تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟» . فلمّا سمعوا ذلك من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، تفرّقوا، فبلغ ذلك كفّار قريش، فكتبت كفّار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنّكم أهل الحلقة «3» والحصون، وإنّكم لتقاتلنّ صاحبنا، أو لنفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء- وهي الخلاخيل- فلمّا بلغ كتابهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أجمعت بنو النّضير بالغدر، فأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك، وليخرج منّا ثلاثون حبرا، حتّى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك، آمنّا بك، [فقصّ خبرهم] فلمّا كان الغد، غدا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكتائب فحصرهم فقال لهم: «إنّكم والله لا تأمنون عندي إلّا بعهد تعاهدوني عليه» فأبوا أن يعطوه عهدا، فقاتلهم يومهم ذلك. ثمّ غدا على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النّضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه. فانصرف عنهم، وغدا على بني النّضير بالكتائب فقاتلهم، حتّى نزلوا على الجلاء، فجلت بنو النّضير، واحتملوا ما أقلّت الإبل من   (1) مسلم (2002) . (2) أبو داود (1420) واللفظ له وقال الألباني (1258) : صحيح. والنسائي (1/ 230) . الموطأ: صلاة الليل (حديث رقم 14) . والدارمي (1/ 208 حديث رقم 1577) . (3) الحلقة: الدروع، وقد يراد بها السلاح مطلقا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3652 أمتعتهم، وأبواب بيوتهم وخشبها، فكان نخل بني النّضير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّة، أعطاه الله إيّاها، وخصّه بها، فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ الحشر/ 6) يقول: بغير قتال، فأعطى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أكثرها للمهاجرين، وقسّمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار، وكانا ذوي حاجة، لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الّتي في أيدي بني فاطمة رضي الله عنها-) * «1» . 23- * (عن كعب- رضي الله عنه- أنّه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتّى سمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيته، فخرج إليهما حتّى كشف سجف «2» حجرته فنادى: يا كعب، قال: لبّيك يا رسول الله، قال: ضع من دينك هذا، وأومأ إليه أي الشّطر، قال: لقد فعلت يا رسول الله، قال: قم فاقضه» ) * «3» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: ائتني بالشّهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا. قال: فأئتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمّى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الّذي أجّله فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثمّ زجّج موضعها «4» ، ثمّ أتى بها إلى البحر فقال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت تسلّفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك. وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بذلك. وإنّي جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي أستودعكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلمّا نشرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الّذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال: أخبرك أنّي لم أجد مركبا قبل الّذي جئت فيه. قال: فإنّ الله قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدّينار راشدا» ) * «5» . 25- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء؛ لا ينجيكم إلّا   (1) أبو داود (3004) وقال: الألباني (2595) : صحيح الإسناد (2) سجف (بفتح السين وكسرها) : السّتر مشقوق الوسط كالمصراعين. (3) البخاري- الفتح 5 (2418) . (4) زجج موضعها: أي سوّى موضع النقر وأصلحه. (5) البخاري- الفتح 4 (2291) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3653 الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ، إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق. فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا؛ وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «1» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت مع عليّ بن أبي طالب حيث بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل مكّة ببراءة قال: ما كنتم تنادون؟ قال: كنّا ننادي: أنّه لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فإنّ أجله- أو أمده- إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة الأشهر فإنّ الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحجّ هذا البيت بعد العام مشرك، فكنت أنادي حتّى صحل صوتي «2» » ) * «3» . 27- * (عن عبد الله بن عامر- رضي الله عنه- أنّه قال: دعتني أمّي يوما ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما أردت أن تعطيه» ؟ قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّك لو لم تعطيه «4» شيئا كتبت عليك كذبة» ) * «5» . 28- * (عن أمّ هانىء ابنة أبي طالب- رضي الله عنها- قالت: «ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام   (1) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743) (2) صحل صوتي: أي بحّ أي غلظ وخشونة في الصوت. (3) أحمد (2/ 299) واللفظ له. والترمذي (3091- 3092) وآخر عنده من حديث علي رضي الله عنه (871) . وقد سأله زيد بن أتبع، وقال الترمذي: حسن، وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه. وابن مردويه والبزار. وأصله عند البخاري (4655) . (4) لم تعطيه: هكذا وردت بإثبات الياء، والقواعد تقتضي حذفها بعد لم. (5) أبو داود (4991) واللفظ له وقال الألباني (4176) : حسن، الصحيحة (748) . وأحمد 3 (447) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3654 الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، فسلّمت عليه فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أمّ هانىء بنت أبي طالب. فقال: «مرحبا بأمّ هانىء» ، فلمّا فرغ من غسله قام فصلّى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد. فقلت: يا رسول الله، زعم ابن أمّي عليّ، أنّه قاتل رجلا قد أجرته؛ فلان ابن هبيرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانىء» ، قالت أمّ هانىء: وذلك ضحى) * «1» . 29- * (عن أبي جريّ جابر بن سليم، قال: رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قال: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول الله الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «2» فدعوته أنبتها لك وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك» قلت: اعهد إليّ، قال: «لا تسبّنّ أحدا» قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار، فإنّها من المخيلة «3» ، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنّما وبال ذلك عليه» ) * «4» . 30- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمن تركها فقد كفر» ) * «5» . 31- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل «6» ومنّا من هو في جشره «7» إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «8» . فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «9» ، وتجيء الفتنة، فيقول   (1) البخاري الفتح 6 (3171) واللفظ له. ومسلم (336) . (2) عام سنة: أي عام جدب. (3) المخيلة- بفتح الميم وكسر الخاء- والخال والخيل والخيلاء والخيلة كله الكبر. (4) أبو داود (4084) وقال الألباني: صحيح، والترمذي (2877) . وصححه ابن حبان رقم (1221) في الموارد، ومحقق جامع الأصول (11/ 746) . (5) الترمذي (2621) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. والنسائي (1/ 231) وغيرهم وقال محقق الجامع (5/ 204) : وهو حديث صحيح. (6) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب. (7) في جشره: قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت. (8) الصلاة جامعة: هي بنصب الصلاة، على الإغراء. ونصب جامعة على الحال. (9) فيرقق بعضها بعضا: هذه اللفظة، رويت على أوجه: أحدها، وهو الذي نقله القاضي عن جمهور الرواة، يرقق أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، والثاني يجعل الأول رقيقا. وقيل معناه يشبه بعضه بعضا. وقيل: يدور بعضها في بعض ويذهب ويجيء. وقيل: معناه يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. والثاني: فيرفق. والثالث: فيدفق، أي يدفع ويصب. والدفق هو الصب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3655 المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه «1» . ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا. والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (4/ النساء/ 29) . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: «أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله) * «2» . 32- * (عن سليم بن عامر- رجل من حمير- قال: كان بين معاوية، وبين الرّوم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتّى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة، ولا يحلّها حتّى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» فرجع معاوية) * «3» . 33- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم: يسعى بذمّتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يردّ مشدّهم على مضعفهم، ومتسرّعهم على قاعدهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» ) * «4» . 34- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى الصّبح، فهو في ذمّة الله. فلا تخفروا الله في عهده. فمن قتله، طلبه الله حتّى يكبّه في النّار على وجهه» ) * «5» . 35- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه: «وددت أنّ عندي بعض أصحابي» قلنا: يا رسول الله، ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت. قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت. قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: «نعم» فجاء، فخلا به، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكلّمه. ووجه عثمان يتغيّر. قال قيس:   (1) وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه: هذا من جوامع كلمه صلّى الله عليه وسلّم، وبديع حكمه. وهذه قاعدة مهمة، فينبغي الاعتناء بها. وإن الإنسان يلزم أن لا يفعل مع الناس إلا ما يحب أن يفعلوا معه. (2) مسلم (1844) . (3) الترمذي (1580) وقال: حديث حسن. وأبو داود (2759) واللفظ له وقال الألباني (2397) : صحيح. وعند أحمد (4/ 113) . وقال محقق «جامع الأصول» (2/ 648) : إسناده صحيح. (4) أبو داود (2751) وقال الألباني (2390) : حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (10/ 255) : إسناده حسن. (5) الترمذي (2164) و (222) . وابن ماجه (3945) . وقال في الزوائد: رجال إسناده ثقات. إلا أنه منقطع. وسعد بن إبراهيم لم يدرك حابس بن سعد، قاله في التهذيب. وهو عند مسلم (657) بلفظ آخر نحوه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3656 فحدّثني أبو سهلة، مولى عثمان: أنّ عثمان بن عفّان قال يوم الدّار: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ عهدا. فأنا صائر إليه. وقال عليّ في حديثه: وأنا صابر عليه. قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم» ) * «1» . 36- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ: «لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق» ) * «2» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الوفاء) 37- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ابتاع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من رجل من الأعراب جزورا «3» أو جزائر بوسق من تمر الذّخرة- وتمر الذّخرة العجوة- فرجع به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيته والتمس له التّمر فلم يجده فخرج إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «يا عبد الله! إنّا قد ابتعنا منك جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذّخرة فالتمسناه فلم نجده، قال: فقال الأعرابيّ: واغدراه، قالت: فنهمه «4» النّاس وقالوا: قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، ثمّ عاد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا عبد الله إنّا ابتعنا منك جزائرك ونحن نظنّ أنّ عندنا ما سمّينا لك، فالتمسناه فلم نجده» فقال الأعرابيّ: واغدراه، فنهمه النّاس، وقالوا: قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، فردّد ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّتين أو ثلاثا، فلمّا رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خويلة بنت حكيم بن أميّة فقل لها: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لك: إن كان عندك وسق من تمر فأسلفيناه حتّى نؤدّيه إليك إن شاء الله» فذهب إليها الرّجل، ثمّ رجع الرّجل فقال: قالت: نعم، هو عندي يا رسول الله فابعث من يقبضه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للرّجل: «اذهب به فأوفه الّذي له» قال: فذهب به فأوفاه الّذي له. قالت: فمرّ الأعرابيّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في أصحابه فقال: جزاك الله خيرا. فقد أوفيت وأطيبت. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أولئك خيار عباد الله عند الله الموفون المطيّبون» ) * «5» . 38- * (عن أبي رافع- رضي الله عنه- قال: بعثتني قريش إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألقي في قلبي الإسلام. فقلت: يا رسول الله، إنّي والله لا أرجع إليهم أبدا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لا   (1) أحمد 6/ 52، 214 وبعضه فى الترمذي (3711) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجه مقدمه (113) واللفظ له وقال محققه في الزوائد: إسناده صحيح. ورجاله ثقات. (2) مسلم (78) . (3) الجزور- بفتح الجيم- البعير ذكرا كان أو أنثى إلا أن اللفظة مؤنثة، والجمع جزر- بضمتين- وجزائر. (4) فنهمه الناس: أي زجروه. (5) رواه أحمد (6/ 268) واللفظ له. وقال الهيثمي في المجمع (4/ 1400) : إسناد أحمد صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3657 أخيس بالعهد «1» ، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع، فإن كان في نفسك، الّذي في نفسك الآن، فارجع» قال: فذهبت، ثمّ أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأسلمت) * «2» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما يهوديّ يعرض سلعته، أعطي بها شيئا كرهه، فقال: لا والّذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فلطم وجهه، وقال: تقول: والّذي اصطفى موسى على البشر، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إنّ لي ذمّة وعهدا، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: «لم لطمت وجهه؟» فذكره، فغضب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى رؤي في وجهه، ثمّ قال: «لا تفضّلوا بين أولياء الله، فإنّه ينفخ في الصّور فيصعق من في السّماوات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، ثمّ ينفخ فيه أخرى فأكون أوّل من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطّور، أم بعث قبلي» ) * «3» . 40- * (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية، حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ خالد ابن الوليد بالغميم «4» في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة «5» الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «6» . فألحّت. فقالوا: خلأت القصواء «7» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل «8» . ثمّ قال: والّذي نفسي بيده لا يسألونني خطّة «9» يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها. ثمّ زجرها فوثبت. قال: فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد «10» قليل الماء يتبرّضه النّاس «11» تبرّضا، فلم يلبّثه «12» النّاس حتّى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العطش؛ فانتزع سهما من كنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتّى صدروا عنه «13» . فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة- وكانوا عيبة نصح «14» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل تهامة- فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ، نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم   (1) لا أخيس بالعهد: أي لا أنقضه. (2) أبو داود (2758) . وقال الألباني (2396) : صحيح. (3) البخاري الفتح 6 (3414) . (4) الغميم: موضع بين مكة والمدينة. (5) قترة: بفتحتين: الغبار الأسود. (6) حل حل: هو زجر الناقة للنهوض. (7) خلأت القصواء: حرنت من غير علة والقصواء: اسم لناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (8) حبسها حابس الفيل: أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها. (9) خطّة: أي خصلة. (10) ثمد: بفتحتين- أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل. (11) يتبرضه الناس: أي يأخذون منه قليلا قليلا. (12) لم يلبثه الناس: أي لم يتركوه يلبث أي يقيم. (13) يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه: أي يفور بالماء حتى رجعوا. (14) عيبة نصح رسول الله: أي موضع النصح له والأمانة على سره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3658 العوذ المطافيل «1» ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «2» . وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده، لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي «3» ، ولينفذنّ الله أمره» فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول. قال: فانطلق حتّى أتى قريشا، قال: إنّا جئناكم من هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال: سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرّأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال سمعته يقول كذا وكذا. فحدّثهم بما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتّهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ، فلمّا بلّحوا «4» عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد، اقبلوها ودعوني آته. قالوا ائته. فأتاه، فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحوا من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمّد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله «5» قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإنّي والله لا أرى وجوها، وإنّي لأرى أشوابا «6» من النّاس خليقا «7» أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر اللّات «8» ، أنحن نفرّ عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكلّما تكلّم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه السّيف وعليه المغفر «9» ، فكلّما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب يده بنعل السّيف وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر «10» ، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم ثمّ جاء   (1) العوذ المطافيل: الناقة التي وضعت إلى أن يقوى ولدها. (2) جموا: أي قووا. (3) حتى تنفرد سالفتي: أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري، والسالفة: صفحة العنق. (4) بلّحوا: أي امتنعوا من الإجابة. (5) اجتاح أهله: أي أهلك أصلهم. (6) أشوابا: أي أخلاطا من أنواع شتى. (7) خليقا: أي حقيقا وجديرا. (8) امصص بظر اللات: البظر قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة، واللات اسم أحد الأصنام التي كانوا يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ «الأم» بدلا من «اللات» فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه. (9) المغفر: حلق يتقنع به المتسلح وربما كان مثل القلنسوة غير أنها أوسع. (10) أي غدر: مبالغة في وصفه بالغدر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3659 فأسلم. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا الإسلام فأقبل، وأمّا المال فلست منه في شيء» . ثمّ إنّ عروة جعل يرمق «1» أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعينيه. قال: فو الله ما تنخّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخامة «2» إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه «3» ، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنّجاشيّ، والله إن رأيت مليكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم محمّدا والله إن يتنخّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له. وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته. فلمّا أشرف على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا فلان، وهو من قوم يعظّمون البدن «4» ، فابعثوها له.» فبعثت له، واستقبله النّاس يلبّون. فلمّا رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت. فلمّا رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلمّا أشرف عليهم، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مكرز، وهو رجل فاجر» فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيّوب عن عكرمة أنّه لمّا جاء سهيل بن عمرو، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سهل لكم من أمركم» قال معمر: قال الزّهريّ في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بسم الله الرّحمن الرّحيم فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فو الله ما أدري ما هي، ولكن اكتب: باسمك اللهمّ، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب: باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب «محمّد ابن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» . قال الزّهريّ: وذلك لقوله: «لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به. فقال سهيل: والله لا تتحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة «5» . ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على   (1) يرمق: أي يلحظ. (2) النخامة: البزقة التي تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء. (3) الوضوء- بفتح الواو: الماء الذي يتوضأ به. (4) البدن: جمع بدنة وهي تقع على الجمل والناقة والبقرة. وهي بالإبل أشبه. سميت بدنة لعظمها وسمنها. (5) أخذنا ضغطة: أي قهرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3660 دينك إلّا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده «1» ، وقد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمّد أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» . قال: فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فأجزه لي» ، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: «بلى فافعل» ، قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا في الله. قال: فقال عمر بن الخطّاب: فأتيت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ألست نبيّ الله حقّا؟ قال: «بلى» قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: «بلى» قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟ قال: «إنّي رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري» ، قلت: أو ليس كنت تحدّثنا، أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى، فأخبرتك أنّا نأتيه العام؟» قال: قلت: لا. قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به» . قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبيّ الله حقّا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحقّ وعدّونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟ قال: أيّها الرّجل، إنّه لرسول الله، وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه «2» ، فو الله إنّه على الحقّ. قلت: أليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. قال الزّهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلمّا فرغ من قضيّة الكتاب، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: قوموا فانحروا ثمّ احلقوا. قال: فو الله ما قام منهم رجل، حتّى قال ذلك ثلاث مرّات، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أمّ سلمة فذكر لها ما لقي من النّاس، فقالت أمّ سلمة: يا نبيّ الله، أتحبّ ذلك؟ اخرج، ثمّ لا تكلّم أحدا منهم كلمة حتّى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتّى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتّى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا. ثمّ جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى (الممتحنة/ 10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتّى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ فطلّق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشّرك، فتزوّج إحداهما، معاوية بن أبي سفيان والأخرى، صفوان بن أميّة، ثمّ رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير- رجل من قريش- وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتّى بلغا ذا   (1) يرسف في قيوده: أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد. (2) فاستمسك بغرزه: الغرز للناقة مثل الحزام للفرس والمراد اعتلق به واتبع قوله وفعله ولا تخالفه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3661 الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين: والله إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدا، فاستلّه الآخر فقال: أجل، والله إنّه لجيّد، لقد جرّبت به ثمّ جرّبت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد «1» ، وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا» ، فلمّا انتهى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قتل والله صاحبي وإنّي لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبيّ الله، قد والله أوفى الله ذمّتك قد رددتني إليهم، ثمّ أنجاني الله منهم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ويل أمّه مسعر حرب «2» لو كان له أحد» فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتّى أتى سيف البحر «3» . قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلّا لحق بأبي بصير، حتّى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشّام إلّا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تناشده الله والرّحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فأنزل الله تعالى (الفتح/ 24) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حتّى بلغ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ وكانت حميّتهم أنّهم لم يقرّوا أنّه نبيّ الله، ولم يقرّوا ببسم الله الرّحمن الرّحيم، وحالوا بينهم وبين البيت) * «4» . 41- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فكنت على جمل ثفال «5» إنّما هو في آخر القوم، فمرّ بي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من هذا؟» قلت جابر بن عبد الله. قال: «مالك؟» قلت: إنّي على جمل ثفال. قال: «أمعك قضيب؟» قلت: نعم. قال: «أعطنيه» ، فأعطيته فضربه فزجره، فكان من ذلك المكان من أوّل القوم. قال: «بعنيه» ، فقلت: بل هو لك يا رسول الله. قال: «بل بعينه. قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره «6» إلى المدينة» . فلمّا دنونا من المدينة أخذت أرتحل، قال: «أين تريد؟» قلت: تزوّجت امرأة قد خلا منها. قال: «فهلّا جارية تلاعبها وتلاعبك؟» . قلت: إنّ أبي توفّي وترك بنات فأردت أن أنكح امرأة قد جرّبت، خلا منها، قال: «فذلك» . فلمّا قدمنا المدينة قال: «يا بلال اقضه، وزده» . فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا. قال جابر: لا تفارقني زيادة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد الله) * «7» . 42- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلّا أنّي خرجت أنا وأبي حسيل. قال: فأخذنا كفّار قريش. قالوا: إنّكم تريدون   (1) حتى برد: أي حتى مات. (2) ويل أمه مسعر حرب: ويل أمه كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم، مسعر حرب: أي من يسعرها كأنه يصفه بالإقدام في الحرب. (3) سيف البحر: أي ساحله. (4) البخاري- الفتح 5 (2732) . ومسلم مقطعا في (1783، 1784، 1785) . (5) جمل ثفال: أي بطيء السير. (6) ولك ظهره إلى المدينة: أي تركبه إلى المدينة. (7) البخاري- الفتح 4 (2309) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3662 محمّدا؟ فقلنا: ما نريده. ما نريد إلّا المدينة. فأخذوا منّا عهد الله وميثاقه لننصرفنّ إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرناه الخبر. فقال: «انصرفا. نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الوفاء) 1- * (عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبيض قد شاب، وكان الحسن بن عليّ يشبهه، وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصا، فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئا، فلمّا قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عدة فليجىء، فقمت إليه فأخبرته، فأمر لنا بها» ) * «2» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لي: لو قد جاءنا مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا. فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجاء مال البحرين قال أبو بكر: من كانت له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عدة فليأتني، فأتيته فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كان قال لي: لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا. فقال لي: احثه. فحثوت حثية. فقال لي: عدّها. فعددتها، فإذا هي خمسمائة، فأعطاني ألفا وخمسمائة» ) * «3» . 3- * (عن عمرو بن ميمون الأوديّ؛ قال: رأيت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل: قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع، فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا، ثمّ قل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين، إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وولج عليه شابّ من الأنصار فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله: كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ استخلفت فعدلت، ثمّ الشّهادة بعد هذا كلّه. قال: ليتني يا ابن أخي، وذلك كفافا لا عليّ ولا لي. أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين خيرا، أن يعرف لهم حقّهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان أن يقبل من محسنهم، ويعفى عن مسيئهم. وأوصيه بذمّة الله   (1) مسلم (1787) . (2) الترمذي (2826) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأصله عند البخاري (3544) . ومسلم (2342) . (3) البخاري- الفتح 6 (3164) وهذا لفظه. ومسلم (2314) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3663 وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوفّى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلّفوا فوق طاقتهم» ) * «1» . 4- * (عن معدان «2» بن أبي طلحة اليعمريّ: أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قام على المنبر يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذكر أبا بكر، ثمّ قال: «رأيت رؤيا لا أراها إلّا لحضور أجلي، رأيت كأنّ ديكا نقرني نقرتين، قال: وذكر لي أنّه ديك أحمر، فقصصتها على أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر، فقالت: يقتلك رجل من العجم، قال: وإنّ النّاس يأمرونني أن أستخلف، وإنّ الله لم يكن ليضيع دينه وخلافته الّتي بعث بها نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وإن يعجل بي أمر فإنّ الشّورى في هؤلاء السّتّة الّذين مات نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن بايعتم منهم فاسمعوا له وأطيعوا، وإنّي أعلم أنّ أناسا سيطعنون في هذا الأمر، أنا قاتلتهم بيدي هذه على الإسلام، أولئك أعداء الله الكفّار الضّلّال، وايم الله، ما أترك فيما عهد إليّ ربّي فاستخلفني شيئا أهمّ إليّ من الكلالة «3» ، وايم الله ما أغلظ لي نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم في شيء منذ صحبته أشدّ ما أغلظ لي في شأن الكلالة، حتّى طعن بإصبعه في صدري، وقال: تكفيك آية الصّيف «4» الّتي نزلت في آخر سورة النّساء «5» ، وإنّي إن أعش فسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ ومن لا يقرأ، وإنّي أشهد الله على أمراء الأمصار، أنّي إنّما بعثتهم ليعلّموا النّاس دينهم، ويبيّنوا لهم سنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم ويرفعوا إليّ ما عمّي عليهم، ثمّ إنّكم أيّها النّاس تأكلون من شجرتين لا أراهما إلّا خبيثتين، هذا الثّوم والبصل. وايم الله لقد كنت أرى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يجد ريحهما من الرّجل فيأمر به فيؤخذ بيده فيخرج به من المسجد حتّى يؤتى به البقيع، فمن أكلهما لا بدّ فليمتهما طبخا، قال: فخطب النّاس يوم الجمعة وأصيب يوم الأربعاء» ) * «6» . 5- * (عن أبيّ بن كعب في قول الله- عزّ وجلّ- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ «7» وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ الآية، قال: جمعهم فجعلهم أرواحا ثمّ صوّرهم فاستنطقهم فتكلّموا، ثمّ أخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربّكم. قال: فإنّي أشهد عليكم السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم- عليه السّلام- أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا، اعلموا أنّه لا إله غيري، ولا ربّ غيري،   (1) البخاري- الفتح 3 (1392) . (2) تحرفت في «المسند» بطبعته القديمة إلى «معبد» والصواب ما أثبتناه، وانظر «الجرح والتعديل» (8/ 404) . (3) الكلالة: أن يموت الرجل ولا يدع والدا ولا ولدا يرثانه، فإن كان له أخت فلها نصف ما ترك وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين. (4) آية الصيف: أي التي نزلت في الصيف. (5) الآية/ 176 من سورة النساء وهي قوله: «يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة.. إلى قوله: والله بكل شيء عليم. (6) أحمد (1/ 15) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 192) : إسناده صحيح. (7) هكذا وردت في مسند أحمد، وفي رواية حفص «ذرّيتهم» الآية 172 من سورة الأعراف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3664 فلا تشركوا بي شيئا، إنّي سأرسل إليكم رسلي، يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي. قالوا: شهدنا بأنّك ربّنا وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك، فأقرّوا بذلك ورفع عليهم آدم ينظر إليهم، فرأى الغنيّ والفقير، وحسن الصّورة، ودون ذلك، فقال: ربّ لولا سوّيت بين عبادك، قال: إنّي أحببت أن أشكر. ورأى الأنبياء فيهم مثل السّرج عليه النّور، خصّوا بميثاق آخر في الرّسالة والنّبوّة، وهو قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ... إلى قوله: عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (الأحزاب/ 7) كان في تلك الأرواح فأرسله إلى مريم) * «1» . 6- * (قيل: «إذا أردت أن تعرف وفاء الرّجل ودوام عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوّقه إلى إخوانه، وكثرة بكائه على ما مضى من زمانه» ) * «2» . 7- * (قال الشّاعر: تعجيل وعد المرء أكرومة ... تنشر عنه أطيب الذّكر والحرّ لا يمطل معروفه ... ولا يليق المطل بالحرّ ) * 8- * (وقال آخر: ولقد وعدت وأنت أكرم واعد ... لا خير في وعد بغير تمام أنعم عليّ بما وعدت تكرّما ... فالمطل يذهب بهجة الإنعام ) * «3» . 9- * (وقال آخر: وميعاد الكريم عليه دين ... فلا تزد الكريم على السّلام يذكّره سلامك ما عليه ... ويغنيك السّلام عن الكلام ) * «4» . 10- * (وأنشدوا: إذا قلت في شيء «نعم» فأتمّه ... فإنّ «نعم» دين على الحرّ واجب وإلّا فقل «لا» تسترح وترح بها ... لئلّا يقول النّاس إنّك كاذب ) * 11-* (وقال آخر: لا كلّف الله نفسا فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلّا بما تجد فلا تعد عدة إلّا وفيت بها ... واحذر خلاف مقال للّذي تعد ) * «5» . 12- * (وقال آخر: اشدد يديك بمن بلوت وفاء ... إنّ الوفاء من الرّجال عزيز ) * «6» . 13- * (من قصص الوفاء: وأمّا الوفاء بالعهد ورعاية الذّمم: فقد نقل فيه من عجائب   (1) رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه (5/ 135) . ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه في تفاسيرهم من رواية ابن جعفر الرازي به. (2) المستطرف (291) . (3) المرجع السابق (1/ 286) . (4) المرجع السابق (1/ 286) . (5) المرجع السابق (1/ 285) . (6) المرجع السابق (1/ 291) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3665 الوقائع، وغرائب البدائع، ما يطرب السّماع، ويشنّف المسامع، كقضيّة الطّائيّ وشريك، نديمي النّعمان بن المنذر. وتلخيص معناها أنّ النّعمان كان قد جعل له يومين: يوم بؤس، من صادفه فيه قتله وأرداه، ويوم نعيم، من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه، وكان هذا الطّائيّ قد رماه حادث دهره بسهام فاقته وفقره، فأخرجته الفاقة من محلّ استقراره ليرتاد شيئا لصبيته وصغاره، فبينما هو كذلك إذ صادفه النّعمان في يوم بؤسه، فلمّا رآه الطّائيّ علم أنّه مقتول وأنّ دمه مطلول. فقال: حيّا الله الملك إنّ لي صبية صغارا، وأهلا جياعا، وقد أرقت ماء وجهي في حصول شيء من البلغة لهم، وقد أقدمني سوء الحظّ على الملك في هذا اليوم العبوس، وقد قربت من مقرّ الصّبية والأهل وهم على شفا تلف من الطّوى، ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أوّل النّهار وآخره، فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أوصّل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحيّ، لئلّا يهلكوا ضياعا ثمّ أعود إلى الملك وأسلّم نفسي لنفاذ أمره. فلمّا سمع النّعمان صورة مقاله، وفهم حقيقة حاله، ورأى تلهّفه على ضياع أطفاله، رقّ له ورثى لحاله، غير أنّه قال له: لا آذن لك حتّى يضمنك رجل معنا، فإن لم ترجع قتلناه، وكان شريك بن عديّ بن شرحبيل نديم النّعمان معه فالتفت الطّائيّ إلى شريك وقال له: يا شريك بن عديّ ... ما من الموت انهزام من لأطفال ضعاف ... عدموا طعم الطّعام بين جوع وانتظار ... وافتقار وسقام يا أخا كلّ كريم ... أنت من قوم كرام يا أخا النّعمان جد لي ... بضمان والتزام ولك الله بأنّي ... راجع قبل الظّلام فقال شريك بن عديّ: أصلح الله الملك، عليّ ضمانه، فمرّ الطّائيّ مسرعا، وصار النّعمان يقول لشريك: إنّ صدر النّهار قد ولّى، ولم يرجع، وشريك يقول: ليس للملك عليّ سبيل حتّى يأتي المساء، فلمّا قرب المساء، قال النّعمان لشريك: قد جاء وقتك قم فتأهّب للقتل، فقال شريك: هذا شخص قد لاح مقبلا، وأرجو أن يكون الطّائيّ، فإن لم يكن فأمر الملك ممتثل، قال: فبينما هم كذلك وإذ بالطّائيّ قد اشتدّ في عدوه وسيره مسرعا، حتّى وصل، فقال: خشيت أن ينقضي النّهار قبل وصولي، ثمّ وقف قائما، وقال: أيّها الملك، مر بأمرك فأطرق النّعمان ثمّ رفع رأسه وقال: والله ما رأيت أعجب منكما، أمّا أنت يا طائيّ فما تركت لأحد في الوفاء مقاما يقوم فيه، ولا ذكرا يفتخر به، وأمّا أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألأم الثلاثة، ألا وإنّي قد رفعت يوم بؤسي عن النّاس، ونقضت عادتي، كرامة لوفاء الطّائيّ وكرم شريك. فقال الطّائيّ: ولقد دعتني للخلاف عشيرتي ... فعددت قولهم من الإضلال إنّي امرؤ منّي الوفاء سجية ... وفعال كلّ مهذّب مفضال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3666 فقال له النّعمان: ما حملك على الوفاء وفيه إتلاف نفسك، فقال: ديني، فمن لا وفاء فيه لا دين له، فأحسن إليه النّعمان ووصله بما أغناه وأعاده مكرّما إلى أهله وأناله ما تمنّاه) * «1» . 14- * (ومن ذلك ما حكي أنّ الخليفة المأمون، لمّا ولّى عبد الله بن طاهر بن الحسين مصر والشّام، وأطلق حكمه دخل على المأمون بعض إخوانه يوما فقال: يا أمير المؤمنين إنّ عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد أبي طالب، وهواه مع العلويّين، وكذلك كان أبوه قبله، فحصل عند المأمون شيء من كلام أخيه من جهة عبد الله بن طاهر، فتشوّش فكره وضاق صدره. فاستحضر شخصا وجعله في زيّ الزّهّاد، والنّسّاك الغزاة ودسّه إلى عبد الله بن طاهر وقال له: امض إلى مصر، وخالط أهلها، وداخل كبراءها واستملهم إلى القاسم بن محمّد العلويّ، واذكر مناقبه، ثمّ بعد ذلك اجتمع ببعض بطانة عبد الله بن طاهر، ثمّ اجتمع بعبد الله بن طاهر بعد ذلك وادعه إلى القاسم بن محمّد العلويّ، واكشف باطنه، وابحث عن دفين نيّته وائتني بما تسمع. ففعل ذلك الرّجل ما أمره به المأمون، وتوجّه إلى مصر، ودعا جماعة من أهلها، ثمّ كتب ورقة لطيفة ودفعها إلى عبد الله بن طاهر وقت ركوبه، فلمّا نزل من الرّكوب وجلس في مجلسه، خرج الحاجب إليه وأدخله على عبد الله بن طاهر، وهو جالس وحده، فقال له: لقد فهمت ما قصدته، فهات ما عندك فقال: ولي الأمان؟ قال: نعم فأظهر له ما أراده ودعاه إلى القاسم بن محمّد. فقال له عبد الله، أو تنصفني فيما أقوله لك؟. قال نعم قال: فهل يجب شكر النّاس بعضهم لبعض عند الإحسان والمنّة؟ قال: نعم، قال: فيجب عليّ وأنا في هذه الحالة الّتي تراها من الحكم والنّعمة، والولاية، ولي خاتم في المشرق، وخاتم في المغرب، وأمري فيما بينهما مطاع، وقولي مقبول. ثمّ إنّي ألتفت يمينا وشمالا فأرى نعمة هذا الرّجل غامرة، وإحسانه فائضا عليّ، أفتدعوني إلى الكفر بهذه النّعمة، وتقول اغدر وجانب الوفاء، والله لو دعوتني إلى الجنّة عيانا لما غدرت ولما نكثت بيعته، وتركت الوفاء له. فسكت الرّجل فقال له عبد الله: والله، ما أخاف إلّا على نفسك. فارحل من هذا البلد، فلمّا يئس الرّجل منه وكشف باطنه وسمع كلامه رجع إلى المأمون فأخبره بصورة الحال فسرّه ذلك، وزاد في إحسانه إليه، وضاعف إنعامه عليه» ) * «2» . 15- * (وممّا أسفرت عنه وجوه الأوراق، وأخبرت به الثّقات في الآفاق، وظهرت روايته بالشّام والعراق، وضرب به الأمثال في الوفاء بالاتّفاق، حديث السّموأل بن عاديا، وتلخيص معناه أنّ امرأ القيس الكنديّ، لما أراد المضيّ إلى قيصر ملك الرّوم، أودع عند السّموأل دروعا وسلاحا، وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة. فلمّا مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدّروع والأسلحة المودعة عند السّموأل. فقال   (1) المستطرف (1/ 287- 288) . (2) المرجع السابق (1/ 288) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3667 السّموأل لا أدفعها إلّا لمستحقّها. وأبى أن يدفع إليه منها شيئا، فعاوده فأبى، وقال لا أغدر بذمّتي، ولا أخون أمانتي، ولا أترك الوفاء الواجب عليّ. فقصده ذلك الملك من كندة بعسكره فدخل السّموأل في حصنه، وامتنع به. فحاصره ذلك الملك، وكان ولد السّموأل خارج الحصن فظفر به ذلك الملك فأخذه أسيرا ثمّ طاف حول الحصن وصاح بالسّموأل. فأشرف عليه من أعلى الحصن. فلمّا رآه قال له: إنّ ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلّمت إليّ الدروع والسّلاح الّتي لامرىء القيس عندك، رحلت عنك وسلّمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيّهما شئت. فقال له السّموأل: ما كنت لأخفر ذمامي، وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت. فذبح ولده وهو ينظر. ثمّ لمّا عجز عن الحصن رجع خائبا، واحتسب السّموأل ذبح ولده وصبر، محافظة على وفائه. فلمّا جاء الموسم وحضر ورثة امرىء القيس سلّم إليهم الدّروع والسّلاح. ورأى حفظ ذمامه ورعاية وفائه أحبّ إليه من حياة ولده وبقائه. فصارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسّموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكر السّموأل في الأوّل. وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمة من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثّناء عليه، واستطلق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه» ) * «1» . 16- * (قال الشّاعر: سقى الله أطلال الوفاء بكفّه ... فقد درست أعلامه ومنازله ) * «2» . من فوائد (الوفاء) (1) من أوفى بعهد الله من توحيده وإخلاص العبادة له، أوفى الله بعهده من توفيقه إلى الطّاعات وأسباب العبادات. (2) الّذين يوفون بعهد الله، هم أولو الألباب وهم الّذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله فوعدهم أنّ لهم الجنّة ومن أوفى بعهده من الله؟ (3) مدح الله الموفين بعهودهم كثيرا في القرآن. (4) الوفاء صفة أساسيّة في بنية المجتمع الإسلاميّ، حيث تشمل سائر المعاملات، إذ كلّ المعاملات والعلاقات الاجتماعيّة والوعود والعهود تتوقّف على الوفاء، فإذا انعدم الوفاء انعدمت الثّقة، وساء التّعامل وساد التّنافر. (5) من أهمّ الوفاء، الوفاء بالعهود من بيعة وبيع ودين ونذر وشروط تتعلّق بالمعاملات الماليّة والاجتماعيّة (6) المسلم المتمسّك بالوفاء في كلّ أحواله يجد في نفسه سعادة عظيمة عندما يوفّي حقوق الله- عزّ وجلّ كاملة وحقوق إخوانه المسلمين. ولا ينسى حقّ أهله ونفسه عليه فيعطي كلّ ذي حقّ حقّه.   (1) المستطرف (1/ 289) . (2) المستطرف (1/ 289- 291) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3668 الوقار الآيات/ الأحاديث/ الآثار 2/ 4/ 12 الوقار لغة: مصدر قولهم: وقر يقر وقارا وهو مأخوذ من مادّة (وق ر) الّتي تدلّ على ثقل في الشّيء، ومن ذلك الوقار: الحلم والرّزانة، ورجل ذو قرة أي وقور، ورجل موقّر: مجرّب، وقال الرّاغب: الوقار: السّكون والحلم، يقال: هو وقور ووقار، ومتوقّر، وفلان ذو قرة أي وقار، وقول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ (الأحزاب/ 33) ، قيل: هو من الوقار، وقال بعضهم: هو من قولهم: وقرت أقر وقرا: أي جلست. وقال الجوهريّ: الوقار: الحلم والرّزانة، وقد وقر الرّجل يقر وقارا وقرة إذا ثبت، فهو وقور، قال الرّاجز: بكلّ أخلاق الرّجال قد مهر ... ثبت إذا ما صيح بالقوم وقر والتّوقير: التّعظيم والتّرزين، وقول الله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً، أي لا تخافون لله عظمة، وفي الحديث: «لم يسبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكنّه بشيء وقر في القلب» ، وفي رواية، «لسرّ وقر في صدره أي سكن فيه وثبت، من الوقار والحلم والرّزانة، ويقال: الوقار، الحلم والسّكينة. والوقار: الحلم والسّكينة والرّزانة والوداعة، وهو من باب وعد، تقول: وقر الرّجل يقر وقارا وقرة (بكسر أوّله) فهو وقور، ووقار، ووقر إذا ثبت. والمرأة أيضا وقور. والأمر منه قر (بكسر أوّله) . وأمّا قولك: وقّر الرّجل: أي بجّله وعظّمه، ومنه قوله تعالى: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ «1» . واصطلاحا: هو التّأنّي في التّوجّه نحو المطالب «2» . وقال الجاحظ: الوقار هو الإمساك عن فضول الكلام والعبث، وكثرة الإشارة والحركة، فيما يستغنى عن التّحرّك فيه، وقلّة الغضب، والإصغاء عند الاستفهام، والتّوقّف عن الجواب والتّحفّظ من التّسرّع، والمباكرة فى جميع الأمور «3» . ماهية وقار الله عز وجل وثمرته: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «من أعظم الظّلم والجهل أن تطلب التّعظيم والتّوقير لك من النّاس وقلبك خال من تعظيم الله وتوقيره، فإنّك توقّر المخلوق وتجلّه أن يراك في حال لا توقّر الله أن يراك   (1) الصحاح (2/ 848) ، لسان العرب (8/ 4889- 4891) ، مفردات القرآن (880) ، المصباح المنير (668) . (2) التعريفات (205) وانظر التوقيف لابن المناوى (338) . (3) تهذيب الأخلاق للجاحظ (22) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3669 عليها، قال تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً «1» ، أي لا تعاملونه معاملة من توقّرونه، والتّوقير: التّعظيم. ومنه قوله تعالى وَتُوَقِّرُوهُ يعني أنّهم لو عظّموا الله وعرفوا حقّ عظمته وحّدوه وأطاعوه وشكروه، فطاعته- سبحانه- واجتناب معاصيه، والحياء منه بحسب وقاره في القلب. ولهذا قال بعض السّلف: ليعظم وقار الله في قلب أحدكم أن يذكره عند ما يستحى من ذكره، فيقرن اسمه به كما تقول: قبّح الله الكلب والخنزير والنّتن ونحو ذلك، فهذا من وقار الله. ومن وقاره أن لا تعدل به شيئا من خلقه، لا في اللّفظ، بحيث تقول: والله وحياتك، مالي إلّا الله وأنت، وما شاء الله وشئت، ولا في الحبّ والتّعظيم والإجلال، ولا في الطّاعة، فتطيع المخلوق في أمره ونهيه كما تطيع الله، بل أعظم، كما عليه أكثر الظّلمة والفجرة، ولا في الخوف والرّجاء. ويجعله أهون النّاظرين إليه، ولا يستهين بحقّه ويقول: هو مبنيّ على المسامحة، ولا يجعله على الفضلة، ويقدّم حقّ المخلوق عليه، ولا يكون الله ورسوله في حدّ وناحية، والنّاس في ناحية وحدّ، فيكون في الحدّ والشّقّ الّذي فيه النّاس دون الحدّ والشّقّ الّذي فيه الله ورسوله، ولا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه ولبّه ويعطي الله في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه، ولا يجعل مراد نفسه مقدّما على مراد ربّه. فهذا كلّه من عدم وقار الله في القلب، ومن كان كذلك فإنّ الله لا يلقي له في قلوب النّاس وقارا ولا هيبة، بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبهم، وإن وقّروه مخافة شرّه فذاك وقار بغض لا وقار حبّ وتعظيم. ومن وقار الله أن يستحيي من اطّلاعه على سرّه وضميره فيرى فيه ما يكره. ومن وقاره أن يستحيي منه في الخلوة أعظم ممّا يستحيي من أكابر النّاس. والمقصود أنّ من لا يوقّر الله وكلامه وما آتاه من العلم والحكمة كيف يطلب من النّاس توقيره وتعظيمه؟! القرآن والعلم وكلام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم صلات من الحقّ وتنبيهات وروادع وزواجر واردة إليك، والشّيب زاجر ورادع وموقظ قائم بك، فلا ما ورد إليك وعظك! ولا ما قام بك نصحك! ومع هذا تطلب التّوقير والتّعظيم من غيرك! فأنت كمصاب لم تؤثّر فيه مصيبته وعظا وانزجارا، وهو يطلب من غيره أن يتّعظ وينزجر بالنّظر إلى مصابه. فالضّرب لم يؤثّر فيه زجرا، وهو يريد الانزجار ممّن نظر إلى ضربه «2» . [للاستزادة: انظر صفات: السكينة- التدبر الحلم- الصمت وحفظ اللسان- الطمأنينة- تعظيم الحرمات- الرضا- الرهبة- الرغبة والترغيب حسن السمت. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحمق- شرب الخمر- الطيش- الإعراض- القلق- البذاءة- البذاذة- الغضب] .   (1) سورة نوح: الآية 13 (2) الفوائد (329) بتصرف يسير. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3670 الآيات الواردة في «الوقار» 1- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) «1» 2- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (12) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (19) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً (20) «2»   (1) الفتح: 8- 9 مدنية (2) نوح: 1- 20 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3671 الأحاديث الواردة في (الوقار) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتاكم أهل اليمن، هم أرقّ أفئدة، وألين قلوبا. الإيمان يمان، والحكمة يمانيّة، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسّكينة والوقار في أهل الغنم» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصّلاة وعليكم بالسّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا» ) * «2» . 3- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمعته يقول: «تعلّموا سورة البقرة فإنّ أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة «3» » ، ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال: «تعلّموا سورة البقرة وآل عمران، فإنّهما الزّهراوان، يظلّان صاحبهما يوم القيامة، كأنّهما غمامتان أو غيايتان «4» . أو فرقان «5» . من طير صوافّ، وإنّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقّ عنه قبره كالرّجل الشّاحب فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول له: هل تعرفنى؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول: أنا صاحبك القرآن الّذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإنّ كلّ تاجر من وراء تجارته، وإنّك اليوم من وراء كلّ تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلّتين لا يقوم لهما أهل الدّنيا، فيقولان: بم كسينا هذه؟، فيقال: بأخذ ولدكما القرآن، ثمّ يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنّة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ، وهذّا «6» كان أو ترتيلا» ) * «7» . 4- * (عن المقدام بن معديكرب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للشّهيد عند الله ستّ خصال: يغفر له في أوّل دفعة، ويرى مقعده من الجنّة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدّنيا وما فيها، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين- ويشفّع في سبعين من أقاربه» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 7 (4388) واللفظ له، مسلم (52) . (2) البخاري- الفتح 2 (636) واللفظ له، مسلم (602) . (3) البطلة: السحرة. (4) غيايتان: الغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه كالسحابة وغيرها. (5) فرقان: أي قطعتان. (6) الهذ: سرعة القراءة. (7) أحمد (5/ 348) ، الدارمي (2/ 543) ، وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 34) ، وقال: بعضه عند ابن ماجه بإسناد حسن على شرط مسلم. (8) الترمذي (1663) ، وقال: حسن صحيح غريب، أحمد (4/ 131) . وقال الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (3834) : إسناده صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3672 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الوقار) 1- * (قال عمر- رضي الله عنه-: كان أبو بكر- رضي الله عنه- يوم السّقيفة أحلم منّي وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري «1» . إلّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتّى سكت ... الحديث» ) * «2» . 2- * (من كلام عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا، ولا غافلا، ولا صخّابا، ولا صيّاحا، ولا حديدا) * «3» . 3- * (قام جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- يوم مات المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه وقال: عليكم باتّقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسّكينة حتّى يأتيكم أمير، فإنّما يأتيكم الآن. ثمّ قال: استعفوا لأميركم؛ فإنّه كان يحبّ العفو) * «4» . 4- * (قال عبد الله بن زيد بن عبد ربّه الأنصاريّ- رضي الله عنه-: لمّا رأى الأذان في المنام وأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أحمد الله ذا الجلال وذا الإك ... رام حمدا على الأذان كثيرا إذ أتاني به البشير من اللّ ... هـ فأكرم به لديّ بشيرا في ليال والى بهنّ ثلاث ... كلّما جاء زادني توقيرا «5» . 5- * (عن الحسن- رحمه الله تعالى- قال: قد كان الرّجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشّيه، وهديه، ولسانه، وبصره، وبرّه) * «6» . 6- * (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: الفرق بين السّكينة والوقار: أنّ السّكينة هي التّأنّي في الحركات واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغضّ البصر وخفض الصّوت وعدم الالتفات) * «7» . 7- * (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى-: إنّ من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار، بأن يوقّر غيره، ويتوقّر هو في نفسه) * «8» . 8- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: على قدر المعرفة يكون تعظيم الرّبّ- تعالى- في القلب. وأعرف النّاس به، أشدّهم له تعظيما وإجلالا، وقد ذمّ الله تعالى- من لم يعظّمه حقّ عظمته، ولا عرفه حقّ معرفته، ولا وصفه حقّ صفته، وأقوال السّلف تدور على هذا، فقال تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (نوح/ 13) أي لا تعاملونه معاملة من توقّرونه. قال ابن عبّاس ومجاهد: لا ترجون لله عظمة.   (1) تزويري: التزوير: إصلاح الشيء وتحسينه وكلام مزور: أي محسّن. (2) البخاري- الفتح 12 (6830) ، وهو جزء من حديث طويل. (3) الفوائد (147) . (4) البخاري- الفتح 1 (58) (5) ابن ماجة (1/ 233) . (6) الشعب (8/ 427) ، وقال مخرجه: رجاله ثقات. (7) فتح الباري (2/ 139) . (8) الفتح (10/ 538) بتصرف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3673 وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظّمون الله حقّ عظمته. وقال الكلبيّ: لا تخافون لله عظمة. وقال الحسن: لا تعرفون لله حقّا، ولا تشكرون له نعمة. وقال ابن كيسان: لا ترجون في عبادة الله أن يثيبكم على توقيركم إيّاه خيرا) * «1» . 9- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: كان الأوزاعيّ كثير العبادة، حسن الصّلاة، ورعا، ناسكا، طويل الصّمت، وكان يقول: من أطال القيام في صلاة اللّيل هوّن الله عليه طول القيام يوم القيامة.. وكان من شدّة الخشوع كأنّه أعمى. وخرج الأوزاعيّ يوما من باب مسجد بيروت، وهناك دكّان فيه رجل يبيع النّاطف «2» ، وإلى جانبه رجل يبيع البصل، وهو يقول: يا بصل أحلى من العسل، أو قال: أحلى من النّاطف، فقال الأوزاعيّ: سبحان الله أيظنّ هذا أنّ شيئا من الكذب يباح؟ فكأنّ هذا ما يرى في الكذب بأسا) * «3» . 10- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: كان الإمام مالك- رحمه الله تعالى-: إذا أراد أن يحدّث تنظّف وتطيّب وسرّح لحيته ولبس أحسن الثّياب) * «4» . 11- * (قال رجل يصف الإمام مالكا- رحمه الله تعالى-: يدع الجواب ولا يراجع هيبة ... والسّائلون نواكس الأذقان نور الوقار وعزّ سلطان التّقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان ) * «5» . 12- * (قال الشّاعر: انطق مصيبا لا تكن هذرا ... عيّابة ناطقا بالفحش والرّيب وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر ... فإن نطقت فلا تكثر من الخطب ولا تجب سائلا من غير تروية ... وبالّذي عنه لم تسأل فلا تجب ) * «6» . من فوائد (الوقار) (1) الوقار من آثار الحياء والحشمة. (2) الوقار يبعد صاحبه عن الرّذائل ويجافيه عنها. (3) حبّ النّاس للشّخص الوقور. (4) الوقور يدرك ما لا يدركه غيره من معاني العزّ والشّرف والرّئاسة. (5) الوقار عزّ لصاحبه في الدّنيا والآخرة، ويكسبه المهابة بين النّاس.   (1) بتصرف من مدارج السالكين (2/ 516- 517) . (2) الناطف: شيء مصنوع من اللبن والعسل. (3) البداية والنهاية لابن كثير (10/ 120- 121) . (4) البداية والنهاية (10/ 180) . (5) شرح حديث «ذئبان جائعان» (78) . (6) حسن السمت في الصمت (47) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3674 الوقاية الآيات/ الأحاديث/ الآثار 16/ 14/ 10 الوقاية لغة: مصدر قولهم: وقى يقي وهو مأخوذ من مادّة (وق ى) الّتي تدلّ على دفع شيء عن شيء بغيره، والوقاية ما يقي الشّيء، وقولهم: اتّق الله: توقّه أي اجعل بينك وبينه كالوقاية، ويقال: وقاه الله وقاية بالكسر أي حفظه، والوقاية (بالفتح) لغة في الوقاية بالكسر، وقيل أيضا: الوقاية بالضّمّ، والوقاء بالفتح والكسر: ما وقيت به شيئا، والأواقي جمع واقية. ويقال: اتّقى بكذا: إذا جعله وقاية لنفسه، والتّوقية: الكلاءة والحفظ ممّا يؤذي ويضرّ: قال تعالى: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ (الإنسان/ 11) ، وفي الحديث الشّريف «كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله» أي جعلناه وقاية لنا من العدوّ قدّامنا، واستقبلنا العدوّ به وقمنا خلفه وقاية (له) . وقال ابن منظور: يقال: وقاه الله وقيا ووقاية وواقية صانه. ويقال: وقيت الشّيء أقيه: إذا صنته عن الأذى، وفي الحديث «فوقى أحدكم وجهه النّار» فهذا خبر أريد به الأمر: أي ليق أحدكم وجهه النّار بالطّاعة والصّدقة. وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث معاذ «وتوقّ كرائم أموالهم» أي تجنّبها ولا تأخذها في الصّدقة، وتوقّى واتّقى بمعنى، وفي الحديث «تبقّه وتوقّه» أي استبق نفسك ولا تعرّضها للتّلف، والوقاء والوقاء والوقاية والوقاية والوقاية والواقية: كلّ ما وقيت به شيئا. قال اللّحيانيّ: كلّ ذلك مصدر وقيته الشّيء، وفي الحديث «من عصى الله لم تقه منه واقية إلّا بإحداث توبة» ، ويقال: وقال شرّ فلان وقاية، وفي التّنزيل العزيز وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ أي من دافع «1» . الوقاية اصطلاحا: قال المناويّ- رحمه الله تعالى-: الوقاية: حفظ الشّيء عمّا يؤذيه ويضرّه، والتوقّي: جعل الشّيء وقاية ممّا يخاف «2» . وقال الرّاغب: الوقاية حفظ الشّيء ممّا يؤذيه ويضرّه «3» .   (1) المقاييس (6/ 131) ، الصحاح 6/ 2528، المفردات ص (531) ، البصائر (5/ 256) ، لسان العرب (وق ى) (4902 ط. دار المعارف) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (339) . (3) المفردات (530) . وانظر تعريف صفة «التقوى» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3675 الفرق بين الوقاية والتقوى: أنّ الوقاية تتعلّق بالإنسان في بدنه ومعاشه وممتلكاته وغير ذلك من الأمور المحسوسة كما أنّها قد تكون من الله للإنسان أو من الإنسان لغيره، أمّا التّقوى فهي- كما يقول الرّاغب-: جعل النّفس في وقاية ممّا تخاف «1» فكلّ تقوى وقاية ولا عكس. [للاستزاد: انظر صفات: التقوى- حفظ الأيمان- حفظ الفرج- الخوف- الخشية- الصمت وحفظ اللسان- العفة- النزاهة- الحيطة- الحذر- الإنفاق- الصدقة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- أكل الحرام- التفريط والإفراط- العصيان- الإصرار على الذنب- الإعراض] .   (1) المفردات (530) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3676 الآيات الواردة في «الوقاية» 1- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) «1» 2- * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) «2» 3- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) «3» 4- أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34) «4» 5- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «5» 6- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) «6» 7- رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «7» 8- * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) «8»   (1) البقرة: 201 مدنية (2) آل عمران: 15- 16 مدنية (3) آل عمران: 190- 191 مدنية (4) الرعد: 33- 34 مدنية (5) الرعد: 37 مدنية (6) النحل: 80- 81 مكية (7) غافر: 8- 9 مكية (8) غافر: 21 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3677 9- * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) «1» 10- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) «2» 11- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) «3» 12- وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) «4» 13- وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) «5» 14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «6» 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) «7» 16- إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) «8»   (1) غافر: 41- 45 مكية (2) الدخان: 51- 56 مكية (3) الطور: 17- 18 مكية (4) الطور: 25- 28 مكية (5) الحشر: 9 مدنية (6) التغابن: 14- 16 مدنية (7) التحريم: 6 مدنية (8) الإنسان: 10- 12 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3678 الأحاديث الواردة في (الوقاية) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا خرج الرّجل من بيته فقال: باسم الله، توكّلت على الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله» قال: «يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحّى له الشّياطين، فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «2» . ثمّ يقال له: فيم كنت «3» ؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل «4» ؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا «5» . فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت «6» . وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله «7» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك. على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى) * «8» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهوديّة كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلّا قالت لها اليهوديّة: وقال الله عذاب القبر. قالت: فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ. فقلت: يا رسول الله، هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة؟، قال: لا، وعمّ ذاك؟ قالت: هذه يهوديّة لا نصنع إليها شيئا من المعروف إلّا قالت وقال الله عذاب القبر. قال: كذبت يهود. هم على الله كذّب. لا عذاب دون يوم القيامة. قالت: ثمّ مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم بنصف النّهار، مشتملا بثوبه، محمرّة عيناه، وهو ينادي بأعلى صوته: أيّها النّاس، أظلّتكم الفتن كقطع اللّيل المظلم، أيّها النّاس، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، أيّها النّاس   (1) أبو داود (5095) واللفظ له. وقال الألباني (3/ 959) : صحيح، والترمذي (3426) وقال: حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 276) ، وهو حديث صحيح. (2) ولا مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب. (3) فيم كنت: أي في أي دين. (4) ما هذا الرجل: أي الرجل المشهور بين أظهركم. ولا يلزم منه الحضور. وترك ما يشعر بالتعظيم لئلا يصير تلقينا. وهو لا يناسب موضع الاختبار. (5) يحطم بعضها بعضا: من شدة المزاحمة. (6) على اليقين كنت: أي من كان على اليقين في الدنيا، يموت عليه عادة. وكذا في جانب الشك. (7) إن شاء الله: للتبرك لا للشك. (8) ابن ماجة 2 (4268) . وفي الزوائد: إسناده صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3679 استعيذوا بالله من عذاب القبر؛ فإنّ عذاب القبر حقّ) * «1» . 4- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غار، فنزلت وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً وإنّا لنتلقّاها من فيه، إذ خرجت حيّة من جحرها، فابتدرناها لنقتلها، فسبقتنا، فدخلت جحرها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وقيت شرّكم، كما وقيتم شرّها» . وعن إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله مثله. قال: «وإنّا لنتلقّاها من فيه رطبة» . وتابعه أبو عوانة عن مغيرة) * «2» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلّا وقاه الله فتنة القبر) * «3» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من نبيّ ولا وال إلّا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف، وبطانة لا تألوه خبالا، ومن وقي شرّها فقد وقي، وهو مع الّتي تغلب عليه منهما) * «4» . 7- * (عن عطاء بن يسار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من وقاه الله شرّ اثنين ولج الجنّة «5» ، فقال رجل: يا رسول الله، لا تخبرنا «6» ، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال مثل مقالته الأولى، فقال له الرّجل، لا تخبرنا يا رسول الله، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك أيضا، فقال الرّجل: لا تخبرنا يا رسول الله. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك أيضا. ثمّ ذهب الرّجل يقول مثل مقالته الأولى، فأسكته رجل إلى جنبه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من وقاه الله شرّ اثنين ولج الجنّة: ما بين لحييه وما بين رجليه «7» ما بين لحييه وما بين رجليه، ما بين لحييه وما بين رجليه) * «8» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من وقاه الله شرّ ما بين لحييه، وشرّ ما بين رجليه دخل الجنّة) * «9» .   (1) الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 54) واللفظ له وقال: هو في الصحيح باختصار- ورواه أحمد (6/ 81) ورجاله رجال الصحيح. (2) البخاري- الفتح 6 (3317) . (3) الترمذي (1074) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. وأحمد (2/ 169) ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وحسّن إسناده الشيخ الألباني صحيح الجامع (5649) . (4) أحمد (2/ 237) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (12/ 228) : إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (4/ 131) وصححه ووافقه الذهبي. (5) ولج الجنة: أي دخلها. (6) هكذا وردت «لا تخبرنا» على النهي، وفي جامع الأصول «ألا تخبرنا؟» على الاستفهام وهو المناسب للسياق. (7) ما بين لحييه: يريد اللسان، وما بين رجليه: يريد الفرج. ولم يصرح به استهجانا واستحياء. (8) الموطأ (2/ 754) واللفظ له مرسلا؛ في الكلام، باب ما جاء فيما يخاف من اللسان ولكن يشهد له معنى الحديث الذي بعده عند الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورقمه (2409) . وجامع الأصول برقم (9367) . (11/ 709) . (9) الترمذي (2409) وقال: هذا حديث حسن غريب. ويشهد له حديث الموطأ في باب الكلام، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (5703) ، والحاكم (4/ 357) وصححه ووافقه الذهبي مع أن فيه وهو ضعيف ولكن إسناده صحيح بمجموع طرقه حسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3680 الأحاديث الواردة في (الوقاية) معنى 9- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا شرب أحدكم فلا يتنفّس في الإناء، وإذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه، وإذا تمسّح أحدكم فلا يتمسّح بيمينه) * «1» . 10- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-، يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان جنح اللّيل أو أمسيتم- فكفّوا صبيانكم، فإنّ الشّياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من اللّيل فحلّوهم، فأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإنّ الشّيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمّروا آنيتكم «2» واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم) * «3» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الشّرب من فم القربة، أو السّقاء. وأن يمنع جاره أن يغرز خشبه في داره) * «4» . 12- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه ذكر الصّلاة يوما، فقال: «من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ بن خلف» ) * «5» . 13- * (عن عبد الرّحمن بن عابس- رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التّامّات من شرّ ما خلق، لم ير في منزله شيئا يكرهه حتّى يرتحل. قال أبيّ: فلقيت عبد الرّحمن بن عابس في المنام فقلت: حدّثك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهذا؟ قال: نعم) * «6» . 14- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن اختناث الأسقية، يعني: أن تكسر أفواهها فيشرب منها «7» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 10 (5630) . (2) أوكوا: من الوكاء وهو رباط يشد به فم القربة أي شدوا رؤوسها بالوكاء، وخمروا آنيتكم: من التخمير وهو التغطية (3) البخاري- الفتح 10 (5623) . (4) البخاري- الفتح 10 (5627) ومثله عن ابن عباس. (5) أحمد (2/ 169) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 83) : إسناده صحيح. (6) الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 133) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (7) وتأويل النهي عن ذلك أن الشرب من أفواهها ربما ينتنها فإن أدامة الشرب هكذا مما يغير ريحها وقيل: إنه لا يؤمن أن يكون فيها حية أو شيء من الحشرات، قال ابن الأثير: وقد جاء في حديث آخر إباحته، قال: ويحتمل أن يكون النهي خاصا بالسقاء الكبير دون الصغير. (8) البخاري- الفتح 10 (5625) واللفظ له. ومسلم (2023) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3681 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الوقاية) 1- * (عن قيس، قال: رأيت يد طلحة «1» شلّاء «2» وقى بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد «3» ) * «4» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت أقرىء رجالا من المهاجرين منهم عبد الرّحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطّاب في آخر حجّة حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرّحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة فتمّت، فغضب عمر، ثمّ قال: إنّي إن شاء الله لقائم العشيّة في النّاس فمحذّرهم هؤلاء الّذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرّحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاع النّاس وغوغاء هم، فإنّهم هم الّذين يغلبون على قربك حين تقوم في النّاس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيّرها عنك كلّ مطيّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتّى تقدم المدينة، فإنّها دار الهجرة والسّنّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف النّاس، فتقول ما قلت متمكّنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله- إن شاء الله- لأقومنّ بذلك أوّل مقام أقومه بالمدينة، قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجّة، فلمّا كان يوم الجمعة عجلت الرّواح حين زاغت الشّمس حتّى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب «5» أن خرج عمر بن الخطّاب، فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر عليّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر، فلمّا سكت المؤذّنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب عليّ، إنّ الله بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرّجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرّجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، والرّجم في كتاب الله حقّ على من   (1) رأيت يد طلحة: أي ابن عبيد الله. (2) شلاء: بفتح المعجمة وتشديد اللام مع المد أي أصابها الشلل، وهو ما يبطل عمل الأصابع أو بعضها. (3) وقى بها النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد: وقع بيان ذلك عند الحاكم في «الإكليل» من طريق موسى بن طلحة «جرح يوم أحد تسعا وثلاثين أو خمسا وثلاثين، وشلت أصبعه» أي السبابة والتي تليها. (4) البخاري- الفتح 7 (4063) . (5) فلم أنشب: أى فلم ألبث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3682 زنى إذا أحصن من الرّجال والنّساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله، أن لا ترغبوا عن آبائكم؛ فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم- أو إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم- ألا ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله. ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة «1» وتمّت، ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ... الحديث) * «2» . 3- * (عن أبي الهيّاج الأسديّ قال: كنت أطوف بالبيت، فرأيت رجلا يقول: اللهمّ قني شحّ نفسي، لا يزيد على ذلك، فقلت له «3» ، فقال: إنّي إذا وقيت شحّ نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل شيئا، وإذا الرّجل عبد الرّحمن بن عوف) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عمر، قال: إن نجوت من ثلاث طمعت أن أنجو، قال عبد الله بن صفوان ما هنّ، أنبيك فيهنّ؟ قال: أخرج المال العظيم فأخرجه ضرارا ثمّ أقول: أقرض ربّي هذه اللّيلة، ثمّ تعود نفسي فيه حتّى أعيده من حيث أخرجته، وإن نجوت من شأن عثمان، قال ابن صفوان: أمّا عثمان فقتل يوم قتل، وأنت تحبّ قتله وترضاه، فأنت ممّن قتله، وأمّا أنت فرجل لم يقك الله شحّ نفسك قال: صدقت) * «5» . 5- * (قال ابن زيد في قوله تعالى وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ (التغابن/ 16) قال: من وقي شحّ نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئا، ولم يقربه، ولم يدعه الشحّ أن يحبس من الحلال شيئا، فهو من المفلحين) * «6» . 6- * (عن ابن عبّاس قال في قوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً (التحريم/ 6) اعملوا بطاعة الله، واتّقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذّكر ينجكم الله من النّار) * «7» . 7- * (وقال الطّبريّ في قوله تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ ... أي علّموا بعضكم ما تقون به من تعلّمونه النّار، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله واعملوا بطاعة الله) * «8» . 8- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: من أدّى زكاة ماله فقد وقي شحّ نفسه) * «9» . 9- * (وعن عليّ وقتادة ومجاهد في قوله تعالى:   (1) فلتة: أراد بالفلتة الفجأة، ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة فعصم الله تعالى من ذلك ووقى، والفلتة: كل شيء فعل من غير رويّة، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر. وقيل: أراد بالفلتة: الخلسة، أي أن الإمامة يوم السقيفة مالت الأنفس إلى توليها فما قلّدها أبو بكر إلا انتزاعا من الأيدي واختلاسا. (2) البخاري- الفتح 12 (6830) . (3) أي: فقلت له في ذلك. (4) جامع البيان (12/ 42) والقرطبي (9/ 21) . (5) المرجع السابق (12/ 42) . (6) المرجع السابق (12/ 42) والقرطبي (9/ 21) . (7) المرجع السابق (12/ 157) . (8) المرجع السابق (12/ 156) . (9) روح المعاني للآلوسي (28/ 54) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3683 قُوا أَنْفُسَكُمْ ... قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيّتكم) * «1» . 10- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً يا رسول الله نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال «تنهونهم عمّا نهاكم الله، وتأمرونهم بما أمر الله» ) * «2» . من فوائد (الوقاية) انظر فوائد صفة: الحذر   (1) تفسير القرطبي (9/ 127) . (2) تفسير القرطبي (9/ 128) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3684 الولاء والبراء الآيات/ الأحاديث/ الآثار 69/ 31/ 19 الولاء لغة: مصدر والى يوالي وهو مأخوذ من مادّة (ول ى) الّتي تدلّ على القرب، يقال تباعد بعد ولي أي قرب، وجلس ممّا يليني أي يقاربني، والوليّ: المطر يجيء بعد الوسميّ، سمّي بذلك لأنّه يليه، قال ابن فارس: ومن الباب المولى: المعتق والمعتق، والصّاحب والحليف، وابن العمّ والنّاصر والجار، كلّ هؤلاء من الولي، وهو القرب، وكلّ من ولي أمر آخر فهو وليّه. وفلان أولى بكذا، أي أحرى وأجدر «1» . وقال الرّاغب: الولاء والتّوالي أن يحصل شيئان فصاعدا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النّسبة، ومن حيث الدّين ومن حيث الصّداقة والنّصرة والاعتقاد، والولاية (بالكسر) النّصرة، والولاية (بالفتح) تولّي الأمر، وقيل هما لغتان مثل الدّلالة والدّلالة، والوليّ والمولى يستعملان معا في معنى الفاعل، أي الموالي وفي معنى المفعول، أي الموالى يقال للمؤمن: هو وليّ الله ولا يقال في ذلك مولى، ولكن يقال: الله تعالى وليّ المؤمنين ومولاهم، فمن الأوّل قوله سبحانه اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا (البقرة/ 257) ومن الثّاني قوله عزّ وجلّ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الحج/ 78) والوالي في قوله سبحانه: وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (الرعد/ 11) معناه الوليّ، وقوله تعالى: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (مريم/ 5) أي ابنا يكون من أوليائك «2» . وقال الجوهرىّ: الولي: القرب والدنوّ، ومعنى «كل ممّا يليك» أي ممّا يقاربك، يقال من ذلك، ولي يلي بكسر اللّام فيهما، وأوليته الشّيء فوليه، وكذلك ولي الوالي البلد، وولي الرّجل البيع ولاية فيهما، وتولّى عنه: أعرض، وولّى هاربا: أدبر، وقوله سبحانه لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها أي مستقبلها بوجهه. والوليّ ضدّ العدوّ والموالاة ضدّ المعاداة، ويقال: بينهما ولاء بالفتح: أي قرابة ووالى بينهما ولاء (بالكسر) أي تابع، والولاية بالكسر: السّلطان والولاية (بالفتح والكسر) النّصرة، يقال هم على ولاية. أي مجتمعون في النّصرة، وقال سيبويه: الولاية بالفتح: المصدر والولاية بالكسر: الاسم مثل الإمارة والنّقابة؛ لأنّه اسم لما تولّيته وقمت به فإذا أرادوا المصدر فتحوا «3» . وقال ابن منظور: والولاية على الإيمان واجبة، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض، والمولى: الحليف وهو من انضمّ إليك فعزّ بعزّك وامتنع بمنعتك. والمولى: المعتق انتسب بنسبك، ولهذا قيل للمعتقين الموالي «4» . وقال الفرّاء في قوله تعالى: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ   (1) مقاييس اللغة (6/ 141) . (2) المفردات 524، الصحاح (6/ 2528) . (3) الصحاح (6/ 2528) . (4) للمولى معان أخرى عديدة ذكر منها ابن الأثير: الرب والمالك، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3685 الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ (الممتحنة/ 9) أي تنصروهم، يعني أهل مكّة، جعل التّولّي هنا بمعنى النّصر من الوليّ وهو النّاصر، وروي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من تولّاني فليتولّ عليّا؛ معناه من نصرني فلينصره، والموالاة (في كلام العرب) على وجوه: الأوّل: أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصّلح، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه. الثّاني: الموالاة: المحبّة، يقال: والى فلان فلانا إذا أحبّه. الثّالث: التّميّز. قال الأزهريّ: سمعت العرب تقول: والوا حواشي نعمكم عن جلّتها أي: اعزلوا صغارها عن كبارها، يقال: واليناها فتوالت إذا تميّزت. والوليّ: الصّديق والنّصير، وقيل التّابع المحبّ، وقال أبو العبّاس في قوله صلّى الله عليه وسلّم «من كنت مولاه فعليّ مولاه، أي من أحبّني وتولّاني فليتولّه، وقال الشّافعيّ: رضي الله عنه- يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (محمد/ 11) . والموالاة ضدّ المعاداة، والوليّ ضدّ العدوّ، قال تعالى: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (مريم: 45) . قال ثعلب: كلّ من عبد شيئا من دون الله فقد اتّخذه وليّا. وقوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا (البقرة/ 257) . وليّهم في نصرهم على عدوّهم، وإظهار دينهم على دين مخالفيهم، وقيل: وليّهم أي يتولّى ثوابهم ومجازاتهم بحسن أعمالهم «1» . الموالاة اصطلاحا: هي التّقرّب وإظهار الودّ بالأقوال والأفعال والنّوايا، لمن يتّخذه الإنسان وليّا، فإن كان هذا التّقرّب والودّ مقصودا به الله ورسوله والمؤمنون، فهي الموالاة الشّرعيّة الواجبة على كلّ مسلم، وإن كان المقصودهم الكفّار والمنافقين، على اختلاف أجناسهم، فهي موالاة كفر وردّة عن الإسلام «2» . أمّا الوليّ: فله معان اصطلاحيّة عديدة منها: الوليّ: هو الّذي يتولّاه الله بالطّاعة ويتولّاه الله بالكرامة. ذكر ذلك أبو حيّان «3» . وقال الجرجانيّ: هو من توالت طاعاته من غير أن يتخلّلها عصيان «4» . وقال ابن حجر: والمراد بوليّ الله العالم بالله تعالى المواظب على طاعته المخلص في عبادته «5» . وقيل إنّ لفظ الموالاة مشتقّ من الولاء، وهو الدّنوّ والتّقرّب، والولاية ضدّ العداوة، والوليّ عكس العدوّ، والمؤمنون أولياء الرّحمن، والكافرون أولياء الطّاغوت والشّيطان، لقرب الفريق الأوّل من الله بطاعته وعبادته. وقرب الفريق الثّاني من الشّيطان   والسيد والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتق، والمنعم عليه. وأكثرها جاء فى الحديث ويضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه. انظر النهاية (5/ 228) . (1) لسان العرب (15/ 406- 409) . (2) الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية لمحماس بن عبد الله الجلعود (28) ، وانظر أيضا كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين. (3) البحر المحيط (5/ 175) . (4) التعريفات للجرجانى (205) . (5) فتح الباري (13/ 293) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3686 بطاعة أمره وبعدهم عن الله بعصيانه ومخالفته «1» . قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: الولاية: ضدّ العداوة. وأصل الولاية: المحبّة والتّقرّب، وأصل العداوة: البغض والبعد. فإذا كان وليّ الله هو الموافق المتابع له فيما يحبّه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليّه معاديا له. كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (الممتحنة: 1) . فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه «2» . ومسمّى الموالاة لأعداء الله: يقع على شعب متفاوته، منها ما يوجب الرّدّة وذهاب الإسلام بالكلّيّة ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرّمات «3» . معنى الولي من أسماء الله الحسنى: والوليّ في أسماء الله الحسنى وهو النّاصر، وقيل: المتولّي لأمور العالم والخلائق، القائم بها. وقال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-: هو المحبّ النّاصر، ومعنى محبّته قد جاء في صفة المحبّة ومعنى نصرته ظاهر فإنّه يقمع أعداء الدّين وينصر أولياءه. قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا، وقال: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ «4» . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأمّا الجمهور فيقولون: الولاية والعداوة وإن تضمّنتا محبّة الله ورضاه وبغضه وسخطه، فهو سبحانه يرضى عن الإنسان ويحبّه، بعد أن يؤمن ويعمل صالحا، وإنّما يسخط عليه ويغضب بعد أن يكفر «5» . قال القحطانيّ: والولاء والولاية: هي النّصرة والمحبّة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهرا وباطنا. قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ (البقرة/ 257) . فموالاة الكفّار تعني التّقرّب إليهم وإظهار الودّ لهم بالأقوال والأفعال والنّوايا «6» . من معاني الموالاة في القرآن الكريم: وردت للفظ الولاية وما اشتقّ منها الوجوه الآتية: 1- المولى: بمعنى الولد، وذلك قول زكريّا في (سورة مريم/ 5) : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يعني الولد. 2- الوليّ: يعني الصّاحب من غير قرابة، وذلك قوله فى (سورة بني إسرائيل/ 111) : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ يعني لم يكن له صاحب يتعزّز به من ذلّ، وكقوله في (سورة الكهف/ 17) : وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً يعني صاحبا مرشدا. 3- الوليّ: يعني القرابة، وذلك قوله تعالى في (سورة فصلت/ 34) كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ يعني: قريبا وقال في (سورة العنكبوت/ 22) : وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ* يعني من قريب يمنعكم، يعني الكفّار. 4- الوليّ: يعني الرّبّ وذلك قوله في (سورة الأنعام/ 14) : قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا يعني ربّا. فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وقال في (سورة يونس/ 30) : وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ يعني ربّهم.   (1) كتاب الايمان لنعيم ياسين (190) . (2) المقصد الأسنى (129) . (3) الفرقان لابن تيمية (7) . (4) الرسائل المفيدة لعبد الله آل الشيخ (43) . (5) الفتاوى (7/ 442) . (6) الولاء والبراء (89- 90) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3687 5- الوليّ: يعني العون، وذلك في الّذين كفروا ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا محمد/ 11) يعني وليّهم في العون لهم. 6- الوليّ: يعني الآلهة وذلك قوله في (سورة العنكبوت/ 41) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ يعني آلهة وكقوله في (سورة الشّورى/ 6) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعني آلهة اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ. 7- الوليّ: يعني العصبة. وذلك قوله في (سورة مريم/ 5) : وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي يعني العصبة من بعدي. وكقوله في (سورة النّساء/ 33) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ يعني العصبة. 8- الوليّ: يعني الولاية في دين الكفر وذلك قوله في (سورة المجادلة/ 14) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعني المنافقين تولّوا اليهود في الدّين. 9- الوليّ: يعني الولاية في دين الإسلام وذلك قوله في (سورة المائدة/ 55) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وقال في (سورة براءة/ 71) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يعني في الدّين. 10- الوليّ: يعني المولى الّذي تعتقه، وذلك قوله في (سورة الأحزاب/ 5) فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ يعني المولى الّذي تعتقه. 11- الوليّ: يعني الوليّ في النّصح وذلك قوله في (سورة الممتحنة/ 1) لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ يعني في النّصيحة. وقال في (آل عمران/ 28) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ يعني في النّصيحة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ «1» . الموالاة بين المدح والذم: الموالاة إذا كانت بين المؤمن وربّه أو بين المؤمنين بعضهم وبعض فهي الموالاة المحمودة المأمور بها شرعا، وهي الّتي تورث العزّ في الدّنيا وتكسب الفوز والنّجاة في الآخرة، أمّا إذا كانت الموالاة بين الكفّار والمنافقين بعضهم وبعض أو بينهم وبين الشّيطان، أو تلك الّتي يكون الكافر أو الشّيطان طرفا فيها فهي الموالاة المذمومة المنهيّ عنها، وهي الّتي تورث ذلّ الدّنيا وغضب الله وعقابه في الآخرة، وهذه الأخيرة يتبرّأ منها أطرافها ولا يغني بعضهم عن بعض شيئا في الآخرة. يقول الرّاغب: نفى الله تعالى الولاية بين المؤمنين والكافرين في غير آية، من ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ (المائدة/ 51) ، وقال سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ (الممتحنة/ 1) وجعل سبحانه بين الكافرين والشّياطين موالاة في الدّنيا، ونفى بينهم الموالاة في الآخرة قال سبحانه في الموالاة بينهم في الدّنيا والْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ (التوبة/ 67) وقال سبحانه إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (الأعراف/ 30) ولمّا جعل بينهم وبين الشّيطان موالاة، جعل للشّيطان في الدّنيا عليهم سلطانا، ومن نفي الموالاة بينهم في الآخرة قوله سبحانه   (1) التصاريف، تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه، وتصرفت معانيه ليحي بن سلام (235- 237) ، كشف السرائر فى معنى الوجوه والأشباه والنظائر لابن العمادت/ فؤاد عبد المنعم أحمد (249- 251) ، ونزهة الأعين النواظر لابن الجوزي، ت/ محمد عبد الكريم كاظم (613- 614) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3688 يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً (الدخان/ 41) . البراء لغة: مصدر قولهم: برئت منك، وهو مأخوذ من مادّة (ب ر أ) الّتي تدلّ على التّباعد من الشّيء ومزايلته، ومن ذلك: البرء وهو السّلامة من السّقم، والوصف من ذلك: براء على لغة أهل الحجاز وأنا بريء منك على لغة غيرهم وقد جاءت اللّغتان في القرآن الكريم: قال تعالى: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (الزخرف/ 26) ، وقال تعالى: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ (الحشر/ 16) ومن قال إنّي براء لم يثنّ ولم يؤنّث، ومن قال: بريء قال (في المؤنّث بريئة) وفي المثنّى بريئان وفي الجمع: بريئون وبرآء وبراء، والبراءة تكون من العيب والمكروه ونحوهما، فقول: برئت منك ومن الدّيون والعيوب براءة وبرئت من المرض برءا، وأهل الحجاز يفتحون الرّاء في الفعل والباء في المصدر فيقولون برأت برءا، وبارأت شريكي إذا فارقته. وقال الرّاغب: أصل البرء والبراء والتّبرّؤ التّفصّي (التّباعد) ممّا يكره مجاورته، ولذلك قيل: برأت من المرض، ومن فلان وتبرّأت وأبرأته من كذا، وبرأته. ويقال: برىء إذا تخلّص، وبرىء إذا تنزّه وتباعد، وبرأ: إذا أعذر وأنذر، ومنه قوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (التوبة/ 1) أي إعذار وإنذار، والبراء والبريء سواء. وليلة البراء: ليلة يتبرّأ القمر من الشّمس وهي أوّل ليلة من الشّهر «1» . البراءة اصطلاحا: البراءة هي انقطاع العصمة، يقول أبو حيّان في تفسير قوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... (التوبة/ 1) يقال: برئت من فلان إذا انقطعت بيننا العصمة «2» . وقال الآلوسيّ في تفسير الآية الكريمة السّابقة: هي عبارة عن إنهاء حكم الأمان ورفع الخطر المترتّب على العهد السّابق «3» . وقيل: البعد والخلاص والعداوة بعد الإعذار والإنذار. قال الشّيخ عبد الرّحمن بن سعديّ: وحيث إنّ الولاء والبراء تابعان للحبّ والبغض فإنّ أصل الإيمان أن تحبّ في الله أنبياءه وأتباعهم، وتبغض في الله أعداءه وأعداء رسله «4» . قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: على المؤمن أن يعادي في الله، ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه- وإن ظلمه- فإنّ الظّلم لا يقطع الموالاة الإيمانيّة. وإذا اجتمع في الرّجل الواحد: خير وشرّ وفجور وطاعة، ومعصية وسنّة، وبدعة استحقّ من الموالاة والثّواب بقدر ما فيه من الخير. واستحقّ من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشّرّ «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- التودد- الطاعة- المحبة- الإيمان- الإسلام- تعظيم الحرمات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: موالاة الكفار- اتباع الهوى- الابتداع- الإصرار على الذنب- انتهاك الحرمات] .   (1) لسان العرب (13/ 32، 33) . (2) تفسير البحر المحيظ (5/ 6) . (3) روح المعاني للألوسي (10/ 43) (4) الفتاوى السعدية (1/ 98) . (5) مجموع الفتاوى (28/ 208- 209) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3689 الآيات الواردة في «الولاء والبراء» الموالاة تكون لله وحده: 1- * ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107) «1» 2- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «2» 3- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) «3» 4- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «4» 5- إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) «5» 6- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) «6» 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) «7» 8- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) «8»   (1) البقرة 106- 107 مدنية (2) البقرة 119- 120 مدنية (3) البقرة 257 مدنية (4) البقرة 286 مدنية (5) آل عمران 68 مدنية (6) آل عمران 121- 122 مدنية (7) آل عمران 149- 150 مدنية (8) النساء 44- 45 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3690 9- * فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «1» 10- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «2» 11- لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «3» 12- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «4» 13- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) «5»   (1) النساء 74- 76 مدنية (2) النساء: 122- 124 مدنية (3) النساء: 172- 173 مدنية (4) الأنعام: 50- 51 مكية (5) الأنعام: 61- 62 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3691 14- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) * لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (129) «1» 15- وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «2» 16- إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) «3» 17- وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) «4» 18- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) «5» 19- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «6»   (1) الأنعام: 126- 129 مكية (2) الأعراف: 154- 155 مكية (3) الأعراف: 196- 198 مكية (4) الأنفال: 34 مدنية (5) التوبة: 50- 51 مدنية (6) التوبة: 73- 74 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3692 20- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) «1» 21- وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) «2» 22- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) «3» 23- الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) «4» 24- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) «5» 25- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) «6» 26- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) «7» 27- * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «8» 28- اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ   (1) يونس: 28- 30 مكية (2) يونس: 40- 41 مكية (3) يونس: 62- 63 مكية (4) هود: 19- 20 مكية (5) هود: 35 مكية (6) هود: 53- 54 مكية (7) هود: 112- 113 مكية (8) يوسف: 101 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3693 مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) «1» 29- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) «2» 30- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «3» 31- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) «4» 32- هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) «5» 33- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «6» 34- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) «7» 35- قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) «8» 36- وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) «9»   (1) الرعد: 8- 11 مدنية (2) الرعد: 16 مدنية (3) الرعد: 37 مدنية (4) الإسراء: 111 مكية (5) الكهف: 44 مكية (6) الحج: 78 مدنية (7) الفرقان: 17- 18 مكية (8) الأحزاب: 17 مدنية (9) الشورى: 28 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3694 35- وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) «1» 38- إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) «2» 39- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) «3» 40- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «4» 41- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) «5» وجوب البراء من الكافرين وأعمالهم: 42- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) «6» 43- * فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ   (1) الشورى: 44 مكية (2) الجاثية: 19 مكية (3) محمد: 11 مدنية (4) الممتحنة: 1 مدنية (5) التحريم: 1- 4 مدينة (6) البقرة 165- 167 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3695 فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) «1» 44- بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) «2» 45- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) «3» 46- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) «4» 47- * وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) «5» 48- * بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) «6» 49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ   (1) النساء: 88- 89 مدنية (2) النساء: 138- 139 مدنية (3) النساء: 144 مدنية (4) الأنعام: 19- 20 مكية (5) الأنعام: 74- 79 مكية (6) التوبة: 1- 3 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3696 عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) «1» 50- وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116) «2» 51- تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «3» 52- وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) «4» 53- قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (63) «5» 54- ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (6) «6» 55- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) «7»   (1) التوبة: 23 مدنية (2) التوبة: 114- 116 مدنية (3) النحل: 63 مكية (4) الشعراء: 215- 218 مكية (5) القصص: 63 مكية (6) الأحزاب: 4- 6 مدنية (7) سبأ: 40- 42 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3697 56- وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) «1» 57- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) «2» 58- إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) «3» 59- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) «4» 60- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «5» وجوب البراء من اليهود والنصارى: 61- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) «6» - وجوب موالاة المؤمنين: 62- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «7» 63- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) «8»   (1) الشورى: 31 مكية (2) الزخرف: 26- 27 مكية (3) الدخان: 40- 41 مكية (4) الممتحنة: 4 مدنية (5) الممتحنة: 8- 9 مدنية (6) المائدة: 51 مدنية (7) المائدة: 54- 58 مدنية (8) الأنفال: 72- 73 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3698 64- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «1» وجوب البراء من الأصنام وما شاكلها: 65- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) «2» 66- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «3» 67- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) «4» براء الشيطان من الكافرين: 68- وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) «5» ثواب أولياء الله: 69- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) «6»   (1) التوبة: 71 مدنية (2) الأنعام: 14 مكية (3) الأنعام: 70 مكية (4) السجدة: 4 مكية (5) الأنفال: 48 مدنية (6) فصّلت: 30- 35 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3699 الأحاديث الواردة في (الولاء والبراء) 1- * (عن نوفل (أبي فروة) - رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لنوفل: «اقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ثمّ نم على خاتمتها، فإنّها براءة من الشّرك» ) * «1» . 2- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- جهارا غير سرّ- يقول: «إنّ آل أبي «2» - ليسوا بأوليائي، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين» . زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس عن عمرو ابن العاص قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ولكن لهم رحم أبلّها ببلالها، يعني أصلها بصلتها» ) * «3» . 3- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه-: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أغبط أوليائي عندي، لمؤمن خفيف الحاذ «4» ذو حظّ من الصّلاة أحسن عبادة ربّه وأطاعه في السّرّ وكان غامضا في النّاس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك، ثمّ نفض بيده «5» فقال: عجّلت منيّته قلّت بواكيه قلّ تراثه» ) * «6» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ويده الّتي يبطش بها ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «7» . 5- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولى النّاس بالله من بدأهم بالسّلام» ) * «8» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أنّ زنباعا أبا روح وجد غلاما مع جارية له، فجدع أنفه وجبّه «9» ، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «من فعل هذا بك؟» قال: زنباع، فدعاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما   (1) أبو داود (4/ 313) (ح: 5055) واللفظ له، الترمذي (5/ 474، ح 3403) ، أحمد 5/ 4560، وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/ 140) : حديث حسن. وكذا في جامع الأصول (4/ 264- 265) . (2) فى مسلم (يعنى فلانا) والمعنى أن خشي أن يسميه فيترتب عليه مفسدة وفتنة منى عنه. (3) البخاري- الفتح 10 (5990) واللفظ له، ومسلم 1 (215) . قيل «التحقيق: أبلها بيلاها، وبللت الرحم بلا وبللا وبلالا أي نديتها بالصلة من البلل وهو النداوة ومنه الحديث: بلوا أرحامكم ولو بالسلام» ذكره ابن حجر في فتح الباري (10/ 436) . (4) خفيف الحاذ: خفيف الحال قليل المال خفيف الظهر من العيال. (5) نفض بيده: في التحفة- نقر بأصبعيه بلفظ النص وعند الشرح أعاده (نقر بيديه) . والمراد به ضرب الأنملة على الأنملة أو على الأرض كالمتقلل للشيء. تحفة الأحوذي: (7/ 13) . (6) أحمد 5/ 252، الترمذي 4 (2347) واللفظ له وقال: حديث حسن، والحاكم (4/ 123) ، وقال: هذا إسناد للشاميين صحيح عندهم ولم يخرجاه، وقال الذهبي: لا، بل إلى الضعف هو، وقال محقق جامع الأصول (10/ 137) : إسناده حسن. (7) البخاري- الفتح 11 (6502) . (8) رواه أبو داود (5197) ، والترمذي وحسنه، ولفظه: قيل يا رسول الله: الرجلان يلتقيان أيهما يبدا بالسلام؟ قال: «أولاهما بالله تعالى» ، وصححه الشيخ الألباني صحيح أبي داود (3/ 976) وصحيح الكلم الطيب (198) . (9) الجدع: هو القطع البائن في الأنف والأذن والشفة والجب: هو القطع وخص به بعضهم قطع الذكر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3700 حملك على هذا؟» فقال: كان من أمره كذا وكذا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للعبد: «اذهب فأنت حرّ؟» فقال: يا رسول الله، فمولى من أنا؟ قال: «مولى الله ورسوله. فأوصى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين، قال: فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى أبي بكر، فقال: وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم، نجري عليك النّفقة وعلى عيالك، فأجراها عليه، حتّى قبض أبو بكر، فلمّا استخلف عمر جاءه، فقال: وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم أين تريد؟ قال: مصر فكتب عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه أرضا يأكلها» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله مائة رحمة قسّم رحمة بين أهل الدّنيا وسعتهم إلى آجالهم وأخّر تسعا وتسعين رحمة لأوليائه وإنّ الله تعالى قابض تلك الرّحمة الّتي قسمها بين أهل الدّنيا إلى التّسع والتّسعين فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة» ) * «2» . 8- * (عن عمرو بن ميمونة- رضي الله عنه- قال: إنّي لجالس إلى ابن عبّاس: إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا أبا عبّاس، إمّا أن تقوم معنا وإمّا أن يخلونا هؤلاء، فقال: ابن عبّاس: بل أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدءوا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أفّ وتفّ وقعوا في رجل له عشر، وقعوا في رجل قال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لأبعثنّ رجلا لا يخزيه الله أبدا، يحبّ الله ورسوله» ، قال: فاستشرف لها من استشرف، قال: أين عليّ؟ قالوا: هو في الرّحل يطحن، قال: وما كان أحدكم ليطحن قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فنفث في عينيه ثمّ هزّ الرّاية ثلاثا فأعطاها إيّاه، فجاء بصفيّة بنت حييّ، قال: ثمّ بعث فلانا بسورة التّوبة، فبعث عليّا خلفه فأخذها منه، قال: لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه، قال: وقال لبني عمّه: أيّكم يواليني في الدّنيا والآخرة؟ قال: وعليّ معه جالس، فأبوا، فقال عليّ: أنا أواليك في الدّنيا والآخرة، قال: أنت وليّي في الدّنيا والآخرة، قال: فتركه، ثمّ أقبل على رجل منهم، فقال: أيّكم يواليني في الدّنيا والآخرة؟ فأبوا، قال: فقال عليّ: أنا أواليك في الدّنيا والآخرة، فقال: أنت وليّي في الدّنيا والآخرة، فقال: وكان أوّل من أسلم من النّاس بعد خديجة، قال: وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين، فقال: «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا» ، قال: وشرى عليّ نفسه، لبس ثوب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء أبو بكر وعليّ نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنّه نبيّ الله، قال: فقال: يا نبيّ الله قال: فقال له عليّ: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: وجعل عليّ يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبيّ الله وهو يتضوّر قد لفّ رأسه في الثّوب لا يخرجه حتّى أصبح، ثمّ كشف عن رأسه فقالوا: إنّك للئيم كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر، وقد   (1) مسلم (2752) ، وأحمد 2/ 182 وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 179) : إسناده صحيح. (2) أحمد (2/ 514) ، والحاكم في المستدرك (4/ 248) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3701 استنكرنا ذلك قال: وخرج بالنّاس في غزوة تبوك، قال: فقال له عليّ: أخرج معك؟ قال: فقال له نبيّ الله: لا. فبكى عليّ، فقال له: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلّا أنّك لست بنبيّ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي، قال: وقال له رسول الله: أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي، وقال: سدّوا أبواب المسجد غير باب عليّ. فقال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه، ليس له طريق غيره، قال: وقال: من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ، قال: أخبرنا الله عزّ وجلّ في القرآن، أنّه قد رضي عنهم، عن أصحاب الشّجرة، فعلم ما في قلوبهم، هل حدّثنا أنّه سخط عليهم بعد؟ قال: وقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر حين قال: ائذن لي فلأضرب عنقه، قال: أو كنت فاعلا؟ وما يدريك لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر. فقال: اعملوا ما شئتم» ) * «1» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أوثق عرى الإيمان، الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحبّ في الله، والبغض في الله» ) * «2» . 10- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة، (وقال) : فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر، فإن قتل أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة، فلقوا العدوّ، فأخذ الرّاية زيد، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذ الرّاية جعفر، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذها عبد الله ابن رواحة، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذ الرّاية خالد بن الوليد ففتح الله عليه، وأتى خبرهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فخرج إلى النّاس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «إنّ إخوانكم لقوا العدوّ، وإنّ زيدا أخذ الرّاية، فقاتل حتّى قتل أو استشهد، ثمّ أخذ الرّاية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل حتّى قتل أو استشهد، ثمّ أخذ الرّاية عبد الله بن رواحة، فقاتل حتّى قتل أو استشهد، ثمّ أخذ الرّاية سيف من سيوف الله، خالد بن الوليد ففتح الله عليه، فأمهل، ثمّ أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم، ثمّ أتاهم، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادعوا لي ابني أخي، قال: فجيء بنا، كأنّا أفرخ، فقال: ادعوا لي ابني أخي، قال: فجيء بنا، كأنّا أفرخ، فقال: ادعوا لي الحلّاق، فجيء بالحلّاق، فحلق رءوسنا، ثمّ قال: أمّا محمّد فشبيه عمّنا أبي طالب، وأمّا عبد الله فشبيه خلقي وخلقي، ثمّ أخذ بيدي فأشالها «3» ، فقال: اللهمّ اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، قالها ثلاث مرار، قال: فجاءت أمّنا فذكرت له يتمنا وجعلت تفرح «4» له، فقال: «العيلة تخافين عليهم وأنا وليّهم في الدّنيا والآخرة» ) * «5» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) أحمد (1/ 330) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 25) : إسناده صحيح وهو في مجمع الزوائد (9/ 120119) . وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة وفيه لين. (2) الطبراني في الكبير، السيوطي في الجامع الصغير (1/ 69) ، وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 343) : حسن، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1728) . (3) أشالها: يعني رفعها (4) تفرح: من أفرحه اذا غمه وأزال عنه الفرح، وأفرحه الدين اذا أثقله. (5) أحمد (1/ 204) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 192) : إسناده صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3702 قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثمّ أتبعه عليّا، فبينا أبو بكر في بعض الطّريق إذ سمع رغاء «1» ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القصواء، فخرج أبو بكر فزعا، فظنّ أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو عليّ، فدفع إليه كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمر عليّا أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجّا، فقام عليّ أيّام التّشريق، فنادى: ذمّة الله ورسوله بريئة من كلّ مشرك، فسيحوا في الأرض «2» أربعة أشهر، ولا يحجّن بعد العام مشرك، ولا يطوفنّ بالبيت عريان، ولا يدخل الجنّة إلّا مؤمن، وكان عليّ ينادي، فإذا عيي قام أبو بكر فنادى بها» ) * «3» 12- * (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ سمع القوم وهم يقولون: أيّ الأعمال أفضل يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيمان بالله ورسوله، وجهاد في سبيل الله، وحجّ مبرور» . ثمّ سمع نداء في الوادي يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا أشهد، وأشهد أن لا يشهد بها أحد إلّا برىء من الشّرك» ) * «4» . 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها-، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاث أحلف عليهنّ والرّابع لو حلفت عليه لرجوت أن لا آثم. لا يجعل الله عبدا له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولّى الله عبد في الدّنيا فيولّيه غيره يوم القيامة، ولا يحبّ رجل قوما إلّا كان معهم أو منهم، والرّابعة لو حلفت عليها لرجوت أن لا آثم، لا يستر الله على عبد في الدّنيا إلّا ستر الله عليه في الآخرة» . قال فحدّثت به عمر بن عبد العزيز فقال عمر: إذا سمعتم مثل هذا الحديث عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاحفظوه واحتفظوا به» ) * «5» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جئت مع عليّ بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل مكّة ببراءة، قال: ما كنتم تنادون قال كنّا ننادي. أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فأجله أو أمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر فإنّ الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحجّ بعد العام مشرك فكنت أنادي حتّى صحل «6» صوتي» ) * «7» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-، قال: حضرت عصابة من اليهود نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فقالوا: يا أبا القاسم حدّثنا عن خلال نسألك عنهنّ، لا يعلمهنّ إلّا نبيّ، قال: سلوني عمّا شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمّة الله وما أخذ يعقوب عليه السّلام على بنيه، لئن حدّثتكم شيئا فعرفتموه لتتا بعنّي على الإسلام، قالوا: فذلك لك، قال: فسلوني عمّا شئتم، قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهنّ. أخبرنا، أيّ الطّعام حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة؟ وأخبرنا، كيف ماء المرأة   (1) رغاء: صوت الابل. (2) فسيحوا: سيروا آمنين. (3) الترمذي 5 (3091) واللفظ له وقال حديث حسن غريب وقال محقق جامع الأصول (8/ 660) : إسناده حسن. (4) رواه أحمد (5/ 451) واللفظ له، والهيثمي في المجمع (5/ 278) وقال: رجاله ثقات. (5) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 384) واللفظ له، ونقل عن عمر بن عبد العزيز الأمر بحفظه والاحتفاظ به وكذا الذهبي. والهيثمي في المجمع (1/ 37) مختصرا وقال رواه أحمد ورجاله ثقات، وأبو يعلى. (6) صحل: ذهب حدته. (7) البخاري- الفتح 8 (4655) ، والنسائي 5 (234) وهذا لفظ النسائي، وأحمد (2/ 299) ، والدارمى (1437، 2509) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3703 وماء الرّجل؟ كيف يكون الذّكر منه؟ وأخبرنا كيف هذا النّبيّ الأمّيّ في النّوم؟ ومن وليّه من الملائكة؟ قال: «فعليكم عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم لتتابعنّي؟» قال: فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق. قال: «فأنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى صلّى الله عليه وسلّم، هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب عليه السّلام، مرض مرضا شديدا وطال سقمه، فنذر لله نذرا، لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الشّراب إليه وأحبّ الطّعام إليه، وكان أحبّ الطّعام إليه لحمان الإبل، وأحبّ الشّراب إليه ألبانها. «قالوا: اللهمّ نعم» ، قال: «اللهمّ اشهد عليهم، فأنشدكم بالله الّذي لا إله إلّا هو، الّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تعلمون أنّ ماء الرّجل أبيض غليظ، وأنّ ماء المرأة أصفر رقيق، فأيّهما علا كان له الولد والشّبه بإذن الله، إن علا ماء الرّجل على ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة على ماء الرّجل كان أنثى بإذن الله» قالوا: اللهمّ نعم. قال: «اللهمّ اشهد عليهم، فأنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تعلمون أنّ هذا النّبيّ الأمّيّ تنام عيناه ولا ينام قلبه؟» قالوا: اللهمّ نعم، قال: «اللهمّ اشهد» قالوا: وأنت الآن فحدّثنا من وليّك من الملائكة؟ فعندها نجامعك أو نفارقك، قال: فإنّ وليّي جبريل عليه السّلام، ولم يبعث الله نبيّا قطّ إلّا وهو وليّه» قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليّك سواه من الملائكة لتابعناه وصدّقناه قال: «فما يمنعكم من أن تصدّقوه؟» قالوا: إنّه عدوّنا قال: فعند ذلك قال الله عزّ وجلّ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ إلى قوله- عزّ وجلّ-: كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ فعند ذلك فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ... الآية» ) * «1» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قريش «2» والأنصار «3» ومزينة «4» وجهينة «5» وأسلم «6» وغفار «7» وأشجع «8» ، مواليّ. ليس لهم مولى دون الله ورسوله» ) * «9» . 17- * (عن أبي الحوراء، قال: قلت للحسين ابن عليّ: ما تذكر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أذكر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي أخذت تمرة من تمر الصّدقة، فجعلتها في فيّ، قال: فنزعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلعابها فجعلها في التّمر، فقيل: يا رسول الله ما كان عليك من هذه التّمرة لهذا الصّبيّ؟ قال: «إنّا آل محمّد لا تحلّ لنا الصّدقة» قال: وكان يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، والكذب ريبة» . قال: وكان يعلّمنا هذا الدّعاء: «اللهمّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، إنّه لا يذلّ من واليت» . قال شعبة:   (1) أحمد (1/ 278) وقال الشيخ أحمد شاكر (4) 176) : إسناده صحيح. (2) قريش: قال الزبير: قالوا قريش اسم فهر بن مالك، وما لم يلد فهر فليس من قريش. قال الزبير: قال عمي: فهر هو قريش اسمه، وفهر لقبه. (3) الأنصار: يريد بالأنصار الأوس والخزرج، ابني حارثة بن ثعلبة. (4) ومزينة: هي بنت كلب بن وبرة بن ثعلب. (5) وجهينة: ابن زيد بن ليث بن سود. (6) وأسلم: في خزاعة. (7) وغفار: هو ابن مليل بن ضمرة بن بكر. (8) وأشجع: هو ابن ريث بن غطفان بن قيس. (9) مسلم (2520) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3704 وأظنّه قد قال هذه أيضا: تباركت ربّنا وتعاليت، قال شعبة: وقد حدّثني من سمع هذا منه، ثمّ إنّي سمعته حدّث بهذا الحديث مخرجه إلى المهديّ بعد موت أبيه، فلم يشكّ في «تباركت وتعاليت» فقلت لشعبة: إنّك تشكّ فيه؟ فقال: لي فيه شكّ» ) * «1» . 18- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يقول: كنّا قعودا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتّى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: «هي هرب وحرب «2» ، ثمّ فتنة السّرّاء دخنها «3» من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنّه منّي وليس منّي، وإنّما أوليائي: المتّقون، ثمّ يصطلح النّاس على رجل كورك على ضلع «4» ، ثمّ فتنة الدّهيماء «5» لا تدع أحدا من هذه الأمّة إلّا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرّجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا حتّى يصير النّاس إلى فسطاطين «6» فسطاط إيمان لانفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدّجّال من يومه أو (من) غده» ) * «7» . 19- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: لمّا بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمشي تحت راحلته فلمّا فرغ قال: «يا معاذ إنّك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا أو لعلّك أن تمرّ بمسجدي هذا، أو قبري» فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: «إنّ أولى النّاس بي المتّقون من كانوا وحيث كانوا» ) * «8» . 20- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برىء من الله تعالى وبرىء الله تعالى منه، وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع، فقد برئت منهم ذمّة الله تعالى» ) * «9» . 21- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه جمع قومه فقال: يا معشر الأشعريّين اجتمعوا أو اجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلّمكم صلاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، صلّى لنا بالمدينة فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم، فتوضّأ وأراهنّ كيف يتوضّأ، فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتّى لمّا أن فاء الفيء وانكسر الظّلّ، قام فأذّن فصفّ الرّجال في أدنى الصّفّ، وصفّ الولدان خلفهم وصفّ النّساء خلف الولدان، ثمّ أقام الصّلاة فتقدّم فرفع يديه فكبّر فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثمّ كبّر فركع فقال: سبحان الله وبحمده ثلاث مرار، ثمّ قال: سمع الله لمن حمده، واستوى قائما ثمّ كبّر وخرّ ساجدا ثمّ كبّر فرفع رأسه ثمّ كبّر فسجد ثمّ كبّر فنهض قائما فكان تكبيره في أوّل ركعة ستّ تكبيرات، وكبّر حين قام إلى   (1) الترمذي (2520) وقال: حديث صحيح، وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند (3/ 171) : إسناده صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 444) : إسناده صحيح. (2) حرب: بفتح الراء ذهاب المال والأهل. (3) دخنها: إثارتها وهيجها. (4) كورك على ضلع: هذا مثل، أي أنه لا يستقل بالملك ولا يلائمه كما أن الورك لا تلائم الضلع. (5) فتنة الدهيماء: الدهيماء: السوداء المظلمة وقيل الداهية يذهب بها إلى الدهيم، وهي في زعم العرب اسم ناقة مشئومة غزا عليها سبعة أخوة فقتلوا عن آخرهم. (6) فسطاطين: أي إلى فرقتين منحازتين عن بعضهما. (7) أبو داود 4 (4242) واللفظ له، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 24) : وإسناده صحيح. (8) أحمد (5/ 235) ، وأخرجه الطبراني (20/ 241) . والهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 16) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. (9) أحمد (2/ 32) ، وقال الشيخ أحمد شاكر 7 (4880) : إسناده صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3705 الرّكعة الثّانية فلمّا قضى صلاته أقبل إلى قومه بوجهه فقال: احفظوا تكبيري، وتعلّموا ركوعي وسجودي فإنّها صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي كان يصلّي لنا كذا السّاعة من النّهار ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا قضى صلاته أقبل إلى النّاس بوجهه فقال: «يا أيّها النّاس اسمعوا واعقلوا واعلموا أنّ لله- عزّ وجلّ- عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشّهداء على مجالسهم وقربهم من الله. فجاء رجل من الأعراب من قاصية النّاس وألوى بيده إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبيّ الله! ناس من النّاس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشّهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟ انعتهم لنا- يعني صفهم لنا- فسرّ وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسؤال الأعرابيّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هم ناس من أفناء النّاس «1» ، ونوازع القبائل «2» لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابّوا في الله، وتصافوا يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليها فيجعل وجوههم نورا، وثيابهم نورا يفزع النّاس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» ) * «3» . الأحاديث الواردة في (الولاء والبراء) معنى 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قد أذهب عنكم عبّيّة «4» الجاهليّة، وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام، إنّما هم فحم من فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعلان «5» الّتي تدفع بأنفها النّتن» ) * «6» . 23- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تشبّه بقوم فهو منهم» ) * «7» . 24- * (عن طارق بن أشيم الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قال: لا إله إلّا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه. وحسابه على الله» ) * «8» . 25- * (عن سمرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تساكنوا المشركين، ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منّا» ) * «9» . 26- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتّى يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله، وحتّى أن يقذف في النّار أحبّ إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتّى يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما» ) * «10» .   (1) أفناء الناس: أي لم يعلم ممّن هو. (2) نوازع القبائل: أي غرباؤهم. (3) رواه أحمد 5 (343) واللفظ له، والطبراني بنحوه وزاد على منابر من نور من لؤلؤ قدام الرحمن، والهيثمي في المجمع (10/ 276) وقال: رجاله ثقات. (4) عبية: بعين مضمومة بعدها باء مشددة مكسورة وبعدها ياء مفتوحة مشددة: أي فخرها ونخوتها. (5) الجعلان: جمع جعل بوزن صرد، وهو دويبة تنشأ في القاذورات. (6) أبو داود (5116) واللفظ له، الترمذي حديث (3955) وقال: حديث حسن. (7) أبو داود (1/ 4031) واللفظ له، أحمد (ح 5114) جزء من حديث وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وقال الألباني في صحيح الجامع (5/ 270) : صحيح. (8) مسلم 1 (23) . (9) الحاكم في المستدرك (2/ 141) ، وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. (10) البخاري- الفتح 10 (6041) واللفظ له، مسلم (43) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3706 27- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» ) * «1» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الولاء والبراء) 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يؤتى بالرّجل المتوفّى، عليه الدّين، فيسأل: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدّث أنّه ترك وفاء صلّى، وإلّا قال للمسلمين: صلّوا على صاحبكم. فلمّا فتح الله عليه الفتوح قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفيّ من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته» ) * «2» . 29- * (عن عائشة رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أنّها قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل بدر. فلمّا كان بحرّة الوبرة «3» أدركه رجل. قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رأوه. فلمّا أدركه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: جئت لأتّبعك وأصيب معك. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: لا. قال فارجع. فلن أستعين بمشرك. قالت: ثمّ مضى. حتّى إذا كنّا بالشّجرة «4» أدركه الرّجل. فقال له كما قال أوّل مرّة. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما قال أوّل مرّة. قال «فارجع فلن أستعين بمشرك» . قال: ثمّ رجع فأدركه بالبيداء. فقال له كما قال أوّل مرّة: «تؤمن بالله ورسوله؟» . قال: نعم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فانطلق» ) * «5» . 30- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسّجود فأسرع فيهم القتل، قال فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمر لهم بنصف العقل، وقال: «أنا بريء من كلّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين» قالوا يا رسول الله لم؟ قال: «لا تراءى ناراهما» ) * «6» . 31- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها. وزكّها أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 12 (6764) . (2) البخاري- الفتح 9 (5371) واللفظ له، مسلم 3 (1619) . (3) الوبرة: هكذا ضبطناه بفتح الباء. وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم. قال: وضبطه بعضهم باسكانها وهو موضع على نحو من أربعة أميال من المدينة (4) حتى اذا كنا بالشجرة: هكذا هو في النسخ: حتى إذا كنا. فيحتمل أن عائشة كانت مع المودعين فرأت ذلك ويحتمل أنها أرادت بقولها: كنا، كان المسلمون. (5) مسلم (1817) . (6) أبو داود حديث (2645) واللفظ له، الترمذي (1604) . وابن الأثير في جامع الأصول (4/ 445) ، وقال محققه: ورجال إسناده ثقات. وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 17) : هو حديث حسن. (7) مسلم (2722) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3707 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الولاء والبراء) 1- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ! إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ... ) * «1» . 2- * (الصّحابيّ الجليل عبد الله بن حذافة السّهميّ، لمّا أسرته الرّوم جاءوا به إلى ملكهم فقال له: تنصّر. وأنا أشركك في ملكي وأزوّجك ابنتي، فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمّد طرفة عين ما فعلت. فقال: إذا أقتلك، قال: أنت وذاك، فأمر به فصلب، وأمر الرّماة فرموه قريبا من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النّصرانيّة فيأبى، ثمّ أمر به فأنزل، ثمّ أمر بقدر. وفي رواية ببكرة من نحاس فأحميت وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح وعرض عليه فأبى، فأمر به أن يلقى فيها، فرفع في البكرة ليلقى فيها، فبكى فطمع فيه ودعاه، فقال له: إنّي إنّما بكيت؛ لأنّ نفسي إنّما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر السّاعة في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كلّ شعرة من جسدي نفس تعذّب هذا العذاب في الله» ) * «2» . 3- * (عن عبد الرّحمن بن يزيد قال أتينا حذيفة فقلنا دلّنا على أقرب النّاس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديا وسمتا وولاء نأخذ عنه ونسمع منه فقال: كان أقرب النّاس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديا وسمتا ودلّا ابن أمّ عبد «3» ، حتّى يتوارى عنّي في بيته، ولقد علم المحظوظون من أصحاب محمّد عليه الصّلاة والسّلام أنّ ابن أمّ عبد من أقربهم إلى الله زلفة) * «4» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: من بنى بأرض المشركين فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبّه بهم حتّى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) * «5» . 5- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قلت لعمر- رضي الله عنه- إنّ لي كاتبا نصرانيّا قال: مالك؟ قاتلك الله؟ أما سمعت الله يقول: يا أَيُّهَا   (1) البخاري- الفتح 6 (3129) . (2) سير أعلام النبلاء (2/ 14) بتصرف. (3) ابن أم عبد، هو: عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-. (4) أحمد (5/ 389) . (5) اقتضاء الصراط المستقيم (200) ، وقال ابن تيمية: إسناده صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3708 الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (المائدة/ 51) ألا اتّخذت حنيفا ... قال: قلت: يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه. قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزّهم إذ أذلّهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله) * «1» . 6- * (لقد كان بلال- رضي الله عنه- تفعل به الأفاعيل، حتّى إنّهم ليضعون الصّخرة العظيمة على صدره في شدّة الحرّ، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم ويقول: أحد أحد. ويقول: والله لو أعلم كلمة أغيظ لكم منها لقلتها) * «2» . 7- * (حبيب بن زيد الأنصاريّ لمّا قال له مسيلمة الكذّاب: أتشهد أنّ محمّدا رسول الله؟ قال: نعم. فيقول: أتشهد أنّي رسول الله؟ فيقول: لا أسمع، فلم يزل يقطّعه إربا إربا وهو ثابت على ذلك) * «3» . 8- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- في الولاء والبراء: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله) * «4» . 9- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ في الله وأبغض في الله، ووال في الله وعاد في الله فإنّك لا تنال ولاية الله إلّا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتّى يكون كذلك» ) * «5» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه-، قال: غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع، فلمّا كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال: اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني أصحابه وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثّل به المشركون، فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى أو نظنّ أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ الى آخر الآية» ) * «6» . 11- * (عن يحيى بن يعمر، قال: كان أوّل من قال في القدر بالبصرة معبد الجهنيّ فانطلقت أنا وحميد ابن عبد الرّحمن الحميريّ حاجّين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسألناه عمّا يقول هؤلاء في القدر. فوفّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطّاب داخلا المسجد. فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أنّ صاحبي سيكل الكلام إليّ. فقلت: يا أبا عبد الرّحمن إنّه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفّرون العلم «7» . وذكر   (1) اقتضاء الصراط المستقيم (50) وأورده البيهقي في الكبرى (10/ 127) . (2) أسد الغابة (1/ 206) بتصرف. (3) أسد الغابة (1/ 370) بتصرف. (4) الولاء والبراء للقحطاني (25) . (5) حلية الأولياء (1/ 312) . (6) البخاري- الفتح 6 (2805) . (7) ويتقفرون العلم: ومعناه يطلبونه ويتتبعونه وقيل معناه يجمعونه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3709 من شأنهم «1» وأنّهم يزعمون أنّ لا قدر. وأنّ الأمر أنف «2» . قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أنّي بريء منهم، وأنّهم برآء منّي، والّذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أنّ لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتّى يؤمن بالقدر ... ) * «3» . 12- * (عن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ؛ لمّا بلغه ما كان من أبيه، أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله إنّه بلغني أنّك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج، ما كان لها من رجل أبرّ بوالديه منّي، إنّي أخشى أن تأمر غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في النّاس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النّار. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بل نترفّق به ونحسن صحبته ما بقي معنا «4» . ووقف عبد الله بن عبد الله بن أبيّ على باب المدينة واستلّ سيفه، فلمّا جاء أبوه قال له: وراءك، فقال: مالك ويلك؟ قال: والله لا تجوز حتّى يأذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان إنّما يسير ساقة فشكا إليه عبد الله ابنه. فقال الابن: والله يا رسول الله لا يدخلها حتّى تأذن له، فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأجازه) * «5» . 13- * (قال عبد الله بن عتبة: ليتّق أحدكم أن يكون يهوديّا أو نصرانيّا وهو لا يشعر، قال: فظننّاه يريد هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآية) * «6» . 14- * (قال البغويّ، في تفسير (الآية/ 8 من العنكبوت) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ... (والآية 50 من سورة لقمان) وَإِنْ جاهَداكَ ... : نزلت في سعد ابن أبي وقّاص- رضي الله عنه- وأمّه حمنة بنت أبي سفيان فقد كان سعد من السّابقين الأوّلين للإسلام، وكان بارّا بأمّه. قالت له أمّه: ما هذا الدّين الّذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتّى ترجع إلى ما كنت عليه، أو أموت فتعيّر بذلك أبد الدّهر، يقال: يا قاتل أمّه. ثمّ إنّها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظلّ، فجاء سعد إليها وقال: يا أمّاه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني، فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلمّا أيست منه أكلت وشربت. فأنزل الله: وَإِنْ جاهَداكَ ... إلى آخر الآيات) * «7» . 15- * (يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: ليس للقلوب سرور ولا لذّة إلّا في محبّة الله والتّقرّب إليه بما يحبّه، ولا تمكن محبّته إلّا بالإعراض عن كلّ محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلّا الله وهي ملّة إبراهيم الخليل عليه السّلام، وسائر الأنبياء والمرسلين   (1) وذكر من شأنهم: هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر. يعني وذكر ابن يعمر من حال هؤلاء، ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به. (2) وإن الأمر أنف: أي مستأنف، لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى. وإنما يعلمه بعد وقوعه. (3) مسلم (8) . (4) السيرة لابن هشام (2/ 392) ، تفسير ابن كثير (4/ 373) . (5) تفسير ابن كثير (4/ 373) بتصرف. (6) تفسير ابن كثير (2/ 69) . (7) تفسير البغوي (5/ 188) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3710 صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين، أمّا شقّها الثّاني محمّد رسول الله: فمعناه تجريد متابعته صلّى الله عليه وسلّم فيما أمر والانتهاء عمّا نهى عنه وزجر. ومن هنا كانت «لا إله إلّا الله» ولاء وبراء نفيا وإثباتا ... ) * «1» . 16- * (قال البغويّ: والعمل على هذا عند عامّة أهل العلم من الصّحابة فمن بعدهم على: أنّ الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر لقطع الولاية بينهما) * «2» . 17- * (يقول الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب: «واعلم أنّ الإنسان ما يصير مؤمنا بالله إلّا بالكفر بالطّاغوت، والدّليل هذه الآية- يعني الآية/ 256 من سورة البقرة فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ... «3» . 18- * (قال الشّوكانيّ رحمه الله: وأولياء الله سبحانه متفاوتون في الولاية بقوّة ما رزقهم الله سبحانه من الإيمان، فمن كان أقوى إيمانا كان في باب الولاية أعظم شأنا وأكبر قدرا وأعظم قربا من الله وكرامة لديه) * «4» . 19- * (قال الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ: فتبيّن أنّ معنى «لا إله إلّا الله» توحيد الله بإخلاص العبادة له، والبراءة من كلّ ما سواه. وذكر الله سبحانه أنّ هذه البراءة، وهذه الموالاة هي شهادة أن لا إله إلّا الله) * «5» . من فوائد (الولاء والبراء) (1) بيان صفة أولياء الله وفضائلهم المتنوّعة. (2) محبّة الله لأوليائه المؤمنين الّتي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون. (3) إنّ الله مع أوليائه المؤمنين وناصرهم ومؤيّدهم ومسدّدهم ومجيب دعواتهم. (4) إخلاص العبادة لله وحده دون غيره. (5) الولاء والبراء يقتضي عدم الاحتكام إلى أيّ طاغوت في أيّ حكم من الأحكام الدّينيّة أو الدّنيويّة. (6) عدم موالاة الكفّار في أيّ حال من الأحوال ويعني ذلك: عدم التّقرّب إليهم أو مودّتهم بالأقوال أو الأفعال أو النّوايا، وعدم التّشبّه بهم. (7) المؤمنون بعضهم أولياء بعض والكفرة بعضهم من بعض وهم جميعا عدوّ للمؤمنين.   (1) فتاوى ابن تيمية (28/ 32) . (2) شرح السنة (8/ 364) . (3) الدرر السنية (1/ 95) . (4) ولاية الله والطريق إليها (242) . (5) فتح المجيد (79) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3711 [ حرف الياء ] اليقظة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 1/ 3/ 6 اليقظة لغة: هي الاسم أو المصدر من قولهم: يقظ فلان ييقظ وهو مأخوذ من مادّة (ي ق ظ) الّتى تدلّ على نقيض النّوم والتّنبّه للشّيء، والفعل (الثّلاثي) من ذلك: يقظ كعلم والمصدر يقظا ويقظة ويقال أيضا: يقظ ييقظ يقاظة ويقظا، والوصف من الأوّل: رجل يقظ ويقظ وهو خلاف النّائم، ويقال أيضا: رجل يقظان وامرأة يقظى ورجال ونسوة أيقاظ، وقيل يقال: رجال أيقاظ ونسوة يقاظى، والوصف من الثّانى (أي من يقظ) يقظ بالضّمّ. وفي القرآن الكريم وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ (الكهف/ 18) الأيقاظ جمع يقظ أو يقظان، وهو المنتبه كما قال القرطبيّ، وقيل جمع يقظ أو يقظ والمراد اليقظان، قال الآلوسيّ: وهما لغتان. ويقال: استيقظ وأيقظته، والنّعت يقظان، ورجل يقظ بكسر القاف وفتحها أي متيقّظ حذر، أو كان كثير التّيقّظ، وتيقّظ للأمر تنبّه له، ويقال قد يقّظته التّجارب، وأيقظته من نومه أي نبّهته فتيقّظ واستيقظ، وجاء في الحديث الشّريف: إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسنّ يده في الإناء حتّى يغسلها ثلاثا» ويقال: أيقظت الغبار أثرته، وكذلك يقّظته، وقال أبو عمرو: يقال: إنّ فلانا ليقظ إذا كان خفيف الرّأس، ويقال ما رأيت أيقظ منه، ومن المجاز: استيقظ الخلخال والحلي أي صوّت، واليقظة بسكون القاف لغة في اليقظة، ويقال: رجل يقظان. ومتيقّظه ويقظه وهو يستيقظ إلى صوته كلّ ذلك مجاز، قال اللّيث: يقال للّذي يثير الغبار: قد يقّظه إذا فرّقه، وأيقظت الغبار: أثرته «1» . وقال ابن منظور: ورجل يقظ ويقظ: كلاهما على النّسب أي متيقّظ حذر، والجمع أيقاظ. وأمّا سيبويه فقال: لا يكسّر يقظ لقلّة فعل في الصّفات، وإذا قلّ بناء الشّيء قلّ تصرّفه في التّكسير، وإنّما أيقاظ عنده جمع يقظ، لأنّ فعلا في الصّفات أكثر من فعل، قال ابن برّيّ: جمع يقظ أيقاظ، وجمع يقظان يقاظ، وجمع يقظى صفة المرأة يقاظى. غيره: والاسم اليقظة. وما كان يقظا، ولقد يقظ يقاظة ويقظا بيّنا. ابن السّكّيت في باب فعل وفعل: رجل يقظ ويقظ إذا كان متيقّظا كثير التّيقّظ فيه معرفة وفطنة. والأنثى يقظى، والجمع يقاظ. وتيقّظ فلان للأمر إذا تنبّه له، وقد يقّظته. ويقال: يقظ فلان ييقظ يقظا ويقظة، فهو يقظان «2» .   (1) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (9/ 260) ، والصحاح للجوهري (3/ 1181) ، وتاج العروس للزبيدي (1/ 500) ، وتفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن» (10/ 241) ، وتفسير الآلوسي (روح المعاني) (15/ 225) ، وبصائر ذوي التمييز للفيروز ابادى (5/ 388) ، ولسان العرب «يقظ» (4964) (ط. دار المعارف) . (2) لسان العرب (7/ 466- 467) ، مختار الصحاح (743) ، وبصائر ذوي التمييز (5/ 388- 390) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3712 واصطلاحا: قال الكفويّ: التّيقّظ: كمال التّنبّه والتّحرّز عمّا لا ينبغى «1» . قال ابن القيّم: اليقظة: أوّل منازل العبوديّة، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الرّوعة، وما أعظم قدرها وخطرها، وما أقوى إعانتها على السّلوك، فمن أحسّ بها فقد أحسّ والله بالفلاح، وإلّا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه وتيقّظ شمّر بهمّته إلى السّفر إلى منازله الأولى، فأخذ في أهبة السّفر، فانتقل إلى منزلة العزم، وهو العقد الجازم على الشّيء، ومفارقة كلّ قاطع ومعوّق، ومرافقة كلّ معين وموصّل، وبحسب كمال انتباهه ويقظته تكون عزيمته، وبحسب قوّة عزمه يكون استعداده، فإذا استيقظ أوجبت اليقظة الفكرة وهي تحديق القلب نحو المطلوب الّذي قد استعدّ له مجملا، ولم يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه، فإذا صحّت فكرته أوجبت له البصيرة، وهي نور في القلب يرى به حقيقة الوعد والوعيد، والجنّة والنّار، وما أعدّ الله في هذه لأوليائه، وفي هذه لأعدائه، فأبصر النّاس قد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحقّ، وقد نزلت ملائكة السّماوات فأحاطت بهم، وقد جاء الله وقد نصب كرسيّه لفصل القضاء، وقد أشرقت الأرض بنوره، ووضع الكتاب وجأ بالنّبيّين والشّهداء، وقد نصب الميزان، وتطايرت الصّحف، واجتمعت الخصوم، وتعلّق كلّ غريم بغريمه، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب، وكثر العطاش، وقلّ الوارد، ونصب الجسر للعبور عليه، والنّار تحطم بعضها بعضا تحته والسّاقطون فيها أضعاف أضعاف النّاجين، فينفتح في قلبه عين ترى ذلك، ويقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة يريه الآخرة ودوامها، والدّنيا وسرعة انقضائها. والبصيرة نور يقذفه الله في القلب يرى به حقيقة ما أخبرت به الرّسل كأنّه يشاهده رأي عين، فيتحقّق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرّسل وتضرّره بمخالفتهم. وهذا معنى قول بعض العارفين: البصيرة تحقّق الانتفاع بالشّيء، والتّضرّر به. وقال بعضهم: تحقّق البصيرة: ما خلّصك من الحيرة إمّا بإيمان وإمّا بعيان «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الحذر- الحيطة- الوقاية- الفطنة- الإيمان- الفقه- العلم. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغفلة- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- البلادة والغباء- الإهمال] . الآيات الواردة في «اليقظة» 1- وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) «3»   (1) الكليات (314) . (2) مدارج السالكين (1/ 138- 139) ، بصائر ذوي التمييز (5/ 388- 390) . (3) الكهف: 18 مكية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3713 الأحاديث الواردة في (اليقظة) 1- * (عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: اهتمّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للصّلاة كيف يجمع النّاس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصّلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع- يعني الشّبّور- وقال زياد: شبّور اليهود- فلم يعجبه ذلك، وقال: «هو من أمر اليهود» ، قال: فذكر له النّاقوس، فقال: «هو من أمر النّصارى» فانصرف عبد الله بن زيد، وهو مهتمّ لهمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فقال له: يا رسول الله، إنّي لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت فأراني الأذان. قال: وكان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما، قال: ثمّ أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال له: «ما منعك أن تخبرني؟» فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله» ، قال: فأذّن بلال. قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير: أنّ الأنصار تزعم أنّ عبد الله بن زيد لولا أنّه كان يومئذ مريضا لجعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤذّنا) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- يقول: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا، قال: فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله، ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس) * «2» . 3- * (عن ابن أبي ليلى قال: أحيلت الصّلاة ثلاثة أحوال: قال: وحدّثنا أصحابنا: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين- أو قال: المؤمنين- واحدة، حتّى لقد هممت أن أبثّ رجالا في الدّور ينادون النّاس بحين الصّلاة، وحتّى هممت أن آمر رجالا يقومون على الآطام «3» ينادون المسلمين بحين الصّلاة حتّى نقسوا «4» أو كادوا أن ينقسوا» قال: فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إنّي لمّا رجعت رأيت من اهتمامك، رأيت رجلا كأنّ عليه ثوبين أخضرين، فقام على المسجد فأذّن، ثمّ قعد قعدة، ثمّ قام فقال مثلها، إلّا أنّه يقول: قد قامت الصّلاة،   (1) أبو داود (498) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبى داود (1/ 98) : صحيح، وأصل الحديث في الصحيحين. (2) البخاري- الفتح 13 (7281) . (3) الآطام: جمع أطم، وهو بناء مرتفع، وآطام المدينة: حصون كانت لأهلها. (4) نقسوا: ضربوا بالناقوس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3714 ولولا أن يقول النّاس. قال ابن المثنّى: أن تقولوا، لقلت إنّي كنت يقظان غير نائم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وقال ابن المثنّى-: «لقد أراك الله- عزّ وجلّ- خيرا» ولم يقل عمرو: «لقد أراك الله خيرا» ، فمر بلالا فليؤذّن. قال: فقال عمر: أما إنّي قد رأيت مثل الّذي رأى ولكنّي لمّا سبقت استحييت. قال وحدّثنا أصحابنا قال: وكان الرّجل إذا جاء يسأل فيخبر بما سبق من صلاته وإنّهم قاموا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين قائم وراكع وقاعد ومصلّ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال ابن المثنّى: قال عمرو وحدّثنى بها حصين عن أبي ليلى حتّى جاء معاذ، قال شعبة: وقد سمعتها من حصين، لا أراه على حال إلى قوله كذلك فافعلوا) * «1» . الأحاديث الواردة في (اليقظة) معنى انظر صفة (الحذر) من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (اليقظة) 1- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: ومن النّاس من يعيش شقيّا ... جيفة اللّيل غافل اليقظه فإذا كان ذا حياء ودين ... راقب الله واتّقى الحفظه إنّما النّاس سائر ومقيم ... والّذي سار للمقيم عظه ) * «2» . 2- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: اليقظة: انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الرّوعة! وما أعظم قدرها! وما أشدّ إعانتها على السّلوك! فمن أحسّ بها فقد أحسّ والله بالفلاح، وإلّا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه شمّر بهمّته إلى السّفر إلى منازله الأولى، وأوطانه الّتي سافر منها. فحيّ على جنّات عدن فإنّها ... منازلك الأولى وفيها المخيّم ولكنّنا سبي العدوّ فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلّم ؟) * «3» . 3- * (قال العزّيّ: كأنّ اليقظة هي القومة لله، المذكورة في قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى (سبأ/ 46) ، فالقومة لله هي اليقظة من سنة الغفلة) * «4» . 4- * (وقال العزّيّ أيضا: إنّ العبد إذا نهض   (1) أبو داود (506) ، وقال الألباني (1/ 101) : صحيح، ورواه ابن خزيمة (383) والبيهقي في دلائل النبوة (7/ 18) . وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 276) : وهو حديث صحيح بشواهده وطرقه. (2) لسان العرب (7/ 466- 467) . (3) مدارج السالكين (1/ 138) . (4) تهذيب مدارج السالكين (101) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3715 من ورطة الغفلة استنار قلبه برؤية نور التّنبيه فأوجب له ملاحظة نعم الله الباطنة والظّاهرة، وكلّما حدّق قلبه وطرفه فيها شاهد عظمتها وكثرتها فيئس من عدّها والوقوف على حدّها) * «1» . 5- * (وقال العزّيّ أيضا: اعلم أنّ العبد قبل وصول الدّاعي إليه في نوم الغفلة قلبه نائم وطرفه يقظان، فصاح به النّاصح وأسمعه داعي النّجاح وأذّن به مؤذّن الرّحمن: حيّ على الفلاح) * «2» . 6- * (قال الفيروز آباديّ: واليقظة عند القوم أوّل منازل العبوديّة، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الرّوعة، وما أعظم قدرها وخطرها، وما أقوى إعانتها على السّلوك، فمن أحسّ بها فقد أحسّ والله بالفلاح، وإلّا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه وتيقّظ شمّر بهمّته إلى السّفر إلى منازله الأولى، فأخذ في أهبة السّفر وانتقل إلى منزلة القوم، وهو العهد الجازم على الشّيء ومفارقة كلّ قاطع ومعوّق، ومرافقة كلّ معين وموصّل، وبحسب كمال انتباهه ويقظته تكون عزيمته، وبحسب قوّة عزمه يكون استعداده، فإذا استيقظ أوجبت اليقظة الفكرة، وهي تحديق القلب نحو المطلوب الّذي قد سعد به مجملا ولم يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه، فإذا صحّت فكرته أوجبت له البصيرة، وهي نور في القلب ترى به حقيقة الوعد والوعيد والجنّة والنّار) * «3» . من فوائد (اليقظة) (1) تعمر قلب المؤمن بحبّ الله ورسوله. (2) تبصّر المؤمن طريق الهداية والنّور. (3) يلتزم بحدود الله فلا يتعدّاها. (4) يزهد بما في أيدى النّاس فيحبّه النّاس. (5) يستنير قلبه بنور الإيمان. (6) يسير على هدى وبصيرة في جميع أموره. (7) يشعر بسعادة الدّنيا والآخرة.   (1) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (2) تهذيب مدارج السالكين (101) . (3) بصائر ذوى التمييز (5/ 388، 389) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3716 اليقين الآيات/ الأحاديث/ الآثار 20/ 12/ 18 اليقين لغة: مصدر قولهم «يقن» وهو راجع إلى مادّة (ي ق ن) الّتي تدلّ على زوال الشّكّ، وقيل: اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدّراية وأخواتها، يقال: علم يقين ولا يقال: معرفة يقين. وقال الجوهريّ: اليقين: العلم وزوال الشّكّ، يقال منه: يقنت الأمر يقنا (ويقنا) ، وأيقنته وأيقنت به واستيقنته واستيقنت به وتيقّنت: كلّه بمعنى: أي علمته وتحقّقته، ويقال: هو يقن، ويقن ويقن، ويقنة، وميقان: إذا كان لا يسمع شيئا إلّا أيقنه. وقال ابن منظور: اليقين هو العلم وإزاحة الشّكّ وتحقيق الأمر. يقال من ذلك: أيقن يوقن إيقانا فهو موقن، ويقن ييقن يقنا فهو يقن، واليقين: نقيض الشّكّ، والعلم نقيض الجهل، تقول علمته يقينا (أي علما لا شكّ فيه) وفي التّنزيل العزيز: إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (الحاقة/ 51) أضاف الحقّ إلى اليقين لا أنّه غيره، إنّما هو خالصه وأصحّه، فصار بمنزلة إضافة البعض إلى الكلّ، واليقين هو الموت في قوله تعالى وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر/ 99) وإنّما صارت الياء واوا في قولك موقن للضّمّة قبلها. وإذا صغّرتها رددتها إلى الأصل في قولك مييقن. وربّما عبّروا عن الظّنّ باليقين، وباليقين عن الظّنّ «1» . اليقين اصطلاحا: قال الرّاغب: اليقين هو سكون الفهم مع ثبات الحكم «2» . وقال المناويّ: اليقين هو العلم بالشّيء بعد أن كان صاحبه شاكّا فيه، ولذلك لا يطلق على علمه تعالى «3» . وقال الكفويّ: اليقين هو أن تعلم الشّيء ولا تتخيّل خلافه «4» . وقال في موضع آخر: اليقين: هو الاعتقاد الجازم الثّابت المطابق للواقع، وقيل: هو عبارة عن العلم المستقرّ في القلب لثبوته من سبب متعيّن له بحيث لا يقبل الانهدام «5» . وقال التّهانويّ: اليقين هو الاعتقاد الجازم المطابق الثّابت، أي الّذي لا يزول بتشكيك المتشكّك،   (1) المقاييس (6/ 157) والصحاح (6/ 2219) ، بصائر ذوي التمييز (395) ، ولسان العرب (5/ 4964) . (2) المفردات (552) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف (347) . (4) الكليات (67) . (5) المرجع السابق (979) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3717 فبالاعتقاد يخرج الشّك، وبالجازم يخرج الظّنّ، وبالمطابق يخرج الجهل، وبالثّابت يخرج اعتقاد المقلّد «1» . وقال الجرجانيّ: اعتقاد الشّيء بأنّه كذا مع اعتقاد أنّه لا يمكن إلّا كذا مطابقا للواقع غير ممكن الزّوال «2» . الفرق بين التصديق والإيقان: الفرق بين التّصديق والإيقان: أنّ اليقين قد يكون ضروريّا والتّصديق اختياريّ إذ قد يحدث اليقين ولا يحدث التّصديق وذلك كمن شاهد معجزة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يصدّق به، هذا في الدّنيا، أمّا في الآخرة فإنّ التّصديق يكون مقدّما على اليقين إذ لا يحدث اليقين بأحوال الآخرة إلّا بتصديق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما أخبر به عن ربّه في ذلك «3» . وقد يذكر اليقين بمعنى التّصديق (الإيمان) للمناسبة بينهما «4» . متى يكون (لفظ) الظن يقينا؟ سبق أن ذكرنا أنّ الظّنّ قد يعبّر عنه باليقين وأنّ اليقين قد يعبّر عنه بالظّنّ، وقد نقل عن مجاهد قوله: كلّ ظنّ في القرآن فهو يقين وهذا مشكل في كثير من الآيات، وقد ذكر المحقّقون ضوابط لتحديد المراد بالظّنّ. أحدها: أنّه حيث وجد الظّنّ محمودا مثابا عليه فهو يقين وحيث وجد مذموما متوعّدا عليه بالعذاب فهو الشّكّ. (وهذا من جهة المعنى) . الثّاني: أنّ كلّ ظنّ يتّصل به أن (المخفّفة من الثّقيلة) فهو شكّ وكلّ ظنّ يتّصل به أنّ المشدّدة فهو يقين «5» . منزلة اليقين: قال ابن القيّم- رحمه الله-: ومن منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 5) منزلة اليقين وهو من الإيمان بمنزلة الرّوح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمّر العاملون، وعمل القوم إنّما كان عليه، وإشاراتهم كلّها إليه، وإذا تزوّج الصّبر باليقين. ولد بينهما حصول الإمامة في الدّين. قال تعالى:- وبقوله يهتدي المهتدون-، وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) وخصّ سبحانه وتعالى أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال- وهو أصدق القائلين- وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ الذاريات/ 20) وخصّ أهل اليقين بالهدى والفلاح بين العالمين، فقال سبحانه: ... وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة/ 4- 5) وأخبر عن أهل النّار: بأنّهم لم يكونوا من أصحاب اليقين، فقال عزّ من قائل: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُ   (1) الكليات (213- 980) . (2) التعريفات (259) . (3) الكليات (979) بتصرف. (4) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1547) . (5) الكليات (588) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3718 إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ الجاثية/ 32) ، فاليقين روح أعمال القلوب الّتي هي أرواح أعمال الجوارح وهو حقيقة الصّدّيقيّة، وقطب هذا الشّيء الّذي عليه مداره، واليقين قرين التّوكّل، ولهذا فسّر التّوكّل بقوّة اليقين. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا وانتفى عنه كلّ شكّ وريب، وهمّ وغمّ، فامتلأ محبّة لله، وخوفا منه، ورضى به، وشكرا له، وتوكّلا عليه وإنابة إليه، فهو مادّة جميع المقامات والحامل لها «1» . واليقين يحمل على مباشرة الأهوال وركوب الأخطار، وهو يأمر بالتّقدّم دائما، فإن لم يقارنه العلم حمل على المعاطب، والعلم (وحده) يأمر بالتّأخّر دائما وبالإحجام، فإن لم يصبه اليقين فقد يصدّ صاحبه عن المكاسب والمغانم «2» . علامات اليقين: قال الفيروز آباديّ: ثلاثة من أعلام اليقين: 1- قلّة مخالطة النّاس في العشرة. 2- ترك المدح لهم في العطيّة. 3- التّنزّه عن ذمّهم عند المنع. ومن علاماته أيضا: النّظر إلى الله في كلّ شيء، والرّجوع إليه في كلّ أمر، والاستعانة به في كلّ حال «3» . أنواع اليقين: قال أبو بكر الورّاق- رحمه الله-: اليقين على ثلاثة أوجه: يقين خبر، ويقين دلالة، ويقين مشاهدة. يريد بيقين الخبر سكون القلب إلى خبر المخبر ووثوقه به، ويقين الدّلالة ما هو فوقه وهو أن يقيم له مع وثوقه بصدقه الأدلّة الدّالّة على ما أخبر به وهذا كعامّة الأخبار بالإيمان والتّوحيد وهو في القرآن، فإنّه سبحانه مع كونه أصدق القائلين الصّادقين يقيم لعباده الأدلّة والبراهين على صدق أخباره، فيحمل لهم اليقين من الوجهين، من جهة الخبر ومن جهة التّدليل. فيرتفعون من ذلك إلى الدّرجة الثّالثة وهي يقين المكاشفة بحيث يكون المخبر به كالمرئيّ لعيونهم، فنسبة الإيمان بالغيب هي إلى القلب كنسبة المرئيّ إلى العين، وهذا أعلى أنواع اليقين، وهي الّتي أشار إليها عامر بن عبد القيس في قوله: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» وليس هذا من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا من كلام عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- كما يظنّه من لا علم له بالمنقولات «4» . درجات اليقين: اليقين على ثلاث درجات: أ- علم اليقين: وهو ما ظهر من الحقّ، وقبول ما غاب للحقّ، والوقوف على ما قام بالحقّ فالّذي ظهر   (1) مدارج السالكين (2/ 413) باختصار. وانظر أيضا: بصائر ذوي التمييز (5/ 395) . (2) بصائر ذوي التمييز (5/ 400) . (3) المرجع السابق (5/ 397) . (4) مدارج السالكين (2/ 418) بتصرف. وانظر بصائر ذوي التمييز (5/ 396- 405) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3719 من الحقّ هو أوامره ونواهيه ودينه الّذي أظهره على ألسنة رسله. والّذي غاب للحقّ: هو الإيمان بالغيب كالجنّة والنّار والصّراط والحساب ونحو ذلك، أمّا الوقوف على ما قام بالحقّ أي من أسمائه وصفاته وأفعاله. ب- عين اليقين: ما استغنى به صاحبه عن طلب الدّليل لأنّ الدّليل يطلب للعلم بالمدلول، فإذا كان المدلول مشاهدا له. فلا حاجة حينئذ للاستدلال. ج- حقّ اليقين: وهذه منزلة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، فقد رأى نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم بعينه الجنّة والنّار وكلّم الله تعالى موسى- عليه السّلام- بلا واسطة، أمّا بالنّسبة لنا فإنّ حقّ اليقين يتأخّر إلى وقت اللّقاء. وممّا يوضّح ذلك: أن يخبرك شخص أنّ عنده عسلا وأنت لا تشكّ في صدقه. ثمّ أراك إيّاه فازددت يقينا، ثمّ ذقت منه. فالأوّل علم اليقين، والثّاني عين اليقين، والثّالث حقّ اليقين. فعلمنا الآن بالجنّة والنّار: علم اليقين، فإذا أزلفت الجنّة للمتّقين، وشاهدها الخلائق، وبرّزت الجحيم للغاوين، وعاينها الخلائق فذلك: عين اليقين، فإذا أدخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار فذلك حينئذ حقّ اليقين «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التوكل- الثبات- السكينة- الطمأنينة- العلم- الفطنة- الفقه- الإيمان- تذكر الموت- الرضا- حسن الظن البصيرة والفراسة- التقوى- الزهد. وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء الظن- الشك- القلق- الكفر- الوسوسة- الجزع- طول الأمل- اليأس- الجهل- سوء الظن- السخط] .   (1) مدارج السالكين (2/ 420) وبصائر ذوي التمييز (5/ 402) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3720 الآيات الواردة في «اليقين» العمل للآخرة دليل اليقين: 1- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1» 2- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «2» 3- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) «3» 4- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «4» اليقين هبة من الله لبعض عباده: 5- وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) «5» الطريق إلى اليقين: 6- * وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى   (1) البقرة: 1- 5 مدنية (2) المائدة: 48- 50 مدنية (3) النمل: 1- 5 مكية (4) لقمان: 1- 5 مكية (5) البقرة: 118 مدنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3721 كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) «1» 7- المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) «2» 8- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) «3» 9- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) «4» 10- ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «5» 11- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) «6»   (1) الأنعام: 74- 78 مكية (2) الرعد: 1- 2 مكية (3) الدخان: 1- 8 مكية (4) الجاثية: 1- 6 مكية (5) الجاثية: 18- 20 مكية (6) الذاريات: 15- 23 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3722 ثواب أهل اليقين: 12- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) «1» حق اليقين في أحوال أهل الآخرة: 13 فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) «2» 14- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) «3» عين اليقين بالرؤية: 15- وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) «4» 16- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ   (1) السجدة: 23- 26 مكية (2) الواقعة: 88- 96 مكية (3) الحاقة: 38- 52 مكية (4) النمل: 20- 25 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3723 أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «1» 17- أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) «2» لم يقتل عيسى ابن مريم يقينا: 18- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) «3» اليقين بمعنى الموت: 19- فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) «4» 20- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) «5»   (1) المدثر: 31 مكية (2) التكاثر: 1- 8 مكية (3) النساء: 153- 158 مدنية (4) الحجر: 94- 99 مكية (5) المدثر: 38- 48 مكية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3724 الأحاديث الواردة في (اليقين) 1- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي «1» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبي. فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:" أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنّا نعلم أنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «2» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلّى؟ ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشّكّ وليبن على ما استيقن. ثمّ يسجد سجدتين قبل أن يسلّم. فإن كان صلّى خمسا، شفعن له صلاته. وإن كان صلّى إتماما لأربع، كانتا ترغيما للشّيطان «3» » ) * «4» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله- عزّ وجلّ- أيّها النّاس فأسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإنّ الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل» ) * «5» . 4- * (خطب أبو بكر- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقامي هذا عام الأوّل، وبكى أبو بكر، فقال أبو بكر: سلوا الله المعافاة أو قال: العافية. فلم يؤت أحد قطّ بعد اليقين أفضل من العافية أو المعافاة. عليكم بالصّدق، فإنّه مع البرّ وهما في الجنّة، وإيّاكم والكذب فإنّه مع الفجور وهما في النّار، ولا   (1) تجلاني الغشي: أي أصابني مرض قريب من الإغماء لطول تعب الوقوف. (2) البخاري- الفتح 2 (1053) . ومسلم (905) واللفظ له. (3) ترغيما للشيطان: إغاظة له وإذلالا. (4) مسلم (571) . (5) أحمد (2/ 177) واللفظ له، والترمذي نحو (3479) . إلا أن حديث الترمذي وهو من رواية أبي هريرة قال عنه غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأما حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- فقد قال عنه محقق جامع الأصول (4/ 153) بعد أن ساقه شاهدا لحديث أبي هريرة- رضي الله عنه- وقد حسن إسناده. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 491) وقال: رواه أحمد بإسناد حسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3725 تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا، وكونوا كما أمركم الله تعالى» ) * «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا قعودا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، معنا أبو بكر وعمر، في نفر. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين أظهرنا «2» فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع «3» دوننا وفزعنا «4» فقمنا، فكنت أوّل من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيت حائطا «5» للأنصار لبني النّجّار، فدرت به هل أجد له بابا؟، فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والرّبيع الجدول) فاحتفزت «6» كما يحتفز الثّعلب، فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أبو هريرة؟» ، فقلت: نعم يا رسول الله. قال: «ما شأنك» ؟ قلت: كنت بين أظهرنا، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أوّل من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب، وهؤلاء النّاس ورائي، فقال: «يا أبا هريرة (وأعطاني نعليه) قال: اذهب بنعليّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنّة» فكان أوّل من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النّعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعثني بهما، من لقيت يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّرته بالجنّة. فضرب عمر بيده بين ثدييّ فخررت لاستي «7» فقال: ارجع يا أبا هريرة؟» فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجهشت بكاء «8» وركبني عمر «9» فإذا هو على إثري. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما لك يا أبا هريرة؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالّذي بعثتني به، فضربني بين ثدييّ ضربة خررت لاستي، قال: ارجع فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمر، ما حملك على ما فعلت» ؟ قال يا رسول الله بأبي أنت وأمّي «10» أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّره بالجنّة؟ قال: «نعم» قال: فلا تفعل. فإنّي أخشى أن يتّكل النّاس عليها، فخلّهم يعملون. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فخلّهم» ) * «11» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام بلال ينادي فلمّا سكت. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من قال مثل هذا يقينا «12» دخل الجنّة» ) * «13» .   (1) أحمد في المسند (1/ 3) واللفظ له وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (1/ 156) : إسناده صحيح ورواه الترمذي (3558) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه عن أبي بكر- رضي الله عنه-. (2) أظهرنا: أي بيننا. (3) أن يقتطع: أن يصاب بمكروه من عدو. (4) فزعنا: ذعرنا لاحتباس النبي صلّى الله عليه وسلّم فهببنا نبحث عنه. (5) حائطا: بستانا. (6) فاحتفزت: أي تضاممت ليسعني المدخل. (7) لاستي: هو اسم للدبر والمراد سقطت إلى الأرض. (8) فأجهشت بكاء: هو التهيؤ للبكاء ولما يبك بعد. (9) ركبني عمر: أي تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة. (10) بأبي أنت وأمي: أي أفديك بهما. (11) مسلم 1 (31) . (12) يقينا: بمعنى متيقنا. (13) أخرجه أحمد في المسند (2/ 352) ، النسائي (2/ 24) وابن حبان في صحيحه (1667) . والحاكم في المستدرك (1/ 204) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3726 7- * (أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنّ أمّ العلاء- امرأة من الأنصار بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أخبرته أنّه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الّذي توفّي فيه، فلمّا توفّي وغسّل وكفّن في أثوابه دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله قد أكرمه؟» فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: «أمّا هو فقد جاءه اليقين، والله إنّي لأرجو له الخير، والله ما أدري- وأنا رسول الله- ما يفعل بي» . قالت: فو الله لا أزكّي أحدا بعده أبدا» ) «1» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف ثمّ يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله. ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا «2» . فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك، على الشّكّ كنت، وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «3» . 9- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول: اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء «4» لك بذنبي، اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. قال: ومن قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) «5» .   (1) البخاري- الفتح 3 (1243) واللفظ هنا، 12 (7003) (2) الشعف: شدة الفزع من الخوف. (3) ابن ماجه 2 (4268) واللفظ له، الزهد (4268) وقال وفي الزوائد: إسناده صحيح، ونحوه عند البخاري في الجنائز (1374) ، ومسلم (2870) . (4) أبوء: أعترف. (5) البخاري- الفتح 11 (6306) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3727 الأحاديث الواردة في (اليقين) معنى 10- * (عن عبد الله بن حبيش الخثعميّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان لا شكّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجّة مبرورة» . قيل: فأيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . قيل: فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال: «جهد المقلّ» . قيل: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر ما حرّم الله عزّ وجلّ» . قيل: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من جاهد المشركين بماله ونفسه؟» قيل: فأيّ القتل أفضل؟ قال: «من أهريق دمه وعقر جواده» * «1» . 11- * (عن عبّاد بن تميم عن عمّه أنّه شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّجل الّذي يخيّل إليه أنّه يجد الشّيء في الصّلاة «2» . فقال: «لا ينفتل- أو لا ينصرف- حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» ) * «3» . 12- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان أخوان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكان أحدهما يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والآخر يحترف «4» فشكا المحترف أخاه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «لعلّك ترزق به» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (اليقين) 1- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- في حديث أبي سفيان وهرقل الطّويل: «وبعد أن فرغ هرقل من محادثة أبي سفيان، قال أبو سفيان: فلمّا قال ما قال يعني هرقل وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصّخب وارتفعت الأصوات، وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر «6» أمر ابن أبي «7» كبشة، إنّه يخافه ملك بني الأصفر «8» ، فما زلت موقنا أنّه سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام» ) * «9» . 2- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: «اليقين الإيمان كلّه» ) * «10» . 3- * (عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا غرار في صلاة، ولا تسليم» قال أحمد: يعني فيما   (1) النسائي (5/ 58) ، واللفظ له الزكاة: جهد المقل. وقال الإمام السيوطي في معناه: والمراد تصديق بلغ حد اليقين بحيث لا يبقى معه أدنى توهم لخلافه. ورواه أبو داود (1449) وقال محقق جامع الأصول (9/ 553) : إسناده حسن. (2) يجد الشىء في الصلاة: أي الحدث خارجا منه، وعدل عن ذكره استقذارا. (3) البخاري- الفتح 1 (137) واللفظ له، مسلم (361) . (4) يحترف: يكتسب ويتسبب. (5) الترمذي (2345) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم (1/ 93 94) : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ورواته عن آخرهم ثقات، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (6) أمر- بفتح الهمزة وكسر الميمي- أي عظم. (7) ابن أبي كبشة يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم- لأن أبا كبشة أحد أجداده وعادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض. (8) بنو الأصفر: يعني الروم. (9) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له، مسلم (1773) . (10) البخاري- الفتح 1 (الإيمان، باب 1، ص 60) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3728 أرى أنّ لا تسلّم ولا يسلّم عليك ويغرّر الرّجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاكّ» ) * «1» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في قصصه يذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث يعني بذلك ابن رواحة يقول: فينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع ) * «2» . 5- * (قال سفيان الثّوريّ رحمه الله: «لو أنّ اليقين استقرّ في القلب كما ينبغي لطار فرحا وحزنا وشوقا إلى الجنّة، أو خوفا من النّار» ) * «3» . 6- * (قال سهل: «اليقين من زيادة الإيمان، ولا ريب أنّ الإيمان كسبيّ باعتبار أسبابه، موهبيّ باعتبار نفسه وذاته» ) * «4» . 7- وقال ابن خفيف: «هو تحقّق الأسرار بأحكام المغيّبات» ) * «5» . 8- * (وقال أبو بكر بن طاهر: «العلم يعارضه الشّكوك، واليقين لا شكّ فيه، وعند القوم: اليقين لا يساكن قلبا فيه سكون إلى غير الله» ) * «6» . 9- * (قال ذو النّون: «اليقين يدعو إلى قصر الأمل، وقصر الأمل يدعو إلى الزّهد، والزّهد يورث الحكمة، وهي تورث النّظر في العواقب» ) * «7» . 10- * (* (وقال بعضهم: «رأيت الجنّة والنّار حقيقة، قيل له: كيف؟ قال: رأيتها بعيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورؤيتي لهما بعينيه أوثق عندي من رؤيتي لهما بعينيّ، فإنّ بصري قد يخطيء بخلاف بصره صلّى الله عليه وسلّم» ) * «8» . 11- * (وقال أبو بكر الورّاق: «اليقين ملاك القلب، وبه كمال الإيمان، وباليقين عرف الله وبالعقل عقل عن الله» ) * «9» . 12- * (وقال ذو النّون: «ثلاثة من أعلام اليقين: قلّة مخالطة النّاس في العشرة، وترك المدح لهم في العطيّة، والتّنزّه عن ذمّهم عند المنع» ) * «10» . 13- * (وقال الجنيد- رحمه الله- تعالى: «اليقين هو استقرار العلم الّذي لا يحول ولا ينقلب ولا يتغيّر في القلب» ) * «11» .   (1) أبو داود (928) . الحاكم (1/ 264) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والغرار في الصلاة: النقصان في ركوعها وسجودها. ورد هذا الأثر في سياقه حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر. (2) البخاري- الفتح 10 (6151) . (3) حلية الأولياء (7/ 17) . (4) بصائر ذوي التمييز (5/ 397) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق (5/ 400) . (9) بصائر ذوي التمييز (5/ 398) . (10) المرجع السابق (5/ 397) . (11) بصائر ذوي التمييز (5/ 397) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3729 14- * (وقال ابن عطاء- رحمه الله-: «على قدر قربهم من التّقوى أدركوا من اليقين، وأصل التّقوى مباينة المنهيّ عنه، فعلى مفارقتهم النّفس وصلوا إلى اليقين» ) * «1» . 15- * (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (الواقعة/ 95) قال: إنّ الله- عزّ وجلّ- ليس تاركا أحدا من خلقه حتّى يقفه على اليقين من هذا القرآن، فأمّا المؤمن فأيقن في الدّنيا فنفعه ذلك يوم القيامة، وأمّا الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه اليقين) * «2» . 16- * (عن مجاهد قال في قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (الواقعة/ 95) الخبر اليقين) * «3» . 17- * (عن قتادة في قوله تعالى: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (التكاثر/ 5) قال: كنّا نحدّث أنّ علم اليقين أن يعلم أنّ الله باعثه بعد الموت) * «4» . 18- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله-: «بالصّبر واليقين تنال الإمامة في الدّين» . وقال- رحمه الله-: «الصّبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كلّه» ) * «5» . من فوائد (اليقين) (1) اليقين يزيد المسلم من ربّه قربا وحبّا ورضى. (2) اليقين هو لبّ الدّين ومقصوده الأعظم. (3) يزيد العبد خضوعا واستكانة لمولاه. (4) يورث التّوكّل على الله والزّهد فيما عند النّاس. (5) يكسب صاحبه العزّة والرّفعة ويباعده عن مواطن الذّلّة والضّعة. (6) باليقين يتّبع النّور فيسلك طريق السّلامة إلى دار السّلام. (7) يضع صاحبه دائما في موضع الإخلاص والصّدق. (8) ضابط قويّ يرقب العلاقة بين المسلم وربّه ويجعلها تلتزم خطّ السّلامة والأمان حتّى يصل إلى دار الرّضوان. (9) المسلم لا يدرك مناه في الآخرة إلّا إذا كان متّصفا بصفة اليقين.   (1) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (2) الدر المنثور (8/ 40) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المرجع السابق (8/ 621- 622) . (5) الفتاوى، وانظر رسالة اليقين لابن أبي الدنيا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3730 [المجلد التاسع] محتويات المجلد التاسع م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة حرف الألف 1/ الابتداع/ 3731 2/ اتباع الهوى/ 3751 3/ الأثرة/ 3771 4/ الإجرام/ 3780 5/ الإحباط/ 3796 6/ الاحتكار/ 3808 7/ الأذى/ 3811 8/ الإرهاب/ 3828 9/ الإساءة/ 3837 10/ الاستهزاء/ 3872 11/ الإسراف/ 3884 12/ الإصرار على الذنب والعناد/ 3896 13/ إطلاق البصر/ 3905 14/ الإعراض/ 3912 15/ الاعوجاج/ 3927 16/ الافتراء/ 3935 17/ إفشاء السر/ 3946 18/ الإفك/ 3958 19/ أكل الحرام/ 3969 20/ الإلحاد/ 3980 21/ الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف/ 3987 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 22/ الإمعة/ 3995 23/ الأمن من المكر/ 3999 24/ الانتقام/ 4006 25/ إنتهاك الحرمات/ 4016 26/ الإهمال/ 4025 حرف الباء 27/ البخل/ 4029 28/ البذاءة/ 4047 29/ البذاذة/ 4060 30/ البطر/ 4068 31/ البغض/ 4073 32/ البغي/ 4084 33/ البلادة (عدم الفقه) / 4097 34/ البهتان/ 4107 حرف التاء 35/ التبذير/ 4113 36/ التبرج/ 4120 37/ التجسس/ 4129 38/ التحقير والاشمئزاز/ 4133 39/ التخاذل/ 4139 40/ التخلف عن الجهاد/ 4145 41/ ترك الصلاة/ 4159 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3729 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 42/ التسول/ 4168 43/ التشامل/ 4174 44/ التطفيف/ 4183 45/ التطير/ 4190 46/ التعاون على الإثم والعدوان/ 4200 47/ التعسير/ 4208 48/ التفرق/ 4217 49/ التفريط والإفراط/ 4229 50/ التكاثر/ 4237 51/ التكلف/ 4250 52/ التناجش/ 4257 53/ التنازع/ 4265 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 54/ التنصل من المسئولية والتهرب منها/ 4280 55/ التنفير/ 4296 56/ التهاون/ 4301 57/ التولي/ 4307 حرف الجيم 58/ الجبن/ 4320 59/ الجحود/ 4326 60/ الجدال والمراء/ 4338 61/ الجزع/ 4350 62/ الجفاء/ 4358 63/ الجهل/ 4366 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3730 [ حرف الألف ] الابتداع الابتداع لغة: مصدر قولهم: ابتدع الشّيء يبتدعه، وهو مأخوذ من مادّة (ب د ع) الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما: ابتداء الشّيء وصنعه لا عن مثال، والآخر: الانقطاع والكلال، ومن المعنى الأوّل قولهم: أبدعت الشّيء قولا أو فعلا، إذا ابتدأته لا عن سابق مثال، والله سبحانه- بديع السّموات والأرض أي مبدعهما، والعرب تقول: ابتدع فلان الرّكيّ (البئر) إذا استنبطها وأخرج ماءها، ومن المعنى الثّاني قولهم: أبدعت الرّاحلة: إذا كلّت وعطبت، وفي الحديث أنّ رجلا أتاه فقال: يا رسول الله، إنّي أبدع بي فاحملني، (أبدع بي أي كلّت ركابي) ، ويقال: الإبداع لا يكون إلّا بظلع «1» ومن ذلك اشتقّت البدعة، وقال ابن فارس: سمّيت البدعة بذلك؛ لأنّ قائلها ابتدعها من غير مقال إمام. وقال الرّاغب: الإبداع: إنشاء صنعة بلا احتذاء ولا اقتداء، وإذا استعمل ذلك في الله تعالى فهو إيجاد الشّيء بغير آلة ولا مادّة ولا زمان ولا مكان، ولا يكون ذلك إلّا لله- عزّ وجلّ- والبديع: المبتدع، والبديع: المبتدع (أيضا) ، والبديع الزّقّ، وقيل: الزّقّ الجديد، وفي الحديث أنّ «تهامة كبديع العسل حلو الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 13/ 76 أوّله حلو آخره» شبّهها بزقّ العسل لأنّه لا يتغيّر هواؤها، فأوّله طيّب، وآخره طيّب، وكذلك العسل لا يتغيّر وليس كذلك اللّبن، فإنّه يتغيّر. وشيء بدع أي مبتدع، ويقال: فلان بدع في هذا الأمر أي بديع، وقوم أبداع، والبدعة: الحدث في الدّين بعد الإكمال، وقيل: البدعة كلّ محدثة، وبدّعه نسبه إلى البدعة، ويقال أبدع وابتدع، وتبدّع أتى ببدعة، واستبدعه عدّه بديعا، وأبدعت الشّيء: اخترعته لا على مثال، ويقال أيضا بدع بداعة وبدوعا، والوصف رجل بدع، وامرأة بدعة إذا كان غاية في كلّ شيء، وقد بدع الأمر بدعا صار بديعا. ويقال: البديع والبدع: الشّيء الّذي يكون أوّلا «2» . وفي التنزيل العزيز: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ (الأحقاف/ 9) ، أي ما كنت أوّل من أرسل، وقد كان قبلي رسل، والبدع: الأوّل، ويقال: شيء بدع أي مبتدع، وفلان بدع في هذا الأمر أي بديع، قال عديّ بن زيد: فلا أنا بدع من حوادث تعتري ... رجالا غدت من بعد بؤسى بأسعد «3» . أمّا قول الله تعالى: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ (الحديد/ 27) . فالمعنى: أحدثوها   (1) الظّلع والظّلع: الغمز في المشي من عرج ونحوه. (2) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 209) ، المجمل لابن فارس (1/ 118) ، والمفردات للراغب (ص 38) ، والصحاح للجوهري (3/ 1183) ، ولسان العرب لابن منظور (1/ 229) . (3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 122) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3731 من تلقاء أنفسهم، يقول القرطبيّ: وذلك أنّهم (النّصارى) حملوا أنفسهم على المشقّات في الامتناع من المطعم والمشرب والنّكاح والتّعلّق بالكهوف والصّوامع، وذلك أنّ ملوكهم غيّروا وبدّلوا، وبقي نفر قليل فترهّبوا وتبتّلوا، وقال قتادة: الرهبانيّة الّتي ابتدعوها: رفض النّساء واتّخاذ الصّوامع، وهذه الآية دالّة على أنّ كلّ محدثة بدعة، فينبغي لمن ابتدع خيرا أن يدوم عليه ولا يعدل عنه إلى ضدّه «1» . الابتداع اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الإبداع والإبتداع: إيجاد شيء غير مسبوق بمادّة ولا زمان «2» . والبدعة: هي الفعلة المخالفة للسّنّة «3» . وقال الرّاغب: البدعة: إيراد قول لم يستنّ قائله وفاعله فيه بصاحب الشّريعة وأماثلها المتقدّمة وأصولها المتقنة «4» . وقال التّهانويّ: المبتدع: من خالف أهل السّنّة اعتقادا، والمبتدعون يسمّون بأهل البدع وأهل الأهواء. وهي ما أحدث على خلاف أمر الشّارع ودليله العامّ أو الخاصّ، وقيل: هي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لا بمعاندة بل بنوع شبهة «5» . قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: البدعة: طريقة في الدّين مخترعة تضاهي الشّرعيّة يقصد بالسّلوك عليها المبالغة في التّعبّد لله- سبحانه-. وقيل: طريقة في الدّين مخترعة تضاهي الشّرعيّة يقصد بالسّلوك عليها ما يقصد بالطّريقة الشّرعيّة «6» . وقيل البدعة: إيراد قول أو فعل لم يستنّ قائلها ولا فاعلها فيه بصاحب الشّريعة «7» . أقسام البدعة: إنّ الابتداع المنهيّ عنه يراد به: إحداث بدعة ضلالة، ذلك أنّ البدعة في اللّغة قد يراد منها مطلق إحداث أمر لم يكن موجودا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن ثمّ قسّم الشّافعيّ- رحمه الله- البدعة إلى قسمين: البدعة الضّالّة: ويراد بها ما أحدث وخالف كتابا أو سنّة أو إجماعا أو أثرا. البدعة المحمودة: ما أحدث من الخير ولم يخالف شيئا من ذلك «8» . والأصل في هذا ما روي عن عمر- رضي الله عنه- في قيام رمضان «نعمت البدعة هذه» ولهذا قال ابن الأثير: البدعة بدعتان: بدعة ضلالة، وبدعة هدى، فما كان في خلاف ما أمر به الله ورسوله فهو البدعة الضّالّة الّتي هي مناط الذّمّ والإنكار، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه وحضّ عليه الله ورسوله فهو بدعة هدى، وهي في حيّز المدح، ولا يجوز أن يكون ذلك في   (1) الجامع لأحكام القرآن (17/ 170) . (2) كتاب التعريفات (ص 5) والمقصود هنا ابتداع الله الخلق. (3) المرجع السابق (ص 44) . (4) المفردات (ص 29) . (5) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 191) . (6) الاعتصام (1/ 37) . (7) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 231) (8) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 191) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3732 خلاف ما ورد الشّرع به، ومن ذلك قول عمر- رضي الله عنه- «نعمت البدعة هذه» لمّا كانت الجماعة في قيام رمضان من أفعال الخير وداخلة في حيّز المدح سمّاها بدعة ومدحها، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يسنّها لهم، وإنّما صلّاها ثمّ تركها ولم يحافظ عليها، ولا جمع النّاس لها، ولا كانت في زمان أبي بكر وإنّما كان عمر- رضي الله عنه- هو الّذي جمع النّاس عليها، فبهذا سمّاها بدعة وهي في الحقيقة سنّة، لقوله صلّى الله عليه وسلّم «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي» وعلى هذا التّأويل يحمل الحديث الآخر «كلّ محدثة بدعة» إنّما يريد ما خالف أصول الشّريعة ولم يوافق السّنّة «1» . قال ابن الأثير: وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفا في الذّمّ، أي أنّه إذا أطلق لفظ البدعة فإنّه يراد بها النّوع الأوّل وهو المذموم شرعا. أحكام البدعة (بنوعيها) : قال التّهانويّ: وبالجملة فهي أي البدعة منقسمة إلى الأحكام الخمسة: 1- واجبة على الكفاية، ومن ذلك الاشتغال بالعلوم العربيّة المتوقّف عليها فهم الكتاب والسّنّة كالنّحو والصّرف واللّغة ونحو ذلك لأنّ الشّريعة فرض كفاية ولا يتأتّى إلّا بذلك. 2- محرّمة، مثل مذاهب أهل البدع المخالفة لما عليه أهل السّنّة والجماعة. 3- مندوبة: مثل إحداث الرّباطات (نقاط حراسة بلاد المسلمين) والمدارس ونحوهما. 4- مكروهة: مثل زخرفة المساجد وتزيين المصاحف. 5- مباحة: مثل التّوسّع في لذيذ المآكل والمشارب والملابس «2» . قال الشّيخ الدهلويّ في شرح المشكاة: بشرط حلّها، وألّا تكون سببا في الغرور والتّكبّر والتّفاخر وكذلك الشّأن في المباحات الأخرى الّتي لم تكن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «3» . كل البدع ضلالة: بعد أن أورد الإمام الشّاطبيّ تقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة ردّ هذا التّقسيم وبالغ في ذلك فقال رحمه الله تعالى-: والجواب: أنّ هذا التّقسيم أمر مخترع لا يدلّ عليه دليل شرعيّ بل هو في نفسه متدافع لأنّ من حقيقة البدعة أن لا يدلّ عليها دليل شرعيّ لا من نصوص الشّرع ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدلّ من الشّرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثمّ بدعة، ولكان العمل داخلا في عموم الأعمال المأمور بها أو المخيّر فيها، فالجمع بين عدّ تلك الأشياء بدعا وبين كون الأدلّة تدلّ على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين «4» . حكم المبتدع: قال الكفويّ: حكم المبتدع (للبدعة الضّالّة) في الدّنيا الإهانة باللّعن وغيره وفي الآخرة حكم الفاسق، وعند الفقهاء حكم بعضهم حكم الكافر وحكم الآخرين حكم الضّالّ، والمختار عند جمهور أهل السّنّة من الفقهاء والمتكلّمين عدم تكفير أهل القبلة   (1) النهاية (1/ 106) (بتصرف واختصار) . (2) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 191) . (3) المرجع السابق (1/ 191) ، وقد جعل لها الكفوي ثلاثة أحكام: واجبة ومندوبة ومباحة، انظر الكليات (ص 243) . (4) الاعتصام للشاطبي (1/ 191- 192) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3733 من المبتدعة والمؤوّلة في غير المعلوم من الدّين بالضّرورة لكون التّأويل شبهة «1» . البديع في أسماء الله تعالى: قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى: البديع وهو الخالق المخترع لا عن مثال سابق، فعيل بمعنى مفعل، يقال: أبدع فهو مبدع. قال ابن منظور- رحمه الله تعالى-: البديع من أسماء الله تعالى: هو الأوّل قبل كلّ شيء، ويجوز أن يكون بمعنى مبدع، أو يكون من بدع الخلق أي بدأه، والله تعالى كما قال سبحانه: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (البقرة/ 117) أي خالقهما ومبدعهما فهو سبحانه الخالق المخترع لا عن مثال سابق وسمّي بذلك: لإبداعه الأشياء وإحداثه إيّاها. قال أبو إسحاق: يعني أنّه أنشأها على غير حذاء ولا مثال. وبديع فعيل بمعني فاعل مثل قدير بمعنى قادر، وهو صفة من صفات الله تعالى لأنّه بدأ الخلق على ما أراد على غير مثال تقدّمه «2» . أسباب ودوافع البدعة: قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: إنّ صاحب البدعة إنّما يخترعها ليضاهي بها السّنّة حتّى يكون ملبسا بها على الغير، أو تكون هي ممّا تلتبس عليه بالسّنّة، إذ الإنسان لا يقصد الاستتباع بأمر لا يشابه المشروع، لأنّه إذ ذاك لا يستجلب به في ذلك الابتداع نفعا ولا يدفع به ضررا، ولا يجيبه غيره إليه. فأنت ترى العرب في الجاهليّة في تغيير ملّة إبراهيم عليه السّلام كيف تأوّلوا فيما أحدثوه احتجاجا منهم، كقولهم في أصل الإشراك ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3) ، وكترك الحمس «3» الوقوف بعرفة لقولهم: لا نخرج من الحرم اعتدادا بحرمته. وكطواف من طاف منهم بالبيت عريانا قائلين: لا نطوف بثياب عصينا الله فيها، وما أشبه ذلك ممّا وجّهوه ليصيّروه بالتّوجيه كالمشروع، فما ظنّك بمن عدّ أو عدّ نفسه من خواصّ أهل الملّة؟ فهم أحرى بذلك (وهم المخطئون وظنّهم الإصابة) إنّ أصل الدّخول في البدعة يحثّ على الانقطاع إلى العبادة والتّرغيب في ذلك، لأنّ الله تعالى يقول: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ 56) فكأنّ المبتدع رأى أنّ المقصود هذا المعنى، ولم يتبيّن له أنّ ما وضعه الشّارع فيه من القوانين والحدود كاف (فرأى من نفسه أنّه لا بدّ لما أطلق الأمر فيه من قوانين منضبطة، وأحوال مرتبطة، مع ما يداخل النّفوس من حبّ الظّهور أو عدم مظنّته) . وأيضا فإنّ النّفوس قد تملّ وتسأم من الدّوام على العبادات المرتّبة، فإذا جدّد لها أمر لا تعهده، حصل لها نشاط آخر لا يكون لها مع البقاء على الأمر الأوّل. وقد تبيّن بهذا أنّ البدع لا تدخل إلّا في   (1) الكليات للكفوي (ص 243- 244) بتصرف. (2) النهاية لابن الأثير (1/ 106) ، ولسان العرب (1/ 230) . (3) الحمس: قريش لأنهم كانوا يتشددون في دينهم وشجاعتهم فلا يطاقون، وقيل: كانوا لا يستظلون أيام منى ولا يدخلون البيوت من أبوابها وهم محرمون ولا يسلئون السمن ولا يلقطون الجلة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3734 العبادات. فكلّ ما اخترع من الطّرق في الدّين ممّا يضاهي المشروع ولم يقصد به التّعبّد فقد خرج عن هذه التّسمية. كالمغارم الملزمة على الأموال وغيرها على نسبة مخصوصة وقدر مخصوص ممّا يشبه فرض الزّكوات ولم يكن إليها ضرورة. وكذلك اتّخاذ المناخل وغسل اليد بالأشنان وما أشبه ذلك من الأمور الّتي لم تكن قبل. إنّ البدعة في عموم لفظها يدخل فيها البدعة التّركيّة، كما يدخل فيها البدعة غير التّركيّة، فقد يقع الابتداع بنفس التّرك تحريما للمتروك أو غير تحريم، فإنّ الفعل مثلا قد يكون حلالا بالشّرع فيحرّمه الإنسان على نفسه أو يقصد تركه قصدا، فهذا التّرك إمّا أن يكون لأمر يعتبر مثله شرعا أو لا، فإن كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه، إذ معناه أنّه ترك ما يجوز تركه أو ما يطلب تركه، كالّذي يحرّم على نفسه الطّعام الفلانيّ من جهة أنّه يضرّه في جسمه أو عقله أو دينه وما أشبه ذلك، فلا مانع هنا من التّرك: فإن قلنا بطلب التّداوي للمريض فإنّ التّرك هنا مطلوب، وإن قلنا بإباحة التّداوي، فالتّرك مباح، فهذا راجع إلى أنّ العزم على الحمية ليس من المضرّات. وأمّا إن كان التّرك تديّنا فهو الابتداع في الدّين على كلتا الطّريقتين، إذ قد فرضنا الفعل جائزا شرعا فصار التّرك المقصود معارضة للشارع في شرع التّحليل وفي مثله نزل قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (المائدة/ 87) ، فنهى أوّلا عن تحريم الحلال. ثمّ جاءت الآية تشعر بأنّ ذلك اعتداء لا يحبّه الله. لأنّ بعض الصّحابة همّ أن يحرّم على نفسه النّوم باللّيل، وآخر الأكل بالنّهار، وآخر إتيان النّساء، وبعضهم همّ بالاختصاء، مبالغة في ترك شأن النّساء. وفي أمثال ذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من رغب عن سنّتي فليس منّي» . فإذا كلّ من منع نفسه من تناول ما أحلّ الله من غير عذر شرعيّ فهو خارج عن سنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. والعامل بغير السّنّة تديّنا هو المبتدع بعينه. (فإن قيل) فتارك المطلوبات الشّرعيّة ندبا أو وجوبا، هل يسمّى مبتدعا أم لا؟ (فالجواب) أنّ التّارك للمطلوبات على ضربين: (أحدهما) أن يتركها لغير التّديّن إمّا كسلا أو تضييعا أو ما أشبه ذلك من الدّواعي النّفسيّة. فهذا الضّرب راجع إلى المخالفة للأمر، فإن كان في واجب فمعصية، وإن كان في ندب فليس بمعصية، إذا كان التّرك جزئيّا، وإن كان كلّيّا فمعصية حسبما تبيّن في الأصول. (والثّاني) أن يتركها تديّنا. فهذا الضّرب من قبيل البدع حيث تديّن بضدّ ما شرع الله، ومثاله أهل الإباحة القائلين بإسقاط التّكاليف إذا بلغ السّالك عندهم المبلغ الّذي حدّوه «1» . [للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الحكم بغير ما أنزل الله- القدوة السيئة- التفريط والإفراط- الغلو. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاتباع- الأسوة الحسنة- الاعتصام- الإيمان- الإسلام- الحكم بما أنزل الله] .   (1) الاعتصام (1/ 40- 44) بتصرف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3735 الآيات الواردة في «الابتداع» 1- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) «1» الآيات الواردة في «الابتداع» ولها معنى آخر 2- وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) «2» 3- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) «3» 4- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) «4»   (1) الحديد: 26- 27 مدنية (2) البقرة: 116- 117 مدنية (3) الأنعام: 100- 103 مكية (4) الأحقاف: 7- 9 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3736 الأحاديث الواردة في ذمّ (الابتداع) 1- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله احتجز التّوبة عن صاحب كلّ بدعة» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته ... الحديث. وفيه يقول: «أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدى هدى محمّد صلّى الله عليه وسلّم وشرّ الأمور محدثاتها. وكلّ بدعة ضلالة ... الحديث» ) * «2» . 3- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها «3» العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنّ هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا؟، فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين، الرّاشدين، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ «4» ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ) * «5» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: زوّجني أبي امرأة من قريش، فلمّا دخلت عليّ جعلت لا أنحاش لها «6» ، ممّا بي من القوّة على العبادة: من الصّوم والصّلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كنّته «7» ، حتّى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرّجال، أو كخير البعولة من رجل لم يفتّش لنا كنفا، ولم يعرف لنا فراشا. فأقبل عليّ، فعذمني «8» ، وعضّني بلسانه فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب، فعضلتها، وفعلت وفعلت ثمّ انطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكاني، فأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته، فقال لي: «أتصوم النّهار؟» قلت: نعم، قال: «وتقوم اللّيل؟» قلت: نعم، قال: «لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأمسّ النّساء، فمن رغب   (1) رواه ابن أبي عاصم في السنة رقم (37) . وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة (10/ 189) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 86) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن.. وذكره الألباني في الصحيحة (4/ 154) رقم (1620) وقال: حسن. (2) مسلم (867) . ومعناه عند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه الفتح 13 (7277) . (3) ذرفت العين: سال دمعها. كناية عن شدة التأثر بالموعظة. (4) النواجذ: أقصى الأضراس وهي أربعة. أو هي الأنياب أو التي تلي الأنياب والمقصود: شدة التمسك بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والراشدين من الخلفاء. (5) أبو داود (4607) . واللفظ له والترمذي (2676) وقال: حسن صحيح. (6) لا أنحاش لها: يقال: انحاش عنه: نفر وتقبّض. ويؤدي هذا أنه لو قيل: انحاش له يكون المعنى: أقبل عليه وانبسط له. فقوله: لا أنحاش لها معناه أنه لم يقبل على زوجته ولم يمل إليها لإقباله على العبادة. (7) الكنّة: بفتح الكاف وتشديد النون: امرأة الابن أو الأخ وهي هنا بالمعنى الأول. (8) عذمني: لامني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3737 عن سنّتي فليس منّي» ، قال: «اقرأ القرآن في كلّ شهر» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ عشرة أيّام» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ ثلاث» ، قال: ثمّ قال: «صم في كلّ شهر ثلاثة أيّام» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتّى قال: «صم يوما وأفطر يوما، فإنّه أفضل الصّيام، وهو صيام أخي داود» ، ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ لكلّ عابد شرّة «1» ، ولكلّ شرّة فترة «2» ، فإمّا إلى سنّة، وإمّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنّة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو، حيث ضعف وكبر، يصوم الأيّام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوّى بذلك، ثمّ يفطر بعدّ «3» تلك الأيّام، قال: وكان يقرأ في كلّ حزبه كذلك، يزيد أحيانا، وينقص أحيانا، غير أنّه يوفي العدد، إمّا في سبع، وإمّا في ثلاث، قال: ثمّ كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ ممّا عدل به أو عدل، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الابتداع) معنى 5- * (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق «5» . فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟. وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام، فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة فإنّ مثل ذلك كمثل   (1) الشرّة: النشاط والرغبة. (2) الفترة: الضعف والانكسار. (3) بعد تلك الأيام: أي بعددها. (4) البخاري- الفتح 4 (1979) وفي مواضع كثيرة. ومسلم (1159) . وهذا لفظ أحمد (2/ 158) وقال أحمد شاكر (9/ 235) : إسناده صحيح مشهور أخرجه الأئمة في دواوينهم ولكني لم أجده مفصلا مطولا بهذه السياقة إلا في هذا الموضع. (5) الورق: بفتح الواو وكسر الراء- الدراهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3738 رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده «1» إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه «2» ، فقال أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره «3» سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم «4» ، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهنّ: السّمع، والطّاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام «5» من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا «6» جهنّم، فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلّى وصام؟ قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين. عباد الله) * «7» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها-، قالت: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ إلى قوله: أُولُوا الْأَلْبابِ (آل عمران/ 7) ، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله، فاحذروهم» ) * «8» . 7- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا فرطكم على الحوض، وليرفعنّ رجال منكم ثمّ ليختلجنّ دوني، فأقول: يا ربّ، أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ) * «9» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السّرّ والعلانية، والعدل في الرّضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى. وثلاث مهلكات: هوى متّبع، وشحّ مطاع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «10» . 9- * (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: سألت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متّبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك- يعني بنفسك-   (1) أوثقوا يده: شدوها إلى عنقه بالوثاق وهو ما يشد به من حبل ونحوه. (2) ليضربوا عنقه: ليقتلوه. (3) في أثره: وراءه. (4) أحرز نفسه: حماها ومنعها منهم. (5) ربقة الإسلام: المراد رباطه. (6) جثا جهنم: ما اجتمع فيها من الحجارة أي يصير وقودا لها كما أن الحجارة وقودها. (7) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح. (8) البخاري- الفتح 8 (4547) . (9) البخاري- الفتح 11 (6576) واللفظ له ومسلم (2297) . (10) كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 59) برقم 80. وذكره في مجمع الزوائد (1/ 91) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار. وذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2/ 62) برقم 3039 وقال: صحيح، وفي الصحيحة (4/ 412) برقم (1802) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3739 ودع عنك العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر، الصّبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» وزادني غيره قال: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم» ) * «1» . 10- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «2» . 11- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ، مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم. وفيه دخن «3» » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي، ويهدون بغير هديي «4» ، تعرف منهم وتنكر» . فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم. دعاة على أبواب جهنّم «5» من أجابهم إليها قذفوه فيها» فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: «نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «6» . 12- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا ثمّ قال: «هذا سبيل الله» ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ثمّ قال: «هذه سبل متفرّقة، قال: على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثمّ قرأ وَأَنَّ هذا صِراطِي   (1) أبو داود (4341) واللفظ له. والترمذي (3058) وقال: حسن غريب وابن ماجه (4014) . وقال ابن كثير في التفسير (2/ 109) : ورواه أيضا ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم. (2) البخاري الفتح 9 (5063) واللفظ له. مسلم (1401) . (3) دخن: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد. قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء. (4) هديي: الهدي الهيئة والسيرة والطريقة. (5) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين إمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك. فتجب طاعته في غير معصية. وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها. (6) البخاري- الفتح 13 (7084) ومسلم (1847) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3740 مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153)) * «1» . 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ «2» » ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الابتداع) 1- * (عن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ صبيغا العراقيّ جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتّى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطّاب، فلمّا أتاه الرّسول بالكتاب فقرأه، فقال: أين الرّجل؟ فقال: في الرّحل قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك منّي به العقوبة الموجعة، فأتاه به، فقال عمر: تسأل محدثة، فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتّى ترك ظهره وبرة ثمّ تركه حتّى برأ، ثمّ عاد له، ثمّ تركه حتّى برأ، فدعا به ليعود له، قال: فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت، فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعريّ: أن لا يجالسه أحد من المسلمين، فاشتدّ ذلك على الرّجل، فكتب أبو موسى إلى عمر: أن قد حسنت توبته، فكتب عمر: أن يأذن للنّاس بمجالسته» ) * «4» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «إيّاكم وأصحاب الرّأي، فإنّهم أعداء السّنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرّأي، فضلّوا وأضلّوا» ) * «5» . 3- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: «عليكم بالسّبيل والسّنّة، فإنّه ما على الأرض عبد على السّبيل والسّنّة، وذكر الرّحمن ففاضت عيناه من خشية الله- عزّ وجلّ- فيعذّبه. وما على الأرض عبد على السّبيل والسّنّة وذكره (يعني الرّحمن) في نفسه فاقشعرّ جلده من خشية الله إلّا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك، وإذا أصابتها ريح شديدة فتحاتّ «6» عنها ورقها إلّا حطّ عنه خطاياه كما تحاتّ عن تلك الشّجرة ورقها. وإنّ اقتصادا في سبيل وسنّة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنّة. فانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادا واقتصادا أن يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنّتهم» ) * «7» . 4- * (قال حذيفة- رضي الله عنه-: «يا معشر القرّاء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن   (1) أحمد (1/ 435) واللفظ له. والحاكم (2/ 318) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. والسنة لابن أبي عاصم (13) حديث (17) وقال الألباني (مخرجه) : إسناده حسن والحديث صحيح. ومجمع الزوائد (7/ 22) وقال: رواه أحمد والبزار وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف. (2) فهو رد: أي غير مقبول ولا جزاء عليه إلا العقاب. (3) البخاري الفتح 5 (2697) واللفظ له. ومسلم (1718) (4) الدارمي (1/ 67) برقم 148. (5) الفتح (13/ 302) وعزاه للبيهقي. (6) تحاتّ: أي تساقط. (7) حلية الأولياء (1/ 252، 253) . وأصول الاعتقاد 1 (54) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3741 أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا» ) * «1» . 5- * (عن عمرو بن زرارة قال: «وقف عليّ عبد الله، يعني ابن مسعود وأنا أقصّ، فقال: يا عمرو، لقد ابتدعت بدعة ضلالة أو إنّك لأهدى من محمّد وأصحابه. فلقد رأيتهم تفرّقوا عنّي حتّى رأيت مكاني ما فيه أحد» ) * «2» . 6- * (عن عمر بن يحيى قال: سمعت أبي حدّث عن أبيه قال: «كنّا نجلس على باب عبد الله ابن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعريّ فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرّحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتّى خرج، فلمّا خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرّحمن، إنّي رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلّا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصّلاة، في كلّ حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبّروا مائة، فيكبّرون مائة، فيقول: هلّلوا مائة، فيهلّلون مائة، ويقول: سبّحوا مائة، فيسبّحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدّوا سيّئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثمّ مضى ومضينا معه حتّى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الّذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرّحمن، حصى نعدّ به التّكبير والتّهليل والتّسبيح، قال: فعدّوا سيّئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمّة محمّد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والّذي نفسي بيده، إنّكم لعلى ملّة هي أهدى من ملّة محمّد أومفتتحو باب ضلالة؟ قالوا: والله يا أبا عبد الرّحمن ما أردنا إلّا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثنا أنّ قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعلّ أكثرهم منكم، ثمّ تولّى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامّة أولئك الخلق، يطاعنونا يوم النّهروان مع الخوارج» ) * «3» . 7- * (عن قيس بن أبي حازم قال: «ذكر لابن مسعود قاصّ يجلس باللّيل ويقول للنّاس: قولوا كذا وقولوا كذا، فقال: إذا رأيتموه فأخبروني، قال: فأخبروه، فجاء عبد الله متقنّعا فقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود تعلمون أنّكم لأهدى من محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أو إنّكم لمتعلّقون بذنب ضلالة» ) * «4» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7282) . (2) قال المنذري: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين أحدهما صحيح (1/ 89) وهو في معجم الطبراني الكبير (9/ 136) برقم (8637) . (3) الدارمي (1/ 60- 61) . (4) رواه الطبراني في الكبير (9/ 125) رقم (8629) . وعبد الرزاق في المصنف (5408) وإسناده صحيح. وصححه الهيثمي في المجمع (1/ 181) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3742 8- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: «قد أصبحتم على الفطرة وإنّكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الأوّل» ) * «1» 9- * (وقال- رضي الله عنه-: الاقتصاد في السّنّة خير من الاجتهاد في البدعة» ) * «2» . 10- * (وقال: «تعلّموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله، ألا وإيّاكم والتّنطّع والتّعمّق والبدع، وعليكم بالعتيق» ، وفي رواية أخرى: أيّها النّاس، إنّكم ستحدثون ويحدث لكم فعليكم بالأمر الأوّل» ) * «3» . 11- * (وقال: «إنّا نقتدي ولا نبتدي، ونتّبع ولا نبتدع، ولن نضلّ ما تمسّكنا بالأثر» ) * «4» . 12- * (وقال: «عليكم بالطّريق فالزموه ولئن أخذتم يمينا وشمالا لتضلّنّ ضلالا بعيدا» ) * «5» . 13- * (وقال: «إنّ أصدق القول قول الله وإنّ أحسن الهدي هدي محمّد صلّى الله عليه وسلّم والشّقيّ من شقي في بطن أمّه، وإنّ شرّ الرّوايا روايا الكذب، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ ما هو آت قريب» ) * «6» . 14- * (عن أبي إدريس الخولانيّ- عايذ الله: «أنّ يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل، أخبره، قال: كان لا يجلس مجلسا للذّكر حين يجلس إلّا قال: الله حكم قسط، هلك المرتابون. فقال: معاذ بن جبل يوما: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق، والرّجل والمرأة، والصّغير والكبير، والعبد والحرّ، فيوشك قائل أن يقول: ما للّناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم؛ فإنّ الشّيطان قد يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقّ. قال: قلت لمعاذ: ما يدريني- رحمك الله- أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضّلالة، وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحقّ؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات، الّتي يقال: ما هذا؟ ولا يثنينّك ذلك عنه؛ فإنّه لعلّه أن يراجع، وتلقّ الحقّ إذا سمعته، فإنّ على الحقّ نورا» ) * «7» . 15- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّه أتاه رجل فقال: أيصلح أن أطوف بالبيت وأنا محرم؟ قال: ما يمنعك من ذلك؟ قال: إنّ فلانا ينهانا عن ذلك حتّى يرجع النّاس من الموقف، ورأيته كأنّه مالت به الدّنيا وأنت أعجب إلينا منه. قال ابن عمر: تمتّع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فطاف بالبيت وسعى بين الصّفا   (1) الفتح (13/ 253) . (2) الحاكم (1/ 103) وقال: على شرطهما ووافقه الذهبي والدارمي (1/ 83) وقال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم (الدارمي (1/ 80) . (3) الدارمي (1/ 59) واللالكائي (1/ 87) نحوه. (4) اللالكائي (1/ 86) . (5) الدارمي (1/ 60) ، وذكره السيوطي في الأمر بالاتباع (89) . (6) البخاري- الفتح (13/ 249) . والدارمي (1/ 80) وهذا لفظه. (7) أبو داود (4/ 202) رقم (4611) . ومعناه عند الدارمي (1/ 78) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3743 والمروة وسنّة الله ورسوله أحقّ أن تتّبع من سنّة ابن فلان إن كنت صادقا» ) * «1» . 16- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «كلّ بدعة ضلالة، وإن رآها النّاس حسنة» ) * «2» . 17- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يوصي عثمان الأزديّ: «عليك بتقوى الله تعالى والاستقامة، اتّبع ولا تبتدع» ) * «3» . 18- * (وقال: إنّ أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع» ) * «4» . 19- * (وقال: «عليكم بالاستقامة والأثر وإيّاكم والبدع» ) * «5» . 20- * (وقال أيضا: في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فأهل السّنّة والجماعة وأولو العلم. فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ (آل عمران/ 106- 107) فأهل البدع والضّلالة» ) * «6» . 21- * (وقال أيضا: «من أحدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنّة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يدر ما هو عليه إذا لقي الله- عزّ وجلّ-» ) * «7» . 22- * (قال عبد الله بن الدّيلميّ- رضي الله عنه-: «بلغني: أنّ أوّل ذهاب الدّين ترك السّنّة، يذهب الدّين سنّة سنّة كما يذهب الحبل قوّة قوّة» ) * «8» . 23- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «لو أنّ رجلا أدرك السّلف الأوّل ثمّ بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا، قال: ووضع يده على خدّه ثمّ قال: إلّا هذه الصّلاة، ثمّ قال: أما والله على ذلك لمن عاش في النّكر ولم يدرك ذلك السّلف الصّالح فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه، فعصمه من ذلك، وجعل قلبه يحنّ إلى ذلك السّلف الصّالح، يسأل عن سبلهم، ويقتصّ آثارهم، ويتّبع سبيلهم، ليعوّض أجرا عظيما، وكذلك فكونوا إن شاء الله» ) * «9» . 24- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-: «لو خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليكم ما عرف شيئا ممّا كان عليه هو وأصحابه إلّا الصّلاة، قال الأوزاعيّ: فكيف لو كان اليوم؟ قال عيسى بن يونس: فكيف لو أدرك الأوزاعيّ هذا الزّمان؟» ) * «10» . 25- * (قال أبو إدريس الخولانيّ «لأن أرى في المسجد نارا لا أستطيع إطفاءها أحبّ إليّ من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها» ) * «11» . 26- * (قالت أمّ الدّرداء- رضي الله عنها-:   (1) أحمد (2/ 56، 57) ورجاله كلهم ثقات. (2) اللالكائي (1/ 92) . (3) الدارمي (1/ 50) . (4) البيهقي (4/ 316) . (5) الاعتصام (1/ 81) . (6) أصول الاعتقاد (1/ 72) . (7) الاعتصام (1/ 101) . (8) سنن الدارمي (1/ 58) . (9) الاعتصام (1/ 26) . (10) المرجع السابق (1/ 26) . (11) المرجع السابق (1/ 82) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3744 «دخل أبو الدّرداء وهو غضبان، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمّد إلّا أنّهم يصلّون جميعا» ) * «1» . 27- * (عن أبي العالية:- رحمه الله تعالى- قال: «تعلّموا الإسلام فإذا تعلّمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصّراط المستقيم، فإنّه الإسلام، ولا تحرّفوا يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنّة نبيّكم وما كان عليه أصحابه من قبل أن يقتلوا صاحبهم ومن قبل أن يفعلوا الّذي فعلوا. قد قرأنا القرآن من قبل أن يقتلوا صاحبهم ومن قبل أن يفعلوا الّذي فعلوا، وإيّاكم وهذه الأهواء الّتي تلقي بين النّاس العداوة والبغضاء. فحدّث الحسن بذلك فقال: رحمه الله، صدق ونصح» ) * «2» . 28- * (قال أبو العالية- رحمه الله تعالى-: «ما أدري أيّ النّعمتين أفضل؟ أن هداني الله للإسلام أو عافاني من هذه الأهواء» ) * «3» . 29- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «سنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وولاة الأمور بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوّة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النّظر فيما خالفها. من اقتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتّبع غير سبيل المؤمنين ولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا» ) «4» . 30- * (وقال- رحمه الله-: والله لولا أن أنعش سنّة قد أميتت، أو أن أميت بدعة قد أحييت لكرهت أن أعيش فيكم فواقا «5» » ) * «6» . 31- * (وعنه- رحمه الله- أنّه كان يكتب في كتبه: «إنّي أحذّركم ما مالت إليه الأهواء والزّيغ البعيدة. ولمّا بايعه النّاس صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّه ليس بعد نبيّكم نبيّ، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنّتكم سنّة، ولا بعد أمّتكم أمّة، ألا وإنّ الحلال ما أحلّ الله في كتابه على لسان نبيّه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإنّ الحرام ما حرّم الله في كتابه على لسان نبيّه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإنّي لست بمبتدع ولكنّي متّبع» ) * «7» . 32- * (وعنه- رحمه الله- أيضا: «خذوا من الرّأي ما يصدّق من كان قبلكم، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم؛ فإنّهم خير منكم وأعلم» ) * «8» . 33- * (عن أبي الصّلت قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما   (1) الاعتصام (1/ 26) . (2) المرجع السابق (1/ 85) . وهو في الحلية بمعناه (2/ 218) . وسير أعلام النبلاء (4/ 210) . (3) حلية الأولياء (2/ 218) . (4) إغاثة اللهفان (1/ 159) . والاعتصام (1/ 87) . (5) فواقا: يعني زمنا قليلا بمقدار حلب الناقة. (6) الاعتصام (1/ 34) . (7) المرجع السابق (1/ 86) . (8) الحلية (5/ 270) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3745 جرت به سنّته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السّنّة فإنّها لك بإذن الله عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم: إنّما حدث بعدهم، ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير بإذن الله وقعت، ما أعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر» ) * «1» . 34- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-: «كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد كتابا فيه: وقسم أبيك لك الخمس كلّه، وإنّما سهم أبيك كسهم رجل من المسلمين وفيه حقّ الله وحقّ الرّسول وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل فما أكثر خصماء أبيك يوم القيامة، فكيف ينجو من كثرت خصماؤه؟ وإظهارك المعارف والمزمار بدعة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجزّ جمّتك جمّة السّوء» ) * «2» . 35- * (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «شهدت شريحا وجاءه رجل من مراد فقال: يا أبا أميّة، ما دية الأصابع؟ قال: عشر عشر. قال: يا سبحان الله أسواء هاتان وجمع بين الخنصر والإبهام فقال شريح: يا سبحان الله أسواء أذنك ويدك؟ فإنّ الأذن يواريها الشّعر والعمامة، فيها نصف الدّية، وفي اليد نصف الدّية، ويحك إنّ السّنّة سبقت قياسكم، فاتّبع ولا تبتدع، فإنّك لن تضلّ ما أخذت بالأثر. ثمّ قال له الشّعبيّ: يا هذا لو أنّ أحنفكم قتل وهذا الصّبيّ في مهده أكان ديّتهما سواء؟ قلت: نعم. قال: فأين القياس؟» ) * «3» . 36- * (قال ابن سيرين: «ما أخذ رجل ببدعة فراجع سنّة» ) * «4» . 37- * (قال محمّد بن سيرين- رحمه الله تعالى-: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمّا وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنّة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم» ) * «5» . 38- * (قال مجاهد في قوله تعالى-: وَلا   (1) أبو داود (4/ 202، 203) رقم (4612) . (2) النسائي (7/ 129) . وصححه الألباني في صحيح النسائي (3855) . والجمة- بضم الجيم- مجتمع شعر الرأس وجزها: حلقها وذلك على وجه التحقير والإهانة. (3) سنن الدارمي (1/ 77) . (4) الدارمي (1/ 80) . (5) مسلم في المقدمة (1/ 15) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3746 تَتَّبِعُوا السُّبُلَ (الأنعام/ 153) قال: البدع والشّبهات» ) * «1» . 39- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «دخلت أنا وعروة بن الزّبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضّحى، قال: فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة «2» ، ثمّ قال له: كم اعتمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أربعا» ) * «3» . 40- * (قال ميمون بن مهران- رحمه الله تعالى-: «ثلاث لا تبلونّ نفسك بهنّ: لا تدخل على السّلطان، وإن قلت: آمره بطاعة الله، ولا تصغينّ بسمعك إلى هوى، فإنّك لا تدري ما يعلق بقلبك منه، ولا تدخل على امرأة، ولو قلت أعلّمها كتاب الله» ) * «4» . 41- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- «إنّما هلك من كان قبلكم حين تشعّبت بهم السّبل، وحادوا عن الطّريق فتركوا الآثار وقالوا في الدّين برأيهم فضلّوا وأضلّوا» ) * «5» . 42- * (سئل الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- عن الصّلاة خلف صاحب البدعة فقال: «صلّ خلفه، وعليه بدعته» ) * «6» . 43- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «السّنّة- والّذي لا إله إلّا هو- بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإنّ أهل السّنّة كانوا أقلّ النّاس فيما مضى، وهم أقلّ النّاس فيما بقي: الّذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنّتهم حتّى لقوا ربّهم. فكذلك إن شاء الله فكونوا» ) * «7» . 44- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «لن يزال لله نصحاء في الأرض من عباده يعرضون أعمال العباد على كتاب الله فإذا وافقوه حمدوا الله، وإذا خالفوه عرفوا بكتاب الله ضلالة من ضلّ، وهدى من اهتدى، فأولئك خلفاء الله» ) * «8» . 45- * (وقال: لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ولا حجّا ولا عمرة حتّى يدعها» ) * «9» . 46- * (وقال: «صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا، صياما وصلاة، إلّا ازداد من الله بعدا» ) * «10» . 47- * (وقال: «لا تجالس صاحب بدعة فإنّه يمرض قلبك» ) * «11» . 48- * (قال حسّان بن عطيّة: «ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلّا نزع الله من سنّتهم مثلها، ثمّ لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» ) * «12» .   (1) الاعتصام (1/ 58) . (2) قوله (بدعة) قال الحافظ في الفتح (3/ 53) : قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المساجد وصلاتها جماعة لأنّها مخالفة للسنة. (3) البخاري- الفتح 3 (1775) . ومسلم (1255) . (4) سير أعلام النبلاء (5/ 77) . (5) الاعتصام (1/ 102) . (6) ذكره الحافظ في فتح الباري (2/ 188) وعزاه لسعيد بن منصور (وسنده صحيح) . (7) إغاثة اللهفان (1/ 70) . (8) الاعتصام (1/ 34) . (9) الأمر بالاتباع (ص 78) . (10) الاعتصام (1/ 82) . (11) المرجع السابق (1/ 83) . (12) الدارمي (1/ 58) رقم (98) وسنده صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3747 49- * (قال أيّوب: «ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلّا ازداد من الله بعدا» ) * «1» . 50- * (قال يحيى بن أبي كثير: «إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر» ) * «2» . 51- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-: «اصبر نفسك على السّنّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكفّ عمّا كفّوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصّالح، فإنّه يسعك ما وسعهم» ) * «3» . 52- * (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله تعالى-: «البدعة أحبّ إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها» ) * «4» . 53- * (وقال سفيان أيضا: دع الباطل. أين أنت عن الحقّ؟، اتّبع السّنّة، ودع البدعة» ) * «5» . 54- * (قال مالك: «بئس القوم هؤلاء أهل الأهواء لا يسلّم عليهم» ) * «6» . 55- * (قال أصبغ- تلميذ الإمام مالك- رحمهما الله تعالى- لمن سأله عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدّمين: «هو بدعة، ولا ينبغي العمل به، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامّة، قيل له: دعاؤه للغزاة والمرابطين. قال: «ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه، وأمّا أن يكون شيئا يعمد له في خطبته دائما فإنّي أكره ذلك» ) * «7» . 56- * (كان مالك كثيرا ما ينشد: وخير أمور الدّين ما كان سنّة ... وشرّ الأمور المحدثات البدائع) * «8» . 57- * (قال ابن الماجشون- رحمه الله تعالى-: سمعت مالكا- رحمه الله تعالى- يقول: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم خان الرّسالة، لأنّ الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (المائدة/ 3) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا» ) * «9» . 58- * (قال فضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «من جلس إلى صاحب بدعة فاحذروه. وقال: من أحبّ صاحب بدعة أحبط الله عمله. وأخرج نور الإسلام من قلبه» ) * «10» . 59- * (وقال: «إذا رأيت مبتدعا في طريق فخذ في طريق آخر، ولا يرفع لصاحب البدعة إلى الله عزّ وجلّ- عمل، ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» ) * «11» . 60- * (وقال: «من زوّج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها» ) * «12» . 61- * (وقال: «إذا علم الله من رجل أنّه   (1) الأمر بالاتباع (81) وعزاه لتلبيس ابليس (ص 13) . والاعتصام (1/ 83) . (2) الاعتصام (1/ 84) . (3) اللالكائي في شرح السنة (1/ 154) . (4) تلبيس إبليس (ص 13) . (5) شرح السنة للبغوي (1/ 217) . وذكره في الأمر بالاتباع (ص 83) . (6) ذكره في الأمر بالاتباع (ص 83) وعزاه لشرح السنة (1/ 129) . (7) الاعتصام (1/ 27، 28) . (8) المرجع السابق (1/ 85) . (9) المرجع السابق (1/ 49) . (10) تلبيس إبليس (ص 14) (11) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (12) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3748 مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له سيّئاته» ) * «1» . 62- * (وقال: «اتّبع طرق الهدى ولا يضرّك قلّة السّالكين، وإيّاك وطرق الضّلالة ولا تغترّ بكثرة الهالكين» ) * «2» . 63- * (وقال: «من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة» ) * «3» . 64- * (وقال: «من علامة البلاء أن يكون الرّجل صاحب بدعة» ) * «4» . 65- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: «لأن يلقى الله العبد بكلّ ذنب ما خلا الشّرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء» ) * «5» . 66- * (قال أبو بكر التّرمذيّ- رحمه الله تعالى-: «لم يجد أحد تمام الهمّة بأوصافها إلّا أهل المحبّة، وإنّما أخذوا ذلك باتّباع السّنّة ومجانبة البدعة، فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كان أعلى الخلق كلّهم همّة وأقربهم زلفى» ) * «6» . 67- * (قال أبو الحسن الورّاق- رحمه الله تعالى-: «لا يصل العبد إلى الله إلّا بموافقة حبيبه صلّى الله عليه وسلّم في شرائعه، ومن جعل الطّريق إلى الوصول في غير الاقتداء يضلّ من حيث يظنّ أنّه مهتد» ) * «7» . 68- * (سئل إبراهيم الخوّاص- رحمه الله- عن العافية فقال: «العافية أربعة أشياء: دين بلا بدعة، وعمل بلا آفة، وقلب بلا شغل، ونفس بلا شهوة» ) * «8» . 69- * (قال أبو عثمان النّيسابوري- رحمه الله تعالى-: «من أمّر السّنّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة، قال الله- تعالى- وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا (النور/ 54) * «9» . 70- * (قال ذو النّون المصريّ- رحمه الله تعالى-: «إنّما دخل الفساد على الخلق من ستّة أشياء: الأوّل: ضعف النّيّة بعمل الآخرة. والثّاني: صارت أبدانهم مهيّأة لشهواتهم. والثّالث: غلبهم طول الأمل مع قصر الأجل. والرّابع: آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الله. والخامس: اتّبعوا أهواء هم ونبذوا سنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم. والسّادس: جعلوا زلّات السّلف حجّة لأنفسهم، ودفنوا أكثر مناقبهم» ) * «10» . 71- * (سئل أحمد بن أبي الحواريّ- رحمه الله تعالى- عن البدعة؟ فقال: «التّعدّي في الأحكام والتّهاون في السّنن، واتّباع الآراء والأهواء، وترك الاتّباع والاقتداء» ) * «11» . 72- * (قيل لأبي بكر بن عيّاش: «إنّ أناسا يجلسون ويجلس إليهم النّاس ولا يستأهلون. قال:   (1) تلبيس إبليس (ص 14) . (2) الاعتصام (1/ 83) . (3) المرجع السابق (1/ 90) . (4) الحلية (8/ 108) . (5) المرجع السابق (9/ 111) . (6) الاعتصام (1/ 92) . (7) المرجع السابق (1/ 92) . (8) المرجع السابق (1/ 97) . (9) المرجع السابق (/ 96) . (10) المرجع السابق (1/ 90) . (11) المرجع السابق (1/ 95) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3749 «كلّ من جلس جلس إليه النّاس، وصاحب السّنّة إذا مات أحيا الله ذكره، والمبتدع لا يذكر» ) * «1» . 73- * (قال النّووي- رحمه الله تعالى- في شرح حديث (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ) : «هذا الحديث ممّا ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به كذلك» ) * «2» . 74- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «العبادات مبناها على الشّرع والاتّباع، لا على الهوى والابتداع، فإنّ الإسلام مبنيّ على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له. والثّاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، لا نعبده بالأهواء والبدع. فليس لأحد أن يعبد الله إلّا بما شرعه رسوله صلّى الله عليه وسلّم من واجب ومستحبّ، لا أن نعبده بالأمور المبتدعة» ) * «3» . 75- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السّنن» ) * «4» . 76- * (قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: «كلّ صاحب مخالفة من شأنه أن يدعو غيره إليها، ويحضّ سواه عليها، إذ التّأسّي في الأفعال والمذاهب موضوع طلبه في الجبلّة، وبسببه تقع من المخالف المخالفة، وتحصل من الموافق المؤالفة، ومنه تنشأ العداوة والبغضاء للمختلفين» ) * «5» . من مضار (الابتداع) (1) حبوط الأعمال وإن كانت كثيرة. (2) من لوازمه دعوى عدم كمال الدّين. (3) صاحبه من أعوان الشّيطان ومن أعداء الرّحمن. (4) أبغض إلى الله- عزّ وجلّ- من كثير من المعاصي. (5) صاحبه لا يرجى له التّوبة بخلاف أهل المعاصي (6) كلّ البدع ضلال ليس فيها شيء حسن. (7) أنواعها في العقيدة والعبادة وشرّها بدع العقيدة. (8) البدع تركيّة وفعليّة، وكلّها مذمومة. (9) إثمها متجدّد لا ينقطع مادام يعمل بها في الأرض. (10) من أقرب مداخل الشّيطان للإنسان. (11) تؤدّي إلى خلط الحقّ بالباطل وحيرة الأغرار في التّمييز بينهما. (12) تؤدّي إلى نفرة من ليس له قدم في فهم الإسلام منه لكثرة ما يظنّ من تكاليفه.   (1) علل الترمذي في آخر السنن (5/ 695) . (2) فتح الباري (5/ 302، 303) . (3) الفتاوى (1/ 80) بتصرف. (4) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 213) . (5) الاعتصام (1/ 23) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3750 اتباع الهوى الهوى لغة: مصدر قولهم: هوى يهوي، وتدلّ المادّة الّتي اشتقّ منها على «الخلوّ والسّقوط.. ومن ذلك: الهواء بين السّماء والأرض سمّي بذلك لخلوّه، وكلّ خال هواء، قال تعالى: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (إبراهيم/ 43) أي خالية لاتعي شيئا، ويقال: هوى الشّيء يهوي أي سقط، والهاوية جهنّم؛ لأنّ الكافر يسقط فيها، والهوّة: الوهدة العميقة، يقول ابن فارس: وهوى النّفس مأخوذ من المعنيين جميعا (أي من الخلوّ والسّقوط) لأنّه خال من كلّ شيء، ويهوي بصاحبه فيما لا ينبغي «1» ، وذهب الرّاغب إلى أنّه مأخوذ من معنى السّقوط فقط فقال: «وقيل سمّي بذلك لأنّه يهوي بصاحبه في الدّنيا إلى كلّ داهية وفى الآخرة إلى الهاوية «2» ، والهوى، مقصور: هوى النّفس، وجمعه أهواء، وإذا أضفته إليك قلت: هواي وبعض العرب يقول: هويّ، وقولهم: هذا الشّيء أهوى إليّ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 24/ 8/ 50 من كذا أي أحبّ إليّ، وهوي بالكسر يهوي هوى، أي أحبّ، وهوى بالفتح يهوى هويّا، أي سقط إلى أسفل، وهوى وانهوى بمعنى وتهاوى القوم في المهواة، إذا سقط بعضهم في إثر بعض، واستهواه الشّيطان أي استهامه، قال تعالى كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ.. (الأنعام/ 71) أي استغوته وزيّنت له هواه ودعته إليه «3» وقال ابن منظور: وهوى النّفس: إرادتها، وقيل محبّة الإنسان الشّيء وغلبته على قلبه، قال تعالى: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (النازعات/ 40) معناه: نهاها عن شهواتها وما تدعو إليه من معاصي الله- عزّ وجلّ-، وقيل الهوى: هوى الضّمير، ومتى تكلّم بالهوى مطلقا لم يكن إلّا مذموما، حتّى ينعت بما يخرج معناه عن الذّمّ كقولهم: هوى حسن، وهوى موافق للصّواب «4» ، وأمّا قول الله تعالى: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (ص/ 26) فمعناه: ولا تؤثر هواك في قضائك على   (1) مقاييس اللغة (6/ 16) . (2) المفردات (ص 548) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (5/ 359) وما بعدها. (3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (7/ 14) قد نقل عن ابن عباس رضي الله عنه في معنى هذه الآية قوله «أي مثل عابد الصنم مثل من دعاه الغول (الشيطان) فيتّبعه فيصبح وقد ألقته في مضلّة ومهلكة فهو حائر في تلك المهامه (والقفار) ، قيل نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- كان يدعو أباه إلى الكفر وأبواه يدعوانه إلى الإسلام. (4) لسان العرب (هوى) (ص 4726) ط دار المعارف وانظر الصحاح (6/ 537) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3751 الحقّ والعدل فتجور عن الحقّ؛ فيضلّك ذلك عن سبيل الله، وقيل: لا تقتد بهواك المخالف لأمر الله فيضلّك عن سبيل الله أي عن طريق الجنّة «1» . الهوى اصطلاحا: قال الكفويّ: الهوى: ميل النّفس إلى ما تستلذّه من الشّهوات من غير داعية الشّرع «2» . وقال المناويّ: وقيل: الهوى: نزوع النّفس لسفل شهواتها لباعث انبساطها ويكون ذلك في مقابلة معتلى الرّوح «3» . وقال الرّاغب: هو ميل النّفس إلى الشّهوة «4» . وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: ميل الطّبع إلى ما يلائمه «5» . أهل الأهواء: هم أهل القبلة الّذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السّنّة، وهم الجبريّة والقدريّة والرّوافض والمعطّلة والمشبّهة وكلّ منهم اثنتا عشرة فرقة «6» . اتباع الهوى اصطلاحا: هو إيثار ميل النّفس إلى الشّهوة والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاصي الله- عزّ وجلّ- «7» . اتباع الهوى وأثره على الفرد والمجتمع: إنّ انقياد الإنسان واتّباعه للشّهوة يجعله في مصافّ الحيوانات، ويجلب له الخزي في الدّنيا، والعذاب في الآخرة. يقول الجاحظ: إذا تمكّنت الشّهوة من الإنسان وملكته وانقاد لها كان بالبهائم أشبه منه بالنّاس، لأنّ أغراضه ومطلوباته وهمّته تصير أبدا مصروفة إلى الشّهوات واللّذّات فقط، وهذه هي عادة البهائم، ومن يكون بهذه الصّفة يقلّ حياؤه، ويكثر خرقه، ويستوحش من أهل الفضل، ويبغض أهل العلم، ويودّ أصحاب الفجور، ويستحبّ الفواحش، ويسرّ بمعاشرة السّخفاء، ويغلب عليه الهزل وكثرة اللهو، وقد يصير من هذه الحالة إلى الفجور، وارتكاب الفواحش، والتّعرّض للمحظورات، وربّما دعته محبّة اللّذّات إلى اكتساب الأموال من أقبح وجوهها، وربّما حملته على الغضب والتّلصّص والخيانة وأخذ ما ليس له بحقّ؛ فإنّ اللّذّات لا تتمّ إلّا بالأموال والأعراض، فمحبّ اللّذّة إذا تعذّرت عليه الأموال من وجوهها، جسّرته شهوته إلى اكتسابها من غير وجوهها، ومن تنتهي به شهواته إلى هذا الحدّ، فهو أسوأ النّاس حالا، ويصبح من الأشرار الّذين يخاف خبثهم، ويصير واجبا على متولّي السّياسات تقويمهم وتأديبهم، وإبعادهم ونفيهم، حتّى لا يختلطوا بالنّاس فإنّ   (1) انظر تفسير الطبري (1/ 97) وتفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) (15/ 124) . (2) الكليات (ص 962) وانظر أيضا المناوي في (التوقيف على مهمات التعاريف) (ص 344) حيث ذكر هذا التعريف ضمن تعريفات أخرى عديدة. (3) نقل المناوي هذا التعريف عن الحراليّ وقد تصرّفنا فيه تصرفا يسيرا. (4) المفردات (548) . (5) ذم الهوى (12) نسخة مصطفى عبد الواحد. (6) كتاب التعريفات للجرجاني (ص 41) . (7) اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره اللغويون والمفسرون. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3752 اختلاط من هذه صفته بالنّاس مضرّة لهم، وبخاصّة الأحداث منهم، لأنّ الحدث (صغير السّنّ) سريع الانطباع، ونفسه مجبولة على الميل إلى الشّهوات، فإذا شاهد غيره مرتكبا لها، مستحسنا للانهماك فيها، مال هو أيضا إلى الاقتداء به «1» . الفرق بين الهوى والشهوة: يقول الإمام الماورديّ: فرق ما بين الهوى والشّهوة، أنّ الهوى مختصّ بالآراء والاعتقادات، والشّهوة مختصّة بنيل المستلذّات فصارت الشّهوة من نتائج الهوى، والهوى أصل وهو أعمّ «2» . وقال الرّاغب في الفرق بين الهوى والشّهوة، أنّ الشّهوة ضربان: محمودة ومذمومة، فالمحمودة من فعل الله تعالى، والمذمومة من فعل البشر، وهي استجابة النّفس لما فيه لذّاتها البدنيّة، والهوى هو هذه الشّهوة الغالبة إذا استتبعتها الفكرة، وذلك أنّ الفكرة بين العقل والشّهوة، فالعقل فوقها، والشّهوة تحتها، فمتى ارتفعت الفكرة ولّدت المحاسن، وإذا سفلت ولّدت القبائح «3» . الفرق بين ما يسومه العقل وما يسومه الهوى: يوضّح الرّاغب ذلك فيما يلي: 1- من شأن العقل أن يرى ويختار أبدا الأصلح في العواقب وإن كان في المبدإ على النّفس مشقّة، والهوى على الضّدّ من ذلك، فإنّه يؤثر ما يدفع به المؤذي في الوقت (العاجل) وإن كان يعقبه مضرّة في الآجل، ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «حفّت الجنّة بالمكاره، وحفّت النّار بالشّهوات» . 2- الهوى يري الإنسان ماله دون ما عليه، ويعمّي عليه ما يعقبه من المكروه، أمّا العقل فإنّه يري الإنسان ما له وما عليه، وما يريه العقل يتقوّى إذا فزع فيه المرء إلى الله- عزّ وجلّ- بالإستخارة. 3- العقل يري ما يري بحجّة وعذر، والهوى يري ما يري بشهوة وميل «4» . الهوى يعمي ويصم: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمّه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في الأمر ولا يطلبه أصلا، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصّل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصّل ما يغضب له بهواه، فليس قصده أن يكون الدّين كلّه لله، وأن تكون كلمة الله هي العلياء، بل قصده الحميّة لنفسه وطائفته أو الرّياء، ليعظّم هو ويثنى عليه، أو لغرض من الدّنيا فلم يكن لله غضبه، ولم يكن مجاهدا في سبيل الله، بل إنّ أصحاب الهوى يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه، ويرضون عمّن يوافقهم، وإن كان جاهلا سيّء القصد، ليس له علم ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذمّوا من لم   (1) باختصار وتصرف يسير عن تهذيب الأخلاق (15- 16) . (2) أدب الدنيا والدين (ص 38) . (3) الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص 46) باختصار وتصرف. (4) المرجع السابق (43- 45) باختصار وتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3753 يذمّه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله «1» . اتباع الهوى ضلال وعلامة من علامات أهل البدع: قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: وهو يذكر علامات أهل البدع، منها: الفرقة الّتي نبّه عليها قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ (الأنعام/ 159) وقوله وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا (آل عمران/ 105) فعزا رحمه الله- إلى بعض المفسّرين: أنّهم صاروا فرقا لاتّباع أهوائهم، وبمفارقة الدّين تشتّتت أهواؤهم فافترقوا ثمّ برّأ الله نبيّه منهم بقوله: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ. ثمّ ذكر أنّ الصّحابة اختلفوا ولم يتفرّقوا إلى أن قال- رحمه الله تعالى-: فكلّ مسألة حدثت في الإسلام فاختلف النّاس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنّها من مسائل الإسلام. وكلّ مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتّنافر والتّنابز والقطيعة علمنا أنّها ليست من أمر الدّين في شيء قال: فيجب على كلّ ذي دين وعقل أن يجتنبها، فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتّباع الهوى. وذكر منها أيضا: اتّباع الهوى: وهي الّتي نبّه عليها قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ (آل عمران/ 7) وهو الميل عن الحقّ اتّباعا للهوى، وقوله تعالى وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ (القصص/ 50) وقوله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ (الجاثية/ 23) «2» . علاج الهوى: يعالج بالعزم القويّ في هجران ما يؤذي، والتّدرّج فيما لا يؤمن أذاه، وهذا يفتقر إلى صبر ومجاهدة، ويهوّن ذلك على المبتلى أمور سبعة هي: 1- التّفكّر في أنّ الإنسان لم يخلق للهوى، وإنّما هيّىء للنّظر في العواقب والعمل للآجل، فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بخس الإنسان- وهو سرف في حظّه- منه وزاد عن حظّ البهائم، وفي توفير حظّ الآدميّ من العقل وبخس حظّه من الهوى دليل على فضل هذا وذاك. 2- التّفكّر في عواقب الهوى، فكم فوّت من فضيلة، وكم قد أوقع في رذيلة، وكم من زلّة أوجبت انكسار جاه وقبح ذكر مع إثم. غير أنّ صاحب الهوى لا يرى إلّا الهوى. 3- تصوّر العاقل لانقضاء غرضه من هواه، ثمّ يتصوّر مدى الأذى الّذي يحصل له عقب اللّذّة، فإنّه حينئذ سيرى أنّ ما حصل له من الأذى يربو على الهوى أضعافا مضاعفة. 4- تصوّر عاقبة ذلك في حقّ غيره؛ فعندئذ   (1) منهاج السنة النبوية (5/ 255- 256) . بتصرف ط. محمد رشاد سالم. (2) بتصرف من الموافقات (4/ 104- 107) ط. دار الفكر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3754 سيرى ما يعلم به عيب نفسه إن هو وقف في ذلك المقام وارتكس في هذه الآثام. 5- التّفكّر في حقيقة ما يناله باتّباعه هواه من اللّذّات والشّهوات، فإنّ العقل سيخبره أنّه ليس بشيء، وإنّما عين الهوى عمياء. 6- التّدبّر لما يحصل له من عزّ الغلبة إن ملك نفسه، وذلّ القهر إن غلبته، فما من أحد غلب هواه إلّا أحسّ بقوّة العزّ، وما من أحد غلبه هواه إلّا وخز في نفسه ذلّ القهر. 7- التّفكّر في فائدة مخالفة الهوى من اكتساب الذّكر الجميل في الدّنيا، وسلامة النّفس والعرض والأجر في الآخرة، ثمّ يعكس فيتفكّر لو وافق هواه في حصول عكس ذلك على الأبد، من كان يكون يوسف لو نال تلك اللّذّة؟ فلمّا تركها وصبر عنها بمجاهدة ساعة، صار من قد عرفت «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- الضلال الغرور- الفجور- الفسوق- الردة- الكفر- الأمن من المكر- الإصرار على الذنب- الحكم بغير ما أنزل الله. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاتباع- المحبة- الحكم بما أنزل الله- الهدى- الثبات- الاعتصام- الطاعة] .   (1) ذم الهوى (14، 15) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3755 الآيات الواردة في «اتباع الهوى» آيات ورد فيها الهوى في سياق التحذير أو التوبيخ: 1- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «1» 2- لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71) «2» 3- فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «3» 4- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «4» 5- وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)   (1) البقرة: 87 مدنية (2) المائدة: 70- 71 مدنية (3) الأنعام: 118- 121 مكية (4) الأعراف: 175- 177 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3756 إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) «1» 6- قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) «2» 7- ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29) «3» 8- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) «4» 9- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) 10- أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) «5»   (1) الفرقان: 40- 44 مكية (2) القصص: 49- 50 مكية (3) الروم: 28- 29 مكية (4) الجاثية: 21- 23 مكية (5) محمد: 14- 17 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3757 تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) «1» 11- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) «2» آيات ورد فيها اتباع الهوى في سياق التحذير أو التوجيه: 12- وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «3» 13- وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) «4» 14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «5» 15- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «6» 16- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77)   (1) النجم: 19- 23 مكية (2) القمر: 1- 5 مكية (3) البقرة: 120 مدنية (4) البقرة: 145 مدنية (5) النساء: 135 مدنية (6) المائدة: 48- 50 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3758 لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (81) «1» 17- قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) «2» 18- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «3» 19- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «4» 20- إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16) «5» 21- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «6»   (1) المائدة: 77- 81 مدنية (2) الأنعام: 150 مكية (3) الرعد: 35- 37 مكية (4) الكهف: 28 مكية (5) طه: 15- 16 مكية (6) ص: 26- 28 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3759 22- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16) «1» 23- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «2» 24- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (11) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) «3»   (1) الشورى: 13- 16 مكية (2) الجاثية: 16- 20 مكية (3) النجم: 1- 18 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3760 الأحاديث الواردة في ذمّ (اتباع الهوى) 1- * (قال قطبة بن مالك- رضي الله عنه-: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء» ) * «1» . 2- * (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ممّا أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم ومضلّات الهوى» ) * «2» . 3- * (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيّة آية؟ قلت قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) . قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر. حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا. وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوامّ فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم- قال عبد الله بن المبارك وزادني غير عتبة، قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منّا أو منهم؟ قال: «بل أجر خمسين منكم» ) * «3» . 4- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّه قال: كنّا عند عمر فقال: أيّكم سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلّكم تعنون فتنة الرّجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل «4» . قال: تلك تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة. ولكن أيّكم سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يذكر الفتن الّتى تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم «5» . فقلت: أنا. قال: أنت؟ لله أبوك «6» ! قال حذيفة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا «7» . فأيّ قلب أشربها «8» نكت فيه نكتة «9» سوداء. وأيّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتّى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصّفا. فلا تضرّه فتنة ما دامت السّماوات والأرض، والآخر أسود مربادّ «10» كالكوز   (1) الترمذي (3591) واللفظ له وقال: حسن غريب. وابن أبي عاصم في السنة وقال الألباني: إسناده صحيح رواه أصحاب السنن وغيرهم.. وذكره في المشكاة برقم (2471) وقال: رواه الترمذي (2/ 761- 762) . (2) أحمد (4/ 042- 423) واللفظ له، وذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح (1/ 188) ، وهو في السنة لابن أبي عاصم بلفظ قريب. وقال الألباني (12) : صحيح. (3) الترمذي (3058) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأبو داود (4341) . وابن ماجة (4014) . والبغوي في «شرح السنة» (14/ 348) وقال محققه: للحديث شواهد يتقوى بها. (4) أجل: نعم. (5) أسكت: أي أطرق، وإنما سكت القوم لأنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة. (6) لله أبوك: كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها. (7) المراد بعرض الفتن على القلوب ورودها عليها متتابعة بعضها ورد بعض كالحصير تتابع أعواده عودا بعد آخر. (8) أشربها: أي دخلت فيه دخولا تامّا. (9) نكت نكتة: أي نقط نقطة. (10) مرباد: بياض يسير يخالطه سواد كثير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3761 مجخّيّا «1» لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلّا ما أشرب من هواه» . قال حذيفة: وحدّثته أنّ بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسرا لا أبالك! فلو أنّه فتح لعلّه كان يعاد. قلت: لا. بل يكسر، وحدّثته أنّ ذلك الباب رجل يقتل أو يموت. حديثا ليس بالأغاليط) * «2» . 5- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث كفّارات. وثلاث درجات. وثلاث منجيات. وثلاث مهلكات: أمّا الكفّارات: فإسباغ الوضوء في السّبرات «3» ، وانتظار الصّلوات بعد الصّلوات، ونقل الأقدام إلى الجمعات، وأمّا الدّرجات: فإطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام، وأمّا المنجيات: فالعدل في الغضب والرّضى، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السّرّ والعلانية، وأمّا المهلكات: فشحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «4» . 6- * (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- أنّه قال في معنى قوله تعالى وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ ... إلى قوله: فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنعام/ 52) قال: جاء الأقرع بن حابس التّميميّ وعيينة بن حصن الفزاريّ، فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع صهيب وبلال وعمّار وخبّاب قاعدا في ناس من الضّعفاء من المؤمنين فلمّا رأوهم حول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقروهم فأتوه، فخلوا به، وقالوا: إنّا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا؛ فإنّ وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك. فإذا نحن فرغنا، فاقعد معهم إن شئت. قال «نعم» قالوا: فاكتب لنا عليك كتابا. قال، فدعا بصحيفة، ودعا عليّا ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبرائيل عليه السّلام فقال: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. ثمّ ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (الأنعام/ 53) ثمّ قال: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (الأنعام/ 54) . قال: فدنونا منه حتّى وضعنا ركبنا على ركبته. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا. فأنزل الله وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ (الكهف/ 28) (ولا تجالس الأشراف) تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (يعني   (1) مجخيّا: منكوسا مائلا. (2) مسلم (144) . (3) السبرات: جمع سبرة بفتح السين وسكون الباء وهي الغداة الباردة، والمراد شدة البرد في أوائل النهار أو غيرها. (4) البزار كما في كشف الأستار (1/ 6059) رقم (80) . ورواه أيضا عن ابن عباس برقم (82) وكذا ابن أبي أوفى برقم (83) . وذكر الألباني له طرقا أخرى في الصحيحة فانظره هناك (4/ 412- 416) برقم (1802) وقال: الحديث بمجموع الطرق حسن على أقل الدرجات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3762 عيينة والأقرع) وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف/ 38) (قال: هلاكا) قال: أمر عيينة والأقرع. ثمّ ضرب لهم مثل الرّجلين ومثل الحياة الدّنيا. قال خبّاب: فكنّا نقعد مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فإذا بلغنا السّاعة الّتي يقوم فيها، قمنا وتركناه حتّى يقوم» ) * «1» . 7- * (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- أنّه قال: ألا إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام فينا فقال: «ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة، وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنّة وهي الجماعة، زاد ابن يحيى وعمر في حديثهما: وإنّه سيخرج من أمّتي أقوام تجارى «2» بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلّا دخله» ) * «3» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ ابن آدم أصاب من الزّنا لا محالة، فالعين زناها النّظر، واليد زناها اللّمس، والنّفس تهوى وتحدّث «4» ، ويصدّق ذلك ويكذّبه الفرج» ) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (اتباع الهوى) معنى انظر: صفة ((الابتداع))   (1) ابن ماجة (4127) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وقد روى مسلم والنسائي وابن ماجة بعضه من حديث سعد بن أبي وقاص. (2) تجارى: أصله تتجارى والمعنى تتسابق بهم الأهواء أي تسابقهم ويسابقونها، ومؤدى هذا أنهم لا يراجعون أنفسهم فيما تميل إليه. (3) أبو داود (4597) وذكره ابن أبي عاصم في السنة. وقال الألباني: حديث صحيح (8) . (4) تحدّث: أي تتحدث فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. (5) أحمد (2/ 349- 350) رقم (8582) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وأحاله إلى رقم (8199) (16/ 92) ، والحديث في الصحيحين بمعناه: البخاري- الفتح 11 (6612) . ومسلم (2657) ، فضائل الصحابة، للإمام أحمد (1/ 530) رقم (881) . ويصدق ذلك الفرج ... إلخ، أي يجعل منه حقيقة واقعة أو لا يجعل منه حقيقة، والمراد بالفرج صاحبه، أطلق الجزء وأريد الكل كقوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ*. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3763 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (اتباع الهوى) 1- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: «إنّ أخوف ما أتخوّف عليكم اثنتان: طول الأمل واتّباع الهوى. فأمّا طول الأمل فينسي الآخرة، وأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ. ألا وإنّ الدّنيا قد ولّت مدبرة والآخرة مقبلة ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل» ) * «1» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «ما ذكر الله- عزّ وجلّ- الهوى في موضع من كتاب إلّا ذمّه» ) * «2» . 3- * (قال عبد الله الدّيلميّ- رضي الله عنه-: «بلغني أنّ أوّل ذهاب الدّين ترك السّنّة، يذهب الدّين سنّة سنّة كما يذهب الحبل قوّة قوّة» ) * «3» . 4- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «الهوى شرّ داء خالط قلبا» ) * «4» . 5- * (وقال- رحمه الله تعالى-: لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم» ) * «5» . 6- * (وقال- رحمه الله تعالى-: أخذ الله على الحكّام أن لا يتّبعوا الهوى، ولا يخشوا النّاس، ولا يشتروا بآياتي ثمنا قليلا، ثمّ قرأ يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (ص/ 26) «6» . 7- * (وقال أيضا: أفضل الجهاد جهاد الهوى» ) * «7» . 8- * (وقال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- وقد سئل: هل في أهل القبلة شرك؟ فقال: نعم، المنافق مشرك. إنّ المشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله، وإنّ المنافق عبد هواه، ثمّ تلا قول الله تعالى أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (الفرقان/ 43) . وقال أيضا- رحمه الله- تعالى- في معنى الآية: «إنّ هذا لا يهوى شيئا إلّا تبعه» ) * «8» . 9- * (قال عبد الرّحمن بن مهديّ (وغيره) رحمهم الله تعالى-: «أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلّا ما لهم» ) * «9» . 10- * (قال قتادة- رحمه الله تعالى-: «إنّ الرّجل إذا كان كلّما هوي شيئا ركبه، وكلّما اشتهى شيئا   (1) فضائل الصحابة، للإمام أحمد (1/ 530) رقم (881) . (2) ذم الهوى لابن الجوزي (12) . (3) سنن الدارمي (1/ 58) . (4) السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 138) رقم (105) . (5) سنن الدارمي (1/ 121) رقم (401) . (6) البخاري- الفتح (13/ 156) . (7) أدب الدنيا والدين (41) . (8) كله من الأضواء (6/ 330) . (9) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 72، 73) تحقيق وتعليق: د. ناصر ابن عبد الكريم العقل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3764 أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتّخذ إلهه هواه» ) * «1» . 11- * (قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله تعالى-: «لا تجالسوا أهل الأهواء، فإنّ مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين» ) * «2» . 12- * (قال ابن سيرين- رحمه الله تعالى- لرجلين من أصحاب الأهواء وقد دخلا عليه فقالا: يا أبا بكر، نحدّثك بحديث؟ قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: لا، لتقومانّ عنّي أو لأقومنّ. فخرجا، فقال بعض القوم؟: يا أبا بكر، ما كان عليك أن يقرأ عليك آية من كتاب الله تعالى؟ قال: إنّي خشيت أن يقرآ عليّ آية فيحرّفاها فيقرّ ذلك في قلبي» ) * «3» . 13- * (قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: «ما يدرى أيّ النّعمتين عليّ أعظم: أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء» ) * «4» . 14- * (قال أبو قلابة- رحمه الله تعالى-: «لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم، فإنّي لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون» ) * «5» . 15- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «إنّ أهل الأهواء أهل الضّلالة، ولا أرى مصيرهم إلّا النّار، فجرّبهم فليس أحد منهم ينتحل قولا- أو قال حديثا- فيتناهى به الأمر دون السّيف، وإنّ النّفاق كان ضروبا، ثمّ تلا وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ (التوبة/ 75) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ (التوبة/ 58) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ (التوبة/ 61) فاختلف قولهم، واجتمعوا في الشّكّ والتّكذيب، وإنّ هؤلاء اختلف قولهم واجتمعوا في السّيف، ولا أرى مصيرهم إلّا النّار» ) * «6» . 16- * (قال أبو العالية الرّياحيّ: «تعلّموا الإسلام، فإذا تعلّمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصّراط المستقيم فإنّه الإسلام، ولا تحرّفوا يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنّة نبيّكم وما كان عليه أصحابه ... وإيّاكم وهذه الأهواء الّتي تلقي العداوة والبغضاء. فحدّث الحسن بذلك فقال- رحمه الله-: «صدق ونصح» ) * «7» . 17- * (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّما سمّي الهوى لأنّه يهوي بصاحبه» ) * «8» . 18- * (قال هشام بن عبد الملك- رحمه الله تعالى-:   (1) أضواء البيان (6/ 330) . (2) الإبانة لابن بطة بواسطة رسالة الهوى وأثره في الخلاف لعبد الله بن محمد الغنيمان (9) . (3) سنن الدارمي (1/ 121) رقم (397) وروى مثل ذلك عن سعيد بن جبير وأيوب السختياني انظر نفس الموضع. (4) سنن الدارمي (1/ 103) رقم (309) . (5) سنن الدارمي (1/ 120) رقم (391) . والسنة لعبد الله بن الامام أحمد (1/ 137) رقم (99) . (6) الدارمي (1/ 58، 59) رقم (100) . (7) الاعتصام للشاطبي (1/ 85) . هو في الحلية بمعناه (2/ 218) . وسير أعلام النبلاء (4/ 210) . (8) سنن الدارمي (1/ 120) رقم (395) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3765 إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى كلّ ما فيه عليك مقال قال ابن المعتزّ- رحمه الله تعالى-: لم يقل هشام ابن عبد الملك سوى هذا البيت» ) * «1» . 19- * (عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: أنّه كان يكتب في كتبه: إنّي أحذّركم ما مالت إليه الأهواء والزّيغ البعيدة» ) * «2» . 20- * (عن أبي الصّلت، قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد «3» في أمره، واتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنّته، وكفوا مؤنته «4» ، فعليك بلزوم السّنّة فإنّها لك- بإذن الله- عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والتّعمّق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم: إنّما حدث بعدهم ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير- بإذن الله- وقعت، ما أعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهليّة الجهلاء، يتكلّمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثمّ لم يزده الإسلام بعد إلّا شدّة، ولقد ذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلّموا به في حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربّهم، وتضعيفا لأنفسهم، أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنّه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه، ومنه تعلّموه. ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا؟ ولم قال: كذا؟. لقد قرأوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كلّه بكتاب وقدر، وكتبت الشّقاوة، وما يقدّر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا، ثمّ رغبوا بعد ذلك ورهبوا» ) * «5» .   (1) أدب الدنيا والدين (39) . (2) الاعتصام (1/ 65) ط. دار الكتب العلمية. (3) الاقتصاد في أمر الله: الاعتدال فيه فيقف حيث وقف به الشرع من كتاب وسنة. (4) كفوا مؤنته: لم يكلف بالبحث فيه وما يترتب عليه من عناء ومشقة. (5) أبو داود (4/ 202- 203) رقم (4612) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3766 21- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-: «قال إبليس لأوليائه: من أيّ شيء تأتون بني آدم؟ فقالوا: من كلّ شيء. قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ فقالوا: هيهات، ذاك شيء قرن التّوحيد، قال: لأبثّنّ فيهم شيئا لا يستغفرون الله منه؛ قال: فبثّ فيهم الأهواء» ) * «1» . 22- * (قال يونس بن عبيد- رحمه الله-: «أوصيكم بثلاث: لا تمكّننّ سمعك من صاحب هوى، ولا تخل بامرأة ليست لك بمحرم ولو أن تقرأ عليها القرآن، ولا تدخلنّ على أمير ولو أن تعظه) * «2» . 23- * (قال أبو عمران الجونيّ- رحمه الله تعالى: «ليت شعري أيّ شيء علم ربّنا من أهل الأهواء حين أوجب لهم النّار» ) * «3» . 24- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: «لأن يلقى الله العبد بكلّ ذنب ما خلا الشّرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء» ) * «4» . 25- * (قال مالك- رحمه الله تعالى-: «لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السّفه، وإن كان أروى النّاس. وصاحب بدعة يدعو إلى هواه. ومن يكذب في حديث النّاس وإن كنت لا أتّهمه في الحديث. وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدّث به» ) * «5» . 26- * (وقال- رحمه الله تعالى-: بئس القوم هؤلاء، أهل الأهواء، لا نسلّم عليهم) * «6» . 27- * (وكان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما إنّي على بيّنة من ديني، وأمّا أنت فشاكّ، اذهب إلى شاكّ مثلك فخاصمه» ) * «7» . 28- * (قال أبو عثمان النّيسابوريّ: «من أمّر السّنّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة. قال الله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا (النور/ 54)) * «8» . 29- * (قال ذو النّون المصريّ- رحمه الله تعالى-: «إنّما دخل الفساد على الخلق من ستّة أشياء: الأوّل ضعف النّيّة بعمل الآخرة، والثّاني صارت أبدانهم مهيّأة لشهواتهم، والثّالث غلبهم طول الأمل مع قصر الأجل، والرّابع: آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الله، والخامس: اتّبعوا أهواءهم ونبذوا سنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، والسّادس: جعلوا زلّات السّلف حجّة لأنفسهم، ودفنوا أكثر مناقبهم» ) * «9» . 30- * (سئل أبو حفص الحدّاد- رحمه الله- عن البدعة فقال: التّعدّي في الأحكام، والتّهاون في السّنن، واتّباع الآراء والأهواء، وترك الاتّباع والاقتداء) * «10» .   (1) سنن الدارمي (1/ 103) رقم (308) . (2) الإبانة لابن بطة بواسطة الهوى للغنيمان (10) ، ونحوه عن ميمون بن مهران. (3) السنة لابن أبي عاصم (26) . (4) حلية الأولياء (9/ 111) وشرح السنة (1/ 217) . (5) سير أعلام النبلاء (8/ 67- 68) . (6) شرح السنة (1/ 229) . (7) سير أعلام النبلاء (99) والاعتصام (1/ 96) . (8) الاعتصام (1/ 72) . (9) المرجع السابق (1/ 68) . (10) المرجع السابق (1/ 95) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3767 31- * (قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-: «العقل والهوى متعاديان، فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مسعفا ولهواه مسوّفا. فإذا اشتبه عليه أمران اجتنب أقربهما من هواه، لأنّ في مجانبة الهوى إصلاح السّرائر، وبالعقل تصلح الضّمائر» ) * «1» . 32- * (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: إنّ الهوى والشّهوة يجتمعان في العلّة والمعلول ويتّفقان في الدّلالة والمدلول، لكن الهوى مختصّ بالآراء والاعتقادات، والشّهوة مختصّة بنيل المستلذّات. فصارت الشّهوة من نتائج الهوى، ولذلك فإنّ الهوى عن الخير صادّ، وللعقل مضادّ، لأنّه ينتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكا، ومدخل الشّرّ مسلوكا. ولمّا كان الهوى غالبا وإلى سبيل المهالك موردا، جعل العقل عليه رقيبا مجاهدا، يلاحظ عثرته، ويدفع بادرة سطوته، ويدفع خداع حيلته، وذلك لأنّ سلطان الهوى قويّ ومدخل مكره خفيّ» ) * «2» . 33- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى- «أضلّ الضّلّال: هم أتباع الظّنّ والهوى، كما قال الله تعالى في حقّ من ذمّهم إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (النجم/ 23) وقال في حقّ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم/ 1- 4) فنزّهه عن الضّلال والغواية اللّذين هما الجهل والظّلم، فالضّالّ هو الّذي لا يعلم الحقّ، والغاوي الّذي يتّبع هواه، وأخبر (عن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم) أنّه ما ينطق عن هوى النّفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه فوصفه بالعلم ونزّهه عن الهوى» ) * «3» . 34- * (قال أيضا- رحمه الله تعالى-: «العبادات مبناها على الشّرع والاتّباع، لا على الهوى والابتداع، فإنّ الإسلام مبنيّ على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثّاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم لا نعبده بالأهواء والبدع، فليس لأحد أن يعبد الله إلّا بما شرعه رسوله صلّى الله عليه وسلّم من واجب ومستحبّ، لا أن نعبده بالأمور المبتدعة» ) * «4» . 35- * (قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: «إنّ جميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النّفوس على محبّة الله ورسوله وقد وصف الله المشركين باتّباع الهوى في مواضع من كتابه، وكذلك البدع تنشأ من تقديم الهوى على الشّرع ولهذا يسمّى أهلها أهل الأهواء، ومن كان حبّه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه كان ذلك نقصا في إيمانه الواجب، فيجب عليه حينئذ التّوبة من ذلك، والرّجوع إلى اتّباع ما جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من تقديم محبّة الله ورسوله وما فيه رضا الله ورسوله على هوى النّفس ومراداتها كلّها» ) * «5» . 36- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في   (1) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (19) . (2) بتصرف شديد من أدب الدنيا والدين (38- 45) . (3) مجموع الفتاوى (3/ 384) . (4) المرجع السابق (1/ 80) بتصرف. (5) جامع العلوم والحكم (366، 367) بتصرف يسير جدا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3768 تفسير قوله تعالى أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ (الفرقان/ 43) : يعني أنّه مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه كان دينه ومذهبه كما قال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ (فاطر/ 8) » ) * «1» . 37- * (قال ابن بطّة- رحمه الله تعالى-: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سمع منكم بخروج الدّجّال فلينأ عنه ما استطاع، فإنّ الرّجل يأتيه وهو يحسب أنّه مؤمن فما يزال به حتّى يتّبعه لما يرى من الشّبهات. قال- رحمه الله تعالى-: هذا قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وهو الصّادق المصدوق فلا يحملنّ أحدا منكم حسن ظنّه بنفسه، وما عهده من معرفته بصحّة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه، فإنّهم أشدّ فتنة من الدّجّال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من النّاس كانوا يلعنونهم ويسبّونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرّدّ عليهم فما زالت بهم المباسطة، وخفيّ المكر، ودقيق الكفر، حتّى صبوا إليهم» ) * «2» . 38- * (قال الفيروزآبادىّ- رحمه الله تعالى- عظّم الله تعالى ذمّ اتّباع الهوى في قوله تعالى أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ (الجاثية/ 23) وقوله وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ (البقرة/ 120) وجمع الهوى في الآية الثّانية تنبيها على أنّ لكلّ واحد هوى غير هوى الآخر، ثمّ إنّ هوى كلّ واحد لا يتناهى، فعلى هذا فإنّ اتّباع أهوائهم نهاية الضّلال والحيرة) * «3» . 39- * (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الواجب الّذي يلزم العلم به أن يكون جميع أفعال المكلّف مطابقة لما أمره به معبوده- جلّ وعلا-، فإذا كانت جميع أفعاله تابعة لما يهواه، فقد صرف جميع ما يستحقّه عليه خالقه من العبادة والطّاعة إلى هواه» ) * «4» . 40- * (قال الشّاعر: إذا ما رأيت المرء يقتاده الهوى ... فقد ثكلته عند ذاك ثواكله وقد أشمت الأعداء جهلا بنفسه ... وقد وجدت فيه مقالا عواذله وما يردع النّفس اللّجوج عن الهوى ... من النّاس إلّا حازم الرّأي كامله) * «5» . 41- * (وقال آخر: يا عاقلا أردى الهوى عقله ... مالك قد سدّت عليك الأمور أتجعل العقل أسير الهوى ... وإنّما العقل عليه أمير) * «6» .   (1) التفسير (3/ 320) ونقله عنه الشنقيطي في الأضواء (6/ 329) . (2) الإبانة له بواسطة الهوى للغنيمان (1211) . (3) بصائر ذوي التمييز (5/ 359) بتصرف. (4) أضواء البيان (6/ 330) . (5) أدب الدنيا والدين (35) . (6) المصدر السابق (35) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3769 42- * (قال بعض أهل العلم: «كن لهواك مسوّفا، ولعقلك مسعفا «1» ، وانظر إلى ما تسوء عاقبته فوطّن «2» نفسك على مجانبته، فإنّ ترك النّفس وما تهوى داؤها، وترك ما تهوى دواؤها، فاصبر على الدّواء كما تخاف من الدّاء» ) * «3» . 43- * (وقال آخر: «خير النّاس من أخرج الشّهوة من قلبه، وعصى هواه في طاعة ربّه» ) * «4» . 44- * (وقال آخر: الهوى مطيّة الفتنة، والدّنيا دار المحنة «5» ، فانزل عن الهوى تسلم، وأعرض عن الدّنيا تغنم، ولا يغرّنّك هواك بطيب الملاهي، ولا تفتنك دنياك بحسن العواري «6» ، فمدّة اللهو تنقطع، وعاريّة الدّهر ترتجع، ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم وتكتسبه من المآثم» ) * «7» . 45- * (قال بعض السّلف: «شرّ إله عبد في الأرض الهوى» ) * «8» . 46- * (قال بعضهم: إنّي بليت بأربع يرمينني ... بالنّبل من قوس لها توتير) * «9» . إبليس والدّنيا ونفسي والهوى ... يا ربّ أنت على الخلاص قدير) * «10» . 47- * (قال أعرابيّ: «الهوى هوان ولكن غلط باسمه، فأخذه الشّاعر وقال: إنّ الهوان هو الهوى قلب اسمه ... فإذا هويت فقد لقيت هوانا) * «11» . 48- * (وقال حكيم: «العقل صديق مقطوع، والهوى عدوّ متبوع» ) * «12» . 49- * (وفي بعض الحكم من أطاع هواه، أعطى عدوّه مناه) * «13» . 50- * (قال بعض البلغاء: «أفضل النّاس من عصى هواه، وأفضل منه من رفض دنياه» ) * «14» . من مضار (اتباع الهوى) نفس مضار صفة ((الابتداع))   (1) مسوفا: مماطلا ولا تجبه إلى ما يريد- مسعفا مسرعا إلي إجابة طلبه. (2) وطن نفسك: هيئها واجعلها مستعدة للبعد عما تكون نتيجته غير مستحبة. (3) أدب الدنيا والدين (36) . (4) المرجع السابق (36) . (5) المحنة: الابتلاء والاختبار. (6) العواري: جمع عارية وهو ما بيدك وليس مملوكا لك. (7) أدب الدنيا والدين (41) . (8) الهوى وأثره في الخلاف للغنيمان (23) . (9) لها توتير: يوضع لها وتر. (10) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (5/ 395) . (11) الهوان: هو الذل. (12) أدب الدنيا والدين (34) . (13) المرجع السابق نفسه. (14) المرجع السابق نفسه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3770 الأثرة الأثرة لغة: الأثرة هي المصدر من قولهم أثر يأثر وهو مأخوذ من مادّة (أث ر) الّتي تدلّ على تقديم الشّيء «1» ، يقال: لقد أثرت بأن أفعل كذا وهو (أي الأثر) همّ في عزم، والأثير: الكريم عليك الّذي تؤثره بفضلك وكرمك، والمرأة الأثيرة، والمصدر الأثرة، تقول: عندنا أثرة، ورجل أثير على فعيل، وجماعة أثيرون، وهو بيّن الأثرة، ويقال: أخذت ذلك بلا أثرة عليك، أي لم أستأثر عليك، ورجل أثر على فعل، يستأثر على أصحابه. وفي الحديث: «سترون بعدي أثرة» أي من يستأثرون بالفيء، وهي الأثرة والإثرة والجمع إثر، والمأثرة والمأثرة بفتح الثّاء وضمّها: المكرمة لأنّها تؤثر، أي تذكر، ويأثرها قوم عن قوم يتحدّثون بها، وآثرت فلانا على نفسي من الإيثار، أي الإعطاء، واستأثر فلان ... بالشّيء أي استبدّ به، وقيل: استأثر بالشّيء على غيره: خصّ به نفسه واستبدّ به، ورجل أثر، على فعل، وأثر: يستأثر على أصحابه في القسم. والاستئثار: الانفراد بالشّيء، ومنه حديث عمر: فو الله الآيات/ الأحاديث/ الآثار 2/ 15/ 1 ما استأثر بها عليكم، ولا أخذها دونكم. وهي الإثرة، وكذلك الأثرة والأثرة، وأنشد: ما آثروك بها إذ قدّموك لها، ... لكن بها استأثروا، إذ كانت الإثر «2» الأثرة اصطلاحا: قال الكفويّ: الأثرة هي التّقدّم والاختصاص «3» . وقال ابن الأثير: أراد بالأثرة في الحديث الشّريف «ستلقون بعدي أثرة» . أنّه يستأثر عليكم فيفضّل غيركم في نصيبه من الفيء. وقال ابن حجر: أشار (بالأثرة) إلى أنّ الأمر يصير في غيرهم فيختصّون (أنفسهم) دونهم (أي دون الأنصار) بالمال وكان الأمر على ما وصف صلّى الله عليه وسلّم «4» . ويستخلص من جملة ما سبق أنّ الأثرة هي: أن يختصّ الإنسان نفسه أو أتباعه بالمنافع من أموال ومصالح دنيويّة ويستأثر بذلك فيحجبه عمّن له فيه نصيب أو هو أولى به «5» .   (1) لهذه المادة معنيان آخران هما: ذكر الشّيء، ورسم الشّيء الباقي، انظر مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 53) . (2) الصحاح للجوهري (574، 575) . ولسان العرب (4/ 8) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (1/ 53) . والنهاية لابن الأثير (1/ 22) . (3) الكليات للكفوي (40) . (4) النهاية (1/ 22) . وفتح الباري (7/) 147. (5) تم استخلاص هذا التعريف الاصطلاحي من جملة أقوال اللغويين وشراح الحديث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3771 أثر الأثرة على الفرد والمجتمع: للأثرة واختصاص الذّات أو الأقارب بالمصالح والمنافع دون غيرهم أضرار كثيرة على الفرد والمجتمع، لأنّها نوع من الأنانية البغيضة يجلب الحقد بين الأفراد، ويمنع من وصول الحقوق لأصحابها، وتلك حالة تدعو إلى تذمّر أصحاب الحقّ، وإلحاق الأذى بمن استأثر دونهم بالمال أو الوظيفة أو نحو ذلك ممّا ينبغي أن يكون الجميع فيه سواء. إنّ الأثرة والأنانية إذا شاعت في مجتمع من المجتمعات انحلّ عقده، وانفصمت عراه؛ لأنّ ذلك ظلم لأصحاب الحقوق، وظلم أيضا لذوي الأثرة الّذين يحصلون على حقوق الغير، ممّا يجعلهم كسالى مغرورين، وإذا ما حدث تبدّل في الأوضاع، فإنّهم يطالبون بردّ هذه الحقوق الّتي غالبا ما يكونون قد أضاعوها لعدم تعبهم في الحصول عليها، وحينئذ تنقلب المنافع إلى مهالك تهوي بهم في قاع السّجون، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى، والأولى بالمسلم الحقّ ألّا يؤثر نفسه، أو أقاربه، أو أصهاره، أو مقرّبيه بنفع لا يستحقّونه، حتّى لا يعود ذلك وبالا عليه وعليهم، وعليه أن يتحلّى بعكس هذه الصّفة وهو الإيثار بأن يفضّل غيره على نفسه، وحينئذ فقط يصبح من المفلحين الّذين تخلّصوا من شحّ أنفسهم وبخلها بالمنافع على الغير، فإن لم يفعل فالواجب عليه العدل بأن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، وله في أنصار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة طيّبة حيث مدحهم المولى- عزّ وجلّ- بقوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) وعلى من وقعت عليه الأثرة أن يصبر ويحتسب من ناحية، وأن يطالب بحقّه بالمعروف، سائلا المولى- عزّ وجلّ- أن يعينه، فالله سبحانه خير معين. [للاستزادة: انظر صفات: الاحتكار- البخل- الشح. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار- البر- الجود- الكرم- السخاء- الجحود- المحبة] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3772 الآيات الواردة في «الأثرة» 1- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «1» 2- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17) «2»   (1) النازعات: 34- 41 مكية (2) الأعلى: 14- 17 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3773 الأحاديث الواردة في ذمّ (الأثرة) 1- * (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ، قال قلت: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيّة آية؟ قلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) . قال: سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر. حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة «1» ، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لا يدان لك به «2» فعليك خويّصة «3» نفسك. فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر «4» الصّبر فيهنّ على مثل قبض على الجمر. للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون بمثل عمله» ) * «5» . 2- * (عن أسيد بن حضير- رضي الله عنه-: أنّ رجلا من الأنصار خلا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا تستعملني «6» كما استعملت فلانا؟ فقال: «إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «7» . 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها «8» » . قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أدّوا إليهم حقّهم، وسلوا الله حقّكم» ) * «9» . 4- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدويّ النّحل، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرّي عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: «اللهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنّا» ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنزل عليّ عشر آيات، من أقامهنّ دخل الجنّة، ثمّ قرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (المؤمنون/ 1) حتّى ختم عشر آيات» ) * «10» . 5- * (عن مالك بن أوس، قال: أرسل إليّ عمر بن الخطّاب فجئته حين تعالى النّهار. قال: فوجدته في بيته جالسا على سرير، مفضيا «11» إلى   (1) مؤثرة: أي يختارها كل أحد على الدين. (2) لا يدان لك به: أي لا قدرة لك عليه. (3) خويصة نفسك: هكذا هي موجودة في ابن ماجة والنهاية لابن الأثير (2/ 37) ، التهذيب للأزهري (6/ 552) وهي تصغير خاصة على غير قياس. (4) أيام الصبر: أي أيّاما يعظم فيها أجر الصبر. (5) أخرجه أبو داود (4341) . والترمذي (3058) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (4014) واللفظ له. والبغوي في شرح السنة (14/ 348) وقال محققه: للحديث شواهد يتقوى بها. (6) تستعملني: توليني عملا. (7) البخاري- الفتح 7 (3792) . ومسلم (1845) واللفظ له. (8) تنكرونها: لا ترضونها لمخالفتها الشرع والعقل. (9) البخاري- الفتح 13 (7052) . (10) الترمذي (3173) واللفظ له. والحاكم (2/ 425، 426) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (11) مفضيا: يعني ليس بينه وبين رماله شيء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3774 رماله «1» ... الحديث وفيه: «فو الله ما استأثر عليكم. ولا أخذها دونكم، حتّى بقي هذا المال، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأخذ منه نفقة سنة. ثمّ يجعل ما بقي أسوة المال ... الحديث» ) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الأثرة) معنى 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله، أيّ الصّدقة أعظم؟. فقال: «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح «3» ، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم «4» ، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان» ) * «5» . 7- * (عن بشير بن الخصاصيّة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبايعه على الإسلام فاشترط عليّ: «تشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وتصلّي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدّي الزّكاة، وتحجّ البيت، وتجاهد في سبيل الله» قال: قلت: يا رسول الله، أمّا اثنتان فلا أطيقهما، أمّا الزّكاة فمالي إلّا عشر ذود «6» هنّ رسل أهلي وحمولتهم، وأمّا الجهاد فيزعمون أنّه من ولّى فقد باء بغضب من الله فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي «7» . قال: فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده ثمّ حرّكها ثمّ قال: «لا صدقة، ولا جهاد، فبم تدخل الجنّة؟» قال: ثمّ قلت: يا رسول الله، أبايعك، فبايعني عليهنّ كلّهنّ) * «8» . 8- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «9» فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما   (1) رماله: بضم الراء وكسرها- وهو ما ينسج من سعف النخل ونحوه ليضطجع عليه. (2) مسلم (1757) . (3) صحيح شحيح: الشح أعم من البخل، وكأن الشح جنس والبخل نوع وأكثر ما يقال البخل في أفراد الأمور، والشح عام كالوصف اللازم وما هو من قبل الطبع، فمعنى الحديث: أن الشح غالب في حال الصحة. فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره. (4) بلغت الحلقوم: أي بلغت الروح الحلقوم أي قاربته، إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته. (5) مسلم (1032) . (6) عشر ذود: أي عشر أينق جمع ناقة، والرّسل: اللبن. أي هذه النوق العشر هي القطيع الذي يحمل عليه أهلي نساءهم ومتاعهم. (7) خشعت نفسي: فزعت وخافت. (8) أحمد (5/ 224) . والحاكم (2/ 79، 80) واللفظ له وصححه وأقره الذهبي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 42) : رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط واللفظ للطبراني ورجال أحمد موثقون. (9) الجهد: الجوع والمشقة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3775 ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي. ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «1» في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل، قال: ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك ... الحديث) * «2» . 9- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال «3» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «4» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «5» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «6» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «7» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «8» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «9» تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «10» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «11» . وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال، قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «12» ، الّذين هم فيكم تبعا لا   (1) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه. (2) مسلم (2055) . (3) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال إلخ ... ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (4) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (5) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها. (6) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (7) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (8) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته. ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق. (9) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مرّ الزمان. (10) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (11) نغزك: أي نعينك. (12) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3776 يتبعون «1» أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع «2» ، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل أو الكذب «3» «والشّنظير «4» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «5» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى بدا لله- عزّ وجلّ- أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا ... الحديث وفيه: ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين تقطّعت به الحبال في سفره، فلا بلاغ اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ به في سفري، فقال له: إنّ الحقوق كثيرة فقال له: كأنّي أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: لقد ورثت لكابر عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت، وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا. فردّ عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت، وأتى الأعمى في صورته. فقال: رجل مسكين وابن السّبيل، وتقطّعت به الحبال في سفره، فلا بلاغ اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك بالّذي ردّ عليك بصرك، شاة أتبلّغ بها في سفري. وقال له: قد كنت أعمى فردّ الله بصري، وفقيرا فقد أغناني، فخذ ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله، فقال: أمسك مالك، فإنّما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك» ) * «6» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا، قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «7» على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «8» ؛ إنّي أخاف أن لا أذره: إن أذكره أذكر عجره وبجره «9» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «10» . إن أنطق أطلق. وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «11» لا حرّ ولا قرّ. ولا مخافة ولا سآمة، قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «12» وإن خرج   (1) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (2) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشي. اذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (3) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور (4) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق. (5) مسلم (2865) . (6) البخاري- الفتح 6 (3464) واللفظ له. ومسلم (2964) . (7) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغثّ: المهزول. (8) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (9) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. (10) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع. (11) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة. (12) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3777 أسد، ولا يسأل عمّا عهد، قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ «1» ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ ... الحديث» ) * «2» . 12- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: «إنّ هذا المال خضرة حلوة. فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «3» . 13- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) * «4» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لو أنّ لابن آدم ملء واد مالا لأحبّ أن يكون إليه مثله، ولا يملأ نفس ابن آدم إلّا التّراب، والله يتوب على من تاب» ) * «5» . 15- * (عن كعب بن مالك الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف لدينه» ) * «6» . من الآثار الواردة في ذمّ (الأثرة) 1- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ ملكا من الملوك خرج يسير في مملكته، وهو مستخف من النّاس. فنزل على رجل له بقرة، فراحت عليه تلك البقرة فحلبت، فإذا حلابها مقدار ثلاثين بقرة، قال: فأعجب الملك بها، وقال: ما صلحت هذه إلّا أن تكون لي، فإذا صرت إلى موضعي بعثت   (1) زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء.، وإن اضطجع التف أي تلفف في ثوبه ونام ناحية عني، ومعني لا يولج الكف ليعلم البث أي لا يداعبها ولا يعاشرها معاشرة الأزواج. (2) البخاري- الفتح 9 (5189) ومسلم (2448) واللفظ له (3) مسلم (1035) . (4) مسلم (2722) . (5) البخاري- الفتح 11 (6436) . ومسلم (1049) واللفظ له. (6) الترمذي (2376) وقال: حديث حسن صحيح، وصحيح الترمذي رقم (1935) ورواه أحمد (3/ 456، 460) . وقال محقق «جامع الأصول» (3/ 627) : وهو حديث صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3778 إليه فأخذتها. قال: وأقام إلى الغد فغدت البقرة إلى مرعاها ثمّ راحت فحلبت، فإذا حلابها قد نقص عن النّصف، وجاء حلاب خمس عشرة بقرة. قال: فدعا الملك ربّها، فقال له: هل رعت في غير مرعاها بالأمس، أو شربت في غير مشربها بالأمس؟ قال: ما رعت في غير مرعاها بالأمس، ولا شربت في غير مشربها بالأمس، قال: ما بال لبنها قد نقص؟ قال: يشبه أن يكون الملك قد همّ بأخذها. فقال له الملك: وأنت من أين يعرفك الملك؟ فقال له: هو كما أقول لك. فإذا الملك ظلم أو همّ بظلم ذهبت البركة، أو قال: ارتفعت البركة. قال: فعاهد الملك ربّه في نفسه أن لا يأخذها ولا تكون له في ملك أبدا. قال: وأقام الغد ثمّ غدت البقرة إلى مرعاها، فحلبت، فإذا حلابها قد عاد إلى ما كان. قال: فدعا صاحبها، فقال له: هل رعت بقرتك في غير مرعاها بالأمس، أو شربت في غير مشربها بالأمس؟ قال: لا. قال: فما بال لبنها قد عاد. قال: يشبه أن يكون الملك قد همّ بالعدل. قال: فاعتبر الملك، وقال: لا جرم ولأعدلنّ ولأكوننّ على أفضل من ذلك أو نحو هذا «1» . من مضار (الأثرة) (1) بها تحلّ النّقم وتذهب النّعم. (2) دليل على دناءة النّفس وخسّتها. (3) الأثرة معول هدّام وشرّ مستطير. (4) تؤذي وتضرّ وتجلب الخصام والنّفور. (5) تؤدّي إلى انتفاء كمال الإيمان وقد تذهب بالإسلام. (6) تبثّ اليأس في نفوس ذوي الحقوق. (7) بها يضيع العدل وينتفي كرم الخلق. (8) يحلّ العداء والكراهية محلّ المحبّة والمودّة في القلوب. (9) تنتفي الأسوة الحسنة وتصير المنفعة باعث الحركة في الحياة.   (1) مساوىء الأخلاق ومذمومها للخرائطي (227، 228) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3779 الإجرام الإجرام لغة: مصدر أجرم يجرم. وهو مأخوذ من مادّة (ج ر م) الّتي تدلّ على القطع، ومن ذلك: الجرام لصرام النّخل، والجرامة ما سقط من التّمر إذا جرم، والجرم والجريمة بمعنى الذّنب من ذلك. لأنّه كسب، والكسب اقتطاع، والجسد جرم لأنّ له قدرا وتقطيعا. وقال الرّاغب: أصل الجرم: قطع الثّمرة عن الشّجر، وقولهم: أجرم: صار ذا جرم نحو: أثمر وأتمر أي صار ذا ثمر وتمر، واستعير ذلك لكلّ اكتساب مكروه، ولا يكاد يقال ذلك للمحمود، ويقال: الجرم: الجسد، والجرم اللّون، والجرم: الصّوت، أمّا الجرم (بالضّمّ) فهو الذّنب، والجريمة مثله، تقول من ذلك: جرم وأجرم، واجترم بمعنى. وقال ابن منظور: الجرم (بالضّمّ) التّعدّي، والجرم: الذّنب، والجمع أجرام وجروم، يقال من ذلك: جرم يجرم جرما، واجترم وأجرم، فهو مجرم وجريم، وجرم إليهم وعليهم جريمة، وأجرم: جنى جناية، وأمّا جرم (بالضّمّ) فمعناه: عظم جرمه. والجرم مصدر الجارم الّذي يجرم نفسه وقومه شرّا، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 54/ 7/ 2 والجارم: الجاني، والمجرم: المذنب. وقد أنشد أبو عبيدة للهيردان السّعديّ أحد لصوصهم: طريد عشيرة ورهين جرم ... بما جرمت يدي وجنى لساني «1» الإجرام اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات في التّراث الإجرام ضمن ما ذكرته من مصطلحات، ولكنّها عرّفت الجرم: بأنّه الذّنب العظيم، وعرّفت الذّنب بأنّه: فعل محرّم يقع المرء عليه عن قصد فعل الحرام ويكون ذلك بين العبد وربّه وبين العبد والعبد «2» . وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف الإجرام بأنّه: فعل ذنب عظيم يقع المرء عليه عن قصد سواء أكان ذلك في حقّ المولى أو في حقّ العباد. أمّا في كتب القانون والمصطلحات الحديثة، فقد أخذ مصطلح الإجرام والجريمة بعدا اجتماعيّا وقانونيّا واسعا فقيل: الجريمة: كلّ فعل يعود بالضّرر على المجتمع، ويعاقب عليه القانون «3» . وقال بعض الباحثين المحدثين: الجريمة: محظورات   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 445) ، والصحاح (5/ 1885، 1886) ، والنهاية لابن الأثير (1/ 262) ، ولسان العرب لابن منظور (1/ 604) ط. دار المعارف. (2) انظر الكليات للكفوى (114، 503) . (3) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (90) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3780 شرعيّة زجر الله عنها بحدّ أو تعزير، والمحظورات إمّا فعل منهيّ عنه، أو ترك فعل مأمور به، ومن ثمّ يكون الإجرام: إتيان فعل محرّم معاقب على فعله، أو هو: فعل أو ترك نصّت الشّريعة على تجريمه والعقاب عليه «1» . ومن ثمّ يشمل الإجرام فعل المحظورات كالسّرقة والزّنا والقتل وما أشبهها، وترك المأمورات من نحو ترك الصّلاة والامتناع عن دفع الزّكاة، أو ترك الدّين بالكلّيّة كالارتداد. [للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإرهاب- انتهاك الحرمات- العدوان- العصيان- الانتقام- النقمة- الفجور- الطغيان- الحرب والمحاربة- العتو- القسوة- البغي. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التقوى- الطاعة- الاستقامة- تعظيم الحرمات- الصفح- العفو- السلم] .   (1) التشريع الجنائى الإسلامى (66) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3781 الآيات الواردة في «الإجرام» أفعال المجرمين والبراءة منهم: 1- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) «1» 2- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75) «2» 3- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) «3» 4- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) «4» 5- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «5»   (1) الأنعام: 54- 55 مكية (2) يونس: 71- 75 مكية (3) يونس: 80- 82 مكية (4) هود: 32- 35 مكية (5) هود: 50- 52 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3782 6- وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) «1» 7- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) «2» 8- نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) «3» 9- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (204) «4» 10- قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) «5» 11- إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)   (1) هود: 115- 116 مكية (2) الحجر: 10- 13 مكية (3) الحجر: 49- 58 مكية (4) الشعراء: 192- 204 مكية (5) القصص: 17 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3783 قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) «1» 12- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) «2» 13- وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) «3» 14- وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37) «4» 15- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) «5»   (1) القصص: 76- 77 مكية (2) سبأ: 32- 33 مكية (3) الدخان: 17- 22 مكية (4) الدخان: 30- 37 مكية (5) الأحقاف: 21- 22 مكية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3784 16- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «1» وعد المؤمنين ووعيد المجرمين: 17- وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) «2» 18- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) «3» 19- يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)   (1) الذاريات: 24- 37 مكية (2) الأنفال: 7- 8 مدنية (3) يونس: 47- 50 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3785 وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) «1» 20- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «2» 21- وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) «3» 22- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) «4» 23- إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) «5» 24- احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27)   (1) مريم: 85- 95 مكية (2) طه: 74- 76 مكية (3) الفرقان: 21- 23 مكية (4) الشعراء: 90- 104 مكية (5) يس: 53- 59 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3786 قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) «1» 25- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) «2» 26- أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) «3» 27- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) «4» 28- هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)   (1) الصافات: 22- 34 مكية (2) الجاثية: 27- 31 مكية (3) القلم: 35- 39 مكية (4) المدثر: 38- 51 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3787 كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) «1» عاقبة المجرمين: 29- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (123) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124) «2» 30- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) «3» 31- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) «4» 32- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) «5» 33- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)   (1) المرسلات: 38- 50 مكية (2) الأنعام: 122- 124 مكية (3) الأنعام: 146- 147 مكية (4) الأعراف: 40- 41 مكية (5) الأعراف: 80- 84 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3788 فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) «1» 34- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) «2» 35- وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) «3» 36- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) «4» 37- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) «5» 38- فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) «6»   (1) الأعراف: 130- 133 مكية (2) التوبة: 64- 66 مدنية (3) يونس: 13 مكية (4) يونس: 17 مكية (5) يوسف: 109- 110 مكية (6) إبراهيم: 47- 51 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3789 39- وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) «1» 40- وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53) «2» 41- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً (104) «3» 42- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) «4» 43- اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (13) «5» 44- لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) «6» 45- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) «7» 46- قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) «8»   (1) الكهف: 49 مكية (2) الكهف: 53 مكية (3) طه: 102 104 مكية (4) النمل: 67- 72 مكية (5) الروم: 11- 13 مكية (6) الروم: 47 مكية (7) الروم: 55 مكية (8) السجدة: 11- 14 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3790 47- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «1» 48- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) «2» 49- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (78) «3» 50- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49) «4» 51- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45) «5» 52- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) «6»   (1) السجدة: 22 مكية (2) سبأ: 24- 25 مكية (3) الزخرف: 74- 78 مكية (4) القمر: 47- 49 مكية (5) الرحمن: 40- 45 مكية (6) المعارج: 1- 18 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3791 53- أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) «1» 54- إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) «2»   (1) المرسلات: 16- 19 مكية (2) المطففين: 29- 33 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3792 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإجرام) 1- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّه قيل لها: إنّ ابن عمر يرفع إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ» . قالت: وهل «2» أبو عبد الرّحمن إنّما قال: «إنّما أهل الميّت يبكون عليه، وإنّه ليعذّب بجرمه» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الإجرام) معنى 3- * (عن أبي رمثة- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع أبي، فقال: «من هذا معك؟» . قال: ابني أشهد به. قال: «أما إنّك لا تجني عليه ولا يجني عليك» ) * «4» . 4- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال الحضرميّ: يا رسول الله إنّ هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحضرميّ: «ألك بيّنة؟» قال: لا. قال: «فلك يمينه» . قال: يا رسول الله، إنّ الرّجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال: «ليس لك منه إلّا ذلك» . فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لمّا أدبر: «أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقينّ الله وهو عنه معرض» ) * «5» . 5- * (عن عمرو بن الأحوص- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في حجّة الوداع للنّاس: «أيّ يوم هذا؟» قالوا: يوم الحجّ الأكبر. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا. ألا لا يجني جان إلّا على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا وإنّ الشّيطان قد أيس من أن يعبد في بلادكم هذه أبدا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به» ) * «6» . 6- * (عن ثعلبة بن زهدم اليربوعيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في أناس من الأنصار. فقالوا: يا رسول الله، هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع، قتلوا فلانا في الجاهليّة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم،   (1) البخاري- الفتح 13 (7289) واللفظ له. مسلم (2358) (2) وهل: يعني غلط أبو عبد الرحمن، ونسيه وهو ابن عمر. (3) البخاري- الفتح (1286) ومسلم (931) وأحمد (6/ 57) ومالك في «الموطأ» (1/ 243) والنسائي (4/ 17) . (4) النسائي (8/ 53) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (3/ 999) رقم (4492) ، أبو داود (4208) ، أحمد (2/ 226 228) ، الدارمي (2/ 260) رقم (2388) . (5) مسلم (139) . (6) الترمذي (2159) وقال: حسن صحيح. واللفظ له، ابن ماجة (3055) ، أحمد (3/ 499) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3793 وهتف بصوته: «ألا لا تجني نفس على الأخرى» ) * «1» . 7- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض: أيّكم يجيء بسلى جزور «2» بني فلان فيضعه على ظهر محمّد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتّى إذا سجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وضعه على ظهره بين كتفيه وأنا أنظر لا أغني شيئا، لو كانت لي منعة «3» قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض «4» ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساجد لا يرفع رأسه، حتّى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره، فرفع رأسه ثمّ قال: «اللهمّ عليك بقريش» ثلاث مرّات. فشقّ عليهم، إذ دعا عليهم. قال: وكانوا يرون أنّ الدّعوة في ذلك البلد مستجابة ثمّ سمّى: «اللهمّ عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأميّة بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» وعدّ السّابع فلم نحفظه. قال: فو الّذي نفسي بيده، لقد رأيت الّذين عدّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صرعى في القليب «5» ، قليب بدر» ) * «6» . من الآثار الواردة في ذمّ (الإجرام) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا» ) * «7» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «خمس لهنّ أحسن من الدّهم الموقفة «8» : لا تكلّم فيما لا يعنيك، فإنّه فضل، ولا آمن عليك الوزر، ولا تتكلّم فيما يعنيك حتّى تجد له موضعا، فإنّه ربّ متكلّم في أمر يعنيه، قد وضعه في غير موضعه فعنت، ولا تمار حليما ولا سفيها فإنّ الحليم يقليك، وإنّ السّفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيّب عنك بما تحبّ أن يذكرك به، وأعفه عمّا تحبّ أن يعفيك منه، واعمل عمل رجل يرى أنّه مجازى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام» ) * «9» .   (1) النسائي (8/ 53) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (3/ 999) رقم (4493) ، أحمد (5/ 377) . وقال الهيثمى في «مجمع الزوائد» (6/ 283) : رجاله رجال الصحيح. (2) سلى جزور: الجزور من الإبل يجزر، والسلى الجلدة التى يكون فيها الولد يقال لها ذلك من البهائم. وأما من الآدميات فالمشيمة. (3) منعة: قوة. (4) يحيل بعضهم على بعض: أى أن بعضهم ينسب فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكما. (5) القليب: هي: البئر التي لم تطو، وقيل هي القديمة التي لا يعرف صاحبها. (6) البخاري- الفتح 1 (240) . (7) البخاري- الفتح 11 (6308) . (8) أي من الخيل الدهم التي أوقفت وأعدت للركوب. (9) كتاب الصمت، لابن أبي الدنيا (ص 264- 265) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3794 من مضار (الإجرام) (1) من أخطر مضارّ الإجرام بثّ الخوف والفزع في المجتمع. (2) يجلب الضّيق لمن حوله بما يترتّب عليه من آثار. (3) يوبق المجرم وينتهي به إلى عقاب الله تعالى. (4) يجلب له الكراهية ممّن حوله نتيجة لما يترتّب على فعله من خوف أو تضييق. (5) لا يتقن النّاس عملا في أيديهم بسبب الخوف والقلق النّفسيّ. (6) شيوع الإجرام يترتّب عليه تفكّك المجتمع، وتأخّره. وانظر مضار صفة (الإرهاب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3795 الإحباط الإحباط لغة: مصدر قولهم: أحبط عمله يحبطه، وأحبطه الله، وهو مأخوذ من مادّة (ح ب ط) الّتي تدلّ على «بطلان أو ألم» يقال: أحبط الله عمل الكافر أي أبطله «1» . وقال الرّاغب: أصل حبط الأعمال من الحبط، وهو أن تكثر الدّابّة أكلا حتّى ينتفخ بطنها «2» . وقال الجوهريّ: يقال: حبط عمله حبطا وحبوطا: بطل ثوابه، والحبط: أن تأكل الماشية فتكثر حتّى تنتفخ بطونها، والإحباط (أيضا) : أن يذهب ماء الرّكيّة فلا يعود كما كان «3» . وذهب الفيروز اباديّ إلى أنّ حبوط العمل إمّا أن يكون مأخوذا من: حبط ماء الرّكيّة (البئر) إذا ذهب ذهابا لا يعود أبدا، وإمّا من قولهم: حبطت الدّابّة، من الحبط، وهو أن تأكل الدّابّة أكلا ينفخ بطنها «4» . وقال ابن منظور: الحبط: من آثار الجرح، وقيل الآيات/ الأحاديث/ الآثار 22/ 8/ 6 الحبط وجع يأخذ البعير في بطنه من كلأ يستوبله، يقال: حبط البعير حبطا، فهو حبط، والجمع حباطى «5» ، وحبطة، وفي الحديث الشّريف: «وإنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ «6» » قال ابن الأثير: المعنى: أنّ الرّبيع ينبت أحرار العشب فتستكثر منه الماشية «7» (حتّى تنتفخ فتموت) ، قال الأزهريّ: ضربه صلّى الله عليه وسلّم مثلا للمفرط في الجمع (للمال) والمنع (من حقّه) وذلك أنّ الرّبيع ينبت أحرار العشب الّتي تحلوليها الماشية، فتستكثر منها، حتّى تنتفخ بطونها وتهلك، كذلك الّذي يجمع الدّنيا ويحرص عليها ويشحّ بما جمع حتّى يمنع ذا الحقّ حقّه منها فيهلك في الأخرة بدخول النّار واستيجاب العذاب «8» ، وقيّد بعضهم الحبط بأنّه انتفاخ يصحبه إمساك، فقال: الحبط أن تأكل الماشية فتكثر حتّى تنتفخ لذلك بطونها ولا يخرج عنها ما فيها، وقيل: الحبط: الانتفاخ أين كان من داء أو غيره، وقولهم: حبط جلده، معناه: ورم، قال ابن سيده:   (1) مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 130. (2) المفردات للراغب ص 153 (تحقيق خلف الله) . (3) الصحاح للجوهري 3/ 1118. (4) بصائر ذوي التمييز 2/ 224- 225. (5) لسان العرب 7/ 270 (ط. بيروت) . (6) انظر الحديث رقم 4. (7) النهاية لابن الأثير 1/ 331. (8) نقلا عن لسان العرب 7/ 270. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3796 والحبط في الضّرع أهون الورم، وقولهم: حبط (فلان) حبطا وحبوطا: عمل عملا ثمّ أفسده «1» ، وفي التّنزيل العزيز: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (محمد/ 9) ، قال القرطبيّ في معنى الآية: كرهوا ما أنزل الله من الكتب والشّرائع فأحبط (أبطل ولم يقبل) ما لهم من صور الخيرات كعمارة المساجد وقرى الضيف، وأصناف القرب، ولا يقبل الله الأعمال إلّا من مؤمن «2» ، أمّا قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فالمعنى: بطلت هذه الأعمال وفسدت، والآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام «3» . قال الأزهريّ: ولا أرى حبط العمل (حبوطه) وبطلانه مأخوذا إلّا من حبط البطن، لأنّ صاحب البطن يهلك، وكذلك عمل المنافق يحبط، غير أنّهم سكّنوا الباء في حبوط الأعمال فقالوا حبط، وحرّكوها في حبوط البطن فقالوا: حبط، ومن الاستعمالات الأخرى لهذا الفعل قولهم: حبط دم القتيل إذا هدر، وحبطت البئر إذا ذهب ماؤها «4» . الإحباط اصطلاحا: قال الكفويّ: الإحباط هو إبطال الحسنات بالسّيّئات «5» . وقال أسعد رزق: الإحباط (وترادفه الخيبة) هو إعاقة المرء عن بلوغ هدف ما، وسدّ الطّريق الّتي يسلكها نحو الوصول إلى هدفه، سواء أكان السّعي نحو الهدف سعيا واعيا أو غير واع «6» ، قلت: لقد شاع استعمال لفظ الإحباط في العصر الحديث بمعنى شعور الإنسان بالخيبة لفساد عمله وعدم تحقيق الغرض المقصود منه، ويعقب هذا النّوع من الإحباط حالة من اليأس ربّما تؤدّي لترك العمل بالكلّيّة. وقال بعض الباحثين المحدثين: الإحباط (بمفهومه العصريّ) يعني مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروريّ لإشباع حاجة ملحّة عنده «7» . أنواع الإحباط: قال في البصائر: وحبط (إحباط) العمل على أضرب: الأوّل: أن تكون الأعمال دنيويّة (ليست صادرة عن ذي دين) فهي لا تغني شيئا يوم القيامة، وقد أشار المولى إلى ذلك في قوله تعالى: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (الفرقان/ 23) . الثّاني: أن تكون أعمالا دنيويّة لا يقصد بها صاحبها وجه الله (وذلك كأعمال الرّياء) . الثّالث: أن تكون أعمالا صالحة يكون بإزائها   (1) لسان العرب 7/ 272. (2) تفسير القرطبي 16/ 233. (3) المرجع السابق 3/ 46- 47. (4) لسان العرب 7/ 272. (5) الكليات 1/ 72. (6) موسوعة علم النفس 1/ 11. (7) الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة محمد، وكمال إبراهيم موسى، ص 126. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3797 سيّئات تزيد عليها، وهو المشار إليه بخفّة الميزان «1» . أسباب حبوط العمل: إنّ من يتأمّل آي الذّكر الحكيم والأحاديث الشّريفة الواردة في «الإحباط أو الحبط» يتّضح له أنّ هناك أسبابا عديدة تؤدّي لبطلان الأعمال وفقد ثوابها ممّا ينتج عنه خيبة أصحابها وخسرانهم في الدّنيا والآخرة. متى يحدث الإحباط؟ يحدث الإحباط (بمفهومه الحديث) عندما يكون الشّخص مهيّئا لتحقيق هدف ما ومستعدّا لعمل ما يوصّله إليه، ثمّ يجد عائقا يمنعه من أداء ذلك العمل أو يعوقه عن تحقيق هدفه، مثال ذلك أن يشعر الإنسان بحاجة قويّة لفعل شيء ويستعدّ لتحقيق ذلك الشّيء، ثمّ يمنع منه ظلما، فإنّه يشعر بالتّوتّر والضّيق، فإذا لم يستطع إزالة ذلك الحائل بالأساليب المباشرة واستمرّت رغبته قويّة في الهدف فإنّ ذلك يؤدّي إلى التوتّر والضّيق والشّعور بالألم والحسرة ونحو ذلك من المشاعر المؤلمة النّاجمة عن هذا الإخفاق وذلك الإحباط «2» . ويختلف النّاس في الشّعور بالإحباط وفي القدرة على تحمّله بحسب ما يدعى «عتبة الإحباط» الّتي توجد بدرجات متفاوتة، إذ توجد عند البعض بدرجة منخفضة وعند بعضهم بدرجة متوسّطة أو عالية، فالشّخص ذو عتبة الإحباط المنخفضة يشعر بسرعة، ويدركه في مواقف كثيرة، قد لا تسبّب الإحباط لكثير من النّاس، أمّا الشّخص ذو عتبة الإحباط المتوسّطة أو العالية، فلا يشعر بالإحباط إلّا في المواقف الّتي فيها عوائق شديدة، وفي استطاعة هذا الشّخص- بقوّة إرادته- أن يتحمّل مشاعر الإحباط وأن يتخطّاها «3» . معالجة الشعور بالإحباط: لمعالجة الإحباط بعد وقوعه والوقاية منه قبل حدوثه عوامل عديدة تمكّن المجتمع الإسلاميّ من التّخلّص من آثاره الضّارّة، وأهمّ هذه العوامل: 1- تنمية الشّعور بالرّضا حتّى يقبل كلّ شخص ما قدّره الله له من الرّزق والصّحّة والمنصب، وعلى كلّ منّا أن يضع هدفا مناسبا لقدراته وإمكاناته وظروفه ثمّ المثابرة وبذل الجهد لتحقيق ذلك الهدف. 2- على الإنسان أن يتعوّد على الأخذ بالأسباب، والصّبر على البلاء، وعدم اليأس أو القنوط إذا حدثت عوائق تحول بينه وبين النّجاح المأمول وعليه معاودة السّعي مرّة ومرّات حتّى يحقّق الله عزّ وجلّ مسعاه. 3- على المجتمع مساعدة الأسر الفقيرة كي لا يتعرّضوا للإحباط الشّديد النّاجم عن عدم القدرة على توفير احتياجاتهم الضّروريّة، وهنا تقوم فريضة الزّكاة بدور حاسم في القضاء على إحباطات الأسر الفقيرة، ويتّصل بذلك أيضا صفات: البرّ، الصّدقة، المروءة،   (1) بصائر ذوي التمييز 2/ 424، والمفردات للراغب 106. (2) الصحة النفسية، مصدر سابق. (3) السابق، ص 135- 136 (بتصرف واختصار) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3798 صلة الرّحم ونحوها. 4- على المجتمع أيضا أن يعنى بطبقة العاطلين عن العمل والتّلاميذ المتأخّرين دراسيّا بمساعدة هؤلاء في حلّ مشكلاتهم وغرس قيم الصّبر والمثابرة وضبط النّفس والتّفاؤل حتّى يستطيعوا حلّ مشكلاتهم بأنفسهم، وعلى المحيطين بهؤلاء عدم إهانتهم أو تحقيرهم خاصّة إذا كانت عوامل فشلهم وإحباطهم خارجة عن إرادتهم. [للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- صغر الهمة- الكسل- الوهن- التنصل من المسئولية- الضعف- اليأس- القنوط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العزم والعزيمة- علو الهمة- القوة- قوة الإرادة- المسئولية- النشاط الثبات] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3799 الآيات الواردة في «الإحباط» * 1- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) «1» 2- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (22) «2» 3- الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «3» 4- وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (53) «4» 5- ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) «5» 6- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147) «6» 7- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) «7» 8- كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) «8»   * الآيات الواردة هنا ليست في الإحباط بمعناه بل في حبوط العمل (بطلانه) . (1) البقرة: 217 مدنية (2) آل عمران: 21- 22 مدنية (3) المائدة: 5 مدنية (4) المائدة: 53 مدنية (5) الأنعام: 88 مكية (6) الأعراف: 147 مكية (7) التوبة: 17 مدنية (8) التوبة: 69 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3800 9- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16) «1» 10- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) «2» 11- قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) «3» 12- وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) «4» 13- وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9) «5» 14- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) «6» 15- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32) «7» 16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) «8»   (1) هود: 15- 16 مكية (2) الكهف: 103- 105 مكية (3) الأحزاب: 18- 19 مدنية (4) الزمر: 65 مكية (5) محمد: 8- 9 مدنية (6) محمد: 25- 28 مدنية (7) محمد: 32 مدنية (8) الحجرات: 2 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3801 الآيات الواردة في «الإحباط» معنى 17- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «1» 18- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) «2» 19- وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) «3» 20- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) «4» 21- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) «5» 22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «6»   (1) هود: 9- 11 مكية (2) يوسف: 87 مكية (3) الإسراء: 83- 84 مكية (4) العنكبوت: 23 مكية (5) فصّلت: 49 مكية (6) الممتحنة: 13 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3802 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإحباط) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر» ) * «1» . 2- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت «2» فخذوها فاطحنوها ثمّ انظروا يوما راحا «3» فاذروه في اليمّ، ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له» ) * «4» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند الله من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند الله من العذاب لم يأمن من النّار» ) * «5» . 4- * (عن حبّة وسواء، ابني خالد- رضي الله عنهم- قالا: دخلنا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يعالج «6» شيئا. فأعنّاه عليه. فقال: «لا تيأسا من الرّزق ما تهزّزت رؤوسكما «7» فإنّ الإنسان تلده أمّه أحمر، ليس عليه قشر، ثمّ يرزقه الله- عزّ وجلّ-» ) * «8» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض دوّيّة «9» مهلكة «10» معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت. فطلبها حتّى أدركه العطش. ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه. فأنام حتّى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشّد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته   (1) الترمذي (3610) واللفظ له وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (8/ 528) : حديث حسن. (2) فامتحشت: أي احترقت. (3) يوما راحا: أي شديد الريح. (4) البخاري- الفتح 6 (3452) واللفظ له، ومسلم (2756) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. (5) البخاري- الفتح 11 (6469) واللفظ له، ونحوه عند مسلم (2755) . (6) يعالج: أي يصلح. (7) ما تهززت رؤوسكما: أي ما تحركت وهو كناية عن الحياة. (8) ابن ماجة (4165) وفي الزوائد: إسناده صحيح. (9) الدوية: الأرض القفر والفلاة الخالية. (10) مهلكة: موضع خوف الهلاك. ويقال لها مفازة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3803 وزاده» ) * «1» . 6- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رجل يقاتل المشركين- وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم «2» - فقال: «من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا، فتبعه رجل فلم يزل على ذلك حتّى جرح، فاستعجل الموت فقال بذبابة سيفه «3» فوضعه بين ثدييه فتحامل عليه حتّى خرج من بين كتفيه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد ليعمل- فيما يرى النّاس- عمل أهل الجنّة، وإنّه لمن أهل النّار، ويعمل- فيما يرى النّاس- عمل أهل النّار وهو من أهل الجنّة، وإنّما الأعمال بخواتيمها» ) * «4» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به. فإن كان لا بدّ متمنّيا فليقل: اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرا لي» ) * «5» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد، ثمّ يطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدونه، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره، ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك؛ الله ربّنا، هذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك السّاعة، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيعرّفهم نفسه. ثمّ يقول: أنا ربّكم فاتّبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصّراط فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال: هل امتلأت؟، فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (ق/ 30) ثمّ يطرح فيها فوج فيقال: هل امتلأت، فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حتّى إذا أوعبوا فيها وضع الرّحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قط، قالت: قط، قط، فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، قال: أتي بالموت ملبّيا، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار، فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة،   (1) البخاري، الفتح 11 (6308) ، ومسلم (2744) واللفظ له. (2) غناء: أى كفاية. (3) ذبابة سيفه: حده وطرفه. (4) البخاري. الفتح 11 (6493) واللفظ له، ومسلم (112) (5) البخاري- الفتح 10 (5671) ، ومسلم (2680) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3804 فيقال لأهل الجنّة ولأهل النّار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه، هو الموت الّذي وكّل بنا، فيضجع فيذبح ذبحا على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الإحباط) 1- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله» ) * «2» . 2- * (عن عروة أنّه سأل عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت قول الله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا (يوسف/ 110) أو كذّبوا؟ قالت: بل كذّبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم وما هو بالظّنّ. فقالت: يا عرّية، لقد استيقنوا بذلك. قلت: فلعلّها «أو كذبوا» قالت: معاذ الله، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها، وأمّا هذه الآية قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم، وصدّقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النّصر. حتّى إذا استيأست ممّن كذّبهم من قومهم وظنّوا أنّ أتباعهم كذّبوهم جاءهم نصر الله» ) * «3» . 3- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يلقى على أهل النّار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع فيستغيثون بالطّعام فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يجيزون الغصص في الدّنيا بالشّراب فيستغيثون بالشّراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطّعت ما في بطونهم، فيقولون: ادعوا خزنة جهّنم، فيقولون: قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (غافر/ 50) . قال: فيقولون: ادعوا مالكا، فيقولون: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ؟ قال: فيجيبهم إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (الزخرف/ 77) قال الأعمش: نبّئت أنّ بين دعائهم وبين إجابة مالك إيّاهم ألف عام. قال: فيقولون: ادعوا ربّكم فلا أحد خير من ربّكم، فيقولون قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ* رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قال:   (1) البخاري الفتح 8 (4730) ، ومسلم (2849) ، والترمذي (2557) واللفظ له. (2) رواه عبد الرزاق في مصنفه، الدر النضيد (226) . (3) البخاري، الفتح 6 (3389) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3805 فيجيبهم: قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (المؤمنون/ 106- 108) قال: فعند ذلك يئسوا من كلّ خير، وعند ذلك يأخذون في الزّفير والحسرة والويل» ) * «1» . 4- * (قال مجاهد، في قوله تعالى: كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (الممتحنة/ 13) قال: كما يئس الكفّار في قبورهم من رحمة الله تعالى، لأنّهم آمنوا بعد الموت بالغيب فلم ينفعهم إيمانهم حينئذ» ) * «2» . 5- * (قال محمّد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سمعت ذا النّون المصريّ يقول في دعائه: اللهمّ، إليك تقصد رغبتي، وإيّاك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلّا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك» ) * «3» . 6- * (قال أبو حاتم السّجستانيّ منشدا: إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصّدر الرّحيب وأوطأت المكاره واطمأنّت ... وأرست في أماكنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضّرّ وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوث ... يمنّ به اللّطيف المستجيب وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب) * «4» .   (1) الترمذي (2586) . (2) بصائر ذوي التمييز (5/ 376) . (3) حلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 333) . (4) تفسير ابن كثير (4/ 526) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3806 من مضار (الإحباط) (1) الإحباط هو قرين اليأس والقنوط. (2) تقليل الإنتاج اليوميّ. (3) مدعاة لترك العمل والنبوغ، والقعود عن طلب معالي الأمور. (4) الإحباط يحدث تقديم من يستحقّ التّأخير وتأخير من يستحقّ التّقديم. (5) دليل على ضعف الإيمان وسوء الظّنّ بالرّحمن. (6) دليل على ضعف الهمّة وفقدان الشّخصيّة. (7) تسود في المجتمع روح الكراهية والبغضاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3807 الاحتكار الاحتكار لغة: الاحتكار في اللّغة مصدر قولهم (احتكر) وهو يرجع إلى مادّة (ح ك ر) الّتي تدلّ على الحبس، وأصل ذلك في كلام العرب: الحكر وهو الماء المتجمّع كأنّه احتكر لقلّته، والحكرة: حبس الطّعام انتظارا لغلائه. قال الجوهريّ: واحتكار الطّعام: جمعه وحبسه يتربّص به الغلاء، وهو الحكرة بالضّمّ، والحكرة والحكر: الاسم من الاحتكار، وفي الحديث الشّريف أنّه صلّى الله عليه وسلّم، نهى عن الحكرة، والحكر: فعل بمعنى مفعول أي مجموع وهو الماء القليل المجتمع، وكذلك القليل من الطّعام واللّبن، وفي الحديث قال في الكلاب: إذا وردت الحكر القليل فلا تطعمه» . وقال ابن منظور: الحكر: ادّخار الطّعام للتّربّص، وصاحبه محتكر، وأصل الحكرة: الجمع والإمساك. والحكر والحكرة الاسم منه، والحكر والحكر جميعا: ما احتكر، وإنّهم ليتحكّرون في بيعهم: ينظرون الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 3/ 3 ويتربّصون. وإنّه لحكر: لا يزال يحبس سلعته، والسّوق مادّة- أي ملأى رجالا وبيوعا- حتّى يبيع بالكثير من شدّة حكره: أي من شدّة احتباسه وتربّصه، وفي الحديث: «من احتكر طعاما فهو كذا» ، أي اشتراه وحبسه ليقلّ فيغلو. وحكره: ظلمه وتنقّصه وأساء معاشرته. «1» الاحتكار اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الاحتكار: حبس الطّعام للغلاء «2» . وقال ابن الأثير: الاحتكار: شراء الطّعام وحبسه ليقلّ ويغلو «3» . وقال ابن حجر: الاحتكار: إمساك الطّعام عن البيع، وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة النّاس إليه «4» . وقال الشّوكانيّ: الاحتكار هو حبس السّلع عن البيع «5» . وقد اكتسب مصطلح الاحتكار أبعادا جديدة   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 92) ، والصحاح (2/ 635) ، والنهاية لابن الأثير (1/ 418) ، واللسان (4/ 208) (ط. بيروت) (2) التعريفات (ص 100) ، وفي الأصل «للغلة» وهو تصحيف. (3) النهاية (1/ 417) . (4) فتح الباري (4/ 408) . (5) نيل الأوطار للشوكاني (5/ 337) ، وليس المقصود هنا الحبس المطلق، وإنّما الحبس انتظارا للغلاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3808 ولم يقتصر مفهومه على الطّعام أو السّلع، وإنّما شمل الخدمات الأخرى والامتيازات الممنوحة للشّركات والأفراد، يؤكّد هذا ما جاء في معجم المصطلحات الاقتصاديّة من أنّ الاحتكار: هو السّيطرة الخالصة على عرض سلعة أو خدمة ما في سوق معلومة أو على الامتياز الخالص للشّراء أو البيع دون مزاحم أو منافس «1» . حكم الاحتكار في الشريعة الإسلامية: قال ابن حجر: الاحتكار المحرّم: هو أن يمسك ما اشتراه لوقت في الغلاء لا الرّخص من القوت ونحوه مثل التّمر والزّبيب بقصد أن يبيعه بأغلى ممّا اشتراه به عند اشتداد الحاجة إليه، ويلحق بالقوت كلّ ما يعين عليه كاللّحم والفواكه، ومتى اختلّ شرط من ذلك فلا حرمة «2» إذ لا يكره الاحتكار مع سعة الأبواب ورخص الأسعار، وأمّا احتكارها مع الضّيق والغلاء فمكروه ومحرّم «3» . والخلاصة أنّ الاحتكار المنهيّ عنه ليس عامّا في كلّ شيء. فالغالب أنّه احتكار طعام وأن يكون من شراء، أي جمعه عن طريق الشّراء ليغلي ثمنه وأن يكون لأمد. وأن تكون الغاية منه الإغلاء واستغلال حاجة النّاس لكسب منفعة. ولكنّ بعض أهل العلم لا يحصره في باب الطّعام بل يمدّه إلى كلّ ضرورات وحاجات الإنسان والحيوان، فكلّ ما لا يمكن الاستغناء عنه أو كان في تركه حرج لا يصحّ احتكاره واستغلاله. أمّا ما لم يكن من الضّرورات أو الحاجات الإنسانيّة والحيوانيّة فلا يدخل في باب الاحتكار «4» . احتكار الإنتاج في الاقتصاد الغربي: لم يعرف النّظام الاقتصاديّ الإسلاميّ الاحتكار فيما يتعلّق بإنتاج سلعة من السّلع إذ النّاس جميعا سواء فيما يتعلّق بحرّيّة الإنتاج. ولكنّ النّظام الاقتصاديّ الغربيّ أقرّ هذا المبدأ دون غضاضة، ففي العصور الوسطى كان الملوك في أغلب الأحيان هم الّذين يمنحون الأفراد حقّ احتكار أيّ سلعة، وفي العصر الحديث ينشأ الاحتكار عادة نتيجة لتجمّع المنتجين الأساسيّين للسّلعة في وحدة واحدة بغرض فرض الرّقابة على العرض الكلّيّ لها وارتفاع سعرها «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الأثرة- التناجش- الأذى- الطمع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرحمة- الرضا- القناعة- النزاهة- حسن المعاملة- الأمانة] .   (1) معجم المصطلحات الاقتصادية (544) . (2) الزواجر من ارتكاب الكبائر لابن حجر (316) . (3) فى تفصيل حالات الكراهية والحرمة والإباحة: الحاوي الكبير (7/ 84) وما بعدها. (4) ينظر الدر المنتقى على متن الملتقى للحصكفي (2/ 547) ، ونهاية المحتاج للرّملي (3/ 456) ، والمغني لابن قدامة (4/ 220) ، والمحلي لابن حزم 9/ 78، والبدائع للكاساني (5/ 129) . (5) معجم المصطلحات الاقتصادية (167) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3809 الأحاديث الواردة في ذمّ (الاحتكار) 1- * (عن معمر بن عبد الله- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحتكر إلّا خاطىء» ) * «1» . 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالجذام والإفلاس» ) * «2» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد بريء من الله تعالى وبريء الله تعالى منه، وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمّه الله تعالى» ) * «3» . من الآثار الواردة في ذمّ (الاحتكار) 1- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: الجالب مرزوق، والمحتكر محروم، ومن احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالإفلاس والجذام) * «4» . 2- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال، بأيديهم فضول من أذهاب، إلى رزق من أرزاق الله ينزل بساحتنا، فيحتكرونه علينا، ولكن أيّما جالب جلب على عمود كبده «5» في الشّتاء والصّيف فذلك ضيف عمر، فليبع كيف شاء الله، وليمسك كيف شاء الله) * «6» . 3- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه كان ينهى عن الحكرة) * «7» . من مضار (الاحتكار) (1) دليل على دناءة النّفس وسوء الخلق. (2) استحقاق الوعيد لمن كان هذا خلقه. (3) يورث الضّغينة والبعد عن النّاس. (4) سبب في اضطراب الشّعوب وعدم استقرارها. (5) الاحتكار ثمرة من ثمار حبّ النّفس المقيت. (6) الاحتكار يناقض الإيثار الّذي هو جوهر علاقة المسلم بأخيه المسلم. (7) الاحتكار يثري القطيعة الاجتماعيّة في الأمّة.   (1) مسلم (1605) وابن ماجه (2154) وقوله (إلا خاطىء) بمعنى آثم، والمعنى: لا يجترىء على هذا الشنيع إلا من اعتاد المعصية. (2) ابن ماجة (2155) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله موثقون، وأحمد (1 لا 21) وصححه الشيخ أحمد شاكر رقم (135) وله شاهد عن ابن عمر (أحمد 2/ 33) وصححه الشيخ أحمد شاكر (488) وكذا عن أبي هريرة (2/ 351) ح (8602) وينظر مجمع الزوائد (4/ 100) . (3) أحمد (2/ 33) وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 49) برقم (4880) : إسناده صحيح. (4) جامع الأصول (1/ 596) . (5) عمود كبده: أراد به ظهره، وذلك أنه يأتي به على تعب ومشقة، وإن لم يكن جاء به على ظهره، وإنما هو مثل. (6) جامع الأصول (1/ 593، 594) . (7) جامع الأصول (1/ 594) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3810 الأذى الأذى لغة: الأذى مصدر قولهم: أذي الشّيء يأذى، وهو مأخوذ من مادّة (أذ ى) الّتي تدلّ على «الشّيء تتكرّهه ولا تقرّ عليه، ومن ذلك الإيذاء، يقال: آذيت فلانا أوذيه: أي ألحقت به ما يكره، ويقال: بعير إذ وناقة أذية، إذا كان (كلّ منهما) لا يقرّ في مكان من غير وجع، ولكن خلقة، وكأنّه يأذى بمكانه، ومن ذلك الآذيّ وهو الموج المؤذي لركّاب البحر، وأمّا قول الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (البقرة/ 222) فقد سمّي بذلك باعتبار الشّرع، وباعتبار الطّبّ على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصّناعة «1» . وقال القرطبيّ: هو شيء تتأذّى به المرأة وغيرها أي برائحة دم الحيض، والأذى كناية عن القذر على الجملة، ويطلق على القول المكروه، ومنه قوله تعالى: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى (البقرة/ 264) ومنه أيضا قوله تعالى: وَدَعْ أَذاهُمْ (الأحزاب/ 48) أمّا الأذى في الحديث الشّريف «وأميطوا عنه الأذى» يعني بالأذى: الشّعر الّذي يكون على رأس الآيات/ الأحاديث/ الآثار 18/ 33/ 6 الصّبيّ حين يولد.. وفي حديث الإيمان «وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق» يعني: الشّوك والحجر والنّجاسة وما أشبه ذلك ممّا يتأذّى به المارّ «2» . وقال الجوهريّ: يقال: آذاه يؤذيه فأذي هو أذى، وأذاة وأذيّة، وتأذّيت به. قال ابن منظور: قال ابن برّيّ: صوابه: آذاني إيذاء، وأمّا أذى فمصدر أذي، وكذلك أذاة، وأذيّة، فأنا أذ، ورجل أذيّ: إذا كان شديد التّأذّي، وقد يكون الأذيّ: المؤذي، وفي الحديث كلّ مؤذ في النّار، وهو وعيد لمن يؤذي النّاس في الدّنيا بعقوبة النّار في الآخرة. وقوله عزّ وجلّ وَدَعْ أَذاهُمْ؛ تأويله أذى المنافقين لا تجازهم عليه إلى أن تؤمر فيهم بأمر، وآذى الرّجل: فعل الأذى؛ ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم، للّذي تخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة: «رأيتك آذيت وآنيت» «3» . الأذى اصطلاحا: قال الرّاغب: الأذى ما يصل إلى الحيوان من الضّرر إمّا في نفسه أو جسمه، أو تبعاته دنيويّا كان ذلك أو أخرويّا «4» . وقد ذكر المناويّ هذا التّعريف مع تعديل   (1) المفردات للراغب (15) . (2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 222) . (3) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 78) ، والمفردات (15) والصحاح (6/ 2266) ، ولسان العرب (أذى) (1/ 54) ط. دار المعارف. (4) المفردات (15) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3811 يسير فقال: الأذى: ما يصل إلى الحيوان من ضرر أو مكروه في نفسه أو بدنه أو قنيته «1» دنيويّا أو أخرويّا «2» . من معاني كلمة الأذى في القرآن: الأوّل: بمعنى الحرام: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (البقرة/ 222) أي حرام. الثّاني: بمعنى القمل: أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ (البقرة/ 196) . الثّالث: بمعنى الشّدّة والمحنة: إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ (النساء/ 102) . الرّابع: بمعنى الشّتم والسّبّ: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما (النساء/ 11) ، لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً (آل عمران/ 111) ، وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً (آل عمران/ 186) . الخامس: بمعنى الزّور، والبهتان على البريء: كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى (الأحزاب/ 69) ، يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي (الصف/ 5) . السّادس: بمعنى الجفاء والمعصية: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (الآية 57 سورة الأحزاب) أي يعصونهما. السّابع: بمعنى شغل الخاطر وتفرقة القلب: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ (الأحزاب/ 53) . الثّامن: بمعنى المنّ عند العطيّة: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى (الآية 264 سورة البقرة) التّاسع: بمعنى العذاب والعقوبة: فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ (الآية 10 سورة العنكبوت) . العاشر: بمعنى غيبة المؤمنين: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا (الآية 58 سورة الأحزاب) «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- البغي- الظلم- العدوان- التحقير- الإجرام- الاستهزاء القسوة- الجحود- نكران الجميل- عقوق الوالدين- التعاون على الإثم والعدوان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التعاون على البر والتقوى- الرحمة- الرفق- الشفقة- العطف- المحبة- الاعتراف بالفضل- الفضل- الإحسان- بر الوالدين] .   (1) قنيته: أي ما اكتسبه. (2) التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (43) . (3) بصائر ذوي التمييز (2/ 7372) . وانظر نزهة الأعين النواظر (161- 162) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3812 الآيات الواردة في «الأذى» الأذى في سياق التكليف: 1- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «1» 2- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) «2» 3- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «3» 4- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) «4» 5- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ   (1) البقرة: 196 مدنية (2) البقرة: 222 مدنية (3) البقرة: 262- 265 مدنية (4) النساء: 15- 16 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3813 يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «1» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «2» الأذى في سياق الدعوة للمصابرة: 7- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) «3» 8- لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «4» 9- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192)   (1) النساء: 102- 103 مدنية (2) الأحزاب: 53 مدنية (3) آل عمران: 110- 111 مدنية (4) آل عمران: 186 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3814 رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «1» 10- وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35) «2» 11- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) «3» 12- وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) «4» 13- قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)   (1) آل عمران: 190- 195 مدنية (2) الأنعام: 32- 35 مكية (3) الأعراف: 128- 129 مكية (4) التوبة: 61- 63 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3815 وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) «1» 14- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) «2» 15- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «3» الأذى في سياق التنفير من الإيذاء: 16- لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «4» 17- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) «5» 18- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (5) «6»   (1) إبراهيم: 11- 12 مكية (2) العنكبوت: 10 مدنية (3) الأحزاب: 45- 48 مدنية (4) الأحزاب: 55- 59 مدنية (5) الأحزاب: 69 مدنية (6) الصف: 5 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3816 الأحاديث الواردة في ذمّ (الأذى) 1- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما» . وقال سفيان في حديثه: «لا يتناجى اثنان دون الثّالث، فإنّ ذلك يحزنه» ) * «1» . وقد روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لا يتناجى اثنان دون واحد، فإنّ ذلك يؤذي المؤمن، والله- عزّ وجلّ- يكره أذى المؤمن» ) * «2» . 2- * (عن أبي سهلة السّائب بن خلّاد- قال أحمد: من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أنّ رجلا أمّ قوما فبصق في القبلة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينظر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين فرغ: «لا يصلّي لكم» فأراد بعد ذلك أن يصلّي لهم، فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «نعم» وحسبت أنّه قال: «إنّك آذيت الله ورسوله» ) * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر. فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقرّبه بها إليك يوم القيامة» ) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّ رجلا وقع في أب كان له في الجاهليّة، فلطمه العبّاس، فجاء قومه، فقالوا: ليلطمنّه، كما لطمه، فلبسوا السّلاح، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصعد المنبر، فقال: «أيّها النّاس، أيّ أهل الأرض تعلمون أكرم على الله- عزّ وجلّ-؟» فقالوا: أنت، فقال: «إنّ العبّاس منّي وأنا منه، لا تسبّوا موتانا فتؤذوا أحياءنا» ، فجاء القوم فقالوا: يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك، استغفر لنا) * «5» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّ نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كنّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفيّة وسودة، والحزب الآخر أمّ سلمة وسائر نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان المسلمون قد علموا حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديّة يريد أن يهديها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخّرها، حتّى إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة بعث صاحب الهديّة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة. فكلّم حزب أمّ سلمة، فقلن لها: كلّمي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكلّم النّاس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديّة   (1) الترمذي (2825) وقال: هذا حديث صحيح. وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3/ 392) . (2) وفي الباب عن ابن عمر- رضي الله عنهما- وأبي هريرة وابن عباس. ونحوه عند البخاري برقم (6290) . وعند مسلم برقم (2184) . وهذا لفظ الترمذي رقم 2827. (3) أبو داود (481) وقال الألباني (1/ 95) : حديث حسن. (4) البخاري- الفتح 11 (6361) . ومسلم (2601) واللفظ له. (5) أخرجه النسائي (8/ 33) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 272) : إسناده حسن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3817 فليهدها حيث كان من بيوت نسائه، فكلّمته أمّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئا، فقلن لها: فكلّميه، قالت: فكلّمته حين دار إليها أيضا، فلم يقل لها شيئا. فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها: كلّميه حتّى يكلّمك. فدار إليها فكلّمته، فقال لها: «لا تؤذيني في عائشة، فإنّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلّا عائشة» . قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثمّ إنّهنّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقول: إنّ نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر. فكلّمته فقال: «يا بنيّة، ألا تحبّين ما أحبّ؟» قالت: بلى. فرجعت إليهنّ فأخبرتهنّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظت، وقالت: إنّ نساءك ينشدنك العدل في بنت ابن أبي قحافة «1» ، فرفعت صوتها حتّى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبّتها، حتّى إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لينظر إلى عائشة هل تكلّم؟ «2» ، قال فتكلّمت عائشة تردّ على زينب حتّى أسكتتها. قالت: فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عائشة وقال: «إنّها بنت أبي بكر» «3» . 6- * (عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطّلب؛ أنّ العبّاس بن عبد المطّلب دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغضبا وأنا عنده، فقال: «ما أغضبك؟» قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش، إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك. قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى احمرّ وجهه، ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتّى يحبّكم لله ولرسوله» ، ثمّ قال: «يا أيّها النّاس، من آذى عمّي فقد آذاني فإنّما عمّ الرّجل صنو أبيه «4» » ) * «5» . 7- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، وهو يقول: «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب. فلا آذن لهم. ثمّ لا آذن لهم. ثمّ لا آذن لهم. إلّا أن يحبّ ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنّما ابنتي بضعة «6» منّي. يريبني ما رابها «7» . ويؤذيني ما آذاها) «8» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» . فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدّ من مجالسنا، نتحدّث فيها. فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق   (1) بنت ابن أبي قحافة: هي عائشة، وابن أبي قحافة هو أبو بكر- رضي الله عنه-. (2) تكلّم: أي تتكلم فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. (3) البخاري- الفتح 5 (2581) واللفظ له. ومسلم (2442) . (4) صنو أبيه: الصّنو: المثل. يريد أن أصل العباس وأصل أبي واحد. قاله ابن الأثير في «النهاية» (3/ 57) . (5) الترمذي (3758) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأورده الألباني في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» رقم (7086) . (6) بضعة: بفتح الباء: لا يجوز غيره، وهي قطعة اللحم. (7) يريبني ما رابها: الريب ما رابك من شيء خفت عقباه. وقال الفراء: راب وأراب بمعنى. وقال أبو زيد: رابني الأمر تيقنت منه الريبة. وأرابني شكّكني وأوهمني. (8) البخاري- الفتح 9 (5230) ، مسلم (2449) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3818 حقّه» . قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «1» . 9- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي، أنا أصغرهما «2» أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم- إمّا قال بضعا وإمّا قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي- قال: فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا. قال: فوافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها «3» ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلّا لمن شهد معه. إلّا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه. قسم لهم معهم، قال: فكان ناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة- نحن سبقناكم بالهجرة قال: فدخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة. وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة: كذبت. يا عمر كلّا والله، كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء «4» في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونحن كنّا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. وو الله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «5» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو بردة: فقالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى، وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّي) * «6» . 10- * (عن عبد الله بن بسر- رضي الله   (1) البخاري- الفتح 11 (6229) . ومسلم (2121) واللفظ له. (2) أصغرهما: هكذا في النسخ: أصغرهما. والوجه أصغر منهما. (3) فأسهم لنا أو قال أعطانا منها، هذا الإعطاء محمول على أنه برضا الغانمين. (4) البعداء والبغضاء: قال العلماء: البعداء: في النسب، البغضاء في الدين. لأنهم كفار. إلا النجاشي، وكان يستخفي بإسلامه عن قومه ويوري لهم. (5) أرسالا: أي أفواجا، فوجا بعد فوج. يقال: أورد إبله أرسالا أي متقطعة متتابعة. وأوردها عراكا أي مجتمعة. (6) البخاري- الفتح 7 (4230، 4231) . ومسلم (2502، 2503) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3819 عنه- جاء رجل يتخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اجلس، فقد آذيت» ) * «1» . 11- * (وعن عمرو بن شاس الأسلميّ وكان من أصحاب الحديبية- رضي الله عنه- قال: خرجت مع عليّ- رضي الله عنه- إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتّى وجدت في نفسي عليه «2» فلمّا قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد حتّى سمع بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في ناس من أصحابه فلمّا رآني أبدّني «3» عينيه يقول: حدّد إليّ النّظر حتّى إذا جلست قال: «يا عمرو والله لقد آذيتني» . قلت: أعوذ بالله من أن أوذيك يا رسول الله. قال: «بلى، من آذى عليّا فقد آذاني» ) * «4» . 12- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يوعك «5» . فمسسته بيدي. فقلت: يا رسول الله، إنّك لتوعك وعكا شديدا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أجل. إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم» قال: فقلت: ذلك، أنّ لك أجرين. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أجل» ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلّا حطّ الله به سيّئاته، كما تحطّ الشّجرة ورقها» ) * «6» . 13- * (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- أنّه سأل أخته أمّ حبيبة: هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في الثّوب الّذي يجامع فيه؟ قالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى) * «7» . 14- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض «8» الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتبّعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله، قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم   (1) أبو داود (1118) وقال الألباني (1/ 208) : صحيح. والنسائي (3/ 103) وابن حبان في صحيحه رقم 572 موارد وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 692) : إسناده حسن. وعند ابن ماجه (1/ 354) من حديث جابر بزيادة «وآنيت» . (2) وجدت عليه: أي غضبت. (3) أبدّنى عينيه: مدّهما. وفي النهاية «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبدّ يده إلى الأرض فأخذ قبضة» أي مدها، ينظر النهاية (1/ 105) وعليه فما أثبته في المسند الجامع بلفظ (أمدّنى) (14/ 132) لا حاجة إليه. (4) ذكره الهيثمي في المجمع (9/ 129) وقال: رواه أحمد (3/ 483) واللفظ له، والطبراني باختصار. والبزار أخصر منه ورجال أحمد ثقات وفي جامع المسانيد (9/ 594 برقم (7317) وقال ابن كثير تفرد به. وقال مخرجه: إسناده صحيح. (5) يوعك: أصابه الوعك وهي الحمى، وقيل: ألمها. (6) البخاري- الفتح 10 (5641- 5642) . ومسلم (2571) واللفظ له. (7) أبو داود (366) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 74) : صحيح. وقال ابن حجر في فتح الباري (1/ 555) يشير الى ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان. (8) لم يفض: لم يدخل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3820 حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) * «1» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة، فإنّ أحدكم إذا توضّأ فأحسن، وأتى المسجد لا يريد إلّا الصّلاة لم يخط خطوة إلّا رفعه الله بها درجة، وحطّ عنه خطيئة، حتّى يدخل المسجد. وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلّي- يعني عليه- الملائكة ما دام في مجلسه الّذي يصلّي فيه: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه، ما لم يؤذ (يحدث) فيه) * «2» . 16- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرضت عليّ أعمال أمّتي. حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق. ووجدت في مساوىء أعمالها النّخاعة تكون في المسجد لا تدفن» ) * «3» . 17- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: «كان أوّل ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّؤيا الصّادقة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء فيتحنثّ فيه. قال: والتّحنّث: التّعبّد. اللّيالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة، فيتزوّد بمثلها، حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أنا بقارىء. قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ الآيات إلى قوله «4» عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ 1- 5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره، حتّى دخل على خديجة فقال: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع. قال لخديجة: «أي خديجة، مالي لقد خشيت على نفسي؟» . فأخبرها الخبر. قالت خديجة: كلّا أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا، فو الله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان   (1) أخرجه الترمذي (2032) واللفظ له وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (6/ 653) : إسناده حسن. ورواه ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء (الترغيب والترهيب (3/ 177) وشرح السنة (13/ 104 برقم 3526) وقال محققه: سنده حسن. (2) البخاري- الفتح 1 (477) . (3) مسلم (553) . (4) هكذا وردت فى صحيح البخاري (4/ 1894) وفتح الباري (8/ 4953) . والصواب أنه لا توجد آيات فاصلة بين الآيتين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3821 امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: يا عمّ، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا النّاموس الّذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيّا- ذكر حرفا «1» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أو مخرجيّ هم قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلّا أوذي، وإن يدركني يومك حيّا أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب ورقة أن توفّي وفتر الوحي فترة حتّى حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 18- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب ...... الحديث وفيه قالت: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي. يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله، هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن «3» رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «4» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «5» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، فاستعذر «6» من عبد الله ابن أبيّ ابن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ، فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ... الحديث) * «7» . 19- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد. ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد. ولقد أتت عليّ ثالثة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد، إلّا   (1) ذكر حرفا: أي قال: عبارة هى «إذ يخرجك قومك» كما جاء في رواية أخرى. (2) البخاري- الفتح 8 (4953) . (3) إن. هنا نافية. (4) أغمصه: أي أعبيها به. (5) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى، ومعنى هذا الكلام: أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره إلا نومها عن العجين. (6) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل: معناه من ينصرني، والعذير: الناصر. (7) البخاري- الفتح 7 (4141) . ومسلم 4 (2770) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3822 ما وارى إبط بلال» ) * «1» . 20- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم حنين آثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناسا في القسمة. فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل. وأعطى عيينة مثل ذلك. وأعطى أناسا من أشراف العرب. وآثرهم يومئذ في القسمة. فقال رجل: والله إنّ هذه لقسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله. قال فقلت: والله لأخبرنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فأتيته فأخبرته بما قال: قال: فتغيّر وجهه حتّى كان كالصّرف «2» . ثمّ قال: «فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله» قال: ثمّ قال: «يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» . قال قلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا) * «3» . 21- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الّذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» ) * «4» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق. فقال: والله لأنحّينّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم. فأدخل الجنّة» ) * «5» . 23- * (عن أبي قتادة بن ربعيّ الأنصاريّ رضي الله عنه- أنّه كان يحدّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ عليه بجنازة فقال: «مستريح، ومستراح منه» . قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه، قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدّنيا وأذاها إلى رحمة الله عزّ وجلّ- والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشّجر والدّوابّ» ) * «6» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» ) * «7» . 25- * (عن جابر- رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لكعب بن الأشرف «8» ؟ فإنّه قد آذى الله ورسوله» فقال محمّد بن مسلمة: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتحبّ أن أقتله؟ قال: «نعم» قال: ائذن   (1) أخرجه الترمذي (2472) وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجة (151) في المقدمة واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول 4/ 687: الحديث حسن. (2) الصرف: صبغ أحمر يصبغ به الجلود. (3) البخاري- الفتح 6 (3150) . ومسلم (1062) . (4) البخاري- الفتح 5 (2493) . (5) مسلم (1914) باب فضل إزالة الأذى وكتاب البر والصلة، ورواه بلفظ آخر في كتاب الإمارة باب بيان الشهداء تحت الرقم نفسه. (6) البخاري- الفتح 11 (6512) واللفظ له. ومسلم (950) . (7) البخاري- الفتح 11 (6475) واللفظ له. ومسلم (47) . (8) من لكعب بن الأشرف: أي من كائن لقتله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3823 لي فلأقل «1» . قال: «قل» . فأتاه فقال له. وذكر ما بينهما. وقال: إنّ هذا الرّجل قد أراد صدقة. وقد عنّانا «2» . فلمّا سمعه قال: وأيضا. والله لتملّنّه «3» . قال: إنّا قد اتّبعناه الآن. ونكره أن ندعه حتّى ننظر إلى أيّ شيء يصير أمره. قال: وقد أردت أن تسلفني سلفا. قال: فما ترهنني؟ قال: ما تريد. قال: ترهنني نساءكم. قال: أنت أجمل العرب. أنرهنك نساءنا؟ قال له: ترهنوني أولادكم. قال: يسبّ ابن أحدنا. فيقال: رهن في وسقين «4» من تمر. ولكن نرهنك اللأمة (يعني السّلاح) . قال: فنعم. وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعبّاد بن بشر. قال: فجاءوا فدعوه ليلا، فنزل إليهم. قال سفيان: قال غير عمرو: قالت له امرأته: إنّي لأسمع صوتا كأنّه صوت دم «5» . قال: إنّما هذا محمّد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة «6» . إنّ الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب. قال محمّد: إنّي إذا جاء فسوف أمدّ يدي إلى رأسه. فإذا استمكنت منه فدونكم. قال: فلمّا نزل، نزل وهو متوشّح. فقالوا: نجد منك ريح الطّيب. قال: نعم. تحتي فلانة، هي أعطر نساء العرب. قال: فتأذن لي أن أشمّ منه. قال: نعم، فشمّ. فتناول فشمّ. ثمّ قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن من رأسه. ثمّ قال: دونكم. قال: فقتلوه) «7» . 26- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكل البصل والكرّاث. فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: «من أكل من هذه الشّجرة المنتنة فلا يقربنّ مسجدنا. فإنّ الملائكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه الإنس» ) * «8» . 27- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ جبريل أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فقال: يا محمّد، اشتكيت؟ فقال: نعم. قال: باسم الله أرقيك، من كلّ شيء يؤذيك، من شرّ كلّ نفس أو عين حاسد الله يشفيك «9» باسم الله أرقيك» ) * «10» .   (1) ائذن لي فلأقل: معناه ائذن لي أن أقول عني وعنك ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره. (2) قد عنانا: أي أوقعنا في العناء وهو التعب والمشقة وكلفنا ما يشق علينا. قال النووي: هذا من التعريض الجائز بل المستحب. لأن معناه في الباطن أنه أدبنا بآداب الشرع التي فيها تعب. لكنه تعب في مرضاة الله تعالى. فهو محبوب لنا والذي فهم المخاطب منه العناء الذي ليس بمحبوب. (3) لتملنه: أي لتضجرن منه أكثر من هذا الضجر. (4) بوسقين: الوسق، بفتح الواو وكسرها. وأصله الحمل. (5) كأنه صوت دم: أي صوت طالب دم. أو صوت سافك دم. (6) إنمّا هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة: هكذا هو في جميع النسخ. قال القاضي- رحمه الله تعالى-: قال لنا شيخنا القاضي الشهيد: صوابه أن يقال: إنما هو محمد ورضيعه أبو نائلة. وكذا ذكر أهل السير أن أبا نائلة كان رضيعا لمحمد بن مسلمة. (7) البخاري- الفتح 5 (2510) . ومسلم (2801) واللفظ له (8) مسلم (564) واللفظ له. ونحوه عند البخاري (9/ 5452) . (9) قوله (يشفيك) بفتح ياء المضارعة ماضيه شفى (ثلاثى) بمعنى برأ فإذا ضمت (ياء المضارعة) كأن من (أشفاه) أي أهلكه وتسمى الهمزة همزة الإزالة أي إزالة الشفاء وهو الهلاك ويروى أن امرأة عادت الشافعي وهو مريض فقالت: الله يشفيك. وضمت ياء المضارعة فقال الشافعي: اللهم بقلبها لا بلسانها. (10) مسلم (2186) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3824 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: يؤذيني ابن آدم «1» يسبّ الدّهر، وأنا الدّهر «2» بيدي الأمر، أقلّب اللّيل والنّهار) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الأذى) معنى 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ويده الّتي يبطش بها ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه. وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «4» . 30- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: إنّ عليّا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا عليّ ناكح بنت أبي جهل. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسمعته حين تشهّد يقول: «أمّا بعد أنكحت أبا العاص بن الرّبيع فحدثّني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة منّي، وإنّي أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبنت عدوّ الله عند رجل واحد» فترك عليّ الخطبة. وزاد محمّد بن عمرو بن حلحلة، عن ابن   (1) قوله (يؤذيني ابن آدم) : كذا أورده مختصرا، وقد أخرجه الطبري بهذا الإسناد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، هو الذي يميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا الآية، قال: فيسبون الدهر، قال الله- تبارك وتعالى-: يؤذيني ابن آدم. فذكره. قال القرطبي: معناه يخاطبني من القول بما يتأذى من يجوز في حقه التأذي، والله منزه عن أن يصل إليه الأذى، وإنما هذا من التوسع في الكلام. والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله. (2) قوله (وأنا الدهر) : معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور. وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر وقوله «أنا الدهر» بالرفع في ضبط الأكثرين والمحققين، ويقال بالنصب على الظرف أي أنا باق أبدا، والموافق لقوله «إن الله هو الدهر» بالرفع، وذلك أن العرب كانوا يسبون الدهر عند الحوادث فقال: لا تسبوه فإن فاعلها هو الله، فكأنه قال: لا تسبوا الفاعل فإنكم إذا سببتموه سببتموني. أو الدهر هنا بمعنى الداهر، فقد حكى الراغب أن الدهر في قوله: إن الله هو الدهر «غير الدهر في قوله: يسب الدهر» قال: والدهر الأول الزمان، والثاني المدبر المصرف لما يحدث، ثم استضعف هذا القول لعدم الدليل عليه. ثم قال: «لو كان كذلك لعد الدهر من أسماء الله تعالى» قال ابن الجوزي: يصوب ضم الراء من أوجه: أحدها أن المضبوط عند المحدثين بالضم، ثانيها لو كان بالنصب يصير التقدير فأنا الدهر أقلبه، فلا تكون علة النهي عن سبه مذكوره لأنه تعالى يقلب الخير والشر فلا يستلزم ذلك منع الذم، ثالثها الرواية التي فيها «فإنّ الله هو الدهر ومما ينبغى ذكره الآن أن الناس قد درجوا على سب الزمان والأيام ووصفها بالقبيح عند الضجر وهذا أيضا مما نهى الله عنه لدخوله في سب الدهر» . (3) البخاري- الفتح 13 (7491) واللفظ له ومسلم (2246) . (4) البخاري- الفتح 11 (6502) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3825 شهاب عن عليّ بن الحسين عن مسور: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، قال: حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» ) * «1» . 31- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل الجليس الصّالح والجليس السّوء، كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك، إمّا أن يحذيك «2» ، وإمّا أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحا طيّبة. ونافخ الكير، إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد ريحا خبيثة") * «3» . 32- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثا، وأمّر عليهم أسامة ابن زيد، فطعن بعض النّاس في إمارته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل. وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ، وإنّ هذا لمن أحبّ النّاس إليّ بعده) * «4» . 33- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدّم عن وجهه: ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الأذى) 1- * (قال الرّبيع بن خثيم- رحمه الله-: «النّاس رجلان: مؤمن فلا تؤذه، وجاهل فلا تجاهله» ) * «6» . 2- * (ومن كلام يحيى بن معاذ الرّازيّ: ليكن حظّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرّه، وإن لم تفرحه فلا تغمّه، وإن لم تمدحه فلا تذمّه") * «7» . 3- * (قال رجل لعمر بن عبد العزيز: اجعل كبير المسلمين عندك أبا، وصغيرهم ابنا، وأوسطهم أخا فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه؟) * «8» . 4- * (قال مالك: العريّة أن يعري الرّجل الرّجل النّخلة، ثمّ يتأذّى بدخوله عليه، فرخّص له أن   (1) البخاري- الفتح 7 (3729) . (2) يحذيك: أي يعطيك. (3) البخاري- الفتح 9 (5534) . ومسلم (2628) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 7 (3730) . (5) البخاري- الفتح 12 (6929) . ومسلم (1792) واللفظ له. (6) آداب العشرة (15) . (7) جامع العلوم والحكم (294) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3826 يشتريها منه بتمر» ) * «1» . أي أنّه كره أذى المؤمن بكثرة الدّخول عليه. 5- * (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً (البقرة/ 262) . قوله ولا أذى أي لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها يحبطون به ما سلف من الإحسان «2» . 6- * (قال ابن رجب- رحمه الله-: تضمّنت النّصوص أنّ المسلم لا يحلّ إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حقّ) * «3» . من مضار (الأذى) (1) الإيذاء سبب في سخط الله- عزّ وجلّ- على العبد. (2) المؤذي يمقته الله، ويمقته النّاس. (3) يعيش في المجتمع منبوذا فريدا، يخاف النّاس أذاه، فيكرهون مخالطته ومصاحبته. (4) إذا كثر المؤذون في المجتمع وسكت النّاس عنهم فسدت أحواله وآل إلى الزّوال. (5) يسبّب العداوة والبغضاء بين المسلمين. (6) دليل سوء الأخلاق وانحطاط النّفس وخبثها.   (1) البخاري- الفتح (4/ 84) باب تفسير القرآن (ص 456) . (2) تفسير القرآن العظيم (1/ 325) . (3) جامع العلوم والحكم (294) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3827 الإرهاب الإرهاب لغة: مصدر قولهم: أرهب يرهب، وهو مأخوذ من مادّة (ر هـ ب) الّتي تدلّ على الخوف، وأصل ذلك إرهاب الإبل وهو قدعها (منعها) من الحوض وذيادها عنه، وقال الرّاغب: الرّهبة والرّهب: مخافة مع تحرّز واضطراب، والإرهاب: فزع الإبل، وهو من أرهبت الإبل: أفزعتها، أمّا قوله تعالى: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال/ 60) فمعناه تخيفون به عدوّ الله وعدوّكم من اليهود وقريش وكفّار العرب «1» وقوله سبحانه سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ (الأعراف/ 116) معناه حملوهم على أن يرهبوا «2» ، ويقال: رهب- كعلم- يرهب رهبة ورهبا، ورهبا، ورهبانا، والاسم: الرّهبى والرّهبى، ويمدّان (رهباء، رهباء) ، ورهبوت خير من رحموت، أي لأن ترهب خير من أن ترحم، وأرهبه واسترهبه: أخافه، وترهّبه: توعّده، والرّاهبة: هي الحالة الّتي ترهب، وفي حديث بهز بن حكيم «إنّي لأسمع الرّاهبة» أي الحالة الّتي تفزع وتخوّف، وفي حديث الدّعاء: «رغبة ورهبة..» الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 17/ 1 الرّهبة: الخوف والفزع، والرّاهب: واحد رهبان، ومصدره: الرّهبة، والرّهبانيّة والتّرهّب (هنا) ، التّعبّد، ويقال: أرهب الرّجل: أي ركب الرّهب وهو الجمل العالي المخيف، وأرهب فلانا: خوّفه، والرّهبان: المبالغ في الخوف (من رهب) كالخشيان من خشي، والمرهوب: المخوف، والمراهب: الأهوال والمخاوف، وترهّب غيره: إذا توعّده، وفعلت هذا من رهباك: أي من رهبتك ويقال: رهباك خير من رغباك (بفتح الرّاء وضمّها) أي فرقه وفزعه منك خير من حبّه لك «3» . الإرهاب اصطلاحا: لقد تغيّر مفهوم «الإرهاب» في العصر الحديث تغيّرا كبيرا، وأصبح لهذه الكلمة في معناها المعاصر وقع سيّء جدّا، لارتباطها في أذهان النّاس بمعنى ترويع الآمنين، وتخريب العمران، بغضّ النّظر عمّن توجّه إليهم الضّربات الإرهابيّة وتفزعهم، وقد جاء في تعريف الإرهاب في أحد المصادر الحديثة مايلي: الإرهاب: هو بثّ الرّعب الّذي يثير الرّعب في الجسم والعقل، أي الطّريقة الّتي تحاول بها جماعة   (1) تفسير القرطبي (7/ 26) . (2) المفردات في غريب القرآن للراغب (ص 204) . (3) مقاييس اللغة (2/ 446) ، المفردات للراغب (204) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 100) ، النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 280، 281) ، الصحاح (1/ 140) ، اللسان (رهب) (1750) ط. دار المعارف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3828 منظّمة، أو حزب أن يحقّق أهدافه عن طريق استخدام العنف، وتوجّه الأعمال الإرهابيّة ضدّ الأشخاص العاديّين أو الموالين للسّلطة ممّن يعارضون أهداف هذه الجماعة، ويعدّ هدم العقارات وإتلاف المحاصيل من أشكال النّشاط الإرهابيّ «1» وهذا النوع من أنواع الإرهاب هو الّذي يرفضه الإسلام شكلا وموضوعا إذ لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما كما أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (انظر الحديث رقم 8) . أمّا المفهوم التّراثيّ لهذه الكلمة فقد أشار إليه الإمام الرّاغب حين قال: الّرهبة: خوف مع تحرّز واضطراب، ومن ثمّ يكون: الإرهاب: فعل ما من شأنه أن يخيف مصحوبا بالتّحرّز والاضطراب، وهذا المعنى أقرب ما يكون إلى مفهوم الرّدع. أي أنّ العدوّ إذا علم أنّك ستلحق به الهزيمة، وأنّك أعددت له العدّة حدث له من الخوف ما يمنعه من المحاربة وإلحاق الأذى بالمسلمين، وهذا أمر مطلوب بنّصّ الآية الكريمة وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال/ 60) وقد عقد الإمام العزّ بن عبد السّلام فصلين لذلك: الأوّل في تخويف أهل الحرب وإرهابهم، والثّاني: في الاستعداد لقتالهم بما يرهبهم «2» ، والخلاصة أنّ الإرهاب إذا كان موجّها لأهل الحرب من أعداء الله إخافة لهم فلا ضير فيه، وإنّما هو أمر مطلوب، بل ومأمور به، وإن كان موجّها للمسلم أو لغيره ممّن ليسوا بأهل حرب فهو منهيّ عنه، ويعدّ من الأخلاق الذّميمة الّتي لا يرتضيها الدّين الحنيف. أنواع الإرهاب: الإرهاب نوعان: محمود ومذموم. فأمّا المحمود فهو ما استعمل في تخويف الفسقة والعصاة والمجرمين والكفرة والمشركين لصدّهم وردعهم عمّا هم عليه وكفّ أذاهم عن النّاس. وأمّا المذموم فهو ما استعمله المجرمون والمعتدون من ترويع الآمنين، وإزهاق أرواح الغافلين من المسلمين، ودبّ الرّعب والخوف والفزع في قلوبهم في سبيل الحصول على حطام الدّنيا؛ حقدا دفينا في قلوبهم على أهل الإسلام المؤمنين. [للاستزادة: انظر صفات: الإجرام- الأذى- الإساءة- البغي- العدوان- اتباع الهوى- اللهو واللعب- القسوة- العنف- الطغيان- الضلال- الفجور- الاعوجاج- الإصرار على الذنب- الأمن من المكر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإيمان- الإسلام- حسن المعاملة- الرحمة- الرفق- الشفقة- الإحسان- الرأفة- الاستقامة] .   (1) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، (بتصرف يسير) (ص 423) . (2) شجرة المعارف والأحوال (ص 394) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3829 الآيات الواردة في «الإرهاب» 1- وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (110) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) «1» 2- وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «2» 3- لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) «3»   (1) الأعراف: 104- 116 مكية (2) الأنفال: 60 مدنية (3) الحشر: 13 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3830 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإرهاب) معنى 1- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مرّ أحدكم في مجلس أو سوق، وبيده نبل، فليأخذ بنصالها «1» . ثمّ ليأخذ بنصالها. ثمّ ليأخذ بنصالها» . قال: فقال أبو موسى: والله مامتنا حتّى سدّدناها «2» بعضنا في وجوه بعض) * «3» . 2- * (وعن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «اللهمّ من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين «4» ، ولا يقبل منه صرف ولا عدل «5» » ) * «6» 3- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى «7» لي الأرض» أو قال: «إنّ ربّي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «8» ، وإنّي سألت ربّي لأمّتي: أن لا يهلكها بسنة بعامّة «9» ، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم «10» ، وإنّ ربّي قال لي: يا محمّد! إنّي إذا قضيت قضاء لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها- أو قال بأقطارها- حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنّما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين، وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون، كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «11» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ ثمانين رجلا من أهل مكّة هبطوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) بنصالها: النصال جمع نصل وهو حديدة السهم. (2) سددناها: أي قومناها إلى وجوههم. (3) مسلم (2615) . (4) استحق أن يطرده الله من رحمته ويقصيه من جنته ويبعده من رضوانه وكذا تلعنه الملائكة وتطلب من الله عذابه وشدة عقابه. واستدلوا بهذا عن أن ذلك من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في الكبيرة، ومعناه أن الله تعالى يلعنه، وكذا تلعنه الملائكة والناس أجمعون، والمراد باللعن العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد، والله أعلم. قاله النووي: (9/ 141) . (5) الصرف: التوبة، والعدل: الفدية. (6) المنذري في «الترغيب» (2/ 232) وقال: رواه الطبراني في «الأوسط والكبير» بإسناد جيد، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 306) : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله رجال الصحيح. (7) زوى: أي جمع. (8) الكنزين الأحمر والأبيض: والمراد بهما: الذهب والفضة، والمراد كنزا كسرى وقيصر ملكي العراق والشام. (9) بسنة بعامة: أي لا يهلكهم بقحط يعمهم، بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام. (10) يستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم. (11) أبو داود (4252) وقال الألباني (3/ 801) : والقسم الأول منه عند مسلم (2889) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3831 من جبل التّنعيم متسلّحين. يريدون غرّة النّبيّ «1» صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. فأخذهم سلما فاستحياهم. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ «2» » ) * «3» . 5- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- بلغنا مخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم: أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم- إمّا قال: في بضع، وإمّا قال: في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي- فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه، حتّى قدمنا جميعا، فوافقنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر. وكان أناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة- سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس- وهي ممّن قدم معنا- على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة- وأسماء عندها- فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: أالحبشيّة هذه؟ أالبحريّة هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله منكم. فغضبت وقالت: كلّا والله، كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنّا في دار أو في أرض- البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. قال: «فما قلت له؟» قالت: قلت له: كذا وكذا. قال: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» . قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتونني أرسالا «4» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّي) * «5» . 6- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما صلاة العصر بنهار ثمّ قام خطيبا، فلم يدع شيئا يكون إلى قيام السّاعة إلّا أخبرنا به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وكان فيما قال: «إنّ الدّنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، ألا فاتّقوا الدّنيا «6» واتّقوا النّساء» ، وكان فيما قال «ألا لا يمنعنّ رجلا هيبة   (1) الغرة: هي الغفلة أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم. (2) سورة الفتح: آية رقم (24) . (3) مسلم (1808) . (4) أرسالا: أفواجا. (5) البخاري- الفتح 7 (4230- 4231) . (6) اتقوا الدنيا: اجعلوا بينكم وبينها وقاية بترك الحرام وترك الإكثار منها والزهد فيها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3832 النّاس أن يقول بحقّ إذا علمه» قال: فبكى أبو سعيد فقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا، فكان فيما قال: «ألا إنّه ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، ولا غدرة أعظم من غدرة إمام عامّة يركز لواؤه عند استه» فكان فيما حفظنا يومئذ: «ألا إنّ بني آدم خلقوا على طبقات شتّى، فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا كافرا ويموت كافرا، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا، ألا وإنّ منهم البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك، ألا وإنّ منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء ألا وشرّهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وإنّ منهم حسن القضاء حسن الطّلب، ومنهم سيّء القضاء حسن الطّلب، ومنهم حسن القضاء سيّء الطّلب، فتلك بتلك، ألا وإنّ منهم السّيّء القضاء السّيّء الطّلب، ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطّلب، ألا وشرّهم سيّء القضاء سيّء الطّلب، ألا وإنّ الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحسّ بشيء من ذلك فليلصق بالأرض» قال: وجعلنا نلتفت إلى الشّمس. هل بقي منها شيء؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّه لم يبق من الدّنيا فيما مضى منها إلّا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه» ) * «1» . 7- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: «كنّا قعودا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها، حتّى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل: يا رسول الله، وما فتنة الأحلاس؟ قال: «هي هرب وحرب «2» ، ثمّ فتنة السّرّاء، دخنها «3» من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنّه منّي، وليس منّي، وإنّما أوليائي المتّقون، ثمّ يصطلح النّاس على رجل كورك على ضلع «4» ، ثمّ فتنة الدّهيماء «5» ، لا تدع أحدا من هذه الأمّة إلّا لطمته لطمة، فإذا قيل: انقضت تمادت، يصبح الرّجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، حتّى يصير النّاس إلى فسطاطين «6» ، فسطاط إيمان لا نفاق فيه. وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم   (1) الترمذي (2191) وقال: حديث حسن صحيح. وعند أحمد في المسند عن أبي سعيد: ألا لا يمنعن أحدكم (رهبة الناس) بدل هيبة (3/ 50) . ولفظ آخر (مخافة) (3/ 44، 47) ، وقال محقق جامع الأصول: (11/ 748) لبعض فقراته شواهد. (2) حرب: الحرب بفتح الراء: ذهاب المال والأهل، يقال: حرب الرجل، فهو حريب إذا سلب أهله وماله. (3) دخنها: إثارتها وهيجها، شبهها بالدخان الذي يرتفع، أي: أن أصل ظهورها من هذا الرجل. وقوله: «من تحت قدمي رجل» يعني: أنه يكون سبب إثارتها. (4) كورك على ضلع: مثل، أي: أنه لا يستقل بالملك، ولا يلائمه. كما الورك لا تلائم الضلع. (5) فتنة الدهيماء: أراد بالدهيماء: السوداء المظلمة، وقيل: أراد بالدهيماء: الداهية يذهب بها الدهيم، وهي في زعم العرب: اسم ناقة، قالوا: كان من قصتها أنه غزا عليها سبعة إخوة، فقتلوا عن آخرهم، وحملوا على الدهيم حتى رجعت بهم فصارت مثلا في كل داهية. (6) فسطاطين: الفسطاط: الخيمة الكبيرة، وتسمى مدينة مصر: الفسطاط، والمراد في هذا الحديث: الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى، تشبيها بانفراد الخيمة عن الأخرى، أو تشبيها بانفراد المدينة عن الأخرى، حملا على تسمية مصر بالفسطاط، ويروى بضم الفاء وكسرها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3833 فانتظروا الدّجّال من يومه، أو من غده» ) * «1» . 8- * (عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال: حدّثنا أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم: أنّهم كانوا يسيرون مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما» ) * «2» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يشير «3» أحدكم إلى أخيه بالسّلاح. فإنّه لا يدري أحدكم لعلّ الشّيطان ينزع «4» في يده. فيقع في حفرة من النّار» ) * «5» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلّا شيء لا يواريه إبط بلال» ) * «6» . 11- * (عن أبي قلابة أنّه كان جالسا خلف عمر بن عبد العزيز فذكروا وذكروا، فقالوا وقالوا قد أقادت بها الخلفاء، فالتفت إلى أبي قلابة وهو خلف ظهره فقال: ما تقول يا عبد الله بن زيد- أو قال ما تقول يا أبا قلابة-؟ قلت: ما علمت نفسا حلّ قتلها في الإسلام إلّا رجل زنى بعد إحصان، أو قتل نفسا بغير نفس، أو حارب الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال عنبسة: حدّثنا أنس بكذا وكذا. قلت: إيّاي حدّث أنس، قال: قدم قوم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكلّموه فقالوا: قد استوخمنا «7» هذه الأرض، فقال: «هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها، فاشربوا من ألبانها وأبوالها» ، فخرجوا فيها فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحّوا، ومالوا على الرّاعي فقتلوه، واطّردوا النّعم. فما يستبطأ من هؤلاء؟ قتلوا النّفس، وحاربوا الله ورسوله، وخوّفوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «سبحان الله» . فقلت تتّهمني؟ قال: حدّثنا بهذا أنس. قال: وقال: يا أهل كذا، إنّكم لن تزالوا بخير ما أبقى الله هذا فيكم ومثل هذا» ) * «8» . 12- * (عن هشام بن حكيم بن حزام. قال: مرّ بالشّام على أناس، وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤسهم الزّيت. فقال: ما هذا؟ قيل: يعذّبون في   (1) أخرجه أبو داود (4242) وقال محقق جامع الأصول (10/ 24) : إسناده صحيح وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 798) : صحيح وهو في الصحيحة رقم (972) . (2) أبو داود (5004) - وقال الألباني (3/ 944) : صحيح- غاية المرام (447) . (3) لا يشير: بالياء بعد الشين، وهو صحيح. وهو نهي بلفظ الخبر. كقوله تعالى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها. وقد قدمنا مرات أن هذا أبلغ من لفظ النهي. (4) ينزع معناه يرمي في يده ويحقق ضربته ورميته. (5) مسلم (2617) . (6) الترمذي (2472) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو عند ابن ماجة رقم (151) وابن حبان (2528) . وقال المحدّث الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (2553) : إسناده صحيح. ومعنى هذا الحديث: إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطاء (7) استوخمنا هذه الأرض: استثقلناها ولم يوافق هواؤها أبداننا. (8) البخاري- الفتح 8 (4610) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3834 الخراج. فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون في الدّنيا «1» » ) * «2» . 13- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- يقول: مرّ رجل في المسجد بسهام. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بنصالها «3» » ) * «4» . 14- * (وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ أميرا من أمراء الفتنة قدم المدينة، وكان قد ذهب بصر جابر، فقيل لجابر: لو تنحّيت عنه فخرج يمشي بين ابنيه فانكبّ، فقال: تعس «5» من أخاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال ابناه أو أحدهما: يا أبتاه: وكيف أخاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد مات؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبيّ «6» » . ورواه ابن حبّان في صحيحه مختصرا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أخاف أهل المدينة أخافه الله «7» » ) * «8» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «من أشار إلى أخيه بحديدة «9» ، فإنّ الملائكة تلعنه. حتّى وإن كان «10» أخاه لأبيه وأمّه» ) * «11» . 16- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يتعاطى السّيف مسلولا» ) * «12» . 17- * (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله وسعديك ... فذكر الحديث، قال فيه: «كيف أنت إذا أصاب النّاس موت يكون البيت «13» فيه بالوصيف «14» ؟» قلت: الله ورسوله أعلم- أو قال: ما خار الله لي ورسوله- قال: «عليك بالصّبر» -   (1) إن الله يعذب الذين يعذبون في الدنيا: هذا محمول على التعذيب بغير حق. فلا يدخل فيه التعذيب بحق كالقصاص والحدود والتعزير، وغير ذلك. (2) مسلم (2613) . (3) بنصالها: النصال والنصول جمع نصل وهو حديد السهم. (4) البخاري- الفتح 1 (451) - مسلم (2614) واللفظ له. (5) فانكب: أي عثر وانكب لوجهه. يقال تعس يتعس: وهو دعاء عليه بالهلاك، ومنه حديث الإفك: تعس مسطح. (6) الذي يؤلم أهل المدينة يؤلمه صلّى الله عليه وسلّم في قبره، ومن أدخل عليهم الرعب والفزع أغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأفزع قلبه، وأزال اطمئنانه، وأعلن الحرب عليه صلّى الله عليه وسلّم. (7) سلط عليه الأعداء، وأوجد عنده الرعب وأصابه الفزع. فيه ترغيب الولاة والحكام باستعمال العدل والرأفة، والسير على منهج الله ورسوله، والحق يتبع، والظلم يجتنب (8) المنذري في الترغيب. واللفظ له (2/ 232) وقال: رواه أحمد (3/ 354) ، ورجاله رجال الصحيح. (9) من أشار إلى أخيه بحديدة فيه تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه، والتعرض له بما قد يؤذيه. (10) حتى إن كان هو هكذا في عامة النسخ. وفيه محذوف وتقديره حتى يدعه. وكذا وقع في بعض النسخ. (11) مسلم (2616) . (12) الترمذي (2163) وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث حماد بن سلمة. وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر وعن بنّة الجهني عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحديث حماد بن سلمة عندي أصح. (13) البيت: أراد بالبيت هاهنا القبر. (14) والوصيف: العبد والوصيفة الأمة والمعنى أن الفتن تكثر، فتكثر القتلى، حتى إنه ليشترى موضع قبر يدفن فيه الميت بعبد، من ضيق المكان عنهم، مبالغة في كثرة وقوع الفتن، أو أنه لاشتغال بعضهم ببعض وبما حدث من الفتن لا يوجد من يحفر قبر ميت ويدفنه، إلا أن يعطى وصيفا أو قيمته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3835 أو قال: تصبر- ثمّ قال لي: «يا أبا ذرّ» ، قلت: لبيّك وسعديك، قال: «كيف أنت إذا رأيت أحجار الزّيت «1» قد غرقت بالدّم؟» قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: «عليك بمن أنت منه» قلت: يا رسول الله: أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: «شاركت القوم إذا» ، قلت: فما تأمرني؟ قال: «تلزم بيتك» . قلت: فإن دخل عليّ بيتي؟ قال: «فإن خشيت أن يبهرك «2» شعاع السّيف، فألق ثوبك على وجهك، يبوء «3» بإثمك وإثمه» ) * «4» . من الآثار الواردة في ذمّ (الإرهاب) 1- * (قال بعضهم: «من ملك نفسه عند أربع حرّمه الله على النّار: حين يغضب، وحين يرغب، وحين يرهب، وحين يشتهي» ) * «5» . من مضار (الإرهاب) (1) يسخط الله- عزّ وجلّ- ويتعرّض صاحبه لأليم العذاب في الدّنيا والآخرة. (2) يزعزع القلوب، وينشر الذّعر والفزع بين النّاس. (3) يترتّب عليه مفاسد اجتماعيّة جمّة كارتفاع الأسعار ونزع الثّقة والرّحمة بين النّاس وعدم مساعدة الأغنياء الضّعفاء. (4) ينعدم الأمن والاطمئنان، وينتشر القتل والسّلب والسّرقات وغيرها من الجرائم. (5) يؤدّي إلى تشتيت جهود الأمّة في مواجهة أصحابه الّذين يرهبون النّاس، ويتأخّر المجتمع عن ركب العمران.   (1) أحجار الزيت: موضع بالمدينة المنورة في الحرة سمي بها لسواد الحجارة ولمعانها. (2) يبهرك: يغلب عينك ويغشى بصرك. (3) يبوء: باء بالإثم يبوء: إذا رجع به حاملا له. (4) أخرجه أبو داود (4261) واللفظ له وابن ماجة رقم (3958) وقال محقق جامع الأصول (10/ 7) : حديث حسن وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 803) : صحيح. (5) المستطرف (1/ 41) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3836 الإساءة الإساءة لغة: مصدر قولهم: أساء يسيء، وهو مأخوذ من مادّة (س وأ) الّتي تدلّ على القبح، تقول من ذلك: رجل أسوأ، وامرأة سوءاء أي قبيحة وسمّيت السّيّئة سيّئة، وسمّيت النّار سوأى لقبح منظرها، وعبّر عن كلّ ما يقبح بالسّوأى ولذلك قوبل بالحسنى، والسّيّئة الفعلة القبيحة، وهي ضدّ الحسنة وقد تعدّدت معانيها في القرآن الكريم. وقال الجوهريّ: يقال ساءه سوءا (بالفتح) ، ومساءة ومسائية، نقيض سرّه، والاسم: السّوء (بالضّمّ) ، وقريء: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ (الفتح/ 6) (بالضّمّ) يعني: الهزيمة والشّرّ، ومن قرأ بالفتح فهو من المساءة، وتقول: هذا رجل سوء بالإضافة، ثمّ تدخل عليه الألف واللّام، فتقول: هذا رجل السّوء. وأساء إليه نقيض أحسن إليه، ويقال: فلان سيّء الاختيار، وقد يخفّف مثل هيّن وهين، ويقال: سؤت به ظنّا، وأسأت به الظّنّ، يثبتون الألف (في أسأت) إذا جاءوا بالألف واللّام، وقولهم ما أنكرك من سوء أي لم يكن إنكاري لك من سوء رأيته بك، والسّوأة: العورة، والفاحشة، والسّوأة السّوءاء: الفعلة القبيحة، وسوّأت عليه فعله وما صنع: إذا عبته عليه، وقلت له: أسأت، وقولهم: الخيل تجري على مساويها: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 109/ 46/ 10 أي أنّها وإن كانت بها أوصاب أو عيوب فإنّ كرمها يحملها على الجري، وتقول من السّوء: استاء الرّجل على وزن افتعل كما تقول: اغتمّ من الغمّ، وفي حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «أنّ رجلا قصّ عليه رؤيا فاستاء لها» ثمّ قال: «خلافة نبوّة ثمّ يؤتي الله الملك من يشاء» استاء مطاوع ساء يقال: استاء فلان بمكان أي ساءه ذلك، قال ابن الأثير ويروى استالها: أي طلب تأويلها بالتّأمّل والنّظر، والسّوأة في الأصل: الفرج، ثمّ نقل إلى كلّ ما يستحيا منه إذا ظهر من قول أو فعل، وفي حديث الحديبية والمغيرة «وهل غسلت سوأتك إلّا أمس» وفي هذا إشارة إلى غدر كان المغيرة فعله مع قوم صحبوه في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم. وقال ابن منظور: يقال: أسأت به، وإليه، وعليه، وله، وكذلك أحسنت، وساء الشّيء يسوء سوءا، فهو سيّء إذا قبح، ورجل أسوأ: قبيح، والأنثى سوآء: قبيحة، وساءه يسوءه سوءا: فعل به ما يكره. والسّوء: الفجور والمنكر. ورجل سوء: يعمل عمل سوء، وأساء الرّجل إساءة: خلاف أحسن. وأساء إليه: نقيض أحسن إليه. قال كثيّر: أسيئي بنا أو أحسني، لا ملومة ... لدينا، ولا مقليّة إن تقلّت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3837 وقال سبحانه: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها (الإسراء/ 7) . وأساء الشّيء: أفسده ولم يحسن عمله. وأساء فلان الخياطة والعمل، وفي المثل: أساء كاره ما عمل، والسّيّئة: الخطيئة. وقد كثر ذكر السّيّئة في الحديث، وهي والحسنة من الصّفات الغالبة. يقال: كلمة حسنة وكلمة سيّئة، وفعلة حسنة وفعلة سيّئة «1» . السيئة اصطلاحا: إذا كانت الإساءة فعل السّوء أو السّيّئة فإنّه يمكن تعريفها في ضوء تعريف هذين الأمرين: قال الكفويّ: السّوء (بالضّمّ) يجري مجرى الشّرّ، ومنه مقدّمات الفاحشة من القبلة والنّظر بالشّهوة «2» . وقال الرّاغب: السّوء كلّ ما يغمّ الإنسان من الأمور الدّنيويّة والأخرويّة، ومن الأحوال النّفسيّة والبدنيّة والخارجيّة «3» مثل فوات مال أو جاه أو فقد حبيب، وقد لخّص الفيروز آباديّ ذلك فقال: كلّ ما يغمّ الإنسان في أمور الدّارين من الأحوال النّفسيّة والبدنيّة والخارجيّة. أمّا السّيّئة، فقال الرّاغب: هي الفعلة القبيحة «4» ، ومن ثمّ تكون الإساءة: فعل أمر قبيح جار مجرى الشّرّ يترتّب عليه غمّ لإنسان في أمور دينه ودنياه، سواء أكان ذلك في بدنه أو نفسه أو فيما يحيط به من مال أو ولد أو قنية «5» . أقسام السيئة: السّيّئة كالحسنة. قسمان: أحدهما بحسب اعتبار الشّرع والعقل، كما في قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها (الأنعام/ 160) . الآخر: بحسب اعتبار الطّبع، وذلك ما يستثقله، كما في قوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ (الأعراف/ 131) «6» . أقسام الإساءة: وهي تنقسم إلى أقسام، ولكلّ قسم أنواع: القسم الأوّل: (الإساءة القاصرة) وهي أنواع الأوّل: التّعرّض لأذيّة الله تعالى، الثّاني تخريب المساجد، الثّالث: التّهاون بالصّلاة، الرّابع سوء الاستماع، الخامس: تقليد الجاهل، السّادس: الجلوس في الطّرقات، السّابع: مجالسة أهل الشّرّ، الثّامن: الصّور والكلاب في البيوت، التّاسع: التّصوير، العاشر: الفزع، الحادي عشر: استصحاب الجرس والكلب، الثّاني عشر: اللّعب بالنّرد، الثّالث عشر: بيع   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 112) ، الصحاح (1/ 56) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 288) ، ولسان العرب (س وأ) (ص 2138) (ط. دار المعارف) . (2) الكليات (ص 502) . (3) المفردات (252) (4) المرجع السابق نفسه، وبصائر ذوي التمييز (3/ 88) . (5) تم استخلاص هذا التعريف مما أوردته كتب المصطلحات عن السيئة والسوء. (6) المفردات (253) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3838 الخمر، الرّابع عشر: كسب الحجّام، الخامس عشر: ردّ الرّيحان، السّادس عشر: البناء على القبور والجلوس عليها، السّابع عشر: الوصال، الثّامن عشر: قتل الرّجل نفسه، التّاسع عشر: التّختّم بالذّهب، العشرون: الأكل في الذّهب والفضّة، الحادي والعشرون: التّنعّم ولبس الحرير، الثّاني والعشرون: الإكثار من الفرش، الثّالث والعشرون: ستر الجدران، الرّابع والعشرون: القدوم على الطّاعون والفرار منه. القسم الثّاني: (الإساءة القوليّة والفعليّة) وهي أنواع: الأوّل: كذب الملوك، وزنا الشّيوخ، وكبر الفقراء، والملك الكذّاب، والعائل المستكبر والشّيخ الزّاني ممّن لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم، إنّما عظمت ذنوب هؤلاء لضعف دواعيهم إلى معاصيهم، فإنّ الملك لا يحتاج إلى الكذب، والشّيخ لا تغلبه شهوته على الزّنا، والعائل الفقير ليس عنده أسباب الكبر والطّغيان. الثّاني: أذيّة الرّسول، الثّالث: تعنّت الرّسل، الرّابع: سوء الأدب على الرّسول، الخامس: أذيّة أولياء الله، السّادس: أذيّة الوالدين، السّابع: أذيّة المؤمنين، الثّامن أذيّة اليتيم، التّاسع: أذيّة المتصدّق عليه، العاشر: أذيّة الجار، الحادي عشر: في المنّة بالدّين، الثّاني عشر: مضارّة الزّوجات، الثّالث عشر: مضارّة الوالدين بالولد، الرّابع عشر: مضارّة الكاتب والشّاهد، الخامس عشر: عسف الولاة، السّادس عشر: غشّ الوالي، السّابع عشر: تقصير الولاة، الثّامن عشر: إفساد الولاة وقطيعة الأرحام، التّاسع عشر: تباغض الولاة ورعاياهم، العشرون: القتال للأعراض الفاسدة، الحادي والعشرون: مفارقة المسلمين وتفريقهم، الثّاني والعشرون: التّعرّض لدم المسلم وماله وعرضه، الثّالث والعشرون: في الغشّ وحمل السّلاح على المسلمين، الرّابع والعشرون: إيثار الدّنيا على الدّين، الخامس والعشرون: التّفاخر والتّكاثر، السّادس والعشرون: تبديل الوصايا، السّابع والعشرون: اللّدد وكثرة الخصام، الثّامن والعشرون: معصية أئمّة العدل، التّاسع والعشرون: معصية الجائر فيما يأمر به من الحقّ، الثّلاثون: الطّاعة في المعصية، الحادي والثّلاثون: الإعانة على المعصية، الثّاني والثّلاثون: التّفريط في الطّاعة، الثّالث والثّلاثون: إهمال الأعمال اعتمادا على الأسباب، الرّابع والثّلاثون: كتمان الشّهادة، الخامس والثّلاثون: كتمان ما أنزل الله، السّادس والثّلاثون: اللّجج، السّابع والثّلاثون: العمل بالظّنّ المخالف للشّرع، الثّامن والثّلاثون: التّنطّع، التّاسع والثّلاثون: إحداث السّنن السّيّئة، النّوع الأربعون: نقض أيمان العهد، الحادي والأربعون: السّحر، الثّاني والأربعون: امتناع الكاتب من الكتابة، والشّاهد من الشّهادة، الثّالث والأربعون: قيل وقال وكثرة السّؤال وإضاعة المال، ومنع وهات ووأد البنات وعقوق الأمّهات، الرّابع والأربعون: التّبرّج وإظهار الزّينة، الخامس والأربعون: بخس الحقوق، السّادس والأربعون: الشّحّ والبخل، السّابع والأربعون. الجور واتّباع الهوى في الحكم، الثّامن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3839 والأربعون: كفر الإحسان، التّاسع والأربعون: التّسبّب إلى شتم الأبوين، الخمسون: تكفير المسلم. القسم الثّالث: الإساءة الفعليّة. وهي أنواع: الأوّل: هجر المسلم، الثّاني: الإشارة بالسّلاح، الثّالث: كتابة الباطل وأخذ الأجرة عليها، الرّابع: إباق العبد، الخامس: إيراد الممرض على المصحّ، السّادس: تعريض مال المولى عليه للضّياع، السّابع: الدّخول بغير إذن، الثّامن: جلوس الضّيف بعد الأكل، التّاسع: إحصاء المال وإبقاؤه، العاشر: الاحتكار وعنت الشّريك والجار، الحادي عشر: المطل مع اليسار، الثّاني عشر: الإخراج من الدّيار بغير حقّ، الثّالث عشر: تغيير المنار (أي علامات الأرض وحدودها) الرّابع عشر: غصب الحقير، الخامس عشر: الخيانة، السّادس عشر: التّصدّق بالمال الحرام، السّابع عشر: إخراج الرّديء في الزّكاة، الثّامن عشر: طرح الأذى على الطّرقات، التّاسع عشر: الضّحك من المؤمنين، العشرون: إظهار الكبر، الحادي والعشرون: طرد الفقراء الصّالحين، الثّاني والعشرون: تقديم الغنيّ الطّالح على الفقير الصّالح، الثّالث والعشرون: زنى الجوارح، الرّابع والعشرون: الخلوة المحرّمة، الخامس والعشرون: النّظر إلى العورات، السّادس والعشرون: اقتناء الكلاب «1» ، السّابع والعشرون: أذيّة الدّوابّ، الثّامن والعشرون: وسم وجوه الدّوابّ، التّاسع والعشرون: ضرب الوجوه، الثّلاثون: صبر «2» البهائم، الحادي والثّلاثون: قتل النّمل. القسم الرّابع: الإساءة القوليّة وهي أنواع: الأوّل: سبّ المسلم، الثّاني: مشاحنة المسلم، الثّالث: إفشاء الأسرار، الرّابع: الرّغبة عن الآباء والادّعاء إلى غيرهم، الخامس: الطّعن في الأنساب، السّادس: المنن وتنفيق السّلع بالحلف، السّابع: الهمز واللّمز والنّميمة وكثرة الحلف، الثّامن: الشّفاعة فيما لا يجوز، التّاسع: التّناجي المؤذي، العاشر: التّناجي بالمعاصي، الحادي عشر: الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف، الثّاني عشر: السّؤال عمّا تتوقّع مساءته، الثّالث عشر: قول الزّور، الرّابع عشر: المجادلة عن الخائن، الخامس عشر: استفتاء الجاهل، السّادس عشر: الفتيا بغير علم، السّابع عشر: كثرة اللّعن، الثّامن عشر: السّعي بالنّميمة، التّاسع عشر: بيع الماء والكلب، العشرون: كثرة الحلف في البيع، الحادي والعشرون: شراء الصّدقة والرّجوع في الهبة اللّازمة، الثّاني والعشرون: تعيير الزّاني، الثّالث والعشرون: مدح من تخشى فتنته، الرّابع والعشرون: وصف الشّهداء بالموت، الخامس والعشرون: سبّ الحمّى، السّادس والعشرون: التّألّي على الله، السّابع والعشرون: تعليق الدّعاء بالمشيئة، الثّامن والعشرون: التّسميع، التّاسع والعشرون: الفخر والخيلاء،   (1) معلوم أن ذلك جائز إذا كان الاقتناء للحراسة. (2) صبر البهائم: هو أن يمسك شيء من ذوات الروح حيّا ثم يرمى بشيء حتى يموت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3840 الثّلاثون: الكلام بما لا يعرف قبحه من حسنه، الحادي والثّلاثون: اعتقاد الرّجل في نفسه، الثّاني والثّلاثون: المبادرة بالحلف والشّهادة، الثّالث والثّلاثون: سبّ الصّحابة، الرّابع والثّلاثون: تزكية النّفس، الخامس والثّلاثون: سبّ الدّهر، السّادس والثّلاثون: تسمية العنب الكرم، السّابع والثّلاثون: ما ينهى عنه من الأسماء، الثّامن والثّلاثون: نداء الرّقيق بالعبد والأمة، التّاسع والثّلاثون: القول البشع، الأربعون: قذف الرّقيق، الحادي والأربعون: السّمع بالباطل، الثّاني والأربعون: الإلحاف في المسألة، والسّؤال تكثّرا، الثّالث والأربعون: الخيانة في المحقّرات، الرّابع والأربعون: سؤال المرأة طلاق ضرّتها، الخامس والأربعون: إضافة النّعم إلى أسبابها دون المنعم بها، السّادس والأربعون: قول «لو» اعتمادا على الأسباب، السّابع والأربعون: منع فضل الماء والبيعة للدّنيا وتنفيق السّلع بالحلف الكاذب، الثّامن والأربعون: أنواع من الأذيّة والإضرار كالسّخرية والهمز واللّمز، والغيبة، والحسد، والتّباغض، والتّناجش، والبيع على البيع، والخطبة على الخطبة، والمساومة، وقطيعة الرّحم والتّدابر «1» . معنى كلمة السوء في القرآن الكريم: الوجه الأوّل: بمعنى الشّدّة، وذلك قوله في سورة البقرة/ آية 49: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يعني شدّة العذاب، وفي الرّعد/ آية 18: أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ. الوجه الثّاني: بمعنى العقر، وذلك قوله في الأعراف/ آية 73: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً إلى قوله: وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ يعني بعقر، أي لا تعقروها. الوجه الثّالث: بمعنى الزّنا، وذلك قوله في سورة يوسف/ آية 51: ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ من زنا. وقال في سورة مريم/ آية 28: ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ يعني ما كان زانيا. الوجه الرّابع: بمعنى البرص، وذلك قوله في سورة طه/ آية 22، لموسى: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني بيضاء من غير برص. الوجه الخامس: بمعنى العذاب، وذلك قوله في النّحل/ آية 27: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ يعني العذاب عَلَى الْكافِرِينَ وكقوله في سورة الرّعد/ آية 11: وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ يعني عذابا. الوجه السّادس: بمعنى الشّرك، وذلك قوله في النّحل/ آية 28: ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ يعني الشّرك وكقوله في سورة النّجم/ آية 31: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا يعني أشركوا «بما عملوا» . الوجه السّابع: بمعنى الشّتم، وذلك قوله في   (1) شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال للعز بن عبد السلام (297- 338) . بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3841 سورة الممتحنة/ آية 2: وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ يعني بالشّتم. وكقوله في سورة النّساء/ آية 148: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ يعني الشّتم إِلَّا مَنْ ظُلِمَ. الوجه الثّامن: بمعنى بئس، وذلك قوله في سورة الرّعد/ آية 25: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ يعني بئس الدّار. يعني منازلهم. الوجه التّاسع: بمعنى الذّنب من المؤمن، وذلك قوله في سورة النّساء/ آية 17: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ يعني الذّنب، وكلّ ذنب من المؤمن فهو جهل منه. الوجه العاشر: بمعنى الضّرّ، وذلك قوله في الأعراف/ آية 188: ما مَسَّنِيَ السُّوءُ يعني الضّرّ وقال في النّمل/ آية 62: وَيَكْشِفُ السُّوءَ يعني الضّرّ. الوجه الحادي عشر: بمعنى القتل والهزيمة، وذلك قوله في سورة الأحزاب/ آية 7: إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً يعني القتل والهزيمة، ونظيرها فيها أيضا «1» . السيئة في القرآن الكريم: وردت السّيّئة على أوجه متعدّدة في القرآن الكريم: الوجه الأوّل: بمعنى القتل والهزيمة وذلك قوله في سورة آل عمران/ آية 120: وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يعني القتل والهزيمة يوم أحد «يفرحوا بها» . الوجه الثّاني: بمعنى الشّرك، وذلك في سورة النّمل/ آية 90: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعني الشّرك فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ. الوجه الثّالث: بمعنى قحط المطر، والجدب، وقلّة النّبات، قوله في سورة الأعراف/ آية 131: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني قحط المطر وقلّة الخير والنّبات يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ. الوجه الرّابع: بمعنى العذاب في الدّنيا، وذلك قوله في سورة الرّعد/ آية 6: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ يعني بالعذاب في الدّنيا. وكقوله في سورة النّمل/ آية 46: لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ يعني بالعذاب في الدّنيا. الوجه الخامس: بمعنى الأذى وقول الفحش، وذلك قوله في حم فصّلت/ آية 34: وَلَا السَّيِّئَةُ يعني الشّرّ من القول والأذى «2» . وورد لفظ السيئات على خمسة أوجه في القرآن الكريم: أحدها: يكون بمعنى الشّرك. قال تعالى: في سورة يونس/ آية 27: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ يعني عملوا الشّرك. وكذلك قوله تعالى:   (1) التصاريف. تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه وتصرفت معانيه ليحيى بن سلام- تحقيق هند شلبي (ص 121- 124) بتصرف. كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر لابن العماد. تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد- مراجعة محمد سليمان داود (ص 58- 61) بتصرف. (2) التصاريف. نفس المرجع السابق (ص 125- 127) بتصرف، وكشف السرائر: (280) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3842 وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ (النساء/ 18) يعني الشّرك. ثانيها: يكون بمعنى العذاب. قال الله تعالى: فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا (الزمر/ 51) يعني عذابا بما عملوا من الشّرك، وكذلك قوله، وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ (الزمر/ 51) بما عملوا من الشّرك، يعني العذاب. ثالثها: يكون بمعنى الضّرّ. قال الله تعالى: وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ (الأعراف/ 681) يعني الضّرّ. رابعها: يكون بمعنى الشّرّ، قال الله تعالى: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا (غافر/ 45) يعني للشّرّ الّذي أرادوا بمؤمن آل فرعون. خامسها: يكون بمعنى الفاحشة، قال الله تعالى: وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ (هود/ 78) يعني الفاحشة فيأتون الرّجال في أدبارهم «1» . [للاستزادة: انظر صفات: إفشاء السر- انتهاك الحرمات- سوء الخلق- سوء المعاملة- شهادة الزور- سوء العشرة- الاستهزاء- عقوق الوالدين- الأذى- التحقير. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإحسان- حسن الخلق- حسن العشرة- المحبة- البر- بر الوالدين] .   (1) كشف السرائر في معنى الوجود والأشباه والنظائر لابن العماد (ص 280) . نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي (ص 362) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3843 الآيات الواردة في «الإساءة» الإساءة بيان لأفعال وأقوال المسيئين: 1- وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) «1» 2- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) «2» 3- وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) «3» 4- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) «4» 5- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «5» 6- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) «6» 7- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) «7»   (1) البقرة: 49 مدنية (2) النساء: 78- 79 مدنية (3) الأعراف: 141 مكية (4) التوبة: 7- 9 مدنية (5) التوبة: 37 مدنية (6) التوبة: 50 مدنية (7) التوبة: 98 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3844 8- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) «1» 9- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) «2» 10- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) «3» 11- وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) «4» 12- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) «5» 13- لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ   (1) التوبة: 101- 102 مدنية (2) هود: 9- 10 مكية (3) هود: 77- 78 مكية (4) يوسف: 24- 25 مكية (5) الرعد: 6 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3845 وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) «1» 14- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) «2» 15- لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) «3» 16- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «4» 17- وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (33) «5» 18- وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177) «6» 19- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36)   (1) الرعد: 18- 25 مدنية (2) إبراهيم: 6 مكية (3) النحل: 23- 28 مكية (4) الأنبياء: 74- 77 مكية (5) العنكبوت: 33 مكية (6) الصافات: 175- 177 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3846 أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ (37) «1» 20- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «2» 21- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «3» آيات (الإساءة) فيها للتنفير والبراءة منها ومن المتصفين بها: 22- يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (169) «4» 23- وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا (22) «5» 24- وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) «6» 25- لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149) «7» 26- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) «8»   (1) غافر: 36- 37 مكية (2) الشورى: 47- 48 مكية (3) الفتح: 11- 12 مدنية (4) البقرة: 168- 169 مدنية (5) النساء: 22 مدنية (6) النساء: 38 مدنية (7) النساء: 148- 149 مدنية (8) المائدة: 101 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3847 27- وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136) «1» 28- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «2» 29- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «3» 30- قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) «4» 31- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) «5» 32- وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59)   (1) الأنعام: 136 مكية (2) الأعراف: 73 مكية (3) الأعراف: 175- 177 مكية (4) الأعراف: 188 مكية (5) يوسف: 50- 53 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3848 لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) «1» 33- وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94) «2» 34- وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) «3» 35- وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) «4» 36- يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) «5» 37- رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) «6» 38- وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) «7» 39- قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) «8» 40- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «9» 41- أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) «10» 42- وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)   (1) النحل: 58- 60 مكية (2) النحل: 94 مكية (3) الإسراء: 32 مكية (4) الإسراء: 36- 38 مكية (5) مريم: 28 مكية (6) المؤمنون: 94- 96 مكية (7) النمل: 90 مكية (8) الأحزاب: 17 مدنية (9) فاطر: 8- 10 مكية (10) الزمر: 24 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3849 وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) «1» 43- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «2» 44- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) «3» 45- وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) «4» 46- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) «5» 47- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) «6» 48- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) «7» 49- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) «8»   (1) الزمر: 47- 51 مكية (2) غافر: 58 مكية (3) فصّلت: 26- 27 مكية (4) فصّلت: 34 مكية (5) الجاثية: 21 مكية (6) محمد: 14 مدنية (7) الممتحنة: 1- 2 مدنية (8) المنافقون: 1- 2 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3850 الإساءة في سياق الجزاء: 50- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) «1» 51- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) «2» 52- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «3» 53- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «4» 54- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «5» 55- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) «6» 56- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (31) «7»   (1) البقرة: 81 مدنية (2) البقرة: 271 مدنية (3) آل عمران: 30 مدنية (4) آل عمران: 172- 174 مدنية (5) آل عمران: 193- 195 مدنية (6) النساء: 17- 18 مدنية (7) النساء: 31 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3851 57- مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85) «1» 58- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) «2» 59- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110) «3» 60- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) «4» 61- لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) «5» 62- وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «6» 63- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (66) «7» 64- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) «8» 65- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «9»   (1) النساء: 85 مدنية (2) النساء: 97 مدنية (3) النساء: 110 مدنية (4) النساء: 115 مدنية (5) النساء: 123 مدنية (6) المائدة: 12 مدنية (7) المائدة: 65- 66 مدنية (8) الأنعام: 31 مكية (9) الأنعام: 54 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3852 66- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) «1» 67- وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) «2» 68- وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) «3» 69- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) «4» 70- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «5» 71- لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (27) «6» 72- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) «7»   (1) الأنعام: 160 مكية (2) الأعراف: 94- 95 مكية (3) الأعراف: 153 مكية (4) الأعراف: 163- 168 مدنية (5) الأنفال: 29 مدنية (6) يونس: 26- 27 مكية (7) هود: 114 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3853 73- سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) «1» 74- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) «2» 75- أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) «3» 76- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) «4» 77- إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7) «5» 78- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «6» 79- كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا (101) «7» 80- وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (38)   (1) الرعد: 10- 11 مدنية (2) النحل: 32- 34 مكية (3) النحل: 45 مكية (4) النحل: 118- 119 مكية (5) الإسراء: 7 مكية (6) الكهف: 29 مكية (7) طه: 99- 101 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3854 وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40) «1» 81- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «2» 82- قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) «3» 83- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) «4» 84- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) «5» 85- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)   (1) الفرقان: 37- 40 مكية (2) الفرقان: 63- 70 مكية (3) الشعراء: 167- 173 مكية (4) النمل: 4- 5 مكية (5) النمل: 45- 46 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3855 فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) «1» 86- وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) «2» 87- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84) «3» 88- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7) «4» 89- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «5» 90- إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) «6» 91- وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)   (1) النمل: 54- 58 مكية (2) القصص: 51- 54 (51، 54 مكية، 52- 53 مدنية) (3) القصص: 84 مكية (4) العنكبوت: 4- 7 مدنية (5) الروم: 9- 10 مكية (6) فاطر: 41- 43 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3856 لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) «1» 92- رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «2» 93- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «3» 94- لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) «4» 95- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) «5» 96- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «6» 97- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) «7» 98- وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) «8» 99- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «9» 100- وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) «10»   (1) الزمر: 33- 35 مكية (2) غافر: 8- 9 مكية (3) غافر: 40 مكية (4) غافر: 43- 45 مكية (5) غافر: 51- 52 مكية (6) فصّلت: 46 مكية (7) الشورى: 25 مدنية (8) الشورى: 40 مكية (9) الجاثية: 15 مكية (10) الجاثية: 32- 33 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3857 101- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «1» 102- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) «2» 103- لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) «3» 104- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) «4» 105- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (15) «5» 106- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «6» 107- وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5) «7»   (1) الأحقاف: 15- 16 مدنية (2) محمد: 1- 2 مدنية (3) الفتح: 5- 6 مدنية (4) النجم: 31 مكية (5) المجادلة: 14- 15 مدنية (6) التغابن: 9 مدنية (7) الطلاق: 4- 5 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3858 108- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «1» 109- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) «2»   (1) التحريم: 8 مدنية (2) الملك: 25- 27 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3859 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإساءة) 1- * (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا «1» ، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبّلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له، قال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا. فلم أصبر فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فقال له: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟» ، حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة، حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار. قال: وأطرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا، حتّى أوحى الله إليه: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (هود/ 114) قال أبو اليسر: فأتيته، فقرأها عليّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصّة أم للنّاس عامّة؟. قال: «بل للنّاس عامّة» ) * «2» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر. كبّر ثلاثا ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (الزخرف/ 13- 14) اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل. اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل» وإذا رجع قالهنّ وزاد فيهنّ: «آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون» ) * «3» 3- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) . وقال عيسى عليه السّلام إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، فرفع يديه وقال: «اللهمّ أمّتي أمّتي» وبكى، فقال الله- عزّ وجلّ-: يا جبريل، اذهب إلى محمّد- وربّك أعلم- فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل- عليه الصّلاة والسّلام- فسأله فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال. وهو أعلم. فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمّد فقل: إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوؤك) * «4» . 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفّر الله عنه كلّ سيّئة كان زلفها «5» ، وكان بعد ذلك القصاص. الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسّيّئة بمثلها، إلّا أن يتجاوز الله عنها» ) * «6» .   (1) تبتاع تمرا: أي تشتريه. (2) البخاري- الفتح 8 (4687) . ومسلم (2763) . والترمذي (3115) واللفظ له. (3) مسلم (1342) . (4) مسلم (202) . (5) زلفها: أي اقترفها وفعلها. (6) البخاري- الفتح 1 (41) واللفظ له. ومسلم (129) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3860 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «1» . 6- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «إنّ الميّت يصير إلى القبر، فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «3» ، ثمّ يقال له: فيم كنت «4» ؟ فيقول: كنت في الإسلام، فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه، فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثمّ يفرج له قبل الجنّة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت، وعليه متّ، وعليه تبعث إن شاء الله «5» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار، فينظر إليها، يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك، على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «6» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعوّذوا بالله من جار السّوء في دار المقام، فإنّ جار البادية يتحوّل عنك» ) * «7» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله عن الوضوء فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا، ثمّ قال: «هكذا الوضوء. فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدّى وظلم» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6502) . (2) مسلم (2759) . (3) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب. (4) فيم كنت: أي في أيّ دين. (5) إن شاء الله: للتبرك لا للشك. (6) ابن ماجة 2 (4268) وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (3443) . (7) النسائي (8/ 274) . والحاكم في المستدرك (1/ 533) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وهو في صحيح الجامع للألباني (1301) . (8) النسائي (1/ 88) وقال الألباني: حسن صحيح (1/ 30) (136) . وأبو داود (135) . وابن ماجة (422) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3861 10- * (عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كناّ عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار أو العباء متقلّدي السّيوف عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتمعّر «1» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة «2» . فدخل ثمّ خرج فأمر بلالا فأذّن وأقام فصلى، ثمّ خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء:/ الآية 1) إلى آخر الآية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. والآية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية:/ 18) تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) : «ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها. بل قد عجزت قال: ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين من طعام وثياب حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبه «3» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «4» . 11- * (عن أبي زهير الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّباوة أو البناوة (قال: والنّباوة من الطّائف) قال: «يوشك أن تعرفوا أهل الجنّة من أهل النّار» . قالوا: بم ذاك يا رسول الله؟ قال: «بالثّناء الحسن والثّناء السّيّء. أنتم شهداء الله، بعضكم على بعض» ) * «5» . 12- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيّها النّاس إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة؛ فإنّ الشّيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة «6» فليلزم الجماعة، من سرّته حسنته وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «7» . 13- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يوعك فقلت: يا رسول الله، إنّك توعك «8» وعكا شديدا قال:   (1) تمعر: أي تغيّر. (2) الفاقة: الفقر والحاجة. (3) مذهبة: هي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض. (4) مسلم (1017) . (5) ابن ماجة (4221) وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، ورواه أحمد (3/ 416) ، (6/ 446) ، والحاكم في المستدرك (1/ 120) ، وصحح إسناده ووافقه الذهبي. (6) بحبوحة الجنة: أوسطها وأوسعها وأرجحها. (7) الترمذي (2165) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد (1/ 118) ، والحاكم في المستدرك (1/ 114) وصححه ووافقه الذهبي. (8) توعك: الوعك قيل هو: الحمى. وقيل: ألمها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3862 «أجل، إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت: ذلك أنّ لك أجرين. قال: «أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلّا كفّر الله بها سيّئاته، كما تحطّ «1» الشّجرة ورقها» ) * «2» . 14- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرضت عليّ أعمال أمّتي، حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق. ووجدت في مساوىء أعمالها النّخاعة تكون في المسجد لا تدفن» ) * «3» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها. فإذا عملها أكتبها له بمثلها» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قالت الملائكة: ربّ، ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنّما تركها من جرّاي «4» » ) * «5» . 16- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعت جيرانك يقولون: أن قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت» ) * «6» . 17- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليّة. قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر) * «7» . 18- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت، وأتّبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «8» . 19- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أمسى، قال: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلّا الله وحده لا شريك له «9» ، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير. اللهمّ أسألك خير هذه اللّيلة، وأعوذ بك من شرّ هذه اللّيلة، وشرّ ما بعدها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر» ) * «10» .   (1) تحط: تلقيه منتثرا. (2) البخاري- الفتح 10 (5648) واللفظ له. ومسلم (2571) . (3) مسلم (553) . (4) من جرّاى: أي من أجلي. (5) البخاري- الفتح 13 (7501) . ومسلم (129) واللفظ له. (6) ابن ماجة (4223) وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (7) البخاري- الفتح 12 (6921) واللفظ له. ومسلم (120) . (8) الترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد (5/ 153) . (9) في نص مسلم هنا زيادة هي: قال الحسن: فحدثنى الزبيدى أنه حفظ عن إبراهيم في هذا: له الملك الخ، وهي من احتياط الراوي وإنّما حذفت تيسيرا. (10) مسلم (2723) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3863 20- * (عن أمّ المؤمنين صفيّة بنت حييّ- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدّثته ثمّ قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان سكنها في دار أسامة بن زيد، فمرّ رجلان من الأنصار، فلمّا رأيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسرعا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلكما، إنّها صفيّة بنت حييّ» . فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: «إنّ الشّيطان يجري من الإنسان مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا» أو قال: «شيئا» ) * «1» . 21- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ ... الحديث وفيه «وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح، فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا «2» تجاوز الله عنهم» ) * «3» . 22- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من يوم السّوء، ومن ليلة السّوء، ومن ساعة السّوء، ومن صاحب السّوء، ومن جار السّوء في دار المقامة» ) * «4» . 23- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها أو صرف عنه من السّوء مثلها. ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» . فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» ) * «5» . 24- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسّيّئة فجزاؤه سيّئة مثلها. أو أغفر، ومن تقرّب منّي شبرا تقرّبت منه ذراعا، ومن تقرّب منّي ذراعا تقرّبت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض «6» خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة» ) * «7» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له   (1) البخاري- الفتح 6 (3281) واللفظ له. ومسلم (2175) . (2) هكذا فى الأصل: بنصب «شطر» ورفع «قبيح وحسن وليس له وجه واضح وقد رواه النسفي والاسماعيلي برفع الجميع.. وهو الراجح لا سيما وأن كان هنا تامة، والجملة فى محل نصب حال.. ينظر فتح البارى (12/ 466) . (3) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له. مسلم (2275) (4) صحيح الجامع للألباني (1310) والصحيحة له (1443) . (5) الترمذي (3573) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 512) : وهو حديث صحيح. (6) قراب الأرض: بضم القاف وفتح الراء أي ما يقارب. (7) مسلم (2687) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3864 حرزا من الشّيطان، يومه ذلك، حتّى يمسي. ولم يأت أحد أفضل ممّا جاء به إلّا أحد عمل أكثر من ذلك. ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة، حطّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر» ) * «1» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه) * «2» . 27- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، علّمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال: «يا أبا بكر، قل: اللهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة لا إله إلّا أنت ربّ كلّ شيء ومليكه، أعوذ بك من شرّ نفسي، ومن شرّ الشّيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجرّه إلى مسلم» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الإساءة) معنى 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمسا، ما تقول ذلك يبقي من درنه؟. قالوا: لا يبقي من درنه «4» شيئا. قال: «فذلك مثل الصّلوات الخمس يمحو الله بهنّ الخطايا» ) * «5» . 29- * (عن عائشة- رضي الله عنها- كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من فتنة النّار، وعذاب النّار، وفتنة القبر، وعذاب القبر وشرّ فتنة الغنى، وشرّ فتنة الفقر. اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ فتنة المسيح الدّجّال. اللهمّ اغسل قلبي بماء الثّلج والبرد. ونقّ قلبي من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس. وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل «6» والمأثم والمغرم» «7» ) «8» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا توضّأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه. خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلّ خطيئة كان بطشتها يداه «9» مع   (1) البخاري- الفتح 11 (6403) . ومسلم (2691) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 5 (2449) . (3) الترمذي (3529) وقال: حديث حسن غريب واللفظ له. وأبو داود (5067) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 238) : إسناده حسن. (4) درنه: أي وسخه. (5) البخاري- الفتح 2 (528) واللفظ له. ومسلم (667) (6) الكسل: هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه، مع إمكانه. (7) المغرم: هو الدّين. (8) البخاري- الفتح 11 (6377) واللفظ له. ومسلم (589) . (9) بطشتها: أي اكتسبتها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3865 الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كلّ خطيئة مشتها رجلاه «1» مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) ، حتّى يخرج نقيّا من الذّنوب» ) * «2» . 31- * (عن عبد الله بن شعيب عن أبيه عن جدّه «3» - رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا تزوّج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهمّ، إنّي أسألك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرّها، ومن شرّ ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك» ) * «4» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتّى تعلو قلبه، وهو الرّان، الّذي ذكر الله بَلْ رانَ «5» عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين/ 14) «6» . 33- * (عن عبد الله بن عمير أنّه سمع أباه يقول لابن عمر: مالي لا أراك تستلم إلّا هذين الرّكنين: الحجر الأسود والرّكن اليمانيّ؟ فقال ابن عمر: إن أفعل فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ مسحهما «7» يحطّ الخطايا» ) * «8» . 34- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «9» . على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «10» . إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره «11» ... الحديث) * «12» . 35- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدعا كثير لم نحفظ منه شيئا، قلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا، فقال: ألا أدلّكم على ما يجمع ذلك كلّه؟ تقول: «اللهمّ إنّا نسألك من خير ما سألك منه نبيّك محمّد، ونعوذ بك من شرّ ما استعاذ منه نبيّك محمّد، وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «13» .   (1) مشتها رجلاه: أي مشت لها أو فيها رجلاه. (2) مسلم (244) . (3) جده: عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما. (4) أبو داود (2160) واللفظ له. وابن ماجة (2252) . وحسنه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (1825) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 44) : ورواه أيضا الحاكم (2/ 185) وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا. (5) الران: هو ظلمة وجهل يقوم بالقلب يحول بين المرء وبين معرفة الحق. (6) الترمذي (3334) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (4244) . والحاكم (2/ 517) وصححه. (7) أي الركن اليماني والحجر الأسود. (8) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2729) واللفظ له وقال محققه: إسناده حسن. والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 591) . والبغوي في شرح السنة (7/ 1916) وقال: حديث حسن. (9) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول. (10) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (11) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. (12) البخاري الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له. (13) الترمذي (3521) وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو قوي بشواهده. انظر مجمع الزوائد (10/ 179، 180) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3866 36- * (عن فروة بن نوفل الأشجعيّ، قال: سألت عائشة عمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو به الله. قالت: كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ ما عملت، ومن شرّ ما لم أعمل» ) * «1» . 37- * (عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه «2» - رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «على كلّ مسلم صدقة» . قيل: أرأيت إن لم يجد؟. قال: «يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدّق» . قال قيل: أرأيت إن لم يستطع؟. قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» . قال قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟. قال: «يأمر بالمعروف أو الخير» . قال: أرأيت إن لم يفعل؟. قال: «يمسك عن الشّرّ، فإنّها صدقة» ) * «3» . 38- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله: يا ابن آدم، إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ) * «4» . 39- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعيذك بالله يا كعب بن عجرة، من أمراء يكونون (من) بعدي، فمن غشي أبوابهم، فصدّقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس منّي ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة، الصّلاة برهان، والصّوم جنّة حصينة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، يا كعب بن عجرة، إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلّا كانت النّار أولى به» ) * «5» . 40- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التّوّابون» ) * «6» . 41- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير. فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني عن النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل في جوف   (1) مسلم (2716) . (2) جده: أبو موسى الأشعري. (3) مسلم (1008) . (4) الترمذي (3540) واللفظ له وقال: حديث حسن. وقال مراجع رياض الصالحين (178) : للحديث شاهد من حديث أبي ذر عند أحمد وآخر من حديث ابن عباس عند الطبراني فالحديث حسن. (5) الترمذي (614) وقال: هذا حديث حسن. والنسائي (7/ 160) . والحاكم في المستدرك (4/ 422) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 76) : أقل أحواله أن يكون حسنا. (6) الترمذي (2499) . وابن ماجة (4251) واللفظ له. وحسنه الألباني، صحيح الجامع (4391) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3867 اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ- حتّى بلغ- يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) . ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه» . قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد ... الحديث) * «1» . 42- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزيد في العمر إلّا البرّ، ولا يردّ القدر إلّا الدّعاء، وإنّ الرّجل ليحرم الرّزق بخطيئة يعملها» ) * «2» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لو أخطأتم حتّى تبلغ خطاياكم السّماء، ثمّ تبتم، لتاب عليكم» ) * «3» . 44- * (عن أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما يصيب المؤمن من وصب «4» ولا نصب «5» ولا سقم، ولا حزن. حتّى الهمّ يهمّه، إلّا كفّر به من سيّئاته» ) * «6» . 45- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نزل الحجر الأسود من الجنّة، وهو أشدّ بياضا من اللّبن فسوّدته خطايا بني آدم» ) * «7» . 46- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجمع الله النّاس يوم القيامة فيهتمّون لذلك (وقال ابن عبيد: فيلهمون لذلك) فيقولون: لو استشفعنا على ربّنا حتّى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم. فيذكر خطيئته الّتي أصاب، فيستحيي ربّه منها، ولكن ائتوا نوحا. أوّل رسول بعثه الله. قال: فيأتون نوحا صلّى الله عليه وسلّم. فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته الّتي أصاب فيستحيي ربّه منها، ولكن ائتوا إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم الّذي اتّخذه الله خليلا. فيأتون إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب فيستحيي ربّه منها، ولكن ائتوا موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله وأعطاه التّوراة. قال: فيأتون موسى- عليه السّلام- فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب فيستحيي ربّه منها، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتون عيسى روح الله وكلمته، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم. عبدا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيأتوني، فأستأذن على ربّي فيؤذن لي، فإذا أنا   (1) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح ومسند أحمد 5 (231) ، وابن ماجة 2 (3973) . وقال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه علي «متن الأربعين النووية» (ص 78) : وهو حديث صحيح لطرقه. (2) الترمذي (2139) وقال: حديث حسن. وابن ماجة 1 (90) وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (73) واللفظ له. (3) ابن ماجة (2/ 4248) . وفي الزوائد: إسناده حسن. وقال الألباني: (حسن صحيح) وصحيح ابن ماجه (3426) . وهو في الصحيحة له (1951) . (4) الوصب: الوجع. (5) النصب: التعب. (6) البخاري- الفتح 10 (5640) . ومسلم (2573) واللفظ له. (7) الترمذي (877) وقال: حديث حسن صحيح. وحسّنه الأرناؤوط في تعليقه علي «جامع الأصول» (9/ 275) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3868 رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله» . فيقال: «يا محمّد، ارفع رأسك، قل تسمع، سل تعطه، اشفع تشفّع. فأرفع رأسي، فأحمد ربّي بتحميد يعلّمنيه ربّي، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا فأخرجهم من النّار، وأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود فأقع ساجدا. فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال: ارفع رأسك يا محمّد، قل تسمع، سل تعطه، اشفع تشفّع، فأرفع رأسي، فأحمد ربّي بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا فأخرجهم من النّار، وأدخلهم الجنّة. (قال: فلا أدري في الثّالثة أو في الرّابعة قال) فأقول: يا ربّ، ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن» أي وجب عليه الخلود. قال ابن عبيد في روايته: قال قتادة: «أي وجب عليه الخلود» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الإساءة) 1- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «ما أظنّ أهل بيت من المسلمين لم يدخل عليهم حزن عمر يوم أصيب عمر إلّا أهل بيت سوء. إنّ عمر كان أعلمنا بالله، وأقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله» ) * «2» . 2- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: «يا أهل مكّة، اتّقوا الله في حرمكم هذا، أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان. فأحلّوا حرمته فهلكوا، وبنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا، حتّى عدّ ما شاء الله. ثمّ قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحبّ إليّ من أن أعمل واحدة بمكّة» ) * «3» . 3- * (قال أبو أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه-: «إنّ الرّجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها، ويعمل المحقّرات حتّى يأتي الله وقد حظر به- كذا قال- وإنّ الرّجل ليعمل السّيّئة فيفرق منها حتّى يأتي الله آمنا» ) * «4» . 4- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة النّجاشيّ. فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف. فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه   (1) البخاري- الفتح 13 (7516) . ومسلم (193) واللفظ له. (2) المصنف، لابن أبي شيبة (12/ 26) . (3) شعب الإيمان للبيهقي (3/ 4012) . (4) الزهد، لابن المبارك (ص 53) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3869 وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث) * «1» . 5- * (عن عمرو بن ميمون- رضي الله عنه- قال: رأيت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا حمّلتما الأرض ما لا تطيق؟ ... الحديث وفيه: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين، أن يعرف لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم» ) * «2» . 6- * (عن عبيد الله بن عديّ بن خيار: أنّه دخل على عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- وهو محصور فقال: إنّك إمام عامّة، ونزل بك ما نرى، ويصلّي لنا إمام فتنة ونتحرّج. فقال: الصّلاة أحسن ما يعمل النّاس، فإذا أحسن النّاس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم) * «3» . 7- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله- «عملوا لله بالطّاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن تردّ عليهم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا» ) * «4» . 8- * (قال جمال الدّين الصّرصريّ: أنا العبد الّذي كسب الذّنوبا ... وصدّته الأماني أن يتوبا أنا العبد الّذي أضحى حزينا ... على زلّاته قلقا كئيبا أنا العبد الّذي سطرت عليه ... صحائف لم يخف فيها الرّقيبا أنا العبد المسيء عصيت سرّا ... فما لي الآن لا أبدي النّحيبا) * «5» . 9- * (قال الشّاعر: فكم ولد للوالدين مضيّع ... يجازيهما بخلا بما نحلاه طوى عنهما القوت الزّهيد نفاسة ... جرّاه سارا الحزن وارتحلاه «6» ولا مهما عن فرط حبّهما له ... وفي بغضه إيّاهما عذلاه أساء فلم يعدلهما بشراكه ... وكانا بأنوار الدّجى عدلاه) * «7» . 10- * (قال الشّاعر: داو جار السّوء بالصّبر وإن ... لم تجد صبرا فما أحلى النّقل) * «8» .   (1) رواه أحمد في المسند (1 (202) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. (2) البخاري- الفتح 7 (3700) . (3) البخاري- الفتح 2 (695) . (4) بصائر ذوي التمييز، للفيروز آبادي (2/ 545) . (5) ديوان الصرصري (ص 30) . (6) أي من أجله تحملا المشاق وركبا الصعاب. (7) موارد الظمآن، للشيخ السلمان. (8) الترغيب والترهيب (3/ 495) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3870 من مضار (الإساءة) (1) الإساءة خلق ذميم، وسلوك مشين. (2) المسيء بعيد عن الله وبعيد من النّاس. (3) طريق موصّل إلى غضب الله وسخطه. (4) تذهب حلاوة الإيمان ونور الإسلام. (5) الإساءة معول هدّام وشرّ مستطير. (6) تؤذي وتضرّ وتجلب الخصام والنّفور. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3871 الاستهزاء الاستهزاء لغة: الاستهزاء مصدر قولهم: استهزأ يستهزأ، وهو مأخوذ من مادّة (هـ ز أ) ، الّتي تدلّ على السّخرية، أو على مزح في خفية، أو على السّخرية واللّعب «1» ، يقال: هزئت به، واستهزأت، والاستهزاء ارتياد الهزء، وإن كان يعبّر به عن تعاطيه، كالاستجابة في كونها ارتيادا (طلبا للإجابة) وإن كانت تجري مجرى الإجابة، وفي التّنزيل العزيز إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (البقرة/ 14) قيل في تفسيره: ساخرون، وقيل: مكذّبون بما ندعى إليه. وقوله سبحانه: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (البقرة/ 15) . ذكر الرّاغب: أنّ المعنى يجازيهم جزاء الهزء، ومعناه: أنّه أمهلهم مدّة ثمّ أخذهم فسمّى إمهالهم استهزاء من حيث إنّهم اغترّوا به اغترارهم بالهزء فيكون ذلك كالاستدراج من حيث لا يعلمون، ومذهب أهل السّنّة إثبات صفة الاستهزاء لله- عزّ وجلّ- حقيقة على ما يليق بجلاله مع إثبات لازمها. وقال القرطبيّ: سمّى العقوبة باسم الذّنب، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 27/ 8/ 2 والعرب تستعمل ذلك كثيرا في كلامهم، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا فسمّى انتصاره جهلا، والجهل لا يفتخر به عاقل، وإنّما قاله ليزدوج الكلام.. وقيل: الله يستهزأ بهم في الآخرة، يفتح لهم باب جهنّم من الجنّة، ثمّ يقال لهم: تعالوا، فيقبلون يسبحون في النّار، والمؤمنون على الأرائك، وهي السّرر ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سدّ عنهم، فيضحك المؤمنون منهم «2» . وقال الجوهريّ: الهزء (بالسّكون) ، والهزؤ (بالضّمّ) السّخرية، تقول: هزئت منه، وهزئت به، واستهزأت به، وتهزّأت به، وهزأت به أيضا، هزءا ومهزأة، ورجل هزءة بالتّسكين، أي يهزأ به، وهزأة (بالتّحريك) يهزأ بالنّاس، قال في اللّسان: وقيل: يهزأ منه، وقال بعض اللّغويّين: الصّواب أن يقال: هزئت بك، ولا يقال: هزئت منك، وذلك عكس السّخرية، فإنّه في السّخرية يقال: سخرت منك، ولا يقال:   (1) إلى الرأي الأول ذهب ابن فارس في المقاييس (6/ 52) ، وإلى الثاني ذهب الراغب في المفردات (543) ، وإلى الثالث ذهب القرطبي في تفسيره (1/ 145) ، وقد ذكر القرطبي قولا رابعا في تفسير معنى الاستهزاء فقال: وقيل أصل الاستهزاء الانتقام. (2) انظر مفردات الراغب (ص 542) ، وتفسير القرطبي (1/ 146) ، وذكر آراء أخرى ليس هنا محل إيرادها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3872 سخرت بك، ويقال: هزأ الشّيء هزءا: كسره، وهزأ الرّجل: مات «1» . الاستهزاء اصطلاحا: قال المناويّ: الاستهزاء: ارتياد الهزء ويعبّر به أيضا عنه «2» . وقال أبو هلال العسكريّ: إنّ الاستهزاء لا يسبقه فعل من أجله يستهزأ بصاحبه «3» . ومن هنا يمكن القول بأنّ الاستهزاء هو: ارتياد أو طلب الهزء دون أن يسبق من المهزوء منه فعل يقتضي ذلك. [للاستزادة: انظر صفات: البذاءة- السخرية الهجاء- الإساءة- السفاهة- التحقير. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان الثناء- الوقار- حسن المعاملة- حسن العشرة]   (1) الصحاح (1/ 83) ، ولسان العرب (هزأ) (4659) ط. دار المعارف. (2) التوقيف على مهمات التعاريف (ص 50) ، وأصل ذلك في المفردات للراغب (ص 543) . (3) الفروق في اللغة (ص 249) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3873 الآيات الواردة في «الاستهزاء» الاستهزاء في سياق كون المستهزئين صنف 1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «2» 3- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) «3» 4- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32) «4»   (1) البقرة: 8- 18 مدنية (2) المائدة: 57- 58 مدنية (3) التوبة: 64- 66 مدنية (4) الرعد: 32 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3874 5- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) «1» 6- فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) «2» 7- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «3» 8- وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) «4» 9- وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) «5» 10- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «6» 11- يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30) «7» 12- وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) «8» الاستهزاء في سياق الترفع عنه وعن مجالسة المستهزئين: 13- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) «9»   (1) الحجر: 10- 11 مكية (2) الحجر: 94- 96 مكية (3) الكهف: 56 مكية (4) الأنبياء: 36 مكية (5) الفرقان: 41- 44 مكية (6) لقمان: 6- 7 مكية (7) يس: 30 مكية (8) الزخرف: 6- 8 مكية (9) البقرة: 67 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3875 14- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «1» 15- وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) «2» الاستهزاء في سياق التهديد بالعذاب: 16- وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «3» 17- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) «4» 18- طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) «5»   (1) البقرة: 231- 232 مدنية (2) النساء: 140 مدنية (3) الجاثية: 33- 37 مكية (4) الكهف: 103- 106 مكية (5) الشعراء: 1- 6 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3876 19- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) «1» الاستهزاء وارد في سياق كونه سبب العقوبة: 20- وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «2» 21- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) «3» 22- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) «4»   (1) الجاثية: 7- 10 مكية (2) الأنعام: 3- 10 مكية (3) هود: 7- 8 مكية (4) النحل: 32- 34 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3877 23- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41) «1» 24- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «2» 25- وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48) «3» 26- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85) «4» 27- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) «5»   (1) الأنبياء: 41 مكية (2) الروم: 9- 10 مكية (3) الزمر: 47- 48 مكية (4) غافر: 82- 85 مكية (5) الأحقاف: 21- 26 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3878 الأحاديث الواردة في ذمّ (الاستهزاء) 1- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «آخر من يدخل الجنّة رجل. فهو يمشي مرّة ويكبو «1» مرّة وتسفعه «2» النّار مرّة. فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الّذي نجّاني منك. لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأوّلين والآخرين. فترفع له شجرة فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه الشّجرة فلأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. فيقول الله- عزّ وجلّ-: يا ابن آدم، لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول: لا يا ربّ، ويعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره، لأنّه يرى ما لا صبر له عليه «3» ، فيدنيه منها، فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها، ثمّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظلّ بظلّها لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم. ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده ألّا يسأله غيرها. وربّه يعذره، لأنّه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها. فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة عند باب الجنّة هي أحسن من الأوليين. فيقول: أي ربّ أدنني من هذه لأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا ربّ، هذه لا أسألك غيرها. وربّه يعذره لأنّه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها. فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنّة فيقول: أي ربّ، أدخلنيها. فيقول: يا ابن آدم ما يصريني «4» منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدّنيا ومثلها معها؟ قال: يا ربّ أتستهزىء منّي وأنت ربّ العالمين؟» فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني ممّ أضحك؟ فقالوا: ممّ تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: ممّ تضحك يا رسول الله؟ قال «من ضحك ربّ العالمين حين قال: أتستهزىء منّي وأنت ربّ العالمين؟ فيقول: إنّي لا أستهزىء منك، ولكنّي على ما أشاء قادر» ) * «5» . 2- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل، فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها لعلّ الله يفرجها عنكم. فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران   (1) يكبو: معناه يسقط على وجهه. (2) تسفعه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا (3) مالا صبر له عليه: معناه أي نعمة لا صبر له عليها. (4) ما يصريني منك: ما يقطع مسألتك مني. أو أي شيء يرضيك ويقطع السّؤال بيني وبينك. (5) مسلم (187) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3879 وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم «1» حلبت فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ. وأنّه نأى بي ذات يوم الشّجر «2» ، فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون «3» عند قدميّ. فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، نرى منها السّماء. ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السّماء. وقال الآخر: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها «4» . قالت: يا عبد الله اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه «5» فقمت عنها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة. ففرج لهم. وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ «6» . فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي. فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها. فجاء ني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها. فخذها. فقال: اتّق الله ولا تستهزىء بي. فقلت: إنّي لا أستهزىء بك. خذ ذلك البقر ورعاءها. فأخذه فذهب به. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي. ففرج الله ما بقي» ) * «7» . 3- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللّقاء. فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنّك منافق، لأخبرنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزل القرآن، فقال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلّقا بحقب ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنّما كنّا نخوض ونلعب ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون» ) * «8» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان قوم يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، استهزاء، فيقول الرّجل: من أبي؟ ويقول الرّجل تضلّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ   (1) فاذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مراحها. (2) نأى بي ذات يوم الشجر: ومعناه بعد والنأي البعد. (3) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع. (4) فلما وقعت بين رجليها: أي جلست مجلس الرجل للوقاع. (5) لا تفتح الخاتم إلا بحقه: الخاتم كناية عن بكارتها. وقولها بحقه: أي بنكاح، لا بزنى. (6) بفرق: بفتح الراء وإسكانها: وهو إناء يسع ثلاثة آصع. (7) البخاري- الفتح 10 (5974) . ومسلم (2743) واللفظ له. (8) ابن جرير (10/ 119) ، ابن أبي حاتم (4/ 64) ، ابن كثير (2/ 368) واللفظ له وقال مخرج فتح المجيد: حسن (385) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3880 آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حتّى فرغ من الآية كلّها) * «1» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكّة، فظعت بأمري، وعرفت أنّ النّاس مكذّبيّ، فقعد «2» معتزلا حزينا، قال: فمرّ عدوّ الله أبو جهل، فجاء حتّى جلس إليه، فقال له كالمستهزىء: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قال: ما هو؟ قال. «إنّه أسري بي «3» اللّيلة» ، قال: إلى أين؟ قال: «إلى بيت المقدس» قال: ثمّ أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فلم ير أنّه يكذّبه، مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه، قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدّثهم ما حدّثتني؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» ، فقال: هيّا معشر بني كعب بن لؤيّ قال: فانتفضت إليه المجالس، وجاءوا حتّى جلسوا إليهما، قال: حدّث قومك بما حدّثتني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أسري بي اللّيلة» قالوا: إلى أين؟ قلت: «إلى بيت المقدس» ، قالوا: ثمّ أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: «نعم» ، قال: فمن بين مصفّق، ومن بين واضع يده على رأسه، متعجّبا للكذب زعم! قالوا: وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد، وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتّى التبس عليّ بعض النّعت» ، قال: «فجيء بالمسجد وأنا أنظر، حتّى وضع دون دار عقال أو عقيل، فنعتّه وأنا أنظر إليه، قال: وكان مع هذا نعت لم أحفظه» ، قال: فقال القوم: أمّا النّعت فو الله لقد أصاب) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الاستهزاء) معنى 6- * (عن أمّ هانىء- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ قال: كانوا يخذفون «5» أهل الأرض ويسخرون منهم) * «6» . 7- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أمرنا بالصّدقة، قال: كنّا نحامل، قال: فتصدّق أبو عقيل بنصف صاع قال: وجاء إنسان بشيء أكثر منه. فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة   (1) البخاري- الفتح 8 (4622) . (2) في المسند: قعد، وفي مجمع الزوائد (1/ 64، 65) قعدت. (3) عند الشيخ شاكر «أسري به» . (4) أحمد (1/ 309) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 64)) : رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح. (5) الخذف: أصله رمي الحصاة بين السبابة والإبهام، والقصد أنهم يحتقرون أهل الأرض. (6) الترمذي (3190) وقال: هذا حديث حسن، والحاكم (2/ 409) ، وصححه ووافقه الذهبي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3881 هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رياء. فنزلت: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79)) * «1» . 8- * (عن عروة بن الزّبير؛ أنّه قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرّجل قطّ، سفّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرّق جماعتنا، وسبّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم- أو كما قالوا- قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل يمشي، حتّى استلم الرّكن، ثمّ مرّ بهم طائفا بالبيت، فلمّا أن مرّ بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثمّ مضى، فلمّا مرّ بهم الثّانية، غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثمّ مضى، ثمّ مرّ بهم الثّالثة، فغمزوه بمثلها، فقال: «تسمعون يا معشر قريش، أما والّذي نفس محمّد بيده، لقد جئتكم بالذّبح» فأخذت القوم كلمته، حتّى ما منهم رجل إلّا كأنّما على رأسه طائر واقع، حتّى إنّ أشدّهم فيه وصاة «2» قبل ذلك ليرفؤه «3» بأحسن ما يجد من القول، حتّى إنّه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدا، فو الله ما كنت جهولا، قال: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان الغد، اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتّى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك، إذ طلع (عليهم) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوثبوا إلى وثبة رجل واحد، فأحاطوا به، يقولون له: أنت الّذي تقول: كذا وكذا لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» ، أنا الّذي أقول ذلك، قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، قال: وقام أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه- دونه، يقول وهو يبكي: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ. ثمّ انصرفوا عنه، فإنّ ذلك لأشدّ ما رأيت قريشا بلغت منه قطّ) * «4» .   (1) البخاري- الفتح 8 (4668) . ومسلم (1018) واللفظ له. (2) وصاة: بفتح الواو والصاد المهملة المخففة: الوصية. (3) ليرفؤه: يسكنه ويرفق به ويدعو له. (4) أحمد (11/ 203) وقال الشيخ أحمد شاكر: صحيح (11/ 203، 205) رقم (7036) ، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وقد صرح ابن اسحاق بالسماع وبقية رجاله رجال الصحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3882 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الاستهزاء) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لرجل قال له: إنّي طلّقت امرأتي مائة تطليقة، فماذا ترى عليّ؟ قال: طلّقت منك لثلاث، وسبع وتسعون اتّخذت بها آيات الله هزوا) * «1» . 2- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- قال بعض أهل العلم: «إنّ المنافقين إذا خلوا إلى مردتهم قالوا إنّا معكم على دينكم في تكذيب محمّد صلّى الله عليه وسلّم وما جاء به، وإنّما نحن بما نظهر لهم من قولنا لهم مستهزئون فأخبر الله تعالى أنّه يستهزأ بهم فيظهر لهم من أحكامه في الدّنيا من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الّذي لهم عنده في الآخرة من العذاب والنّكال» ) * «2» . من مضار (الاستهزاء) (1) دليل كبر النّفس واحتقار الآخرين. (2) طريق موصل إلى النّار وغضب الجبّار. (3) بعد النّاس عن المستهزئ لخوفهم منه وعدم سلامتهم منه. (4) يصرف عن قبول الحقّ واستماع النّصح. (5) يسود بين الطّغاة وسفلة الأقوام. (6) دليل على أنّ صاحبه عميّ القلب لا يرى ما فضّل الله به غيره عليه. (7) آية على جهالة صاحبه لأنّ من علم قدر الله لم يحتقر عباده. (8) يشيع في الأمّة الكراهية المقيتة.   (1) الموطأ (550) طبعة دار احياء الكتب العربية (2) تفسير ابن كثير (1/ 52، 53) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3883 الإسراف الإسراف لغة: الإسراف مصدر أسرف يسرف وهو مأخوذ من مادّة (س ر ف) الّتي تدلّ على تعدّي الحدّ والإغفال للشّيء، تقول: في الأمر سرف، أي مجاوزة القدر، وجاء في الحديث الشّريف: (الثّالثة في الوضوء شرف، والرّابعة سرف) وأمّا الإغفال فقول القائل: مررت بكم فسرفتكم: أي أغفلتكم، أو جهلتكم. وقال الرّاغب: السّرف تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، ويقال تارة اعتبارا بالقدر (الكمّيّة) وتارة اعتبارا بالكيفيّة، ولهذا قال سفيان بن عيينة: ما أنفقت في غير طاعة الله سرف، وإن كان قليلا، وقول الله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ (الزمر/ 53) الإسراف هنا يتناول المال وغيره «1» ، وسمّي قوم لوط مسرفين من حيث إنّهم تعدّوا في وضع البذر في غير المحرث المخصوص له، والإسراف في القتل: أن يقتل وليّ الدّم غير القاتل أو يتعدّاه إلى من هو أشرف منه حسبما كانت الجاهليّة تفعله، وقيل: السّرف ضدّ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 20/ 13/ 13 القصد، والسّرف الإغفال والخطأ، يقال: سرفت الشّيء إذا أغفلته وجهلته، ورجل سرف الفؤاد أي مخطيء الفؤاد غافله، وسرف العقل: غافله، وقيل: فاسده، والإسراف في النّفقة: التّبذير، وفي حديث عائشة رضي الله عنها- «إنّ للّحم سرفا كسرف الخمر» أي ضراوة كضراوتها، وشدّة كشدّتها لأنّ من اعتاده ضري بأكله فأسرف فيه، فعل مدمن الخمر في ضراوته بها، وقلة صبره عنها، وقيل أراد بالسّرف: الغفلة، وقيل هو من الإسراف والتّبذير في النّفقة لغير حاجة، أو في غير طاعة الله. شبّهت ما يخرج في الإكثار من اللّحم بما يخرج في الخمر. قال ابن الأثير: وقد تكرّر ذكر الإسراف في الحديث، والغالب على ذكره: الإكثار من الذّنوب والخطايا، واحتقاب «2» الأوزار والآثام. وفي التّنزيل العزيز: وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (غافر/ 43) أي المتجاوزين في أمورهم الحدّ، وقيل: أراد المشركين، وقيل: السّفهاء والسّفّاكون للدّماء بغير حقّها، وقيل: الجبّارون والمتكبّرون، وقيل: هم الّذين   (1) فى سبب نزول هذه الآية روايات كثيرة: منها أن قوما من المشركين قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا فقالوا- أو بعثوا- للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إن ما تدعو إليه لحسن، أو تخبرنا أن لنا توبة؟ فنزلت، وقيل: نزلت في أهل مكة حينما قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لم يغفر له، وقد فعلنا ذلك.. فنزلت ... انظر: تفسير القرطبي (15/ 174) (2) الاحتقاب: الاحتمال من قولهم: احتقب فلان الإثم كأنه جمعه واحتقبه من خلفه، ويقال: احتقب خيرا أو شرا واستحقبه في معنى ادخره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3884 تعدّوا حدود الله، وهذا جامع لما ذكر، لأنّ السّرف والإسراف مجاوزة القصد، يقال: أسرف في ماله: عجل من غير قصد (أي اعتدال) «1» . قال ابن منظور: وأمّا السّرف الّذي نهى الله عنه فهو ما أنفق في غير طاعة الله، قليلا كان أو كثيرا، ويقال: أسرف في الكلام وفي القتل: أفرط، وسرف الماء ما ذهب منه في غير سقي ولا نفع «2» . الإسراف اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في العرض الخسيس، وقيل: هو تجاوز الحدّ في النّفقة، وقيل: هو أن يأكل الرّجل ما لا يحلّ له أو يأكل ممّا يحلّ له فوق الاعتدال ومقدار الحاجة. وقيل: هو تجاوز في الكمّيّة فهو جهل بمقادير الحقوق «3» . وقال المناويّ: الإسراف: هو الإبعاد في مجاوزة الحدّ «4» . مظاهر الإسراف وأنواعه: قال الرّاغب: الإنفاق ضربان: ممدوح ومذموم. فالممدوح منه ما يكسب صاحبه العدالة، وهو بذل ما أوجبت الشّريعة بذله، كالصّدقة المفروضة والإنفاق على العيال ... الخ. والمذموم ضربان: إفراط وهو التّبذير والإسراف، وتفريط وهو التّقتير والإمساك، وكلاهما يراعى فيه الكمّيّة والكيفيّة، فالأوّل من جهة الكمّيّة أن يعطي أكثر ممّا يحتمله حاله. ومن جهة الكيفيّة بأن يضعه في غير موضعه، والاعتبار هنا بالكيفيّة أكثر منه بالكمّيّة، فربّ منفق درهما من ألوف وهو في إنفاقه مسرف، وببذله مفسد ظالم، كمن أعطى فاجرة درهما، أو اشترى خمرا. وربّ منفق ألوفا لا يملك غيرها هو فيها مقتصد، وببذلها مجتهد، كما روي في شأن الصّدّيق أبي بكر- رضي الله عنه- وقد قيل لبعضهم: متى يكون بذل القليل إسرافا والكثير اقتصادا؟ قال: إذا كان بذل القليل في باطل والكثير في حقّ. أمّا الثّاني: وهو التّقتير فهو من جهة الكمّيّة أن ينفق دون ما يحتمله حاله، ومن حيث الكيفيّة، أن يمنع من حيث يجب، ويضع حيث لا يجب. وليس الإسراف متعلّقا بالمال وحده، بل في كلّ شيء وضع في غير موضعه اللّائق به، ألا ترى أنّ الله تعالى وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البذر في غير المحرث فقال: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (الأعراف/ 81) ووصف فرعون بقوله: إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (الدخان/ 31) «5» . [للاستزادة: انظر صفات: التبذير- الغلو- الطيش- السفاهة- التفريط والإفراط- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- الجود الكرم] .   (1) تفسير القرطبي (15/ 207) . (2) مقاييس اللغة (3/ 153) ، والمفردات للراغب (ص 230) ، والصحاح (4/ 1373) ، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (2/ 362) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 216) ، ولسان العرب لابن منظور (سرف) (1996) ، ط. دار المعارف. (3) التعريفات للجرجاني (23، 24) . (4) التوقيف (50) . (5) الذريعة في مكارم الشريعة للراغب (410، 411) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3885 الآيات الواردة في «الإسراف» آيات الإسراف فيها في الذنوب في سياق طلب المغفرة أو الوعد بها: 1- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «1» 2- قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) «2» آيات الإسراف فيها واقع في المال أو في القصاص وفي سياق النهي عنه: 3- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «3» 4- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) «4»   (1) آل عمران: 146- 148 مدنية (2) الزمر: 53- 59 مكية (3) النساء: 6 مدنية (4) الأنعام: 141 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3886 5- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) «1» 6- وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) «2» آيات الإسراف فيها قرين الكفر: 7- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) «3» 8- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) «4» 9- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) «5» 10- قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)   (1) الأعراف: 31 مكية (2) الإسراء: 33 مكية (3) المائدة: 32 مدنية (4) الأعراف: 80- 84 مكية (5) يونس: 12 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3887 وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «1» 11- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) «2» 12- وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) «3» 13- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) «4»   (1) يونس: 77- 86 مكية (2) الشعراء: 141- 152 مكية (3) يس: 13- 19 مكية (4) غافر: 23- 28 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3888 14- وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) «1» 15- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) «2» 16- وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) «3» آيات تبين أن الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة نتيجة الإسراف: 17- وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (127) «4» 18- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) «5» 19- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)   (1) غافر: 34 مكية (2) الزخرف: 1- 5 مكية (3) الدخان: 30- 33 مكية (4) طه: 124- 127 مكية (5) الأنبياء: 7- 9 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3889 لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) «1» 20- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «2»   (1) غافر: 38- 43 مكية (2) الذاريات: 24- 37 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3890 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإسراف) 1- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي فقير ليس لي شيء، ولي يتيم. قال: «كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثّل» «1» ) * «2» . 2- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض «3» حنيفا «4» وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها، لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت، لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك، والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري، ومخّي وعظمي وعصبي. وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر. لا إله إلّا أنت» ) * «5» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان رجل يسرف على نفسه، فلمّا حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا متّ فاحرقوني ثمّ اطحنوني، ثمّ ذرّوني في الرّيح، فو الله لئن قدر الله عليّ ليعذّبنّي عذابا ما عذّبه أحدا. فلمّا مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا ربّ خشيتك. فغفر له» ) * «6» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» ) * «7» .   (1) متأثل: أي جامع له. (2) النسائي (6/ 256) واللفظ له وقال الألباني: حسن صحيح (2/ 779) رقم (3429) . وأبو داود (2872) . وابن ماجة (2718) . (3) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي، للذي فطر السماوات والأرض. أي ابتدأ خلقها. (4) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام. وأصل الحنف الميل. ويكون في الخير والشر. وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة: وقيل: المراد بالحنيف هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي. (5) مسلم (771) . (6) البخاري- الفتح 6 (3481) واللفظ له. ومسلم (2756) . (7) النسائي (5/ 79) واللفظ له، وقال الألباني: حسن. صحيح النسائي (2/ 540 برقم 2399) . وابن ماجة (2/ 3605) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3891 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإسراف) معنى 5- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله؛ إنّي ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة، فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج الزّكاة من مالك فإنّها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك وتعرف حقّ المسكين والجار والسّائل» فقال: يا رسول الله؛ أقلل لي. فقال: «آت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرا» . فقال: يا رسول الله؛ إذا أدّيت الزّكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم، إذا أدّيتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها وإثمها على من بدّلها» ) * «1» . 6- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال» ) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السّؤال وإضاعة المال» ) * «3» . 8- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لمّا بعثه إلى اليمن: «إيّاي والتّنعّم، فإنّ عباد الله ليسوا بالمتنعّمين» ) * «4» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا ثمّ قال: «هكذا الوضوء. فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدّى وظلم» ) * «5» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ، على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا   (1) قال ابن حجر في الفتح: رواه أبو داود والطيالسي والحارث بن أسامة في مسنديهما وأيضا رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر، وذكره البخاري معلقا مجزوما به (10/ 253) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 717) : وهو حديث صحيح. (1) ذكره الهيثمي في المجمع (3/ 63) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (2) البخاري- الفتح 3 (1477) . ومسلم (593) . واللفظ له، وهو في أحمد (3/ 136) . (3) مسلم (1715) . (4) أحمد (5/ 244) . وذكره المنذري في ترغيبه بلفظ: «إياك» وهو الأولى (والله أعلم) وقال: رواه أحمد والبيهقي ورواة أحمد ثقات (3/ 142) . وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 621) رقم (353) .. وكذا في صحيح الجامع وقال: حسن (1/ 382) رقم (2665) . (5) النسائي (1/ 88) واللفظ له، وقال الألباني: حسن صحيح (1/ 30) رقم (136) . وأبو داود (135) . وابن ماجة (422) . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 161) : وإسناده صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3892 أبثّ خبره، إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثّالثة: زوجي العشنّق، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ، ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطّجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء، طباقاء، كلّ داء له داء. شجّك أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي، الرّيح ريح زرنب، والمسّ مسّ أرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّادي. قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك. له إبل كثيرات المبارك. قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فاتقنّح. أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة. ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها وغيظ جارتها. جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض. فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سريّا. ركب شريّا. وأخذ خطّيّا. وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا. قال: كلي أمّ زرع وميري أهلك، فلو جمعت كلّ شيء أعطاني، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كنت لك: كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «1» . 11- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه: كان لا يأكل حتّى يؤتى بمسكين يأكل معه، فدخل رجل يأكل معه فأكل كثيرا، فقال لمولاه نافع: يا نافع لا تدخل هذا عليّ. سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» ) * «2» . 12- * (عن المقدام بن معديكرب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» ) * «3» . 13- * (عن نافع: أنّ ابن عمر جمع بنيه حين   (1) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له وسبق تفسير غريبه في صفات سابقة. (2) البخاري- الفتح 9 (5393) (3) الترمذي (2380) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 410) : وهو كمال قال. وهو عند ابن ماجة رقم (3349) . والحاكم (4/ 121) وصححه ووافقه الذهبي. وابن حبان رقم (5236) «الإحسان» وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «موارد الظمآن» رقم (1348) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3893 انتزى «1» أهل المدينة مع ابن الزّبير، وخلعوا يزيد بن معاوية، فقال: إنّا قد بايعنا هذا الرّجل ببيع الله ورسوله وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال له: هذه غدرة فلان، وإنّ من أعظم الغدر- إلّا أن يكون الإشراك بالله تعالى- أن يبايع الرّجل رجلا على بيع الله ورسوله، ثمّ ينكث بيعته» فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد، ولا يسرفنّ أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلما «2» فيما بيني وبينكم» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الاسراف) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لجابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- لمّا مرّ عليه ومعه حامل لحم: «أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره وابن عمّه؟ فأين تذهب عنكم هذه الآية أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها» ) * «4» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ: يعني في غير إسراف ولا تقتير) * «5» . 3- * (قال عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ نهوا عن الإسراف في كلّ شيء) * «6» . 4- * (وقال السّدّيّ- رحمه الله تعالى- فيها: «لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء» ) * «7» . 5- * (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «لا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرّة العقل والبدن» ) * «8» . 6- * (قال إياس بن معاوية- رحمه الله تعالى- «ما جاوزت به أمر الله فهو سرف» ) * «9» . 7- * (قال سفيان- رحمه الله تعالى- «ما   (1) انتزى: افتعل من النزو وهو تسرع الإنسان إلى الشر. (2) الصيلم: القطيعة. (3) أحمد (2/ 96) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (8/ 84، برقم 5709) . والمرفوع منه في الصحيحين كما في البخاري (10/ 464) . ومسلم (1735) . (4) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 141، 142) ، ونقل قول الحليمي- رحمه الله-: هذا الوعيد من الله- تعالى- وإن كان للكفار الذين يقدمون على الطيبات المحظورة، فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة لأن من يتعودها مالت نفسه إلى الدنيا فلم يأمن أن يرتكب في الشهوات والملاذ كلما أجاب نفسه إلى واحد منها دعته إلى غيرها، فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط فإذا آل به الأمر إلى هذا لم يبعد أن يقال له الآية، فلا ينبغي أن تعود النفس فربما تميل به إلى الشره ثم يصعب تداركها، ولترض من أول الأمر على السداد فإن ذلك أهون من أن تدرب على الفساد ثم يجتهد في إعادتها إلى الإصلاح. (5) الأدب المفرد للبخاري (1/ 388، 389) (6) المرجع السابق (2/ 182) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) تفسير ابن كثير (2/ 182) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3894 أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف وإن كان قليلا» ) * «1» . 8- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «إنّ مجاوزة الحدّ في كلّ أمر يضرّ بمصالح الدّنيا والآخرة، بل يفسد البدن أيضا، إذ إنّه متى زادت أخلاطه عن حدّ العدل والوسط ذهب من صحّته وقوّته بحسب ذلك، وهذا مطّرد أيضا في الأفعال الطّبيعيّة كالنّوم والسّهر والأكل والشّرب والجماع والحركة والرّياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك» ) * «2» . 9- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا: أي ليسوا بمبذّرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصّرون في حقّهم، فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا.) * «3» . 10- * (قال الفيروزأباديّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ: «هم المتجاوزون في أمورهم الحدّ» ) «4» . 11- * (كما سمّى الله قوم لوط مسرفين لأنّهم تعدّوا في وضع البذر المحرث المخصوص (أي قبل المرأة)) * «5» . 12- * (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-: «نهى الله عن الإسراف في القتل وهو يشمل ثلاث صور: (1) أن يقتل اثنين أو أكثر بواحد، كما كانت العرب تفعله. (2) أن يقتل بالقتيل واحدا فقط ولكنّه غير قاتله، لأنّ قتل البريء بذنب غيره إسراف في القتل منهيّ عنه. (3) أن يقتل نفس القاتل لكن يمثّل به لأنّ زيادة التّمثيل إسراف في القتل) * «6» . 13- * (قال بعض السّلف: «جمع الله الطّبّ كلّه في نصف آية وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) * «7» . من مضار (الإسراف) (1) يجلب غضب الرّبّ لأنّه ينافي كمال الإيمان (2) التّشبّه بالشّيطان في الإفساد. (3) إضاعة المال والفقر في المال. (4) النّدم والحسرة على ما ضاع من غير فائدة. (5) يطبع المجتمع بطابع الانحلال والبعد عن الجدّ والإجتهاد. (6) يدع المجتمع عالة على غيره عاجزا عن القيام بمهامّه.   (1) بصائر ذوي التمييز (3/ 216) . (2) بتصرف من الفوائد (139) . (3) تفسير ابن كثير (3/ 125) . (4) بصائر ذوي التمييز (3/ 216) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) أضواء البيان (3/ 455) (7) تفسير ابن كثير (2/ 210) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3895 الإصرار على الذنب والعناد الإصرار لغة: الإصرار مصدر أصرّ على الشّيء يصرّ، وهو مأخوذ من مادّة (ص ر ر) الّتي تدلّ على أربعة معان: الأوّل: صرّ الدّراهم، والثّاني: السموّ والارتفاع، والثّالث: البرد والحرّ، والرّابع: الصّوت، ومن المعنى الأوّل الإصرار بمعنى العزم على الشّيء، قال ابن فارس: وإنّما جعلناه من قياسه لأنّ العزم على الشّيء، والإجماع عليه واحد، وكذلك الإصرار على الشّيء. وقال الرّاغب: وأصله (أي الإصرار) من الصّرّ وهو الشّدّ، والإصرار: كلّ عزم شددت عليه، والصرّة ما تعقد فيه الدّراهم. وقال الجوهريّ: والصّرّة (أيضا) ، الضّجّة والصّيحة، والصّرّة الجماعة، والصّرّة: الشّدّة من كرب وغيره، وصرّة القيظ شدّة حرّه، والصّارّة: الحاجة. وأصرّ على الشّيء إذا لزمه وداومه وثبت عليه، وأكثر ما يستعمل في الشّرّ والذّنوب. يعني من أتبع الذّنب الاستغفار فليس بمصرّ عليه وإن تكرّر منه. وفي الحديث «ويل للمصرّين الّذين يصرّون على ما الآيات/ الأحاديث/ الآثار 8/ 10/ 21 فعلوا وهم يعلمون» «1» . وقول الله تعالى: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا (آل عمران/ 135) أي لم يثبتوا ويعزموا على ما فعلوا. الإصرار: هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه، وقال سهل بن عبد الله: الجاهل ميّت، والنّاسي نائم، والعاصي سكران، والمصرّ هالك، والإصرار: هو التّسويف، والتّسويف: أن يقول: أتوب غدا وهذا دعوى النّفس، كيف يتوب غدا (وغدا) لا يملكه؟ وقال غير سهل: الإصرار هو أن ينوي ألّا يتوب، فإذا نوى التّوبة النّصوح خرج عن الإصرار، وقول سهل أحسن. وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لا توبة مع إصرار» ) «2» . الإصرار على الذنب اصطلاحا: قال الكفويّ: الإصرار: كلّ عزم شددت عليه «3» . وقال المناويّ: الإصرار: التّعقّد في الذّنب والتّشديد فيه، والامتناع عن الإقلاع عنه والدّوام والملازمة، وكلّ عقد شددت عليه «4» .   (1) مقاييس اللغة (3/ 282) ، المفردات للراغب (279) ، والصحاح (2/ 712) ، لسان العرب (4/ 450- 454) ط. بيروت، والنهاية (3/ 22) . (2) تفسير القرطبي (4/ 136) . (3) الكليات للكفوي (122) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (53) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3896 وقال الرّاغب: الإصرار: التّعقّد في الذّنب، والتّشدّد فيه، والامتناع من الإقلاع عنه «1» . قال الجرجانيّ: الإصرار: الإقامة على الذّنب والعزم على فعل مثله «2» . الباعث على التوبة وترك الإصرار: قال القرطبيّ: قال العلماء: الباعث على التّوبة وحلّ الإصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفّار، وما ذكره الله سبحانه من تفاصيل الجنّة ووعد بها المطيعين، وما وصفه من عذاب النّار وتهدّد به العاصين، ودام على ذلك حتّى قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغبا ورهبا، والرّغبة والرّهبة ثمرة الخوف والرّجاء، يخاف من العقاب ويرجو الثّواب، والله الموفّق للصّواب. وقد قيل: إنّ الباعث على ذلك تنبيه إلهيّ ينبّه به من أراد سعادته؛ لقبح الذّنوب وضررها إذ هي سموم مهلكة. وقال القرطبيّ: وهذا خلاف في اللّفظ لا في المعنى، فإنّ الإنسان لا يتفكّر في وعد الله ووعيده إلّا بتنبيهه؛ فإذا نظر العبد بتوفيق الله تعالى إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيّئات اقترفها، وانبعث منه النّدم على ما فرّط، وترك مثل ما سبق مخافة عقوبة الله تعالى صدق عليه أنّه تائب، فإن لم يكن كذلك كان مصرّا على المعصية وملازما لأسباب الهلكة. قال سهل بن عبد الله: علامة التّائب أن يشغله الذّنب عن الطّعام والشّراب؛ كالثّلاثة الّذين خلّفوا «3» . حكم الإصرار على الذنب: عدّها ابن حجر من الكبائر «4» ، وقال العزّ بن عبد السّلام: الإصرار على الذّنوب يجعل صغيرها كبيرا في الحكم والإثم فما الظّنّ بالإصرار على كبيرها «5» . العناد لغة: العناد مصدر قولهم: عاند يعاند عنادا أو معاندة، يقول ابن منظور: والعناد والمعاندة: أن يعرف الرّجل الشّيء فيأباه ويميل عنه وكان كفر أبي طالب معاندة لأنّه عرف وأقرّ وأنف أن يقال: تبع ابن أخيه فصار بذلك كافرا، ويقال: عاند معاندة أي خالف وردّ الحقّ وهو يعرفه فهو عنيد وعاند، وفي الحديث: «إنّ الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبّارا عنيدا» العنيد هنا: الجائر عن القصد الباغي الّذي يردّ الحقّ مع العلم به، وتعاند الخصمان: تجادلا، وعند عن الشّيء والطّريق يعند ويعند فهو عنود، وعند عندا: تباعد وعدل «6» ، وفي مختار الصّحاح: عند من باب جلس أي خالف وردّ الحقّ وهو يعرفه فهو عنيد وعاند «7» . وقول الله تعالى: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ   (1) المفردات (279) . (2) التعريفات (28) . (3) تفسير القرطبى (4/ 136) . (4) الزواجر عن اقتراف الكبائر (99) . (5) شجرة المعارف والأحوال (110) . (6) لسان العرب (307/ 3) . (7) مختار الصحاح (215) ط. دار المنار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3897 عَنِيدٍ (ق/ 24) قال قتادة: العنيد هو المعرض عن طاعة الله، أو المنحرف عن الطّاعة «1» . وقال الحسن: جاحد متمرّد «2» . العناد والمعاندة اصطلاحا: يقول المناويّ: العناد هو الاعوجاج والخلاف، وقيل المبالغة في الإعراض ومخالفة الحقّ «3» ، أمّا المعاندة: فهي المنازعة في مسألة علميّة مع عدم العلم من كلامه وكلام صاحبه «4» . [للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- انتهاك الحرمات- العصيان- الفجور- الإعراض- الغي والإغواء- التفريط والإفراط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوبة- الإخبات- الاستغفار- الإنابة- الضراعة والتضرع- التبتل- تعظيم الحرمات] .   (1) وردت العبارة الأولى عن قتادة في لسان العرب (3/ 307) ، والآخر في البحر المحيط 8/ 125. (2) وردت أقوال أخرى للمفسرين في معنى عنيد تنظر في مظانها من كتب التفسير. (3) التوقيف (248) . (4) المرجع السابق (309) ، وقد أخذ هذا التعريف للمعاندة من كلام الجرجاني الذي اقتصر عليها في تعريفاته، ولم يذكر العناد اصطلاحا، انظر التعريفات (220) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3898 الآيات الواردة في «الإصرار على الذنب» 1- وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) «1» 2- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) «2» 3- وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) «3» 4- قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (10) «4» الآيات الواردة في «العناد» 5- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) «5» 6- وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) «6» 7- أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) «7» 8- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) «8»   (1) آل عمران: 135 مدنية (2) الجاثية: 7- 9 مكية (3) الواقعة: 41- 47 مكية (4) نوح: 5- 10 مكية (5) هود: 59 مكية (6) إبراهيم: 15- 17 مكية (7) ق 24- 26 مكية (8) المدثر: 11- 17 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3899 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإصرار على الذنب) 1- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال وهو على المنبر: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع «1» القول، ويل للمصرّين الّذين يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون» ) * «2» 2- * (عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصرّ من استغفر ولو فعله في اليوم سبعين مرّة» ) * «3» الأحاديث الواردة في ذمّ (الإصرار على الذنب) معنى 3- * (عن أبي مالك الأشعريّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة، لا يتركونهنّ: الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة» . وقال: «النّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب» ) * «4» 4- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا: كلّ مال نحلته عبدا، حلال «5» ، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «6» ، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «7» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «8» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «9» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «10» ، وأنزلت عليك كتابا   (1) الأقماع: جمع قمع وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة. وشبه أسماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ويحفظونه ويعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئا مما يفرغ فيها. (2) أحمد (2/ 165) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 51) : إسناده صحيح. وقال ابن حجر فى فتح الباري (1/ 137) : إسناده حسن. (3) أبو داود (1514) ، والترمذي (3559) ، وقال حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبي نصيرة، وقال ابن حجر في فتح الباري (1/ 137) : إسناده حسن. (4) مسلم (934) . (5) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. (6) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (7) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. (8) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (9) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (10) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، والجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3900 لا يغسله الماء «1» ، تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «2» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك «3» ، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «4» ، الّذين هم فيكم تبعا، لا يتبعون «5» أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع «6» ، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «7» «والشّنظير «8» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «9» 5- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّ رجلا أكل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشماله، فقال: «كل بيمينك» . قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت» ما منعه إلّا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه» ) * «10» 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملا ثمّ يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه ويصبح يكشف ستر الله عنه» ) * «11» 7- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يصعد الثّنيّة، ثنيّة المرار «12» ، فإنّه يحطّ عنه ما حطّ عن بني إسرائيل» . قال: فكان أوّل من صعدها خيلنا، خيل بني الخزرج ثمّ تتامّ النّاس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وكلّكم مغفور له إلّا صاحب الجمل الأحمر» فأتيناه فقلنا له: تعال. يستغفر لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: والله لأن أجد ضالّتي أحبّ إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم. قال   (1) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان. (2) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (3) نغزك: أي نعينك. (4) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. (5) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (6) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (7) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور. (8) الشنظير: الفحاش، وهو السيء الخلق. (9) مسلم (2865) . (10) مسلم (2021) . (11) البخاري الفتح 10 (6069) واللفظ له، مسلم (2990) . (12) من يصعد الثنية ثنية المرار: هكذا هو في الرواية الأولى: المرار. وفي الثانية المرار أو المرار، بضم الميم وفتحها على الشك. وفي بعض النسخ بضمها أو كسرها. والمرار شجر مر. وأصل الثنية الطريق بين الجبلين. وهذه الثنية عند الحديبية. قال الحازمي: قال ابن إسحاق: هي مهبط الحديبية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3901 وكان رجل ينشد ضالّة له) * «1» . 8- * (عن عمر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتعوّذ من الجبن والبخل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الصّدر. قال وكيع: يعني الرّجل يموت على فتنة، لا يستغفر الله منها) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (العناد) 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج عنق من النّار يوم القيامة، له عينان تبصران وأذنان تسمعان، ولسان ينطق يقول: إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «3» . 10- * (عن عبد الله بن بسر- رضي الله عنه قال: أهديت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاة، فجثا رسول الله على ركبتيه يأكل، فقال أعرابيّ: ما هذه الجلسة؟ فقال: إنّ الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبّارا عنيدا» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الإصرار) 1- * (قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله- «اعلم أنّ الصّغيرة تكبر بأسباب: منها الإصرار والمواظبة، فقطرات من الماء تقع على الحجر على توال فتؤثّر فيه. فكذلك القليل من السّيّئات إذا دام عظم تأثيره في إظلام القلب» ) * «5» . 2- * (قال أبو الفرج بن الجوزيّ- رحمه الله- «لا ينبغي أن يغترّ مسامح فالجزاء قد يتأخّر، ومن أقبح الذّنوب الّتي قد أعدّ لها الجزاء العظيم، الإصرار على الذّنب» ) «6» . 3- * (وقال أيضا: «ربّما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظنّ أن لا عقوبة، وغفلته عمّا عوقب به عقوبة» ) * «7» . 4- * (وقال أيضا: «لا ينال لذّة المعاصي إلّا سكران بالغفلة» ) * «8» .   (1) مسلم (2780) . (2) أبو داود (1539) ، والنسائي (5/ 255، 266، 267) ، وابن ماجه (3844) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (133، 134، 135، 136) مسندا ومرسلا وله شواهد. (3) الترمذي (2700) ، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وذكره الألباني في الصحيحة رقم 512. (4) سنن ابن ماجه (3262) ، قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وانظره أيضا في صحيح سنن ابن ماجه للألباني ج 2 ص 224. (5) عن إحياء علوم الدين باختصار (4/ 32) . (6) صيد الخاطر (17) . (7) المصدر السابق (45) . (8) صيد الخاطر (149) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3902 5- * (وقال أيضا: «ربّما كان العقاب العاجل معنويّا كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا ربّ كم أعصيك ولا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك ولا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟» ) * «1» . 6- * (وقال أيضا: «من تأمّل عواقب أهل المعاصي رآها قبيحة، وكأنّهم قد ألبسوا ظلمة» ) * «2» . 7- * (وقال- رحمه الله-: «أعظم المعاقبة ألّا يحسّ المعاقب العقوبة، وأشدّ من ذلك أن يقع السّرور بما هو عقوبة، كالفرح بالمال الحرام، والتّمكّن من الذّنوب، ومن هذه حاله لا يفوز بطاعة» ) * «3» . 8- * (وقال: «اعلموا إخواني ومن يقبل نصيحتي أنّ للذّنوب تأثيرات قبيحة مرارتها تزيد على حلاوتها أضعافا مضاعفة» ) * «4» . 9- * (قال ابن حجر- رحمه الله- في المصرّين: «يعلمون أنّ من تاب تاب الله عليه، ثمّ لا يستغفرون» ) * «5» . 10- * (وقال أيضا: «من أصرّ على نفاق المعصية خشي عليه أن يفضى به إلى نفاق الكفر» ) * «6» . 11- * (كان أبو عليّ الرّوذبانيّ يقول: «من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك، فتترك التّوبة توهّما أنّك تسامح في الهفوات» ) * «7» . 12- * (عن دلف بن أبي دلف قال: «رأيت كأنّ آتيا أتى بعد موت أبي فقال: أجب الأمير. فقمت معه فأدخلني دار وحشة وعرة سوداء الحيطان، مقلّعة السّقوف والأبواب، ثمّ أصعدني درجا فيها، ثمّ أدخلني غرفة، فإذا في حيطانها أثر النّيران، وإذا في أرضها أثر الرّماد، وإذا أبي عريان واضعا رأسه بين ركبتيه، فقال لي كالمستفهم: دلف؟ قلت: نعم- أصلح الله الأمير- فأنشا يقول: أبلغن أهلنا ولا تخف عنهم ... ما لقينا في البرزخ الخفّاق قد سئلنا عن كلّ ما قد فعلنا ... فارحموا وحشتي وما قد ألاقي أفهمت؟ قلت: نعم» ) * «8» . 13- * (قال أحد الحكماء: «المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة» ) * «9» . 14- * (قال بعضهم: «الذّنب الّذي لا يغفر قول العبد: ليت كلّ ذنب عملته مثل هذا» ) * (استصغارا واستخفافا بما عمل) «10» . 15- * (وقال آخر: «ومن الإصرار السّرور بالصّغيرة والفرح والتّبجّح بها، فكلّما غلبت حلاوة   (1) صيد الخاطر (45) . (2) المصدر السابق (143) . (3) صيد الخاطر (16) . (4) المصدر السابق (223) . (5) فتح الباري (1/ 137) (6) المصدر السابق (1/ 137) (7) صيد الخاطر (20) (8) صيد الخاطر (207) (9) المصدر السابق (45) (10) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 34) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3903 الصّغيرة عند العبد كبرت الصّغيرة وعظم أثرها في تسويد قلبه، حتّى إنّ من المذنبين من يتمدّح بذنبه ويتبجّح به لشدّة فرحه بمقارفته إيّاه» ) * «1» . 16- * (ومن الإصرار أيضا «أن يتهاون بستر الله عليه وحلمه عنه وإمهاله إيّاه ولا يدري أنّه إنّما يمهل مقتا ليزداد بالإمهال إثما» ) * «2» . 17- * (عن قتادة قال: إيّاكم والإصرار، فإنّما هلك المصرّون الماضون قدما. لا ينهاهم مخافة الله عن حرام حرّمه الله عليهم، ولا يتوبون من ذنب أصابوه حتّى أتاهم الموت وهم على ذلك) * «3» . 18- * (عن الحسن قال: إتيان الذّنب عمدا إصرار حتّى يتوب) * «4» . 19- * (قال الأوزاعيّ: الإصرار: أن يعمل الرّجل الذّنب فيحتقره) * «5» . 20- * (عن السّدّيّ قال: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا فينكبّوا ولا يستغفروا وهم يعلمون أنّهم قد أذنبوا ثمّ أقاموا ولم يستغفروا) * «6» . 21- * (قال الغزاليّ: اعلم أنّ الصّغيرة تكبر بأسباب فيها الإصرار والمواظبة: وكذلك قيل: لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار) * «7» . من مضار (الإصرار على الذنب) (1) الإصرار على الذّنوب يسبّب الوحشة بين العبد وبين الله- عزّ وجلّ-. (2) يسخط الله والملائكة المقرّبون ويدعون على المصرّ على الذّنب. (3) يتسلّط شياطين الجنّ والإنس على المصرّ على الذّنب. (4) تصعب عليه الطّاعات ويغفل عن الدّعاء فتتقاذفه نوازع النّفس والشّيطان. (5) يشعر دائما بانقباض القلب وخبث النّفس وضيق الصّدر. (6) تعظم الدّنيا في عينيه فيستعذبها ويلهث وراءها. (7) خفّة عقله والنّقص في إيمانه. (8) وإذا مات تلقّته ملائكة العذاب بالسّخط والويل. (9) وإذا صار الانصراف من الموقف يوم القيامة أخذ به ذات الشّمال. (10) ينقص قدر المصرّ على الذّنب في أعين النّاس والمجتمع. (11) تعتريه الذّلّة والصّغار بين النّاس.   (1) المصدر السابق (4/ 32) . (2) المصدر السابق (4/ 33) . (3) الدر المنثور (2/ 328) . (4) المصدر السابق (2/ 328) . (5) المصدر السابق (4/ 328) . (6) إحياء علوم الدين (2/ 329) . (7) المصدر السابق (4/ 34) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3904 إطلاق البصر الإطلاق لغة: مصدر قولهم: أطلق الشّيء يطلقه وهو مأخوذ من مادّة (ط ل ق) الّتي تدلّ على التّخلية والإرسال، يقال: أطلقته إطلاقا، والطّلق: الشّيء الحلال كأنّه خلّي عنه فلم يحظر، وأطلقت النّاقة من عقالها، وطلّقتها فطلقت، أي خلّيتها، ورجل طلق الوجه، وطليقه، كأنّه منطلق وهو ضدّ الباسر، لأنّ الباسر الّذي لا يكاد يهشّ، ولا ينفسح ببشاشة. وقال الرّاغب: أصل الإطلاق: التّخلية من الوثاق، ومنه استعير: طلّقت المرأة أي خلّيتها عن حبالة النّكاح، والمطلق في الأحكام: ما لا يقع منه استثناء. والطّلق في حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «الحياء والإيمان مقرونان في طلق» حبل مفتول شديد الفتل، أي هما مجتمعان لا يفترقان كأنّهما قد شدّا في حبل أو قيد، وفي حديث الرّحم «تتكلّم بلسان طلق» معناه: ماضي القول سريع النّطق، والطّلقاء هم الّذين خلّي عنهم يوم فتح مكّة وأطلقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يسترقّهم، والطّليق (أيضا) الأسير إذا خلّي الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 12/ 20 سبيله (فعيل بمعنى مفعول) ، وقولهم: أنت طلق من هذا الأمر أي خارج منه، والانطلاق: الذّهاب، وانطلق به (ذهب به) على ما لم يسمّ فاعله، وناقة طالق أي مرسلة ترعى حيث شاءت، وتطلّق الظّبى: مرّ لا يلوي على شيء. وأطلقت القول: إذا أرسلته من غير قيد ولا شرط «1» . الإطلاق اصطلاحا: قال الكفويّ: الإطلاق: الفتح ورفع القيد «2» . البصر لغة واصطلاحا: (انظر صفة غض البصر) . إطلاق البصر اصطلاحا: تخليته من قيد الخوف والمراقبة فيذهب ويقع على كلّ ما يراه فلا يرعوي عن حرام ولا يقف عند حدّ. إطلاق البصر نوعان: الأوّل: منهيّ عنه وهو إطلاقه نحو ما حرّم الله النّظر إليه من المحارم وغيرها، ويندرج هذا النّوع تحت قوله تعالى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ (غافر/ 19) فقد   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 422) ، والمفردات للراغب (306) ، والنهاية 3/ 136، والصحاح (4/ 1518) ، واللسان (طلق) (2693) . (2) الكليات للكفوي (1/ 216) (ط. ثانية) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3905 ذكر في تفسيرها: أنّها النّظرة بعد النّظرة (وهذا هو إطلاق البصر) وقيل: إنّها الرّمز بالعين، وقيل: النّظر إلى ما نهي عنه، وقيل: هي أن يقول: رأيت وما رأى، أو ما رأيت وقد رأى، وقيل: مسارقة النّظر، وسمّي ذلك ب «خائنة الأعين» إمّا لإخفاء الإشارات فصارت بالاستخفاء كالخيانة، أو لأنّها باستراق النّظر إلى المحظور تعدّ خائنة «1» ، وذكر الطّبريّ: أنّ خائنة الأعين يراد بها النّظر إلى ما نهى الله عنه «2» . الثّاني: إطلاق النّظر فيما ينبغي أن يتخلّق به من البصر، يقول العزّ بن عبد السّلام: وأمّا التخلّق به فنظرنا ضربان: أحدهما: ضروريّ، وهو النّظر الاتّفاقيّ. والثّاني: كسبيّ، وتتخلّق منه بكلّ نظر أوجبه الله تعالى عليك، أو ندبك إليه، كالحراسة في سبيل الله، والنّظر في مصنوعات الله الدّالّة على كمال قدرته، وتمام حكمته، وشمول علمه، ونفوذ إرادته، فإنّك تستدلّ بالصّنعة على القدرة، وبالقدرة على الإرادة، وبالإرادة على العلم، وبالعلم على الحياة، ودليل التّخلّق بذلك قوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (يونس/ 101) وقوله عزّ وجلّ: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ (الأنعام/ 99) ، وكما أمرك بأن تنظر إلى الأكوان بالنّظر الحقيقيّ، فقد أمرك بأن تنظر إلى الدّيّان بالنّظر التّقديريّ، فقد جعل إحسانك لعبادته «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» «3» . جناية النظر المحرم: قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: إنّ النّظر يولّد المحبّة فتبدأ علاقة يتعلّق بها القلب بالمنظور إليه، ثمّ تقوى فتصير صبابة ينصبّ إليه القلب بكلّيّته، ثمّ تقوى فتصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم الّذي لا يفارق غريمه، ثمّ تقوى فيصير عشقا وهو الحبّ المفرط، ثمّ يقوى فيصير شغفا وهو الحبّ الّذي قد وصل إلى شغاف القلب وداخله، ثمّ يقوى فيصير تتيّما وهو التّعبّد فيصير القلب عبدا لمن لا يصلح أن يكون هو عبدا له، وهذا كلّه جناية النّظر فحينئذ يصير القلب أسيرا بعد أن كان ملكا، ومسجونا بعد أن كان مطلقا، فيتظلّم من الطّرف ويشكوه، والطّرف يقول: أنا رائدك ورسولك وأنت بعثتني، فيبتلى بطمس البصيرة فلا يرى به الحقّ حقّا، ولا الباطل باطلا، وهذا أمر يحسّه الإنسان من نفسه فإنّ القلب كالمرآة، والهوى كالصّدإ فيها، فإذا خلصت المرآة من الصّدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي، وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات «4» . [للاستزادة: انظر صفات: انتهاك الحرمات- التجسس- الفتنة- التبرج- المجاهرة بالمعصية- الغي والإغواء- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- التفريط والإفراط- الفضح. وفي ضد ذلك: انظر صفات: غض البصر- العفة- الأدب- الستر- المداراة- المراقبة] .   (1) انظر فى ذلك: النكت والعيون للماوردي (5/ 149، 150) . (2) تفسير الطبري (11/ 50) . (3) شجرة المعارف والأحوال (ص 26) بتصرف. (4) إغاثة اللهفان (1/ 47- 48) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3906 الأحاديث الواردة في ذمّ (إطلاق البصر) معنى 1- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أمّ مكتوم فدخل عليه وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجبا منه» ، فقلت: يا رسول الله؛ أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا زوّج أحدكم خادمه- عبده أو أجيره- فلا ينظر إلى ما دون السّرّة وفوق الرّكبة» ) * «2» . 3- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا اطّلع من جحر في باب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدرى «3» يرجّل «4» به رأسه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أعلم أنّك تنظر طعنت به في عينك، إنّما جعل الله الإذن من أجل البصر» ) * «5» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا اطّلع من بعض حجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقام إليه بمشقص أو مشاقص «6» فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يختله «7» ليطعنه) * «8» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس «9» منيئة «10» لها، فقضى حاجته، ثمّ خرج إلى أصحابه فقال: «إنّ المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإنّ ذلك يردّ ما في نفسه» ) * «11» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أر شيئا أشبه باللّمم ممّا قال أبو هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب على ابن آدم حظّه من الزّنى، أدرك ذلك لا محالة. فزنى العينين النّظر، وزنى اللّسان النّطق، والنّفس تمنّى وتشتهي، والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه» ) * «12» . 7- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه-   (1) أبو داود (1124) ، الترمذي (2778) واللفظ له، وقال: حسن صحيح، وفي سنده نبهان المخزومي: أبو يحيى المدني مولى أم سلمة، روى عنها هذا الحديث ورواه عنه الزهري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول التقريب (559) ، والتهذيب (10/ 416) . (2) أبو داود (496) ، وقال محقق جامع الأصول (5/ 187) إسناده حسن، واللفظ له. (3) المدرى: حديدة تشبه المشط. (4) يرجل: ترجيل الشعر تسريحه ومشطه. (5) البخاري- الفتح 12 (6901) ، مسلم (2156) واللفظ له. (6) المشاقص: جمع مشقص وهو نصل عريض السهم. (7) يختله: أي يراوغه ويستغفله. (8) البخاري- الفتح 12 (6900) ، مسلم (2157) واللفظ له. (9) المعس: الدلك. (10) المنيئة: الجلد أول ما يوضع في الدباغ. (11) مسلم (1403) . (12) البخاري- الفتح 11 (6243) ، ومسلم (2657) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3907 أنّه قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري) * «1» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا ... الحديث: إلى أن قالت: قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟، أناس من حليّ أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فاتقنّح. أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟، عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع، طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، لا تبثّ حديثنا تبثيثا، ولا تنقّث ميراثنا «2» تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا، قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا، وأخذ خطيّا، وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، وقال: كلي أمّ زرع، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كلّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «3» . 9- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ مخنّثا كان عندها ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في البيت فقال: لأخي أمّ سلمة: يا عبد الله بن أبي أميّة؛ إن فتح الله عليكم الطّائف غدا فإنّي أدلّك على بنت غيلان، فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فسمعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لا يدخل هؤلاء عليكم» ) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حلّ لهم أن يفقؤا عينه» ) * «5» . 11- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفضل بن عبّاس يوم النّحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئا، فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للنّاس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النّظر إليها فقالت: يا رسول الله؛ إنّ فريضة الله في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الرّاحلة فهل   (1) مسلم (2159) . (2) ميراثنا: هكذا في الفتح، وفى شرح ابن حجر ميرتنا وهو الصحيح وكذا هو في مسلم. (3) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له، ومسلم (2448) وسبق تفسير غريبه مرات عديدة. (4) البخاري- الفتح 8 (4324) ، ومسلم (2180) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 12 (6902) ، ومسلم (2158) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3908 يقضي عنه أن أحجّ عنه؟ قال: «نعم» ) * «1» . 12- * (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عليّ، لا تتبع النّظرة النّظرة، فإنّ لك الأولى، وليست لك الآخرة» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (إطلاق البصر) 1- * (روي أنّ عيسى- عليه السّلام- خرج يستسقي فلمّا ضجر، قال لهم عيسى عليه السّلام: من أصاب منكم ذنبا فليرجع، فرجعوا كلّهم ولم يبق معه في المفازة إلّا واحد، فقال له عيسى عليه السّلام: أما لك من ذنب؟ فقال: والله ما عملت من شيء غير أنّي كنت ذات يوم أصلّي فمرّت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه فلمّا جاوزتني أدخلت أصبعي في عيني فانتزعتها وتبعت المرأة بها، فقال له عيسى عليه السّلام: فادع الله حتّى أؤمّن على دعائك، قال: فدعا، فتجلّلت السّماء سحابا، ثمّ صبّت، فسقوا) * «3» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في معنى قوله تعالى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ: هو الرّجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمرّ به أو يدخل بيتا هي فيه فإذا فطن له غضّ بصره، وقد علم الله أنّه يودّ لو اطّلع على فرجها، ولو قدر عليها لو «4» زنى بها) * «5» . 3- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «حفظ البصر أشدّ من حفظ اللّسان» ) * «6» . 4- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «إذا مرّت بك امرأة فغمّض عينيك حتّى تجاوزك» ) * «7» . 5- * (قال الحسن البصريّ لأخيه سعيد بن أبي الحسن لمّا قال له: إنّ نساء العجم يكشفن صدورهنّ ورءوسهنّ. قال له: اصرف بصرك عنهنّ، يقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) * «8» . 6- * (كان عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى- يكره النّظر إلى الجواري اللّاتي يبعن بمكّة إلّا أن يريد أن يشتري) * «9» . 7- * (قال داود الطّائيّ- رحمه الله تعالى-: كانوا يكرهون فضول النّظر) * «10» . 8- * (قال عمرو بن مرّة- رحمه الله تعالى-: ما أحبّ أنّي بصير، كنت نظرت نظرة وأنا صغير (وهذا   (1) البخاري- الفتح 11 (6228) واللفظ له، ومسلم (1334) . (2) أبو داود (2149) ، والترمذي (2777) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وأحمد (5/ 353، 357) ، والحاكم (3/ 123) ، وقال محقق جامع الأصول (6/ 660) : حديث حسن. (3) إحياء علوم الدين (1/ 308) . (4) لو هنا: للتمنى والمعنى يتمنى أن يقدر عليها ويزني بها. (5) فتح الباري (11/ 11) . (6) الورع لابن أبي الدنيا (62) (7) المرجع السابق (66) . (8) البخاري- الفتح تعليقا (11/ 11) . (9) البخاري- الفتح (11/ 12) بتصرف. (10) الورع لابن أبي الدنيا (62) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3909 بعدما عمي)) * «1» . 9- * (قال الزّهريّ- رحمه الله تعالى-: «لا يصلح النّظر إلى شيء من النّساء اللّاتي لا تحيض ممّن يشتهى النّظر إليها وإن كانت صغيرة» ) * «2» . 10- * (قال العلاء بن زياد العدويّ- رحمه الله تعالى-: لا تتبع بصرك حسن ردف المرأة فإنّ النّظر يجعل الشّهوة في القلب) * «3» . 11- * (قال وكيع بن الجرّاح- رحمه الله تعالى: مررت مع سفيان الثّوريّ على دار مشيدة فرفعت رأسي إليها. فقال: لا ترفع رأسك تنظر إليها، إنّما بنوها لهذا) * «4» . 12- * (قال وكيع- رحمه الله-: خرجنا مع سفيان الثّوريّ في يوم عيد، فقال: إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا غضّ أبصارنا) * «5» . 13- * (قال الكرمانيّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ: إنّ الله يعلم النّظرة المسترقة إلى ما لا يحلّ) * «6» . 14- * (قال ابن عطيّة- رحمه الله تعالى-: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواسّ إليه، وبحبّ ذلك كثر السّقوط من جهته، ووجب التّحذير منه) * «7» . 15- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- عند قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ..: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضّوا من أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم، فلا ينظروا إلّا إلى ما أباح لهم النّظر إليه، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتّفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا ... وذلك لأنّ النّظر داعية إلى فساد القلب، فلهذا أمر الله بحفظ الأبصار كما أمر بحفظ الفروج) * «8» . 16- وقال- رحمه الله تعالى- عند تفسير الآية: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ... : أي يغضضن أبصارهنّ عمّا حرّم الله عليهنّ من النّظر إلى غير أزواجهنّ) «9» . 17- * (قال بعض السّلف: النّظر سهم سمّ إلى القلب) *. وقال آخر: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته) * «10» .   (1) الورع لابن أبي الدنيا (62) . (2) البخاري- الفتح (11/ 11) بتصرف. (3) الورع لابن أبي الدنيا (68) . (4) الورع للإمام أحمد بواسطة حاشية الورع لابن أبي الدنيا (67) . (5) الورع لابن أبي الدنيا (63) . (6) الفتح (11/ 11) . (7) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (11/ 294) . (8) تفسير ابن كثير (3/ 282، 283) بتصرف يسير. (9) تفسير ابن كثير 3 (284) . (10) المرجع السابق (3/ 283) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3910 18- * (قال الشّاعر: وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر رأيت الّذي لا كلّه أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر) * «1» . 19- * (قال الشّاعر: كسبت لقلبي نظرة لتسرّه ... عيني فكانت شقوة ووبالا ما مرّ بي شيء أشدّ من الهوى ... سبحان من خلق الهوى وتعالى وقال آخر: ألم تر أنّ العين للقلب رائد ... فما تألف العينان فالقلب يألف وقال أبو الطّيّب المتنبّيّ: وأنا الّذي اجتلب المنيّة طرفه ... فمن المطالب والقتيل القاتل) * «2» . 20- * (قال الشّاعر: كلّ الحوادث مبداها من النّظر ... ومعظم النّار من مستصغر الشّرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السّهام بلا قوس ولا وتر المرء ما دام ذا عين يقلّبها ... في أعين العين موقوف على الخطر يسرّ مقلته ما ضرّ مهجته ... لا مرحبا بسرور بعده الضّرر) * «3» . من مضار (إطلاق البصر) (1) إطلاق البصر بريد الزّنا ورسوله الأوّل. (2) لوعة القلب وهياج الشّوق فيجرّ إلى الحرام. (3) يفسد القلب والخلق. (4) دليل قلّة الحياء وفقد الحشمة. (5) من أسباب شيوع الفاحشة في المجتمعات فتسقط وتنهار.   (1) أدب الدنيا والدين (310) . (2) من أضواء البيان (6/ 191- 192) . (3) بواسطة التبرج لنعمات صدقي (28) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3911 الإعراض الإعراض لغة: مصدر أعرض يعرض، وهو مأخوذ من مادّة (ع ر ض) وهي كما يقول ابن فارس بناء تكثر فروعه، وهي مع كثرتها ترجع إلى أصل واحد وهو العرض خلاف الطّول، ومن ذلك: أعرضت عن فلان، وأعرضت عن هذا الأمر، وأعرض بوجهه، لأنّه إذا كان كذا ولّاه عرضه (وقيل عارضه) ، والعارض إنّما هو مشتقّ من العرض الّذي هو خلاف الطّول، ويقال: أعرض الشّيء لك من بعيد، فهو معرض، وذلك إذا ظهر لك وبدا، والمعنى أنّك رأيت عرضه، وعارضت فلانا في السّير، إذا سرت حياله، وعارضته مثل ما صنع، إذا أتيت إليه مثل ما أتى لك. ومنه اشتقّت المعارضة، وكأنّ عرض الشّيء الّذي يفعله مثل عرض الشّيء الّذي أتيته، ويقال: اعترض في الأمر فلان، إذا أدخل نفسه فيه. وقال الرّاغب: أصل العرض (خلاف الطّول) أن يقال في الأجسام ثمّ يستعمل في غيرها، وأعرض أظهر عرضه أي ناحيته، فإذا قيل: أعرض لي كذا أي بدا عرضه فأمكن تناوله، وإذا قيل أعرض عنّي الآيات/ الأحاديث/ الآثار 33/ 9/ 9 فمعناه: ولّى مبديا عرضه، وقول الله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (طه/ 124) الإعراض عن الذّكر التّولّي عنه وعدم قبوله. يقول القرطبيّ: أعرض عن ذكري: تولّى عنه ولم يقبله ولم يستجب له، ولم يتّعظ فينزجر عمّا هو عليه مقيم من مخالفة أمر ربّه. وقال النّيسابوريّ في هذه الآية: الذّكر هنا هو الهدى، وقوله سبحانه: أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي (طه/ 124) يقابله: اتّبع هداي، وكأنّ الإعراض ضدّ الاتّباع «1» . والإعراض عن الشّيء: الصّدّ عنه، وأعرض فلان أي ذهب عرضا وطولا، وأعرضت الشّيء جعلته عريضا، وأعرضت فلانة بولدها: إذا ولدتهم عراضا، وتعرّضت لفلان تصدّيت له، وتعرّض: تعوّج، يقال: تعرّض الجمل في الجبل: إذا أخذ في مسيره يمينا وشمالا لصعوبة الطّريق. وقال في اللّسان: والمعرض: الّذي يستدين ممّن أمكنه من النّاس، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- «فادّان معرضا» أي أخذ الدّين ولم يبال ألّا يؤدّيه ولا   (1) انظر تفسير الطبري (16/ 163) ، ورغائب الفرقان (بهامش الطبري) (16/ 145) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3912 ما يكون من التّبعة، وقيل: يعرض إذا قيل له لا تستدن فلا يقبل؛ من: أعرض عن الشّيء إذا ولّاه ظهره، وقيل: معرضا عن الأداء مولّيا عنه «1» . الإعراض اصطلاحا: قال الكفويّ: الإعراض: الانصراف عن الشّيء بالقلب «2» . وقال المناويّ: الإعراض: الإضراب عن الشّيء بأن تأخذ عرضا أي جانبا غير الجانب الّذي هو فيه «3» . الفرق بين التولي والإعراض والصّدّ: قال الكفويّ: المتولّي والمعرض يشتركان في ترك السّلوك (القويم) إلّا أنّ المعرض أسوأ حالا، لأنّ المتولّي متى ندم سهل عليه الرّجوع، والمعرض يحتاج إلى طلب جديد، وغاية الذّمّ الجمع بينهما، أمّا الصّدّ فهو العدول عن الشّيء عن قلى «4» . صور الإعراض الممدوحة والمذمومة: للإعراض مظاهر عديدة أكثرها مذموم، ومنها أيضا ما هو محمود، فمن المذموم: الإعراض عن الطّاعات والسّهو عنها: قال تعالى: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ (سبأ/ 16) . الإعراض عن الوعظ: قال تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (المدثر/ 94) . الإعراض عن الحساب: قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (الأنبياء/ 1) «5» . الإعراض عن ذكر الله: قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (طه/ 124) . الإعراض عن آيات الله في الكون، قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ «يوسف/ 105) . الإعراض عن الحقّ وعدم الإذعان له، قال تعالى: ... بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنبياء: 24) . الإعراض عن النّبإ العظيم قال تعالى: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (ص/ 67، 68) . وللإعراض صور أخرى محمودة منها: الإعراض عن المشركين والجاهلين، قال تعالى: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام/ 106) وقال سبحانه: وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً (المائدة/ 42) ، وقال عزّمن قائل: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ (النساء/ 63) ، وقال   (1) مقاييس اللغة (4/ 269) ، والمفردات للراغب (330) ، والصحاح (3/ 1082) ، ولسان العرب (عرض) (2890) (ط. دار المعارف) . (2) الكليات (28) . (3) التوقيف (56) . (4) الكليات (29) . (5) انظر: شجرة المعارف والأحوال للعز بن عبد السلام، (ص 116) وما بعدها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3913 سبحانه: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) . الإعراض عن اللّغو: قال تعالى: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ (القصص/ 55) . حكم الإعراض: الإعراض عن الحقّ عدّه الإمام ابن حجر من الكبائر وهي من كبائر الباطن الّتي يذمّ العبد عليها أعظم ممّا يذمّ على السّرقة والزّنا ونحوها من كبائر البدن وذلك لعظم مفسدتها، وسوء أثرها ودوامه «1» . عقوبة الإعراض في الدنيا والآخرة: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في معنى قول الله تعالى في آخر سورة طه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (طه/ 124) : أخبر الله أنّ من أعرض عن ذكره وهو الهدى الّذي من اتّبعه لا يضلّ ولا يشقى بأنّ له معيشة ضنكا. أي عذاب القبر، وهذا عذاب البرزخ، وكذلك يترك في العذاب وينسى فيه كما ترك العمل بالآيات. وهذا عذاب دار البوار، وله الضّنك والضّيق في الحياة الدّنيا كذلك، ومثله قوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (الزخرف/ 36- 37) ، فأخبر سبحانه في هذه الآية أنّ من ابتلاه بقرينه من الشّياطين، وضلاله به، إنّما كان بسبب إعراضه وعشوه عن ذكره الّذي أنزله على رسوله، فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيّض له شيطانا يقارنه فيصدّه عن سبيل ربّه وطريق فلاحه، وهو يحسب أنّه مهتد. حتّى إذا وافى ربّه يوم القيامة مع قرينه. وعاين هلاكه وإفلاسه قال: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (الزخرف/ 38) وكلّ من أعرض عن الاهتداء بالوحي الّذي هو ذكر الله فلا بدّ أن يقول هذا يوم القيامة، وهؤلاء لا عذر لهم يوم القيامة لأنّ ضلالهم منشؤه الإعراض عن الوحي الّذي جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ولو ظنّ أنّه مهتد فإنّه مفرّط بإعراضه عن اتّباع داعي الهدى، فإذا ضلّ فإنّما أتي من تفريطه وإعراضه «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الهجر- ترك الصلاة- الفجور- الفسق- هجر القرآن- اتباع الهوى- المجاهرة بالمعصية- الإصرار على الذنب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الذكر- التبتل التقوي- الخشية- الخوف- الضراعة والتضرع- الابتهال- الدعاء- تلاوة القرآن- تعظيم الحرمات] .   (1) انظر تفصيل ذلك فى الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي (ص 99) . (2) مفتاح دار السعادة ط. دار الكتب العلمية. (42- 44) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3914 الآيات الواردة في «الإعراض» اليهود والكفار دائبون على الإعراض: 1- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) «1» 2- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) «2» 3- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4) «3» 4- وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35) «4»   (1) البقرة: 83- 86 مدنية (2) آل عمران: 23- 25 مدنية (3) الأنعام: 1- 4 مكية (4) الأنعام: 35 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3915 5- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «1» 6- وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) «2» 7- وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (105) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) «3» 8- وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (84) «4» 9- رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69) «5»   (1) الأنفال: 22- 25 مدنية (2) التوبة: 75- 78 مدنية (3) يوسف: 103- 106 مكية (4) الحجر: 80- 84 مكية (5) الإسراء: 66- 69 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3916 10- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) «1» 11- أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32) «2» 12- قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44) «3» 13- وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) «4» 14- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)   (1) الأنبياء: 19- 25 مكية (2) الأنبياء: 30- 32 مكية (3) الأنبياء: 42- 44 مكية (4) المؤمنون: 71 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3917 وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) «1» 15- طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) «2» 16- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) «3» 17- وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (46) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) «4» 18- لْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) «5»   (1) النور: 46- 52 مدنية (2) الشعراء: 1- 6 مكية (3) سبأ: 15- 21 مكية (4) يس: 45- 48 مكية (5) ص: 65- 70 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3918 19- حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5) «1» 20- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «2» 21- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) «3» 22- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) «4» 23- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) «5»   (1) فصّلت: 1- 5 مكية (2) الشورى: 47- 48 مكية (3) الأحقاف: 1- 3 مكية (4) القمر: 1- 5 مكية (5) المدثر: 38- 51 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3919 عقوبة المعرضين: 24- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) «1» 25- إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (103) «2» 26- قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (127) «3» 27- قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) «4» 28- وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) «5»   (1) الكهف: 57 مكية (2) طه: 98- 103 مكية (3) طه: 123- 127 مكية (4) فصّلت: 9- 13 مكية (5) الجن: 16- 17 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3920 الإنسان من طبعه الإعراض: 29- وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) «1» 30- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) «2» 31- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) «3» من صفات عباد الرحمن الإعراض عن اللغو: 32- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) «4» 33- وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) «5»   (1) الإسراء: 83 مكية (2) الأنبياء: 1- 3 مكية (3) فصّلت: 49- 51 مكية (4) المؤمنون: 1- 7 مكية (5) القصص: 55- 56 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3921 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإعراض) 1- * (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينما هو جالس في المسجد والنّاس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذهب واحد. قال: فوقفا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأمّا الآخر فجلس خلفهم، وأمّا الثّالث فأدبر ذاهبا. فلمّا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ألا أخبركم عن النّفر الثّلاثة؟ أمّا أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأمّا الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأمّا الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» ) * «1» . 2- * (عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبل أن يهلكوا. فكان أوّل من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف. وعلى أبي اليسر بردة ومعافري «2» ، وعلى غلامه بردة ومعافريّ. فقال له أبي: يا عمّ! إنّي أرى في وجهك سفعة من غضب «3» . قال: أجل. كان لي على فلان ابن فلان الحراميّ مال، فأتيت أهله فسلّمت، فقلت: ثمّ هو؟ قالوا: لا. فخرج عليّ ابن له جفر «4» فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي، فقلت: اخرج إليّ، فقد علمت أين أنت. فخرج. فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا، والله! أحدّثك، ثمّ لا أكذبك. خشيت، والله أن أحدّثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكنت والله! معسرا. قال قلت: آلله. قال: آلله قلت: آلله. قال: آلله. قلت: آلله. قال: آلله. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلّا أنت في حلّ. فأشهد بصر عينيّ هاتين، (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذنيّ هاتين، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من أنظر معسرا، أو وضع عنه، أظلّه الله في ظلّه» . قال: فقلت له أنا: يا عمّ لو أنّك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريّك، وأخذت معافريّه وأعطيته بردتك، فكانت عليك حلّة وعليه حلّة. فمسح رأسي وقال: اللهمّ بارك فيه. يا ابن أخي بصر عينيّ هاتين، وسمع أذنيّ هاتين ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «أطعموهم ممّا تأكلون، وألبسوهم ممّا تلبسون» وكان أن أعطيته من متاع الدّنيا أهون عليّ من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة. ثمّ مضينا حتّى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده، وهو يصلّي في ثوب واحد، مشتملا به، فتخطّيت القوم حتّى جلست بينه وبين القبلة. فقلت: يرحمك الله! أتصلّي في ثوب واحد ورداؤك إلى   (1) البخاري- الفتح 1 (66) واللفظ له. ومسلم (2176) . (2) معافري: نوع من الثياب يعمل بقرية تسمى معافر. (3) سفعة من غضب: هي بفتح السين المهملة وضمها: لغتان. أي علامة وتغير. (4) جفر: الجفر. هو الذي قارب البلوغ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3922 جنبك؟ قال: فقال بيده في صدري هكذا. وفرّق بين أصابعه وقوّسها: أردت أن يدخل عليّ الأحمق مثلك، فيراني كيف أصنع، فيصنع مثله. أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون «1» ابن طاب «2» . فرأى في قبلة المسجد نخامة فحكّها بالعرجون، ثمّ أقبل علينا فقال: «أيّكم يحبّ أن يعرض الله عنه؟» قال: فخشعنا. ثمّ قال: «أيّكم يحبّ أن يعرض الله عنه؟» قال: فخشعنا، ثمّ قال: «أيّكم يحبّ أن يعرض الله عنه؟» قلنا: لا أيّنا، يا رسول الله!. قال: «فإنّ أحدكم إذا قام يصلّي، فإنّ الله تبارك وتعالى قبل وجهه، فلا يبصقنّ قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، تحت رجله اليسرى. فإن عجلت به بادرة «3» فليقل بثوبه هكذا» ثمّ طوى ثوبه بعضه على بعض فقال: «أروني عبيرا «4» » فقام فتى من الحيّ يشتدّ «5» إلى أهله، فجاء بخلوق «6» في راحته، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعله على رأس العرجون، ثمّ لطخ به على أثر النّخامة. فقال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم) «7» . 3- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «8» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الإعراض) معنى 4- * (عن عروة بن الزّبير أنّ عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- حدّثه: «أنّ رجلا من الأنصار خاصم الزّبير عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شراج الحرّة «9» الّتي يسقون بها النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ. فأبى عليه. فاختصما عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير، ثمّ أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاريّ. فقال: أن كان ابن عمّتك. فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «اسق يا زبير، ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر» . فقال الزّبير: والله إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا   (1) عرجون: هو الغصن. (2) ابن طاب: نوع من التمر. (3) فإن عجلت به بادرة: أي غلبته بصقة أو نخامة بدرت منه (4) أروني عبيرا: قال أبو عبيد: العبير، عند العرب، هو الزعفران وحده. وقال الأصمعي: هو أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران (5) يشتد: أي يسعى ويعدو عدوا شديدا. (6) بخلوق: هو طيب من أنواع مختلفة يجمع بالزعفران، وهو العبير على تفسير الأصمعي. (7) مسلم (3006، 3007، 3008) . (8) البخاري- الفتح 10 (6077) واللفظ له، ومسلم (2560) . (9) شراج الحرة: الشراجة جمع شرج وهو مسيل الماء. والحرة: موضع معروف بالمدينة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3923 يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» (النساء: 65)) * «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه من لم يسأل الله يغضب عليه» ) * «2» . 6- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّعاء هو العبادة ثمّ قرأ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (غافر/ 60) » ) * «3» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) ، ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى صعد الصّفا فهتف: «يا صباحاه» . فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه فقال: «أرأيتم إن أخبرتكم أنّ خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا: ما جرّبنا عليك كذبا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» قال أبو لهب: تبّا لك، ما جمعتنا إلّا لهذا؟ ثمّ قام. فنزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) * «4» . 8- * (عن عروة عن عائشة- رضي الله عنهما- أنّها قالت: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم، على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب «5» ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «6» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «7» . 9- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب حمارا، عليه إكاف «8» ، تحته قطيفة «9» فدكيّة «10» . وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر. حتّى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين   (1) البخاري- الفتح 5 (2359- 2360) واللفظ له. ومسلم (2357) . (2) الترمذي (3373) واللفظ له. وابن ماجة (3827) . وذكره في جامع الأصول وقال محققه: إسناده حسن. وعزاه كذلك لأحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم والبزار (4/ 166) (3) الترمذي (3372) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (3828) . (4) البخاري- الفتح 8 (4971) واللفظ له. ومسلم (208) . (5) قرن الثعالب: موضع وهو قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد وأصل القرن: كل جبل صغير ينقطع من جبل كبير. (6) الأخشبين: جبلان بمكة وهما جبلا أبي قبيس والذي يقابله. (7) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. ومسلم (1795) . (8) إكاف: هو للحمار بمنزلة السرج للفرس. (9) قطيفة: دثار مخمل جمعها قطائف وقطف. (10) فدكية: منسوبة إلى فدك. بلدة معروفة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3924 عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبيّ. وفي المجلس عبد الله بن رواحة. فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «1» ، خمّر «2» عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه، ثمّ قال: لا تغبّروا علينا «3» . فسلّم عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ وقف فنزل، فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبيّ: أيّها المرء لا أحسن من هذا «4» ، إن كان ما تقول حقّا، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك «5» ، فمن جاءك منّا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا، فإنّا نحبّ ذلك. قال: فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتّى همّوا أن يتواثبوا. فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم «6» ثمّ ركب دابّته حتّى دخل على سعد بن عبادة. فقال: «أي سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ قال كذا وكذا) قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح فو الله لقد أعطاك الله الّذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة «7» . أن يتوّجوه، فيعصّبوه بالعصابة «8» . فلمّا ردّ الله ذلك بالحقّ الّذي أعطاكه، شرق بذلك «9» . فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «10» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الإعراض) 1- * (قال لقمان الحكيم لابنه: «يا بنيّ اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلّموك، ولعلّ الله أن يطّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم. وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيّا أو عيّا، ولعلّ الله يطّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم» ) * «11» . 2- * (قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. قال القرطبيّ: «هذا عتاب على ترك الدّعاء وإخبار عنهم أنّهم لم يتضرّعوا حين نزول العذاب» ) * «12» . 3- * (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «ابتلاهم الله عزّ وجلّ بالفقر والضّيق في العيش   (1) عجاجة الدابة: هو ما ارتفع من غبار حوافرها. (2) خمّر أنفه: أي غطّاه. (3) لا تغبروا علينا: أي لا تثيروا علينا الغبار. (4) لا أحسن من هذا: أي ليس شيء أحسن من هذا. ووقع لبعضهم: لأحسن من هذا. قيل: وهو أظهر. وتقديره أحسن من هذا أن تقعد في بيتك. (5) إلى رحلك: أي إلى منزلك. (6) يخفضهم: أي يسكنهم ويسهل الأمر بينهم. (7) البحيرة: بضم الباء، على التصغير. البحيرة، مكبرة، وكلاهما بمعنى وأصلها القرية. والمراد بها هنا مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم. (8) فيعصبوه بالعصابة: معناه اتفقوا على أن يعينوه ملكهم. وكان من عادتهم، إذا ملّكوا إنسانا، أن يتوجوه ويعصبوه. (9) شرق بذلك: أي غص. ومعناه حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم. (10) البخاري الفتح 7 (4566) . ومسلم (1798) واللفظ له. (11) الدارمي (1/ 117) رقم (377) . (12) تفسير القرطبى (6/ 427) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3925 والأمراض والأسقام ليتضرّعوا ويدعوا ربّهم ويخشعوا له، ولكن قست قلوبهم فأعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم» ) * «1» . 4- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا* ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (النجم/ 29- 30) قال: «أعرض عن الّذي أعرض عن الحقّ واهجره، وقوله: وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا أي وإنّما أكثر همّه ومبلغ علمه الدّنيا، فتلك غاية من لا خير فيه» ) * «2» . 6- * (قال ابن كثير عند قوله تعالى: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً كذّب به وأعرض عن اتّباعه أمرا وطلبا وابتغى الهدى من غيره فإنّ الله يضلّه ويهديه إلى سواء الجحيم) * «3» . 6- * (وقال عند قوله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه) * «4» . 7- * (عن قتادة في قوله تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ*. أي ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلّا أعرضوا عنه) * «5» . 8- * (عن قتادة في قوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ قال: يعرض) * «6» . 9- * (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله: وَمَنْ يَعْشُ قال: من جانب الحقّ وأنكره، وهو يعلم أنّ الحلال حلال وأنّ الحرام حرام فترك العلم بالحلال والحقّ لهوى نفسه، وقضى حاجته ثمّ أراد من الحرام قيّض له شيطان) * «7» . من مضار (الإعراض) (1) دليل نقص الإيمان وسفاهة الأحلام. (2) يوصّل إلى النّار. (3) البعد عن الله وعن النّاس. (4) المعرض عن الحقّ واقع في الضّلال بذنبه. (5) ينساه الله في العذاب كما نسي ذكر الله في الدّنيا. (6) دليل الكبر والحسد وهما الدّافعان إليه في العادة.   (1) تفسير ابن كثير (2/ 133) بتصرف. (2) المرجع السابق (4/ 256) بتصرف. (3) تفسير ابن كثير (3/ 164) . (4) المرجع السابق (3/ 169) . (5) الدر المنثور (3/ 249) . (6) المرجع السابق (7/ 378) . (7) المرجع السابق (7/ 378) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3926 الاعوجاج الاعوجاج لغة: مصدر قولهم: اعوجّ يعوجّ، وهو مأخوذ من مادّة (ع وج) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على ميل في الشّيء، ومن ذلك العوج، وهو اسم لازم لما تراه العيون في قضيب أو خشب أو غيره، تقول: فيه عوج بيّن، والعوج أيضا مصدر: عوج (من باب طرب) ، ويقال: اعوجّ يعوجّ اعوجاجا وعوجا، فالعوج مفتوح في كلّ ما كان منتصبا كالحائط والعود، والعوج ما كان في بساط أو أمر نحو دين ومعاش، يقال من الأوّل: عود أعوج بيّن العوج، (للمذكّر) «1» ، وشجرة عوجاء (للمؤنّث) والجمع عوج (للمؤنّث والمذكّر) ، ويقال من الثّاني: رجل أعوج، أي سيّء الخلق، وملّة عوجاء: غير مستقيمة. وقال الرّاغب: العوج: العطف عن حال الانتصاب والعوج يقال فيما يدرك بالبصر، والعوج (بكسر العين) فيما يدرك بالفكر والبصيرة، وقيل: العوج (بالفتح) مختصّ بالمرئيّات كالأجسام، وبالكسر فيما ليس بمرئيّ كالرّأي والقول. وقيل: يقال بالكسر فيهما، وقول الله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ (الزمر/ 28) فمعناه غير الآيات/ الأحاديث/ الآثار 8/ 12/ 4 مختلف، وقيل: غير ذي شكّ، وقيل: غير مخلوق، وقيل: غير متضادّ، وقيل: غير ذي لبس، وقيل: غير ذي لحن «2» ، والجامع بين كلّ هذه الأقوال أنّه مستقيم الطّريق، أمّا قوله سبحانه وَيَبْغُونَها عِوَجاً (الأعراف/ 45) أي يغيّرون ويبدّلون دين الله عمّا جعله الله له من استقامة، وقيل: يطلبون اعوجاجها ويذمّونها فلا يؤمنون بها «3» . وأمّا ما جاء في الحديث: «حتّى يقيم به الملّة العوجاء» فالمراد ملّة إبراهيم عليه السّلام لأنّ العرب غيّرتها عن استقامتها. وقال الجوهريّ: العوج بالتّحريك: مصدر قولك عوج الشّيء فهو أعوج، والاسم العوج (بكسر العين) ، يقال: رجل أعوج بيّن العوج، أي سيّء الخلق، وعجت البعير أعوجه عوجا ومعاجا، إذا عطفت رأسه بالزّمام، وانعاج عليه: انعطف، والعائج: الواقف، وعوّجت الشّيء فتعوّج، واعوجّ الشّيء اعوجاجا. وقال ابن منظور: العوج الانعطاف فيما كان قائما فمال كالرّمح والحائط، يقال: شجرتك فيها عوج   (1) مختار الصحاح للرازي (عوج) (ص 460 ط. دار الكتب المصرية) . (2) تفسير القرطبي (8/ 164) . (3) تفسير الطبري (5/ 496) ، والقرطبي (4/ 135) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3927 شديد، وهذا لا يجوز فيه وفي أمثاله إلّا العوج، والعوج في الأرض ألّا تستوي قال تعالى: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً، وهو بفتح العين (عوج) مختصّ بكلّ شخص مرئيّ، وبالكسر (العوج) بما ليس بمرئيّ كالرّأي والقول، وقيل: بالكسر يقال فيهما معا والتّفرقة أكثر، ولذلك يقال: رجل أعوج بيّن العوج (بالفتح) أي سيّء الخلق. وعوج أيضا يعني الزّيغ يقال: عوج الطّريق (بالكسر) أي زيغه واشتقاقها من عوج (بالكسر) عوجا وعوجا (بالفتح والكسر) واعوجّ وانعاجّ، وهو أعوج وهذا يكون لكلّ مرئيّ «1» . الاعوجاج اصطلاحا: قال الكفويّ: الاعوجاج هو في المحسوسات عدم الاستقامة الحسّيّة وفي غيرها عدم كونها على ما ينبغي «2» . أمّا الاعوجاج في أمر الدّين فيمكن تعريفه بأنّه: عدم سلوك الصّراط المستقيم والميل عنه إلى ما لا ينبغي يمنة أو يسرة. ويلزم من ذلك ترك الطّاعات أو شيء منها، وفعل المنهيّات أو شيء منها كلّ ذلك اعوجاج «3» . أحوال الناس في الاستقامة والاعوجاج: لا يخلو حال النّاس فيما أمروا به ونهوا عنه من فعل الطّاعات واجتناب المعاصي من أربعة أحوال: الأولى: من يستجيب إلى فعل الطّاعات، واجتناب المعاصي، وهذا أكمل أحوال أهل الدّين وأفضل صفات المتّقين، وهذا يستحقّ جزاء العاملين وثواب المطيعين. وهذه حال الاستقامة أو الطّاعة. الثّانية: من يمتنع من فعل الطّاعات ويقدم على ارتكاب المعاصي وهي أخبث أحوال المكلّفين، وهذا يستحقّ عذاب الّذي يلهو وعذاب من يجترىء على حدود الله وهذه حال الاعوجاج أو المعصية. الثّالثة: من يستجيب إلى فعل الطّاعات، ويقدم على ارتكاب المعاصي وهذا يستحقّ عذاب المجتريء لأنّه تورّط بغلبة الشّهوة في الإقدام على المعصية وإن سلم من التّقصير في فعل الطّاعة، وهذه حال بين الاعوجاج والاستقامة، أو حال المجتريء. الرّابعة: من يكفّ عن الطّاعات والمعاصي معا، وهذا يستحقّ عذاب اللّاهي عن دينه، وهذه حال أقرب إلى الاعوجاج منها إلى الاستقامة وتسمّى ب «حال اللّاهي» «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الإلحاد- الضلال الفجور- الفسق- التفريط والإفراط- الإصرار على الذنب- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- حسن الخلق- الهدى] .   (1) مقاييس اللغة (4/ 180) ، المفردات للراغب (351) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 107) ، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (3/ 315) ، والصحاح (1/ 330) ، ولسان العرب (عوج) (3154) (ط. دار المعارف) . (2) الكليات للكفوي (2/ 242) (ط ثانية 1992) . (3) اقتبسنا هذا التعريف من أقوالهم في «الاعوجاج» والاستقامة التي هي ضده. انظر صفة الاستقامة. (4) أدب الدنيا والدين (104) ، وانظر أيضا: قراءة تربوية في فكر أبي الحسن الماوردي من خلال أدب الدنيا والدين (125) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3928 الآيات الواردة في «الاعوجاج» 1- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) «1» 2- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «2» 3- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) «3»   (1) آل عمران: 98- 99 مدنية (2) الأعراف: 44- 51 مكية (3) الأعراف: 85- 86 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3929 4- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) «1» 5- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «2» 6- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) «3» 7- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) «4» 8- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) «5»   (1) هود: 18- 22 مكية (2) إبراهيم: 1- 4 مكية (3) الكهف: 1- 2 مكية (4) طه: 105- 108 مكية (5) الزمر: 27- 28 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3930 الأحاديث الواردة في ذمّ (الاعوجاج) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ خلقن من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنّساء خيرا» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أصبح ابن آدم فإنّ أعضاءه تكفّر «2» اللّسان تقول: اتّق الله فينا فإنّك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا) * «3» 3- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: إنّ هذه الآية في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً قال في التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صمّا وقلوبا غلفا» ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الاعوجاج) معنى 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ... إلى قوله: أُولُوا الْأَلْبابِ قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم» ) * «5» . 5- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن نذكر الفقر ونتخوّفه فقال: «آلفقر تخافون؟ والّذي نفسي بيده لتصبّنّ عليكم الدّنيا صبّا حتّى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلّا هيه، وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» . قال أبو الدّرداء: صدق والله   (1) البخاري- الفتح 9 (5186) واللفظ له. ومسلم (1468) . (2) تكفر: من معاني التكفير: إزالة الكفر، والكفران نحو التمريض في كونه إزالة للمرض، وهو المناسب هنا؛ إذ الغرض أن الجوارح تحرص على إزالة ما يصدر من اللسان مما شأنه أن يكون من الكافر. ينظر: المفردات في غريب القرآن (435) . (3) الترمذي (2407) . وأحمد (3/ 96) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن ورواه أيضا ابن خزيمة والبيهقي في الشعب. وابن أبي الدنيا، جامع الأصول (11/ 728) . (4) البخاري- الفتح 8 (4838) . (5) البخاري- الفتح 8 (4547) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3931 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تركنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء) * «1» . 6- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا ثمّ قال: هذه سبيل الله، ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثمّ قال: «هذه سبل متفرّقة على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه ثمّ قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153) . واللّفظ الآخر «هذه سبيل الله مستقيما» ) * «2» . 7- * (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- أنّه قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم ثمّ أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة، وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الرّاشدين تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ «3» ، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة» ) * «4» . 8- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان أكثر دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كان عندي: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» ، قلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك؟ قال: «يا أمّ سلمة إنّه ليس آدميّ إلّا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ» ) * «5» . 9- * (عن سلمة بن نفيل الكنديّ- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رجل: يا رسول الله، أذال «6» النّاس الخيل ووضعوا السّلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوجهه وقال: «كذبوا. الآن الآن جاء القتال، ولا يزال من أمّتي أمّة يقاتلون على الحقّ، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم، حتّى تقوم السّاعة، وحتّى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى   (1) ابن ماجة (5) واللفظ له. وهو عند أحمد بمعناه من حديث عوف بن مالك (6/ 24) . والسنة لابن أبي عاصم وقال الألباني: صحيح (26) (2) أحمد (1/ 435، 465) رقم (4141) ، (4436) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح في الموضعين (6/ 89، 199) . والحاكم (2/ 318) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وذكره ابن كثير في التفسير (2/ 191) وعزاه كذلك للنسائي في تفسيره وهو فيه (1/ 485) وقال مخرجاه (سيد الجليمي وصبري الشافعي) : صحيح. (3) عضوا عليها: الخ.. المراد تمسكوا بها. (4) أبو داود (4607) واللفظ له. والترمذي (2676) وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (42) وفيها بعد قوله: فما تعهد الينا؟ أنه قال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك.. وهذا السياق عند أحمد (4/ 126) وقال ابن رجب: قال الحافظ أبو نعيم: هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين جامع العلوم والحكم (243) . (5) الترمذي (3522) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن وأحمد (6/ 302) . والسنة لابن أبي عاصم وقال الألباني: حديث صحيح (100) . (6) أذال: أي أهان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3932 إليّ أنّي مقبوض غير ملبّث، وأنتم تتّبعوني أفنادا «1» يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشّام» ) * «2» . 10- * (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول «ما من قلب إلّا بين أصبعين من أصابع الرّحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه» ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا مثبّت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك» ، والميزان بيد الرّحمن يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة» ) * «3» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- «أنّ فاطمة- عليها السّلام- ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألت أبا بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ممّا أفاء الله عليه. فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» . فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت وعاشت بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستّة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل به إلّا عملت به. فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعبّاس وأمّا خيبر وفدك فأمسكها عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانتا لحقوقه الّتي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى وليّ الأمر، فهما على ذلك إلى اليوم» ) * «4» . 12- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي، (ثمّ ذكر قصّة قدومهم وسماعهم كلام أسماء بنت عميس وذكر من قولها) : ونحن كنّا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. وو الله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال: فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله إنّ عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «5» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في انفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» .   (1) أفنادا: أي جماعات متفرقين قوما بعد قوم (2) النسائي (6/ 214، 215) وقال الألباني: صحيح (2/ 756) ح (3333) . وهو في السلسلة الصحيحة برقم (1935) (3) ابن ماجة (199) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده صحيح. والحاكم (4/ 321) ، وقال صحيح علي شرط مسلم وأقره الذهبي وأحمد (4/ 182) . والسنة لابن أبي عاصم وقال فيه الألباني: حديث صحيح على شرط البخاري. (4) البخاري- الفتح 6 (3092، 3093) واللفظ له. ومسلم (1759) . (5) أرسالا: أفواجا. (6) البخاري- الفتح 7 (4230، 4231) . ومسلم (2502، 2503) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3933 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الإعوجاج) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يوما وهو على المنبر: «أيّها النّاس أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم» . فقام رجل وقال: والله لئن وجدنا فيك اعوجاجا لقوّمناك بسيوفنا. فقال عمر- رضي الله عنه-: «الحمد لله الّذي جعل في أمّة محمّد من يقوّم اعوجاج عمر» ) * «1» . 2- * (عن يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل، أخبره، قال: كان لا يجلس مجلسا للذّكر حين يجلس إلّا قال: الله حكم قسط هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يوما: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق والرّجل والمرأة والصّغير والكبير والعبد والحرّ، فيوشك قائل أن يقول: ما للنّاس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم؛ فإنّ الشّيطان يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقّ، قال: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضّلالة وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحقّ؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات الّتي يقال لها ما هذه، ولا يثنينّك ذلك عنه؛ فإنّه لعلّه أن يراجع، وتلقّ الحقّ إذا سمعته فإنّ على الحقّ نورا) * «2» . 3- * (قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: «كلّ ما نهى الله عنه زيغ وانحراف عن الاستقامة ووضع للشّيء في غير موضعه» ) * «3» . 4- * (قال الفيروزاباديّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ البدن إذا خلا عن الرّوح كان ميّتا، وكذلكم حال الإنسان إذا خلا عن الاستقامة واعوجّ كان فاسدا» ) * «4» . من مضار (الاعوجاج) (1) بغض الله- عزّ وجلّ- لصاحبه. (2) يبعد عن طريق الحقّ والخير والصّلاح. (3) طريق موصل إلى النّار. (4) بعد النّاس عن المعوجّ لخوفهم منه وبغضهم له. (5) منشأ كلّ رذيلة وأصل كلّ خسيسة. (6) دليل خبث النّفس وسوء الظّنّ.   (1) تاريخ الخلفاء لابن الجوزي. (2) أبو داود (4/ 202) رقم (4611) . وقال الألباني: صحيح الإسناد (3/ 872) رقم (3855) . (3) مجموع الفتاوى (1/ 86) . (4) بصائر ذوي التمييز (4/ 313) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3934 الافتراء الافتراء لغة: الافتراء مصدر قولهم: افترى يفتري، وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ى) الّتي تدلّ على القطع، ومن ذلك فريت الشّيء فريا قطعته لإصلاحه، وأفريته: قطعته لإفساده، ويقال: فرى فلان كذا، إذا خلقه، والفرى: البهت والدّهش يقال منه: فري يفرى فرى. وقال الرّاغب: الفري: قطع الجلد للخرز والإصلاح، والإفراء للإفساد، والافتراء فيهما وفي الإفساد أكثر وقد استعمل في القرآن الكريم في الكذب كما في قوله تعالى: يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ* وفي الشّرك والظّلم، كما في قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً وقيل: الفري والافتراء واحد وهو الكذب واختلاقه، ويقال: افتريت الفرو: لبسته، وفريت المزادة خلقتها وصنعتها، وفريت الأرض: سرتها وقطعتها، وفلان يفري الفريّ: إذا كان يأتي بالعجب في عمله. وفرى فلان كذبا، اختلقه، والاسم: الفرية. وقال ابن منظور: والفرية: الكذب، فرى كذبا فريا، وافتراه: اختلقه، ورجل فريّ ومفرى وإنّه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 50/ 7/ 5 لقبيح الفرية، وفي التّنزيل العزيز: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ* أي اختلقه، وفرى فلان كذا إذا خلقه، وافتراه: اختلقه، والاسم الفرية. وجمعها: الفرى، وأفرى أفعل منه للتّفضيل، وأكذب الكذبات أن يقول: رأيت في النّوم كذا وكذا، ولم يكن رأى شيئا، لأنّه كذب على الله تعالى، فإنّه هو الّذي يرسل ملك الرّؤيا ليريه المنام، وفي حديث عائشة- رضي الله عنها-: «فقد أعظم الفرية على الله» أي الكذب. وفي حديث بيعة النّساء: «ولا يأتين ببهتان يفترينه» وهو افتعال من الكذب. والفريّ: الأمر العظيم، وفي التّنزيل العزيز في قصّة مريم: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا: أي جئت شيئا عظيما، وقيل: جئت شيئا فريّا أي مصنوعا مختلقا. وفلان يفري الفريّ إذا كان يأتي بالعجب في عمله، وفريت: دهشت وحرت «1» . واصطلاحا: قال الكفويّ: الافتراء: هو العظيم من الكذب، ومعنى افترى: افتعل واختلق مالا يصحّ أن يكون، وهذا أعمّ ممّا لا يجوز أن يقال وما لا يجوز أن   (1) مقاييس اللغة (4/ 496) ، والمفردات للراغب (379) ، بصائر ذوي التمييز (4/ 190) ، والصحاح (6/ 2453) ، ولسان العرب (15/ 154) (ط. بيروت) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3935 يفعل «1» وإذا كان بحضرة المقول فيه: سمّي بهتانا. وقال في موضع آخر: كلّ خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه فهو افتراء «2» وذكر في موضع ثالث: أنّ الافتراء تقوّل، لأنّه قول متكلّف، وتسمّى الأقوال المفتراة أقاويل تحقيرا لها كأنّها جمع أفعولة من القول ك (الأضاحيك) «3» . ويؤخذ من كلام الرّاغب: أنّ الافتراء هو: اختراع لقصّة كاذبة لا أصل لها، يقول- رحمه الله-: الكذب إمّا أن يكون اختراعا لقصّة لا أصل لها، أو زيادة في القصّة أو نقصانا يغيّران المعنى، أو تحريفا بتغيير عبارة، فما كان اختراعا يقال له: الافتراء والاختلاق «4» . قال ابن بطّال: الافتراء الكذب العظيم الّذي يتعجّب منه. «5» . [انظر صفات: الكذب- الإساءة- الإفك- البهتان- شهادة الزور- الفجور- سوء الظن. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصمت وحفظ اللسان- الصدق- إقامة الشهادة- حسن الخلق- حسن المعاملة- حسن العشرة- حسن الظن] .   (1) الكليات (154) . (2) المرجع السابق (556) . (3) المرجع السابق (710) . (4) الذريعة إلى مكارم الشريعة (275) . (5) فتح الباري (12/ 449) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3936 الآيات الواردة في «الافتراء» ائمة الافتراء أهل الكتاب والكفار: 1- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «1» 2- ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) «2» 3- وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) «3» 4- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «4» 5- إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (105) «5» أكبر الظلم افتراء الكذب على الله وعلى النبيين وعلى الصالحين: 6- كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) «6» 7- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) «7»   (1) آل عمران: 23- 24 مدنية (2) المائدة: 103 مدنية (3) الأنعام: 144 مكية (4) الأعراف: 88- 89 مكية (5) النحل: 109 مكية (6) آل عمران: 93- 94 مدنية (7) النساء: 48- 50 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3937 8- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) «1» 9- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «2» 10- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140) «3» 11- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «4» 12- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) «5» 13- قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) «6» 14- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) «7» 15- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) «8» 16- وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) «9» 17- وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) «10»   (1) الأنعام: 21 مكية (2) الأنعام: 93 مدنية (3) الأنعام: 140 مكية (4) الأعراف: 37 مكية (5) يونس: 17 مكية (6) يونس: 59- 60 مكية (7) هود: 18 مكية (8) هود: 50 مكية (9) النحل: 56 مكية (10) النحل: 116 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3938 18- هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) «1» 19- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) «2» 20- إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) «3» 21- الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)   (1) الكهف: 15 مكية (2) مريم: 16- 34 مكية (3) المؤمنون: 38 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3939 أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) «1» 22- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) «2» 23- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) «3» جزاء المفترين: 24- إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) «4» 25- قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69) «5» 26- قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) «6» 27- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (13) «7» 28- وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) «8» لا ينفع الافتراء عند الحساب فليفعل المفترون ما شاءوا: 29- ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «9» 30- وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112) «10»   (1) السجدة: 1- 3 مكية (2) سبأ: 7- 8 مكية (3) الصف: 7 مدنية (4) الأعراف: 152 مكية (5) يونس: 69 مكية (6) طه: 61 مكية (7) العنكبوت: 12- 13 مكية (8) الأحقاف: 27- 28 مكية (9) الأنعام: 23- 24 مكية (10) الأنعام: 112 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3940 31- وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) «1» 32- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (53) «2» 33- هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) «3» 34- أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (21) «4» 35- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87) «5» 36- وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (75) «6» كتب الله حق وليست مفتراة: 37- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) «7» 38- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) «8» 39- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) «9»   (1) الأنعام: 137- 138 مكية (2) الأعراف: 53 مكية (3) يونس: 30 مكية (4) هود: 21 مكية (5) النحل: 86- 87 مكية (6) القصص: 75 مكية (7) يونس: 37- 38 مكية (8) هود: 13 مكية (9) هود: 35 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3941 40- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «1» 41- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) «2» 42- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) «3» 43- قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) «4» 44- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) «5» 45- فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) «6» 46- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68) «7» 47- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) «8» 48- أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24) «9» 49- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «10» 50- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «11»   (1) يوسف: 111 مكية (2) النحل: 101 مكية (3) الإسراء: 73 مكية (4) الأنبياء: 4- 5 مكية (5) الفرقان: 4 مكية (6) القصص: 36 مكية (7) العنكبوت: 68 مكية (8) سبأ: 43 مكية (9) الشورى: 24 مدنية (10) الأحقاف: 8 مكية (11) الممتحنة: 12 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3942 الأحاديث الواردة في ذمّ (الافتراء) 1- * (عن أميمة بنت رقيقة- رضي الله عنها- أنّها قالت: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نسوة من الأنصار نبايعه فقلنا: يا رسول الله، نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق ولا نزني، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف قال: «فيما استطعتنّ وأطقتنّ» ، قالت: قلنا: الله ورسوله أرحم بنا، هلمّ نبايعك يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لا أصافح النّساء إنّما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعظم النّاس فرية، لرجل هاجى رجلا، فهجا القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه، وزنّى «2» أمّه» ) * «3» . 3- * (عن واثلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الفرى أن يدّعى الرّجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تره، أو يقول على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لم يقل» ) * «4» . 4- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا- وهو أحد النّقباء ليلة العقبة- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك) * «5» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: شهدت الصّلاة يوم الفطر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- فكلّهم يصلّيها قبل الخطبة ثمّ يخطب بعد، فنزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فكأنّي أنظر إليه حين يجلس الرّجال بيده، ثمّ أقبل يشقّهم حتّى أتى النّساء مع بلال فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ حتّى فرغ من الآية كلّها ثمّ قال حين فرغ: «أنتنّ على ذلك؟» وقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله، لا يدري الحسن من هي، قال: فتصدّقن، بسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفتخ «6» والخواتيم في ثوب بلال) * «7» .   (1) أحمد في المسند (2/ 196) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، والترمذي (1597) ، وقال: حديث حسن صحيح، الموطأ (2/ 749) في البيعة واللفظ له، النسائي (7/ 149) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 255) : إسناده صحيح. (2) زنّى أمّه: رماها بالزنا. (3) ابن ماجه (3761) في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وأورده البخاري في الأدب المفرد عن عائشة بنحوه (126) وقال الحافظ في الفتح (10/ 443) : سنده حسن. (4) البخاري- الفتح 6 (3509) . (5) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له، مسلم (1709) . (6) الفتخ بفتحتين جمع فتخه، وهى خواتيم كبار تلبس في الأيدى. وقيل: هي خواتيم لا فصوص لها، وتجمع أيضا على: فتخات وفتاخ. (7) البخاري- الفتح 8 (4895) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3943 الأحاديث الواردة في ذمّ (الافتراء) معنى 6- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليس من رجل ادّعى لغير أبيه- وهو يعلمه- إلّا كفر بالله، ومن ادّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوّا مقعده من النّار) * «1» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من تحلّم بحلم لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرّون منه صبّ في أذنه الآنك «2» يوم القيامة، ومن صوّر صورة عذّب وكلّف أن ينفخ فيها، وليس بنافخ» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الافتراء) 1- * (عن مالك عن ثور بن زيد الدّيليّ أنّ عمر بن الخطّاب استشار في الخمر يشربها الرّجل، فقال له عليّ بن أبي طالب: نرى أن نجلده ثمانين فإنّه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، أو كما قال: فجلد عمر في الخمر ثمانين) * «4» . 2- * (عن زيد بن وهب قال: قدم عليّ- رضي الله عنه- على قوم من أهل البصرة من الخوارج، فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجة، فقال له: اتّق الله يا عليّ فإنّك ميّت، فقال عليّ- رضي الله عنه-: بل مقتول، ضربة على هذا تخضب هذه، يعني لحيته من رأسه، عهد معهود، وقضاء مقضيّ، وقد خاب من افترى، وعاتبه في لباسه، فقال: مالكم وللّباس؟ هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم) * «5» . 3- * (عن مسروق قال: كنت متّكئا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة! ثلاث من تكلّم بواحدة منهنّ فقد أعظم على الله الفرية «6» . قلت: ما هنّ؟ قالت: من زعم أنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متّكئا فجلست، فقلت: يا أمّ المؤمنين أنظريني «7» ولا تعجليني، ألم يقل الله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (التكوير/ 23) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (النجم/ 13) . فقالت: أنا أوّل هذه الأمّة سأل عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّما هو جبريل، لم أره على صورته   (1) البخاري- الفتح 6 (3508) . (2) الآنك: الرصاص الأبيض. وقيل الأسود. وقيل: هو الخالص منه. (3) البخاري- الفتح 12 (7042) . (4) تنوير الحوالك (3/ 55) الموطأ- كتاب الأشربة (642) . (5) أحمد (1/ 91) ، قال الشيخ أحمد شاكر (2/ 88) حديث رقم (703) : إسناده صحيح. (6) أعظم على الله الفرية: هي الكذب، يقال: فرى الشيء يفريه فريا، وافتراه يفتريه افتراء، إذا اختلقه، وجمع الفرية فرى. (7) أنظريني: من الإنظار وهو التأخير والإمهال. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3944 الّتي خلق عليها غير هاتين المرّتين، رأيته منهبطا من السّماء، سادّا عظم خلقه ما بين السّماء إلى الأرض «1» . فقالت: أو لم تسمع أنّ الله يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الأنعام/ 103) أو لم تسمع أنّ الله يقول: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (الشورى/ 51) ، قالت: ومن زعم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (المائدة/ 67) ، قالت: ومن زعم أنّه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ (النمل/ 65)) * «2» . 4- * (قال زريق بن حكيم: كتبت إلى عمر ابن عبد العزيز: أرأيت رجلا افتري عليه أو على أبويه وقد هلكا أو أحدهما قال: فكتب إليّ عمر إن عفا فأجز عفوه في نفسه، وإن افتري على أبويه وقد هلكا أو أحدهما فخذ له بكتاب الله إلّا أن يريد سترا قال يحيى: سمعت مالكا يقول: وذلك أن يكون الرّجل المفترى عليه يخاف إن كشف ذلك منه أن تقوم عليه بيّنة فإذا كان على ما وصفت فعفا جاز عفوه) * «3» . 5- * (عن أبي الزّناد أنّه قال: جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين، قال أبو الزّناد: فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان، والخلفاء هلمّ جرّا فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين) * «4» . من مضار (الافتراء) (1) الافتراء أعظم من الكذب وأشدّ خطرا على المجتمع. (2) وسيلة لدمار صاحبه ومن حوله. (3) الافتراء يسخط الجبّار وطريق إلى النّار. (4) يسقط عدالة صاحبه بين النّاس. (5) يصبح المفتري مهينا محتقرا بين النّاس. (6) دليل ضعف الإيمان.   (1) سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض: هكذا هو في الأصول: ما بين السماء إلى الأرض، وهو صحيح، وأما عظم خلقه فضبط على وجهين: أحدهما عظم بضم العين وسكون الظاء. والثاني عظم بكسر العين وفتح الظاء، وكلاهما صحيح. (2) مسلم (177) . (3) تنوير الحوالك- الموطأ (3/ 45- 46) . (4) تنوير الحوالك- الموطأ (3/ 45) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3945 إفشاء السر الإفشاء لغة: مصدر قولهم: أفشيت كذا أفشيه، وهو مأخوذ من مادّة (ف ش و) الّتي تدلّ على الظهور، يقول ابن فارس: الفاء والشّين والحرف المعتلّ كلمة «1» واحدة وهي (تعني) ظهور الشّيء، يقال: فشا الشّيء: ظهر «2» ، وقال الجوهريّ: يقال: فشا الشّيء يفشو فشوّا أي ذاع، وأفشاه غيره (أذاعه ونشره) ، وتفشّى الشّيء، اتّسع «3» ، وقال الفيروز اباديّ: يقال: فشا خبره وعرفه وفضله فشوا وفشوّا وفشيّا أي انتشر، والفواشي ما انتشر من المال كالغنم السّائمة والإبل وغيرها، وتفشّاهم المرض، وتفشّى بهم: كثر فيهم، وفشت القرحة: اتّسعت «4» ، وبهذا الّذي ذكره الفيروز آباديّ يتّضح معنى قول ابن منظور: أنّ الفشوّ بمعنى الظّهور عامّ في كلّ شيء وأنّ منه «إفشاء السّرّ» «5» . السّرّ لغة: انظر صفة كتمان السر. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 16/ 16 إفشاء السّرّ اصطلاحا: قال الجاحظ: إفشاء السّرّ: خلق مركّب من الخرق والخيانة، فإنّه ليس بوقور من لم يضبط لسانه، ولم يتّسع صدره لحفظ ما يستسرّ به «6» . وقال السّفّارينيّ: إفشاء السّرّ نشره وإذاعته (بين النّاس) ، والسّرّ هو ما يكتم في النّفس كالسّريرة «7» ، وقال الكفويّ: إفشاء السّرّ يكون بالكتابة والإشارة والكلام «8» . حكم إفشاء السّرّ: قال السّفّارينيّ: يحرم على كلّ مكلّف إفشاء السّرّ، قال: ولعلّه يحرم حيث أمر بكتمه، أو دلّته قرينة على (ضرورة) كتمانه، أو كان ممّا يكتم عادة، وقيل: الّذي يحرم هو إفشاء السّرّ المضرّ (كما في الرّعاية) «9» . وقال الغزاليّ: هو منهيّ عنه لما فيه من الإيذاء والتّهاون بحقّ المعارف والأصدقاء، وهو حرام إذا كان فيه إضرار، وهو من قبيل اللّؤم إن لم يكن فيه إضرار «10» وذكر ابن بطّال أنّ الّذي عليه أهل العلم أنّ السّرّ لا   (1) تعني عبارة ابن فارس انه لا يستعمل من هذه المادة سوى فشى وما اشتق منها، ولهذا معنى واحد هو الظهور. (2) مقاييس اللغة (4/ 504) . (3) الصحاح (6/ 2455) . (4) القاموس المحيط (فشا) (1703) (ط. بيروت) . (5) انظر لسان العرب (فشا) (3418) (ط. دار المعارف) . (6) تهذيب الأخلاق (30) . (7) بتصرف عن غذاء الالباب، شرح منظومة الآداب (1/ 115) . (8) الكليات للكفوي (14) . (9) غذاء الألباب (1/ 116) . (10) إحياء علوم الدين (3/ 132) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3946 يباح به إذا كان على صاحبه منه مضرّة «1» . حكم إفشاء السّرّ بعد موت صاحبه: قال ابن بطّال: أكثر العلماء على أنّه إذا مات صاحب السّرّ فإنّه لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلّا أن يكون عليه فيه غضاضة، وقال ابن حجر: الّذي يظهر أنّ الإفشاء بعد الموت ينقسم إلى: 1- ما يحرم إذا كان فيه غضاضة على صاحبه. 2- ما يكره مطلقا. 3- ما يباح 4- ما يستحبّ ذكره- وإن كرهه صاحب السّرّ كأن يكون فيه تزكية أو منقبة أو نحو ذلك «2» . هل يجوز إفشاء السّرّ للمصلحة؟: قال العزّ بن عبد السّلام: السّتر على النّاس شيمة الأولياء، ويؤخذ من كلامه أنّه قد يجوز الإفشاء إذا كان في ذلك مصلحة، أو دفع ضرر، واستدلّ على ذلك بما ذكره القرآن الكريم من إفشاء يوسف عليه السّلام بسرّ الّتي راودته عن نفسه، وسرّ النّسوة اللّاتي قطّعن أيديهنّ، قال العزّ: وإنّما قال يوسف عليه السّلام هي راودتني عن نفسي ليدفع عن نفسه ما تعرّض له- أو ما يمكن أن يتعرّض له- من قتل أو عقوبة، وكذلك قوله ما بال النّسوة اللّاتي قطّعن أيديهنّ، ليدفع التّهمة عن نفسه، فإنّ الملك لو اتّهمه لم يولّه، ولم يحمل على إحسان الولاية «3» . الدافع إلى إفشاء السر ودلالته: قال الرّاغب: إذاعة السّرّ من قلّة الصّبر وضيق الصّدر، ولا يوصف به إلّا ضعفة الرّجال والصّبيان والنّساء. وقال الماورديّ: في الاسترسال بإبداء السّرّ دلائل على ثلاث أحوال مذمومة: إحداها: ضيق الصّدر وقلّة الصّبر حتّى إنّه لم يتّسع لسرّ ولم يقدر على صبر، وقال الشّاعر في ذلك: إذا المرء أفشى سرّه بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق الثّانية: الغفلة عن تحذّر العقلاء، والسّهو عن يقظة الأذكياء، وقال بعض الحكماء: انفرد بسرّك ولا تودعه حازما فيزلّ ولا جاهلا فيخون. الثّالثة: ما ارتكبه من الغرر، واستعمله من الخطر، وقد قال بعض الحكماء: سرّك من دمك فإذا تكلّمت به فقد أرقته «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الفضح- انتهاك الحرمات- الخيانة- نقض العهد- الخيانة- البذاءة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: كتمان السر- الأمانة- الصمت وحفظ اللسان- الوفاء- الوقار- إقامة الشهادة- الستر] .   (1) فتح الباري (11/ 85) . (2) السابق، الصفحة نفسها، ولم يذكر ابن حجر متى يباح ومتى يكره، ويبدو أن ذلك يتوقف على مدى النفع أو الضرر الذي يترتب على الإفشاء. (3) شجرة المعارف والأحوال للمعز بن عبد السلام (389- 390) (بتصرف) . (4) أدب الدنيا والدين للماوردي (295- 296) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3947 الآيات الواردة في النهي عن «إفشاء السّرّ» معنى 1- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) «2» 3- إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) «3» 4- وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) «4»   (1) النساء: 105- 107 مدنية (2) الأنفال: 27 مدنية (3) الحج: 38 مدنية (4) التحريم: 3- 4 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3948 الأحاديث الواردة في ذمّ (إفشاء السر) 1- * (عن ثابت عن أنس- رضي الله عنهما- قال: مرّ بي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا العب مع الصّبيان فسلّم علينا ثمّ دعاني فبعثني إلى حاجة له، فجئت وقد أبطأت عن أمّي، فقالت: ما حبسك؟ أين كنت؟ فقلت: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى حاجة فقالت أي بنيّ وماهي؟ فقلت: إنّها سرّ، قالت: لا تحدّث بسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا، ثمّ قال: يا ثابت لو كنت حدّثت به أحدا لحدّثتك يا ثابت) * «1» . 2- * (عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: سمعت أنس بن مالك (يقول) : أسرّ إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سرّا فما أخبرت به أحدا بعده «2» ، ولقد سألتني أمّ سليم فما أخبرتها به) * «3» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من غسّل ميّتا فأدّى فيه الأمانة ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» ، قال: «ليله «4» أقربكم منه إن كان يعلم «5» فإن كان لا يعلم فمن ترون أنّ عنده حظّا من ورع» ) * «6» . 4- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاة، ونحن ستّة نفر بيننا بعير نعتقبه «7» ، قال: فنقبت أقدامنا «8» ، فنقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنّا نلفّ على أرجلنا الخرق، فسمّيت غزوة ذات الرّقاع «9» ، لما كنّا نعصّب على أرجلنا من الخرق، قال أبو بردة: فحدّث أبو موسى بهذا الحديث، ثمّ كره ذلك قال: كأنّه كره أن يكون شيئا «10» من عمله أفشاه به) * «11» . 5- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: بينما نحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صفوفنا في الصّلاة، صلاة الظّهر أو العصر، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتناول شيئا ثمّ تأخّر فتأخّر النّاس، فلمّا قضى الصّلاة قال له أبيّ بن   (1) أحمد- المسند 3 (253) ، وأصل الحديث في الصحيحين. انظر الفتح (11/ 85) ، ومسلم (2310) . (2) قال ابن حجر: قال بعض العلماء: كأن هذا السر كان يختص بنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإلا فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه- فتح الباري 11 (85) . (3) البخاري- الفتح 11 (6289) . (4) ليله أي يتولى غسله. (5) إن كان يعلم، أي يعلم كيف يغسله. (6) أحمد- المسند 6 (119- 120) ، وفي سنده جابر الجعفي، وهو ضعيف (التقريب 137) وله شواهد تنظر في مجمع الزوائد (3/ 21) والحاكم (1/ 354، 36 وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي. (7) نعتقبه أي نتعاقب عليه في الركوب بحيث يركب كل واحد نوبة ثم ينزل فيركب الآخر وهكذا. (8) نقبت أي تقرحت من الحفاء وكثرة المشي. (9) ما ذكر هنا الصحيح في سبب التسمية، وهناك آراء اخرى منها: أنها سميت بذلك باسم جبل هناك، وقيل باسم شجرة، وقيل لأنه كانت ألويتهم رقاع، ويحتمل انها سميت بمجموع ذلك، انظر هامش 3 في صحيح مسلم (1449) . (10) في رواية البخاري شيء بالرفع على انه فاعل تكون التامة. (11) البخاري- الفتح 7 (4128) ، ومسلم (1816) ، واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3949 كعب: شيئا صنعته في الصّلاة لم تكن تصنعه؟ «1» قال: «عرضت عليّ الجنّة بما فيها من الزّهرة والنّضرة، فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السّماء والأرض، لا ينقصونه شيئا، ثمّ عرضت عليّ النّار، فلمّا وجدت سفعها «2» تأخّرت عنها وأكثر ما رأيت فيها النّساء اللّاتي إن ائتمنّ أفشين، وإن يسألن يبخلن، وإن يسألن ألحفن ... الحديث» ) * «3» . 6- * (عن يحيى بن الجزّار قال: دخل ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أمّ سلمة فقالوا: يا أمّ المؤمنين حدّثينا عن سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: كان سرّه وعلانيته سواء، ثمّ ندمت فقلت: أفشيت سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت فلمّا دخل أخبرته، فقال: «أحسنت» ) * «4» . 7- * (عن سالم بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه سمع عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يحدّث أنّ عمر بن الخطّاب حين تأيّمت «5» حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السّهميّ- وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتوفّي بالمدينة- فقال عمر بن الخطّاب: أتيت عثمان بن عفّان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثمّ لقيني فقال: قد بدا لي ألّا أتزوّج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصّدّيق فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئا، وكنت أوجد عليه «6» منّي على عثمان، فلبثت ليالي، ثمّ خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنكحتها إيّاه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلّك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنّه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلّا أنّي كنت علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو تركها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبلتها) * «7» . 8- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغلته وأردفني خلفه،   (1) المراد ما شأن شيء صنعته في الصلاة لم تكن تصنعه من قبل. (2) قال ابن الأثير في «النهاية» (2/ 374) : يقال: سفعت الشيء إذا جعلت عليه علامة، يريد أثرا من النار. وفي رواية أخرى للحديث عند الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/ 88) والمتقي الهندي في «كنز العمال» (16/ 608) : «فلما وجدت حرّ شعاعها» . (3) أحمد في المسند (3/ 353) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد وروى عن أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال بمثله، وفي الإسنادين عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه ضعف وقد وثّق. مجمع الزوائد (2/ 88) وله شاهد عن أبي سعيد ذكره الهيثمي وقال: رواه أبو يعلى، وإسناده حسن (مجمع الزوائد 10/ 414) . (4) أحمد- المسند 6/ 309) ، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 284) : رواه أحمد والطبراني وقال عن يحيى عن أم سلمة ورجالهما رجال الصحيح. (5) تأيمت أي مات عنها زوجها. (6) أوجد عليه أي أكثر غضبا منه. (7) البخاري- الفتح 9 (152) ، وأحمد في المسند 3 (1753) ، واللفظ للبخاري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3950 وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا تبرّز كان أحبّ ما تبرّز فيه هدف يستتر به أو حائش نخل، فدخل حائطا «1» لرجل من الأنصار، فإذا فيه ناضح «2» له، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه وسراته «3» فسكن، فقال: من ربّ هذا الجمل؟ فجاء شابّ من الأنصار فقال أنا، فقال: ألا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي تملّكك الله إيّاها؟ فإنّه شكاك إليّ، وزعم أنّك تجيعه وتدئبه «4» ثمّ ذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحائط وقضى حاجته، ثمّ توضّأ، ثمّ جاء والماء يقطر من لحيته على صدره، فأسرّ إليّ شيئا لا أحدّث به أحدا، فحرّجنا «5» عليه أن يحدّثنا فقال: لا أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه حتّى ألقى الله (تعالى)) * «6» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده، لم يغادر منهنّ واحدة فأقبلت فاطمة تمشي. ما تخطيء مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، فلمّا رآها رحّب بها. فقال: «مرحبا بابنتي» ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا. فلمّا رأى جزعها سارّها الثّانية فضحكت. فقلت لها. خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين نسائه بالسّرار، ثمّ أنت تبكين، فلمّا قام رسول صلّى الله عليه وسلّم سألتها: ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه. قالت: فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: عزمت عليك بمالي عليك من الحقّ لما حدّثتني ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: أمّا الآن فنعم. أمّا حين سارّني في المرّة الأولى فأخبرني: «أنّ جبريل كان يعارضه القرآن في كلّ سنة مرّة أو مرّتين، وإنّه عارضه الآن مرّتين وإنّي لا أرى «7» الأجل إلّا قد اقترب، فاتّقي الله واصبري. فإنّه نعم السّلف أنالك» قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت، فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية فقال: يا فاطمة: أما ترضي أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟» قالت: فضحكت ضحكي الّذي رأيت» ) * «8» . 10- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرّجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثمّ ينشر سرّها، وفي رواية: من أشرّ النّاس» ) * «9» .   (1) الحائط: هو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار. (2) لناضح: هو البعير يستقى عليه. (3) الذفري في البعير: أصل أذنه، والسراة من كل شيء ظهره وأعلاه. (4) تدئبه، أي تكده وتتعبه. (5) حرجنا عليه أي الححنا عليه وضيقنا من الحرج وهو الضيق. (6) أحمد- المسند 3 (1754) ، تحقيق الشيخ أحمد شاكر قال: وإسناده صحيح، أبو داود (2549) ، والحاكم (2/ 99، 100) وصححه وأقره الذهبي. (7) لا أرى: أى لا أظن. (8) البخاري- الفتح 7 (3715، 3716) ، ومسلم (2450) واللفظ له. (9) مسلم (1437) واللفظ له، وأبو داود 4 (4870) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3951 الأحاديث الواردة في ذمّ (إفشاء السر) معنى 11- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلّا وهديا «1» برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قالت: وكانت إذا دخلت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته وأجلسته في مجلسها، فلمّا مرض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخلت فاطمة فأكبّت عليه فقبّلته، ثمّ رفعت رأسها فبكت، ثمّ أكبّت عليه، ثمّ رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إن كنت لأظنّ أنّ هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النّساء، فلمّا توفّي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت لها: أرأيت حين كببت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرفعت رأسك فبكيت، ثمّ أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟. قالت: إنّي إذا لبذرة «2» . أخبرني أنّه ميّت من وجعه هذا فبكيت، ثمّ أخبرني أنّي أسرع أهله لحوقا به فذاك حين ضحكت» ) * «3» . 12- * (جاء في حديث أمّ زرع: عن عائشة- رضي الله عنها- « ... جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «4» ، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «5» ، ولا تملأ «6» بيتنا تعشيشا.. الحديث» ) * «7» . 13- * (جاء في حديث هند بن أبي هالة في وصف مجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صفة مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم « ... وذكر مجلسه فقال: مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته «8» ، ... » ) * «9» . 14- * (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- أنّها كانت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والرّجال والنّساء قعود عنده فقال: لعلّ رجلا يقول ما فعل بأهله، ولعلّ امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأرمّ القوم «10» ، فقلت إي والله يا رسول الله إنّهم ليفعلون وإنّهنّ ليفعلن، قال: فلا تفعلوا، فإنّما مثل ذلك مثل شيطان لقي   (1) السمت والدل والهدى: ألفاظ متقاربة المعاني، ومعناها الهيئة والطريقة وحسن الحال. (2) البذرة: مؤنث بذر ككتف: وهو الذي يفضي بالسر وينشر ما يسمعه ولا يستطيع كتمه. (3) الترمذي رقم (3872) وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن عائشة، ورواه بهذا السياق الحاكم (4/ 273) وصححه ووافقه الذهبي. (4) لا تبث حديثنا لا تشيعه وتفشيه وإنما تكتم سرنا وحديثنا كله. (5) لا تنقث ميرتنا تنقيثا، الميرة الطعام المجلوب، والمعنى لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به، والمراد وصفها بالامانة. (6) ولا تملأ بيتنا تعشيشا: معناه لا تترك الكناسة والقمامة فيه مغرقة كعش الطائر، أي أنها تنظف البيت وتعتني به. (7) هذا جزء من حديث طويل ذكرناه غير مرة، والجزء المستشهد به في مسلم 4 (1900) ، ضمن الحديث (2448) . (8) لا تنثى فلتاته. الفلتات: الزّلّات، جمع فلتة. أي لم يكن في مجلسه زلّات فتحفظ وتحكى. «النهاية» (3/ 468) . (9) منال الطالب، شرح طوال الغرائب (ص 199) ، وانظر تعليق وتخريج المحقق فهو في غريب الحديث 1/ 487- 507، وانظر الشمائل للترمذي بشرح علي القاري 1/ 39. (10) أرم القوم أي سكتوا، وقيل: سكتوا من خوف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3952 شيطانة فغشيها «1» والنّاس ينظرون..) * «2» . 15- * (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا حدّث الرّجل بالحديث ثمّ التفت فهي أمانة» ) «3» . 16- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله عنه- عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) ، فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة «4» ، فتبرّز، ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال: واعجبا لك يا ابن عبّاس، عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله، وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني. فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم. فقلت: خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك. ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثمّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم، قلت، ما هو، أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه: قال قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ أنّ هذا يوشك أن يكون، فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ   (1) غشيها واقعها وارتكب معها الفاحشة. (2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب في باب إفشاء السر 3/ 86 هكذا، وهو عند احمد 2/ 541 وابي داود 2/ 52- 254 (رقم 2173) وقد روياه مطولا ضمن حديث أبي هريرة وأصله عند مسلم (1427) . (3) أبو داود (4868) واللفظ له، والترمذي (1959) وقال: حديث حسن، وأحمد في المسند (3/ 324) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 247) ، ومجمع الزوائد (8/ 98) والصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا (449) حديث رقم (404) ، وقال محققه: حديث حسن، والألباني في صحيح الجامع، حديث رقم (486) وحسنه. (4) الاداوة: اناء صغير من جلد يتخذ للماء (النهاية لابن الاثير 1/ 33) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3953 صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له «1» فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟ أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري. هو ذا في المشربة. فخرجت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا، ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة التي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله- فلمّا ولّيت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكيء على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلّمت عليه، ثم قلت وأنا قائم: طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: لا. ثمّ قلت وأنا قائم أستأنس «2» : يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم.. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة «3» ثلاث، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال: أو في شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا. فقلت: يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله، فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين، قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال: إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك. قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك- ثمّ قال: إنّ الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ- إلى قوله- عَظِيماً قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة» . «4»   (1) المشربة: الغرفة، تقال بضم الراء وفتحها. (2) «وأنا قائم أستأنس» قال ابن حجر المعنى: أقول قولا أستكشف به هل ينبسط لي أم لا، ويحتمل أن يكون استفهاما محذوف الأداة أي أأستأنس يا رسول الله؟ (3) أهبة.. جمع إهاب وهو الجلد قبل ان يدبغ (النهاية/ 1/ 83) . (4) البخاري- الفتح 5 (2468) ، 9 (5191) ، ورواه مسلم مختصرا في 2 (1083) والنسائي 4 (2131) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3954 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (إفشاء السر) 1- * (يروى أنّ معاوية- رضي الله عنه- أسرّ إلى الوليد بن عتبة حديثه فقال عتبة لأبيه: يا أبت إنّ أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك، قال: فلا تحدّثني به، فإنّ من كتم سرّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال: فقلت: يا أبت، وإنّ هذا ليدخل بين الرّجل وابنه؟ فقال: لا والله يا بنيّ ولكن أحبّ ألّا تذلّل لسانك بأحاديث السّرّ، قال: فأتيت معاوية فأخبرته فقال: يا وليد أعتقك أبوك من رقّ الخطإ فإفشاء السّرّ خيانة» ) * «1» . 2- * (قال الحسن- رضي الله عنه-: إنّ من الخيانة أن تحدّث بسرّ أخيك) * «2» . 3- عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: عجبت من الرّجل يفرّ من القدر وهو مواقعه، ويرى القذاة في عين أخيه ويدع الجذع «3» في عينيه، ويخرج الضّغن «4» من نفس أخيه، ويدع الضّغن في نفسه، وما وضعت سرّي عند أحد فلمته على إفشائه، وكيف ألومه وقد ضقت به ذرعا» ) * «5» . 4- قال العبّاس لابنه عبد الله: إنّي أرى هذا الرّجل- يعني عمر بن الخطّاب- رضي الله عنهم أجمعين- يقدّمك على الأشياخ فاحفظ عنّي خمسا: لا تفشينّ له سرّا، ولا تغتابنّ عنده أحدا، ولا تجرينّ عليه كذبا، ولا تعصينّ له أمرا، ولا يطّلعنّ منك على خيانة، قال الشّعبيّ، كلّ كلمة من هذه الخمس خير من ألف) * «6» . 5- * (قال الغزاليّ: أفشى بعضهم سرّا له إلى أخيه، ثمّ قال له: هل حفظت؟ قال: بل نسيت) * «7» . 6- * (قال الثوريّ: إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه، ثمّ دسّ عليه من يسأله عنك وعن أسرارك، فإن قال خيرا وكتم سرّك فاصحبه) * «8» . 7- * (وقال ذو النّون المصري: لا خير في صحبة من لا يحبّ أن يراك إلّا معصوما، ومن أفشى السّرّ عند الغضب فهو اللّئيم لأنّ إخفاءه عند الرّضا تقتضيه الطّباع السّليمة كلّها) * «9» . 8- قال أبو حاتم: الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز، وما كتمه المرء من عدوّه، فلا يجب أن   (1) إحياء علوم الدين 3/ 132. (2) السابق، الصفحة نفسها. (3) يدع الجذع في عينه، الجذع ساق النخلة والمراد أنه يرى عيبه صغيرا أو عيب غيره كبيرا. (4) الضغن بكسر الضاد، الحقد كالضغينة. (5) فضل الله الصمد 2 (334) (باب إفشاء السر) (886) . (6) إحياء علوم الدين للغزالي 2/ 195. (7) إحياء علوم الدين 2/ 195. (8) السابق، الصفحة نفسها، وعلاقة هذا بالإفشاء أن من ذكر الشر وأفشى السر ينبغي ألا يصاحب أو يتخذ صديقا. (9) إحياء علوم الدين 2/ 195. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3955 يظهره لصديقه وكفى بذوي الألباب عبرا ما جرّبوا، ومن استودع حديثا فليستره، ولا يكن مهتاكا ولا مشياعا لأنّ السّرّ إنّما سمّي سرّا لأنّه لا يفشى) * «1» . 9- * (قال أبو المعتمر البصريّ: تعلّمت الصّمت في عشر سنين، وما قلت شيئا قطّ إذا غضبت، أندم عليه إذا زال غضبي) * «2» . 10- * (وقال الحسن البصريّ- رضي الله عنه- لا تستقيم أمانة رجل حتّى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتّى يستقيم قلبه) * «3» . 11- * (عن عطاء- رضي الله عنه- قال: كانوا يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدّون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه أو أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك بما لا بدّ لك منه) «4» . 12- * (عن عبد الله بن المبارك- رضي الله عنه- قال: عجبت من اتّفاق الملوك كلّهم على كلمة: قال كسرى: إذا قلت ندمت وإذا لم أقل لم أندم، وقال قيصر: أنا على ردّ ما لم أقل أقدر منّي على ردّ ما قلت، وقال ملك الهند: عجبت لمن تكلّم بكلمة إن هي رفعت ضرّته «5» وإن هي لم ترفع لم تنفعه، وقال ملك الصّين: إن تكلّمت بكلمة ملكتني وإن لم أتكلّم بها ملكتها) * «6» . 13- * (قال السّفارينيّ: قال الحكماء: ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها، شرب السّمّ للتّجربة، وإفشاء السّرّ إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة، وركوب البحر وإن كان فيه غنى) * «7» . 14- * (وقال أيضا: يروى أنّ أصبر النّاس من لا يفشي سرّه إلى صديقه مخافة التّقلّب يوما ما) * «8» . 15- * (وقال بعض الشّعراء: إذا ضاق صدرك عن حديث ... فأفشته الرّجال فمن تلوم؟ إذا عاتبت من أفشى حديثي ... وسرّي عنده فأنا الظّلوم فإنّي حين أسام حمل سرّي ... وقد ضمّنته صدري مشوم ولست محدّثا سرّي خليلي ... ولا عرسي إذا خطرت هموم وأطوي السّرّ دون النّاس إنّي ... لما استودعت من سرّ كتوم) * «9» . 16- * (وقال آخر: لا تودعنّ ولا الجماد سريرة ... فمن الجوامد ما يشير وينطق وإذا المحكّ أذاع سرّ أخ له ... وهو الجماد فمن به يستوثق) * «10» .   (1) روضة العقلاء (255) . (2) نزهة الفضلاء 1/ 397. (3) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 400. (4) الآداب الشرعية 1/ 34. (5) رفع الكلمة هنا يعني إفشاءها ومعرفة الناس بها. (6) الآداب الشرعية 1/ 34. (7) غذاء الألباب 1/ 117. (8) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (9) غذاء الألباب 1/ 117. (10) غذاء الألباب 1/ 118. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3956 من مضار (إفشاء السر) (1) إفشاء السّرّ دليل الغفلة عن تفطّن العقلاء والسّهو عن يقظة الأذكياء (كما قال الماورديّ) . (2) إفشاء السّرّ خيانة للأمانة ونقض للعهد. (3) إفشاء السّرّ فيه ارتكاب للغرر وتعرّض للخطر. (4) إفشاء السّرّ دليل على لؤم الطّبع وفساد المروءة. (5) إفشاء السّرّ دليل على قلّة الصّبر وضيق الصّدر. (6) إفشاء السّرّ- خاصّة عند الغضب- يعقب النّدم والحسرة في نفس صاحبه. (7) إفشاء الأسرار إخلال بالمروءة وإفساد للصّداقة، ومدعاة للتّنافر. (8) إفشاء الرّجل سرّ امرأته، وإفشاء المرأة سرّ زوجها يجعل كلّا منهما بمثابة الشّيطان ويخلّ بفضيلة الحياء. (9) إفشاء السّرّ من فضول الكلام الّذي يعاب عليه صاحبه. (10) إفشاء السّرّ يفقد الثّقة بين من أفشيت له بالسّرّ والمفشي، لأنّ المفضى إليه بالسّرّ سيعلم أنّ من أفشى له سيفشي عليه لأنّ من نمّ لك نمّ عليك ولا فرق بين الحالتين. (11) إفشاء السّرّ من مقتضيات الجهل كما أنّ حفظه من سمة العقلاء. (12) في إذاعة السّرّ ما يجلب العار والفضيحة للمفشي عندما يعرف بذلك من استودعه هذا السّرّ. (13) إفشاء السّرّ فيه ذلّ لصاحبه. (14) إفشاء السّرّ- خاصّة ما يتعلّق بالميّت- يعرّض صاحبه لعذاب الله (انظر الحديث رقم 3) . (15) إفشاء السّرّ يدخل صاحبه النّار في الآخرة، ويعقب النّدم والحسرة في الدّنيا. (انظر الحديث رقم 5) . (16) مفشي السّرّ من أشرّ النّاس (انظر الحديث رقم 10) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3957 الإفك الإفك لغة: مصدر قولهم: أفك يأفك وهو مأخوذ من مادّة (أف ك) الّتي تدلّ على قلب الشّيء وصرفه عن جهته، يقال: أفكت الرّجل عن الشّيء إذا صرفته عنه، قال تعالى: قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا (الأحقاف/ 22) استعملوا الإفك في ذلك لما اعتقدوا أنّ ذلك صرف لهم من الحقّ إلى الباطل، واستعمل ذلك في الكذب مطلقا. والمؤتفكات: الرّياح الّتي تختلف مهابّها، أو الّتي تعدل وتنصرف عن مهابّها، والمؤتفكات (أيضا) المدن الّتي قلبها الله على قوم لوط عليه السّلام، والإفك: كلّ مصروف عن وجهه الّذي يستحقّ أن يكون عليه، وقول الله- عزّ وجلّ- قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (المنافقون/ 4) معناه كما يقول الرّاغب- يصرفون عن الحقّ في الاعتقاد إلى الباطل، ومن الصّدق في المقال إلى الكذب، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح، وقول الله سبحانه: أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (الصافات/ 86) يصحّ أن يكون تقديره: أتريدون آلهة من الإفك، وأن يكون قد سمّى الآلهة إفكا، قال القرطبيّ: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 22/ 2/ 7 ويجوز أن يكون معناه: أتريدون آلهة من دون الله آفكين «1» . ويقال: رجل مأفوك أي مصروف من الحقّ إلى الباطل وعن العقل إلى الخيال، ومن ذلك ما جاء في حديث عرض نفسه صلّى الله عليه وسلّم على قبائل العرب «لقد أفك قوم كذّبوك..» أي صرفوا عن الحقّ ومنعوا منه. قال الجوهريّ: الإفك: الكذب، وكذلك الأفيكة، والجمع الأفائك، والأفك بالفتح مصدر قولك أفكه يأفكه، والمأفوك: المأفون هو ضعيف العقل والرّأي، ورجل مأفوك (أيضا) لا يصيب خيرا، وأرض مأفوكة: لم يصبها مطر وليس بها نبات، وقال ابن منظور: يقال: أفك يأفك وأفك يأفك إفكا وأفوكا وأفكا وأفكا إذا كذب. وأفك النّاس: كذبهم، وحدّثهم بالباطل. والإفك: الكذب، والإثم، وجمعه الأفائك، والأفك- بالفتح- مصدر قولك أفكه عن الشّيء يأفكه أفكا، صرفه عنه وقلبه، وفي التّنزيل يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ، قال الفرّاء: يريد: يصرف عن الإيمان من صرف.   (1) تفسير القرطبي (15/ 62) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3958 والأفّاك: الّذي يأفك النّاس أي يصدّهم عن الحقّ بباطله، قال شمر: وأفك الرّجل عن الخير قلب عنه وصرف «1» . الإفك اصطلاحا: قال المبرّد: الإفك أسوأ الكذب، وهو الّذي لا يثبت ويضطرب «2» . وقال النّيسابوريّ: الإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء، وقيل هو: البهتان «3» . وقال المناويّ: الإفك: كلّ مصروف عن وجهه الّذي يحقّ أن يكون عليه «4» . وقال ابن كثير: الإفك: الكذب والبهت والافتراء «5» . من معاني الإفك الواردة في القرآن الكريم: أحدها: الكذب، ومنه قوله تعالى في الأحقاف: فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ «6» ، وفيها وَذلِكَ إِفْكُهُمْ «7» . والثّاني: الصّرف، ومنه قوله تعالى في الأحقاف: أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا «8» ، وفي الذّاريات يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ «9» ، ومثله فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ* «10» أي: تصرفون عن الحقّ. والثّالث: القلب، ومنه قوله تعالى في براءة: وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ «11» ، قال الزّجّاج: المؤتفكات جمع مؤتفكة، ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت. وفي النّجم: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى «12» . والرّابع: السّحر، ومنه قوله تعالى في الأعراف والشّعراء فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ* «13» . والخامس: القذف، ومنه قوله تعالى في النّور إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ «14» ، والمراد به: قذف عائشة- رضي الله عنها- «15» . [للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة الافتراء- البهتان- الكذب- شهادة الزور- النميمة. وفي ضد ذلك: انظر صفتي: الصمت وحفظ اللسان- الاستقامة- الأمانة- الأدب] .   (1) مقاييس اللغة (1/ 118) المفردات للراغب (ص 19) ، بصائر ذوي التمييز (2/ 101) ، النهاية (1/ 56) ، والصحاح (4/ 1572) ، ولسان العرب. (2) تفسير القرطبي (15/ 62) . (3) رغائب الفرقان (المنشور بهامش تفسير الطبري (18/ 62) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (57) . (5) تفسير ابن كثير (مج 3، ج 18، ص 283) . (6) آية: 11. (7) آية: 28. (8) آية: 22. (9) آية: 9. (10) سورة الأنعام: آية 95. (11) آية: 70. (12) آية: 53. (13) الأعراف: آية 117، الشعراء: آية 45. (14) آية: 11. (15) نزهة الأعين النواظر (138- 139) ، بصائر ذوي التمييز (2/ 101) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3959 الآيات الواردة في «الإفك» 1- مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) «1» 2- إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) «2» 3- قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) «3» 4- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) «4» 5- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) «5» 6- إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) «6» 7- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) «7» 8- قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) «8» 9- هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) «9»   (1) المائدة: 75 مدنية (2) الأنعام: 95- 96 مكية (3) الأعراف: 116- 118 مكية (4) التوبة: 30 مدنية (5) يونس: 34 مكية (6) النور: 11- 12 مدنية (7) الفرقان: 4 مكية (8) الشعراء: 43- 46 مكية (9) الشعراء: 221- 223 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3960 10- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) «1» 11- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) «2» 12- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) «3» 13- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) «4» 14- يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) «5» 15- وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) «6» 16- أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) «7» 17- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) «8» 18- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) «9» 19- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) «10»   (1) العنكبوت: 16- 17 مكية (2) العنكبوت: 61 مكية (3) الروم: 55 مكية (4) سبأ: 43 مكية (5) فاطر: 3 مكية (6) الصافات: 83- 86 مكية (7) الصافات: 151- 152 مكية (8) غافر: 61- 63 مكية (9) الزخرف: 87 مكية (10) الجاثية: 7- 10 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3961 20- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) «1» 21- فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) «2» 22- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) «3»   (1) الأحقاف: 11 مكية (2) الأحقاف: 28 مكية (3) المنافقون: 1- 4 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3962 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإفك) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة، وكان نبيّ الله موسى- عليه السّلام- منه الحياء والسّتر، وكان يستتر إذا اغتسل، فطعنوا فيه بعورة، قال: فبينما نبيّ الله موسى- عليه السّلام- يغتسل يوما وضع ثيابه على صخرة فانطلقت الصّخرة بثيابه فاتّبعها نبيّ الله ضربا بعصاه وهو يقول: ثوبي يا حجر، ثوبي يا حجر، حتّى انتهى به إلى ملأ من بني إسرائيل وتوسّطهم فقامت، وأخذ نبيّ الله ثيابه فنظروا فإذا أحسن النّاس خلقا، وأعدلهم صورة، فقالت بنو إسرائيل: قاتل الله أفّاكي بني إسرائيل، فكانت براءته الّتي برّأه الله- عزّ وجلّ- بها» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل «2» ، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل، فمشيت حتّى جاوزت الجيش، فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل، فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «3» قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب، وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا، لم يهبّلن «4» ولم يغشهنّ اللّحم، إنّما يأكلن العلقة «5» من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيمّمت «6» منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ قد عرّس «7» من وراء الجيش فأدلج «8» فأصبح عند   (1) أحمد في المسند (2/ 392) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريجه (17/ 135) ، إسناده صحيح. وأصله في الصحيحين، البخاري- الفتح 6 (3404) . (2) وقفل: أي رجع. (3) عقدي من جزع ظفار: والعقد: نحو القلادة، والجزع: خرز يماني. وظفار: قرية باليمن. (4) لم يهبلن: يقال: هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه. (5) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة. (6) تيممت: أي قصدت. (7) عرّس: التعريس الذي يسير نهاره ويعرس أي ينزل أول الليل، وقيل: آخر الليل. (8) فأدلج: الإدلاج هو السير أول الليل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3963 منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي، وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته، فوطيء على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الرّاحلة. حتّى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة «1» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره «2» عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» فذاك يريبني، ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «3» وهو متبرّزنا. وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأوّل في التّنزّه «4» . وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم ابن المطّلب بن عبد مناف، وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد ابن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي، حين فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «5» قالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا؟. قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلّم ثمّ قال: «كيف تيكم؟» قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت، وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه! ما يتحدّث النّاس؟ فقالت: يا بنيّة، هوّني عليك، فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «6» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله! وقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت، فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «7» لي دمع ولا أكتحل بنوم «8» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «9» يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله   (1) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر. (2) كبره: أي معظم القول فيه. (3) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها. (4) التنزه: أي التباعد عن البيوت. (5) في مرطها: المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره. (6) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن. (7) لا يرقأ: أي لا ينقطع. (8) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام. (9) استلبث الوحي: أي أبطأ ولبث ولم ينزل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3964 هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك، والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «1» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «2» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «3» من عبد الله بن أبيّ ابن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن اجتهلته الحميّة «4» فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان: الأوس والخزرج «5» حتّى همّوا أن يقتتلوا، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثمّ بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت الممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي «6» حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة   (1) أغمصه عليها: أي أعيبها به. (2) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين. (3) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر. (4) اجتهلته الحمية: أي استخفته وأغضبته وحملته على الجهل. (5) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية. (6) قلص دمعي: أي ارتفع وذهب لاستعظام ما يعيبني من الكلام. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3965 السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به، فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني، وإنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأنّ الله مبرّئي ببراءتي، ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى.، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «2» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «3» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر: وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا، بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «4» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «5» فهلكت فيمن هلك) * «6» .   (1) ما رام: أي ما فارق. (2) البرحاء: هي الشدة. (3) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن. (4) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم. (5) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك. (6) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (2770) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3966 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإفك) معنى انظر صفة الكذب وشهادة الزور من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الإفك) 1- * (حدّث سعيد بن وهب قال: كنت عند عبد الله بن الزّبير فقيل له: إنّ المختار يزعم أنّه يوحى إليه فقال: صدق. ثمّ تلا هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (الشعراء/ 221- 222) * «1» . 2- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ: أي كذوب في قوله، فاجر في أفعاله فهذا الّذي تنزّل عليه الشّياطين من الكهّان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة) * «2» . 3- * (قال ابن جرير الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ أيّها النّاس عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ من النّاس تنزّل على كلّ أفّاك يعني كذّاب بهّات أَثِيمٍ «3» . 4- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ أي يا آل أبي بكر بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (النور/ 11) أي في الدّنيا والآخرة، لسان صدق في الدّنيا ورفعة منازل في الآخرة وإظهار شرف لهم باعتناء الله تعالى بعائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- حيث أنزل براءتها في القرآن العظيم الّذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ (فصلت/ 42) ، ولهذا لمّا دخل عليها ابن عبّاس- رضي الله عنهما وعنها- وهي في سياق الموت قال لها: أبشري فإنّك زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان يحبّك، ولم يتزوّج بكرا غيرك، ونزلت براءتك من السّماء) * «4» . 5- * (وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ أي لكلّ من تكلّم في هذه القضيّة ورمى أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- بشيء من الفاحشة نصيب عظيم من العذاب وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ، قيل: الّذي كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ أي على ذلك، ثمّ الأكثرون على أنّ المراد بذلك إنّما هو   (1) تفسير الطبري (9/ 487) . (2) تفسير ابن كثير (3/ 354) بتصرف. (3) تفسير الطبري (9/ 487) بتصرف. (4) تفسير ابن كثير (3/ 273) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3967 عبد الله بن أبيّ ابن سلول قبّحه الله ولعنه، وهو الّذي تقدّم النّصّ عليه في الحديث، وقال ذلك مجاهد وغير واحد) * «1» . 6- * (وقال ابن جرير: عن محمّد بن عبد الله ابن جحش قال: تفاخرت عائشة وزينب- رضي الله عنهما- فقالت زينب: أنا الّتي نزل تزويجي من السّماء، وقالت عائشة: أنا الّتي نزل عذري في كتاب الله حين حملني صفوان بن المعطّل على الرّاحلة، فقالت لها زينب: يا عائشة ما قلت حين ركبتيها؟، قالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل، قالت: قلت كلمة المؤمنين) * «2» . 7- * (عن مسروق قال: كنت عند عائشة رضي الله عنها- فدخل حسّان بن ثابت فأمرت فألقي له وسادة، فلمّا خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا؟ يعني يدخل عليك، وفي رواية قيل لها: أتأذنين لهذا يدخل عليك، وقد قال الله وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ قالت: وأيّ عذاب أشدّ من العمى، وكان قد ذهب بصره، لعلّ الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم، ثمّ قالت: إنّه كان ينافح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي رواية أنّه أنشدها عندما دخل عليها شعرا يمتدحها به فقال: حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فقالت: أمّا أنت فلست كذلك، وفي رواية: لكنّك لست كذلك) * «3» . من مضار (الإفك) (1) يشيع الفساد في المجتمع. (2) دليل الرّقّة في الدّين وعدم الخوف من ربّ العالمين. (3) يقطّع أواصر الأرحام، ويمزّق الأسر. (4) به تنتهك الأعراض. (5) يورث بغض الله والرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين.   (1) تفسير ابن كثير (3/ 273) . (2) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (3) المرجع السابق (3/ 273، 274) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3968 أكل الحرام الأكل لغة: معروف، وقد تقدّم اشتقاقه في صفة «أكل الطّيّبات» الحرام لغة: الحرام: اسم لما حرّم، وهو مأخوذ من مادّة (ح ر م) الّتي تدلّ على المنع والتّشديد، ومن ذلك: الحرام ضدّ الحلال، والحريم (في الأصل) ما حول البئر، يحرّم على غير صاحبها أن يحفر فيه، والحرمان: مكّة والمدينة، سمّيا بذلك لحرمتهما، وأنّه حرّم فيهما أن يحدث أو يؤوى محدث، والحريم: الّذي حرّم مسّه فلا يدنى منه، والحريم أيضا: الثّوب إذا حرّم لبسه، وكانت العرب إذا حجّوا ألقوا ما عليهم من ثيابهم فلم يلبسوها في الحرم، ويسمّى الثّوب إذا حرّم لبسه الحريم. وقال الرّاغب: الحرام: الممنوع منه، إمّا بتسخير إلهيّ، كما في قوله تعالى: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ (القصص/ 12) ، وإمّا بمنع قهريّ كما في قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ (المائدة/ 72) وإمّا بمنع من جهة الشّرع، كما في قوله الآيات/ الأحاديث/ الآثار 14/ 14/ 10 تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ (الأنعام/ 145) «1» ، وقوله- عزّ وجلّ- في الحديث القدسيّ: «يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي» فمعناه: تقدّست عنه وتعاليت، فهو في حقّه كالشّيء المحرّم على النّاس، والحرمة: ما لا يحلّ انتهاكه «2» ، وكذلك المحرمة والمحرمة (بفتح الرّاء وضمّها) ، وحرمة الرّجل: حرمه وأهله، والحرم ضدّ الحلّ، كما أنّ الحرام ضدّ الحلال، والحرم قد يكون بمعنى الحرام، ونظيره: زمن وزمان، والمحرم: الحرام، يقال: هو ذو محرم منها إذا لم يحلّ له نكاحها، ومحارم اللّيل: مخاوفه الّتي يحرم على الجبان أن يسلكها، والتّحريم ضدّ التّحليل، يقال: حرم الشيء (بالضّمّ) يحرم حرمة وحرما، وحرمه الشّيء يحرمه حرما وحرمة وحريمة وحرمانا وأحرمه أيضا: إذا منعه إيّاه، وأحرم الرّجل: إذا دخل في حرمة لا تهتك، وأحرم: دخل في الشّهر الحرام، وأحرم بالحجّ والعمرة (دخل فيهما) . وقال ابن منظور: الحرم (بالكسر) ، والحرام: نقيض الحلال، ويقال: حرم عليه الشّيء حرما وحراما،   (1) ذكر الراغب (المفردات 114) ، نوعين آخرين هما: الحرام بمنع من جهة العقل، والحرام بمنع من جهة من يرتسم (المرء) أمره، ولم يذكر أمثلة لكليهما، وانظر أيضا، بصائر ذوي التمييز (2/ 454) ، ويمكن التمثيل للأول بتحريم الخبائث وللثاني بتحريم دخول مناطق معينة كأماكن الجيش مثلا. (2) انظر صفة: تعظيم الحرمات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3969 وحرم الشّيء حرمة، والمحرّم: الحرام، والمحارم ما حرّم الله، وحرم مكّة معروف، وهو حرم الله وحرم رسوله صلّى الله عليه وسلّم ويقال: بلد حرام، ومسجد حرام، وشهر حرام، والأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد أي متتابعة وواحد فرد، فالسّرد: ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم والفرد: رجب، وفي التّنزيل العزيز مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ. وجمع المحرم محارم ومحاريم ومحرّمات والإحرام: مصدر أحرم الرّجل يحرم إحراما إذا أهلّ بالحجّ أو العمرة وباشر أسبابهما «1» . الحرام اصطلاحا: قال الكفويّ: الحرام: ما استحقّ الذمّ على فعله، وقيل: ما يثاب على تركه بنيّة التّقرّب إلى الله تعالى. وقيل: الحرام عامّ فيما كان ممنوعا عنه بالقهر والحكم وقيل: هو: ما ثبت المنع عنه بلا أمر معارض له «2» . وقال المناويّ: الحرام: الممنوع منه إمّا بتسخير إلهيّ أو بشريّ وإمّا بمنع من جهة العقل أو الشّرع أو من جهة من يرتسم أمره «3» . أكل الحرام اصطلاحا: هو تناول ما يثاب على تركه تقرّبا لله تعالى من الأطعمة ونحوها ممّا ثبت المنع عنه «4» . تناول الحرام: حكم تناول الحرام العقاب بالفعل، والثّواب بالتّرك إذا كان هذا التّرك لله تعالى، لا بمجرّد التّرك وإلّا لزم أن يكون لكلّ أحد في كلّ لحظة مثوبات كثيرة بحسب كلّ حرام لم يصدر عنه «5» ، وذكر الماورديّ أنّ المحرّمات الّتي يمنع الشّرع منها، واستقرّ التّكليف عقلا «6» أو شرعا بالنّهي عنها تنقسم- بحسب الحكم- إلى قسمين: الأوّل: ما تكون النّفوس داعية إليها، والشّهوات باعثة عليها كالسّفاح وشرب الخمر، فقد زجر الله عنها لقوّة الباعث عليها وشدّة الميل إليها بنوعين من الزّجر: أحدهما عاجل يرتدع به المجترىء على حدود الله، والآخر: وعيد آجل يزدجر به التّقيّ. الثّاني: ما تكون النّفوس نافرة منها، والشّهوات مصروفة عنها كأكل الخبائث والمستقذرات، وشرب السّموم المتلفات وهذه اقتصر المولى سبحانه في الزّجر   (1) مقاييس اللغة (2/ 46) ، المفردات للراغب (114) ، النهاية لابن لأثير (1/ 374) ، الصحاح (5/ 1898) ، لسان العرب (حرم) (844) وما بعدها. ط. دار المعارف. (2) انظر هذه التعريفات في: الكليات (ص 400- 404) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف (ص 137) ، وقد ذكر الفيروز آبادي في البصائر (2/ 454) نحوا من هذا التعريف، وكلاهما ناقل عن الراغب (انظر مفردات الراغب ص 114) ، وقد تصحّفت كلمة الشرع على المناوي فذكرها «البشرية» ولا معنى لها هنا، وقد أثبتنا الصواب اعتمادا على المفردات. (4) استخلصنا هذا التعريف من جملة أقوال المفسرين وعلماء الاصطلاح فيما يتعلق بالأكل والتناول. (5) الكليات للكفوي (ص 404) . (6) المراد بالعقل هنا ما ثبتت حرمته بدليل عقلى كالقياس مثلا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3970 عنها بالوعيد وحده دون الحدّ «1» . لفظ «الحرام» في القرآن الكريم: قال الفيروز آباديّ. ورد الحرام في القرآن على عشرة أوجه: الأوّل: حرام المناكحة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ (النساء/ 23) الآية. الثّاني: حرام الفسق والمعصية إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ (الأعراف/ 33) أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ (الأنعام/ 151) . الثّالث: حرام العجائب والمعجزة وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ (القصص/ 12) . الرّابع: حرام العذاب والعقوبة إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (الأعراف/ 50) فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ (المائدة/ 72) . الخامس: حرام فسخ الشّريعة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ إلى قوله ذلِكُمْ فِسْقٌ (المائدة/ 3) . السّادس: حرام الحرمان والهلكة وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها (الأنبياء/ 95) . السّابع: حرام الشّهوة والهوى وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا (الأنعام/ 138- 139) . الثّامن: حرام النّذر والمصلحة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ (التحريم/ 1) إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ (آل عمران/ 93) . التّاسع: حرام الحظر والإباحة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ (المائدة/ 96) . العاشر: حرام التّوقير والحرمة* رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها (النمل/ 91) «2» . [للاستزادة: انظر صفات: انتهاك الحرمات- التطفيف- الربا- السرقة- الغش- الغلول- الخداع- التناجش. وفي ضد ذلك: انظر صفات: أكل الطيبات- العصيان- الأمانة- التقوى- العمل- العفة- النزاهة] .   (1) بتصرف يسير عن: أدب الدنيا والدين (101) . * وهذا النّوع يأتي على وجوة: الأوّل- وصف المسجد بالحرام لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ، الثّاني: نعت الأشهر بالحرام الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ، الثّالث: دعاء البيت بالحرام جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ. (2) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 454، 455) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3971 الآيات الواردة في «أكل الحرام» المحرم من الأموال: 1- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) «1» 2- وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) «2» 3- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) «4» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «5» 6- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «6»   (1) البقرة: 188 مدنية (2) النساء: 2 مدنية (3) النساء: 6 مدنية (4) النساء: 10 مدنية (5) النساء: 29 مدنية (6) المائدة: 41- 42 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3972 7- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (63) «1» المحرم من الأطعمة: 8- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) «2» 9- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) «3» 10- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «4» 11- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «5» 12- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ   (1) المائدة: 60- 63 مدنية (2) البقرة: 173- 175 مدنية (3) النساء: 160- 161 مدنية (4) المائدة: 3 مدنية (5) الأنعام: 121 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3973 فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) «1» 13- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «2» 14- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) «3»   (1) الأنعام: 145 مكية (2) الأعراف: 157 مكية (3) النحل: 115- 118 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3974 الأحاديث الواردة في النهي عن (أكل الحرام) 1- * (عن المقدام بن معد يكرب، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه، ألا لا يحلّ لكم لحم الحمار الأهليّ ولا كلّ ذي ناب من السّبع، ولا لقطة معاهد إلّا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه «1» فإن لم يقروه فله أن يعقبهم «2» بمثل قراه) * «3» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو بمكّة عام الفتح: «إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة «4» والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السّفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح «5» بها النّاس، فقال: لا، هو، حرام. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إنّ الله لمّا حرّم شحومها جملوه «6» ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه» ) * «7» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليأتينّ على النّاس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن الحلال أم من حرام) * «8» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا أيّها النّاس! إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (المؤمنون/ 51) وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر. أشعث أغبر. يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ! يا ربّ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك؟» ) * «9» . الأحاديث الواردة في النهي عن (أكل الحرام) معنى 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات» «10» . قالوا: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا،   (1) يقروه: أي يضيفوه من القرى وهو الضيافة. (2) يعقبهم: يأخذ منهم عوضا عما حرموه من القرى، وهذا في المضطر الذي لا يجد طعاما ويخاف على نفسه التلف. (3) أبو داود (4604) وحسنه الألباني في صحيحته، (3848) . (4) الميتة:- بفتح الميم- ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية، ويستثني من ذلك السمك والجراد فبيعهما وأكلهما حلال باتفاق. (5) يستصبح بها النّاس: أي يوقدون بها مصابيحهم. (6) جملوه: أي أذابوه واستخرجوا دهنه. (7) البخاري- الفتح 4 (2236) . (8) البخاري- الفتح 4 (2083) . (9) مسلم (1015) . (10) الموبقات: المهلكات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3975 وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات «1» المؤمنات الغافلات» ) * «2» . 6- * (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من الأزد يقال له «ابن اللّتبيّة» (قال عمر وابن أبي عمر: على الصّدقة) فلمّا قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي لي، قال: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده! لا ينال أحد منكم فيها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء «3» أو بقرة لها خوار «4» أو شاة تيعر «5» ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه «6» ثمّ قال: «اللهمّ هل بلّغت» مرّتين) * «7» . 7- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغيّ «8» ، وحلوان الكاهن «9» ) * «10» . 8- * (عن خولة الأنصاريّة- رضي الله عنها- قالت: «سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ رجالا يتخوّضون في مال الله بغير حقّ، فلهم النّار يوم القيامة» ) * «11» . 9- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما أنا بشر، وإنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من النّار» ) * «12» . 10- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه-، قال: إنّي من النّقباء الّذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق، ولا نزني ولا نقتل النّفس الّتي حرّم الله، ولا ننهب، ولا نعصي، بالجنّة إن فعلنا ذلك، فإن غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله» ) * «13» . 11- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون (من) بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي   (1) المحصنات: أي العفائف. والمراد بالغافلات: الغافلات عن الفواحش. (2) البخاري- الفتح 5 (2766) واللفظ له ومسلم (89) . (3) الرغاء: صوت الإبل. (4) الخوار: صوت البقر. (5) تيعر: صوت الشاة وهي تصيح. (6) عفرتي إبطيه: بضم العين وفتحها والأشهر الضم مثنى عفرة وهي البياض ليس بالناصع، بل فيه شيء كلون الأرض. (7) البخاري- الفتح 13 (7197) ، ومسلم (1832) واللفظ له. (8) مهر البغي: هو ما تأخذه الزانية على الزنا. (9) حلوان الكاهن: هو ما يعطاه على كهانته. (10) البخاري- الفتح 4 (2237) مسلم (1567) متفق عليه. (11) البخاري- الفتح 6 (3118) . (12) البخاري- الفتح 12 (6967) واللفظ له، ومسلم (1713) . (13) البخاري- الفتح 12 (6873) واللفظ له. ومسلم (1709) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3976 أبوابهم أولم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة! الصّلاة برهان، والصّوم جنّة «1» حصينة. والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، يا كعب بن عجرة! إنّه لا يربو لحم نبت من سحت «2» إلّا كانت النّار أولى به» ) * «3» . 12- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال الحضرميّ: يا رسول الله، إنّ هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي. فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحضرميّ «ألك بيّنة؟» قال: لا. قال: «فلك يمينه» . قال: يا رسول الله إنّ الرّجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال «ليس لك منه إلّا ذلك» فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا أدبر: «أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقينّ الله وهو عنه معرض» ) * «4» . 13- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخطب النّاس فقال: «لا والله! ما أخشى عليكم، أيّها النّاس إلّا ما يخرج الله لكم من زهرة الدّنيا» فقال رجل: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشّرّ؟ فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ساعة. ثمّ قال «كيف قلت؟» قال: قلت: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشّرّ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الخير لا يأتي إلّا بخير، أو خير هو؟ إنّ كلّ ما ينبت الرّبيع يقتل حبطا «5» أو يلمّ. إلّا آكلة الخضر. أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشّمس. ثلطت «6» أو بالت. ثمّ اجترّت، فعادت فأكلت. فمن يأخذ مالا بحقّه يبارك له فيه. ومن يأخذ مالا بغير حقّه فمثله كمثل الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «7» . 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» ) * «8» .   (1) جنّة: أي وقاية. (2) السحت: الحرام. (3) الترمذي (614) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. والنسائي (7/ 160) والحاكم في المستدرك (4/ 422) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (4) مسلم (139) . (5) حبطت: الحبط أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ بطونها. (6) ثلطت: الثلط الرقيق من الرجيع، قال ابن الأثير: وأكثر ما يقال للإبل والبقر والفيلة. (7) البخاري- الفتح 6 (2842) ، ومسلم (1052) واللفظ له. (8) الترمذي (1) واللفظ له وابن ماجة (272) ، والمسند (2/ 39، 2/ 19) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (4969) : إسناده صحيح. والغلول يعني به ما اكتسبه من طريق غير مشروع، وأصل الغلول: الخيانة والغش. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3977 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في النهي عن (أكل الحرام) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ (البقرة/ 188) قال: هذا في الرّجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بيّنة فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكّام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وقد علم أنّه آثم، آكل حرام) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لا يقبل الله صلاة امرىء في جوفه حرام) * «2» . 3- * (قال ابن رجب- رحمه الله-: «أكل الحرام وشربه ولبسه والتّغذّي به سبب موجب لعدم إجابة الدّعاء» «3» . 4- * (قال قتادة عند قوله تعالى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ.. اعلم يا بن آدم أنّ قضاء القاضي لا يحلّ لك حراما، ولا يحقّ لك باطلا، وإنّما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشّهود، والقاضي بشر يخطىء ويصيب، واعلموا أنّ من قضي له بباطل أنّ خصومته لم تنقض حتّى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضي على المبطل للمحقّ بأجود ممّا قضى به للمبطل على المحقّ في الدّنيا» ) * «4» . 5- * (قال ابن كثير عند قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بالأكل من طيّبات ما رزقهم تعالى، وأن يشكروه تعالى على ذلك إن كانوا عبيده، والأكل من الحلال سبب لتقبّل الدّعاء والعبادة، كما أنّ الأكل من الحرام يمنع قبول الدّعاء والعبادة» ) * «5» . 6- * (وقال عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا. (البقرة/ 168) يبيّن أنّه الرّازق لجميع خلقه، فذكر في مقام الامتنان أنّه أباح لهم أن يأكلوا ممّا في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيّبا أي مستطابا في نفسه غير ضارّ للأبدان ولا للعقول، ونهاهم عن اتّباع خطوات الشّيطان، وهي طرائقه ومسالكه فيما أضلّ أتباعه فيه من تحريم البحائر والسّوائب والوصائل ونحوها» ) * «6» . 7- سئل أحمد عن معنى المتّقين في قوله تعالى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (المائدة/ 27) فقال: يتّقي الأشياء فلا يقع فيما لا يحلّ» ) * «7» . 8- * (قال أبو عبد الله النّاجي الزّاهد- رحمه الله-: خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله- عزّ وجلّ- ومعرفة الحقّ، وإخلاص   (1) الدر المنثور (1/ 488- 489) (2) انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (93) . (3) انظر: جامع العلوم والحكم (92) بتصرف. (4) تفسير ابن كثير (1/ 226) . (5) المرجع السابق (1/ 205، 206) . (6) المرجع السابق (1/ 204) . (7) جامع العلوم والحكم (93) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3978 العمل لله، والعمل على السّنّة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل، وذلك إذا عرفت الله- عزّ وجلّ- ولم تعرف الحقّ لم تنتفع، وإذا عرفت الحقّ ولم تعرف الله لم تنتفع. وإن عرفت الله وعرفت الحقّ ولم تخلص العمل لم تنتفع، وإن عرفت الله وعرفت الحقّ وأخلصت العمل ولم يكن على السّنّة لم تنتفع، وإن تمّت الأربع ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع) * «1» . 9- * (قال وهب بن الورد: «لو قمت مقام هذه السّارية لم ينفعك شيء تنظر ما يدخل في بطنك حلال أو حرام» ) * «2» . 10- * (قال ابن رجب عند قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ.. (الأنبياء/ 51) المراد بهذا أنّ الرّسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطّيّبات الّتي هي الحلال وبالعمل الصّالح، فمتى كان الأكل حلالا فالعمل الصّالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا؟» ) * «3» . من مضار (أكل الحرام) 1- حرمان إجابة الدّعاء. 2- دليل على خسّة النّفس ودناءتها. 3- طريق مؤدّ إلى النّار وغضب الجبّار. 4- يورث البعد عن الله، والمقت من النّاس. 5- أكل الحرام يحبط ثواب العمل الصّالح والكلم الطّيّب. 6- دليل على ضعف الدّين وعدم اليقين. 7- ضياع الحقوق بين النّاس. 8- أكل الحرام ضارّ بالأبدان والعقول.   (1) جامع العلوم والحكم (93) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفة نفسها. (3) المرجع السابق (92) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3979 الإلحاد الإلحاد لغة: مصدر قولهم: الحد يلحد، وهو مأخوذ من مادّة (ل ح د) الّتي تدلّ على ميل عن الاستقامة، يقال ألحد الرّجل: إذا مال عن طريقة الحقّ والإيمان، وسمّي اللّحد لحدا لأنّه مائل في أحد جنبي الجدث (القبر) . والملتحد: الملجأ، سمّي بذلك لأنّ اللّاجىء يميل إليه، وقال الرّاغب: يقال: لحد بلسانه إلى كذا: مال. وقال الجوهريّ: وألحد فلان: مال عن الحقّ، وألحد في دين الله، حاد عنه وعدل، ولحد لغة فيه، وألحد الرّجل: أي ظلم في الحرم، والتحد مثله، وأصله من قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ (الحج/ 25) والباء في (بإلحاد) زائدة. الملحد: الجائر بمكّة، وقال ابن منظور: لحد في الدّين يلحد، وألحد مال وعدل، وقيل: لحد مال وجار. وقال ابن السّكّيت: الملحد: العادل عن الحقّ المدخل فيه ما ليس فيه، يقال: قد ألحد في الدّين ولحد أي حاد عنه. وروي: لحدت: ملت، وألحدت: ماريت وجادلت وألحد: مارى وجادل، ومعنى الإلحاد في اللّغة الميل عن القصد. ولحد عليّ في شهادته يلحد لحدا: أثم. ولحد إليه بلسانه: مال «1» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 2/ 12 وقال أبو حيّان في تفسير قوله تعالى: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل/ 103) ، قرأها حمزة من «لحد» ثلاثيّا، وقرأ باقي السّبعة بضمّ الياء وكسر الحاء من «ألحد» رباعيّا، وهما بمعنى واحد «2» ، يقال: ألحد القبر ولحده إذا أمال حفره عن الاستقامة، فحفر في شقّ منه، ثمّ استعير لكلّ إمالة عن الاستقامة، والمعنى: لسان الرّجل الّذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه لسان أعجميّ غير بيّن «3» . الإلحاد في الحرم: قال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (الحج/ 25) ، الإلحاد هنا: قيل الشّرك، وقيل: الشّرك والقتل، والمراد الميل بالظّلم، وقيل معناه: صيد حمامة، وقطع شجرة ودخوله في غير إحرام وقال بعضهم: هذا الشّرك بالله وعبادة غيره في الحرم، وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- المعنى: أن تستحلّ من الحرام ما حرّم الله عليك من قتل من لم يقتل، وظلم من لم يظلم وقيل: هو احتكار الطّعام بمكّة. وقال النّيسابوريّ: المعنى: ومن يرد فيه مرادا ما   (1) مقاييس اللغة (5/ 236) ، المفردات في غريب القرآن (448) ، الصحاح (2/ 534) النهاية لابن الأثير (4/ 236) ، واللسان «لحد» (3/ 388) (ط. بيروت) . (2) وقيل معنى (لحد) : مال، ومعنى (ألحد) اعترض (انظر اللسان (3/ 388) . (3) تفسير البحر المحيط (5/ 519) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3980 جائرا عادلا عن القصد ظالما، وتدلّ هذه الآية الكريمة على أنّ الإنسان يعاقب على ما ينويه من المعاصي بمكّة وإن لم يعمله، وقد روي عن ابن مسعود وابن عمر- رضي الله عنهم- لو همّ رجل بقتل رجل وهو في هذا البيت، وهو بعدن أبين (مكان بأقصى اليمن) لعذّبه الله. وهذا الإلحاد والظّلم يجمع المعاصي من الكفر إلى الصّغائر فلعظم حرمة المكان توعّد الله على نيّة السّيّئة فيه، ومن نوى سيّئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إلّا في مكّة «1» . الإلحاد في أسمائه تعالى: وقال الفيروز آباديّ في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ (الأعراف/ 180) وذلك يكون على وجهين: أحدهما أن يوصف بما لا يصحّ وصفه، والثّاني: أن يتأوّل أوصافه على ما لا يليق له «2» . وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «الإلحاد في أسمائه تعالى أنواع (أحدها) أن تسمّى الأصنام بها كتسميتهم اللّات من الإلهيّة، والعزّى من العزيز، وتسميتهم الصّنم إلها وهذا إلحاد حقيقة فإنّهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة. (الثّاني) تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النّصارى له أبا، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته أو علّة فاعلة بالطّبع ونحو ذلك. (والثّالث) وصفه بما يتعالى عنه ويتقدّس من النّقائص كقول أخباث اليهود: إنّه فقير، وقولهم: إنّه استراح بعد أن خلق خلقه، وقولهم: يد الله مغلولة، وأمثال ذلك ممّا هو إلحاد في أسمائه وصفاته. (ورابعها) تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها كقول الجهميّة ومن تبعهم: إنّ أسماءه تعالى ألفاظ مجرّدة لا تتضمّن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السّميع والبصير والحيّ والرّحيم والمتكلّم والمريد، ويقولون: لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به، هذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا ولغة وشرعا وفطرة وهو مقابل لإلحاد المشركين. (خامسها) تشبيه صفاته تعالى بصفات خلقه فهو إلحاد في مقابله إلحاد المعطّلة تعالى الله عن إلحادهم علوّا كبيرا «3» . الإلحاد في آيات الله: قال القرطبيّ: الإلحاد في الآيات: الميل عن الحقّ في أدلّة الله- عزّ وجلّ- الّتي تنزّل بها الذّكر الحكيم، وهذا يرجع إلى الّذين قالوا: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ (فصلت/ 26) ، وهم الّذين قالوا: ليس القرآن من عند الله، أو هو سحر أو شعر، فالآيات: آيات القرآن. وقال مجاهد: يلحدون في آياتنا، أي عن تلاوة القرآن بالمكاء والتّصدية واللّغو والغناء. وقال ابن عبّاس: هو تبديل الكلام ووضعه في غير موضعه. وقال السّدّيّ: يعاندون ويشاقّون، وقال ابن زيد: يشركون ويكذّبون. وقال: المعنى متقارب، وقيل: إنّ الآية نزلت في أبي جهل، ومن قال إنّ   (1) تفسير الطبري (17/ 104) ، وتفسير القرطبي (12/ 24) ، ورغائب الفرقان للنيسابوري (مطبوع بهامش الطبري) (17/ 81) . (2) بصائر ذوي التمييز (4/ 421) . (3) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للشيخ محمد ابن أحمد السفاريني (1/ 128) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3981 الآيات: هي المعجزات فهذا راجع إلى المعنى الأوّل لأنّ القرآن الكريم معجز «1» . الإلحاد اصطلاحا: قال الكفويّ: الإلحاد هو الميل عن الحقّ «2» ، وهذا أقرب إلى أن يكون تعريفا لغويّا، ومن الممكن أن نقتبس ممّا ذكره المفسّرون تعريفا اصطلاحيّا فنقول: الإلحاد: هو الميل عن الحقّ والعدول عنه فيما يتعلّق بأسماء الله تعالى أو بيته الحرام أو بآياته الكرام في دلالتها أو فيمن تنزّلت عليه. أنواع الإلحاد: الإلحاد ضربان، أحدهما: إلى الشّرك بالله، والثّاني: إلحاد إلى الشّرك بالأسباب. فالأوّل ينافي الإيمان ويبطله، والثّاني يوهن عراه ولا يبطله «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الاعوجاج- الردة الزندقة- الشرك- انتهاك الحرمات- الغي والإغواء- الكفر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإسلام- الاستقامة- الإيمان- الطاعة- تعظيم الحرمات- التوحيد] .   (1) تفسير القرطبي (15/ 238) (باختصار وتصرف يسير) . (2) الكليات (490) . (3) المفردات للراغب (448) وانظر التوقيف على مهمات التعاريف (618) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3982 الآيات الواردة في «الإلحاد» 1- وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (180) «1» 2- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) «2» 3- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) «4»   (1) الأعراف: 180 مكية (2) النحل: 103 مكية (3) الحج: 25 مدنية (4) فصلت: 40 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3983 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإلحاد) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أبغض النّاس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب «1» دم امرىء بغير حقّ ليهريق دمه) * «2» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أنّه أتى عبد الله بن الزّبير وهو جالس في الحجر فقال: يا ابن الزّبير إيّاك والإلحاد في حرم الله فإنّي أشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يحلّها ويحلّ به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثّقلين لوزنتها، قال: فانظر ألّا تكون هو يا ابن عمرو فإنّك قد قرأت الكتب وصحبت الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: فإنّي أشهدك أنّ هذا وجهي إلى الشّام مجاهدا) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الإلحاد) معنى انظر صفات: (الردة، والشرك، والزندقة، والكفر) من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الإلحاد) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: إلحاد الملحدين أن دعوا اللّات في أسماء الله) * «4» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال في معنى قول الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ: لو أنّ رجلا همّ فيه (أي في الحرم المكّيّ) بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله- عزّ وجلّ- عذابا أليما) * «5» . 3- * (قال مجاهد- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ اشتقّوا العزّى من العزيز واشتقّوا اللّات من الله) * «6» . 4- * (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى-: «كان إلحادهم أي المشركين في أسماء الله أنّهم عدلوا بها عمّا هي عليه فسمّوا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا ونقصوا منها، فسمّوا بعضها اللّات اشتقاقا منهم لها من اسم الله الّذي هو الله، وسمّوا بعضها العزّى اشتقاقا لها من اسم الله العزيز) * «7» .   (1) مطلب: أصلها مفتعل من الطلب وهو المبالغة في الطلب. (2) البخاري- الفتح 12 (6882) . (3) أحمد (2/ 219) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (12/ 9) حديث (7043) . وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (3/ 284، 285) . (4) تفسير الطبري (6/ 91) . (5) أحمد (1/ 428) واللفظ له وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح ونقل كلام ابن كثير في تفسيره (3/ 215) أنه على شرط البخاري (6/ 66) حديث (4071) . وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: سنده صحيح (12/ 219) . (6) تفسير الطبري (6/ 91) . (7) المصدر السابق (6/ 91) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3984 5- * (وقال أيضا: في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ هو تهديد من الله للملحدين في أسمائه ووعيد منه لهم، ومعناه: أن أمهل الّذين يلحدون يا محمّد في أسماء الله إلى أجل هم بالغوه، فسوف يجزون إذا جاءهم أجل الله الّذي أجّله إليهم جزاء أعمالهم الّتي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بالله والإلحاد في أسمائه وتكذيب رسوله) * «1» . 6- * (قال ابن العربيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الجهّال قد اخترعوا أدعية يسمّون فيها الله تعالى بغير أسمائه، ويذكرونه بغير ما يذكر من أفعاله، إلى غير ذلك ممّا لا يليق به. فحذار منها، ولا يدعونّ أحدكم إلّا بما ورد ممّا جاء في كتاب الله وما صحّ من حديث رسوله. وذروا ما سواها، ولا يقولنّ أحدكم: أختار دعاء كذا وكذا، فإنّ الله قد اختار له ما يدعوه به وأرسل بذلك إلى الخلق رسوله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 7- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «أقوال الملاحدة كفر متناقض باطل في العقل والدّين) * «3» . 8- * (وقال أيضا: «إنّ هؤلاء الملاحدة يعظّمون فرعون وأمثاله ويدّعون أنّهم خير من موسى وأمثاله) * «4» . 9- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: الإلحاد (في أسماء الله) إمّا بجحدها وإنكارها وإمّا بجحد معانيها وتعطيلها، وإمّا بتحريفها عن الصّواب وإخراجها عن الحقّ بالتّأويلات، وإمّا أن يجعلها أسماء لهذه المخلوقات كإلحاد أهل الإلحاد. فإنّهم جعلوها أسماء هذا الكون، محمودها ومذمومها) * «5» . 10- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «وحقيقة الإلحاد فيها الميل والإشراك والتّعطيل والنّكران) * «6» . 11- * (قال الفيّوميّ- رحمه الله تعالى-: «قال بعض الأئمّة: «الملحدون في زماننا هم الباطنيّة الّذين يدّعون أنّ للقرآن ظاهرا وباطنا، وأنّهم يعلمون الباطن فأحالوا بذلك الشّريعة لأنّهم تأوّلوا بما يخالف العربيّة الّتي نزل بها القرآن» ) * «7» . 12- * (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-: «المراد بالإلحاد في آية الحجّ: أن يميل ويحيد عن دين الله الّذي شرعه، ويعمّ ذلك كلّ ميل وحيدة عن الدّين، ويدخل في ذلك دخولا أوّليّا الكفر بالله، والشّرك به في الحرم، وفعل شيء ممّا حرّمه، وترك شيء ممّا أوجبه. ومن أعظم ذلك: انتهاك حرمات الحرم. وقال بعض أهل العلم: يدخل في ذلك قول الرّجل: لا والله، وبلى والله، وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان له فسطاطان: أحدهما: في طرف الحرم،   (1) تفسير ابن جرير (6/ 92) . (2) تفسير القرطبي بتصرف (7/ 328) . (3) مجموع الفتاوى (2/ 344) . (4) المصدر السابق (3/ 359) . (5) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (448) . (6) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المصباح المنير (ل ح د) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3985 والآخر في طرف الحلّ، فإذا أراد أن يعاتب أهله أو غلامه فعل ذلك في الفسطاط الّذي ليس في الحرم يرى أنّ مثل ذلك يدخل في الإلحاد فيه بظلم «1» . من مضار (الإلحاد) (1) الإلحاد ينافي الإيمان ويبطله ويؤدّي إلى سوء العاقبة في الدّنيا والآخرة. (2) تهدّد الله الملحدين في أسمائه بأنّه سيجزيهم الخسران والنّكال. (3) الإلحاد طريق مؤدّ إلى غضب الله ورسوله.   (1) أضواء البيان (5/ 58، 59) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3986 الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف المنكر لغة: (انظر صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . المعروف لغة: (انظر صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات الّتي بين أيدينا تعريفا خاصّا بهذه الصّفة الذّميمة الّتي هي سمة المنافقين. بيد أنّه يمكن تعريفها اعتمادا على ما ذكروه من تعريف للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فنقول: الأمر بالمنكر: هو الإرشاد إلى المسالك المهلكة، أو هو: الأمر بما يخالف الكتاب والسّنّة، أو هو: تحسين ما تنفّر عنه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 1/ 17/ 6 الشّريعة والعفّة وهو ما لا يجوز في شرع الله تعالى. وقال الرّازيّ ما خلاصته: هو الأمر بكلّ قبيح، وأعظم القبيح تكذيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. النّهي عن المعروف اصطلاحا: هو الزّجر عمّا يلائم الشّريعة، أو هو النّهي عمّا يوافق الكتاب والسّنّة، أو هو تقبيح ما يرضي الله تعالى من أقوال العبد وأفعاله. وقال الرّازيّ: هو النّهي عن كلّ حسن، وأعظم ذلك النّهي عن الإيمان بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الغي والإغواء- الإعراض- التخاذل- التهاون- الكسل- الإهمال. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإرشاد- الإنذار- التبليغ- التذكير- النصيحة- الوعظ- الإنصاف] .   (1) استخلصنا هذه التعريفات مما ذكره الجرجاني في كتاب التعريفات (37) من تعريف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما ذكره الفخر الرازي في التفسير الكبير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3987 الآيات الواردة في «الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف» 1- الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) «1»   (1) التوبة: 67 مدنية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3988 الأحاديث الواردة في ذمّ (الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة من أدم حمراء في نحو أربعين رجلا، فقال: «إنّه مفتوح لكم وأنتم منصورون مصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل رحمه، ومثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ كمثل البعير يتردّى فهو يمدّ بذنبه» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أوّل ما دخل النّقص على بني إسرائيل كان الرّجل يلقى الرّجل فيقول: يا هذا اتّق الله، ودع ما تصنع، فإنّه لا يحلّ لك، ثمّ يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلمّا فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض» ثمّ قال لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ... إلى قوله: فاسِقُونَ (المائدة/ 78- 81) ثمّ قال «كلّا والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يدي الظّالم ولتأطرنّه «2» على الحقّ أطرا، ولتقصرنّه على الحقّ قصرا» ) * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أوّل النّاس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟. قال: قاتلت فيك حتّى استشهدت. قال: كذبت. ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل. ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنّك تعلّمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارىء، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها إلّا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنّك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه ثمّ ألقي في النّار» ) * «4» . 4- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «إنّه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع»   (1) أحمد في المسند (1/ 401. 437) . والترمذي (2257) وقال: حسن صحيح. والحاكم (4/ 159) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي. ورواه أيضا أبو نعيم في «حلية الأولياء» (7/ 102) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 65) . (2) ولتأطرنه: أي لتردنه إلى الحق ولتعطفنه عليه. (3) أحمد في المسند (1/ 391) برقم (3712) وقال محققه: (4) مسلم (1905) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3989 قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلّوا» ) * «1» . 5- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سريّة وأمّر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثمّ دخلتم فيها. فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا، فلمّا همّوا بالدّخول فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنّما تبعنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرارا من النّار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النّار وسكن غضبه، فذكر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنّما الطّاعة في المعروف» ) * «2» . 6- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأيّ قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتّى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصّفا، فلا تضرّه فتنة ما دامت السّماوات والأرض، والآخر أسود مربادّا «3» كالكوز مجخّيا «4» ، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلّا ما أشرب من هواه) * «5» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ فقال: خرجت ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنظر في وجهه والتّسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر، فقال: ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وأنا قد وجدت بعض ذلك» ، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التّيّهان الأنصاريّ، وكان رجلا كثير النّخل والشّاء، ولم يكن له خدم فلم يجدوه، فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت: انطلق يستعذب لنا الماء، فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها «6» فوضعها، ثمّ جاء يلتزم النّبيّ ويفدّيه بأبيه وأمّه، ثمّ انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا، ثمّ انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفلا تنقّيت لنا من رطبه؟» فقال: يا رسول الله إنّي أردت أن تختاروا- أو قال تخيّروا- من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا والّذي نفسي بيده من النّعيم الّذي تسألون عنه يوم القيامة. ظلّ بارد ورطب طيّب وماء بارد» فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تذبحنّ ذات درّ «7» . فذبح لهم عناقا «8» أو جديا فأتاهم بها فأكلوا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك خادم؟» قال: لا. قال: «فإذا أتانا سبي فأتنا. «فأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برأسين   (1) مسلم (1854) . (2) البخاري- الفتح 13 (7145) اللفظ له مسلم (1840) . (3) مربادّا: مسودّا. (4) مجخّيا: مائلا. (5) البخاري- الفتح 2 (525) . ومسلم (144) واللفظ له. (6) يزعبها: أي يتدافع بها ويحملها لثقلها. وقيل: زعب بحمله: إذا استقام. (7) ذات درّ: أي ذات لبن. (8) العناق: الأنثى من المعز. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3990 ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اختر منهما» فقال: يا نبيّ الله اختر لي، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإنّي رأيته يصلّي، واستوص به معروفا» فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن تعتقه، قال: فهو عتيق فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يبعث نبيّا ولا خليفة إلّا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا «1» ، ومن يوق بطانة السّوء فقد وقي» ) * «2» . 8- * (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر.. الحديث وفيه: فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بنيّ، قد بلغ من سحرك ما تبرىء الأكمه «3» والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إنّي لا أشفي أحدا، إنّما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الرّاهب. فجيء بالرّاهب، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى. فدعا بالمنشار «4» . فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه، ثمّ جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقّه به حتّى وقع شقّاه ... الحديث» ) * «5» . 9- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: «نعم» . قلت: وهل بعد هذا الشّرّ من خير؟ قال: «نعم وفيه دخن» «6» . قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر» قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم، دعاة إلى أبواب جهنّم «7» ، من أجابهم إليها قذفوه فيها» . قلت: يا رسول الله صفهم لنا فقال: «هم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتّى يدركك الموت وأنت على ذلك» ) * «8» . 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون   (1) بطانة لا تألوه خبالا: أي لا تقصر في إفساد أمره، والخبال: الفساد. (2) مسلم (2038) . والترمذي (2369) واللفظ له. (3) الأكمه: الذي يولد أعمى. (4) بالمئشار: مهموز في رواية الأكثرين، ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياء وروي: المنشار، بالنون. وهما لغتان صحيحتان. (5) مسلم (3005) . (6) دخن: المراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض ولا يزول خبثها. (7) دعاة إلى أبواب جهنم: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر، كالخوارج والقرامطة وغيرهم. (8) البخاري- الفتح 6 (3606) واللفظ له. ومسلم (1847) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3991 بسنّته، ويقتدون بأمره، ثمّ إنّها تخلف من بعدهم خلوف. يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» ) * «1» . 11- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الّذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» ) * «2» . 12- * (عن جندب بن عبد الله الأزديّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل الّذي يعلّم النّاس الخير وينسى نفسه كمثل السّراج يضيء للنّاس، ويحرق نفسه» ) * «3» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني. وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه، ويتّقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإنّ عليه منه» ) * «4» . 14- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى» ) * «5» . 15- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- وجاءه رجل، فقال: ما هذا الحديث الّذي تحدّث به؟ تقول: إنّ السّاعة تقوم إلى كذا وكذا. فقال: سبحان الله أو لا إله إلّا الله، أو كلمة نحوهما. لقد هممت أن لا أحدّث أحدا شيئا أبدا. إنّما قلت: إنّكم سترون بعد قليل أمرا عظيما. يحرّق البيت، ويكون، ويكون ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج الدّجّال في أمّتي فيمكث أربعين (لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما) . فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنّه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثمّ يمكث النّاس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثمّ يرسل الله ريحا باردة من قبل الشّام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرّة من خير أو إيمان إلّا قبضته. حتّى لو أنّ أحدكم دخل في كبد جبل «6» لدخلته عليه، حتّى تقبضه» . قال: سمعتها من رسول   (1) مسلم (50) . (2) البخاري- الفتح 5 (2493) . (3) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 235) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن. (4) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له. مسلم (1835) . (5) البخاري- الفتح 13 (7198) . (6) في كبد جبل: أي وسطه وداخله. وكبد كل شيء وسطه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3992 الله صلّى الله عليه وسلّم. قال «فيبقى شرار النّاس في خفّة الطّير وأحلام السّباع «1» . لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، فيتمثّل لهم الشّيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دارّ رزقهم «2» ، حسن عيشهم، ثمّ ينفخ في الصّور، فلا يسمع أحد إلّا أصغى ليتا ورفع ليتا «3» . قال: وأوّل من يسمعه رجل يلوط حوض إبله «4» . قال: فيصعق، ويصعق النّاس، ثمّ يرسل الله- أو قال- ينزل الله مطرا كأنّه الطّلّ أو الظّلّ «5» فتنبت منه أجساد النّاس، ثمّ ينفخ فيه أخرى فإذاهم قيام ينظرون. ثمّ يقال: يا أيّها النّاس هلمّ إلى ربّكم. وقفوهم إنّهم مسئولون. قال: ثمّ يقال: أخرجوا بعث النّار فيقال: من كم؟ فيقال: من كلّ ألف، تسعمائة وتسعة وتسعين. قال: فذاك يوم يجعل الولدان شيبا. وذلك يوم يكشف عن ساق» ) * «6» . 16- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال: يا أيّها النّاس إنّكم تقرءون هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ النّاس إذا رأوا ظالما فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه» ) * «7» . 17- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يؤتى بالرّجل يوم القيامة فيلقى في النّار، فتندلق أقتاب بطنه «8» فيدور بها كما يدور الحمار بالرّحى، فيجتمع إليه أهل النّار، فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى. قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه» ) * «9» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف 1- * (قال الشّعبيّ- رحمه الله-: «يطّلع قوم من أهل الجنّة إلى قوم من أهل النّار، فيقولون لهم: ما أدخلكم النّار؟ وإنّما أدخلنا الله تعالى الجنّة بفضل تأديبكم وتعليمكم، فقالوا: إنّا كنّا نأمر بالخير ولا نفعله» ) * «10» . 2- * (عن الأغرّ أبي مالك قال: «لمّا أراد أبو   (1) في خفة الطير وأحلام السباع: قال العلماء: معناه يكونون في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد، كطيران الطير. وفي العدوان وظلم بعضهم بعضا، في أخلاق السباع العادية. (2) دارّ رزقهم: أي كثير رزقهم. (3) أصغى ليتا ورفع ليتا: أصغى: أمال. والليت: صفحة العنق، وهي جانبه. (4) يلوط حوض ابله: أي يطيّنه ويصلحه. (5) كأنه الطل أو الظل: قال العلماء: الأصح الطل. وهو الموافق للحديث الآخر أنه كمني الرجال. (6) مسلم (2940) . (7) أبو داود (4338) . والترمذي (2168) واللفظ له. وقال: حديث صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 331) : إسناده قوي. (8) فتندلق أقتاب بطنه: أي تخرج حوايا وأمعاء بطنه. (9) مسلم (2989) . (10) تنبيه الغافلين (91) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3993 بكر أن يستخلف عمر بعث إليه فدعاه فأتاه فقال: إنّي أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه، فاتّق الله يا عمر بطاعته وأطعه بتقواه، فإنّ التّقيّ آمن محفوظ، ثمّ إنّ الأمر معروض لا يستوجبه إلّا من عمل به، فمن أمر بالحقّ، وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيّته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم، فإن استطعت أن تجفّ يدك من دمائهم، وأن تضمّر بطنك من أموالهم، وأن تجفّ لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوّة إلّا بالله» ) * «1» . 3- * (قال حاتم الأصمّ: «ليس في القيامة أشدّ حسرة من رجل علّم النّاس علما فعملوا به ولم يعمل هو به وفازوا بسببه وهلك» ) * «2» . 4- * (قال كعب: «في آخر الزّمان علماء يزهّدون النّاس في الدّنيا ولا يزهدون، ويخوّفون، ولا يخافون، وينهون عن غشيان الولاة ويأتون، يؤثرون الدّنيا على الآخرة، يأكلون بألسنتهم، يقرّبون الأغنياء دون الفقراء، أولئك الجبّارون أعداء الرّحمن» ) * «3» . 5- * (عن أبي جعفر محمّد بن عليّ في قوله تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (الشعراء/ 94) : قال: وصفوا الحقّ والعدل بألسنتهم وخالفوا إلى غيره) * «4» . 6- * (قال الشّاعر: يا أيّها الرّجل المعلّم غيره ... هلّا لنفسك كان ذا التّعليم تصف الدّواء لذي السّقام وذي الضّنا ... كي ما يصحّ به وأنت سقيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها ... فإذ انتهت عنه فأنت حكيم فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى ... بالقول منك ويقبل التّسليم لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم) * «5» . من مضار (الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف) (1) في الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف هلاك العباد، وخراب الدّيار والبلاد. (2) إشاعة الفاحشة والمعاصي واستباحة الأعراض والأموال. (3) الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف طريق مؤدّ إلى سخط الله وغضبه، ومن ثمّ حلول العقاب والانتقام. (4) أنّ من يأمر بالشّيء ولا يفعله لا يقبل منه ولا يستمع إليه، فضلا عن سوء عاقبته وخاتمته.   (1) الترغيب والترهيب (3/ 236) . ورواه الطبراني ورواته ثقات إلا أن فيه انقطاعا. (2) تنبيه الغافلين (91) . (3) المرجع السابق (92) . (4) تنبيه الغافلين (91) . (5) أدب الدنيا والدين (39، 40) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3994 الإمّعة الإمّعة لغة: الهمزة والميم والعين ليس بأصل، فقد اقتصر على معنى كلمة الإمّعة فقط وأصلها «مع» والألف زائد، يقول ابن فارس: «الهمزة والميم والعين ليس بأصل، والّذي جاء فيه رجل إمّعة، وهو الضّعيف الرّأي القائل لكلّ أحد أنا معك ... والأصل مع والألف زائدة» . ويقول الجوهريّ: «رجل إمّع وإمّعة أيضا للّذي يكون لضعف رأيه مع كلّ أحد، وقول من قال: امرأة إمّعة، غلط، لا يقال للنّساء ذلك، وقد حكي ذلك عن أبي عبيد» . وروى عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال كنّا في الجاهليّة نعدّ الإمّعة الّذي يتبع النّاس إلى الطّعام من غير أن يدعى، وإنّ الإمّعة فيكم اليوم المحقب دينه. قال أبو عبيد: والمعنى الأوّل يرجع إلى هذا ويقال: الإمّعة، والإمّع، بكسر الهمزة وتشديد الميم: الّذي لا رأي له ولا عزم فهو يتابع كلّ أحد على رأيه ولا يثبت على شيء، والهاء فيه للمبالغة، وفي الحديث: «اغد عالما أو متعلّما، ولا تكن إمّعة» ، ولا نظير له إلّا رجل إمّر، وهو الأحمق. قال الأزهريّ: وكذلك الإمّرة، وهو الّذي يوافق كلّ الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 2/ 10 إنسان على ما يريده. يقول اللّيث: رجل إمّعة يقول لكلّ أحد: أنا معك، ورجل إمّع وإمّعة للّذي يكون لضعف رأيه مع كلّ أحد، ومنه قول ابن مسعود: لا يكوننّ أحدكم إمّعة، قيل: وما الإمّعة؟ قال: الّذي يقول: أنا مع النّاس. قال ابن برّي: أراد ابن مسعود بالإمّعة الّذي يتبع كلّ أحد على دينه. والإمّعة: المتردّد في غير ما صنعة، والّذي لا يثبت إخاؤه، ورجال إمّعون، ولا يجمع بالألف والتّاء. «1» الإمّعة اصطلاحا: قال ابن الأثير: الإمّعة الّذي لا رأي له، فهو يتابع كلّ أحد على رأيه، وقيل: هو الّذي يقول لكلّ أحد أنا معك «2» . [للاستزادة: انظر صفات: صغر الهمة- الضعف- الوهن- الذل- التخاذل- الكسل- التهاون- الإهمال. وفي ضد ذلك: انظر صفات: قوة الإرادة- الرجولة- علو الهمة- القوة- المسئولية- النشاط- المروءة- النظام- العمل] .   (1) المقاييس (1/ 139) ، والصحاح (4/ 1183) ، والقاموس المحيط (3/ 2) ، ولسان العرب (8/ 3- 4) . (2) النهاية لابن الأثير (1/ 67) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3995 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإمعة) 1- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكونوا إمّعة، تقولون: إن أحسن النّاس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن النّاس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» ) * «1» 2- * (عن مرداس الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يذهب الصّالحون الأوّل فالأوّل، ويبقى حفالة، كحفالة الشّعير «2» ، أو التّمر لا يباليهم الله بالة» «3» ) * «4» من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الإمعة) 1- * (روي عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا في الجاهليّة نعدّ الإمّعة الّذي يتبع النّاس إلى الطّعام من غير أن يدعى، وإنّ الإمّعة فيكم اليوم المحقب «5» النّاس دينه) * «6» . 2- * ( «عن مقاتل بن حيّان قال: أهل هذه الأهواء آفة أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم لأنّهم يذكرون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته فيتصيّدون بهذا الذّكر الحسن الجهّال من النّاس، فيقذفون بهم في المهالك، فما أشبههم بمن يسقي الصّبر باسم العسل، ومن يسقي السّمّ القاتل باسم التّرياق، فأبصرهم فإنّك إن لا تكن أصبحت في بحر الماء، فقد أصبحت في بحر الأهواء الّذي هو أعمق غورا وأشدّ اضطرابا وأكثر صواعق، وأبعد مذهبا من البحر وما فيه، ففلك مطيّتك الّتي تقطع بها سفر الضّلال اتّباع السّنّة» ) * «7» . 3- * ( «عن الفضيل بن عياض- رحمه الله- قال: «اتّبع طريق الهدى، ولا يضرّك قلّة السّالكين وإيّاك وطرق الضّلالة ولا تغترّ بكثرة الهالكين» ) * «8» . 4- * (حكى المسعوديّ أنّه كان في أعلى صعيد مصر رجل من القبط ممّن يظهر دين النّصرانيّة وكان يشار إليه بالعلم والفهم، فبلغ خبره أحمد بن طولون فاستحضره وسأله عن أشياء كثيرة من جملتها أنّه أمر في بعض الأيام، وقد أحضر مجلسه بعض أهل النّظر ليسأله عن الدّليل على صحّة دين النّصرانيّة فسألوه عن ذلك فقال: دليلي على صحّتها وجودي إيّاها   (1) الترمذي (2007) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) حديث حسن. (2) الحفالة والحثالة: الرديء من كل شيء، والحفالة أيضا بقية الأقماع والقشور في التمر والحب. (3) لا يباليهم الله بالة: أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا. (4) البخاري- الفتح 11 (6434) . (5) المحقب: الذي يقلد دينه لكل أحد. (6) لسان العرب (أم ع) . (7) المرجع السابق (8/ 98) . (8) لسان العرب (8/ 98) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3996 متناقضة متنافية تدفعها العقول، وتنفر منها النّفوس لتباينها وتضادّها لا نظر يقوّيها، ولا جدل يصحّحها، ولا برهان يعضّدها من العقل والحسّ عند أهل التّأمّل فيها، والفحص عنها، ورأيت مع ذلك أمما كثيرة وملوكا عظيمة ذوي معرفة، وحسن سياسة وعقول راجحة قد انقادوا إليها، وتديّنوا بها مع ما ذكرنا من تناقضها في العقل فعلمت أنّهم لم يقبلوها، ولا تديّنوا بها إلّا بدلائل شاهدوها، وآيات ومعجزات عرفوها أوجبت انقيادهم إليها والتّديّن بها) * «1» . 5- * (يفصّل الشّاطبيّ أنواع المقلّدين فيقول في القسم الثّالث: وهو الّذي قلّد غيره على البراءة الأصليّة، فلا يخلو أن يكون ثمّ من هو أولى بالتّقليد منه، بناء على التّسامع الجاري بين الخلق بالنّسبة إلى الجمّ الغفير إليه من أمور دينهم من عالم وغيره، لكنّه ليس في إقبال الخلق عليه، وتعظيمهم له ما يبلغ تلك الرّتبة: فإن كان هناك منتصبون فتركهم هذا المقلّد وقلّد غيرهم، فهو آثم إذ لم يرجع إلى من أمر بالرّجوع إليه، بل تركه ورضي لنفسه بأخسر الصّفقتين فهو غير معذور، إذ قلّد في دينه من ليس بعارف بالدّين في حكم الظّاهر، فعمل بالبدعة، وهو يظنّ أنّه على الصّراط المستقيم وهذا حال من بعث فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّهم تركوا دينهم الحقّ، ورجعوا إلى باطل آبائهم، ولم ينظروا نظر المستبصر حتّى لم يفرّقوا بين الطّريقين، وغطّى الهوى على عقولهم دون أن يبصروا الطّريق الصّحيح) * «2» . 6- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: اغد عالما أو متعلّما، ولا تغد إمّعة فيما بين ذلك) * «3» . 7- * (عن كميل بن زياد أنّ عليّا- رضي الله عنه- قال: يا كميل: إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير، والنّاس ثلاثة: فعالم ربّانيّ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق إلى أن قال: أفّ لحامل حقّ لا بصيرة له، ينقدح الشّكّ في قلبه بأوّل عارض من شبهة لا يدري أين الحقّ، إن قال أخطأ، وإن أخطأ لم يدر، مشغوف بما لا يدري حقيقته، فهو فتنة لمن فتن به) * «4» . 8- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: ألا لا يقلّدنّ أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنّه لا أسوة في الشّرّ) * «5» .   (1) الاعتصام للشاطبي (1/ 158، 159) . (2) المرجع السابق (1/ 160) بتصرف يسير. (3) المرجع السابق (2/ 357) . (4) المرجع السابق (2/ 358) . (5) الاعتصام (2/ 359) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3997 9- * (قال الشّاعر: لقيت شيخا إمّعه ... سألته عمّا معه فقال ذود أربعة) * «1» . 10- * (قال الشّاعر: فلا درّ درّك من صاحب ... فأنت الوزاوزة الإمّعة) * «2» . من مضار (الإمعة) (1) تدلّ على ضعف الشّخص عقليّا ودينيّا. (2) يعيش الإمّعة ذليلا. (3) الإمّعة منبوذ من الله ثمّ من النّاس. (4) تساعد على وجود أشخاص بلا قيمة في المجتمع. (5) توقع في مهاوي الضّلالة. (6) تقوّي روح التّبعيّة والرّذيلة في المجتمع فيعيش عالة على المجتمعات الأخرى، ويضعف الإنتاج الفكريّ والمادّيّ.   (1) لسان العرب (أم ع) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3998 الأمن من المكر الأمن لغة: تدور مادّة «أمن» حول معنيين: الأمانة، والتّصديق، يقول ابن فارس الهمزة والميم والنّون أصلان متقاربان: أحدهما: الأمانة الّتي هي ضدّ الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر: التّصديق. فمن الأوّل: الأمنة من الأمن، والأمان إعطاؤه، والأمانة ضدّ الخيانة. يقال: أمنت الرّجل أمنا وأمنة، وأمانا، وأمنني يؤمنني إيمانا، والعرب تقول: رجل أمان، إذا كان أمينا ... ومن الثّاني: التّصديق، ومنه قوله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا (يوسف/ 17) أي مصدّق لنا. ويقول الرّاغب: أصل الأمن طمأنينة النّفس، وزوال الخوف. والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسما للحالة الّتي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان نحو قوله وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 27) أي ما ائتمنتم عليه. وقال ابن منظور: الأمن نقيض الخوف، أمن فلان يأمن أمنا وأمنا. حكى هذا الزّجّاج، وأمنة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 2/ 2/ 17 وأمانا فهو آمن. والأمنة: الأمن، وفي حديث نزول المسيح، على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام: «وتقع الأمنة في الأرض» أي الأمن، يريد أنّ الأرض تمتلأ بالأمن فلا يخاف أحد من النّاس والحيوان. وفي الحديث: «النّجوم أمنة، فإذا ذهبت النّجوم أتى السّماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمّتي فإذا ذهب أصحابي أتى الأمّة ما توعد» «1» . المكر لغة واصطلاحا: (انظر صفة المكر) . الأمن من المكر اصطلاحا: قال ابن حجر: الأمن من مكر الله تعالى يتحقّق بالاسترسال في المعاصي مع الاتّكال على الرّحمة «2» . وقيل: هو الاسترسال على المعاصي اتّكالا على عفو الله تعالى «3» . حقيقة مكر الله: قال الرّاغب: مكر الله تعالى: صفة حقيقيّة على ما يليق بجلال الله وكماله ومن لوازمها إمهال العبد   (1) لسان العرب (31/ 21) . (2) الزواجر (1/ 86) . (3) التحرير والتنوير لابن عاشور (9/ 25) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3999 وتمكينه من أعراض الدّنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين عليّ- رضي الله عنه- من وسّع عليه في دنياه ولم يعلم أنّه مكر به فهو مخدوع عن عقله «1» ، وقال ابن منظور: قال أهل العلم بالتّأويل: المكر من الله تعالى جزاء سمّي باسم مكر المجازى، كما قال تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (الشورى/ 40) فالثّانية ليست بسيّئة في الحقيقة ولكنّها سمّيت سيّئة لازدواج الكلام، وكذلك قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ (البقرة/ 194) فالأوّل: ظلم، والثّاني: ليس بظلم، ولكنّه سمّي باسم الذّنب ليعلم أنّه عقاب عليه، ويجري مجرى هذا القول قوله تعالى: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ (النساء/ 142) . وفي حديث الدّعاء: اللهمّ امكر لي، ولا تمكر بي، قال ابن الأثير: مكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه، وقيل: هو استدراج العبد بالطّاعات فيتوهّم أنّها مقبولة وهي مردودة «2» . وقال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ (الأعراف/ 99) . أي عذابه وجزاءه على مكرهم، وقيل مكره: استدراجه بالنّعمة والصّحّة «3» . وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (آل عمران/ 54) فهو من باب المقابلة على حدّ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (الشورى/ 40) وقوله سبحانه: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ (المائدة/ 116) ومعنى المقابلة أنّه لا يجوز أن يوصف تعالى بالمكر إلّا لأجل ما ذكر معه من لفظ آخر مسند لمن يليق به. وردّ بأنّه جاء وصف الله تعالى به من غير مقابلة في قوله: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ (الأعراف/ 99) على أنّ المكر «4» ربّما يصحّ اتّصافه تعالى به، إذ هو لغة: السّتر، يقال: مكر اللّيل أي ستر بظلمته ما هو فيه، ويطلق أيضا على الاحتيال والخداع والخبث، وبهذا الاعتبار عبّر عنه بعض اللّغويّين بأنّه السّعي بالفساد، وبعضهم بأنّه صرف الغير عمّا يقصد بحيلة، وهذا الأخير إمّا محمود بأن يتخيّل في أن يصرفه إلى خير، وعليه يحمل قوله تعالى وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (آل عمران/ 54) وإمّا مذموم بأن يتخيّل به أن يصرفه إلى شرّ ومنه وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) «5» . الأمن من مكر الله كبيرة من الكبائر: كان صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» . وفي رواية: «فقالوا: يا رسول الله أتخاف؟. قال: «إنّ القلب بين أصبعين من أصابع الرّحمن يقلّبه كيف يشاء» فهو يصرّفها أسرع من ممرّ الرّيح على اختلاف في القبول والرّدّ والإرادة والكراهة وغير ذلك من الأوصاف. وفي التّنزيل: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أي بينه وبين عقله حتّى لا   (1) المفردات للراغب: (ص 471) . (2) لسان العرب (مكر) ص 4247 (ط. دار المعارف) . (3) تفسير القرطبى 7/ 97. (4) بل هو وصف ثابت لله عزّ وجلّ على ما يليق بجلاله كما مرّ. (5) الزواجر (ص 112، 113) وانظر لسان العرب: مادة (مكر) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4000 يدري ما يصنع، قاله مجاهد. ويؤيّده قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (ق/ 37) أي عقل. واختار الطّبرانيّ أنّ معنى تلك الإحالة إعلام العباد بأنّه أملك لقلوبهم منهم، وأنّه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتّى لا يدرك أحد شيئا إلّا بمشيئته تعالى. ولمّا كان صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» قالت عائشة- رضي الله عنها-: يا رسول الله، إنّك تكثر أن تدعو بهذا الدّعاء فهل تخشى؟. قال: «وما يؤمّننا يا عائشة- وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرّحمن- إذا أراد أن يقلّب قلب عبده قلّبه؟» . وقد أثنى تعالى على الرّاسخين في العلم. بقوله: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (آل عمران/ 8) . في هذه الآية دلالة ظاهرة على أحقّيّة ما ذهب إليه أهل السّنّة من أنّ الزّيغ والهداية بخلق الله وإرادته، بيان ذلك أنّ القلب صالح للمثل إلى الخير والشّرّ، ومحال أن يميل إلى أحدهما بدون داعية، فإن كان داعية الكفر فهو الخذلان والإزاغة والصدّ والختم، وإن كان داعية الإيمان فهو التّوفيق والإرشاد والهداية والتّسديد والتّثبيت والعصمة وغير ذلك من الألفاظ الواردة في القرآن. وممّا يحذّرك أيضا من أمن المكر استحضارك قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصّحيح: «إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يبقى بينه وبينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها» . وفي حديث البخاريّ: «إنّ العبد ليعمل بعمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل الرّجل بعمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» . ولا يتّكل على ذلك، فإنّ الصّحابة- رضوان الله عليهم- لمّا قالوا عند سماع ذلك ففيم العمل يا رسول الله أفلا نتّكل على كتاب أعمالنا؟. قال لهم: «بل اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» ثمّ قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (الليل/ 5- 10) «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التهاون- الإعراض- الطمع- القسوة- التخاذل- التفريط والإفراط- الكسل- العتو- الغرور. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تذكر الموت- الخشية- الخوف- محاسبة النفس- المراقبة- مجاهدة النفس- الحذر] .   (1) الزواجر عن اقتراف الكبائر (111) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4001 الآيات الواردة في «الأمن من المكر» 1- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) «1» 2- أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) «2»   (1) الأعراف: 96- 99 مكية (2) النحل: 45- 47 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4002 الأحاديث الواردة في ذمّ (الأمن من المكر) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان متّكئا فدخل عليه رجل، فقال: ما الكبائر؟ فقال: الشّرك بالله، والقنوط من رحمة الله- عزّ وجلّ- والأمن من مكر الله، وهذا أكبر الكبائر) * «1» . 2- * (عن زيد بن أسلم أنّ الله- تبارك وتعالى- قال للملائكة: «ما هذا الخوف الّذي قد بلغكم وقد أنزلتكم المنزلة الّتي لم أنزلها غيركم؟ قالوا: ربّنا لا نأمن مكرك، لا يأمن مكرك إلّا القوم الخاسرون» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الأمن من المكر) 1- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: «من وسّع عليه في دنياه، ولم يعلم أنّه مكر به فهو مخدوع عن عقله» ) * «3» . 2- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا» ) * «4» . 3- * (عن إسماعيل بن رافع، قال: «من الأمن لمكر الله إقامة العبد على الذّنب يتمنّى على الله المغفرة» ) * «5» . 4- * (قال هشام بن عروة: «كتب رجل إلى صاحب له: إذا أصبت من الله شيئا يسرّك فلا تأمن أن يكون فيه من الله مكر فإنّه لا يأمن مكر الله إلّا القوم الخاسرون» ) * «6» . 5- * (عن عليّ بن أبي حليمة، قال: كان ذرّ ابن عبد الله الخولانيّ إذا صلّى العشاء يختلف في المسجد، فإذا أراد أن ينصرف رفع صوته بهذه الآية فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (الأعراف/ 99)) * «7» . 6- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله- «المؤمن يعمل بالطّاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن» ) * «8» 7- * (قال ابن أبي مليكة: «أدركت ثلاثين من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّهم يخاف النّفاق على   (1) تفسير ابن كثير (1/ 485) والزواجر عن اقتراف الكبائر (ص 112) وقال الأشبه فيه أن يكون موقوفا وهو نفس قول ابن كثير. إلا أنه زاد: فقد روي عن ابن مسعود نحو ذلك. والمصنف (10/ 460) . (2) الدر المنثور، للسيوطي (3/ 506) . (3) المفردات للراغب (471) . (4) البخاري- الفتح 11 (6308) . (5) المرجع السابق (3/ 507) . (6) المرجع السابق (3/ 507) . (7) المرجع السابق (3/ 506، 507) . (8) تفسير ابن كثير (2/ 234) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4003 نفسه، ما منهم أحد يقول: إنّه على إيمان جبريل وميكائيل» ) * «1» . 8- * (عن الحسن قال عن النّفاق: «ما خافه إلّا مؤمن، ولا أمنه إلّا منافق» ) * «2» . 9- * (قال كعب: «في آخر الزّمان علماء يزهّدون النّاس في الدّنيا ولا يزهدون، ويخوّفون ولا يخافون، ينهون عن غشيان الولاة ويأتون، يؤثرون الدّنيا على الآخرة، يأكلون بألسنتهم، يقرّبون الأغنياء دون الفقراء، أولئك الجبّارون أعداء الرّحمن» ) * «3» . 10- * (قال الشّوكانيّ عند قوله تعالى: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ، قيل: مكر الله هنا هو استدراجه بالنّعمة والصّحّة، والأولى حمله على ما هو أعمّ من ذلك) * «4» . 11- * (قال محمّد بن جرير الطّبريّ في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى ذكره: أفأمن يا محمّد هؤلاء الّذين يكذّبون الله ورسوله ويجحدون آياته استدراج الله إيّاهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحّة الأبدان ورخاء العيش كما استدرج الّذين قصّ عليهم قصصهم من الأمم قبلهم، فإنّ مكر الله لا يأمنه- يقول لا يأمن ذلك أن يكون استدراجا مع مقامهم على كفرهم وإصرارهم على معصيتهم- إلّا القوم الخاسرون. وهم الهالكون» ) * «5» . 12- (قال الشّهاب الخفاجيّ: «الأمن من مكر الله كبيرة عند الشّافعيّة وهو الاسترسال على المعاصي اتّكالا على عفو الله» ) * «6» . 13- * (قال عليّ كرّم الله وجهه «إنّما العالم الّذي لا يقنّط النّاس من رحمة الله تعالى، ولا يؤمّنهم من مكر الله» ) * «7» . 14- * (قال الغزاليّ: والتّشديدات الواردة في الأمن من مكر الله وعذابه لا تنحصر، وكلّ ذلك ثناء على الخوف، لأنّ مذمّة الشّيء ثناء على ضدّه الّذي ينفيه وضدّ الخوف: الأمن، كما أنّ ضدّ الرّجاء اليأس، وكما دلّت مذمّة القنوط على فضيلة الرّجاء فكذلك تدلّ مذمّة الأمن على فضيلة الخوف المضادّ له» ) * «8» . 15- * (وقال أيضا: «وإنّما كان خوف الأنبياء مع ما أفاض عليهم من النّعم لأنّهم لم يأمنوا مكر الله تعالى» ) * «9» . 16- * (وقد علّق الغزاليّ على قول الله تعالى لموسى عليه السّلام لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى بقوله: ومع هذا لمّا ألقى السّحرة سحرهم أوجس موسى في نفسه خيفة إذ لم يأمن مكر الله والتبس الأمر عليه حتّى جدّد عليه الأمن، وقيل له: لا تخف، إنّك أنت الأعلى) * «10» . 17- * (وعلّق على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم   (1) فتح الباري (1/ 135) . (2) المرجع السابق (1/ 135) . (3) تنبيه الغافلين (ص 92) . (4) فتح القدير (2/ 228) . (5) تفسير الطبري (مج 6 ج 9/ 11) . (6) التحرير والتنوير (9/ 25) . (7) إحياء علوم الدين (4/ 153) . (8) المرجع السابق (4/ 170) . (9) المرجع السابق (4/ 179) . (10) المرجع السابق (4/ 180) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4004 بدر «اللهمّ إن تهلك هذه العصابة ... الحديث» . بقوله فكان مقام الصّدّيق- رضي الله عنه- مقام الثّقة بوعد الله، وكان مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقام الخوف من مكر الله وهو أتمّ، لأنّه لا يصدر إلّا عن كمال المعرفة بأسرار الله تعالى، وخفايا أفعاله، ومعاني صفاته الّتي يعبّر عن بعض ما يصدر عنها بالمكر، وما لأحد من البشر الوقوف على كنه صفات الله تعالى) * «1» . من مضار (الأمن من المكر) (1) أنّها تجعل المؤمن غافلا عن طاعة الله ورضوانه. (2) إذا أمن المؤمن مكر الله لم يراقب الله في تصرّفاته ويرتع في الدّنيا كالبهائم. (3) الأمن من مكر الله طريق يؤدّي إلى جهنّم وبئس المصير. (4) لا يأمن من مكر الله إلّا القوم الخاسرون.   (1) الإحياء: (4/ 180) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4005 الانتقام الانتقام لغة: مصدر قولهم: انتقم ينتقم، وهو مأخوذ من مادّة (ن ق م) الّتي تدور حول إنكار الشّيء وعيبه. يقول ابن فارس: «النّون والقاف والميم أصل يدلّ على إنكار شيء وعيبه. ونقمت عليه أنقم: أنكرت عليه فعله، والنّقمة من العذاب والانتقام، كأنّه أنكر عليه فعاقبه» فالعقوبة ناتجة عن الإنكار، يقول الرّاغب: نقمت الشّيء، ونقمته إذا أنكرته إمّا باللّسان وإمّا بالعقوبة، قال تعالى: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (التوبة/ 74) .. والنّقمة: العقوبة» . وقيل: النّقمة والنّقمة: المكافأة بالعقوبة، والجمع نقم ونقم، فنقم لنقمة، ونقم لنقمة. وقال اللّيث: يقال لم أرض منه حتّى نقمت وانتقمت إذا كافأه عقوبة بما صنع. قال ابن الأعرابيّ: النّقمة العقوبة، والنّقمة الإنكار. وقوله تعالى: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا أي هل تنكرون. وفي الحديث: «أنّه ما انتقم لنفسه قطّ إلّا أن تنتهك محارم الله» أي ما عاقب أحدا على مكروه أتاه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 12/ 7/ 13 من قبله. ونقمت الأمر ونقمته إذا كرهته. وانتقم الله منه أي عاقبه، والاسم منه النّقمة، والجمع نقمات ونقم مثل كلمة وكلمات، وكلم. وفي التّنزيل العزيز: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ (المائدة/ 59) قال أبو إسحاق: يقال نقمت على الرّجل أنقم ونقمت عليه أنقم، قال: والأجود نقمت أنقم، وهو الأكثر في القراءة. قال ابن برّيّ: يقال: نقمت نقما ونقوما ونقمة، ونقمة، ونقمت: بالغت في كراهة الشّيء. ومن أسمائه سبحانه: المنتقم، وهو البالغ في العقوبة لمن شاء، وهو مفتعل من نقم ينقم إذا بلغت به الكراهة حدّ السّخط «1» . المنتقم من أسماء الله تعالى: قال الغزاليّ: المنتقم: هو الّذي يقصم ظهور العتاة، وينكّل بالجناة، ويشدّد العقاب على الطّغاة، وذلك بعد الإعذار والإنذار، وبعد التّمكّن والإمهال وهو أشدّ للانتقام من المعاجلة بالعقوبة، فإنّه إذا عوجل بالعقوبة لم يمعن في المعصية، فلم يستوجب   (1) المقاييس (5/ 464) والمفردات (504) والتهذيب (9/ 202) . لسان العرب (12/ 590- 591) ، وانظر: مختار الصحاح (8/ 61) ، والنهاية في غريب الحديث (5/ 110، 111) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4006 العاصي غاية النّكال في العقوبة «1» . وقال ابن منظور: المنتقم هو البالغ في العقوبة لمن شاء، وهو على وزن مفتعل من نقم ينقم: إذا بلغت به الكراهة حدّ السّخط «2» . وقال الزّجّاج: النّقمة كراهة يضامّها سخط فمن كره أمرا من الأمور مع سخط منه له فهو ناقم «3» ، وقد كره الله تعالى أمورا وسخط أمورا فهو نقم عليها ومنتقم منها. وقال العزّ بن عبد السّلام: المنتقم: هو المعذّب لمن يشاء من عباده عدلا «4» . الانتقام اصطلاحا: إنزال العقوبة مصحوبا بكراهية تصل إلى حدّ السّخط «5» . أنواع الانتقام: الانتقام يكون أحيانا محمودا، وأحيانا مذموما، فهو محمود لمن ابتلي بشيء من الولايات بأن يكون ذلك من الجناة الّذين ينتهكون محارم الله بالحدود والتّعزيرات والعقوبات المشروعات، ويكون مذموما إذا تعلّق الأمر بالأفراد، إذا أصيبوا بالأذى لأنّ فيه تركا للتّخلّق بالعفو الّذي أمرنا بالتّخلّق به لما فيه من الإحسان إلى المسيء واقتداء بسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الّذي لم ينتقم لنفسه قطّ، وإنّما كان ذلك منه إذا انتهكت حرمات الله) «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة- العدوان- النقمة- البغي- الإرهاب- الإجرام- القسوة الفجور- الطغيان- العتو- الحرب والمحاربة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإحسان- الصفح- العفو- كظم الغيظ- المروءة- التقوى- الاستقامة- السلم- الطاعة] .   (1) المقصد الأسنى للغزالي (124) . (2) لسان العرب (نقم) (4531) ط. دار المعارف. (3) تفسير أسماء الله الحسنى للزّجّاج (63) (بتصرف) وقد ورد بالأصل منتقم والصواب ما أثبتناه. (4) شجرة المعارف والأحوال (36) . (5) اقتبس هذا التعريف مما ذكره اللغويون ومفسرو أسماء الله الحسنى. (6) شجرة المعارف والأحوال (مجانبة الانتقام (183) ، والتخلق بالانتقام (36) ، وانظر الحديث رقم (4) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4007 الآيات الواردة في «الانتقام» 1- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) «2» . 3- فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136) «3» 4- وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) «4» 5- وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79) «5» 6- لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) «6» 7- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «7» 8- أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36)   (1) آل عمران: 1- 5 مدنية (2) المائدة: 95 مدنية (3) الأعراف: 135- 136 مكية (4) إبراهيم: 45- 47 مكية (5) الحجر: 78- 79 مكية (6) الروم: 47 مكية (7) السجدة: 22 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4008 وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «1» 9- قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «2» 10- وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) «3» 11- فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56) «4» 12- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) «5»   (1) الزمر: 36- 37 مكية (2) الزخرف: 24- 25 مكية (3) الزخرف: 39- 41 مكية (4) الزخرف: 54- 56 مكية (5) الدخان: 10- 16 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4009 الأحاديث الواردة في ذمّ (الانتقام) 1- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده. ولا امرأة ولا خادما. إلّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قطّ. فينتقم من صاحبه. إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله. فينتقم لله- عزّ وجلّ-» ) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الانتقام) معنى 1- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده. ولا امرأة ولا خادما. إلّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قطّ. فينتقم من صاحبه. إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله. فينتقم لله- عزّ وجلّ-» ) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الانتقام) معنى 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: أنّ رعلا وذكوان وعصيّة وبني لحيان استمدّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عدوّ، فأمدّهم بسبعين من الأنصار كنّا نسمّيهم القرّاء في زمانهم، كانوا يحتطبون «3» بالنّهار ويصلّون باللّيل. حتّى كانوا ببئر معونة «4» قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقنت «5» شهرا يدعو في الصّبح على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان. قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا، ثمّ إنّ ذلك رفع «6» : «بلّغوا عنّا قومنا أنّا لقينا ربّنا فرضي عنّا وأرضانا» . وعن قتادة عن أنس بن مالك حدّثه: «أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قنت شهرا في صلاة الصّبح يدعو على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان» زاد خليفة: حدّثنا ابن زريع حدّثنا سعيد عن قتادة حدّثنا أنس أنّ أولئك السّبعين من الأنصار قتلوا ببئر معونة قرآنا كتابا نحوه «7» ) * «8» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سريّة عينا، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت وهو جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب فانطلقوا، حتّى إذا كان بين عسفان ومكّة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتصّوا آثارهم «9» ، حتّى أتوا منزلا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزوّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتّى لحقوهم، فلمّا انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد «10» وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا. فقال عاصم: أمّا أنا فلا أنزل في ذمّة كافر، اللهمّ أخبر عنّا نبيّك، فقاتلوهم حتّى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنّبل، وبقي خبيب وزيد ورجل فأعطوهم العهد والميثاق فلمّا أعطوهم العهد   (1) مسلم (2739) . (2) مسلم (2328) . (3) يحتطبون: يجمعون الحطب. (4) بئر معونة: موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان. (5) قنت شهرا: أي دعا عليهم في الصلاة. (6) رفع: أي نسخت تلاوته. (7) قرآنا كتابا نحوه: أي نحو رواية عبد الأعلى عن ابن زريع. (8) البخاري الفتح 7 (4090) واللفظ له، ومسلم (677) . (9) اقتصوا آثارهم: تتبعوا آثار أقدامهم على الرمال بحثا عنهم. (10) الفدفد: الربوة العالية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4010 والميثاق نزلوا إليهم فلمّا استمكنوا منهم حلّوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها، فقال الرّجل الثّالث معهما: هذا أوّل الغدر. فأبى أن يصحبهم فجرّروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتّى باعوهما بمكّة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا، حتّى إذا أجمعوا قتله استعار موسى «1» من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها «2» ، فأعارته، قالت: فغفلت عن صبيّ لي، فدرج إليه حتّى أتاه فوضعه على فخذه، فلمّا رأيته فزعت فزعة عرف ذاك منّي، وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذاك إن شاء الله. وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف «3» عنب وما بمكّة يومئذ ثمرة، وإنّه لموثق في الحديد، وما كان إلّا رزق رزقه الله فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلّي ركعتين. ثمّ انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أنّ ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أوّل من سنّ الرّكعتين عند القتل هو. ثمّ قال: اللهمّ أحصهم عددا. ثمّ قال: ما إن أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ شقّ كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع ثمّ قام إليه عقبة بن الحارث فقتله. وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظّلّة من الدّبر «4» فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء) * «5» . 5- * (عن جعفر بن عمرو بن أميّة الضّمريّ قال: خرجت مع عبيد الله بن عديّ بن الخيار، فلمّا قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عديّ: هل لك في وحشيّ نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم. وكان وحشيّ يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظلّ قصره كأنّه حميت «6» . قال: فجئنا حتّى وقفنا عليه بيسير، فسلّمنا، فردّ السّلام، قال: وعبيد الله معتجر بعمامته «7» ما يرى وحشيّ إلّا عينيه ورجليه، فقال عبيد الله: يا وحشيّ أتعرفني؟ قال فنظر إليه ثم قال: لا والله، إلّا أنّي أعلم أنّ عديّ بن الخيار تزوّج امرأة يقال لها أمّ قتال بنت أبي العيص، فولدت له غلاما بمكّة فكنت أسترضع له، فحملت ذلك الغلام مع أمّه فناولتها إيّاه، فلكأنّي نظرت إلى قدميك. قال: فكشف عبيد الله عن وجهه ثمّ قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إنّ حمزة قتل طعيمة بن عديّ بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمّي فأنت حرّ، قال: فلمّا أن خرج النّاس عام عينين- وعينين جبل بحيال أحد «8» ، بينه وبينه واد- خرجت مع النّاس إلى القتال، فلمّا اصطفّوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ قال فخرج إليه حمزة بن   (1) استعار موسى: أي طلب آلة للحلاقة. (2) ليستحد بها: من الاستحداد وهو حلق شعر العانة. (3) القطف بكسر القاف: العنقود. (4) الظّلّة: السحابة، والدّبر بفتح الدال وسكون الباء: الزنابير، وقيل: ذكور النحل لا واحد له من لفظه. (5) البخاري- الفتح 7 (4086) . (6) حميت بوزن رغيف أي زق كبير. (7) معتجر أي لافّ عمامته على رأسه من غير تحنيك. (8) بحيال أحد: أي بمقابلة أحد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4011 عبد المطّلب فقال: يا سباع، يا ابن أمّ أنمار مقطّعة البظور «1» ، أتحادّ الله ورسوله «2» صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ثمّ شدّ عليه، فكان كأمس الذّاهب «3» . قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة «4» ، فلمّا دنا منّي رميته بحربتي فأضعها في ثنّته «5» حتّى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به. فلمّا رجع النّاس رجعت معهم، فأقمت بمكّة حتّى فشا فيها الإسلام. ثمّ خرجت إلى الطّائف، فأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رسلا، فقيل لي: إنّه لا يهيج الرّسل «6» ، قال: فخرجت معهم حتّى قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رآني قال: «آنت وحشيّ؟» قلت: نعم. قال: «أنت قتلت حمزة؟» قلت: قد كان من الأمر ما بلغك. قال: «فهل تستطيع أن تغيّب وجهك عنّي؟» قال: فخرجت. فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج مسيلمة الكذّاب قلت: لأخرجنّ إلى مسيلمة لعليّ أقتله فأكافيء به حمزة «7» . قال: فخرجت مع النّاس فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة «8» جدار كأنّه جمل أورق «9» ثائر الرّأس «10» ، قال: فرميته بحربتي. فأضعها بين ثدييه حتّى خرجت من بين كتفيه. قال: ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسّيف على هامته. قال: قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان ابن يسار أنّه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وأمير المؤمنين، قتله العبد الأسود) * «11» . 6- * (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر. فلمّا كبر قال للملك: إنّي قد كبرت فابعث إليّ غلاما أعلّمه السّحر. فبعث إليه غلاما يعلّمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى السّاحر مرّ بالرّاهب وقعد إليه، فإذا أتى السّاحر ضربه. فشكا ذلك إلى الرّاهب. فقال: إذا خشيت السّاحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني السّاحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابّة عظيمة قد حبست النّاس، فقال: اليوم أعلم السّاحر أفضل أم الرّاهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهمّ إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة حتّى يمضي النّاس. فرماها فقتلها. ومضى النّاس. فأتى الرّاهب فأخبره. فقال له الرّاهب: أي بنيّ! أنت اليوم أفضل منّي. قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنّك ستبتلى. فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ، وكان الغلام يبرأ الأكمه «12» والأبرص ويداوي النّاس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي. فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع «13» إن أنت شفيتني. فقال: إنّي لا أشفي أحدا. إنّما يشفي الله. فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله. فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس. فقال له   (1) البظور جمع بظر وهي التي تقطع من فرج المرأة عند الختان وكانت أمه ختانه تختن النساء، يقال هذا في معرض الذم. (2) أتحادّ الله ورسوله: أي أتعاندهما. (3) كأمس الذاهب: كناية عن قتله، أي صيره عدما. (4) وكمنت لحمزة: أختبأت وتخفّيت. (5) الثنّة في العانة، وقيل ما بين السرة والعانة. (6) لا يهيج الرسل: أي لا ينالهم منه إزعاج. (7) أكافئ به حمزة: أي أساويه به. وفسره بعد ذلك بقوله: فقتلت خير الناس- يريد حمزة- وشر الناس- يعني مسيلمة الكذاب. (8) ثلمة جدار: أي خلل جدار. (9) جمل أورق: أي لونه مثل الرماد. (10) ثائر الرأس: منتفش الشعر. (11) البخاري- الفتح 7 (4072) . (12) الأكمه: الذي خلق أعمى. (13) ما هنالك أجمع: أي الذي هنا كله لك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4012 الملك: من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربّي. قال: ولك ربّ غيري؟ قال: ربّي وربّك الله، فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أيّ بنيّ! قد بلغ من سحرك ما تبرأ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال: إنّي لا أشفي أحدا، إنّما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الرّاهب فجيء بالرّاهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار «1» . فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدعا بالمئشار. فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته «2» فإن رجع عن دينه وإلّا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهمّ! اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور «3» فتوسّطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلّا فاقذفوه. فذهبوا به، فقال: اللهمّ اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السّفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع النّاس في صعيد واحد «4» وتصلبني على جذع، ثمّ خذ سهما من كنانتي ثمّ ضع السّهم في كبد القوس «5» ثمّ قل: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ ارمني فإنّك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع النّاس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثمّ أخذ سهما من كنانته «6» ثمّ وضع السّهم في كبد القوس ثمّ قال: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ رماه. فوقع السّهم في صدغه. فوضع يده في صدغه في موضع السّهم. فمات. فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام، آمنّا بربّ الغلام، آمنّا بربّ الغلام. فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك. قد آمن النّاس. فأمر بالأخدود في أفواه السّكك «7» فخدّت وأضرم النّيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، أو قيل له: اقتحم. ففعلوا. حتّى جاءت امرأة ومعها صبيّ لها، فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمّه! اصبري؛ فإنّك على الحقّ» ) * «8» . 7- * (عن قتادة قال: «ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد «9» قريش فقذفوا في طويّ من أطواء بدر «10» خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة «11» ثلاث ليال. فلمّا كان ببدر اليوم الثّالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها، ثمّ مشى   (1) المئشار: المنشار. (2) بلغتم ذروته: أي قمّته وأعلاه. (3) قرقور: القرقور السفينة الصغيرة. (4) صعيد واحد: أي مكان واحد. (5) كبد القوس: وسطه. (6) الكنانة: جعبة السهام. (7) فأمر بالأخدود في أفواه السكك: الأخدود: شق في الأرض مستطيل وأفواه السكك: أي أبواب الطرق. (8) مسلم (3005) . (9) الصناديد: جمع صنديد وهو السيد الشجاع. (10) الأطواء جمع طوى: وهي البئر التي بنيت بالحجارة لتثبت ولا تنهار. (11) العرصة بفتح العين وسكون الراء: كل بقعة بين الدور ليس فيها بناء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4013 واتّبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلّا لبعض حاجته، حتّى قام على شفة الرّكيّ «1» ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: «يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، أيسرّكم أنّكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا» ؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفس محمّد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» قال قتادة: أحياهم الله حتّى أسمعهم قوله، توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الانتقام) 1- * (الصّحابيّ الجليل عبد الله بن حذافة السّهميّ، لمّا أسرته الرّوم جاءوا به إلى ملكهم فقال له: تنصّر، وأنا أشركك في ملكي، وأزوّجك ابنتي، فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمّد طرفة عين ما فعلت. فقال: إذا أقتلك. قال: أنت وذاك. فأمر به فصلب، وأمر الرّماة فرموه قريبا من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النّصرانيّة فيأبى، ثمّ أمر به فأنزل، ثمّ أمر بقدر. وفي رواية ببكرة من نحاس- فأحميت وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح وعرض عليه فأبى، فأمر به أن يلقى فيها، فرفع في البكرة ليلقى فيها، فبكى فطمع فيه ودعاه، فقال له: إنّي إنّما بكيت لأنّ نفسي إنّما هي نفس واحدة تلقى في القدر السّاعة في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كلّ شعرة من جسدي نفس تعذّب هذا العذاب في الله» ) * «3» . 2- * (عن سليمان بن يسار؛ أنّ سائبة «4» أعتقه بعض الحجّاج فقتل ابن رجل من بني عائذ فجاء العائديّ أبو المقتول إلى عمر بن الخطّاب يطلب دية ابنه، فقال عمر: لا دية له. فقال العائذيّ: أرأيت لو قتله ابني؟ فقال عمر: إذا تخرجون ديته. فقال: هو إذا كالأرقم «5» إن يترك يلقم، وإن يقتل ينقم «6» » ) * «7» . 3- * (قال جعفر الصّادق: «لأن أندم على العفو عشرين مرّة أحبّ إليّ من أن أندم على العقوبة مرّة واحدة» ) * «8» . 4- * (قال المنصور لولده المهديّ: «لذّة العفو أطيب من لذّة التّشفّي؛ وذلك أنّ لذّة العفو يلحقها حمد العاقبة، ولذّة التّشفّي يلحقها ذمّ النّدم» ) * «9» . 5- * (قال صاحب خصايص الغرر ونقائص العرر: قال الله- عزّ وجلّ-: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (الشورى/ 37) وهذا دليل على أنّ الانتقام يقبح على الكرام» ) * «10» .   (1) الركيّ: البئر القليلة الماء، وشفة الركي يراد بها حافة البئر. (2) البخاري- الفتح 7 (3976) . (3) أسد الغابة (3/ 143) . (4) السائبة: عبد يعتقه رجل فيقول هو سائبة أي مرسل كيف يشاء. (5) هو إذا كالأرقم: كالحية التي على ظهرها رقم أي نقش. (6) إن يقتل ينقم: أي يثأر به. (7) تنوير الحوالك (3/ 76، 77.) . (8) خصايص الغرر (ق 103 أ.) (9) المرجع السابق نفسه. (10) المرجع السابق (ق 102 ب) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4014 6- * (ومن رسالة لبديع الزّمان الهمذانيّ، يصف من طبعه الانتقام: هو سماء إذا تغيّم لم يرج صحوه، وإذا قدر لا ينتظر عفوه، يغضبه الجرم الخفيّ، ولا يرضيه العذر الجليّ، حتّى إنّه ليرى الذّنب وهو أضيق من ظلّ الرّمح، ويعمى عن العذر وهو أبين من نور الصّبح، وهو ذو أذنين يسمع بهذه القول وهو بهتان، ويحجب بهذه العذر وله برهان. وذو يدين يبسط إحداهما إلى السّفك والسّفح، ويقبض الأخرى عن الحلم والصّفح. فمزحه بين القدّ والقطع، وجدّه بين السّيف والنّطع. لا يعرف من العقاب إلّا ضرب الرّقاب، ولا من التّأديب غير إراقة الدّما، ولا من التّأنيب إلّا إزالة النّعما» ) *. 7- * (قالت العرب: لا سؤدد مع الانتقام. سرعة العقوبة من لؤم الظّفر. ليس من الكرم عقوبة من لا يجد امتناعا من السّطوة. التّزيّن بالعفو خير من التّقبّح بالانتقام. - التّشفّي طرف من العجز، ومن رضي به لا يكون بينه وبين الظّالم إلّا ستر رقيق وحجاب ضعيف) * «1» . 8- * (روي أنّ رجلا من قريش كان يطلب رجلا بذحل في الجاهليّة، فلمّا ظفر به قال: لولا أنّ القدرة تذهب الحفيظة لا نتقمت منك، وتركه» ) * «2» . 9- * (وقالوا: «الغضب عدوّ العقل؛ فإنّه يحول بين صاحبه وبين العقل والفهم فيستولي عليه سلطان الهوى فيصرفه عن الحسن، وهو الاحتمال إلى القبيح وهو التّشفّي» ) * «3» . 10- * (وقالوا: «أقبح المكافآت المجازاة بالإساءات» ) * «4» . 11- * (وقيل: «الكريم إذا قدر غفر، وإذا عني بمساءة ستر. واللّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أمن غدر» ) * «5» . 12- * (وقيل أيضا: «إذا انتقمت ممّن هو دونك فلا تأمن أن ينتقم منك من هو فوقك» ) * «6» . 13- * (وقيل: «لا تشن حسن الظّفر بقبح الانتقام» ) * «7» . من مضار (الانتقام) المذموم (1) صفة ذميمة يبغضها الله ورسوله. (2) إذا انتقم العبد ظلما وعدوانا انتقم الله منه. (3) يورث الأحقاد والضّغائن بين النّاس. (4) الانتقام لا يأتي من نبيل كريم ولا يفعله إلّا خسيس لئيم. (5) الانتقام أقرب إلى الظّلم، ومن استمرأه صار في عداد الظّالمين. (6) الّذي ينتقم ممّن هو دونه لا يأمن من انتقام من هو فوقه.   (1) خصايص الغرر (ق 103 أ) . (2) المرجع السابق نفسه. والذحل: هو الثأر. (3) المرجع السابق (ق 102 ب) . (4) المصدر السابق (ق 103 أ) . (5) المصدر السابق (ق 102 ب) . (6) المصدر السابق (ق 103 أ) . (7) المصدر السابق نفسه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4015 انتهاك الحرمات الانتهاك لغة: مصدر انتهك ينتهك، وهو مأخوذ من مادّة (ن هـ ك) الّتي تدلّ على: إبلاغ في عقوبة وأذى. يقال: نهكته الحمّى: نقصت لحمه، وأنهكه الشّيطان عقوبة: بالغ، قال ابن فارس: ومن الباب: انتهاك الحرمة وهو: تناولها بما لا يحلّ، وفي حديث ابن عبّاس أنّ قوما قتلوا فأكثروا، وزنوا، وانتهكوا: أي بالغوا في خرق محارم الشّرع وإتيانها، والانتهاك في حديث أبي هريرة.. «تنتهك ذمّة الله وذمّة رسوله» يريد نقض العهد، والغدر بالمعاهد. وقال ابن منظور: النّهك التّنقّص، يقال نهكته الحمّى ونهكته (بفتح الهاء وكسرها) نهكا والنّهك: المبالغة في كلّ شيء، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم للخافضة: «أشمّي ولا تنهكي» : أي لا تبالغي في استقصاء الختان، والنّاهك والنّهيك: المبالغ في جميع الأشياء ويقال: نهك الشّيء وانتهكه: جهده، وفي الحديث: «انهكوا الأعقاب أو لتنهكنّها النّار» . أي بالغوا في غسلها وتنظيفها في الوضوء. ونهك العرض: المبالغة في شتمه «1» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 21/ 14 الحرمات لغة واصطلاحا: (انظر صفة تعظيم الحرمات) . انتهاك الحرمات اصطلاحا: قال ابن الأثير: الانتهاك: المبالغة في خرق محارم الشّرع وإتيانها «2» ، ولمّا كانت الحرمات: ما نهى الله عنه من معاصيه كلّها، أو هي كلّ ما أوصى بتعظيم أمره فإنّ انتهاك الحرمات يعني: المبالغة في خرق وإتيان أيّ ممّا أوصى الله بتعظيم أمره، وارتكاب ما نهى عنه من معاصيه كلّها «3» . انتهاك الحرمات واحتقارها: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: لم يقدّر الله حقّ قدره من هان عليه أمره فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقّه فضيّعه، وذكره فأهمله، وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهمّ من طاعته. فلله الفضلة من قلبه وقوله وعمله. هواه المقدّم في ذلك كلّه. المهمّ أنّه يستخفّ بنظر الله إليه، واطّلاعه عليه، وهو في قبضته، وناصيته بيده، ويعظّم نظر المخلوق إليه واطّلاعه عليه بكلّ قلبه وجوارحه يستحيي من النّاس ولا يستحيي من الله   (1) مقاييس اللغة (5/ 364) ، النهاية (5/ 137- 138) ، الصحاح (4/ 1612) ولسان العرب (نهك) (ص 456 ط. دار المعارف) . (2) النهاية (5/ 137) . (3) اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره اللغويون والمفسرون متعلقا بالانتهاك والحرمات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4016 ويخشى النّاس ولا يخشى الله، ويعامل الخلق بأفضل ما يقدر عليه، وإن عامل الله عامله بأهون ما عنده وأحقره، وإن قام في خدمة من يحبّه من البشر قام بالجدّ والاجتهاد، وبذل النّصيحة وقد أفرغ له قلبه وجوارحه، وقدّمه على كثير من مصالحه حتّى إذا قام في حقّ ربّه قام قياما لا يرضاه مخلوق من مخلوق مثله وبذل له من ماله ما يستحي أن يواجه به مخلوقا مثله. فهل قدر الله حقّ قدره من هذا وصفه؟ وهل قدره حقّ قدره من شارك بينه وبين عدوّه في محض حقّه من الإجلال والتّعظيم والطّاعة والذّلّ والخضوع والخوف والرّجاء؟ «1» . [للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- إطلاق البصر- إفشاء السر- ترك الصلاة- الربا- الزنا- السرقة- شرب الخمر- الميسر- العصيان- البغي- الإسراف- التفريط والإفراط- التهاون- شهادة الزور- التبرج. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تعظيم الحرمات- أكل الطيبات- غض البصر- كتمان السر- إقامة الشهادة- الاستقامة- العفة- حفظ الفرج- الستر- الحجاب] .   (1) الداء والدواء (167، 168) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4017 الأحاديث الواردة في ذمّ (انتهاك الحرمات) 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «اتّقوا الظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ «1» فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» ) * «2» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ستّة لعنتهم، لعنهم الله وكلّ نبيّ كان: الزّائد في كتاب الله، والمكذّب بقدر الله، والمتسلّط بالجبروت ليعزّ بذلك من أذلّ الله، ويذلّ من أعزّ الله، والمستحلّ لحرم الله، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله، والتّارك لسنّتي» ) * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كيف أنتم إذا لم تجتبوا «4» دينارا ولا درهما؟ فقيل له: وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة؟ قال: إي، والّذي نفس أبي هريرة بيده، عن قول الصّادق المصدوق. قالوا: عمّ ذلك؟ قال: «تنتهك ذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فيشدّ الله- عزّ وجلّ- قلوب أهل الذّمّة فيمنعون ما في أيديهم» ) * «5» . 4- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لأعلمنّ أقواما من أمّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله عزّ وجلّ- هباء منثورا» قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلّهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: «أما إنّهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من اللّيل كما تأخذون، ولكنّهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها» ) * «6» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا اختار أيسرهما، ما لم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه. والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قطّ حتّى تنتهك حرمات الله فينتقم لله) * «7» . 6- * (عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من امريء يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلّا خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امريء ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلّا نصره الله في موطن يحبّ نصرته» ) * «8» .   (1) الشح: أشد البخل. (2) مسلم (2578) . (3) الترمذي (2154) واللفظ له. والحاكم (1/ 36) وقال: صحيح الإسناد ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي. (4) اجتبى: من الجباية. أي لم تأخذوا من الجزية والخراج شيئا فهذا كناية عن كثرة المال وانصراف الناس إلى المادة. (5) البخاري- الفتح 6 (3180) . (6) ابن ماجة (4245) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه ابن ماجة ورواته ثقات. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 18) رقم (505) وقال: إسناده صحيح، رجاله ثقات. (7) البخاري- الفتح 12 (6786) واللفظ له. ومسلم (2327) (8) أبو داود (4884) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن بشواهده (6/ 570) . وأحمد (4/ 30) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4018 الأحاديث الواردة في ذمّ (انتهاك الحرمات) معنى 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أبغض النّاس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دم امريء بغير حقّ ليهريق دمه» ) * «1» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إنّ المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النّار» ) * «2» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أعمى كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وكانت له أمّ ولد، وكان له منها ابنان وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتسبّه فيزجرها فلا تنزجر، وينهاها فلا تنتهي، فلمّا كان ذات ليلة ذكرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوقعت فيه، فلم أصبر أن قمت إلى المغول «3» فوضعته في بطنها فاتّكأت عليه فقتلتها فأصبحت قتيلا فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجمع النّاس، وقال: «أنشد الله رجلا لي عليه حقّ فعل ما فعل إلّا قام» فأقبل الأعمى يتدلدل «4» فقال: يا رسول الله: أنا صاحبها، كانت أمّ ولدي، وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللّؤلؤتين، ولكنّها كانت تكثر الوقيعة فيك، وتشتمك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، فلمّا كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك فقمت إلى المغول فوضعته في بطنها فاتّكأت عليها حتّى قتلتها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا اشهدوا أنّ دمها هدر» ) * «5» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رجلا كان يتّهم بأمّ ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: «اذهب فاضرب عنقه» فأتاه عليّ فإذا هو في ركيّ يتبرّد فيها «6» فقال له عليّ: اخرج. فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر، فكفّ عليّ عنه. ثمّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله: إنّه لمجبوب «7» . ما له ذكر) * «8» . 11- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يحرّم حرمة إلّا وقد علم أنّه سيطّلعها منكم مطّلع «9» ، ألا وإنّي آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النّار كتهافت الفراش أو   (1) البخاري الفتح 12 (6882) . (2) مسلم (2581) . (3) المغول بكسر الميم: شبه سيف قصير يضعه الرجل تحت ثوبه فيغطيه ليفجأ من يريد دون تنبه منه. (4) يتدلدل: أي يمشي مشية فيها اضطراب. (5) أبو داود (4361) . والنسائي (7/ 108) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (3/ 854) . وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: هذا الحديث جيد. الصارم المسلول (52) . (6) الركي: البئر، يتبرد فيها: يغتسل ليخفف من شدة الحر. (7) مجبوب: مقطوع. (8) مسلم (2771) . (9) سيطلعها منكم مطلع: يعني سيرتكبها وينتهكها بعضكم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4019 الذّباب» ) * «1» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّها النّاس، إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (المؤمنون: آية 51) ، وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) . ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك «2» ؟» ) * «3» . 13- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس، فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «4» . 14- * (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصّراط «5» سوران «6» فيهما أبواب مفتّحة «7» وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصّراط داع «8» يقول: أيّها النّاس، ادخلوا الصّراط جميعا ولا تتفرّجوا، وداع «9» يدعو من جوف الصّراط فإذا أراد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك! لا تفتحه، فإنّك إن تفتحه تلجه ... الحديث» ) * «10» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملا، ثمّ يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه ويصبح يكشف ستر الله عنه» ) * «11» . 16- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من نفس تقتل   (1) أحمد (1/ 390) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 261) رقم (3704) . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/ 210) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى وفيه المسعودي وقد اختلط. (2) فأنى يستجاب لذلك: فكيف يستجاب له؟ (3) مسلم (1015) . (4) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له. ومسلم (1599) . (5) الصراط: الإسلام. (6) السوران: حدود الله تعالى. (7) الأبواب المفتحة: محارم الله تعالى. (8) وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله. (9) والداعي فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم. (10) أحمد (4/ 182، 183) واللفظ له، وذكره ابن كثير في تفسيره وقال: رواه الترمذي والنسائي (2/ 192) . والحاكم (1/ 73) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وذكره في المشكاة (191) وذكر الشيخ الألباني: كلام الحاكم والذهبي وقال: هو كما قالا (1/ 67) . (11) البخاري- الفتح 10 (6069) واللفظ له. ومسلم (2990) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4020 ظلما إلا كان على ابن آدم الأوّل كفل منها- وربّما قال سفيان: من دمها- لأنّه سنّ القتل أوّلا» ) «1» . 17- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحر «2» والحرير والخمر والمعارف «3» ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم «4» يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم- يعني الفقير- لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدا فيبيّتهم الله «5» ، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» ) * «6» . 18- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «ما كتبنا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا القرآن، وما في هذه الصّحيفة. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «المدينة حرام ما بين عائر إلى كذا، فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف، وذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل» ) * «7» . 19- * (عن هشام بن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: إنّه مرّ بالشّام على أناس، وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤوسهم الزّيت. فقال: ما هذا؟ قيل يعذّبون في الخراج، فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون في الدّنيا» ) * «8» . 20- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» ) * «9» . 21- * (عن عبيد الله بن القبطيّة قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أمّ سلمة أمّ المؤمنين، فسألاها عن الجيش الّذي يخسف به، وكان ذلك في أيّام ابن الزّبير فقالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم» فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: «يخسف به معهم، ولكنّه يبعث يوم القيامة على نيّته» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7321) والكفل: النصيب. (2) الحر: بالحاء المكسورة والراء الخفيفة- هو الفرج والمراد أنهم يستحلون الزنا. (3) المعازف- جمع معزفة والمراد آلات الملاهي أو الغناء. (4) والعلم: هو الجبل. (5) يبيتهم الله: أي يهلكهم الله. (6) البخاري- الفتح 10 (5590) . (7) البخاري- الفتح 6 (3179) . (8) مسلم (2613) . (9) البخاري- الفتح 12 (6914) . (10) مسلم (2882) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4021 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (انتهاك الحرمات) 1- * (قال أبو بكر- رضي الله عنه- لسلمان الفارسيّ- وقد طلب منه الوصيّة-: يا سلمان، اتّق الله، واعلم أنّه سيكون فتوح فلأعرفنّ ما كان حظّك منها، ما جعلته في بطنك أو القيته على ظهرك واعلم أنّه من صلّى الخمس فإنّه يصبح في ذمّة الله، ويمسي في ذمّة الله فلا تقتلنّ أحدا من أهل ذمّة الله فتخفر الله في ذمّته، فيكبّك الله في النّار على وجهك) * «1» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: «يا أهل مكّة، اتّقوا الله في حرمكم هذا. أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا، وبنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا حتّى عدّ ما شاء الله، ثمّ قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحبّ إليّ من أن أعمل واحدة بمكّة» ) * «2» . 3- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «أقبل تبّع يريد الكعبة حتّى إذا كان بكراع الغميم «3» بعث الله عليه ريحا لا يكاد القائم يقوم إلّا بمشقّة، وذهب القائم يقعد، ويصرع، وقامت عليهم، ولقوا منها عناء، ودعا تبّع حبريه، فسألهما: ما هذا الّذي بعث عليّ؟ قالا: أو تؤمّننا؟ قال: أنتم آمنون. قالا: فإنّك تريد بيتا يمنعه الله من أراده. قال: فما يذهب هذا عنّي؟ قالا: تجرّد في ثوبين ثمّ تقول: لبّيك لبّيك. ثمّ تدخل فتطوف بذلك البيت، ولا تهيّج أحدا من أهله. قال: فإن أجمعت على هذا ذهبت هذه الرّيح عنّي؟ قالا: نعم. فتجرّد، ثمّ لبّى، فأدبرت الرّيح كقطع اللّيل المظلم» ) * «4» . 4- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ ... : لو أنّ رجلا أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بعدن أبين، لأذاقه الله من العذاب الأليم) * «5» . 5- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: «ما من عبد ترك شيئا لله إلّا أبدله الله به ما هو خير منه، من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به عبد فأخذ من حيث لا يصلح إلّا أتاه الله بما هو أشدّ عليه» ) * «6» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان منّا رجل من بني النّجّار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فانطلق هاربا حتّى لحق بأهل الكتاب. قال: فرفعوه. قالوا: هذا قد كان يكتب لمحمّد، فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه. فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها. ثمّ عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثمّ عادوا فحفروا له   (1) تاريخ الخلفاء الراشدين، للسيوطي (9695) . (2) شعب الإيمان للبيهقي (7/ 567) . (3) كراع الغميم: مكان على بعد 70 كيلومترا من مكة شمالا. (4) شعب الإيمان للبيهقي (7/ 564، 565) . (5) أضواء البيان (5/ 95) . (6) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (2/ 635) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4022 فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا) * «1» . 7- * (قال جبير بن نفير- رضي الله عنه-: «لمّا فتحت قبرص فرّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدّرداء جالسا وحده يبكي. فقلت: يا أبا الدّرداء ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عزّ وجلّ- إذا أضاعوا أمره بينما هي أمّة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى» ) * «2» . 8- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى- «أنبئت أنّه كان يقال: ويل للمتفقّهين بغير العبادة، والمستحلّين للحرمات بالشّبهات» ) * «3» . 9- * (قال سليمان التّيميّ- رحمه الله تعالى- «إنّ الرّجل ليصيب الذّنب في السّحر فيصبح وعليه مذلّته» ) * «4» . 10- * (قال يحيى بن معاذ الرّازيّ- رحمه الله تعالى-: «عجبت من ذي عقل يقول في دعائه: اللهمّ لا تشمت بي الأعداء، ثمّ هو يشمت بنفسه كلّ عدوّ له» قيل: وكيف ذلك؟ قال: «يعصي الله ويشمت به في القيامة كلّ عدوّ» ) * «5» . 11- * (قال القاضي أبو يعلى- رحمه الله تعالى-: «إن بغى البغاة على أهل العدل قاتلهم على بغيهم إذا لم يمكن ردّهم عن البغي إلّا بالقتال، لأنّ قتال أهل البغي من حقوق الله الّتي لا يجوز أن تضاع، فكونها محفوظة في حرمة الله أولى من أن تكون مضاعة فيه» ) * «6» . 12- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: «بقدر إجلال العبد لله يجلّه الله- عزّ وجلّ- وبقدر تعظيمه قدره واحترامه يعظم قدر العبد وحرمته. وكم من رجل أنفق عمره في العلم حتّى كبرت سنّه، ثمّ تعدّى الحدود فهان عند الخلق، ولم يلتفتوا إليه مع غزارة علمه وقوّة مجاهدته، وأمّا من راقب الله- عزّ وجلّ- في صبوته. فقد يكون قاصر الباع بالنّسبة للصّنف الأوّل، ومع ذلك عظّم الله قدره في القلوب حتّى علقته النّفوس، ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير» ) * «7» . 13- * (قال ذو النّون المصريّ- رحمه الله تعالى-: «من خان الله في السّرّ هتك الله ستره في العلانية» ) * «8» . 14- * (قال بعض السّلف: «ما انتهك المرء من أخيه حرمة أعظم من أن يساعده على معصية ثمّ يهوّنها عليه» ) * «9» .   (1) مسلم (2781) . (2) الداء والدواء (47، 48) وعزاه لأحمد في المسند. (3) الدارمي (1/ 76) رقم (187) . (4) الداء والدواء (60) . (5) الداء والدواء (60) . (6) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (193- 194) . (7) بتصرف من صيد الخاطر (194) . (8) الداء والدواء (60) . (9) إحياء علوم الدين (4/ 33) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4023 من مضار (انتهاك الحرمات) (1) انتهاك الحرمات دليل على ضعف الإيمان وذهاب الحياء. (2) التّعرّض لغضب الله وأليم عذابه وهتك ستره وكشف عواره. (3) تسلّط الخلق عليه بأنواع الأذيّة والمضرّة. (4) انتهاك الحرمات طريق موصّل إلى النّار. (5) يتسبّب في إشاعة الفاحشة بين المسلمين. (6) يجعل النّاس خائفين غير آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4024 الإهمال* الإهمال لغة: مصدر قولهم: أهمل يهمل، وهو مأخوذ من مادّة (هـ م ل) الّتي تدور حول التّرك والتّخلّي، سواء كان عن عمد أو عن غير عمد. يقول ابن فارس «الهاء والميم واللّام» أصل واحد، أهملت الشّيء إذا خلّيت بينه وبين نفسه، والهمل: السّدى، والهمل: المال لا مانع له، والهمل: التّرك، وقولهم: وما ترك الله النّاس هملا: أي سدى بلا ثواب ولا عقاب، وقيل: لم يتركهم سدى بلا أمر ولا نهي، ولا بيان لما يحتاجون إليه. والهمل أيضا: الإبل بلا راع مثل النّفش، إلّا أنّ النّفش يكون في اللّيل، والهمل يكون في اللّيل والنّهار، وقد هملت الإبل تهمل (بالكسر) هملا فهي هامل وهملى: أي مهملة لا رعاء لها، ولا فيها من يصلحها ويهديها، فهي كالضّالّة ترعى بنفسها. وفي المثل: اختلط المرعيّ بالهمل، والمرعيّ: الّذي له راع. وفي الحديث: «فسألته عن الهمل، يعني الضّوالّ من النّعم، واحدها هامل، مثل حارس وحرس» . وفي الحديث «فلا يخلص منهم إلّا مثل همل الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 10/- النّعم» . الهمل: ضوالّ الإبل ومن ذلك أيضا حديث طهفة «وكنّا نعم همل» . قال ابن الأثير: أي مهملة لا رعاء لها ولا فيها من يصلحها ويهديها فهي كالضّالّة. وأمّا أهمله إهمالا فمعناه: خلّى بينه وبين نفسه. أو معناه: تركه ولم يستعمله، ومنه الكلام المهمل، وهو خلاف المستعمل. وكذا قولهم: أهمل أمره يعني: لم يحكمه. والهمل، بالتّسكين مصدر قولك هملت عينه تهمل وتهمل هملا وهملانا أي فاضت وانهملت مثله. وهملت السّماء هملا وهملانا: دام مطرها في سكون وضعف «1» . الإهمال اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات للإهمال سوى إشارات يسيرة من خلال ذكرها للفعل: أهمل، يقول الكفويّ: أهمله: خلّى بينه وبين نفسه، أو تركه ولم يستعمله «2» . ومن خلال هذه الإشارة الموجزة نستنبط أنّ الإهمال قد يتعلّق بالإنسان أو بالأشياء، فالتّخلية من   * هذه صفة عامة يدخل فيها إهمال الإنسان وإهمال الحيوان أيضا. (1) المقاييس لابن فارس (6/ 67) الصحاح (5/ 1854- 1855) ، لسان العرب (8/ 4701- 4702) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (5/ 274) . تهذيب اللغة للأزهري، (6/ 319) (2) الكليات (211) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4025 الإنسان ونفسه لا تكون إلّا من إنسان آخر كأن يقال مثلا: أهمل الوالد ابنه أو المدرّس تلميذه، أمّا ترك الاستعمال فيكون في الممتلكات الّتي يحرص عليها كأن يقال: أهمل الإنسان بيته أو إبله أو ما شابه ذلك، ويكون المعنى حينئذ التّرك وعدم الاستعمال، ويترتّب على ذلك فساد في الشّيء المهمل، وفي العصر الحديث اكتسب لفظ الإهمال أبعادا جديدة فأصبح يستعمل في العمل دينيّا أو دنيويّا كأن يقال مثلا: أهمل في صلاته، وأهمل في مذاكرته أي لم يؤدّهما على الوجه المطلوب، ونستطيع على ضوء ذلك أن نعرّف الإهمال بأنّه: ألّا يرعى الإنسان ما تجب عليه رعايته على الوجه الأكمل بالتّخلية أو التّرك أو التّقصير «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- ترك الصلاة- التفريط والإفراط- الكسل- التهاون- الضعف- الوهن. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العمل- النشاط النظام- القوة- قوة الإرادة- مجاهدة النفس- علو الهمة] .   (1) استخلصنا هذا التعريف من كتب اللغة ومما ذكره الكفوي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4026 الأحاديث الواردة في ذمّ (الإهمال) معنى 1- * (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه. فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- أنّه قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلفه ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «2» أو حائش «3» نخل، قال: فدخل حائطا «4» لرجل من الأنصار فإذا جمل فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «5» فسكت، فقال: «من ربّ هذا الجمل، لمن هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي، يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها، فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه» ) * «6» . 3- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الّذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنّه يبيعه برخص، فسألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لا تشتر، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم، فإنّ العائد في صدقته كالعائد في قيئه» ) * «7» . 4- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «عذّبت امرأة في هرّة سجنتها حتّى ماتت، فدخلت فيها النّار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» ) * «8» . 5- * (عن خيثمة- رضي الله عنه- أنّه قال: كنّا جلوسا مع عبد الله بن عمرو، إذ جاءه قهرمان «9» له فدخل فقال: أعطيت الرّقيق قوتهم؟. قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كفى بالمرء إثما أن يحبس عمّن يملك قوته» ) * «10» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» ) * «11» .   (1) أبو داود (2548) وقال الألباني (2/ 8484) : صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 528) : إسناده حسن. (2) هدفا: الهدف: كل بناء مرتفع. (3) وحائش نخل: هو النخل الملتف المجتمع. (4) فدخل حائطا: الحائط: البستان. (5) فمسح ذفراه: ذفرى البعير: أصل أذنه. (6) أبو داود (2549) واللفظ له، أحمد (1/ 205) رقم (1754) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 195) : صحيح، وتدئبه: أي تتعبه. (7) البخاري- الفتح 3 (1490) واللفظ له، ومسلم (1620) . (8) البخاري- الفتح 6 (3318) ، ومسلم (2242) ، واللفظ له. وخشاش الأرض: هوامها وحشراتها. (9) القهرمان: الخازن القائم بحوائج الإنسان. (10) مسلم (996) . (11) الطبراني في الكبير (1/ 259) / 751، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 167) : رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 358) : إسناده حسن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4027 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال وهو ينحل ابن الزّبير، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن الّذي يشبع وجاره جائع) * «1» . 8- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه-: قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «2» » ) * «3» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقفنّ أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما، فإنّ اللّعنة تنزل على كلّ من حضر حين لم يدفعوا عنه، ولا يقفنّ أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما، فإنّ اللّعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه» ) * «4» . 10- * (عن عبد الله بن عميرة، قال: دخل على جابر- رضي الله عنه- نفر من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقدّم إليهم خبزا وخلّا، فقال: كلوا، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نعم الإدام الخلّ، إنّه هلاك بالرّجل أن يدخل إليه النّفر من إخوانه، فيحتقر ما في بيته أن يقدّمه إليهم، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدّم إليهم» ) * «5» . من مضار (الإهمال) (1) الإهمال يؤدّي إلى ضياع الثّروة وإفقار الأمّة. (2) دليل على انعدام الإحساس أو بلادته. (3) يؤدّي إلى فتور العلاقات الاجتماعيّة، وفتورها يستتبع تمزّقها. (4) يؤدّي إلى شيوع الظّلم وزيادة صولة المستبدّين. (5) ينتهي بصاحبه إلى الطّرد من رحمة الله.   (1) الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 167) ، وقال: رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات. (2) طلق: الطلاقة: البشاشة والبشر. (3) مسلم (2626) . (4) المنذري في الترغيب (3/ 304) ، وقال: رواه الطبراني والبيهقي بإسناد حسن. (5) المنذري في الترغيب (3/ 374) ، وقال: رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى إلا أنه قال: وكفى بالمرء شرا أن يحتقر، ما قرب إليه، وبعض أسانيدهم حسن، ونعم الإدام الخلّ، في الصحيح، ولعل قوله: إنه هلاك بالرجل إلى آخره من كلام ابن مدرج غير مرفوع. وأصل الحديث في مسلم، ورواه أحمد والسيوطي في الجامع الصغير وصححه الشيخ الألباني (6644) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4028 [ حرف الباء ] البخل البخل لغة: مصدر قولهم: بخل بالشّيء يبخل به، وهو مأخوذ من مادّة (ب خ ل) الّتي تدلّ على خلاف الكرم، والبخيل: ذو البخل، وجمعه بخّل وبخّال، وأبخلت الرّجل: وجدته بخيلا، ومنه قول عمرو بن معد يكرب: يا بني سليم لقد سألناكم فما أبخلناكم (أي فما وجدناكم بخلاء) ، وبخّلته: نسبته إلى البخل ورميته به مثل فسّقته وكفّرته أي نسبته إلى الفسق والكفر، ومن مصادر بخل أيضا: البخل والبخل والبخول، وقول الله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (النساء/ 37) ، قيل: أريد بهم اليهود، وقيل: المنافقون، والمبخلة: الشّيء الّذي يحملك على البخل، وفي الحديث: «الولد مجبنة مجهلة مبخلة» أي أنّه مظنّة لأن يحمل أبويه على الجبن والجهل والبخل ويدعوهما إلى ذلك، مصداق ذلك ما ورد في الحديث الآخر: «إنّكم لتبخّلون وتجبّنون» والبخلة: المرّة الواحدة من البخل «1» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 35/ 38 البخل اصطلاحا: قال الجرجانيّ في التّعريفات: البخل: هو المنع من مال نفسه، والشّحّ هو بخل الرّجل من مال غيره. وقيل: البخل ترك الإيثار عند الحاجة «2» . وقال ابن حجر في الفتح: البخل: منع ما يطلب ممّا يقتنى، وشرّه ما كان طالبه مستحقّا ولا سيّما إن كان من غير مال المسئول «3» . قال المناويّ (تبعا للرّاغب) : البخل: إمساك المقتنيات عمّا لا يحلّ حبسها عنه، وضدّه: الجود «4» . وقال القرطبيّ: البخل المذموم في الشّرع: هو امتناع (المرء) عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه «5» . وقال الجاحظ: البخل: هو منع المسترفد (العطاء) ، مع القدرة على رفده «6» . حكم البخل: قال الجاحظ: البخل خلق مكروه من جميع النّاس، إلّا أنّه من النّساء أقلّ كراهية، بل قد يستحبّ   (1) انظر في ذلك: المفردات للراغب (38) ، وبصائر ذوي التمييز (2/ 227) النهاية في غريب الحديث (1/ 103) ، والصحاح (4/ 1632) ، ولسان العرب (1/ 222) (ط: دار المعارف) ، والقاموس المحيط (ص 243) (ط: بيروت) . (2) التعريفات (42، 43) . (3) الفتح (10/ 457) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (72) ، وأصل ذلك التعريف في المفردات للراغب (38) . (5) تفسير القرطبي (5/ 126) . (6) تهذيب الأخلاق للجاحظ (33) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4029 من النّساء البخل (بمال أزواجهنّ إلّا أن يؤذنّ بالجود) ، فأمّا سائر النّاس فإنّ البخل يشينهم، وخاصّة الملوك والعظماء، فإنّ البخل أبغض منهم أكثر ممّا هو أبغض من الرّعيّة والعوامّ، ويقدح في ملكهم لأنّه يقطع الأطماع منهم ويبغّضهم إلى رعيّتهم «1» . بين البخل والشح: قال الكفويّ: البخل هو المنع نفسه، والشّحّ هو الحالة النّفسيّة الّتي تقتضي ذلك المنع. وقال القرطبيّ: اختلف في البخل والشّحّ هل هما بمعنى واحد أو معنيين؟ فقيل: البخل: الامتناع من إخراج ما حصل عندك، والشّحّ: الحرص على تحصيل ما ليس عندك، وقيل: الشّحّ هو البخل مع حرص، وهو الصّحيح لما روي عنه صلّى الله عليه وسلّم من قوله: «اتّقوا الشّحّ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلّوا محارمهم، وهذا يردّ قول من قال: إنّ البخل منع الواجب، والشّحّ منع المستحبّ، إذ لو كان الشّحّ منع المستحبّ لما دخل تحت هذا الوعيد العظيم، ويؤيّد ذلك ما روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- «.. لا يجتمع شحّ وإيمان في قلب رجل مسلم أبدا، وهذا يدلّ على أنّ الشّحّ أشدّ في الذّمّ من البخل «2» إلّا أنّه قد جاء في الحديث ما يدلّ على مساواتهما، وذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم عندما سئل: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال لا «3» وقال: الفيروز آباديّ: البخل ثمرة الشّحّ، والشّحّ يأمر بالبخل «4» . أنواع البخل: قال الرّاغب: البخل ضربان: أحدهما: بخل الإنسان بقنيّات نفسه «5» . والآخر: بخل بقنيّات غيره، وهو أكثرهما ذمّا بدليل قوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (النساء/ 37) «6» . البخل أصل لكل خلق مذموم: قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة- وإن كان ذريعة إلى كلّ مذمّة- أربعة أخلاق، ناهيك بها ذمّا وهي: الحرص، والشّره، وسوء الظّنّ، ومنع الحقوق، وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة، والشّيم اللّئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول «7» . وقال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم، حتّى إنّ ذلك عامّة ما تمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن. ثمّ قال: ولمّا كان صلاح بني آدم لا يتمّ في دينهم ودنياهم إلّا بالشّجاعة والكرم، بيّن الله سبحانه أنّه من تولّى عنه بترك الجهاد بنفسه   (1) تهذيب الأخلاق للجاحظ (33) . (2) الكليات (342) وقد ذكر أن البخل يتضمن معنى الإمساك ولذلك يعدى أيضا ب «عن» و «على» لأنه إمساك عن مستحق. (3) تفسير القرطبي (4/ 182) . (4) بصائر ذوي التمييز (2/ 227) . (5) قنيات نفسه: أي مقتنياته. (6) المفردات للراغب (38) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (2/ 227) . (7) أدب الدنيا والدين (228) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4030 أبدل الله به من يقوم بذلك، ومن تولّى عنه بإنفاق ماله أبدل الله به من يقوم بذلك. فقال: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (محمد/ 38) «1» . درجات البخل: قال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه الله تعالى-: اعلم أنّ السّخاء والبخل درجات: فأرفع درجات السّخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه وأشدّ درجات البخل: أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم من بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشّهوة فيمنعه منها البخل، فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة. فالأخلاق عطايا يضعها الله- عزّ وجلّ- حيث يشاء «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الشح- الأثرة- اتباع الهوي- الكنز- التعاون على الإثم والعدوان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار- الجود- السخاء- الكرم- الصدقة- التعاون على البر والتقوى- الإحسان- صلة الرحم- البر] .   (1) الاستقامة (2/ 263) . (2) مختصر منهاج القاصدين (205، 206) باختصار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4031 الآيات الواردة في «البخل» 1- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) «1» 2- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) «2» 3- وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) «3» 4- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38) «4»   (1) آل عمران: 180 مدنية (2) النساء: 36- 39 مدنية (3) التوبة: 75- 78 مدنية (4) محمد: 36- 38 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4032 5- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) «1» 6- وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) «2»   (1) الحديد: 22- 24 مدنية (2) الليل: 1- 10 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4033 الأحاديث الواردة في ذمّ (البخل) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي طلحة: «التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتّى أخرج إلى خيبر، فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدّين، وغلبة الرّجال ... الحديث» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعجز النّاس من عجز عن الدّعاء، وأبخل النّاس من بخل بالسّلام» ) * «2» . 3- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد، وإنّما أنتم ولد آدم طفّ الصّاع، لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلّا بالدّين أو عمل صالح، حسب الرّجل أن يكون فاحشا بذيّا بخيلا جبانا» ) * «3» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّ لفلان في حائطي عذقا «4» وإنّه قد آذاني وشقّ عليّ مكان عذقه فأرسل إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «بعني عذقك الّذي في حائط فلان» قال: لا. قال: «فهبه لي» قال: لا. قال: «فبعنيه بعذق في الجنّة» قال: لا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت الّذي هو أبخل منك إلّا الّذي يبخل بالسّلام» ) * «5» . 5- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك. وأنفق فسنفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك   (1) البخاري- الفتح 6 (2893) واللفظ له. مسلم (2706) (2) الطبراني في الدعاء (2/ 811) حديث (60) وقال مخرجه: إسناده حسن. ومجمع الزوائد (10/ 146) وقال: رواه أبو يعلى موقوفا ورجاله رجال الصحيح. (3) أحمد (4/ 145) واللفظ له، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وفيه لين وبقية رجاله وثقوا (8/ 83، 84) . (4) العذق: العرجون بما فيه من شماريخ الرطب، والعرجون: العود الأصفر الذي يحمل الشماريخ، والحائط: البستان. (5) أحمد (3/ 328) واللفظ له، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والبزار وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه كلام وقد وثق (3/ 127) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4034 من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر «1» له، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا؛ والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه؛ ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير الفحّاش» ) * «2» . 6- * (عن يعلى بن منبّه الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضمّهما إليه ثمّ قال: «إنّ الولد مبخلة مجبنة محزنة» ) * «3» . 7- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: بينا أنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقبلا من حنين علقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأعراب يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعطوني ردائي. فلو كان عدد هذه العضاه «4» نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدونني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) * «5» . 8- * (عن حسين بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البخيل من ذكرت عنده ثمّ لم يصلّ عليّ، صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» . 9- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: خرجت ذات يوم فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ألا أخبركم بأبخل النّاس؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ، فذاك أبخل النّاس» ) * «7» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دار عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دورة، قال: «أعندك شيء؟» . قالت: ليس عندي شيء. قال: «فأنا صائم» قالت: ثمّ دار عليّ الثّانية وقد أهدي لنا حيس «8» فجئت به فأكل فعجبت منه، فقلت: يا رسول الله دخلت عليّ وأنت صائم ثمّ أكلت حيسا. قال: «نعم يا عائشة إنّما منزلة من صام في غير رمضان أو غير قضاء رمضان أو في   (1) لا زبر له- بفتح الزاى وسكون الباء- أي لا عقل له يزبره وينهاه عن الإقدام على ما لا ينبغي. (2) مسلم (2865) . (3) ابن ماجة (3666) وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات. والحاكم (3/ 164) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت الذهبي. وأحمد (4/ 172) . وذكره الألباني في صحيح الجامع وعزاه كذلك للطبراني من حديث خولة بنت حكيم (1986) . (4) العضاه: كل شجر له شوك صغر أو كبر. الواحدة: عضاهة (المعجم الوسيط/ 607) . (5) البخاري- الفتح 6 (3148) . (6) الترمذي (3546) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأحمد (1/ 201) واللفظ له وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 176) رقم (1736) . والحاكم (1/ 549) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (7) ذكره السخاوي في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع وعزاه لابن أبي عاصم في الصلاة، وقال مخرجه (بشير عيون) . قال الألباني في تخريجه: حديث صحيح. (8) الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4035 التّطوّع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه، وبخل منها بما بقي فأمسكه» ) * «1» . 11- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش، فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش، وإيّاكم والشّحّ، فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا» ، فقام رجل فقال: يا رسول الله أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك» فقام ذاك أو آخر فقال: يا رسول الله أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك والهجرة هجرتان: هجرة الحاضر والبادي، فهجرة البادي: أن يجيب إذا دعي ويطيع إذا أمر، والحاضر أعظمهما بليّة وأفضلهما أجرا» ) * «2» . 12- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- كان يأمر بهؤلاء الخمس ويحدّثهنّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدّنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر» ) * «3» . 13- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: كنّا في جنازة في بقيع الغرقد. فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة «4» ، فنكّس فجعل ينكت «5» بمخصرته. ثمّ قال: «ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلّا وقد كتب الله مكانها من الجنّة والنّار، وإلّا وقد كتبت شقيّة أو سعيدة» قال: فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال: «من كان من أهل السّعادة، فسيصير إلى عمل أهل السّعادة، ومن كان من أهل الشّقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشّقاوة» . فقال: اعملوا فكلّ ميسّر؛ أمّا أهل السّعادة فييسّرون لعمل أهل السّعادة؛ وأمّا أهل الشّقاوة فييسّرون لعمل أهل الشّقاوة. ثمّ قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى» ) * «6» . 14- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا خلق الله جنّة عدن خلق فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على   (1) النسائي (4/ 194) واللفظ له، وقال الألباني: حسن (2/ 493) رقم 2189 وأصل الحديث في مسلم (1154) ، وعزاه الألباني في إرواء الغليل إلى (ابن خزيمة: 2141، 2142) . والدارقطني (236) والبيهقي (4/ 275) وأحمد (6/ 49، 207) . وانظر الإرواء (4/ 135) . (2) أبو داود (1698) مختصر. وأحمد (2/ 159، 160) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (9/ 251) رقم (6487) وعزاه للطيالسي والحاكم وهذا لفظ أحمد. (3) البخاري- الفتح 11 (6370) . (4) المخصر- بكسر الميم- شيء يأخذه الرجل بيده ليتوكأ عليه مثل العصا ونحوها والجمع المخاصر. (5) النكت: أن تضرب بقضيب في الأرض فتؤثر بطرفه فيها. (6) البخاري- الفتح 8 (4948) . ومسلم (2647) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4036 قلب بشر، ثمّ قال لها: تكلّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، قال: وعزّتي لا يجاورني فيك بخيل» ) * «1» . 15- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلا أعطاه الله إيّاه فيبخل عليه إلّا أخرج الله له يوم القيامة من جهنّم حيّة يقال لها: شجاع، فيطوّق بها» ) * «2» . 16- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من رجل له مال لا يؤدّي حقّ ماله إلّا جعل له طوقا في عنقه شجاع أقرع وهو يفرّ منه وهو يتبعه، ثمّ قرأ مصداقه من كتاب الله- عزّ وجلّ- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 180) » ) * «3» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد من ثديّهما إلى تراقيهما «4» ؛ فأمّا المنفق فلا ينفق إلّا سبغت، أو وفرت على جلده حتّى تخفي بنانه وتعفو أثره. وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلّا لزقت كلّ حلقة مكانها، فهو يوسّعها ولا تتّسع» ) * «5» . 18- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «6» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يأتي ابن آدم النّذر بشيء لم يكن قدّر له، ولكن يلقيه النّذر إلى القدر قد قدّر له، فيستخرج الله من البخيل فيؤتى عليه ما لم يكن يؤتى عليه من قبل» ) * «7» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ   (1) الطبراني في الكبير (11/ 184) رقم (11439) وقال مخرجه: رواه في الأوسط وإسناده جيد وفي (12/ 147) رقم (12723) ، وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وأحد إسنادي الطبراني في الأوسط جيد (10/ 397) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني في الكبير، والأوسط بإسنادين أحدهما جيد ورواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة من حديث أنس (3/ 380، 381) واللفظ له. (2) الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وإسناده جيد (8/ 154) ، وهو في الكبير برقم/ 2343 (2/ 322) . (3) النسائي (5/ 11، 12) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 512) رقم (2289) . وابن ماجة (1784) . (4) تراقيهما: جمع ترقوة- بفتح التاء- والترقوتان: العظمان المشرفان بين ثغرة النحر والعاتق. (5) البخاري- الفتح 3 (1443) واللفظ له، ومسلم (1021) . (6) مسلم (2722) . (7) البخاري- الفتح 11 (6694) واللفظ له، ومسلم (1640) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4037 زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع «1» له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة ثمّ يأخذ بلهزمتيه «2» يعني شدقيه ثمّ يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثمّ تلا وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الآية «3» » ) * «4» . 21- * ( ... لمّا جاء مال البحرين أمر أبو بكر مناديا فنادى: من كان له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دين أو عدة فليأتنا، فأتيته- يعني جابرا- فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لي كذا وكذا، فحثا لي ثلاثا، وجعل سفيان يحثو بكفّيه جميعا، ثمّ قال لنا: هكذا قال ابن المنكدر، وقال مرّة: فأتيت أبا بكر فسألت فلم يعطني، ثمّ أتيته فلم يعطني، ثمّ أتيته الثّالثة فقلت: سألتك فلم تعطني، ثمّ سألتك فلم تعطني، ثمّ سألتك فلم تعطني، فإمّا أن تعطيني وإمّا أن تبخل عنّي، قال: قلت تبخل عليّ: ما منعتك من مرّة إلّا وأنا أريد أن أعطيك، قال سفيان: وحدّثنا عمرو عن محمّد بن عليّ عن جابر فحثا لي حثية وقال: عدّها فوجدتها خمسمائة، فقال: خذ مثلها مرّتين، وقال- يعني ابن المنكدر-: وأيّ داء أدوأ من البخل) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (البخل) معنى 22- * (عن أبي أميّة الشّعبانيّ قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: أيّة آية؟ قلت: قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» ، قيل: يا رسول الله أجر خمسين منّا أو منهم؟   (1) الشجاع الأقرع: الحية الذكر المنزوع الشعر من كثرة السم (2) بلهزمتيه: بشدقيه. (3) الآية: 180 من سورة آل عمران. (4) البخاري- الفتح 3 (1403) واللفظ له. وخرجه النسائي وابن ماجة من حديث ابن مسعود نحوه. وانظر النسائي (5/ 11- 12) وقال الألباني: صحيح (2/ 512) رقم (2289) . وابن ماجة (1784) . (5) البخاري- الفتح 6 (3137) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4038 قال: «بل أجر خمسين منكم» ) * «1» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اجتنبوا السّبع الموبقات» قيل: يا رسول الله ما هي؟ قال: «الشّرك بالله، والشّحّ، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» ) * «2» . 24- * (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقرأ: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (التكاثر/ 1) قال: يقول ابن آدم: مالي. مالي. قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت؟» ) * «3» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت إذا هو لم يعط فيها حقّها تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقّها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها. قال: ومن حقّها أن تحلب على الماء. قال: ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار «4» فيقول: يا محمّد، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلّغت. ولا يأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء «5» فيقول: يا محمّد، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلّغت» ) * «6» . 26- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السّرّ والعلانية، والعدل في الرّضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى. وثلاث مهلكات: هوى متّبع، وشحّ مطاع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «7» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شرّ ما في رجل: شحّ هالع، وجبن خالع» ) * «8» . 28- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قالت هند أمّ معاوية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح «9» أن آخذ من ماله سرّا؟ قال: «خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف» ) * «10» .   (1) الترمذي (3058) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب، وأبو داود (4341) وذكره ابن كثير في تفسيره وقال: رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وكذا أبو داود وابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم (2/ 109) . (2) النسائي (6/ 257) وقال الألباني: صحيح (2/ 780) رقم (3432) وحديث أبي هريرة مخرج في الصحيحين وغيرهما. (3) مسلم (2958) . (4) يعار: صوت الشّاة. (5) رغاء: صوت الإبل. (6) البخاري- الفتح 3 (1402) وهذا لفظه. ومسلم (987) نحوا منه. (7) زوائد البزار (1/ 8059) . ومجمع الزوائد (1/ 91) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار وذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2/ 66) ح 3039 وقال: صحيح وفي الصحيحة (4/ 412) ح 1802. (8) أحمد (2/ 302، 320) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (15/ 164) رقم 7997. وابن حبان (3250) . (9) جناح: أي ذنب وإثم. (10) البخاري- الفتح 4 (2211) واللفظ له. ومسلم (1714) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4039 29- * (عن الأحنف بن قيس؛ قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش «1» إذ جاء رجل أخشن الثّياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم فقال: بشّر الكانزين برضف «2» يحمى عليه في نار جهنّم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم. حتّى يخرج من نغض كتفيه «3» ، ويوضع على نغض كتفيه حتّى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل. قال: فوضع القوم رؤوسهم فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا. قال: فأدبر واتّبعته حتّى جلس إلى سارية «4» فقلت: ما رأيت هؤلاء إلّا كرهوا ما قلت لهم. قال: إنّ هؤلاء لا يعقلون شيئا إنّ خليلي أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم دعاني فأجبته، فقال: «أترى أحدا؟» فنظرت ما عليّ من الشّمس «5» وأنا أظنّ أنّه يبعثني في حاجة له. فقلت: أراه. فقال: «ما يسرّني أنّ لي مثله ذهبا أنفقه كلّه إلّا ثلاثة دنانير، ثمّ هؤلاء يجمعون الدّنيا. لا يعقلون شيئا» . قال: قلت (يعني لأبي ذرّ) . مالك ولإخوتك من قريش، لا تعتريهم وتصيب منهم؟ قال: لا، وربّك، لا أسألهم عن دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، حتّى ألحق بالله ورسوله» ) «6» . 30- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله مالي شيء إلّا ما أدخل عليّ الزّبير بيته أفأعطي منه؟ قال: «أعطي، ولا توكي «7» فيوكى عليك» «8» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكا تلفا» ) * «9» . 32- * (عن بريدة الأسلميّ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقض قوم العهد قطّ إلّا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم قطّ الّا سلّط الله- عزّ وجلّ- عليهم الموت، ولا منع قوم الزّكاة إلّا حبس الله عنهم القطر» ) * «10» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشّحّ   (1) الملأ: الأشراف، وقيل الجماعة. (2) رضف: جمع رضفة وهي الحجارة المحماة. (3) نغض كتفيه: العظم الرقيق الذي على طرف الكتف. (4) سارية: عمود. (5) ما عليّ من الشمس: أي ما بقى من النهار. (6) البخاري- الفتح 3 (1407- 1408) . ومسلم (992) واللفظ له. (7) ولا توكي: أصل الوكاء الرّباط الّذي يربط به فم القربة والمراد: لا تمسكي عن النّفقة. (8) أبو داود (1699) واللفظ له. والترمذي (1960) وقال: حسن صحيح. والنسائي (5/ 74) . وقال الألباني: صحيح (2/ 538) رقم 2391. (9) البخاري- الفتح 3 (1442) . ومسلم (1010) متفق عليه. (10) سنن البيهقي (3/ 346) . والحاكم (2/ 126) واللفظ له وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال الألباني: وهو كما قالا: الصحيحة (1/ 169) حديث (107) وعزاه للطبراني في الأوسط. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال أيضا: رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات (1/ 534) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4040 والإيمان في قلب عبد أبدا» ) * «1» . 34- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين. خمس إذا ابتليتم بهنّ «2» وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة «3» في قوم قطّ، حتّى يعلنوا بها، إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلّا أخذوا بالسّنين «4» وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم؟ ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر «5» من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله، إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «6» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتقارب الزّمان، وينقص العمل «7» ويلقى الشّحّ، ويكثر الهرج» قالوا: وما الهرج؟ قال: «القتل القتل» ) * «8» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البخل) 1- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: «البخل جلباب المسكنة، وربّما دخل السّخيّ بسخائه الجنّة» ) «9» . 2- * (وقال أيضا: «إنّه سيأتي على النّاس زمان عضوض، يعضّ الموسر على ما في يده ولم يؤمر بذلك. قال الله تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» ) * «10» . 3- * (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: الشّحّ أشدّ من البخل؛ لأنّ الشّحيح هو الّذي يشحّ على ما في يد غيره حتّى يأخذه، ويشحّ بما في يده فيحبسه،   (1) النسائي (6/ 13) واللفظ له، قال الألباني: صحيح (2/ 652) رقم (2913، 2914، 2915، 2917، 2918) ، وأحمد (2/ 256) رقم (7499) ، (2/ 340) رقم (8500) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (13/ 218) (16/ 201) ، وهو فيه أيضا (2/ 342، 441) . (2) إذا ابتليتم: الجزاء محذوف أي: فلا خير، أو حل بكم من أنواع العذاب الذي يذكره بعده. (3) الفاحشة: أي الزنا. (4) السنين: جمع سنة والمراد القحط. (5) القطر: المطر. (6) ابن ماجة (4019) واللفظ له، وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. والحاكم (4/ 540) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة، وقال: طريق الحاكم حسنة الإسناد والحديث ثابت حتما وعزاه لابن أبي الدنيا في العقوبات، والروياني في مسنده (1/ 167- 169) رقم (106) . (7) فى مسلم: وينقص العلم. وقال ابن حجر: في رواية الكشميهنى وينقص العلم وهو المعروف في هذا الحديث. (8) البخاري- الفتح 10 (6037) . واللفظ له، ومسلم ج 4 (ص 2057) برقم (157) كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن آخر الزمان. (9) الآداب الشرعية (3/ 312) . (10) الإحياء (3/ 255) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4041 والبخيل هو الّذي يبخل بما في يده) * «1» . 4- * (قال طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه: «إنّا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء لكنّنا نتصبّر» ) * «2» . 5- * (قال أبو سريحة- رضي الله عنه- (حذيفة ابن أسيد) : «حملني أهلي على الجفاء، بعدما علمت من السّنّة. كان أهل البيت يضحّون بالشّاة والشّاتين. والآن يبخّلنا جيراننا» ) * «3» . 6- * (روي أنّ الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى- رأى رجلا في يده درهم فقال: لمن هذا الدّرهم؟ قال: لي، فقال: أما إنّه ليس لك حتّى يخرج من يدك، وفي معناه قيل: أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك) * «4» . 7- * (قال عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- لرجل قال له: تماكس في درهم وأنت تجود من المال بكذا وكذا؟ فقال: «ذاك مالي جدت به، وهذا عقلي بخلت به» ) * «5» . 8- * (قال محمّد بن المنكدر- رحمه الله تعالى- «كان يقال: إذا أراد الله بقوم شرّا أمّر عليهم شرارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم» ) * «6» . 9- * (قال الضّحّاك- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا (يس/ 8) : قال: «البخل، أمسك الله تعالى أيديهم عن النّفقة في سبيل الله فهم لا يبصرون الهدى» ) * «7» . 10- * (قالت أمّ البنين أخت عمر بن عبد العزيز- رحمها الله تعالى-: «أفّ للبخيل، لو كان البخل قميصا ما لبسته، ولو كان طريقا ما سلكته» ) «8» . 11- * (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: ما أدري أيّهما أبعد غورا في جهنّم: البخل أو الكذب؟» ) * «9» . 12- * (قال أبو حنيفة- رحمه الله تعالى-: لا أرى أن أعدّل بخيلا، لأنّ البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقّه خيفة من أن يغبن، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة» ) * «10» . 13- * (قال أبو محمّد إسحاق الموصليّ- رحمه الله تعالى-: وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إلى ما تأمرين سبيل   (1) الإحياء (3/ 255) . (2) المرجع السابق (3/ 255) . (3) ابن ماجة (3148) وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله موثقون. (4) الإحياء (3/ 255) . (5) المقاصد الحسنة للسخاوي (292) برقم (379) . (6) الإحياء (3/ 255) . (7) المرجع السابق (3/ 255) . (8) الإحياء (3/ 255) . (9) مساوىء الأخلاق للخرائطي (141) . والإحياء (3/ 255) . (10) الإحياء (3/ 255) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4042 أرى النّاس خلّان الجواد ولا أرى ... بخيلا له في العالمين خليل وإنّي رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئا أن يكون ينيل عطائي عطاء المكثرين تكرّما ... ومالي كما قد تعلمين قليل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جليل) * «1» . 14- * (قال بشر بن الحارث الحافيّ- رحمه الله تعالى-: «لا تزوّج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القاريء أن يكون بخيلا» ) * «2» . 15- * (وقال أيضا: «النّظر إلى البخيل يقسّي القلب، ولقاء البخلاء كرب على قلوب المؤمنين» ) * «3» . 16- * (قال حبيش بن مبشّر الثّقفيّ الفقيه: «قعدت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والنّاس متوافرون فأجمعوا أنّهم لا يعرفون رجلا صالحا بخيلا» ) * «4» . 17- * (قال الأصمعيّ- رحمه الله تعالى- «سمعت أعرابيّا وقد وصف رجلا فقال: لقد صغر فلان في عيني لعظم الدّنيا في عينه، وكأنّما يرى السّائل ملك الموت إذا أتاه» ) * «5» . 18- * (قال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله تعالى «قيل كان بالبصرة رجل موسر بخيل، فدعاه بعض جيرانه وقدّم طباهجة «6» ببيض فأكل منه فأكثر وجعل يشرب الماء فانتفخ بطنه ونزل به الكرب والموت، فجعل يتلوّى فلمّا جهده الأمر وصف حاله للطّبيب فقال: لا بأس عليك، تقيّأ ما أكلت، فقال: هاه، أتقيّأ طباهجة ببيض؟ الموت ولا ذلك» ) * «7» . 19- * (وقال أيضا:" يقال كان مروان بن أبي حفصة لا يأكل اللّحم بخلا حتّى يقرم إليه «8» فإذا قرم إليه أرسل غلامه فاشترى له رأسا فأكله فقيل له، نراك لا تأكل إلّا الرّؤوس في الصّيف والشّتاء، فلم تختار ذلك؟ قال: نعم، الرّأس أعرف ثمنه فآمن خيانة الغلام ولا يستطيع أن يغبنني فيه، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه، إن مسّ عينا أو أذنا أو خدّا وقفت على ذلك، وآكل منه ألوانا، عينه لونا وأذنه لونا وغلصمته لونا ودماغه لونا، وأكفى مؤنة طبخه، فقد اجتمعت فيه مرافق. قال: وخرج يوما يريد الخليفة المهديّ فقالت له امرأة من أهله مالي   (1) وفيات الأعيان (1/ 204) . والبيتان الأخيران ذكرهما الذهبي في ترجمته في السير وذكر أنه أنشدهما الرشيد فأمر له بمائة ألف درهم (11/ 118- 121) . (2) الإحياء (3/ 25) . (3) الإحياء (3/ 255) . (4) المرجع السابق (3/ 256) . (5) الآداب الشرعية (3/ 313) والإحياء (3/ 255) . (6) الطباهجة: معرّب وهو اللحم المشرح. (7) الإحياء (3/ 256) . (8) القرم- محركة- شدة شهوة اللحم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4043 عليك إن رجعت بالجائزة؟ فقال: إن أعطيت مائة ألف أعطيتك درهما، فأعطي ستّين فأعطاها أربعة دوانق. واشترى مرّة لحما بدرهم فدعاه صديق له فردّ اللّحم إلى القصّاب بنقصان دانق وقال: أكره الإسراف» . وقال: كان للأعمش جار وكان لا يزال يعرض عليه المنزل ويقول: لو دخلت فأكلت كسرة وملحا فيأبى عليه الأعمش، فعرض عليه ذات يوم فوافق جوع الأعمش، فقال: سر بنا فدخل منزله فقرّب إليه كسرة وملحا، فجاء سائل، فقال له ربّ المنزل: بورك فيك، فأعاد عليه المسألة فقال له: بورك فيك، فلمّا سأل الثّالثة قال له: اذهب والله وإلّا خرجت إليك بالعصا. قال: فناداه الأعمش وقال: اذهب ويحك، فو الله ما رأيت أحدا أصدق بوعيد منه منذ مدّة يدعوني على كسرة وملح فو الله ما زادني عليها» ) * «1» . 20- * (قال محمود الورّاق- رحمه الله تعالى-: تمتّع بمالك قبل الممات ... وإلّا فلا مال إن أنت متّا شقيت به ثمّ خلّفته ... لغيرك بعدا وسحقا ومقتا فجاد عليك بزور البكا ... وجدت له بالّذي قد جمعتا وأعطيته كلّ ما في يديك ... وخلّاك رهنا بما قد كسبتا) * «2» . 21- * (وقال ابن المعتزّ: بشّر مال البخيل بحادث أو وارث) * «3» . 22- * (وقاله نظما: يا مال كلّ جامع وحارث ... أبشر بريب حادث أو وارث) * «4» . 23- * (وقال: أبخل النّاس بماله أجودهم بعرضه) * «5» . 24- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «الجبن والبخل قرينان، فإن عدم النّفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل» ) * «6» . 25- * (قال الشّاعر: لا تطلبنّ إلى لئيم حاجة ... واقعد فإنّك قائم كالقاعد يا خادع البخلاء عن أموالهم ... هيهات تضرب في حديد بارد) * «7» . 26- * (وقال آخر طعامه النّجم لمن رامه ... وخبزه أبعد من أمسه كأنّه في جوف مرآته ... يرى ولا يطمع في لمسه) * «8» .   (1) الإحياء (3/ 256، 257) . (2) مساويء الأخلاق للخرائطي (143) . (3) الإحياء (3/ 256) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (85) . (7) الآداب الشرعية (2/ 178) . (8) مقدمة إكرام الضيف لأبي اسحاق إبراهيم الحربي (8) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4044 27- * (وقال آخر: إن كنت تطمع في كلامه ... فارفع يديك عن طعامه سيّان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه) * «1» . 28- * (وقال آخر: أقاموا الدّيدبان «2» على يفاع «3» ... وقالوا لا تنم للدّيدبان إذا أبصرت شخصا من بعيد ... فصفّق بالبنان على البنان تراهم خشية الأضياف خرسا ... يصلّون الصّلاة بلا أذان) * «4» . 29- * (قال بعض الحكماء: «لا تحمل على نفسك همّ ما لم يأتك، ولا تعدنّ عدة ليس في يديك وفاؤها، ولا تبخلنّ بالمال على نفسك، فكم جامع لبعل حليلته» ) * «5» . 30- * (قال بعض الحكماء: «من برأ من ثلاث نال ثلاثا: من بريء من السّرف نال العزّ، ومن بريء من البخل نال الشّرف، ومن بريء من الكبر نال الكرامة» ) * «6» . 31- * (قال بعض الحكماء: البخيل ليس له خليل) * «7» . 32- * (وقال آخر: البخيل حارس نعمته، وخازن ورثته) * «8» . 33- * (وقال بعض الشّعراء: إذا كنت جمّاعا لمالك ممسكا ... فأنت عليه خازن وأمين تؤدّيه مذموما إلى غير حامد ... فيأكله عفوا وأنت دفين) * «9» . 34- * (وقال آخر: «عجبا للبخيل المتعجّل للفقر الّذي منه هرب، والمؤخّر للسّعة الّتي إيّاها طلب، ولعلّه يموت بين هربه وطلبه، فيكون عيشه في الدّنيا عيش الفقراء، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء، مع أنّك لم تر بخيلا إلّا غيره أسعد بماله منه، لأنّه في الدّنيا مهتمّ بجمعه، وفي الآخرة آثم بمنعه، وغيره آمن في الدّنيا من همّه، وناج في الآخرة من إثمه» ) * «10» . 35- * (قال الشّاعر: وقال رسول الله والحقّ قوله ... لمن قال منّا: من تسمّون سيّدا؟ فقالوا هو الجدّ بن قيس على الّتي ... نبخّله فيها وإن كان أسودا   (1) مقدمة إكرام الضيف لأبي اسحاق إبراهيم الحربي (5) . (2) الديدبان: الرقيب. (3) اليفاع: المكان المرتفع. (4) مقدمة إكرام الضيف لأبي اسحاق الحربي (7) . (5) مساوئ الأخلاق للخرائطي (143) . (6) أدب الدنيا والدين (290) . (7) الآداب الشرعية (3/ 318) . (8) المرجع السابق نفسه. (9) المرجع السابق نفسه (10) المرجع السابق نفسه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4045 فتى ما تخطّى خطوة لدنيّة ... ولا مدّ في يوم إلى سوأة يدا فسوّد عمرو بن الجموح بجوده ... وحقّ لعمرو بالنّدى أن يسوّدا) * «1» . 36- * (قال حكيم: البخل هو محو صفات الإنسانيّة، وإثبات عادات الحيوانيّة) * «2» . 37- * (وقال آخر: «جود الرّجل يحبّبه إلى أضداده، وبخله يبغّضه إلى أولاده) * «3» . 38- * (قال بشر بن الحارث الحافي- رحمه الله تعالى-: «البخيل لا غيبة له. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك إذا لبخيل» ومدحت امرأة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: صوّامة قوّامة إلّا أنّ فيها بخلا. قال: «فما خيرها إذا» ) * «4» . من مضار (البخل) (1) البخل لا يجتمع مع الإيمان. (2) أصل لنقائص كثيرة، ويدعو إلى خصال ذميمة. (3) البخيل مكروه من الله عزّ وجلّ، ومبغوض من النّاس. (4) دليل على سوء الظّنّ بالله عزّ وجلّ. (5) دليل على قلّة العقل وسوء التّدبير. (6) مهلك للإنسان ومدمّر للأخلاق. (7) يضع السّيّد ويؤخّر السّابق. (8) ليس من صفات الأنبياء الأصفياء ولا السّادة الشّرفاء. (9) البخيل محروم في الدّنيا مؤاخذ في الآخرة.   (1) الآداب الشرعية (2/ 216) . (2) التعريفات للجرجاني (43) . (3) أدب الدنيا والدين (226) . (4) الآداب الشرعية (3/ 313) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4046 البذاءة البذاءة لغة: البذاءة مثل البذاء، كلاهما مصدر لقولهم بذأ يبذأ، وهو مأخوذ من مادّة (ب ذ أ) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على «خروج الشّيء عن طريقة الإحماد» يقال: بذأت المكان أبذؤه، إذا أتيته فلم تحمده، وبذأه كمنعه: رأى منه حالا يكرهها، وبذأه: احتقره وذمّه، وبذأ الأرض ذمّ مرعاها، وقد بذؤ الرّجل وبذيء وبذأ بمعنى، وبذؤ المكان: أصبح لا مرعى فيه، وقد بذأت على فلان أبذأ بذاء وبذاءة، وقد بذيء به: إذا عيب وازدري، ورجل بذيء من قوم أبذياء، وباذأت الرّجل: إذا خاصمته، وباذأه فبذأه (أي غلبه في البذاء) وأبذأت: جئت بالبذاء. والبذاء: المباذأة وهي المفاحشة والقبح في المنطق وإن كان الكلام صدقا. والبذيء: الفاحش وتقول بذأ الرّجل بذءا إذا رأيت منه حالا كرهتها، كما تقول: بذأته أبذؤه بذءا: إذا ذممته، أمّا قولهم: بذأته عيني تبذؤه بذاء وبذاءة: يعني ازدرته واحتقرته ولم تقبله، ولم تعجبك مرآته وذلك إذا أطرى الشّيء لك وعندك ثمّ لم تره كذلك وأمّا إذا رأيته كما الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 29/ 10 وصف لك فإنّك تقول: ما تبذؤه العين. وبذأ الشّيء: ذمّه، وأرض بذيئة: لا مرعى بها. وبذىء الرّجل: إذا ازدري «1» . البذاءة اصطلاحا: قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: هي التّعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصّريحة. وقال المناويّ: البذاء هو الفحش والقبح في المنطق، وإن كان الكلام صدقا. وقال الكفويّ: البذاء (والبذاءة) ، هو التّعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصّريحة، ويجري أكثر ذلك في الواقع (أي في الكلام المطابق للواقع وهو الصّدق) «2» . الوقاحة والبذاءة أصل الشر والمعاصي: قال أبو حاتم بن حبّان- رحمه الله تعالى-: القحّة (ترك الحياء) أصل الجهل وبذر الشّرّ، ومن لم ينصف النّاس منه حياؤه، لم ينصفه منهم قحته، وإذا لزم الوقح البذاء كان وجود الخير منه معدوما، وتواتر الشّرّ منه موجودا، لأنّ الحياء هو الحائل بين المرء وبين   (1) لسان العرب (1/ 236) . والصحاح (1/ 35- 36) . ومقاييس اللغة لابن فارس (1/ 216) ، والقاموس المحيط (42) . (2) الإحياء (3/ 122) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (73) ، والكليات للكفوي (243) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4047 المزجورات كلّها، بقوّته يضعف ارتكابه إيّاها، وبضعف الحياء تقوى مباشرته إيّاها. وقد أحسن من قال: وربّ قبيحة ما حال بيني ... وبين ركوبها إلّا الحياء فكان هو الدّواء لها ولكن ... إذا ذهب الحياء فلا دواء ثمّ ذكر- رحمه الله تعالى- سوء عاقبة البذيّ فقال: من ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره هان على النّاس ومقت، ومن مقت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن فقد عقله، ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عليه لا له، ولا دواء لمن لا حياء له، ولا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له، ومن قلّ حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحبّ «1» . دوافع البذاءة والفحش: قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: إنّ السّبّ والفحش وبذاءة اللّسان مذمومة ومنهيّ عنها ومصدرها الخبث واللّؤم، والباعث عليها إمّا قصد الإيذاء وإمّا الاعتياد الحاصل من مخالطة الفسّاق وأهل الخبث واللّؤم لأنّ من عادتهم السّبّ. ومواضع ذلك متعدّدة ويمكن حصرها في كلّ حال تخفى ويستحيا منها، فإنّ التّصريح في مثل هذه الحال فحش وينبغي الكناية عنها. وأكثر ما يكون في ألفاظ الوقاع وما يتعلّق به، فإنّ لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها. وأمّا أهل الصّلاح فإنّهم يتحاشون عنها بل يكنون عنها ويدلّون عليها بالرّموز فيذكرون ما يقاربها ويتعلّق بها، ألم تر أنّ الله- عزّ وجلّ- كنى باللّمس عن الجماع، ولذلك فإنّه تستعمل ألفاظ مثل المسّ واللّمس والدّخول والصّحبة. كما يكون الفحش والبذاء أيضا في حال قضاء الحاجة، فإنّ استعمال البول والغائط أولى من لفظ التّغوّط والخراء. ويدخل الفحش أيضا والبذاء في ذكر النّساء والكلام عنهنّ، فلا يقال: قالت زوجتك كذا، بل يقال: قيل في الحجرة أو من وراء السّتر، أو قالت أمّ الأولاد فالتّلطّف في هذه الألفاظ محمود والتّصريح فيها يفضي إلى الفحش. وكذلك يدخل أيضا في ذكر العيوب الّتي يستحيا منها فلا ينبغي أن يعبّر عنها بصريح اللّفظ، فلا يقال فلان الأبرص والأقرع بل يقال مثلا فلان الّذي به العارض الّذي يشكوه، وهذا كلّه يختلف باختلاف البلاد. وأوائل هذه الأشياء مكروه، وآخرها محظور، وبينهما درجات يتردّد فيها «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستهزاء- الأذى- الإساءة- السخرية- الفحش- البهتان- سوء الخلق- السفاهة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأدب- الصمت وحفظ اللسان- الكلم الطيب- اتباع الهوى- حسن المعاملة- حسن العشرة- حسن الخلق] .   (1) روضة العقلاء بتصرف (56- 59) . (2) الإحياء (3/ 121- 122) بتصرف وفيه تقديم وتأخير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4048 الآيات الواردة في ذمّ «البذاءة» معنى 1- لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) «1» 2- إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) «2» 3- أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) «3» 4- إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) «4»   (1) النساء: 148 مدنية (2) النور: 15- 16 مدنية (3) الأحزاب: 19 مدنية (4) الممتحنة: 2 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4049 الأحاديث الواردة في ذمّ (البذاءة) 1- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد، وإنّما أنتم ولد آدم، طفّ الصّاع لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلّا بالدّين أو عمل صالح. حسب الرّجل أن يكون فاحشا بذيّا بخيلا جبانا» ) * «1» 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رجلا وقع في أب للعبّاس كان في الجاهليّة فلطمه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أمواتنا، فتؤذوا أحياءنا، ألا إنّ البذاء لؤم» ) * «2» 3- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الحياء والعيّ شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان «3» شعبتان من شعب النّفاق) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النّار» ) * «5» 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن بالطّعّان ولا اللّعّان ولا الفاحش ولا البذيء» ) * «6» 6- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ الله ليبغض الفاحش البذيء» ) * «7»   (1) أحمد (4/ 145) . وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله وثقوا (8/ 84) . (2) ذكره العراقي في تخريج الإحياء وقال: خرجه النسائي بإسناد صحيح (3/ 130) . وهو عند النسائي بغير القصة (4/ 53) . كما ذكره بمعناه (8/ 33) . (3) المراد بالبيان: كشف ما لا يجوز كشفه، أو المراد به المبالغة في الإيضاح حتى ينتهي إلى حد التكلف. (4) الحاكم (1/ 9) وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه وقد احتجا برواته عن آخرهم. وقال العراقي في تخريج الإحياء: خرجه الترمذي وحسنه. والحاكم وصححه على شرطهما (3/ 121) . (5) الترمذي (2009) وقال: حسن صحيح. والحاكم (1/ 53) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان وقال محققه: حسن (14) . وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (555) وعزاه أيضا لابن حبان. وقال محقق «جامع الأصول» (3/ 617) : إسناده حسن. (6) الترمذي (1977) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأحمد (1/ 405) رقم (3839) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 322) . والحاكم (1/ 12) وصححه ووافقه الذهبي، وقال محقق «جامع الأصول» : هو كما قالا (10/ 757) ، كما عزاه أيضا لابن حبان كما في الموارد. (7) الترمذي (2002) وقال: حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 6) : إسناده حسن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4050 الأحاديث الواردة في ذمّ (البذاءة) معنى 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة. فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الّذي قلت ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة: إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه النّاس- اتّقاء فحشه» ) * «1» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أناس من اليهود، فقالوا: السّام عليك يا أبا القاسم. قال: «وعليكم» ، قالت عائشة: قلت: بل عليكم السّام والذّام «2» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة لا تكوني فاحشة» . فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: «أو ليس قد رددت عليهم الّذي قالوا؟ قلت: وعليكم» ) * «3» 9- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دخل على أمّ السّائب أو أمّ المسيّب فقال: «مالك يا أمّ السّائب أو يا أمّ المسيّب تزفزفين «4» ؟» قالت: الحمّى لا بارك الله فيها. فقال: «لا تسبّي الحمّى، فإنّها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» ) * «5» . 10- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال «6» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «7» ، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «8» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «9» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «10» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «11» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «12» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا   (1) البخاري- الفتح 10 (6054) واللفظ له. مسلم (2591) (2) «السّام والذّام» السّام: الموت، والذّام: الذّمّ. (3) البخاري- الفتح 10 (6030) . مسلم (2165) واللفظ له. (4) تزفزفين: يعني تتحركين حركة شديدة وترتعدين. (5) مسلم (2575) . (6) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال إلخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (7) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (8) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. (9) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (10) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (11) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق. (12) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الزمان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4051 رأسي «1» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «2» ، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق؛ ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم؛ وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «3» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «4» أهلا ولا مالا؛ والخائن الّذي لا يخفى له طمع «5» ، وإن دقّ إلّا خانه؛ ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «6» «والشّنظير «7» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «8» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رجلا لعن الرّيح، وقال مسلم: إنّ رجلا نازعته الرّيح رداءه على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلعنها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلعنها، فإنّها مأمورة، وإنّه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللّعنة عليه» ) * «9» . 12- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّعّانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة» ) * «10» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والفحش والتّفحّش، فإنّ الله لا يحبّ الفاحش المتفحّش، وإيّاكم والظّلم، فإنّه هو الظّلمات يوم القيامة، وإيّاكم والشّحّ، فإنّه دعا من قبلكم، فسفكوا دماءهم، ودعا من قبلكم فقطعوا أرحامهم، ودعا من قبلكم فاستحلّوا حرماتهم» ) * «11» . 14- * (عن أبي برزة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا إلى حيّ من أحياء العرب، فسبّوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ أهل عمان «12» أتيت، ما سبّوك   (1) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (2) نغزك: أي نعينك. (3) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (4) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الإتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (5) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (6) وذكر البخل أو الكذب: في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور. (7) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السّيّء الخلق. (8) مسلم (2865) (9) أبو داود (4908) واللفظ له. والترمذي (1978) وقال: حسن غريب. وقال محقق «جامع الأصول» : خرجه ابن حبان وهو حديث صحيح (10/ 764) (10) مسلم (2598) (11) الحاكم (1/ 12) ، وابن حبان (14/ 141) / 6248، والبخاري في الأدب المفرد (487) ، والبيهقي في الآداب الشرعية (108) ، وهو في المسند من طريق أخرى (2/ 431) ، وهو حديث حسن وله شاهد من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما-. (12) عمان: مدينة بالبحرين. وهي الآن في سلطنة عمان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4052 ولا ضربوك» ) * «1» . 15- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: «جاء أعرابيّ (ملويّ) جريء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله: أخبرنا عن الهجرة إليك أينما كنت، أو لقوم خاصّة، أم إلى أرض معلومة، أم إذا متّ انقطعت؟ قال: فسكت عنه يسيرا ثمّ قال: «أين السّائل؟ قال: ها هو ذا يا رسول الله. قال: «الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، ثمّ أنت مهاجر وإن متّ بالحضر. ثمّ قال (عبد الله بن عمرو) : ابتداء من نفسه جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله: أخبرنا عن ثياب أهل الجنّة خلقا تخلق أم نسجا تنسج؟ فضحك بعض القوم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ممّ تضحكون؟ من جاهل يسأل عالما» ثمّ أكبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «أين السّائل؟ قال: هو ذا أنا يا رسول الله. قال: «بل تشقّق عنها ثمر الجنّة» ، ثلاث مرّات) * «2» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «3» . على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل «4» . قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «5» . إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره «6» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «7» ، إن أنطق أطلّق. وإن أسكت أعلّق «8» قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «9» لا حرّ ولا قرّ «10» . ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «11» وإن خرج أسد. ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «12» وإن شرب اشتفّ. وإن اضطجع التفّ. ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ.   (1) مسلم (2544) . (2) أحمد (2/ 224 225) وقال شاكر: إسناده صحيح (12/ 4645) . (3) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشّرح: المراد بالغث المهزول. (4) هكذا في البخاري- الفتح 9 (5189) وفي المزهر للسيوطي (2/ 532) «ولا سمين فينتقى» ولعله الصواب. (5) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (6) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. قال الخطابي وغيره: أرادت بهما عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة. (7) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع. (8) إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق: إن ذكرت عيوبه طلقني وإن سكتّ عنها علقني فتركني لا عزباء ولا مزوّجة. (9) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة. لذيذ معتدل. ليس فيه حر ولا برد مفرط. ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه. لا يسأمني ويمل صحبتي. (10) القر: البرد. (11) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإن خرج أسد وهو وصف له بالشّجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. (12) رواية السيوطي فى المزهر (2/ 533) إن أكل اشتف أي استقصى. قولها: زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4053 قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «1» . طباقاء. كلّ داء له داء «2» . شجّك «3» أو فلّك «4» أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي الرّيح، ريح زرنب والمسّ مسّ أرنب «5» . قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «6» ، طويل النّجاد «7» ، عظيم الرّماد «8» . قريب البيت من النّادي. قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك «9» ؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر1» أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ «11» وملأ من شحم عضديّ «12» . وبجّحني   الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء. مأخوذ من الشفافة، وهي ما بقي في الإناء من الشراب. فإذا شربها قيل اشتفها وتشافها. وقولها: ولا يولج الكف ليعلم البث. قال أبو عبيد: أحسبه كان بجسدها عيب أو داء كنت به. لأن البث الحزن. فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك فيشق عليها. فوصفته بالمروءة وكرم الخلق. وقيل: هذا ذم له أرادت وان اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته. (1) زوجي غياياء: أو عياياء: وهو الذي لا يلقح، وقيل: هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقيل: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدي إلى مسلك. وقيل: هو العيىّ الأحمق. (2) كل داء له داء: أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه. (3) شجك: أي جرحك في الرأس. (4) أو فلك: الفل الكسر والضرب. ومعناه أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو، أو جمع بينهما. وقيل: المراد بالفل هنا الخصومة. (5) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل: أرادت طيب ريح جسده. وقيل: طيب ثيابه في الناس. وقيل: لين خلقه وحسن عشرته. والمس مس أرنب، صريح في لين الجانب وكرم الخلق. (6) زوجي رفيع العماد: قال العلماء: معنى رفيع العماد وصفه بالشرف وسناء الذكر. أي بيته في الحسب رفيع في قومه. وقيل إن بيته الّذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه. وهكذا بيوت الأجواد. (7) طويل النجاد: تصفه بطول القامة. والنجاد حمائل السيف. فالطويل يحتاج إلى طول حمائل سيفه. والعرب تمدح بذلك. (8) عظيم الرماد: تصفه بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز، فيكثر وقوده فيكثر رماده. وقيل: لأن ناره لا تطفأ بالليل لتهتدي بها الضيفان. والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض. (9) زوجي مالك وما مالك: معناه أن له إبلا كثيرا. فهي باركة بفنائه. لا يوجهها تسرح إلا قليلا. فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها. (10) المزهر: هو العود الذي يضرب. أرادت أن زوجها عود إبله، إذا نزل به الضيفان، نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب. فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات. (11) أناس من حلي أذني: الحلي بضم الحاء وكسره، لغتان مشهورتان. والنوس الحركة من كل شيء متدلّ. ومعناه حلاني قرطة وشنوفا، فهي تنوس أي تتحرك من كثرتها (12) وملأ من شحم عضدي: قال العلماء. معناه أسمنني وملأ بدنى شحما. وخصت العضدين لأنهما إذا سمنتا سمن غيرهما. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4054 فبجحت إلىّ نفسيّ «1» وجدني في أهل غنيمة بشقّ. فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «2» . فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح وأشرب فأتقنّح «3» أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح «4» وبيتها فساح «5» . ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة «6» . ويشبعه ذراع الجفرة «7» . بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها وغيظ جارتها «8» . جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «9» . ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «10» . ولا تملأ بيتنا تعشيشا «11» . قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «12» . فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين «13» فطلّقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سريّا. ركب شريّا «14» . وأخذ خطّيّا «15» وأراح عليّ نعما   (1) وبجحني فبجحت إلى نفسي: بجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر. ومعناه فرّحني ففرحت. وعظمني فعظمت عند نفسي. يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر. (2) ودائس ومنق: الدائس هو الذي يدوس الزرع في بيدره: يقال: داس الطعام درسه. ومنقّ: من نقى الطعام ينقيه أي يخرجه من تبنه وقشوره. والمقصود أنه صاحب زرع يدوسه وينقيه. (3) فأتقنح: التقنح: الشرب بعد الرى، وقيل: تكرار الشرب بعد الري والمعنى: أنها تشرب حتى لا تجد مساغا. (4) عكومها رداح: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة. واحدها عكم. ورداح أي عظام كبيرة. (5) وبيتها فساح: أي واسع. والفسيح مثله. قيل: ويحتمل أنها أرادت كثرة الخيل والنعمة. (6) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. والشطبة ما شطب من جريد النخل، أي شق. وهي السعفة. لأن الجريدة تشقق منها قضبان رقاق. والمسل هنا مصدر بمعنى المسلول، أي ما سل من قشره. وقيل: أرادت بقولها كمسل شطبة أنه كالسيف سل من غمده. (7) ويشبعه ذراع الجفرة: الذراع مؤنثة وقد تذكر. والجفرة الأنثى من أولاد المعز. وقيل من الضأن. وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها. والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به. (8) وغيظ جارتها: قالوا: المراد بجارتها ضرتها. يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها (9) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله. (10) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة. (11) ولا تملأ بيتنا تعشيشا: أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه. بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفة. (12) والأوطاب تمخض: الأوطاب جمع وطب: وهو جمع قليل النظير. وهي أسقية اللبن التي يمخض فيها. وقيل: هو جمع وطبة. ومخضت اللبن مخضا إذا استخرجت زبده بوضع الماء فيه وتحريكه أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع. (13) يلعبان من تحت خصرها برمانتين: قال أبو عبيد: معناه أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان (14) رجلا سريّا ركب شريّا: سريّا معناه سيدا شريفا وقيل سخيّا. وشريّا هو الفرس الذي يستشري في سيره، أي يلح ويمضي بلا فتور ولا انكسار. (15) وأخذ خطيّا: بفتح الخاء وكسرها. والفتح أشهر. والخطي الرمح. منسوب إلى الخط. عند عمان والبحرين. قيل لها الخط لأنها على ساحل البحر. وسميت الرماح خطية لأنها تحمل الى هذا الموضع وتثقف فيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4055 ثريّا «1» . وأعطاني من كلّ رائحة زوجا «2» . قال: كلي أمّ زرع وميري أهلك «3» . فلو جمعت كلّ شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كنت لك: كأبي زرع لأمّ زرع» «4» ) * «5» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الصّيام جنّة «6» ، فلا يرفث «7» ولا يجهل. وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إنّي صائم- مرّتين- والّذي نفسي بيده لخلوف «8» فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصّيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها» ) * «9» . 18- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر طهرة للصّائم من اللّغو والرّفث وطعمة للمساكين، من أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصّدقات) * «10» . 19- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: كنت جالسا في مجلس فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي سمرة جالس أمامي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الفحش والتّفاحش ليسا من الإسلام في شيء، وإنّ خير النّاس إسلاما أحسنهم خلقا) * «11» . 20- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما كان الفحش في شيء قطّ إلّا شانه، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلّا زانه» ) * «12» . 21- * (عن المعرور بن سويد- رحمه الله تعالى- قال: مررنا بأبي ذرّ بالرّبذة «13» . وعليه برد وعلى غلامه مثله. فقلنا: يا أبا ذرّ لو جمعت بينهما كانت حلّة، فقال: إنّه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمّه أعجميّة، فعيّرته بأمّه، فشكاني إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلقيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «يا أبا ذرّ إنّك امرؤ   (1) وأراح علي نعما ثريا: أي أتى بها إلى مراحها، وهو موضع مبيتها. والنعم الإبل والبقر والغنم. ويحتمل أن المراد ههنا بعضها وهي الإبل. والثري الكثير المال وغيره. ومنه الثروة في المال وهي كثرته. (2) وأعطاني من كل رائحة زوجا: قولها من كل رائحة أي مما يروح من الإبل والبقر والغنم والعبيد، زوجا أي اثنين. ويحتمل أنها أرادت صنفا. والزوج يقع على الصنف ومنه قوله تعالى: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً. (3) وميري أهلك: أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم. (4) كنت لك كأبي زرع لأم زرع: قال العلماء: هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها. ومعناه: أنا لك كأبي زرع. وكقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً* أي كان فيما مضى وهو باق كذلك. (5) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له. (6) جنّة- بضم الجيم- أي وقاية. (7) قال ابن حجر في الفتح: المراد بالرفث هنا: الكلام الفاحش (4/ 104) . (8) الخلوف تغير رائحة الفم من أثر الصيام، لخلو المعدة من الطعام. (9) البخاري- الفتح 4 (1894) . ومسلم (1151) . (10) أبو داود (1609) ، وقال الألباني: حسن (1/ 303) برقم (1420) . وابن ماجة (1827) . وذكره في جامع الأصول من حديث ابن عمر وقال محققه: إسناده حسن (4/ 644) . (11) أحمد (5/ 89 و99) . وأبو يعلى في «مسنده» رقم (7468) بإسناد جيد، وابن أبي شيبة (8/ 514) ، والبخاري في «التاريخ» (6/ 291) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (2/ 256) ، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 25) : رجاله ثقات، وقال العراقي في تخريج الإحياء: أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا بإسناد صحيح (3/ 122) (12) الترمذي (1974) وقال: حديث حسن. وابن ماجة (4185) . وأحمد (3/ 165) . (13) الربذة: موضع بالبادية بينه وبين المدينة ثلاث مراحل، وهو في شمال المدينة سكنه أبو ذر وتوفي ودفن فيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4056 فيك جاهليّة» قلت: يا رسول الله، من سبّ الرّجال سبّوا أباه وأمّه. قال: «يا أبا ذرّ، إنّك امرؤ فيك جاهليّة، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم ممّا تأكلون، وألبسوهم ممّا تلبسون، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «1» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حجّ لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمّه» ) *» . 23- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من الكبائر شتم الرّجل والديه» . قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرّجل والديه؟ قال: «نعم، يسبّ أبا الرّجل فيسبّ أباه ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه» ) * «3» . 24- * (عن أبي جريّ جابر بن سليم، قال: رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا (هذا) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: عليك السّلام يا رسول الله- مرّتين- قال: «لا تقل عليك السّلام! فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت قل: السّلام عليك» قال: قلت: أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول الله الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «4» فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة «5» فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك، قلت: اعهد إليّ، قال: «لا تسبّنّ أحدا» قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا، ولا بعيرا ولا شاة، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار «6» فإنّها من المخيلة، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنّما وبال ذلك عليه «7» » ) * «8» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أصحابي، لا تسبّوا أصحابي. فو الّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مدّ أحدهم «9» ، ولا نصيفه» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 1 (30) . ومسلم (1661) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 3 (1521) . ومسلم (1350) . (3) البخاري- الفتح 10 (5973) ، ومسلم (90) واللفظ له. (4) عام سنة: عام قحط وجدب. (5) فلاة: صحراء. (6) إسبال الإزار: إطالته. (7) وبال ذلك عليه: أي إثمه وذنبه عليه. (8) أبو داود (4084) وهو عند الألباني (3/ 769، 770) وقال: صحيح. (9) مدّ أحدهم: المد ضرب من المكاييل وهو ربع صاع والصاع خمسة أرطال، وقدره بالمد لأنه أقل ما كانوا يتصدقون به في العادة، وأصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه. (10) البخاري- الفتح 7 (3673) من حديث أبي سعيد. ومسلم (2540) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4057 26- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا الدّيك، فإنّه يوقظ للصّلاة» ) * «1» 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تهجّروا «2» ، ولا تدابروا، ولا تحسّسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «3» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «لا ينبغي لصدّيق أن يكون لعّانا» ) * «4» 29- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه- في قصصه يوما وهو يذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث- يعني عبد الله بن رواحة- وذكر أبياته وهي: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (البذاءة) 1- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-: «إنّ أبغض النّاس إلى الله كلّ طعّان لعّان» ) * «6» . 2- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «ألأم شيء في المؤمن الفحش» ) * «7» . 3- * (قال الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى: «ألا أخبركم بأدوإ الدّاء: اللّسان البذيء، والخلق الدّنيء» ) * «8» . 4- * (قال عطاء- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ (الأنبياء/ 90) قال: «كان في خلقها سوء، وكان في لسانها طول، وهؤلاء بذاء، فأصلح له ذلك منها» ) * «9» . 5- * (عن سعيد بن عبد العزيز- رحمه الله- قال: «رأى أبو الدّرداء- رضي الله عنه- امرأة سليطة اللّسان، فقال: لو كانت هذه خرساء، كان خيرا لها) * «10» . 6- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- للعلاء بن هارون لمّا سأله عن خرّاج تحت إبطه: من أين مخرجه. فتحفّظ في منطقه وقال: «من   (1) أبو داود (5101) ، وقال الألباني: صحيح (3/ 961) برقم (4254) . وذكره في جامع الأصول وقال محققه: إسناده حسن (10/ 767) . (2) لا تهجروا: أي لا تتكلموا بالهجر وهو الكلام القبيح. (3) مسلم (2563) . (4) مسلم (2597) . (5) البخاري- الفتح 3 (1155) . (6) الإحياء (3/ 126) . (7) روضة العقلاء (57) . (8) الإحياء (3/ 123) . (9) مساويء الأخلاق للخرائطي (40) . وتفسير ابن كثير (3/ 193) . (10) الإحياء (3/ 125) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4058 باطن اليد» ) * «1» . 7- * (قال إبراهيم بن ميسرة- رحمه الله تعالى-: «يقال يؤتى بالفاحش المتفحّش يوم القيامة في صورة كلب أو في جوف كلب» ) * «2» . 8- * (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «خمس من علامات الشّقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلّة الحياء، والرّغبة في الدّنيا، وطول الأمل» ) * «3» . 9- * (قال محمّد بن عبد الله البغداديّ: إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه ... فلا خير في وجه إذا قلّ ماؤه حياءك فاحفظه عليك فإنّما ... يدلّ على وجه الكريم حياؤه) * «4» . 10- * (قال الشّاعر: انطق مصيبا لا تكن هذرا ... عيّابة ناطقا بالفحش والرّيب وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر ... فإن نطقت فلا تكثر من الخطب ولا تجب سائلا من غير تروية ... وبالّذي لم تسل عنه فلا تجب) * «5» . من مضار (البذاءة) (1) دليل ضعف الإيمان وقلّة الدّين. (2) دليل خبث الطّويّة. (3) تسبّب قلّة الأصحاب، وبعد الأهل والأحباب. (4) يكثر اعتذاره إن كان رجّاعا وإن لا فلا يرعوي لسرعة وقوعه في النّاس. (5) يؤذي المسلمين بل جميع العالمين لما يصدر عنه من الغلط المبين. (6) تؤدّي إلى الهوان على النّاس. (7) دليل قلّة الحياء. (8) تؤدّي إلى إشاعة الفحش والفاحشة في المجتمع وبين النّاس.   (1) الإحياء (3/ 123) . (2) المرجع السابق (3/ 131) . (3) مدارج السالكين (2/ 270) . (4) روضة العقلاء (57) . (5) حسن السمت في الصمت (47) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4059 البذاذة والتبذل البذاذة والتبذل لغة: مصدر قولهم: بذّت هيئته بذاذة، وهو مأخوذ من مادّة (ب ذ ذ) الّتي تدلّ على الغلبة والقهر والإذلال، يقال: بذّ فلان أقرانه يبذّهم فهو باذّ: إذا غلبهم، وإلى هذا يرجع قولهم: هو باذّ الهيئة وبذّ الهيئة، وبيّن البذاذة، أي أنّ الأيام أتت عليها فأخلقتها فهي مقهورة، ويكون فاعل (باذّ) في معنى مفعول (أي مبذوذ) ، ومعنى قولهم: حال فلان بذّة: سيّئة وقد بذذت بعدي (بالكسر) فأنت باذّ الهيئة وبذّها أي رثّها، وقيل: رثّ اللّبسة ويكنى بذلك عن التّواضع في اللّباس وترك التّبجّح به، وقال ابن منظور: يقال: بذذت بذذا وبذاذة وبذوذة: أي رثّت هيئتك وساءت حالتك وفي الحديث: «البذاذة من الإيمان» البذاذة: رثاثة الهيئة وهي أن يكون الرّجل متقهّلا «1» ، يقال منه: رجل باذّ الهيئة، وفي هيئته بذاذة وقال بعضهم: البذّ: الرّجل المتقهّل الفقير، وقيل: البذاذة: أن يكون يوما متزيّنا، ويوما شعثا، أو هي ترك مداومة الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 14/ 5 الزّينة، وحال بذّة أي سيّئة، ورجل بذّ البخت: سيّئه، رديئه، وتمر بذّ: متفرّق لا يلزق بعضه ببعض «2» . التبذّل والبذاذة قريبة في معناها اللّغويّ من التبذّل والابتذال، يقول ابن الأثير: وفي حديث الاستسقاء: «فخرج متبذّلا..» التّبذّل: ترك التّزيّن والتّهيّؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التّواضع، وبمثل ذلك فسّر حديث سلمان «فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة» وفي رواية «مبتذلة «3» » والبذلة من الثّياب، ما يلبس ويمتهن ولا يصان، وابتذال الثّوب وغيره امتهانه، والتّبذّل: ترك التّصاون «4» . البذاذة والتبذل اصطلاحا: قال فيها ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: هي سوء الهيئة والتّجوّز في الثّياب ونحوها، يقال: رجل باذّ الهيئة: إذا كان رثّ الهيئة والثّياب «5» . وقال فيه ابن حجر- رحمه الله تعالى-: التّبذّل والابتذال بمعنى واحد، وهو لبس ثياب البذلة وهي المهنة «6» .   (1) المتقهّل: الذي لا يتعهد جسده بالماء والنّظافة، وقيل: هو يابس الجلد سيء الحال. (2) مقاييس اللغة (1/ 177) ، الصحاح (2/ 561) ، النهاية في غريب الحديث (1/ 112) ، ولسان العرب (بذل) (ص 238) (ط. دار المعارف) . (3) النهاية لابن الأثير (1/ 111) . (4) لسان العرب (1/ 238) (ط. دار المعارف) . (5) مختصر سنن أبي داود (6/ 84، 85) بتعليق محمد حامد الفقي. (6) فتح الباري (4/ 248) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4060 وقال المناويّ: البذلة: ما يمتهن من الثّياب في الخدمة، يقال: بذل الثّوب وابتذله: لبسه في أوقات الخدمة والامتهان «1» . البذاذة والتبذل بين المدح والذم: إنّ الغنى الحقيقيّ للإنسان ليس في مظهره فحسب، وإنّما في مخبره وخبيئة نفسه، وقد يعتري المسلم حالات توجب عليه ارتداء الثّياب الحسنة، والظّهور بمظهر لائق تحدّثا بنعمة الله عليه شريطة ألّا يؤدّي ذلك إلى الغرور أو الافتتان، وقد أمرنا الله- عزّ وجلّ- بأن نأخذ زينتنا عند كلّ مسجد، وقال سبحانه مشدّدا النّكير على من يحرّم زينته قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ (الأعراف/ 32) ولا شكّ أنّ رثاثة الهيئة وقبح المنظر ممّا يتنافى مع هذه الزّينة، ومن ثمّ كانت البذاذة من المظاهر الرّديئة الّتي يأباها الإسلام، واستعاذ منها الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم في الأحوال العاديّة، وقد استنكر سلمان الفارسيّ تبذّل أمّ الدّرداء وأقرّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على ذلك، قال ابن حجر رحمه الله تعالى-: وفي هذا مشروعيّة تزيّن المرأة لزوجها، وثبوت حقّ المرأة على الزّوج في حسن العشرة «2» ، وقد تجدّ أحوال أخرى تقتضي إظهار التّواضع والخشوع وإظهار المذلّة، كما حدث من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صلاة الاستسقاء حيث خرج «متبذّلا متخضّعا» » وقد فعل ذلك صلّى الله عليه وسلّم على جهة التّواضع لله عزّ وجلّ- وقد يكون التّبذّل ناجما عن عدم القدرة على ارتداء غير ثياب المهنة أو الثّياب القديمة، فإذا قبل ذلك المسلم صابرا كان علامة على إيمانه ورضا بما قسم الله له، وهذا يفسّر الحديث الآخر: «البذاذة من الإيمان» أي أنّ التّواضع في اللّباس لغير القادر وترك التّبجّح به للقادر من علامات الإيمان الصّحيح، وقد دخل عبد الله بن نهيك على سعد وعنده متاع رثّ ومثال رثّ، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» قال أبو عبيد: كان سفيان بن عيينة يقول معناه: من لم يستغن به، وذكره رثاثة المتاع والمثال ينبئك أنّه إنّما أراد الاستغناء بالمال القليل «4» ، وإن دلّ هذا على شيء فعلى أنّ الغنى الحقيقيّ ليس في المتاع الحسن أو الأثاث الفاخر أو الثّياب الرّفّافة، وإنّما فيما يحمله المسلم من القرآن «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الإهمال- التهاون- التفريط والإفراط- التخاذل- النجاسة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن السمت- الطهارة- المروءة- النظام- النزاهة] .   (1) التوقيف على مهمات التعاريف (73) . (2) فتح الباري (4/ 249) . (3) انظر النهاية (1/ 111) . (4) غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 385) ت: حسين محمد شرف. (5) استخلصت هذه الفقرة مما أوردته كتب الأحاديث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4061 الأحاديث الواردة في ذمّ (البذاذة والتبذل) 1- * (عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- أنّه قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة «1» فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء، فصنع له طعاما فقال له: كل. قال: فإنّي صائم، قال: ما أنا بآكل حتّى تأكل. قال: فأكل، فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثمّ ذهب يقوم فقال: نم. فلمّا كان من آخر اللّيل قال سلمان: قم الآن، فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» ) * «2» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخلت عليّ خولة بنت حكيم بن أميّة، وكانت عند عثمان بن مظعون- قالت: فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذاذة هيئتها، فقال لي: «يا عائشة، ما أبذّ هيئة خويلة» . قالت: فقلت: يا رسول الله، امرأة لا زوج لها «3» ، يصوم النّهار ويقوم اللّيل، فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها. قالت: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال: «يا عثمان أرغبة عن سنّتي؟» قال: فقال: لا والله يا رسول الله ولكن سنّتك أطلب، قال: «فإنّي أنام وأصلّي، وأصوم وأفطر، وأنكح النّساء. فاتّق الله يا عثمان، فإنّ لأهلك عليك حقّا، وإنّ لضيفك عليك حقّا، وإنّ لنفسك عليك حقّا فصم وأفطر، وصلّ ونم» ) * «4» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: دخل رجل المسجد يوم الجمعة والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المنبر- فدعاه فأمره أن يصلّي ركعتين، ثمّ دخل الجمعة الثّانية- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر- فدعاه فأمره، ثمّ دخل الجمعة الثّالثة فأمره أن يصلّي ركعتين، ثمّ قال: «تصدّقوا» ففعلوا فأعطاه ثوبين ممّا تصدّقوا ثمّ قال: «تصدّقوا» فألقى أحد ثوبيه، فانتهره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكره ما صنع ثمّ قال: «انظروا إلى هذا فإنّه دخل المسجد في هيئة بذّة، فدعوته فرجوت أن تعطوا له فتصدّقوا عليه وتكسوه فلم تفعلوا، فقلت: تصدّقوا، فأعطيته ثوبين ممّا تصدّقوا ثمّ قلت: تصدّقوا فألقى أحد ثوبيه. خذ ثوبك، وانتهره» ) * «5» .   (1) معنى هذا أن أبا الدرداء كان غائبا فاستقبلته أم الدرداء فرآها متبذلة انظر: فتح الباري (4/ 248) . (2) البخاري- الفتح 4 (1968) . (3) هكذا وقع في الأصل، والمراد أنها كمن لا زوج لها نظرا لانشغاله عنها بصيام النهار وقيام الليل. (4) أحمد (6/ 268) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 301) : رواه أحمد ورجاله ثقات. (5) رواه أحمد في «المسند» (3/ 25) واللفظ له، والنسائي رقم (1407) و (2535) وأبو داود رقم (1675) ، والترمذي (151) مختصرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4062 الأحاديث الواردة في ذمّ (البذاذة والتبذل) معنى 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: «أتانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرأى رجلا ثائر الرّأس فقال: «أما يجد هذا ما يسكّن به شعره» ) * «1» . 5- * (عن أبي الأحوص عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في ثوب دون فقال: «ألك مال؟» قال: نعم من كلّ المال. قال: من أيّ المال؟» . قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرّقيق. قال: فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته» ) * «2» . 6- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولي جمّة «3» . قال: «ذباب «4» » وظننت أنّه يعنيني فانطلقت فأخذت من شعري. فقال: «إنّي لم أعنك، وهذا أحسن» ) * «5» . 7- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين، وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل» وإذا رجع قالهنّ، وزاد فيهنّ: «آيبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون» ) * «6» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن القزع «7» ) * «8» . 9- * (عن عبد الله بن شقيق أنّه قال: كان رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عاملا بمصر فأتاه رجل من أصحابه فإذا هو شعث الرّأس مشعانّ «9» ، قال: «مالي أراك مشعانّا وأنت أمير؟» قال: كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ينهانا عن الإرفاه. قلنا: وما الإرفاه؟ قال: «التّرجّل كلّ يوم» ) * «10» . 10- * (عن عبد الله بن سرجس- رضي الله   (1) النسائي (8/ 183- 184) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (4/ 751) . وصحيح سنن النسائي (4832) وقال الألباني: صحيح. (2) أبو داود (4063) . والنسائي (8/ 181) وقال الألباني: صحيح (3/ 1062) رقم (4820) . ورواه أيضا أحمد في «المسند» (3/ 473) . (3) الجمة: بضم الجيم وتشديد الميم- مجتمع شعر الرأس وقيل: ما سقط منه على المنكبين. (4) المراد بالذباب: الشر. (5) النسائي (8/ 135) وقال الألباني: صحيح (3/ 1042) رقم (4691) . وأبو داود (4190) . وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (4/ 755) . (6) مسلم (1342) . (7) القزع: حلق بعض شعر الرأس وترك بعضه وذلك لسوء هيئة فاعله. (8) البخاري- الفتح 10 (5920) . ومسلم (2120) واللفظ له (9) مشعانّ الرأس: المنتفش الشعر الثائر الرأس. (10) النسائي (8/ 132) وقال الألباني: صحيح (3/ 104) رقم (4683) والإرفاه: كثرة التدهن والتنعم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4063 عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا سافر يتعوّذ من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكون «1» ، ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال) * «2» . 11- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يعني- ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» قال فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان وإنّهما ابتعثاني وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه «3» فيتدهده «4» الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب «5» من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه فيشرشر شدقه «6» إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: وربّما قال أبو رجاء فيشقّ. قال: ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل، فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى. قال قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التّنّور. قال- وأحسب أنّه كان يقول-: فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «7» قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على نهر- حسبت أنّه كان يقول- أحمر مثل الدّم، وإذا في النّهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر «8» له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه، كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة «9» كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة «10» فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل   (1) الحور بعد الكون هكذا هي في معظم النسخ بالنون في الكون وقد وردت الحور بعد الكور بالراء وكلاهما بمعنى النقصان بعد الزيادة. (2) مسلم (1343) . (3) يثلغ رأسه: أي يشدخه، الشدخ: كسر الشيء الأجوف. (4) تدهده: إذا انحط. (5) كلوب من حديد: بفتح الكاف وتشديد اللام: حديدة معوجّة الرأس. (6) يشرشر شدقه: أي يقطعه شقا، والشدق: جانب الفم. (7) ضوضوا: أي رفعوا أصواتهم مختلطة. (8) يفغر فاه: أي يفتحه. (9) كريه المرآة: أي قبيح المنظر. (10) روضة معتمة: من العتمة وهو شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة، كقوله تعالى مُدْهامَّتانِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4064 طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ «1» . قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارق، فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة «2» ، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض «3» من البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة. قال قالا لي: هذه جنّة عدن، وهذاك منزلك. قال فسما بصري صعدا «4» . فإذا قصر مثل الرّبابة» البيضاء. قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصّلاة المكتوبة، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا، وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها، فإنّه مالك خازن جهنّم، وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين وأمّا القوم الّذين كانوا شطر منهم حسن وشطر قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، تجاوز الله عنهم» ) * «6» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان النّاس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ «7» فإذا أصابهم الرّوح «8» سطعت أرواحهم «9» فيتأذّى بها النّاس فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أو لا يغتسلون؟» ) * «10» . ولفظه عند البخاريّ: كان النّاس مهنة «11»   (1) أصل العبارة: وإذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم. (2) لبن ذهب ولبن فضة- بكسر الباء- جمع لبنة: وهو ما يبنى به من طين. (3) قال الحافظ ابن حجر: المحض: هو اللبن الخالص عن الماء حلوا كان أو حامضا. «فتح الباري» (12/ 444) . (4) صعدا- بضم أوله وثانيه- أي ارتفع كثيرا. (5) قال ابن الأثير: الرّبابة: السّحابة التي ركب بعضها بعضا. «النهاية» (2/ 181) . (6) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له. ومسلم (2275) . (7) وسخ: أي قذر وذلك لا نشغالهم بأمر المعاش. (8) الرّوح: بالفتح نسيم الريح. (9) سطعت أرواحهم: المراد أنهم كانوا إذا مر النسيم عليهم تكيف بأرواحهم فحمل رائحة عرقهم إلى الناس وذلك لمجيئهم مشيا من مكان بعيد. (10) النسائي (3/ 94) وقال الألباني: صحيح (1/ 298) رقم (1306) . (11) مهنة أنفسهم: جمع ماهن أي خدم أنفسهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4065 أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم» «1» . 13- * (عن جرير- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار. قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار «2» أو العباء «3» ، متقلّدي السّيوف. عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر. فتمعّر «4» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثمّ خرج، فأمر بلالا فأذّن وأقام، فصلّى ثمّ خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الآية إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. والآية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثمّ تتابع النّاس، حتّى رأيت كومين «5» من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل «6» . كأنّه مذهبة «7» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «8» . 14- * (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على المنبر في يوم الجمعة: «ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته؟» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 2 (903) . (2) مجتابي النمار: نصب على الحالية. أي لابسيها خارقين أوساطها مقورين. يقال: اجتبت القميص أي دخلت فيه. والنمار جمع نمرة. وهي ثياب صوف فيها تنمير. وقيل: هي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب. كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض. أراد أنه جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف. (3) العباء: بالمد وبفتح العين، جمع عباءة وعباية، لغتان. نوع من الأكسية. (4) فتمعر: أي تغير. (5) كومين: هو بفتح الكاف وضمها. قال القاضي: ضبطه بعضهم بالفتح وبعضهم بالضم قال ابن سراج: هو بالضم اسم لما كوّم. وبالفتح المرة الواحدة. قال: والكومة، بالضمّ، الصبرة. والكوم العظيم من كل شيء والكوم المكان المرتفع كالرابية. قال القاضي: فالفتح هنا أولى، لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية. (6) يتهلل: أي يستنير فرحا وسرورا. (7) مذهبة: ضبطوه بوجهين: أحدهما وهو المشهور، وبه جزم القاضي والجمهور: مذهبة. والثاني، ولم يذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين غيره: مدهنة. وقيل: هذا تصحيف. وذكر القاضي وجهين في تفسيره: أحدهما معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه. والثّاني: شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلو، وجمعها مذاهب، وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض. (8) مسلم (1017) . (9) أبو داود (1078) . وابن ماجة (1095) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (7/ 330) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4066 من الآثار الواردة في ذمّ (البذاذة والتبذل) 1- * (قال أبو حاتم بن حبّان البستيّ- رحمه الله تعالى-: «الواجب على العاقل أن يكون حسن السّمت، طويل الصّمت؛ فإنّ ذلك من أخلاق الأنبياء، كما أنّ سوء السّمت وترك الصّمت من شيم الأشقياء» ) * «1» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «إيّاكم ولبستين: لبسة مشهورة، ولبسة محقورة» ) * «2» . 3- * (وقيل: المروءة الظّاهرة في الثّياب الطّاهرة) * «3» . 4- * (وقيل في منثور الحكم: البس من الثّياب ما يخدمك ولا يستخدمك) * «4» . 5- * (وقيل: العري الفادح، خير من الزّيّ الفاضح) * «5» . من مضار (البذاذة والتبذل) (1) سوء المظهر وقبح الصّورة ينفّر كثيرا من الخلق. (2) دليل على جحد نعمة الله وكفرها وعدم إظهارها. (3) دليل على شقاء النّفس. (4) تناقض الصورة الّتي يحبّ الله أن يرى عبده فيها. (5) تناقض صفة الأنبياء والصّالحين. (6) تعطي صورة سيّئة عن المسلم في ظلّ المجتمع المسلم.   (1) روضة العقلاء (25) . (2) أدب الدنيا والدين (340) . (3) المرجع السابق (341) . (4) المرجع السابق (340) . (5) المرجع السابق (339) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4067 البطر البطر لغة: مصدر قولهم: بطر، وهو مأخوذ من مادّة (ب ط ر) الّتي تدلّ على الشّقّ، قال ابن فارس: ويحمل عليها البطر وهو تجاوز الحدّ في المرح، وقيل: البطر الأشر وهو شدّة المرح وقد بطر (بالكسر) يبطر، وأبطره المال، والبطر أيضا: الحيرة والدّهش وأبطره: أدهشه، ويقال: بطرت الشّيء أبطره بطرا: شققته ومنه سمّي البيطار «1» ، وذهب دمه بطرا (بالكسر) أي هدرا، والبطر أيضا: الطّغيان عند النّعمة وطول الغنى، ومنه الحديث الشّريف.. «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا» وبطر الحقّ: التّكبّر عنه والتّجبّر عنده ورؤيته باطلا، وفي الحديث: «الكبر بطر الحقّ» ، قال ابن الأثير هو أن يجعل ما جعله الله حقّا من توحيده وعبادته باطلا، وقيل: هو أن يتجبّر عنده فلا يراه حقّا، وقيل هو أن يتكبّر عن الحقّ فلا يقبله، وذلك من قولهم: بطر فلان هدية أمره، إذا لم يهتد له وجهله ولم يقبله، وبطر النّعمة بطرا فهو بطر، وفي التّنزيل العزيز: بَطِرَتْ مَعِيشَتَها (القصص/ 58) قيل: أوصل الآيات/ الأحاديث/ الآثار 2/ 4/ 5 الفعل وحذف الجارّ (أي بطرت من معيشتها) كما في قوله تعالى وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ أي من قومه، وقيل معناه: إمّا بطرت أيّام معيشتها، وإمّا بتضمين بطرت معنى كفرت وغمطت، وقال القرطبيّ: البطر هنا هو الطّغيان بالنّعمة، وقيل البطر: سوء احتمال الغنى بأن لا يحفظ حقّ الله فيه «2» . وأورد ابن منظور للبطر معاني عديدة منها: البطر: النّشاط، والبطر: التّبختر، والبطر قلّة احتمال النّعمة، والبطر: الدّهش والحيرة والبطر: الطّغيان في النّعمة، والبطر: كراهة الشّيء من غير أن يستحقّ الكراهية، يقال: بطر النّعمة يبطرها لم يشكرها، وبطر بالأمر ثقل به ودهش وأبطره المال، وأبطره حلمه، أي أدهشه وبهته، وأبطره ذرعه: حمّله فوق ما يطيق (والذّرع البدن، وقيل: العنق «3» ) ، والبطر في قول الله تعالى وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ (الأنفال/ 47) معناه كما يقول القرطبيّ: التّقوّي على المعاصي بنعم الله- عزّ وجلّ- وما ألبسه من العافية، والمعنى: خرجوا بطرين   (1) البيطار: معالج الدواب. (2) تفسير القرطبي (13/ 198) . (3) مقاييس اللغة (1/ 216) ، النهاية لابن الأثر (1/ 135) ن والصحاح (2/ 593) ولسان العرب (1/ 300) (ط. دار المعارف) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4068 مرائين، وقد نزلت في أبي جهل وأصحابه الّذين خرجوا يوم بدر لنصرة العير. وقد جرى ما جرى من إهلاكهم «1» ، وقال أبو حيّان: هذا تخويف لأهل مكّة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم من إنعام الله عليهم بالرّقود في ظلال الأمن، وخفض العيش فغمطوا النّعمة، وقابلوها بالأشر والبطر فدمّرهم الله وخرّب ديارهم «2» . البطر اصطلاحا: البطر: محرّكا- دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النّعمة، وقلّة القيام بحقّها، وصرفها إلى غير وجهها. وقال العزّ بن عبد السّلام: البطر: سوء احتمال الغنى ومعناه التّقصير في شكره، ورؤية المنّة به، وهو والمرح وسيلتان إلى الطّغيان «3» . أنواع البطر: للبطر أنواع عديدة أهمّها: 1- بطر الغنى. 2- بطر الملك. وكلاهما ممّا يجب التّحرّز منه، قال تعالى في النّوع الأوّل: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (العلق/ 6- 7) وقال في النّوع الثّاني في حقّ فرعون فَحَشَرَ فَنادى * فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (النازعات/ 23- 24) «4» ، ويمكن أن يضاف إلى ذلك: 3- بطر المنصب والوظيفة. 4- بطر الجاه والمكانة الاجتماعيّة. وكلاهما يمكن حمله على النّوعين الأوّلين. [للاستزادة: انظر صفات: الغرور- الكبر والعجب- نكران الجميل- الجحود- الطمع- السخط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإنصاف- التواضع- الحمد- الشكر- العدل والمساواة- الاعتراف بالفضل- الرضا- القناعة- الزهد] .   (1) انظر تفسير القرطبي (8/ 63) . (2) تفسير البحر المحيط 7/ 121. (3) المفردات (50) والتوقيف (79) وشجرة المعارف (324) . (4) انظر شجرة المعارف والأحوال، الفقرة (738، 739) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4069 الآيات الواردة في «البطر» 1- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) «1» 2- وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (58) «2»   (1) الأنفال: 47 مكية (2) القصص: 58 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4070 الأحاديث الواردة في ذمّ (البطر) 1- * (عن أبي عبد الرّحمن الفهريّ- رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حنينا، فسرنا في يوم قائظ شديد الحرّ، فنزلنا تحت ظلّ شجرة ... الحديث وفيه «فقال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجا دفّتاه من ليف، ليس فيه أشر ولا بطر، فركب وركبنا وساق الحديث) * «1» . 2- * (عن محمّد- وهو ابن زياد-، قال: سمعت أبا هريرة، ورأى رجلا يجرّ إزاره، فجعل يضرب الأرض برجله، وهو أمير على البحرين، وهو يقول: جاء الأمير، جاء الأمير، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى من يجرّ إزاره بطرا» ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا» ) *» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من صاحب كنز لا يؤدّي زكاته إلّا أحمي عليه في نار جهنّم .... الحديث وفيه: «الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر. فأمّا الّتي هي له أجر، فالرّجل يتّخذها في سبيل الله ويعدّها له، فلا تغيّب شيئا في بطونها إلّا كتب الله له أجرا، ولو رعاها في مرج، ما أكلت من شيء إلّا كتب الله له بها أجرا، ولو سقاها من نهر كان له بكلّ قطرة تغيّبها في بطونها أجر، ولو استنّت شرفا أو شرفين كتب له بكلّ خطوة تخطوها أجر. وأمّا الّذي هي له ستر فالرّجل يتّخذها تكرّما وتجمّلا ولا ينسى حقّ ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها. وأمّا الّذي عليه وزر فالّذي يتّخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء النّاس، فذاك الّذي هي عليه وزر ... الحديث) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البطر) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال في قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ (الأنفال/ 47) : يعني المشركين الّذين قاتلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر) * «5» . 2- * (قال النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- على المنبر: إنّ للشّيطان مصائد وفخوخا، وفخوخه البطر بأنعم الله، والفخر بإعطاء الله، والكبر على عباد الله، واتّباع الهوى في غير ذات الله) * «6» . 3- * (عن قتادة- رضي الله عنه- في الآية وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً، قال:   (1) أبو داود (5233) ، وحسّنه الألباني، صحيح سنن أبي داود (4360) . (2) البخاري- الفتح 10 (5788) ، مسلم (2087) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 10 (5788) واللفظ له، مسلم (2087) . (4) البخاري- الفتح 6 (2860) ، مسلم (987) واللفظ له. (5) الدر المنثور (4/ 77) . (6) إحياء علوم الدين (3/ 339) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4071 كان مشركوا قريش الّذين قاتلوا نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر) * «1» . 4- * (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً (الأنفال/ 47) قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر) * «2» . 5- * (قال ابن كثير- رحمه الله-: يقول الله تعالى معرّضا بأهل مكّة في قوله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها (القصص/ 58) أي طغت وأشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال في الآية الأخرى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ إلى قوله تعالى فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (النحل/ 112- 113) ، ولهذا قال تعالى: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا، أي دثرت ديارهم فلا ترى إلّا مساكنهم، وقوله تعالى: وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (القصص/ 58) أي رجعت خرابا ليس فيها أحد) * «3» . من مضار (البطر) انظر مضار صفة ((الكبر والعجب))   (1) الدر المنثور (4/ 77) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) تفسير ابن كثير (3/ 395) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4072 البغض البغض لغة: البغض مصدر قولهم بغض يبغض، وهو مأخوذ من مادّة (ب غ ض) الّتي تدلّ على خلاف الحبّ، وقال الرّاغب: البغض نفار النّفس عن الشّيء الّذي ترغب عنه، وضدّه الحبّ من حيث إنّ الحبّ هو انجذاب النّفس إلى الشّيء الّذي ترغب فيه، والفعل من ذلك: بغض وبغض، وبغض، يقال بغض الشّيء يبغضه بغضا وبغضة، وبغضت الشّيء بغضاء، وبغض الشّيء بغاضة فهو بغيض، وقيل: البغضاء والبغضة: أشدّ البغض، والتّبغيض، والتّباغض والتّبغّض ضدّ التّحبيب والتّحابب والتّحبّب، ويقال: بغّضه الله إلى النّاس تبغيضا فأبغضوه أي مقتوه، فهو مبغض، وقول الله تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (آل عمران/ 118) يعني ظهرت العداوة «1» والتّكذيب لكم من أفواههم. والبغضاء: البغض، وهو ضدّ الحبّ. وخصّ تعالى الأفواه دون الألسنة إشارة إلى تشدّقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه، فهم فوق المتستّر الّذي تبدو البغضاء في عينيه. وفي قوله تعالى: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 22/ 7 وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (آل عمران/ 118) : إخبار وإعلام بأنّهم يبطنون من البغضاء أكثر ممّا يظهرون بأفواههم «2» . وقال ابن منظور: البغض والبغضة نقيض الحبّ. والبغضاء والبغاضة جميعا شدّة البغض. البغض اصطلاحا: نقل المناويّ ما ذكره الرّاغب عن البغض فقال: البغض: نفور النّفس عن الشّيء الّذي يرغب عنه «3» . وقال الكفويّ: البغض: عبارة عن نفرة الطّبع عن المؤلم المتعب، فإذا قوي يسمّى مقتا «4» . وقيل: البغض: النّفرة عن الشّيء لمعنى فيه مستقبح، وترادفه الكراهة. قال ابن علّان- رحمه الله-: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن تعاطي أسباب البغض، لأنّه قهريّ كالحبّ لا قدرة للإنسان على اكتسابه، ولا يملك التّصرّف فيه، والبغض يقع بين اثنين، إمّا بين جانبيهما أو من جانب أحدهما، وعلى كلّ فهو لغير الله تعالى حرام. وله واجب ومندوب. وبغض إنسان لمن خالفه المتّجه، فهذه   (1) لسان العرب (7/ 121- 122) . (2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (4/ 180- 181) . (3) التوقيف (81) ، المفردات في غريب القرآن (55) . (4) الكليات (398) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4073 المخالفة إن علم أنّها نشأت عن اجتهاد لكونه من أهله لا يجوز له بغضه، لأنّه ليس لله. وإن علم أنّها نشأت عن تعصّب وهوى نفس أو تقصير في البحث جاز «1» . البغض بين المدح والذم: قال ابن رجب رحمه الله: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا تباغضوا» نهى المسلمين عن التّباغض بينهم في غير الله تعالى بل على أهواء النّفوس، فإنّ المسلمين جعلهم الله إخوة، والإخوة يتحابّون بينهم ولا يتباغضون. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه، تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم» أخرجه مسلم. وقد حرّم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء كما قال تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة/ 91) وامتنّ على عباده بالتّأليف بين قلوبهم كما قال تعالى وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ 103) وقال: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (الأنفال/ 62- 63) . ولهذا المعنى حرّم المشي بالنّميمة لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء. وأمّا البغض في الله فهو من أوثق عرى الإيمان وليس داخلا في النّهي، ولو ظهر لرجل من أخيه شرّ فأبغضه عليه- وكان الرّجل معذورا فيه في نفس الأمر- أثيب المبغض له، وإن عذر أخوه كما قال عمر: إنّا كنّا نعرفكم، إذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وإذ ينزل الوحي وإذ ينبئنا الله من أخباركم، ألا وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق به، وانقطع الوحي، وإنّما نعرفكم بما نخبركم. ألا من أظهر منكم لنا خيرا ظننّا به خيرا وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم شرّا ظننّا به شرّا وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربّكم تعالى. وقال الرّبيع بن خثيم: لو رأيت رجلا يظهر خيرا ويسرّ شرّا أحببته عليه آجرك الله على حبّك الخير، ولو رأيت رجلا يظهر شرّا ويسرّ خيرا بغضته عليه آجرك الله على بغضك الشّرّ، ولمّا كثر اختلاف النّاس في مسائل الدّين وكثر تفرّقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلا عنهم، وكلّ منهم يظهر أنّه يبغض لله وقد يكون في نفس الأمر معذورا وقد لا يكون معذورا بل يكون متّبعا لهواه مقصّرا في البحث عن معرفة ما يبغض عليه، فإنّ كثيرا من البغض كذلك إنّما يقع لمخالفة متبوع يظنّ أنّه لا يقول إلّا الحقّ وهذا الظّنّ خطأ قطعا، وإن أريد أنّه لا يقول إلّا الحقّ فيما خولف فيه. فهذا الظّنّ قد يخطىء ويصيب، وقد يكون الحامل على الميل إليه مجرّد الهوى والألفة أو العادة، وكلّ هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله، فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه ويتحرّز في هذا غاية التّحرّز «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الحسد- الحقد- الغل- الخبث. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التودد- الإخاء- المحبة- الرضا- القناعة] .   (1) دليل الفالحين (2/ 20) . (2) جامع العلوم والحكم (288- 289) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4074 الآيات الواردة في «البغض» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) «1» 2- وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14) «2» 3- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «4» 5- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «5»   (1) آل عمران: 118- 120 مدنية (2) المائدة: 14 مدنية (3) المائدة: 64 مدنية (4) المائدة: 90- 92 مدنية (5) الممتحنة: 4- 5 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4075 الأحاديث الواردة في ذمّ (البغض) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والظّنّ؛ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «1» . 2- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام» ) * «2» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آية المنافق بغض الأنصار «3» . وآية المؤمن حبّ الأنصار» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله إذا أحبّ عبدا دعا جبريل فقال: إنّي أحبّ فلانا فأحبّه. قال: فيحبّه جبريل. ثمّ ينادي في السّماء فيقول: إنّ الله يحبّ فلانا فأحبّوه، فيحبّه أهل السّماء. قال: ثمّ يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إنّي أبغض فلانا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل. ثمّ ينادي في أهل السّماء: إنّ الله يبغض فلانا فأبغضوه. قال: فيبغضونه. ثمّ توضع له البغضاء في الأرض» ) * «5» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث كأنّي أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعبّاس: «يا عبّاس ألا تعجب من حبّ مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا؟» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لو راجعته» . قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: «إنّما أنا أشفع» ، قالت: لا حاجة لي فيه) * «6» . 6- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأنصار لا يحبّهم إلّا مؤمن، ولا يبغضهم إلّا منافق. فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» ) * «7» . 7- * (عن أبي سنان الدّؤليّ: أنّه دخل على عمر بن الخطّاب وعنده نفر من المهاجرين الأوّلين، فأرسل عمر إلى سفط «8» أتي به من قلعة من العراق،   (1) البخاري- الفتح 10 (6064) واللفظ له، ومسلم (2563) . (2) البخاري- الفتح 10 (6065) واللفظ له، وطرفه في 10. (6076) ، ومسلم (2559) . (3) آية المنافق بغض الأنصار ... إلخ: الآية هي العلامة. ومعنى هذا الحديث أن من عرف مرتبة الأنصار، وما كان منهم في نصرة دين الإسلام والسعي في إظهاره وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات دين الإسلام حق القيام، وحبهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحبه إياهم، وبذلهم أموالهم وأنفسهم بين يديه، وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إيثارا للإسلام. ومن أبغضهم كان بضد ذلك. واستدل به على نفاقه وفساد سريرته. (4) البخاري الفتح 1 (17) . ومسلم (74) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 10 (6040) ، ومسلم (2637) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 9 (5283) . (7) البخاري- الفتح 7 (3783) واللفظ له. ومسلم (74) . (8) السّفط: الذي يعبّى فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء والجمع أسفاط. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4076 فكان فيه خاتم، فأخذه بعض بنيه فأدخله في فيه، فانتزعه عمر منه، ثمّ بكى عمر، فقال له من عنده: لم تبكي وقد فتح الله لك وأظهرك على عدوّك وأقرّ عينك؟ فقال عمر: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تفتح الدّنيا على أحد إلّا ألقى الله- عزّ وجلّ- بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة» وأنا أشفق من ذلك» ) * «1» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إذا فتحت عليكم فارس والرّوم، أيّ قوم أنتم؟» قال عبد الرّحمن ابن عوف: نقول كما أمرنا الله «2» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو غير ذلك تتنافسون، ثمّ تتحاسدون، ثمّ تتدابرون «3» ، ثمّ تتباغضون، أو نحو ذلك، ثمّ تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض «4» » ) * «5» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد. فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال. سيّد أهل اليمامة. فربطوه بسارية من سواري المسجد. فخرج إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ماذا عندك يا ثمامة «6» ؟» فقال: عندي يا محمّد خير. إن تقتل تقتل ذا دم» ، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ماشئت. فتركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى كان بعد الغد فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» قال: ما قلت لك. إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى كان من الغد. فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك. إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أطلقوا ثمامة» فانطلق إلى نخل «8» قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. يا محمّد: والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلّها إليّ. والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحبّ الدّين كلّه إليّ، والله ما كان   (1) أحمد (1/ 16) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 194) : إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 236) : رواه أحمد والبزار وأبو يعلى في الكبير وإسناده حسن. (2) نقول كما أمرنا الله: معناه نحمده ونشكره، ونسأله المزيد من فضله (3) تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون.. الخ: قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه، وهو أول درجات الحسد. وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة عن صاحبها والتدابر التقاطع. وقد يبقى مع التدابر شيء من المودة، أو لا يكون مودة ولا بغض. وأما التباغض فهو بعد هذا. ولهذا رتبت في الحديث. (4) ثم تنطلقون في مساكين.. الخ: أي ضعفائهم. فتجعلون بعضهم أمراء على بعض. هكذا فسروه. (5) مسلم (2962) . (6) ماذا عندك؟ يا ثمامة: أي ما الظن بي أن أفعل بك؟. (7) إن تقتل تقتل ذا دم: اختلفوا في معناه. فقيل: معناه إن تقتل تقتل صاحب دم، لدمه موقع يشتفي بقتله قاتله، ويدرك قاتله به ثأره أي لرياسته وفضيلته. وحذف هذا لأنهم يفهمونه في عرفهم. وقال آخرون: معناه تقتل من عليه دم مطلوب به، وهو مستحق عليه. فلا عتب عليك في قتله. (8) فانطلق إلى نخل: هكذا هو في البخاري ومسلم وغيرهما: نخل بالخاء المعجمة. وتقديره: انطلق إلى نخل فيه ماء فاغتسل منه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4077 من بلد أبغض إليّ من بلدك. فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلّها إليّ. وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: أصبوت «1» ؟ فقال: لا. ولكنّي أسلمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولا، والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 10- * (عن بريدة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليّا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليّا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلمّا قدمنا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكرت ذلك له، فقال: «يا بريدة أتبغض عليّا؟» فقلت نعم. قال: «لا تبغضه، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك» ) * «3» . 11- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- ونحن باليمن- فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم: أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم إمّا قال: في بضع، وإمّا قال: في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا، فوافقنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر. وكان أناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة-: سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس- وهي ممّن قدم معنا- على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة،- وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر،- فدخل عمر على حفصة- وأسماء عندها- فقال عمر- حين رأى أسماء-: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله منكم. فغضبت وقالت: كلّا والله. كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنّا في دار- أو في أرض- البعداء البغضاء «4» بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. قال: «فما قلت له؟» قالت: قلت له كذا وكذا. قال: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتونني أرسالا «5» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال   (1) أصبوت: هكذا هو في الأصول: وهي لغة. والمشهور: أصبأت، بالهمز وعلى الأول جاء قولهم: الصباة. كقاض وقضاة. والمعنى: أخرجت من دينك. (2) البخاري- الفتح 8 (4372) . ومسلم (1764) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 8 (4350) . (4) البعداء البغضاء: أي البعداء في النسب البغضاء في الدين لأنهم كفار إلا النجاشيّ وكان يستخفي بإسلامه عن قومه ويوري لهم. (5) أرسالا: يعنى أفواجا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4078 أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّي) * «1» . 12- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خيار أئمّتكم الّذين تحبّونهم ويحبّونكم. وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمّتكم الّذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» قالوا قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: «لا. ما أقاموا فيكم الصّلاة. لا. ما أقاموا فيكم الصّلاة. ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنّ يدا من طاعة» . قال ابن جابر: فقلت (يعني لرزيق) ، حين حدّثني بهذا الحديث: آلله يا أبا المقدام لحدّثك بهذا، أو سمعت هذا من مسلم بن قرظة يقول: سمعت عوفا يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: فجثا على ركبتيه «2» واستقبل القبلة فقال: إي. والله الّذي لا إله إلّا هو لسمعته من مسلم بن قرظة يقول: سمعت عوف بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 13- * (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «دبّ إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء. هي الحالقة. لا أقول: تحلق الشّعر، ولكن تحلق الدّين، والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أفلا أنبّئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السّلام بينكم» ) * «4» . 14- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «فيك مثل من عيسى، أبغضته اليهود حتّى بهتوا «5» أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة الّتي ليس به» ثمّ قال: «يهلك فيّ رجلان، محبّ مفرط يقرّظني «6» بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني «7» على أن يبهتني» ) * «8» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «سيصيب أمّتي داء الأمم، فقالوا: يا رسول الله وما داء الأمم؟ قال:   (1) البخاري- الفتح 7 (4230- 4231) واللفظ له. ومسلم (2503) . (2) فجثا على ركبتيه: أي جلس عليهما. (3) مسلم (1855) . (4) الترمذي (2510) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (3/ 626) له شواهد هو بها حسن. والمنذري في الترغيب (3/ 548) وقال: رواه البزار بإسناد جيد، وفي سنده جهالة مولى الزبير رضي الله عنه، ولكن للحديث شاهد لأوله عند الترمذي من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء رضي الله عنهما، ولآخره شاهد عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رقم (45) في الإيمان بلفظ «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» فالحديث بمجموعه بهذه الشواهد حسن، وقد ذكر الفقرة الأولى من الحديث المنذري في «الترغيب والترهيب» عن حديث الزبير وقال: رواه البزار بإسناد جيد. والبيهقي وغيرهما. (5) بهتوا: من البهتان وهو أشد الكذب. (6) يقرظني: يمدحني. (7) شنآني: بغضي وكرهي. (8) أحمد (1/ 160) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 355) : إسناده حسن. وقال الحاكم (3/ 123) : صحيح الإسناد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4079 «الأشر «1» والبطر والتّكاثر والتّناجش في الدّنيا والتّباغض والتّحاسد حتّى يكون البغي» ) * «2» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني» ) * «3» . 17- * (عن زرّ، قال: قال عليّ: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ: أن لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق) * «4» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تسلموا، ولا تسلموا حتّى تحابّوا، وأفشوا السّلام تحابّوا، وإيّاكم والبغضة، فإنّها هي الحالقة، لا أقول لكم تحلق الشّعر، ولكن تحلق الدّين» ) * «5» . 19- * (عن عمرو بن أبي قرّة قال: كان حذيفة بالمداين، فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأناس من أصحابه في الغضب فينطلق ناس ممّن سمع ذلك من حذيفة فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة فيقول سلمان: حذيفة أعلم بما يقول. فيرجعون إلى حذيفة فيقولون له: قد ذكرنا قولك لسلمان فما صدّقك ولا كذّبك فأتى حذيفة سلمان- وهو في مبقلة- فقال: يا سلمان ما يمنعك أن تصدّقني بما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال سلمان: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه، ويرضى فيقول في الرّضا لناس من أصحابه. أما تنتهي حتّى تورّث رجالا حبّ رجال، ورجالا بغض رجال، وحتّى توقع اختلافا وفرقة؟ ولقد علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، خطب فقال: «أيّما رجل من أمّتي سببته سبّة، أو لعنته لعنة في غضبي فإنّما أنا من ولد آدم، أغضب كما يغضبون، وإنّما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة، والله لتنتهينّ أو لأكتبنّ إلى عمر) * «6» . الأحاديث الواردة في ذمّ (البغض) معنى 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني. وأحسن إليهم ويسيئون إليّ. وأحلم عنهم ويجهلون عليّ «7» . فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنّما تسفّهم   (1) الأشر: المرح وقيل: هو البطر، والبطر: هو الطغيان في النعمة، والتناجش هو أن يزيد الرجل ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها. (2) الحاكم في المستدرك (4/ 168) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (3) ابن ماجة مقدمة (143) . وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. (4) مسلم (78) . (5) الأدب المفرد حديث رقم (260) ، وقال محققه: أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة في الأدب (1/ 260) . (6) أبو داود (4659) وقال الألباني (3/ 882) : صحيح. (7) ويجهلون علي: أي يسيئون والجهل هنا: القبيح من القول. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4080 الملّ «1» ، ولا يزال معك من الله ظهير «2» عليهم ما دمت على ذلك» ) * «3» . 21- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال «4» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «5» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «6» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «7» ، عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب «8» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «9» ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «10» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي 1» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «12» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «13» الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «14» أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع «15» وإن دقّ   (1) تسفهم المل: المل هو الرماد الحار. أي كأنما تطعمهم. وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم، بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم. (2) ظهير: الظهير المعين والدافع لأذاهم. (3) مسلم (2558) . (4) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (5) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (6) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. (7) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (8) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (9) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق. (10) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان. (11) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (12) نغزك: أي نعينك. (13) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (14) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الإتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (15) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4081 إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «1» «والشّنظير «2» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه: «وأنفق فسننفق عليك» ) * «3» . 22- * (عن زيد بن أرقم قال: «كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمّي- أو لعمر- فذكره للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدعاني فحدّثته، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ، فجلست في البيت، فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومقتك، فأنزل الله تعالى إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ فبعث إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ فقال: «إنّ الله قد صدّقك يا زيد» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البغض) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا «5» ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما» ) * «6» . 2- * (عن أيّوب قال: «كذب على الحسن ضربان من النّاس: قوم القدر رأيهم وهم يريدون أن ينفقوا بذلك رأيهم «7» . وقوم له في قلوبهم شنآن وبغض يقولون: أليس من قوله كذا؟ أليس من قوله كذا؟» ) * «8» . 3- * (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ (آل عمران/ 118) «أي قد لاح على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم من العداوة مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل» ) * «9» . 4- * (عن كثير بن مرّة قال: «لا تحدّث   (1) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور. (2) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق. (3) مسلم (2865) . (4) البخاري- الفتح 8 (4900) . (5) هونا ما: الهون: الرفق والسكينة، المعنى: أحببه حبا قصدا ذا رفق لا إفراط فيه، وأضافه إلى «ما» التي تفيد التقليل، أي: حبا قليلا، أراد: اقتصد إذا أحببت وإذا أبغضت، فعسى أن يصير الحبيب بغيضا، فلا تكون قد أسرفت في حبه فتندم على فعلك، وعسى أن يكون البغيض حبيبا، فلا تكون قد أفرطت في بغضه فتستحي منه. (6) الترمذي (1997) . واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد بمعناه عن عليّ- رضي الله عنه- رقم (1132) . قال محقق «جامع الأصول» (6/ 549) بعد أن أطال الكلام عليه: فهو موقوف صحيح، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (6/ 505) ، وعزاه لرزين عن عائشة- رضي الله عنها- مرفوعا، وقال محققه: ولم أجده وهو بمعنى الذي قبله. (7) ينفقوا: أي ينشروه ويروجوا له. (8) أبو داود (4622) وقال الألباني (3/ 875) : صحيح. (9) تفسير ابن كثير (1/ 407) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4082 الباطل للحكماء فيمقتوك، ولا تحدّث الحكمة للسّفهاء فيكذّبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعه في غير أهله فتجهل. إنّ عليك في علمك حقّا، كما أنّ عليك في مالك حقّا» ) * «1» . 5- * (جاء في المثل: «كثرة العتاب توجب البغضاء» ) * «2» . 6- * (وجاء أيضا: «إذا أبغضك جارك حوّل باب دارك» ) * «3» . 7- * (قال الشّاعر: بني عمّنا إنّ العداوة شأنها ... ضغائن تبقى في نفوس الأقارب» ) * «4» . من مساوئ (البغض) (1) البغض المذموم هو كراهية النّاس والحقد عليهم بغير ذنب جنوه. (2) ولهذا كان من تلبّس بهذا الوصف مبغوضا عند الله وعند النّاس. (3) البغض يعمي القلب ويطفىء نور العبادة. (4) إنّ من سكن قلبه البغض والعداء للنّاس لا يستطيع أن يعيش بين النّاس بل ينطوي على نفسه ويعيش في عزلة. (5) وعلى هذا فهو غريب في كلّ مجتمع. (6) سبب في تمزيق المجتمع وتفريق كلمة المسلمين. (7) دليل خبث النّفس ولؤمها.   (1) سنن الدارمي (1/ 88) . (2) المستطرف (1/ 46) . (3) المستطرف (1/ 55) . (4) المرجع السابق (1/ 49) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4083 البغي البغي لغة: البغي مصدر قولهم: بغى يبغي، وهو مأخوذ من مادّة (ب غ ي) الّتي تدلّ- فيما يقول ابن فارس- على معنيين: الأوّل، طلب الشّيء، يقال: بغيت الشّيء: إذا طلبته، والبغية: الحاجة (الّتي يطلبها الإنسان) ، والثّاني: جنس من الفساد، ومنه قولهم: بغى الجرح إذا ترامى إلى فساد، ثمّ يشتقّ من هذا ما بعده، فالبغيّ الفاجرة، يقال: بغت تبغى بغاء فهي بغيّ، ومنه أن يبغي الإنسان على آخر فيظلمه، والبغي: الظّلم، قال الشّاعر: ولكنّ الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم وأرجع الرّاغب معاني المادّة إلى معنى واحد ردّ إليه جميع مشتقّاتها فقال: البغي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، حدث التّجاوز أو لم يحدث، يقال: بغيت الشّيء: إذا طلبته أكثر ممّا يجب، والابتغاء مثله، وبغت السّماء: تجاوزت في المطر الحدّ المحتاج إليه، وبغى الإنسان: تكبّر، لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، وبغت المرأة فهي بغيّ لتجاوزها ما ليس لها أن تتجاوزه، وبغى الآيات/ الأحاديث/ الآثار 18/ 11/ 14 الجرح إذا تجاوز الحدّ في فساده. وقيل: البغي: التّعدّي، يقال: بغى الرّجل على الرّجل: استطال وعدل عن الحقّ، قال تعالى: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ (الحجرات/ 9) ، البغي هنا هو الاستطالة والظّلم وإباء الصّلح «1» ، والفرقة الباغية هي الّتي خالفت الإمام بتأويل باطل بطلانا بحسب الظّنّ لا القطع «2» . وقيل: هي الظّالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل. ويقال: بغى الوالي: ظلم، وكلّ مجاوزة للحدّ وإفراط على المقدار الّذي هو حدّ الشّيء فهو بغي، وقول الله تعالى: يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (يونس/ 33) ، معناه: يعملون في الأرض بالفساد والمعاصي، وقيل يطلبون الاستعلاء بالفساد، وبغير الحقّ أي بالتّكذيب «3» ، وتباغوا: بغى بعضهم على بعض، والبغي في قول الله تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الأعراف/ 33) ، البغي هنا هو الاستطالة على النّاس، وقيل: الكبر، وقيل: الظّلم والفساد، وقال   (1) مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 218، والمفردات للراغب ص 55. (2) رغائب الفرقان للنيسابوري (بهامش الطبري) ح 26 ص 84. (3) تفسير القرطبي (8/ 208) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4084 ثعلب: البغي أن يقع الرّجل في الرّجل فيتكلّم فيه، ويبغي عليه بغير الحقّ، والباغي اسم فاعل من البغي، قال تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ (البقرة: 173) قيل في معناه، أي أنّه غير طالب ما ليس له طلبه، وقيل: اضطّرّ جائعا غير باغ أكلها تلذّذا، وقيل: غير باغ: أي غير طالب مجاوزة قدر حاجته، وقيل غير باغ على الإمام وغير متعدّ على أمّته، قال القرطبيّ: ويدخل في الباغي والعادي، قطّاع الطّرق والخارج على السّلطان والمسافر في قطع الرّحم، والغارة على المسلمين وما شاكله «1» ، ويقال: فلان يبغي على النّاس: إذا ظلمهم وطلب أذاهم، ومن البغي الّذي هو مجاوزة الحدّ ما جاء في حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- من قوله لرجل: أنا أبغضك، قال: لم؟ قال: لأنّك تبغي في أذانك. أراد التّطريب فيه والتّمديد، وقال بعضهم: بغى على أخيه بغيا: حسده، والبغي: قصد الفساد. البغي اصطلاحا: هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أو لم يتجاوزه. فتارة يعتبر في القدر الّذي هو الكمّيّة، وتارة يعتبر في الوصف الّذي هو الكيفيّة «2» . وقال المناويّ: البغيّ: هو طلب الاستعلاء بغير حقّ، ونسب هذا التّعريف إلى الحرّاليّ «3» . وقال الكفويّ: البغي: طلب تجاوز قدر الاستحقاق، تجاوزه (الباغي) أو لم يتجاوزه، ويستعمل في المتكبّر لأنّه طالب منزلة ليس لها بأهل «4» . وقال التّهانويّ: الباغي شرعا: هو الخارج عن طاعة الإمام الحقّ «5» ، ومن ثمّ يكون البغي: هو الخروج عن طاعة الإمام الحقّ. أنواع البغي: والبغي على ضربين: أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التّطوّع. والثّاني مذموم، وهو تجاوز الحقّ إلى الباطل أو تجاوزه إلى الشّبه؛ كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الحلال بيّن، وإنّ الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» . ولأنّ البغي قد يكون محمودا ومذموما. قال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الشورى/ 42) فخصّ العقوبة بمن بغيه بغير الحقّ «6» . حكم البغي وأثره في الفرد والمجتمع: البغي بمعنى الخروج على الإمام- ولو جائرا- بلا تأويل أو مع تأويل يقطع ببطلانه هو إحدى الكبائر كما قال ابن حجر «7» ، أمّا البغي بمعناه العامّ: أي تجاوز قدر الاستحقاق أو طلب الاستعلاء بغير حقّ، فهو أيضا من الكبائر الباطنة الّتي يجب على المكلّف معرفتها   (1) تفسير القرطبي (7/ 128) ، ولسان العرب بغى (322) ط. دار المعارف. (2) المفردات للراغب (55) . (3) التوقيف (81) . (4) الكليات (584) . (5) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 227) . (6) بصائر ذوي التمييز (2/ 262) . (7) انظر «الكبيرة السادسة والثلاثون بعد الثلاثمائة» في الزواجر (513) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4085 ليعالج زوالها؛ لأنّ من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله والعياذ بالله- بقلب سليم، وهذه يذمّ عليها أعظم ممّا يذمّ على الزّنا والسّرقة وغيرها من كبائر البدن، وذلك لعظيم مفسدتها وسوء أثرها ودوامه، وإذا دامت هذه الكبائر صارت حالا وهيئة راسخة في القلب بخلاف آثار معاصي الجوارح الّتي تزول بالتّوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفّرة «1» ، أمّا البغي بمعنى الخروج على الإمام فهو أيضا من الكبائر- خلافا لبعضهم- لما يترتّب على ذلك من المفاسد الّتي لا يحصى ضررها ولا ينطفىء شررها مع عدم عذر الخارجين «2» . من معاني كلمة «البغي» في القرآن الكريم: ورد في القرآن لفظ البغي على خمسة أوجه: الأوّل: بمعنى الظّلم: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ (الأعراف/ 33) ، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ (النحل/ 90) . الثّاني: بمعنى المعصية، والزّلّة. فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ (يونس/ 23) أي يعصون، يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (يونس/ 23) . الثّالث: بمعنى الحسد: بَغْياً بَيْنَهُمْ (الشورى/ 14) أي حسدا. الرّابع: بمعنى الزّنى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ (النور/ 33) . الخامس: بمعنى الطّلب: وَيَبْغُونَها عِوَجاً (الأعراف/ 45) أي يطلبون لها اعوجاجا «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الظلم- الإجرام- الأذى- الإساءة- الإرهاب- العدوان- العتو- الطغيان- الفجور- الحرب والمحاربة- الفتنة- الكبر والعجب- القسوة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- التوسط- الطاعة- الإنصاف- العدل والمساواة- السلم- الإحسان- القسط- الصلح] .   (1) الزواجر (بتصرف) ص (98، 99) . (2) المرجع السابق (514) . (3) بصائر ذوي التمييز (2/ 262، 263) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4086 الآيات الواردة في «البغي» البغي في سياق رد رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم من أهل الكتاب أو عنهم: 1- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «1» 2- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) » 3- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «3» 4- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) «4» 5- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16)   (1) البقرة: 87- 90 مدنية (2) البقرة: 213 مدنية (3) آل عمران: 19- 20 مدنية (4) الشورى: 13- 14 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4087 وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) «1» البغي في سياق تجاوز شرع الله: 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «2» 7- لْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146) «3» 8- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) «4» 9- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) «5»   (1) الجاثية: 16- 17 مكية (2) البقرة: 172- 173 مدنية (3) الأنعام: 145- 146 مكية (4) الأعراف: 31- 33 مكية (5) النحل: 112- 116 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4088 1 البغي في سياق النهي عنه أو الانتصاف من الباغي: 10- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «1» 11- ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «2» 12- إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) «3» 13- وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «4» 14- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) «5» 15- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) «6»   (1) النحل: 90 مكية (2) الحج: 60 مدنية (3) القصص: 76- 77 مكية (4) ص: 21- 24 مكية (5) الشورى: 36- 42 مكية (6) الحجرات: 9 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4089 البغي في سياق رفض دين الله: 16- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) «1» 17- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «2» البغي في سياق سعة الرزق: 18- وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) «3»   (1) يونس: 22- 23 مكية (2) يونس: 90- 92 مكية (3) الشورى: 27 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4090 الأحاديث الواردة في ذمّ (البغي) 1- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بعكاظ فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ فقال: «حرّ وعبد» ومعه أبو بكر وبلال- رضي الله تعالى عنهما-. فقال لي: «ارجع حتّى يمكّن الله- عزّ وجلّ- لرسوله» فأتيته بعد فقلت: يا رسول الله: جعلني الله فداءك، شيئا أتعلّمه وأجهله لا يضرّك. وينفعني الله عزّ وجلّ به «1» . هل من ساعة أفضل من ساعة وهل من ساعة يتّقى فيها؟ فقال: «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك: إنّ الله- عزّ وجلّ- يتدلّى في جوف اللّيل فيغفر إلّا ما كان من الشّرك والبغي، فالصّلاة مشهودة محضورة. فصلّ حتّى تطلع الشّمس فإذا طلعت فأقصر عن الصّلاة، فإنّها تطلع بين قرني شيطان وهي صلاة الكفّار حتّى ترتفع. فإذا استقلّت الشّمس فصلّ؛ فإنّ الصّلاة محضورة مشهودة حتّى يعتدل النّهار، فإذا اعتدل النّهار فأقصر عن الصّلاة فإنّها ساعة تسجر فيها جهنّم حتّى يفيء الفيء فإذا فاء الفيء فصلّ؛ فإنّ الصّلاة محضورة مشهودة حتّى تدلّى الشّمس للغروب فإذا تدلّت فأقصر عن الصّلاة حتّى تغيب الشّمس؛ فإنّها تغيب على قرني شيطان وهي صلاة الكفّار» ) * «2» . 2- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «3» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء. تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «4» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «5» ، وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «6» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر   (1) في الكلام حذف والتقدير: بيّن لي شيئا أتعلمه، وأنا الآن أجهله، وعلمي به لا يضرك ولكنه ينفعني. (2) أحمد (4/ 385) وأصل الحديث في صحيح مسلم (832) . (3) اجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم. (4) يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه. (5) نغزك: أي نعينك. (6) لا زبر له: أي لا عقل له، وهي بفتح الزاي وسكون الباء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4091 البخل أو الكذب «والشّنظير الفحّاش «1» وإنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» ) * «2» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه قال: أخبرني من هو خير منّي «3» أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعمّار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: «بؤس ابن سميّة «4» . تقتلك فئة باغية» ) * «5» . 4- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى التّراب بياض بطنه- وهو يقول-: لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا) * «6» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ. اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا «7» أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «8» . وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي «9» » ) *1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيصيب أمّتي داء الأمم» فقالوا: يا رسول الله وماداء الأمم؟ قال: الأشر، والبطر، والتّكاثر، والتّناجش في الدّنيا، والتّباغض. والتّحاسد، حتّى يكون البغي» ) * «11» . 7- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قيل يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّاس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب، صدوق اللّسان» . قالوا: صدوق اللّسان نعرفه، فما مخموم   (1) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش وهو السيىء الخلق. (2) مسلم (2865) . (3) أخبرني من هو خير مني: يعني به أبا قتادة الأنصاري. (4) بؤس ابن سمية: ما أشده وأعظمه. (5) البخاري- الفتح 1 (447) . ومسلم (2915) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 6 (2837) واللفظ له ومسلم (1803) . (7) مخبتا: أي خاشعا مطيعا. (8) حوبتي: يعني المأثم وقيل: تخشعي وتمسكني. (9) سخيمة قلبي: السخيمة: الحقد والضغينة. (10) أبو داود (1510) واللفظ له. والترمذي (3551) وقال: حسن صحيح. ابن ماجة (3830) . أحمد (1/ 227) وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 309) : إسناده صحيح. ونقل عن شارح الترمذي عزوه إلى النسائي وابن حبان. والحاكم وابن أبي شيبة وعزاه في التهذيب إلى البخاري في الأدب المفرد كذلك. (11) الحاكم (4/ 168) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال العراقي في تخريج الإحياء (3/ 187) : أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد والطبراني في الأوسط وقال: إسناده جيد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4092 القلب؟ قال: «هو التّقيّ النّقيّ، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غلّ ولا حسد» ) * «1» . 8- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم» ) * «2» . 9- * (عن جابر بن عتيك- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «من الغيرة ما يحبّ الله، ومنها ما يبغض الله. فأمّا الّتي يحبّها الله: فالغيرة في الرّيبة، وأمّا الغيرة الّتي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة، وإنّ من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحبّ الله. فأمّا الخيلاء الّتي يحبّ الله فاختيال الرّجل نفسه عند القتال، واختياله عند الصّدقة، وأمّا الّتي يبغض الله فاختياله في البغي» ) * «3» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرّحم، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع «4» » ) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (البغي) معنى 11- * (عن سعيد بن زيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ» ) * «6» .   (1) ابن ماجة (4216) وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 669) حديث (948) وعزاه أيضا لابن عساكر. (2) الترمذي (2511) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (4902) . وابن ماجه (4211) . الحاكم (2/ 356) ، والبخاري في الأدب المفرد حديث (29) (ص 24، 25) . وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 623) حديث (918) وعزاه لابن المبارك في الزهد وابن حبان والبغوي وأحمد. (3) أبو داود (2659) واللفظ له. وصحيح سنن النسائي حديث (2398) نسخة الألباني وقال: حسن. وأحمد (5/ 445) . (4) البلاقع جمع بلقع وهي التي لا شيء فيها، والمعنى أن يفتقر الحالف ويذهب ما في بيته من الخير والمال، سوى ما ذخر له في الآخرة من الإثم. (5) البيهقي في السنن الكبرى (10/ 35) . وذكر نحوه المنذري في الترغيب والترهيب من حديث جابر بن عبد الله وعزاه للطبراني في الأوسط (3/ 91) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (3/ 91) رقم (5267) والصحيحة (2/ 706) رقم (978) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق ص (45) . (6) أبو داود (4876) واللفظ له. وأحمد (1/ 190) . وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (8/ 449) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4093 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البغي) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لو بغى جبل على جبل لجعل الله- عزّ وجلّ- الباغي منهما دكّا» ) * «1» . 2- * (وقال أيضا- رضي الله عنه-: «تكلّم ملك من الملوك كلمة بغي وهو جالس على سريره فمسخه الله- عزّ وجلّ- فما يدرى أيّ شيء مسخ؟ أذباب أم غيره؟ إلّا أنّه ذهب فلم ير» ) * «2» . 3- * (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «لقد عرفت أهل بيت من قريش، أهل بيت لا يوصمون في نسبهم، ما زال بهم عرامهم «3» وبغيهم على قومهم حتّى ألحق بهم ما ليس فيهم، ورغب عنهم، واستهجنوا، وأهل بيت كانوا يوصمون في أنسابهم فما زال بهم حلمهم على قومهم وحرصهم على مسارهم حتّى صحبوا ورغب إليهم وكانوا أصحّاء» ) * «4» . 4- * (عن سلمة بن سلامة بن وقش. وكان من أصحاب بدر قال: «كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيسير فوقف على مجلس عبد الأشهل- قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنّا عليّ بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي- فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنّة والنّار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أنّ بعثا كائن بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنا أنّ النّاس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنّة ونار يجزون فيها بأعمالهم، قال: نعم. والّذي يحلف به لو أنّ له بحظّه من تلك النّار أعظم تنّور في الدّنيا يحمونه ثمّ يدخلونه إيّاه فيطبق به عليه وأن ينجو من تلك النّار غدا. قالوا له: ويحك، وما آية ذلك؟ قال: نبيّ يبعث من نحو هذه البلاد- وأشار بيده نحو مكّة واليمن- قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إليّ وأنا من أحدثهم سنّا فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة: فو الله ما ذهب اللّيل والنّهار حتّى بعث الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم وهو حيّ بين أظهرنا فآمنّا به. وكفر به بغيا وحسدا! فقلنا: ويلك يا فلان، ألست بالّذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى، وليس به» ) * «5» . 5- * (قال سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً (القصص/ 83) : «أي بغيا» ) * «6» . 6- * (قال محمّد بن كعب القرظيّ- رحمه الله تعالى-: «ثلاث خصال من كنّ فيه كنّ عليه:   (1) ذم البغي لابن أبي الدنيا (ص 54) . (2) المرجع السابق (ص 85) . (3) العرام: بضم العين: الغلظة والقسوة. (4) ذم البغي لابن أبي الدنيا (ص 68) . (5) أحمد (3/ 467) . وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع (8/ 230) . (6) ذم البغي، لابن أبي الدنيا (ص 91) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4094 البغي، والنّكث، والمكر. وقرأ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (يونس/ 23) ، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (الفتح/ 10) » ) * «1» . 7- * (قال أبو عبيد معمر بن المثنّى- رحمه الله تعالى-: «كان أوّل بغي كان في قريش بمكّة أنّ بني قيس. من بني سهم- تباغوا فيما بينهم، فبعث الله عزّ وجلّ- فأرة على ذبالة فيها نار فجرّتها إلى خيام لهم فاحترقوا. ثمّ كان ظلم وبغي بني السّبّاق بن عبد الدّار ابن قصيّ. فبعث الله عليهم الفناء فقالت سبيعة بنت لاحب بن دبنبة لابن لها يقال له خالد وكان به رهق فحذّرته ما لقي المقاييس وبنو السّبّاق: أبنيّ لا تظلم بمكّة ... لا الصّغير ولا الكبير واحفظ محارمها ولا ... يغررك بالله الغرور أبنيّ من يظلم بمكّة ... يلق أطراف الشّرور والله آمن وحشها ... والطّير يعقل في ثبير ولقد أتاهم تبّع ... وكسا بنيّتها الحبير والفيل أهلك جيشه ... يرمون فيها بالصّخور فاسمع إذا جرّبت واف ... هم كيف عاقبة الأمور «2» . 8- * (قال عبد الله بن معاوية الهاشميّ: «إنّ عبد المطّلب جمع بنيه عند وفاته وهم يومئذ عشرة وأمرهم ونهاهم وقال: إيّاكم والبغي، فو الله ما خلق الله عزّ وجلّ- شيئا أعجل عقوبة من البغي ولا رأيت أحدا بقي على البغي إلّا إخوتكم من بني عبد شمس» ) * «3» . 9- * (قال الفرزدق: «إنّ قيس بن عاصم كان له ثلاثة وثلاثون ابنا، وكان ينهاهم عن البغي، ويقول: إنّه والله ما بغى قوم قطّ إلّا ذلّوا. ثمّ قال: فإن كان الرّجل من بنيه يظلمه بعض قومه فينهى إخوانه أن ينصروه مخافة البغي» ) * «4» . 10- * (قال عبد الله بن أشهب التّميميّ: عن أبيه «كانوا يقفون في الجاهليّة بالموقف، فيسمعون صوتا من الجبل: البغي يصرع أهله ويحلّهم ... دار المذلّة والمعاطس رغّم فيطوفون بالجبل فلا يرون شيئا ويسمعون الصّوت بذلك» ) * «5» . 11- * (قال شرقيّ بن قطاميّ- رحمه الله- وصّى رجل من العرب بنيه فقال: «اهجروا البغي فإنّه منبوذ، ولا يدخلنّكم العجب؛ فإنّه ممقتة والتمسوا المحامد من مكانها، واتّقوا القدر؛ فإنّ فيه النّقمة» ) * «6» . 12- * (قال محمّد بن أبي رجاء مولى بني هاشم القرشيّ، ابن الأعرابيّ- رحمه الله تعالى-: «قال دهقان لأسد بن عبد الله وهو على خراسان: يا أسد! إنّ البغي يصرع أهله، والبغي مصرعه وخيم فلا تغترّ   (1) ذم البغي لابن أبي الدنيا (88) . (2) المرجع السابق (70- 71) بتصرف. (3) المرجع السابق (56) . (4) المرجع السابق (69) . (5) المرجع السابق (55) . (6) المرجع السابق (89) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4095 بإبطاء الغياث من ناصر متى شاء أن يغيث أغاث. وقد أملى لقوم كي يزدادوا إثما. وجميع أهل السّعادة إمّا تارك سالم من الذّنب، وإمّا تارك الإصرار. ومن رغب عن التّمادي فقد نال إحدى الغنيمتين، ومن خرج من السّعادة فلا غاية إلّا الشّقاوة» ) * «1» . 13- * (قال صيفيّ بن رباح التّميميّ لبنيه: «يا بنيّ: اعلموا أنّ أسرع الجرم عقوبة: البغي، وشرّ النّصرة التّعدّي، وألأم الأخلاق الضّيق، وأسوأ الأدب كثرة العتاب» ) * «2» . 14- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «سبحان الله! في النّفس كبر إبليس، وحسد قابيل وعتوّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقبح هامان، وهوى بلعام، وحيل أصحاب السّبت، وتمرّد الوليد، وجهل أبي جهل، وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطّاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضّبّ، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحيّة، وعبث القرد، وجمع النّملة، ومكر الثّعلب، وخفّة الفراش، ونوم الضّبع، غير أنّ الرّياضة والمجاهدة تذهب ذلك» ) * «3» . من مضار (البغي) انظر: مضار صفة ((الظلم))   (1) ذم البغي لابن أبي الدنيا (ص 79) . (2) المرجع السابق (ص 73) . (3) الفوائد (74) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4096 البلادة (عدم الفقه) البلادة لغة: البلادة: ضدّ الذّكاء. وقد بلد بالضّمّ فهو بليد. وقد أرجع ابن فارس مادّة «بلد» إلى أصل واحد يتقارب فروعه فقال: الباء واللام والدّال أصل واحد يتقارب فروعه عند النّظر في قياسه، والأصل: الصّدر، يقال: وضعت النّاقة بلدتها بالأرض، إذا بركت، ويقال: تبلّد الرّجل إذا وضع يده على صدره عند تحيّره في الأمر ... وردّه الرّاغب إلى البلد، وهو المكان، فقال: «ولمّا كان اللّازم لموطنه كثيرا ما يتحيّر إذا حصل في غير موطنه، قيل للمتحيّر: بلد في أمره، وأبلد، وتبلّد ولكثرة وجود البلادة فيمن كان جلف البدن، قيل: رجل أبلد، عبارة عن العظيم الخلق. وقال ابن منظور: بلد بلادة فهو بليد، والتّبلّد نقيض التّجلّد والبلدة والبلدة والبلادة: ضدّ النّفاذ والذّكاء والمضاء في الأمور. ورجل بليد إذا لم يكن ذكيّا، وقد بلد، بالضّمّ، فهو بليد. وتبلّد: تكلّف البلادة، وقول أبي زبيد: من حميم ينسي الحياء جليد ال ... قوم، حتّى تراه كالمبلود الآيات/ الأحاديث/ الآثار 14/ 3/ 23 قال: المبلود الّذي ذهب حياؤه أو عقله، وهو البليد، يقال للرّجل يصاب في حميمه فيجزع لموته وتنسيه مصيبته الحياء حتّى تراه كالذّاهب العقل. والمبلود: المتحيّر لا فعل له. وقيل هو المعتوه. وكلّه من البلادة. والتّبلّد: ضدّ التّجلّد، وهو استكانة وخضوع. والتّبلّد: السّقوط إلى الأرض من ضعف. وبلّد الرّجل تبليدا، إذا لم يتّجه لشيء، وبلّد الإنسان، إذا بخل ولم يجد «1» . البلادة اصطلاحا: هي ضعف الفكر في الأشياء العمليّة الّتي تتعلّق بحسن التّدبير وجودة المعاش ومخالطة النّاس والمعاملة معهم. وقيل هي فتور الطّبع من الابتهاج إلى المحاسن العقليّة «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الغفلة- الإهمال- الكسل- صغر الهمة- التخاذل- الوهن- التهاون- الضعف- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- الحمق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الفقه- العلم- علو الهمة- النشاط- الفطنة- اليقظة- الحذر] .   (1) الصحاح (2/ 449) ، والمقاييس (1/ 298، 299) ، والمفردات (59، 60) ، وتاج العروس (4/ 364، 365) ، ولسان العرب (3/ 94- 96) . (2) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 337) ، والكليات للكفوي (250) . ولسان العرب (3/ 94- 96) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4097 الآيات الواردة في «البلادة» معنى أهل البلادة أهل جهنم: 1- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «1» البليد هو من لا يعرف الحق: 2- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) «2» 3- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) «3» 4- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)   (1) الأعراف: 179 مكية (2) النساء: 77- 79 مدنية (3) الأنعام: 21- 25 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4098 وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) «1» 5- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) «2» 6- وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) «3» 7- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) «4» 8- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1)   (1) التوبة: 124- 127 مدنية (2) هود: 87- 95 مكية (3) الإسراء: 45- 46 مكية (4) الكهف: 57 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4099 اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) » البلادة تضعف العزيمة: 9- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) «2» 10- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) «3»   (1) المنافقون: 1- 7 مدنية (2) الأنفال: 65 مدنية (3) التوبة: 81- 87 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4100 11- سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) «1» 12- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) «2» البلادة بمعنى عدم الفهم: 13- ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) «3» 14- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) «4»   (1) الفتح: 15 مدنية (2) الحشر: 11- 13 مدنية (3) الكهف: 92- 98 مكية (4) محمد: 16 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4101 الأحاديث الواردة في ذمّ البلادة (عدم الفقة) معنى 1- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله: ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟، أهما الخيطان؟ قال: «إنّك لعريض القفا «1» إن أبصرت الخيطين» . ثمّ قال: «لا. بل هو سواد اللّيل وبياض النّهار» ) * «2» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رجل يخدع في البيع، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا بايعت فقل لا خلابة «3» ، فكان يقوله» ) * «4» . 3- * (عن جرير- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار «5» أو العباء «6» ، متقلّدي السّيوف، عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتمعّر «7» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثمّ خرج، فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلّى ثمّ خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الآية: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً، والآية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) . تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ولو بشقّ تمرة» . قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها. بل قد عجزت قال: ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين «8» من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل «9» كأنّه مذهبة «10» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.   (1) إنك لعريض القفا: كناية عن الغباء والبلادة. (2) البخاري- الفتح 8 (4510) واللفظ له. ومسلم (1090) . (3) لا خلابة: أي لا تحل لك خديعتي أو لا يلزمني خديعتك. (4) البخاري- الفتح 5 (2414) واللفظ له. ومسلم (1533) . (5) مجتابي النمار: نصب على الحالية، أي لابسيها خارقين أوساطها مقورين. يقال: اجتبت القميص أي دخلت فيه. والنمار جمع نمرة، وهي ثياب صوف فيها تنمير. وقيل: هي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب، كأنها أخذت لون النمر لما فيها من السواد والبياض. أراد أنه جاءه قوم لابسوا ثياب خشنة. (6) العباء: بالمد وبفتح العين، جمع عباءة وعباية، لغتان. نوع من الأكسية. (7) فتمعر: أي تغير. (8) كومين: هو بفتح الكاف وضمها. وهو بالضم: اسم لما كوم. وبالفتح: المرة الواحدة. قال: والكومة، بالضم، الصبرة. والكوم العظيم من كل شيء. والكوم المكان المرتفع كالرابية. قيل: فالفتح هنا أولى، لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية. (9) يتهلل: أي يستنير فرحا وسرورا. (10) مذهبة: ضبطوه بوجهين: أحدهما، وهو المشهور، مذهبة. والثاني مدهنة. قيل: هذا تصحيف. في تفسيره: أحدهما معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه. والثاني: شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود، وجمعها مذاهب. وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4102 ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده. من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ البلادة (عدم الفقه) 1- * (أثر عن الإمام عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: «تغاب «2» عن كلّ مالا يصحّ لك» ) * «3» . 2- * (عن أنس بن سيرين. قال: «سألت ابن عمر، قلت: أرأيت الرّكعتين قبل صلاة الغداة أأطيل فيهما القراءة؟ قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي من اللّيل مثنى مثنى، ويوتر بركعة. قال: قلت: إنّي لست عن هذا أسألك. قال: إنّك لضخم «4» ، ألا تدعني استقرىء لك الحديث «5» ؟ كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي من اللّيل مثنى مثنى. ويوتر بركعة. ويصلّي ركعتين قبل الغداة، كأنّ الأذان «6» بأذنيه» ) * «7» . 3- * (عن طاهر الزّهريّ؛ قال: «كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصّمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلّم؟ قال: بلى، متى يفطر الصّائم؟ قال: إذا غابت الشّمس، قال: فإن لم تغب إلى نصف اللّيل؟ فضحك أبو يوسف وقال: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعائي لنطقك، ثمّ قال: عجبت لإزراء العييّ بنفسه ... وسمت الّذي قد كان بالصّمت أعلما وفي الصّمت ستر للعييّ وإنّما ... صحيفة لبّ المرء أن يتكلّما) * «8» . 4- * (عن الشّعبيّ؛ قال: «إنّما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل والنّسك، فإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قال: هذا أمر لا يناله إلّا العقلاء فلم يطلبه، وإن كان عاقلا ولم يكن ناسكا قال: هذا أمر لا يناله إلّا النّسّاك فلم يطلبه فقال الشّعبيّ: ولقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليست فيه واحدة منهما، لا عقل ولا نسك» ) * «9» . 5- * (قال الخليل بن أحمد: «النّاس أربعة:   (1) مسلم (1017) . (2) تغاب: أي تغافل. (3) النهاية في غريب الحديث: 3/ 342. ولسان العرب: (10/ 115) . (4) إنك لضخم: إشارة إلى الغباوة والبلادة وقلة الأدب. قالوا: لأن هذا الوصف يكون للضخم غالبا. وإنما قال ذلك لأنه قطع عليه الكلام وعاجله قبل تمام حديثه. (5) ألا تدعني أستقري لك الحديث: أي ألا تتركني أن أذكره على نسقه. قال النووي: هو بالهمزة، من القراءة ومعناه أذكره وآتي به على وجه بكماله. وقيل: وقد يكون غير مهموز. ومعناه أقصد إلى ما طلبت، من قولهم: قروت إليه قروا، أي قصدت نحوه. (6) كأن الأذان بأذنيه: المراد هنا الإقامة. وهو إشارة إلى شدة تخفيفها بالنسبة إلى باقي صلاته صلّى الله عليه وسلّم. (7) مسلم (749) . (8) أخبار الحمقى (149) . (9) الدارمي (371) المقدمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4103 رجل يدري ويدري أنّه يدري فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنّه يدري فذاك ناس فذكّروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنّه لا يدري فذاك طالب فعلّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه» ) * «1» . 6- قال الأصمعيّ: «إذا أردت أن تعرف عقل الرّجل في مجلس واحد فحدّثه بحديث لا أصل له. فإن رأيته أصغى إليه وقبله فاعلم أنّه أحمق، وإن أنكره فهو عاقل» ) * «2» . 7- * (من أخبار هبنّقة المغفّل: «أنّه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وقال: أخشى أن أضلّ نفسي ففعلت ذلك لأعرفها به، فحوّلت القلادة ذات ليلة من عنقه إلى عنق أخيه فلمّا أصبح قال: يا أخي أنت أنا، فمن أنا؟. وأضلّ بعيرا فجعل ينادي: من وجده فهو له، فقيل له: فلم تنشده؟ قال: فأين حلاوة الوجدان؟» ) * «3» . 8- * (يروى عن أزهر الحمّار أنّه كان جالسا بين يدي الأمير عمرو بن اللّيث يوما وقدم على الأمير رسول من عند السّلطان، فأحضر مائدته، فقيل لأزهر جمّلنا بسكوتك اليوم، فسكت طويلا، ثمّ لم يصبر فقال: بنيت في القرية برجا ارتفاعه ألف خطوة، فأومأ إليه الحاجب أن اسكت، فقال له الرّسول: «في عرض كم؟» قال: في عرض خطوة، فقال له الرّسول: «ما كان ارتفاعه ألف خطوة لا يكفي عرضه خطوة؟» قال: أردت أن أزيد فيه فمنعني هذا الواقف) * «4» . 9- * (ومن أخبار أبي محمّد جامع الصّيد لانيّ: أنّه مضى إلى السّوق ليشتري لابنه نعلا فقيل له: كم سنّه؟ فقال: «ما أدري ولكنّه ولد أوّل ما جاء العنب الدّارانيّ، ومحمّد ابني- أستودعه الله- أكبر منه بشهرين ونصف سنة» ) * «5» . 10- * (ومنهم أيضا أبو عبد الله بن الجصّاص: «قيل إنّه نظر يوما في المرآة فقال لإنسان عنده: ترى لحيتي طالت؟ فقال له المرآة في يدك. فقال: صدقت، ولكن الشّاهد يرى ما لا يراه الغائب» ) * «6» . 11- * (وذكر محمّد بن أحمد التّرمذيّ فقال: كنت عند الزّجّاج أعزّيه بأمّه وعنده الخلق من الرّؤساء والكتّاب، إذ أقبل ابن الجصّاص فدخل ضاحكا وهو يقول: الحمد لله قد سرّني والله يا أبا إسحاق. فدهش الزّجّاج ومن حضر وقيل له: يا هذا كيف سرّك ما غمّه وغمّنا؟ فقال ويحك. بلغني أنّه هو الّذي مات. فلمّا صحّ عندي أنّها هي الّتي ماتت سرّني ذلك، فضحك النّاس جميعا» ) *» . 12- * (كان لمحمّد بن بشير الشّاعر ابن   (1) أخبار الحمقى والمغفلين: (36) . (2) المرجع السابق (34) . (3) المرجع السابق (41) . (4) المرجع السابق (48) . (5) المرجع السابق: (49) . (6) المرجع السابق (52) (7) المرجع السابق (35) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4104 جسيم، فأرسله في حاجته فأبطأ عليه ثمّ عاد ولم يقضها، فنظر إليه ثمّ قال: عقله عقل طائر ... وهو في خلقة الجمل فأجابه: مشبّه بك يا أبي ... ليس عنك منتقل) * «1» . 13- * (أنشد بعض الحكماء: وعلاج الأبدان أيسر خطبا ... حين تعتلّ من علاج العقول) * «2» . 14- * (من أخبار البلداء: «قال رجل لولده وهو في المكتب: في أيّ سورة أنت؟ قال: لا أقسم بهذا البلد، ووالدي بلا ولد. فقال الأب: لعمري من كنت أنت ولده فهو بلا ولد» ) * «3» . 15- * (من النّوكى عجل بن لجيم. قال أبو عبيدة: أرسل ابن لعجل بن لجيم فرسا في حلبة فجاء سابقا، فقال لأبيه: كيف ترى أن أسمّيه يا أبت؟ قال: افقأ إحدى عينيه وسمّه الأعور: قال الشّاعر: رمتني بنو عجل بداء أبيهم ... وأيّ عباد الله أعجل من عجل أليس أبوهم عار عين جواده ... فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل) * «4» . 16- * (ومن نوكى الأشراف: عبيد الله بن مروان، عمّ الوليد بن عبد الملك. بعث إلى الوليد قطيفة حمراء، وكتب إليه: إنّي قد بعثت إليك قطيفة حمراء حمراء، فكتب إليه قد وصلت القطيفة، وأنت والله يا عمّ أحمق أحمق) * «5» . 17- * (ومنهم معاوية بن مروان، وقف على باب طحّان، فرأى حمارا يدور بالرّحى في عنقه جلجل، فقال للطّحّان: لم جعلت الجلجل في عنق الحمار؟ قال: ربّما أدركتني سآمة أو نعاس فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت أنّه واقف فصحت به، فانبعث. قال: أفرأيت إن وقف وحرّك رأسه بالجلجل، وقال هكذا وهكذا- وحرّك رأسه-؟ فقال له: ومن لي بحمار يكون عقله مثل عقل الأمير؟. وهو القائل، وضاع له باز: أغلقوا أبواب المدينة حتّى لا يخرج البازي، وأقبل إليه قوم من جيرانه فقالوا: مات جارك أبو فلان فمر له بكفن فقال: ما عندنا اليوم شيء، ولكن عودوا إلينا إذا نبش، وأقبل إليه رجل أحمق منه فقال له: تعيرنا أصلحك الله ثوبا نكفّن فيه ميّتا؟ قال: أخشى أنّه ينجّسه فلا تلبسه إيّاه حتّى يغسّل ويطهّر) * «6» . 18- * (خطب وكيع بن أبي سود وهو والي خراسان فقال في خطبته: إنّ الله خلق السّماوات والأرض في ستّة أشهر، فقالوا له: بل في ستّة أيّام، فقال: والله لقد قلتها وأنا أستقلّها) * «7» . 19- * (دخل قوم دار كردم السّدوسيّ فقالوا   (1) المستطرف: (1/ 363) . (2) أخبار الحمقى والمغفلين: (24) . (3) المستطرف: (1/ 363) . (4) العقد الفريد (6/ 156، 157) . (5) المرجع السابق (6/ 157) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق (6/ 159) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4105 له: أين القبلة في دارك هذه؟ فقال: إنّما سكنّاها منذ ستّة أشهر) * «1» . 20- * (قال الأصمعيّ: كان بين رجلين من النّوكى عبد فقام أحدهما يضربه فقال له شريكه ما تصنع؟ قال: أنا أضرب نصيبي منه. قال: وأنا أضرب حصّتي فيه وقام فضربه، فكان من رأي العبد أن سلح عليهما «2» وقال: اقتسما هذه على قدر الحصص) * «3» . 21- * (ومرّ بعضهم بامرأة قاعدة على قبر وهي تبكي، فقال لها: ما هذا الميّت منك؟ قالت: زوجي. قال: وما كان عمله؟ قالت: كان يحفر القبور، قال: أبعده الله! أما علم أنّه من حفر حفرة وقع فيها؟) * «4» . 22- * (طلب رجل من النّوكى من ثمامة بن أشرس أن يسلفه مالا ويؤخّره به، فقال هاتان حاجتان وأنا أقضي لك إحداهما. قال: رضيت. قال: أنا أؤخّرك ما شئت ولا أسلّفك) * 5. 23- * (أقبل رجل إلى محمّد بن سيرين فقال: ما تقول في رؤيا رأيتها؟ قال: وما رأيت؟ قال: كنت أرى أنّ لي غنما، فكنت أعطى بها ثمانية دراهم فأبيت من البيع ففتحت عينيّ فلم أر شيئا. فقال له ابن سيرين: لعلّ القوم اطّلعوا على عيب في الغنم فكرهوها. قال: يمكن الّذي ذكرت) * «6» . من مضار (البلادة (عدم الفقه) (1) أنّها صفة ذميمة إذا استقرّت بالإنسان ورّثته الخمول في نفسه حتّى يرى نفسه غير مرغوب فيه بين أفراد المجتمع. (2) بعض البلداء والأغبياء يتّخذهم النّاس أضحوكة ومحلّ استهزاء وسخرية. (3) البلادة النّاشئة عن استرخاء وكسل تجعل البليد محتقرا في مجتمعه. (4) تضيّع على صاحبها كثيرا من الفرص والمناسبات الّتي يمكن أن تسعده في دنياه وآخرته. (5) قد يتمثّل البعض بالتّغابي لمأرب في نفسه يريد قضاءه ولكن إذا اكتشفه مخالطوه احتقروه.   (1) العقد الفريد (6/ 160) . (2) سلح عليهما: أي تغوّط. (3) العقد الفريد (6/ 162) . 4، 5 المرجع السابق (6/ 162، 163) . (6) المرجع السابق (6/ 163) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4106 البهتان البهتان لغة: البهتان: هو الاسم من البهت، وهو مأخوذ من مادّة (ب هـ ت) الّتي يدور معناها حول الدّهش والحيرة، وتتّصل فروعها بهذا الأصل وتتقارب، يقول ابن فارس: «الباء والهاء والتّاء أصل واحد، وهو كالدّهش والحيرة، يقال: بهت الرّجل، يبهت بهتا، والبهتة الحيرة، فأمّا البهتان فالكذب، يقول العرب: يا للبهتة، أي ياللكذب» ، قال- تعالى- هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (النور/ 16) أي كذب يبهت سامعه لفظاعته. يقول الجوهريّ: وبهت الرّجل- بالكسر- إذا دهش وتحيّر، وبهت- بالضّمّ- مثله، وأفصح منهما بهت، كما قال: جلّ ثناؤه فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ (البقرة/ 258) لأنّه يقال: رجل مبهوت، ولا يقال: باهت، ولا بهيت. والبهيتة: الباطل الّذي يتحيّر من بطلانه. والبهتان: من بهت الرّجل يبهته بهتا، وبهتا، وبهتانا، فهو بهّات: أي قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت. وبهته بهتا: أخذه بغتة، وفي التّنزيل العزيز: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ (الأنبياء/ 40) . والبهتان: افتراء. وفي التّنزيل العزيز: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ (الممتحنة/ 12) . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 8/ 5 وباهته: استقبله بأمر يقذفه به، وهو منه بريء لا يعلمه فيبهت منه، والاسم البهتان. وبهتّ الرّجل أبهته بهتا إذا قابلته بالكذب، وقوله عزّ وجلّ: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (النساء/ 20) أي مباهتين آثمين. قال أبو إسحاق: البهتان: الباطل الّذي يتحيّر من بطلانه، وهو من البهت وهو التّحيّر، والألف والنّون زائدتان، وبهتانا موضع المصدر، وهو حال، والمعنى: أتأخذونه مباهتين وآثمين؟. وبهت فلان فلانا إذا كذب عليه، وبهت وبهت إذا تحيّر، وقوله عزّ وجلّ: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ (الممتحنة/ 12) أي لا يأتين بولد عن معارضة من غير أزواجهنّ، فينسبنه للزّوج، فإنّ ذلك بهتان وفرية، يقال: كانت المرأة تلتقطه فتتبنّاه. والبهوت: المباهت، والجمع بهت وبهوت. والبهت والبهيتة: الكذب، وفي حديث الغيبة: «وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بهتّه» أي كذبت وافتريت عليه، وفي حديث ابن سلام في ذكر اليهود: إنّهم قوم بهت، قال ابن الأثير: هو جمع بهوت، من بناء المبالغة في البهت، مثل صبور وصبر، ثمّ يسكّن تخفيفا «1» .   (1) المقاييس (1/ 307) ، والصحاح (1/ 244) ، والمفردات (61) ، والقاموس المحيط (1/ 144) ، لسان العرب (2/ 12- 13) ، نزهة الأعين النواظر (193) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4107 واصطلاحا: البهتان: هو الكذب والافتراء الباطل الّذي يتحيّر منه. وقال المناويّ: البهتان: كذب يبهت سامعه ويدهشه ويحيّره لفظاعته، وسمّي بذلك لأنّه يبهت أي يسكت لتخيّل صحّته، ثمّ ينكشف عند التّأمّل. وقال الكفويّ: البهتان: هو الكذب الّذي يبهت سامعه أي يدهش له ويتحيّر. وهو أفحش من الكذب، وإذا كان بحضرة المقول فيه كان افتراء. وقيل: كلّ ما يبهت له الإنسان من ذنب وغيره «1» . الفرق بين البهتان والاغتياب والافتراء والإفك: تتقارب معاني هذه الألفاظ، بيد أنّها عند التّدقيق ممّا تختلف دلالته وتتفاوت، فالاغتياب هو أن يتكلّم شخص خلف إنسان مستور، بكلام هو فيه، وإن لم يكن ذلك الكلام فيه فهو بهتان، والكذب الفاحش الّذي يدهش له سامعه هو بهتان إن لم يكن بحضرة المقول فيه، فإن كان بحضرته كان افتراء، سواء أكان ذلك عن قصد أو عن غير قصد، فإذا كان ذلك عن قصد كان إفكا «2» . حكم البهتان: عدّ ابن حجر البهتان من كبائر الذّنوب، وذكر أنّه أشدّ من الغيبة، إذ هو كذب فيشقّ على كلّ أحد، بخلاف الغيبة الّتي لا يشقّ على بعض العقلاء لأنّها فيه، وقد جاء في الحديث الّذي خرّجه أحمد: «خمس ليست لهنّ كفّارة: الشّرك بالله، وقتل النّفس بغير حقّ، وبهت مؤمن، والفرار يوم الزّحف، ويمين صابرة (أي كاذبة) يقتطع بها مالا بغير حقّ» . ولما رواه الطّبرانيّ: «من ذكر امرأ بشيء ليعيبه به حبسه الله في نار جهنّم حتّى يأتي بنفاذ ما قال فيه» . ووجه من عدّ البهت من الكبائر مع عدّه الكذب كبيرة أخرى أنّ هذا كذب خاصّ فيه هذا الوعيد الشّديد، فلهذا أفرد بالذّكر «3» . معاني البهتان في القرآن الكريم: من معاني البهتان الّتي وردت في القرآن الكريم ما يلي: الأوّل: الكذب. ومنه قوله تعالى في النّور: سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ «4» . والثّاني: الزّنا. ومنه قوله تعالى في الممتحنة: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ «5» . والثّالث: الحرام. ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً «6» «7» . [للاستزادة: انظر صفات: الافتراء- الإفك- شهادة الزور- الغيبة- القذف- الكذب- السفاهة- الاستهزاء- الأذى- النميمة- الإساءة- المن بالعطية- التحقير- السخرية. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصدق- إقامة الشهادة- الصمت وحفظ اللسان- الكلم الطيب- تكريم الإنسان- الأدب- الاستقامة] .   (1) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 165) ، والتوقيف للمناوى (84) والكليات للكفوي (154، 226) . (2) بتلخيص عن الكفوي في الكليات (154- 669) . (3) الزواجر (357) بتصرف. (4) آية (16) (5) آية (12) . (6) آية (20) . (7) نزهة الأعين النواظر (193- 194) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4108 الآيات الواردة في «البهتان» 1- وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21) «1» 2- وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112) «2» 3- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) «3» 4- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) «5» 6- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «6»   (1) النساء: 20- 21 مدنية (2) النساء: 111- 112 مدنية (3) النساء: 155- 156 مدنية (4) النور: 14- 16 مدنية (5) الأحزاب: 57- 58 مدنية (6) الممتحنة: 12 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4109 الأحاديث الواردة في ذمّ (البهتان) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟. قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه، فقد بهتّه «1» » ) «2» . 2- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك) * «3» . 3- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: بلغ عبد الله بن سلام مقدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فأتاه فقال: إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ، قال: ما أوّل أشراط السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟، ومن أيّ شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أيّ شيء ينزع إلى أخواله؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خبّرني بهنّ آنفا جبريل» . قال: فقال عبد الله: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أمّا أوّل أشراط السّاعة فنار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب. وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت. وأمّا الشّبه في الولد فإنّ الرّجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشّبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشّبه لها» . قال: أشهد أنّك رسول الله. ثمّ قال: يا رسول الله، إنّ اليهود قوم بهت، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك. فجاءت اليهود، ودخل عبد الله البيت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟» قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. فقالوا: شرّنا وابن شرّنا، ووقعوا فيه) * «4» . 4- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ فيك من عيسى مثلا، أبغضته يهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الّذي ليس به» ألا وإنّه   (1) بهته: يقال: بهتّه، قلت فيه البهتان، وهو الباطل، والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرامان، لكن تباح الغيبة لغرض شرعي. (2) مسلم (2589) . (3) البخاري- الفتح 1 (18) . (4) البخاري- الفتح 6 (3329) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4110 يهلك فيّ اثنان، محبّ يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إنّي لست بنبيّ، ولا يوحى إليّ، ولكنّي أعمل بكتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم) * «1» . 5- * (عن سعيد بن زيد، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ» » ) * «3» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم. فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون لحوم النّاس، ويقعون في أعراضهم» ) * «4» . 7- * (عن معاذ بن أنس الجهنيّ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال- من حمى مؤمنا من منافق- أراه قال- بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنّم، ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه «5» به حبسه الله على جسر جهنّم حتّى يخرج ممّا قال» ) * «6» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما تشيرون عليّ في قوم يسبّون أهلي ما علمت عليهم من سوء قطّ» ، وعن عروة قال: لمّا أخبرت عائشة بالأمر قالت: يا رسول الله أتأذن لي أن أنطلق إلى أهلي؟ فأذن لها وأرسل معها الغلام، وقال رجل من الأنصار: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلّم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البهتان) 1- * (عن أسلم مولى عمر: أنّ عمر دخل يوما على أبي بكر الصّدّيق وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه؟ غفر الله لك. فقال له أبو بكر: إنّ هذا أوردني الموارد) * «8» . 2- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا   (1) أحمد (1/ 160) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 356) : إسناده حسن. (2) الاستطالة في عرضه: التعرض لعرضه بما لا يليق من قول أو فعل. (3) أحمد (1/ 190) ، أبو داود (4876) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 923) : صحيح، المشكاة (5045) التحقيق الثاني، الصحيحة (1433، 1871) . (4) أحمد (3/ 224) ، أبو داود (4878) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 923) : صحيح. (5) شينه: أي عيبه وذمّه. (6) أبو داود (4883) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 924) : حسن، المشكاة (4986/ التحقيق الثاني) . (7) البخاري- الفتح 13 (7370) . (8) الموطأ (2/ 988) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (11/ 728 و729) : إسناده صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4111 أي ينسبون إليهم ما هم براء منه لم يعملوه ولم يفعلوه فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (الأحزاب/ 58) ، وهذا هو البهت الكبير أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتّنقّص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله، ثمّ الرّافضة الّذين ينتقصون الصّاحبة ويعيبونهم بما قد برّأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم فإنّ الله- عزّ وجلّ- قد أخبر أنّه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبّونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا، فهم في الحقيقة منكّسوا القلوب، يذمّون الممدوحين، ويمدحون المذمومين) * «1» . 3- * (وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (النور/ 16) أي سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة رسوله وحليلة خليله، أي ما ينبغي لنا أن نتفوّه بهذا الكلام) * «2» . 4- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (النساء/ 156) . عن ابن عبّاس: يعني أنّهم رموها بالزّنا ورموها وابنها بالعظائم ... فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة) * «3» . 5- * (يقال: رأس المآثم الكذب، وعموم الكذب البهتان) * «4» . من مضار (البهتان) (1) تستجلب سخط الله عزّ وجلّ والملائكة المقرّبين. (2) صاحب البهتان مبغوض من النّاس، ومحتقر عند عباد الله. (3) البهتان يفسد المجتمع ويشيع الفواحش. (4) يعيش صاحب البهتان مضطرب النّفس لا يهنأ بعيش ولا يعرف للسّعادة سبيلا. (5) صفة من صفات المنافقين وهم في الدّرك الأسفل من النّار. (6) يقلب صاحبها الحقّ باطلا، والباطل حقّا ويبرّيء المتّهم ويتّهم البريء.   (1) تفسير ابن كثير. (3/ 517، 518) . (2) المرجع السابق (3/ 274) بتصرف. (3) المرجع السابق (1/ 573) بتصرف. (4) المستطرف (1/ 357) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4112 [ حرف التاء ] التبذير التبذير لغة: مصدر قولهم: بذّر يبذّر تبذيرا، وهو مأخوذ من مادّة (ب ذ ر) الّتي تدلّ- فيما يقول ابن فارس على معنى واحد هو نثر الشّيء وتفريقه، يقال: بذرت البذر أبذره بذرا إذا زرعته وبذّرت المال أبذّره تبذيرا، إذا فرّقته إسرافا، ويقال رجل تبذارة للّذي يبذر ماله ويفسده، ورجل بذور: يذيع الأسرار، وجمعه بذر، وهم القوم لا يكتمون حديثا، ولا يحفظون ألسنتهم، ومن ذلك قول عليّ- رضي الله عنه-: ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البذر، قال ابن فارس: فالمذاييع هم الّذين يذيعون، والبذر هم الّذين ذكرناهم «1» . وقال ابن دريد: بذّر الرّجل ماله تبذيرا إذا فرّقه، وبذّر الله الخلق: فرّقهم في الأرض «2» . وقيل بذّر المال: خرّبه وفرّقه إسرافا «3» . وقال ابن منظور: يقال: تفرّق القوم شذر بذر، وشذر بذر، أي في كلّ وجه، وتفرّقت إبله كذلك، وبذّر ماله أفسده وأنفقه في السّرف، وكلّ ما فرّقته وأفسدته، فقد بذّرته، يقال: فيه بذارّة وبذارة (بتشديد الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 2/ 19 الرّاء وتخفيفها) أي تبذير، ورجل تبذارة أي يبذّر ماله ويفسده، وقيل أن ينفق المال في المعاصي، وقيل هو أن يبسط يده في إنفاقه حتّى لا يبقى منه ما يقتاته، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- ولوليّه أن يأكل منه غير مباذر، المباذر والمبذّر هو المسرف في النّفقة، يقال من ذلك باذر مباذرة، وبذّر تبذيرا، وقول المتنخّل يصف سحابا: مستبذرا يرغب قدّامه. فسّر بأنّه يفرّق الماء، والبذير من النّاس: الّذي لا يستطيع أن يمسك سرّه، ورجل بذير وبذور، يذيع الأسرار ولا يكتم سرّا «4» ، وفي حديث فاطمة- رضي الله عنها- عند وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت عائشة- رضي الله عنها-: إنّي إذن لبذرة: البذر هو الّذي يفشي السّرّ ويظهر ما يسمعه «5» . وبذرت الكلام بين النّاس (أي فرّقته) كما تبذر الحبوب والمعنى: أفشيته ويقال: تبذّر الماء، إذا تغيّر واصفرّ، قال ابن مقبل: تنفي الدّلاء بآجن متبذّر. المتبذّر: المتغيّر الأصفر، وقولهم: كثير بثير   (1) مقاييس اللغة 1/ 216، والصحاح للجوهري 2/ 587. (2) الجمهرة 1/ 250. (3) القاموس المحيط (بذر) ص 444 (ط. بيروت) ، واكتفى الرازي بالقيد الثاني في التعريف فقال: بذّر المال: فرّقه إسرافا ولم يذكر التّخريب. انظر مختار الصحاح ص 45 (ط. دار الكتب) . (4) لسان العرب 4/ 50 (ط. دار المعارف) . (5) النهاية لابن الأثير 1/ 110. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4113 وبذير، بذير قيل إتباع، وقيل لغة «1» . أمّا التّبذير في قول الله تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (الاسراء/ 26) . فقد ذكر الطّبريّ أنّ أصل التّبذير هو الإنفاق في السّرف ومنه قول الشّاعر: أناس أجارونا فكان جوارهم ... أعاصير من فسق العراق المبذّر «2» . وقال القرطبيّ: المعنى: لا تسرف في الإنفاق في غير حقّ «3» ، ومن ثمّ يكون التّبذير المقصود في الآية الكريمة: هو النّفقة في غير وجوه البرّ الّتي يتقرّب بها إلى الله تعالى، وقال ابن كثير: لمّا أمر المولى سبحانه بالإنفاق في صدر الآية: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ.. نهى عن الإسراف في الإنفاق بأن يكون وسطا، كما قال سبحانه في الآية الأخرى.. وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا (الفرقان/ 67) «4» . التبذير اصطلاحا: قال المناويّ: التّبذير: تفريق المال على وجه الإسراف «5» ، وأصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكلّ مضيّع لماله «6» ، فتبذير البذر تفريق في الظّاهر لمن لا يعرف مآل ما يلقيه «7» . ونقل القرطبيّ عن الإمام الشّافعّيّ- رحمه الله- قوله: التبذير: إنفاق المال في غير حقّه، ولا تبذير في عمل الخير «8» . وروي عن الإمام مالك- رضي الله عنه- قوله: التّبذير: هو أخذ المال من حقّه ووضعه في غير حقّه. الفرق بين التبذير والإسراف: قال الكفويّ: الإسراف: هو صرف فيما لا ينبغي زائدا على ما ينبغي، أمّا التّبذير فإنّه صرف الشّيء فيما لا ينبغي وأيضا فإنّ الإسراف تجاوز في الكمّيّة إذ هو جهل بمقادير الحقوق، والتّبذير تجاوز في موضع الحقّ، إذ هو جهل بمواقعها (أي الحقوق) ، يرشد إلى هذا قول الله سبحانه في تعليل (النّهي عن) الإسراف إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأنعام/ 141) ، وقوله عزّ وجلّ في تعليل النّهي عن التّبذير: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (الإسراء/ 27) . فإنّ تعليل الثّاني فوق   (1) لسان العرب 4/ 51 ومعنى كونها اتباعا أنها كلمة أتى بها لتقوية المعنى فقط أما كونها لغة فهو أن بعض العرب قد أبدلوا الثاء في بثير ذالا فقالوا بذير. (2) تفسير الطبري مجلد 8 ج 15 ص 53. (3) تفسير القرطبي 10/ 247. (4) تفسير ابن كثير 3/ 39. (5) التوقيف على مهمات التعاريف ص 9، والتعريفات للجرحاني ص 52. (6) انظر المفردات للراغب ص 52 (ت محمد أحمد خلف الله) (7) تفسير القرطبي 10/ 247. (8) السابق، الصفحة نفسها، وانظر آراء أخرى عن الصحابة والتابعين في الجزء الخاص بالآثار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4114 الأوّل «1» . لقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الإسراف والتبذير قد يردان بمعنى واحد، ومن ثمّ فقد يرد أحدهما ويراد به الآخر، من ذلك ما ذكره الماورديّ من أنّ التّبذير هو الإسراف المتلف للمال «2» ، وروى أشهب عن مالك أنّ التّبذير هو الإسراف «3» . وذكر القرطبيّ في تفسير قوله تعالى وَلا تُبَذِّرْ قال: (معناه) لا تسرف في الإنفاق في غير حقّ «4» ، وقال ابن كثير في نفس الآية الكريمة: لمّا أمر الله عزّ وجلّ بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه «5» . والخلاصة أنّ بين الأمرين عموما وخصوصا إذ قد يجتمعان فيكون لهما المعنى نفسه أحيانا وقد ينفرد الأعمّ وهو الإسراف. حكم التبذير: نقل عن الإمام مالك- رحمه الله- أنّ التّبذير حرام لقوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ (الإسراء/ 27) «6» . وقال القرطبيّ: من أنفق درهما في حرام فهو مبذّر، ويحجر عليه في نفقته الدّرهم في الحرام، ولا يحجر عليه إن بذله في الشّهوات إلّا إذا خيف عليه النّفاد «7» . وأبو حنيفة- رحمه الله- لا يرى الحجر للتّبذير، وإن كان (حراما) منهيّا عنه، وذكر الماورديّ أنّ التّبذير هو الإسراف المتلف للمال، وأنّ المبذّر يحجر عليه للآية الكريمة (السّابقة) ، ومن واجب الإمام منعه منه (أي التّبذير) بالحجر والحيلولة بينه وبين ماله إلّا بمقدار نفقة مثله «8» . الفرق بين الجود والتبذير: يتجلّى الفرق بين الأمرين في أن الجواد حكيم يضع العطاء مواضعه، وأنّ المبذّر (أو المسرف) كثيرا ما لا يصادف عطاؤه موضعه، فالجواد من يتوخّى بماله أداء الحقوق الواجبة عليه حسب مقتضى المروءة من قرى الضّيف، ومكافأة المهدي، وما يقي به عرضه على وجه الكمال، طيّبة بذلك نفسه راضية مؤمّلة للخلف في الدّنيا والآخرة، والمبذّر ينفق بحكم هواه وشهوته من غير مراعاة مصلحة ولا تقدير، ولا يريد أداء الحقوق» . [للاستزادة: انظر صفات: الإسراف- السفاهة شرب الخمر- الميسر- اللهو واللعب- التفريط والإفراط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- الجود- الكرم- محاسبة النفس- السخاء- مجاهدة النفس] .   (1) الكليات للكفوي 1/ 172، وانظر أيضا التعريفات للجرجاني 23، 24. (2) البحر المحيط 6/ 27. (3) تفسير القرطبي 10/ 247. (4) السابق، الصفحة نفسها. (5) تفسير ابن كثير 3/ 39. (6) تفسير القرطبي 10/ 247. (7) السابق، 10/ 248. (8) تفسير البحر المحيط لأبي حيان 6/ 23. (9) فضل الله الصمد 1/ 533 (هامش 1) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4115 الآيات الواردة في «التبذير» 1- وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) «1» الآيات الواردة في «التبذير» معنى 2- وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «2» 3- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) «3» 4- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) «4» 5- وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) «5» 6- وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) «6»   (1) الإسراء: 26- 27 مكية (2) النساء: 5- 6 مدنية (3) الأنعام: 141 مكية (4) الأعراف: 31 مكية (5) الإسراء: 29 مكية (6) الفرقان: 67 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4116 الأحاديث الواردة في ذمّ (التبذير) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله؛ إنّي ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة، فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تخرج الزّكاة من مالك فإنّها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك وتعرف حقّ المسكين والجار والسّائل» فقال: يا رسول الله؛ أقلل لي. فقال: «آت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرا» . فقال: يا رسول الله؛ إذا أدّيت الزّكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم، إذا أدّيتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها وإثمها على من بدّلها» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي فقير ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذّر ولا متأثّل «2» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التبذير) 1- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير، وما تصدّقت (به) ، فهو لك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظّ الشّيطان) * «4» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: في قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ قال: هم الّذين ينفقون المال في غير حقّه) * «5» . 3- * (عن عطاء عن ابن عبّاس قال: لا تنفق في الباطل فإنّ المبذّر هو المنفق في غير حقّ) * «6» . 4- * (عن أبي العبيدين قال: سألت عبد الله (ابن مسعود) عن المبذّرين، قال: الّذين ينفقون في غير حقّ) * «7» . 5- * (وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «المرّان: الإمساك في الحياة والتّبذير عند الموت) * «8» . 6- * (وعنه- رضي الله عنه- قال: كنّا أصحاب محمّد نتحدّث أنّ التّبذير: النّفقة في غير حقّ) * «9» .   (1) ذكره الهيثمي في المجمع (3/ 63) وقال: رواه أحمد في المسند وهو فيه في (3/ 136) ، والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (2) تأثّل المال: جمعه، ومال مؤثّل، ومجد مؤثل. أي مجموع ذو أصل (النهاية 1/ 23) . (3) النسائي (2/ 216) ، وأبو داود (2872) ، والنسائي (6 لا 3668) وصححه الألباني- صحيح سنن أبي داود. (4) الدّر المنثور 5/ 275. (5) المرجع السابق 5/ 274، وفضل الله الصمد 1/ 534. (6) تفسير الطبري مجلد 8 ج 15 ص 54. (7) فضل الله الصمد 1 (444) ص 533، والدر المنثور 5/ 274، وتفسير ابن كثير 3/ 39. (8) الدارمي 2/ 509 وتفسير الطبري مجلد 8 ج 15 ص 53. (9) الدر المنثور 5/ 274، وتفسير ابن كثير 3/ 39 (ولم يذكر ابن كثير صدر الأثر واكتفى بعبارة: التبذير: الانفاق في غير حق) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4117 7- * (قال قتادة- رحمه الله تعالى-: التّبذير: النّفقة في معصية الله تعالى وفي غير الحقّ وفي الفساد) * «1» . 8- * (وقال مجاهد- رحمه الله تعالى-: لو أنفق إنسان ماله كلّه في الحقّ لم يكن مبذّرا، ولو أنفق مدّا في غير حقّ كان مبذّرا) * «2» . 9- * (عن السّدّيّ- رحمه الله تعالى- قال: في قوله تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً أي لا تعط مالك كلّه) * «3» . 10- * (عن وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى- قال: من السّرف أن يلبس الإنسان ويأكل ويشرب ممّا ليس عنده، وما جاوز الكفاف فهو التّبذير) * «4» . 11- * (عن شعبة- رحمه الله تعالى- قال: كنت أمشي مع أبي إسحاق في طريق الكوفة، فأتى على دار تبنى بجصّ وآجر، فقال هذا التّبذير) * «5» . 12- * (قال ابن زيد- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ.. الآية.. قال: قوله وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً أي لا تعط في معاصي الله، وأمّا قوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ فإنّه يعني أنّ المفرّقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشّياطين، وكذلك تقول العرب لكلّ ملازم سنّة قوم وتابع أثرهم هو أخوهم) * «6» . 13- * (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً المعنى: أي لا تفرّق يا محمّد ما أعطاك الله من مال في معصيته تفريقا) *. 14- * (قال القرطبيّ: من أنفق ماله في الشّهوات زائدا على قدر الحاجات وعرّضه بذلك للنّفاد فهو مبذّر، ومن أنفق ربح ماله في شهواته وحفظ الرّقبة (أي الأصل) فليس بمبذّر) * «7» . 15- * (وقال- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ المعنى أنّهم في حكمهم، إذ المبذّر ساع في إفساد كالشّياطين، أو أنّهم يفعلون ما تسوّل لهم أنفسهم (كما تسوّل الشّياطين فعل الشّرّ) ، أو أنّهم يقرنون بهم غدا في النّار) * «8» . 16- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: قال الله تعالى منفّرا عن التّبذير والسّرف: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أي أشباههم في ذلك أي في التّبذير والسّفه وترك طاعته وارتكاب معصيته، ولذلك قال وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً أي جحودا لأنّه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته، بل أقبل على معصيته ومخالفته) * «9» . 17- * (قال أبو حيّان- رحمه الله تعالى-: في قوله تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً نهى الله تعالى عن   (1) تفسير ابن كثير 3/ 39. (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) الدر المنثور 5/ 274. (4) المرجع السابق 5/ 274- 275. (5) تفسير الطبري مجلد 8 ج 15 ص 54. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) تفسير القرطبي 10/ 248. (8) قال القرطبي (10/ 248) ، فهذه ثلاثة أقوال. (9) تفسير ابن كثير 3/ 39- 40. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4118 التّبذير، وكانت الجاهليّة تنحر إبلها وتتياسر عليها «1» ، وتبذّر أموالها في الفخر والسّمعة وتذكر ذلك في أشعارها فنهى الله تعالى عن النّفقة في غير وجوه البرّ، وما يقرّب منه تعالى) * «2» . 18- * (وقال- رحمه الله تعالى- أيضا: وأخوّة المبذّرين للشّياطين في قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ.. الآية) تعني كونهم قرناءهم في الدّنيا، وفي النّار في الآخرة، وتدلّ هذه الأخوّة على أنّ التّبذير هو في معصية الله تعالى (أو المعنى) أنّهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف في الدّنيا) * «3» . 19- * (وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى: العاقل يدبّر بعقله معيشته في الدّنيا، فإن كان فقيرا اجتهد في كسب وصناعة تكفّه عن الذّلّ للخلق، وقلّل العلائق «4» ، واستعمل القناعة، فعاش سليما من منن النّاس عزيزا بينهم وإن كان غنيّا فينبغي له أن يدبّر في نفقته خوف أن يفتقر فيحتاج إلى الذّلّ للخلق، ومن البليّة أن يبذّر في النّفقة ويباهي بها ليكمد الأعداء، كأنّه يتعرّض بذلك- إن أكثر- لإصابته بالعين، وينبغي التّوسّط في الأحوال، وكتمان ما يصلح كتمانه، ولقد وجد بعض الغسّالين مالا، فأكثر النّفقة، فعلم به، فأخذ منه المال، وعاد إلى الفقر، وإنّما التّدبير حفظ المال، والتّوسّط في الإنفاق، وكتمان ما لا يصلح إظهاره) * «5» . من مضار (التبذير) (1) فيه طاعة للشّيطان ومعصية للرّحمن. (2) يباعد من الجنّة ويقرّب من النّار. (3) المبذّر أخ للشّيطان. (4) في التّبذير رجوع إلى الجاهليّة وعاداتها القبيحة وفيه مفاخرة ممقوتة. (5) في التّبذير إتلاف للمال، وتضييع له. (6) التّبذير عند الموت لا يعدّ من الصّدقة المقبولة وهو مردود على صاحبه. (7) التّبذير يؤدّي للفقر ويحتاج صاحبه- فيما بعد- إلى الذّلّ للخلق. (8) المبذّر معرّض للعين، والحسد والحقد عليه. (9) في التّبذير اتّباع للهوى وبعد عن الحقّ. (10) التّبذير يشعر الإنسان بالمرارة خاصة إذا اقترب الأجل.   (1) تتياسر عليها أي تضرب عليها بالقداح وهو الميسر المنهي عنه. (2) تفسير البحر المحيط 6/ 27. (3) المرجع السابق، الصفحة نفسها. (4) العلائق، ما يتعلق به الإنسان ويرى اقتناءه، وهو يشبه ما نسميه بالطموحات في أمور المعيشة. (5) صيد الخاطر 610. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4119 التبرج التبرج لغة: مصدر قولهم: تبرّجت المرأة تتبرّج، وهو مأخوذ من مادّة (ب ر ج) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل: البروز والظّهور، والثّاني: الوزر والملجأ فمن الأوّل: البرج وهو سعة العين في شدّة سواد وشدّة بياض بياضها، ومن ذلك أخذ التّبرّج، وهو إظهار محاسنها، ومن الأصل الثّاني: البرج وهو واحد بروج السّماء، وأصل البروج: الحصون والقصور، وذكر الرّاغب: أنّ التّبرّج مأخوذ من الثّوب المبرّج أي الّذي صوّر عليه البروج، يقال: ثوب مبرّج: صوّرت عليه بروج فاعتبر حسنه، فقيل تبرّجت المرأة أي تشبّهت به في إظهار المحاسن، وقيل: اشتقاق ذلك من البرج وهو القصر، ومن ثمّ يكون معنى تبرّجت ظهرت من برجها أي قصرها، وقال المبرّد: إنّ التّبرّج مأخوذ من السّعة، يقال في أسنانه برج إذا كانت متفرّقة. وقال ابن منظور: يقال تبرّجت المرأة: يعني أظهرت وجهها. وكذلك إذا أبدت محاسن جيدها ووجهها. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 2/ 13/ 15 والتّبرّج إظهار الزّينة للنّاس الأجانب وهو المذموم، فأمّا للزّوج فلا، وقيل: هو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرّجال. وفي الحديث: كان يكره عشر خلال، منها التّبرّج بالزّينة لغير محلّها. وقد مدح الله قوما من النّساء فقال سبحانه: غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ (النور/ 60) : يعني لا يتكسّرن في مشيهنّ ولا يتبخترن. وأمّا ما نهى الله عنه المؤمنات من التّشبّه بالكافرات في التّبرّج في قوله تعالى وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى (الأحزاب/ 33) . هذا كان في زمن ولد فيه إبراهيم النّبيّ- عليه السّلام- إذ كانت المرأة تلبس الدّرع من اللّؤلؤ غير مخيط الجانبين، وقيل: كانت تلبس الثّياب تبلغ المال لا تواري جسدها (ومعنى تبلغ المال أنّها ثياب غالية الثّمن) «1» . التبرج اصطلاحا: قال الطّبريّ: التّبرّج هو التّبختر، وقيل: هو إشهار الزّينة، وإبراز المرأة محاسنها للرّجال «2» . وقال القرطبيّ: التّبرّج: التّكشّف والظّهور للعيون، وقيل التّبرّج في قوله تعالى: غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ   (1) المقاييس (1/ 238) والمفردات (38، 39) ، لسان العرب (1/ 243) . والصحاح (1/ 299) ، وتفسير القرطبي (14/ 117) . (2) تفسير الطبري (10/ 294) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4120 بِزِينَةٍ (النور/ 60) ، أنّهنّ كاسيات عاريات من لباس التّقوى، قال القرطبيّ: وهذا التّأويل أصحّ، وهو اللّائق بهنّ في هذه الأزمان وخاصّة الشّباب منهنّ، فإنّهنّ يتزيّنّ ويخرجن متبرّجات، فهنّ كاسيات بالثّياب عاريات من التّقوى حقيقة ظاهرا وباطنا، حيث تبدي زينتها، ولا تبالي بمن ينظر إليها، بل ذلك مقصودهنّ، وذلك مشاهد في الوجود منهنّ، ولو كان عندهنّ شيء من التّقوى لما فعلن ذلك، ولم يعلم ما هنالك» . وقال- رحمه الله تعالى-: في تفسير قوله- عزّ وجلّ- وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى (الأحزاب/ 33) حقيقة التّبرّج: إظهار ما ستره أفضل «2» . لبس النساء بين التبرج والاحتشام: قال ابن الحاجّ- رحمه الله تعالى- فيما يتعلّق بلبس النّساء: العالم أولى من يأخذ على أهله ويردّهنّ للاتّباع مهما استطاع في كلّ الأحوال فمن ذلك (منع) ما يلبسن من هذه الثّياب الضّيّقة القصيرة، وهما منهيّ عنهما، ووردت السّنّة بضدّهما، لأنّ الضّيّق من الثّياب يصف جسمها ويحدّده، هذا في الضّيّق، وأمّا القصير فإنّ الغالب منهنّ أن يجعلن القميص إلى الرّكبة، فإن انحنت أو جلست أو قامت انكشفت عورتها. ووردت السّنّة أنّ ثوب المرأة تجرّه خلفها، ويكون فيه وسع بحيث إنّه لا يصفها «3» . وقال- رحمه الله تعالى- وعلى العالم أن ينهاهنّ عن لبس العمائم، ويمنعهنّ من توسيع الأكمام وتقصيرها. لأنّها تظهر ما لا بدّ من إخفائه «4» . [للاستزادة: انظر صفات: إطلاق البصر- الغي والإغواء- الفتنة- الزنا- الخنوثة- الدياثة- اتباع الهوى- المجاهرة بالمعصية- العصيان- الفجور- انتهاك الحرمات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحجاب- حسن السمت- غض البصر- الستر- العفة- حفظ الفرج- تعظيم الحرمات- الاستقامة- الغيرة- الشرف] .   (1) تفسير القرطبي (12/ 60) . (2) المرجع السابق (14/ 117) . (3) المدخل لابن الحاج (2/ 142) . (4) المرجع السابق (2/ 243) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4121 الآيات الواردة في «التبرج» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «1» 2- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «2»   (1) النور: 58- 60 مدنية (2) الأحزاب: 28- 34 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4122 الأحاديث الواردة في ذمّ (التبرج) 1- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدّنيا فتبرّجت بعده. فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم، رجل نازع الله- عزّ وجلّ- رداءه، فإنّ رداءه الكبرياء وإزاره العزّة، ورجل شكّ في أمر الله، والقنوط من رحمة الله» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: «جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبايعه على الإسلام فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي ولا تبرّجي تبرّج الجاهليّة الأولى» ) «2» . 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكره عشر خلال: تختّم الذّهب، وجرّ الإزار، والصفرة،- يعني الخلوق «3» . وتغيير الشّيب- قال جرير: إنّما يعني بذلك نتفه- وعزل الماء عن محلّه، والرّقى إلّا بالمعوّذات، وفساد الصّبيّ غير محرّمه «4» ، وعقد التّمائم، والتّبرّج بالزّينة لغير محلّها «5» ، والضّرب بالكعاب «6» » ) * «7» .   (1) أحمد (6/ 19) واللفظ له وقال الهيثمي في المجمع (1/ 105) : رجاله ثقات. والأدب المفرد للبخاري رقم (593) . والحاكم (1/ 119) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وذكر بعضه في السنة لابن أبي عاصم رقم (89) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 70) رقم (3053) . وكذا في الصحيحة (2/ 71) رقم (542) وعزاه أيضا لابن حبان وابن عساكر ونقل قول ابن عساكر عنه أنه حديث حسن غريب ورجال إسناده ثقات. (2) أحمد (2/ 196) واللفظ له رقم (6862) . بتحقيق الشيخ أحمد شاكر وقال: إسناده صحيح (11/ 75) . ونحوه عند الترمذي (1597) وقال: حديث حسن صحيح. وكذا النسائي (7/ 149) وقال الألباني: صحيح (3/ 876) رقم (3897) والموطأ (982، 983) . وذكره ابن كثير في تفسيره (4/ 352) وقال: هذا إسناد صحيح. (3) الخلوق: طيب معروف يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهي عنه والنهي أكثر وأثبت، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء. (4) فساد الصبي.. الخ: هو أن يطأ المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها وكان من ذلك فساد الصبي. وقوله: غير محرمه: أي أنه كرهه ولم يبلغ حد التحريم. (5) التبرج بالزينة لغير محلها: يعني لغير ما يحل لها ذلك يعني الزوج مثلا. (6) ضرب الكعاب: النرد وغيره. (7) أبو داود (4222) . وأحمد (1/ 380) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 213، 214) رقم (3605) وكذلك في ص 291. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4123 الأحاديث الواردة في ذمّ (التبرج) معنى 4- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استعطرت المرأة فمرّت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا» . وقال قولا شديدا) * «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معناه العشاء الآخرة» ) * «2» . 6- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيكون في آخر أمّتي نساء كاسيات عاريات «3» على رؤوسهنّ كأسنمة البخت «4» ، العنوهنّ، فإنّهنّ ملعونات» ) * «5» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان من أهل النّار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة. لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها. وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» ) * «6» . 8- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّه قال: كساني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبطيّة «7» كثيفة كانت ممّا أهداها دحية الكلبيّ فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مالك لم تلبس القبطيّة» . قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مرها فلتجعل تحتها غلالة. إنّي أخاف أن تصف حجم عظامها» ) * «8» . 9- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:   (1) أبو داود (4172) واللفظ له. والنسائي (8/ 153) وقال فيه: فهي زانية. والترمذي (2786) وقال: حسن صحيح. والحاكم (2/ 396) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وأحمد (4/ 414، 418) . وذكره الألباني في حجاب المرأة المسلمة (64) وعزاه أيضا لابن خزيمة وابن حبان وقال: صحيح كما قال الحاكم والذهبي. (2) أبو داود (4175) . والنسائي (8/ 154) واللفظ لهما. وقال الألباني: صحيح (3/ 1049) برقم (4739) . (3) كاسيات عاريات: يعني تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه، وقيل معناه: تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها. (4) البخت: كلمة معربة ومعناها الإبل الخراسانية لأنها تنتج من بين عربية وفالج، ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أي يكبرنها ويعظمنها بلف عصابة أو عمامة وغيرها. (5) الطبراني في الصغير برقم (1125) وقال الألباني في حجاب المرأة المسلمة: سنده صحيح (56) . (6) مسلم (2128) . (7) القبطية: ثياب رقاق بيض تعمل بمصر وتنسب إلى القبط.. (8) أحمد (5/ 205) واللفظ له. وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبزار وابن سعد والروياني والبارودي والطبراني والبيهقي والضياء في المختارة وأخرج نحوه أبو داود من حديث دحية الكلبي. وذكره الألباني في حجاب المرأة المسلمة (59، 60) وقال: أخرجه الضياء المقدسي في المختارة (1/ 441) وأحمد والبيهقي بسند حسن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4124 لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنّامصات «1» والمتنمّصات، والمتفلّجات للحسن «2» المغيّرات خلق الله. قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد. يقال لها: أمّ يعقوب وكانت تقرأ القرآن. فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك؛ أنّك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق الله؟ فقال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ وهو في كتاب الله. فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه. قال الله- عزّ وجلّ-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر/ 7) . فقالت المرأة: فإنّي أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن. قال: اذهبي فانظري. قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا. فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا. فقال: أمّا لو كان ذلك لم نجامعها «3» ) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه لقيته امرأة وجد منها ريح الطّيب ينفح ولذيلها إعصار، فقال: يا أمة الجبّار، جئت من المسجد؟ قالت: نعم، قال: وله تطيّبت؟ قالت: نعم. قال: إنّي سمعت حبّي أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تقبل صلاة لامرأة تطيّبت لهذا المسجد حتّى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة» ) * «5» . 11- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- أنّه قال: جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي يدها فتخ فقال كذا في كتاب أبي (أي خواتيم ضخام) فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضرب يدها فدخلت على فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تشكو إليها الّذي صنع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب، وقالت هذه أهداها إليّ أبو حسن فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والسّلسلة في يدها فقال: يا فاطمة أيغرّك أن يقول النّاس ابنة رسول الله في يدها سلسلة من نار؟ ثمّ خرج ولم يقعد، فأرسلت فاطمة بالسّلسلة إلى السّوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما وقالت مرّة عبدا، وذكر كلمة معناها فأعتقته فحدّث بذلك فقال: «الحمد لله الّذي أنجى فاطمة من النّار» ) * «6» . 12- * (عن عبد الرّحمن بن عوف أنّه سمع   (1) النامصات: النامصة هي التي تزيل الشعر من الوجه، والمتنمصة هي التي تطلب فعل ذلك بها. (2) والمتفلجات للحسن: المراد مفلجات الأسنان. بأن تبرد ما بين أسنانها، الثنايا والرباعيات. وهو من الفلج. وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهارا للصغر وحسن الأسنان. لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار. فإذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت، فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهم كونها صغيرة. ويقال له أيضا الوشر. (3) لم نجامعها: قال جماهير العلماء: معناه لم نصاحبها، ولم نجتمع نحن وهي. بل كنا نطلقها ونفارقها. (4) البخاري- الفتح 10 (5931) . ومسلم (2125) واللفظ له. (5) أبو داود (4174) واللفظ له. والنسائي (8/ 153، 154) مختصرا. وقال الألباني (3/ 1049 و4738) : صحيح. وسنن البيهقي (3/ 133- 134) . (6) النسائي (8/ 158) واللفظ له. وقال الألباني (3/ 1051) / (4748) : صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4125 معاوية بن أبي سفيان عام حجّ وهو على المنبر، وتناول قصّة «1» من شعر كانت في يد حرسيّ «2» . يقول: يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن مثل هذه ويقول «إنّما هلكت بنو إسرائيل حين اتّخذ هذه نساؤهم» ) * «3» . 13- * (قال ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى- في شرح حديث ابن عمرو: «سيكون في آخر أمّتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهنّ كأسنمة البخت. العنوهنّ فإنّهنّ ملعونات» . قال: أراد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّساء اللّواتي يلبسن من الثّياب الشّيء الخفيف الّذي يصف ولا يستر، فهنّ كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التبرج) 1- * (قال عبد الله بن أبي سلمة: إنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- كسا النّاس القباطيّ «5» ثمّ قال: «لا تدرّعنّها نساءكم. فقال رجل: يا أمير المؤمنين قد ألبستها امرأتي فأقبلت في البيت وأدبرت فلم أره يشفّ، فقال عمر: «إن لم يكن يشفّ فإنّه يصف» ) *» . 2- * (عن أمّ الضّياء أنّها قالت لعائشة- رضي الله عنهما-: يا أمّ المؤمنين ما تقولين في الخضاب والصّباغ والقرطين والخلخال وخاتم الذّهب وثياب الرّقاق؟. فقالت لها- رضي الله عنها-: «يا معشر النّساء قصّتكنّ كلّها واحدة أحلّ الله لكنّ الزّينة غير متبرّجات، أي لا يحلّ لكنّ أن يروا منكنّ محرّما» ) * «7» . 3- * (وقالت أمّ علقمة بنت أبي علقمة: دخلت حفصة بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر على عائشة أمّ المؤمنين وعليها خمار رقيق فشقّته عائشة عليها وكستها خمارا كثيفا» ) * «8» . 4- * (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «لو أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى ما أحدث النّساء لمنعهنّ المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل» ) * «9» . 5- * (قال هشام بن عروة- رحمه الله تعالى: إنّ المنذر بن الزّبير قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مرويّة «10» وقوهيّة رقاق عتاق بعدما كفّ بصرها فلمستها بيدها ثمّ قالت: أفّ. ردّوا عليه كسوته، فشقّ ذلك عليه وقال: يا أمّه   (1) قصة من شعر أي خصلة. (2) حرسيّ: نسبه إلى الحرس وهم خدم الأمير. (3) البخاري- الفتح 10 (5932) . ومسلم (2127) واللفظ له. (4) تنوير الحوالك للسيوطي (3/ 103) . (5) القباطي: جمع قبطي وهي ثياب بيضاء رقيقة من مصر. (6) سنن البيهقي (2/ 234- 235) . (7) تفسير ابن كثير (3/ 304) . (8) الطبقات لابن سعد (8/ 71) . (9) مسلم (445) . (10) ثياب مروية: يعني مصنوعة في مرو بلدة تابعة للكوفة. وكذلك قوهية: يعني منسوجة في قوهستان ناحية بخراسان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4126 إنّه لا يشفّ. قالت: إنّها إن لم تشفّ فإنّها تصف) * «1» . 6- * (قال مجاهد بن جبر- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى (الأحزاب/ 33) : «ذلك أنّ المرأة منهنّ كانت تخرج تمشي بين يدي الرّجال» ) * «2» . 7- * (قال قتادة- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى (الأحزاب/ 33) : «كانت لهنّ مشية وتكسّر وتغنّج، فنهى الله تعالى المؤمنات عن ذلك إذا خرجن من بيوتهنّ» ) * «3» . 8- * (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً الأحزاب/ 59) : «يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا تتشبّهن بالإماء في لباسهنّ إذ هنّ خرجن من بيوتهنّ لحاجتهنّ فكشفن شعورهنّ ووجوههنّ، ولكن ليدنين عليهنّ من جلابيبهنّ لئلّا يعرض لهنّ فاسق ... » ) * «4» . 9- * (قال مقاتل بن حيّان- رحمه الله تعالى: «التّبرّج المنهيّ عنه هو: أن تلقي المرأة الخمار على رأسها ولا تشدّه فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ولكن يبدو ذلك كلّه منها» ) * «5» . 10- * (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ سبب نزول قول الله تعالى وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ (النور/ 31) : «أنّ النّساء كنّ في ذلك الزّمان إذا غطّين رؤوسهنّ بالأخمرة، وهي المقانع، سدلنها من وراء الظّهر كما يصنع النّبط، فيبقى النّحر والعنق والأذنان لا يستر على ذلك فأمر الله تعالى بليّ الخمار على الجيوب» ) * «6» . 11- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «إنّ المرأة المتشبّهة بالرّجال تكتسب من أخلاقهم حتّى يصير فيها من التّبرّج والبروز ومشابهة الرّجال ما قد يفضي ببعضهنّ إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرّجل وتطلب أن تعلو على الرّجال كما يعلو الرّجال على النّساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع للنّساء» ) * «7» . 12- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ كشف النّساء وجوههنّ بحيث يراهنّ الأجانب غير جائز» ) * «8» . 13- * (قال الذّهبيّ- رحمه الله تعالى-: «من الأفعال الّتي تلعن عليها المرأة إظهار الزّينة والذّهب واللّؤلؤ تحت النّقاب، وتطيّبها بالمسك والعنبر والطّيب إذا خرجت، ولبسها الصّباغات   (1) الطبقات لابن سعد (8/ 252) . (2) تفسير ابن كثير (3/ 482) . (3) المرجع السابق (3/ 482) بتصرف. (4) تفسير الطبري (22/ 23) . (5) تفسير ابن كثير (3/ 483) بتصرف. (6) حجاب المرأة المسلمة (35) . (7) المرجع السابق (77) . (8) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 280) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4127 والأزر الحريريّة والأقبية القصار، مع تطويل الثّوب وتوسعة الأكمام وتطويلها، وكلّ ذلك من التّبرّج الّذي يمقت الله عليه، ويمقت فاعله في الدّنيا والآخرة، ولهذه الأفعال الّتي غلبت على أكثر النّساء قال عنهنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اطّلعت على النّار فرأيت أكثر أهلها النّساء» ) * «1» . 14- * (قال الشّاعر: بنيّة إن أردت ثياب حسن ... تزيّن من تشا جسما وعقلا فانبذي عادة التّبرّج نبذا ... فجمال النّفوس أسمى وأعلى «2» . 15- * (وقال آخر: قل للجميلة أرسلت أظفارها ... إنّي لخوفي كدت أمضي هاربا إنّ المخالب للوحوش تخالها ... فمتى رأينا للظّباء مخالبا؟ بالأمس أنت قصصت شعرك غيلة ... ونقلت عن وضع الطّبيعة حاجبا وغدا نراك نقلت ثغرك للقفا ... وأزحت أنفك رغم أنفك جانبا من علّم الحسناء أنّ جمالها ... في أن تخالف خلقها وتجانبا؟) * «3» . من مضار (التبرج) (1) دليل ضعف إيمان المرأة وقلّة حيائها. (2) سبب الطّرد والإبعاد من رحمة الله. (3) يورد النّيران ويحرم من الجنان. (4) من أعمال الجاهليّة والفسّاق. (5) يعرّض المرأة لغمز ولمز المجرمين ومن في قلبه نفاق. (6) من أسباب إشاعة الفاحشة بين النّاس. (7) التّشبه بالكافرات الفاجرات. (8) تقلّل من رغبة الإنسان المسلم في الإرتباط بها وتزهّده في الزّواج بها. (9) تحرم المرأة من نعمة رضا الله عنها بخروجها عن آدابه. (10) تعرّض نفسها لطمع الطّامعين ونهش النّاهشين. (11) من أكبر أسباب شيوع الفاحشة في المجتمعات، فتنحلّ ويذهب ريحها.   (1) الكبائر (135) طبعة الريان. (2) بواسطة التبرج لنعمان صدقي (34) . (3) بواسطة التبرج لنعمان صدقي (34) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4128 التجسس التّجسّس لغة: مصدر قولهم: تجسّس يتجسّس، وهو مأخوذ من مادّة (ج س س) الّتي تدلّ على تعرّف الشّيء بمسّ لطيف يقال: جسست العرق وغيره جسّا، والجاسوس فاعول من هذا لأنّه يتخبّر ما يريده بخفاء ولطف، وقال الرّاغب: أصل الجسّ: مسّ العرق وتعرّف نبضه للحكم به على الصّحّة والسّقم وهو أخصّ من الحسّ فإنّ الحسّ تعرّف ما يدركه الحسّ، ومن لفظ الجسّ اشتقّ الجاسوس، وقول الله تعالى وَلا تَجَسَّسُوا قرأها أبو رجاء والحسن وغيرهما ولا تحسّسوا (الحجرات/ 12) بالحاء، قال القرطبيّ: واختلف هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟ فقال الأخفش: ليس تبعد إحداهما عن الأخرى، لأنّ التحسّس البحث عمّا يكتم عنك، والتّجسّس: طلب الأخبار والبحث عنها. ومعنى الآية: خذوا ما ظهر ولا تتبّعوا عورات المسلمين، أي لا يبحث أحدكم عن غيب أخيه حتى يطّلع عليه بعد أن ستره الله «1» . وقال الطّبريّ: لا تَجَسَّسُوا أي لا يتتبّع الآيات/ الأحاديث/ الآثار 1/ 4/ 6 بعضكم عورة أخيه ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظّهور على عيوبه «2» ، وقال ابن منظور: الجسّ: جسّ الخبر، ومنه التّجسّس. وجسّ الخبر وتجسّسه: بحث عنه وفحص. وتجسّست فلانا، ومن فلان بحثت عنه، وتجسّست الخبر وتحسّسته بمعنى واحد. والجاسوس: العين يتجسّس الأخبار ثم يأتي بها، وقيل الجاسوس الّذي يتجسّس الأخبار «3» . التّجسّس اصطلاحا: قال ابن الأثير: التّجسّس: التّفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشّرّ «4» . وقال الكفويّ: التّجسّس: هو السّؤال عن العورات من غيره «5» . التّجسّس: هو أن تتبّع عيب أخيك فتطّلع على سرّه «6» . الفرق بين التجسّس والتّحسّس: قال بعض العلماء: هما بمعنى واحد هو تطلّب معرفة الأخبار. ولكنّ الأكثرين على التّفريق، فالتّجسّس أن يطلب الخبر لغيره والتّحسّس أن يطلبه   (1) تفسير القرطبي (16/ 218) . (2) تفسير الطبري (11/ 394) . (3) لسان العرب (6/ 38) . (4) النهاية (1/ 272) . (5) الكليات (303) . (6) الدر المنثور، للسيوطي (7/ 567) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4129 لنفسه، وقيل: التّجسّس: البحث عن العورات والتّحسّس: الاستماع «1» ، وقيل التّجسّس: البحث عمّا يكتم عنك، وبالحاء: طلب الأخبار والبحث عنها، وقيل: إنّ التّجسّس بالجيم هو البحث، ومنه قيل رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور، والتّحسّس: هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسّه «2» . وقال ابن كثير- رحمه الله-: التّجسّس غالبا يطلق في الشّرّ ومنه الجاسوس، وأمّا التّحسّس فيكون غالبا في الخير، كما قال- عزّ وجلّ- إخبارا عن يعقوب أنّه قال يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ (يوسف/ 87) وقد يستعمل كلّ منهما في الشّرّ كما ثبت في الصّحيح أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ولا تجسّسوا ولا تحسّسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الفضح- الأذى- الإساءة- انتهاك الحرمات- الخيانة- إفشاء السر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الستر- تكريم الإنسان- تعظيم الحرمات- الأمانة- كتمان السر- النزاهة] . الآيات الواردة في «التجسس» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «4»   (1) النهاية (1/ 272) . (2) تفسير القرطبي (16/ 218) . (3) تفسير ابن كثير (4/ 213) . (4) الحجرات: 12 مدنية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4130 الأحاديث الواردة في ذمّ (التجسس) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تجسّسوا، ولا تحسّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التجسس) معنى 2- * (عن المقدام بن معد يكرب وأبي أمامة- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الأمير إذا ابتغى الرّيبة في النّاس أفسدهم) * «2» . 3- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات النّاس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم) * «3» . 4- * (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التجسس) 1- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه: «إنّا قد نهينا عن التّجسّس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به) * «5» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى وَلا تَجَسَّسُوا (الحجرات/ 12) قال: نهى الله المؤمن أن يتّبع عورات أخيه المؤمن) * «6» . 3- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- أنّه حرس مع عمر بن الخطّاب ليلة المدينة، فبينما هم يمشون شبّ لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمّونه» ، فلمّا دنوا منه إذا باب مجاف «8» على قوم لهم فيه أصوات   (1) مسلم (2563) . (2) أبو داود (4889) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (4089) : صحيح. (3) أبو داود (4888) وصحيح سنن أبو داود (4088) . (4) أبو داود (4880) وقال الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 140) : سنده جيد، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (4083) : حسن صحيح. (5) أبو داود (4890) . (6) الدر المنثور (7/ 567) . (7) يؤمونه: يقصدونه. (8) مجاف: من قولهم: أجفت الباب: رددته، والمعنى باب مغلق عليهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4131 مرتفعة ولغط «1» ، فقال عمر وأخذ بيد عبد الرّحمن بن عوف: أتدري بيت من هذا؟ قال: هذا بيت ربيعة بن أميّة بن خلف وهم الآن شرب «2» ، فما ترى؟ قال: أرى أن قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله وَلا تَجَسَّسُوا فقد تجسّسنا، فانصرف عنهم وتركهم) * «3» . 4- * (قال الأوزاعيّ رحمه الله: «التّجسّس البحث عن الشّيء، والتّحسّس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون، أو يتسمّع على أبوابهم» ) * «4» . 5- * (إنّ من ثمرات سوء الظّنّ التّجسّس، فالقلب عند ما يبتلى بسوء الظّنّ فإنّه لا يقتنع بهواجسه الظّنّيّة، بل يمتدّ به الظّنّ إلى طلب التّحقيق تجسّسا وتحسّسا، ولمّا كان هذا غاية من غايات ظنّ السّوء تناوله النّهي. أمّا التّجسّس بعد الظّنّ، وكلاهما يستلزم الآخر فالظّنّ عندما يحقّق لا مفرّ من التّجسّس، وكلّ تجسّس الباعث والدّاعي إليه هو الظّنّ) * «5» . 6- * (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (التوبة/ 47) : وفيكم مخبرون لهم يؤدّون إليهم ما يسمعون منكم وهم الجواسيس) * «6» . من مضار (التجسس) (1) دليل ضعف الإيمان وفساد الخلق. (2) دليل دناءة النّفس وخسّتها. (3) يوغر الصّدور ويورث الفجور. (4) يورد صاحبه موارد الهلاك. (5) يؤدّي إلى فساد الحياة وكشف العورات. (6) يستحقّ صاحبه غضب الله ورسوله والمؤمنين.   (1) لغط: أصوات مختلطة. (2) شرب: أي سكرى من الشرب. (3) الدر المنثور (7/ 567) . (4) تفسير ابن كثير (4/ 213) . (5) انظر منهج الدعوة الاسلامية في البناء الاجتماعي (ص 417) (6) تفسير البغوي، (مج 2، ج 10، ص 298) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4132 التحقير والاشمئزاز التحقير لغة: مصدر قولهم: حقّر الشّيء أي قلّل من شأنه ونسبه إلى الحقارة، وهو مأخوذ من مادّة (ح ق ر) الّتي تدلّ على معنى واحد هو «استصغار الشّيء» يقال: شيء حقير أي صغير، وقيل: صغير ذليل، تقول منه: حقر (بالضّمّ) حقارة وحقرة هان قدره فلا يعبأ به، وحقره واستحقره: استصغره، وتحاقرت إليه نفسه: تصاغرت، والتّحقير: التّصغير. والمحقّرات: الصّغائر. وحقر إذا صار حقيرا أي ذليلا، والحقير أيضا ضدّ الخطير «1» . التحقير اصطلاحا: التّحقير: هو أن يستصغر شخص شخصا آخر أو ما يصدر عنه من معروف يسديه أو هديّة يعطيها «2» . وقد يكون التّحقير أيضا للذّات وما يصدر عنها من معروف أو هديّة. الاشمئزاز لغة: الاشمئزاز: مأخوذ من الشّمز وهو التّقبّض، يقال: اشمأزّ اشمئزازا، أي انقبض واجتمع بعضه إلى بعض، وقيل: معناه: ذعر من الشّيء، والشّمز أيضا هو الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 13/ 2 نفور النّفس من الشّيء تكرهه «3» ، أمّا قول الله تعالى: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ (الزمر/ 45) فمعناه أنّ المشركين كانوا إذا قيل لهم: «لا إله إلّا الله» نفروا وكفروا، وقال قتادة: معنى اشمأزّت: نفرت واستكبرت وكفرت وتعصّت، وقال القرطبّيّ: وأصل الاشمئزاز: النّفور والازورار «4» ، وذكر ابن كثير أنّ المعنى: استكبرت عن المتابعة والانقياد فقلوبهم لا تقبل الخير ومن لا يقبل الخير يقبل الشّرّ «5» . الاشمئزاز اصطلاحا: لم يعرّف الاشمئزاز اصطلاحا، ويمكننا في ضوء ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون أن نعرّفه بأنّه: نفور النّفس واستكبارها عن قبول الحقّ مع إبراز ما يدلّ على ذلك من تقبّض الوجه والازورار، لإظهار الكراهة. [للاستزادة: انظر صفات: الاستهزاء- الأذى- الإساءة- السخرية- سوء الخلق- سوء المعاملة- الغرور- الكبر والعجب- السفاهة. وفي ضد ذلك: انظر صفة: تكريم الإنسان- الإحسان- التواضع- حسن الخلق- حسن المعاملة- حسن العشرة- الكلم الطيب] .   (1) مقاييس اللغة (2/ 92) ، الصحاح (2/ 365) ، المصباح المنير (1/ 143) ولسان العرب (حقر) (ص 939) ط. دار المعارف. (2) انظر في احتقار الهدية من المهدي والمهدى إليه، فتح الباري (10/ 459) . (3) بتصرف يسير واختصار عن «لسان العرب» 4/ 2324 (ط. دار المعارف) . (4) الجامع لأحكام القرآن 15/ 264 (باختصار وتصرف يسير) . (5) نقل ابن كثير هذا التفسير عن زيد بن أسلم، انظر تفسير ابن كثير 4/ 61. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4133 الآيات الواردة في «التحقير» معنى 1- فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) «1» 2- وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) «2» 3- قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) «3» الآيات الواردة في «الاشمئزاز» 4- وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) «4»   (1) هود: 27 مكية (2) هود: 31 مكية (3) الشعراء: 111- 115 مكية (4) الزمر: 45 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4134 الأحاديث الواردة في ذمّ (التحقير) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التّقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرّات «بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» ) * «1» . 2- * (عن أبي جريّ جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه «2» ، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه. قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: عليك السّلام يا رسول الله. مرّتين، قال: «لا تقل عليك السّلام، فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك» قال: قلت: أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول الله، الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشف عنك، وإن أصابك عام سنة «3» فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء «4» ، أو فلاة «5» فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك» . قلت: اعهد إليّ. قال: «لا تسبّنّ أحدا» . قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: «لا تحقرنّ شيئا من المعروف وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار «6» فإنّها من المخيلة، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه فإنّما وبال ذلك عليه» ) * «7» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سمّع النّاس بعمله سمّع الله به سامع خلقه وصغّره وحقّره» فذرفت عينا عبد الله) * «8» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة «9» » ) * «10» .   (1) مسلم (2564) . (2) يصدر الناس عن رأيه: أي لا يفعلون إلا ما يشير به إليهم ويأتمرون بأمره وينتهون بنهيه. (3) عام سنة: أي عام قحط وجدب. (4) قفراء: أي خالية ليس فيها أحد. (5) فلاة: الأرض التي لا ماء فيها. (6) إسبال الإزار: أي تطويله إلى ما بعد الكعبين. (7) أبو داود (4084) وقوله: وبال ذلك عليه أي إثمه. وذكره الألباني في صحيح أبي داود (2/ 769) وقال: صحيح، والترمذي (2722) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 746) : إسناده صحيح. (8) أحمد (2/ 162) رقم (6473) وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 14) : إسناده صحيح. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 65) من حديث ابن عمرو وقال: رواه الطبراني في الكبير بأسانيد أحدها صحيح وكذا البيهقي. (9) فرسن شاة: حافرها. (10) البخاري- الفتح 10 (6017) ، ومسلم (1030) . متفق عليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4135 الأحاديث الواردة في ذمّ (التحقير) معنى 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أربى الرّباء الاستطالة في عرض المسلم بغير الحقّ» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون ما المفلس؟» . قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إنّ المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثمّ طرح في النّار» ) * «2» . 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ عبد الله بن سلام بلغه مقدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إنّي أسألك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ. ما أوّل أشراط السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمّه؟. قال: «أخبرني بها جبريل آنفا» قال ابن سلام: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة. قال: «أمّا أوّل أشراط السّاعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد الحوت «3» ، وأمّا الولد فإذا سبق ماء الرّجل ماء المرأة نزع الولد «4» ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرّجل نزعت الولد» قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله، قال: يا رسول الله إنّ اليهود قوم بهت «5» فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا إسلامي. فجاءت اليهود فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ رجل عبد الله بن سلام فيكم؟» قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟» قالوا: أعاذه الله من ذلك. فأعاد عليهم، فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، قالوا: شرّنا وابن شرّنا وتنقّصوه» قال: هذا كنت أخاف يا رسول الله) * «7» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: حسبك من صفيّة كذا وكذا تعني قصيرة- فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت   (1) أبو داود (4876) وذكره الألباني (3/ 923) وقال: صحيح، ورواه أحمد (1/ 190) واللفظ له من حديث سعيد بن زيد برقم (1654) وقال محقق جامع الأصول (8/ 449) : إسناده صحيح. (2) مسلم (2581) . (3) زيادة كبد الحوت: هي القطعة المنفردة المعلقة في الكبد. وهي في المطعم في غاية اللذة. (4) نزع الولد: أي جذبه إليه. وماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى كان الشبه له. (5) بهت: بضم الباء والهاء أو ضم فسكون: جمع بهيت وهو الذي يبهت السامع بما يفتريه عليه من الكذب. (6) تنقصوه: أي ذكروا نقائصه وعيوبه. (7) البخاري- الفتح 7 (3938) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4136 بماء البحر لمزجته» قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: «ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا، وأنّ لي كذا وكذا» ) * «1» . 9- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه قال: لمّا أمرنا بالصّدقة كنّا نتحامل «2» ، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رئاء «3» . فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ الآية (التوبة/ 79)) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان رجلا جميلا، فقال: يا رسول الله إنّي رجل حبّب إليّ الجمال، وأعطيت منه ما ترى حتّى ما أحبّ أن يفوقني أحد، وإمّا قال: بشراك نعلي، وإمّا قال: بشسع نعلي أفمن الكبر ذلك؟ قال: «لا، ولكنّ الكبر بطر الحقّ وغمط النّاس «5» » ) * «6» . 11- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه ذرّة من كبر» قال رجل: إنّ الرّجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: «إنّ الله جميل يحبّ الجمال، الكبر بطر الحقّ وغمط النّاس» ) * «7» . 12- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللّقاء. فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنّك منافق. لأخبرنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلّقا بحقب ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. تنكبه الحجارة، وهو يقول: يا رسول الله إنّما كنّا نخوض ونلعب! ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (التوبة/ 65) الآية «8» .   (1) أبو داود (4875) واللفظ له. وذكره الألباني (3/ 923) وقال: صحيح. والترمذي (2502) ، (2503) وقال: حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (8/ 448) : إسناده صحيح. (2) نتحامل: أي يحمل بعضنا لبعض بالأجرة. (3) رئاء: أي نفاقا. (4) البخاري- الفتح 8 (4668) واللفظ له ومسلم (1018) . (5) غمط الناس: قال ابن الأثير: غمطت حق فلان: إذا احتقرته ولم تره شيئا وكذلك غمصته إذا انتقصته وازدريت به. (6) أبو داود (4092) وقال محقق جامع الأصول (10/ 615) : حديث صحيح. (7) مسلم (91) (8) تفسير ابن جرير (14/ 333- 334) وجاء في حاشيته: إسناده صحيح. وابن كثير (2/ 368) واللفظ له، وذكره مقبل بن هادي في الصحيح المسند من أسباب النزول (78) ، وعزاه كذلك لابن أبي حاتم وقال: إسناده حسن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4137 الأحاديث الواردة في ذمّ (الاشمئزاز) 13- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يكون عليكم امراء تطمئنّ إليهم القلوب وتلين لهم الجلود، ثمّ يكون عليكم أمراء تشمئزّ منهم القلوب وتقشعرّ منهم الجلود» ، فقال رجل: أنفاتلهم يا رسول الله، قال: «لا ما أقاموا الصّلاة» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التحقير) 1- * (قال أبو حازم- رحمه الله تعالى-: لا تكون عالما حتّى يكون فيك ثلاث خصال: لا تبغ على من فوقك، ولا تحتقر من دونك، ولا تؤثر على علمك دنيا) * «2» . 2- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ.. الآية. (الحجرات/ 11) . ينهى تعالى عن السّخرية بالنّاس واحتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الكبر بطر الحقّ وغمط النّاس» والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام، فإنّه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله تعالى وأحبّ إليه من السّاخر منه، المحتقر له ولهذا قال الله تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (القلم/ 11) أي أنّه يحتقر النّاس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشي بينهم بالنّميمة) * «3» . من مضار (التحقير والاشمئزاز) (1) التّحقير دليل الكبر والعجب بالنّفس. (2) التّحقير يؤذي الآخرين فيتسلّطون عليه. (3) التّحقير يفسد المودّة، ويقطع أواصر القربى. (4) التّحقير أثر من آثار الجهل بالنّفس والغرور بها. (5) التّحقير يحبط كثيرا من حسنات الإنسان. (6) التّحقير نوع من أنواع الكبر يبغض الله صاحبه. (7) التّحقير يجعل صاحبه منعزلا مكروها بين النّاس. (8) الاشمئزاز يدلّ على الكبرياء وتحقير الآخرين. (9) الاشمئزاز يؤذي من نشمئزّ منه ويجرح مشاعره. (10) الاشمئزاز من صفة المشركين المعاندين ولا يجلب لصاحبه إلّا الشّرّ والوبال.   (1) رواه أحمد (5/ 28) . (2) سنن الدارمي (1/ 100) . (3) تفسير ابن كثير (4/ 212) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4138 التخاذل التخاذل لغة: مصدر قولهم: تخاذل القوم أي خذل بعضهم بعضا، وهو مأخوذ من مادّة (خ ذ ل) الّتي تدلّ على ترك الشّيء والقعود عنه، فالخذلان: ترك المعونة، يقال: خذلت الوحشيّة (ولدها) فهي خذول أي قعدت وتركته، ومن الباب تخاذلت رجلاه: ضعفتا، ويقال: رجل خذلة للّذي لا يزال يخذل، أي كثيرا ما يخذل، وقول الله تعالى: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (الفرقان/ 29) أي كثير الخذلان، قال الطّبريّ: أي مسلما (إيّاه) لما ينزل به من البلاء غير منقذه ولا منجّيه «1» . يقال: خذله خذلانا: إذا ترك عونه ونصرته، وخذّل عنه أصحابه تخذيلا أي حملهم على خذلانه، وتخاذل (القوم) خذل بعضهم بعضا، وقال ابن منظور: الخاذل ضدّ النّاصر (وجمعه خذّال) ، يقال: خذله يخذله خذلا وخذلانا وخذلانا أي أسلمه وخيّبه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 7/ 8/ 9 وترك نصرته وعونه، والتّخذيل: حمل الرّجل على خذلان صاحبه، وتثبيطه عن نصرته، وخذلان الله للعبد ألّا يعصمه من الشّبه فيقع فيها، وقول الله تعالى: وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ (آل عمران/ 160) معناه كما قال القرطبيّ: يترك عونكم «2» ، والخاذل: المنهزم، وتخاذل القوم تدابروا، وقول الله تعالى: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (الفرقان/ 29) الخذل: التّرك من الإعانة، ومنه خذلان إبليس للمشركين لمّا ظهر لهم في صورة سراقة بن مالك، فلمّا رأى الملائكة تبرّأ منهم، وكلّ من صدّ عن سبيل الله وأطيع في معصية الله فهو شيطان للإنسان يخذله عند نزول العذاب والبلاء «3» ، والخذول من الخيل: الّتي إذا ضربها المخاض لم تبرح من مكانها، ورجل خذول الرّجل: تخذله رجله من ضعف أو عاهة أو سكر، وخذلت الظّبية غيرها إذا تخلّفت عن صواحبها فلم تلحق بهم «4» .   (1) تفسير القرطبي (9/ 385) . (2) المرجع السابق (4/ 163) . (3) المرجع السابق (7/ 19) . (4) المفردات للرّاغب (ص 144) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 167) ، الصحاح (4/ 1683) ، لسان العرب (2/ 1118) ، وبصائر ذوي التمييز (2/ 531) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4139 التخاذل اصطلاحا: قال المناويّ: الخذلان: خلق قدرة المعصية في العبد، وخذّله تخذيلا: حمله على الفشل وترك القتال «1» . وقال الرّاغب: الخذلان: ترك النّصرة ممّن يظنّ به أن ينصر «2» . وقال ابن الأثير: الخذل: ترك الإغاثة والنّصرة «3» ، وإذا كان التّخاذل: هو أن يخذل بعض القوم بعضا. فإنّ التّخاذل اصطلاحا: «أن يترك الإنسان نصرة أخيه، ويترك أخوه نصرته إذا كان كلّ منهما يظنّ به نصرة صاحبه وإغاثته» «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الأثرة- الإعراض التخلف عن الجهاد- التولي- الجبن- صغر الهمة الوهن- الفتنة- التفرق- التهاون. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإغاثة- التناصر- جهاد الأعداء- المروءة- الرجولة- علو الهمة- النشاط- الثبات- الشهامة- الشجاعة- العزم والعزيمة] .   (1) التوقيف (153) . (2) المفردات (بتصرف يسير) (ص 144) . (3) النهاية (2/ 16) . (4) اقتبسنا هذا التعريف من جملة أقوال المفسرين واللغويين ولم نعثر عليه مصطلحا ضمن كتب المصطلحات التي تيسرت لنا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4140 الآيات الواردة في «التخاذل» 1- إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) «1» 2- لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا (22) «2» 3- وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29) «3» الآيات الواردة في «التخاذل» معنى 4- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) «4» 5- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) «6» 7- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) «7»   (1) آل عمران: 160 مدنية (2) الإسراء: 22 مكية (3) الفرقان: 27- 29 مكية (4) آل عمران: 121- 122 مدنية (5) آل عمران: 152 مدنية (6) التوبة: 38 مدنية (7) الحشر: 11- 12 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4141 الأحاديث الواردة في ذمّ (التخاذل) 1- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم حتّى يأتي أمر الله وهم كذلك» ) * «1» . 2- * (عن جابر وأبي طلحة الأنصاريّ- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا نصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته» ) * «2» . 3- * (عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع قالا: نشد عليّ النّاس في الرّحبة: من سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خمّ «3» إلّا قام؟ قال: فقام من قبل سعيد ستّة، ومن قبل زيد ستّة، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعليّ يوم غدير خمّ: «أليس الله أولى بالمؤمنين؟» قالوا: بلى، قال: اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه، «اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه» ، وزاد فيه في رواية أخرى: «وانصر من نصره، واخذل من خذله» ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التخاذل) معنى 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ فوق يديه» ) *» . 5- * (عن سهل بن حنيف عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من أذلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذلّه الله- عزّ وجلّ- على رؤوس الخلائق يوم القيامة» ) * «6» . 6- * (عن المستورد: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أكل برجل مسلم أكلة فإنّ الله يطعمه مثلها في جهنّم،   (1) البخاري- الفتح 6 (3641) من حديث معاوية، ورواه مسلم برقم (1920) واللفظ له. (2) رواه أبو داود برقم (4884) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 267) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الأوسط واسناده حسن. (3) غدير خم: موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين هناك والرحبة: محلّة بالكوفة وهي المراد هنا. (4) رواه أحمد (1/ 118) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 195) حديث رقم (950، 951) إسناده صحيح. (5) البخاري- الفتح 5 (2444) واللفظ له، وعند مسلم مطولا من حديث جابر (2584) . (6) أحمد (3/ 487) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 267) واللفظ لهما، وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4142 ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإنّ الله يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء، فإنّ الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة» ) * «1» . 7- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أخبر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «2» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الغد يوم النّحر- وهو بمنى-: «نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، يعني بذلك المحصّب، وذلك أنّ قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطّلب- أو بني المطّلب- أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتّى يسلّموا إليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» وقال سلامة عن عقيل، ويحيى عن الضّحّاك عن الأوزاعيّ: أخبرني ابن شهاب. وقالا: بني هاشم وبني عبد المطلّب. قال أبو عبد الله: بني المطّلب أشبه) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التخاذل) 1- * (عن أنس أنّ أبا طلحة قال: غشينا ونحن في مصافّنا يوم أحد، حدّث أنّه كان فيمن غشيه النّعاس يومئذ قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط من يدي وآخذه والطّائفة الأخرى المنافقون ليس لهم همّ إلّا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحقّ) * «4» . 2- * (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (التوبة/ 47) : وفيكم مخبرون لهم يؤدّون إليهم ما يسمعون منكم وهم الجواسيس) * «5» . 3- * (وقال قتادة- رحمه الله-: وفيكم مطيعون لهم أي يستمعون كلامهم ويطيعونهم) * «6» . 4- * (قال البغويّ- رحمه الله- في قوله تعالى: وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (التوبة/ 46) : أي قال بعضهم لبعض: اقعدوا. وقيل: أوحي إلى قلوبهم وألهموا أسباب الخذلان) * «7» .   (1) رواه أبو داود (4881) وأحمد في «المسند» (4/ 229) وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 923) صحيح والصحيحة (934) . وقال محقق «جامع الأصول» (8/ 449) : وفي سنده وقاص بن ربيعة العنسي لم يوثقه غير ابن حبّان وباقي رجاله ثقات. (2) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له، مسلم (2580) . (3) البخاري- الفتح 3 (1590) . (4) البخاري- الفتح (4068) ، والترمذي رقم (3008) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (5) تفسير البغوي، (مج 2، ج 10، ص 298) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق. نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4143 5- * (قال ابن كثير- رحمه الله- في قوله تعالى لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا (التوبة/ 47) أي لأنّهم جبناء مخذولون. وفي قوله تعالى وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (التّوبة/ 47) أي مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم وكلامهم ويستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم فيؤدّي إلى وقوع الشّرّ بين المؤمنين) * «1» . 6- * (وقال أيضا في قوله تعالى قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (الأحزاب/ 18) : يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوّقين لغيرهم عن شهود الحرب، والقائلين لأصحابهم وعشرائهم وخلطائهم: تعالوا إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظّلال والثّمار) * «2» . 7- * (قال بعضهم: أفضل المعروف إغاثة الملهوف) * «3» . 8- * (قال بعضهم: شرّ النّاس من ينصر الظّلوم ويخذل المظلوم) * «4» . 9- * (وقال آخر: لا تحاجّ من يذهلك خوفه، ويملكك سيفه) * «5» . من مضار (التخاذل) (1) يبغض الله فاعله ويجعله عرضة لأليم عقابه. (2) يفكّك عرى المجتمع ويهدم بنيانه. (3) صفة ذميمة في النّفس ونقص في المروءة. (4) من فعله كان سبّة في مجتمعه منبوذا في عشيرته. (5) يدلّ حدوثه على تبلّد الوجدان وموت الضّمير. (6) تحرم صاحبها من متعة نصرة الحقّ، ولذّة الأخذ بيد المظلوم. (7) صفة ذميمة تدلّ على خسّة في الطّبع ولؤم في النّفس.   (1) تفسير ابن كثير، (مج 2، ج 10، ص 375) . (2) المرجع السابق (482) . (3) المستطرف (1/ 41) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4144 التخلف (القعود) عن الجهاد التخلف لغة: التخلّف مصدر قولهم: تخلّف عن الشّيء يتخلّف، وهو مأخوذ من مادّة (خ ل ف) الّتي تدلّ على الخلف الّذي هو خلاف قدّام أي التأخّر الّذي هو نقيض التّقدّم، يقول ابن فارس: الخاء واللّام والفاء أصول ثلاثة: أحدها أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه، والثّاني: خلاف قدّام، والثّالث: التغيّر، يقال من المعنى الأوّل: هو خلف صدق من أبيه، وخلف سوء من أبيه. فإذا لم يذكروا صدقا ولا سوءا، قالوا للجيّد خلف وللرّديء خلف، قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ (مريم/ 59) وسمّيت الخلافة بذلك لأنّ الثّاني يجيء بعد الأوّل قائما مقامه، وتقول: قعدت خلاف فلان أي بعده، والخوالف في قوله تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ (التوبة/ 87) هنّ النّساء؛ لأنّ الرّجال يغيبون في حروبهم وغاراتهم وهنّ يخلفنهم في البيوت والمنازل وقيل: الخالفة: عمود الخيمة المتأخّر، ويكنى بها عن المرأة لتخلّفها عن المرتحلين، وجمعها: خوالف، ويقولون في الدّعاء: خلف الله عليك أي كان الله تعالى الآيات/ الأحاديث/ الآثار 9/ 10/ 8 الخليفة عليك لما فقدت من أب أو حميم، وأخلف الله لك: أي عوّضك من الشّيء الذّاهب ما يكون يقوم بعده ويخلفه، ويقال من المعنى الثّاني (وهو خلف ضدّ قدّام) : هذا خلفي وهذا قدّامي، ومن المعنى الثّالث قولهم: خلف فوه إذا تغيّر. وقال الرّاغب: ويقال: خلّفته: تركته خلفي، قال تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ (التوبة/ 81) أي مخالفين. وقال القرطبيّ: المخلّف: المتروك، أي خلّفهم الله وثبّطهم أو خلّفهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون لمّا علموا تثاقلهم عن الجهاد، وكان هذا في غزوة تبوك، والخلاف: المخالفة، ومن قرأ خلف رسول الله: أراد التّأخّر عن الجهاد «1» ، والخالف كالمتخلّف: المتأخّر لنقصان أو قصور، قال تعالى: فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (التوبة/ 83) قال ابن عبّاس: الخالفون: من تخلّف من المنافقين، وقال الحسن: من النّساء والضّعفاء من الرّجال (فغلّب المذكّر) وقيل: المعنى فاقعدوا مع الفاسدين من قولهم: فلان خالفة أهل بيته إذا كان فاسدا فيهم من خلوف فم الصّائم «2» ، والخلف: القرن بعد القرن، والخلف: الرّديء من القول، والخلف   (1) تفسير القرطبي (8/ 137) . (2) المصدر السابق (8/ 138) وهذا راجع إلى المعنى الثالث الذي ذكره ابن فارس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4145 والخلف: ما جاء من بعد، والخلف أيضا: ما استخلفته من شيء والخلف بالضّمّ: الاسم من الإخلاف، والخلف بالكسر حلمة ضرع النّاقة، والخلفة: أن يذهب أحد الشّيئين ويجيء الآخر، والخلفة: اختلاف اللّيل والنّهار، والقوم خلفة: أي مختلفون، والخلاف: المخالفة، والتّخلّف: التّأخر. يقال: خلّفت فلانا ورائي فتخلّف عنّي أي تأخّر، وخلفه يخلفه صار خلفه، واختلفه أخذه من خلفه وخلّفه وأخلفه: جعله خلفه، وخلف عن أصحابه: تخلّف عنهم، والتّخلّف: التّأخّر، وفي حديث سعد: فخلّفنا فكنّا آخر الأربع، أي أخّرنا ولم يقدّمنا. وفي حديث الصّلاة: «ثمّ أخالف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم» أي آتيهم من خلفهم، أو أخالف ما أظهرت من إقامة الصّلاة، وأرجع إليهم فآخذهم على غفلة، ويكون بمعنى أتخلّف عن الصّلاة بمعاقبتهم، وفي حديث السّقيفة «وخالف عنّا عليّ والزّبير» أي تخلّفا، وجاء خلافه أي خلفه «1» . الجهاد في اللغة والاصطلاح: انظر صفة: الجهاد. التخلف عن الجهاد اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات هذا التّعبير ضمن المصطلحات الّتي أوردتها، ويمكننا أن نعرّف ذلك في ضوء ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون فنقول: التخلّف عن الجهاد: هو أن يتقاعس المسلم ويتأخّر عن استفراغ وسعه في مدافعة العدوّ من الكفّار والمشركين. حكم التخلف عن الجهاد أو تركه: قال الإمام ابن حجر: من الكبائر ترك الجهاد عند تعيّنه بأن دخل الحربيّون دار الإسلام أو أخذوا مسلما وأمكن تخليصه منهم وترك النّاس الجهاد من أصله، وترك أهل الإقليم تحصين ثغورهم بحيث يخاف عليها من استيلاء الكفّار بسبب ترك ذلك التّحصين. [للاستزادة: انظر صفات: الأثرة- التخاذل- الضعف- الوهن- التولي- التفرق- صغر الهمة- التهاون- التفريط والإفراط- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: جهاد الأعداء- الرجولة- الشجاعة- المسئولية- العزم والعزيمة- قوة الإرادة- القوة- علو الهمة- الثبات- النشاط] .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 210) ، المفردات للراغب (157) ، القاموس المحيط (3/ 178) ، الصحاح (4/ 1358) ، ولسان العرب (2/ 1232) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4146 الآيات الواردة في «التخلف (القعود) عن الجهاد» 1- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) «1» 2- انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46) «2» 3- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) «3»   (1) آل عمران: 167- 168 مدنية (2) التوبة: 41- 46 مدنية (3) التوبة: 81- 84 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4147 4- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «1» 5- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) «2» 6- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) «3» 7- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)   (1) التوبة: 86- 90 مدنية (2) التوبة: 91- 94 مدنية (3) التوبة: 117- 118 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4148 وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (121) «1» 8- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «2» 9- سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16) «3»   (1) التوبة: 120- 121 مدنية (2) الفتح: 11- 12 مدنية (3) الفتح: 15- 16 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4149 الأحاديث الواردة في ذمّ (التخلف (القعود) عن الجهاد) 1- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ (آل عمران/ 188) الآية» ) * «1» . 2- * (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة «2» حين تواثقنا على الإسلام «3» ، وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر «4» في النّاس منها. وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك أنّي لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «5» ، واستقبل عدوّا كثيرا، فجلا للمسلمين أمرهم «6» ليتأهّبوا أهبة غزوهم» ، فأخبرهم بوجههم «8» الّذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب «9» يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله- عزّ وجلّ- وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «10» . فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا.   (1) البخاري- الفتح 8 (4567) (2) ليلة العقبة: هي الليلة التي بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأنصار فيها على الإسلام، وأن يؤووه وينصروه، وهي العقبة التي في طرف منى، التي يضاف إليها جمرة العقبة. وكانت بيعة العقبة مرتين، في سنتين: في السنة الأولى كانوا اثني عشر، وفي الثانية سبعين، كلهم من الأنصار رضي الله عنهم. (3) تواثقنا على الإسلام: أي تبايعنا عليه وتعاهدنا. (4) وإن كانت بدر أذكر: أي أشهر عند الناس بالفضيلة. (5) ومفازا: أي صحراء طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك. (6) فجلا للمسلمين أمرهم: أي كشفه وبينه وأوضحه. وعرفهم ذلك على وجهه من غير تورية. يقال: جلوت الشيء كشفته. (7) ليتأهبوا أهبة غزوهم: أي ليستعدوا بما يحتاجون إليه في سفرهم ذلك. (8) فأخبرهم بوجههم: أي بمقصدهم. (9) فقل رجل يريد أن يتغيب ... الخ: قال القاضي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم. وصوابه: إلا يظن أن ذلك سيخفى له. بزيادة إلا. وكذا رواه البخاري. (10) فأنا إليها أصعر: أي أميل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4150 فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط الغزو «1» . فهممت أن أرتحل فأدركهم فياليتني فعلت. ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة، إلّا رجلا مغموصا عليه في النّفاق «2» ، أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا «3» فقال، وهو جالس في القوم بتبوك «ما فعل كعب بن مالك؟» قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنّظر في عطفيه «4» . فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيّضا «5» يزول به السّراب «6» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كن أبا خيثمة» فإذا هو أبو خيثمة «7» الأنصاريّ- وهو الّذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه المنافقون «8» - فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجّه قافلا «9» من تبوك، حضرني بثّي «10» ، فطفقت أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ «11» قادما، زاح «12» عنّي الباطل حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه «13» . وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادما. وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثمّ جلس للنّاس. فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون. فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له. وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم. وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله. حتّى جئت فلمّا سلّمت تبسّم تبسّم المغضب ثمّ قال: «تعال» فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ «14» » قال: قلت: يا رسول الله إنّي- والله- لو جلست عند   (1) وتفارط الغزو: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا. (2) مغموصا عليه في النفاق: أي متهما به. (3) حتى بلغ تبوكا: هو في أكثر النسخ: تبوكا، بالنصب. وكذا هو في نسخ البخاري. وإنه صرفها لإرادة الموقع، دون البقعة. (4) والنظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه. (5) مبيضا: هو لابس البياض. ويقال: هم المبيّضة والمسوّدة، أي لا بسو البياض والسواد. (6) يزول به السراب: أي يتحرك وينهض. والسراب هو ما يظهر للإنسان في الهواجر، في البراري، كأنه ماء. (7) كن أبا خيثمة: قيل: معناه أنت أبو خيثمة. قال ثعلب: العرب تقول: كن زيدا، أي أنت زيد. قال القاضي عياض: والأشبه عندي أن كن هنا للتحقق والوجود. أي لتوجد، يا هذا الشخص، أبا خيثمة حقيقة. وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب. وهو معنى قول صاحب التحرير: وتقديره اللهم اجعله أبا خيثمة. (8) لمزه المنافقون: أي عابوه واحتقروه. (9) توجه قافلا: أي راجعا. (10) حضرني بثي: هو أشد الحزن. (11) أظل قادما: أي أقبل ودنا قدومه كأنه ألقى علي ظله. (12) زاح: أي زال (13) فأجمعت صدقه: أي عزمت عليه. يقال: أجمع أمره وعلى أمره، وعزم عليه، بمعنى. (14) ابتعت ظهرك: أي اشتريت ما تركبه للجهاد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4151 غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا «1» . ولكنّي- والله- لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي ليوشكنّ «2» الله أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «3» إنّي لأرجو فيه عقبى الله «4» والله ما كان لي عذر،. والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أمّا هذا- فقد صدق، فقم حتّى يقضي الله فيك» فقمت، وثار رجا من بني سلمة فاتّبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما اعتذر به إليه المخلّفون. فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لك. قال: فو الله ما زالوا يؤنّبونني «5» حتّى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأكذّب نفسي. قال: ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم. لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت. فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن ربيعة العامريّ «6» ، وهلال بن أميّة الواقفيّ. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا أيّها الثّلاثة «7» من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس، وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض الّتي أعرف «8» . فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي فاستكانا «9» وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم «10» . فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه- وهو في مجلسه بعد الصّلاة- فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام أم لا؟ ثمّ أصلّى قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ، وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي. حتّى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتّى تسوّرت «11» جدار حائط أبي قتادة- وهو ابن عمّي وأحبّ النّاس إليّ- فسلّمت عليه، فو الله   (1) أعطيت جدلا: أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة، بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إلي، إذا أردت. (2) ليوشكن: أي ليسرعن. (3) تجد عليّ فيه: أي تغضب. (4) إني لأرجو فيه عقبى الله: أي أن يعقبني خيرا، وأن يثيبني عليه. (5) يؤنبونني: أي يلومونني أشد اللوم. (6) العامري: هكذا: العامري. وأنكره العلماء وقالوا: هو غلط إنما صوابه العمري. من بني عمرو بن عوف. وكذا ذكره البخاري. وكذا نسبه محمد بن إسحاق وابن عبد البر، وغيرهما من الأئمة. قيل: وهو الصواب. (7) أيها الثلاثة: قال القاضي: هو بالرفع، وموضعه نصب على الاختصاص. قال سيبويه، نقلا عن العرب: اللهم اغفر لنا، أيتها العصابة، وهذا مثله. (8) فما هي بالأرض التي أعرف: معناه: تغير علي كل شيء. حتى الأرض، فإنها توحشت علي وصارت كأنها أرض لم أعرفها، بتوحشها علي. (9) فاستكانا: أي خضعا. (10) أشب القوم وأجلدهم: أي أصغرهم سنا وأقواهم. (11) حتى تسورت: معنى تسورته علوته وصعدت سوره، وهو أعلاه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4152 ماردّ عليّ السّلام. فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله «1» هل تعلمنّ أنّي أحبّ الله ورسوله؟ قال: فسكت. فعدت فناشدته فسكت. فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتولّيت، حتّى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطيّ من نبط أهل الشّام «2» ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلّ على كعب بن مالك؟ قال: فطفق النّاس يشيرون له إليّ حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان- وكنت كاتبا- فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة «3» . فالحق بنا نواسك» . قال: فقلت حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء فتياممت «5» بها التّنّور فسجرتها «6» بها. حتّى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي «7» ، إذا رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا. بل اعتزلها فلا تقربنّها. قال: فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتّى يقضي الله في هذا الأمر. قال فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت له: يا رسول الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال: «لا. ولكن لا يقربنّك» فقالت: إنّه- والله- ما به حركة إلى شيء. ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتك؟ فقد أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه. قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شابّ. قال: فلبثت بذلك عشر ليال. فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله عزّ وجلّ- منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت «8» ، سمعت صوت صارخ أو فى على سلع «9» يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج. قال:   (1) أنشدك بالله: أي أسألك بالله، وأصله من النشيد، وهو الصوت. (2) نبطي من نبط أهل الشام: يقال: النبط والأنباط والنبيط، وهو فلاحو العجم. (3) مضيعة: فيها لغتان: إحداهما مضيعة، والثانية مضيعة. أي موضع وحال يضيع فيه حقك. (4) نواسك: وفي بعض النسخ: نواسيك، بزيادة ياء. وهو صحيح، أي ونحن نواسيك، وقطعه عن جواب الأمر. ومعناه نشاركك فيما عندنا. (5) فتياممت: وهي لغة في تيممت. ومعناها قصدت. (6) فسجرتها: أي أحرقتها. وأنث الضمير لأنه أراد معنى الكتاب، وهو الصحيفة. (7) واستلبث الوحي: أي أبطأ. (8) وضاقت علي الأرض بما رحبت: أي بما اتسعت. ومعناه: ضاقت علي الأرض مع أنها متسعة. والرحب السعة. (9) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4153 فآذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس «1» بتوبة الله علينا، حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى الجبل «2» . فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا «4» يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك حتّى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» قال: فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال «لا. بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك. قال: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي «5» صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك، فهو خير لك» قال: فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال وقلت: يا رسول الله إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال: فو الله ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله «6» في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا أحسن ممّا أبلاني الله به. والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته «7» فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد، وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ   (1) فآذن ... الناس: أي أعلمهم. (2) وأوفى الجبل: صعده وارتقى عليه. (3) أتامم: أي أقصد. (4) فوجا فوجا: الفوج الجماعة. (5) أن أنخلع من ما لي: أي أخرج منه وأتصدق به. (6) أبلاه الله: أي أنعم عليه. والبلاء والإبلاء يكون في الخير والشر. لكن إذا أطلق، كان للشر غالبا فإذا أريد الخير. قيد كما قيد هنا، فقال أحسن مما أبلاني. (7) أن لا أكون كذبته: هكذا في جميع نسخ مسلم، وكثير من روآيات البخاري. قال العلماء: لفظة (لا) في قوله: أن لا أكون، زائدة. ومعناه: أن أكون كذبته. كقوله تعالى ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ (الأعراف/ 12) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4154 لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 95- 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا أيّها الثّلاثة عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال الله- عزّ وجلّ-: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا تخلّفنا عن الغزو، وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا «1» عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التخلف (القعود) عن الجهاد) معنى 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا تبايعتم بالعينة «3» ، وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزّرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلّا لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم» ) * «4» . 4- * (عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- قال: قال يهوديّ لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ. فقال صاحبه: لا تقل نبيّ؛ إنّه لو سمعك كان له أربعة أعين. فأتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألاه عن تسع آيات بيّنات. فقال لهم: «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولّوا الفرار يوم الزّحف. وعليكم خاصّة اليهود أن لا تعتدوا في السّبت. قال: فقبّلوا يده ورجله» . فقالا: نشهد أنّك نبيّ. قال: «فما يمنعكم أن تتّبعوني؟» قالوا: إنّ داود دعا ربّه أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ، وإنّا نخاف- إن تبعناك- أن تقتلنا اليهود) * «5» . 5- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ أنّه قال: رأيت مروان بن الحكم جالسا في المسجد فأقبلت حتّى جلست إلى جنبه فأخبرنا أنّ زيد بن ثابت أخبره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أملى عليّ لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال: فجاءه ابن أمّ مكتوم وهو يملّها عليّ فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت- وكان رجلا أعمى- فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلّى الله عليه وسلّم وفخذه على فخذي. فثقلت عليّ حتّى خفت أن ترضّ فخذي، ثمّ سرّي عنه فأنزل الله   (1) وإرجاؤه أمرنا: أي تأخيره. (2) البخاري- الفتح 7 (4418) . ومسلم (2769) واللفظ له. (3) تبايعتم بالعينة: أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن أقل من ذلك القدر يدفعه نقدا. (4) أبو داود (3462) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 663) : صحيح. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (1/ 15) وما بعده (ص 116) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 765) : وهو حديث صحيح. (5) الترمذي (2733) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد في «المسند» (4/ 240) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4155 - عزّ وجلّ- غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (النساء/ 95) «1» . 6- * (عن سلمة بن نفيل الكنديّ- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رجل: يا رسول الله، أذال «2» النّاس الخيل، ووضعوا السّلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها «3» ، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوجهه وقال: «كذبوا. الآن جاء القتال، ولا يزال من أمّتي أمّة يقاتلون على الحقّ، ويزيغ «4» الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم، حتّى تقوم السّاعة، وحتّى يأتي وعد الله. الخيل معقود في نواصيها «5» الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إليّ: أنّي مقبوض غير ملبّث «6» ، وأنتم تتّبعوني، أفنادا «7» يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار «8» المؤمنين الشّام» ) * «9» . 7- * (عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترك قوم الجهاد إلّا عمّهم الله بالعذاب» ) * «10» . 8- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من لم يغز أو يجهّز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة» . قال يزيد بن عبد ربّه في حديثه: قبل يوم القيامة) * «11» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات ولم يغز، ولم يحدّث به نفسه مات على شعبة من نفاق» . قال ابن سهم: قال عبد الله بن المبارك: فنرى «12» أنّ ذلك كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «13» . 10- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «استنفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيّا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عذابهم» ) * «14» .   (1) البخاري- الفتح 6 (2832) . (2) أذال الإذالة: الإهانة والابتذال. (3) أوزارها: الأوزار: الثقال، ومعنى «حتّى تضع الحرب أوزارها» أي: ينقضي أمرها، وتخف أثقالها، ولا يبقى قتال. (4) يزيغ: من أزاغ الشيء يزيغ: إذا مال، والغالب استعماله في الميل عن الحق إلى الباطل. (5) نواصي: جمع ناصية، وهو شعر مقدم الرأس. (6) ملبّث: اسم مفعول من: لبثه غيره أو لبثه بالتشديد. (7) أفنادا: جماعات متفرقين. (8) عقر الدار: أصلها- بفتح العين-، وهو محلة القوم، وأهل المدينة يقولون: عقر الدار بالضم. (9) أخرجه النسائي (6/ 214 و215) . وقال محقق جامع الأصول (2/ 570) : إسناده صحيح. (10) المنذري في الترغيب (2/ 331) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن. وقال محقق «مجمع البحرين في زوائد المعجمين» للهيثمي (5/ 38) : رواه الطبراني في «الأوسط وهو حسن الإسناد إن شاء الله. (11) أبو داود (2503) . وقال الألباني (2/ 475) : حسن (12) فنرى: بضم النون. أي نظن. وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل. وقد قال غيره: إنه عام. والمراد أن من فعل فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف. فإنّ ترك الجهاد إحدى شعب النفاق. (13) مسلم (1910) . (14) ابن كثير، مج 2 ص 358 أو 372. ذكره الحاكم في المستدرك 2/ 104 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4156 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التخلف (القعود) عن الجهاد) 1- * (قال عمر بن الخطّاب: «كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه، والجريء يقاتل عمّا لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشّهيد من احتسب نفسه على الله» ) *» . 2- * (عن أبي عمران «2» - رضي الله عنه- قال: كنّا بمدينة الرّوم فأخرجوا إلينا صفّا عظيما من الرّوم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر- رضي الله عنه- وعلى الجماعة فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- فحمل رجل من المسلمين على صفّ الرّوم حتّى دخل بينهم، فصاح النّاس، وقالوا: سبحان الله يلقي بيده إلى التّهلكة، فقام أبو أيّوب، فقال: أيّها النّاس إنّكم لتؤوّلون هذا التّأويل، وإنّما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لمّا أعزّ الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرّا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أموالنا قد ضاعت، وإنّ الله تعالى قد أعزّ الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم يردّ علينا ما قلنا، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة/ 195) . وكانت التّهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو، فما زال أبو أيّوب شاخصا في سبيل الله حتّى دفن بأرض الرّوم» ) * «3» . 3- * (عن ابن عون قال: «كتبت إلى نافع أسأله: ما أقعد ابن عمر عن الغزو، أو عن القوم إذا غزوا بما يدعون العدوّ قبل أن يقاتلوهم، وهل يحمل الرّجل إذا كان في الكتيبة بغير إذن إمامه؟ فكتب إليّ: أنّ ابن عمر قد كان يغزو ولده، ويحمل على الظّهر، وكان يقول: إنّ أفضل العمل بعد الصّلاة الجهاد في سبيل الله تعالى، وما أقعد ابن عمر عن الغزو إلّا وصايا لعمر وصبيان صغار وضيعة كثيرة، وقد أغار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بني المصطلق وهم غارّون يسقون على نعمهم، فقتل مقاتلتهم، وسبى سباياهم، وأصاب جويرية بنت الحارث. قال: فحدّثني بهذا الحديث ابن عمر، وكان في ذلك الجيش وإنّما كانوا يدعون في أوّل الإسلام، وأمّا الرّجل فلا يحمل على الكتيبة إلّا بإذن إمامه» ) * «4» . 4- * (عن شقيق قال: «لقي عبد الرّحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد: مالي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان؟ فقال له عبد الرّحمن: أبلغه أنّي لم أفرّ يوم حنين. قال عاصم: يقول: يوم أحد، ولم أتخلّف يوم بدر، ولم أترك سنّة عمر- رضي   (1) تنوير الحوالك: 2/ 19. (2) هو أسلم بن يزيد النجيبي المصري. (3) رواه الترمذي (2972) ، وقال: حديث غريب صحيح. ونحوه عند أبي داود (2512) . وقال الألباني (2/ 478) : صحيح. (4) أحمد: 2/ 32 وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 46) : إسناده صحيح. والترمذي رقم 2976، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود رقم 2512، وقال محقق جامع الأصول (2/ 32) : إسناده صحيح، وصححه الحاكم (2/ 275) ، ووافقه الذهبي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4157 الله عنه- قال: فانطلق فخبّر ذلك عثمان. قال: فقال: أمّا قوله أنّي لم أفرّ يوم حنين فكيف يعيّرني بذنب وقد عفا الله عنه فقال إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ (آل عمران/ 155) وأمّا قوله إنّي تخلفت يوم بدر فإنّي كنت أمرّض رقيّة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين ماتت، وقد ضرب لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسهمي، ومن ضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسهمه فقد شهد، وأمّا قوله إنّي لم أترك سنّة عمر- رضي الله عنه- فإنّي لا أطيقها ولا هو، فأته فحدّثه بذلك» ) * «1» . 5- * (وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي (التوبة/ 49) أي إن كان إنمّا يخشى من نساء بني الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة بتخلّفه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والرّغبة بنفسه عن نفس رسول الله أعظم، وهكذا روي عن ابن عبّاس ومجاهد وغير واحد أنّها نزلت في الجدّ بن قيس) * «2» . 6- * (وقال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (التوبة/ 38) قال المفسّرون: معناه اثّاقلتم إلى نعيم الأرض. وهو توبيخ على ترك الجهاد وعتاب على التّقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وهو نحو من أخلد إلى الأرض» ) * «3» . 7- * (وقال- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (التوبة/ 39) ... وهذا تهديد ووعيد مؤكّد في ترك النّفير» ) * «4» . 8- * (وقال أيضا: «إنّ المراد بهذه الآية وجوب النّفير عند الحاجة وظهور الكفرة واشتداد شوكتهم» ) * «5» . من مضار (التخلف (القعود) عن الجهاد) (1) أنّ السّعي في إبطال الجهاد والتخلّف عنه سبب لشمول اللّعنة من الله- عزّ وجلّ- وفي التّقاعس عنه تفويت لكثير من الخير. (2) القعود عن الجهاد يسبّب كثيرا من المفاسد العاجلة والآجلة: فأمّا العاجلة فإنّه يستعدي الكفّار على المسلمين ويطمعهم في بلادهم، وأمّا الآجلة فإنّه سبب لتراكم الذّنوب والمعاصي. (3) إذا تخلّف المسلمون عن الجهاد كثر الفساد في الأرض وضاعت فرص السّلم والسّلام. (4) يورث الذّلّ في الدّنيا والهوان على الله في الآخرة. (5) مظهر من مظاهر النّفاق وسوء الأخلاق. (6) به تنتهك الحرم وتنهزم الأمم. (7) دليل الجبن والخنوع والانهزاميّة.   (1) أحمد: 1/ 68 وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 373) : إسناده صحيح. وذكره ابن كثير في تفسيره: (1/ 419) . والهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 226 و9/ 83 ونسبه لأبي يعلى والطبراني والبزار. (2) تفسير ابن كثير (2/ 363) . (3) تفسير القرطبي (مج 8 ص 90) ط. دار الكتب العلمية. (4) المرجع السابق (مج 8 ص 91) . (5) المرجع السابق: مج 8 ص 91 دار الكتب العلمية بيروت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4158 ترك الصلاة الترك لغة: مصدر قولهم: تركت الشّيء تركا، أي خلّيته، وهو مأخوذ من مادّة (ت ر ك) الّتي تدلّ على «التّخلية عن الشّيء» وهو قياس الباب، ولذلك تسمّى البيضة بالعراء تريكة، وتركة الميّت: ما يتركه من تراثه، وقال الرّاغب: ترك الشّيء: رفضه قصدا واختيارا أو قهرا واضطرارا، ومن الأوّل قوله تعالى وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ (الكهف/ 99) ومن الثّاني قوله- عزّ وجلّ- كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (الدخان/ 25) والتّريكة من النّساء: الّتي تترك فلا يتزوّجها أحد، والتّريكة أيضا: روضة يغفلها النّاس فلا يرعونها، يقال تاركته البيع متاركة (أي تركت البيع منه وترك البيع منّي) ، وقولهم: فما اتّرك: أي ما ترك شيئا، وتراك بمعنى: اترك اسم لفعل الأمر من ترك، وقال ابن منظور: التّرك: ودعك الشّيء، يقال: تركه يتركه تركا واتّركه. والتّرك في قوله تعالى: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (الصافات/ 78) أي أبقينا عليه، وفي الحديث الشّريف: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 13/ 18 فمن تركها فقد كفر» قال ابن الأثير: قيل: هو لمن تركها جاحدا، وقيل: أراد المنافقين؛ لأنّهم يصلّون رياء ولا سبيل عليهم حينئذ، ولو تركوها في الظّاهر كفروا، وقيل أراد بالتّرك: تركها مع الإقرار بوجوبها أو حتّى يخرج وقتها، ولذلك ذهب أحمد بن حنبل إلى أنّه يكفر بذلك حملا للحديث على ظاهره، وقال الشّافعيّ: يقتل بتركها ويصلّى عليه ويدفن مع المسلمين «1» . الصلاة اصطلاحا: (انظر صفة الصّلاة) . ترك الصلاة اصطلاحا: أن يدع الإنسان إقامة الصّلاة المفروضة عمدا «2» . ترك الصلاة وإضاعة الصلاة والسهو عن الصلاة: أمّا ترك الصّلاة: فهو عدم إقامتها عمدا، وأمّا إضاعتها فقد قال ابن مسعود: وليس معنى أضاعوها تركوها بالكلّيّة. ولكن أخّروها عن أوقاتها، وقال سعيد ابن المسيّب إمام التّابعين: هو أن لا يصلّي الظّهر حتّى يأتي العصر، ولا يصلّي العصر إلى المغرب، ولا يصلّي المغرب إلى العشاء، ولا يصلّي العشاء إلى الفجر، ولا   (1) مقاييس اللغة (1/ 346) ، المفردات (ص 74) ، الصحاح (2/ 1576) ، لسان العرب (1/ 430) ، النهاية (1/ 188) . (2) كتاب الصلاة لابن القيم (21) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4159 يصلّي الفجر إلى طلوع الشّمس، فمن مات وهو مصرّ على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغيّ، وهو واد في جهنّم بعيد قعره، شديد عقابه «1» . وقال القرظيّ (محمّد بن كعب) : هي إضاعة كفر وجحود بها وقيل: إضاعة أوقاتها وعدم القيام بحقوقها، قال القرطبيّ: وهو الصّحيح «2» . أمّا السّهو عن الصّلاة فقد اختلف فيه على أقوال عديدة ذكر منها الإمام الطّبريّ: 1- تأخيرها عن وقتها: روي عن مصعب بن سعد قال: قلت لأبي: أرأيت قول الله- عزّ وجلّ- الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (الماعون/ 5) . أهي تركها: قال: لا. ولكنّه تأخيرها عن وقتها. 2- وقيل عنى بذلك (بالسّهو) أنّهم يتركونها فلا يصلّونها، وذكر من قال ذلك عن ابن عبّاس في قوله فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (الماعون/ 4- 5) فهم المنافقون. كانوا يراءون النّاس بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا وقيل أيضا عن مجاهد في عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: التّرك لها. 3- يتهاونون بها ويتغافلون عنها. قال مجاهد قوله عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: لاهون، وعن قتادة ساهُونَ: غافلون. وقال ابن زيد في قوله الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (الماعون/ 5) يصلّون وليست الصّلاة من شأنهم، وعن مجاهد ساهُونَ يتهاونون. قال الطّبريّ: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب قوله ساهُونَ: لاهون. يتغافلون عنها وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها تضييعها أحيانا وتضييع وقتها أخرى وإذا كان كذلك صحّ بذلك قول من قال: عنى بذلك ترك وقتها وقول من قال عنى تركها. وممّا يؤيّد ذلك ما روي عن سعد بن أبي وقّاص قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال هم الّذين يؤخّرون الصّلاة عن وقتها، وما روي عن أبي برزة الأسلميّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لمّا نزلت هذه الآية» «3» . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ «هذا خير لكم من أن لو أعطي كلّ رجل منكم مثل جميع الدّنيا هو الّذي إن صلّى لم يرج خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربّه» . حكم ترك الصلاة: وقال ابن القيّم رحمه الله: «لا يختلف المسلمون أنّ ترك الصّلاة المفروضة عمدا من أعظم الذّنوب وأكبر الكبائر، وأنّ إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النّفس، وأخذ الأموال، ومن إثم الزّنى والسّرقة وشرب الخمر، وأنّه متعرّض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدّنيا والآخرة. وقد كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه- يكتب إلى الآفاق، أنّ أهمّ أموركم عندي الصّلاة، فمن حفظها، حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظّ في الإسلام   (1) الغزالي مكاشفة القلوب (358) . (2) تفسير القرطبي (11/ 122) (3) المرجع السابق (30/ 706، 708) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4160 لمن ترك الصّلاة، والصّلاة أوّل فروض الإسلام، وهي آخر ما يفقد من الدّين، فهي أوّل الإسلام وآخره، فإذا ذهب أوّله وآخره فقد ذهب جميعه، وكلّ شيء ذهب أوّله وآخره فقد ذهب جميعه» «1» . وقد عدّ ابن حجر تعمّد ترك الصّلاة من الكبائر، وذكر قول الله تعالى: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (المدثر/ 42- 43) ونقل بعضهم أنّه صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ تارك الصّلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ تارك الصّلاة عمدا من غير عذر حتّى يذهب وقتها كافر، وقال أيّوب: ترك الصّلاة كفر لا يختلف فيه «2» . [للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الإعراض- التفريط والإفراط- انتهاك الحرمات- التهاون- الإلحاد- الزندقة- الضلال- الكفر- الردة- الإهمال- العصيان- الفسوق- الكسل- الفجور. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصلاة- الذكر- العبادة- تعظيم الحرمات- الإيمان- الإسلام- الطاعة- الاتباع- الدعاء- الضراعة والتضرع- الابتهال- التوسل- القنوت- الاستغفار التوبة] .   (1) انظر كتاب الصلاة لابن القيم (21، 22) . (2) الزواجر لابن حجر (172) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4161 الآيات الواردة في «ترك الصلاة» 1- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) «1» 2- وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (54) «2» 3- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) «3» 4- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) «4» 5- فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7) «5»   (1) النساء: 142 مدنية (2) التوبة: 54 مدنية (3) مريم: 59 مكية (4) المدثر: 38- 47 مكية (5) الماعون: 4- 7 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4162 الأحاديث الواردة في ذمّ (ترك الصلاة) 1- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: أوصاني خليلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بسبع خصال، فقال: «لا تشركوا بالله شيئا وإن قطّعتم أو حرّقتم أو صلّبتم، ولا تتركوا الصّلاة متعمّدين، فمن تركها متعمّدا فقد خرج من الملّة، ولا تركبوا المعصية، فإنّها سخط الله، ولا تشربوا الخمر، فإنّها رأس الخطايا» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة» ) * «2» . 3- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بين العبد وبين الكفر والإيمان الصّلاة، فإذا تركها فقد أشرك» ) * «3» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «عرى الإسلام، وقواعد الدّين ثلاثة عليهنّ أسّس الإسلام، من ترك واحدة منهنّ فهو بها كافر، حلال الدّم: شهادة أن لا إله إلّا الله، والصّلاة المكتوبة، وصوم رمضان» ) * «4» . 5- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمن تركها فقد كفر» ) * «5» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا قام «6» بصري قيل: نداويك وتدع الصّلاة أيّاما، قال: لا، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من ترك الصّلاة لقي الله وهو عليه غضبان» ) * «7» . 7- * (عن أبي المليح قال: كنّا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكّروا بصلاة العصر، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» ) * «8» .   (1) رواه محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» رقم (920) وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 379) ، وقال: رواه الطبراني ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة بإسنادين لا بأس بهما. (2) مسلم (82) . (3) الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 379) وقال: رواه الطبري بإسناد صحيح. (4) رواه أبو يعلى في مسنده بإسناد حسن (3/ 13) ح (2345) من رواية حماد بن زيد عن عمرو بن مالك الذكري وهو صدوق، وثقه ابن حبان (التهذيب (8/ 96) والتقريب (426) والحديث حسنه الهيثمي في الزوائد (1/ 47) والمنذري في الترغيب والترهيب (1/ 379) . (5) الترمذي (2621) واللفظ له. والنسائي (1/ 231) .. وأحمد (5/ 346) ، وصححه الحاكم (1/ 6، 7) ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 204) : وهو حديث صحيح. (6) قامت العين: إذا ذهب بصرها والحدقة صحيحة. (7) الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 381) . وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير، وإسناده حسن. (8) البخاري- الفتح 2 (553) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4163 الأحاديث الواردة في ذمّ (ترك الصلاة) معنى 8- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟. قال: فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: إنّه أتاني اللّيلة آتيان وإنّهما ابتعثاني «1» وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ «2» رأسه فيتدهده «3» الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى ... الحديث. وفيه «قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه وينام عن الصّلاة المكتوبة ... الحديث» ) *» . 9- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لقوم يتخلّفون عن الجمعة: «لقد هممت أن آمر رجلا يصلّي بالنّاس، ثمّ أحرّق على رجال يتخلّفون عن الجمعة بيوتهم» ) * «5» . 10- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الّذي تفوته صلاة العصر كأنّما وتر أهله «6» وماله» ) * «7» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، لقد هممت أن آمر المؤذّن فيقيم، ثمّ آمر رجلا يؤمّ النّاس، ثمّ آخذ شعلا من نار فأحرّق على من لا يخرج إلى الصّلاة بعد» ) * «8» . 12- * (عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة- رضي الله عنهم- أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، على أعواد منبره: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم «9» الجمعات، أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثمّ ليكوننّ من الغافلين» ) * «10» . 13- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو، لا تقام فيهم الصّلاة إلّا قد استحوذ عليهم الشّيطان. فعليك بالجماعة فإنّما يأكل الذّئب من الغنم القاصية» ) * «11» .   (1) ابتعثاني: أرسلاني وأذهباني. وقيل معناه: أيقظاني. قال ابن حجر: يحتمل أن يكون رأى في المنام أنهما أيقظاه فرأى ما رأى في المنام ثم وصفه بعد أن أفاق، على أن منامه كاليقظة. (2) فيثلغ رأسه: أي يشدخه ويكسره. (3) فيتدهده: أي ينحط ويتدحرج. (4) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له. ومسلم (2274) . (5) مسلم (652) . (6) وتر أهله: أي فقد أهله. (7) البخاري- الفتح 2 (552) . ومسلم (626) متفق عليه. (8) البخاري- الفتح 2 (657) واللفظ له. ومسلم (651) . (9) ودعهم: أي تركهم. (10) مسلم (865) . (11) أبو داود (547) . والنسائي (2/ 106، 107) . والحاكم (1/ 246) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 407) : وهو حديث صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4164 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (ترك الصلاة) 1- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: «لا إسلام لمن لم يصلّ» ) * «1» . 2- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: «من ترك صلاة واحدة متعمّدا، فقد برئ من الله وبرىء الله منه» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (مريم/ 59) قال: «هو نهر في جهنّم خبيث الطّعم بعيد القعر» ) * «3» . 4- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ، فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى، وإنّهنّ من سنن الهدى ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم، ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم، وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيّئة، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق معلوم النّفاق. ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ» ) * «4» . 5- * (عن عبد الله بن شقيق العقيلي- رضي الله عنه- قال: «كان أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصّلاة» ) * «5» . 6- * (عن زرّ بن حبيش، قال: كان عبد الله رضي الله عنه- يعجبه أن يقعد حيث تعرض المصاحف، فجاءه ابن رجل من ثقيف، فقال: أيّ درجات الإسلام أفضل؟ قال: «الصّلاة على وقتها، من ترك الصّلاة فلا دين له» ) * «6» . 7- * (عن مصعب بن سعد- رضي الله عنه- قال: قلت لأبي: يا أبتاه أرأيت قوله- تبارك وتعالى- الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (الماعون/ 5) أيّنا لا يسهو، أيّنا لا يحدّث نفسه؟ قال: ليس ذاك، إنّما هو إضاعة الوقت بلهو حتّى يضيع الوقت» ) * «7» . 8- * (عن سعيد الأنصاريّ، أنّه حدّث عن سعد بن عمارة أخي ابن سعد بن بكر وكانت له صحبة؛ أنّ رجلا قال له: عظني في نفسي، رحمك الله فقال: إذا أنت قمت إلى الصّلاة، فأسبغ الوضوء، فإنّه لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا إيمان لمن لا صلاة له، ثمّ   (1) تعظيم قدر الصلاة، للمروزي (2/ 879) . (2) المرجع السابق (2/ 897) . (3) الصلاة، لابن القيم (40) . (4) مسلم (654) . (5) الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 379) . (6) تعظيم قدر الصلاة، للمروزي (2/ 898) . (7) الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 387) . وقال: رواه أبو يعلى بإسناد حسن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4165 إذا صلّيت، فصلّ صلاة مودّع، واترك طلب كثير من الحاجات؛ فإنّه فقر حاضر، وأجمع اليأس ممّا عند النّاس فإنّه هو الغنى، وانظر إلى ما تعتذر منه من القول والفعل فاجتنبه» ) * «1» . 9- * (عن معقل الخثعميّ، أنّ رجلا سأل عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن امرأة لا تصلّي؟ فقال عليّ- رضي الله عنه-: «من لم يصلّ فهو كافر» ) * «2» . 10- * (عن محمّد بن كعب القرظيّ في قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: «هو تركها» ) * «3» . 11- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قلت له: ما كان يفرّق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «الصّلاة» ) * «4» . 12- * (عن محمّد بن سيرين قال: «نبّئت أنّ أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- كانا يعلّمان النّاس الإسلام: تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة الّتي افترض الله تعالى بمواقيتها، فإنّ في تفريطها الهلكة» ) * «5» . 13- * (عن الضّحّاك في قوله تعالى: لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (المنافقون/ 9) قال: «الصّلوات الخمس» ) * «6» . 14- * (عن القاسم بن مخيمرة في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (مريم/ 59) قال: أضاعوها عن مواقيتها» ) * «7» . 15- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله-: «كلّ شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه، فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه» ) * «8» . 16- * (قال الإمام أبو عبد الله المروزيّ رحمه الله-: «لقد شدّد تبارك وتعالى الوعيد في تركها، ووكّده على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بأنّ تاركها يخرج من الإيمان بتركها، ولم تجعل فريضة من أعمال العباد علامة بين الكفر والإيمان إلّا الصّلاة، فقال: ليس بين العبد وبين الكفر من الإيمان إلّا ترك الصّلاة» فأخبر أنّها نظام للتّوحيد، ويكفر بتركها، كما يكفر بترك التّوحيد» ) * «9» . 17- * (قال الحافظ عبد العظيم المنذريّ: قد ذهب جماعة من الصّحابة، ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصّلاة متعمّدا لتركها حتّى يخرج جميع وقتها، منهم: عمر بن الخطّاب، وعبد الله بن مسعود،   (1) تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/ 903) . (2) المرجع السابق (2/ 898) . (3) الصلاة لابن القيم (ص 40) . (4) تعظيم قدر الصلاة، للمروزي (2/ 877) . (5) المرجع السابق (2/ 897) . (6) المرجع السابق (1/ 127) . (7) المرجع السابق (1/ 122) . (8) كتاب الصلاة لابن القيم (16/ 21- 22) . (9) تعظيم قدر الصلاة للمروزي (1/ 132) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4166 وعبد الله بن عبّاس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدّرداء- رضي الله عنهم- ومن غير الصّحابة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنّخعيّ، والحكم بن عتيبة، وأيّوب السّختيانيّ، وأبو داود الطّيالسيّ، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب. وغيرهم- رحمهم الله تعالى-» ) * «1» . 18- * (قال محمّد بن نصر المروزيّ: سمعت إسحاق يقول: كان رأي أهل العلم من لدن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّ تارك الصّلاة عمدا من غير عذر حتّى يذهب وقتها كافر» ) * «2» . من مضار (ترك الصلاة) (1) طريق يؤدّي إلى الكفر والخروج من الملّة. (2) استحقاق سخط الله وغضبه. (3) حلول النّقم وذهاب النّعم. (4) دليل على قلّة توفيق المرء وسوء عاقبته. (5) البعد عن الله والبغض من النّاس. (6) يورث الهوان والذّلّ في الدّنيا والآخرة. (7) يحشر صاحبها مع هامان وقارون وفرعون وأبيّ بن خلف. (8) يصحرم صاحبها نعمة لقاء الله ويسمّى مضيّعا لأمانة الله. (9) يحرم من أهمّ مصدر لتكفير السّيّئات وزيادة الحسنات.   (1) الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 394، 395) . (2) الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 386) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4167 التسول التسول في اللغة: التّسوّل أصلها التّسؤّل وهي مأخوذة من مادّة (س أل) ، والسّؤال ما يسأله الإنسان. وقرىء أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (طه/ 36) بالهمز، وبغير الهمز. وسألته الشّيء، وسألته عن الشّيء سؤالا ومسألة «1» . يقول الرّاغب: «السّؤل: الحاجة الّتي تحرص النّفس عليها، والتّسويل تزيين النّفس لما تحرص عليه، وتصوير القبيح منه بصورة الحسن، قال تعالى: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (يوسف/ 18) ، وقال أيضا: السّؤال: استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إلى المعرفة واستدعاء مال، أو ما يؤدّي إلى المال، فاستدعاء المعرفة، جوابه على اللّسان، واليد خليفة له بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء المال جوابه على اليد، واللّسان خليفة لها إمّا بوعد أو بردّ «2» . ويقول الأزهريّ: وأصل السّؤال مهموز، غير أنّ العرب استثقلوا ضغطة الهمزة فيه فخفّفوا الهمزة، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 8/ 5 وسؤلة كهمزة: الكثير السّؤال من النّاس، بالهمز وبغير الهمز «3» والسّول والسّولة بالضّمّ، المسألة، والفرق بينها وبين الأمنيّة «4» أنّ السّولة فيما طلب، والأمنيّة فيما قدّر، وكأنّ السّولة تكون بعد الأمنيّة، والتّسوّل بمعناه الحاضر مولّد، فقد جاء في المعجم الوسيط «تسوّل» استعطى (مولّد) «5» . التسول اصطلاحا: لم تذكر كتب الاصطلاحات القديمة «التّسوّل» ضمن ما أوردته، وقد تكفّلت بذلك المعاجم الحديثة، فقال أحمد بدويّ: التّسوّل: طلب الصّدقة من الأفراد في الطّرق العامّة، والمتسوّل: الشّخص الّذي يتعيّش من التّسوّل ويجعل منه حرفة له ومصدرا وحيدا للرّزق «6» . ويعتبر التّسوّل في بعض البلاد جريمة يعاقب عليها، خاصّة إذا كان المتسوّل صحيح البدن، كما يكون التّسوّل محظورا، حيث توجد مؤسّسات خيريّة» ، وأضاف بعضهم: أو إذا هدّد المتسوّل أمن   (1) الصحاح (5/ 1723) . (2) المفردات (249، 250) . (3) التاج (4/ 324) . (4) المرجع السابق (14/ 366) . (5) المعجم الوسيط (1/ 465) . (6) معجم مصطلحات الرعاية والتنمية الاجتماعية (29) . (7) المرجع السابق نفس الصفحة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4168 المجتمع؛ أو دخل في مسكن دون استئذان «1» . حكم التسول: قال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله-: السّؤال حرام في الأصل، وإنّما يباح بضرورة أو حاجة مهمّة قريبة من الضّرورة، وإنّما قلنا: إنّ الأصل فيه التّحريم لأنّه لا ينفكّ عن ثلاثة أمور محرّمة: الأوّل: إظهار الشّكوى من الله تعالى، إذ السّؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه وهو عين الشّكوى. الثّاني: أنّ فيه إذلال السّائل نفسه لغير الله تعالى وليس للمؤمن أن يذلّ نفسه لغير الله بل عليه أن يذلّ نفسه لمولاه، فإنّ فيه عزّه. فأمّا سائر الخلق فإنّهم عباد أمثاله، فلا ينبغي أن يذلّ لهم إلّا لضرورة، وفي السّؤال ذلّ للسّائل بالإضافة إلى إيذاء المسئول. الثّالث: أنّه لا ينفكّ عن إيذاء المسئول غالبا، لأنّه ربّما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه فإن بذل حياء من السّائل، أو رياء فهو حرام على الآخذ، وإن منع ربّما استحيا وتأذّى في نفسه بالمنع، إذ يرى نفسه في صورة البخلاء، ففي البذل نقصان ماله، وفي المنع نقصان جاهه، وكلاهما مؤذيان، والسّائل هو السّبب في الإيذاء، والإيذاء حرام إلّا بضرورة «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الذل- اتباع الهوى صغر الهمة- الكسل- التخاذل- التهاون- الطمع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العزة- العمل- النشاط- العفة- القناعة- النزاهة- الرضا- الزهد- النشاط- قوة الإرادة- الشرف] .   (1) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (37) للدكتور أحمد زكي بدوي. (2) إحياء علوم الدين للامام أبي حامد الغزالي (4/ 223) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4169 الآيات الواردة في «التسول» * 1- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «1» 2- لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) «2» 3- وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) «3» 4- وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) «4» 5- وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) «5»   * الآيات الواردة هنا في السؤال عامة الجائز والمذموم. (1) البقرة: 177 مدنية (2) البقرة: 273 مدنية (3) الذاريات: 19 مكية (4) المعارج: 24- 25 مكية (5) الضحى: 10 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4170 الأحاديث الواردة في ذمّ (التسول) معنى 1- * (عن قبيصة بن مخارق الهلاليّ- رضي الله عنه- قال: تحمّلت حمالة «1» فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسأله فيها. فقال: «أقم حتّى تأتينا الصّدقة فنأمر لك بها» قال: ثمّ قال: «يا قبيصة! إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لأحد ثلاثة: رجل تحمّل حمالة فحلّت له المسألة حتّى يصيبها ثمّ يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواما من عيش «2» (أو قال: سدادا من عيش) . ورجل أصابته فاقة حتّى يقول ثلاثة من ذوي الحجا «3» من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواما من عيش (أو قال سدادا من عيش) فما سواهنّ من المسألة، يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا «4» » ) * «5» . 2- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: إنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه» قال: «ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر» أو كلمة نحوها «وأحدّثكم حديثا فاحفظوه» قال: «إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم: لا يتّقي فيه ربّه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان. فهو نيّته فوزرهما سواء» ) * «6» . 3- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: «إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف «7» نفس لم يبارك فيه وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «8» . 4- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة لي، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟ فقال: «لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير-. إنّك أن تذر   (1) الحمالة بفتح الحاء: الدية والغرامة التي يحملها الإنسان بسبب الصلح بين الناس (2) قواما من عيش: أي ما يقيم به صلبه. (3) الحجا: مقصور، وهو العقل. (4) سحتا: أي حراما. (5) مسلم (1044) . (6) الترمذي (2325) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 10) : وهو كما قال. (7) بإشراف نفس: أي بتطلع وطمع. (8) مسلم (1035) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4171 ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس «1» ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» «2» . فقلت: يا رسول الله أخلّف بعد أصحابي؟ قال: «إنّك لن تخلّف «3» ، فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون. اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم» لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة) * «4» . 5- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» وكنّا حديث عهد ببيعة «5» . فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، الصّلوات الخمس، وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة) ، ولا تسألوا النّاس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إيّاه» ) * «6» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتّى يلقى الله، وليس في وجهه مزعة لحم «7» » ) * «8» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ليس المسكين بهذا الطّوّاف الّذي يطوف على النّاس، فتردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان» . قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: «الّذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يسأل النّاس شيئا» ) * «9» . 8- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يكفل لي أن لا يسأل النّاس شيئا وأتكفّل له بالجنّة؟» فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدا شيئا) * «10» .   (1) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم اليهم. (2) في في امرأتك: أي في فمها. (3) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه. (4) البخاري- الفتح 3 (1295) واللفظ له. ومسلم (1628) . (5) أفرد الخبر (حديث) مع أن الاسم (كنّا) لتأول الجمع بالمجموع. أي وكان المجموع حديث عهد الخ ... (6) مسلم (1043) . (7) مزعة لحم: أي قطعة لحم. (8) البخاري- الفتح 3 (1474) . ومسلم (1040) واللفظ له. (9) الفتح 3 (1476) . ومسلم (1039) واللفظ له. (10) أحمد في المسند (5/ 376) . وأبو داود (1643) واللفظ له. والبغوي في شرح السنة (6/ 117) وقال محققه: إسناده صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4172 من الآثار الواردة في ذمّ (التسول) 1- * (سمع عمر- رضي الله عنه- سائلا يسأل بعد المغرب، فقال لواحد من قومه: عشّ الرّجل، فعشّاه، ثمّ سمعه ثانيا يسأل، فقال: ألم أقل لك عشّ الرّجل؟ قال: قد عشّيته. فنظر عمر، فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزا فقال: لست سائلا ولكنّك تاجر. ثمّ أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصّدقة، وضربه بالدّرّة «1» وقال: لا تعد) * «2» . 2- * (قال الشّاعر: لا تحسبنّ الموت موت البلى ... فإنّما الموت سؤال الرّجال كلاهما موت ولكنّ ذا ... أشدّ من ذاك لذلّ السؤال) * «3» . 3- * (قال الشّاعر: من يسأل النّاس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب 4- * (وقال آخر: ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الّذي يهب الرّغائب فارغب) * «4» . 5- * (قال مؤنس: إنّ الوقوف على الأبواب حرمان ... والعجز أن يرجو الإنسان إنسان متى تؤمّل مخلوقا وتقصده ... إن كان عندك بالرّحمن إيمان؟ ثق بالّذي هو يعطي ذا ويمنع ذا ... في كلّ يوم له في خلقه شان) * «5» . من مضار (التسول) (1) يورث الذّلّ والهوان في الدّنيا والآخرة. (2) عمل دنيء تمجّه الأذواق السّليمة. (3) استحقاق الوعيد عليه في الآخرة. (4) دليل على دناءة النّفس وحقارتها. (5) يورث سفولا وانحطاطا في المجتمع. (6) انتزاع البركة من المال. (7) حرمان إجابة الدّعاء. (8) دليل على سوء الخاتمة.   (1) الدّرّة: السوط. (2) إحياء علوم الدين، للامام أبي حامد الغزالي (4/ 224) . (3) كتاب الآداب الشرعية، لابن مفلح: ج 3، ص 280. (4) المرجع السابق نفسه. (5) المرجع السابق نفسه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4173 التشامل التشامل لغة: مصدر قولهم: تشامل أي أخذ جهة الشّمال وهو ضدّ التّيامن، وهو مأخوذ من مادّة (ش م ل) الّتي تدلّ على الجانب الّذي يخالف اليمين» ، ومن ذلك: اليد الشّمال ومنه: الرّيح الشّمال، لأنّها تأتي عن شمال القبلة إذا استند المستند إليها من ناحية العراق، ويقال للثّوب يغطّى به: الشّمال تسمية له باسم العضو الّذي يستره، والاشتمال بالثّوب: أن يلتفّ به الإنسان فيطرحه على الشّمال، وفي الحديث نهي عن اشتمال الصّمّاء، أي أن يجلّل جسده كلّه بالكساء أو الإزار وأشمل الرّجل من الشّمال (أي دخل في جهة الشّمال) كقولهم: أجنب من الجنوب، ويقال: أشمل القوم: إذا دخلوا في ريح الشمال فإذا أردت أنّها أصابتهم قلت: شملوا. والشّمال: الرّيح الّتي تهبّ من ناحية القطب وفيها لغات «2» . عديدة وجمعها شمالات، وشمائل. وغدير مشمول: تضربه ريح الشّمال حتّى يبرد، ومنه قيل للخمر: مشمولة إذا كانت باردة الطّعم، والنّار مشمولة: إذا هبّت عليها ريح الشّمال ويقال: شملت الرّيح تشمل شمولا أي تحوّلت شمالا، ريح الشّمال، واليد الشّمال (بالكسر) الآيات/ الأحاديث/ الآثار 9/ 17/ 5 خلاف اليمين والجمع أشمل لأنّها مؤنّثة وشمائل أيضا على غير قياس. وقال ابن منظور: جمع الشّمال: أشمل وشمائل، وشمل. وفي التّنزيل العزيز: عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ (النحل/ 48) . وفيه أيضا: وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ (الأعراف/ 17) والعرب تقول: فلان عندي باليمين أي بمنزلة حسنة، وإذا خسّت منزلته قالوا: أنت عندي بالشّمال. والشّمال: الشّؤم حكاه ابن الأعرابيّ والشّمال: الطّبع والجمع شمائل، وهو أيضا: الخلق «3» . ويرادف التّشامل: التّياسر. التشامل اصطلاحا: وإذا كان التّشامل نقيض التّيمّن ويرادف التّياسر، وكان التّيمّن: هو الابتداء في الأفعال باليد اليمنى والرّجل اليمنى والجانب الأيمن فإنّنا نستطيع على ضوء ذلك أن نعرّف التّشامل بأنّه: الابتداء في الأفعال باليد اليسرى أو الرّجل اليسرى والجانب الأيسر. [للاستزادة: انظر صفات: التطير- القدوة السيئة- الغي والإغواء- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التيمن- الأسوة الحسنة- الاتباع- الطاعة] .   (1) لهذه المادة معنى آخر هو: دوران الشيء وأخذه إياه من جوانبه كما في قولك: شملهم الأمر إذا عمهم. انظر مقاييس اللغة (3/ 214) . (2) من هذه اللغات: شمل (بالتحريك) وشمل بالتسكين وشمال، وشمأل (وشأمل) . (3) مقاييس اللغة (3/ 214) ، المفردات للراغب (267) ، والصحاح (5/ 1740) ، وبصائر ذوي التمييز (3/ 246) ، ولسان العرب (4/ 2339) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4174 الآيات الواردة في «التشامل» الشمال مقترنا باليمين (دون مدح أو ذم) : 1- وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) «1» 2- أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) «2» 3- أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ   (1) الأعراف: 11- 18 مكية (2) النحل: 45- 53 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4175 عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) «1» 4- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) «2» 5- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) «3» 6- فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) «4» الشمال مشعرا بالذم: 7- إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1)   (1) الكهف: 9- 18 مكية (2) سبأ: 15- 19 مكية (3) ق: 16- 22 مكية (4) المعارج: 36- 42 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4176 لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) «1» 8- وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) «2» 9- فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22) قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (26) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32) «3»   (1) الواقعة: 1- 12 مكية (2) الواقعة: 41- 56 مكية (3) الحاقة: 13- 32 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4177 الأحاديث الواردة في ذمّ (التشامل) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا انتزع فليبدأ بالشّمال، لتكن اليمنى أوّلهما تنعل وآخرهما تنزع» ) * «1» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» ) *. وفي رواية: «لا يأكلنّ أحد منكم بشماله، ولا يشربنّ بها؛ فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بها» ) * «2» . 3- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ. فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟» فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. فتلّه «3» . رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يده) * «4» . 4- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا أكل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشماله، فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت» ما منعه إلّا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه» ) * «5» . 5- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبصر نخامة «6» في قبلة المسجد فحكّها بحصاة، ثمّ نهى أن يبزق الرّجل بين يديه أو عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه اليسرى) * «7» . 6- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الرّؤيا من الله، والحلم من الشّيطان، فإذا حلم أحدكم حلما يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثا، وليتعوّذ بالله من شرّها؛ فإنّها لن تضرّه» ) * «8» . 7- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: إنّه رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رفع يديه حين دخل في الصّلاة. كبّر حيال أذنيه، ثمّ التحف بثوبه، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثّوب، ثمّ رفعهما، ثمّ كبّر فركع. فلمّا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، فلمّا سجد سجد بين كفّيه) * «9» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) البخاري- الفتح 10 (5856) . واللفظ له. ومسلم (2097) . (2) مسلم (2020) . (3) تله: ألقاه في يده، والمعنى أنه أعطى الغلام أولا لكونه على يمينه. (4) البخاري- الفتح 5 (2451) . ومسلم (2030) واللفظ له. (5) مسلم (2021) . (6) نخامة: هي البلغم الذي يتفله الإنسان. (7) البخاري- الفتح 1 (414) واللفظ له. ومسلم (548) . (8) البخاري- الفتح 12 (6986) . مسلم (2261) واللفظ له. (9) مسلم (401) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4178 أنّه قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أيّها النّاس، إنّكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا. ثمّ قال: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (الأنبياء/ 104) إلى آخر الآية. ثمّ قال: «ألا وإنّ أوّل الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم. ألا وإنّه يجاء برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشّمال، فأقول: يا ربّ، أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصّالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلمّا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم. فيقال إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم» ) * «1» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عادل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «2» . 10- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فرج سقف بيتي وأنا بمكّة، فنزل جبريل صلّى الله عليه وسلّم ففرج صدري، ثمّ غسله من ماء زمزم، ثمّ جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا، فأفرغها في صدري، ثمّ أطبقه، ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء. فلمّا جئنا السّماء الدّنيا قال جبريل عليه السّلام لخازن السّماء الدّنيا: افتح. قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: هل معك أحد؟ قال: نعم. معي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قال: فأرسل إليه؟ قال: نعم. ففتح، قال: فلمّا علونا السّماء الدّنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة «3» . وعن يساره أسودة. قال: فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. قال: فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قال: قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آدم صلّى الله عليه وسلّم. وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه «4» : فأهل اليمين أهل الجنّة، والأسودة الّتي عن شماله أهل النّار فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. قال: ثمّ عرج بي جبريل حتّى أتى السّماء الثّانية فقال لخازنها: افتح. قال: فقال له خازنها مثل ما قال خازن السّماء الدّنيا؛ ففتح. فقال أنس بن مالك: فذكر أنّه وجد في السّماوات آدم وادريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين- ولم يثبت كيف منازلهم. غير أنّه ذكر أنّه قد وجد آدم عليه السّلام في السّماء الدّنيا، وإبراهيم في السّماء السّادسة قال: فلمّا مرّ جبريل ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإدريس صلوات الله عليه   (1) البخاري- الفتح 8 (4625) واللفظ له. ومسلم (2860) . (2) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) . (3) أسودة: جمع سواد. كقذال وأقذلة، وسنام وأسنمة، وزمان وأزمنة. وتجمع الأسودة على أساود. وقال أهل اللغة: السواد الشخص. وقيل: السواد الجماعات. (4) نسم بنيه: الواحدة نسمة. قال الخطابي وغيره: هي نفس الإنسان. والمراد أرواح بني آدم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4179 قال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قال: ثمّ مرّ فقلت: من هذا؟ فقال: هذا إدريس. قال: ثمّ مررت بموسى عليه السّلام فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قال: قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى. قال: ثمّ مررت بعيسى. فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى ابن مريم. قال: ثمّ مررت بإبراهيم عليه السّلام فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح قال: قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم ثمّ عرج بي حتّى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام «1» ففرض الله على أمّتي خمسين صلاة. قال: فرجعت بذلك حتّى أمرّ بموسى، فقال موسى عليه السّلام: ماذا فرض ربّك على أمّتك؟ قال: قلت: فرض عليهم خمسين صلاة. قال لي موسى عليه السّلام: فراجع ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. قال: فراجعت ربّي فوضع شطرها. قال: فرجعت إلى موسى عليه السّلام فأخبرته، قال: راجع ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. قال: فراجعت ربّي. فقال: هي خمس وهي خمسون. لا يبدّل القول لديّ. قال: فرجعت إلى موسى. فقال: راجع ربّك. فقلت: قد استحييت من ربّي. قال: ثمّ انطلق بي جبريل حتّى نأتي سدرة المنتهى. فغشيها ألوان لا أدري ما هي. قال: ثمّ أدخلت الجنّة فإذا فيها جنابذ «2» اللّؤلؤ، وإذا ترابها المسك» ) * «3» . 11- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة وأنا ابن عشر. ومات وأنا ابن عشرين، وكنّ أمّهاتي يحثثنني على خدمته فدخل علينا دارنا فحلبنا له من شاة داجن «4» وشيب «5» . له من بئر في الدّار. فشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له عمر- وأبو بكر عن شماله-: يا رسول الله أعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيّا عن يمينه وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الأيمن فالأيمن» ) * «6» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصبّ عليها من الماء فغسلها، ثمّ صبّ الماء على الأذى الّذي به بيمينه، وغسل عنه بشماله. حتّى إذا فرغ من ذلك صبّ على رأسه» ) * «7» . 13- * (عن ميمونة- رضي الله عنها- أنّها قالت: وضعت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ماء للغسل فغسل يديه مرّتين- أو ثلاثا- ثمّ أفرغ على شماله فغسل مذاكيره» ، ثمّ مسح يده بالأرض ثمّ مضمض   (1) صريف الأقلام: تصويتها حال الكتابة. قال الخطابي: هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ. (2) جنابذ: هي القباب. واحدتها جنبذة بضم الجيم وسكون النون وفتح الباء. (3) البخاري- الفتح 1 (349) . ومسلم (163) واللفظ له (4) داجن: هي التي تعلف في البيوت. (5) شيب له: وضع عليه ماء أو خلط بماء. (6) البخاري- الفتح 5 (2571) مسلم (2029) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 1 (258) مسلم (321) واللفظ له. (8) مذاكيره: أي القبل وما حوله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4180 واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثمّ أفاض على جسده، ثمّ تحوّل من مكانه فغسل قدميه) * «1» . 14- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: لا يجعلنّ أحدكم للشّيطان من نفسه جزءا لا يرى إلّا أنّ حقّا عليه أن لا ينصرف إلّا عن يمينه. أكثر ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينصرف عن شماله) * «2» . 15- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيات، ثمّ يكبّر على إثر كلّ حصاة، ثمّ يتقدّم فيسهل، فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، يدعو ويرفع يديه، ثمّ يرمي الجمرة الوسطى كذلك، فيأخذ ذات الشّمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، فيدعو ويرفع يديه، ثمّ يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التشامل) معنى 16- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «إنّه بات ليلة عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وهي خالته- فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى انتصف اللّيل- أو قبله بقليل أو بعده بقليل- استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلس يمسح النّوم عن وجهه بيده، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنّ «4» . معلّقة فتوضّأ منها فأحسن وضوءه، ثمّ قام يصلّي. فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه. فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلّى ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ أوتر ثمّ اضطجع حتّى أتاه المؤذّن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح) * «5» 17- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يمسكنّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسّح من الخلاء بيمينه. ولا يتنفّس في الإناء» ) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 1 (257) . (2) البخاري- الفتح 2 (852) . مسلم (707) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 3 (1752) . (4) الشن: وعاء كالقربة فيه ماء. (5) البخاري- الفتح 1 (183) واللفظ له. مسلم (763) . (6) البخاري- الفتح 1 (153) . مسلم (267) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4181 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (التشامل) 1- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «من السّنّة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى» ) * «1» . 2- * (قال ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى-: «من بدأ بالانتعال في اليسرى أساء لمخالفة السّنّة، ولكن لا يحرم عليه لبس نعله» ) * «2» . 3- * (قال الحليميّ- رحمه الله تعالى-: «وجه الابتداء بالشّمال عند الخلع أنّ اللّبس كرامة لأنّه وقاية للبدن، فلمّا كانت اليمنى أكرم من اليسرى بدىء بها في الملبس وأخّرت في الخلع لتكون الكرامة لها أدوم وحظّها منها أكثر» ) * «3» . 4- * (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: «يستحبّ البداءة باليمين في كلّ ما كان من باب التّكريم أو الزّينة، والبداءة باليسار في ضدّ ذلك كالدّخول إلى الخلاء ونزع الخفّ والخروج من المسجد والاستنجاء وغيره من جميع المستقذرات» ) * «4» . 5- * (قال بعض الشّعراء: ولربّما اعتضد الحليم بجاهل ... لا خير في اليمنى بغير يسار) * «5» . من مضار (التشامل) (1) مخالفة سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (2) أنّ أهل الشّمال في الآخرة هم أهل النّار. (3) أنّه يحرم التّوفيق في أموره. (4) أنّ البدء بالشّمال يكون في الأمور الدّنيّة والأحوال غير الكريمة. (5) فيه تشبّه بالشّيطان الرّجيم والكفّار أصحاب الجحيم. (6) تنزع البركة ممّن يأكل بشماله ويشرب بشماله.   (1) فتح الباري (1/ 623) وعزاه للحاكم. (2) الفتح (10/ 312) . (3) الفتح (10/ 312) . (4) الفتح (10/ 324) . (5) الآداب الشرعية (2/ 218) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4182 التطفيف التطفيف لغة: مصدر قولهم: طفّف الكيل يطفّفه، وهو مأخوذ من مادّة (ط ف ف) الّتي تدور حول معنى القلّة، يقول ابن فارس: الطّاء والفاء (المضعّفة) يدلّ على قلّة الشّيء، ومن ذلك قولهم: هذا شيء طفيف (قليل) ، والتّطفيف: نقص الكيل والميزان، وقد سمّي بذلك لأنّ الّذي ينقصه منه يكون طفيفا، ويقال لما فوق الإناء الطّفاف والطّفافة، وطفّ المكّوك (المكيال) والإناء وكذلك طففه وطفافه (بفتح الطاء وكسرها) ما ملأ أصباره، يقال: هذا طفّ المكيال وطفافه: إذا قارب ملأه، وفي الحديث «كلّكم بنو آدم طفّ الصّاع، ليس لأحد على أحد فضل إلّا بالتّقوى» . قال ابن الأثير: المعنى: كلّكم في الانتساب إلى أب واحد بمنزلة واحدة في النّقص والتّقاصر عن غاية التّمام، شبّههم في نقصانهم بالمكيل الّذي لم يبلغ أن يملأ المكيال، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- «قال لرجل: ما حبسك عن صلاة العصر؟ فذكر له عذرا، فقال عمر: طفّفت: أي أنقصت» والتّطفيف يكون بمعنى الوفاء والنّقص، يقال: طفّفت بفلان موضع كذا: أي رفعته إليه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 5/ 16 وحاذيته به، ومن ذلك: حديث عمر- رضي الله عنه-: «سبقت النّاس وطفّف بي الفرس مسجد بني زريق» أي وثب بي حتّى كاد يساوي المسجد، والطّفافة بالضّمّ، والطّففة، ما فوق المكيال، وقيل: الطّفافة بالضّمّ، والطّففة، ما فوق المكيال، وقيل: الطّفافة ما قصر عن ملء الإناء من شراب وغيره، وإناء طفّان: بلغ الكيل طفافه أي قرب أن يمتلىء ويساوي أعلاه، تقول منه: أطففته، وطفّ الشّيء منه: إذا دنا، ومنه سمّي الطّفّ (الجانب) والمطفّف مأخوذ من الطّفيف وهو القليل وسمّي بذلك لأنّه لا يكاد يسرق إلّا الشّيء الطّفيف الخفيف، وإنّما أخذ من طفّ الشّيء وهو جانبه، وفي التّنزيل العزيز: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (المطففين/ 1) قال القرطبيّ: التّطفيف: تقليل الحقّ بنقصانه في كيل أو وزن، وقيل: نقص المكيال، وهو ألّا تملأه إلى أصباره (أي جوانبه) ، وقال الطّبريّ: هو نقصان النّاس وبخسهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم أو في موازينهم إذا وزنوا لهم عن الواجب لهم من الوفاء «1» ، وقال ابن منظور: طفّ الشّيء يطفّ طفّا دنا وتهيّأ وهو أن يؤخذ أعلاه ولا يتمّ كيله فهو طفّان، ويقال: هذا طفّ المكيال وطفافه وطفافه إذا قارب   (1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (20/ 383) ، وتفسير الطبري (19/ 165) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4183 ملأه ولمّا يملأ، ولهذا قيل للّذي يسيء الكيل ولا يوفيه مطفّف، يعني أنّه إنّما يبلغ به الطّفاف «1» . التطفيف اصطلاحا: قال الرّاغب: طفّف الكيل: قلّل نصيب المكيل له في إيفائه، واستيفائه ومن ثمّ يكون التّطفيف: تقليل نصيب المكيل له في الإيفاء والاستيفاء «2» . وقال المناويّ: التّطفيف: التّقليل، ومنه تطفيف الميزان والمكيال، ولا يستعمل إلّا في الإيجاب، فلا يقال: ما طفّف «3» . ويستنبط ممّا جاء به القرآن الكريم أنّ التّطفيف: هو الاستيفاء من النّاس عند الكيل أو الوزن، والإنقاص والإخسار عند الكيل أو الوزن لهم. ويلحق بالوزن والكيل ما أشبههما من المقاييس والمعايير الّتي يتعامل بها النّاس «4» . الفرق بين البخس والتطفيف: يتمثّل الفرق بينهما في أنّ البخس نقص الشّيء على الظّلم قليلا أو كثيرا، أمّا التّطفيف فهو النّقص القليل أو النّزر الّذي لا يعتدّ به، وأيضا فإنّ التّطفيف يكون بالاستيفاء إذا كان المطفّف آخذا وبالنّقصان إذا كان معطيا، أمّا البخس فلا يكون إلّا نقصانا، يقول الكفويّ: كلّ ما في القرآن من بخس فهو النّقص إلّا في قوله تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ (يوسف/ 20) فمعناه حرام «5» . حكم التطفيف: عدّ ابن حجر التّطفيف من الكبائر وجعله شاملا لبخس نحو الكيل أو الوزن أو الذّرع، وذلك لأنّه من أكل أموال النّاس بالباطل؛ ولهذا اشتدّ الوعيد عليه كما علمته من الآية والأحاديث، وأيضا فإنّما سمّي مطفّفا لأنّه لا يكاد يأخذ إلّا الشّيء الطّفيف وذلك ضرب من السّرقة والخيانة مع ما فيه من الإنباء عن عدم الأنفة والمروءة بالكلّيّة، ومن ثمّ عوقب بالويل الّذي هو شدّة العذاب، أو الوادي في جهنّم لو سيّرت فيه جبال الدّنيا لذابت من شدّة حرّه، نعوذ بالله منه، وأيضا فقد شدّد الله تعالى عقوبة قوم شعيب- على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام- على بخسهم المكيال والميزان «6» . [للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- الخيانة- السرقة- الطمع- الظلم- الربا- الخداع- التناجش- الغش- الغلول. وفي ضد ذلك: انظر صفات: القسط- الأمانة- الإنصاف- العدل والمساواة- حسن المعاملة- الصلاح- العفة] .   (1) راجع المادة اللغوية في: مقاييس اللغة (3/ 405) ، المفردات (314) النهاية (30/ 129) الصحاح (4/ 1395) تاج العروس (22/ 355) ولسان العرب (9/ 222) ط. بيروت. (2) المفردات للراغب (314) ، ومعنى هذه العبارة أنّ المطفف يقلل نصيب من يتعامل معه فإن كان مشتريا منه زاد، وإن كان بائعا له أنقص. (3) التوقيف (99- 100) . (4) انظر المفردات للراغب (38) (بخس) ، 314 (طفف) . (5) الكليات للكفوي (1/ 387) . (6) انظر الزواجر لابن حجر (334) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4184 الآيات الواردة في «التطفيف» 1- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6) «1» الآيات الواردة في «التطفيف» معنى 2- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) «2» 3- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) «3» 4- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) «4» 5- الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9) «5»   (1) المطففين: 1- 6 مكية (2) الأعراف: 85 مكية (3) هود: 84- 85 مكية (4) الشعراء: 176- 181 مكية (5) الرحمن: 1- 9 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4185 الأحاديث الواردة في ذمّ (التطفيف) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس بخمس، قيل: يا رسول الله وما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد إلّا سلّط الله عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلّا فشا فيهم الموت، ولا منعوا الزّكاة إلّا حبس عنهم القطر، ولا طفّفوا المكيال إلّا حبس عنهم النّبات، وأخذوا «1» بالسّنين» ) * «2» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة كانوا من أخبث «3» النّاس كيلا، فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَيْلٌ «4» لِلْمُطَفِّفِينَ فأحسنوا الكيل بعد ذلك» ) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التطفيف) معنى 3- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا وزنتم فأرجحوا» ) * «6» . 4- * (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحاب الكيل والوزن: «إنّكم قد ولّيتم أمرا فيه هلكت الأمم السّالفة قبلكم» ) * «7» . 5- * (عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهنّ- وأعوذ بالله أن تدركوهنّ-: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ، حتّى يعلنوا بها، إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلّا منعوا القطر من السّماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما   (1) وأخذوا بالسنين: أي أقحطوا وأجدبوا. (2) الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 65) واللفظ له، وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان المروزي لينه الحاكم وبقية رجاله موثقون وفيهم كلام. وله شواهد عند ابن ماجة رقم (4019) من حديث ابن عمر، وذكره الألباني في صحيح الجامع (6/ 616) برقم (3240) . (3) أخبث: أنقص. وفي لفظ المستدرك (أبخس) . (4) (ويل) واد في جهنم لأولئك الذين ينقصون الكيل أو الوزن، والتطفيف: البخس، وطفيف أي حقير. (5) الحاكم في المستدرك (2/ 33) وصححه ووافقه الذهبي. والمنذري في الترغيب (2/ 567) واللفظ له وقال: رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه والبيهقي. (6) ابن ماجة رقم (2222) في الزوائد: إسناده صحيح، على شرط البخاري. (7) المنذري في الترغيب (2/ 568) واللفظ له وقال: رواه الترمذي (1217) والحاكم (2/ 31) كلاهما من طريق حسين بن قيس عن عكرمة عنه، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الترمذي: روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4186 في أيديهم وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التطفيف) 1- * (وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «القتل في سبيل الله يكفّر الذّنوب كلّها إلّا الأمانة» . ثمّ قال: «يؤتى بالعبد يوم القيامة، وإن قتل في سبيل الله، فيقال: أدّ أمانتك فيقول: أي ربّ كيف وقد ذهبت الدّنيا. قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية فينطلق به إلى الهاوية، وتمثّل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتّى يدركها فيحملها على منكبيه حتّى إذا نظر ظنّ أنّه خارج زلّت عن منكبيه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين» ثمّ قال: «الصّلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة وأشياء عدّها، وأشدّ ذلك الودائع قال- يعني زاذان» - فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا قال كذا. قال: صدق. أما سمعت الله يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (النساء/ 58) » ) * «3» . 2- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «ما ظهر الغلول في قوم إلّا ألقى الله في قلوبهم الرّعب، ولا فشا الزّنا في قوم قطّ إلّا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلّا قطع الله عنهم الرّزق، ولا حكم قوم بغير حقّ إلّا فشا فيهم الدّم، ولا ختر قوم بالعهد «4» إلّا سلّط الله عليهم العدوّ» ) * «5» . 3- * (وقال رجل لعبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: يا أبا عبد الرّحمن إنّ أهل المدينة ليوفون الكيل. قال: وما يمنعهم أن يوفوا الكيل وقد قال الله تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ- حتّى بلغ- يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) * «6» . 4- * (قال هلال بن طلق: بينما أنا أسير مع ابن عمر، فقلت: من أحسن النّاس هيئة وأوفاهم كيلا أهل مكّة وأهل المدينة قال: حقّ لهم. أما سمعت الله تعالى يقول: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (المطففين/ 1) * «7» . 5- * (قال أبيّ- رضي الله عنه-: لا تلتمس الحوائج ممّن رزقه الله رؤوس المكاييل وألسن   (1) ابن ماجة رقم (4019) واللفظ له والبزار والبيهقي والمنذري في الترغيب (2/ 570) ورواه مالك موقوفا على ابن عباس ورفعه الطبراني وغيره إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم والحاكم (4/ 540) وصححه ووافقه الذهبي. في الزوائد: هذا الحديث صالح للعمل. وقد اختلفوا في ابن أبي مالك وأبيه. (2) زاذان: هو زاذان أبو عمر الكندي من رواة الحديث. (3) المنذري في الترغيب (2/ 570- 571) وقال: رواه البيهقي موقوفا ورواه بمعناه هو وغيره مرفوعا والموقوف أشبه. (4) ختر بالعهد: غدر به. (5) الترغيب والترهيب (2/ 569، 570) . (6) تفسير ابن كثير (4/ 484) . (7) المرجع السابق نفسه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4187 الموازين) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قدم المدينة في رهط من قومه- والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة على المدينة- قال: فانتهيت إليه وهو يقرأ في صلاة الصّبح في الرّكعة الأولى بكهيعص (مريم/ 1) ، وفي الثّانية وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (المطففين/ 1) ، قال: فقلت لنفسي: ويل لفلان إذا اكتال اكتال بالوافي، وإذا كال كال بالنّاقص قال: فلمّا صلّى زوّدنا شيئا حتّى أتينا خيبر، وقد افتتح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيبر قال: فكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين فأشركونا في سهامهم) * «2» . 7- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ (الأنعام/ 152) يأمر الله تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعّد على تركه في قوله تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ «3» . 8- * (وقال ابن كثير: كان ابن عبّاس يقول: يا معشر الموالي إنّكم ولّيتم أمرين بهما هلك النّاس قبلكم هذا المكيال وهذا الميزان) *. 9- * (وقال أيضا- رحمه الله-: في تفسير قوله تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ المراد بالتّطفيف ههنا البخس في المكيال والميزان إمّا بالازدياد إن اقتضى من النّاس وإمّا بالنّقصان إن قضاهم) * «4» . 10- * (وقال أيضا: أهلك الله قوم شعيب ودمّرهم على ما كانوا يبخسون النّاس في الميزان والمكيال) * «5» . 11- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (الرحمن/ 9) أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحقّ والقسط كما قال تعالى وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ* (الإسراء/ 35، الشعراء/ 182)) * «6» . 12- وقال أيضا في تفسير قوله تعالى وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ (الإسراء/ 35) أي من غير تطفيف، ولا تبخسوا النّاس أشياءهم) * «7» . 13- * (وقال الإمام أبو جعفر الطّبريّ في تفسير قوله تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ... : الوادي الّذي يسيل من صديد أهل جهنّم في أسفلها للّذين يطفّفون يعني للّذين ينقصون النّاس، ويبخسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوا لهم، أو موازينهم إذا وزنوا لهم عن الواجب لهم من الوفاء) * «8» . 14- * (قال الإمام النّيسابوريّ- رحمه الله تعالى-: صدّر الله سبحانه وتعالى سورة المطفّفين   (1) تفسير غرائب القرآن (مج 12، ج 30، ص 45) . (2) أحمد (2/ 345) وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 229) : إسناده صحيح. (3) تفسير ابن كثير (2/ 190) . (4) المرجع السابق (2/ 197) . (5) المرجع السابق (4/ 484) . (6) المرجع السابق نفسه. (7) تفسير القرآن العظيم (4/ 271) . (8) المرجع السابق (3/ 40) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4188 بالنّعي على قوم آثروا الحياة الزّائلة على الحياة الباقية، وتهالكوا في الحرص على استيفاء أسبابها حتّى اتّسموا بأخسّ السّمات وهي التّطفيف) * «1» . 15- * (قال الإمام النّيسابوريّ- رحمه الله-: اعلم أنّ أمر المكيال والميزان عظيم؛ لأنّ مدار معاملات الخلق عليهما ولهذا جرى على قوم شعيب بسببه ما جرى) * «2» . 16- * (قال وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى: ترك المكافاة من التّطفيف) * «3» . من مضار (التطفيف) (1) سبب لسخط الجبّار وولوج النّار. (2) يعاقب الله عليه في الدّنيا بالقحط والجدب وجور السّلطان. (3) دليل على شحّ النّفس وتعلّق القلب بالكسب الخبيث. (4) الأمّة الّتي يفشو فيها هذا الدّاء آيلة إلى الذّلّ والهوان. (5) الكيل والوزن أمانة فمن طفّف فقد خان. (6) يعدّ صاحبها- بين النّاس- غير أمين، ويكون محتقرا في المجتمع. (7) يتسبّب في إفساد العلاقات بين أفراد المجتمع. (8) يكون المطفّف قدوة سيّئة لمن يتبعه في هذا الأمر ولذلك فهو يتحمّل وزرهم معهم.   (1) جامع البيان في تفسير القرآن (12/ 482) . (2) تفسير غرائب القرآن (مج 12، ج 30، ص 44) . (3) الآداب الشرعية (1/ 314) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4189 التطير التطير لغة: مصدر قولهم: تطيّر من الشّيء، وهو مأخوذ من مادّة (ط ي ر) ، الّتي يقول عنها ابن فارس: «الطّاء والياء والرّاء أصل واحد يدلّ على خفّة الشّيء في الهواء، ثمّ يستعار ذلك في غيره وفي كلّ سرعة، من ذلك الطّير جمع طائر، سمّي بذلك لما قلناه ... ثمّ يقال لكلّ من خفّ قد طار ... فأمّا قولهم تطيّر من الشّيء فاشتقاقه من الطّير كالغراب وما أشبهه «1» . وقد بيّن الرّاغب العلاقة بين الطّير والتّطيّر فقال: «وتطيّر فلان، واطّيّر: أصله التّفاؤل بالطّير، ثمّ يستعمل في كلّ ما يتفاءل به ويتشاءم» «2» . ويقول الفيّوميّ: «وتطيّر من الشّيء واطّيّر منه، والاسم الطّيرة وزان عنبة، وهي التّشاؤم وكانت العرب إذا أرادت المضيّ لمهمّ مرّت بمجاثم الطّير وأثارتها لتستفيد، هل تمضي أو ترجع، فنهى الشّارع عن ذلك» «3» . والطّيرة:- بكسر ففتح- ما يتشاءم به من الفأل الرّديء، وفي الحديث «أنّه كان يحبّ الفأل، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 10/ 11 ويكره الطّيرة» وفي آخر «ثلاثة لا يسلم منها أحد: الطّيرة، والحسد، والظّنّ. قيل: فما نصنع؟ قال: إذا تطيّرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تصحّح» . ويقول ابن الأثير: وأصله- فيما يقال- التّطيّر بالسّوانح والبوارح من الظّباء والطّير وغيرهما، وكان ذلك يصدّهم عن مقاصدهم فنفاه الشّرع، وأبطله ونهى عنه «4» . والطّائر: ما تيمّنت به أو تشاءمت، وأصله في ذي الجناح، وقالوا للشّيء يتطيّر به: طائر الله لا طائرك، قال ابن الأنباريّ: معناه فعل الله وحكمه لا فعلك وما تتخوّفه «5» . وقول الله تعالى في قصّة ثمود وتشاؤمهم بنبيّهم صالح عليه السّلام قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ (النمل/ 47) اطّيّرنا تشاءمنا، وقوله: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ (يس/ 19) أي شؤمكم معكم، وهو كفرهم، وقيل للشّؤم طائر وطير وطيرة؛ لأنّ العرب كان من شأنها عيافة الطّير وزجرها، والتّطيّر ببارحها وبنعيق غربانها، وأخذها ذات اليسار   (1) المقاييس (3/ 446) . (2) المفردات (322) . (3) المصباح (3/ 382) . (4) النهاية (3/ 152) . (5) التاج (7/ 154، 155) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4190 إذا أثاروها، وأعلم الله جلّ ثناؤه على لسان رسوله أنّ طيرتهم باطلة، وقال: «لا طيرة ولا هامة» ، قال الأزهريّ: كانت العرب مذهبها في الفأل والطّيرة واحد فأثبت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الفأل واستحسنه، وأبطل الطّيرة ونهى عنها «1» ، أمّا قوله- عزّ وجلّ- في قصّة موسى عليه السّلام: يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ (الأعراف/ 131) أي يتشاءموا به ويقولون: ما أصابنا ذلك إلّا بشؤمهم، وقيل: يقولون: ذهبت حظوظنا وأنصباؤنا من الرّخاء والخصب والعافية منذ جاءنا موسى عليه السّلام «2» . وقال ابن منظور: التّطيّر: التّشاؤم، والطّائر: ما تشاءمت به، والطّائر: الحظّ وهو الّذي تسمّيه العرب البخت، والطّيرة: ما يتشاءم به من الفأل الرّديء «3» . التطير اصطلاحا: التطيّر هو التّشاؤم بما يرى من مجيء الطّير والظّباء ونحو ذلك ناحية الشّمال أو بما يسمع من صوت طائر، كائنا ما كان وعلى أيّ حال كان. هذا هو التّطيّر عند العرب. أمّا تطيّر الأعاجم وتشاؤمهم فهو عند ما يرون صبيّا يذهب به إلى المعلّم بالغداة، أو برؤية السّقّاء على ظهره قربة مملوءة مشدودة، أو بالحمّال المثقل بالحمل، والدّابّة الموقرة (أي الّتي عليها حمل شديد) «4» . أصل التطير: قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: إنّهم كانوا في الجاهليّة يعتمدون على الطّير فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطّير طار يمنة تيمّن به واستمرّ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربّما كان أحدهم يهيّج الطّير ليطير فيعتمدها، فجاء الشّرع بالنّهي عن ذلك، وكانوا يسمّونه السّانح ويتيمّنون به إذا ولّاك ميامنه بأن يمرّ عن يسارك إلى يمينك، والبارح بالعكس من ذلك وليس في شيء من سنوح الطّير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنّما هو تكلّف بتعاطي مالا أصل له، إذ لا نطق للطّير ولا تمييز فيستدلّ بفعله على مضمون معنى فيه، وطلب العلم من غير مكانه جهل من فاعله «5» . التطير شقاء في الدنيا وعذاب في الآخرة: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: التّطيّر إنّما يضرّ من أشفق منه وخاف، وأمّا من لم يبال به ولم يعبأ به شيئا لم يضرّه ألبتّة، ولا سيّما إن قال عند رؤية ما يتطيّر به أو سماعه: اللهمّ لا طير إلّا طيرك، ولا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، اللهمّ لا يأتي بالحسنات إلّا أنت، ولا يذهب بالسّيّئات إلّا أنت، ولا حول ولا قوّة إلّا بك. وذلك لأنّ الطّيرة باب من أبواب الشّرك وإلقاء الشّيطان وتخويفه ووسوسته وهذا يعظم شأنه   (1) تهذيب الأزهري (15/ 12) . (2) تفسير القرطبي، وروح المعاني للألوسي (9/ 32) ، وتفسير الطبري (7/ 169) . (3) لسان العرب (5/ 2735، 2738) . (4) تفسير القرطبي (7/ 169) . (5) الفتح (10/ 212- 213) بتصرف يسير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4191 على من أتبعها نفسه واشتغل بها وأكثر العناية بها فتكون إليه أسرع من السّيل إلى منحدره، وتفتّحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويعطاه فيفتح له الشّيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللّفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه وينكّد عليه عيشه فإذا سمع كلمة سفرجل، أو أهدي إليه تطيّر به، وقال: سفر وجلاء، وإذا رأى ياسمينا أو أهدي إليه أو سمع اسمه تطيّر به وقال: يأس ومين، وإذا خرج من داره فاستقبله أعور أو أشلّ أو أعمى أو صاحب آفة تطيّر به وتشاءم بيومه، وعلى هذا فإنّ المتطيّر متعب القلب، منكّد الصّدر، كاسف البال سيّء الخلق يتخوّف من كلّ ما يراه ويسمعه فيصير أشدّ النّاس وجلا وأنكدهم عيشا، وأضيقهم صدرا، وأحزنهم قلبا، وكم قد حرم نفسه بذلك من حظّ ومنعها من رزق وقطع عليها من فائدة. وأمّا من لم يلتفت إليها ولم يلق إليها باله، ولم يشغل نفسه بها ولا فكره، فإنّ ذلك يذهب عنه ويضمحلّ. وقد شفى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّته في الطّيرة حيث سئل عنها فقال: «ذلك شيء يجده أحدكم فلا يصدّنّه» «1» . حكم التطير: عدّ ابن حجر ترك السّفر بسبب التّطيّر من الكبائر. وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الطّيرة شرك الطّيرة شرك، وما منّا إلّا، ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل» . رواه التّرمذيّ وابن ماجة في صحيحه من غير تكرار وقال التّرمذيّ: حديث حسن صحيح. وقال الحافظ أبو القاسم الأصفهانيّ وغيره: في الحديث إضمار والتّقدير: ما منّا إلّا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك يعني قلوب أمّته، ولكنّ الله تعالى يذهب ذلك عن قلب كلّ من يتوكّل على الله ولا يثبت على ذلك. انتهى. واعترضه الحافظ المنذريّ بأنّ الصّواب ما ذكره البخاريّ وغيره أنّ قوله وما منّا ... إلخ من كلام ابن مسعود مدرج غير مرفوع «2» ونقل البخاريّ عن سليمان بن حرب أنّه كان ينكر رفع ذلك ويقول: كأنّه من قول ابن مسعود وروى أبو داود والنّسائيّ وابن حبّان في صحيحه «العيافة أي الحظّ والطّيرة والطّرق أي الزّجر، من الخبث» «3» ، وروى الطّبرانيّ بسند صحيح والبيهقيّ «لن ينال الدّرجات العلا من تكهّن، أو استقسم، أو رجع من سفر تطيّرا» ، وقال: هذا هو ظاهر الحديث الأوّل والثّاني، وينبغي حمله على ما إذا كان معتقدا حدوث تأثير للتّطيّر «4» . التطير وكفارته: قال الماورديّ: اعلم أنّه ليس شيء أضرّ بالرّأي، ولا أفسد للتّدبير من اعتقاد الطّيرة، ومن ظنّ   (1) انتهى بتصرف من مفتاح دار السعادة (2/ 230- 234) وقوله «فلا يصدنّه» أي يصرفنّه عن حاجته. (2) أي ليس من قوله صلّى الله عليه وسلّم، وإنما من كلام ابن مسعود. (3) هكذا في الزواجر والذي أورده أبو داود وغيره «الجبت» (وهو كل ما عبد من دون الله) . انظر الحديث رقم (6) . (4) انظر الزواجر لابن حجر (197) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4192 أنّ خوار بقرة أو نعيب غراب يردّ قضاء، أو يدفع مقدورا فقد جهل «1» ، وقد أجمل القرطبيّ حكم التّطيّر وكفّارته إن وقع فنقل عن عكرمة قوله: «كنت عند ابن عبّاس- رضي الله عنهما- فمرّ طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير، خير. فقال ابن عبّاس: ما عند هذا لا خير ولا شرّ. قال علماؤنا: وأمّا أقوال الطّير فلا تعلّق لها بما يجعل دلالة عليه، ولا لها علم بكائن فضلا عن مستقبل تتخبّر به، ولا في النّاس من يعلم منطق الطّير؛ إلّا ما كان الله تعالى خصّ به سليمان صلّى الله عليه وسلّم من ذلك، فالتحق التّطيّر بجملة الباطل. والله أعلم. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من علم أو تكهّن أو ردّه عن سفره تطيّر» . وروى أبو داود عن عبد الله بن مسعود عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الطّيرة شرك- ثلاثا- وما منّا إلّا، ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل» وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من رجّعته الطّيرة عن حاجته فقد أشرك» قيل: وما كفّارة ذلك يا رسول الله؟ قال: «أن يقول أحدهم: اللهمّ لا طير إلّا طيرك، ولا خير إلّا خيرك. ولا إله غيرك، ثمّ يمضي لحاجته» . وفي خبر آخر: «إذا وجد ذلك أحدكم فليقل: اللهمّ لا يأتي بالحسنات إلّا أنت. ولا يذهب بالسّيّئات إلّا أنت، لا حول ولا قوّة إلّا بك» . ثمّ يذهب متوكّلا على الله؛ فإنّ الله يكفيه ما وجد في نفسه من ذلك، وكفاه الله تعالى ما يهمّه» . علاج التطير: ينبغي لمن مني بالتّطيّر أن يصرف عن نفسه دواعي الخيبة وذرائع الحرمان، ولا يجعل للشّيطان سلطانا في نقض عزائمه، ومعارضة خالقه، ويعلم أنّ قضاء- الله تعالى- عليه غالب، وأنّ رزقه له طالب، إلّا أنّ الحركة سبب، فلا يثنيه عنها مالا يضير مخلوقا ولا يدفع مقدورا، وليمض في عزائمه واثقا بالله تعالى إن أعطى، وراضيا به وإن منع «3» . [للاستزادة: انظر صفات: سوء الظن- الضعف- الوهن- الوهم- الشك- القلق- الوسوسة- العجلة- الجزع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التفاؤل- التوكل- حسن الظن- العزم والعزيمة- قوة الإرادة الطمأنينة- الرضا- اليقين] .   (1) أدب الدنيا والدين للماوردى (303) . (2) تفسير القرطبي (7/ 170) . (3) أدب الدنيا والدين (302) للماوردي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4193 الآيات الواردة في «التّطيّر» 1- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) «1» 2- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) «2» 3- وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) «3»   (1) الأعراف: 130- 132 مكية (2) النمل: 45- 47 مكية (3) يس: 13- 19 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4194 الأحاديث الواردة في ذمّ (التطير) 1- * (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها: فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها، رؤي كراهية ذلك في وجهه» ) * «1» . 2- * (عن معاوية بن الحكم السّلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ عطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم «2» ، فقلت: واثكل أمّياه «3» ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلمّا رأيتهم يصمّتونني «4» لكنّي سكتّ. فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبأبي هو وأمّي، ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فو الله ما كهرني «5» ، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس» «إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله إنّي حديث عهد بجاهليّة، وقد جاء الله بالإسلام وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال: «فلا تأتهم» . قال: ومنّا رجال يتطيّرون. قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنّهم» قال ابن الصّبّاح: فلا تصدّنّكم قال: قلت: ومنّا رجال يخطّون «6» . قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ. فمن وافق خطّه فذاك» قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانيّة «7» فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون «8» . لكنّي صككتها صكّة «9» . فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها. قال: ائتني بها فأتيته بها فقال لها: «أين الله؟» قالت في السّماء. قال: «من أنا» ؟ قالت: أنت رسول الله. قال: «أعتقها فإنّها مؤمنة» ) * «10» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عرضت عليّ الأمم فرأيت النّبيّ ومعه الرّهيط «11» ، والنّبيّ ومعه الرّجل   (1) أبو داود (3920) واللفظ له، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول وقال محققه: إسناده صحيح (7/ 629) ، وأحمد في المسند (5/ 347) . (2) فرماني القوم بأبصارهم: أي زجروني بأبصارهم من غير كلام. (3) وا ثكل أمّياه: أي وافقد أمّي إيّاي فإنّي هلكت. وهذا كناية عن الحزن. (4) يصمّتونني: أي يسكّتونني. (5) ماكهرني: أي ما نهرني ولا زجرني. (6) يخطون: إشارة إلى علم الرمل. (7) الجوّانيّة: موضع بشمال المدينة قرب أحد. (8) آسف كما يأسفون: أي أغضب كما يغضبون. (9) صككتها صكة: أي ضربتها بيدي مبسوطة. (10) مسلم (537) . (11) الرّهيط: تصغير رهط وهم الجماعة دون العشرة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4195 والرّجلان، والنّبيّ ليس معه أحد. إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنّهم أمّتي. فقيل لي: هذا موسى وقومه. ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم. فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر. فإذا سواد عظيم. فقيل لي: هذه أمّتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب» ثمّ نهض فدخل منزله. فخاض النّاس في أولئك الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب. فقال بعضهم: فلعلّهم الّذين صحبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال بعضهم: فلعلّهم الّذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله. وذكروا أشياء. فخرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما الّذي تخوضون فيه» . فأخبروه. فقال: «هم الّذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيّرون، وعلى ربّهم يتوكّلون» . فقام عكّاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: «أنت منهم» . ثمّ قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: «سبقك بها عكّاشة» ) * «1» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّير تجري بقدر» . وكان يعجبه الفأل الحسن) * «2» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّيرة شرك (ثلاثا) وما منّا إلّا «3» ، ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل «4» » ) * «5» . 6- * (عن قبيصة الهلاليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العيافة «6» والطّيرة والطّرق «7» من الجبت «8» » ) * «9» . 7- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ردّته الطّيرة من حاجة فقد أشرك» قالوا: يا رسول الله، ما كفّارة ذلك؟. قال: «أن يقول أحدهم: اللهمّ لا خير إلّا خيرك، ولا طير إلّا طيرك، ولا إله غيرك» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 10 (5705) . ومسلم (220) واللفظ له. (2) أحمد (6/ 130) واللفظ له. وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه البزار وقال: لا يروى إلا بهذا الإسناد، ورجاله رجال الصحيح غير يوسف بن أبي بردة وثقه ابن حبان (7/ 209) . (3) وما منا إلّا: هكذا ورد بدون ذكر المستثنى أي إلا وقد يعتريه التطير، وتسبق إلى قلبه الكراهة فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع. وقيل: إن قوله: «وما منا إلا» من قول ابن مسعود أدرجه في الحديث، وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم اعتقدوا أنها تجلب لهم نفعا، أو تدفع عنهم ضرّا إذا عملوا بموجبها. (4) ولكن الله يذهبه بالتوكل: أي إذا خطر له عارض التطير فتوكل على الله وسلّم إليه ولم يعمل بذلك الخاطر غفر الله له ولم يؤاخذه به. (5) أبو داود (3910) واللفظ له. الترمذي (1614) وقال: هذا حديث حسن صحيح ونقل عن البخاري أن سليمان بن حرب كان يقول: كلمة «وما منا إلا» من كلام ابن مسعود، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول وقال محققه: ورواه أيضا ابن حبان في صحيحه وأقر كلام الترمذي (7/ 630) (6) العيافة: زجر الطير والتفاؤل بها، كما كانت العرب تفعله. (7) الطرق: الضرب بالعصا، وقيل: هو الخط في الرمل. (8) الجبت: كل ما عبد من دون الله، وقيل: هو الكاهن والشيطان. (9) أبو داود (3907) واللفظ له. أحمد (3/ 477) وقال محقق جامع الأصول: حسن (7/ 639) . (10) أحمد (2/ 220) واللفظ له رقم (7063) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (7045) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4196 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عدوى، ولا طيرة، والشّؤم في ثلاث: في المرأة، والدّار، والدّابّة» ) * «1» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عدوى، ولا هامة «2» ولا نوء «3» ، ولا صفر «4» » ) * «5» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا طيرة، وخيرها الفأل» قالوا: وما الفأل؟ قال: «الكلمة الصّالحة يسمعها أحدكم» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (التطير) 1- * (قال لبيد الشّاعر: لعمرك ما تدري الضّوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطّير ما الله صانع) *» . 2- * (قال عكرمة- رحمه الله تعالى-: «كنّا جلوسا عند ابن عبّاس. فمرّ طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير. فقال له ابن عبّاس: لا خير ولا شرّ» . مبادرة منه بالإنكار عليه لئلّا يعتقد أنّ له تأثيرا في الخير أو الشّرّ) * «8» . 3- * (قيل لكعب الأحبار: هل تتطيّر؟ قال: نعم، فقيل له: كيف تقول إذا تطيّرت؟ قال: أقول: «اللهمّ لا طير إلّا طيرك، ولا خير إلّا خيرك، ولا ربّ غيرك، ولا قوّة إلّا بك» ) * «9» . 4- * (خرج طاوس مع صاحب له في سفر فصاح غراب فقال الرّجل: خير. فقال طاوس: «وأيّ خير عنده والله لا تصحبني» ) * «10» . 5- * (قال ابن عبد الحكم: لمّا خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة، قال مزاحم: فنظرت فإذا القمر في الدّبران «11» فكرهت أن أقول له. فقلت: ألا تنظر   (1) البخاري- الفتح 10 (5753) واللفظ له. ومسلم (2225) . (2) الهامة: واحدة الهوام، وهي ذوات السموم، وقيل: دواب الأرض التي تهم بأذى الناس وقيل: إن العرب كانت تقول في الجاهلية: إذا قتل الرجل ولم يؤخذ بثأره خرجت من رأسه هامة فتدور حول قبره فتقول: اسقوني اسقوني، فإن أدرك بثأره ذهبت وإلا بقيت. (3) ولا نوء: أي لا تقولوا: مطرنا بنوء كذا، ولا تعتقدوه. (4) والصفر: دواب في البطن وهي دودة وكانوا يعتقدون أن في البطن دابة تهيج عند الجوع وربما قتلت صاحبها. وقيل: كانوا يتشاءمون بدخول شهر صفر. (5) مسلم (2220) . (6) البخاري- الفتح 10 (5754) اللفظ له. ومسلم (2224) . (7) أدب الدنيا والدين (304) . (8) مفتاح دار السعادة (2/ 235) . (9) المرجع السابق نفسه. (10) المرجع السابق (2/ 535) . (11) الدّبران: منزل من منازل القمر سمّي دبرانا؛ لأنه يدبر الثّريّا أي يتبعها، وهو نجم عملاق أحمر استهدي به قديما. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4197 إلى القمر؟ ما أحسن استواءه في هذه اللّيلة! قال: فنظر عمر فإذا هو في الدّبران فقال: «كأنّك أردت أن تعلمني أنّ القمر في الدّبران يا مزاحم، إنّا لا نخرج بشمس ولا بقمر، ولكنّا نخرج بالله الواحد القهّار» ) * «1» . 6- * (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: «واعلم أنّه قلّما يخلو من الطّيرة أحد، لا سيّما من عارضته المقادير في إرادته، وصدّه القضاء عن طلبته، فهو يرجو واليأس عليه أغلب، ويأمل والخوف إليه أقرب، فإذا عاقه القضاء، وخانه الرّجاء جعل الطّيرة عذر خيبته، وغفل عن قضاء الله- عزّ وجلّ- ومشيئته، فإذا تطيّر أحجم عن الإقدام ويئس من الظّفر، وظنّ أنّ القياس فيه مطّرد، وأنّ العبرة فيه مستمرّة، ثمّ يصير له عادة، فلا ينجح له سعي، ولا يتمّ له قصد» ) * «2» . 7- * (قال الشّاعر في إنكار التّطيّر: ولقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحاتم فإذا الأشائم كالأيامن ... والأيامن كالأشائم) *. 8- * (وقال آخر: الزّجر والطّير والكهّان كلّهم ... مضلّلون ودون الغيب أقفال) *. 9- * (وقال آخر: وما عاجلات الطّير تدني من الفتى ... نجاحا ولا عن ريثهنّ قصور) *. 10- * (وقال آخر: تخيّر طيرة فيها زياد ... لتخبره، وما فيها خبير تعلّم أنّه لا طير إلّا ... على متطيّر وهو الثّبور بلى شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير) * «3» . 11- * (قال الشّاعر: طيرة النّاس لا تردّ قضاء ... فاعذر الدّهر لا تشبه بلوم أيّ يوم تخصّه بسعود ... المنايا ينزلن في كلّ يوم ليس يوم إلّا وفيه سعود ... ونحوس تجري لقوم وقوم) * «4» .   (1) مفتاح دار السعادة (2/ 235) . (2) أدب الدنيا والدين (304) . (3) كله من الفتح (10/ 223، 224) . (4) أدب الدنيا والدين (304) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4198 من مضار (التطير) (1) ينافي الإيمان، ويضادّ التّوكّل. (2) لا يدفع مكروها ولا يجلب محبوبا. (3) دليل قلّة العقل وذهاب الحلم. (4) اضطراب النّفس وبلبلة الفكر. (5) الفشل في الحياة. (6) دعوة إلى تعطيل المصالح وترك السّعي. (7) صفة من صفات الجاهليّة، وعادة مذمومة من عاداتهم. (8) دعوة صريحة للكفر بالقضاء والقدر. (9) تجعل الإنسان عبدا للخزعبلات والدّجل. (10) فيها مخالفة صريحة لأمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4199 التعاون على الإثم والعدوان التعاون لغة واصطلاحا: (انظر صفة التّعاون على البرّ والتّقوى) الإثم لغة: مصدر قولهم: أثم يأثم، وهو مأخوذ من مادّة (أث م) الّتي تدلّ على البطء والتّأخّر، ومن ذلك ناقة آثمة: أي متأخّرة، والإثم مشتقّ من ذلك، لأنّه بطيء عن الخير متأخّر عنه، يقال: أثم فلان: وقع في الإثم أي الذّنب، ويجمع على آثام. والأثام: جزاء الإثم، قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً أراد مجازاة الأثام يعني العقوبة، والأثام والإثام: عقوبة الإثم. وقال القرطبيّ: الأثام في كلام العرب: العقاب، وقيل: واد في جهنّم جعله الله عقابا للكفرة «1» . ويقول الرّاغب: الإثم والأثام اسم للأفعال المبطئة عن الثّواب والجمع آثام، وتسمية الكذب والقمار والخمر والمعصية وغير ذلك بالإثم لكونها من جملته، وقال الجوهريّ: الإثم: الذّنب، والأثام جزاء الآيات/ الأحاديث/ الآثار 1/ 12/ 11 الإثم، يقال: أثم الرّجل إثما ومأثما، إذا وقع في الإثم فهو آثم وأثيم وأثوم أيضا، يقال: أثمه الله في كذا يأثمه ويأثمه أي عدّه عليه إثما وقيل عاقبه على الإثم فهو مأثوم أي مجزيّ جزاء إثمه، وآثمه: أوقعه في الإثم، وأثّمه أي قال له: أثمت (ورماه بالإثم) ، وقد تسمّى الخمر إثما، وتأثّم من كذا: أي تحرّج عنه وكفّ، وقال ابن منظور: تأثّم: تاب من الإثم، واستغفر منه، وهو (أي صيغة التأثّم) على السّلب كأنّه سلبه بالتّوبة والاستغفار أو رام ذلك بهما، وفي حديث معاذ: فأخبر بها عند موته تأثّما أي تجنّبا للإثم، كما يقال أيضا: تأثّم فلان: إذا فعل فعلا خرج به من الإثم، كما يقال تحرّج: إذا فعل ما يخرج به عن الحرج «2» . الإثم اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الإثم: ما يجب التّحرّز منه شرعا وطبعا «3» . وقال المناويّ: الإثم والأثام: هي الأفعال المبطّئة للثّواب والآثم المتحمّل للإثم «4» . وقال الكفويّ: الإثم: هو الذّنب الّذي تستحقّ   (1) تفسير القرطبي (13/ 51) . (2) مقاييس اللغة (1/ 60) ، المفردات (ص 5) .، الصحاح (5/ 1858) ، ولسان العرب (1/ 28) (ط. دار المعارف) . (3) التعريفات (7) . (4) التوقيف (38) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4200 العقوبة عليه، ولا يصحّ أن يوصف به إلّا المحرّم «1» . الفرق بين الإثم والذنب والوزر: قال الكفويّ: إنّ الذّنب هو مطلق الجرم عمدا كان أو سهوا، بخلاف الإثم فإنّه ما يستحقّ فاعله العقاب، فيختصّ بما يكون عمدا. أمّا الإثم والوزر فهما واحد في الحكم العرفيّ وإن اختلفا في الوضع، فإنّ وضع الوزر للقوّة لأنّه من الإزار، وهو ما يقوّي الإنسان، ووضع الإثم للّذّة وإنّما خصّ به فعل الشّرّ لأنّ الشّرور (في الغالب) ما تكون مستلذّة «2» . العدوان لغة: مصدر قولنا عدا عليه، وهو مأخوذ من مادّة (ع د و) الّتي تدلّ على تجاوز في الشّيء وتقدّم لما ينبغي أن يقتصر عليه، والعدوان: الظّلم الصّراح، يقال: عدا عليه (عدوانا) واعتدى عليه (اعتداء) ، وتعدّى عليه (تعدّيا) كلّه بمعنى واحد. وفي اللّسان: عدا عليه عدوا، وعداء، وعدوّا، وعدوانا، وعدوانا، وعدوى، وتعدّى واعتدى كلّه: ظلمه. وقد أوضح الرّاغب ارتباط فروع هذه المادّة فقال: العدو: التّجاوز ومنافاة الالتئام، فتارة يعتبر (التّجاوز) بالقلب فيقال له: العداوة والمعاداة، وتارة بالمشي فيقال له: العدو، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له: العدوان والعدو قال تعالى: فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ (الأنعام/ 108) أي عدوانا، ومن العدوان المحظور ابتداء قوله تعالى: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) . العدوان: هنا هو ظلم النّاس كما يقول القرطبيّ، أو هو تجاوز ما حدّ الله لكم في دينكم وفرض عليكم في أنفسكم «3» ، ومن العدوان الّذي هو على سبيل المجازاة ويصحّ أن يتعاطى مع من ابتدأ به، قول الله تعالى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة/ 193) أي لا سبيل إلّا عليهم، والظّالمون هم المشركون بالله، وذلك على وجه المجازاة لما كان من المشركين من الاعتداء، والمعنى حينئذ: افعلوا بهم مثل الّذي فعلوا بكم، كما يقال: إن تعاطيت منّي ظلما تعاطيته منك، والثّاني: ليس بظلم، «4» ، والعادي: الظّالم، يقال: لا أشمت الله بك عاديك، أي عدوّك الظّالم لك، وقولهم: فلان عدوّ فلان معناه: فلان يعدو على فلان بالمكروه ويظلمه، يقال: عدا عدوا: ظلم وجار، وفي حديث قتادة «أنّه عدي عليه» أي ظلم وسرق ماله، يقال: عدا بنو فلان على بني فلان أي ظلموهم، وعدا الأمر وتعدّاه: تجاوزه، وعداه عن الأمر عدوا وعدوانا، وعدّاه: كلاهما صرفه وشغله، والعداء والعدواء والعادية كلّه: الشّغل يعدوك عن الشّيء، وتعادى ما بينهم: تباعد، وتعادى القوم عادى بعضهم بعضا من العداوة، والعادي: المعتدي، والمعادي أي المتجاوز الطّور،   (1) الكليات للكفوي (40) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) تفسير القرطبي (6/ 33) ، والطبري (4/ 405) . (4) المرجع السابق (2/ 202) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4201 والعدوّ: ضدّ الصّديق، وقيل: ضدّ الوليّ، يكون للواحد والجمع، والذّكر والأنثى بلفظ واحد وجمعه أعداء واسم الجمع عدى وعدى، وجمع الجمع أعاد، قال الفيروز آباديّ: وقد يثنّى ويجمع ويؤنّث في بعض اللّغات «1» . العدوان اصطلاحا: قال المناويّ: العدوان: أسوأ الاعتداء في قول أو فعل أو حال «2» . وقال الكفويّ: تجاوز المقدار المأمور بالانتهاء إليه والوقوف عنده «3» . التعاون على الإثم والعدوان اصطلاحا: أن يعين بعض النّاس بعضا على ترك ما أمر الله بفعله وتجاوز ما حدّ في الدّين وفرض على النّاس في أنفسهم وفي التّعامل مع غيرهم «4» . الفرق بين الإثم والعدوان: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: معنى قول الله تعالى ذكره: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) . أنّ كلّا منهما (الإثم والعدوان) إذا أفرد تضمّن الآخر، فكلّ إثم عدوان إذ هو فعل ما نهى الله عنه أو ترك ما أمر الله به. فهو عدوان على أمره ونهيه وكذلك كلّ عدوان إثم فإنّه يأثم به صاحبه. هذا ولكن عند اقترافهما يكونان شيئين بحسب متعلّقهما. فالإثم ما كان محرّم الجنس كالكذب والزّنا وشرب الخمر ونحو ذلك. والعدوان: ما كان محرّم القدر والزّيادة. فالعدوان تعدّي ما أبيح منه إلى القدر المحرّم كالاعتداء في آخذ الحقّ ممّن هو عليه. إمّا بأن يتعدّى على ماله أو بدنه أو عرضه، فإذا غصبه خشبة لم يرض عوضها إلّا داره وإذا أتلف عليه شيئا أتلف عليه أضعافه، وإذا قال فيه كلمة قال فيه أضعافها فهذا كلّه عدوان وتعدّ للعدل «5» . وقال القرطبيّ: العدوان تجاوز الحدّ، والظّلم وضع الشّيء في غير موضعه، وقيّد الوعيد بذكر العدوان والظّلم ليخرج منه فعل السّهو والغلط «6» . [للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- الغي والإغواء- الفتنة- الحرب والمحاربة- البغي- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- العدوان- العتو- الظلم. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التعاون على البر والتقوى- الإخاء- الإغاثة- تفريج الكربات- التناصر- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الاستعانة- الاستغاثة- الصفح- السلم] .   (1) مقاييس اللغة (4/ 249) ، المفردات للراغب (339) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 31) ، الصحاح (6/ 2421) ، لسان العرب (عدو) 4/ 2850) (ط. دار المعارف) . (2) التوقيف (238) . (3) الكليات (584) . (4) اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره الطبري في تفسير قوله تعالى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ انظر تفسير الطبريّ (4/ 405) . (5) التفسير القيم لابن القيم (228) . (6) تفسير القرطبي (5/ 103) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4202 الآيات الواردة في النهي عن «التعاون على الإثم والعدوان» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «1»   (1) المائدة: 1- 2 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4203 الأحاديث الواردة في ذمّ (التعاون على الإثم والعدوان) 1- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- أنّه قال: «خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن تسعة خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم فقال: «اسمعوا، هل سمعتم أنّه سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه وليس بوارد عليّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدّقهم بكذبهم فهو منّي وأنا منه وهو وارد عليّ الحوض» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق. إن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء. إن نسي لم يذكّره وإن ذكر لم يعنه» ) * «2» . 3- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السّفهاء. قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: «أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منّي ولست منهم ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم وسيردون عليّ حوضي، يا كعب بن عجرة: الصّيام جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة، والصّلاة قربان أو قال برهان، يا كعب بن عجرة: النّاس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها» ) * «3» . 4- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو في قبّة حمراء من أدم «4» في نحو من أربعين رجلا، فقال: «إنّكم مفتوح عليكم، منصورون ومصيبون فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، وليصل رحمه، من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار، ومثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ، كمثل بعير ردّي في بئر، فهو ينزع منها بذنبه» ) * «5» . 5- * (عن أيّوب بن سلمان، رجل من صنعاء، قال: كنّا بمكّة، فجلسنا إلى عطاء الخراسانيّ، إلى جنب جدار المسجد، فلم نسأله، ولم يحدّثنا، قال: فقال: ما بالكم لا تتكلّمون ولا تذكرون الله؟! قولوا: الله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله وبحمده بواحدة   (1) النسائي (7/ 160) وقال الألباني: صحيح (3/ 1882، 3923، 3924) . والترمذي (2259) واللفظ له وقال: صحيح غريب. (2) النسائي (7/ 159) مختصر. وأبو داود (2932) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (4/ 73) . (3) الترمذي (614) وقال: حسن غريب. النسائي (7/ 160) . وقال محقق جامع الأصول: أقل أحواله أنه حسن (4/ 76) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أحمد واللفظ له والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح. ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه. ورواه الترمذي والنسائي من حديث كعب بن عجرة نفسه وقال الترمذي في أحد أسانيده: حديث غريب صحيح (3/ 194، 195) واللفظ له. (4) القبّة من الخيام: البيت الصغير المستدير والأدم: الجلد المدبوغ. (5) أحمد (1/ 401) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 305) برقم (3801) : إسناده صحيح، والترمذي (2257) ، وجامع الأصول (1/ 332) وقال محققه: إسناده حسن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4204 عشرا وبعشر مائة، من زاد زاده الله، ومن سكت غفر له، ألا أخبركم بخمس سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: بلى، قال: «من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله فهو مضادّ الله في أمره، ومن أعان على خصومة بغير حقّ فهو مستظلّ في سخط الله حتّى يترك، ومن قفا مؤمنا أو مؤمنة حبسه الله في ردغة الخبال، عصارة أهل النّار، ومن مات وعليه دين أخذ لصاحبه من حسناته، لا دينار ثمّ ولا درهم، وركعتا الفجر حافظوا عليهما، فإنّهما من الفضائل» ) * «1» . 6- * (عن سعيد بن المسيّب عن أبيه- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي طالب: يا عمّ، قل لا إله إلّا الله كلمة أشهد لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتّى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو على ملّة عبد المطّلب، وأبى أن يقول: لا إله إلّا الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله تعالى فيه ما كانَ لِلنَّبِيِّ ... (التوبة/ 113) ... الآية» ) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله عنهما- أنّهما قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ أهل السّماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النّار» ) * «3» . ورواه البيهقيّ من حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وفيه: أنّ قتيلا قتل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يدرى من قتله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يقتل قتيل وأنا فيكم لا يدرى من قتله؟» فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ أهل السّماء وأهل الأرض اشتركوا في قتل مؤمن لعذّبهم الله إلّا أن لا يشاء ذلك» ) *» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعان على خصومة بظلم لم يزل في سخط الله حتّى ينزع» ) * «5» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه. فالمعصوم من عصم الله تعالى» ) * «6» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «7» ، ومن قاتل تحت   (1) أحمد (2/ 82) وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 254) برقم (5544) : إسناده صحيح، والترغيب والترهيب للمنذري (3/ 197، 198) ، وقال: رواه أبو داود والطبراني بإسناد جيد وصححه الألباني في صحيح الجامع (6196) . (2) البخاري- الفتح 3 (1360) واللفظ له. ومسلم (24) . (3) الترمذي (1398) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 57) برقم (1128) . (4) السننى الكبرى للبيهقي (8/ 22) . (5) الحاكم (4/ 99) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وروى البيهقي نحوه من حديث ابن مسعود (10/ 234) . وقال الألباني: «صحيح» انظر صحيح الجامع (2/ 1045) برقم (6049) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 13 (7198) . (7) مات ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4205 راية عمّيّة «1» يغضب لعصبة «2» أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة «3» . ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «4» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس منّي ولست منه» ) * «5» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «6» . 12- * (عن جندب بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قتل تحت راية عمّيّة يدعو عصبيّة أو ينصر عصبيّة، فقتلة جاهليّة» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (التعاون على الإثم والعدوان) 1- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-: «الجلاوزة «8» والشّرط «9» كلاب النّار يوم القيامة» ) * «10» . 2- * (قال سعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى-: «لا تملأوا أعينكم من أعوان الظّلمة إلّا بإنكار من قلوبكم لئلّا تحبط أعمالكم الصّالحة» ) * «11» . 3- * (قال مكحول الدّمشقيّ- رحمه الله تعالى-: «ينادي مناد يوم القيامة أين الظّلمة وأعوانهم؟ فما يبقى أحد مدّ لهم يدا أو حبّر لهم دواة أو برى لهم قلما فما فوق ذلك إلّا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنّم» ) * «12» . 4- * (قال مالك بن دينار يوصي ختنه «13» : «يا مغيرة انظر كلّ أخ لك، وصاحب لك، وصديق لك، لا تستفيد منه في دينك خيرا فانبذ عنك صحبته، فإنّما ذلك لك عدوّ، يا مغيرة: النّاس أشكال: الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والصّعو «14» مع الصّعو، وكلّ مع شكله» ) * «15» . 5- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: «إذا اشترى الرّجل من رجل شيئا وهو يعلم أنّه سرقه فقد شاركه» ) * «16» . 6- * (قال عديّ بن زيد: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكلّ قرين بالمقارن يقتدي إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ... ولا تصحب الأردا فتردى مع الرّدي) * «17» .   (1) العمية: المراد بها: الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. (2) عصبة الرجل: قرابته من جهة الأب. (3) فقتلة جاهلية: أي فقتلته كقتلة أهل الجاهلية. (4) لا يتحاش: لا يكترث بما يفعله فيها، ولا يخاف وبال عقوبته. (5) مسلم (1848) . (6) مسلم (2674) . (7) مسلم (1850) . (8) الجلاوزة: أعوان الظلمة. (9) الشّرط: طائفة من أعوان الولاة لهم علامات يعرفون بها. (10) الكبائر (112) . (11) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (12) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (13) الختن: أبو امرأة الرجل، وأخو امرأته. (14) الصّعو: صغار العصافير. (15) مساوىء الأخلاق للخرائطي (243) . (16) مسائل الإمام أحمد، رواية البغوي (68) . (17) أدب الدنيا والدين (166) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4206 7- * (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: «يلزم على العاقل أن يتحرّز من دخلاء السّوء، ويجانب أهل الرّيب، ليكون موفور العرض سليم الغيب، فلا يلام بملامة غيره» ) * «1» . 8- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى- «ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإنّ الطّبع يسرق فإن لم يتشبّه بهم ولم يسرق منهم فتر عمله «2» . فإنّ رؤية الدّنيا تحثّ على طلبها وكذلك رؤية أرباب الدّنيا ودورهم وأحوالهم، ومثله سماع الأغاني إذ كلّ هذا يعين على المعصية ويدلّ عليها» ) * «3» . 9- * (قال الخطّاب بن المعلّى المخزوميّ القرشيّ لابنه وهو يعظه بموعظة طويلة فيها: المرء يعرف بقرينه، وإيّاك وإخوان السّوء فإنّهم يخونون من وافقهم، ويحزنون من صادقهم، وقربهم أعدى من الجرب ورفضهم من استكمال الأدب، واستخفار المستجير «4» لؤم، والعجلة شؤم، وسوء التّدبير وهن» ) * «5» . 10- * (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-: «ثبت عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قتل سبعة بواحد وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا، وروي نحو ذلك عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه توقّف عن قتال الحروريّة، حتّى يحدثوا، فلمّا ذبحوا عبد الله بن خبّاب كما تذبح الشّاة وأخبر عليّ بذلك، قال: الله أكبر، نادوهم أن أخرجوا إلينا قاتل عبد الله بن خبّاب. فقالوا: كلّنا قتله، ثلاث مرّات. فقال لأصحابه: دونكم القوم. فما لبث أن قتلهم عليّ وأصحابه» ) * «6» . 11- * (قال بعض السّلف: «ما انتهك المرء من أخيه حرمة أعظم من أن يساعده على معصية ثمّ يهوّنها عليه» ) * «7» . من مضار (التعاون على الإثم والعدوان) (1) تقلب نظام المجتمع وتساعد على فساد الذّمم. (2) تفتح أبواب الشّرّ وتطمس معالم الحقّ ليرتع الباطل. (3) تنبيء عن خسّة صاحبها ودناءة نفسه. (4) دليل كامل على ضعف الإيمان وقلّة المروءة. (5) يبشّر صاحبها بعاقبة وخيمة وعذاب أليم. (6) ينبذ صاحبها ويهمل شأنه إذا كان المجتمع صالحا. (7) تساعد على طغيان الحاكم وترخّص له الظّلم. (8) إذا تحقّقت في مجتمع كانت سببا في خرابه. (9) تضيع الحقوق، وتصل لغير أهلها ومستحقّيها.   (1) بتصرف من أدب الدنيا والدين (166) . (2) فتر عمله: أي ضعف وسكن. (3) بتصرف من صيد الخاطر (411) ط دار الكتب العلمية. (4) استخفار المستجير: أي عدم إجارته ونصرته. (5) باختصار من روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (/ 2011) . (6) أضواء البيان (2/ 94، 95) . (7) إحياء علوم الدين (4/ 33) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4207 التعسير التعسير لغة: مصدر قولهم: عسّر الأمر تعسيرا، وهو مأخوذ من مادّة (ع س ر) الّتي تدلّ على معنى الصّعوبة والشّدّة، يقول ابن فارس: العين والسّين والرّاء أصل صحيح واحد، يدلّ على صعوبة وشدّة، فالعسر: نقيض اليسر والإقلال أيضا عسرة، لأنّ الأمر ضيّق عليه شديد، قال الله تعالى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (البقرة/ 280) . وأعسر الرّجل، إذا صار من ميسرة إلى عسرة، وعسرته أنا أعسره، إذا طالبته بدينك وهو معسر، ولم تنظره إلى ميسرته. ويقال: عسّرت عليه تعسيرا إذا خالفته. والعسرى خلاف اليسرى، وتعسّر الأمر: التوى.. ويقال للّذي يعمل بشماله: أعسر، والعسرى هي الشّمال، وإنّما سمّيت عسرى، لأنّه يتعسّر عليها ما يتيسّر على اليمنى. ويقال: رجل أعسر بيّن العسر، وامرأة عسراء إذا كانت قوّتهما في أشملهما ويعمل كلّ واحد منهما بشماله ما يعمل غيره بيمينه. واستعسر الأمر وتعسّر إذا صار عسيرا.. ويقال: أعسرت المرأة، إذا عسر عليها ولادها. ويوم عسر وعسير وأعسر. شديد ذو عسر، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 12/ 21/ 7 قال تعالى في صفة القيامة فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ* عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (المدثر/ 9- 10) يوم عسير أي شديد «1» وقال ابن منظور: العسر الضّيق والشّدّة والصّعوبة، وهو نقيض اليسر. قال عيسى بن عمر: كلّ اسم على ثلاثة أحرف أوّله مضموم وأوسطه ساكن فمن العرب من يثقّله فيقول: عسر، ورحم، وحلم (بضمّ الحرف الثّاني منها) ، ومنهم من يخفّفه فيقول: عسر، ورحم، وحلم (بإسكان الحرف الثّاني) . وتقول: عسر الأمر (بالضّمّ) يعسر عسرا فهو عسير. وعسر عليه الأمر (بالكسر) يعسر (بالفتح) عسرا: أي التاث فهو عسير: أي شديد. وتقول: تعسّر الأمر وتعاسر واستعسر إذا اشتدّ والتوى وصار عسيرا، وتقول: تعاسر الزّوجان والبيّعان إذا لم يتّفقا. وعسر الزّمان: أي اشتدّ علينا وعسّر عليه أي ضيّق، وأعسر الرّجل: أضاق. وكذلك تقول: عسر الرّجل عسرا فهو عسر وعسارة (بالفتح) إذا قلّ سماحه في الأمور «2» . وقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة/ 185) العسر: الشّدّة والمشقّة، وقال   (1) تفسير الطبري (12/ 305) . (2) مقاييس اللغة (4/ 320) ، الصحاح (2/ 744) ، ولسان العرب (5/ 2938- 2940) ، وتاج العروس (7/ 215- 216) المصباح المنير (409) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4208 ابن عبّاس: العسر هو الصّيام في السّفر «1» . وقال القرطبيّ: وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ هو بمعنى قوله: يريد بكم اليسر فكرّر تأكيدا «2» . التعسير اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات التّعسير ضمن ما أوردته من مصطلحات، ويمكن أن نستخلص ذلك من جملة أقوال المفسّرين واللّغويّين فنقول: التّعسير: أن يشدّد الإنسان على نفسه أو غيره في أمر الدّين بالزّيادة على المشروع، أو في أمر الدّنيا بترك الأيسر ما لم يكن إثما. من شدّد شدّد الله عليه: قال ابن القيّم- رحمه الله-: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن التّشديد في الدّين بالزّيادة على المشروع، وأخبر صلّى الله عليه وسلّم أنّ تشديد العبد على نفسه هو سبب لتشديد الله عليه إمّا بالقدر وإمّا بالشّرع. فبالقدر كفعل أهل الوسواس، فإنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد عليهم حتّى استحكم وصار صفة لازمة لهم. وأمّا التّشديد بالشّرع: كمن شدّد على نفسه بالنّذر فشدّد الله عليه فألزمه الوفاء به» . الكمال لا يعني التشدد: قال ابن المنيّر- رحمه الله-: رأينا ورأى النّاس قبلنا أنّ كلّ متنطّع في الدّين يقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنّه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدّي إلى الملال أو المبالغة في التّطوّع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلّي اللّيل كلّه ويغالب النّوم إلى أن غلبته عيناه في آخر اللّيل فنام عن صلاة الصّبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشّمس فخرج وقت الفريضة «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الغلو- التفريط والإفراط- التنفير- الأثرة- التخاذل- التكلف- الشح- البخل- الاحتكار. وفي ضد ذلك انظر صفات: التيسير- التوسط الرفق- تفريج الكربات- الإغاثة- الإخاء التناصر- المواساة- الألفة] .   (1) تفسير الطبريّ (2/ 163) . (2) تفسير القرطبي (2/ 185) . (3) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 132) بتصرف يسير. (4) الفتح (1/ 94) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4209 الآيات الواردة في «التعسير» 1- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281) «2» 3- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) «3» 4- قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (72) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) «4» 5- وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) «5» 6- لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) «6» 7- فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) «7» 8- إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) «8»   (1) البقرة: 185 مدنية (2) البقرة: 278- 281 مدنية (3) التوبة: 117 مدنية (4) الكهف: 72- 73 مكية (5) القمر: 4- 8 مكية (6) الطلاق: 7 مدنية (7) المدثر: 8- 10 مكية (8) الليل: 4- 11 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4210 9- أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) «1» الآيات الواردة في «التعسير» معنى 10- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71) «2» 11- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «3» 12- وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «4»   (1) الشرح: 1- 8 مكية (2) البقرة: 67- 71 مدنية (3) البقرة: 286 مدنية (4) الأعراف: 156- 157 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4211 الأحاديث الواردة في ذمّ (التعسير) 1- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في المنشط والمكره «1» ، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم- أو نقول بالحقّ حيثما كنّا، ولا نخاف في الله لومة لائم) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قام أعرابيّ فبال في المسجد فتناوله النّاس، فقال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه، وهريقوا على بوله سجلا «3» من ماء أو ذنوبا «4» من ماء- فإنّما بعثتم ميسّرين، ولم تبعثوا معسّرين» ) * «5» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك السّمع والطّاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك «6» » ) * «7» . 4- * (عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه، عن جدّه- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا بعثه إلى اليمن ومعاذ بن جبل قال لهما: «يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا» قال أبو موسى: يا رسول الله، إنّا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له البتع «8» وشراب من الشّعير يقال له المزر «9» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر حرام» ) * «10» . 5- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «11» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التعسير) معنى 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت لعبد الرّحمن بن شماسة وقد جاء يسألها عن شيء: ممّن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئا «12» ، إن كان ليموت للرّجل منّا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النّفقة فيعطيه النّفقة، فقالت: أما إنّه لا يمنعني الّذي فعل في محمّد ابن أبي بكر أخي أن أخبرك ما سمعت من   (1) المنشط والمكره: أي وقت النشاط والكراهية. (2) البخاري- الفتح (7199- 7200) واللفظ له ومسلم (1709) . (3) سجلا: الدلو ملأى، وقيل الدلو الضخمة. (4) الذنوب- بفتح الذال- قالوا: هى الدلو ملأى ماء وقيل: هى الدلو العظيمة، وعلى هذا فهي والسجل مترادفان. (5) البخاري- الفتح 1 (220) مسلم من حديث أنس (284) . (6) الأثرة: الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم، الأثرة- بفتحتين- الاسم من آثر إذا أعطى. أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه. (7) مسلم (1836) . (8) البتع: نبيذ العسل. (9) المزر: نبيذ الذرة (10) البخاري- الفتح 10 (6124) ، مسلم (1733) . (11) البخاري- الفتح 10 (6125) . (12) ما نقمنا منه شيئا: أي ما كرهنا منه شيئا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4212 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في بيتي هذا: «اللهمّ! من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به» ) * «1» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نعس أحدكم في الصّلاة فليرقد حتّى يذهب عنه النّوم، فإنّ أحدكم إذا صلّى وهو ناعس لعلّه يذهب يستغفر فيسبّ نفسه» ) * «2» . 8- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعظم المسلمين في المسلمين جرما، من سأل عن شيء لم يحرّم على المسلمين، فحرّم عليهم من أجل مسألته» ) * «3» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة «4» والرّوحة «5» وشيء من الدّلجة «6» » ) *» . 10- * (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء- عن غير نسيان- فلا تبحثوا عنها» ) * «8» . 11- * (عن هشام بن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: مرّ بالشّام على أناس وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤوسهم الزّيت فقال: ما هذا؟ قيل: يعذّبون في الخراج. فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون في الدّنيا» ) * «9» . 12- * (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغّض إلى نفسك عبادة الله فإنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» ) * «10» . 13- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: خرجت ذات يوم لحاجة فإذا أنا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمشي بين يديّ فأخذ بيدي فانطلقنا نمشي جميعا فإذا نحن بين أيدينا برجل يصلّى يكثر الرّكوع والسّجود فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتراه يرائي» «11» فقلت: الله ورسوله أعلم. فترك يدي من يده ثمّ جمع بين يديه فجعل يصوّبهما ويرفعهما ويقول: «عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، فإنّه من يشادّ هذا الدّين يغلبه» ) * «12» . 14- * (عن أبي جحيفة السّوائيّ وهب بن   (1) مسلم (1828) . (2) مسلم (786) . (3) البخاري- الفتح 13 (7289) ، مسلم (2358) واللفظ له. (4) الغدوة: السير أول النهار. (5) الروحة: السير بعد الزوال. (6) الدلجة: السير آخر الليل. (7) البخاري- الفتح 1 (39) . (8) ذكره ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 59) وعزاه مخرجه إلى الحاكم في المستدرك والبزار وغيرهما ونقل تحسين أبي بكر السمعاني في أماليه والنووي في أربعينه. (9) مسلم (2613) . (10) البيهقي: في السنن الكبرى (3/ 18) واللفظ له، وذكره الألباني في صحيح الجامع. وقال: حسن (1/ 256) رقم (2242) . (11) أتراه يرائي: أي يفعل ذلك مراءاة أمام الناس. (12) أحمد (5/ 350) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (1/ 312) ، السنن الكبرى للبيهقي (3/ 18) السنة لابن أبي عاصم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4213 عبد الله- رضي الله عنه- قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء، فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة «1» فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا «2» . فجاء أبو الدّرداء، فصنع له طعاما فقال له: كل. قال: فإنّي صائم، قال: ما أنا بآكل حتّى تأكل. قال: فأكل، فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم، قال: نم، فنام. ثمّ ذهب يقوم، فقال: نم. فلمّا كان من آخر اللّيل قال سلمان: قم الآن، فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» ) * «3» . 15- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: أقبل رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، فوقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يعطي النّاس. قال: يا محمّد، قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أجل فكيف رأيت؟» قال: لم أرك عدلت! قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «ويحك إن لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟» . فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله الا نقتله؟ قال: «لا، دعوه، فإنّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدّين حتّى يخرجوا منه كما يخرج السّهم من الرّميّة، ينظر في النّصل «4» فلا يوجد شيء ثمّ في القدح «5» فلا يوجد شيء، ثمّ في الفوق «6» فلا يوجد شيء، سبق الفرث والدّم» ) * «7» . 16- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: واصل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم آخر الشّهر وواصل أناس من النّاس، فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لو مدّ بي الشّهر لواصلت وصالا يدع المتعمّقون تعمّقهم «8» ، إنّي لست مثلكم، إنّي أظلّ يطعمني ربّي ويسقيني» ) * «9» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سألوا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن عمله في السّرّ؟ فقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء، وقال بعضهم: لا آكل اللّحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا، لكنّي أصلّي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوّج   (46) رقم (95، 96، 97) ، وقال الألباني: إسناده صحيح وعزاه كذلك للطحاوي في مشكل الآثار والمروزي في زوائد الزهد (1113) والخطيب في التاريخ (8/ 91) . (1) متبذلة: أي تاركة لباس الزينة. (2) ليس له حاجة في الدنيا: أي زاهد فيها غير منشغل بشهواتها. (3) البخاري- الفتح 4 (1968) . (4) النصل: حديدة السيف والرمح. (5) القدح: العود إذا بلغ فشذّب عنه الغصن وقطع على مقدار النبل الذي يراد من الطول والقصر. (6) الفوق من السهم: موضع الوتر. (7) هذا لفظ أحمد وأصله في الصحيحين من حديث أبي سعيد. أحمد (2/ 219) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (12/ 3) رقم (7038) ، وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار ورجال أحمد ثقات (6/ 227- 228) . (8) يدع المتعمقون تعمقهم: أي المتشددون في الأمور المجاوزون للحد. (9) البخاري- الفح 13 (7241) واللفظ له، مسلم (1104) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4214 النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «1» . 18- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى شيخا يهادى «2» بين ابنيه قال: «ما بال هذا؟» قالوا: نذر أن يمشي. قال: «إنّ الله عن تعذيب هذا لنفسه لغنيّ» وأمره أن يركب) * «3» . 19- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: بينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه. فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظلّ ولا يتكلّم ويصوم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مره، فليتكلّم وليستظلّ وليقعد وليتمّ صومه» ) * «4» . 20- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا حبل ممدود بين السّاريتين فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب. فإذا فترت «5» تعلّقت به، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه «6» ، فإذا فتر فليقعد» ) * «7» . 21- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الله ألم أخبر أنّك تصوم النّهار وتقوم اللّيل؟» فقلت: بلى يا رسول الله. قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقّا، وإنّ لعينك عليك حقّا، وإنّ لزوجك عليك حقّا، وإنّ لزورك «8» عليك حقّا، وإنّ بحسبك أن تصوم كلّ شهر ثلاثة أيّام، فإنّ لك بكلّ حسنة، عشر أمثالها، فإذن ذلك صيام الدّهر كلّه» فشدّدت فشدّد عليّ قلت: يا رسول الله إنّي أجد قوّة. قال: «فصم صيام نبيّ الله داود عليه السّلام ولا تزد عليه» قلت: وما كان صيام نبيّ الله داود عليه السّلام؟ قال: «نصف الدّهر» فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «9» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التعسير) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: وكتب إلى أبي عبيدة وهو محصور: مهما تنزل بامرئ شديدة «10» يجعل الله بعدها فرجا، فإنّه لن يغلب عسر يسرين) * «11» . 2- * (قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- لمّا قالوا له إنّ أبا موسى يشدّد في البول، ويبول في قارورة ويقول: إنّ بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض، فقال حذيفة: لوددت أنّ   (1) البخاري- الفتح (9/ 5063) ، مسلم (1401) واللفظ له. (2) يهادي: معناه يمشي بينهما، متوكئا عليهما. (3) البخاري- الفتح 4 (1865) ، مسلم (1642) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 11 (6704) . (5) فترت: أي ضعفت. (6) نشاطه: أي مدة نشاطه. (7) البخاري- الفتح 3 (1150) واللفظ له، مسلم (784) . (8) زورك: أي ضيفك. (9) البخاري- الفتح 4 (1975) واللفظ له، مسلم (1159) . (10) شديدة: أي شدة. (11) لسان العرب (5/ 2938- 2939) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4215 صاحبكم لا يشدّد هذا التّشديد) * «1» . 3- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: العسر بين اليسرين إمّا فرج عاجل في الدّنيا، وإمّا ثواب آجل في الآخرة) * «2» . 4- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: نهى الشّارع عن الغلوّ والتّشديد نهيا عامّا في الاعتقادات والأعمال) * «3» . 5- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: من كيد الشّيطان العجيب أنّه يشامّ النّفس، حتّى يعلم أيّ القوّتين تغلب عليها: قوّة الإقدام والشّجاعة، أم قوّة الانكفاف والإحجام والمهانة؟ وقد اقتطع أكثر النّاس إلّا أقلّ القليل في هذين الواديين، وادي التّقصير، ووادي المجاوزة والتّعدّي، والقليل منهم جدّا الثّابت على الصّراط الّذي كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو الوسط) * «4» . 6- * (قال ابن حجر- رحمه الله-: لا يتعمّق أحد في الأعمال الدّينيّة ويترك الرّفق إلّا عجز وانقطع فيغلب) * «5» . 7- * (وقال أيضا- رحمه الله- الأخذ بالعزيمة في موضع الرّخصة تنطّع، كمن يترك التّيمّم عند العجز عن استعمال الماء فيفضى به استعماله إلى حصول الضّرر) * «6» . من مضار (التعسير) (1) دليل على ضعف العقل، وسبب لتسلّط الشّيطان على الإنسان. (2) لا يحبّه الله- عزّ وجلّ- ويؤدّي إلى بغضه. (3) يؤدّي إلى الانقطاع عن العمل وعدم الاستمرار فيه. (4) دليل على الجهل وقلّة الفهم عند من يتّصف به. (5) بعد النّاس عن المتّصفين به وبغضهم لهم. (6) ينفّر النّاس عن الوصول للحقّ والعمل بالخير. (7) يصعّب على النّاس ما سهّلته لهم الشّريعة فيقيّدهم عن معرفته فضلا عن الالتزام به. (8) مخالفة أمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في قوله وفعله. (9) قد يؤدّي إلى شطحات تضرّ به في دين ودنيا.   (1) مسلم (221) رقم (273) . (2) لسان العرب (5/ 2938) . (3) فتح المجيد (227) . (4) إغاثة اللهفان (1/ 136) . (5) فتح الباري (1/ 117) الريان. (6) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4216 التفرق التفرق لغة: مصدر تفرّق يتفرّق، إذا تشتّت ولم يجتمع، وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ق) الّتي تدلّ على معنى «التّمييز والتّفريق» يقول ابن فارس: الفاء والرّاء والقاف أصيل صحيح يدلّ على تمييز وتزييل بين شيئين، من ذلك فرق الشّعر، يقال: فرقت الشّعر فرقا، والفرق: الفلق من الشّيء إذا انفلق منه، ومنه قوله تعالى: فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (الشعراء/ 63) . والفرق: القطعة المنفصلة، ومنه الفرقة للجماعة المتفرّدة من النّاس، والفريق الجماعة المتفرّقة عن آخرين، وقيل: الفرقة طائفة من النّاس، والفريق أكثر منهم، وفي الحديث «أفاريق العرب» وهو جمع أفراق، وأفراق: جمع فرقة. وقال الرّاغب: يقال: فرقت بين الشّيئين: فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر، أو بفصل تدركه البصيرة، وقيل لعمر- رضي الله عنه- «الفاروق» لكونه فارقا بين الحقّ والباطل، وقول الله تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ (الإسراء/ 106) أي بيّنّا فيه الأحكام وفصّلناه وقيل: فرقناه أي أنزلناه مفرّقا، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 10/ 24/ 6 والتّفريق أصله للتّكثير (في الفرق) ، ويقال ذلك في تشتيت الشّمل والكلمة كما في قوله سبحانه يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ (البقرة/ 102) ، وقوله سبحانه رَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ (طه/ 64) أمّا قوله سبحانه وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ (النساء/ 150) فمعناه أنّهم يظهرون الإيمان بالله ويكفرون برسله خلاف ما أمرهم الله به، والفرقان أبلغ من الفرق؛ لأنّه يستعمل في الفرق بين الحقّ والباطل، والفرق يستعمل في ذلك وفي غيره، ويوم الفرقان هو اليوم الّذي يفرق فيه بين الحقّ والباطل، والحجّة والشّبهة، وقال الجوهريّ: يقال: فرقت بين الشّيئين أفرق فرقا وفرقانا، وفرّقت الشّيء تفريقا وتفرقة، فانفرق وافترق وتفرّق «1» ، ويقال: فرق له الطّريق أي اتّجه له طريقان، وقال ابن منظور: الفرق: خلاف الجمع، يقال: فرق فرقا، وفرّق تفريقا، وفر (يستعمل) في الصّلاح، والتّفريق للإفساد، ويقال: انفرق الشّيء وتفرّق وافترق، والتّفرّق والافتراق سواء، ومنهم من يجعل التّفرّق للأبدان، والافتراق في الكلام، يقال: فرّقت بين الكلامين فافترقا، وفرّقت بين الرّجلين فتفرّقا، وفي الحديث «من فارق الجماعة فميتته جاهليّة،   (1) معنى هذا أنّ هذه الصيغ الثلاث تدلّ على المطاوعة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4217 يعني أنّ كلّ جماعة عقدت عقدا يوافق الكتاب والسّنّة فلا يجوز لأحد أن يفارقهم في ذلك العقد، فإن خالفهم فيه استحقّ الوعيد، وتفارق القوم: فارق بعضهم بعضا، وفارق فلان امرأته مفارقة وفراقا: باينها، والفرق والفرقة والفريق: الطّائفة من الشّيء المتفرّق، والمفرق والمفرق: وسط الرّأس، وهو الّذي يفرق فيه الشّعر، ومفرق الطّريق، متشعّبه الّذي يتشعّب منه طريق آخر «1» التفرق اصطلاحا: وقال المناويّ: التفرّق: تشتيت الشّمل والكلمة «2» . وقال الكفويّ: التّفرّق: إيقاع التّباين بين شيئين من نوع واحد «3» . [للاستزادة: انظر صفتي: التنازع- التخاذل- الفتنة- الجدال والمراء- الهجر- اتباع الهوى- سوء المعاملة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاجتماع- الاعتصام- الألفة- الإخاء- السماحة- حسن المعاملة- حسن العشرة- حسن الخلق] .   (1) مقاييس اللغة (4/ 493) ، الصحاح (4/ 1540- 1541) ، المفردات (377) ، ولسان العرب (فرق) (ص 3397) . ط. المعارف. (2) التوقيف على مهمات التعاريف (103) . (3) الكليات (2/ 78) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4218 الآيات الواردة في «التفرق» التفرق في سياق النهي عنه أو ما يؤدى إليه: 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) «1» 2- قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «2» 3- مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «3» 4- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) «4» التفرق في سياق ذم من يحدث منهم التفرق أو يقومون بما يؤدي إليه: 5- وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ   (1) آل عمران: 102- 105 مدنية (2) الأنعام: 151- 153 مكية (3) الروم: 31- 32 مكية (4) الشورى: 13- 14 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4219 نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) «1» 6- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (150) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) «2» 7- إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (159) «3» 8- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) «4» التفرق في سياق التحرز منه، وفي سياق اختلاف الجزاء: 9- قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) «5» 10- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) «6»   (1) البقرة: 101- 102 مدنية (2) النساء: 150- 151 مدنية (3) الأنعام: 159 مدنية (4) البينة: 1- 5 مكية (5) طه: 92- 94 مكية (6) الروم: 12- 16 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4220 الأحاديث الواردة في ذمّ (التفرق) 1- * (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب، افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة، وإنّ هذه الملّة ستفترق «1» على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنّة، وهي الجماعة» . زاد في رواية: «وإنّه سيخرج في أمّتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب «2» بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلّا دخله» ) * «3» . 2- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أبيع أخوين من السّبي، فبعتهما، ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته ببيعهما. فقال: «فرّقت بينهما؟» قلت: نعم، قال: «فارتجعهما ثمّ بعهما ولا تفرّق بينهما» ) * «4» . 3- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثمّ يبعث سراياه. فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثمّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتّى فرّقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت» ) * «5» . 4- * (عن عبد الله بن زيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا فتح حنينا قسّم الغنائم. فأعطى المؤلّفة قلوبهم، فبلغه أنّ الأنصار يحبّون أن يصيبوا ما أصاب النّاس «6» . فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي؟ وعالة «7» فأغناكم الله بي؟ ومتفرّقين «8» فجمعكم الله بي؟» ويقولون: الله ورسوله أمنّ. فقال: «ألا تجيبوني؟» فقالوا: الله   (1) ستفترق: قال الخطابي: قوله صلّى الله عليه وسلّم «ستفترق أمتي» فيه دلالة على أن هذه الفرق غير خارجة عن الملة والدين، إذ جعلهم من أمته. (2) يتجارى الكلب: التّجاري، تفاعل من الجري، وهو الوقوع في الأهواء الفاسدة، والتداعي فيها، تشبيها بجري الفرس، والكلب داء معروف يعرض للكلب، إذا عض حيوانا عرض له أعراض رديئة فاسدة قاتلة، فإذا تجارى بالإنسان وتمادى هلك. (3) أبو داود (4597) واللفظ له. وأحمد (4/ 102) . برقم (16940) وقال محقق جامع الأصول (10/ 32) : إسناده صحيح وقال الألباني (3/ 3843) : حسن. (4) الترمذي (1284) . وابن ماجة (2249) . وأحمد (760) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. والهيثمي في المجمع (4/ 107) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 125) واللفظ له وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وله إسناد آخر عن الحكم بن عتيبة صحيح أيضا على شرطهما. (5) مسلم (2813) (6) أن يصيبوا ما أصاب الناس: أي أن يجدوا ما وجد الناس من القسمة. (7) عالة: أي فقراء، جمع عائل. (8) ومتفرقين: يعني متدابرين، يعادي بعضكم بعضا. كما قال تعالى: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ الآية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4221 ورسوله أمنّ. فقال: «أما إنّكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا. وكان من الأمر كذا وكذا» لأشياء عدّدها. زعم عمرو أن لا يحفظها. فقال: «ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاء «1» والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ الأنصار شعار والنّاس دثار «2» . ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار. ولو سلك النّاس واديا وشعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبهم. إنّكم ستلقون بعدي أثرة «3» . فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «4» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا «5» . فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وأن تعتصموا بحبل الله جميعا «6» ولا تفرّقوا «7» ويكره لكم قيل وقال «8» وكثرة السّؤال «9» . وإضاعة المال «10» » ) * «11» . 6- * (عن ربعيّ بن حراش، أنّه أتى حذيفة بن   (1) بالشاء: هو جمع شاة، كشياه، وهي الغنم. (2) الأنصار شعار والناس دثار: قال أهل اللغة: الشعار الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوقه. ومعنى الحديث: الأنصار هم البطانة والخاصة والأصفياء وألصق الناس بي من سائر الناس. (3) الأثرة: الحال غير المرضية كتفضيل غيركم في نصيبه من الفيء. (4) البخاري- الفتح 7 (4330) . ومسلم (1061) واللفظ له. (5) يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا: قال العلماء: الرضا والسخط والكراهة من الله تعالى، المراد بها أمره ونهيه، أو ثوابه وعقابه. أو إرادته الثواب لبعض العباد والعقاب لبعضهم. (6) وأن تعتصموا بحبل الله جميعا: الاعتصام بحبل الله هو التمسك بعهده. وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده، والتأدب بأدبه. والحبل يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة وعلى السبب. وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور، لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم، ويوصلون به المتفرق. فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور. (7) ولا تفرقوا: بحذف إحدى التاءين. أي لا تتفرقوا. وهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض. وهذه إحدى قواعد الإسلام. (8) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم. واختلفوا في حقيقة هذين اللفظين على قولين: أحدهما أنهما فعلان. فقيل مبني لما لم يسم فاعله، وقال فعل ماض. والثاني: أنهما اسمان مجروران منونان. لأن القيل والقال والقول والقالة كله بمعنى. ومنه قوله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا. ومنه قولهم: كثر القيل والقال. (9) وكثرة السؤال: قيل: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لم يقع ولا تدعو إليه حاجة. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك. وقيل: المراد به سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك. قيل: يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره، فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسئول. فإنه لا يؤثر إخباره بأحواله فإن أخبره شق عليه، وإن كذبه في الاخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة. وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب. (10) وإضاعة المال: هو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف. وسبب النهي أنه فساد والله لا يحب المفسدين. ولأنه إذا ضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس. (11) مسلم (1715) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4222 اليمان ببرودة، وكانت أخته تحت حذيفة فقال حذيفة: يا ربعيّ، ما فعل قومك- وذلك زمن خرج النّاس إلى عثمان- قال: قد خرج منهم ناس، قال: فيمنيّ منهم، فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من فارق الجماعة، واستذلّ الإمارة، لقي الله ولا حجّة له عند الله» ) * «1» . 7- * (عن عرفجة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه ستكون هنات وهنات «2» . فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمّة، وهي جميع، فاضربوه بالسّيف، كائنا من كان «3» ) * «4» . 8- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه فرّق بين جارية وولدها فنهاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك وردّ البيع) * «5» . 9- * (عن أسامة بن شريك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما رجل خرج يفرّق بين أمّتي فاضربوا عنقه» ) * «6» . 10- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينا نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله! اعدل. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل» . فقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعه. فإنّ له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم. يقرأون القرآن، لا يجاوز تراقيهم. يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة. ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثمّ ينظر إلى رصافه «7» فلا يوجد فيه شيء، ثمّ ينظر إلى نضيّه «8» فلا يوجد فيه شيء (وهو القدح «9» ) . ثمّ ينظر إلى قذذه «10» فلا يوجد فيه شيء. سبق الفرث والدّم «11» آيتهم رجل أسود. إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل   (1) رواه أحمد (5/ 378) ، والحاكم في المستدرك (1/ 119) وصححه ووافقه الذهبي. (2) هنات وهنات: الهنات جمع هنة، وتطلق على كل شيء. والمراد بها هنا: الفتن والأمور الحادثة. (3) فاضربوه بالسيف كائنا من كان: فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام، أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك. وينهى عن ذلك، فإن لم ينته قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل كان هدرا، فقوله صلّى الله عليه وسلّم «فاضربوه بالسيف» وفي الرواية الأخرى «فاقتلوه» معناه إذا لم يندفع إلا بذلك. (4) مسلم (1852) . (5) أبو داود (2696) واللفظ له وقال الألباني (2/ 514) : حسن. والحاكم في المستدرك (2/ 125) وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي. (6) النسائي (7 (93) قال محقق جامع الأصول: وفي سنده زيد بن عطاء بن السائب، لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات ولكن له شواهد (10/ 32) . (7) إلى رصافه: الرصاف مدخل النصل من السهم. والنصل هو حديدة السهم. (8) نضيه: النضي، كغني، السهم بلا نصل ولا ريش. (9) القدح: قال ابن الأثير: القدح هو السهم الذي كانوا يستقسمون به، أو الذي يرمى به عن القوس. يقال للسهم أول ما يقطع: قطع. ثم ينحت ويبرى فيسمى: بريّا. ثم يقوم فيسمى: قدحا ثم يراش ويركّب نصله فيسمى: سهما. (10) إلى قذذه: القذذ ريش السهم، واحدتها قذة (11) سبق الفرث والدم: أي أن السهم قد جاوزهما ولم يعلق فيه منهما شيء. والفرث اسم ما في الكرش. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4223 البضعة تدردر «1» ، يخرجون على حين فرقة «2» من النّاس» . قال أبو سعيد: فأشهد أنّي سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرّجل فالتمس، فوجد، فأتي به، حتّى نظرت إليه، على نعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «3» الّذي نعت) * «4» . 11- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطّائفتين بالحقّ» ) * «5» . 12- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا ثمّ قال: «هذا سبيل الله» ، ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ثمّ قال: «هذه سبل» - قال يريد: متفرّقة- «على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثمّ قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 103) » ) * «6» . 13- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيّها النّاس إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة، فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة، من سرّته حسنته وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «7» . 14- * (عن عبد الرّحمن بن غنم يبلغ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «خيار عباد الله الّذين إذا رؤوا «8» ذكر الله، وشرار عباد الله المشّاءون بالنّميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبرآء العنت «9» » ) * «10» .   (1) مثل البضعة تدردر: البضعة القطعة من اللحم. وتدردر أصله تتدردر، معناه تضطرب وتذهب وتجيء. (2) على حين فرقة: ضبطوه في الصحيحين بوجهين. أحدهما: حين فرقة، أي وقت افتراق الناس، أي افتراق يقع بين المسلمين، وهو الافتراق الذي كان بين علي ومعاوية- رضي الله عنهما- والثاني: خير فرقة، أي أفضل الفرقتين. والأول أكثر وأشهر. ويؤيده الرواية الأخرى: يخرجون في فرقة من الناس فإنه بضم الفاء بلا خلاف، ومعناه ظاهر. (3) على نعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي على الصفة التي وصفه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها. (4) البخاري- الفتح 12 (6933) . ومسلم (1064) واللفظ له. (5) أبو داود (4667) وقال الألباني (3/ 883) : صحيح. (6) أحمد (435، 465) وصححه الشيخ أحمد شاكر (4142، 4437) ، وابن حبان (1741) موارد الظمآن، والحاكم (2/ 318) وأقره الذهبي. (7) الترمذي (2165) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. (8) إذا رآهم الناس اعترفوا بوجود الله فأثنوا عليه. (9) الباغون للبرآء العنت: الطالبون العيوب القبيحة للشرفاء المنزهين عن الفواحش، أي صفات الأشرار ثلاثة: أ- السعي بالفساد وحب الشقاق والصيد في الماء العكر، وإيقاد نار العداوة. ب- إزالة كل مودة وإماتة كل محبة بالتفريق، والخصام والتنافر بين الأخوين المتصافيين. ج- كيل التهم جزافا للأبرياء وإرخاء العنان للسب والشتم وذكر القبائح والهنات للطاهرين والطاهرات. (10) أحمد (4/ 227) ونحوه عن أسماء بنت يزيد (6/ 459) ، وفي سندهما شهر بن حوشب قال فيه الهيثم: قد وثقه غير واحد، وبقية رجالهما رجال الصحيح (مجمع الزوائد 8/ 93) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4224 15- * (عن أبي إدريس الخولانيّ يقول: سمعت حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ، مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» ، فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن «1» » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي، ويهدون بغير هديي «2» تعرف منهم وتنكر» . فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم. دعاة على أبواب جهنّم «3» . من أجابهم إليها قذفوه فيها» فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: «نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «4» . 16- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ دم امرىء مسلم «5» ، يشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، إلّا بإحدى ثلاث «6» : الثّيّب الزّاني «7» والنّفس بالنّفس «8» والتّارك لدينه «9» ، المفارق للجماعة» ) * «10» . 17- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا يحلّ لرجل أن يفرّق بين اثنين إلّا بإذنهما» ) * «11» . 18- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي   (1) دخن: قال أبو عبيد وغيره: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد. قالوا: والمراد هنا، أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض، ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء. (2) هديي: الهدي الهيئة والسيرة والطريقة. (3) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك. فتجب طاعته في غير معصية. وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها. (4) البخاري- الفتح 6 (3606) ومسلم (1847) واللفظ له. (5) لا يحل دم امرىء مسلم: أي لا يحل إراقة دمه كله، وهو كناية عن قتله ولو لم يرق دمه. (6) إلا بإحدى ثلاث: أي علل ثلاث. (7) الزان: هكذا هو في النسخ: الزان من غير ياء بعد النون. وهي لغة صحيحة. قريء بها في السبع. كما في قوله تعالى: الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ. والأشهر في اللغة إثبات الياء في كل ذلك. (8) والنفس بالنفس: المراد به القصاص بشرطه. (9) والتارك لدينه المفارق للجماعة: عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت. فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام. قال العلماء: ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما. وكذا الخوارج. (10) البخاري- الفتح 12 (6878) ومسلم (1676) واللفظ له. (11) أبو داود (4845) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 918) : حسن صحيح. وهو عند البخاري 2 (910) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4225 الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل «1» ، حتّى أن كان منهم من أتى أمّه علانية، ليكوننّ في أمّتي من يصنع ذلك، وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين وسبعين ملّة، وستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلّها في النّار، إلّا ملّة واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» ) * «2» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه قال: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «3» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «4» ، يغضب لعصبة «5» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة «6» جاهليّة. ومن خرج على أمّتي، يضرب برّها وفاجرها. ولا يتحاش «7» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه» ) * «8» . 20- * (عن أبي بكرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل ناس من أمّتي بغائط يسمّونه: البصرة، عند نهر يقال له: دجلة، يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين» قال ابن يحيى: قال أبو معمر: وتكون من أمصار المسلمين «فإذا كان في آخر الزّمان، جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه، صغار الأعين، حتّى ينزلوا على شطّ النّهر، فيتفرّق أهلها ثلاث فرق: فرقة يأخذون أذناب البقر والبريّة وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا، وفرقة يجعلون ذراريّهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشّهداء» ) * «9» .   (1) حذو النعل بالنعل: أي: مثل النعل، لأن إحدى النعلين يقطع، وتقدر على قدر النعل الأخرى، والحذو: التقدير، وكل من عمل عملا مثل عمل رجل آخر من غير زيادة ولا نقصان، قيل: عمل فلان حذو النعل بالنعل. (2) الترمذي (2643) واللفظ له وقال: حسن غريب. وحسنه مخرج جامع الأصول (10/ 34) . (3) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. (4) عمية: هي بضم العين وكسرها. لغتان مشهورتان. والميم مكسورة مشددة والياء مشددة أيضا. قالوا: الأمر الأعمى لا يستبين وجهه. كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور. قال إسحاق بن راهويه: هذا كتقاتل القوم للعصبية. (5) لعصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. سموا بذلك لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم. أي يحيطون به ويشتد بهم. والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره كذلك لا لنصرة الدين والحق بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. كما يقاتل أهل الجاهلية، فإنهم إنما كانوا يقاتلون لمحض العصبية. (6) فقتلة: خبر لمبتدأ محذوف. أي فقتلته كقتلة أهل الجاهلية. (7) ولا يتحاش: وفي بعض النسخ: يتحاشى، بالياء. ومعناه لا يكترث بما يفعله فيها، ولا يخاف وباله وعقوبته. (8) مسلم (1848) . (9) أبو داود (4306) واللفظ له وقال الألباني (3/ 811) : حسن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4226 الأحاديث الواردة في ذمّ (التفرق) معنى 21- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» ) * «1» . 22- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب، ولكن في التّحريش بينهم «2» » ) * «3» . 23- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمّرة «4» معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمّرة فجعلت تفرش. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها» ) * «5» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المؤمن مؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (التفرق) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153) وفي قوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (الشورى/ 13) ... قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتّفرقة) * «7» . 2- * (عن سيّار قال: جيء برؤوس «8» من قبل العراق فنصبت عند باب المسجد وجاء أبو أمامة فدخل المسجد فركع ركعتين، ثمّ خرج إليهم، فنظر إليهم فرفع رأسه فقال: «شرّ قتلى تحت ظلّ السّماء- ثلاثا-» ، وخير قتلى تحت ظلّ السّماء من قتلوه» وقال: «كلاب النّار- ثلاثا» ، ثمّ إنّه بكى، ثمّ انصرف عنه، فقال له قائل: يا أبا أمامة أرأيت هذا الحديث حيث قلت: كلاب النّار، شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو شيء تقوله برأيك؟ قال: سبحان الله إنّي إذا لجريء، لو سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّة أو مرّتين، حتّى ذكر سبعا، لخلت أن لا أذكره، فقال الرّجل: لأيّ شيء   (1) البخاري- الفتح 6 (3336) واللفظ له، ومسلم عن أبي هريرة (2638) . (2) ولكن في التحريش بينهم: أي ولكنه يسعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها. (3) مسلم (2812) . (4) الحمرة: طائر صغير كالعصفور. (5) أبو داود (2675) وقال الألباني (2/ 508) : صحيح. (6) أحمد (2/ 400) وقال الشيخ أحمد شاكر (18/ 17) برقم (9187) : إسناده صحيح، وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: رواه أحمد والطبراني من حديث سهل بن سعد والحاكم من حديث أبي هريرة وصححه (2/ 172) ولفظه في الإحياء (المؤمن آلف مألوف ولا خير ... ) . (7) تفسير ابن كثير (2/ 191) . (8) أي من الخوارج. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4227 بكيت؟ قال: رحمة لهم أو من رحمتهم» ) * «1» . 3- * (قال ابن كثير- رحمه الله-: قوله تعالى وَلا تَفَرَّقُوا أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التّفرقة) * «2» . 4- * (وقال أيضا: «خيف عليهم الافتراق والاختلاف فقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة: منها فرقة ناجية إلى الجنّة، ومسلّمة من عذاب النّار، وهم الّذين على ما كان عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه» ) * «3» . 5- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «إنّ الألفة ثمرة حسن الخلق، والتّفرّق ثمرة سوء الخلق. فحسن الخلق يوجب التّحابّ والتّآلف والتّوافق، وسوء الخلق يثمر التّباغض والتّحاسد والتّدابر) * «4» . 6- * (قال بعضهم: وجدت مصيبات الزّمان جميعها ... سوى فرقة الأحباب هيّنة الخطب «5» . من مضار (التفرق) (1) نهى الله عن التّفرّق في كلّ صوره؛ لأنّه يشلّ حركة المجتمع المسلم ويوهن المسلمين ويضعفهم. (2) الحذر من الكافرين؛ لأنّهم يفرّقون بين الله ورسله ويؤمنون ببعض الرّسل ويكفرون ببعض (3) سبيل الله واحدة، وسبل الشّيطان متفرّقة، فمن تبعها فقد ضلّ وغوى. (4) اتّباع الأهواء يفرّق، والحبّ والإخاء يجمّع، فلينظر كلّ واحد ماذا يعمل. (5) الاتّحاد قوّة، والتّفرّق وهن وضعف. (6) وهو دليل خبث النّفس وسوء الطّويّة. (7) طريق موصل إلى النّار وسخط الجبّار.   (1) مسند الإمام أحمد (5/ 250) برقم (22213) . (2) تفسير ابن كثير (1/ 390) . (3) المرجع السابق. نفسه، والصفحة نفسها. (4) الإحياء (2/ 171) . (5) المرجع السابق (2/ 188) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4228 التفريط والإفراط التفريط لغة: مصدر قولهم: فرّط في الأمر يفرّط بمعنى قصّر، وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ط) الّتي تدلّ على إزالة شيء عن مكانه، وتنحيته عنه. يقال: فرّطت عنه ما كرهه، أي نحّيته، هذا هو الأصل، ثمّ يقال: أفرط. إذا تجاوز الحدّ في الأمر. يقولون: إيّاك والفرط، أي لا تجاوز القدر. وهذا هو القياس، لأنّه إذا جاوز القدر فقد أزال الشّيء عن جهته، وكذلك التّفريط، وهو التّقصير، لأنّه إذا قصّر فيه فقد قعد به عن رتبته الّتي هي له «1» . والفارط: المتقدّم السّابق، ويقال: فرط يفرط فروطا.. وفرّط إليه رسوله: قدّمه وأرسله، وفرّطه في الخصومة: جرّأه. وفرط القوم يفرطهم فرطا وفراطة: تقدّمهم إلى الورد لإصلاح الأرشية والدّلاء ونحوها. وفرطت القوم أفرطهم فرطا أي سبقتهم إلى الماء. فأنا فارط، والفرط: الماء المتقدّم لغيره من الأمواه، والفراطة الماء يكون شرعا بين عدّة أحياء، من سبق إليه فهو له، والفرط: ما تقدّمك من أجر وعمل، وفرط الولد: صغاره ما لم يدركوا، وجمعه أفراط، وفي الدّعاء الآيات/ الأحاديث/ الآثار 8/ 8/ 14 للطّفل الميّت: اللهمّ اجعله لنا فرطا، أي أجرا يتقدّمنا حتّى نرد عليه. وفرط فلان ولدا، وافترطهم: ماتوا صغارا. والإفراط: أن تبعث رسولا مجرّدا خاصّا في حوائجك. وفارطت القوم مفارطة وفراطا، أي سابقتهم، وهم يتفارطون، وفلان لا يفترط إحسانه وبرّه، أي لا يخاف فوته. والفرطة: اسم للخروج والتّقدّم. وفي حديث أمّ سلمة قالت لعائشة- رضي الله عنها- إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهاك عن الفرطة في الدّين، يعني السّبق والتّقدّم ومجاوزة الحدّ. والفرط: الأمر يفرط فيه، وقيل: هو الإعجال، وقيل: النّدم، وفرط عليه يفرط، عجل عليه وعدا وآذاه، ومن ذلك قوله تعالى: قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا (طه/ 45) . والإفراط: إعجال الشّيء في الأمر قبل التّثبّت. يقال: أفرط فلان في أمره أي عجل فيه. وفرط الشّهوة والحزن: غلبتهما، وأفرط عليه: حمّله فوق ما يطيق، وكلّ شيء جاوز قدره فهو مفرط. والفرط: الحين، وقيل: الفرط أن تأتيه في الأيّام ولا تكون أقلّ من ثلاثة ولا أكثر من خمس عشرة ليلة. وفرّط: كفّ عنه وأمهله «2» .   (1) المقاييس (4/ 490) . (2) اللسان «فرط» (368- 370) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4229 وفرّط الشّيء وفيه تفريطا: ضيّعه وقدّم العجز فيه، وفرّط في جنب الله، ضيّع ما عنده فلم يعمل، ومنه قوله تعالى: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (الزمر/ 56) وأمره فرط أي متروك، وقوله تعالى: وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف/ 28) أي متروكا، ترك فيه الطّاعة وغفل عنها. وقال الطّبريّ في تفسيره: ما فرّطت في جنب الله، معناه فيما تركت من أمر الله، وقال القرطبيّ: قال الحسن: في طاعة الله، وقال الضّحّاك: أي في ذكر الله- عزّ وجلّ- قال: يعني القرآن والعمل به «1» . وفي الحديث «ليس في النّوم تفريط، إنّما التّفريط أن لا يصلّى حتّى يدخل وقت الأخرى» وفرّطه تفريطا: مدحه حتّى أفرط في مدحه، مثل قرّظه. وقال الخليل: فرّط الله تعالى عن فلان ما يكره: نحّاه، وأفرط الأمر إذا نسيه، فهو مفرط، أي منسيّ، وبه فسّر مجاهد وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ أي منسيّون «2» . التفريط والإفراط اصطلاحا: قال الكفويّ: الإفراط: التّجاوز عن الحدّ ويقابله التّفريط «3» ، ويؤخذ منه أنّ التّفريط: هو التّقصير والوقوف دون الحدّ في الأمور، فإذا كان حدّ الاعتدال في أمر من الأمور هو عشر درجات كان الإفراط تجاوز ذلك إلى إحدى عشرة فما فوقها، وكان التّفريط هو تحصيل تسع فما دونها. وقيل: التّفريط في الأمر: التّقصير فيه، وتضييعه حتّى يفوت «4» . التفريط والإفراط مهلكة للفرد والمجتمع: لقد أمر الإسلام بالتّوسّط في الأمور كلّها، فقال سبحانه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة/ 143) والوسطيّة الّتي هي سمة هذه الأمّة يضيّعها أمران: أحدهما: التّقصير الّذي هو التّفريط وما يترتّب عليه من تضييع الحقوق، والتّكاسل عن أداء الواجبات، وينجم عن ذلك تأخّر الأمّة في المجالات الاقتصاديّة من زراعيّة وصناعيّة وتجاريّة وغيرها، وعلى حسب درجة التّفريط يكون اعتماد الأمّة على غيرها، ذلك الاعتماد الّذي يفقدها استقلالها وإرادتها ويجعلها عالة على من يقدّم لها المساعدة. ثانيهما: الإفراط وهو على العكس من ذلك، يؤدّي إلى الغلوّ والإسراف والتّطرّف في الأمور كلّها، وقد يحسب هؤلاء المفرطون أنّهم يحسنون صنعا، إذ يشدّدون على أنفسهم وعلى غيرهم، ولا يجنون من وراء ذلك إلّا كما يجنيه المنبتّ الّذي يهلك دابّته ولا يصل إلى تحقيق غرضه، وقد حذّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من هذا عندما قال: «إنّ هذا الدّين متين فأوغلوا فيه برفق «5» » وقد يحسب هؤلاء المفرطون أنّهم بتسرّعهم وتشدّدهم يقدّمون لأنفسهم ولأمّتهم، وأنّى لهم ذلك وهم   (1) انظر تفسير الطبري (11/ 19) ، تفسير القرطبي (15/ 176) . (2) التاج (10/ 361، 362، 363) . (3) الكليات للكفوي (155) . (4) الصحاح للجوهري (3/ 1148) . (5) مسند الإمام أحمد (3/ 199) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4230 يخالفون صريح ما جاءت به الآيات والأحاديث الّتي تنهى عن التّفريط والإفراط كليهما، وتدعوا إلى التّوسّط والاعتدال؟! وكم من فورة أعقبتها حسرة، وعجلة تبعتها ندامة، والواجب على كلّ مسلم ومسلمة أن ينأى عن التّفريط، وأن يبعد نفسه عن الإفراط حتّى يكون من هؤلاء الّذين قال الله فيهم: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً وليعلم أنّ الفضائل كلّها منوطة بعدم التّفريط والإفراط في الأمور كلّها «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التهاون- الكسل- صغر الهمة- الإهمال- التخلف عن الجهاد- الوهن التخاذل- انتهاك الحرمات- التولي. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- الاستقامة- علو الهمة- جهاد الأعداء- تعظيم الحرمات- القوة- قوة الإرادة- الشجاعة- العزم والعزيمة- الصبر والمصابرة] .   (1) مثال ذلك أن الشجاعة هي المنزلة الوسط بين الجبن والتهور، والجود وسط بين التقصير والإسراف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4231 الآيات الواردة في «التفريط والإفراط» 1- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) «1» 2- وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) «2» 3- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) «3» 4- فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) «4» 5- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) «5» 6- وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «6» 7- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) «7» 8- أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) «8»   (1) الأنعام: 31 مكية (2) الأنعام: 38 مكية (3) الأنعام: 61 مكية (4) يوسف: 80 مكية (5) النحل: 62 مكية (6) الكهف: 27- 28 مكية (7) طه: 43- 46 مكية (8) الزمر: 56 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4232 الأحاديث الواردة في ذمّ (التفريط والإفراط) 1- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء الله غدا» ، فانطلق النّاس لا يلوي «1» أحد على أحد، قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير حتّى ابهارّ «2» اللّيل وأنا إلى جنبه، قال: فنعس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمال عن راحلته فأتيته فدعمته «3» من غير أن أوقظه ... - إلى أن قال: فمال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الطّريق، فوضع رأسه، ثمّ قال: «احفظوا علينا صلاتنا، فكان أوّل من استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والشّمس في ظهره، قال: فقمنا فزعين، ثمّ قال: «اركبوا» فركبنا، فسرنا حتّى إذا ارتفعت الشّمس نزل، ثمّ دعا بميضأة «4» كانت معي فيها شيء من ماء قال: فتوضّأ منها وضوءا دون وضوء، قال: وبقي فيها شيء من ماء، ثمّ قال لأبي قتادة: «احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ» ، ثمّ أذّن بلال بالصّلاة، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين ثمّ صلّى الغداة، فصنع كما كان يصنع كلّ يوم، قال: وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وركبنا معه، قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض ما كفّارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثمّ قال: «أما لكم فيّ أسوة؟» ثمّ قال: «أما إنّه ليس في النّوم تفريط، إنّما التّفريط على من لم يصلّ الصّلاة حتّى يجيء وقت الصّلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها ... الحديث) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التفريط والإفراط) معنى 2- * (عن المخدجيّ: أنّه سمع رجلا بالشّام يكنى أبا محمّد يقول: الوتر واجب، قال المخدجيّ: فرحت إلى عبادة بن الصّامت، فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد، فأخبرته بالّذي قال أبو محمّد، فقال عبادة: كذب أبو محمّد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد، من جاء بهنّ لم يضيّع منهنّ شيئا استخفافا بحقّهنّ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنّة، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند الله عهد، إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنّة» ) * «6» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي   (1) لا يلوي أحد على أحد: لا يعطف. (2) ابهارّ الليل: انتصف. (3) فدعمته: أقمت ميله من النوم وصرت تحته كالدعامة. (4) ميضأة: هي الإناء الذي يتوضأ به. (5) البخاري- الفتح (2/ 595) ، مسلم (681) واللفظ له، وخرجاه من حديث جماعة من الصحابة. (6) النسائي (1/ 230) واللفظ له، وقال الألباني (1/ 447) ص (1000) : صحيح، أبو داود (425) ، ابن ماجه (1401) ، أحمد (5/ 315- 316) . ومالك في «الموطأ» (1/ 123) وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 45) : وهو حديث صحيح لطرقه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4233 الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت» ) * «1» . 4- * (عن أبي المليح أنّ عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار- رضي الله عنه- في مرضه فقال له معقل: إنّي محدّثك بحديث لولا أنّي في الموت لم أحدّثك به. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من أمير يلي أمر المسلمين ثمّ لا يجهد لهم وينصح إلّا لم يدخل معهم الجنّة» ) * «2» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد ناسا في بعض الصّلوات فقال: «لقد هممت أن آمر رجلا يصلّي بالنّاس ثمّ أخالف إلى رجال يتخلّفون عنها فآمر بهم فيحرّقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنّه يجد عظما سمينا لشهدها- يعني صلاة العشاء-» ) * «3» . 6- * (عن ابن عمر وأبي هريرة- رضي الله عنهم- أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على أعواد منبره: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم «4» الجمعات، أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثمّ ليكوننّ من الغافلين» ) * «5» . 7- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الّذي كان عنده، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنّه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه» ) * «6» . 8- * (عن أبي الجعد الضّمريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه» ) * «7» .   (1) أبو داود (1692) ، الحاكم (1/ 415) ، وقال: صحيح الإسناد، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 65) ، وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 164) ، وكذا في الإرواء (3/ 406- 407) متفق عليه، وعزاه إلى جماعة آخرين. (2) البخاري- الفتح 13 (7150) ، مسلم (142) واللفظ له. (3) مسلم (651) . (4) ودعهم: تركهم الجمعات. (5) مسلم (865) واللفظ له والنسائي (3/ 88) . (6) البخاري- الفتح 5 (2623) واللفظ له، مسلم (1620) ، وفيه فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له. (7) النسائي (3/ 88) ، وقال الألباني (2968) : حسن صحيح، أبو داود (1052) واللفظ لهما، الترمذي (500) ، ابن ماجة (1125) ، وذكره المنذري في الرغيب والترهيب (1/ 509) ، وزاد نسبته إلى ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، قال الأرناؤوط في تخريج جامع الأصول (5/ 666) : صحيح بشواهده. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4234 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التفريط والإفراط) 1- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: لا يرى الجاهل إلّا مفرطا «1» ) * «2» . 2- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني «3» على أن يبهتني «4» ) * «5» . 3- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما- لمّا بلغه حديث أبي هريرة في فضل اتّباع الجنائز: لقد فرّطنا في قراريط كثيرة) * «6» . 4- * (قال أبو جعفر: كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا لم يعده، ولم يقصّر دونه) * «7» . 5- * (قال سعيد بن المسيّب: لمّا صدر عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- من منى أناخ بالأبطح، ثمّ كوّم كومة بطحاء، ثمّ طرح عليها رداءه واستلقى، ثمّ مدّ يديه إلى السّماء، فقال: اللهمّ كبرت سنّي، وضعفت قوّتي، وانتشرت رعيّتي فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط. وذكر خطبته) * «8» . 6- * (عن ثابت الشّيبانيّ قال: كنّا مع أنس ابن مالك فأخّر الحجّاج الصّلاة، فقام أنس يريد أن يكلّمه فنهاه إخوانه شفقة عليه منه، فخرج فركب دابّته فقال في مسيره ذلك: والله ما أعرف شيئا ممّا كنّا عليه على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا شهادة أن لا إله إلّا الله، فقال رجل: فالصّلاة يا أبا حمزة؟ قال: قد جعلتم الظّهر عند المغرب، أفتلك كانت صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟) * «9» . 7- * (قال أبو جعفر الطّحاويّ- رحمه الله تعالى- في الطّحاويّة: ودين الله في الأرض والسّماء واحد، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلوّ والتّقصير، وبين التّشبيه والتّعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس) * «10» . 8- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: الويل كلّ الويل على المفرّط الّذي لا ينظر في عاقبته) * «11» . 9- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (الكهف/ 28) : لا تطع من شغل عن الدّين وعبادة ربّه بالدّنيا، والحال أنّ أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعا له ولا محبّا لطريقته بما هو فيه) * «12» .   (1) المفرط بالتخفيف: المسرف، والمفرّط بالتشديد: المقصر. (2) لسان العرب (6/ 3391) . (3) شنآني: بغضي وكرهي. (4) يبهتني: البهتان أشد الكذب. (5) أحمد (1/ 160) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن (2/ 354) . (6) البخاري- الفتح (3/ 1324) . (7) ابن ماجة (4) . (8) الموطأ (824) . (9) البخاري- الفتح (2/ 17، 18) . (10) شرح الطحاوية لابن أبي العز بتخريج الألباني (585) . (11) صيد الخاطر (245) . (12) التفسير (3/ 82) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4235 10- قال الماورديّ في قوله تعالى وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف/ 28) فيه خمسة تأويلات، أحدها: ضيّقا، وهو قول مجاهد، الثّاني: متروكا قاله الفرّاء، الثّالث: ندما قاله ابن قتيبة، الرّابع: سرفا وإفراطا قاله مقاتل، الخامس: سريعا، قاله ابن بحر، يقال: أفرط إذا أسرف، وفرّط إذا قصّر) * «1» . 11- * (وقال في قوله تعالى: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا (طه/ 45) فيه وجهان: أحدهما أن يعجل علينا، الثّاني: يعذّبنا عذاب الفارط في الذّنب وهو المتقدّم فيه، قاله المبرّد، ويقال لمن أكثر في الشّيء: أفرط، ولمن نقص منه: فرّط) * «2» . 12- * (وقال ابن عطيّة في قوله تعالى: وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً يحتمل أن يكون الفرط بمعنى التّفريط والتّضييع، أي كان أمره الّذي يجب أن يلزم ويهتمّ به من الدّين تفريطا، ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف، أي كان أمره وهواه الّذي هو سبيله إفراطا وإسرافا) * «3» . 13- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً قيل: هو من التّفريط الّذي هو التّقصير وتقديم العجز بترك الإيمان، وقيل: من الإفراط ومجاوزة الحدّ، وكان القوم قالوا: نحن أشراف مضر إن أسلمنا أسلم النّاس، وكان هذا من التّكبّر والإفراط في القول) * «4» . 14- * (قال الطّبريّ في قوله تعالى: إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (طه/ 45) الإفراط: هو الإسراف والإشطاط والتّعدّي، والتّفريط: التّواني) * «5» . من مضار (التفريط والإفراط) (1) يؤدّي إلى العقاب الشّديد. (2) في التّفريط ضياع للثّواب. (3) البعد عن الله واستحقاق البغض. (4) التّفريط في العبادة مدعاة إلى الكسل. (5) يستجلب الغفلة عن ذكر الله. (6) شيوع الفساد في المجتمع. (7) الانقطاع عن الطّاعة، وعدم الاستمرار فيها، قد يؤدّي إلى تركها بالكليّة.   (1) النكت والعيون (3/ 302) . (2) المرجع السابق (3/ 405) . (3) روح المعاني للألوسي (15/ 265) . (4) تفسير القرطبي (5/ 255) . (5) جامع البيان (8/ 420) بتصرف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4236 التكاثر التكاثر لغة: مصدر قولهم: تكاثر فلان وفلان أي قال كلّ منهما أنا أكثر منك في كذا أو طلب أن يكون كذلك، وهو مأخوذ من مادّة (ك ث ر) الّتي تدلّ على خلاف القلّة، يقال من ذلك: كاثر بنو فلان بني فلان فكثروهم، أي كانوا أكثر منهم، وعدد كاثر أي كثير، قال الأعشى: ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنّما العزّة للكاثر «1» وقال الرّاغب: الكثرة والقلّة يستعملان في الكمّيّات المنفصلة كالأعداد، ويستعمل العظم والصّغر في الأجسام، ثمّ يستعمل كلّ واحد من الكثرة والعظم ومن القلّة والصّغر للآخر «2» ، وعلى ذلك فقول الله تعالى: وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ جعلها كثيرة اعتبارا بمطاعم الدّنيا، وليست الإشارة للعدد فقط بل إلى الفضل كذلك «3» ، وعدد كثير وكثار وكاثر أي زائد، ورجل كاثر إذا كان كثير المال، وقول الله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (الكوثر/ 1) قيل هو: نهر في الجنّة، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 24/ 29/ 19 وقيل بل هو: الخير العظيم الّذي أعطيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «4» . وعن مجاهد: هو خير الدّنيا والآخرة، وقال عكرمة: هو ما أعطاه الله إيّاه من النّبوّة والخير والقرآن «5» . وقيل: الكوثر هاهنا: الخير الكثير الّذي يعطيه الله أمّته يوم القيامة، قال ابن منظور: وكلّ ذلك راجع إلى معنى الكثرة، إذ جميع ذلك قد أعطيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أعطي النّبوّة، وإظهار الدّين الّذي بعث به على كلّ دين، والنّصر على أعدائه، والشّفاعة لأمّته، وما لا يحصى من الخير، وقد أعطي من الجنّة على قدر فضله على أهل الجنّة «6» ، والكوثر على ذلك (فوعل) من الكثرة أي المفرط فيها، قيل لأعرابيّة رجع ابنها من السّفر: بم آب ابنك؟ قالت: بالكوثر، وقال الكميت: وأنت كثير يا بن مروان طيّب ... وكان أبوك ابن العقائل كوثرا «7» الكوثر هنا: قيل: الرّجل السّخيّ، وقيل: السّيّد الكثير الخير، ويقال: تكوثر الشّيء: كثر كثرة متناهية، واستكثرت من الشّيء أكثرت منه، والكثر من المال: الكثير، يقال: الحمد لله على الكثر والقلّ أي على   (1) مقاييس اللغة (5/ 161) . (2) المفردات للراغب (410) . (3) يشير الراغب بذلك إلى أن الكثرة قد تستعمل في الكيف كما تستعمل في الكمّ. (4) المفردات للراغب (246) ، معاني القرآن للفراء (3/ 295) . (5) الدر المنثور للسيوطي (6/ 688) . (6) لسان العرب «كثر» (8293) ط. دار المعارف. (7) المفردات للراغب (326) ، لسان العرب (3828) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4237 الكثير والقليل، والتّكاثر: المكاثرة، وفلان يتكثّر بمال غيره، وإذا نفد ماله وكثرت عليه الحقوق قيل: فلان مكثور عليه «1» . وفي حديث قزعة: أتيت أبا سعيد وهو مكثور عليه، أراد أنّه كان عنده جمع من النّاس يسألونه عن أشياء فكأنّهم كان لهم عليه حقوق فهم يطلبونها، ويقال: كاثرناهم فكثرناهم أي غلبناهم بالكثرة، وكثّر الشّيء: جعله كثيرا وأكثر: أتى بكثير، وقيل: هما بمعنى، وأكثر الله فينا مثلك، أي جعل، وأكثر الرّجل: كثر ماله، وكثّر في الأمر أي أكثر القول والعيب، وفي حديث الإفك «ولها ضرائر إلّا كثّرن فيها» قال ابن الأثير: أي كثّرن القول فيها والعيب لها «2» ، وقول الله تعالى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (التكاثر/ 1- 2) قيل نزلت في حيّين تفاخروا أيّهم أكثر عددا وهم بنو عبد مناف وبنو سهم فكثرت بنو عبد مناف بني سهم، فقالت بنو سهم: إنّ البغي أهلكنا في الجاهليّة فعادّونا بالأحياء والأموات. فكثرتهم بنو سهم، فأنزل الله تعالى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ أي حتّى زرتم الأموات، وقيل: بل المعنى: ألهاكم التّفاخر بكثرة العدد والمال حتّى زرتم المقابر أي حتّى متّم، قال جرير للأخطل: زار القبور أبو مالك ... فأصبح ألأم زوّارها فجعل زيارة القبور بالموت، وقولهم: أكثر النّخل: أطلع، من قولهم، الكثر: جمّار النّخل وهو شحمه الّذي في وسط النّخلة «3» . التكاثر اصطلاحا: قال الرّاغب: التّكاثر: التّباري في كثرة المال والعزّ «4» . وقال ابن القيّم: التّكاثر أن يطلب الرّجل أن يكون أكثر من غيره، قال: وهو مذموم إلّا فيما يقرّب إلى الله عزّ وجلّ «5» . مجالات التكاثر: قال ابن القيّم: التّكاثر يكون في كلّ شيء من مال، أو جاه، أو رياسة، أو نسوة، أو حديث، أو علم، ولا سيّما إذا لم يحتج إليه ويكون التّكاثر (أيضا) في الكتب والتّصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها «6» . التكاثر بين المدح والذم: التّكاثر قد يكون محمودا إذا كان في طاعة الله عزّ وجلّ، وقد روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «استكثروا من الباقيات الصّالحات» قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الملّة» (ثلاث مرّات) قيل: وما الملّة يا رسول الله؟ (للمرّة الرّابعة) قال: «التّكبير والتّهليل والتّسبيح والتّحميد، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم «7» ،   (1) الصحاح (2/ 803) . (2) النهاية (4/ 153) . (3) لسان العرب «كثر» (3828) باختصار وتصرف. ط. دار المعارف. (4) المفردات للراغب (426) . (5) الفوائد لابن القيم (41) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) أحمد في المسند 3/ 75 (حديث رقم 11719) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4238 أمّا إذا كان التّكاثر في غير ذلك من الأعراض الزّائلة من المال والولد ونحوهما فإنّه مذموم ومنهيّ عنه شرعا، يقول الإمام ابن القيّم: كلّ ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في التّكاثر المذموم «1» الّذي يلهي الإنسان ويشغله، وربّما وصل به إلى أن يموت ضالّا. التكاثر وحب الدنيا: إنّ إيثار الحياة الدّنيا والاغترار بها والخلود إليها هي العوامل الأساسيّة الّتي تدعو إلى التّكاثر في المال أو الجاه وغيرهما من مجالات التّكاثر الّتي أشرنا إليها، ويظلّ حبّ الدّنيا ملازما للإنسان حتّى مع كبر سنّه واقتراب نذر الموت منه، يقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال قلب الكبير شابّا في اثنتين: في حبّ الدّنيا، وطول الأمل» «2» ، وهؤلاء المتكاثرون هم من أبناء الدّنيا الّذين أشار إليهم عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في قوله: «ارتحلت الدّنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل» «3» . إنّ النّهي عن التّكاثر النّاشيء عن حبّ الدّنيا لا ينبغي بحال أن يفهم منه النّهي عن اكتساب المعايش أو السّعي في طلب الرّزق، قال تعالى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص/ 77) ، يقول ابن الجوزيّ: بالغ قوم في هجر الدّنيا من غير بحث عن حقيقتها، وذلك أنّه ما لم يعرف حقيقة الشّيء فلا يجوز أن يمدح أو يذمّ، فإذا بحثنا عن الدّنيا رأينا هذه الأرض البسيطة الّتي جعلت قرارا للخلق، تخرج منها أقواتهم، ويدفن فيها أمواتهم، ومثل هذا لا يذمّ لموضع المصلحة فيه، وكلّ ما في هذه الدّنيا من ماء وزرع وحيوان، كلّه لمصالح الآدميّ وفيه حفظ لسبب بقائه، الّذي هو سبب لمعرفته ربّه وطاعته إيّاه، وخدمته، وما كان سببا لبقاء العارف العابد فإنّه يمدح ولا يذمّ، فبان لنا أنّ الذّمّ إنّما هو لا أفعال الجاهل المتكاثر، أو المعاصي المفسد، أمّا إذا اقتنى المرء المال المتاح، وأدّى زكاته، فلا لوم «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الأمن من المكر- البطر- الكبر والعجب- اتباع الهوى- الأثرة- الكنز- البخل- الشح- أكل الحرام- التطفيف- السرقة- الغش- الربا. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الزهد- التواضع- التقوى- الورع- الإنفاق- الإيثار- البر- الجود- السخاء- الصدقة- الإحسان- الزكاة- الكرم- النزاهة- أكل الطيبات] .   (1) الفوائد لابن القيم (41) . (2) رواه البخاري عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في كتاب الرقاق، انظر فتح الباري (11/ 243) . (3) المرجع السابق (11/ 239) . (4) صيد الخاطر لابن الجوزي (18) بتصرف يسير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4239 الآيات الواردة في «التكاثر» 1- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) «1» 2- قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) «2» 3- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «3» 4- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) «4» 5- أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) «5» من الآيات الواردة في حب الدنيا المؤدي للتكاثر 6- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)   (1) الأنعام: 128 مكية (2) الأعراف: 188 مكية (3) الحديد: 20 مدنية (4) المدثر: 1- 7 مكية (5) التكاثر: 1- 8 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4240 أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) «1» 7- بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) «2» 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «3» 9- وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) «4» 10- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) «5» 11- اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (26) «6» 12- الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) «7» 13- ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) «8» 14- وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45) «9» 15- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) «10» 16- يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) «11» 17- فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (29) «12» . «13»   (1) البقرة: 85- 86 مدنية (2) البقرة: 112 مدنية (3) النساء: 94 مدنية (4) يونس: 88 مكية (5) هود: 15 مكية (6) الرعد: 26 مكية (7) إبراهيم: 3 مكية (8) النحل: 107 مكية (9) الكهف: 45 مكية (10) القصص: 79 مكية (11) غافر: 39 مكية (12) النجم: 29 مكية (13) انظر آيات أخرى تتعلق بالنهي عن حب الدنيا والاغترار بها في صفتي: الغرور، واللهو واللعب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4241 الآيات الواردة في «الكثرة أو التكثير» ولها معنى آخر 18- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) «1» 19- قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) «2» 20- وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) «3» 21- إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) «4» 22- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) «5» 23- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) «6» 24- وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) «7»   (1) النساء: 7 مدنية (2) المائدة: 100 مدنية (3) الأعراف: 86 مكية (4) الأنفال: 19 مدنية (5) التوبة: 25 مدنية (6) هود: 32- 33 مكية (7) الفجر: 10- 13 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4242 الأحاديث الواردة في ذمّ (التكاثر) 1- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرّة المدينة فاستقبلنا أحد «1» فقال: «يا أبا ذرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: «ما يسرّني أنّ عندي مثل أحد هذا ذهبا، تمضي عليّ ثالثة «2» وعندي منه دينار، إلّا شيئا أرصده لدين، إلّا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا» - عن يمينه وعن شماله ومن خلفه- ثمّ مشى ثمّ قال: «إنّ الأكثرين «3» هم المقلّون يوم القيامة، إلّا من قال: هكذا وهكذا وهكذا- عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه- وقليل ما هم» ثمّ قال لي: «مكانك، لا تبرح حتّى آتيك» ، ثمّ انطلق في سواد اللّيل حتّى توارى، فسمعت صوتا قد ارتفع، فتخوّفت أن يكون أحد عرض للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأردت أن آتيه، فتذكّرت قوله لي: «لا تبرح حتّى آتيك» فلم أبرح حتّى أتاني، قلت يا رسول الله، لقد سمعت صوتا تخوّفت (منه) ، فقال: «وهل سمعته؟» قلت: نعم، قال: «ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمّتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة» قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق» ) * «4» . 2- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: خرجت ليلة من اللّيالي، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمشي وحده وليس معه إنسان، قال: فظننت أنّه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظلّ القمر، فالتفت فرآني فقال: «من هذا؟» قلت: أبو ذرّ، جعلني الله فداءك، قال: «يا أبا ذرّ تعال» فمشيت معه ساعة، فقال لي: إنّ المكثرين هم المقلّون «5» . يوم القيامة، إلّا من أعطاه الله خيرا فنفح فيه يمينه وشماله، وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيرا ... الحديث» ) * «6» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سأل النّاس أموالهم تكثّرا «7» ، فإنّما يسأل جمرا، فليستقلّ أو ليستكثر» ) * «8» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم التّكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ ولكن أخشى عليكم العمد» ) * «9» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نخل لبعض أهل المدينة فقال: «يا أبا هريرة هلك المكثرون إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا ثلاث مرّات، حثى «10» بكفّه عن يمينه وعن يساره وبين يديه، وقليل ماهم» ، ثمّ مشى   (1) أحد: جبل معروف بالمدينة. (2) المراد ليلة ثالثة، وقيّد الليالي بالثلاث لأنها الوقت الذي يلزم لتوزيع مثل هذا المال. (3) المراد الإكثار من المال والإقلال من ثواب الآخرة. (4) البخاري- الفتح 11 (6444) واللفظ له، ومسلم 2 (94) . (5) قال ابن حجر: وقع في رواية المعرور عن أبي ذر «الأخسرون» بدل «المقلون» قال ابن حجر: وهو بمعناه بناء على أنّ المراد بالقلة في الحديث قلة الثواب، وكل من قلّ ثوابه فهو خاسر بالنسبة لمن كثر ثوابه» . (6) البخاري- الفتح 11 (6443) ، مسلم 2 (94) . (7) تكثرا: أي يكثر ماله. (8) مسلم 2 (1041) . (9) المسند 2/ 308 برقم (8094) ، الترغيب والترهيب 4/ 180 وقال الحافظ المنذري رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح، وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. (10) حثى: المراد هنا فرّق شيئا كان بيده. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4243 ساعة فقال: «يا أبا هريرة ألا أدلّك على كنز من كنوز الجنّة؟» فقلت بلى يا رسول الله. قال: «قل لا حول ولا قوّة إلّا بالله ولا ملجأ من الله إلّا إليه» ثمّ مشى ساعة فقال: «يا أبا هريرة، هل تدري ما حقّ النّاس على الله، وما حقّ الله على النّاس؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ حقّ الله على النّاس أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا فإذا فعلوا ذلك فحقّ عليه أن لا يعذّبهم» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا شتم أبا بكر والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جالس، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعجب ويتبسّم، فلمّا أكثر ردّ عليه بعض قوله، فغضب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلمّا رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت. قال: «إنّه كان معك ملك يردّ عنك فلمّا رددت عليه بعض قوله وقع الشّيطان فلم أكن لأقعد مع الشّيطان» ثمّ قال: «يا أبا بكر، ثلاث كلّهنّ حقّ، ما من عبد ظلم بمظلمة فيفضي عنها لله عزّ وجلّ إلّا أعزّ الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطيّة يريد بها صلة إلّا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلّا زاده الله عزّ وجلّ بها قلّة» ) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قلب الشّيخ شاب على حبّ اثنتين: طول الحياة وكثرة المال» ) * «3» . 8- * (عن مطرّف عن أبيه أنّه انتهى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ. قال: «يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلّا ما تصدّقت فأمضيت، أو أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت؟» ) * «4» . 9- * (عن سهل ابن الحنظليّة قال: قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فسألاه، فأمر لهما بما سألا، فأمّا الأقرع فأخذ كتابه فلفّه في عمامته، وانطلق، وأمّا عيينة فأخذ كتابه وأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكانه فقال: يا محمّد، أتراني حاملا إلى قومي كتابا لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمّس «5» ، فأخبره معاوية بقولة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «6» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سأل وعنده ما يغنيه فإنّما يستكثر من النّار» أو قال: «من جمر جهنّم» فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ أو قيل: وما الغنى الّذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: «قدر ما يغدّيه ويعشّيه» أو قال: «أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم» ) * «7» . 10- * (عن عبد الرّحمن بن شبل قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اقرأوا القرآن ولا تغلوا   (1) المسند 18/ 182 برقم (9622) طبعة أحمد شاكر واللفظ له، 2/ 358، 2/ 391، 5/ 181، وابن ماجة 2/ 4129، وفي الزوائد اسناده صحيح ورجاله ثقات، والترمذي 3/ 617، والنسائي 5/ 9 برقم (2440) . (2) المسند 2/ 436 برقم (9637) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 190) : رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح، وصحح إسناده الشيخ الألباني في الصحيحة (2231) . (3) الترمذي 4 (2338) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة 2 (4233) ، والمسند 2/ 358 برقم (8720) . (4) سنن الترمذي 4 (4342) ، وقال: حديث حسن صحيح. (5) صحيفة المتلمس: كتاب حمله الشاعر المعروف (المتلمس) ولم يكن يدري أن فيه الأمر بقتله، فلما سلّم الكتاب أمر بقتله فقتل فصار ذلك مثلا. (6) في الكلام إيجاز والمراد أخبر ما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد قاله وكان عليه الصلاة والسلام قد قال: «من سأل ... الحديث» . (7) سنن أبي داود 2 (1629) واللفظ له، والمسند 4 (181) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 152) : حديث صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4244 فيه ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به» ) * «1» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقوم السّاعة حتّى يكثر فيكم المال فيفيض، حتّى يهمّ ربّ المال من يقبل صدقته، وحتّى يعرضه فيقول الّذي يعرضه عليه: لا أرب «2» لي» ) * «3» . 12- * (عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أشراط السّاعة أن يفشو المال ويكثر وتفشو التّجارة ويظهر العلم ويبيع الرّجل البيع فيقول: لا حتّى أستأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحيّ العظيم الكاتب فلا يوجد» ) * «4» . 13- * (عن سلمة بن صخر البياضيّ قال: كنت امرأ أستكثر من النّساء لا أرى رجلا كان يصيب من ذلك ما أصيب، فلمّا دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتّى ينسلخ رمضان، فبينما هي تحدّثني ذات ليلة انكشف منها شيء فوثبت عليها فواقعتها ... الحديث» ) * «5» . 14- * (قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه سيصيب أمّتي داء الأمم» قالوا: وما داء الأمم؟ قال: «الأشر «6» والبطر «7» والتّكاثر والتّنافس في الدّنيا، والتّباعد والتّحاسد حتّى يكون البغي ثمّ الهرج «8» » ) * «9» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض «10» ، ولكنّ الغنى غنى النّفس» ) * «11» . 16- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «لو أنّ لابن آدم واديا من ذهب أحبّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلّا التّراب، ويتوب الله على من تاب» قال أبيّ: كنّا نرى هذا (الحديث) من القرآن، حتّى نزلت أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ» ) * «12» . 17- * (عن ثابت بن الضّحّاك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء في الدّنيا عذّب به يوم القيامة، ومن ادّعى دعوى كاذبة ليتكثّر بها لم يزده الله إلّا قلّة، ومن حلف على يمين صبر فاجرة «13» » ) * «14» .   (1) المسند 3/ 428 برقم (15535) . (2) لا أرب لي: أي لا حاجة لي لاستغنائي عنه. (3) البخاري- الفتح 3 (1412) واللفظ له، ومسلم (157) . (4) النسائي 7/ 174، 175 برقم (4456) . (5) أبو داود (2213) ، والترمذي (1200) وقال: حديث حسن، ويقال: سليمان بن صخر، وسلمة ابن صخر، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، في كفارة الظهار، وابن ماجه (2062) . (6) الأشر: أشدّ البطر. (7) البطر: الطغيان عند النعمة وطول الغنى. (8) الهرج: القتل والاختلاط، وأصله الكثرة في الشيء والاتساع فيه. (9) إحياء علوم الدين 3/ 199، وقال الحافظ العراقي: أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة بإسناد جيّد. (10) العرض: هو ما ينتفع به من متاع الدنيا. (11) البخاري- الفتح 11 (6446) ، ومسلم 2 (1051) . (12) البخاري- الفتح 11 (6439) و (6440) . (13) قوله: «ومن حلف على يمين صبر فاجرة» معطوف على قوله: «ومن ادعى دعوى كاذبة» ، أي وكذلك من حلف على يمين صبر فهو مثله (أي يزداد قلة) ، ويمين الصبر هي التي ألزم بها الحالف عند الحاكم ونحوه، والفجور في اليمين، الكذب فيها (انظر هامش 5 في صحيح مسلم ج 1 ص 104) . (14) البخاري- الفتح 7 (4171) ، ومسلم (110) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4245 الأحاديث الواردة في ذمّ (التكاثر) معنى 18- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر وجلسنا حوله فقال: «إنّ ممّا أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها» ) * «1» . 19- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف «2» لدينه» ) * «3» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعس «4» عبد «5» الدّينار والدّرهم والقطيفة «6» والخميصة «7» ، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض» ) * «8» . 21- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له» ) * «9» . 22- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التّراب، ويتوب الله على من تاب» ) * «10» . 23- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما يزال الرّجل يسأل النّاس حتّى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم» ) * «11» . 24- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أصحابه، فقال: «الفقر تخافون أو العوز أم تهمّكم الدّنيا؟ فإنّ الله فاتح عليكم فارس والرّوم وتصبّ عليكم الدّنيا صبّا حتّى لا يزيغكم بعد أن زغتم «12» إلّا هي» ) * «13» . 25- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الشّيطان- لعنه الله-: لن يسلم منّي صاحب المال من إحدى ثلاث، أغدو عليه بهنّ وأروح: أخذه من غير حلّه، وإنفاقه في   (1) البخاري- الفتح 11 (6427) ، ومسلم (1052) واللفظ له. (2) الشرف: أي الجاه، وقوله لدينه: أي أفسد لدينه، والمعنى: ليس الذئبان الجائعان بأفسد للغنم من إفساد المال والجاه لدين المسلم. (3) سنن الترمذي 4 (2376) وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد في المسند (3/ 456) ، وقال محقق جامع الأصول (3/ 627) : حديث صحيح. (4) تعس: هلك. (5) عبد الدينار: الحريص على جمعه. (6) القطيفة: ثوب به خمل. (7) الخميصة: كساء مربع. (8) البخاري- الفتح 11 (6435) . (9) المسند 6/ 71 برقم (4473) ، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 288) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير دويد وهو ثقة. (10) البخاري- الفتح 11 (6436) واللفظ له، والترمذي 4 (337) . (11) البخاري- الفتح 3 (1475) وقد ذكر الإمام البخاري هذا الحديث مترجما له بقوله «باب من سأل الناس تكثرا» . (12) زغتم: أي ملتم وانحرفتم عن الجادّة. (13) أحمد (6/ 24) وقد صرح فيه «بقية بن الوليد بالتحديث» وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 245) : رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجاله وثقوا؛ إلا أن بقية مدلس وإن كان ثقة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4246 غير حقّه، وأحبّبه إليه فيمنعه من حقّه» ) * «1» . 26- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما أهلك من كان قبلكم الدّينار والدّرهم وهما مهلكاكم» ) * «2» . 27- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أشرب حبّ الدّنيا التاط «3» منها بثلاث: شقاء لا ينفد عناه، وحرص لا يبلغ غناه، وأمل لا يبلغ منتهاه، فالدّنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلب الدّنيا طلبته الآخرة حتّى يدركه الموت فيأخذه، ومن طلب الآخرة طلبته الدّنيا حتّى يستوفي منها رزقه» ) * «4» . 28- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ذئبان ضاريان في حظيرة يأكلان ويفسدان بأضرّ فيها من حبّ الشّرف وحبّ المال في دين المرء المسلم» ) * «5» . 29- * (عن عمر بن عوف الأنصاريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أظنّكم سمعتم أنّ أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟» فقالوا: أجل يا رسول الله. قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم فو الله مالفقر أخشى عليكم، ولكنّي أخشى أن تبسط الدّنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التكاثر) 1- * (عن عليّ- رضي الله عنه وكرّم الله وجهه- قال: ما زلنا نشكّ في عذاب القبر حتّى نزلت أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) * «7» . 2- * (عن ابن عبّاس والحسن في قوله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ قالا: التّكاثر من الأموال والأولاد) * «8» . 3- * (عن ابن عبّاس ومقاتل والكلبيّ في قوله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ: نزلت في حيّين من قريش، بني عبد مناف وبني سهم، تعادّوا وتكاثر وبالسّادة والأشراف في الإسلام، فقال كلّ حيّ منهم: نحن أكثر سيّدا وأعزّ عزيزا، وأعظم نفرا، وأكثر عائذا فكثر بنو عبد مناف سهما «9» ، ثمّ تكاثروا في الأموات فكثرتهم بنو سهم. فأنزل الله السّورة السّابقة) * «10» . 4- * (عن قتادة في قوله تعالى حَتَّى زُرْتُمُ   (1) الترغيب والترهيب، ج 4 ص 182، وقال المنذري: ورواه الطبراني بإسناد حسن. (2) المرجع السابق نفسه، وقال المنذري: رواه البزار بإسناد جيّد. (3) التاط: التصق به. (4) الترغيب والترهيب ج 4 ص 176، وقال المنذري: رواه الطبراني بإسناد حسن، والهيثمي في المجمع (10/ 249) . (5) المرجع السابق ج 4 ص 177، وقال المنذري: رواه البزار بإسناد جيّد، وقد سبق تخريجه في نفس الصفة. (6) البخاري- الفتح 11 (6425) ، وهو عند مسلم كذلك. (7) تفسير الطبري 12/ 184. (8) تفسير القرطبي 20/ 115. (9) كثر بنو عبد مناف: أي غلبو في الكثرة، يقال: كثره يكثره إذا غلبه كثرة. (10) تفسير القرطبي 20/ 115، والكشاف 4/ 281، ومعاني القرآن للفراء 3/ 287. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4247 الْمَقابِرَ قال: كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعدّ من بني فلان، وهم كلّ يوم يتساقطون إلى آخرهم) * «1» . 5- * (عن قتادة في الآية الكريمة أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ قال: نزلت في أهل الكتاب) * «2» . 6- * (قال الضّحّاك: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ أي: ألهاكم التّشاغل بالمعاش والتّجارة) * «3» . 7- * (وعن مقاتل وقتادة وغيرهما في قوله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ أنّها نزلت في اليهود حين قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، ألهاهم ذلك حتّى ماتوا ضلّالا) * «4» . 8- * (عن عمرو بن دينار في الآية أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ أنّه حلف أنّ هذه السّورة نزلت في التّجّار) * «5» . 9- * (وعن قتادة في الآية نفسها أنّها نزلت في اليهود) * «6» . 10- * (وقال ابن زيد في الآية السّابقة: أنّها نزلت في فخذ من الأنصار) * «7» . 11- * (عن ابن بريدة قال: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث، تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان ابن فلان، وقال الآخرون مثل ذلك، تفاخروا بالأحياء، ثمّ قالوا انطلقوا بنا إلى قبور، فجعلت إحدى الطّائفتين تقول فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبور ومثل فلان، وفعل الآخرون مثل ذلك فأنزل الله أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) * «8» . 12- * (وعن الطّبريّ في قوله تعالى: ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ يقول جلّ ثناؤه: كلّا ما هكذا ينبغي أن تفعلوا، أن يلهيكم التّكاثر بالأموال وكثرة العدد، «سوف تعلمون إذا زرتم المقابر ما تلقون إذا أنتم زرتموها من مكروه اشتغالكم عن طاعة ربّكم بالتّكاثر» ) * «9» . 13- * (عن ميمون بن مهران قال: كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فقرأ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ فلبث هنيهة ثمّ قال: يا ميمون، ما أرى المقابر إلّا زيارة وما للزّائر بدّ من أن يرجع إلى منزله. قال أبو محمّد: يعني يرجع إلى منزله أي جنّته أو ناره) * «10» . 14- * (قال الطّبريّ في قوله تعالى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ يقول تعالى ذكره: ألهاكم أيّها النّاس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربّكم وعمّا ينجيكم من سخطه عليكم) * «11» . 15- * (وقال الزّمخشريّ في الآية نفسها: شغلكم التّكاثر، أي التّباري في الكثرة والتّباهي بها،   (1) تفسير القرطبي 20/ 115. (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، والدر المنثور ج 6 ص 659. (5) تفسير القرطبي 20/ 115. (6) الدر المنثور ج 6 ص 659. (7) تفسير القرطبي 20/ 116. (8) تفسير ابن كثير 4/ 544. (9) الطبري مجلد 12 ج 30 ص 184 تفسير- (ط. دار الريان للتراث، القاهرة) . (10) تفسير ابن كثير 4/ 545. (11) الطبري مجلد 12 ج 30 ص 183 ط. دار الريان، القاهرة) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4248 وأن يقول هؤلاء: نحن أكثر، وهؤلاء: نحن أكثر، والمعنى ألهاكم ذلك وهو ممّا لا يعنيكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عمّا يعنيكم أمر الدّين الّذي هو أهمّ وأعنى من كلّ مهمّ) * «1» . 16- * (وقال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ المعنى: شغلكم المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة الله تعالى حتّى متّم ودفنتم في المقابر) * «2» . 17- * (وقال ابن كثير في الآية نفسها: أشغلكم حبّ الدّنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها وتمادى بكم ذلك حتّى جاءكم الموت وزرتم المقابر وصرتم من أهلها) * «3» . 18- * (وقال ابن قتيبة- رحمه الله تعالى-: التّكاثر يكون بالعدد والقرابات) * «4» . 19- * (وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: والتّكاثر تفاعل من الكثرة، أي تكاثر بعضكم لبعض، وأعرض عن ذكر المتكاثر به إرادة لإطلاقه وعمومه، وأنّ كلّ ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التّكاثر) * «5» . من مضار (التكاثر) (1) التّكاثر بالأموال والأولاد ونحوهما يلهي الإنسان ويشغله عن الطّاعات. (2) التّكاثر ضارّ بدين المسلم كضرر الذّئب الضّاري على الغنم. (3) التّكاثر في طلب المال خسران في الدّنيا وعذاب في الآخرة. (4) المكثرون (أو الأكثرون) من أقلّ النّاس ثوابا في الآخرة إلّا من عصم الله تعالى فأنفق كثيرا. (5) المكثرون هم الأخسرون إلّا إذا أنفقوا في الطّاعات بغير حساب. (6) المتكثّرون عن طريق المسألة لا يزيدهم الله إلّا فقرا وذلّا في الدّنيا. (7) المتكثّر بالسّؤال يلقى الله وليس على وجهه مزعة لحم. (8) التّكاثر مظهر من مظاهر التّرف الّذي يؤدّي إلى الكبر والغرور. (9) التّكاثر والتّكالب على زهرة الحياة الدّنيا يؤدّي إلى الهلاك وإراقة الدّماء. (10) التّكاثر والجمع للدّنيا لا يسعى له إلّا من قلّ عقله وانعدم تبصّره. (11) التّكاثر في العلم عن الحدّ المعقول يؤدّي إلى ضياع ما لا ينبغي ضياعه.   (1) الكشاف 4/ 281. (2) تفسير القرطبي 20/ 115. (3) تفسير ابن كثير 4/ 544. (4) تفسير غريب القرآن ص 537. (5) الفوائد ص 41. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4249 التكلف التكلف لغة: التّكلّف مصدر قولهم: تكلّف الشّيء يتكلّفه، وهو مأخوذ من مادّة (ك ل ف) ، الّتي تدور حول معنى الإيلاع بالشّيء والتّعلّق به، تقول: كلف بالأمر يكلف كلفا (تعلّق به وأولع) ، وأكلفته به: جعلته كلفا، والكلف في الوجه: سمّي (بذلك) لتصوّر كلفة به، وتكلّف الشّيء، أن يفعله الإنسان بإظهار كلف مع مشقّة تناله في تعاطيه، وصارت الكلفة في التّعارف اسما للمشقّة، يقال: كلف بالشّيء كلفا وكلفة، فهو كلف ومكلّف: لهج به. قال أبو زيد: كلفت منك أمرا كلفا. وكلف بها أشدّ الكلف أي أحبّها. والمكلّف والمتكلّف: الوقّاع فيما لا يعنيه. والمتكلّف: العرّيض لما لا يعنيه: يقال: كلفت هذا الأمر وتكلّفته. والكلفة: ما تكلّفت من أمر في نائبة أو حقّ. ويقال: كلفت بهذا الأمر: أي أولعت به. وفي الحديث: «اكلفوا من العمل ما تطيقون» ، وهو من كلفت بالأمر إذا أولعت به وأحببته. والكلف: الولوع بالشّيء مع شغل قلب ومشقّة. وكلّفه تكليفا أي أمره بما يشقّ عليه، وتكلّفت الآيات/ الأحاديث/ الآثار 1/ 12/ 17 الشّيء: تجشّمته على مشقّة وعلى خلاف عادتك. وفي الحديث: «أراك كلفت بعلم القرآن» وفي الحديث «أنا وأمّتي برءاء من التّكلّف» ، وكلفته إذا تحمّلته. ويقال: فلان يتكلّف لإخوانه الكلف والتّكاليف. ويقال: حملت الشّيء تكلفة إذا لم تطقه إلّا تكلّفا، وهو تفعلة. وفي حديث عمر- رضي الله عنه- (نهينا عن التّكلّف) أراد كثرة السّؤال والبحث عن الأشياء الغامضة الّتي لا يجب البحث عنها، والأخذ بظاهر الشّريعة وقبول ما أنت به. قال ابن سيدة: كلف الأمر وتكلّفه تجشّمه على مشقّة وعسرة. «1» . وقول الله تعالى: وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (ص/ 86) أي وما أنا ممّن يتكلّف تخرّص القرآن وافتراءه، وقيل: لا أتكلّف ولا أتخرّص ما لم أومر به «2» . التكلف اصطلاحا: قال المناويّ: التّكلّف: أن يحمل المرء على أن يكلف بالأمر كلفه بالأشياء الّتي يدعو إليها طبعه «3» . وقال الرّاغب: التّكلّف: اسم لما يفعل بمشقّة أو تصنّع أو تشبّع «4» . وقال الفيروزابادىّ: التّكلّف: تحمّل الأمر   (1) مقاييس اللغة (5/ 136) ، ولسان العرب (9/ 307) ، والمصباح المنير (2/ 199) بصائر ذوي التمييز (4/ 376) . (2) تفسير الطبري (10/ 608) ، وتفسير القرطبي (15/ 150) . (3) التوقيف (107) . (4) المفردات (439) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4250 بما يشقّ على الإنسان «1» . والتّكلّف قد يكون محمودا، وهو ما يتوخّاه الإنسان ليتوصّل به إلى أن يصير الفعل الّذي يتعاطاه سهلا عليه ويصير كلفا به ومحبّا له، ولهذا النّظر استعمل التّكليف في تكلّف العبادات، وقد يكون مذموما، وهو ما يتكلّفه الإنسان مراءاة وهو المقصود هنا «2» . التكلف بين المدح والذم: قال الرّاغب: التكلّف على ضربين: الأوّل: محمود، وهو ما يتحرّاه الإنسان ليتوصّل به إلى أن يصير الفعل الّذي يتعاطاه سهلا عليه ويصير كلفا به ومحبّا له، وبهذا النّظر يستعمل التّكليف في تكلّف العبادات. الثّاني: مذموم وهو ما يتحرّاه الإنسان مراءاة، وإيّاه عني بقوله تعالى قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (ص/ 86) وقوله صلّى الله عليه وسلّم «أنا وأتقياء أمّتي برءآء من التّكلّف «3» » . وهذا المعنى الثّاني هو المقصود من هذه الصّفة. [للاستزادة: انظر صفات: التعسير- الغلو- التفريط والإفراط- التنفير. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- التيسير- الإخلاص- المروءة] . الآيات الواردة في «التكلف» 1- قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) «4»   (1) بصائر ذوي التمييز (4/ 376) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المفردات 349، وبصائر ذوي التمييز (4/ 376) . (4) ص: 86- 88 مكية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4251 الأحاديث الواردة في ذمّ (التكلف) 1- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليه بيته، فقال: «يا عبد الله ابن عمرو، ألم أخبر أنّك تكلّف قيام اللّيل وصيام النّهار؟» قال: إنّي لأفعل، فقال: «إنّ حسبك، ولا أقول افعل، أن تصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام، الحسنة عشر أمثالها، فكأنّك قد صمت الدّهر كلّه» . قال: فغلّظت فغلّظ عليّ، قال: فقلت: إنّي لأجد قوّة من ذلك، قال: «إنّ من حسبك أن تصوم من كلّ جمعة ثلاثة أيّام» ، قال: فغلّظت فغلّظ عليّ. فقلت: إنّي لأجد بي قوّة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعدل الصّيام عند الله صيام داود، نصف الدّهر» ، ثمّ قال: «لنفسك عليك حقّ، ولأهلك عليك حقّ» ، قال: فكان عبد الله يصوم ذلك الصّيام، حتّى إذا أدركه السّنّ والضّعف، كان يقول: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ من أهلي ومالي) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه- عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتّى خرج حاجّا فخرجت معه، فقلت له: يا أمير المؤمنين من اللّتان تظاهرتا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أزواجه، فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة لك، قال: فلا تفعل، ما ظننت أنّ عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبّرتك به. قال: ثمّ قال عمر: والله إن كنّا في الجاهليّة ما نعدّ للنّساء أمرا، حتّى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم، قال: فبينا أنا في أمر أتأمّره إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، قال: فقلت لها: مالك ولما هاهنا، فيم تكلّفك في أمر أريده؟. فقالت لي: عجبا لك يا بن الخطّاب، ما تريد أن تراجع أنت، وإنّ ابنتك لتراجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى يظلّ يومه غضبان، فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتّى دخل على حفصة، فقال لها: يا بنيّة إنّك لتراجعين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنّا لنراجعه. فقلت: تعلمين أنّي أحذّرك عقوبة الله وغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التكلف) معنى 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج حين زاغت الشّمس فصلّى الظّهر، فلمّا سلّم قام على المنبر، فذكر السّاعة وذكر أن بين يديها أمورا عظاما، ثمّ قال: «من أحبّ أن يسأل عن   (1) أحمد (2/ 200) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 96) : إسناده صحيح، وأصله في الصحيحين. (2) البخاري- الفتح 8 (4913) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4252 شيء فليسأل عنه، فو الله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا» ، قال أنس: فأكثر النّاس البكاء، وأكثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: «سلوني» فقال أنس: فقام إليه رجل، فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟. قال: «النّار» . فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: «أبوك حذافة» قال: ثمّ أكثر أن يقول: «سلوني، سلوني» . فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد صلّى الله عليه وسلّم رسولا. قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قال عمر ذلك، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أولى والّذي نفسي بيده، لقد عرضت عليّ الجنّة والنّار آنفا في عرض هذا الحائط، وأنا أصلّي، فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ» ) * «1» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة. قال: «من هذه؟» ، قالت: فلانة- تذكر من صلاتها-. قال: «مه. عليكم بما تطيقون، فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا» وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه) * «2» . 5- * (عن أنس- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى شيخا يهادى بين ابنيه، قال: «ما بال هذا؟» ، قالوا: نذر أن يمشي. قال: «إنّ الله- عن تعذيب هذا نفسه- لغنيّ» ، وأمره أن يركب) * «3» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال بينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظلّ ولا يتكلّم ويصوم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مره فليتكلّم وليستظلّ، وليقعد، وليتمّ صومه» ) * «4» . 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا حبل ممدود بين السّاريتين فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلّقت. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا «حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد» ) * «5» . 8- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في سفر، فرأى رجلا قد اجتمع النّاس عليه، وقد ظلّل عليه، فقال: «ما له؟» قالوا: رجل صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر» ) * «6» . 9- * (كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إليّ ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكتب إليه: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دبر كلّ صلاة: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير. اللهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» وكتب إليه: أنّه كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال، وكان ينهى عن عقوق الأمّهات، ووأد البنات، ومنع وهات) * «7» . 10- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 13 (7294) ، ومسلم (2359) . (2) البخاري- الفتح 1 (43) واللفظ له. ومسلم (785) . (3) البخاري- الفتح 4 (1865) واللفظ له. ومسلم (1642) . (4) البخاري- الفتح 11 (6704) . (5) البخاري- الفتح 3 (1150) واللفظ له. ومسلم (784) . (6) البخاري- الفتح 4 (1946) . ومسلم (1115) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 13 (7292) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4253 أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اتّخذ حجرة في المسجد من حصير فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها ليالي حتّى اجتمع إليه ناس، ثمّ فقدوا صوته ليلة فظنّوا أنّه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم. فقال: «ما زال بكم الّذي رأيت من صنيعكم حتّى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلّوا أيّها النّاس في بيوتكم، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته إلّا الصّلاة المكتوبة» ) * «1» . 11- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته» ) * «2» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من تحلّم بحلم لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرّون منه صبّ في أذنه الآنك «3» يوم القيامة، ومن صوّر صورة عذّب وكلّف أن ينفخ فيها، وليس بنافخ» . قال سفيان: وصله لنا أيّوب، وقال قتيبة: حدّثنا أبو عوانة عن قتادة عن عكرمة عن أبي هريرة قوله: «من كذب في رؤياه» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التكلف) 1- * (عن ثابت: عن أنس- رضي الله عنه- قال: كنّا عند عمر فقال: نهينا عن التّكلّف) * «5» . 2- * (عن مسروق قال: أتينا عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: يا أيّها النّاس من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإنّ من العلم أن يقول الرّجل لما لا يعلم الله أعلم فإنّ الله- عزّ وجلّ- قال لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (ص/ 86)) * «6» . 3- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: في وصف بني إسرائيل لمّا طلب منهم موسى- عليه السّلام- أن يذبحوا بقرة: لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها، ولكنّهم شدّدوا فشدّد عليهم) * «7» . 4- * (وقال أيضا- رضي الله عنهما- في معنى قوله تعالى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ: (البقرة/ 71) كادوا أن لا يفعلوا ولم يكن ذلك الّذي أرادوا لأنّهم أرادوا أن لا يذبحوها، يعني- مع هذا البيان، وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلّا بعد الجهد، وفي هذا ذمّ لهم وذلك أنّه لم يكن   (1) البخاري- الفتح 13 (7290) . (2) البخاري- الفتح 13 (7289) واللفظ له. مسلم (2358) . (3) الآنك: الرصاص المذاب. (4) البخاري- الفتح 12 (7042) . (5) البخاري- الفتح 13 (7293) . (6) تفسير ابن كثير (4/ 44) . (7) المرجع السابق (1/ 110) ، وقال: إسناده صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4254 غرضهم إلّا التّعنّت) * «1» . 5- * (قال قتادة: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ (الملك/ 5) : خلق هذه النّجوم لثلاث: جعلها زينة للسّماء، ورجوما للشّياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأوّل فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلّف مالا علم له به. وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه به وزاد في آخره: وإنّ ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النّجوم كهانة: من غرس بنجم كذا كان كذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا، ولعمري ما من النّجوم نجم إلّا ويولد به الطّويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدّميم، وما علم هذه النّجوم وهذه الدّابّة وهذا الطّائر شيئا من هذا الغيب) * «2» . 6- * (قال البخاريّ- رحمه الله-: مدح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صاحب الحكمة حين يقضي بها ويعلّمها ولا يتكلّف من قبله، ومشاورة الخلفاء وسؤالهم أهل العلم) * «3» . 7- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: يقول تعالى: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين: ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النّصح أجرا تعطونيه من عرض الحياة الدّنيا وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (ص/ 86) أي وما أريد على ما أرسلني الله تعالى به، ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أدّيته لا أزيد عليه ولا أنقص منه، وإنّما أبتغي بذلك وجه الله- عزّ وجلّ- والدّار الآخرة) * «4» . 8- * (قال ابن عقيل- رحمه الله تعالى-: قال لي رجل: أنغمس في الماء مرارا كثيرة وأشكّ هل صحّ لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟ فقلت له: اذهب فقد سقطت عنك الصّلاة. قال وكيف؟ قال: لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتّى يفيق، والنّائم حتّى يستيقظ، والصّبيّ حتّى يبلغ» . ومن ينغمس في الماء مرارا ويشكّ هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون) * «5» . 9- * (لا يتعمّق أحد في الأعمال الدّينيّة، ويترك الرّفق إلّا عجز، وانقطع فيغلب) * «6» . 10- * (وقال أيضا- رحمه الله-: الأخذ بالعزيمة في موضع الرّخصة تنطّع، كمن يترك التّيمّم عند العجز عن استعمال الماء، فيفضي به استعماله إلى حصول الضّرر) * «7» . 11- * (قال ابن المنيّر- رحمه الله-: رأينا ورأى النّاس قبلنا أنّ كلّ متنطّع في الدّين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنّه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدّي إلى الملال والمبالغة في التّطوّع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلّي اللّيل كلّه ويغالب النّوم إلى أن غلبته عيناه في آخر اللّيل، فنام عن صلاة   (1) تفسير ابن كثير (1/ 111) . (2) فتح الباري (6/ 341) . (3) المرجع السابق (13/ 311) . (4) تفسير ابن كثير (4/ 44) . (5) إغاثة اللهفان (1/ 134) . (6) فتح الباري (1/ 117) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4255 الصّبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشّمس فخرج وقت الفريضة) * «1» . 12- * (قيل في المثل: لا يكن حبّك كلفا، ولا بغضك تلفا) * «2» . 13- * (قال زهير: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم) * «3» . 14- * (قال أبو كبير: أزهير هل عن شيبة من مصرف ... أم لا خلود لباذل متكلّف؟) * «4» . 15- * (علامة المتكلّف كما قال ابن المنذر ثلاث: أن ينازل من فوقه، ويتعاطى مالا ينال، ويقول مالا يعلم) * «5» . 16- * (قال الماورديّ في قوله تعالى: وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ فيه ثلاثة أوجه أحدها: وما أنا من المتكلّفين لهذا القرآن من تلقاء نفسي. الثّاني: وما أنا من المتكلّفين لأن آمركم بما لم أومر به. الثّالث: وما أنا بالّذي أكلّفكم الأجر) * «6» . 17- * (وقال ابن زيد في قوله تعالى: وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ وما أنا من المتكلّفين أتخرّص وأتكلّف ما لم يأمرني الله به) * «7» . من مضار (التكلف) المذموم (1) هو أقرب إلى الرّياء منه إلى الحقّ. (2) يسخط الرّبّ- عزّ وجلّ- ويقود صاحبه إلى النّيران. (3) لا يحبّه النّاس ويبتعدون عنه. (4) يشعر بقلق النّفس واضطرابها. (5) التّكلّف قد يحبط عمل صاحبه، فيلقاه يوم القيامة هباء منثورا.   (1) المرجع السابق نفسه.. (2) بصائر ذوي التمييز (4/ 376) . (3) بصائر ذوي التمييز (4/ 376) . (4) لسان العرب (9/ 307) . (5) روح المعاني (23/ 230) . (6) النكت والعيون (5/ 112) . (7) تفسير الطبري (مج 10/ ج 23/ ص 120) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4256 التناجش التّناجش لغة: مصدر قولهم: تناجش يتناجش، وهو مأخوذ من مادّة (ن ج ش) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على إثارة شيء، ومن ذلك النّجش، وهو أن تزايد في المبيع بشيء كثير لينظر إليك النّاظر فيقع فيه، وهو الّذي جاء في حديث «لا تناجشوا» «1» كأنّ النّاجش استثار تلك الزّيادة «2» . ويقال: نجشت الصّيد أي استثرته، والنّاجش: الّذي يحوش الصّيد، ونجشت الإبل: جمعتها بعد تفرّق «3» ، وقيل إنّ التّناجش مأخوذ من النّجش بمعنى الختل والخديعة، ومن هذا المعنى قيل للصّائد ناجش لأنّه يختل الصّيد ويحتال له «4» ، وقال ابن حجر: النّجش في اللّغة: تنفير الصّيد واستثارته من مكانه ليصاد «5» . وقال ابن منظور: أصل النّجش: البحث وهو استخراج الشّيء والنّجش أيضا: استثارة الشّيء، قال رؤبة: والخسر قول الكذب المنجوش الآيات/ الأحاديث/ الآثار 1/ 10/ 11 والمنجوش (هنا) المفتعل المكذوب، يقال: رجل نجوش ونجّاش ومنجش ومنجاش: أي مثير للصّيد، والمنجش والمنجاش (أيضا) الوقّاع بين النّاس. والنّجش «6» والتّناجش: الزّيادة في السّلعة أو المهر ليسمع بذلك، فيزاد فيه..، وفي الحديث الشّريف: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن النّجش في البيع وقال: «لا تناجشوا» والمراد- كما قال أبو عبيد- النّهي عن أن يزيد الرّجل ثمن السّلعة وهو لا يريد شراءها، ولكن ليسمعه غيره، فيزيد بزيادته، وهو الّذي يروى فيه عن ابن أبي أوفى: النّاجش آكل ربا خائن «7» ، وفي التّناجش شيء آخر مباح، وهي المرأة الّتي تزوّجت، وطلّقت مرّة بعد أخرى، أو السّلعة الّتي اشتريت مرّة بعد مرّة ثمّ بيعت، وقال ابن شميل والنّجش أن تمدح سلعة غيرك ليبعيها أو تذمّها لئلّا تنفق عنه «8» ، قال ابن الأثير: الأصل في النّجش: تنفير الوحش من مكان إلى مكان (آخر للإيقاع به) «9» ، وذهب الفيّوميّ إلى أنّ الأصل في ذلك هو معنى الاستتار، لأنّ   (1) انظر تخريج هذا الحديث في قسم «الأحاديث الواردة في الصفة» حديث رقم (3) . (2) مقاييس اللغة لابن فارس 5/ 394. (3) الصحاح 3/ 1021. (4) نقل ابن حجر هذا الرأي عن ابن قتيبة، انظر فتح الباري 4/ 416. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) النجش يقال بسكون الجيم وفتحها. (7) انظر الأثر رقم 1. (8) لسان العرب 6/ 350- 351. (9) النهاية لابن الاثير 5/ 21. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4257 النّاجش يستر قصده «1» . وقد سمّيت عمليّة الإغراء أو الاستثارة ب «التّناجش» (وهو «تفاعل» من النّجش) لأنّ عمليّة الإغراء غالبا ما يشترك فيها النّاجش والبائع، يقول ابن حجر مؤكّدا هذا المعنى: ويقع ذلك منه (أي النّاجش) بمواطأة المالك، فيشتركان في الإثم «2» ، وقد يختصّ به (أي بالتّناجش) المغري بالسّلعة، وربّما اختصّ به البائع «3» . التّناجش اصطلاحا: قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله-: النّجش: أن يحضر الرّجل السّلعة تباع، فيعطي بها الشّيء «4» ، وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السّوّام، فيعطون بها أكثر ممّا كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه «5» . وقال الإمام التّرمذيّ: النّجش: هو أن يأتي الرّجل الّذي يفصل السّلعة إلى صاحب السّلعة فيستام بأكثر ممّا تسوى «6» ، وذلك عندما يحضره المشتري، يريد أن يغترّ المشتري به (أي بما قاله ثمنا للسّلعة) ، وليس من رأيه الشّراء وإنّما يريد أن يخدع المشتري بما يستام» «7» . وقال الجرجانيّ: النّجش أن تزيد في ثمن سلعة ولا رغبة لك في شرائها «8» . وقال الإمام ابن حجر: النّجش: هو الزّيادة في ثمن السّلعة ممّن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، وقد سمّي تناجشا لأنّ النّاجش يثير الرّغبة في السّلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الإثم «9» . وقد ذكر الفيّوميّ ما يفيد أنّ التّناجش يقع أيضا في النّكاح عندما قال: يقال: نجش الرّجل: إذا زاد في سلعة أكثر من ثمنها ... وكذلك في النّكاح وغيره، وفعل ذلك هو التّناجش «10» . أنواع التّناجش: للتّناجش (النّجش) صور عديدة أهمّها: الأولى: أن يشترك النّاجش والبائع للسّلعة في خداع المشتري بأن يتواطأ كلاهما على ذلك. الثّانية: أن يقع الإغراء بدون علم البائع بأن يتطوّع النّاجش من تلقاء نفسه برفع ثمن السّلعة. الثّالثة: انفراد البائع بعمليّة الإغراء بأن يزعم أنّه اشترى بأكثر ممّا اشتراها به، وربّما حلف على ذلك ليغرّ المشتري، وقد يقع ذلك منه بأن يخبر بأنّه أعطي في السّلعة ما لم يعط. الرّابعة: أن يأتي شخص إلى وليّ أمر فتاة وقد حضر من يخطبها فيذكر مهرا أعلى ليغرّ الخاطب   (1) المصباح المنير 2/ 594. (2) انظر فتح الباري 4/ 416. (3) انظر أنواع التناجش. (4) يعطى بها الشيء، أي يذكر لها ثمنا معينا. (5) انظر فتح الباري 4/ 417. (6) استام اي ساوم، والمراد بالمساومة: المجاذبة بين المشتري والبائع على السلعة، وفصل ثمنها. (7) سنن الترمذي 3/ 588. (8) التعريفات ص 259، والى مثل هذا ذهب ابن قدامة في المغنى 4/ 234. (9) فتح الباري 4/ 416، وقد أشار ابن حجر بذلك الى تقليل تسمية الفقهاء لهذا الضرب من الخديعة ب «التناجش» بدلا من «النجش» . (10) انظر المصباح المنير 2/ 594. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4258 بذلك، أو يذمّها. الخامسة: أن يمدح شخص سلعة ما كي تباع، أو يذمّها كي لا تنفق على صاحبها (وذلك كما في الإعلانات المغرضة الّتي لا تتّفق مع الواقع» «1» . حكم التّناجش: قال ابن بطّال: أجمع العلماء على أنّ النّاجش عاص بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك، فقال جماعة من أهل الحديث: إنّ البيع فاسد، وقد جاء ذلك في رواية عن مالك، وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطأة المالك أو صنعه (أي في الصّورتين الأولى والثّالثة من صور التّناجش) ، وقال الأحناف: البيع صحيح (مع الإثم) ، وهذا هو الأصحّ عند الشّافعيّة. والمشهور عند المالكيّة (وهو وجه عند الشّافعيّة أيضا) ثبوت الخيار للمشتري، إن شاء أنفذ البيع وإن شاء نقضه «2» ، وذلك قياسا على المصرّاة «3» ، وقيّد بعضهم تحريم النّجش بأن تكون الزّيادة النّاتجة عنه فوق ثمن المثل، ولو أنّ رجلا رأى سلعة تباع بدون قيمتها فزاد فيها لتصل إلى قيمتها لم يكن ناجشا عاصيا، وفي هذا القول نظر لأنّ له أن يعلم صاحب السّلعة بقيمتها الحقيقيّة ويترك له الخيار في البيع «4» . وقال ابن قدامة: النّجش منهيّ عنه، وهو حرام وخداع، وفيه تغرير بالمشتري، فإن اشترى مع النّجش فالشّراء صحيح في قول أكثر أهل العلم منهم الشّافعيّ وأصحاب الرّأي، وعن أحمد أنّ البيع باطل لأنّ النّهي يقتضي الفساد.. قال ابن قدامة: ولنا «5» أنّ النّهي عاد إلى النّاجش لا إلى العاقد فلم يؤثّر في البيع، ولأنّ النّهي لحق الآدميّ فلم يفسد العقد.. وحقّ الآدميّ يمكن جبره بالخيار أو زيادة الثّمن، لكن إن كان في البيع غبن لم تجر العادة بمثله، فللمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء، وإن كان يتغابن بمثله فلا خيار له، سواء كان النّجش بمواطأة البائع أو لم يكن. وقال أصحاب الشّافعيّ: إن لم يكن ذلك بمواطأة البائع وعلمه فلا خيار له، واختلفوا فيما إذا كان بمواطأة منه، فقال بعضهم لا خيار للمشتري لأنّ التّفريط منه حيث اشترى ما لا يعرف قيمته «6» (وقال البعض له الخيار) . للاستزادة: انظر صفات: الغش- الخداع- الغلول- التطفيف- المكر- اللؤم- الخبث- سوء المعاملة- الغدر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمانة- التعاون على البر والتقوى- العفة- حسن المعاملة- الصدق- الإخلاص- المروءة] .   (1) استنبطنا هذه الصور من جملة أقوال الفقهاء وأهل اللغة. (2) باختصار وتصرف يسير عن ابن حجر، فتح الباري 4/ 416. (3) المصراة هي الشاة او البقرة او نحوهما إذا صرى لبنها وحقن بالضرع فلم تحلب، وقيل: التصرية ربط أخلاف الناقة أو الشاة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر، فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها. (4) فتح الباري (بتصرف) 4/ 417. (5) أي يشهد لصحة مذهبنا. (6) بتلخيص وتصرف يسير عن المغني لابن قدامة 4/ 234- 235. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4259 الآيات الواردة في «التناجش» معنى 1- إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77) «1» وانظر أيضا الآيات الواردة في صفتي: «الخداع، والغش»   (1) آل عمران: 77 مدنية. وجه ارتباط هذه الآية الكريمة بالتناجش ما روي عن سبب نزولها من أن رجلا أقام سلعته فحلف بالله لقد أعطي فيها ما لم يعط. فنزلت هذه الآية (انظر: فتح الباري 4/ 417) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4260 الأحاديث الواردة في ذمّ (التناجش) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّجش «1» ) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يبيع حاضر لباد «3» ، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرّجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها) * «4» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والظّنّ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تجسّسوا- أو لا تحسّسوا- «5» ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «6» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا يتلقّى الرّكبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا بيع حاضر لباد، ولا تصرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النّظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر» ) * «7» . 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يبيع بعضكم على بيع بعض، ونهى عن النّجش، ونهى عن بيع حبل الحبلة، ونهى عن المزابنة» ) * «8» . والمزابنة بيع الثّمر بالتّمر كيلا، وبيع الكرم بالزّبيب كيلا «9» .   (1) وردت كلمة «النجش» في الحديث بسكون الجيم وفتحها، قال ابن حجر المشهور أنه بفتح الجيم وحكى المطرزي فيه السكون قلت: وأكثر اللغوين ذكروا ما رواه المطرزي: انظر المقدمة اللغوية. (2) البخاري- الفتح 4 (2142) . (3) معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا يبيع حاضر لباد» أي لا يكون الحاضر «ساكن الحضر» للبادي «ساكن البادية» سمسارا، أي يتقاضى أجرة منه ليبيع له بضاعته، ويجوز ذلك إذا كان البيع بدون أجرة. من باب النصيحة. انظر تفسير ابن عباس للعبارة وشرح ابن حجر لها في فتح الباري 4 ص (433) . (4) البخاري- الفتح 4 (2140) واللفظ له، ومسلم (1413) . (5) الشك من الراوي، وقد عبر عنه بلفظ أو. (6) البخاري- الفتح 10 (6066) واللفظ له، ومسلم (2563) (7) البخاري- الفتح 4 (2160) ، ومسلم (1515) واللفظ له. (8) يبدو أن تفسير المزابنة إمّا من كلام ابن عمر، وإمّا من كلام صاحب المسند. (9) احمد في المسند (5862) بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، قال: إسناده صحيح، وهو في الحقيقة أربعة أحاديث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4261 الأحاديث الواردة في ذمّ (التناجش) معنى 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا ذكر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه يخدع في البيوع فقال: «إذا بايعت فقل: لا خلابة «1» » ) * «2» . 7- * (عن قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله عنه- قال: لولا أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المكر والخديعة في النّار» لكنت من أمكر النّاس) * «3» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ» ) * «4» . وقد جمع البخاريّ بين جزء من حديث قيس وحديث عائشة- رضي الله عنهم جميعا- في ترجمته لباب النّجش فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخديعة في النّار، ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ» ) * «5» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السّبيل. ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدّقه، وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلّا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف» ) * «6» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يسم المسلم على سوم أخيه ولا يخطب على خطبته» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التناجش) 1- * (قال ابن أبي أوفى: النّاجش آكل ربا خائن) * «8» . 2- * (قال الإمام البخاريّ: هو (أي النّجش) خداع باطل لا يحلّ) * «9» . 3- * (عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- أنّ عاملا له باع سبيّا فقال له: لولا أنّي كنت أزيد فأنفقه لكان كاسدا، فقال له عمر: هذا نجش لا يحلّ، فبعث مناديا ينادي: إنّ البيع مردود، وأنّ البيع   (1) لا خلابة أي لا خديعة، ومعنى يخدع في البيوع أنه يلقى منها غبنا. (2) البخاري- الفتح 4 (2117) ، واللفظ له، ومسلم (1533) . (3) فتح الباري 4/ 417 قال ابن حجر إسناده لا بأس به، أخرجه الطبراني في الصغير والحاكم في المستدرك، ومجموع إسنادهما يدل على أن للمتن أصلا وقال الألباني: صحيح، انظر صحيح الجامع (1057) . (4) البخاري- الفتح 5 (2697) . (5) انظر فتح الباري ج 4 ص 416 (6) مسلم (108) واللفظ له وبعضه عند البخاري- الفتح 5 (2353) . (7) مسلم (1413) . (8) فتح الباري 4/ 416. (9) جاء ذلك في ترجمة الباب 60 من كتاب البيوع، قال ابن حجر هذه العبارة من تفقه المصنف، وليس من تتمة كلام ابن أبي أوفى، انظر تعقيب ابن حجر في فتح الباري 4/ 417. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4262 لا يحلّ) * «1» . 4- * (قال الإمام الشّافعيّ: إن نجش رجل فالنّاجش آثم فيما يصنع، والبيع جائز لأنّ البائع غير النّاجش) * «2» . 5- * (قال الإمام التّرمذيّ: هذا (النّجش) ضرب من الخديعة) * «3» . 6- * (عن عامر (الشّعبيّ) أنّ رجلا أقام سلعته أوّل النّهار، فلمّا كان آخره جاء رجل يساومه، فحلف: لقد منعها أوّل النّهار من كذا وكذا، ولولا المساء ما باعها به «4» ، فأنزل الله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا.. (آل عمران/ 77) «5» ، قال الإمام الطّبريّ: روينا عن مجاهد نحوه) * «6» . 7- * (عن قتادة- رضي الله عنه- في الآية الكريمة السّابقة: أنزلهم الله (أي النّجّاش الّذين يحلفون زورا) منزلة السّحرة) * «7» . 8- * (عن قتادة- رضي الله عنه- أنّ عمران ابن حصين كان يقول: من حلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال أخيه فليتبوّأ مقعده من النّار، فقال له قائل: شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال لهم: إنّكم لتجدون ذلك (في كتاب الله) ثمّ قرأ هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا ... (آل عمران/ 77)) *. 9- * (قال أيّوب السّختيانيّ: «يخادعون الله كأنّما يخادعون آدميا «8» ، لو أتوا الأمر عيانا كان أهون عليّ» . قال ابن حجر في شرح هذه العبارة: «لو أعلن (المخادعون) بأخذ الزّائد على الثّمن معاينة بلا تدليس لكان (الأمر) أسهل لأنّه (أي هذا الزّائد يجعل آلة للخداع) » ) * «9» . 10- * (قال ابن حجر: سالك المكر والخديعة حتّى يفعل المعصية أبغض عند النّاس ممّن يظاهر بها، وهو في قلوبهم أوضع، وهم عنه أشدّ نفرة) * «10» . 11- * (قال ابن العربيّ: لو أنّ رجلا رأى سلعة رجل تباع بدون قيمتها فزاد فيها لتنتهي إلى قيمتها لم يكن ناجشا عاصيا، بل يؤجر على ذلك بنيّته) * «11» .   (1) فتح الباري 4/ 416. (2) سنن الترمذي 3/ 589، وربما كان هذا النجش بدون علم البائع، انظر أحكام النجش فيما سبق. (3) سنن الترمذي 3/ 589. (4) أي بالثمن المذكور في المساومة. (5) انظر الآية بتمامها في قسم الآيات. (6) تفسير الطبري 3/ 230. (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المراد بالمخادعين هنا من يخدعون الناس في البيوع ويحتالون عليهم حتى يبيعوها بأزيد من ثمنها، وقد صدر البخاري بعبارة أيوب هذه الباب الذي عقده لما ينهى عنه من الخداع في البيوع، انظر فتح الباري 12/ 352. (9) فتح الباري 12/ 352. (10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (11) فتح الباري 4/ 417. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4263 من مضار (التناجش) (1) التّناجش (النّجش) نوع من الخديعة والمكر يورث صاحبه جهنّم وساءت مصيرا. (2) التّناجش يغضب الله عزّ وجلّ، ويبوء النّاجش بسخط الجبّار وسخط النّاس وبغضهم له. (3) التّناجش يفقد الثّقة بين البائع والمشتري، ويجلب ذلك بوار تجارة من يعرف عنه ذلك. (4) التّناجش أكل لأموال النّاس بالباطل. (5) المتناجشون لا يكلّمهم الله- عزّ وجلّ- ولا ينظر إليهم يوم القيامة. (6) النّاجش مكروه من النّاس، ينفرون منه، ويبغضونه بقلوبهم. (7) شيوع هذه الصّفة الذّميمة في مجتمع من المجتمعات يؤدّي إلى تقويض قوّته الاقتصاديّة لعدم الثّقة وانعدام الأمانة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4264 التنازع التنازع لغة: مصدر قولهم: تنازع يتنازع، وهو مأخوذ من مادّة (ن ز ع) الّتي تدلّ على قلع الشّيء، ومن ذلك: نزعت الشّيء من مكانه نزعا (إذا قلعته) ، ونازعت إلى الأمر نزاعا، ونزعت إليه، إذا اشتهيته، ونزع عن الأمر نزوعا إذا تركه «1» ، وقال الرّاغب: يقال: نزع الشّيء جذبه من مقرّه، ويستعمل ذلك في الأعراض (أيضا) ، فيقال: نزع العداوة والمحبّة من قلبه، ومنه قول الله تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (الحجر/ 47) ، والنّزع: السّلب في قوله تعالى: وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ (آل عمران/ 26) ، والتّنازع والمنازعة المجاذبة، ويعبّر به عن المخاصمة والمجادلة «2» ، قال تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ (النساء/ 59) قيل في تفسيرها: أي تجادلتم واختلفتم، فكأنّ كلّ واحد ينتزع حجّة الآخر ويذهبها. والمنازعة على ذلك: مجاذبة الحجج «3» ، وهذه المجاذبة تكون في المعاني والأعيان، فمن المنازعة في المعاني قوله تعالى: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 37/ 23/ 8 فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ (الحج/ 67) المنازعة هنا: المجادلة، والمعنى: لا تجادلهم في أمر المناسك «4» ، ومن المنازعة في الأعيان ما جاء في الحديث الشّريف: «أنا فرطكم على الحوض، فلألفينّ ما نوزعت في أحدكم، فأقول: هذا منّي» أي يجذب ويؤخذ منّي «5» ، وقال الأعشى: نازعتهم قضب الرّيحان متّكئا «6» ومن معاني التّنازع: التّخاصم، قال الجوهريّ: يقال: نازعته منازعة ونزاعا إذا جاذبته في الخصومة، وبينهم نزاعة أي خصومة في حقّ، وقولهم في المثل: «صار الأمر إلى النّزعة» إذا قام بإصلاحه أهل الأناة، والمنزعة (بالفتح) ما يرجع إليه الرّجل من أمره ورأيه وتدبيره «7» . لقد أضاف الفيروز اباديّ إلى المنازعة معنى التّناول «8» ، ولعلّ المراد تناول الحجج، أو تناول الأعيان، ومن الأخير قوله تعالى يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً (الطور/ 23) ، أي يتجاذبونها (ويتناولونها)   (1) مقاييس اللغة لابن فارس 5/ 415. (2) المفردات للراغب ص 488، وبصائر ذوي التمييز 5/ 36. (3) تفسير القرطبي 5/ 169. (4) المرجع السابق 12/ 63. (5) النهاية لابن الأثير 5/ 40. (6) ساق القرطبي عن الأعشى شاهدا للمنازعة بمعناها العام الذي يشمل منازعة الحجج وتنازع الأعيان. تفسير القرطبي 5/ 169. (7) الصحاح للجوهري 3/ 1290. (8) القاموس المحيط ص 990 (ط. بيروت) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4265 تجاذب ملاعبة «1» . وقال ابن منظور: أصل النّزع: الجذب والقلع، ومنه نزع الرّوح من الميّت، ونزع القوس إذا جذبها، وبئر نزوع ونزيع قريبة القعر تنزع دلاؤها بالأيدي نزعا لقربها، وفي الحديث: «رأيتني أنزع على قليب» معناه رأيتني في المنام أستقي بيدي من قليب. والنّزاعة والنّزاعة، والمنزعة والمنزعة الخصومة، والتّنازع في الخصومة مجاذبة الحجج فيما يتنازع فيه الخصمان، يقال قد نازعه منازعة ونزاعا: جاذبه في الخصومة، قال ابن مقبل: نازعت ألبابها لبّي بمقتصر ... من الأحاديث حتّى زدنني لينا أي نازع لبّي ألبابهنّ، والتّنزّع التّسرّع، يقال: رأيت فلانا متنزّعا إلى كذا أي متسرّعا إليه «2» ، وأمّا قول الله تعالى حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ (آل عمران/ 152) فالمراد اختلفتم، يعني الرّماة حين قال بعضهم لبعض: نلحق الغنائم، وقال بعضهم: بل نثبت في مكاننا الّذي أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالثّبات فيه «3» . التنازع اصطلاحا: قال المناويّ: التّنازع والمنازعة: المجاذبة ويعبّر بها عن المخاصمة والمجادلة «4» . قال: والنّازع: الشّيطان لأنّه ينزع بين القوم أي يفرّق ويفسد «5» . الفرق بين التّفرق والتنازع: يتجلّى الفرق بين الأمرين أنّ التّفرّق والتّفريق خاصّ بالأعيان، أمّا التّنازع فيكون في الأعيان والمعاني على سواء، وأيضا فإنّ التّنازع لا بدّ وأن يصحبه اجتماع، أمّا التّفرّق فقد يكون بعد الاجتماع وقد يكون بدونه أي إنّه يحصل ابتداء، ومن وجوه الفرق أيضا أنّ ضدّ التّفرّق الاجتماع، وضدّ التّنازع الاتّحاد (وخاصّة في مجال الرّأي) ، وإذا اجتمع الأمران فإنّ التّنازع يكون سببا للفرقة، بحيث تكون كالنّتيجة له. التنازع بين المدح والذّم: قال الشّيخ محمّد الغزاليّ: إنّ التّنازع واختلاف الرّأي حول أمر من الأمور قد يكون مطلوبا إذا صحبته نيّة حسنة، وكان الغرض منه إظهار الحقّ بالبرهان والحجّة، وهو حينئذ أقرب إلى التّشاور منه إلى الجدال والخصام. إنّ اختلاف الأفهام واشتجار الآراء ليس بمستغرب في الحياة ولكن شريطة ألّا يؤدّي ذلك للتّقاطع (التّفرّق) ، والشّقاق» ، ولو تجرّدت النيّات للبحث عن الحقيقة، وأقبل روّادها وهم بعداء عن طلب الغلب والسّمعة والرّئاسة والثّراء لصفّيت المنازعات الّتي ملأت التّاريخ بالأكدار والمآسي، وأردف- رحمه الله- قائلا: إنّ النّاس إذا لم يجمعهم الحقّ شعّبهم الباطل، وإذا لم يستهوهم نعيم الآخرة   (1) انظر تفسير البحر المحيط 8/ 147. (2) لسان العرب «نزع» (4395- 4397) بتصرف واختصار. (3) تفسير القرطبي 4/ 152. (4) التوقيف على مهمات التعاريف ص 323 (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4266 تخاصموا على متاع الدّنيا ولهذا كان (التّنازع) والتّطاحن المرّ من خصائص الجاهليّة المظلمة وديدن من لا إيمان لهم «1» . يقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» «2» . يعني أنّ هذا العراك الدّامي هو شأن الكافرين المنقسمين على أنفسهم أحزابا متنافرة، لقد تلقّى المسلمون في أحد درسا مؤلما أفقدهم من رجالهم سبعين بطلا، وردّتهم إلى المدينة وهم يعانون من آلام الجراحات، ولم ذلك؟ مع أنّ إيمانهم بالله ودفاعهم عن الحقّ كانا يرشّحانهم للفوز المبين، ذلك لأنّهم تنازعوا وانقسموا وعصوا أمر الله ورسوله، قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ (آل عمران/ 152) . إنّ الإسلام حريص على سلامة أمّته وحفظ كيانها وهو لذلك يطفيء بقوّة بوادر الخلاف والنّزاع، ويهيب بالأفراد كافّة أن يتكاتفوا على إخراج الأمّة من ورطات الشّقاق «يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النّار» «3» . وأعداء الإسلام يودّون أن يضعوا أيديهم ولو على شخص واحد ليكون طرفا ناتئا يستمسكون منه ويجذبون الأمّة كلّها عن طريقه، فلا جرم حينئذ أن يستأصل الإسلام هذا النّتوء لينجّي الجماعة كلّها من أخطار بقائه، ولذلك يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «4» . ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرّق هذه الأمّة وهي جميع فاضربوه بالسّيف كائنا من كان «5» ، والخلاصة أنّ التّنازع إن كان يراد به مقارعة الحجّة بالحجّة إظهارا للحقّ فهو محمود شريطة أن يصحبه حسن النّيّة والرّغبة الصّادقة للوصول إلى مصلحة الأمّة، أمّا إذا كان المراد به تحقيق المصلحة الشّخصيّة أو حبّ الرّئاسة أو تفريق الجماعة، أو صحبته مخالفة لأمر من أمور الشّرع فهو مذموم منهيّ عنه. [للاستزادة: انظر صفات: الجدال والمراء- البغض- التفرق- سوء الظن- الطمع- التعاون على الإثم والعدوان- التخاذل- الغي والإغواء- الفتنة- الضلال. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاجتماع- الإخاء- الاعتصام- التعاون على البر والتقوى- التناصر- الاعتصام- الألفة] .   (1) خلق المسلم (190) بتصرف واختصار. (2) مسلم (66) ، والبخاري- الفتح 13 (7077) . (3) الترمذي 4 (2166) ، وانظر صفة الاجتماع. (4) خلق المسلم للشيخ محمد الغزالي (195- 197) بتصرف واختصار. (5) مسلم (1852) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4267 الآيات الواردة في «التنازع» 1- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «2» 3- إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) «3» 4- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) «4» 5- وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) «5» 6- قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63) «6» 7- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) «7»   (1) آل عمران: 152 مدنية (2) النساء: 59 مدنية (3) الأنفال: 43 مدنية (4) الأنفال: 46- 47 مدنية (5) الكهف: 21 مكية (6) طه: 61- 63 مكية (7) الحج: 67 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4268 الآيات الواردة في «التنازع» معنى 8- وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) «1» 9- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (176) «2» 10- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) «3» 11- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «4» 12- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) «5» 13- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) «6» 14- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) «7» 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «8» 16- وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) «9»   (1) البقرة: 113 مدنية (2) البقرة: 176 مدنية (3) البقرة: 188 مدنية (4) البقرة: 213 مدنية (5) آل عمران: 19 مدنية (6) آل عمران: 55 مدنية (7) آل عمران: 105 مدنية (8) النساء: 29 مدنية (9) النساء: 157 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4269 17- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) «1» 18- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) «2» 19- وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) «3» 20- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) «4» 21- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) «5» 22- لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (39) «6» 23- وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) «7» 24- وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) «8» 25- إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) «9» 26- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) «10»   (1) المائدة: 48 مدنية (2) الأنعام: 164 مكية (3) يونس: 19 مكية (4) يونس: 93 مكية (5) هود: 110 مكية (6) النحل: 39 مكية (7) النحل: 64 مكية (8) النحل: 92 مكية (9) النحل: 124 مكية (10) مريم: 37 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4270 27- اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) «1» 28- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) «2» 29- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) «3» 30- أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «4» 31- قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) «5» 32- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) «6» 33- وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) «7» 34- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) «8» 35- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) «9» 36- وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) «10» وانظر الآيات الواردة في صفة «التفرق» الآيات الواردة في «التنازع» ولها معنى آخر 37- يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) «11»   (1) الحج: 69 مدنية (2) النمل: 76 مكية (3) السجدة: 25 مكية (4) الزمر: 3 مكية (5) الزمر: 46 مكية (6) فصلت: 45 مكية (7) الشورى: 10 مكية (8) الزخرف: 63 مكية (9) الزخرف: 65 مكية (10) الجاثية: 17 مكية (11) الطور: 23 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4271 الأحاديث الواردة في ذمّ (التنازع) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا اشتدّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجعه قال: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده» قال عمر: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللّغط. قال: «قوموا عنّي، ولا ينبغي عندي التّنازع» فخرج ابن عبّاس يقول: إنّ الرّزيّة كلّ الرّزيّة ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين كتابه) * «1» . 2- * (عن جنادة بن أبي أميّة قال: دخلنا على عبادة بن الصّامت وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: دعانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه، فقال «2» فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السّمع والطّاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة «3» علينا، وألّا ننازع الأمر أهله «4» ، قال: «إلّا أن تروا كفرا بواحا «5» عندكم من الله فيه برهان» ) * «6» . زاد في رواية أحمد: «وإن رأيت أن لك» «7» . 3- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة. قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل «8» ، ومنّا من هو في جشره «9» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «10» . فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجأ فتنة فيرقّق «11» بعضها بعضا، وتجأ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجأ الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه «12» . ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة   (1) البخاري- الفتح 1 (114) . (2) في الفتح هكذا «فقال» ، ولعلها «فكان مما أخذ علينا» . (3) المراد أن طاعتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصال حقوقهم، بل عليهم الطاعة ولو آثر غيرهم عليهم. (4) زاد في رواية أبي داود (4/ 4090) «وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم» . (5) الكفر البواح: هو الظاهر الصراح. (6) البخاري- الفتح 13 (7056، 7057) واللفظ له، وأحمد، المسند 5/ 321، وأبو داود 4 (4090) . (7) «إن» هنا مخففة من الثقيلة، والمعنى: وإن رأيت أنه لك. (8) ينتضل: هو من المناضلة وهي المراماة بالنشاب. (9) في جشره: وهي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها. (10) جامعة: هي بنصب الصلاة على الاغراء ونصب جامعة على الحال. (11) فيرقّق بعضها بعضا: يرقّق أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده فالثاني يجعل الأول رقيقا. وقيل معناه يشبه بعضها بعضا، وقيل يدور بعضها في بعض، وقيل معناه يسوق بعضها إلى بعض. (12) أن يؤتى إليه: هذا من جوامع كلمه صلّى الله عليه وسلّم وبديع حكمه وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها وإن الإنسان يلزمه أن لا يفعل مع النّاس إلّا ما يحب أن يفعلوه معه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4272 يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله! آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً «النساء/ 29» . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله) * «1» . 4- * (عن سليمان بن يسار، أنّ أبا سلمة بن عبد الرّحمن وابن عبّاس اجتمعا عند أبي هريرة. وهما يذكران المرأة تنفس «2» بعد وفاة زوجها بليال. فقال ابن عبّاس عدّتها آخر الأجلين. وقال أبو سلمة قد حلّت. فجعلا يتنازعان ذلك. قال: فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي (أبي سلمة) فبعثوا كريبا (مولى ابن عبّاس) إلى أمّ سلمة يسألها عن ذلك؟ فجاءهم فأخبرهم أنّ أمّ سلمة قالت: إنّ سبيعة الأسلميّة نفست بعد وفاة زوجها بليال. وإنّها ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمرها أن تتزوّج) * «3» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتّى احمرّ وجهه حتّى كأنّما فقيء في وجنته الرّمّان، فقال: «أبهذا أمرتم، أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنّما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت «4» عليكم، عزمت عليكم ألّا تتنازعوا فيه» ) * «5» . 6- * (عن جندب بن مكيث الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غالب بن عبد الله الكلبيّ- كلب ليث- إلى بني ملوّح بالكديد «6» وأمره أن يغير عليهم. فخرج فكنت في سريّته فمضينا حتّى إذا كنّا بقديد به الحارث بن مالك وهو ابن البرصاء اللّيثيّ فأخذناه فقال: إنّما جئت لأسلم فقال غالب ابن عبد الله: إن كنت إنّما جئت مسلما فلن يضرّك رباط يوم وليلة وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك. قال: فأوثقه رباطا ثمّ خلف عليه رجلا أسود كان معنا. فقال: امكث معه حتّى نمرّ عليك فإن نازعك فاجتزّ «7» رأسه. قال: ثمّ مضينا حتّى أتينا بطن الكديد فنزلنا عشيشة «8» بعد العصر، فبعثني أصحابي في ربيئة «9» فعمدت إلى تلّ يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه ... الحديث» ) * «10» .   (1) مسلم 3 (1844) . (2) تنفس: أي تلد. (3) مسلم 2 (1485) . (4) عزمت عليكم: أي أقسمت عليكم. (5) سنن الترمذي 4 (2133) ، وقال محقق جامع الأصول (2/ 752) : الحديث حسن بشواهده وقال الترمذي: وفي الباب عن عمر وعائشة وأنس- رضي الله عنهم-. (6) الكديد: واد ذو تراب ناعم. (7) اجتز: أي اقتله. (8) عشيشة: هي تصغير كلمة عشية على غير قياس. (9) ربيئة: الربيئة: العين، والطليعة: الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو. (10) المسند 3 (468) ، قال الهيثمي في المجمع (6/ 203) : وعند أبي داود طرف من أوله، ورواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات فقد صرح ابن اسحاق بالسماع في رواية الطبراني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4273 7- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الحديبية حتّى نزلنا السّقيا فقال معاذ بن جبل: «من يسقينا في أسقيتنا؟» قال جابر: فخرجت في فئة من الأنصار حتّى أتينا الماء الّذي بالإثابة وبينهما قريب من ثلاثة وعشرين ميلا فسقينا في أسقيتنا، حتّى إذا كان بعد عتمة إذا رجل ينازعه بعيره إلى الحوض فقال: أورد. فإذا هو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأورد ثمّ أخذت بزمام ناقته فأنختها، فقام فصلّى العتمة، وجابر فيما ذكر إلى جنبه، ثمّ صلّى بعدها ثلاث عشرة سجدة) * «1» . 8- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ هذا الأمر في قريش لا ينازعهم أحد إلّا أكبّه الله على وجهه ما أقاموا الدّين» ) * «2» . 9- * (عن حميد- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر هذا ينزع آية وهذا ينزع آية، فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا. وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا، فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج كأنّما فقيء في وجهه حبّ الرّمّان فقال: «بهذا أمرتم؟ - أو «بهذا بعثتم؟ - أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض! إنّما ضلّت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنّكم لستم ممّا ههنا في شيء، انظروا الّذي أمرتم به فاعملوا به، والّذي نهيتم عنه فانتهوا» ) * «3» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه وهم يتنازعون في هذه الشّجرة الّتي اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ فقالوا نحسبها الكمأة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الكمأة من المنّ وماؤها شفاء العين والعجوة من الجنّة وهي شفاء من السّمّ» ) * «4» . 11- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا. وأمة أو عبد أبق «5» فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، قد كفاها مؤنة الدّنيا فتبرّجت بعده. فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله- عزّ وجلّ- رداءه فإنّ رداءه الكبرياء وإزاره العزّة، ورجل شكّ في أمر الله، والقنوط من رحمة الله» ) * «6» . 12- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: كنّا في مسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا على ناضح «7» إنّما هو في أخريات النّاس، قال: فضربه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو   (1) أحمد في المسند 3 (380) . (2) والبخاري- الفتح 6 (3500) ، وأحمد في المسند 4 (94) ، واللفظ له،. (3) أحمد في المسند (2/ 196) ح (6857) ، وله شاهد عند ابن ماجه (85) عن ابن عمرو، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (4) أحمد في المسند 2 (305) ، رواه الطيالسي (2397) والترمذي (2799) وابن ماجه (1455) وسنده حسن. (5) أبق: هرب. (6) أحمد في المسند 6/ 19، والحاكم (1/ 119) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة وأقره الذهبي، وعزاه الهيثمي (1/ 105) للبزار والطبراني وقال: رجاله ثقات. (7) ناضح: هو البعير الذي يستقي عليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4274 قال: نخسه (أراه قال) بشيء كان معه. قال: فجعل بعد ذلك يتقدّم النّاس ينازعني حتّى إنّي لأكفّه، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتبيعنيه بكذا وكذا؟ والله يغفر لك» قال: قلت: هو لك يا نبيّ الله ... » ) * «1» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النّار» ) * «2» . 14- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- في حديث الهجرة قال أبو بكر: ... فقدمنا المدينة ليلا، فتنازعوا أيّهم ينزل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنزل على بني النّجّار أخوال عبد المطّلب أكرمهم بذلك» ) * «3» . 15- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نوحا صلّى الله عليه وسلّم نازعه الشّيطان في عود الكرم «4» فقال نوح: هذا لي. وقال الشّيطان: هذا لي، فاصطلحا على أنّ لنوح ثلثها وللشّيطان ثلثيها» ) * «5» . 16- * (عن حنش الكنانيّ- رضي الله عنه- أنّ قوما باليمن حفروا زبية «6» لأسد فوقع فيها فتكابّ «7» النّاس عليه فوقع فيها رجل فتعلّق بآخر ثمّ تعلّق الآخر بآخر حتّى كانوا فيها أربعة، فتنازع في ذلك «8» حتّى أخذ السّلاح بعضهم لبعض، فقال لهم عليّ- رضي الله عنه-: «أتقتلون مائتين في أربعة؟ ولكن سأقضي بينكم بقضاء إن رضيتموه، للأوّل ربع الدّية وللثّاني ثلث الدّية وللثّالث نصف الدّية وللرّابع الدّية فلم يرضوا بقضائه، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «سأقضي بينكم بقضاء» ، فأخبر بقضاء عليّ فأجازه) * «9» . من الأحاديث الواردة في ذمّ (التنازع) معنى 17- * (عن ابن أبي مليكة- رضي الله عنه- قال: كاد الخيّران أن يهلكا- أبو بكر وعمر لمّا قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التّميميّ الحنظليّ أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره فقال أبو بكر لعمر: إنّما أردت خلا في فقال عمر: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما عند   (1) مسلم 2 (1466) . (2) أبو داود 14 (4090) ، وابن ماجه (4174) . (3) مسلم (2009) وقد روى مسلم الحديث بتمامه عن زهير عن أبي اسحاق عن البراء وعن عثمان بن عمرو الجزء الذي نقلناه هنا من رواية عثمان، انظر صحيح مسلم آخر كتاب الزهد ج 4 ص 2311. (4) الكرم: العنب. (5) سنن النسائي 8 (5726) . (6) زبية: الزبية بضم الزاي هي الحفرة. (7) فتكابّ الناس عليه: تزاحم الناس عليه. (8) فتنازع في ذلك: أي تنازع الناس في ذلك واختلفوا فيه. (9) المسند 1/ 77 رقم (573) ، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4275 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إلى قوله عَظِيمٌ (الحجرات/ 2) قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزّبير: فكان عمر بعد، ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر إذا حدّث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحديث حدّث كأخي السّرار لم يسمعه حتّى يستفهمه) * «1» . 18- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في مرضه: «مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» قالت عائشة: قلت إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع النّاس من البكاء. فمر عمر فليصلّ. فقال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» . فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع النّاس من البكاء، فمر عمر فليصلّ بالنّاس. ففعلت حفصة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكنّ لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا) * «2» . 19- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ قال: جاء عويمر العجلانيّ إلى عاصم بن عديّ فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله أتقتلونه به؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله. فكره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسائل وعابها. فرجع عاصم فأخبره أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كره المسائل فقال عويمر: والله لآتينّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجاء وقد أنزل الله تعالى القرآن خلف عاصم، فقال له: قد أنزل الله فيكم قرآنا. فدعا بهما فتقدّما فتلاعنا. ثم قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. ففارقها ولم يأمره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفراقها فجرت السّنّة في المتلاعنين؛ وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة «3» ، فلا أراه إلّا قد كذب، وإن جاءت به أسحم أعين ذا اليتين فلا أحسب إلّا قد صدق عليها فجاءت به على الأمر المكروه) * «4» . 20- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الرّجّالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا- عبد الله بن جبير فقال: «إن رأيتمونا تخطفنا الطّير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتّى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتّى أرسل إليكم» فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النّساء يشددن، قد بدت خلاخلهنّ وأسوقهنّ، رافعات ثيابهنّ. فقال أصحاب ابن جبير: الغنيمة أي قوم! الغنيمة؛ ظهر أصحابكم «5» فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: والله لنأتينّ النّاس فلنصيبنّ من الغنيمة فلمّا أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرّسول فى أخراهم، فلم يبق مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غير اثني عشر رجلا، فأصابوا منّا سبعين، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين   (1) البخاري- الفتح 13 (7302) . (2) البخاري- الفتح 13 (7303) . (3) وحرة: دويبة كالعظاء تلزق بالأرض. (4) البخاري- الفتح 13 (7304) . (5) ظهر أصحابكم: أي انتصر جيش المسلمين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4276 ومائة، سبعين أسيرا وسبعين قتيلا، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمّد؟ ثلاث مرّات. فنهاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يجيبوه ثمّ قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرّات، ثمّ قال: أفي القوم ابن الخطّاب؟ ثلاث مرّات، ثمّ رجع إلى أصحابه فقال: أمّا هؤلاء فقد قتلوا، فما ملك عمر نفسه فقال: كذبت والله يا عدوّ الله، إنّ الّذين عددت لأحياء كلّهم، وقد بقي لك ما يسوؤك. قال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال. إنّكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني. ثمّ أخذ يرتجز: أعل هبل، أعل هبل. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجيبونه؟» قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجلّ» قال (أبو سفيان) : إنّ لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجيبونه؟» قال: قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» ) * «1» . 21- * (عن مالك بن أوس النّصريّ قال: انطلقت حتّى أدخل على عمر (و) أتاه حاجبه يرفأ «2» فقال: هل لك في عثمان وعبد الرّحمن والزّبير وسعد يستأذنون، قال نعم. فدخلوا فسلّموا وجلسوا فقال هل لك في عليّ وعبّاس، فأذن لهما. قال العبّاس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين الظّالم، استبّا. فقال الرّهط، عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر. فقال: اتّئدوا، أنشدكم بالله الّذي بإذنه تقوم السّماء والأرض هل تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» - يريد رسول الله نفسه- قال الرّهط: قال ذلك. فأقبل عمر على عليّ وعبّاس فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك؟ قالا: نعم. قال عمر: فإنّي محدّثكم عن هذا الأمر. إنّ الله كان خصّ رسوله صلّى الله عليه وسلّم في هذا المال بشيء لم يعطه أحدا غيره، فإنّ الله يقول ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ ... الآية فكانت هذه خالصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ والله ما احتازها «3» دونكم، ولا أستأثر بها عليكم، وقد أعطاكموها وبثّها فيكم، حتى بقي منها هذا المال، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثمّ يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله. فعمل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك حياته، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك. فقالوا: نعم. ثمّ قال لعليّ وعبّاس: أنشدكما الله هل تعلمان ذلك. قالا: نعم. ثمّ توفّى الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنتما حينئذ وأقبل على عليّ وعبّاس- فقال تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا «4» ، والله يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحقّ. ثمّ توفّى الله أبا بكر، فقلت أنا وليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، ثمّ جئتماني وكلّمتكما على كلمة واحدة وأمركما جميع، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما، على أنّ عليكما عهد الله وميثاقه تعملان فيها بما عمل به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبما عمل أبو   (1) البخاري- الفتح 6 (3039) (2) يرفأ: هو اسم خادم عمر. (3) احتازها: أي استأثر بها لنفسه. (4) فيها كذا: أي هو فيها ظالم لكنه كنّى عن ذلك بكلمة كذا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4277 بكر وبما عملت فيها منذ وليتها، وإلّا فلا تكلّماني فيها، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما بذلك، أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك، قال الرّهط: نعم. فأقبل على عليّ وعبّاس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم. قال: أفتلتمسان منّي قضاء غير ذلك؟ فو الّذي بإذنه تقوم السّماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتّيبتقوم السّاعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ فأنا أكفيكماها) * «1» . 22- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا اختلف البيّعان وليس بينهما بيّنة فهو ما يقول ربّ السّلعة أو يتتاركان «2» » ) * «3» . 23- * (عن عرفجة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمّة، وهي جميع فاضربوه بالسّيف كائنا من كان) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التنازع) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال في قوله تعالى حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ ... (آل عمران/ 152) : لمّا هزم الله المشركين يوم أحد، قال الرّماة: أدركوا النّاس، لا يسبقونا إلى الغنائم فتكون لهم دونكم، وقال بعضهم (أي الرّماة) : لا نريم «5» حتّى يأذن لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزل قوله تعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) * «6» . 2- * (وعن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال: (المعنى) لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم) * «7» . 3- * (وعنه- رحمه الله- (أيضا) في قوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ (النساء/ 59) قال: فإن تنازع العلماء (في شيء) ردّوه إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم) * «8» . 4- * (عن قتادة- رحمه الله- في قوله تعالى وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا قال: لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم) * «9» . 5- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ (النساء/ 59) : أي تجادلتم   (1) البخاري- الفتح 13 (7305) . (2) يتتاركان: يترك بعضهما بعضا. (3) النسائي (2/ 229) ، والحاكم (2/ 45) وقال: صحيح، ووافقه الذهبي. (4) مسلم (1852) واللفظ له، وأبو داود 4/ 4762، والنسائي 7/ 92. (5) لا نريم: أي لا نبرح مكاننا. (6) الدر المنثور 2/ 152. (7) المرجع السابق 2/ 318. (8) المرجع السابق 3/ 343. (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4278 واختلفتم فكأنّ كلّ واحد ينتزع حجّة الآخر ويذهبها. والنّزع: الجذب، والمنازعة: مجاذبة الحجج) * «1» . 6- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ (الأنفال/ 43) أي اختلفتم) * «2» . 7- * (وقال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً (الطور/ 23) : أي يتناولها بعضهم من بعض وهو المؤمن وزوجاته وخدمه في الجنّة) * «3» . 8- * (وقال القرطبيّ: ومعنى تنازعتم: اختلفتم، يعني الرّماة حين قال بعضهم لبعض: نلحق الغنائم، وقال بعضهم: بل نلبث في مكاننا الّذي أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالثّبوت فيه) * «4» . من مضار (التنازع) (1) يؤدّي إلى الفشل وضعف القوّة وذهاب الرّيح والهزيمة. (2) يؤدّي إلى الكره والبغضاء بين النّاس. (3) يؤدّي إلى سخط الرّبّ عزّ وجلّ. (4) يؤدّي إلى إراقة الدّماء. (5) خسارة في الدّنيا وعذاب في الآخرة. (6) التّنازع يضعف قوّة الأمّة ويمكّن منها أعداءها. (7) التّنازع على المناصب وأمور الدّنيا يؤدّي إلى الفتن وإشعال الحروب الأهليّة. (8) التّنازع يشغل أصحابه عمّا يفيدهم في دنياهم وآخرتهم. (9) التّنازع يفتّت قوّة المجتمع ويؤدّي إلى الفرقة. (10) التّنازع مدخل واسع من مداخل الشّيطان الّتي يتمكّن بها من إفساد العقيدة وإشاعة البغضاء بين الأخ وأخيه، بل بين الأب وابنه.   (1) تفسير القرطبي 5/ 169. (2) المرجع السابق 17/ 46. (3) المرجع السابق 8/ 16. (4) المرجع السابق 4/ 152. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4279 التّنصّل من المسئولية والتّهرّب منها التّنصّل لغة: مصدر قولهم: تنصّل من الشّيء: تبرّأ منه وهو مأخوذ من مادّة (ن ص ل) الّتي تدلّ على بروز شيء من كنّ أوستر أو مركب أو نحو ذلك، يقال: نصل الحافر أي خرج من موضعه، وتنصّل من ذنبه: تبرّأ منه «1» ، وقولهم: أنصلت الرّمح، إذا نزعت نصله، وتنصّلت الشّيء واستنصلته إذا استخرجته «2» ، وفي الحديث «من تنصّل إليه أخوه فلم يقبل ... » أي من انتفى من ذنبه واعتذر إليه «3» ، وقال ابن منظور: النّصل: حديدة السّهم والرّمح، وهو حديدة السّيف ما لم يكن لها مقبض فإذا كان لها مقبض فهو سيف، يقال: أنصل السّهم ونصّله: أي جعل فيه النّصل. وقيل: أنصله: أزال عنه النّصل، ونصّله: ركّب فيه النّصل، ونصل فيه السّهم: ثبت فلم يخرج. وقيل: نصل: خرج، فهو من الأضداد، ويقال: نصلت اللّسعة والحمة. تنصل: خرج سمّها وزال أثرها، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 44/ 7/ 30 والتّنصّل شبه التّبرّء من جناية أو ذنب، وتنصّل إليه من الجناية: خرج وتبرّأ، واستنصلت الرّيح اليبيس إذا اقتلعته من أصله، وبرّ نصيل: نقيّ من الغلث «4» . التّهرّب لغة: مصدر قولهم: تهرّب من الشّيء يتهرّب إذا فرّ منه، وهو مأخوذ من مادّة (هـ ر ب) الّتي تدلّ على الفرار «5» ، قال في الصّحاح: يقال: هرب من الشّيء (فرّ) وهرّبه غيره تهريبا، وأهرب الرّجل: إذا جدّ في الذّهاب مذعورا، وقوله: ما له هارب ولا قارب أي صادر عن الماء ولا وارد «6» ، وقال ابن منظور: يقال: هرب يهرب هربا، يكون ذلك للإنسان وغيره من أنواع الحيوان، وقولهم: جاء مهربا أي جادّا في الأمر. وجاء مهربا (أيضا) إذا أتاك هاربا فزعا، وأهرب الرّجل: إذا أبعد في الأرض، وأهرب فلان فلانا إذا اضطرّه إلى الهرب «7» . وفيما يتعلّق بلفظ «التّهرّب» فإنّه تفعّل من الهرب، وتفيد هذه الصّيغة معاني   (1) مقاييس اللغة 5/ 433. (2) الصحاح 5/ 1831. (3) النهاية لابن الأثير 5/ 67، وهذه الرواية التي أثبتها ابن الأثير نقلا عن أبي موسى المديني في المجموع المغيث (ج 3 ص 307) قريبة مما أثبتناه في الحديث الأول في هذه الصفة وهي «من أتاه أخوه متنصلا» انظر الحديث الأول. (4) لسان العرب 5/ 4446 (ط. دار المعارف) . (5) مقاييس اللغة لابن فارس 6/ 49. (6) الصحاح 1/ 237. (7) لسان العرب (هرب) 4646. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4280 عديدة منها: الطّلب كاستفعل، ومنها المطاوعة «1» كانفعل، ومنها التّدرّج في الفعل كما في تجرّع (أي أخذه جرعة بعد جرعة) ، وغير ذلك «2» ، والمناسب هنا المعنى الأخير أي أنّ التّهرّب هو الإتيان على الهرب وأخذه جزءا بعد جزء على تهاد ومهلة، ومن الممكن أيضا أن تفيد الصّيغة معنى الطّلب فيكون التّهرّب: التماس الهروب من المسئوليّة. المسئولية لغة: انظر صفة المسئوليّة. التّنصّل والتّهرّب من المسئولية اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات الّتي وقفنا عليها هذين اللّفظين ضمن ما أوردته من ألفاظ اصطلاحيّة، ومن ثمّ يكون معناهما في المجال الأخلاقيّ باقيا على أصل معناهما في اللّغة، ويمكننا أن نستنبط هذا التّعريف في ضوء ما ذكره أهل اللّغة والتّصريف فنقول: التّنصّل من المسئوليّة والتّهرّب منها يعني التّبرّؤ من الالتزام بما سبق للإنسان تحمّله من مسئوليّة والخروج من عهدة ذلك شيئا فشيئا. ويمكن أن نقول أيضا: إنّ ذلك يعني التّخلّص التّدريجيّ ممّا سبق للشّخص أن تعهّد به والتماس عذر غير حقيقيّ للتبرّؤ من تبعة التّقصير في الأداء. [للاستزادة: انظر صفات: التهاون- البلادة والغباء- التولي- النفاق- التخلف عن الجهاد- التخاذل- الأثرة- الضعف- الوهن. وفي ضد ذلك: انظر صفات: المسئولية- الصدق- الوفاء- جهاد الأعداء- الرجولة- الإخلاص- الاستقامة- الشجاعة] .   (1) المطاوعة: أن تريد من الشيء أمرا ما فتبلغه (الممتع 1/ 183) . (2) ذكر ابن جنّيّ في شرح الملوكي ص 75- 77 خمسة معان لهذه الصيغة: الثلاثة التي ذكرناها، ومعنى الاتخاذ كما في توسّدت السّاعد أي اتخذته وسادة، والسلب والإزالة كما في تحوّب أي أزال الحوب (الإثم) ، وذكر لها ابن عصفور في الممتع (ج 1 ص 183- 185) ثمانية معان، الخمسة التي ذكرناها وأضاف إليها معاني: الختل، والتوقع، والتكثير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4281 الآيات الواردة في «التّنصّل والتّهرّب من المسئولية» معنى أولا: التّنصّل والتّهرّب في الحياة الدنيا: 1- أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) «1» 2- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) «2» 3- قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (24) «3» 4- وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124) «4» 5- وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) «5» 6- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) «6» 7- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) «7»   (1) البقرة: 246 مدنية (2) آل عمران: 167 مدنية (3) المائدة: 22- 24 مدنية (4) الأنعام: 124 مكية (5) الأعراف: 28 مكية (6) الأعراف: 172- 173 مكية (7) الأنفال: 6 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4282 8- وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) «1» 9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) «2» 10- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) «3» 11- وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46) «4» 12- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) «5» 13- فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) «6» 14- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) «7» 15- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) «8» 16- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «9» 17- إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) «10» 18- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17)   (1) الأنفال: 48 مدنية (2) التوبة: 38 مدنية (3) التوبة: 42 مدنية (4) التوبة: 46 مدنية (5) التوبة: 49 مدنية (6) التوبة: 76 مدنية (7) التوبة: 81 مدنية (8) التوبة: 86 مدنية (9) التوبة: 90 مدنية (10) التوبة: 93 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4283 وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «1» 19- وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) «2» 20- وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) «3» 21- وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً (13) «4» 22- قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) «5» 23- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) «6» 24- فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) «7» 25- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) «8» 26- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) «9» 27- هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) «10»   (1) يوسف: 16- 18 مكية (2) النور: 47 مدنية (3) القصص: 57 مكية (4) الأحزاب: 13 مدنية (5) الأحزاب: 18 مدنية (6) يس: 47 مكية (7) محمد: 27- 28 مدنية (8) الفتح: 11 مدنية (9) الحشر: 11- 12 مدنية (10) المنافقون: 7 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4284 ثانيا: التّنصّل والتّهرّب في الحياة الآخرة: 28- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) «1» 29- ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) «2» 30- سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) «3» 31- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) «4» 32- وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) «5» 33- وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) «6» 34- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) «7» 35- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) «8» 36- وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)   (1) البقرة: 166- 167 مدنية (2) الأنعام: 23 مكية (3) الأنعام: 148 مكية (4) يونس: 28 مكية (5) إبراهيم: 22 مكية (6) النحل: 35 مكية (7) المؤمنون: 99- 100 مكية (8) الفرقان: 17- 18 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4285 يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29) «1» 37- قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (63) «2» 38- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) «3» 39- قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) «4» 40- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) «5» 41- وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) «6» 42- بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) «7» 43- قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) «8» 44- كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16) «9»   (1) الفرقان: 27- 29 مكية (2) القصص: 63 مكية (3) سبأ: 31- 32 مكية (4) سبأ: 41 مكية (5) فصلت: 29 مكية (6) الزخرف: 20 مكية (7) الزخرف: 22- 23 مكية (8) ق: 27 مكية (9) الحشر: 16 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4286 الأحاديث الواردة في ذمّ (التّنصّل والتّهرّب من المسئولية) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عفّوا عن نساء النّاس تعفّ نساؤكم، وبرّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصّلا فليقبل ذلك محقّا كان أو مبطلا، فإن لم يفعل لم يرد عليّ الحوض» ) * «1» . من الأحاديث الواردة في ذمّ (التّنصّل والتّهرّب من المسئولية) معنى 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجالا من المنافقين، في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا إذا خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الغزو تخلّفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) * «2» . 3- * (عن زيد بن الأرقم- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، أصاب النّاس فيه شدّة فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ينفضّوا من حوله) * «3» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يصعد الثّنيّة «4» ثنيّة المرار، فإنّه يحطّ عنه ما حطّ عن بني إسرائيل» قال: فكان أوّل من صعدها خيلنا، خيل بني الخزرج. ثمّ تتامّ النّاس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وكلّكم مغفور له، إلّا صاحب الجمل «5» الأحمر» فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «والله؛ لأن أجد ضالّتي أحبّ إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم. قال: وكان رجل ينشد «6» ضالّة له) * «7» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كلّ نسمة هو خالقها من ذرّيّته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كلّ إنسان منهم وبيصا «8» من نور، ثمّ عرضهم على آدم فقال: أي ربّ   (1) الترغيب والترهيب 3/ 492، وقال المنذري: رواه الحاكم من رواية سويد عن قتادة عن أبي رافع، وقال: صحيح الإسناد. (2) مسلم 4 (2777) . (3) مسلم 4 (2772) . (4) الثّنيّة: أصلها الطريق بين الجبلين، وهذه الثنية عند الحديبية. (5) إلّا صاحب الجمل الأحمر: قيل هو الجد بن قيس المنافق. (6) ينشد ضالة: يسأل عنها. (7) مسلم 4 (2780) . (8) وبيصا: بريقا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4287 من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذرّيّتك، فرأى رجلا منهم وأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي ربّ من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذرّيّتك يقال له داود. فقال: ربّ كم جعلت عمره؟ قال: ستّين سنة. قال: أي ربّ زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت فقال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد «1» آدم فجحدت ذرّيّته، ونسّي آدم فنسّيت ذرّيّته، وخطيء آدم فخطئت ذرّيّته» ) * «2» . 6- * ( ... فقال كعب بن مالك- رضي الله عنه- فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجّه قافلا من تبوك حضرني بثّي «3» ، فطفقت أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي، فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما «4» زاح عنّى الباطل، حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا، فأجمعت صدقه «5» ، وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثمّ جلس للنّاس فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله ... الحديث) * «6» . 7- * (عن عبد الله بن عامر قال: حدّثني من سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه أمر برجم رجل بين مكّة والمدينة، فلمّا وجد مسّ الحجارة خرج فهرب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فهلّا تركتموه؟» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التّنصّل والتّهرّب من المسئولية) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (الحشر/ 16) ضرب الله هذا مثلا للمنافقين مع اليهود. وذلك أنّ الله أمر نبيّه عليه السّلام أن يجلي بني النّضير من المدينة فدسّ إليهم المنافقون ألّا تخرجوا من دياركم فإن قاتلوكم كنّا معكم، وإن أخرجوكم كنّا معكم، فحاربوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فخذلهم المنافقون وتبرّؤوا منهم كما تبرّأ الشّيطان من برصيص العابد» ) * «8» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ قال: هي مدينة   (1) جحد: أنكر. (2) سنن الترمذي 5 (3078) ، وقال: حسن صحيح، والحاكم في المستدرك 2/ 322، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. (3) بثّي: البث هو أشد الحزن. (4) أظل قادما: أي أقبل ودنا قدومه كأنه ألقى عليّ ظله. (5) فأجمعت صدقه: عزمت عليه. (6) هذا الحديث جزء من حديث كعب بن مالك في غزوة تبوك، مسلم 4 (2769) . (7) المسند 4/ 66 برقم (16627) ، والهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 267، وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. (8) تفسير القرطبي (18/ 28) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4288 الجبّارين لمّا نزل بها موسى وقومه بعث منهم اثني عشر رجلا وهم النّقباء الّذين ذكرهم الله تعالى ليأتوهم بخبرهم، فساروا ولقيهم رجل من الجبّارين فجعلهم في كساءته، فحملهم حتّى أتى بهم المدينة ونادى في قومه فاجتمعوا إليه فقالوا: من أنتم؟ قالوا: نحن قوم موسى بعثنا لنأتيه بخبركم. فأعطوه حبّة من عنب تكفي الرّجل، وقالوا لهم: اذهبوا إلى موسى وقومه فقولوا لهم: اقدروا قدر فاكهتهم. فلمّا أتوهم قالوا: يا موسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ «فقال رجلان من الّذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا» ، وكانا من أهل المدينة فأسلما واتّبعا موسى فقالا لموسى ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ «1» . وهذا في تفسير قوله تعالى قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ* قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ (المائدة/ 22- 23) . 3- * (قال ابن عبّاس ومقاتل- رضي الله عنهم- في تفسير قوله تعالى قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (ق/ 27) : قرينه الملك؛ وذلك أنّ الوليد بن المغيرة يقول للملك الّذي كان يكتب سيّئاته: ربّ إنّه أعجلني، فيقول الملك: ربّنا ما أطغيته أي ما أعجلته) * «2» . 4- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (ق/ 27) : أي يقول عن الإنسان الّذي قد وافى القيامة كافرا يتبرّأ منه شيطانه ربّنا ما أطغيته: أي ما أضللته) * «3» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (التوبة/ 75) : أنّ رجلا كان يقال له ثعلبة من الأنصار أتى مجلسا فأشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله آتيت كلّ ذي حق حقّه وتصدّقت منه وجعلت منه للقرابة، فابتلاه الله فآتاه من فضله فأخلف ما وعد فأغضب الله بما أخلفه ما وعده) * «4» . 6- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (الحشر/ 16) قال: كانت امرأة ترعى الغنم وكان لها أربعة إخوة وكانت تأوي باللّيل إلى صومعة راهب. قال: فنزل الرّاهب ففجر بها فحملت فأتاه الشّيطان فقال اقتلها ثمّ ادفنها فإنّك رجل مصدّق يسمع قولك فقتلها ثمّ دفنها. قال: فأتى الشّيطان إخوتها في المنام فقال لهم: إنّ الرّاهب صاحب الصومعة فجر بأختكم فلمّا أحبلها قتلها ثمّ دفنها في مكان كذا وكذا. فلمّا أصبحوا قال رجل   (1) تفسير القرطبي (18/ 28) . (2) المرجع السابق (18/ 13) . (3) تفسير ابن كثير (4/ 226) . (4) الدر المنثور (3/ 468) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4289 منهم: والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصّها عليكم أم أترك. قالوا: بل قصّها علينا. قال: فقصّها. فقال الآخر: وأنا والله رأيت ذلك. فقال الآخر: وأنا والله رأيت ذلك؛ قالوا: فو الله ما هذا إلّا لشيء. قال: فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الرّاهب فأتوه فأنزلوه ثمّ انطلقوا به، فلقيه الشّيطان فقال: إنّي الّذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك ممّا أوقعتك فيه. قال: فسجد له فلمّا أتوا به ملكهم تبرّأ منه وأخذ فقتل) * «1» . 7- * (عن محمّد بن كعب القرظيّ قال: كان المشركون الرّجال يطوفون بالبيت بالنّهار عراة والنّساء باللّيل عراة؛ ويقولون: إنّا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، فلمّا جاء الإسلام وأخلاقه الكريمة نهوا عن ذلك، وذلك في تفسير قوله تعالى وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها (الأعراف/ 28)) * «2» . 8- * (عن قتادة وعطاء والرّبيع- رحمهم الله- في قوله تعالى إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (البقرة/ 166) قالوا: المعنى أنّ السّادة والرّؤساء تبرّءوا ممّن اتّبعهم على الكفر. وقال قتادة أيضا: هم الشّياطين المضلّون تبرّءوا من الإنس. وقيل هو عامّ في كلّ متبوع يتنصّل من مسئوليّة إضلال تابعه) * «3» . 9- * (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ (آل عمران/ 167) المعنى: لو نعلم أنّكم تلقون حربا لجئناكم ولكن لا تلقون قتالا «4» . قال القرطبيّ: وكان عبد الله بن أبيّ وأصحابه قد انصرفوا عن نصرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكانوا ثلاثمائة فمشى في أثرهم عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريّ فقال لهم: اتّقوا الله ولا تتركوا نبيّكم وقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا «5» ونحو هذا من القول. فقال له ابن أبيّ: ما أرى أن يكون قتال، ولو علمنا أن يكون قتال لكنّا معكم. فلمّا يئس منهم عبد الله قال: اذهبوا أعداء الله فسيغني الله رسوله عنكم. ومضى مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واستشهد رحمه الله تعالى. أمّا قول الله تعالى في نفس الآية يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ فالمعنى أنّهم يقولون القول ولا يعتقدون صحّته لأنّ قولهم لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ فإنّهم متحقّقون أنّ جندا من المشركين قد جاؤا من بلاد بعيدة يتحرّقون على المسلمين بسبب ما أصيب من أشرافهم يوم بدر) * «6» .   (1) تفسير ابن كثير (4/ 341) . (2) الدر المنثور (3/ 143) . (3) تفسير القرطبي (2/ 183) ، والدر المنثور (1/ 304) وجاء فيه عن قتادة «أنّ الذين اتبعوا هم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشّرّ والشّرك وأنّ الذين اتبعوا هم الأتباع والضعفاء. (4) تفسير ابن كثير (1/ 425) . (5) ادفعوا: كثروا سواد المسلمين. (6) تفسير ابن كثير 1/ 425 (بتصرف يسير) والمراد من هذا الأثر أن المنافقين قد تنصلوا من مسئوليتهم في الدفاع من المدينة ونصرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأعذار واهية وأقوال مردودة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4290 10- * (عن الحسن- رحمه الله- في قوله تعالى وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ (الأنفال/ 48) قال: سار إبليس ببدر برايته وجنوده وألقى في قلوب المشركين أنّ أحدا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين آبائكم ولن تغلبوا كثرة. فلمّا التقوا نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ، يقول: رجع مدبرا وقال إنّي بريء منكم إنّي أرى ما لا ترون يعني الملائكة) * «1» . 11- * (عن مجاهد والسّدّيّ- رحمهما الله- في قوله تعالى وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (يوسف/ 16) أنّهم عمدوا إلى سخلة «2» فذبحوها ولطّخوا ثوب يوسف بدمها موهمين أنّ هذا قميصه الّذي أكله فيه الذّئب وقد أصابه من دمه ولكنّهم نسوا أن يخرقوه ولهذا لم يرج «3» هذا الصّنيع على نبيّ الله يعقوب) * «4» . 12- * (عن الضّحّاك- رحمه الله- قال: خرج المنافقون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى تبوك وكانوا إذا خلا بعضهم إلى بعض سبّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وطعنوا في الدّين فنقل حذيفة ما قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أهل النّفاق ما هذا الّذي بلغني عنكم؟» فحلفوا ما قالوا شيئا من ذلك) * «5» . 13- * (وعن قتادة- رحمه الله- أنّ رجلين اقتتلا رجل من جهينة ورجل من غفار «6» وظهر الغفاريّ على الجهنيّ. فنادى عبد الله بن أبيّ: يا بني الأوس انصروا أخاكم فو الله ما مثلنا ومثل محمّد إلّا كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك ... فسعى بها رجل من المسلمين إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأرسل إليه فجعل يحلف بالله ما قال. فنزل قوله تعالى يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ (التوبة/ 74)) * «7» . 14- * (قال ابن جريج- رحمه الله- في تفسير الآية الكريمة السّابقة: قائل ذلك أبو جهل بن هشام، وقيل: إنّ أهل الكتاب قالوا للمشركين: صفة محمّد في كتابنا فسلوه، فلمّا سألوه فوافق ما قال أهل الكتاب، قال المشركون: لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالّذي أنزل قبله من التّوراة والإنجيل بل نكفر بالجميع، وكانوا قبل ذلك يراجعون أهل الكتاب ويحتجّون بقولهم فظهر بهذا تناقضهم وقلّة علمهم) * «8» . 15- * (عن مقاتل- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ (الزخرف/ 23) أنّ هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة   (1) تفسير الطبري مجلد 6 (10/ 15) . (2) السخلة: النعجة الصغيرة. (3) لم يرج: أي لم يلق قبولا. (4) تفسير النيسابوري بهامش الطبري مجلد 6 (10/ 126) . (5) تفسير النيسابوري بهامش الطبري مجلد 6 (10/ 127) . (6) جهينة وغفار: قبيلتان من العرب. (7) تفسير النيسابوري بهامش الطبري مجلد 6 (10/ 127) . (8) تفسير القرطبي (14/ 193) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4291 من قريش أي وكما قال هؤلاء فقد قال من قبلهم أيضا) * «1» . 16- * (قال قتادة- رحمه الله- في تفسير نفس الآية الكريمة السّابقة: مقتدون متّبعون، وفي هذا دليل على إبطال التقليد لذمّه إيّاهم على تقليد آبائهم وتركهم النّظر فيما دعاهم إليه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 17- * (عن الحسن- رحمه الله- أنّ رجلا من الأنصار هو الّذي قال هذا، فمات ابن عمّ له، فورث منه مالا فبخل به ولم يف بما عاهد عليه فأعقبه الله بذلك نفاقا إلى أن يلقاه قال تعالى بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (التوبة/ 77)) * «3» . 18- * (عن السّدّيّ- رحمه الله- في قوله تعالى وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا (الأحزاب/ 13) قال إلى المدينة عن قتال أبي سفيان وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ قال جاءه رجلان من الأنصار ومن بني حارثة أحدهما يدعى أبا عرابة بن أوس والآخر يدعى أوس بن قيظيّ فقالا: يا رسول الله إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعنون أنّها ذليلة الحيطان وهي في أقصى المدينة ونحن نخاف السّرق فائذن لنا. فقال الله تعالى وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) * «4» . 19- * (عن السّدّيّ- رحمه الله- في قوله تعالى وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها (الأعراف/ 28) قال: كانت قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة فإذا قيل لهم لم تفعلون ذلك. قالوا وجدنا عليها آباءنا وأمرنا الله بها) * «5» . 20- * (عن الحسن- رحمه الله- في قوله تعالى وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ (التوبة/ 90) قال: اعتذروا بشيء ليس بحقّ) * «6» . 21- * (عن مجاهد- رحمه الله- قال: يأتي على النّاس يوم القيامة ساعة فيها لين. يرى أهل الشّرك أهل التّوحيد يغفر لهم فيقولون: والله ربّنا ما كنّا مشركين. قال الله تعالى انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (الأنعام/ 24) ثمّ يكون من بعد ذلك ساعة فيها شدّة تنصب لهم الآلهة الّتي كانوا يعبدون من دون الله. فيقول: هؤلاء الّذين كنتم تعبدون من دون الله. فيقولون: نعم هؤلاء الّذين كنّا نعبد. فتقول لهم الآلهة: والله ما كنّا نسمع ولا نبصر ولا نعقل أنّكم كنتم تعبدوننا. فيقولون: بلى والله لإيّاكم كنّا نعبد) * «7» . 22- * (قال مجاهد في قوله تعالى سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا (الأنعام/ 148) يعني كفّار قريش أخبر سبحانه وتعالى بالغيب عمّا سيقولونه وظنّوا أنّ هذا متمسّك لهم لمّا لزمتهم الحجّة   (1) تفسير القرطبي (16/ 50/ 512) . (2) المرجع السابق (16/ 50) . (3) الدر المنثور (3/ 468) . (4) المرجع السابق (5/ 359) . (5) المرجع السابق (3/ 143) . (6) المرجع السابق (3/ 477) . (7) المرجع السابق (3/ 550) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4292 وتيقّنوا باطل ما كانوا عليه. والمعنى: لو شاء الله لأرسل إلى آبائنا رسولا فنهاهم عن الشّرك وعن تحريم ما أحلّ لهم فينتهوا، فاتّبعناهم على ذلك) * «1» . 23- * (قال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً (الأحزاب/ 13) فقوله فَارْجِعُوا أي إلى منازلكم، أمرهم بالهرب من عسكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والفرار منه وترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقيل إنّ ذلك من قبل أوس بن قيظيّ ومن وافقه على رأيه. وقوله وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ يقول تعالى ذكره: ويستأذن بعضهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الإذن بالانصراف عنه إلى منزله ولكنّه يريد الفرار والهرب من عسكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 24- * (وقال ابن جرير- رحمه الله- أيضا في الآية السّابقة: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين يستأذنونك ويقولون إنّ بيوتنا عورة هربا من القتل: من ذا الّذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا في أنفسكم من قتل أو بلاء أو غير ذلك، أو أراد عافية وسلامة. وهل ما يكون بكم في أنفسكم من سوء أو رحمة إلّا من قبلنا) * «3» . 25- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا (البقرة/ 246) : أخبر الله تعالى أنّه لمّا فرض عليهم القتال ورأوا الحقيقة ورجعت أفكارهم إلى مباشرة الحرب، وأنّ نفوسهم ربّما تذهب. تَوَلَّوْا أي اضطربت نيّاتهم وفترت عزائمهم، وهذا شأن الأمم المتنعّمة المائلة إلى الدّعة تتمنّى الحرب أوقات الأنفة فإذا حضرت الحرب كعّت «4» وانقادت لطبعها) * «5» . 26- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (الأنعام/ 23) : تبرّأوا من الشّرك وانتفوا منه لما رأوا من تجاوزه ومغفرته للمؤمنين، قال ابن عبّاس: يغفر الله تعالى لأهل الإخلاص ذنوبهم ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، فإذا رأى المشركون ذلك، قالوا إنّ ربّنا يغفر الذّنوب ولا يغفر الشّرك، فتعالوا نقول: إنّا كنّا أهل ذنوب ولم نكن مشركين. فقال إذ كتموا الشّرك: فاختموا على أفواههم، فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، فعند ذلك يعرف المشركون أنّ الله لا يكتم حديثا) * «6» . 27- * (يقول القرطبيّ في قوله تعالى وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ (الأنعام/ 124) : بيّن شيئا آخر من جهلهم وهو أنّهم قالوا لن نؤمن حتّى نكون أنبياء، فنؤتى مثلما أوتي   (1) تفسير القرطبي (7/ 84) . (2) تفسير الطبري مجلد 10 (21/ 86) . (3) تفسير الطبري (20/ 87) . (4) كعّت: أي جبنت وأحجمت. (5) تفسير القرطبي (3/ 160) . (6) تفسير القرطبي (6/ 258، 259) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4293 موسى وعيسى من الآيات، ونظيره بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (المدثر/ 52) . والكناية في جاءَتْهُمْ ترجع إلى الأكابر الّذين جرى ذكرهم، قال الوليد بن المغيرة: لو كانت النّبوّة حقّا لكنت أولى بها منك لأنّي أكبر منك سنّا وأكثر منك مالا، وقال أبو جهل: والله لا نرضى به فلا نتّبعه أبدا إلّا أن يأتينا وحي كما يأتيه، فنزلت الآية، وقيل لم يطلبوا النّبوّة ولكن قالوا لا نصدّقك حتّى يأتينا جبريل والملائكة يخبروننا بصدقك) * «1» . 28- * (يقول القرطبيّ في تفسير قوله تعالى وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ... الآية (الأعراف/ 28) الفاحشة هنا في قول أكثر المفسّرين «طوافهم بالبيت عراة» . وقال الحسن: هي الشّرك والكفر واحتجّوا على ذلك بتقليدهم أسلافهم وبأنّ الله أمرهم بها، قال الحسن: وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قالوا: لو كره الله ما نحن عليه لنقلنا عنه قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ بيّن أنّهم متحكّمون ولا دليل لهم على أنّ الله أمرهم بما ادّعوا، وقد مضى ذمّ التّقليد وذمّ كثير من جهالاتهم وهذا منها) * «2» . 29- * (قال القرطبيّ: قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (يونس/ 28) : ينطق الله الأوثان فتقول: ما كنّا نشعر بأنّكم إيّانا تعبدون وما أمرناكم بعبادتنا، وإن حمل الشّركاء على الشّياطين فالمعنى أنّهم يقولون ذلك دهشا، أو يقولون كذبا واحتيالا للخلاص) * «3» . 30- * (يقول القرطبيّ في تفسير قوله تعالى قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ (سبأ/ 41) : أي أنت ربّنا الّذي نتولّاه ونطيعه ونعبده ونخلص له في العبادة، وفي التّفاسير أنّ حيّا يقال لهم بنو مليح من خزاعة كانوا يعبدون الجنّ ويزعمون أنّ الجنّ تتراءى لهم، وأنّهم ملائكة، وأنّهم بنات الله) * «4» . من مضار (التّنصّل والتّهرّب من المسئولية) (1) هي صفة من صفات النّفاق وخصلة من خصال المنافقين. (2) فشوّ المفسدين في مجتمع المسلمين. (3) يحمل صاحبه على الكذب، والحلف الكاذب. (4) من لم يقبل عذر من تنصّل حرم من الورود على الحوض.   (1) تفسير القرطبي (7/ 53) . (2) تفسير القرطبي (7/ 120، 121) . (3) تفسير القرطبي (8/ 212) . (4) تفسير القرطبي (14/ 309) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4294 (5) المتنصّل يستحقّ عذاب الله ومقته. (6) المتنصّل من المسئوليّة مبغض عند الله وعند النّاس. (7) المتنصّل من المسئوليّة يستصغره النّاس ويحتقرونه. (8) التّنصّل من المسئوليّة مخالف لصفات الرّجولة ومخلّ بالمروءة. (9) داء التّنصّل من المسئوليّة من الأمراض الاجتماعيّة الخطيرة الّتي تفقد النّاس الثّقة فيما بينهم. (10) التنصّل من المسئوليّة والتّهرّب منها ينجم عنه الفوضى والإخلال بالالتزامات الأدبيّة والمادّية وضياع الحقوق. (11) التّنصّل من المسئوليّة يؤدّي إلى تعطيل الأعمال وتأخير مواعيدها لأنّ البحث عن بديل للمتنصّل لا يتيسّر دائما أو في الوقت المناسب. (12) التّهرّب من المسئوليّة أو التّنصّل منها يتنافى مع حمل الأمانة الّتي شرّف الله بها الإنسان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4295 التنفير التنفير لغة: الإفزاع والدّفع عن الشّيء وهو مصدر قولهم: نفّره تنفيرا. وهو مأخوذ من مادّة (ن ف ر) الّتي تدلّ على تجاف وتباعد. يقول ابن فارس: «النّون والفاء والرّاء أصل صحيح يدلّ على تجاف وتباعد، ومن ذلك نفر الحيوان، وغيره نفارا، وذلك تجافيه وتباعده عن مكانه» «1» . يقول الجوهريّ: نفرت الدّابّة تنفر، وتنفر نفارا ونفورا، يقال: في الدّابّة نفار، وهو اسم مثل الحران، ونفر الحاجّ من منى نفرا. ونفر القوم في الأمور نفورا. والإنفار عن الشّيء، والتّنفير عنه، والاستنفار، كلّه بمعنى. والاستنفار أيضا النّفور.. ويقول الرّاغب: النّفر: الانزعاج عن الشّيء، كالفزع إلى الشّيء، وعن الشّيء يقال: نفر عن الشّيء، نفورا قال ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (فاطر/ 42) ونفر إلى الحرب ينفر وينفر نفرا، ومنه يوم النّفر، قال: الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 7/ 7 انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا (التوبة/ 41) والاستنفار: حمل القوم على أن ينفروا، أي من الحرب، والاستنفار أيضا حثّ القوم على النّفر إلى الحرب «2» . ونفر ينفر نفورا ونفارا، إذا فرّ وذهب، ومنه الحديث «إنّ منكم منفّرين» أي من يلقى النّاس بالغلظة والشّدّة، فينفّرون من الإسلام والدّين، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- لا تنفّر النّاس، وفي الحديث: أنّه اشترط لمن أقطعه أرضا، ألّا ينفّر ماله، أي لا يزجر ما يرعى من ماله، ولا يدفع عن الرّعي «3» . ونفر نفرا ونفورا: هجر وطنه، وضرب في الأرض، وفي التّنزيل: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ (التوبة/ 122) وأنفر القوم: تفرّقت دوابّهم، ونافره: خاصمه، وتنافر القوم: تخاصموا وتفاخروا «4» . وقال ابن منظور: النّفر: التّفرّق. نفرت الدّابّة تنفر وتنفر نفارا ونفورا. والإنفار عن الشّيء والتّنفير عنه والاستنفار كلّه بمعنى. والاستنفار أيضا: النّفور. وفي الحديث: «بشّروا ولا تنفّروا» ، أي لا   (1) المقاييس (5/ 459) . (2) المفردات (501) . (3) اللسان نفر (6/ 4498) وانظر التاج (7/ 547، 548) . (4) المعجم الوسيط (2/ 948) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4296 تلقوهم بما يحملهم على النّفور. ونفرت العين وغيرها من الأعضاء تنفر نفورا: هاجت وورمت. قال الأصمعيّ: نفر فوه: أي ورم. قال أبو عبيد: وأراه مأخوذا من نفار الشّيء من الشّيء فذلك نفاره «1» . التنفير اصطلاحا: قال المناويّ: النّفر: الانزعاج عن الشّيء أو إليه، والمنافرة المحاكمة في المفاخرة «2» . ويؤخذ من كلام ابن الأثير أنّ التّنفير: هو أن تلقى النّاس أو تعاملهم بالغلظة والشّدّة ونحو ذلك ممّا يحمل على النّفور من الإسلام والدّين «3» . وتعدّ إطالة الصّلاة الّتي لا يطيقها المأمومون أو بعضهم من التّنفير المنهيّ عنه. التنفير والتّبشير: جاء في الحديث الشّريف الأمر بالتّبشير مرّة وبالتّسكين أخرى، وفي مقابلة ذلك ورد النّهي عن التّنفير، قال ابن حجر: وهو ضدّ التّسكين، والتّبشير يصاحب التّسكين غالبا، ومن ثمّ كان ضدّ التّنفير (أيضا) «4» . [للاستزادة: انظر صفات: التعسير- الجفاء- الغلو- التنازع- البغض- التفرق- الجدال والمراء- الفتنة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرغبة والترغيب البشارة- التيسير- المحبة- الألفة- الاعتصام- التناصر- التعارف] .   (1) لسان العرب لابن منظور (5/ 224، 227) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (327) . (3) انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 92) . (4) فتح الباري (10/ 542) (بتصرف) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4297 الأحاديث الواردة في ذمّ (التنفير) 1- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي لأتأخّر عن صلاة الصّبح من أجل فلان ممّا يطيل بنا. فما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غضب في موعظة قطّ أشدّ ممّا غضب يومئذ، فقال: «يا أيّها النّاس! إنّ منكم منفّرين، فأيّكم أمّ النّاس فليوجز، فإنّ من ورائه الكبير والضّعيف، وذا الحاجة» ) * «1» . 2- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثه ومعاذا إلى اليمن، فقال: «يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا» ) * «2» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التنفير) معنى 4- * (عن عبّاد بن شرحبيل، قال: أصابتني سنة، فدخلت حائطا من حيطان المدينة، ففركت سنبلا فأكلت وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «ما علّمت إذ كان جاهلا، ولا أطعمت إذ كان جائعا» أو قال «ساغبا» وأمره فردّ عليّ ثوبي، وأعطاني وسقا، أو نصف وسق من طعام) * «4» . 5- * (عن معاوية بن الحكم السّلميّ- رضي الله عنه- قال: بينما أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ عطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله ... الحديث وفيه «فو الله ما كهرني «5» ، ولا ضربني، ولا شتمني ... » ) * «6» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء أعرابيّ فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مه مه «7» ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزرموه «8» ، دعوه» فتركوه حتّى بال، ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعاه فقال له: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا   (1) البخاري- الفتح 2 (702) . مسلم (466) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 6 (3038) . مسلم (1733) واللفظ له (3) البخاري- الفتح 10 (6125) . مسلم (1734) واللفظ له. (4) أبو داود (2620) واللفظ له، والنسائي (8/ 240) ، ابن ماجة (2298) ، وقال محقق جامع الأصول (7/ 451) : حديث صحيح. (5) ما كهرني: نهرني. (6) مسلم (537) . (7) مه مه: كلمة زجر وقيل معناه: اسكت. (8) لا تزرموه: أي لا تقطعوا عليه بوله، يقال: زرم البول: إذا انقطع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4298 البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله- عزّ وجلّ- والصّلاة، وقراءة القرآن» ، أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنّه «1» عليه) * «2» . 7- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: كان معاذ يصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يأتي فيؤمّ قومه، فصلّى ليلة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم العشاء، ثمّ أتى قومه فأمّهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلّم، ثمّ صلّى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله! ولآتينّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلأخبرنّه، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّا أصحاب نواضح نعمل بالنّهار، وإنّ معاذا صلّى معك العشاء، ثمّ أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على معاذ، فقال: يا معاذ أفتّان أنت؟ «3» اقرأ بكذا واقرأ بكذا» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التنفير) 1- * (قال ابن كثير عند قوله تعالى: ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ (المائدة/ 6) أي فلهذا سهّل عليكم ويسّر ولم يعسّر، بل أباح التّيمّم عند المرض وعند فقد الماء توسعة عليكم ورحمة بكم ... لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (المائدة/ 6) أي لعلّكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التّوسعة والرّحمة والتّسهيل والسّماحة) * «5» . 2- * (وقال عند قوله تعالى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج/ 78) أي ما كلّفكم مالا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلّا جعل الله لكم فرجا ومخرجا، فالصّلاة الّتي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشّهادتين تجب في الحضر أربعا، وفي السّفر تقصر إلى اثنتين) * «6» . 3- * (وقال ابن عاشور: أي فضّل الله لهذا الدّين المستتبع بفضل أهله بأن جعله دينا لا حرج فيه، لأنّ ذلك يسهّل العمل به مع حصول مقصد الشّريعة) * «7» . 4- * (وقال النّوويّ في شرح قوله صلّى الله عليه وسلّم «يسرّوا ولا تعسّروا ... » . «فيه تأليف من قرب إسلامه وترك التّشديد عليهم، وكذلك من قارب البلوغ من الصّبيان، ومن بلغ ومن تاب من المعاصي، كلّهم يتلطّف به ويدرجون في أنواع الطّاعة قليلا قليلا، وقد كانت أمور الإسلام في التّكليف على التّدريج، فمتى يسّر   (1) فشنّه: أي صبّه. (2) البخاري- الفتح 1 (219) ، ومسلم (285) واللفظ له. (3) أفتان أنت: أي منفر عن الدين، وصاد عنه. (4) البخاري- الفتح 2 (701) ، ومسلم (465) واللفظ له. (5) تفسير ابن كثير (2/ 29) . (6) المرجع السابق (3/ 326) . (7) التحرير والتنوير (17/ 349) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4299 على الدّاخل في الطّاعة أو المريد للدّخول فيها سهلت عليه، وكانت عاقبته غالبا التّزايد منها، ومتى عسّرت عليه أوشك ألّا يدخل فيها، وإن دخل أوشك ألّا يدوم، أو لا يستحليها. وفيه: أمر الولاة بالرّفق واتّفاق المتشاركين في ولاية ونحوها، وهذا من المهمّات فإنّ غالب المصالح لا يتمّ إلّا بالاتّفاق) * «1» . 5- * (قال ابن كثير عند قوله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران/ 159) أي لو كنت سيّيء الكلام قاسي القلب عليهم لانفضّوا عنك وتركوك ولكنّ الله جمعهم عليك، والآن جانبك لهم تأليفا لقلوبهم) * «2» . 6- * (وقال عند قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (النحل/ 125) أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب كقوله تعالى وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (العنكبوت/ 46) فأمره تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون- عليهما السّلام- حين بعثهما إلى فرعون في قوله فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (طه/ 44)) * «3» . 7- * (وفسّر ابن عاشور الموعظة بأنّها القول الّذي يلين نفس المقول له لعمل الخير، ووصفها بالحسن تحريض على أن تكون النّيّة مقبولة عند النّاس) * «4» . من مضار (التنفير) (1) يذهب ثواب العمل. (2) يفسد الاجتماع على الخير. (3) يورث كره المجتمع لصاحبها. (4) يجلب سخط الله ورسوله.   (1) صحيح مسلم بشرح النووي (6/ 284) ط دار أبي حيان. (2) تفسير ابن كثير (1/ 420) . (3) المرجع السابق (2/ 591) . (4) التحرير والتنوير (14/ 327) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4300 التهاون التهاون لغة: مصدر قولهم: تهاون بالشّيء استحقره فرآه هيّنا، وهو مأخوذ من مادّة (هـ ون) الّتي تدلّ على السّكون ونحوه «1» ، والهون: مصدر هان عليه الشّيء أي خفّ، وهوّنه الله عليه سهّله وخفّفه، والهون (بالضّمّ) : الهوان، وأهانه استخفّ به، والاسم من ذلك: الهوان والمهانة، يقال: رجل فيه مهانة أي ذلّ وضعف، واستهان به مثل تهاون به أي استحقره «2» ، وهوّنه (أيضا) أهانه، وقولهم: هو هيّن وهين: ساكن متّئد، وقيل: المشدّد (هيّن) من الهوان، والمخفّف (هين) من اللّين، وعلى هونك أي على رسلك، وهو يهاون نفسه: يرفق بها «3» ، وقول الله تعالى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ المعنى تحسبون ما خضتم فيه في الإفك شيئا يسيرا لا يلحقكم فيه إثم وهو عند الله في الوزر عظيم «4» ، وفي الحديث «ليس المؤمن بالجافي ولا المهين» يروى بفتح الميم وضمّها فالفتح من المهانة (أي الذّل والاحتقار) ، والضّم من الإهانة، وهي الاستخفاف بالشّيء والاستحقار له، يقال: إنّه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 4/ 14 ليهون عليّ هونا وهوانا، قال ابن برّيّ: الهون: هوان الشّيء الحقير الهيّن الّذي لا كرامة له، ويقال: إنّه ليأخذ في أمره بالهون أي بالأهون، قال بعضهم: العرب تمدح بالهين اللّين، وتذمّ بالهيّن اللّيّن «5» . التهاون اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات الّتي وقفنا عليها تعريفا للتّهاون، ومن ثمّ يكون باقيا على أصل معناه في اللّغة، ونستطيع أن نعرّفه في ضوء ما ذكره المفسّرون واللّغويّون بأنّه استحقار الشّيء والاستخفاف به والتّفريط في أدائه على الوجه الصّحيح. [للاستزادة: انظر صفات: الإهمال- البلادة التحقير- التخاذل- التفريط والإفراط- التنصل من المسئولية- الكسل- التخلف عن الجهاد- التولي اتباع الهوى- الغي والإغواء- التعاون على الإثم والعدوان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العمل- الرجولة القوة- قوة الإرادة- النشاط- التعاون على البر والتقوى- المسئولية- الوفاء- المسارعة في الخيرات] .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس 6/ 21. (2) الصحاح 6/ 2218. (3) القاموس المحيط (هون) ص 1600 (ط. بيروت) . (4) انظر، تفسير القرطبي 12/ 136. (5) لسان العرب (هون) ص 4724 (ط. دار المعارف) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4301 الآيات الواردة في «التهاون» 1- إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) «1» الآيات الواردة في «التهاون» معنى 2- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) «2» 3- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) «3» 4- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7) «4» انظر أيضا الآيات الكريمة الواردة في صفتي «ترك الصلاة، والنفاق»   (1) النور: 15- 17 مدنية (2) الأنعام: 31 مكية (3) النحل: 62 مكية (4) فصلت: 6- 7 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4302 الأحاديث الواردة في ذمّ (التهاون) 1- * (عن أبي الجعد الضّمريّ- رضي الله عنه- (وكانت له صحبة) أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع «1» الله على قلبه» ) * «2» . 2- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهديت له بغلة شهباء فركبها، فأخذ عقبة يقودها له، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعقبة: «اقرأ» فقال: وما أقرأ يا رسول الله؟، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ قل أعوذ بربّ الفلق» ، فأعادها عليه حتّى قرأها، فعرف أنّي لم أفرح بها جدّا، فقال: «لعلّك تهاونت بها» ، فما قمت تصلّي «3» بشيء مثلها» ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التهاون) معنى 3- * (عن بلال بن الحارث المزنيّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحدكم ليتكّلم بالكلمة من رضوان الله ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله- عزّ وجلّ- له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإنّ أحدكم ليتكلّم بالكلمة من سخط الله ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله- عزّ وجلّ- عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه» ) * «5» . 4- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرضت عليّ أعمال أمتّي حسنها وسيّئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق ووجدت في مساويء أعمالها النّخاعة «6» تكون في المسجد لا تدفن» ) * «7» .   (1) طبع على قلبه: أي ختم عليه وغشاه ومنعه من ألطافه، وقيل: ما يجعله الله في قلبه من الجهل والجفاء والقسوة. (2) رواه أبو داود (1052) ، والترمذي (500) وقال: حديث أبي الجعد حديث حسن، والنسائي 3 (1369) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 509) ، وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 666) : هو حديث صحيح بشواهده. (3) فما قمت تصلي بشيء مثلها، أي أنك لا تصلي بشيء يماثلها في فضلها، والمراد الحث على قراءتها وعدم التهاون بشأنها. (4) أحمد في المسند 4/ 149، وله شاهد عند النسائي من حديث عبد الله بن خبيب بإسناد حسن انظر جامع الأصول (8/ 493) . (5) سنن ابن ماجه 2 (3969) ، وأخرجه الترمذي (2319) في الزهد، وابن حبان (281) وإسناده حسن. (6) النخاعة هي البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي النخاع. (7) مسلم 1 (553) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4303 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التهاون) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله سبحانه: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ (النساء/ 8) . قال: إنّ ناسا يزعمون أنّ هذه الآية نسخت، لا والله ما نسخت، ولكنّها ممّا تهاون النّاس، هما واليان: وال يرث، وذلك الّذي يرزق، ووال لا يرث، فذاك الّذي يقول بالمعروف، يقول: لا أملك لك أن أعطيك) * «1» . 2- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدّنيا: وضعي وجهي للسّجود لخالقي في اختلاف اللّيل والنّهار أقدّمه لحياتي، وظمأ الهواجر، ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة، وتمام التّقوى أن يتّقي الله العبد حتّى يتّقيه في مثقال ذرّة، حتّى أن يترك بعض ما يرى أنّه حلال خشية أن يكون حراما، وحتّى يكون حاجزا بينه وبين الحرام، وإنّ الله قد بيّن للنّاس الّذي هو يصيّرهم إليه، قال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) * «2» . 3- * (عن سعيد بن المسيّب قال: «ولا تهاون بالحقّ فيهنك الله ولا تسألنّ عمّا لم يكن حتّى يكون، ولا تضع حديثك إلّا عند من يشتهيه، وعليك بالصّدق وإن قتلك الصّدق، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين ولا أمين إلّا من يخشى الله، وشاور في أمرك الّذين يخشون ربّهم بالغيب) * «3» . 4- * (قال الحافظ العراقيّ: في قوله صلّى الله عليه وسلّم: من ترك ثلاث جمع تهاونا ... الحديث» ) * «4» المراد بالتّهاون التّرك بلا عذر) * «5» . 5- * (وقال الإمام السّنديّ في الحديث السّابق: «التّهاون هنا قلّة الاهتمام بأمرها (الجمعة) ، وليس الاستخفاف بها لأنّ الاستخفاف بفرائض الله كفر» ) * «6» . 6- * (عن سعيد الأنصاريّ، أنّه حدّث عن سعد بن عمارة أخي بني سعد بن بكر وكانت له صحبة؛ أنّ رجلا قال له: عظني في نفسي، رحمك الله فقال: إذا أنت قمت إلى الصّلاة، فأسبغ الوضوء، فإنّه لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا إيمان لمن لا صلاة له، ثمّ إذا صلّيت، فصلّ صلاة مودّع، واترك طلب كثير من الحاجات؛ فإنّه فقر حاضر، وأجمع اليأس ممّا عند النّاس فإنّه هو الغنى، وانظر إلى ما تعتذر منه من القول والفعل فاجتنبه» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 5 (2759) . (2) الدر المنثور للسيوطي 6/ 648. (3) المرجع السابق 6/ 99. (4) انظر الحديث رقم 1. (5) سنن النسائي 3/ 88. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/ 903) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4304 7- * (عن محمّد بن سيرين قال: «نبّئت أنّ أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- كانا يعلّمان النّاس الإسلام: تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة الّتي افترض الله تعالى بمواقيتها، فإنّ في تفريطها الهلكة» ) * «1» . 8- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما- لمّا بلغه حديث أبي هريرة في فضل اتّباع الجنائز: لقد فرّطنا في قراريط كثيرة) * «2» . 9- * (عن ثابت الشّيبانيّ قال: كنّا مع أنس ابن مالك فأخّر الحجّاج الصّلاة، فقام أنس يريد أن يكلّمه فنهاه إخوانه شفقة عليه منه، فخرج فركب دابّته فقال في مسيره ذلك: والله ما أعرف شيئا ممّا كنّا عليه على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا شهادة أن لا إله إلّا الله، فقال رجل: فالصّلاة يا أبا حمزة؟ قال: قد جعلتم الظّهر عند المغرب، أفتلك كانت صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟) * «3» . 10- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: الويل كلّ الويل على المفرّط الّذي لا ينظر في عاقبته) * «4» . 11- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (الإنسان/ 8) كان المسلمون يرون أنّهم لا يؤجرون على الشّيء القليل إذا أعطوه فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلّون أن يعطوه الثّمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك فيردّونه ويقولون ما هذا بشيء إنّما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبّه، وكان آخرون يرون أنّهم لا يلامون على الذّنب اليسير: الكذبة والنّظرة وأشباه ذلك، يقولون إنّما وعد الله النّار على الكبائر فرغّبهم في القليل من الخير أن يعملوه فإنّه يوشك أن يكبر، وحذّرهم اليسير من الشّرّ فإنّه يوشك أن يكثر، فنزلت فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) * «5» . 12- * (يقول الغزاليّ في بيان ما تعظم به الصّغائر من الذّنوب: اعلم أنّ الصّغيرة تكبر بأسباب منها: أن يتهاون بستر الله عليه، وحلمه عنه وإمهاله إيّاه ولا يدري أنّه إنّما يمهل مقتا ليزداد بالإمهال إثما فيظنّ أنّ تمكّنه من المعاصي عناية من الله به، فيكون ذلك لأمنه من مكر الله وجهله بمكامن الغرور بالله. كما قال تعالى: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ (المجادلة/ 8)) * «6» . 13- * (قال بعض الصّحابة رضي الله عنهم للتّابعين: وإنّكم لتعملون أعمالا هي في أعينكم أدقّ من الشّعر كنّا نعدّها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الموبقات) * «7» . 14- * (قال ابن الجوزيّ: كثير من النّاس يتسامحون في أمور يظنّونها قريبة وهي تقدح في   (1) تعظيم قدر الصلاة، للمروزي (2/ 877) . (2) البخاري- الفتح (3/ 1324) . (3) البخاري- الفتح (2/ 17، 18) . (4) صيد الخاطر (245) . (5) تفسير ابن كثير 4/ 541. (6) الإحياء 4/ 35. (7) الإحياء 4/ 34. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4305 الأصول كاستعارة طلّاب العلم جزءا لا يريدونه، وقصد الدّخول على من يأكل ليؤكل معه. والتّسامح بعرض العدوّ التذاذا بذلك، واستصغارا لمثل هذا الذّنب واطلاق البصر استهانة بتلك الخطيئة. وأهون ما يصنع ذلك بصاحبه أن يحطّه من مرتبة المتميّزين بين النّاس، ومن مقام رفعة القدر عند الحقّ، أو فتوى من لا يعلم، لئلّا يقال: هو جاهل ونحو ذلك ممّا يظنّ صغيرا وهو عظيم. وربّما قيل له بلسان الحال: يا من أؤتمن على أمر يسير فخان. كيف ترجو بتدليسك رضا الدّيّان؟ قال بعض السّلف: تسامحت بلقمة فتناولتها، فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف. فالله الله، اسمعوا ممّن قد جرّب، كونوا على مراقبة. وانظروا في العواقب واعرفوا عظمة النّاهي. واحذروا من نفخة تحتقر، وشررة تستصغر، فربّما أحرقت بلدا، وهذا الّذي أشرت إليه يسير يدلّ على كثير، وأنموذج يعرّف باقي المحقّرات من الذّنوب) * «1» . من مضار (التهاون) (1) التّهاون في العبادات يستلزم الطّبع على القلب. (2) التّهاون بالصّغائر يهلك المؤمن. (3) التّهاون بالطّاعات، وصغائر أعمال الخير فيه فوات لخير كثير. (4) التّهاون بالمؤمن يؤدّي إلى أن يكون المؤمن أهون عند الله من أضعف المخلوقات. (5) في التّهاون مرضاة للشّيطان ومغضبة للرّحمن. (6) في التّهاون خسران في الدّارين. (7) التّهاون في أداء الأعمال واستصغار بعضها يؤدّي إلى تخلّف المجتمعات وتأخّر نهضتها. (8) التّهاون بستر الله تعالى يؤدّي إلى غضبه ومقته. (9) التّهاون بالقليل من الذّنب يؤدّي إلى جعله من الكبائر. (10) التّهاون باليسير من أعمال الخير يؤدّي إلى ترك الكبير منها. (11) التّهاون ببعض الخلق تحقيرا لهم يؤذيهم ويجرح مشاعرهم. (12) التّهاون ببعض الخلق يقطع علاقات المودّة بين النّاس.   (1) صيد الخاطر لابن الجوزي ص 155- 156. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4306 التولي التولي لغة: التّولّي مأخوذ من مادّة «ولي» الّتي تدلّ على القرب، يقول ابن فارس: «الواو والّلام والياء أصل صحيح يدلّ على قرب، من ذلك الولي: القرب «1» والتّولّي: الإعراض بعد قرب. يقول الجوهريّ: وتولّى عنه، أي أعرض وولّى هاربا: أي أدبر، وقوله تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها (البقرة/ 148) أي مستقبلها بوجهه «2» » . ويقول الرّاغب: وقولهم: تولّى إذا عدّي بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع منه. يقال: ولّيت سمعي كذا، وولّيت عيني كذا، وولّيت وجهي كذا، أقبلت به عليه. وإذا عدّي بعن لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض، وترك قربه، فمن الأوّل قوله وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (المائدة/ 51) ومن الثّاني قوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (آل عمران/ 63) والتولّي، قد يكون بالجسم، وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار، قال الله- عزّ وجلّ-: وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (الأنفال/ 20) ويقال: ولّاه دبره، إذا انهزم، وقال الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 21/ 6 تعالى وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ «3» ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (آل عمران/ 111) . وولّى الشّيء وتولّى: أدبر. وولّى عنه: أعرض عنه أو نأى، وولّى هاربا: أدبر. وقد يكون ولّيت الشّيء وولّيت عنه بمعنى، وقد تكون التّولية إقبالا، ومنه قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (البقرة/ 144) والتّولية تكون انصرافا. قال الله تعالى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ... (التوبة/ 25) وقال أبو معاذ النّحويّ: قد تكون التّولية بمعنى التّولّي. يقال: ولّيت وتولّيت بمعنى واحد ... وقد ولّى الشّيء وتولّى إذا ذهب هاربا ومدبرا، والتّولّي يكون بمعنى الإعراض، ويكون بمعنى الاتّباع قال الله تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ (محمد/ 38) أي إن تعرضوا عن الإسلام. وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (المائدة/ 51) معناه من يتّبعهم وينصرهم، تقول: تولّيت فلانا أي اتّبعته ورضيت به، وتولّيت الأمر تولّيا إذا وليته، قال الله تعالى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور/ 11) أي ولي وزر الإفك وإشاعته «4» .   (1) المقاييس (6/ 141) . (2) الصحاح (6/ 2529) . (3) المفردات (534) . (4) لسان العرب (15/ 415) . وانظر مختار الصحاح (736) وكذا في المصباح (351) . وكذا السجستاني في الأضداد (236) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4307 التّولّي اصطلاحا: قال المناويّ: التّولّي هو الإعراض المتكلّف بما يفهمه (التّفعّل) «1» . وقال الكفويّ: التّولّي: الإعراض مطلقا، ولا يلزمه الإدبار والتّولّي بالإدبار (يوم الزّحف) قد يكون على حقيقة، وقد يكون كناية عن الانهزام، كما في قوله تعالى ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (التوبة/ 25) . والتّولّي قد يكون لحاجة تدعو إلى الانصراف مع ثبوت العقد (النّيّة) «2» . حكم التولي يوم الزحف: عدّ الإمام ابن حجر التّولّي يوم الزّحف من كافر أو كفّار لم يزيدوا عن الضّعف إلّا لتحرّف لقتال أو لتحيّز إلى فئة يستنجد بها ضمن الكبائر، مستدلّا بقوله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (الأنفال/ 16) وبما أخرجه الشّيخان من قوله صلّى الله عليه وسلّم «اجتنبوا السّبع الموبقات ... وذكر منها: التّولّي يوم الزّحف» . ونقل عن الشّافعيّ- رحمه الله- قوله: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدوّ حرم عليهم أن يولّوا إلّا متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحبّ لهم أن يولّوا، ولا يستوجبون السّخط من الله لو ولّوا عنهم على غير التّحرّف للقتال أو التّحيّز إلى فئة، وهذا مذهب ابن عبّاس- رضي الله عنهما- المشهور عنه «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الجبن- صغر الهمة الضعف- الوهن- التخلف عن الجهاد- التهاون الإهمال- التخاذل- التنصل من المسئولية. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الثبات- الرجولة الشجاعة- علو الهمة- العزة- المسئولية- الشرف جهاد الأعداء- العزم والعزيمة- الشهامة- النشاط] .   (1) التوقيف على مهمات التعاريف (216) . وقوله «بما يفهمه التّفعّل» معناه أنّ صيغة تفعّل هنا تفيد التكلف كما في قولهم: تحلّم، أي تكلف الحلم. (2) الكليات للكفوي (28، 309) . (3) الزواجر لابن حجر (604) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4308 الآيات الواردة في «التولي» 1- أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) «1» 2- إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) «3» 4- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) «4» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ   (1) البقرة: 246 مدنية (2) آل عمران: 155- 156 مدنية (3) الأنفال: 15- 16 مدنية (4) التوبة: 25- 27 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4309 الظُّنُونَا (10) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) «1» 6- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (17) «2»   (1) الأحزاب: 9- 17 مدنية (2) الفتح: 11- 17 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4310 الأحاديث الواردة في ذمّ (التولي) 1- * (عن ابن الخصاصية- رضي الله عنه- يقول: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبايعه على الإسلام فاشترط عليّ «تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وتصلّي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدّي الزّكاة، وتحجّ البيت، وتجاهد في سبيل الله. قال: قلت: يا رسول الله، أمّا اثنتان فلا أطيقهما: أمّا الزّكاة فما لي إلّا عشر ذود هنّ رسل أهلي «1» وحمولتهم، وأمّا الجهاد فيزعمون أنّه من ولّى فقد باء بغضب من الله فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي «2» قال: فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده ثمّ حرّكها ثمّ قال: «لا صدقة ولا جهاد، فبم تدخل الجنّة؟» . قال: ثمّ قلت: يا رسول الله، أبايعك، فبايعني عليهنّ كلّهنّ) * «3» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات. قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» ) * «4» . 3- * (عن العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه. قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين «5» . فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث «6» بن عبد المطلّب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم نفارقه. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلة له بيضاء «7» أهداها له فروة بن نفاثة الجذاميّ. فلمّا التقى المسلمون والكفّار ولّى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يركض بغلته «8» قبل الكفّار: قال عبّاس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أكفّها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي عبّاس، ناد أصحاب السّمرة «9» . فقال عبّاس: (وكان رجلا صيّتا «10» ) فقلت بأعلى صوتي: أي أصحاب السّمرة؟ قال: فو الله لكأنّ   (1) الذود بفتح الذال وسكون الواو القطيع من الإبل أقله ثلاث وأكثره يترواح بين العشرة والثلاثين ولا يكون إلا من الإناث دون الذكور. والرّسل: هو اللبن. (2) خشعت نفسي: أي خشيت الموت. (3) الحاكم في المستدرك (2/ 80) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وبشير بن الخصاصية من المذكورين في الصحابة من الأنصار رضي الله عنهم. (4) البخاري- الفتح 5 (2766) . مسلم (89) واللفظ له. (5) حنين: واد بين مكة والطائف، وراء عرفات، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا. وهو معروف كما جاء به القرآن العزيز. (6) أبو سفيان بن الحارث: أبو سفيان هذا هو ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال جماعة من العلماء: اسمه هو كنيته. وقال آخرون: اسمه المغيرة. (7) على بغلة له بيضاء: كذا قال في هذه الرواية ورواية أخرى بعدها: أنها بغلة بيضاء، وقال آخر الباب: على بغلته الشهباء. وهي واحدة. قال العلماء: لا يعرف له صلّى الله عليه وسلّم بغلة سواها. (8) يركض بغلته: أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع. (9) أصحاب السمرة: هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان. ومعناه ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية. (10) صيتا: أي قوي الصوت. ذكر الحازمي في المؤتلف أن العباس رضي الله عنه- كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل، وهم في الغابة، فيسمعهم. قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4311 عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها «1» فقالوا: يا لبّيك يا لبّيك. قال: فاقتتلوا والكفّار «2» . والدّعوة في الأنصار «3» يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، قال: ثمّ قصرت الدّعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا حين حمي الوطيس «4» » قال: ثمّ أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصيات فرمى بهنّ وجوه الكفّار،. ثمّ قال: «انهزموا، وربّ محمّد.» قال: فذهبت انظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فو الله ما هو إلّا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدّهم كليلا «5» وأمرهم مدبرا» ) * «6» . 4- * (عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- قال: قال يهوديّ لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ، فقال صاحبه: لا تقل نبيّ؛ إنّه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألاه عن تسع آيات بيّنات. فقال لهم: «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولّوا الفرار يوم الزّحف، وعليكم خاصّة اليهود «7» أن لا تعتدوا في السّبت» قال: فقبّلوا يده ورجله فقالا: نشهد إنّك نبيّ. قال: «فما يمنعكم أن تتّبعوني؟» قالوا: إنّ   (1) لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها: أي عودهم لمكانتهم وإقبالهم إليه صلّى الله عليه وسلّم عطفة البقر على أولادها. أي كان فيها انجذاب مثل ما في الأمات حين حنت على الأولاد. قال النووي: قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا. وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنّما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة قلوبهم ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا. وإنما كانت هزيمتهم فجأة لا نصبابهم عليهم دفعة واحدة، ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر. وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة، فتقدم أخفاؤهم. فلما رشقوهم بالنبل ولوا فانقلبت أولاهم على أخراهم. إلى أن أنزل الله سكينته على المؤمنين، كما ذكر الله تعالى في القرآن. (2) والكفار: هكذا هو في النسخ. وهو بنصب الكفار. أي مع الكفار. (3) والدعوة في الأنصار: هي بفتح الدال. يعني الاستغاثة والمناداة إليهم. (4) هذا حين حمى الوطيس: قال الأكثرون: الوطيس شبه تنور يسجر فيه. ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره. قال آخرون: قيل الوطيس هو التنور نفسه. وقال الأصمعي: هي حجارة مدورة، إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمى الوطيس. وقيل: هو الضرب في الحرب. وقيل: هو الحرب الذي يطيس الناس، أي يدقهم. قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم. (5) فما زلت أرى حدهم كليلا: أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة. (6) البخاري- الفتح 6 (2930) . مسلم (1775) واللفظ له. (7) قوله خاصة: مفعول مطلق والتقدير أخص خاصة اليهود لتأكيد اختصاصهم بما ألزمتهم به شريعتهم من عدم الاعتداء في السبت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4312 داود دعا ربّه أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ، وإنّا نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود) * «1» . 5- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: نزلت في يوم بدر وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ (الأنفال/ 16)) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (التولي) معنى 6- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعاذ من سبع موتات: موت الفجاءة، ومن لدغ الحيّة، ومن السّبع، ومن الحرق، ومن الغرق، ومن أن يخرّ على شيء أو يخرّ عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزّحف» ) * «3» . 7- * (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التّردّي، وأعوذ بك من الغرق، والحرق، والهرم، وأعوذ بك أن يتخبّطني الشّيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا، وأعوذ بك أن أموت لديغا» ) * «4» . 8- * (عن عمير اللّيثيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع: «إنّ أولياء الله المصلّون، ومن يقيم الصّلوات الخمس الّتي كتبهنّ الله عليه، ويصوم رمضان، ويحتسب صومه، ويؤتي الزّكاة محتسبا طيّبة بها نفسه، ويجتنب الكبائر الّتي نهى الله عنها» فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، وكم الكبائر؟ قال: «تسع، أعظمهنّ: الإشراك بالله، وقتل المؤمن بغير حقّ، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، والسّحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا. لا يموت رجل لم يعمل هؤلاء الكبائر، ويقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة إلّا رافق محمّدا صلّى الله عليه وسلّم في بحبوحة «5» جنّة أبوابها مصاريع الذّهب» ) * «6» . 9- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قام فيهم فذكر لهم: أنّ الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال. فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفّر عنّي خطاياي؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نعم. إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب «7» ، مقبل غير مدبر»   (1) الترمذي (2733) واللفظ له وقال: حسن صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 9) وقال: هذا حديث صحيح لا نعرف له علّة بوجه من الوجوه ووافقه الذهبي. (2) أبو داود (2648) وقال الألباني (2/ 502) : صحيح. (3) أحمد (2/ 171) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 100) : إسناده صحيح. وهو في مجمع الزوائد (2/ 318) . وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في «الكبير» و «الأوسط» وفيه ابن لهيعة وفيه كلام. (4) أبو داود (1552) واللفظ له، وقال الألباني (1/ 288) : صحيح. والنسائي (8/ 282) . (5) بحبوحة المكان: بحاءين مهملتين وباءين موحدتين مضمومتين: هو وسطه. (6) المنذري في الترغيب (2/ 304) وقال: رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. (7) محتسب: المحتسب هو المخلص لله تعالى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4313 ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف قلت؟» قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم. وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر. إلّا الدّين «1» ؛ فإنّ جبريل- عليه السّلام- قال لي ذلك» ) * «2» . 10- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعشر كلمات، قال: «لا تشرك بالله شيئا، وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمّدا؛ فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا، فقد برئت منه ذمّة الله، ولا تشربنّ خمرا؛ فإنّه رأس كلّ فاحشة، وإيّاك والمعصية؛ فإنّ بالمعصية حلّ سخط الله- عزّ وجلّ- وإيّاك والفرار من الزّحف، وإن هلك النّاس، إذا أصاب النّاس موتان «3» وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في الله» ) * «4» . 11- * (عن عطاء يزعم «5» أنّ أبا العبّاس أخبره أنّه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- يقول: بلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي أصوم أسرد «6» ، وأصلّي اللّيل. فإمّا أرسل إليّ وإمّا لقيته. فقال: «ألم أخبر أنّك تصوم ولا تفطر، وتصلّي اللّيل؟ فلا تفعل، فإنّ لعينك حظّا، ولنفسك حظّا، ولأهلك حظّا، فصم وأفطر، وصلّ ونم، وصم من كلّ عشرة أيّام يوما، ولك أجر تسعة» قال: إنّي أجدني أقوى من ذلك يا نبيّ الله قال: «فصم صيام داود (عليه السّلام) » قال: وكيف كان داود يصوم يا نبيّ الله؟ قال: «كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفرّ إذا لاقى» قال: من لي بهذه يا نبيّ الله؟ (قال عطاء: فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد) فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صام من صام الأبد «7» ، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد» ) * «8» . 12- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الرّجّالة يوم أحد عبد الله بن جبير، وأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرّسول في أخراهم) * «9» .   (1) إلا الدين: فيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين. وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر، لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى. (2) مسلم (1885) . (3) الموتان بفتح الميم والواو: الموت الكثير الوقوع وهو ما يحدث في الأوبئة. (4) أحمد (5/ 238) واللفظ له وذكره الهيثمي في المجمع (4/ 215) وقال: رجال أحمد ثقات، إلا أن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع من معاذ، ورواه الطبراني في الكبير، وأخرجه المنذري في الترغيب (1/ 383) وقال نحو قول الهيثمي. (5) يزعم: أي يقول: وقد كثر الزعم بمعنى القول. (6) أسرد: من سرد الشيء بمعنى تابعه ووالاه. (7) لا صام من صام الأبد: قال الإمام النووي: أجابوا عن حديث «لا صام من صام الأبد» بأجوبة: أحدها: أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق. وبهذا أجابت عائشة. رضي الله عنها. والثاني: أنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقّا. والثالث: أن معنى لا صام: أنه لا يجد من مشقته ما يجدها غيره. فيكون إخبارا، لا دعاء. (8) البخاري- الفتح 4 (1977) . ومسلم (1159) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 7 (4067) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4314 13- * (عن عمرو بن حزم- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسّنن والدّيات فذكر فيه: «وإنّ أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الإشراك بالله، وقتل النّفس المؤمنة بغير الحقّ، والفرار في سبيل الله يوم الزّحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلّم السّحر، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم» ) * «1» . 14- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: كنّا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة «2» . فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشّجرة. وهي سمرة «3» . وقال: بايعناه على أن لا نفرّ، ولم نبايعه على الموت «4» ) * «5» . 15- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: لقينا المشركين يومئذ «6» ، وأجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جيشا من الرّماة وأمّر عليهم عبد الله وقال: لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا. فلمّا لقينا هربوا حتّى رأيت النّساء يشتددن «7» في الجبل، رفعن عن سوقهنّ قد بدت خلاخلهنّ فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا تبرحوا فأبوا، فلمّا أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلا. وأشرف أبو سفيان «8» فقال: أفي القوم محمّد؟ فقال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة) ؟ «9» قال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن الخطّاب؟ فقال: إنّ هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدوّ الله، أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: اعل هبل «10» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجلّ» قال أبو سفيان: لنا العزّى «11» ولا عزّى لكم. فقال النّبيّ   (1) المنذري في الترغيب (2/ 304) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (14/ 6559) وقال محققه: يشهد له حديث أبي هريرة برقم (5561) ، وحديث عبد الله بن عمرو برقم (5562) وعبد الله بن أحبش برقم (5563) وله شواهد في الصحيحين. (2) (ألفا وأربعمائة) وفي رواية: ألفا وخمسمائة، وفي رواية: ألفا وثلاثمائة. وقد ذكر البخاري ومسلم هذه الروايات الثلاث في صحيحيهما. وأكثر روايتهما. ألفا وأربعمائة. (3) سمرة: واحدة السمر، كرجل، شجر الطلح. (4) بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت: وفي رواية سلمة: أنهم بايعوه يومئذ على الموت، وهو معنى رواية عبد الله بن زيد بن عاصم. وفي رواية مجاشع بن مسعود: البيعة على الهجرة، والبيعة على الإسلام والجهاد. وفي حديث ابن عمر وعبادة: بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله. وفي رواية ابن عمر، في غير صحيح مسلم: البيعة على الصبر. قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني كلها وتبين مقصود كل الروايات. فالبيعة على أن لا نفر معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل، وهو معنى البيعة على الموت. أي نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت. لا أن الموت مقصود في نفسه وكذا البيعة على الجهاد، أي والصبر فيه، والله اعلم. (5) مسلم (1856) . (6) يقصد يوم موقعة أحد. (7) يشتددن: أي يسرعن المشي. (8) أشرف أبو سفيان: أي تطلع. (9) ابن أبي قحافة: يريد أبا بكر. (10) اعل هبل: أي ظهر دينك وعلا، وهبل: اسم صنم لهم. (11) العزّى: اسم صنم لهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4315 صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟ قال قولوا: «الله مولانا ولا مولى لكم» . قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال «1» ، وتجدون مثلة «2» لم آمر بها ولم تسؤني) * «3» . 16- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان بذراريّهم ونعمهم «4» . ومع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يومئذ عشرة آلاف. ومعه الطّلقاء «5» فأدبروا عنه «6» . حتّى بقي وحده. قال: فنادى يومئذ نداءين. لم يخلط بينهما شيئا. قال: فالتفت عن يمينه فقال: «يا معشر الأنصار» فقالوا: لبّيك يا رسول الله، أبشر، نحن معك. قال: ثمّ التفت عن يساره فقال: «يا معشر الأنصار» قالوا: لبّيك يا رسول الله أبشر، نحن معك. قال: وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: «أنا عبد الله ورسوله» فانهزم المشركون وأصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غنائم كثيرة، فقسّم في المهاجرين والطّلقاء. ولم يعط الأنصار شيئا. فقالت الأنصار: إذا كانت الشّدّة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا فبلغه ذلك. فجمعهم في قبّة، فقال: «يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم؟» فسكتوا. فقال: «يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب النّاس بالدّنيا وتذهبون بمحمّد تحوزونه «7» إلى بيوتكم؟» قالوا: بلى. يا رسول الله، رضينا. قال: فقال: «لو سلك النّاس واديا، وسلكت الأنصار شعبا «8» ، لأخذت شعب الأنصار» ) * «9» . 17- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لمّا نزلت إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ (الأنفال/ 65) فكتب عليهم أن لا يفرّ واحد من عشرة فقال سفيان غير مرّة: أن لا يفرّ عشرون من مائتين، ثمّ نزلت الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ (الأنفال/ 66) ... الآية، فكتب أن لا يفرّ مائة من مائتين، وزاد سفيان مرّة: نزلت حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ (الأنفال/ 65) قال سفيان وقال ابن شبرمة: وأرى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مثل هذا) * «10» . 18- * (عن بلال بن يسار بن زيد مولى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: سمعت أبي يحدّثنيه عن جدّي: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قال: استغفر الله   (1) سجال: أي أن يدال عليه مرة ويدال علينا أخرى وأصله أن المستقيين بسجلين (بدلوين) من البئر يكون لكل واحد منهما سجل أي دلو. (2) مثلة: بضم الميم وسكون الباء: التمثيل بالقتلى وتقطيع الآذان والأنوف ونحوها. (3) البخاري- الفتح 7 (4043) . (4) الذراري: الأهل، ونعمهم: النعم واحد الأنعام. وهي الأموال الراعية. وأكثر ما يقع على الإبل. قال القسطلاني: وكانت عادتهم إذا أرادوا التثبت في القتال، استصحاب الأهالي ونقلهم معهم إلى موضع القتال. (5) ومعهم الطلقاء: يعني مسلمة الفتح الذين منّ عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يوم الفتح، فلم يأسرهم ولم يقتلهم. وهو جمع طليق. (6) فأدبروا عنه: أي ولوه أدبارهم. وما أقبلوا على العدو معه، حتى بقي صلّى الله عليه وسلّم وحده. (7) تحوزونه: في المصباح: وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه. (8) الشعب: بكسر الشين الطريق بين جبلين. (9) مسلم (1059) . (10) البخاري- الفتح 8 (4652) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4316 الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فرّ من الزّحف» ) * «1» . 19- * (عن أبي عامر الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم الحيّ: الأسد، والأشعريّون: لا يفرّون في القتال، ولا يغلّون هم منّي، وأنا منهم» . قال: فحدّثت بذلك معاوية، حدّثني فقال: ليس هكذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «هم منّي وإليّ» ، فقلت: ليس هكذا حدّثني أبي ولكنّه حدّثني، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هم منّي وأنا منهم» ، قال: فأنت أعلم بحديث أبيك) * «2» . 20- * (عن أبي إسحاق. قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله ما ولّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّه خرج شبّان أصحابه «3» وأخفّاؤهم «4» حسّرا «5» ليس عليهم سلاح، أو كثير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم «6» . جمع هوازن وبني نضر. فرشقوهم رشقا «7» ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب يقود به. فنزل فاستنصر «8» وقال: أنا النّبيّ لا كذب «9» أنا ابن عبد المطّلب، ثمّ صفّهم» ) * «10» . 21- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان في سريّة من سرايا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فحاص «11» النّاس حيصة فكنت فيمن حاص، قال: فلمّا برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزّحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: ندخل المدينة فنتثبّت فيها ونذهب ولا يرانا أحد، قال: فدخلنا فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن كانت لنا توبة أقمنا، وإن كان غير ذلك ذهبنا. قال: فجلسنا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل صلاة الفجر، فلمّا خرج قمنا إليه فقلنا: نحن الفرّارون. فأقبل إلينا فقال: «لا، بل أنتم العكّارون «12» » قال: فدنونا فقبّلنا يده فقال: «أنا فئة المسلمين» ) * «13» .   (1) أبو داود (1517) واللفظ له، وقال الألباني (1/ 283) : صحيح. وأطال محقق «جامع الأصول» (4/ 389) في التعليق عليه ووافق الحاكم والذهبي على تصحيحه. (2) الترمذي (3947) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأحمد (4/ 129) . والحاكم في المستدرك (2/ 138) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. (3) شبان أصحابه: جمع شاب. كواحد ووحدان. (4) وأخفاؤهم: جمع خفيف. كطبيب وأطباء. وهم المسارعون المستعجلون. (5) حسرا: جمع حاسر. كساجد وسجد. أي بغير دروع. وقد فسره بقوله: ليس عليهم سلاح. والحاسر من لا درع له ولا مغفر. (6) لا يكاد يسقط لهم سهم: يعني أنهم رماة مهرة، تصل سهامهم إلى أغراضهم، كما قال: ما يكادون يخطئون. (7) فرشقوهم رشقا: أي رموهم بالسهام رميا شديدا. (8) فاستنصر: أي طلب من الله تعالى النصرة، ودعا بقوله: اللهم أنزل نصرك. (9) أنا النبي لا كذب: أي أنا النبي حقّا، فلا أفر ولا أزول. (10) البخاري- الفتح (7/ 4315) ، مسلم (1776) واللفظ له. (11) فحاص: عدل وحاد. (12) العكارون: أي أنتم العائدون إلى القتال. والعاطفون عليه. يقال: عكرت على الشيء: أي عطفت عليه وانصرفت إليه بعد الذهاب عنه. (13) أحمد (2/ 70) قال الشيخ أحمد شاكر (7/ 203- 204) : إسناده صحيح. والترمذي (1716) وحسنه. وأبو داود (2647) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4317 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التولي) 1- * (عن مالك عن يحيى بن سعيد أنّ عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه، والجريء يقاتل عمّا لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشّهيد من احتسب نفسه على الله» ) * «1» . 2- * (قال المنذريّ- رحمه الله-: «كان الشّافعيّ- رحمه الله- يقول: «إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدوّ حرم عليهم أن يولّوا إلّا متحرّفين لقتال، أو متحيّزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحبّ لهم أن يولّوا، ولا يستوجبون السّخط عندي من الله لو ولّوا عنهم على غير التّحرّف للقتال، أو التّحيّز إلى فئة. وهذا مذهب ابن عبّاس المشهور» ) * «2» . 3- * (قال الإمام النّوويّ- رحمه الله-: «وأمّا عدّه صلّى الله عليه وسلّم التّولّي يوم الزّحف من الكبائر، فدليل صريح لمذهب العلماء كافّة في كونه كبيرة» ) * «3» . 4- * (قال القرطبيّ عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (الأنفال/ 15) «أمر الله- عزّ وجلّ- في هذه الآية ألّا يولّي المؤمنون أمام الكفّار، وهذا الأمر مفيد بالشّريطة المنصوصة في مثلى المؤمنين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنين من المشركين فالفرض ألّا يفرّوا أمامهم. فمن فرّ من اثنين فهو فارّ من الزّحف، ومن فرّ من ثلاثة فليس بفارّ من الزّحف، ولا يتوجّه عليه الوعيد، والفرار كبيرة موبقة بظاهر القرآن وإجماع الأكثر من الأئمّة» ) * «4» . 5- * (وعند القرطبيّ: قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة من فرّ من الزّحف، ولا يجوز لهم الفرار، وإن فرّ إمامهم لقوله- عزّ وجلّ- وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ.. الآية (الأنفال/ 16) «5» . 6- * (قال ابن كثير: «فأمّا إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب فإنّه حرام وكبيرة من الكبائر» ) * «6» .   (1) الموطأ تنوير الحوالك (2/ 19) . (2) الترغيب والترهيب (2/ 304) . (3) صحيح مسلم بشرح النووي: (مج 1 ج 2، ص 88) . (4) تفسير القرطبي (4/ 2905) . ط. دار الغد العربي. (5) المرجع السابق (4/ 2907) . (6) تفسير ابن كثير (2/ 294) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4318 من مضار (التولي) (1) يسخط الرّبّ- عزّ وجلّ- ويرضي الشّيطان. (2) الّذي يفرّ يوم الزّحف غير متحيّز إلى فئة أو متحرّف لقتال إنّما يخاف الموت، وهذا دليل على ضعف الإيمان. (3) من تولّى من الزّحف فقد ارتكب جريمة عظمى في حقّ المجتمع، وأصبح منبوذا ينظر إليه شزرا. (4) وهو في نفسه منتقص يرى نفسه ذليلا دون غيره في الرّجولة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4319 [ حرف الجيم ] الجبن الجبن لغة: مصدر قولهم: جبن يجبن أي صار جبانا، وهو مأخوذ من مادّة (ج ب ن) الّتي تدلّ على ضعف في القلب «1» وذلك صفة الجبان، يقال: رجل جبان وجبّان وجبين: هيّاب للأشياء فلا يتقدّم عليها، ومن المجاز قولهم: جبان الكلب، أي في نهاية الكرم، لأنّه لكثرة تردّد الضّيفان إليه يأنس كلبه فلا يهرّ أبدا، وقال ابن منظور: جمع الجبان جبناء، وهو ضدّ الشّجاع والأنثى: جبان (أيضا) مثل حصان ورزان، والفعل جبن وجبن بالفتح والضّمّ، والمصدر الجبن والجبن والجبانة، واجبنه: وجده جبانا أو حسبه إيّاه، ومن ذلك قول عمرو بن معديكرب: لله درّكم يا بني سليم، قاتلناكم فما أجبنّاكم. أي فما وجدناكم جبناء، وحكي أيضا قولهم: هو يجبّن أي يرمى بالجبن ويقال له، وجبّنه تجبينا نسبه إلى الجبن، وفي الحديث «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم احتضن أحد ابني ابنته، وهو يقول: والله إنّكم لتجبّنون الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 9/ 9 وتبخّلون وتجهّلون، وإنّكم لمن ريحان الله» . يقال: جبّنت الرّجل وبخّلته وجهّلته، إذا نسبته إلى الجبن والبخل والجهل. وكانت العرب تقول: الولد مجبنة مبخلة. لأنّه يحبّ البقاء والمال لأجله وتجبّن الرّجل: غلظ «2» . الجبن اصطلاحا: قال الجاحظ: هو الجزع عند المخاوف والإحجام عمّا تحذر عاقبته أو لا تؤمن مغبّته «3» . وقال الفيروز آباديّ: الجبن: ضعف القلب عمّا يحقّ أن يقوى عليه «4» . وقال الجرجانيّ: هيئة حاصلة للقوّة الغضبيّة بها يحجم عن مباشرة ما ينبغي وما لا ينبغي «5» . الجبان لا يكاد ينام: قال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى-: الجبن خلق مذموم قد استعاذ منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن نعوذ بالله ممّا استعاذ منه سيّد الخلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويكفي في   (1) لهذه المادة معنيان آخران هما: الجبن الذي يؤكل، والجبينان ما عن يمين الجبهة وشمالها، كل واحد منهما جبين. (2) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 305) . لسان العرب (1/ 539- 540) . والصحاح (5/ 2090- 2091) ، وتاج العروس (18/ 102) ، ومقاييس اللغة (1/ 305) . (3) تهذيب الأخلاق للجاحظ (33) . (4) بصائر ذوي التمييز (1/ 366) . (5) التعريفات (73) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4320 ذمّه أن يقال في وصف الجبان: إن أحسّ بعصفور طار فؤاده، وإن طنّت بعوضة طال سهاده، يفزع من صرير الباب، ويقلق من طنين الذّباب. إن نظرت إليه شزرا أغمي عليه شهرا، يحسب خفوق الرّياح قعقعة الرّماح. قال الشّاعر: إذا صوّت العصفور طار فؤاده ... وليث حديد النّاب عند الثّرائد «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التولي- صغر الهمة الضعف- طول الأمل- الوهن- التخاذل- التنصل من المسئولية- الإهمال- التهاون. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الشجاعة- الثبات- الرجولة- علو الهمة- المسئولية- جهاد الأعداء- الشرف- العزة] .   (1) المستطرف (2/ 23) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4321 الآيات الواردة في «الجبن» معنى 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) «1» 2- أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) «2» 3- وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) «3»   (1) الأحزاب: 9- 11 مدنية. (2) الأحزاب: 19- 20 مدنية. (3) المنافقون: 4 مدنية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4322 الأحاديث الواردة في ذمّ (الجبن) 1- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: «إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان يتعوّذ من خمس: من البخل، والجبن، وفتنة الصّدر «1» ، وعذاب القبر، وسوء العمر» ) * «2» . 2- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد، وإنّما أنتم ولد آدم، طفّ الصّاع، لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلّا بالدّين أو عمل صالح، حسب الرّجل أن يكون فاحشا بذيّا بخيلا جبانا» ) * «3» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال لأبي طلحة: «التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتّى أخرج إلى خيبر، فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدّين «4» ، وغلبة الرّجال ... الحديث» ) * «5» . 4- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: بينا أنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقبلا من حنين علقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأعراب يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة «6» فخطفت رداءه، فوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثمّ لا تجدونني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) * «7» . 5- * (عن يعلى- رضي الله عنه- قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فضمّهما إليه وقال: «إنّ الولد مبخلة مجبنة» ) * «8» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شرّ ما في رجل شحّ هالع وجبن خالع» ) «9» . 7- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله   (1) فتنة الصّدر: الصدر بالتحريك: رجوع المسافر من مقصده والمراد: رجوع الناس إلى خالقهم يوم المحشر فاستعاذ النبي صلّى الله عليه وسلّم من فتنة هذا اليوم. (2) أحمد (1/ 22) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 218) . وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «المسند» (1/ 290) طبع مؤسسة الرسالة: إسناده صحيح. (3) أحمد (4/ 145) واللفظ له وفي (4/ 158) بلفظ قريب. وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وفيه لين وبقية رجاله وثقوا (8/ 84) . (4) ضلع الدّين: ثقله، والضلع الاعوجاج أي يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء. (5) البخاري- الفتح 6 (2893) واللفظ له. ومسلم (2706) . (6) سمرة: نوع من الشجر. (7) البخاري- الفتح 6 (3148) . (8) ابن ماجة (3666) واللفظ له. وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأحمد (4/ 172) ورواه الترمذي وأحمد أيضا منقطعا من حديث خولة بنت حكيم. والحاكم (3/ 164) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي. (9) أحمد (2/ 302) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4323 عنه- كان يأمر بهؤلاء الخمس ويحدّثهنّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدّنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر» ) * «1» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر» ) * «2» . 9- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الجبن) 1- * (قال أبو بكر- رضي الله عنه- يوصي يزيد بن أبي سفيان وقد أمّره على جيش بعثه إلى الشّام: «إنّي موصيك بعشر خلال: لا تقتلوا امرأة، ولا صبيّا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعوا شجرا مثمرا، ولا تخرّبنّ عامرا، ولا تعقرنّ شاة ولا بعيرا إلّا لمأكلة، ولا تغرقنّ نخلا، ولا تحرقنّه، ولا تغلل، ولا تجبن» ) * «4» . 2- * (قال أبو بكر لعمر- رضي الله عنهما- في حروب الرّدّة: «أجبّار في الجاهليّة وخوّار في الإسلام؟» ) * «5» . 3- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه، والجريء يقاتل عمّا لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف «6» ، والشّهيد من احتسب نفسه على الله «7» » ) * «8» . 4- * (قال أبو الزّناد- رحمه الله تعالى-:   الموضع الأول (15/ 164) والموضع الثاني (16/ 116) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 228) / (3603) ، وهو في الصحيحة (2/ 98) رقم (560) وعزاه كذلك لابن حبان 8 (3250) . (1) البخاري- الفتح 6 (2822) (2) البخاري- الفتح 6 (2823) واللفظ له. ومسلم (2706) . (3) مسلم (2722) . (4) ذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء (120) طبع دار صادر، وعزاه للبيهقي وغيره عن أبي عمران الجوني. (5) لسان العرب (3/ 1285) . (6) حتف من الحتوف: أي نوع من أنواع الموت. (7) الشهيد من احتسب نفسه على الله: أي رضي بالقتل في طاعة الله رجاء ثوابه تعالى. (8) الموطأ (2/ 463) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4324 «لمّا حضرت خالد بن الوليد الوفاة بكى، ثمّ قال: لقد حضرت كذا وكذا زحفا وما في جسدي شبر إلّا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء» ) * «1» . 5- * (قال عمرو بن أمامة: لقد حسوت الموت قبل ذوقه ... إنّ الجبان حتفه من فوقه كلّ امرىء مقاتل عن طوقه ... والثّور يحمي أنفه بروقه «2» ) * «3» . 6- * (قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى.: «إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم حتّى إنّ ذلك عامّة ما يمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن» ) * «4» . 7- * قال طرفة: فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثا حول قبّتنا تخور) * «5» . 8- * (قال الرّاجز: لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زمر الأعداء) * «6» . 9- * (وقال الآخر في الحجّاج بن يوسف الثّقفيّ الأمير المعروف: أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفر من صفير الصّافر هلّا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر) * «7» . من مضار (الجبن) (1) الذّلّ في الدّنيا، والخزي في الآخرة. (2) الجبان لا يسود ولا يكون إماما. (3) من أسوأ الخلال وشرّ الخصال. (4) لا يؤخّر أجلا ولا يقرّب نفعا. (5) الجبان مبغض حتّى إلى أقربائه. (6) يؤدّي إلى احتلال الأوطان، وهتك الأعراض. (7) وجود الجبناء في المعركة يفتّ في عضد الجيش الكبير.   (1) البداية والنهاية (7/ 117) . (2) الروق: القرن من كل شيء. (3) مجمع الأمثال لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري الميداني (1/ 39) . (4) باختصار من الاستقامة (2/ 263) . (5) الجواب الكافي (85) . (6) أوضح المسالك الى ألفية ابن مالك (2/ 46) ط دار الندوة الجديدة، بيروت. (7) البداية والنهاية (9/ 22) ط. دار الريان. لسان العرب (3/ 1285) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4325 الجحود الجحود لغة: الجحود والجحد مصدر قولهم: جحد يجحد جحدا وجحودا وهو مأخوذ من مادّة (ج ح د) الّتي تدلّ على قلّة الخير. يقال: عام جحد: قليل المطر، والجحد من كلّ شيء، القلّة. وقال الشّيبانيّ: أجحد الرّجل وجحد إذا أنفض وذهب ماله ... ومن هذا الباب الجحود، ولا يكون إلّا مع علم الجاحد به أنّه صحيح. قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ (النمل/ 14) وما جاء جاحد بخير قطّ «1» . ويقول الجوهريّ: الجحود: الإنكار مع العلم. يقال: جحده حقّه وبحقّه، والجحد أيضا: قلّة الخير، وكذلك الجحد بالضّمّ ... والجحد بالتّحريك مثله. يقال: نكدا له وجحدا. وجحد الرّجل- بالكسر- جحدا، فهو جحد إذا كان ضيّقا قليل الخير، وأجحد مثله «2» . وقال الرّاغب: يقال: رجل جحد شحيح، قليل الخير، يظهر الفقر ... وأجحد: صار ذا جحد «3» . والجحد والجحد: الضّيق في المعيشة، يقال: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 11/ 13/ 11 جحد عيشهم جحدا، إذا ضاق واشتدّ «4» . وجحد فلانا: صادفه بخيلا، قليل الخير.. وجحد: نكد. وفرس جحد- ككتف- غليظ قصير، وجمعه جحاد «5» . الجحود اصطلاحا: قال الجرجانيّ: هو عبارة عن الإخبار عن ترك الفعل في الماضي «6» . يقول الرّاغب: الجحود: نفي ما في القلب إثباته، وإثبات ما في القلب نفيه «7» . وقال المناويّ: الجحد إنكار ما سبق له وجود، وهو خلاف النّفي «8» . الفرق بين النفي والجحد: الجحد مختصّ بالماضي، والنّفي عامّ يشمل الماضي والحاضر، والجحد يقال فيما ينكر باللّسان دون القلب، والنّفي يقال فيهما، والنّافي إذا كان كلامه صادقا يسمّى كلامه نفيا، ولا يسمّى جحدا، قال تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ (الأحزاب/ 40) فهذا نفي، وإن كان كاذبا يسمّى جحدا ونفيا كما في قوله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ (النمل/ 14) «9» .   (1) المقاييس (1/ 426) . (2) الصحاح (2/ 452) . (3) المفردات (88) . (4) اللسان (1/ 547) . (5) التاج (4/ 376، 377) . (6) التعريفات (77) . (7) المفردات (88) . (8) التوقيف (121) . (9) التوقيف (2) ، والتعريفات (77) ، والكليات للكفوي (160) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4326 أسباب كفران النعم وجحودها: قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى- لم يقصّر بالخلق عن شكر النّعم إلّا الجهل والغفلة، فإنّهم منعوا بالجهل والغفلة عن معرفة النّعم، ولا يتصوّر شكر النّعمة إلّا بعد معرفة كونها نعمة، ثمّ إنّهم إن عرفوا نعمة ظنّوا أنّ الشّكر عليها أن يقول باللّسان: الحمد لله والشّكر لله. ولم يعرفوا أنّ معنى الشّكر أن يستعمل النّعمة في إتمام الحكمة الّتي أريدت بها وهي طاعة الله عزّ وجلّ- فلا يمنع من الشّكر بعد حصول هاتين المعرفتين إلّا غلبة الشّهوة واستيلاء الشّيطان. أمّا الغفلة عن النّعم فلها أسباب، وأحد أسبابها أنّ النّاس بجهلهم لا يعدّون ما يعمّ الخلق ويسلم لهم في جميع أحوالهم نعمة، فلذلك لا يشكرون على ما عمّ الله به الخلق من شتّى النّعم في الكون والنّفس كالشّمس والقمر واللّيل والنّهار والحرارة والبرودة واستساغة الطّعام، ذلك ممّا لا يحصى كثرة؛ لأنّها عامّة للخلق، مبذولة لهم في جميع أحوالهم، فلا يرى كلّ واحد لنفسه منهم اختصاصا به فلا يعدّه نعمة، فلا تراهم يشكرون الله على روح الهواء ولو أخذ بمختنقهم لحظة حتّى انقطع الهواء عنهم ماتوا، ولو حبسوا في بيت حمّام فيه هواء حارّ أو في بئر فيه هواء ثقل برطوبة الماء ماتوا غمّا، فإن ابتلي واحد منهم بشيء من ذلك ثمّ نجا ربّما قدّر ذلك نعمة وشكر الله عليها، وهذا غاية الجهل إذ صار شكرهم موقوفا على أن تسلب عنهم النّعمة ثمّ تردّ عليهم في بعض الأحوال. والنّعمة في جميع الأحوال أولى بأن تشكر في بعضها فلا ترى البصير يشكر صحّة بصره إلّا أن تعمى عيناه فعند ذلك لو أعيد عليه بصره أحسّ به وشكره وعدّه نعمة، وهذا الجاهل الّذي لم يقدّر نعمة الله عليه مثل العبد السّوء، حقّه أن يضرب دائما حتّى إذا ترك ضربه ساعة تقلّد به منّة، فإن ترك ضربه على الدّوام غلبه البطر وترك الشّكر، فصار النّاس لا يشكرون إلّا المال الّذي يتطرّق إليه الاختصاص من حيث الكثرة والقلّة وينسون جميع نعم الله تعالى عليهم. ولو أمعن الإنسان النّظر في أحواله رأى من الله نعما كثيرة تخصّه لا يشاركه فيها النّاس كافّة بل يشاركه عدد يسير من النّاس، وربّما لا يشاركه فيها أحد من الخلق، وذلك يتمثّل في ثلاثة أمور يعترف بها كلّ عبد: أحدها: العقل. فإنّه ما من عبد لله تعالى إلّا وهو راض عن الله في عقله يعتقد أنّه أعقل النّاس، وقلّ من يسأل الله تعالى العقل، ولذا وجب على كلّ الخلق شكر الله. والأمر الثّاني: الخلق. فما من عبد إلّا ويرى من غيره عيوبا يكرهها وأخلاقا يذمّها، وإنّما يذمّها من حيث يرى نفسه بريئا منها فإذا لم يشتغل بذمّ الغير وجب عليه أن يشكر الله إذ حسن خلقه وابتلي غيره بسوء الخلق. والأمر الثّالث الّذي يقرّ به كلّ واحد: العلم. فما من أحد إلّا ويعرف بواطن أمور نفسه وخطايا أفكاره وما هو منفرد به، ولو كشف الغطاء حتّى اطّلع عليه أحد من الخلق لا فتضح، فكيف لو اطّلع النّاس كافّة ألا يوجب ستر القبيح وإخفاؤه عن عين النّاس شكر هذه النّعمة العظيمة؟ ولم يصرف الخلق عن شكر هذه النّعمة إلّا الغفلة والجهل. وأعمّ من هذه الأمور أمور الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4327 أخرى فما من واحد من الخلق إلّا وقد رزقه الله تعالى في صورته أو أخلاقه أو صفاته أو أهله أو والده أو مسكنه أو بلده أو رفيقه أو زوجه أو ولده أو عزّه أو جاهه أو في سائر أموره، فإنّه لو سلب ذلك منه وأعطي ما خصّص به غيره فإنّه لا يرضى به فإذا كان الأمر كذلك فقد وجب على كلّ الخلق أن يشكروه على أن جعلهم على هذه الحالة الّتي هم عليها ولم يجعلهم على حال الآخرين، ولكن غلب عليهم كفر النّعمة. وما سدّ على الخلق طريق الشّكر إلّا جهلهم بضروب النّعم الظّاهرة والباطنة والخاصّة والعامّة، أو الغفلة عنها لحصولهم عليها بلا أدنى سبب «1» . الجحود بآيات الله: لقد نعى القرآن الكريم على المشركين وأهل الكتاب جحودهم بآيات الله رغم معرفتهم بها، وشدّد النّكير عليهم فوسمهم بالظّلم، في قوله سبحانه وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام/ 33) ، وقد كان هذا الجحود سببا للعنة قوم عاد وإبعادهم وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ* وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (هود/ 59- 60) ، وقد وصف القرآن الكريم من يجحد بآيات الله بالكفر حينا وبالظّلم حينا فقال- عزّ من قائل-: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (العنكبوت/ 47) ، وقال سبحانه وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (العنكبوت/ 49) ، وجاء وصفهم بأنّهم أهل الإفك والختر، فقال تعالى: كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (غافر/ 63) ، وقال سبحانه: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (لقمان/ 32) وقد أوضح المولى- عزّ وجلّ- أنّ الجحود من عوامل الاستكبار والغرور فقال سبحانه: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (فصلت/ 15) . إنّ الجاحد بآيات الله لن يغني عنه سمعه ولا بصره، ولا فؤاده، وكأنّه حرم نفسه من نعمة الله الّتي أنعم الله بها عليه، يقول سبحانه: وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ (الأحقاف/ 26) . والنّتيجة الحتميّة للجحود هي الخلود في النّار وفوق ذلك فإنّهم أعداء لله فاستحقّوا بذلك الوعيد الشّديد ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (فصلت/ 28) . [للاستزادة: انظر صفات: نكران الجميل- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- الضلال- الغرور- الكفر- التفريط والإفراط- عقوق الوالدين- قطيعة الرحم- الجفاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاعتراف بالفضل- الإيمان- الشكر- الثناء- الإحسان- المروءة- بر الوالدين- صلة الرحم] .   (1) انتهى بتصرف من إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 123- 126) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4328 الآيات الواردة في «الجحود» الجاحدون من أكبر النادمين: 1- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «1» الجاحدون سفهاء ظالمون: 2- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) «2» 3- وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) «3» 4- وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) «4»   (1) الأعراف: 44- 51 مكية (2) الأنعام: 33 مكية (3) النحل: 71 مكية (4) العنكبوت: 47- 49 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4329 5- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) «1» 6- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) «2» الجحود سمة الكافرين السابقين: 7- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) «3» 8- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) «4»   (1) لقمان: 31- 32 مكية (2) غافر: 61- 65 مكية (3) هود: 59- 60 مكية (4) النمل: 7- 14 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4330 9- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (17) «1» 10- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (28) «2» 11- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) «3»   (1) فصلت: 13- 17 مكية (2) فصلت: 26- 28 مكية (3) الأحقاف: 21- 26 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4331 الأحاديث الواردة في ذمّ (الجحود) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: لمّا نزلت آية الدّين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أوّل من جحد آدم (عليه السّلام) أو أوّل من جحد آدم- إنّ الله- عزّ وجلّ- لمّا خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو من ذراريّ إلى يوم القيامة. فجعل يعرض ذرّيّته عليه، فرأى منهم رجلا يزهر «1» ، فقال: أي ربّ، من هذا؟. قال: هذا ابنك داود. قال: أي ربّ، كم عمره؟. قال: ستّون عاما. قال: ربّ زد في عمره. قال: لا. إلّا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام، فزاده أربعين عاما، فكتب الله- عزّ وجلّ- عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة، فلمّا احتضر آدم وأتته الملائكة لتقبضه قال: إنّه قد بقي من عمري أربعون عاما. فقيل: إنّك قد وهبتها لابنك داود. قال: ما فعلت وأبرز الله- عزّ وجلّ- عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة» ) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعلّم الرّمي ثمّ نسيه فهي نعمة جحدها» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الجحود) معنى 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة فاجتووها «4» فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصّدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها» ففعلوا فصحّوا، ثمّ مالوا على الرّعاة فقتلوهم وارتدّوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبعث في أثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم «5» ، وتركهم في الحرّة «6» حتّى ماتوا) * «7» 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أضحى أو فطر إلى المصلّى، ثمّ انصرف فوعظ النّاس، وأمرهم بالصّدقة فقال: «أيّها النّاس، تصدّقوا، فمرّ على النّساء فقال: «يا معشر النّساء، تصدّقن، فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النّار» . فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟. قال: «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير «8» ما رأيت من   (1) يزهر: يضىء وجهه حسنا. (2) أحمد (1/ 251- 252) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 71) : صحيح، والحديث في مجمع الزوائد (8/ 206) وزاد نسبته إلى الطبراني وكذا ابن كثير (2/ 71) . (3) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 282) . وقال: رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط بإسناد حسن (4) اجتووها: لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم. (5) سمل أعينهم: فقأها وأذهب ما فيها. (6) الحرة: أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة. (7) البخاري- الفتح 12 (6802) ومسلم (1671) وهذا لفظه. (8) تكفرن العشير: لا تشكرن أزواجكن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4332 ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ يا معشر النّساء» ثمّ انصرف فلمّا صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه. فقيل: يا رسول الله، هذه زينب. فقال: «أيّ الزّيانب؟» فقيل: امرأة ابن مسعود. قال: «نعم. ائذنوا لها» فأذن لها. قالت: يا نبيّ الله، إنّك أمرت اليوم بالصّدقة، وكان عندي حليّ لي فأردت أن أتصدّق بها فزعم ابن مسعود أنّه وولده أحقّ من تصدّقت به عليهم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق ابن مسعود. زوجك وولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم» ) * «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص «2» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «3» . فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن، ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل. قال: فأعطي ناقة عشراء «4» . قال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال: فمسحه فردّ الله إليه بصره. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟. قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «5» . فأنتج هذان، وولّد هذا «6» . قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال «7» في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلّغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأنّي أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «8» . فقال: إن كنت كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما ردّ على   (1) البخاري- الفتح 3 (1462) واللفظ له، ومسلم (1000) مثله لكن من حديث زينب امرأة ابن مسعود. (2) أبرص: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص. وأبرصه الله. (3) يبتليهم: أي يختبرهم. (4) ناقة عشراء: هي الحامل القريبة الولادة. (5) شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها. (6) فأنتج هذان وولد هذا: هكذا الرواية: فأنتج، رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والانتاج، ومعنى ولّد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والنتاج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء. (7) انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق. (8) إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4333 هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلّغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم «1» شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك، فإنّما ابتليتم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك» ) * «2» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أريت النّار فإذا أكثر أهلها النّساء يكفرن. قيل: أيكفرن بالله؟. قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنّ الدّهر ثمّ رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ» ) * «3» . 7- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتاه رجلان يختصمان في أرض فقال أحدهما: إنّ هذا انتزى على أرضي يا رسول الله في الجاهليّة. قال: «بيّنتك» ، قال: ليس لي بيّنة. قال: «يمينه» . قال: إذن يذهب بها. قال: «ليس لك إلّا ذاك» ، قال: فلمّا قام ليحلف قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اقتطع أرضا ظالما، لقي الله وهو عليه غضبان» ) * «4» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا. ومن لم تكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا. من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضّله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا» ) * «5» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: يؤذيني ابن آدم يسبّ الدّهر وأنا الدّهر، بيدي الأمر، أقلّب اللّيل والنّهار» ) * «6» . 10- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: صلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصّبح بالحديبية على أثر سماء كانت من اللّيلة، فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، وكافر بالكوكب، وأمّا من قال: بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، ومؤمن   (1) أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه. (2) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 1 (29) واللفظ له، ومسلم (907) . (4) مسلم (139) . (5) الترمذي (2512) واللفظ له، وقال: حسن غريب. وبعضه في مسلم من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- (2963) ، ابن ماجة (4142) . (6) البخاري- الفتح 8 (4826) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4334 بالكوكب» ) * «1» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنزل الله من السّماء من بركة إلّا أصبح فريق من النّاس بها كافرين. ينزل الله الغيث، فيقولون: الكوكب كذا وكذا» ) * «2» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر على الصّدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله، وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا. قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأمّا العبّاس فهي عليّ ومثلها معها» ثمّ قال: «يا عمر، أما شعرت أنّ عمّ الرّجل صنو أبيه؟» ) * «3» . 13- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر النّاس لم يشكر الله، والتّحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الجحود) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (العاديات/ 6) : أي كفور. وكذا قاله جماعة، وقال أبو أمامة الباهليّ- رضي الله عنه-: الكنود: الّذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده. وقال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: الكنود هو الّذي يعدّ المصائب وينسى نعم الله عليه) * «5» . 2- * (قال سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ (القلم/ 17) . كان أصحابها من قرية يقال لها ضروان على ستّة أميال من صنعاء وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنّة وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة فإنّ ما يستغلّ منها يردّ فيها ما تحتاج إليه، ويدّخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدّق بالفاضل. فلمّا مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق؛ إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء، ولو أنّا منعناهم لتوفّر ذلك علينا، فلمّا عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم فأذهب الله ما بأيديهم بالكلّيّة رأس المال والرّبح والصّدقة فلم يبق لهم شيء) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 2 (846) واللفظ له، ومسلم (71) . (2) مسلم (72) ، وقد خرجه الشيخان من حديث زيد بن خالد الجهني بغير هذا اللفظ. (3) البخاري- الفتح 3 (1468) ، ومسلم (983) واللفظ له. (4) أحمد (4/ 278) ، وذكره الألباني في الصحيحة برقم (667) ، (2/ 276) ، وعزاه أيضا للقضاعي (3/ 1) . (5) تفسير ابن كثير (4/ 542) . (6) تفسير ابن كثير (4/ 406- 407) ط. دار المعرفة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4335 وقال عقب ذلك ابن كثير- رحمه الله تعالى- هكذا عذاب من خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه، ومنع حقّ المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدّل نعمة الله كفرا. 3- * (قال كعب الأحبار- رحمه الله تعالى-: ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدّنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلّا أعطاه نفعها في الدّنيا، ورفع له بها درجة في الآخرة، وما أنعم الله على عبد نعمة في الدّنيا فلم يشكرها لله، ولم يتواضع بها إلّا منعه الله نفعها في الدّنيا، وفتح له طبقات من النّار يعذّبه إن شاء أو يتجاوز عنه) * «1» . 4- * (قال وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى-: ترك المكافأة من التّطفيف) * «2» . 5- * (كتب ابن السّمّاك إلى محمّد بن الحسن رحمهما الله تعالى- حين ولي القضاء بالرّقّة: أمّا بعد، فلتكن التّقوى من بالك على كلّ حال، وخف الله من كلّ نعمة أنعم بها عليك من قلّة الشّكر عليها مع المعصية بها «3» ، وأمّا التّبعة فيها فقلّة الشّكر عليها، فعفا الله عنك كلّ ما ضيّعت من شكر، أو ركبت من ذنب، أو قصّرت من حقّ) * «4» . 6- * (قال الأصمعيّ- رحمه الله تعالى-: سمعت أعرابيّا يقول: أسرع الذّنوب عقوبة كفر المعروف) * «5» . 7- * (قال إبراهيم بن مهديّ مخاطبا المأمون: البرّ بي منك وطّا العذر عندك لي ... فيما فعلت فلم تعذل ولم تلم وقام علمك بي فاحتجّ عندك لي ... وقام شاهد عدل غير متّهم لئن جحدتك معروفا مننت به ... إنّي لفي اللّؤم أحظى منك بالكرم تعفو بعدل وتسطو إن سطوت به ... فلا عدمتك من عاف ومنتقم) * «6» . 8- * (قال ابن المبارك- رحمه الله تعالى-: يد المعروف غنم حيث كانت ... تحمّلها شكور أو كفور ففي شكر الشّكور لها جزاء ... وعند الله ما كفر الكفور) * «7» . 9- * (قال ابن الأثير: من كان عادته وطبعه كفران نعمة النّاس وترك شكره لهم كان من عادته كفر نعمة الله- عزّ وجلّ- وترك الشّكر له) * «8» . 10- * (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (النحل/ 71) : هذا إنكار من الله عليهم جحودهم بنعمته؛ لأنّ الكافر يستعمل نعم الله في معصية الله فيستعين   (1) عدة الصابرين (145) . (2) الآداب الشرعية (1/ 314) . (3) فإن في النعم حجة وفيها تبعة، فأما الحجة بها فالمعصية بها. (4) عدة الصابرين (130) . (5) الآداب الشرعية (1/ 311) . (6) أدب الدنيا والدين للماوردي (252) . (7) الآداب الشرعية (1/ 311) . (8) جامع الأصول (2/ 560) ، ونقله عنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 313) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4336 بكلّ ما أنعم الله به عليه على معصيته؛ فإنّه يرزقهم ويعافيهم، وهم يعبدون غيره، وجحود النّعمة كفرانها) * «1» . 11- * (قال بعض الحكماء: لا يزهدنّك في المعروف كفر من كفر؛ فإنّه يشكرك عليه من لا تصنعه إليه. ويقال أيضا: إعطاء الفاجر يقوّيه على فجوره، ومسألة اللّئيم إهانة للعرض، وتعليم الجاهل زيادة في الجهل، والصّنيعة عند الكفور إضاعة للنّعمة، فإذا هممت بشيء من هذا فارتد الموضع قبل الإقدام عليه أو على الفعل) * «2» . من مضار (الجحود) (1) يسبّب غضب الرّبّ- عزّ وجلّ-. (2) يعرض عنه الخلق ولا يمدّون إليه يد المساعدة. (3) الجحود من أسباب منع النّعم ومنع نزولها وزوالها بعد حصولها. (4) فيه تشبّه باليهود والكفّار والملحدين. (5) يقطّع أواصر المجتمع المسلم. (6) لا يصرف الله عن شكر نعمه إلّا غافلا أو جاهلا.   (1) أضواء البيان (3/ 288) . (2) الآداب الشرعية (1/ 310) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4337 الجدال والمراء الجدال لغة: مصدر قولهم: جادله يجادله جدالا ومجادلة وهو مأخوذ من مادّة (ج د ل) الّتي تدلّ على استحكام الشّيء في استرسال يكون فيه وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام، تقول من ذلك: جادله أي ناظره وخاصمه، والاسم من ذلك: الجدل، وهو شدّة الخصومة، وجدل الحبل: إحكام فتله، وإلى هذا المعنى أرجع الرّاغب معنى الجدال (والمجادلة) فقال: الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وكأنّ المتجادلين يفتل كلّ واحد الآخر عن رأيه، وأصله من جدلت الحبل، ومن ذلك جدلت البناء: أحكمته، والأجدل: الصّقر المحكم البنية، وقيل: الأصل في الجدال: الصّرع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي الأرض الصّلبة، والجدل: اللّدد في الخصومة والقدرة عليها، ويقال رجل جدل ومجدل ومجدال إذا كان شديد الخصومة والجدل. كما يقال: جادلت الرّجل فجدلته جدلا أي غلبته. كما يأتي منه المصدر على جدال ومجادلة، ومعناه المناظرة والمخاصمة. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 25/ 10/ 14 والرّجل مجدول إذا انقطع في الخصام. وهما يتجادلان إذا كانا يتخاصمان. والمجدل الجماعة من النّاس، وذلك لأنّ الغالب عليهم إذا اجتمعوا أن يتجادلوا، والجدال (أيضا) المخاصمة بما يشغل عن ظهور الحقّ ووضوح الصّواب، قال الفيّوميّ: هذا هو الأصل، ثمّ استعمل على لسان حملة الشّرع في مقابلة الأدلّة لظهور أرجحها. وهو محمود إذا كان للوقوف على الحقّ وإلّا فمذموم، ومن معنى الصّرع قيل: جدله جدلا، وجدّله فانجدل، وتجدّل: أي صرعه على الجدالة، وهو مجدول ومجدّل ومجندل، وأكثر ما يقال: جدّلته تجديلا، وفي الحديث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنا خاتم النّبيّين في أمّ الكتاب، وإنّ آدم لمنجدل في طينته» ، والمجدّل الملقى بالجدالة وهي الأرض، ومنه حديث عليّ- رضي الله عنه- حين وقف على طلحة وهو قتيل (بعد معركة الجمل) فقال: «أعزز عليّ أبا محمّد أن أراك مجدّلا تحت نجوم السّماء» أي ملقى على الأرض قتيلا «1» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 433) ، المفردات للراغب 87، لسان العرب (1/ 571) . والصحاح (4/ 1653) . والمصباح المنير (1/ 93) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4338 الجدال اصطلاحا: الجدل: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجّة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه وهو الخصومة في الحقيقة، والجدال: عبارة عن مراء يتعلّق بإظهار المذاهب وتقريرها «1» . وقال المناويّ: هو مراء يتعلّق بإظهار المذاهب وتقريرها. وقيل: هو التّخاصم بما يشغل عن ظهور الحقّ ووضوح الصّواب «2» . وقال الكفويّ: هو عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد قوله بحجّة أو شبهة وهو لا يكون إلّا بمنازعة غيره. والمجادلة: هي المنازعة في المسألة العلميّة لإلزام الخصم سواء كان كلامه فاسدا أو لا «3» . حكم الجدال: الجدال قد يكون محمودا إذا تعلّق بإظهار الحقّ وقد أمر بذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله سبحانه وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل/ 125) . وقد يكون مذموما إذا شغل عن ظهور الحقّ ووضوح الصّواب، وهذا هو المقصود بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أوتي الجدل قوم إلّا ضلّوا» «4» . وقد عدّ الذّهبيّ هذا النّوع من الكبائر، وقال: إن كان الجدال للوقوف على الحقّ وتقريره كان محمودا، وإن كان الجدال في مدافعة الحقّ، أو كان بغير علم كان مذموما، وعلى هذا التّفصيل تنزّل النّصوص الواردة في إباحته وذمّه «5» . [للاستزادة: انظر صفات: التنازع- التفرق الهجر- التخاذل- الإعراض- البذاءة- البغض سوء الظن. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الألفة- الإخاء- السماحة- المروءة- الحياء- المحبة- حسن الظن] .   (1) التعريفات للجرجاني (74، 75) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (122) . (3) الكليات (353، 849) . (4) انظر المصباح المنير (1/ 93) . (5) كتاب الكبائر (221) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4339 الآيات الواردة في «الجدال» الجدال يفسد العبادة: 1- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) «1» 2- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) «2» لا جدال عن الباطل: 3- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) «3» 4- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24)   (1) البقرة: 197 مدنية (2) الأنفال: 2- 6 مكية (3) النساء: 105- 109 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4340 وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) «1» 5- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «2» 6- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) «3» 7- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) «4» 8- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71)   (1) الأنعام: 20- 25 مكية (2) الأنعام: 121 مكية (3) الأعراف: 65- 72 مكية (4) هود: 32- 34 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4341 قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «1» 9- وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) «2» 10- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) «3» 11- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «4» 12- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) «5» 13- وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) «6» 14- وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)   (1) هود: 69- 75 مكية (2) الحج: 68- 69 مدنية (3) غافر: 1- 5 مكية (4) غافر: 53- 56 مكية (5) غافر: 69- 72 مكية (6) الشورى: 22- 35 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4342 وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59) «1» الجدال يكون بالحسنى: 15- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «2» 16- وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «3» لا يجوز الجدال في الله- عزّ وجلّ-: 17- وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) «4» 18- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4) «5» 19- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) «6» 20- أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (21) «7» 21- الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) «8»   (1) الزخرف: 57- 59 مكية (2) النحل: 125 مكية (3) العنكبوت: 46 مكية (4) الرعد: 13 مكية (5) الحج: 1- 4 مدنية (6) الحج: 8 مدنية (7) لقمان: 20- 21 مكية (8) غافر: 35 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4343 كل نفس تجادل: 22- يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) «1» 23- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا (55) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «2» 24- قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) «3» الآيات الواردة في «الجدال» معنى 25- وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) «4»   (1) النحل: 111 مكية (2) الكهف: 54- 56 مكية (3) المجادلة: 1 مدنية (4) الكهف: 32- 41 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4344 الأحاديث الواردة في ذمّ (الجدال) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جدال في القرآن كفر» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّيام جنّة فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إنّي صائم- مرّتين- والّذي نفسي بيده لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي. الصّيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها» ) * «2» . وفي رواية لسعيد بن منصور في سننه: «فلا يرفث ولا يجادل» «3» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرّأها الله ممّا قالوا ... الحديث إلى قولها: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر- «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله. إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة- وهو سيّد الخزرج- وكان رجلا صالحا، ولكن اجتهلته الحميّة «4» - فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عمّ سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله، لنقتلنّه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين ... الحديث» ) * «5» . 4- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل، ثمّ تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (الزخرف/ 58) «6» . 5- * (عن كعب بن مالك قال: لم أتخلّف عن غزوة غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا في غزوة تبوك ... الحديث إلى أن قال فيه: فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) أبو داود (4603) . وأحمد (2/ 258) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (13/ 249) واللفظ له. وذكره في المشكاة وقال الشيخ الألباني: رواه أحمد وأبو داود وإسناده حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، قال: وهو صحيح باعتبار أن له شواهد صحيحة (1/ 79) . (2) البخاري- الفتح 4 (1894) . (3) ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (4/ 126) وقال: من رواية سهيل بن أبي صالح يعني أنه صحيح. (4) اجتهلته: أغضبته وحملته على الجهل. (5) البخاري- الفتح 5 (2661) . ومسلم (2770) واللفظ له. (6) الترمذي (3453) وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (48) ، وأحمد (5/ 252، 256) وقال محقق جامع الأصول (2/ 749) : إسناده صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4345 قد توجّه قافلا «1» من تبوك، حضرني بثّي «2» . فطفقت «3» أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما زاح عنّي الباطل، حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه. وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادما- وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثمّ جلس للنّاس. فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون فطفقوا يعتذرون إليه- وكانوا بضعة وثمانين رجلا- فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيّتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله حتّى جئت. فلمّا سلّمت تبسّم تبسّم المغضب ثمّ قال: «تعال» فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك «4» ؟» قال: قلت: يا رسول الله إنّي، والله لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكنّي والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «5» إنّي لأرجو فيه عقبى الله، والله ما كان لي عذر. والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا فقد صدق، فقم حتّى يقضي الله فيك» ... الحديث» ) * «6» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ.. إلى قوله: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (آل عمران/ 8) . فقال: «يا عائشة: إذا رأيتم الّذين يجادلون فيه فهم الّذين عناهم الله فاحذروهم» ) «7» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الجدال) معنى 7- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال الحضرميّ: يا رسول الله، إنّ هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحضرميّ: «ألك بيّنة؟» قال: لا. قال: «فلك يمينه» . قال: يا رسول الله، إنّ الرّجل فاجر لا يبالي عن ما حلف عليه وليس يتورّع من شيء. فقال: «ليس لك منه إلّا ذلك» . فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- لمّا أدبر- «أما لئن   (1) قافلا: راجعا. (2) البث: الحزن، والمعنى أنني حزنت. (3) طفقت: بدأت. (4) ابتعت ظهرك: أي اشتريت دابة للحرب. (5) تجد عليّ فيه: أي تغضب عليّ بسببه. (6) البخاري- الفتح 7 (4418) . ومسلم (2769) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 8 (4547) . ومسلم (2665) . وابن ماجة (47) واللفظ له. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4346 حلف على مال ليأكله ظلما ليلقينّ الله وهو عنه معرض» ) * «1» . 8- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى «2» رجلان من المسلمين فقال: «خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرا، فالتمسوها في التّاسعة والسّابعة والخامسة» ) * «3» . 9- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ترك الكذب- وهو باطل- بني له في ربض «4» الجنّة، ومن ترك المراء- وهو محقّ- بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها» ) * «5» 10- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السّفهاء، ويصرف به وجوه النّاس إليه أدخله الله النّار» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الجدال) 1- * (قال سليمان بن داود- عليهما السّلام- لابنه: دع المراء، فإنّ نفعه قليل، وهو يهيّج العداوة بين الإخوان) * «7» . 2- * (عن زياد بن حدير قال: قال لي عمر: هل تعرف ما يهرم الإسلام؟ قال: قلت: لا. قال: يهرمه زلّة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمّة المضلّين) * «8» . 3- * (وقال- رضي الله عنه- إنّه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسّنن؛ فإنّ أصحاب السّنن أعلم بكتاب الله) * «9» . 4- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- لإياس بن عمر- رحمه الله- إنّك إن بقيت سيقرأ   (1) مسلم (139) . (2) فتلاحى: فتخاصم وتنازع وتشاتم. (3) البخاري- الفتح 4 (2023) . (4) ربض الجنة: أي منزل، وربض المدينة أي ما حولها. (5) أبو داود (4800) . والترمذي (1993) وقال: حسن- واللفظ له. وابن ماجة (51) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 734) : إسناده حسن. (6) الترمذي (2655) واللفظ له. وابن ماجة (253) من حديث ابن عمر، (254) من حديث جابر وقال في الزوائد: رجال إسناده ثقات. وذكره ابن الأثير في جامع الأصول وقال محققه: له شواهد بمعناه يتقوى بها (4/ 543) واللفظ له وكذلك ذكره في المشكاة وقال مخرجه: يشهد له حديث ابن عمر عند ابن ماجة وحديث أبي هريرة عنده وعند أبي داود- انظر المشكاة (1/ 77) . (7) الدارمي (1/ 102) . (8) الدارمي (1/ 82) . وقال الألباني: إسناده صحيح- مشكاة المصابيح (1/ 89) . (9) الدارمي (1/ 62) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4347 القرآن ثلاثة أصناف: فصنف لله، وصنف للجدال، وصنف للدّنيا، ومن طلب به أدرك) * «1» . 5- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه- لا تكون عالما حتّى تكون متعلّما، ولا تكون بالعلم عالما حتّى تكون به عاملا، وكفى بك إثما أن لا تزال مخاصما، وكفى بك إثما أن لا تزال مماريا، وكفى بك كذبا أن لا تزال محدّثا في غير ذات الله) * «2» . 6- * (قال ميمون بن مهران- رحمه الله- يوصي بعض تلامذته: «إيّاك والخصومة والجدال في الدّين، ولا تجادلنّ عالما ولا جاهلا. أمّا العالم فإنّه يحزن عنك علمه، ولا يبالي ما صنعت؛ وأمّا الجاهل فإنّه يخشّن بصدرك، ولا يطيعك» ) * «3» . 7- * (كتب عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- إلى أهل المدينة: من تعبّد بغير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح، ومن عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلّا فيما يعنيه، ومن جعل دينه غرضا للخصومات كثر تنقّله) * «4» . 8- * (وقال- رحمه الله تعالى-: قد أفلح من عصم من المراء والغضب والطّمع) * «5» . 9- * (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-: إذا أراد الله بقوم شرّا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل) * «6» . 10- * (قال مسعر بن كدام- رحمه الله تعالى- يوصي ابنه كداما: إنّي منحتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق أمّا المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق إنّي بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جارا ولا لرفيق والجهل يزري بالفتى في قومه ... وعروقه في النّاس أيّ عروق؟) * «7» . 11- * (قال مالك- رحمه الله تعالى-: قال الله تعالى فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ (البقرة/ 197) الرّفث: إصابة النّساء، والفسوق: الذّبح للأنصاب، والجدال في الحجّ: أنّ قريشا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة بقزح، وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة فكانوا يتجادلون، يقول هؤلاء: نحن أصوب، ويقول هؤلاء: نحن أصوب. فقال الله تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (الحج/ 67) . فهذا الجدال) * «8» . 12- * (قال سهل بن عبد الله التّستريّ- رحمه الله تعالى- لرجل سأله متى يعلم الرّجل أنّه من أهل السّنّة والجماعة؟ فقال: إذا عرف من نفسه عشر   (1) الدارمي (2/ 526) . (2) الدارمي (1/ 101) . (3) الدارمي (1/ 102) . (4) الدارمي (1/ 103) . (5) البداية والنهاية (9/ 209) . (6) شرح أصول الاعتقاد (مج ط 1/ 145) . (7) جامع بيان العلم وفضله (2/ 99) . (8) الموطأ (388) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4348 خصال: لا يترك الجماعة، ولا يسبّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يخرج على هذه الأمّة بالسّيف، ولا يكذّب بالقدر، ولا يشكّ في الإيمان، ولا يماري في الدّين، ولا يترك الصّلاة على من يموت من أهل القبلة بالذّنب، ولا يترك المسح على الخفّين، ولا يترك الجماعة (أو قال الجمعة) خلف كلّ وال جار أو عدل) * «1» . 13- * (قال خالد بن برمك: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به مكروه: العجلة، واللّجاجة، والعجب، والتّواني، فثمرة العجلة النّدامة، وثمرة اللّجاجة الحيرة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التّواني الذّلّ) * «2» . 14- * (روي عن يزيد بن هارون- رحمه الله تعالى- أنّه كان جالسا في مجلس فذكر حديث الرّؤية، فقال له رجل في المجلس: يا أبا خالد ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وقال: ما أشبهك بصبيغ وأحوجك إلى مثل ما فعل به «3» . ويلك، ومن يدري كيف هذا؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الّذي جاء به الحديث أو يتكلّم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلّا من سفه نفسه واستخفّ بدينه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاتّبعوه ولا تبتدعوا فيه، فإنّكم إن اتّبعتموه ولم تماروا فيه سلمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم) * «4» . من مضار (الجدال) (1) الجدال يحرم صاحبه من الوصول إلى الحقّ ومعرفة الرّشد. (2) يورث البغضاء والكراهية. (3) يحذر منه النّاس ويتحاشونه. (4) سبب للمعاقبة بالحرمان من السّعادة الّتي يحظى بها الباحث عن الحقّ. (5) طول ممارسته يغري بالتّمادي في الباطل. (6) يؤدّي إلى سوء العاقبة بالحرمان من المنزلة العالية في الجنّة.   (1) شرح أصول الاعتقاد (مج 1، ج 2/ 183) . (2) روضة العقلاء (217) . (3) صبيغ: رجل قدم المدينة في عهد عمر بن الخطاب فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر ليعاقبه فقال له: من أنت؟ قال: عبد الله صبيغ. قال: وأنا عبد الله عمر، فضربه حتى دمي رأسه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي، ثم نفاه إلى البصرة الإصابة (3/ 258) . (4) عقيدة السلف أصحاب الحديث أو الرسالة في اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة للشيخ أبي إسماعيل عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني (50- 51) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4349 الجزع الجزع لغة: مصدر قولهم: جزع يجزع جزعا، وهو مأخوذ من مادّة (ج ز ع) الّتي تدلّ على الانقطاع، من ذلك جزعت الرّملة إذا قطعتها، وجزع الوادي، وهو الموضع الّذي يقطعه من أحد جانبيه إلى الجانب الآخر، والجزع نقيض الصّبر؛ لأنّ فيه انقطاع المنّة «1» عن حمل ما نزل. يقال من ذلك: جزع يجزع جزعا، والوصف من ذلك جازع وجزع وجزع، فإذا كثر ذلك منه قيل جزوع وجزاع، والجزوع في قوله تعالى: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (المعارج/ 20) هو الّذي لا صبر عنده إذا مسّه الشّرّ، ويقال: أجزعه إذا أزال جزعه، ومن ذلك ما جاء في الحديث: لمّا طعن عمر- رضي الله عنه- جعل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يجزّعه، قال ابن الأثير: أي يقول له ما يسليه ويزيل جزعه، ويقال أيضا: أجزعه الأمر، إذا أصابه بالجزع، قال أعشى باهلة: فإذا جزعنا فإنّ الشّرّ أجزعنا ... وإن صبرنا فإنّا معشر صبر وقال الرّاغب: أصل الجزع قطع الحبل من نصفه، ولتصوّر الانقطاع قيل جزع الوادي لمنقطعه، ولانقطاع اللّون بتغيّره قيل للخرز الملوّن جزع، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 11/ 3 وعنه استعير قولهم لحم مجزّع إذا كان ذا لونين، ورجل جزع إذا ضعفت قوّته عن حمل ما نزل به ولم يجد صبرا والجزع (بسكون الزاي) مصدر جزعت الوادي إذا قطعته عرضا، وفي الحديث «أنّه وقف على محسّر فقرع راحلته فخبّت حتّى جزعه» أي قطعه، ولا يكون إلّا عرضا، ومنه حديث مسيره إلى بدر «ثمّ جزع الصّفيراء» أي قطعها عرضا، والجزيعة: القطعة من الغنم، وربّما استعملت تصغيرا لجزعة وهي القليل من اللّبن أو الماء. الجزوع ضدّ الصّبور على الشّرّ، والجزع نقيض الصّبر. جزع بالكسر، يجزع جزعا فهو جازع وجزع وجزع وجزوع. وقيل إذا كثر منه الجزع فهو جزوع وجزاع. قال الله تعالى: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (المعارج/ 20- 21) «2» . واصطلاحا: قال المناويّ: الجزع حزن يصرف الإنسان عمّا هو بصدده، ويقطعه عنه قهرا «3» ، وهو أبلغ من الحزن. وقال الجاحظ: الجزع خلق مركّب من الخرق والجبن «4» . وقال أيضا: الجزع مستقبح (ومكروه) إذا لم يكن مجديا ولا مفيدا، فأمّا إظهار الجزع لتمحّل حيلة   (1) المنة: أي القوة. (2) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 453) ، والمفردات للراغب (92) ، لسان العرب (8/ 47) ، (ط، بيروت) ، المصباح المنير (1/ 99) ، والصحاح (3/ 1196) ، والنهاية (1/ 269) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف (125) ، وقد ذكر الراغب نفس التعريف إلا أنه لم يذكر لفظ «قهر» ووافقه على ذلك الكفوي في الكليات. انظر المفردات (90) ، والكليات للكفوي (354) . (4) تهذيب الأخلاق للجاحظ (34) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4350 بذلك عند الوقوع في الشّدّة، أو استغاثة مغيث، أو اجتلاب معين فغير مكروه ولا يعدّ نقيصة «1» . أسباب الجزع: ذكر الماورديّ للجزع أسبابا عديدة منها: 1- تذكّر المصاب حتّى لا يتناساه، وتصوّره حتّى لا يعزب عنه، ولا يجد من التّذكار سلوة، ولا يخلط مع التّصوّر تعزية، وقد قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لا تستفزّوا الدّموع بالتّذكّر. وقال الشّاعر: «ولا يبعث الأحزان مثل التّذكّر» . 2- الأسف وشدّة الحسرة فلا يرى من مصابه خلفا، ولا يجد لمفقوده بدلا؛ فيزداد بالأسف ولها، وبالحسرة هلعا. ولذلك قال الله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (الحديد/ 23) . وقال بعض الشّعراء: إذا بليت فثق بالله وارض به ... إنّ الّذي يكشف البلوى هو الله إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ... ما لامريء حيلة فيما قضى الله اليأس يقطع أحيانا بصاحبه ... لا تيأسنّ فإنّ الصّانع الله 3- كثرة الشّكوى، وبثّ الجزع، فقد قيل في قوله تعالى: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (المعارج/ 5) إنّه الصّبر الّذي لا شكوى فيه ولا بثّ. روى أنس بن مالك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما صبر من بثّ» . وحكى كعب الأحبار أنّه مكتوب في التّوراة: من أصابته مصيبة فشكا إلى النّاس، فإنّما يشكو ربّه. وحكي أنّ أعرابيّة دخلت من البادية، فسمعت صراخا في دار فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان، فقالت: ما أراهم إلّا من ربّهم يستغيثون، وبقضائه يتبرّمون، وعن ثوابه يرغبون. وقد قيل في منثور الحكم: من ضاق قلبه اتّسع لسانه. 4- اليأس من جبر مصابه، وطلابه، فيقترن بحزن الحادثة قنوط الإياس، فلا يبقى معهما صبر، ولا يتّسع لهما صدر. وقد قيل: المصيبة بالصّبر أعظم المصيبتين. وقال ابن الرّوميّ: اصبري أيّتها النف ... س فإنّ الصّبر أحجى ربّما خاب رجاء ... وأتى ما ليس يرجى وأنشد بعض أهل العلم: أتحسب أنّ البؤس للحرّ دائم ... ولو دام شيء عدّه النّاس في العجب لقد عرّفتك الحادثات ببؤسها ... وقد أدّبت إن كان ينفعك الأدب ولو طلب الإنسان من صرف دهره ... دوام الّذي يخشى لأعياه ما طلب 5- أن يغرى بملاحظة من حيطت سلامته، وحرست نعمته، حتّى التحف بالأمن والدّعة، واستمتع بالثّروة والسّعة «2» . بين الجزع والفزع والهلع والخوف: الفزع هو انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشّيء المخيف، وهو من جنس الجزع، وذلك مثل الفزع من دخول النّار «3» ، وقد سوّى بعضهم بين الفزع والذّعر «4» ، وذهب آخرون إلى جعله بمعنى   (1) تهذيب الأخلاق (34) . (2) أدب الدنيا والدين (286- 287) . (3) المفردات للراغب 379- 380 (بتصرف) ، وللفزع معنى آخر هو الإغاثة. (4) انظر مقاييس اللغة لابن فارس 4/ 501. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4351 الخوف «1» ، والأرجح ما ذكره الرّاغب من أنّ الفزع ناتج عن الخوف (الشّديد) وليس مساويا له «2» ، أمّا الهلع فهو أشدّ الجزع والضّجر «3» ، وهذه الأمور الأربعة وإن كانت متقاربة في معناها العام، إلّا أنّها مختلفة في الدّرجة والكيفيّة، فأوّل ذلك الخوف، فإن زاد وصاحبه اضطراب وانقباض صار فزعا، فإذا زاد الفزع وأقعد صاحبه عن العمل وأورثه حزنا، أصبح جزعا، فإن زاد الجزع صار هلعا. الفرق بين الجزع ورقة القلب: والفرق بين رقّة القلب والجزع أنّ الجزع ضعف في النّفس وخوف في القلب يمدّه شدّة الطّمع والحرص ويتولّد من ضعف الإيمان بالقدر وإلّا فمتى علم أنّ المقدّر كائن ولا بدّ كان الجزع عناء محضا ومصيبة ثانية. أمّا رقّة القلب فإنّها من الرّحمة وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرقّ النّاس قلبا وأبعدهم من الجزع، فرقّة القلب رأفة ورحمة، وجزعه مرض وضعف، فالجزع حال قلب مريض بالدّنيا قد غشيه دخان النّفس الأمّارة فأخذ بأنفاسه وضيّق عليه مسالك الآخرة وصار في سجن الهوى والنّفس وهو سجن ضيّق الأرجاء مظلم المسلك فانحصار القلب وضيقه يجعله يجزع من أدنى ما يصيبه ولا يحتمله فإذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد وامتلأ من محبّة الله وإجلاله رقّ وصارت فيه الرّأفة والرّحمة فتراه رحيما رفيق القلب بكلّ ذي قربى ومسلم يرحم النّملة في جحرها والطّير في وكره فضلا عن بنيي جنسه فهذا أقرب القلوب من الله تعالى «4» . علاج الجزع والهلع: لقد أوضح القرآن الكريم علاج هذه الأمور القلبيّة في قوله سبحانه إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ فأوضح بجلاء لا ريب فيه أنّ الصلاة تقي صاحبها هذه المشاعر القلبيّة، يقول ابن بطّال: المراد من الآيات الكريمة إثبات خلق الله تعالى للإنسان بأخلاقه من الهلع والصّبر، والمنع والإعطاء، وقد استثنى الله المصلّين الّذين هم على صلاتهم دائمون، لا يضجرون بتكرّرها عليهم «5» . وفي السّنّة المطهّرة ما يفيد تأثير الصّلاة في راحة القلب بها، ويدلّ على ذلك، قوله صلّى الله عليه وسلّم «يا بلال أقم الصّلاة أرحنا بها» . وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا حزبه أمر فزع إلى الصّلاة «6» . وأمّا ذكر الله عزّ وجلّ، قال تعالى أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ «7» . وإضافة إلى الصّلاة والذّكر، فإنّ الرّضا بقضاء الله- عزّ وجلّ- والتّذرّع بالصّبر الجميل ممّا يساعد على التّخلّص من هذه الأمور ونحوها «8» . [للاستزادة: انظر صفات: اليأس- الحزن- الضعف- القنوط- الوهن- القلق- الشك- صغر الهمة- السخط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصبر والمصابرة- الاحتساب- التفاؤل- علو الهمة- قوة الإرادة- الرضا- اليقين] .   (1) انظر الكليات للكفوي 3/ 358. (2) واستعمالهم الفزع في معنى الخوف إنما هو تسامح في العبارة. (3) النهاية لابن الأثير 5/ 269. (4) الروح لابن القيم، ص 226. (5) فتح الباري 13/ 520. (6) انظر الحديث رقم (18) في صفة الصلاة (7) انظر فوائد الذكر. (8) انظر فوائد الرضا والصبر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4352 الآيات الواردة في «الجزع» 1- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) «1» 2- إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) «2» الآيات الواردة في «الجزع» معنى* 3- وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) «3» 4- وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (51) «4» 5- إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) «5»   (1) إبراهيم: 19- 21 مكية (2) المعارج: 19- 23 مكية (3) النمل: 87- 89 مكية (4) سبأ: 51 مكية (5) ص: 22 مكية * ذكرنا هذه الآيات لما ذكره الراغب الاصفهاني من أن الفزع من جنس الجزع، انظر المفردات للراغب ص 379، قلت: عدّه الراغب كذلك لأنّه يسبقه ويؤدي إليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4353 الأحاديث الواردة في ذمّ (الجزع) 1- * (عن عمرو بن تغلب- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بمال، أو سبي، فقسمه، فأعطى رجالا وترك رجالا. فبلغه أنّ الّذين ترك عتبوا، فحمد الله ثمّ أثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد فو الله إنّي لأعطي الرّجل والّذي أدع أحبّ إليّ من الّذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب» ، فو الله ما أحبّ أنّ لي بكلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمر النّعم» ) * «1» . 2- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ الطّفيل ابن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ فأبى ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للّذي ذخر الله للأنصار، فلمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص «2» له فقطع بها براجمه «3» فشخبت «4» يداه حتّى مات فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطّيا يديه فقال ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال: ما لى أراك مغطّيا يديك؟ قال: قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت، فقصّها الطّفيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ وليديه فاغفر» ) * «5» . 3- * (عن محمود بن لبيد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أحبّ الله قوما ابتلاهم. فمن صبر فله الصّبر ومن جزع فله الجزع» ) * «6» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّا كنّا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده جميعا لم تغادر منّا واحدة فأقبلت فاطمة- عليها السّلام- تمشي- ولا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فلمّا رآها رحّب قال: «مرحبا بابنتي ثمّ أجلسها عن يمينه- أو عن شماله- ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا، فلمّا رأى حزنها سارّها الثّانية فإذا هي تضحك. فقلت لها أنا من بين نسائه: خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسّرّ من بيننا ثمّ أنت تبكين؟ فلمّا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألتها: عمّ سارّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه. فلمّا توفّي قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحقّ لما أخبرتني. قالت: أمّا الآن فنعم، فأخبرتني قالت: أمّا حين سارّني في الأمر الأوّل فإنّه أخبرني أنّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلّ سنة مرّة، وأنّه قد عارضني به العام مرّتين، ولا أرى الأجل إلّا قد   (1) البخاري- الفتح 2 (923) (2) مشاقص: جمع مشقص وهو سهم فيه نصل عريض. (3) براجمه: هي مفاصل الأصابع. (4) فشخبت يداه: سال دمها، وقيل: سال بقوة. (5) مسلم (116) . (6) قال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 283) واللفظ له رواه أحمد ورواته ثقات، ومحمود بن لبيد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم واختلف في سماعه منه. وقال الهيثمي في المجمع (2/ 291) : رواه أحمد ورواته ثقات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4354 اقترب، فاتّقي الله واصبري، فإنّي نعم السّلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت. فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين، أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟» ) * «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمّه: «قل: لا إله إلّا الله أشهد لك بها يوم القيامة» قال: لولا أن تعيّرني قريش. يقولون: إنّما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك. فأنزل الله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (القصص/ 56) » ) * «2» . 6- * (عن صهيب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى العصر همس- والهمس في بعض قولهم تحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم- فقيل له: إنّك يا رسول الله إذا صلّيت العصر همست قال: إنّ نبيّا من الأنبياء كان أعجب بأمّته فقال: من يقوم لهؤلاء؟ فأوحى الله إليه أن خيّرهم بين أن أنتقم منهم وبين أن أسلّط عليهم عدوّهم، فاختار النّقمة فسلّط عليهم الموت فمات منهم في يوم سبعون ألفا. قال: وكان إذا حدّث بهذا الحديث حدّث بهذا الحديث الآخر. قال: كان ملك من الملوك وكان لذلك الملك كاهن يكهن له، فقال الكاهن: انظروا لي غلاما فهما- أو قال فطنا لقنا- فأعلّمه علمي هذا ... الحديث، وفيه: فقال الغلام للملك: إنّك لا تقتلني حتّى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني: باسم الله ربّ هذا الغلام. قال: فأمر به فصلب ثمّ رماه، فقال باسم الله ربّ هذا الغلام. قال: فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثمّ مات، فقال النّاس: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد، فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام. قال: فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلّهم قد خالفوك. قال: فخذّ أخدودا ثمّ ألقى فيها الحطب والنّار، ثمّ جمع النّاس، فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النّار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود. قال: يقول الله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ حتّى بلغ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (البروج/ 4- 8) » قال: فأمّا الغلام فإنّه دفن. فيذكر أنّه أخرج في زمن عمر بن الخطّاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل) * «3» 7- * (عن جندب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الّذي كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع «4» فأخذ سكّينا فحزّ «5» بها يده، فما رقأ الدّم «6» حتّى مات. قال الله تعالى (بادرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنّة» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6285) واللفظ له. ومسلم (2450) . (2) البخاري، الفتح 8 (4772) . ومسلم (25) واللفظ له (3) مسلم (3005) . والترمذي (3340) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب. (4) فجزع: أي لم يصبر على ألم ذلك الجرح. (5) حز: أي قطع. (6) فما رقأ الدم: أي لم ينقطع. (7) البخاري- الفتح 6 (3463) واللفظ له. ومسلم (113) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4355 الأحاديث الواردة في ذمّ (الجزع) معنى 8- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا، فأتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشدّ النّاس على المشركين حتّى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتّى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرّجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسرعا فقال: أشهد أنّك رسول الله. فقال: وما ذاك؟ قال قلت لفلان من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إليه- وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين- فعرفت أنّه لا يموت على ذلك. فلمّا جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «إنّ العبد ليعمل عمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» ) * «1» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام: هذا من أهل النّار. فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل قتالا شديدا فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الّذي قلت إنّه من أهل النّار فإنّه قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى النّار. قال: فكاد بعض النّاس أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنّه لم يمت، ولكنّ به جراحا شديدة، فلمّا كان من اللّيل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه. فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال: الله أكبر. أشهد أنّي عبد الله ورسوله. ثمّ أمر بلالا فنادى في النّاس: إنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة وإنّ الله ليؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر» ) * «2» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الّذي يخنق نفسه يخنقها في النّار «3» والّذي يطعنها يطعنها في النّار» ) * «4» . 11- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: مرض رجل فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّه قد مات. قال: ما يدريك؟ قال: أنا رأيته. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّه لم يمت ... الحديث وفيه: ثمّ انطلق الرّجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص معه فانطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قد مات. فقال: ما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه بمشاقص معه. قال: أنت رأيته؟ قال: نعم قال: إذا لا أصلّي عليه» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6607) واللفظ له. ومسلم (112) . (2) البخاري- الفتح 6 (3062) واللفظ له. ومسلم (111) . (3) واضح أن في الكلام إيجازا بالحذف والتقدير: الذي يخنق نفسه، أي حذف الموصول وبقيت صلته. (4) البخاري- الفتح 3 (1365) . (5) أبو داود (3185) . وهو عند مسلم مختصرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4356 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الجزع) 1- * (لمّا طعن عمر جعل يألم. فقال له ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وكأنّه يجزّعه- «1» : يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأحسنت صحبته، ثمّ فارقته وهو عنك راض، ثمّ صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثمّ فارقته وهو عنك راض، ثمّ صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنّهم وهم عنك راضون. قال: أمّا ما ذكرت من صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورضاه فإنّما ذاك منّ من الله تعالى منّ به عليّ. وأمّا ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنّما ذاك منّ من الله جلّ ذكره- منّ به عليّ، وأمّا ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك. والله لو أنّ لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله- عزّ وجلّ- قبل أن أراه» ) * «2» 2- * (قال الشّاعر: لا تجزعنّ لخطب ما به حيل ... تغني وإلّا فلا تعجز عن الحيل وقدر شكر الفتى لله نعمته ... كقدر صبر الفتى للحادث الجلل) * «3» . 3- قال ابن كثير عند قوله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً (يونس/ 12) . يخبر تعالى عن الإنسان وضجره وقلقه إذا مسّه الضّرّ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (فصلت/ 51) أي كثير، وهما في معنى واحد، وذلك لأنّه إذا أصابته شدّة قلق لها، وجزع منها، وأكثر الدّعاء عند ذلك فدعا الله في كشفها ورفعها عنه ... ) * «4» . من مضار (الجزع) (1) سوء الظّنّ بالله وعدم الثّقة به سبحانه. (2) انتفاء كمال الإيمان. (3) عدم الرّضا بالمقدور وعجزه عن فعل المأمور. (4) استحقاق العذاب في الآخرة. (5) قلق النّفس واضطرابها. (6) الجزع يشقى به جلساؤه ويملّه أقرباؤه.   (1) يجزعه: أي يزيل عنه الجزع. (2) البخاري- الفتح 7 (3692) . (3) هامش الترغيب والترهيب للمنذري (4/ 53) . (4) تفسير ابن كثير (2/ 410) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4357 الجفاء الجفاء لغة: الجفاء بالمدّ نقيض البرّ، وهو مأخوذ من مادّة (جفو) الّتي تدلّ على نبوّ الشّيء عن الشّيء، يقول ابن فارس: «الجيم والفاء والحرف المعتلّ يدلّ على أصل واحد: نبوّ الشّيء عن الشّيء، من ذلك جفوت الرّجل أجفوه، وهو ظاهر الجفوة، أي الجفاء» «1» . ويقول الجوهريّ: وقد جفوت الرّجل أجفوه جفاء فهو مجفوّ، ولا تقل جفيت، ويقول الفيّوميّ: وجفوت الرّجل أجفوه، أعرضت عنه، وهو مأخوذ من جفاء السّيل وهو ما نفاه السّيل، وقد يكون مع بغض، وجفا الثّوب يجفو إذا غلظ فهو جاف، ومنه جفاء البدو، وهو غلظتهم، وفظاظتهم «2» . ويقول ابن منظور: جفا الشّيء يجفو جفا، وتجافى: لم يلزم مكانه كالسّرج يجفو عن الظّهر، وكالجنب يجفو عن الفراش. والجفاء: البعد. وأجفيته أنا: أنزلته عن مكانه. وجفا جنبه عن الفراش وتجافى: نبا عنه ولم يطمئنّ عليه. وفي التّنزيل: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ (السجدة/ 16) . قيل في تفسير هذه الآية: إنّهم كانوا يصلّون في اللّيل. وفي الحديث: أنّه كان صلّى الله عليه وسلّم يجافي عضديه عن جنبيه في السّجود، أي يباعدهما، وأجفاه إذا أبعده. ومنه الحديث: «اقرؤوا القرآن ولا تجفوا عنه» . أي تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته، وفي الحديث أيضا: «غير الغالي فيه والجافي» . وفي الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه- الآيات/ الأحاديث/ الآثار 8/ 21/ 6 قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النّار» . وفي الحديث الآخر: «من بدا جفا» ، أي من سكن البادية غلظ طبعه لقلّة مخالطة النّاس. والجفاء: غلظ الطّبع. قال اللّيث: الجفوة الزم في ترك الصّلة من الجفاء. والجفاء يكون في الخلقة والخلق. يقال رجل جافي الخلقة وجافي الخلق إذا كان كزّا غليظ العشرة والخرق في المعاملة والتّحامل عند الغضب والسّورة على الجليس. وقال هند بن أبي هالة وفي صفته صلّى الله عليه وسلّم: ليس بالجافي المهين، أي ليس بالغليظ الخلقة ولا الطّبع، أو ليس بالّذي يجفو أصحابه، ويقال: فلان ظاهر الجفوة بالكسر أي ظاهر الجفاء، ورجل فيه جفوة وجفوة، وإنّه لبيّن الجفوة بالكسر فإذا كان هو المجفوّ قيل: به جفوة «3» . واصطلاحا: قال المناويّ: الجفاء (بفتح الجيم) الغلظ في العشرة والخرق في المعاملة وترك الرّفق في الأمور «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الجحود- الحمق- سوء المعاملة- الطيش- العنف- القسوة- العبوس- سوء الظن- عقوق الوالدين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرفق- البر- الرحمة- صلة الرحم- العطف- الحلم- حسن المعاملة- حسن العشرة- حسن الظن- بر الوالدين] .   (1) الصحاح (1/ 465) . (2) المصباح المنير (1/ 304) . (3) لسان العرب (14/ 147- 149) . (4) التوقيف (127) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4358 الآيات الواردة في «الجفاء» معنى 1- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) «1» 2- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «2» 3- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) «3» 4- فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) «4» 5- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) «5» 6- أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) «6» 7- أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «7» 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) «8»   (1) البقرة: 74 مدنية (2) آل عمران: 159 مدنية (3) المائدة: 13 مدنية (4) الأنعام: 43 مكية (5) الحج: 52- 53 مكية (6) الزمر: 22 مكية (7) الحديد: 16 مدنية (8) التحريم: 6 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4359 الأحاديث الواردة في ذمّ (الجفاء) 1- * (عن أبي تميمة الهجيميّ- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو محتب بشملة له وقد وقع هدبها على قدميه، فقلت: أيّكم محمّد أو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأومأ بيده إلى نفسه. فقلت: يا رسول الله، إنّي من أهل البادية وفيّ جفاؤهم فأوصني. فقال: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإنّه يكون لك أجره وعليه وزره، وإيّاك وإسبال الإزار؛ فإنّ إسبال الإزار من المخيلة، وإنّ الله عزّ وجلّ- لا يحبّ المخيلة، ولا تسبّنّ أحدا» فما سببت بعده أحدا ولا شاة ولا بعيرا) * «1» . 2- * (عن عبد الرّحمن بن شبل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اقرؤوا القرآن، فإذا قرأتموه فلا تستكبروا به، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا «2» عنه، ولا تأكلوا به» وقال: «إنّ النّساء هم أصحاب النّار» فقال رجل: يا رسول الله، أليس أمّهاتنا وأخواتنا «3» وبناتنا فذكر كفرهنّ لحقّ الزّوج وتضييعهنّ لحقّه) * «4» . 3- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من إجلال الله إكرام ذي الشّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السّلطان المقسط» ) * «5» . 4- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «الإيمان هاهنا- وأشار بيده إلى اليمن- والجفاء وغلظ القلوب في الفدّادين «6» عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشّيطان ربيعة ومضر» ) * «7» . 5- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان. والإيمان في الجنّة. والبذاء من الجفاء «8» والجفاء في النّار» ) * «9» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) أحمد (5/ 64) واللفظ له، وأبو داود (4084) وقال الألباني (2/ 770) : صحيح والترمذي (2692) وقال محقق جامع الأصول (11/ 746) : إسناده صحيح. (2) أي تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته. (3) في الكلام إيجاز بالحذف والتقدير أليس النساء أمهاتنا، ويؤيده رواية أحمد: «أولسن أمهاتنا؟» . (4) أحمد (3/ 428) ، والهيثمي في المجمع (4/ 314) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الأوسط وله طرق رواها أحمد وغيره، ورجاله ثقات. والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (260) وصححه. (5) أبو داود (4843) وقال الألباني (3/ 918) : حسن. (6) الفدادين: بالتشديد هم المكثرون من الإبل. (7) البخاري- الفتح 7 (4387) . ومسلم (53) نحوه. (8) الجفاء: هنا، بمعنى ترك الصلة والبر. (9) ابن ماجة (4184) واللفظ له. والترمذي (2009) وقال: حديث حسن صحيح- صحيح الجامع الصغير (3194) . وفي الزوائد: رواه ابن حبان في صحيحه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4360 كان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم يوما بارزا للنّاس فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر» . قال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة وتؤتي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» قال: يا رسول الله، ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه فإنّك إن لا تراه فإنّه يراك» فقال: يا رسول الله، متى السّاعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، ولكن سأحدّثك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة ربّها فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة الجفاة رؤوس النّاس فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاة البهم «1» في البنيان فذلك من أشراطها في خمس لا يعلمهنّ إلّا الله ثمّ تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان/ 34) . ثمّ أدبر الرّجل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ردّوا عليّ الرّجل» فأخذوا ليردّوه فلم يروا شيئا. فقال: «هذا جبريل- عليه السّلام- جاء ليعلّم النّاس دينهم» ) * «2» . 7- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من بدا جفا «3» » ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الجفاء) معنى 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم» ) * «5» . 9- * (عن عوف بن مالك بن الطّفيل- هو ابن الحارث وهو ابن أخي عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأمّها «أنّ عائشة حدّثت؛ أنّ عبد الله بن الزّبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهينّ عائشة أو لأحجرنّ عليها. فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم. قالت: هو لله عليّ نذر أن لا أكلّم ابن الزّبير أبدا. فاستشفع ابن الزّبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا. والله لا أشفّع فيه أبدا، ولا أتحنّث إلى نذري. فلمّا طال ذلك على ابن الزّبير كلّم المسور بن مخرمة وعبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث- وهما من بني زهرة- وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة؛ فإنّها لا يحلّ لها أن تنذر قطيعتي. فأقبل به المسور   (1) البهم- بفتح الباء وسكون الهاء: الصغير من أولاد الضأن والمعز وقال ثعلب: البهم صغار المعز وهذا التعبير كناية عن ثراء أشد الناس فقرا. (2) أحمد (2/ 426) وهذا لفظه، والبخاري- الفتح 8 (4777) . وهو عند مسلم (9) . (3) ومعناه: من خرج إلى البادية وسكنها غلظ طبعه. (4) أحمد (2/ 371) واللفظ له. والترمذي (2256) وقال: حديث حسن صحيح غريب. والهيثمي في المجمع (5/ 254) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. (5) البخاري- الفتح 8 (4523) واللفظ له. ومسلم (2668) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4361 وعبد الرّحمن مشتملين بأرديتهما حتّى استأذنا على عائشة فقالا: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلّنا؟ قالت: نعم. ادخلوا كلّكم. ولا تعلم أنّ معهما ابن الزّبير فلمّا دخلوا دخل ابن الزّبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرّحمن يناشدانها إلّا ما كلّمته وقبلت منه، ويقولان: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عمّا قد علمت من الهجرة، فإنّه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلمّا أكثروا على عائشة من التّذكرة والتّحريج طفقت تذكّرهما وتبكي وتقول: إنّي نذرت والنّذر شديد. فلم يزالا بها حتّى كلّمت ابن الزّبير. واعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة. وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتّى تبلّ دموعها خمارها) * «1» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه. وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «2» . 11- * (عن محمّد بن جبير بن مطعم يحدّث أنّه: بلغ معاوية وهم عنده في وفد من قريش أنّ عبد الله بن عمرو يحدّث أنّه سيكون ملك من قحطان، فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد فإنّه بلغني أنّ رجالا منكم يحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأولئك جهّالكم، فإيّاكم والأمانيّ الّتي تضلّ أهلها، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلّا كبّه الله في النّار على وجهه ما أقاموا الدّين» ) * «3» . تابعه نعيم عن ابن المبارك عن معمر عن الزّهريّ عن محمّد بن جبير. 12- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء. فكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ قال: «ما أنا بقارىء» قال: «فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارىء. قال: فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارىء فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني «4»   (1) البخاري- الفتح 10 (6073، 6074، 6075) . (2) البخاري- الفتح 11 (6502) (3) البخاري- الفتح 13 (7139) . (4) أرسلني: أي أطلقني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4362 فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: «زمّلوني زمّلوني» . فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا. والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «1» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «2» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي) * «3» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا، أنظروا هذين حتّى يصطلحا، أنظروا هذين حتّى يصطلحا» ) * «4» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية، وإذا كنت عليّ غضبى» ، قالت: فقلت: ومن أين تعرف ذلك؟ فقال: «أمّا إذا كنت عنّي راضية فإنّك تقولين: لا. وربّ محمّد، وإذا كنت غضبى قلت لا وربّ إبراهيم» ، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلّا اسمك» ) * «5» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تهجر امرأة فراش زوجها إلّا لعنتها ملائكة الله- عزّ وجلّ-» ) * «6» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تهجّروا «7» ، ولا تدابروا، ولا   (1) جذعا: أي شابا قويا. وجذعا بالنصب على أنه خبر كان المحذوفة مع اسمها. وفي رواية «جذع» على أنه خبر ليت. ولا حذف عندئذ. (2) ثم لم ينشب: أي لم يلبث. (3) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. ومسلم (160) (4) مسلم (2565) (5) البخاري- الفتح 9 (5228) واللفظ له. ومسلم 2439) (6) أحمد (2/ 348) وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 238) : رواه البخاري ومسلم بلفظ قريب منه. ورواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ولفظه: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، وفي رواية حتى ترجع» . (7) لا تهجروا: أي لا تتكلموا بالهجر وهو الكلام القبيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4363 تحسّسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «1» . 17- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام) «2» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النّار» ) * «3» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يكون لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة، فإذا لقيه سلّم عليه ثلاث مرار كلّ ذلك لا يردّ عليه فقد باء بإثمه» ) * «4» . 20- * (عن أبي خراش السّلميّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه» ) * «5» . 21- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الجفاء) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إنّ من الجفاء أن تبول وأنت قائم» ) * «7» . 2- * (عن عبد الرّحمن بن أبزى قال: كان داود عليه السّلام- يقول: «لا تعدنّ أخاك شيئا لا تنجزه له، فإنّ ذلك يورث بينك وبينه عداوة» ) * «8» . 3- * (قال الثّوريّ- رحمه الله-: «لا تعد أخاك وتخلفه فتعود المحبّة بغضة» ) * «9» . 4- * (قال ابن حزم: «الصّبر على الجفاء ينقسم ثلاثة أقسام: فصبر على من يقدر عليك ولا تقدر عليه، وصبر على من تقدر عليه ولا يقدر عليك، وصبر على من لا تقدر عليه ولا يقدر عليك. فالأوّل ذلّ ومهانة وليس من الفضائل، والثّاني فضل وبرّ وهو   (1) مسلم (2563) . (2) البخاري- الفتح 10 (6077) واللفظ له. مسلم (2560) (3) أبو داود (4914) وقال الألباني فى صحيح سنن أبي داود (3/ 928) : صحيح. (4) أبو داود (4913) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 928) : حسن. (5) أبو داود (4915) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 928) : صحيح. وصححه الحاكم (4/ 163) ووافقه الذهبي. (6) أحمد (5/ 335) واللفظ له، والهيثمي في المجمع في موضعين (8/ 87، 10/ 273) . قال في الآخر: رواه أحمد والطبراني وإسناده جيد. وقال أيضا: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في سلسلة الصحيحة (1/ 711) : هو صحيح على شرط مسلم. (7) الترمذي (1/ 28) . (8) مكارم الأخلاق: (1/ 207) برقم (192) . (9) آداب العشرة (14) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4364 الحلم على الحقيقة وهو الّذي يوصف به الفضلاء، والثّالث: فيقسم قسمين: إمّا أن يكون الجفاء ممّن لم يقع منه إلّا على سبيل الغلط ويعلم قبح ما أتى به ويندم عليه. فالصّبر عليه فرض وفضل. وأمّا من كان لا يدري مقدار نفسه ويظنّ أنّ لها حقّا يستطيل به فلا يندم على ما سلف منه، فالصّبر عليه ذلّ للصّابر وإفساد للمصبور عليه، والمعارضة له سخف، والصّواب إعلامه بأنّه كان ممكنا أن ينتصر منه، وأنّه إنّما ترك ذلك استرذالا له فقط» ) * «1» . 5- * (عن سعيد بن عبد الرّحمن الزّبيديّ، يقول: «يعجبني من القرّاء كلّ سهل طلق مضحاك، فأمّا من تلقاه ببشر ويلقاك بضرس «2» يمنّ عليك بعمله فلا كثّر الله في النّاس أمثال هؤلاء» ) * «3» . 6- * (كتب عالم إلى من هو مثله: «اكتب لي بشيء ينفعني في عمري» فكتب إليه: «استوحش من لا إخوان له، وفرّط المقصّر في طلبهم، وأشدّ تفريطا من ظفر بواحد منهم فضيّعه» ) * «4» . من مضار (الجفاء) (1) خلق الجفاء من الغلظة، والغلظة يبغضها الله عزّ وجلّ- والملائكة والنّاس أجمعون. (2) الجفاء قد يكون طبعا وقد يكون تطبّعا وكلاهما سيّء، والمؤمن الحقّ يتدارك بالتّأسّي الحسن. (3) الجفوة بين الأحبّة فجوة للشّيطان فليحذروا دخوله بينهم. (4) الجافي يفرّ منه إخوانه، ويبتعدون عنه فلا يجد نفسه إلّا وحده، وعندئذ يسهل وقوعه في مصيدة الشّيطان. (5) مظهر من مظاهر سوء الخلق. (6) يورث التّفرّق والوحشة بين النّاس.   (1) كتاب مداواة النفوس (2120) . (2) ضرس: بمعنى شرس. (3) ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان (196) (4) آداب العشرة (19) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4365 الجهل الجهل لغة: الجهل مصدر قولهم جهل يجهل، وهو مأخوذ من مادّة (ج هـ ل) الّتي تدلّ على معنيين، يقول ابن فارس «الجيم والهاء واللّام» أصلان: أحدهما خلاف العلم، والآخر: الخفّة وخلاف الطّمأنينة، فالأوّل الجهل نقيض العلم، ويقال للمفازة الّتي لا علم بها مجهل، والثّاني: قولهم للخشبة الّتي يحرّك بها الجمر مجهل، ويقال: استجهلت الرّيح الغصن إذا حرّكته فاضطرب «1» . وتجاهل، أي أرى من نفسه ذلك، وليس به، واستجهله: عدّه جاهلا، والمجهل: المفازة لا أعلام فيها، يقال: ركبتها على مجهولها «2» . ويقول الرّاغب: «والجاهل تارة يذكر على سبيل الذّمّ وهو الأكثر، وتارة لا على سبيل الذّمّ نحو يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ (البقرة/ 273) أي من لا يعرف حالهم وليس يعني المتخصّص بالجهل المذموم، والمجهل: الأمر والأرض والخصلة الّتي تحمل الإنسان على الاعتقاد بالشّيء خلاف ما هو عليه «3» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 23/ 29/ 52 وجهل على غيره سفه وأخطأ، وجهل الحقّ أضاعه فهو جاهل وجهول «4» . وقال ابن منظور: الجهل نقيض العلم، والجهل: ضدّ الخبرة، يقال: هو يجهل ذلك أي لا يعرفه، ويقال: مثلي لا يجهل مثلك، وقد جهله فلان جهلا وجهالة، وجهل عليه وتجاهل: أظهر الجهل واستجهله: عدّه جاهلا واستخفّه، والتّجهيل: أن تنسبه إلى الجهل، وأجهلته أي جعلته جاهلا. الجهالة: أن تفعل فعلا بغير العلم. والمجهلة: ما يحملك على الجهل. وفي الحديث: «الولد مبخلة مجبنة مجهلة» : أي إنّ الأبناء يحملون الآباء على الجهل بملاعبتهم إيّاهم حفظا لقلوبهم. ويقال: إنّ من العلم جهلا: معناه أن يتعلّم مالا يحتاج إليه كالنّجوم وعلوم الأوائل، ويدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن والسّنّة. وقيل: أن يتكلّف العالم إلى علم مالا يعلمه فيجهّله ذلك. والجاهليّة: زمن الفترة قبل الإسلام، وقالوا الجاهليّة الجهلاء، فبالغوا، والثّانية توكيد للأولى، اشتقّ له من اسمه ما يؤكّد به كما يقال: وتد واتد، وليلة ليلاء، ويوم أيوم، وفي الحديث: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة» . والمراد:   (1) المقاييس (1/ 489) . (2) الصحاح (4/ 1664) . (3) المفردات (100) . (4) المصباح المنير (1/ 113) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4366 الحالة الّتي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله سبحانه، ورسوله وشرائع الدّين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتّجبّر وغير ذلك «1» . الجهل اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الجهل: هو اعتقاد الشّيء على خلاف ما هو عليه، واعترضوا عليه بأنّ الجهل قد يكون بالمعدوم، وهو ليس بشيء، والجواب عنه أنّه شيء في الذّهن «2» . وقال المناويّ: الجهل: هو التّقدّم في الأمور المنبهمة بغير علم «3» . وقال ابن نجيم: حقيقة الجهل: عدم العلم بما من شأنه أن يكون معلوما فإن قارن اعتقاد النّقيض، أي الشّعور بالشّيء على خلاف ما هو به فهو الجهل المركّب، فإن عدم الشّعور بذلك فهو الجهل البسيط «4» . أنواع الجهل: قال الجرجانيّ: الجهل على ضربين: الأوّل: الجهل البسيط: هو عدم العلم عمّا من شأنه أن يكون معلوما. الآخر: الجهل المركّب: هو عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع «5» . وقال الرّاغب: الجهل على ثلاثة أضرب: الأوّل: هو خلوّ النّفس من العلم. الثّاني: اعتقاد الشّيء بخلاف ما هو عليه. الثّالث: فعل الشّيء بخلاف ما حقّه أن يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا. كمن يترك الصّلاة متعمّدا، وعلى ذلك قوله تعالى: قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (البقرة/ 67) فجعل فعل الهزو جهلا «6» . أنواع الجهّال وكيفية التعامل معهم: قال الرّاغب: الإنسان في الجهل على أربعة منازل: الأوّل: من لا يعتقد اعتقادا لا صالحا ولا طالحا، فأمره في إرشاده سهل إذا كان له طبع سليم، فإنّه كلوح أبيض لم يشغله نقش، وكأرض بيضاء لم يلق فيها بذر، ويقال له باعتبار العلم النّظريّ: غفل، وباعتبار العلم العمليّ: غمر، ويقال له: سليم الصّدر. والثّانيّ: معتقد لرأي فاسد، لكنّه لم ينشأ عليه، ولم يتربّ به، واستنزاله عنه سهل، وإن كان أصعب من الأوّل، فإنّه كلوح يحتاج فيه إلى محو وكتابة، وكأرض يحتاج فيها إلى تنظيف، ويقال له: غاو وضالّ. والثّالث: معتقد لرأي فاسد قد ران على قلبه، وتراءت له صحّته، فركن إليه لجهله وضعف نحيزته، ممّن وصفهم الله تعالى بقوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ   (1) مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 489، والمفردات للراغب ص 101، لسان العرب (2/ 713، 714) بتصرف. وانظر الصحاح (4/ 1663، 1664) . ومختار الصحاح (115) . (2) التعريفات للجرجاني (80) . (3) التوقيف (123) . (4) الأشباه والنظائر لابن نجيم (303) بواسطة رفع الحرج لصالح بن حميد (229) . (5) التعريفات (80) . (6) المفردات (102) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4367 الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (الأنفال/ 22) فهذا ذو داء أعيا الأطبّاء، فما كلّ داء له دواء، فلا سبيل إلى تنبّهه وتهذيبه. كما قيل لحكيم يعظ شيخا جاهلا: ما تصنع؟ فقال: أغسل مسحا لعلّه يبيضّ. والرّابع: معتقد اعتقادا فاسدا عرف فساده، أو تمكّن من معرفته، لكنّه اكتسب دنيّة لرأسه، وكرسيّا لرئاسته، فهو يحامي عليها، فيجادل بالباطل ليدحض به الحقّ، ويذمّ أهل العلم ليجرّ إلى نفسه الخلق، ويقال له: فاسق ومنافق، وهو من الموصوفين بالاستكبار والتّكبّر في نحو قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ (المنافقون/ 5) فنبّه تعالى أنّهم ينكرون ما يقولونه لمعرفتهم ببطلانه، لكن يستكبرون عن التزام الحقّ وذلك حال إبليس فيما دعي إليه من السّجود لآدم عليه السّلام «1» . عقوبة أهل الجهل في الحال والمآل: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: أهل الجهل والظّلم الّذين جمعوا بين الجهل بما جاء به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والظّلم باتّباع أهوائهم الّذين قال الله تعالى فيهم: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (النجم/ 23) وهؤلاء قسمان: أحدهما: الّذين يحسبون أنّهم على علم وهدى وهم أهل الجهل والضّلال، فهؤلاء أهل الجهل المركّب الّذين يجهلون الحقّ ويعادونه ويعادون أهله، وينصرون الباطل ويوالون أهله، وهم يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (المجادلة/ 18) ، فهم لاعتقادهم الشّيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السّراب الّذي يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً (النور/ 39) وهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السّراب الّذي يكون صاحبه أحوج ما هو إليه، ولم يقتصر على مجرّد الخيبة والحرمان كما هو الحال فيمن أمّ السّراب فلم يجده ماء، بل انضاف إلى ذلك أنّه وجد عنده أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين سبحانه وتعالى- فحسب له ما عنده من العلم والعمل فوفّاه إيّاه بمثاقيل الذّرّ، وقدم إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه، فجعله هباء منثورا؛ إذ لم يكن خالصا لوجهه ولا على سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وصارت تلك الشّبهات الباطلة الّتي كان يظنّها علوما نافعة كذلك هباءا منثورا، فصارت أعماله وعلومه (هكذا) . والقسم الثّاني من هذا الصّنف: أصحاب الظّلمات وهم المنغمسون في الجهل بحيث قد أحاط بهم من كلّ وجه، فهم بمنزلة الأنعام بل هم أضلّ سبيلا، فهؤلاء أعمالهم الّتي عملوها على غير بصيرة، بل بمجرّد التّقليد واتّباع الآباء من غير نور من الله تعالى، كظلمات عديدة وهي ظلمة الجهل، وظلمة الكفر، وظلمة الظّلم واتّباع الهوى، وظلمة الشّكّ والرّيب، وظلمة الإعراض عن الحقّ الّذي بعث الله تعالى به رسله- صلوات الله وسلامه عليهم-،   (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (131، 132) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4368 والنّور الّذي أنزله معهم ليخرجوا به النّاس من الظّلمات إلى النّور، فإنّ المعرض عمّا بعث الله تعالى به محمّدا صلّى الله عليه وسلّم من الهدى ودين الحقّ يتقلّب في خمس ظلمات: قوله ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظّلمة، وقلبه مظلم، ووجهه مظلم، وكلامه مظلم، وحاله مظلم؛ وإذا قابلت بصيرته الخفّاشيّة ما بعث الله به محمّدا صلّى الله عليه وسلّم من النّور جدّ في الهرب منه، وكاد نوره يخطف بصره، فهرب إلى ظلمات الآراء الّتي هي به أنسب وأولى كما قيل: خفافيش أعشاها النّهار بضوئه ... ووافقها قطع من اللّيل مظلم فإذا جاء إلى زبالة الأفكار ونخالة الأذهان، جال ومال، وأبدى وأعاد، وقعقع وفرقع، فإذا طلع نور الوحي وشمس الرّسالة انحجز في حجرة الحشرات «1» . [للاستزادة: انظر صفات: البلادة والغباء- الحمق- السفاهة- الضلال- الطيش- الغفلة- القلق- اتباع الهوى- انتهاك الحرمات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العلم- الفطنة الفقه- معرفة الله عز وجل- اليقظة- اليقين- الهدى- تعظيم الحرمات] .   (1) اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية (15- 17) باختصار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4369 الآيات الواردة في «الجهل» الجهل بمعنى خلو النفس من العلم: 1- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) «2» الجهل بمعنى اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه: 3- لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) «3» 4- إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) «4» 5- وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) «5»   (1) النحل: 118- 119 مكية (2) الحجرات: 6 مدنية (3) البقرة: 272- 273 مدنية (4) آل عمران: 153- 154 مدنية (5) الأنعام: 111 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4370 6- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (139) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (140) «1» 7- خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) «2» 8- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) «3» 9- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «4» 10- قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)   (1) الأعراف: 138- 140 مكية (2) الأعراف: 199- 202 مكية (3) هود: 25- 29 مكية (4) الأحزاب: 72- 73 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4371 وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) «1» 11- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) «2» الجهل بمعنى فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل: 12- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) «3» 13- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) «4» 14- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)   (1) الزمر: 64- 67 مكية (2) الأحقاف: 21- 25 مكية (3) البقرة: 67 مدنية (4) النساء: 15- 18 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4372 وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «1» 15- وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35) «2» 16- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) «3» 17- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) «4» 18- وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) «5»   (1) المائدة: 48- 50 مدنية (2) الأنعام: 34- 35 مكية (3) الأنعام: 54- 55 مكية (4) هود: 45- 47 مكية (5) يوسف: 30- 34 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4373 19- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) «1» 20- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) «2» 21- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) «3» 22- وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «4» 23- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32)   (1) يوسف: 88- 90 مكية (2) الفرقان: 63- 68 مكية (3) النمل: 54- 58 مكية (4) القصص: 51- 55 مكية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4374 وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «1»   (1) الأحزاب: 32- 34 مدنية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4375 الأحاديث الواردة في ذمّ (الجهل) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع في أمّتي من أمور الجاهليّة لن يدعهنّ النّاس: النّياحة، والطّعن في الأحساب، والعدوى (جرب بعير فأجرب مائة بعير. من أجرب البعير الأوّل؟) والأنواء (مطرنا بنوء كذا وكذا) » ) * «1» . 2- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة لا يتركونهنّ، الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة» ) * «2» . 3- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «3» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق؛ ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم؛ وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «4» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا؛ والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه؛ ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير الفحّاش» ) * «5» . 4- * (عن عبد الله بن مسعود وأبي موسى- رضي الله عنهما- قالا: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ بين يدي السّاعة لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل» ) * «6» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت،   (1) الترمذي (1001) وقال: حديث حسن، وأخرجه أحمد (2/ 455، 531) . (2) مسلم (934) . (3) إذا يثلغوا رأسى: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز أي يكسر. (4) لا زبر له: أي لا عقل له. (5) مسلم (2865) . (6) البخاري- الفتح 13 (7062) واللفظ له. ومسلم 4 (2672) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4376 فكأنّما تسفّهم الملّ ولا يزال معك من الله ظهير «1» عليهم ما دمت على ذلك» ) * «2» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- قد أذهب عنكم عبّيّة الجاهليّة «3» وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ. أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام إنّما هم فحم من فحم جهنّم أو ليكوننّ أهون على الله من الجعلان الّتي تدفع بأنفها النّتن» ) * «4» . 7- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالم اتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» ) * «5» . 8- * (عن الأسود بن خلف- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة» ) * «6» . 9- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إمّا قال بضعا وإمّا قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي قال: فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا. قال: فوافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا. إلّا لمن شهد معه، إلّا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم. قال: فكان ناس من النّاس يقولون لنا يعني لأهل السّفينة: نحن سبقناكم بالهجرة. قال: فدخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة: كذبت يا عمر.   (1) المل: الرماد الحار، والظهير: المعين. (2) مسلم (2558) . (3) عبية الجاهلية: يعني الكبر. «النهاية» (3/ 169) . (4) أبو داود (5116) واللفظ له وقال المنذري في المختصر: أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح (8/ 16) . والترمذي (3955) وقال: حسن، وقال الألباني: حسن (4269) - صحيح أبي داود. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 618) : إسناده حسن. (5) البخاري- الفتح 1 (100) واللفظ له. مسلم (2673) . (6) صحيح الجامع (1990) واللفظ له. وعزاه للحاكم، والطبراني، من حديث خولة بنت حكيم وبعضه في المشكاة من حديث عائشة (3/ 1329) رقم (4692) وقال: إسناده جيد، وله شواهد من حديث خولة بنت حكيم عند الحاكم، ومن حديث يعلى عند ابن ماجه وأحمد بأسانيد صحيحة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4377 كلّا. والله كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنّا في دار- أو في أرض- البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله ... الحديث) * «1» . 10- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: جاء رجل أعرابيّ جاف جريء فقال: يا رسول الله، أين الهجرة إليك حيثما كنت، أم إلى أرض معلومة، أو لقوم خاصّة، أم إذا متّ انقطعت؟ قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة، ثمّ قال: «أين السّائل عن الهجرة؟» قال: ها أنا ذا يا رسول الله. قال: «إذا أقمت الصّلاة، وآتيت الزّكاة فأنت مهاجر وإن متّ بالحضرمة» قال: يعني أرضا باليمامة، قال: ثمّ قام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت ثياب أهل الجنّة، أتنسج نسجا أم تشقّق من ثمر الجنّة؟ قال: فكأنّ القوم تعجّبوا من مسألة الأعرابيّ فقال: «ما تعجبون من جاهل يسأل عالما؟» قال: فسكت هنيّة، ثمّ قال: «أين السّائل عن ثياب الجنّة؟» قال: أنا. قال: «لا. بل تشقّق من ثمر الجنّة» ) * «2» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّيام جنّة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إنّي صائم (مرّتين) والّذي نفسي بيده لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي. الصّيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها» ) * «3» . 12- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: غزونا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد ثاب معه «4» ناس من المهاجرين حتّى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعّاب «5» فكسع «6» أنصاريّا فغضب الأنصاريّ غضبا شديدا حتّى تداعوا، وقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين. فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهليّة؟» ثمّ قال: «ما شأنهم؟» فأخبر بكسعة المهاجريّ الأنصاريّ. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «دعوها فإنّها خبيثة» «7» . وقال عبد الله ابن أبيّ ابن سلول: أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فقال عمر: ألا نقتل يا نبيّ الله هذا الخبيث؟ - لعبد الله-: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتحدّث النّاس أنّه كان يقتل أصحابه» ) * «8» . 13- * (عن ابن بريدة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «القضاة ثلاثة،   (1) البخاري- الفتح 7 (4230، 4231) . ومسلم (2502) واللفظ له. (2) رواه أحمد (2/ 203) رقم (6904) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 114) . (3) البخاري- الفتح 4 (1894) واللفظ له. ومسلم بنحوه رقم (1151) . (4) ثاب معه: أي اجتمع. (5) لعّاب: أي بطّال، وقيل: كان يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة. (6) فكسع أنصاريا: أي ضربه على دبره. (7) دعوها فإنها خبيثة: أي كريهة قبيحة، والمراد دعوى الجاهلية. (8) البخاري- الفتح 6 (3518) واللفظ له. ومسلم (2584) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4378 واحد في الجنّة، واثنان في النّار. فأمّا الّذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به، ورجل عرف الحقّ فجار فهو في النّار، ورجل قضى للنّاس على جهل فهو في النّار» ) * «1» . 14- * (عن سماك بن حرب. قال: قلت لجابر ابن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم، كثيرا. كان لا يقوم من مصلّاه الّذي يصلّي فيه الصّبح أو الغداة حتّى تطلع الشّمس، فإذا طلعت الشّمس قام، وكانوا يتحدّثون فيأخذون في أمر الجاهليّة فيضحكون ويتبسّم) * «2» . 15- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: «نعم» قلت: وهل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم وفيه دخن» قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر» ، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم. دعاة على أبواب جهنّم، من أجابهم إليها قذفوه فيها» . قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: «هم من جلدتنا، ويتكلّمون بألسنتنا» . قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» ، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتّى يدركك الموت وأنت على ذلك» ) * «3» . 16- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو بهذا الدّعاء: «ربّ اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كلّه وما أنت أعلم به منّي. اللهمّ اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدّي وكلّ ذلك عندي، اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، وأنت على كلّ شيء قدير» ) * «4» . 17- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم «5» أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخد من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلوس عند باب من أبوابه فكرهنا أن نفرّق بينهم فجلسنا حجرة «6» إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتّى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغضبا قد احمرّ وجهه يرميهم بالتّراب، ويقول: «مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إنّ القرآن لم ينزل يكذّب بعضه بعضا، بل   (1) أبو داود (3573) واللفظ له. وصححه الألباني في الإرواء (2614) . والحاكم (4/ 90) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 167) : وهو حديث صحيح. (2) مسلم (670) . (3) البخاري- الفتح 13 (7084) واللفظ له. ومسلم (1847) . (4) البخاري- الفتح 11 (6398) واللفظ له. ومسلم (2719) . (5) حمر النّعم: النعم الإبل، والحمر جمع أحمر وهي أصبر الإبل على الهواجر. (6) جلسنا حجرة: أي ناحية منفردين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4379 يصدّق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردّوه إلى عالمه» ) * «1» . 18- * (عن المعرور بن سويد- رحمه الله تعالى- قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة «2» وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا فعيّرته بأمّه فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة، إخوانكم خولكم «3» جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «4» . 19- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهليّة» ) * «5» . 20- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: ما خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من بيتي قطّ إلّا رفع طرفه إلى السّماء فقال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو أضلّ، أو أزلّ أو أزلّ، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ» ) * «6» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة، ومن قاتل تحت راية عمّيّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهليّة، ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «7» من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس منّي ولست منه» ) * «8» . 22- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنّه ليس أحد من النّاس خرج من السّلطان شبرا فمات عليه إلّا مات ميتة جاهليّة» ) * «9» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يدع قول الزّور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» ) * «10» . 24- * (عن عبد الرّحمن بن شماسة المهريّ قال: كنت عند مسلمة بن مخلد، وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص. فقال عبد الله: لا تقوم السّاعة إلّا على شرار الخلق. هم شرّ من أهل الجاهليّة، لا يدعون الله بشيء إلّا ردّه عليهم ... الحديث) * «11» .   (1) رواه أحمد (2/ 181) رقم (6711) . وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله (10/ 174) : إسناده صحيح. (2) بالربذة: هو موضع بالبادية شمال المدينة. (3) خولكم: أي خدمكم، من التخويل بمعنى الإعطاء والتمليك. (4) البخاري- الفتح 1 (30) واللفظ له. ومسلم (1661) . (5) البخاري- الفتح 3 (1294) واللفظ له. مسلم (103) . (6) أبو داود (5094) ، وابن ماجة (3884) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود 3 (4248) ص 959: صحيح. (7) ولا يتحاش- وفي بعض النسخ: يتحاشى بالياء ومعناه: لا يكترث بما يفعله فيها ولا يخاف وباله وعقوبته. (8) مسلم (1848) . (9) مسلم (1849) . (10) البخاري- الفتح 10 (6057) . (11) مسلم (1924) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4380 الأحاديث الواردة في ذمّ (الجهل) معنى 25- * (عن عامر بن واثلة، أنّ نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكّة، فقال من استعملت على أهل الوادي؟ فقال ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنّه قارىء لكتاب الله- عزّ وجلّ- وإنّه عالم بالفرائض قال عمر: أما إنّ نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم قد قال: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» ) * «1» . 26- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فنظر في السّماء ثمّ قال: «هذا أوان العلم أن يرفع» ، فقال له رجل من الأنصار، يقال له زياد بن لبيد: أيرفع العلم يا رسول الله وفينا كتاب الله، وقد علّمناه أبناءنا ونساءنا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن كنت لأظنّك من أفقه أهل المدينة» ثمّ ذكر ضلالة أهل الكتابين وعندهما ما عندهما من كتاب الله- عزّ وجلّ- فلقي جبير بن نفير شدّاد بن أوس بالمصلّى فحدّثه هذا الحديث عن عوف بن مالك فقال: صدق عوف، ثمّ قال: وهل تدري ما رفع العلم؟ قال قلت: لا أدري، قال: ذهاب أوعيته، قال: وهل تدري أيّ العلم أوّل أن يرفع؟ قال: قلت لا أدري. قال: الخشوع حتّى لا تكاد ترى خاشعا) * «2» . 27- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها، وأحدّثكم حديثا فاحفظوه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا. فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء» ) * «3» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أفتي بغير علم، كان   (1) مسلم (817) . (2) أحمد (6/ 26، 27) واللفظ له. وقال الألباني: صحيح (تقييد العلم للخطيب البغدادي (189) . وعزاه كذلك للحاكم وصححه ووافقه الذهبي. (3) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (4/ 231) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 58) وقال الألباني: صحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4381 إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أنّ الرّشد في غيره فقد خانه» ) * «1» . 29- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره، إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثّالثة: زوجي العشنّق، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ، ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطّجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي المسّ مسّ أرنب، والرّيح ريح زرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد. قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فاتقنّح. أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا؛ قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا، وأخذ خطّيّا، وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، وقال كلي أمّ زرع وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كلّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «2» .   (1) أبو داود (3657) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (11/ 562) . (2) البخاري- الفتح 9 (5189) ، ومسلم (2448) . وسبق تفسير غريبه في صفحات سابقة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4382 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الجهل) 1- * (قال لقمان الحكيم- رضي الله عنه- لابنه: «يا بنيّ لا تعلّم العلم لتباهي به العلماء أو لتماري به السّفهاء أو ترائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهدا فيه ورغبة في الجهالة. يا بنيّ اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم؛ فإنّك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلّموك، ولعلّ الله أن يطّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم؛ فإنّك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيّا، أو عيّا، ولعلّ الله يطّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم» ) * «1» . 2- * (كان عيسى ابن مريم- عليهما السّلام- يقول: «لا تمنع العلم من أهله فتأثم، ولا تنشره عند غير أهله فتجهّل، وكن طبيبا رفيقا يضع دواءه حيث يعلم أنّه ينفع» ) * «2» . 3- * (قال بزر جمهر: «الجهل في القلب، كالنّزّ في الأرض يفسد ما حوله» ) * «3» . 4- * (وقال أيضا لمّا قيل له: ما لكم لا تعاتبون الجهّال؟ فقال: «إنّا لا نكلّف العمي أن يبصروا، ولا الصّمّ أن يسمعوا» ) «4» . 5- * (قال عليّ- رضي الله عنه- «لا يؤخذ على الجاهل عهد بطلب العلم حتّى يؤخذ على العلماء عهد ببذل العلم للجهّال، لأنّ العلم كان قبل الجهل به» ) «5» . 6- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: فلا تصحب أخا الجهل ... وإيّاك وإيّاه يقاس المرء بالمرء ... إذا ما المرء ما شاه قياس النّعل بالنّعل ... إذا ما النّعل حاذاه وللشّيء على الشّيء ... مقاييس وأشباه وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه «6» . 7- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «اغد عالما أو متعلّما ولا تغد فيما بين ذلك فإنّ ما بين ذلك جاهل، وإنّ الملائكة تبسط أجنحتها للرّجل غدا يبتغي العلم من الرّضا بما يصنع» ) * «7» . 8- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «قرّاؤكم وعلماؤكم يذهبون ويتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا يقيسون الأمور برأيهم» ) * «8» . 9- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-: «علامة الجاهل ثلاث: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه» ) * «9» .   (1) رواه الدارمي (1/ 117) رقم (377) . (2) الدارمي رقم (379) . (3) أدب الدنيا والدين (50) ط بيروت. (4) المرجع السابق (51) ط بيروت. (5) جامع بيان العلم وفضله (1/ 123) . (6) الآداب الشرعية (3/ 564) . (7) الدارمي (1/ 109) رقم (339) . (8) جامع بيان العلم وفضله (2/ 136) . (9) المرجع السابق (1/ 143) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4383 10- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: «مالي أرى علماءكم يذهبون، وجهّالكم لا يتعلّمون. تعلّموا قبل أن يرفع العلم، فإنّ رفع العلم ذهاب العلماء» ) * «1» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبّانا. فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاس: فاستأذن الحرّ لعيينة فأذن له عمر، فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فو الله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين إنّ الله تعالى قال لنبيّه: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) . وإنّ هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله» ) * «2» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه كان يقول: «لا يزال عالم يموت وأثر للحقّ يدرس حتّى يكثر أهل الجهل، وقد ذهب أهل العلم فيعملون بالجهل، ويدينون بغير الحقّ، ويضلّون عن سواء السّبيل» ) * «3» . 13- * (قال ميمون بن مهران- رحمه الله تعالى-: «لا تمار عالما ولا جاهلا، فإنّك إذا ماريت عالما خزن عنك علمه، وإن ما ريت جاهلا خشّن بصدرك» ) * «4» . 14- * (قال مسروق- رحمه الله تعالى-: «كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله» ) * «5» . 15- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح» ) * «6» . 16- * (كان عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- كثيرا ما يتمثّل بهذه الأبيات: يرى مستكينا وهو للهو ماقت ... به عن حديث القوم ما هو شاغله وأزعجه علم عن الجهل كلّه ... وما عالم شيئا كمن هو جاهله عبوس عن الجهّال حين يراهم ... فليس له منهم خدين يهازله تذكّر ما يبقى من العيش آجلا ... فيشغله عن عاجل العيش آجله «7» . 17- * (قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: «من   (1) جامع بيان العلم وفضله (1/ 156) . (2) البخاري- الفتح 8 (4642) . (3) جامع بيان العلم وفضله (1/ 155) . (4) المرجع السابق (1/ 129) . (5) الدارمي رقم (383) . وجامع بيان العلم (1/ 143) . (6) مجموع الفتاوى (2/ 382) . (7) جامع بيان العلم وفضله (1/ 137) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4384 عصى الله خطأ أو عمدا فهو جاهل حتّى ينزع عن الذّنب» ) * «1» . 18- * (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «جالسوا العلماء، فإنّكم إن أحسنتم حمدوكم، وإن أسأتم تأوّلوا لكم وعذروكم، وإن أخطأتم لم يعنّفوكم وإن جهلتم علّموكم، وإن شهدوا لكم نفعوكم» ) * «2» . 19- * (أوصى يحيى بن خالد ابنه جعفرا رحمهما الله تعالى- فقال: «لا تردّ على أحد جوابا حتّى تفهم كلامه، فإنّ ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ويؤكّد الجهل عليك، ولكن افهم عنه، فإذا فهمته فأجبه، ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام، ولا تستحي أن تستفهم إذا لم تفهم فإنّ الجواب قبل الفهم حمق، وإذا جهلت فاسأل، فيبدو لك، واستفهامك أجمل بك وخير من السّكوت على العيّ» ) * «3» . 20- * (قال يحيى بن خالد بن برمك- رحمه الله تعالى- لابنه: «يا بنيّ خذ من كلّ علم بحظّ وافر، فإنّك إن لم تفعل جهلت، وإن جهلت شيئا من العلم عاديته، وعزيز عليّ أن تعادي شيئا من العلم» ) * «4» . 21- * (قال الخليل بن أحمد- رحمه الله تعالى-: لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنّك جاهل فعذرتكا «5» 22- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «الرّجال أربعة: رجل لا يدري ويدري أنّه لا يدري فذلك جاهل فعلّموه، ورجل يدري ولا يدري أنّه يدري فذلك غافل فنبّهوه، ورجل لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري فذلك مائق فاحذروه) * «6» . 23- * (قال أكثم بن صيفيّ- رحمه الله تعالى-: «ويل عالم أمر من جاهله، من جهل شيئا عاداه، ومن أحبّ شيئا استعبده» ) * «7» . 24- * (قال جعفر بن عون: «سمعت مسعرا يوصي ولده كداما: إنّي منحتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع مقال أب عليك شفيق أمّا المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق إنّي بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جارا ولا لرفيق والجهل يزري بالفتى في قومه ... وعروقه في النّاس أيّ عروق) * «8» . 25- * (عن كثير بن مرّة- رحمه الله تعالى- قال: «لا تحدّث الباطل للحكماء فيمقتوك، ولا تحدّث   (1) ابن كثير (1/ 463) . (2) جامع بيان العلم وفضله (1/ 130) . (3) المرجع السابق (1/ 148) . (4) المرجع السابق (1/ 130) . (5) المرجع السابق (1/ 144) . (6) المرجع السابق (2/ 48) . هكذا في الأصل. والرابع: ورجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاسألوه. والمائق: الهالك حمقا وغباوة. (7) المرجع السابق (1/ 148) . (8) سير النبلاء (7/ 170) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4385 الحكمة للسّفهاء فيكذّبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعه في غير أهله فتجهّل، إنّ عليك في علمك حقّا، كما أنّ عليك في مالك حقّا» ) * «1» . 26- * (قال الثّوريّ- رحمه الله تعالى-: «تعوّذوا بالله من فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإنّ فتنتهما فتنة لكلّ مفتون» ) * «2» . 27- * (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله تعالى-: «أجهل النّاس: من ترك ما يعلم، وأعلم النّاس: من عمل بما يعلم، وأفضل النّاس: أخشعهم لله» ) * «3» . 28- * (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «من علم ليس كمن لم يعلم» ) * «4» . 29- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: دين النّبيّ محمّد أخبار ... نعم المطيّة للفتى آثار لا ترغبنّ عن الحديث وأهله ... فالرّأي ليل والحديث نهار ولربّما جهل الفتى سبل الهدى ... والشّمس بازغة لها أنوار) * «5» . 30- * (قال سهل بن عبد الله التّستريّ- رحمه الله تعالى-: «الدّنيا جهل وموات إلّا العلم، والعلم كلّه حجّة إلّا العمل به، والعمل كلّه هباء إلّا الإخلاص، والإخلاص على خطر عظيم حتّى يختم به» ) * «6» . 31- * (قال سهل بن مزاحم- رحمه الله تعالى-: «الأمر أضيق على العالم من عقد التّسعين، مع أنّ الجاهل لا يعذر بجهالته، لكنّ العالم أشدّ عذابا إذا ترك ما علم فلم يعمل به» ) * «7» . 32- * (قال أبو حاتم- رحمه الله تعالى-: إذا أمن الجهّال جهلك مرّة ... فعرضك للجهّال غنم من الغنم فعمّ عليه الحلم والجهل والقه ... بمنزلة بين العداوة والسّلم إذا أنت جاريت السّفيه كما جرى ... فأنت سفيه مثله غير ذي حلم ولا تغضبن عرض السّفيه وداره ... بحلم فإن أعيا عليك فبالصّرم فيرجوك تارات ويخشاك تارة ... ويأخذ فيما بين ذلك بالحزم فإن لم تجد بدّا من الجهل فاستعن ... عليه بجهّال فذاك من العزم) * «8»   (1) الدارمي (378) . (2) الآداب الشرعية (2/ 46) وعزاه للبيهقي. ومثله من كلام ابن المبارك كما في جامع بيان العلم وفضله (1/ 192) . (3) الدارمي (1/ 107) رقم (330) . (4) جامع بيان العلم وفضله (1/ 192) . (5) المرجع السابق (2/ 35) . (6) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (29) نسخة الألباني. (7) المرجع السابق (15) النسخة نفسها. (8) أدب الدنيا والدين (249) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4386 33- * (قال بشر بن المعتمر البصريّ المتكلّم: إن كنت تعلم ما أقو ... ل وما تقول فأنت عالم أو كنت تجهل ذا وذا ... ك فكن لأهل العلم لازم أهل الرّياسة من ينا ... زعهم رياستهم فظالم لا تطلبنّ رياسة ... بالجهل أنت لها مخاصم لولا مقامهم رأي ... ت الدّين مضطرب الدّعائم) * «1» . 34- * (قال سابق البربريّ- رحمه الله تعالى-: والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه ... كما يجلّي سواد الظّلمة القمر وليس ذو العلم بالتّقوى كجاهلها ... ولا البصير كأعمى ماله بصر) * «2» . 35- * (وقال رحمه الله: الجهل داء قاتل وشفاؤه ... أمران في التّركيب متّفقان نصّ من القرآن أو من سنّة ... وطبيب ذاك العالم الرّباني) * «3» . 36- * (قال أبو بكر بن دريد: جهلت فعاديت العلوم وأهلها ... كذاك يعادي العلم من هو جاهله ومن كان يهوى أن يرى متصدّرا ... ويكره لا أدري أصيبت مقاتله) * «4» . 37- * (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: «ليس يجهل فضل العلم إلّا أهل الجهل، لأنّ فضل العلم إنّما يعرف بالعلم. وهذا أبلغ في فضله، لأنّ فضله لا يعلم إلّا به، فلمّا عدم الجاهلون العلم الّذي به يتوصّلون إلى فضل العلم جهلوا فضله، واسترذلوا أهله، وتوهّموا أنّ ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المقتناة، والطّرف المشتهاة، أولى أن يكون إقبالهم عليها، وأحرى أن يكون اشتغالهم بها» ) * «5» . 38- * (قال الشّيخ ظهير الدّين المرغنانيّ رحمه الله تعالى-: والجاهلون فموتى قبل موتهم ... والعالمون وإن ماتوا فأحياء) * «6» . 39- * (وقيل: حياة القلب علم فاغتنمه ... وموت القلب جهل فاجتنبه) * «7» . 40- * (وقيل: العلم تاج للفتى ... والعقل طوق من ذهب   (1) جامع بيان العلم وفضله (1/ 144) . (2) المرجع السابق (1/ 50) . (3) فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد (417) . (4) أدب الدنيا والدين (17) ط. بولاق. (5) المرجع السابق (17) . (6) مختصر نصيحة أهل الحديث (62) . (7) المرجع السابق (62) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4387 والعلم نور يلتظي ... والجهل نار تلتهب) * «1» . 41- * (وقال بعضهم: تنزّه تلك النّفس عن سوء فعلها ... وتعيب أقدار الإله وتظلم وتزعم مع هذا بأنّك عارف ... كذبت يقينا في الّذي أنت تزعم وما أنت إلّا جاهل ثمّ ظالم ... وإنّك بين الجاهلين مقدّم)) * «2» . 42- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... أو كنت تدري فالمصيبة أعظم) * «3» . 43- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «الجهل نوعان: جهل علم ومعرفة، وجهل عمل وغيّ. وكلاهما له ظلمة ووحشة في القلب. وكما أنّ العلم يوجب نورا وأنسا فضدّه يوجب ظلمة ويوقع وحشة. وقد سمّى الله سبحانه وتعالى العلم الّذي بعث به رسوله نورا وهدى وحياة، وسمّى ضدّه ظلمة وموتا وضلالا. قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ (البقرة/ 257) وقال تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها (الأنعام/ 122) » ) * «4» . 44- * (قال السّيوطيّ- رحمه الله تعالى-: «كل من جهل تحريم شيء ممّا يشترك فيه غالب النّاس لم يقبل إلّا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية يخفى عليه مثل ذلك» ) * «5» . 45- * (وقال آخر: وإنّك تلقى صاحب الجهل نادما ... عليه ولا يأسى على الحلم صاحبه) * «6» . 46- * (وقال آخر: ولربّما اعتضد الحليم بجاهل ... لا خير في اليمنى بغير يسار) * «7» . 47- * (قالوا: «لا يجترىء على الكلام إلّا فائق «8» أو مائق» «9» ) * «10» . 48- * (قال بعض الشّعراء: إنّ الرّواة على جهل بما حملوا ... مثل الجمال عليها يحمل الودع لا الودع ينفعه حمل الجمال له ... ولا الجمال بحمل الودع تنتفع) * «11» .   (1) مختصر نصيحة أهل الحديث (62) . (2) طريق الهجرتين لابن القيم (114) . (3) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (33) . (4) الأشباه والنظائر (220) . (5) مختصر نصيحة أهل الحديث (160) . (6) الآداب الشرعية (2/ 218) . (7) أدب الدنيا والدين (331) . (8) الفائق: هو الجيد الخالص في نوعه. (9) المائق: الهالك حمقا وغباوة. (10) جامع بيان العلم وفضله (1/ 137) . (11) المرجع السابق (2/ 131) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4388 49- * (قالوا: «من لم يحتمل ذلّ التّعلّم ساعة، بقي في ذلّ الجهل أبدا) * «1» . 50- * (قال بعض الشّعراء: وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... فأجسامهم قبل القبور قبور وإنّ امرأ لم يحي بالعلم ميّت ... فليس له قبل النّشور نشور) * «2» . 51- (وقال آخر: فبالعلم النّجاة من المخازي ... وبالجهل المذلّة والرّغام) * «3» . 52- * (قال الشّاعر: تعلّم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل وإنّ كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفّت عليه المحافل) * «4» . من مضار (الجهل) (1) يورد المهالك، ويجلب المصائب. (2) يفسد ولا يصلح، ويخرّب ولا يعمّر. (3) يضع رفيع النّسب، ويذلّ عزيز القوم. (4) المعصية أثر من آثاره وثمرة من ثماره. (5) شرّ أنواعه ما كان صاحبه لا يعلم بجهله، وشرّ منه من كان يظنّ أنّه على ما فيه عالم. (6) مرض وبيل وداء وخيم، وشفاؤه السّؤال والتّعلّم.   (1) جامع بيان العلم وفضله (1/ 99) . (2) أدب الدنيا والدين (51) . (3) جامع بيان العلم وفضله (1/ 54) . (4) المرجع السابق (1/ 159) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4389 [المجلد العاشر] محتويات المجلد العاشر م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة حرف الحاء 64/ الحرب والمحاربة/ 4390 65/ الحزن/ 4407 66/ الحسد/ 4417 67/ الحقد/ 4430 68/ الحكم بغير ما أنزل الله/ 4441 69/ الحمق/ 4449 حرف الخاء 70/ الخبث/ 4459 71/ الخداع/ 4470 72/ الخنوثة والتخنث/ 4477 73/ الخيانة/ 4482 حرف الدال 74/ الدياثة/ 4498 حرف الذال 75/ الذل/ 4502 حرف الراء 76/ الربا/ 4516 77/ الردة/ 4532 78/ الرشوة/ 4542 79/ الرياء/ 4551 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة حرف الزاي 80/ الزنا/ 4568 81/ الزندقة/ 4584 حرف السين 82/ السحر/ 4589 83/ السخرية/ 4602 84/ السخط/ 4615 85/ السرقة/ 4625 86/ السفاهة/ 4634 87/ سوء الخلق/ 4642 88/ سوء الظن/ 4652 89/ سوء المعاملة/ 4673 حرف الشين 90/ الشح/ 4685 91/ شرب الخمر/ 4695 92/ الشرك/ 4709 93/ الشك/ 4751 94/ الشماتة/ 4769 95/ شهادة الزور/ 4774 حرف الصاد 96/ صغر الهمة/ 4781 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4388 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة حرف الضاد 97/ الضعف/ 4787 98/ الضلال/ 4795 حرف الطاء 99/ الطغيان/ 4834 100/ الطمع/ 4846 101/ طول الأمل/ 4857 102/ الطيش/ 4868 حرف الظاء 103/ الظلم/ 4871 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة حرف العين 104/ العبوس/ 4927 105/ العتو/ 4932 106/ العجلة/ 4941 107/ العدوان/ 4955 108/ العصيان/ 4972 109/ عقوق الوالدين/ 5011 110/ العنف والإكراه/ 5018 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4389 [ حرف الحاء ] الحرب والمحاربة* الحرب والمحاربة لغة: الحرب: اسم للحالة الّتي هي نقيض السلم، وهي مؤنّثة لأنّها في معنى المحاربة، والمحاربة مصدر قولهم: حارب يحارب، الحرب والمحاربة مأخوذ من مادّة (ح ر ب) الّتي تدلّ على السلب، ومن ذلك: الحرب، يقال: حربته ماله أي سلبته، واشتقاق الحرب (بمعنى المقاتلة للعدوّ) من ذلك (لأنّها تسلب الأرواح والأموال) ، وقولهم أسد حرب، أي من شدّة غضبه كأنّه حرب شيئا أي سلبه وكذلك الرجل الحرب، يقال: حرب الرجل فهو حريب، أي سليب، وحرب بالكسر: اشتدّ غضبه والتحريب إثارة الحرب، ورجل محرب كأنّه آلة حرب، وقيل صاحب حروب، والحربة آلة للحرب معروفة، والجمع حراب، وأصله الفعلة من الحرب أو الحراب، ومحراب المسجد، قيل: سمّي بذلك لأنّه موضع محاربة الشيطان والهوى، وقيل: سمّي بذلك لكون حقّ الإنسان فيه أن يكون حريبا (سليبا) من أشغال الدنيا ومن توزّع الخواطر، والحرب نقيض السلم وقال الجوهريّ: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 15/ 2 الحرب، تؤنّث وقد تذكّر، وتصغيرها حريب (بلاتاء) وقولهم: أنا حرب لمن حاربني أي عدوّ (لمن عاداني) يقال: تحاربوا واحتربوا وحاربوا بمعنى (وهو اقتتلوا) ، والتحريب: التحريش، وحرّبته: أغضبته، وحرّبت السنان أي حدّدته، وحربه يحربه حربا، أخذ ماله وتركه بلا شيء، وقد حرب ماله أي سلبه، فهو محروب وحريب وأحربته أي دللته على ما يغنمه من عدوّ يغير عليه، ودار الحرب: بلاد الكفر الّذين لا صلح لهم مع المسلمين، والمحاربة المقاتلة والمنازلة والحرب نقيض السلم، وقول الله تعالى فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (البقرة/ 279) أي بقتل لأنّ الحرب داعية القتل، وقيل: المعنى فإن لم تنتهوا فأنتم حرب لله ورسوله ومحاربة الله ورسوله تعني المعصية وذلك في قوله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً (المائدة/ 33) «1» . وقيل: المراد السرقة والقتل والكفر بعد الإيمان، وقيل نقض العهد وقطع السبيل «2» . والمحروبون في حديث الحديبية «وإلّا تركناهم محروبين» أي مسلوبين   * المقصود بالحرب هنا القتال لسبب غير شرعي كأن يحارب المسلمون بعضهم بعضا، أو يحاربوا أهل الذمة الذين لم ينقضوا عهدهم أو الاقتتال بين أصحاب المذاهب وغير ذلك مما ينطبق عليه وصف البغي والعدوان. [انظر صفتي البغي والعدوان] . (1) انظر في سبب نزول الآية: تفسير الطبري (6/ 97، 98) . (2) مقاييس اللغة (2/ 48) ، المفردات للراغب (112) ، الصحاح (1/ 108) ، المصباح المنير (1/ 49) ، لسان العرب (2/ 816) ، (ط. دار المعارف) ، النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 358) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4390 منهوبين، والمحراب في حديث عليّ- رضي الله عنه-: «فابعث عليهم رجلا محرابا» أي معروفا بالحرب عارفا بها وهو من أبنية المبالغة كالمعطاء من العطاء «1» . المحاربة اصطلاحا: قال القرطبيّ: اختلف العلماء فيمن يستحقّ اسم المحاربة، فقال مالك: المحارب: من حمل على الناس في مصر أو برّيّة وكابرهم عن أنفسهم وأموالهم دون نائرة «2» ولا ذحل «3» ولا عداوة، وقال قوم: لا تكون المحاربة في المصر «4» . وعند الحنابلة لا تثبت المحاربة إلّا بما يلى: 1- أن يكون ذلك في الصحراء. 2- أن يكون معهم سلاح. 3- أن يأتوا مجاهرة ويأخذوا المال قهرا «5» . هذا من الناحية الفقهيّة، أمّا من الناحية الأخلاقيّة والسلوكيّة فإنّ مصطلح المحاربة يشمل إلى جانب ما ذكره الفقهاء ما يفعله آكلو الربا، والمنافقون الّذين يقاتلون المسلمين أو يعدّون لقتالهم، وذلك كما فعل أبو عامر الراهب الّذي قال للرّسول صلّى الله عليه وسلّم لا أجد قوما يقاتلونك إلّا قاتلتك معهم، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين، فلمّا انهزمت هوازن خرج إلي الروم يستنصر، وأرسل إلى المنافقين، وقال: استعدّوا بما استطعتم من قوّة وسلاح وابنوا مسجدا، فإنّي ذاهب إلى قيصر فآت بجند من الروم لأخرج محمّدا من المدينة، فنزل قول الله تعالى: وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ (التوبة/ 107) وتشمل المحاربة كذلك ما يفعله أهل الحرب من المشركين وأهل الكتاب ضدّ المسلمين. حكم المحاربة: عدّ الإمام ابن حجر المحاربة من الكبائر محتجّا بقوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (المائدة/ 33) كما ذكر الله تعالى تغليظ الإثم في قتل النفس بغير حقّ، أتبعه ببيان أنواع من الفساد في الأرض، فقال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي أولياءه، وقال الزمخشريّ: محاربة المسلمين في حكم محاربة رسوله يعني أنّ القصد محاربة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذكر اسم الله تعالى تعظيما (لإثم) محاربة رسوله، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ (الفتح/ 10) ، ولك أن تحمل المحاربة على مخالفة أمر الله أي إنّما جزاء الّذين يخالفون أحكام الله وأحكام رسوله ويسعون في الأرض فسادا: القتل أو الصلب .... إلخ، وذكر بعضهم أنّ مجرّد قطع الطريق وإخافة السبيل يعدّ   (1) النهاية (1/ 358، 359) . (2) نائرة: أي هياج. (3) ذحل: حقد. (4) تفسير القرطبى (6/ 99) . (5) معجم المغني في الفقه الحنبلي (13/ 276) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4391 ارتكابا للكبيرة فكيف إذا أخذ المال، أو جرح أو قتل أو فعل عدّة كبائر مع ما يغلب على القطّاع من ترك الصلاة وإنفاق ما يأخذونه في الخمر والزنا «1» . أنواع الحرب وحكمها في الإسلام: للحرب نوعان: الأوّل: الحرب المشروعة، وهي الّتي يخوضها المسلمون دفاعا عن أرواحهم وأعراضهم، وهذه الحرب نوع من الجهاد وهي لا تخرج عن حالتين: 1- الدفاع الشرعيّ ضدّ العدوان الواقع على الجماعة الإسلاميّة أو على حرّيّة الدولة الإسلاميّة. 2- الإغاثة الواجبة لشعب مسلم أو حليف عاجز عن الدفاع عن نفسه أو فتح البلدان غير المسلمة لنشر دين الله «2» . وهذه الحرب المشروعة فرض كفاية وقد تصبح فرض عين على كلّ مسلم ومسلمة في حالات كثيرة، كما إذا دخل الكفّار المقاتلون بلاد الإسلام. الثاني: الحرب غير المشروعة وهي المقصودة باعتبارها صفة ذميمة منهيّا عنها ولها صور عديدة منها: أ- أن يقتتل المسلمون فيما بينهم من أجل زعامة أو طمع في حقّ الغير، والذمّ هنا متوجّه لمن يبدأ بالقتال. ب- أن يقاتل أصحاب المذاهب الدينيّة بعضهم بعضا لنصرة مذهبهم كما في اقتتال السنّة والشيعة. ج- أن يقاتل أصحاب الأحزاب والشيع السياسيّة بعضهم بعضا لنصرة هذا الحزب أو ذلك. د- أن يتقاتل المسلمون والذمّيون في الوطن الواحد وذلك كما حدث في لبنان. كلّ ذلك يذمّ البادىء به والمتسبّب فيه ويتحمّل مسؤوليّته من أشعل نار الحرب أمام الله- عزّ وجلّ- وعامّة المسلمين. [للاستزادة: انظر صفات: البغي- الطغيان- العتو- العدوان- الفتنة- الظلم- الطمع- الأذى القسوة- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان السلم- الصلح- الإنصاف- الزهد- القناعة- الرضا] .   (1) الزواجر (565- 568) . (2) الثقافة الإسلامية، للدكتور/ عبد الواحد محمد الفار (271) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4392 الآيات الواردة في «الحرب» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) «1» 2- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) «2» 3- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «3» 4- فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) «4» 5- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) «5» 6- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) «6»   (1) البقرة: 278- 280 مدنية (2) المائدة: 33- 34 مدنية (3) المائدة: 64 مدنية (4) الأنفال: 57 مدنية (5) التوبة: 107 مدنية (6) محمد: 4- 5 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4393 الأحاديث الواردة في ذمّ (الحرب والمحاربة) 1- * (عن النعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: استأذن أبو بكر- رضي الله عنه- على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمع صوت عائشة عاليا، فلمّا دخل تناولها ليلطمها، وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين خرج أبو بكر: «كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟» قال: فمكث أبو بكر أيّاما، ثمّ استأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد فعلنا قد فعلنا» ) * «1» . 2- * (عن أبي قلابة؛ أنّه كان جالسا خلف عمر بن عبد العزيز فذكروا وذكروا، فقالوا وقالوا قد أقادت بها الخلفاء، فالتفت إلى أبي قلابة وهو خلف ظهره فقال: ما تقول يا عبد الله بن زيد؟ أو قال: ما تقول يا أبا قلابة؟ قلت: ما علمت نفسا حلّ قتلها في الإسلام إلّا رجل زنى بعد إحصان، أو قتل نفسا بغير نفس، أو حارب الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال عنبسة: حدّثنا أنس بكذا وكذا. قلت: إيّاي حدّث أنس، قال: قدم قوم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكلّموه فقالوا: قد 2 ستوخمنا «2» هذه الأرض، فقال: «هذه نعم لنا تخرج لترعى فاخرجوا فيها، فاشربوا من ألبانها وأبوالها» فخرجوا فيها فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحّوا، ومالوا على الراعي فقتلوه، واطّردوا «3» النعم فما يستبطأ من هؤلاء قتلوا النفس، وحاربوا الله ورسوله، وخوّفوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «سبحان الله» فقلت: تتّهمني؟ قال: حدّثنا بهذا أنس. قال: وقال: يأهل كذا، إنّكم لن تزالوا بخير ما أبقي هذا فيكم ومثل هذا) * «4» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «حاربت قريظة والنضير، فأجلى بني النضير وأقرّ قريظة ومنّ عليهم حتّى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلّا بعضهم لحقوا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فآمنهم وأسلموا. وأجلى يهود المدينة كلّهم: بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكلّ يهود المدينة) * «5» . 4- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحرب خدعة «6» » ) * «7» . 5- * (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي   (1) أبو داود (4999) واللفظ له، وقال الهيثمي (9/ 127) : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني بإسناد ضعيف. (2) استوخموها: أي لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم. (3) واطّردوا: اي أخرجوها طردا أي سوقا. (4) البخاري- الفتح 8 (4610) واللفظ له، مسلم (1671) . (5) البخاري- الفتح 7 (4028) . (6) الحرب خدعة: فيها ثلاث لغات مشهورات. اتفقوا على أن أفصحهن خدعة. قال ثعلب وغيره: هي لغة النبي صلّى الله عليه وسلّم والثانية: خدعة. والثالثة: خدعة. واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل. (7) البخاري- الفتح 6 (3030) واللفظ له، مسلم (1739) و (1740) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4394 الله عنهما- يصدّق كلّ منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين» فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة «1» الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل «2» . فألحّت. فقالوا: خلأت «3» القصواء فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء. وما ذاك لها بخلق. ولكن حبسها «4» حابس الفيل. ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» ثمّ زجرها فوثبت. قال: فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرّضه الناس تبرّضا «5» ، فلم يلبّثه الناس حتّى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العطش؛ فانتزع سهما من كنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتّى صدروا عنه فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل تهامة- فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ «6» . المطافيل، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا. وإن هم أبوا فوالّذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي «7» ، ولينفذنّ الله أمره» . الحديث وفيه: إلى أن قال: ثمّ رجع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتّى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدا، فاستلّه الآخر فقال: أجل والله إنّه لجيّد، لقد جرّبت به ثمّ جرّبت به ثمّ جرّبت به فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد «8» ، وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا» ، فلمّا انتهى إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قتل والله صاحبي وإنّي لمقتول. فجاء   (1) قال ابن حجر في «فتح الباري» (5/ 335) : القترة: الغبار الأسود. (2) حل حل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير. (3) خلأت القصواء: هو كالحران للخيل. (4) حبسها حابس الفيل: أي حبسها الله- عز وجل- عن دخول مكة حبس الفيل عن دخولها. (5) تبرضا: أي أخذه أخذا قليلا قليلا. (6) العوذ: هي الناقة ذات اللبن. والمطافيل: الأمهات اللاتي معها أطفالها، يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل. (7) تنفرد سالفتي: كنى بذلك عن القتل لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه. (8) حتى برد: حتى مات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4395 أبو بصير فقال: يا نبيّ الله، قد والله أوفى الله ذمّتك قد رددتني إليهم، ثمّ أنجاني الله منهم. قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ويل أمّه مسعر حرب لو كان له أحد» ، فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتّى أتى سيف البحر «1» . قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلّا لحق بأبي بصير، حتّى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلّا اعترضوا لها. فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تناشده الله والرحم لمّا أرسل فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فأنزل الله تعالى (الفتح/ 24) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حتّى بلغ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ وكانت حميّتهم أنّهم لم يقرّوا أنّه نبيّ الله، ولم يقرّوا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت) * «2» . 6- * (عن عبيد الله بن كعب- وكان من أعلم الأنصار- أنّ أباه كعب بن مالك- وكان كعب ممّن شهد العقبة وبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها- قال: خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين وقد صلّينا وفقهنا ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيّدنا فلمّا توجّهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة، قال: البراء لنا: يا هؤلاء إنّي قد رأيت والله رأيا، وإنّي والله ما أدري توافقوني عليه أم لا؟ قال: قلنا له: وما ذاك؟ قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنيّة منّي بظهر- يعني الكعبة- وأن أصلّي إليها، قال: فقلنا: والله ما بلغنا أنّ نبيّنا يصلّي إلّا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه فقال: إنّي أصلّي إليها فقلنا له: لكنّا لا نفعل، فكنّا إذا حضرت الصلاة صلّينا إلى الشام وصلّى إلى الكعبة حتّى قدمنا مكّة، قال أخي: وقد كنّا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلّا الإقامة عليه، فلمّا قدمنا مكّة قال: يابن أخي انطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاسأله عمّا صنعت في سفري هذا، فإنّه والله قد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إيّاي فيه، قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكنّا لا نعرفه لم نره قبل ذلك، فلقينا رجل من أهل مكّة فسألناه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هل تعرفانه؟ قال: قلنا: لا. قال: فهل تعرفان العبّاس بن عبد المطلّب عمّه؟ قلنا: نعم. قال: وكنّا نعرف العبّاس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا. قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العبّاس. قال: فدخلنا المسجد فإذا العبّاس جالس ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه جالس، فسلّمنا ثمّ جلسنا إليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للعبّاس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم. هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك قال: فو الله ما أنسى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الشاعر؟» قال: نعم. قال: فقال البراء ابن معرور: يا نبيّ الله إنّي خرجت في سفري هذا وهداني الله للإسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر، فصلّيت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتّى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: لقد كنت على قبلة لو صبرت   (1) سيف البحر- بكسر السين- أي ساحله. (2) البخاري- الفتح (5/ 2731، 2732) واللفظ له، ومسلم (1783، 1784، 1785) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4396 عليها، قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى معنا إلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنّه صلّى إلى الكعبة حتّى مات وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم. قال: وخرجنا إلى الحجّ فواعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقبة من أوسط أيّام التشريق فلمّا فرغنا من الحجّ، وكانت الليلة الّتي وعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعنا عبد الله بن عمرو ابن حرام أبو جابر، سيّد من سادتنا وكنّا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلّمناه وقلنا له: يا أبا جابر إنّك سيّد من سادتنا وشريف من أشرافنا، وإنّا نرغب بك عمّا أنت فيه أن تكون حطبا للنّار غدا، ثمّ دعوته إلى الإسلام وأخبرته بميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا قال: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتّى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنتسلّل مستخفين تسلّل القطا حتّى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائهم نسيبة بنت كعب أمّ عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجّار وأسماء بنت عمرو بن عديّ بن ثابت إحدى نساء بني سلمة وهي أمّ منيع، قال: فاجتمعنا بالشّعب ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جاءنا ومعه يومئذ عمّه العبّاس بن عبد المطّلب وهو يومئذ على دين قومه إلّا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثّق له، فلمّا جلسنا كان العبّاس بن عبد المطّلب أوّل متكلّم فقال: يا معشر الخزرج- قال: وكانت العرب ممّا يسمّون هذا الحيّ من الأنصار الخزرج، أوسها وخزرجها- إنّ محمّدا منّا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممّن هو على مثل رأينا فيه وهو في عزّ من قومه ومنعة في بلده. قال: فقلنا قد سمعنا ما قلت فتكلّم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربّك ما أحببت. قال: فتكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلا ودعا إلى الله- عزّ وجلّ- ورغّب في الإسلام، قال: «أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» قال: فأخذ البراء بن معرور بيده ثمّ قال: نعم. والّذي بعثك بالحقّ لنمنعنّك ممّا نمنع منه أزرنا، فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنحن أهل الحروب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر قال: فاعترض القول والبراء يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو الهيثم بن التّيهان حليف بني عبد الأشهل فقال: يا رسول الله إنّ بيننا وبين الرجال حبالا وإنّا قاطعوها- يعني العهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم، وأنتم منّي، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم» وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لى: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم» فأخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا، منهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وأمّا معبد ابن كعب فحدّثني في حديثه عن أخيه عن أبيه كعب ابن مالك قال: كان أوّل من ضرب على يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البراء بن معرور، ثمّ تتابع القوم، فلمّا بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قطّ: يأهل الجباجب- والجباجب المنازل- هل لكم في مذمّم والصباة معه قد أجمعوا على حربكم؟ قال عليّ:- يعني ابن إسحاق- ما يقول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4397 عدوّ الله محمّد؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أذبّ العقبة هذا ابنه أذيب، اسمع أي عدوّ الله، أما والله لأفرغنّ لك» ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ارفعوا إلى رحالكم» قال: فقال له العبّاس بن عبادة بن نضلة: والّذي بعثك بالحقّ لئن شئت لنميلنّ على أهل منى غدا بأسيافنا، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم أومر بذلك» قال: فرجعنا فنمنا حتّى أصبحنا فلمّا أصبحنا غدت علينا جلّة قريش حتّى جاؤونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنّه قد بلغنا أنّكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا، والله إنّه ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينه منكم، قال: فانبعث من هنالك من مشركي قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه، وقد صدقوا لم يعلموا ما كان منّا، قال فبعضنا ينظر إلى بعض، قال: وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميّ، وعليه نعلان جديدان، قال: فقلت كلمة كأنّي أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا، ما تستطيع يا أبا جابر وأنت سيّد من سادتنا أن تتّخذ نعلين مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ فسمعها الحارث فخلعها «1» ثمّ رمى بهما إليّ فقال: والله لتنتعلنّهما. قال: يقول أبو جابر: أحفظت والله الفتى فاردد عليه نعليه. قال: فقلت والله لا أردّهما قال: والله صلح، والله لئن صدق الفأل لأسلبنّه. فهذا حديث كعب بن مالك من العقبة وما حضر منها) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما سالمناهنّ «3» منذ حاربناهنّ، ومن ترك شيئا منهنّ خيفة فليس منّا» ) * «4» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: نظر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عليّ والحسن والحسين وفاطمة، فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم» ) * «5» .   (1) تحرف في المطبوع إلى: (فخلعها) . (2) أحمد (3/ 461- 462) واللفظ له، وقال ابن حجر في الفتح (7/ 261) : أخرجه ابن إسحاق وصححه ابن حبان من طريقه بطوله وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 42- 45) : رواه أحمد والطبراني بنحوه ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. وراجع: المسند الجامع (14/ 604- 609) . (3) الضمير يعود على الحيّات. (4) أبو داود (5248) واللفظ له، وقال الألباني في سنن أبي داود (3/ 985) : حسن صحيح، وأحمد (2/ 247) و (1/ 230) من حديث ابن عباس. (5) أحمد (2/ 442) وقال الشيخ أحمد شاكر (19/ 6) واللفظ له: إسناده صحيح، ورواه الترمذي (3870) ، وابن ماجة (7/ 145) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4398 الأحاديث الواردة في ذمّ (الحرب والمحاربة) معنى 9- * (عن أبي النضر، عن كتاب رجل من أسلم من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقال له عبد الله بن أبي أوفى. فكتب إلى عمر بن عبيد الله، حين سار إلى الحروريّة «1» . يخبره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان في بعض أيّامه الّتي لقي فيها العدوّ، ينتظر حتّى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: «يأيّها الناس لا تتمنّوا لقاء العدوّ «2» واسألوا الله العافية «3» . فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف» ثمّ قام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «اللهمّ منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم» ) * «4» . 10- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. وكان يخلو بغار حراء ويتحنّث فيه- وهو التعبّد- الليالي أولات العدد- قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: «فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثالثة، ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3» ) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده. حتّى دخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: «زمّلوني، زمّلوني» فزمّلوه حتّى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة وأخبرها الخبر. قال: «لقد خشيت على نفسي» . فقالت خديجة: كلّا. والله ما يخزيك الله أبدا. إنّك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني   (1) إلى الحرورية: أي لقتالهم. وهم الخوارج. (2) لا تتمنوا لقاء العدو: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفس والوثوق بالقوة، وهو نوع بغي. وقد ضمن الله تعالى لمن بغي عليه أن ينصره. ولأنه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو واحتقاره. وهذا يخالف الاحتياط والحزم. (3) واسألوا الله العافية: قد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية. وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والبطن، في الدين والدنيا والآخرة. (4) مسلم (1742) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4399 فيها جذعا، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي) * «1» . 11- * (عن سلمة بن الأكوع ... الحديث وفيه: قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون «2» . فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل الليلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهره «3» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة أندّيه «4» مع الظهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل. وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضّع فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «5» . حتّى خلص نصل السهم إلى كتفه. قال قلت: خذها: وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضّع قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «6» ، فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها، ثمّ رميته، فعقرت به، حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه «7» ، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة «8» . قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «9» إلّا   (1) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له، مسلم (160) (2) وهم المشركون: هذه اللفظة ضبطوها بوجهين. أحدهما: وهم المشركون على الابتداء والخبر. والثاني وهمّ المشركون، أي هموا النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وخافوا غائلتهم. يقال: همّني الأمر وأهمّني. وقيل: همني أذابني وأهمني أغمني. وقيل: معناه همّ أمر المشركين النبي صلّى الله عليه وسلّم خوف أن يبيتوهم لقربهم منهم. (3) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال. (4) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقي قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى. (5) فأصك سهما في رحله: أي أضرب. (6) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته. (7) حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه: التضايق ضد الاتساع. أي تدانى فدخلوا في تضايقه. أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه، فصار لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام. (8) فجعلت أرديهم بالحجارة: يعني لما امتنع علي رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم. يقال: ردّى الفرس راكبه اذا أسقطه وهوّره. (9) حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من، هنا، زائدة. أتى بها لتأكيد العموم. وانما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا. ومن، في قوله: من ظهر، بيانية. والمعنى أنه ما زال بهم الى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من ابل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4400 خلّفته وراء ظهري «1» . وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم «2» أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا. يستخفّون «3» . ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «4» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة «5» فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) . وجلست على رأس قرن «6» . قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا، البرح، والله ما فارقنا منذ غلس يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام قال قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا. فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشجر «7» . قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسدي. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكنديّ. قال: فأخذت بعنان الأخرم قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال: يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرحمن. قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه. وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعبد الرحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجليّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا غبارهم، شيئا. حتّى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد «8» . ليشربوا منه وهم عطاش. قال: فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه «9» (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة.   (1) إلا خلفته وراء ظهري: خلفته أي تركته. يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه. (2) ثم اتبعتهم: هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم. وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع. وهي أشبه بالكلام وأجود موقعا فيه.. وذلك أن تبع المجرد واتبع بمعنى مشى خلفه على الإطلاق. وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقه. ومنه قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه. وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أنه بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه. والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم. (3) يستخفون: أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار. (4) آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها. واحدها إرم كعنب وأعناب. (5) حتى أتوا متضايقا من ثنية: الثنية العقبة والطريق في الجبل. أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة. (6) على رأس قرن: هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير (7) يتخللون الشجر: أي يدخلون من خلالها، أي بينها. (8) ذا قرد: هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة: ذا قرد. وفي بعضها: ذو قرد. (9) فحليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4401 قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم في نغض «1» كتفه. قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضّع قال: يا ثكلته أمّه أكوعه بكرة «2» . قال: قلت: نعم. يا عدوّ نفسه أكوعك بكرة. قال: وأردوا «3» فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن «4» وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلأتهم عنه «5» . فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل. وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّذي «6» استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كبدها وسنامها. قال: قلت: يا رسول الله خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتّبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه «7» في ضوء النار. فقال: «يا سلمة أتراك كنت فاعلا؟» قلت: نعم والّذي أكرمك. فقال: «إنّهم الآن ليقرون «8» في أرض غطفان» قال: فجاء رجل من غطفان. فقال: نحر لهم فلان جزورا. فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الراجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء «9» راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا «10» . قال: فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمّي، ذرني فلأسابق الرجل. قال: «إن شئت» قال: قلت: اذهب   (1) نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمى بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا. (2) قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت: أتيته بكرة، غير مصروف. لأنها من الظروف المتمكنة. (3) وأردوا: رواية الجمهور بالدال المهملة، ورواه بعضهم بالمعجمة. قال: وكلاهما متقارب المعنى. فبالمعجمة معناه خلفوهما. والرذي الضعيف من كل شيء وبالمهملة معناه أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما وتركوهما. ومنه المتردية وأردت الفرس الفارس أسقطته. (4) بسطيحة فيها مذقة من لبن: السطيحة إناء من جلود سطح بعضها على بعض. والمذقة قليل من لبن ممزوج بماء. (5) حلأتهم: كذا هو في أكثر النسخ: حلأتهم. وفي بعضها حليتهم. (6) من الإبل الذي: كذا في أكثر النسخ: الذي. وفي بعضها: التي. وهو أوجه لأن الإبل مؤنثة، وكذا أسماء الجموع من غير الآدميين. والأول صحيح أيضا. وأعاد الضمير إلى الغنيمة، لا إلى لفظ الإبل. (7) نواجذه: أي أنيابه. (8) ليقرون: أي يضافون، والقرى الضيافة. (9) العضباء: هو لقب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم. والعضباء مشقوقة الأذن. ولم تكن ناقته صلّى الله عليه وسلّم كذلك، وإنما هو لقب لزمها. (10) شدا: أي عدوا على الرجلين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4402 إليك وثنيت رجليّ فطفرت «1» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «2» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «3» . قال: فأصكّه بين كتفيه. قال: قلت: قد سبقت والله. قال: أنا أظنّ «4» قال: فسبقته إلى المدينة» قال: فو الله ما لبثنا إلّا ثلاث ليال حتّى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فجعل عمّي «5» عامر يرتجز بالقوم: تا الله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبّت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هذا؟» قال: أنا عامر. قال: «غفر لك ربّك» قال: وما استغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان يخصّه إلّا استشهد. قال: فنادى عمر بن الخطّاب، وهو على جمل له: يا نبيّ الله لولا ما متّعتنا بعامر. قال: فلمّا قدمنا خيبر قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه «6» ويقول: قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السلاح «7» بطل مجرّب «8» إذا الحروب أقبلت تلهّب قال: وبرز له عمّي عامر، فقال: قد علمت خيبر أنّي عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر «9» قال: فاختلفا ضربتين: فوقع سيف مرحب في ترس عامر. وذهب عامر يسفل له «10» . فرجع سيفه على نفسه. فقطع أكحله. فكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقولون: بطل عمل عامر. قتل نفسه. قال: فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا أبكي. فقلت: يا رسول الله بطل عمل عامر؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال ذلك؟» قال   (1) فطفرت: أي وثبت وقفزت. (2) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر (3) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها. (4) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به. (5) فجعل عمي: هكذا قال، هنا: عمي. وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال: أخي. فلعله كان أخاه من الرضاعة، وكان عمه من النسب. (6) يخطر بسيفه: أي يرفعه مرة ويضعه أخرى. ومثله: خطر البعير بذنبه يخطر، إذا رفعه مرة ووضعه أخرى. (7) شاكي السلاح: أي تام السلاح. يقال: شاكي السلاح، وشاكّ السلاح، وشاكّ في السلاح، من الشوكة وهي القوة. والشوكة أيضا السلاح. ومنه قوله تعالى: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ. (8) بطل مجرب: أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان. والبطل الشجاع يقال بطل الرجل يبطل بطالة وبطولة، إذا صار شجاعا. (9) بطل مغامر: أي يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي بنفسه فيها. (10) يسفل له: أي يضربه من أسفله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4403 قلت: ناس من أصحابك. قال: «كذب من قال ذلك «1» بل له أجره مرّتين» . ثمّ أرسلني إلى عليّ، وهو أرمد. فقال: «لأعطيّن الراية رجلا يحبّ الله ورسوله، أو يحبّه الله ورسوله» قال: فأتيت عليّا فجئت به أقوده، وهو أرمد «2» . حتّى أتيت به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبسق «3» في عينيه فبرأ. وأعطاه الراية. وخرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرّب إذا الحروب أقبلت تلهّب فقال عليّ: أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره «4» ... كليث غابات «5» كريه المنظره أو فيهم بالصّاع كيل السندره «6» قال: فضرب رأس مرحب فقتله. ثمّ كان الفتح على يديه) * «7» . 12- * (عن الزهريّ قال: كان محمّد بن جبير ابن مطعم يحدّث أنّه: بلغ معاوية وهم عنده في وفد من قريش أن عبد الله بن عمرو يحدّث أنّه سيكون ملك من قحطان، فغضب، فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّه بلغني أنّ رجالا منكم يحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأولئك جهّالكم، فإيّاكم والأمانيّ الّتي تضلّ أهلها، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلّا كبّه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين» ) * «8» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «9» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «10» ، يغضب لعصبة «11» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتله «12» جاهليّة.   (1) كذب من قال: كذب، هنا بمعنى أخطأ. (2) وهو أرمد: قال أهل اللغة: يقال رمد الانسان يرمد رمدا فهو رمد وأرمد. إذا هاجت عينه. (3) بسق: هكذا في الأصل وهي صحيحة لأنه يقال: بسق وبصق وبزق بمعنى واحد. (4) أنا الذي سمتني أمي حيدرة: حيدرة اسم للأسد. وكان علي رضي الله عنه قد سمي أسدا في أول ولادته. وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدا يقتله. فذكره علي رضي الله عنه بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. وسمي الأسد حيدرة لغلظه. والحادر الغليظ القوي. ومراده: أنا الأسد في جراءته وإقدامه وقوته. (5) غابات: جمع غابة. وهي الشجر الملتف. وتطلق على عرين الأسد أي مأواه. كما يطلق العرين على الغابة أيضا. ولعل ذلك لاتخاذه اياه داخل الغاب غالبا. (6) أو فيهم بالصاع كيل السندرة: معناه أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا. والسندرة مكيال واسع. وقيل: هي العجلة. أي أقتلهم عاجلا. وقيل: مأخوذ من السندرة: وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسي. (7) مسلم (1807) . (8) البخاري- الفتح 13 (7139) . (9) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. (10) عمية: هي بضم العين وكسرها. لغتان مشهورتان. والميم مكسورة مشددة والياء مشددة أيضا. قالوا: هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه. كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور. قال اسحاق بن راهويه: هذا كتقاتل القوم للعصبية. (11) لعصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. سموا بذلك لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم. والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره كذلك. لا لنصرة الدين والحق بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. كما يقاتل أهل الجاهلية، فإنهم إنما كانوا يقاتلون لمحض العصبية. (12) فقتلة: خبر لمبتدأ محذوف. أي فقتلته كقتلة أهل الجاهلية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4404 ومن خرج على أمّتي، يضرب برّها وفاجرها. ولا يتحاشى «1» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه» ) * «2» . 14- * (عن جندب بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قتل تحت راية عمّيّة، يدعو عصبيّة، أو ينصر عصبيّة، فقتلة جاهليّة» ) * «3» . 15- * (عن أبي الطفيل قال: كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة «4» ؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك. قال: كنّا نخبر أنّهم أربعة عشر. فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر. وأشهد بالله أنّ اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. وعذر ثلاثة. قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا علمنا بما أراد القوم. وقد كان في حرّة «5» فمشى فقال: «إنّ الماء قليل. فلا يسبقني إليه أحد» فوجد قوما قد سبقوه. فلعنهم يومئذ) * «6» . من الآثار الواردة في ذمّ (الحرب والمحاربة) 1- * (قال ابن الجوزيّ: «عداوة الأقارب صعبة وربّما دامت كحرب بكر وتغلب ابني وائل وعبس وذبيان ابني بغيض، والأوس والخزرج ابني قيلة» ) * «7» . قال الحافظ: ركدت هذه الحروب أربعين عاما. 2- * (قال زهير بن أبي سلمى: وما الحرب إلّا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجّم «8» مّتى تبعثوها «9» تبعثوها ذميمة ... وتضر «10» إذا ضرّيتموها فتضرم فتعرككم «11» عرك الرحى بثفالها «12» ... وتلقح كشافا «13» ثمّ تنتج فتتئم «14»   (1) ولا يتحاشى: وفي بعض النسخ (يتحاش) بحذف الياء. ومعناه لا يكترث بما يفعله فيها، ولا يخاف وباله وعقوبته. (2) مسلم (1848) . (3) مسلم (1850) . (4) العقبة: هذه العقبة ليست العقبة المشهورة بمنى، التي كانت بها بيعة الأنصار، رضي الله عنهم. وإنما هذه عقبة على طريق تبوك، اجتمع المنافقون فيها للغدر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك. فعصمه الله منهم. (5) حرة: الحرة أرض ذات حجارة سود، والجمع حرار. (6) مسلم (2779) . (7) صيد الخاطر (580) . (8) المرجم: المظنون. (9) تبعثوها: تثيروها لا تحمدوا أمرها، وذميمة مذمومة. (10) تضر أي تعود، ضري يضرى ضراوة إذا تعود. إذا ضريتموها أي عودتموها، يعني الحرب. (11) تعرككم: أراد تطحنكم هذه الحرب. (12) بثفالها: أي لها ثفال وهي جلدة تكون تحت الرحى يقع الدقيق عليها. (13) وتلقح كشافا: أي تدارككم الحرب. (14) فتتئم: تأتيكم باثنين اثنين، تفظيعا لها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4405 فتنتج لكم غلمان أشأم كلّهم ... كأحمر عاد «1» ثمّ ترضع فتفطم فتغلل لكم ما لا تغلّ لأهلها «2» ... قرى بالعراق من قفيز ودرهم) * «3» من مضار (الحرب والمحاربة) (1) الحروب ابتلاء وسخط من الله عزّ وجلّ يسلّطها على من خالف أمره. (2) فيها خراب البلاد وإضاعة الأموال وإزهاق الأرواح. (3) تورث الفقر والدمار للمحروبين. (4) تشيع العداوة والبغضاء وتنتج أجيالا ضائعة.   (1) كأحمر عاد: المراد أحمر ثمود عاقر الناقة. (2) هذا تهكم من الشاعر واستهزاء، أي تكثر أموالكم من ديات قتلاكم. (3) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى (18- 21) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4406 الحزن* الحزن لغة: مصدر قولهم: حزن يحزن، وهو مأخوذ من مادّة (ح ز ن) الّتي تدلّ على خشونة في الشيء وشدّة فيه، فمن ذلك: الحزن وهو ما غلظ من الأرض، والحزن (ضدّ الفرح) ، يقال: حزنني الشيء يحزنني، وقد قالوا: أحزنني، وقال الرّاغب: الحزن والحزن: خشونة في الأرض، وخشونة في النفس لما يحصل فيها من الغمّ، وقول الله تعالى: وَلا تَحْزَنُوا (آل عمران/ 139) وقوله جلّ من قائل: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ (الحجر/ 88) فليس ذلك بنهي عن تحصيل الحزن، فالحزن ليس يحصل بالاختيار، ولكنّ النهي في الحقيقة إنّما هو عن تعاطي ما يورث الحزن، وعن اكتسابه. وقال الجوهريّ: الحزن والحزن خلاف السرور، يقال: حزن الرجل (بالكسر) فهو حزن وحزين وأحزنه غيره وحزنه مثل أسلكه وسلكه، وقال بعضهم: حزنه لغة قريش، وأحزنه لغة تميم، وقد قرىء بهما، واحتزن وتحزّن بمعنى، والحزانة: عيال الرجل الّذي يتحزّن بأمرهم، ويقال: فلان يقرأ بالتّحزين: إذا أرقّ صوته به. وقال ابن منظور: الحزن والحزن نقيض الفرح، وهو خلاف السرور، والجمع أحزان، وقد حزن، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 20/ 12/ 4 () بالكسر حزنا وتحازن وتحزّن. ورجل حزنان ومحزان: شديد الحزن. وحزنه الأمر يحزنه حزنا وأحزنه فهو محزون ومحزن وحزين وحزن ... قال سيبويه: أحزنه، جعله حزينا، وحزّنه جعل فيه حزنا «1» . واصطلاحا: الحزن: عبارة عمّا يحصل لوقوع مكروه، أو فوات محبوب في الماضي «2» . وقال المناويّ: الحزن (بالضّمّ) هو الغمّ الحاصل لوقوع مكروه أوفوات محبوب، ويضادّه الفرح «3» . وقال الكفويّ: الحزن: غمّ يلحق من فوات نافع أو حصول ضارّ، وقال بعضهم: الخوف علّة المتوقّع والحزن علّة الواقع «4» . الفرق بين الحزن والجزع: إنّ الجزع حزن يصرف الإنسان عمّا هو بصدده ويقطعه عنه، وهو أبلغ من الحزن لأنّ الحزن عامّ، يشمل ما يصرف الإنسان وما لا يصرفه عمّا هو بصدده «5» . [للاستزادة: انظر صفات القنوط- الكرب- العبوس- اليأس- الذل- الضعف- الوهن- التخاذل- السخط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: السرور- البشاشة- الرضا- طلاقة الوجه- الفرح- البشارة- الرجولة- الطموح- الصبر والمصابرة- الاحتساب] .   * الحزن المبحوث هنا هو الحزن المذموم شرعا. (1) لسان العرب «ح ز ن» (13/ 111) ، مقاييس اللغة (2/ 54) ، المفردات (115- 116) ، الصحاح (5/ 2098) . (2) انظر التعريفات للجرجاني (9) . (3) التوقيف (139) . (4) الكليات (428) . (5) المرجع السابق (354) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4407 الآيات الواردة في «الحزن» النهي عن الحزن على المصائب: 1- وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) «1» 2- * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) «2» 3- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) «3» 4- وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (86) «4» الحزن بمعنى الخوف: 5- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «5» 6- قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) «6» 7- (*) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) «7»   (1) آل عمران: 139 مدنية (2) آل عمران: 153 مدنية (3) الأنعام: 33 مكية (4) يوسف: 84- 86 مكية (5) التوبة: 40 مدنية (6) يوسف: 11- 13 مكية (7) مريم: 22- 24 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4408 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) «1» الحزن بمعنى الغمّ: 9- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) «2» 10- قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) «3» 11- وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (8) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) (*) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) «4» 12- وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) «5»   (1) المجادلة: 9- 10 مدنية (2) يونس: 62- 65 مكية (3) طه: 36- 40 مكية (4) القصص: 7- 13 مكية (5) فاطر: 34 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4409 13- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) «1» 14- الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) «2» النهي عن الحزن على الكافرين أو منهم: 15- (*) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) «3» 16- وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) «4» 17- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) «5» 18- وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (33) «6» 19- (*) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (23) «7» 20- فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (76) «8»   (1) فصلت: 30 مكية (2) الزخرف: 67- 68 مكية (3) المائدة: 41 مدنية (4) النحل: 127- 128 مكية (5) النمل: 69- 70 مكية (6) العنكبوت: 33 مكية (7) لقمان: 22- 23 مكية (8) يس: 76 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4410 الأحاديث الواردة في ذمّ (الحزن) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب. وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا. ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوّة، والرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة «1» بشرى من الله. ورؤيا تحزين من الشيطان. ورؤيا ممّا يحدّث المرء نفسه. فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصلّ ولا يحدّث بها الناس» ) * «2» . 2- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا صار أهل الجنّة إلى الجنّة، وصار أهل النار إلى النار، أتي بالموت حتّى يجعل بين الجنّة والنار. ثمّ يذبح. ثمّ ينادي مناد: يأهل الجنّة لا موت. ويأهل النار لا موت. فيزداد أهل الجنّة فرحا إلى فرحهم. ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم» ) * «3» . 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر. حتّى تختلطوا بالنّاس، من أجل أن يحزنه» ) * «4» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لأبي طلحة: «التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتّى أخرج إلى خيبر. فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين «5» ، وغلبة الرجال» ) * «6» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها كانت تأمر بالتّلبين للمريض وللمحزون على الهالك، وكانت تقول: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ التلبينة «7» تجمّ فؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن» ) * «8» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ حتّى الشوكة يشاكها إلّا كفّر الله بها من خطاياه» ) * «9» .   (1) فرؤيا الصالحة: من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته. (2) البخاري- الفتح 12 (7017) ، ومسلم (2263) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 11 (6548) ، ومسلم (2850) واللفظ له. (4) مسلم (2184) . (5) ضلع الدين: ثقل الدين. (6) البخاري- الفتح 6 (2893) واللفظ له، ومسلم (1365) . (7) التلبينة: حساء يعمل من دقيق أو نخالة وربما يجعل فيها شيء من العسل أو اللبن وسميت بذلك تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها. (8) البخاري- الفتح 10 (5689) . (9) البخاري- الفتح 10 (5641، 5642) ، ومسلم (2573) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4411 الأحاديث الواردة في ذمّ (الحزن) معنى 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حضر المؤمن «1» أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيّا عنك، إلى روح الله وريحان، وربّ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتّى إنّه ليناوله بعضهم بعضا، حتّى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح الّتي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشدّ فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه فإنّه كان في غمّ الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمّه الهاوية. وإنّ الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك، إلى عذاب الله- عزّ وجلّ- فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتّى يأتون به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الريح، حتّى يأتون به أرواح الكفّار» ) * «2» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (مريم/ 39) قال: «يؤتى بالموت كأنّه كبش أملح حتّى يوقف على السور بين الجنّة والنار، فيقال: يأهل الجنّة فيشرئبّون، ويقال: يأهل النار فيشرئبّون، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيضجع فيذبح، فلولا أنّ الله قضى لأهل الجنّة الحياة فيها والبقاء، لماتوا فرحا. ولولا أنّ الله قضى لأهل النار الحياة فيها والبقاء لماتوا ترحا» ) * «3» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه ... الحديث، وفيه: «وكان الّذي تولّى كبره. عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكى. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» فذاك يريبني، ولا أشعر بالشّرّ، حتّى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «4» . وهو متبرّزنا، ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأوّل في التنزّه. وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم ابن المطّلب بن عبد مناف، وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد ابن المطّلب. قالت: فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل   (1) حضر المؤمن: أي حضرته الوفاة. (2) صحيح سنن النسائي (1729) ، وقال الألباني (1309) : صحيح. (3) البخاري- الفتح (4730) ، ومسلم (2849) ، والترمذي (3156) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والترح: نقيض الفرح. (4) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4412 بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبّين رجلا قد شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه: أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتى فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم ثمّ قال: «كيف تيكم؟» قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه! ما يتحدّث الناس؟ فقالت: يا بنيّة! هوّني عليك فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها ولها ضرائر إلّا كثّرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله، وقد تحدّث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتّى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثمّ أصبحت أبكي ... الحديث، وفيه: قالت: وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثمّ بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلّم ثمّ جلس. قالت ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا بعد: يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي: والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) ... الحديث» ) * «1» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم اهد أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى   (1) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم 4 (2770) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4413 الباب، فإذا هو مجاف «1» فسمعت أمّي خشف قدميّ «2» ، فقالت مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «3» . قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال: خيرا. قال: قلت يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين. وحبّب إليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «4» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل أحد الجنّة إلّا أري مقعده من النار لو أساء، ليزداد شكرا، ولا يدخل النار أحد إلّا أري مقعده من الجنّة لو أحسن ليكون عليه حسرة» ) * «5» . 12- * (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ، إلّا في غزوة تبوك، غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه، إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم ... الحديث، وفيه: «فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّ رسول الله قد توجّه قافلا «6» من تبوك، حضرني بثّي ... الحديث، وفيه: قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثلاثة، من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا الناس. وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض الّتي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد، وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السلام، أم لا؟ ثمّ أصلّى قريبا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ. وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي، حتّى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي، وأحبّ الناس إليّ، فسلّمت عليه، فو الله ما ردّ عليّ السلام، فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمنّ أنّي أحبّ الله ورسوله؟ قال: فسكت، فعدت فناشدته، فسكت فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله   (1) مجاف: مغلق. (2) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض. (3) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه. (4) مسلم (2491) . (5) البخاري- الفتح 11 (6569) . (6) توجه قافلا: أي راجعا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4414 أعلم. ففاضت عيناي، وتولّيت، حتّى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ من نبط أهل الشام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدلّ على كعب ابن مالك؟ قال فطفق الناس يشيرون له إليّ. حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان- وكنت كاتبا- فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد، فإنّه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. قال فقلت، حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء، فتياممت بها التنّور فسجرتها بها، حتّى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، إذا رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنّها. قال فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتّى يقضي الله في هذا الأمر. قال فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت له: يا رسول الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم. فهل تكره أن أخدمه؟ قال «لا، ولكن لا يقربنّك» فقالت: إنّه، والله ما به حركة إلى شيء. وو الله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان، إلى يومه هذا، وقال فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتك؟ فقد أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه. قال فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابّ. قال فلبثت بذلك عشر ليال. فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله- عزّ وجلّ- منّا، قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «1» يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررت ساجدا ... الحديث» ) * «2» . من الآثار الواردة في ذمّ (الحزن) 1- * (قال إبراهيم التيميّ: «ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار لأنّ أهل الجنّة قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنّة لأنّهم قالوا: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) * «3» . 2- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «من أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى، وتعلّق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبّة سواه، فإنّ   (1) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف. (2) البخاري- الفتح 7 (4418) ، مسلم 4 (2769) واللفظ له. (3) التخويف من النار، لابن رجب (21) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4415 من أحبّ شيئا غير الله عذّب به، وسجن قلبه في محبّة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه. ولا أكسف بالا، ولا أنكد عيشا، ولا أتعب قلبا. ومحبّة غير الله سبحانه هي عذاب الروح، وغمّ النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء» ) * «1» . 3- * (وقال أيضا- رحمه الله-: «البخيل الّذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا، وأنكدهم عيشا، وأعظمهم همّا وغمّا. وقد ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. مثلا للبخيل والمتصدّق، كمثل رجلين عليهما جنّتان من حديد، كلّما همّ المتصدّق بصدقة، اتّسعت عليه وانبسطت، حتّى يجرّ ثيابه ويعفّي أثره، وكلّما همّ البخيل بالصّدقة، لزمت كلّ حلقة مكانها، ولم تتّسع عليه «2» . فهذا مثل انشراح صدر المتصدّق، وانفساح قلبه، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه» ) * «3» . 4- * (وقال- رحمه الله-:* (الجبان أضيق الناس صدرا، وأحصرهم قلبا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذّة له، ولا نعيم إلّا من جنس ما للحيوان البهيميّ. وذلك الضيق والحصر، ينقلب في القبر عذابا وسجنا. فحال العبد في القبر، كحال القلب في الصدر، نعيما وعذابا وسجنا وانطلاقا) * «4» . من مضار (الحزن) (1) الحزن مع السخط يحبط الثواب. (2) الّذي يحزن ويستكين للحزن لا يفطن إلى تعاليم الدين. (3) إهلاك النفس بدون جدوى. (4) الإضرار بالعقيدة. (5) الّذي يحزن ويسخط في الدنيا يحزن في الآخرة أيضا. (6) الحزن من صفات الكفّار في الآخرة. (7) إدخال الحزن على المؤمن خاصّة فى الرؤيا من عمل الشيطان، وفي الاستكانة لذلك تحقيق لغرضه. (8) الركون إلى الحزن قرين الهوان والضعف وعلى المسلم الحقّ ألّا يركن لذلك.   (1) زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 25) بتصرف واختصار. (2) المرجع السابق (2/ 25- 26) بتصرف واختصار. (3) البخاري- الفتح (3/ 141- 242) ، ومسلم (1021) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد من ثديّهما إلى تراقيهما، فأما المنفق، فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل، فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها، فلا تتسع» . (4) زاد المعاد (2/ 26- 27) بتصرف واختصار. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4416 الحسد الحسد لغة: الحسد مصدر قولهم: حسد يحسد ويحسد- بكسر السين وضمّها- وأصله القشر وهو مأخوذ من الحسدل وهو القراد، فالحسد يقشر القلب، كما تقشر القراد الجلد فتمتصّ دمه. وحسدتك على الشيء، وحسدتك الشيء بمعنى. يقول الفيّوميّ: «حسدته على النعمة وحسدته النعمة حسدا. بفتح السين أكثر من سكونها، يتعدّى إلى الثاني بنفسه وبالحرف إذا كرهتها عنده، وتمنّيت زوالها عنه» وهو عند أهل التحقيق غير الغبطة، لأنّ الأولى صفة المنافقين، والثانية صفة المؤمنين. قال الراغب: وروي «المؤمن يغبط، والمنافق يحسد» ومنه قوله تعالى حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ (البقرة/ 109) وقوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (الفلق/ 5) وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا حسد إلّا في اثنتين» هو أن يتمنّى الرجل أن يرزقه الله ما لا ينفق منه في سبيل الخير، أو الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 20/ 24 يتمنّى أن يكون حافظا لكتاب الله، فيتلوه آناء اللّيل وأطراف النّهار، ولا يتمنّى أن يرزأ صاحب المال في ماله أو تالي القرآن في حفظه، وهذا هو الحسد المباح، وهو ما يسمّى بالغبطة، وقال ابن منظور: الحسد أن تتمنّى زوال نعمة المحسود، وحسده يحسده ويحسده حسدا وحسّده إذا تمنّى أن تتحوّل إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما. وتحاسد القوم، ورجل حاسد من قوم حسّد «1» . الحسد اصطلاحا: كراهة النعمة وحبّ زوالها عن المنعم عليه. وقال الجرجانيّ: الحسد تمنّي زوال نعمة المحسود إلى الحاسد «2» . وقال الجاحظ: الحسد: هو التألّم بما يراه الإنسان لغيره وما يجده فيه من الفضائل، والاجتهاد في إعدام ذلك الغير ما هو له، وهو خلق مكروه وقبيح بكلّ أحد «3» . وقال الماورديّ: حقيقة الحسد: شدّة الأسى   (1) الصحاح للجوهري (2/ 546) ، ولسان العرب (3/ 148- 149) ، ومقاييس اللغة (2/ 61) ، والمفردات (117) ، والمصباح المنير (1/ 135) . (2) الإحياء (3/ 189) ، والتعريفات (87) . (3) تهذيب الأخلاق (34) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4417 على الخيرات تكون للنّاس الأفاضل «1» . وقال المناويّ: الحسد: تمنّي زوال نعمة عن مستحقّ لها، وقيل: هو ظلم ذي النعمة بتمنّي زوالها عنه وصيرورتها إلى الحاسد «2» . وقال الكفويّ: الحسد: اختلاف القلب على الناس لكثرة الأموال والأملاك «3» . وقال الراغب: الحسد تمنّي زوال نعمة من مستحقّ لها، وربّما كان مع ذلك سعي في إزالتها. فضيلة الابتعاد عن الحسد: قال الماورديّ- رحمه الله-: اعلم أنّ الحسد خلق ذميم، مع إضراره بالبدن، وإفساده للدّين، حتّى لقد أمر الله بالاستعاذة من شرّه، فقال تعالى: وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (الفلق/ 5) . وناهيك بحال ذلك شرّا، ولو لم يكن من ذمّ الحسد إلّا أنّه خلق دنيء، يتوجّه نحو الأكفاء والأقارب، ويختصّ بالمخالط والصاحب، لكانت النزاهة عنه كرما، والسلامة منه مغنما، فكيف وهو بالنّفس مضرّ، وعلى الهمّ مصرّ حتّى ربّما أفضى بصاحبه إلى التلف، من غير نكاية في عدوّ، ولا إضرار بمحسود. بين الحسد والمنافسة: إذا كان الحسد شدّة الأسى على الخيرات تكون للنّاس الأفاضل، فإنّه غير المنافسة، وربّما غلط قوم فظنّوا أنّ المنافسة في الخير هي الحسد، وليس الأمر على ما فطنوا؛ لأنّ المنافسة طلب التشبّه بالأفاضل من غير إدخال ضرر عليهم، والحسد مصروف إلى الضرر؛ لأنّ غايته أن يعدم الأفاضل فضلهم من غير أن يصير الفضل له، فهذا الفرق بين المنافسة والحسد، فالمنافسة إذن فضيلة لأنّها داعية إلى اكتساب الفضائل والاقتداء بأخيار الأفاضل، واعلم أنّه بحسب فضل الإنسان، وظهور النعمة عليه، يكون حسد الناس له، فإن كثر فضله كثر حسّاده، وإن قلّ قلّوا، لأنّ ظهور الفضل يثير الحسد، وحدوث النعمة يضاعف الكمد «4» . الفرق بين البخل والحسد: قال الكفويّ: البخل والحسد مشتركان في أنّ صاحبهما يريد منع النعمة عن الغير، ثمّ يتميّز البخيل بعدم دفع ذي النعمة شيئا، والحاسد يتمنّى ألّا يعطى أحد سواه شيئا «5» . الفرق بين الحسد والغبطة: قال الكفويّ: الغبطة: تمنّي الإنسان أن يكون له من الّذي لغيره من غير إرادة إذهاب ما لغيره، أمّا الحسد فهو إرادة زوال نعمة الغير، ثمّ إنّ الغبطة صفة المؤمن، والحسد صفة المنافق «6» . دواعي الحسد: قال الماورديّ- رحمه الله-: اعلم أنّ دواعي الحسد ثلاثة: 1- بغض المحسود، فيأسى عليه بفضيلة   (1) أدب الدنيا والدين (260) . (2) التوقيف (139، 140) . (3) الكليات للكفوي (408، 672) . (4) أدب الدنيا والدين للماوردي (260- 226) ، (176، 177) ط. بولاق. (5) الكليات (242) . (6) المرجع السابق (672) ، وانظر المفردات للراغب (117) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4418 تظهر، أو منقبة تشكر، فيثير حسدا قد خامر بغضا وهذا النوع لا يكون عامّا، وإن كان أضرّها، لأنّه ليس يبغض كلّ الناس. 2- أن يظهر من المحسود فضل يعجز عنه، فيكره تقدّمه فيه، واختصاصه به، فيثير ذلك حسدا لولاه لكفّ عنه، وهذا أوسطها، لأنّه لا يحسد من الأكفاء من دنا، وإنّما يختصّ بحسد من علا، وقد يمتزج بهذا النوع ضرب من المنافسة، ولكنّها مع عجز، فلذلك صارت حسدا. 3- أن يكون في الحاسد شحّ بالفضائل، وبخل بالنّعم وليست إليه، فيمنع منها، ولا بيده، فيدفع عنها، لأنّها مواهب قد منحها الله من شاء، فيسخط على الله- عزّ وجلّ- في قضائه، ويحسد على ما منح من عطائه، وإن كانت نعم الله- عزّ وجلّ- عنده أكثر، ومنحه عليه أظهر، وهذا النوع من الحسد أعمّها وأخبثها، إذ ليس لصاحبه راحة، ولا لرضاه غاية، فإن اقترن بشرّ وقدرة كان جورا وانتقاما، وإن صادف عجزا ومهانة كان جهدا وسقاما. وأضاف الغزالي إلى ذلك أسبابا أخرى أهمّها: الخوف من فوت المقاصد، وذلك يختصّ بمتزاحمين على مقصود واحد. فإن كان واحد يحسد صاحبه في كلّ نعمة تكون عونا له في الانفراد بمقصوده، ومن هذا الجنس تحاسد الضرّات في التزاحم على مقاصد الزوجيّة، وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتّوصّل به إلى مقاصد الكرامة والمال «1» . دواء الحسد: الحسد يعالج بأمور هي له حسم، إن صادفها عزم، فمنها: اتّباع الدين في اجتنابه، والرجوع إلى الله عزّ وجلّ- في آدابه فيقهر نفسه على مذموم خلقها، وينقلها عن لئيم طبعها وإن كان نقل الطباع عسرا، لكن بالرّياضة والتدريج يسهل منها ما استصعب، ويحبّب منها ما أتعب. ومنها: العقل الّذي يستقبح به من نتائج الحسد ما لا يرضيه، ويستنكف من هجنة مساويه. فيذلّل نفسه أنفة، ويطهّرها حميّة، فتذعن لرشدها، وتجيب إلى صلاحها. وهذا إنّما يصحّ لدى النفس الأبيّة، والهمّة العليّة، وإن كان ذو الهمّة يجلّ عن دناءة الحسد. ومنها: أن يستدفع ضرره، ويتوقّى أثره، ويعلم أنّ مكانته في نفسه أبلغ، ومن الحسد أبعد، فيستعمل الحزم في دفع ما كدّه وأكمده، ليكون أطيب نفسا وأهنأ عيشا. ومنها: أن يرضى بالقضاء، ويستسلم للمقدور، ولا يرى أن يغالب قضاء الله، فيرجع مغلوبا، ولا أن يعارضه في أمره، فيردّ محروما مسلوبا. فإن أظفرته السعادة بأحد هذه الأسباب، واقتادته المراشد إلى استعمال الصواب، سلم من سقامه، وخلص من غرامه، واستبدل بالنّقص فضلا، واعتاض من الذمّ حمدا، ولمن استنزل نفسه عن   (1) أدب الدنيا والدين (176) ، وإحياء علوم الدين للغزالي (3/ 200) (ط. الريان) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4419 مذمّة، وصرفها عن لائمة هو أظهر حزما، وأقوى عزما، ممّن كفته النّفس جهادها، وأعطته قيادها «1» . قال ابن القيّم- رحمه الله-: «ويندفع شرّ الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب: السبب الأوّل: التعوّذ بالله من شرّه، والتحصّن به واللجوء إليه. السبب الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه. فمن اتّقى الله تولّى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره. السبب الثالث: الصبر على عدوّه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلا. فما نصر على حاسده وعدوّه بمثل الصبر عليه. السبب الرابع: التوكّل على الله. فمن توكّل على الله فهو حسبه، والتوكّل من أقوى الأسباب الّتي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم. وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإنّ الله حسبه، أي كافيه. ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه. السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلّما خطر له. فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه. وهذا من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شرّه. السبب السادس: وهو الإقبال على الله، والإخلاص له وجعل محبّته ورضاه والإنابة إليه في محلّ خواطر نفسه وأمانيّها تدبّ فيها دبيب تلك الخواطر شيئا حتّى يقهرها ويغمرها ويذيبها بالكلّيّة. فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيّه كلّها في محابّ الربّ، والتقرّب إليه. السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب الّتي سلّطت عليه أعداءه. فإنّ الله تعالى يقول: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (الشورى/ 30) . السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإنّ لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء، ودفع العين، وشرّ الحاسد ولو لم يكن في هذا إلّا بتجارب الأمم قديما وحديثا لكفي به. فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها ولا عرّضها للزّوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله. وهو كفران النعمة. وهو باب إلى كفران المنعم. السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقّها عليها، ولا يوفّق له إلّا من عظم حظّه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلّما ازداد أذى وشرّا وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا، وله نصيحة، وعليه شفقة. وما أظنّك تصدّق بأنّ هذا يكون فضلا عن أن تتعاطاه، فاستمع الآن إلى قوله- عزّ وجلّ-: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ   (1) أدب الدنيا والدين للماوردي (262- 264) ، (176) وما بعدها (ط. بولاق) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4420 صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (فصلت/ 34- 36) . السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كلّه، وعليه مدار هذه الأسباب، وهو تجريد التوحيد، والترحّل بالفكر في الأسباب إلى المسبّب العزيز الحكيم، والعلم بأنّ هذه الآلات بمنزلة حركات الرّياح، وهي بيد محرّكها، وفاطرها وبارئها، ولا تضرّ ولا تنفع إلّا بإذنه. فهو الّذي يحسن عبده بها، وهو الّذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه. قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يونس/ 107) » «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الغل- الأثرة- صغر الهمة- الطمع- النقمة- البخل- الشح- السخط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرضا- القناعة- المحبة- الإيثار- الزهد- السخاء] .   (1) التفسير القيم، لابن القيم (585، 593) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4421 الآيات الواردة في «الحسد» 1- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «1» 2- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) «2» 3- سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) «3» 4- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5) «4»   (1) البقرة: 109 مدنية (2) النساء: 51- 54 مدنية (3) الفتح: 15 مدنية (4) الفلق: 1- 5 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4422 الأحاديث الواردة في ذمّ (الحسد) 1- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ جبريل أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا محمّد اشتكيت؟» فقال: «نعم» . قال: «باسم الله أرقيك. من كلّ شيء يؤذيك، من شرّ كلّ نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إذا فتحت عليكم فارس والروم أيّ قوم أنتم؟» قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله «2» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو غير ذلك. تتنافسون، ثمّ تتحاسدون، ثمّ تتدابرون، ثمّ تتباغضون، أو نحو ذلك، ثمّ تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض» ) * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه سيصيب أمّتي داء الأمم» قالوا: وما داء الأمم؟ قال: «الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباعد والتحاسد حتّى يكون البغي ثمّ الهرج» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والظنّ «5» ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا «6» ، ولا تنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «7» . 5- * (عن الزبير بن العوّام- رضي الله عنه- أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «دبّ إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أفلا أنبّئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السلام بينكم» ) * «8» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الناس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب، صدوق اللسان» قالوا: صدوق اللسان نعرفه. فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقيّ النقيّ. لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد» ) * «9» .   (1) مسلم (2186) . (2) نقول كما أمرنا الله: أي نحمده ونشكره. (3) مسلم (2962) . (4) قال الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 199) : أخرجه ابن أبي الدنيا، والطبراني في الأوسط بإسناد جيد. (5) إياكم والظن: المراد النهي عن ظن السوء. (6) ولا تحسسوا ولا تجسسوا: التحسس الاستماع لحديث القوم. والتجسس البحث عن العورات. (7) البخاري الفتح 10 (6066) . ومسلم (2563) واللفظ له (8) الترمذي (2510) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول (3/ 626) : له شواهد وهو بها حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 548) وقال: رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما. (9) ابن ماجة (4216) وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4423 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافرا، ثمّ سدّد وقارب، ولا يجتمعان في جوف مؤمن غبار في سبيل الله، وفيح جهنّم، ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد» ) * «1» . 8- * (عن ضمرة بن ثعلبة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا» ) * «2» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على الإسلام والتأمين» ) * «3» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله لينزلنّ ابن مريم حكما عادلا. فليكسرنّ الصليب. وليقتلنّ الخنزير. وليضعنّ الجزية. ولتتركنّ القلاص «4» فلا يسعى عليها. ولتذهبنّ الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعونّ (وليدعونّ) إلى المال فلا يقبله أحد» ) * «5» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما حسدت أحدا ما حسدت خديجة، وما تزّوجني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا بعد ما ماتت، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشّرها ببيت في الجنّة من قصب «6» لا صخب فيه ولا نصب) * «7» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الحسد) معنى 12- * (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه- وهو حليف بني عامر بن لؤيّ، وكان شهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أخبره، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة ابن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين. وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ. فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين. فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة. فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انصرف. فتعرّضوا له. فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم. ثمّ قال: «أظنّكم سمعتم أنّ أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟» فقالوا: أجل. يا رسول الله. قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم. فو الله ما الفقر أخشى   (1) صحيح سنن النسائي (2912) وقال الألباني: حسن. وصدره عند مسلم (1891) . (2) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 547) وقال: رواه الطبراني ورواته ثقات. (3) ابن ماجة (856) . وفي الزوائد: هذا إسناده صحيح ورجاله ثقات. والمراد ب «التأمين» هنا هو قول المصلي «آمين» عقب قراءة الفاتحة. (4) القلاص: هي من الإبل كالفتاة من النساء وذكرت هنا لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب، والمعنى: أن يزهد فيها لكثرة الأموال. (5) مسلم (155) . (6) من قصب: يعني من اللؤلؤ المجوف الواسع كالقصر المنيف. والقصب من الجوهر: ما كان مستطيلا أجوف، وقيل: أنابيب من جوهر. (7) الترمذي (3876) وقال: هذا حديث حسن، ورواه الحاكم في المستدرك (3/ 186) وصححه ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4424 عليكم، ولكنّي أخشى عليكم أن تبسط الدّنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها «1» كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم» ) * «2» . 13- * (عن أمّ سلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لجارية، في بيت أمّ سلمة، زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، رأى بوجهها سفعة «3» ، فقال: «بها نظرة «4» ، فاسترقوا لها» (يعني بوجهها صفرة» ) * «5» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرها أن تسترقي من العين) * «6» . 15- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرقية من العين، والحمة «7» ، والنملة «8» ) * «9» . 16- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: رخّص النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لآل حزم في رقية الحيّة. وقال لأسماء بنت عميس: «مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة «10» تصيبهم الحاجة» قالت: لا. ولكنّ العين تسرع إليهم. قال: «ارقيهم» قالت: فعرضت عليه، فقال: «ارقيهم» ) * «11» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العين حقّ» ) * «12» . 18- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «العين حقّ ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغتسلوا» ) * «13» . 19- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من عين الجانّ، ثمّ أعين الإنس، فلمّا نزلت المعوّذتان، أخذ بهما، وترك ما سوى ذلك) * «14» . 20- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوّذ الحسن والحسين ويقول: «إنّ أباكما كان يعوّذ بهما إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامّة، من كلّ شيطان وهامّة «15» ، ومن كلّ عين لامّة» ) * «16» .   (1) قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه، وهو أوّل درجات الحسد. (2) البخاري- الفتح 6 (3158) . ومسلم (2961) واللفظ له. (3) السفعة: فسرها في الحديث بالصفرة، وقيل: سواد. وقيل: هي لون يخالف لون الوجه. (4) نظرة: النظرة هي العين، أي أصابتها عين. (5) البخاري- الفتح 10 (5739) . ومسلم (2197) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 10 (5738) . ومسلم (2195) واللفظ له. وابن ماجة (3512) . (7) الحمة: هي السم، ومعناه أذن في الرقية من كل ذات سم. (8) النملة: هي قروح تخرج في الجنب. (9) مسلم (2196) واللفظ له. والترمذي (2056) وابن ماجة (3516) . (10) ضارعة: أي نحيفة. والمراد أولاد جعفر رضي الله عنه. (11) مسلم (2198) . (12) مسلم (2187) . (13) مسلم (2188) . (14) ابن ماجة (3511) واللفظ له، والترمذي (2058) وقال: حديث حسن، والنسائي (8/ 271) ، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5069) . (15) الهامة: واحدة الهوام وهي الحيات. (16) البخاري- الفتح 6 (3371) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4425 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الحسد) 1- * (قال معاوية- رضي الله عنه-: ليس في خصال الشرّ أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود) * «1» . 2- * (قال معاوية- رضي الله عنه-: كلّ الناس أقدر على رضاه إلّا حاسد نعمة فإنّه لا يرضيه إلّا زوالها، ولذلك قيل: كلّ العداوات قد ترجى إماتتها ... إلّا عداوة من عاداك عن حسد ) «2» 3- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: ما كانت نعمة الله على أحد إلّا وجّه لها حاسدا) * «3» . 4- * (قال أبو الدرداء: ما أكثر عبد ذكر الموت إلّا قلّ فرحه وقلّ حسده) * «4» . 5- * (قال الحسن: يا بن آدم لم تحسد أخاك؟ فإن كان الّذي أعطاه لكرامته عليه، فلم تحسد من أكرمه الله؟ وإن كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إلى النار) * «5» . 6- * (قال رجل للحسن: هل يحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك بني يعقوب؟ نعم، ولكن غمّه في صدرك «6» فإنّه لا يضرّك ما لم تعد به يد ولا لسان «7» ) * «8» . 7- * (قال ابن سيرين- رحمه الله-: ما حسدت أحدا على شيء من أمر الدنيا لأنّه إن كان من أهل الجنّة فكيف أحسده وهي حفيرة في الجنّة؟ وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار؟) * «9» . 8- * (قال بكر بن عبد الله: كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم بحذاء الملك فيقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه؛ فإنّ المسيء سيكفيه إساءته، فحسده رجل على ذلك المقام والكلام، فسعى به إلى الملك فقال: إنّ هذا الّذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول زعم أنّ الملك أبخر، فقال له الملك: وكيف يصحّ ذلك عندي؟ قال: تدعوه إليك، فإنّه إذا دنا منك وضع يده على أنفه لئلّا يشمّ ريح البخر، فقال له: انصرف حتّى أنظر، فخرج من عند الملك فدعا الرجل من عنده وقام بحذاء الملك على عادته فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه فإنّ المسيء سيكفيه إساءته، فقال له الملك: ادن منّي، فدنا منه فوضع يده على فيه مخافة أن يشمّ الملك منه رائحة الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانا إلّا قد صدق قال: وكان الملك لا يكتب بخطّه إلّا بجائزة أو صلة فكتب له كتابا بخطّه إلى عامل من   (1) أدب الدنيا والدين (176) ط بولاق. (2) الإحياء للغزالي (3/ 201) ط الريان. (3) أدب الدنيا والدين (177) ط بولاق. (4) الإحياء (3/ 201) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) غمّه في صدرك: أخفه واكتمه فيه. (7) أي: لم تعتد بسببه اليد واللسان فإن اعتد أي منهما وجد الضرر. (8) الإحياء (3/ 201) ط. الريان. (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4426 عمّاله: إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحش جلده تبنا وابعث به إليّ، فأخذ الكتاب وخرج، فلقيه الرجل الّذي سعى به فقال: ما هذا الكتاب؟ قال خطّ الملك لي بصلة، فقال: هبه لي، فقال: هو لك، فأخذه ومضى به إلى العامل، فقال العامل: في كتابك أن أذبحك وأسلخك، قال: إنّ الكتاب ليس هو لي، فالله الله في أمري حتّى تراجع الملك، فقال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه وسلخه وحشا جلده تبنا وبعث به، ثمّ عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ فقال: لقيني فلان فاستوهبه منّي فوهبته له، قال له الملك: إنّه ذكر لي أنّك تزعم أنّي أبخر. قال: ما قلت ذلك قال: فلم وضعت يدك على فيك؟ قال: لأنّه أطعمني طعاما فيه ثوم فكرهت أن تشمّه، قال: صدقت. ارجع إلى مكانك، فقد كفي المسىء إساءته) «1» . 9- * (قال ابن المعتزّ: الحسد داء الجسد) * «2» . 10- * (وقال أيضا: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له. بخيل بما لا يملكه، طالب ما لا يجده) * «3» . 11- * (قال عبد الله بن المعتزّ- رحمه الله-: اصبر على كيد الحسو ... د فإنّ صبرك قاتله فالنّار تأكل بعضها ... إن لم تجد ما تأكله) * «4» . 12- * (قال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنّه يغتمّ في وقت سرورك) * «5» . 13- * (قال بعض الحكماء: الحسد جرح لا يبرأ، وحسب الحسود ما يلقى) * «6» . 14- * (قال بعض السلف: الحسد أوّل ذنب عصي الله به في السماء، يعني حسد إبليس لآدم- عليه السلام- وأوّل ذنب عصي الله به في الأرض، يعني حسد ابن آدم لأخيه حتّى قتله) * «7» . 15- * (قال بعضهم: الحاسد لا ينال من المجالس إلّا مذمّة وذلّا، ولا ينال من الملائكة إلّا لعنة وبغضا، ولا ينال من الخلق إلّا جزعا وغمّا، ولا ينال عند النزع إلّا شدّة وهولا، ولا ينال عند الموقف إلّا فضيحة ونكالا) * «8» . 16- * (قال بعض الحكماء: من رضي بقضاء الله تعالى لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد) * «9» . 17- * (قال بعض البلغاء: الناس حاسد ومحسود، ولكلّ نعمة حسود) * «10» . 18- * (قال بعض الأدباء: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحسود، نفس دائم، وهمّ لازم، وقلب هائم، فأخذه بعض الشعراء، فقال:   (1) الإحياء (3/ 200- 201) ط. الريان. (2) أدب الدنيا والدين (179) ط. الريان. (3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) المصدر السابق (176) ط بولاق. (5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) الإحياء (3/ 201) . (7) أدب الدنيا والدين (176) . (8) الإحياء (3/ 201) . (9) أدب الدنيا والدين (ص 176) ط. بولاق. (10) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4427 إنّ الحسود الظّلوم في كرب ... يخاله من يراه مظلوما ذا نفس دائم على نفس ... يظهر منها ما كان مكتوما ) * «1» . 19- قال عبد الحميد الكاتب: الحسود من الهمّ كساقي السمّ، فإن سرى سمّه زال عنه همّه) * «2» . 20- * (وقال أيضا: أسد تقاربه خير من حسود تراقبه) * «3» . 21- * (قال الشاعر: إن يحسدوني فإنّي غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظا بما يجد ) * «4» . 22- * (وقال آخر: يا حاسدا لي على نعمتي ... أتدري على من أسأت الأدب؟ أسأت على الله في حكمه ... لأنّك لم ترض لي ما وهب فأخزاك ربّي بأن زادني ... وسدّ عليك وجوه الطلب ) * «5» . 23- * (وقال آخر: إنّي لأرحم حاسدي من حرّ ما ... ضمّت صدورهم من الأوغار نظروا صنيع الله بي فعيونهم ... في جنّة وقلوبهم في النار ) * 6. 24- * (وقال آخر: جامل عدوّك ما استطعت فإنّه ... بالرّفق يطمع في صلاح الفاسد واحذر حسودك ما استطعت فإنّه ... إن نمت عنه فليس عنك براقد إنّ الحسود وإن أراك تودّدا ... منه أضرّ من العدوّ الحاقد ولربّما رضي العدوّ إذا رأى ... منك الجميل فصار غير معاند ورضا الحسود زوال نعمتك التي ... أوتيتها من طارف أو تالد فاصبر على غيظ الحسود فناره ... ترمي حشاه بالعذاب الخالد ) * «7» .   (1) أدب الدنيا والدين (176) ط. بولاق. (2) المصدر السابق (177) ط. بولاق. (3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) أدب الدنيا والدين (177) ط. بولاق. 5، 6 الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 555- 557) . (7) المصدر السابق (3/ 555- 557) الهامش. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4428 من مضار (الحسد) (1) إسخاط الله تعالى في معارضته، واجتناء الأوزار في مخالفته، إذ ليس يرى قضاء الله عدلا ولا لنعمه من الناس أهلا. (2) حسرات النفس وسقام الجسد، ثمّ لا يجد لحسرته انتهاء، ولا يؤمّل لسقامه شفاء. (3) انخفاض المنزلة، وانحطاط المرتبة. (4) مقت الناس له، حتّى لا يجد فيهم محبّا، وعداوتهم له حتّى لا يرى فيهم وليّا، فيصير بالعداوة مأثورا وبالمقت مزجورا. (5) يجلب النقم ويزيل النعم. (6) منبع الشرور العظيمة ومفتاح العواقب الوخيمة. (7) يورث الحقد والضغينة في القلب. (8) معول هدم في المجتمع. (9) دليل على سفول الخلق ودناءة النفس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4429 الحقد الحقد لغة: هو الاسم من قولهم: حقد فلان يحقد، وهو مأخوذ من مادّة (ح ق د) الّتي تدلّ على الضغن، يقول ابن فارس: «الحاء والقاف والدال أصلان: أحدهما الضغن، والآخر ألّا يوجد ما يطلب، فالأوّل الحقد، والآخر قولهم: أحقد القوم إذا طلبوا الذهبة في المعدن فلم يجدوها «1» ، وقال الجوهريّ: الحقد: الضغن وجمعه أحقاد، يقال: حقد عليه وحقد عليه، وأحقده غيره، ورجل حقود «2» . وقال ابن منظور: الحقد إمساك العداوة في القلب والتربّص لفرصتها، والحقد: الضغن، وهو الحقيدة والجمع حقائد، قال أبو صخر الهذليّ: وعدّ إلى قوم تجيش صدورهم ... بغشّي، لا يخفون حمل الحقائد يقال من ذلك: حقد عليّ يحقد حقدا، وحقد (بالكسر) حقدا وحقدا فيهما «3» ، فالحقد: الفعل (أي المصدر) ، والحقد: الاسم (من ذلك) ، وتحقّد كحقد الآيات/ الأحاديث/ الآثار 8/ 13/ 12 () (في المعنى) ، قال جرير: ولقد جمعن مع البعاد تحقّدا ورجل حقود: كثير الحقد، وأحقده الأمر: صيّره حاقدا، وأحقده غيره (جعله يحقد) «4» . الحقد اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الحقد: هو طلب الانتقام، وتحقيقه: أنّ الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفّي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا «5» . وقيل: هو سوء الظنّ في القلب على الخلائق لأجل العداوة «6» . وقال الجاحظ: الحقد: هو إضمار الشرّ للجاني إذا لم يتمكّن من الانتقام منه فأخفى ذلك الاعتقاد إلى وقت إمكان الفرصة «7» . بين الحقد والضغينة: إنّ تأمّل ما ذكره الجوهريّ وابن فارس وصاحب اللسان يشير بوضوح إلى أنّ الحقد يتساوى مع الضغينة ويرادفها تماما عند ابن فارس والجوهريّ،   (1) مقاييس اللغة 2/ 89. (2) الصحاح 2/ 466. (3) مراد ابن منظور أنه يقال في الفعلين حقد (بالتحريك) ، وحقد (بكسر القاف) حقد، ثم فسّر ذلك بأن الكلمة بكسر الحاء (حقد) هي الاسم من الفعلين جميعا. (4) لسان العرب 3/ 154، وانظر أيضا: القاموس المحيط ص 354 (ط. بيروت) . (5) التعريفات ص 95. (6) المرجع السابق، ص 96، وقد ذكر أبو البقاء الكفوي التعريف ذاته (انظر: الكليات 2/ 26) . (7) تهذيب الأخلاق ص 33. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4430 وجزئيّا عند ابن منظور لأنّه جعلها والضغن سواء في المعنى الثاني للحقد، فما الضغينة إذن؟ أمّا الجوهريّ فلم يزد على أن قال: الضغينة هي الحقد «1» ، ثمّ ذكر مشتقّاتها بما لا يخرج عن معنى الحقد أيضا، وكأنّ اللفظين مترادفان عنده تماما، وذهب ابن فارس إلى أنّ الضغن أصل صحيح يدلّ على تغطية الشيء في ميل واعوجاج ولا يدلّ على خير، ثمّ قال عقب ذلك: من ذلك الضغن: الحقد ... «2» ، ومن ثمّ يكون الحقد عند ابن فارس أيضا مرادفا للضّغن له معناه نفسه، وقال ابن منظور في (ضغن) : الضغن والضغن: الحقد، والضغن: الحقد والعداوة والبغضاء «3» ، ومنه حديث عمر- رضي الله عنه-: «أيّما قوم شهدوا على رجل بحدّ، ولم يكن (ذلك) بحضرة صاحب الحدّ فإنّما شهدوا على ضغن» أي حقد وعداوة، يريد فيما كان بين الله والعباد كالزنا والشرب ونحوهما «4» ، أمّا قول الله عزّ وجلّ: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (محمد/ 29) ، فقد جاء في تفسيره أنّ الضغينة: هي ما يضمر من المكروه، ثمّ اختلف في تفسيره فقيل: الغشّ، وقيل: الحسد، وقيل: الحقد «5» ، وقال القرطبيّ: المعنى: أم حسبوا أن لن يظهر الله عداوتهم وحقدهم لأهل الإسلام «6» ، ونخلص من ذلك إلى أنّ الضغينة والضغن قديراد بهما الحقد مطلقا، وقد يراد بهما الحقد الّذي تصاحبه العداوة ومن ثمّ فسّر الراغب الضغينة بأنّها: الحقد الشديد «7» . الألفاظ المرادفة أو المقاربة للحقد: وردت في اللغة ألفاظ عديدة يقترب معناها من الحقد بمعناه الاصطلاحيّ، وربّما استعملت في نفس معناه منها: 1- الضغينة: إذا فسّرت كما سبق بأنّها الحقد الشديد أو الحقد المصحوب بالعداوة (الظاهرة) . 2- النقمة: وهي الكراهية الّتي تصل إلى حدّ السخط «8» . 3- الغلّ: وممّن استعمل ذلك القرطبيّ في تفسيره عندما قال: الغلّ: هو الحقد الكامن في الصّدر «9» . 4- الدخن: وممّن استعمل الدخن في معنى الحقد أو فسّره به ابن حجر في الفتح عندما قال: الدخن: وهو الحقد «10» . 5- الدخل: قال الفرّاء: هو الدغل والخديعة   (1) انظر الصحاح 6/ 2154. (2) مقاييس اللغة 3/ 206. (3) لسان العرب 13/ 254، وقد أخذ هذا التفسير من النهاية 3/ 92. (4) النهاية لابن الأثير 3/ 92. (5) انظر تفسير القرطبي 16/ 251. (6) المرجع السابق، 16/ 252. (7) المفردات للراغب 297 (ت. كيلاني) . (8) انظر صفة النقمة. (9) انظر صفة الغل، وتفسير القرطبي 7/ 133. (10) فتح الباري 13/ 39. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4431 والمكر، وقال أبو عبيدة: هو الغلّ والغشّ «1» . 6- الغشّ (المتعلّق بالقلب) «2» . 7- البغضاء «3» . 8- الداغلة: قال في اللسان: هي الحقد المكتتم «4» ، ومثلها الدغل. حكم الحقد: ذكر ابن حجر الحقد مع كلّ من الغضب بالباطل والحسد على أنّها جميعا من كبائر الباطن، وعلّل جمعه لهذه الكبائر الثلاث بقوله: لمّا كانت هذه الثلاثة بينها تلازم وترتّب، إذ الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب كانت بمنزلة خصلة واحدة، وذمّ كلّ يستلزم ذمّ الآخر، لأنّ ذمّ الفرع وفرعه يستلزم ذمّ الأصل وأصله وبالعكس «5» . سبب الحقد وعلاجه: قال الغزاليّ: إنّ من آذاه شخص بسبب من الأسباب، وخالفه في غرضه بوجه من الوجوه، أبغضه قلبه وغضب عليه، ورسخ في قلبه الحقد عليه، والحقد يقتضي التشفّي والانتقام، فإن عجز المبغض (الحقود) أن يتشفّى بنفسه أحبّ أن يتشفّى من خصمه الزمان، وقد يحدث الحقد بسبب خبث النفس وشحّها بالخير لعباد الله تعالى «6» . أمّا علاج الحقد فيكمن أوّلا في القضاء على سببه الأصليّ وهو الغضب «7» ، فإذا حدث ذلك الغضب ولم تتمكّن من قمعه بالحلم وتذكّر فضيلة كظم الغيظ ونحوهما، فإنّ الشعور بالحقد يحتاج إلى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا، وعليه أن يحذّر نفسه عاقبة الانتقام، وأن يعلم أنّ قدرة الله عليه أعظم من قدرته، وأنّه سبحانه بيده الأمر والنهي لا رادّ لقضائه ولا معقّب لحكمه، هذا من ناحية العلم، أمّا من حيث العمل فإنّ من أصابه داء الحقد فإنّ عليه أن يكلّف نفسه أن يصنع بالمحقود عليه ضدّ ما اقتضاه حقده فيبدّل الذمّ مدحا، والتكبّر تواضعا، وعليه أن يضع نفسه في مكانه ويتذكّر أنّه يحبّ أن يعامل بالرّفق والودّ فيعامله كذلك «8» . إنّ العلاج الأنجع لهذا الدّاء يستلزم أيضا من المحقود عليه إن كان عاديا على غيره أن يقلع عن غيّه ويصلح سيرته، وأن يعلم أنّه لن يستلّ الحقد من قلب خصمه إلّا إذا عاد عليه بما يطمئنه ويرضيه وعليه أن يصلح من شأنه ويطيّب خاطره، وعلى الطرف الآخر أن يلين ويسمح ويتقبّل العذر، وبهذا تموت الأحقاد وتحلّ المحبّة والألفة «9» .   (1) انظر هذين الرأيين في لسان العرب 11/ 241، وقال القرطبي هو الدغل والخديعة والغش، فجمع بين الرأيين، انظر: تفسير القرطبي 10/ 171. (2) انظر صفة الغش. (3) انظر صفة البغض. (4) لسان العرب 12/ 245. (5) الزواجر 1/ 52، وقد ذكر الغزالي في الإحياء 3/ 186 العلاقة ذاتها بين الغضب والحقد من ناحية، وبين الحقد والحسد من ناحية أخرى عندما قال: اعلم أن الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب. (6) تناول الغزالي هذين السببين في الإحياء 3/ 192- 193، وذكر أنهما من مسببات الحسد، وذلك صحيح ولكنهما يؤديان في البداية إلى الحقد الذي يتحوّل إلى الحسد. (7) انظر في ذلك: صفة الغضب، وقد تحدثنا هناك عن ذلك تفصيلا. (8) بتصرف عن الزواجر لابن حجر 1/ 64- 65. (9) انظر في ذلك: خلق المسلم للشيخ الغزالي ص 92. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4432 الحقد داء دفين يفتك بالأفراد والمجتمعات: قال بعض العلماء: ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرّ لعينه من أن يعيش سليم القلب، مبرّأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها، وأحسّ فضل الله فيها، وفقر عباده إليها، وإذا رأى أذى يلحق أحدا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرّج كربه ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضيا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى، ذلك أنّ فساد القلب بالضّغائن داء عضال، وما أسرع أن يتسرّب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرّب السائل من الإناء المثلوم. إنّ الشيطان ربّما عجز أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنم، ولكنّه- وهو الحريص على إغواء الإنسان وإيراده المهالك لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربّه، حتّى يجهل حقوقه أشدّ ممّا يجهلها الوثنيّ المخرّف، وهو يحتال لذلك بإيقاد نار العداوة في القلوب، فإذا اشتعلت استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم، وتلتهم علائقهم وفضائلهم، ذلك أنّ الشرّ إذا تمكّن من الأفئدة (الحاقدة) تنافر ودّها وارتدّ الناس إلى حال من القسوة والعناد، يقطعون فيها ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض. إنّ الحقد هو المصدر الدفين لكثير من الرذائل الّتي رهّب منها الإسلام، فالافتراء على الأبرياء جريمة يدفع إليها الكره الشديد (الحقد) ، وقد عدّها الإسلام من أقبح الزور، أمّا الغيبة فهي متنفّس حقد مكظوم، وصدر فقير إلى الرحمة والصفاء، ومن لوازم الحقد سوء الظنّ وتتبّع العورات، واللمز، وتعيير الناس بعاهاتهم، أو خصائصهم البدنيّة أو النفسيّة، وقد كره الإسلام ذلك كلّه كراهية شديدة. إنّ جمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم، لأنّهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما تمنّوه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكفّ أخرى، وهذه هي الطامّة الّتي لا تدع لهم قرارا، وهم بذلك يكونون خلفاء إبليس- الّذي رأى أنّ الحظوة الّتي كان يتشهّاها قد ذهبت إلى آدم- فآلى ألّا يترك أحدا يستمتع بها بعدما حرمها، وهذا الغليان الشيطانيّ هو الّذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم، فيصبحون واهني العزم، كليلي اليد، وكان الأجدر بهم أن يتحوّلوا إلى ربّهم يسألونه من فضله، وأن يجتهدوا حتّى ينالوا ما ناله غيرهم، إذ خزائنه سبحانه ليست حكرا على أحد، والتطلّع إلى فضل الله عزّ وجلّ مع الأخذ بالأسباب هي العمل الوحيد المشروع عند ما يرى أحد فضل الله ينزل بشخص معيّن، وشتّان ما بين الحسد والغبطة أو بين الطموح والحقد «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الحسد- الخبث- الغل- اتباع الهوى- نكران الجميل- الأذى- السخط- الطمع- الغش- الغضب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرضا- القناعة- المحبة- الاعتراف بالفضل- الشكر] .   (1) باختصار وتصرف عن «خلق المسلم» للشيخ محمد الغزالي ص 90- 102. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4433 الآيات الواردة في «الحقد» معنى 1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) «1» 2- كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) «2» 3- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) «3» 4- وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «4» 5- ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) (*) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) «5» * 6- ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29) «6» 7- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) «7» 8- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «8»   (1) البقرة: 204- 205 مدنية (2) التوبة: 8 مدنية (3) التوبة: 64 مدنية (4) الشعراء: 87- 89 مكية (5) الصافات: 82- 84 مكية * وجه ذكر هذا الشاهد والذي قبله أن الله عز وجل امتدح القلب السليم أي الى الخالص من الأوصاف الذميمة وفيها الحقد والحسد والغل وغيرها من الأمراض، ويقتضي ذلك ذم القلب المريض بالحقد ونحوه. (6) محمد: 28- 29 مدنية (7) محمد: 36- 37 مدنية (8) الفتح: 11- 12 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4434 الأحاديث الواردة في ذمّ (الحقد) 1- * (عن أبي ثعلبة- رضي الله عنه- قال: قال النبيّ؟: «يطّلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتّى يدعوه» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله؟: «ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهنّ، فإنّ الله يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يشرك بالله شيئا، ولم يكن ساحرا يتّبع السحرة، ولم يحقد على أخيه» ) * «2» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قام رسول الله؟ من الليل، فصلّى فأطال السجود حتّى ظننت أنّه قبض، فلمّا رأيت ذلك قمت حتّى حرّكت إبهامه، فتحرّك فرجع، فلمّا رفع رأسه من السجود، وفرغ من صلاته قال: «يا عائشة،- أو يا حميراء- أظننت أنّ النبيّ؟ قد خاس بك «3» » ، قلت: لا والله يا رسول الله، ولكنّي ظننت أنّك قبضت لطول سجودك، فقال: «أتدرين أيّ ليلة هذه؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النصف من شعبان، إنّ الله عزّ وجلّ يطّلع على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخّر أهل الحقد كما هم» ) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله؟ يقول: «النميمة والشتيمة والحميّة فى النار» وفي لفظ: «إنّ النميمة والحقد في النار، لا يجتمعان في قلب مسلم» ) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الحقد) معنى 5- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا مع رسول الله؟ فقال: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنّة» ، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علّق نعليه بيده الشمال، فلمّا كان الغد قال النبيّ؟ مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرّة الأولى، فلمّا كان اليوم الثالث   (1) المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 461، وقال: رواه البيهقي وهو مرسل جيّد. (2) المرجع السابق، وقال المنذري: رواه الطبراني في الكبير والأوسط من رواية ليث بن أبي سليم، وهو قوي بشواهده. (3) خاس بك: أي غدر بذمتك وضيّع وقت وجوده معك. (4) المنذري، الترغيب والترهيب 3/ 461- 462، وقال: رواه البيهقي، وهو مرسل جيّد. (5) المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 497، 498 وقال رواه الطبراني. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4435 قال النبيّ؟ مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأوّل، فلمّا قام النبيّ؟ تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إنّى لاحيث «1» أبي، فأقسمت أنّي لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتّى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدّث أنّه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنّه إذا تعارّ تقلّب على فراشه ذكر الله عزّ وجلّ، وكبّر حتّى لصلاة الفجر «2» . قال عبد الله: غير أنّي لم أسمعه يقول إلّا خيرا، فلمّا مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله؟ يقول لك ثلاث مرّات: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنّة، فطلعت أنت الثلاث المرّات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الّذي بلغ بك ما قال رسول الله؟؟ قال: ما هو إلّا ما رأيت، فلمّا ولّيت دعاني فقال: ما هو إلّا ما رأيت، غير أنّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشّا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إيّاه، فقال عبد الله: هذه الّتي بلغت بك. وفي رواية البزّار- سمّى الرجل المبهم سعدا- وقال في آخره: فقال سعد: ما هو إلّا ما رأيت يا ابن أخي إلّا أنّي لم أبت ضاغنا على مسلم. أو كلمة نحوها) * «3» . 6- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه، ويردّ أهل الضغائن بضغائنهم حتّى يتوبوا) * «4» . قال المنذريّ: الضغائن: هي الأحقاد. 7- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: كان الناس يسألون رسول الله؟ عن الخير، وكنت أسأله عن الشرّ مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» ، فقلت: هل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن «5» » ، قلت: وما دخنه؟ قال قوم يستنّون بغير سنّتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر ... الحديث» ) * «6» . 8- * (جاء في حديث الدية عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله؟: «عقل شبه العمد مغلّظة، مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه، وذلك أن ينزو الشيطان بين   (1) لا حيث: جادلت وخاصمت. (2) كبر حتى لصلاة الفجر أي حتى يؤذن لصلاة الفجر. (3) أحمد 3/ 166، والمنذري في الترغيب والترهيب 3/ 499 وقال: رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي، ورواته احتجّا بهم أيضا إلّا شيخه سويد بن نصر، وهو ثقة، وأبو يعلى والبزار بنحوه. (4) المنذري، الترغيب والتريب 1/ 459، وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات. (5) الدخن: أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد، والمراد هنا ألا تصفو القلوب بعضها لبعض، ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كان عليه من الصفاء. (6) البخاري- الفتح (3606) ، ومسلم (1847) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4436 الناس فتكون دماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح ... الحديث» ) * «1» . 9- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله؟: «لا يبلّغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإنّي أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم «2» الصدر) * «3» . 10- * (عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله؟ يقول: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا وإنّ حمى الله في أرضه محارمه. ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه «4» ، ألا وهي القلب) * «5» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله؟ يقول: «سيصيب أمّتي داء الأمم، فقالوا: يا رسول الله وماداء الأمم؟ قال: «الأشر «6» والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتّى يكون البغي» ) * «7» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله؟: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا» ) * «8» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النبيّ؟ يقول: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ   (1) هذا جزء من حديث طويل رواه عمرو بن شعيب عن أبيه (محمد، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهم جميعا-) وقد أورده أحمد في المسند رقم (7033) بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، الذي قال: إسناده صحيح، وروى أبو داود هذا الجزء من الحديث إلّا أنه زاد كلمة في «عمّيّا» قبل قوله «في غير ضغينة» انظر سنن أبي داود (4565) ، وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 414) : وهو حديث حسن. (2) سلامة الصدر هنا تعني خلوه من الكراهية والبغضاء وغير ذلك من أمراض القلب، ولما كانت النميمة تثير الصدر وتوغر القلب كانت كالعداوة في جلب الحقد وسببا من أسبابه، والقضاء عليها يقضي على سبب مهم من الأسباب التي تجلب الضغائن وتثير الأحقاد، ولذا جمع بينهما في الحديث رقم (4) . (3) أبو داود (4860) ، وقال محقق جامع الأصول (8/ 452) : حديث صحيح. (4) وجه ذكر الحديث هنا أن سلامة القلب تعني خلوه من الحقد والحسد والبغضاء والرياء وغيرها من كبائر الباطن. (5) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له، ومسلم (1599) . (6) الأشر: المرح وقيل: هو البطر، والبطر: هو الطغيان في النعمة، والتناجش هو أن يزيد الرجل ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها. (7) الحاكم في المستدرك (4/ 168) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (8) مسلم (2565) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4437 اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أوّاها منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، وسدّد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري «1» » ) * «2» . وانظر الأحاديث الواردة في ذمّ صفات: البغض- الحسد- الغل من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الحقد) 1- * (قال: عثمان- رضي الله عنه- ما أسرّ أحد سريرة إلّا أظهرها الله- عزّ وجلّ- على صفحات وجهه وفلتات لسانه) * «3» . 2- * (قال زيد بن أسلم- رضي الله عنه-: دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلّل، فقيل له: ما لوجهك يتهلّل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلّم فيما لا يعنيني، أمّا الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما) * «4» . 3- * (وقال قتادة- رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (محمد/ 37) : قد علم الله أنّ في سؤال الأموال خروج الأضغان) * «5» . 4- * (ذكر الذّهبيّ أنّ أبا إسحاق (الشيرازيّ) نزع عمامته- وكانت بعشرين دينارا- وتوضّأ في دجلة، فجاء لصّ فأخذها، وترك عمامة رديئة بدلها، فطلع الشيخ فلبسها، وما شعر حتّى سألوه وهو يدرّس، فقال: لعلّ الّذي أخذها محتاج «6» ) * «7» . 5- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (محمد/ 29) : والأضغان جمع ضغن وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله   (1) سخيمة صدري: غشه وحقده وغله. (2) الترمذي (3551) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (3830) . (3) الآداب الشرعية 1/ 136. (4) نزهة الفضلاء 1/ 42. (5) تفسير القرطبي 16/ 257. (6) ذكر صاحب نزهة الفضلاء هذه الحكاية تدليلا على سلامة الصدر والتماس العذر عند الفضلاء، ويقابل ذلك حقد الأشرار وإضمارهم العداوة لمن يؤذيهم. (7) نزهة الفضلاء 3/ 1307. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4438 والقائمين بنصره) * «1» . 6- * (قال ابن عقيل: للإيمان روائح ولوائح لا تخفى على اطّلاع مكلّف وذلك بالتّلمّح للمتفرّس، وقلّ أن يضمر مضمر شيئا إلّا وظهر مع الزّمان على فلتات لسانه وصفحات وجهه) * «2» . 7- * (قال الشيخ تقيّ الدين بن تيميّة- رحمه الله- معلّقا على الحديث «ألا إنّ فى الجسد مضغة ... » : أخبر؟ أنّ صلاح القلب مستلزم لصلاح سائر الجسد، وفساده مستلزم لفساده، فإذا رأى أحد ظاهر الجسد فاسدا غير صالح علم أنّ القلب ليس بصالح بل فاسد، ويمتنع فساد الظاهر مع صلاح الباطن كما يمتنع صلاح الظاهر مع فساد الباطن، إذ كان صلاح الظاهر وفساده ملازما لصلاح الباطن وفساده) * «3» . 8- * (قال: ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهواته، إذ القلوب المتعلّقة بالشّهوات «4» محجوبة عن الله تعالى بقدر تعلّقها، القلوب آنية الله في أرضه، فأحبّها إليه أرقّها وأصلبها وأصفاها، وإذا غذّي القلب بالتّذكّر وسقي بالتّفكّر ونقّي من الدغل «5» رأى العجائب وألهم الحكمة) * «6» . 9- * (قال الغزاليّ: اعلم أنّ الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب فهو (أي الحسد) فرع فرعه، والغضب أصل أصله- أي أصل الحقد-) * «7» . 10- * (قال الشاعر: بني عمّنا إنّ العداوة شأنها ... ضغائن تبقى في نفوس الأقارب) * «8» . 11- * (قال عنترة: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ... ولا ينال العلا من دأبه الغضب ) * «9» . 12- * (وقال عمرو بن كلثوم: وإنّ الضغن بعد الضغن يفشو ... عليك ويخرج الداء الدفينا) * «10» .   (1) تفسير ابن كثير 4/ 194. (2) الآداب الشرعية 1/ 136. (3) الآداب الشرعية 1/ 136. (4) من هذه الشهوات: شهوة الحقد المتعلقة بالانتقام من الخلق. (5) الدغل: هو الفساد ويعني به فساد القلب من الغل والحقد ونحوهما. (6) الفوائد (بتصرف) ص 134. (7) إحياء علوم الدين 3/ 198. (8) المستطرف 1/ 49. (9) خلق المسلم للشيخ محمد الغزالي ص 93. (10) ورد البيت في تفسير القرطبي 16/ 251. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4439 من مضار (الحقد) (1) الحقد يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في غمّ وحزن. (2) الحقد مرض عضال من أمراض القلب، يخشى معه أن يتسرّب الإيمان من هذا القلب المريض. (3) الأحقاد نزغ من عمل الشيطان لا يستجيب له إلّا من خفّت أحلامهم وطاشت عقولهم. (4) الحقد مصدر للعديد من الرذائل مثل الحسد والافتراء والبهتان والغيبة. (5) في الحقد دليل على غباء صاحبه ووضاعته لأنّه ينظر إلى الأمور نظرة قاصرة لا تجاوز شهواته الخاصّة. (6) الحقد يغضب الربّ عزّ وجلّ ويؤدّي بصاحبه إلى الخسران المبين في الدنيا والآخرة. (7) الحاقد قلق النفس دائما لا يهدأ له بال طالما رأى نعمة الله يسعد بها سواه. (8) الحاقد ساقط الهمّة، ضعيف النفس، واهن العزم، كليل اليد. (9) الحاقد رجل مضلّل ضائع، مخطيء في تقديره فهو محصور التفكير في الدنيا ومتاعها ويتّبع بالغيظ من نال منها حظّا أوفر. (10) الحاقد جاهل بربّه وبسننه في هذا الكون، لأنّ لله حكما قد لا تظهر فى التوّ واللحظة، وقد يكون ما ظنّه الحاقد نعمة فاتته وأدركت غيره مجرّد ابتلاء واختبار تجلب على صاحبها من العناء ما لا يطيقه الحاقد الّذي يتمنّاها. (11) الحقد يظهر عيوب الإنسان ويكشف عن الداء الدفين فيه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4440 الحكم بغير ما أنزل الله الحكم لغة: انظر (الحكم بما أنزل الله) . الحكم بغير ما أنزل الله اصطلاحا: الحكم بغير ما أنزل الله يعني تحكيم القوانين الطاغوتيّة وتنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمّد صلّى الله عليه وسلّم في الحكم بين العالمين والردّ إليه عند تنازع المتنازعين «1» . حكم من يحكم بغير ما أنزل الله: قال الشيخ محمّد بن إبراهيم (رحمه الله) :- من الممتنع أن يسمّي الله- سبحانه- الحاكم بغير ما أنزل الله، كافرا، ولا يكون كافرا، بل هو كافر مطلقا، إمّا كفر عمل، وإمّا كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية، من رواية طاوس وغيره يدلّ أنّ الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إمّا كفر اعتقاد ناقل عن الملّة، وإمّا كفر عمل لا ينقل عن الملّة، أمّا القسم الأوّل وهو كفر الاعتقاد، فهو أنواع: أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقّيّة حكم الله ورسوله وهو معنى ما روي عن ابن الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 3/ 11 () عبّاس، واختاره ابن جرير أنّ ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشرعيّ وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم. الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقّا، لكن اعتقد أنّ حكم غير الرسول صلّى الله عليه وسلّم أحسن من حكمه، وأتمّ وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع إمّا مطلقا أو بالنّسبة إلى ما استجدّ من الحوادث الّتي نشأت عن تطوّر الزمان وتغيّر الأحوال، وهذا أيضا لا ريب أنّه كفر، لتفضيله أحكام المخلوقين على حكم الحكيم الحميد. الثالث: أنّه لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنّه مثله، فهذا كالنّوعين اللذين قبله، في كونه كافرا الكفر الناقل عن الملّة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة لقوله- عزّ وجلّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (الشورى/ 11) . الرابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلا لحكم الله ورسوله. فضلا عن أن   (1) انظر رسالة تحكيم القوانين للشيخ محمد بن ابراهيم (ص 1) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4441 يعتقد كونه أحسن منه. لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله. فهذا كالّذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه. لاعتقاده جواز ما علم بالنّصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه. الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشّرع ومكابرة لأحكامه، ومشاقّة لله ولرسوله، وتشكيلا وتنويعا وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات، ويحملون على التحاكم إليه عند النزاع، بقاء على أحكام الجاهليّة، وإعراضا ورغبة عن حكم الله ورسوله فلا حول ولا قوّة إلّا بالله. وأمّا القسم الثاني من قسمي الحاكم بغير ما أنزل الله، فهو مرويّ عن ابن عبّاس وذلك في قوله- رضي الله عنه- في الآية وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) «كفر دون الكفر» وقوله أيضا «ليس بالكفر الّذي تذهبون إليه» وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضيّة بغيرها ومجانبة الهدى. وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملّة، فإنّه معصية عظمى أكبر من الكبائر كالزّنا، وشرب الخمر، والسرقة واليمين الغموس وغيرها، فإنّها معصية لم يسمّها كفرا، نسأل الله أن يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه، انقيادا ورضاء فإنّه وليّ ذلك والقادر عليه «1» . الحكم بغير ما أنزل الله ينافي الإيمان به سبحانه: يقول الشيخ عبد العزيز بن باز: إنّ التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والعرّافين ينافي الإيمان بالله عزّ وجلّ وهو كفر وظلم وفسق، وبعد أن استشهد على ذلك بآيات سورة المائدة «2» ، ذكر أنّ المولى سبحانه قد بيّن أنّ الحكم بغير ما أنزله هو حكم الجاهلين، وأنّ الإعراض عن حكمه- عزّ وجلّ- سبب في حلول عقابه وبأسه الّذي لا يردّ عن القوم الظالمين. قال تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة/ 49، 50) «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- اتباع الهوى- الضلال- الفسوق- الكفر- الظلم- موالاة الكفار- الردة- العصيان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحكم بما أنزل الله- الإيمان- الإنصاف- العدل والمساواة- الولاء والبراء- الطاعة] .   (1) انظر رسالة تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم (ص 1) وما بعدها. (2) المائدة: 3 (3) انظر ما ذكره الشيخ بتمامه في صفة الحكم بما أنزل الله ج 5 ص 1709- 1714. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4442 الآيات الواردة في «الحكم بغير ما أنزل الله» 1- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) «1» 2- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) «2» 3- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «3»   (1) النساء: 60 مدنية (2) المائدة: 44- 47 مدنية (3) المائدة: 49- 50 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4443 الأحاديث الواردة في ذمّ (الحكم بغير ما أنزل الله) 1- * (عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جدّه شريح عن أبيه هانىء أنّه لمّا وفد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع قومه سمعهم يكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنّى أبا الحكم؟» فقال: إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما أحسن هذا، فما لك من الولد» ؟ قال: لي شريح ومسلم وعبد الله، قال: «فمن أكبرهم» ؟ قلت: شريح قال: «فأنت أبو شريح» ) * «1» . 2- * (عن عديّ بن حاتم قال: أتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال يا عديّ: اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة/ 31) قال: أما إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئا حرّموه» ) * «2» . 3- * (عن الشعبيّ قال: كانت بين رجل ممّن يزعم أنّه مسلم، وبين رجل من اليهود خصومة، فقال اليهوديّ: أحاكمك إلى أهل دينك- أو قال: إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأنّه قد علم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يأخذ الرشوة في الحكم فاختلفا، فاتّفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة، قال: فنزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني الّذي من الأنصار وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعني اليهوديّ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ (النساء/ 60) إلى الكاهن) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الحكم بغير ما أنزل الله) 1- * (عن طاووس وعطاء أنّهما قالا في قوله تعالى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة/ 45) كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق) * «4» . 2- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة في معنى قوله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وهؤلاء الّذين اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا حيث أطاعوهم في تحليل ما حرّم الله، وتحريم ما أحلّ الله يكونون على وجهين: أحدهما: أن يعلموا أنّهم بدّلوا دين الله فيتّبعونهم على هذا التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحلّ الله، اتّباعا لرؤسائهم مع علمهم   (1) أبو داود (4955) ، والنسائي (5387) . وقال المحدّث الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (4766) : إسناده جيد. (2) الترمذي (3095) وحسّنه الألباني في غاية المرام (20) ، وانظر: جامع الأصول حاشية ص 161 مج 2. (3) رواه ابن جرير (5/ 97) مرسلا، وابن كثير في تفسيره مج 2 ص 519 ويشهد له أيضا ما رواه ابن جرير (8/ 509- 511) في نسخة شاكر المحقق بسند قال عنه الحافظ ابن حجر: جيد. (4) تفسير ابن كثير (2/ 64) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4444 أنّهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركا، وإن لم يكونوا يصلّون لهم، ويسجدون لهم، فكان من اتّبع غيره في خلاف للدّين، واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله، مشركا مثل هؤلاء. الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتا، لكنّهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعله المسلم من المعاصي الّتي يعتقد أنّها معاص. فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما قد ثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّما الطاعة في المعروف» ثمّ ذلك المحرّم للحلال والمحلّل للحرام إن كان مجتهدا قصده اتّباع الرسول لكن خفي عليه الحقّ في نفس الأمر، وقد اتّقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثبته على اجتهاده الّذي أطاع به ربّه. ولكن من علم أنّ هذا أخطأ فيما جاء به الرسول ثمّ اتّبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول، فهذا له نصيب من هذا الشرك الّذي ذمّه الله، ولا سيّما إن اتّبع في ذلك هواه ونصره باليد واللّسان، مع علمه أنّه مخالف للرّسول، فهذا شرك يستحقّ صاحبه العقوبة عليه) * «1» . 3- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله-: وبما ذكرته في مسمّى الشريعة والحكم الشرعيّ يتبيّن أنّه ليس لإنسان أن يخرج عن الشريعة في شيء من أموره، بل كلّ ما يصلح له فهو في الشرع من أصوله وفروعه وأحواله وأعماله وسياسته ومعاملته وغير ذلك، والحمد لله ربّ العالمين.. وحقيقة الشريعة: اتّباع الرسل، وطاعة الرسل هي دين الله الّذي أمر بالقتال عليه. وقال: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (الأنفال/ 39) فعلى كلّ من الرعاة والرعية والرؤوس والمرؤوسين أن يطيع كلّ منهم الله ورسوله في حاله، ويلتزم شريعة الله الّتي شرعها له) * «2» . 4- * (قال ابن كثير- رحمه الله- في قوله تعالى فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (المائدة/ 48) أي فاحكم يا محمّد بين الناس، عربهم وعجمهم، أمّيّهم وكتابيّهم، بما أنزل الله إليك من هذا الكتاب العظيم وبما قرّره لك من حكم من كان قبلك، من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك) * «3» . 5- * (قال الحافظ ابن كثير في قوله تعالى أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة/ 50) قال: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كلّ خير، الناهي عن كلّ شرّ، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات الّتي وضعها الرجال، بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهليّة يحكمون به من الضلالات والجهالات، ممّا يضعونها بآرائهم   (1) انظر: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن (141، 142) . (2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم (19/ 309) . (3) تفسير ابن كثير (2/ 67) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4445 وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات المملكيّة المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الّذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتّى من اليهوديّة، والنصرانيّة والملّة الإسلاميّة وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرّد نظره وهواه. فصارت في بينه شرعا متّبعا يقدّمونه على الحكم بكتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله، حتّى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير) * «1» . 6- * (قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ (النساء/ 60) هذا إنكار من الله- عزّ وجلّ- على من يدّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنّة رسوله كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنّها في رجل من الأنصار، ورجل من اليهود تخاصما فجعل اليهوديّ يقول: بيني وبينك محمّد وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف، وقيل في جماعة من المنافقين ممّن أظهروا الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكّام الجاهليّة، وقيل غير ذلك، والآية أعمّ من ذلك كلّه فإنّها ذامّة لمن عدل عن الكتاب والسنّة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطّاغوت هنا) * «2» . 7- * (قال ابن كثير- رحمه الله- فمن ترك الشرع المحكم المنزّل على محمّد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدّمها عليه، من فعل ذلك فقد كفر بإجماع المسلمين) * «3» . 8- * (عن الحسن قال: «من حكم بغير حكم الله فحكم الجاهليّة» ) * «4» . 9- * (قال الشوكانيّ- رحمه الله- في قوله تعالى وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (النساء/ 58) والعدل هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم لا الحكم بالرّأي المجرّد، فإنّ ذلك ليس من الحقّ في شيء إلّا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنّة رسوله، فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الّذي يعلم بحكم الله سبحانه وبما هو أقرب إلى الحقّ عند عدم وجود النصّ، وأمّا الحاكم الّذي لا يدري بحكم الله ورسوله، ولا بما هو أقرب إليهما، فهو لا يدري ما هو العدل، لأنّه لا يعقل الحجّة إذا جاءته، فضلا عن أن يحكم بها بين عباد الله» «5» . 10- * (قال الشيخ أحمد شاكر: إنّ الأمر في هذه القوانين الوضعيّة واضح وضوح الشمس، هي   (1) تفسير ابن كثير (2/ 68) . (2) المرجع السابق (1/ 519) . (3) البداية والنهاية (13/ 119) . (4) تفسير ابن كثير (2/ 67) . (5) فتح القدير للشوكاني (1/ 571) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4446 كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداراة، ولا عذر لأحد ممّن ينتسب للإسلام- كائنا من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، وكلّ امريء حسيب نفسه» ) * «1» . 11- * (قال الطبريّ في قوله تعالى أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ... (المائدة/ 50) أي: أيبغي هؤلاء اليهود الّذين احتكموا إليك، فلم يرضوا بحكمك إذ حكمت فيهم بالقسط فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يعني أحكام عبدة الأوثان من أهل الشرك، وعندهم كتاب الله فيه بيان حقيقة الحكم الّذي حكمت به فيهم، وأنّه الحقّ الّذي لا يجوز خلافه) * «2» . سلبيات ومضار (الحكم بغير ما أنزل الله) 1- استحقاق غضب الله وسخطه وحلول عقابه بمن خالف أمره ونهيه وتحاكم إلى غيره. 2- انحراف الشباب من الجنسين «الذكور والإناث» في سنّ مبكّرة، سواء في انغماسهم في الموبقات والشذوذ ورذيلة المخدّرات، الّتي أصبحت «ظاهرة» تقدّميّة تنفث سمومها في أذهان الشباب تحت ضجيج شعارات التطوّر والإنطلاق. 3- ظاهرة القلق والاكتئاب الّتي ترتّب عليها انتشار العيادات النفسيّة، كما ترتّب عليها ارتفاع نسبة الانتحار واستحالة النوم وذهاب الطمأنينة. 4- تلاشي أو انعدام الروح الفرديّة «الأنانيّة» تبعا لسيطرة الأفكار والنظم الوضعيّة القائمة أساسا على المنفعة الفرديّة. 5- تفكّك الأسرة وضعف الرابطة الأسريّة ممّا يترتّب عليه انعدام الشعور بالحنان والدفء والتكافل. 6- فقدان الإنسان للمقاييس الأساسيّة للحياة عن مفهومي الخير والشرّ والحسن والقبح، وبناؤه حياته على أساس قاعدة «التجربة والخطإ» أو الخوف من القانون والتحايل للتّهرّب من المسؤوليّة القانونيّة. 7- ينشأ الإنسان فاقد الولاء لمجتمعه الّذي يعيش فيه، والأنظمة الّتي تحكمه، حاقدا عليها، متمرّدا ظاهرا وباطنا على كلّ ما فيها. ما لم يكن منتفعا شخصيّا بتناقضاتها. 8- إنّ المجتمعات الّتي تعيش في ظلّ أنظمة وضعيّة من صنع البشر وترفض أو تحرم من نعمة تطبيق الشريعة الحنيفيّة السمحة (الإسلام) ، تفتقد الاستمرار والثبات وتظلّ في التأرجح والتذبذب في قوانينها ودساتيرها وتشريعاتها وذلك لأنّ الأنظمة الوضعيّة من صنع عقل الإنسان، وعقل الإنسان لا يصلح لأن يشرّع نظاما صحيحا كاملا.   (1) عمدة التفسير للشيخ أحمد شاكر (2/ 172- 174) . (2) جامع البيان (4/ 614) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4447 9- إذا عاش الناس في ظلّ الدساتير والقوانين الوضعيّة، فإنّهم لا يحترمونها ولا يحملون لها الولاء؛ لأنّها من وضع بشر مثلهم، ولكنّهم يحترمون القوانين المنبثقة من عقيدتهم، لأنّها جزء لا يتجزّأ منهم وهم يتعبّدون بتطبيق أحكامها في المعاملات بينهم. 10- إذا عاش الناس في ظلّ الدساتير والقوانين الوضعيّة فإنّهم لا يمتنعون عن المنهيّات والمحظورات للأشياء الضارّة بصحّتهم وممتلكاتهم الشخصيّة أو الممتلكات العامّة للدّولة، كالقمار والخمر والمخدّرات والزنا وغيرها من الأمور الّتي حظرها ونهى عنها الإسلام والشرائع السماويّة. 11- إذا عاش الناس في ظلّ الدساتير والقوانين الوضعيّة فإنّ الحوادث والجرائم تكثر بشكل مذهل وبنسبة عظيمة متزايدة عاما بعد عام وهذا ما يلمس واضحا من واقع أرقام الإحصائيّات الرسميّة للجرائم والجنايات في الأقطار والبلاد بتلك الأنظمة والقوانين. 12- انتشار المبادىء والمعتقدات والأفكار الهدّامة من شيوعيّة ورأسماليّة وغيرها، لأنّ المواطنين لم يكونوا محصّنين ضدّها بالعقيدة الصحيحة ولا يطبّق عليهم النظام الربّانيّ الصحيح للحياة الّذي يعيشون في ظلّه سعداء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4448 الحمق الحمق لغة: مصدر قولهم: حمق فلان، وهو مأخوذ من مادّة (ح م ق) الّتي تدلّ على كساد الشيء والضعف والنقصان. ومن ذلك الحمق: نقصان العقل، وقال الجوهريّ: الحمق، والحمق: قلّة العقل، يقال: حمق الرجل حمقا وحمقا وحماقة فهو أحمق، وحمق بالكسر يحمق حمقا فهو حمق، وامرأة حمقاء، وقوم ونسوة حمق وحمقى، وحماقى، وحمقت السوق: كسدت. وأحمقت المرأة: جاءت بولد أحمق فهي محمق ومحمقة، وأحمقت الرجل: وجدته أحمق، وحمّقته تحميقا نسبته إلى الحمق، وحامقته ساعدته على الحمق. وتحامق: تكلّف الحمق، واستحمقته: عددته أحمق. وقال ابن الأثير: استحمق الرجل إذا فعل فعل الحمقى، ومنه الحديث «أرأيت إن عجز واستحمق» ، والحموقة: فعولة من الحمق وفي الحديث «ينطلق أحدكم فيركب الحموقة» أى خصلة ذات حمق، وبمعناها: الأحموقة. وقال ابن منظور: الحمق ضدّ العقل، وقولهم: أتاه فأحمقه: وجده أحمق، وأحمق به: ذكره بحمق، وأمّا الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 5/ 28 قول الشاعر: إنّ للحمق نعمة في رقاب ال ... نّاس تخفى على ذوي الألباب فمعناه: أنّ للحمق نعمة في رقاب العقلاء تغيب وتخفى على غيرهم من سائر الناس لأنّهم أفطن وأذكى من غيرهم، ويقال: سرنا في ليال محمقات، إذا استتر القمر فيها بغيم أبيض فيسير الراكب ويظنّ أنّه قد أصبح، حتّى يملّ، ومنه أخذ اسم الأحمق لأنّه يغرّك في أوّل مجلسه بتعاقله، فإذا انتهى إلى آخر كلامه تبيّن حمقه، وقال ابن الأعرابيّ: الحمق أصله الكساد، ويقال: الأحمق: الكاسد العقل، قال: والحمق أيضا الغرور، وقال الأزهريّ: الأحمق مأخوذ من انحماق السوق إذا كسدت، فكأنّه فسد عقله حتّى كسد «1» . واصطلاحا: قال ابن حجر- رحمه الله-: الحمق وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه «2» . وقال النوويّ- رحمه الله-: حقيقة الأحمق: من يعمل ما يضرّه مع علمه بقبحه «3» .   (1) مقاييس اللغة (2/ 106) ، الصحاح (4/ 1465) ، والنهاية (1/ 442) ، وتهذيب اللغة (4/ 85) ، واللسان (2/ 1000) (ط دار المعارف. (2) فتح الباري: 1/ 557. وكذا في لسان العرب (10/ 68) . (3) صحيح مسلم بشرح النووي (18/ 136) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4449 وقال ابن الأثير: حقيقة الحمق: وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه «1» . وقال المناويّ: الحمق فساد في العقل «2» . الفرق بين الحمق والجنون: قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-: الحمق: هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحّة المقصود، بخلاف الجنون، فإنّه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعا. فمن ذلك: أنّ طائرا طار من أمير فأمر أن تغلق أبواب المدينة. فمقصود هذا الرجل حفظ الطائر، ولكنّه أخطأ في الوسيلة «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الجهل- السفاهة الطيش- الغرور- الفساد- التبذير- الجفاء- البلادة والغباء- العنف. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحكمة- الفطنة- الفقه- الحلم- كظم الغيظ- العطف] .   (1) النهاية لابن الأثير (1/ 442) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (147) . (3) أخبار الحمقى (27) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4450 الآيات الواردة في «الحمق» معنى 1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «1» 2- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «2» 3- أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) «3»   (1) البقرة: 8- 20 مدنية (2) الأعراف: 179 مكية (3) الفرقان: 43- 44 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4451 الأحاديث الواردة في ذمّ (الحمق) 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيد عبد الرّحمن بن عوف؛ فانطلق به إلى ابنه إبراهيم؛ فوجده يجود بنفسه؛ فأخذه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضعه في حجره فبكى فقال له عبد الرّحمن: أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟. قال «لا؛ ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة، خمش وجوه وشقّ جيوب ورنّة شيطان» ) * «1» . وفي الحديث كلام أكثر من هذا. 2- * (عن الأسود بن سريع- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربعة يوم القيامة: رجل أصمّ لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة. فأمّا الأصمّ فيقول: لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأمّا الأحمق فيقول: يا ربّ لقد جاء الإسلام والصّبيان يحذفوني بالبعر، وأمّا الهرم فيقول: يا ربّ لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأمّا الّذي مات في فترة فيقول: ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنّه فيرسل إليهم أن ادخلوا النّار فو الّذي نفسي بيده لو دخلوها كانت عليهم بردا وسلاما» ) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الحمق) معنى 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «3» . على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى؛ ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «4» . إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره. وبجره «5» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «6» . إن أنطلق أطلّق. وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «7» لا حرّ ولا قرّ. ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن   (1) الترمذي (1005) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وفي بعض النسخ حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (11/ 106) أصل الحديث وأوله في الصحيحين من حديث أنس. (2) أخرجه أحمد (4/ 24) والطبراني (841) والبيهقي في الاعتقاد (169) والبزار (2174) وابن حبان في صحيحه (7357) وذكره الهيثمي في «المجمع» (7/ 216) وقال: رجال أحمد في طريق الأسود بن سريع وأبي هريرة رجال صحيح. (3) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول. (4) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (5) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. (6) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع. (7) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4452 دخل فهد «1» وإن خرج أسد. ولا يسأل عمّا عهد. قالت السادسة: زوجي إن أكل لفّ «2» وإن شرب اشتفّ. وإن اضطجع التفّ. ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «3» . طباقاء. كلّ داء له دواء. شجّك «4» أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي الرّيح ريح زرنب «5» والمسّ مسّ أرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «6» طويل النّجاد عظيم الرّماد. قريب البيت من النّاد. قالت العاشرة: زوجي مالك. وما مالك «7» ؟ مالك خير من ذلك. له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح وإذا سمعن صوت المزهر «8» أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ «9» وملأ من شحم عضديّ. وبجّحني فبجحت إليّ نفسي «10» وجدني في أهل غنيمة بشقّ. فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ. فعنده أقول فلا أقبّح. وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح. أمّ أبي زرع. فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح «11» وبيتها فساح. ابن أبي زرع. فما   (1) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد. (2) زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء. (3) زوجي غياياء أو عياياء: وهو الذي لا يلقح وقيل هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدي إلى مسلك. وقيل هو الغبي الأحمق الفدم. (4) شجك: أي جرحك في الرأس. فالشجاج جراحات الرأس، والجراح فيه وفي الجسد. (5) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثيابه في الناس. (6) زوجي رفيع العماد: قيل إن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه. وهكذا بيوت الأجواد (7) زوجي مالك وما مالك: معناه أن له إبلا كثيرا. فهي باركة بفنائه. لا يوجهها تسرح إلا قليلا. فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها. (8) المزهر: هو العود الذي يضرب. أرادت أن زوجها عود إبله، إذا نزل به الضيفان، نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب. فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات هوالك. (9) أناس من حلي أذني: الحلي بضم الحاء وكسرها، لغتان مشهورتان. والنوس الحركة من كل شيء متدل فهي تنوس أي تتحرك من كثرتها. (10) وبجحني فبجحت إلي نفسي: بجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر. قال الجوهري: الفتح ضعيفة. ومعناه فرحني ففرحت. وقال ابن الأنباري: وعظمني فعظمت عند نفسي. يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر. (11) عكومها رداح: قال أبو عبيد وغيره: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4453 ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة «1» . ويشبعه ذراع الجفرة «2» . بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها. وملء كسائها وغيظ جارتها. جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «3» ، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «4» ، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض. فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين. يلعبان من تحت خصرها برمّانتين. فطلّقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سريّا ركب شريّا. وأخذ خطّيّا. وأراح عليّ نعما ثريّا. وأعطاني من كلّ رائحة زوجا. قال: كلي أمّ زرع وميري أهلك. فلو جمعت كلّ شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «5» . 4- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال «سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله. قلت: فأيّ الرّقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين ضائعا، أو تصنع لأخرق «6» . قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع النّاس من الشّرّ، فإنّها صدقة تصّدّق بها على نفسك» ) * «7» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل نكحت يا جابر؟ قلت: نعم. قال: ماذا؟ أبكرا أم ثيّبا؟ قلت: لا. بل ثيّبا. قال: «فهلّا جارية تلاعبك» . قلت: يا رسول الله، إنّ أبي قتل يوم أحد وترك تسع بنات كنّ لي تسع أخوات، فكرهت أن أجمع إليهنّ جارية خرقاء «8» مثلهنّ، ولكن امرأة تمشّطهنّ وتقوم عليهنّ. قال: «أصبت» ) * «9» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الحمق) 1- * (تلا عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- هذه الآية ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟ قال: الحمق يا ربّ» ) * «10» . 2- * (وقال عليّ- رضي الله عنه-: «ليس من أحد إلّا وفيه حمقة فبها يعيش» ) * «11» . 3- * (عن مجاهد، قال: كنت عند ابن   (1) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. والشطبة ما شطب من جريد النخل، أي شق. وهي السعفة. (2) وتشبعه ذراع الجفرة: الذراع مؤنثة وقد تذكّر. والجفرة الأنثى من أولاد المعز. وقيل من الضأن. وهي ما بلغت أربعة اشهر وفصلت عن أمها. والذكر جفر. لأنه جفر جنباه، أي عظما. والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به. (3) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله. (4) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة. (5) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له. (6) الأخرق: الأحمق. (7) البخاري- الفتح 5 (2518) واللفظ له. ومسلم (84) . (8) خرقاء: حمقاء. (9) البخاري- الفتح 7 (4052) . (10) أخبار الحمقى (25) . (11) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4454 عبّاس، فجاء رجل فقال: إنّه طلّق امرأته ثلاثا. قال: فسكت حتّى ظننت أنّه رادّها إليه. ثمّ قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثمّ يقول: يا ابن عبّاس،، يا ابن عبّاس، وإنّ الله قال وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وإنّك لم تتّق الله فلم أجد لك مخرجا، عصيت ربّك وبانت منك امرأتك، وإنّ الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ في قبل عدّتهنّ» ) * «1» . 4- * (عن عكرمة قال: «صلّيت خلف شيخ بمكّة، فكبّر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عبّاس: إنّه أحمق، فقال: ثكلتك أمّك، سنّة أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم» «2» ) * «3» . 5- * (عن أنس بن سيرين، قال: سمعت ابن عمر قال: «طلّق ابن عمر امرأته وهي حائض، فذكر عمر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ليراجعها» قلت: تحتسب؟ قال: «فمه» ؟ وعن قتادة عن يونس بن جبير عن ابن عمر قال: «مره فليراجعها» قلت: تحتسب؟ قال: أرأيته إن عجز واستحمق» ) * «4» . 6- * (عن محمّد بن المنكدر؛ قال: صلّى جابر في إزار قد عقده من قبل قفاه وثيابه موضوعة؟ على المشجب. قال له قائل: تصلّي في إزار واحد؟ فقال: إنّما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك. وأيّنا كان له ثوبان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟» ) * «5» . 7- * (قال عمر بن عبد العزيز: «ما عدمت من الأحمق فلن تعدم خلّتين: سرعة الجواب، وكثرة الالتفات» ) * «6» . 8- * (قال الأصمعيّ: «إذا أردت أن تعرف عقل الرّجل في مجلس واحد فحدّثه بحديث لا أصل له، فإن رأيته أصغى إليه وقبله فاعلم أنّه أحمق، وإن أنكره فهو عاقل) * «7» . 9- * (وقال جعفر الصّادق: «الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل، كلّما ازداد ريّا زاد مرارة» ) * «8» . 10- * (قال ابن أبي زياد: قال لي أبي: «يا بنيّ الزم أهل العقل، وجالسهم، واجتنب الحمقى، فإنّي ما جالست أحمق فقمت إلّا وجدت النّقص في عقلي» ) * «9» . 11- * (وعن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير قال: «لو حلفت لرجوت أن أبرّ أنّه ليس أحد من النّاس إلّا وهو أحمق فيما بينه وبين الله- عزّ وجلّ-: غير أنّ بعض الحمق أهون من بعض» ) * «10» .   (1) أبو داود (2197) . وقال الألباني (2/ 414) : صحيح. (2) وذلك في صلاة الظهر وبذلك يصح عدد التكبير الذي ذكره لأن في كل ركعة خمس تكبيرات فيتبع في الرباعية عشرون تكبيرة وتكبيرة الافتتاح والقيام من التشهد الأول. (انظر الفتح 2/ 318) . (3) البخاري- الفتح 2 (788) . (4) البخاري- الفتح 9 (5252) واللفظ له ومسلم (1471) . ورد هذا الأثر في سياقه حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر. (5) البخاري- الفتح 1 (352) . (6) أخبار الحمقى (34) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق (23) . (9) المرجع السابق (36) . (10) المرجع السابق (26) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4455 12- قال أبو حاتم بن حيّان الحافظ: «علامة الحمق سرعة الجواب، وترك التّثبّت، والإفراط في الضّحك، وكثرة الالتفات، والوقيعة في الأخيار، والاختلاط بالأشرار، والأحمق إن أعرضت عنه أعتم «1» . وإن أقبلت عليه اغترّ، وإن حلمت عنه جهل عليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك. ويظلمك إن أنصفته» ) * «2» . 13- * (يروى عن الأحنف بن قيس أنّه قال: «قال الخليل بن أحمد: النّاس أربعة: رجل يدري ويدري أنّه يدري، فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنّه يدري، فذاك ناس فذكّروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنّه لا يدري فذاك طالب فعلّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه» ) * «3» . 14- * (عن أبي إسحاق؛ قال: «إذا بلغك أنّ غنيّا افتقر فصدّق، وإذا بلغك أنّ فقيرا استغنى فصدّق، وإذا بلغك أنّ حيّا مات فصدّق، وإذا بلغك أنّ أحمق استفاد عقلا فلا تصدّق» ) * «4» . 15- * (قيل لإبراهيم النّظّام: ما حدّ الحمق؟ فقال: سألتني عمّا ليس له حدّ» ) * «5» . 16- * (عن الأوزاعيّ أنّه قال: «بلغني أنّه قيل لعيسى ابن مريم عليهما السّلام: يا روح الله إنّك تحيي الموتى؟ قال: نعم. بإذن الله. قيل: وتبرأ الأكمه؟ قال: نعم. بإذن الله. قيل: فما دواء الحمق؟ قال: هذا الّذي أعياني» ) * «6» . 17- * (وقد نظم هذا المعنى بعضهم فقال: لكلّ داء دواء يستطبّ به ... إلّا الحماقة أعيت من يداويها ) * «7» . 18- * (روى أبو الحسن محمّد بن هلال الصّابيء قال: «خرج قوم من الدّيلم إلى إقطاعهم فظفروا باللّصّ المعروف بالعراقيّ فحملوه إلى الوزير أبي عبد الله المهلّبيّ، فأمر بإحضار أبي الحسين أحمد بن محمّد القزوينيّ الكاتب، وكان ينظر في شرطة بغداد فقال له الوزير: هذا اللّصّ العيّار العراقيّ الّذي عجزتم عن أخذه فخذه واكتب خطّك بتسليمه، فقال: السّمع والطّاعة إلى ما يأمر به الوزير ولكنّك تقول ثلاثة وهذا واحد، فكيف أكتب خطّي بتسليم ثلاثة؟ فقال: يا هذا، هذا العدد صفة لهذا الواحد، فكتب يقول: أحمد بن محمّد القزوينيّ الكاتب. تسلّمت من حضرة الوزير اللّصّ العيّار العراقيّ ثلاثة وهم واحد رجل، وكتب بخطّه في التّاريخ، فضحك الوزير وقال لنصرانيّ هناك: قد صحّح القزوينيّ مذهبكم في تسليم هذا اللّصّ» ) * «8» . 19- * (عن عبد الله بن إبراهيم الموصليّ قال:   (1) أعتم: بمعنى عبس. (2) أخبار الحمقى (35) . (3) المرجع السابق (36) . (4) أخبار الحمقى (23) . (5) المرجع السابق (25) . (6) المرجع السابق (23) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق (98) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4456 «نابت الحجّاج في صديق له مصيبة ورسول لعبد الملك شاميّ عنده، فقال الحجّاج: ليت إنسانا يعزّيني بأبيات، فقال الشّاميّ: أقول؟ قال: قل، فقال: (وكلّ خليل سوف يفارق خليلا، يموت أو يصاب أو يقع من فوق البيت أو يقع البيت عليه أو يقع في بئر أو يكون شيئا لا نعرفه) فقال الحجّاج: قد سلّيتني عن مصيبتي بأعظم منها في أمير المؤمنين إذ وجّه مثلك لي رسولا» ) * «1» . 20- * (عن أبي بكر النّقّاش قال: قيل لعبد الله بن مسعود القاضي، تجيز شهادة العفيف التّقيّ الأحمق؟ قال: لا، وسأريكم هذا، ادع يا غلام أبا الورد حاجبي وكان أحمق. فلمّا أتاه، قال: اخرج فانظر ما الرّيح؟ فخرج ثمّ رجع فقال: شمال يشوبها جنوب، فقال: كيف ترون؟ أتروني أجيز شهادة مثل هذا؟ قال: وقد ذكر مثل هذه الحكاية ابن قتيبة» ) * «2» . 21- * (نظر بعض الحكماء إلى أحمق جالس على حجر فقال: حجر على حجر) * «3» . 22- * (قال بعضهم: العاقل المحروم خير من الأحمق المرزوق» ) * «4» . 23- * (يقال: فلان ذو حمق وافر وعقل نافر، ليس معه من العقل إلّا ما يوجب حجّة الله عليه) * «5» . 24- * (مرّ بعض الأمراء على بيّاع ثلج فقال: أرني ما عندك، فكسر له قطعة وناوله إيّاها، فقال: أريد أبرد من هذا فكسر له من الجانب الآخر، فقال: كيف سعر هذا؟ فقال: رطل بدرهم ومن الأوّل رطل ونصف بدرهم، فقال: زن من الثّاني» ) * «6» . 25- * (وممّن اشتهر من الحمقى عجل بن لجيم بن بكر بن وائل، من حمقه أنّه قيل له: ما سمّيت فرسك؟ فقام إليه ففقأ إحدى عينيه وقال: سمّيته الأعور. قال العنزيّ: رمتني بنو عجل بداء أبيهم ... وأيّ امرىء في النّاس أحمق من عجل أليس أبوهم عار عين جواده ... فصارت به الأمثال تضرب بالجهل ) * «7» . ومنهم أزهر الحمار. وقد قدم على الأمير عمرو رسول من عند السّلطان، فأحضر أزهر على مائدته، فقيل لأزهر: جمّلنا بسكوتك اليوم، فسكت طويلا، ثمّ لم يصبر فقال: بنيت في القرية برجا ارتفاعه ألف خطوة، فأومأ إليه حاجبه أن اسكت، فقال له الرّسول: في عرض كم؟ قال: في عرض خطوة، فقال له الرّسول: ما كان ارتفاعه ألف خطوة لا يكفي عرضه خطوة قال: أردت أن أزيد فيه فمنعني هذا الواقف» ) * «8» . 26- * (قال بعض الحكماء: «من أخلاق   (1) المرجع السابق (107) . (2) المرجع السابق (106) . (3) المستطرف (1/ 27) . (4) المرجع السابق (1/ 25) . (5) المرجع السابق (1/ 27) . (6) أخبار الحمقى (99) . (7) المرجع السابق (43) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4457 الأحمق: إن استغنى بطر، وإن افتقر قنط، وإن فرح أشر، وإن قال فحش، وإن سئل بخل، وإن سأل ألحّ، وإن قال لم يحسن، وإن قيل له لم يفقه، وإن ضحك نهق وإن بكى خار» ) * «1» . 27- * (وقال آخر: «مؤنة العاقل على نفسه ومؤنة الأحمق على النّاس، ومن لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة» ) * «2» . 28- * (أنشد بعضهم: اتّق الأحمق أن تصحبه ... إنّما الأحمق كالثّوب الخلق كلّما رقّعت منه جانبا ... خرقته الرّيح وهنا فانخرق أو كصدع في زجاج فاحش ... هل ترى صدع زجاج يرتتق كحمار السّوق إن أقضمته ... رمح النّاس وإن جاع نهق أو غلام السّوء إن أسغبته «3» ... سرق النّاس وإن يشبع فسق وإذا عاتبته كي يرعوي ... أفسد المجلس منه بالخرق ) * «4» . من مضار (الحمق) (1) الأحمق كاسد العقل والرّأي لا يحسن شيئا. (2) مجالسة الحمقى ومصاحبتهم تعدي. (3) الاغترار بالله عزّ وجلّ. (4) سرعة الانفعال والتّدخّل في شئون النّاس. (5) الخفّة وسرعة الجواب من غير رويّة. (6) الحمق شرّ كلّه فيجب اجتنابه. (7) الأحمق عدوّ نفسه لما يسبّب لنفسه من الضّرر.   (1) أخبار الحمقي (35) . (2) المرجع السابق (37) . (3) أسغبته: أجعته. (4) أخبار الحمقى (38) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4458 [ حرف الخاء ] الخبث الخبث لغة: الخبث هو المكروه الرّديء من كلّ شيء، ومنه الخبيث ضدّ الطّيّب، يقول ابن فارس: الخاء والباء والثّاء أصل واحد يدلّ على خلاف الطّيّب، يقال خبيث، أي ليس بطيّب ... ومن ذلك التّعوّذ من الخبيث. فالخبيث في نفسه، والمخبث الّذي أصحابه وأعوانه خبثاء «1» . وقال الرّاغب: أصل الخبيث: الرّديء الدّخلة الجاري مجرى خبث الحديد، وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال. وخبث الرّجل خبثا فهو خبيث، أي رديء، وأخبثه غيره، أي علّمه الخبث وأفسده. ويقال في النّداء: يا خبث، كما يقال: يا لكع، تريد: يا خبيث، وللمرأة يا خباث، بني على الكسر مثل يا لكاع.. وخبث الحديد وغيره: ما نفاه الكير. الخبائث في قوله تعالى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ (الأعراف/ 157) ، ما لا يوافق النّفس من المحظورات، والخبائث (أيضا) كناية عن إتيان الرّجال، والأخبثان: البول والغائط وفي الحديث: «لا الآيات/ الأحاديث/ الآثار 10/ 22/ 6 يصلّي الرّجل، وهو يدافع الأخبثين» . وقد خبث بها ككرم أي فجر، وفي الحديث: «إذا كثر الخبث كان كذا وكذا» أراد الفسق والفجور، والخابثة، الخباثة، والخبّيث- كسكّيت- الرّجل الكثير الخبث، والخبّيثى بكسر وتشديد الباء: اسم الخبث، من أخبث إذا كان أهله خبثاء.. وفى الحديث « ... اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث» فالمراد بالخبث الكفر، والخبائث: الشّياطين، والخبيث: نعت كلّ شيء فاسد، يقال: هو خبيث الطّعم خبيث اللّون خبيث الفعل ... وكلام خبيث، وهي أخبث اللّغتين، يراد الرّداءة والفساد وأنا استخبثت هذه اللغة، وكلّ ذلك من المجاز، وقول الله تعالى: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ (المائدة/ 100) معناه الكافر والمؤمن، والأعمال الصّالحة والأعمال الفاسدة «2» . وجاء في لسان العرب أنّ أصل الخبث في كلام العرب: المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشّتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطّعام فهو الحرام، وإن كان من الشّراب فهو الضّارّ. والخبيث ضدّ الطّيّب من الرّزق والولد والنّاس   (1) المقاييس (2/ 238) . (2) لسان العرب (2/ 1087- 1090) والصحاح (1/ 281) وتاج العروس (3/ 203) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4459 ويجمع على خبثاء وخباث وخبثة، والأنثى منه خبيثة وجمعها خبيثات، والخبيث أيضا النّجس، والمخبث الّذي يعلّم النّاس الخبث، أو هو الّذي ينسب النّاس إلى الخبث أو المراد أنّ أعوانه وأصحابه خبثاء، ولذلك يقال: أخبث الرّجل أي اتّخذ أصحابا خبثاء. ويقال: خبث الرّجل بالمرأة إذا زنى بها من باب قتل، والخابث الرّديء من كلّ شيء فاسد فيقال: هو خبيث الطّعم واللّون والفعل، ولذلك فإنّ كلّ حرام بحت خبيث كالزّنا والمال الحرام والدّم وما أشبهها ممّا حرّمه الله تعالى، كما يطلق أيضا على الشّيء الكريه الطّعم والرّائحة كالثّوم والبصل والكرّاث. والمراد بالخبائث في آية الأعراف: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ... الأعراف/ 157) كلّ ما كانت تستقذره العرب ولا تأكله مثل الأفاعي والعقارب والبرصة والخنافس والورلان والفأر، فحرّم ربّنا عزّ وجلّ كلّ ما كانت تستقذره مع ما نصّ على تحريمه كالميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله عند الذّبح وأكل كلّ ذي ناب من السّباع وكلّ ذي مخلب من الطّير «1» . الخبث اصطلاحا: قال الجاحظ: الخبث: هو إضمار الشّرّ للغير وإظهار الخير له واستعمال الغيلة والمكر والخديعة في المعاملات «2» . وقال الكفويّ والمناويّ: الخبيث: ما يكره رداءة وخسّة محسوسا أو معقولا وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال، والقبح في الأفعال «3» . مقتضيات الخبث: قال ابن الأثير- رحمه الله تعالى- في معنى حديث: نهى عن كلّ دواء خبيث- وخبثه من جهتين: إحداهما: النّجاسة، وهو الحرام كالخمر والأرواث والأبوال، كلّها نجسة خبيثة، وتناولها حرام إلّا ما خصّته السّنّة من أبوال الإبل عند بعضهم وروث ما يؤكل لحمه عند آخرين. الجهة الثّانية: من طريق الطّعم والمذاق، ولا ينكر أن يكون نهي عن ذلك لما فيه من المشقّة على الطّباع وكراهية النّفوس لها، ومن هذه الجهة نهي عن أكل البصل والثّوم وسمّاهما خبيثتين فقال صلّى الله عليه وسلّم: «من أكل من هذه الشّجرة الخبيثة فلا يقربنّ مسجدنا» . وهو يريد الثّوم والبصل والكرّاث فخبثها من جهة رائحتها وطعمها، وإلّا فهي طاهرة «4» . من معاني الخبيث والطّيّب في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: ذكر أهل التّفسير أنّ الخبيث والطّيّب في القرآن على ثلاثة أوجه:   (1) لسان العرب (2/ 1087- 1090) . والصحاح (1/ 281) ، وتاج العروس (3/ 203) ، والمصباح المنير (162) ، ومقايس اللغة (2/ 238) والمفردات للراغب (131) . (2) تهذيب الأخلاق (33) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (152) ، والكليات للكفوي (428) . (4) النهاية في غريب الحديث (2/ 4، 5) وما بعدها (بتصرف) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4460 أحدها: الخبيث بمعنى الحرام والطّيّب الحلال ومنه قوله تعالى في سورة النّساء وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ (الآية/ 2) وفي المائدة قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ (الآية/ 100) . والثّاني: الخبيث بمعنى الكافر والطيّب المذكور معه هو المؤمن، ومنه قوله تعالى في آل عمران حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (الآية/ 179) وفي الأعراف وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً (الآية/ 58) وقال: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر. والثّالث: الخبيث: كلمة الكفر، والطّيّب كلمة الإسلام. ومنه قوله تعالى في سورة إبراهيم ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً (الآية/ 24) وهي قول: لا إله إلّا الله. وقال سبحانه وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ (إبراهيم/ 26) يعني كلمة الكفر «1» . [للاستزادة: انظر صفات: اللؤم- الخداع- سوء المعاملة- المكر- سوء الخلق- الغش- الخيانة- إفشاء السر- الإساءة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإخلاص- حسن الخلق- حسن العشرة- الصدق- الطهارة- المروءة- الأدب- الأمانة- حسن الخلق] .   (1) نزهة الأعين النواظر (270- 271) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4461 الآيات الواردة في «الخبث» الخبيث بمعنى الحرام: 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) «1» 2- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) «2» 3- ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) «3» 4- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) «4» الخبيث بمعنى الكافر: 5- ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) «5» 6- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) «6» 7- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24)   (1) البقرة: 267 مدنية (2) النساء: 1- 2 مدنية (3) المائدة: 99- 100 مدنية (4) الأنبياء: 74- 75 مكية (5) آل عمران: 179 مدنية (6) الأنفال: 36- 38 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4462 يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) «1» الخبيث بمعنى كلمة الكفر: 8- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) «2» الخبيث بمعنى السيء الأصل: 9- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) «3» الخبيث بمعنى الضار: 10- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «4»   (1) النور: 23- 26 مدنية (2) إبراهيم: 24- 26 مكية (3) الأعراف: 55- 58 مكية (4) الأعراف: 157 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4463 الأحاديث الواردة في ذمّ (الخبث) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّي لشاهد لوفد عبد قيس قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فنهاهم أن يشربوا في هذه الأوعية: الحنتم والدّبّاء «1» والمزفّت «2» والنّقير «3» . فقام إليه رجل من القوم فقال: يا رسول الله، إنّ النّاس لا ظروف لهم. قال: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّه يرثي للنّاس قال: فقال: «اشربوا ما طاب لكم، فإذا خبث فذروه» ) «4» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إذا دخل الخلاء قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث» ) * «5» . 3- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الماء وما ينوبه من الدّوابّ والسّباع. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث» ) * «6» . 4- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسّهل والحزن «7» ، والخبيث والطّيّب» ) * «8» . 5- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ أعرابيّا بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأصاب الأعرابيّ وعك بالمدينة فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد! أقلني بيعتى «9» ، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى، ثمّ جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبي، فخرج الأعرابيّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما المدينة كالكير. تنفي خبثها وينصع طيّبها» ) * «10» . 6- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: ألا أخبركم بما سمعت من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ سمعته أذناي، ووعاه قلبي: «إنّ عبدا قتل تسعة وتسعين نفسا، ثمّ عرضت له التّوبة. فسأل عن أعلم أهل الأرض. فدلّ على رجل فأتاه. فقال: إنّي قتلت   (1) الدباء: الإناء المعمول من القرع. (2) المزفت: هو الإناء المطلي بالزفت. (3) النقير: هو الخشب المنقور. (4) مسلم (1993) ، وأحمد (2/ 355) وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 62) وقال: رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وفيه ضعف وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات، وصححه شاكر (16/ 368) 8641 واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 1 (142) . واللفظ له، ومسلم (375) ، والخبث: بضم الباء وإسكانها. قيل: الخبث: جماعة الخبيث، والخبائث جمع الخبيثة، يريد ذكران الشياطين وإناثهم. (6) أبو داود (63) واللفظ له، والترمذي (67) ، والنسائي (1/ 46) . وأحمد (2/ 12، 38) . والدارمي (1/ 202) . وقال الألباني في صحيح الجامع (1/ 173) : صحيح. (7) الحزن: الصعب الذي لا يمكن صحبته ولا تلين أخلاقه كالأرض الحزنة. (8) الترمذي (2955) . وقال: حسن صحيح واللفظ له. وأحمد (4/ 400 و406) وصححه الألباني في تعليقه علي «مشكاة المصابيح» رقم (100) وأورده في «سلسلته الصحيحة» (1630) .. (9) أقلني بيعتي: ظاهره أنه سأل الإقالة من الإسلام، وقيل: إنما استقاله من الهجرة وإلا لكان قتله على الردة. (10) البخاري- الفتح 5 (1883) . ومسلم (1383) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4464 تسعة وتسعين نفسا. فهل لي من توبة؟ قال: بعد تسعة وتسعين نفسا! قال: فانتضى «1» سيفه فقتله. فأكمل به المائة. ثمّ عرضت له التّوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض. فدلّ على رجل. فأتاه فقال: إنّي قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟ قال: فقال: ويحك! ومن يحول بينك وبين التّوبة؟ اخرج من القرية الخبيثة الّتي أنت فيها، إلى القرية الصّالحة، قرية كذا وكذا. فاعبد ربّك فيها. فرجع يريد القرية الصّالحة، فعرض له أجله في الطّريق. فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب. قال إبليس: أنا أولى به، إنّه لم يعصني ساعة قطّ. قال: فقالت ملائكة الرّحمة: إنّه خرج تائبا. قال: فبعث الله عزّ وجلّ ملكا فاختصموا إليه ثمّ رجعوا. فقال: انظروا أيّ القريتين كانت أقرب، فألحقوه بأهلها. قال: لمّا حضره الموت احتفز بنفسه «2» فقرب من القرية الصّالحة، وباعد منه القرية الخبيثة. فألحقوه بأهل القرية الصّالحة» ) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت بقرية تأكل القرى «4» ، يقولون: يثرب، وهي المدينة «5» ، تنفي النّاس كما ينفي الكير خبث الحديد» ) * «6» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلمّا رأى القوم ألقوا نعالهم، فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاته قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟» قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ جبريل صلّى الله عليه وسلّم أتاني فأخبرني أنّ فيهما خبثا وقال: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر. فإن رأى في نعليه خبثا أو أذى فليمسحه وليصلّ فيهما» ) * «7» . 9- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه. قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر- أو كلمة نحوها- وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه   (1) فانتضى سيفه: أي أخرجه من غمده. (2) احتفز بنفسه: أي دفع نفسه. (3) الحديث في الصحيحين: البخاري- الفتح 6 (3470) . ومسلم (2766) . وابن ماجة (2622) واللفظ له. (4) أمرت بقرية تأكل القرى: معناه أمرت بالهجرة إليها واستيطانها. ومعنى أكلها القرى أنها مركز الإسلام في أول الأمر أو أن أكلها وميرتها تكون من القرى المنفتحة وإليها تساق غنائمها. (5) يقولون يثرب وهي المدينة: يعني أن بعض الناس يسمونها يثرب وإنما اسمها المدينة، وطابة وطيبة، ففي هذا كراهة تسميتها يثرب. (6) البخاري- الفتح 4 (1871) . ومسلم (1382) . (7) أبو داود (650- 651) واللفظ له، وهو في رقم (651) بلفظ الخبث في الموضعين، وفي (650) بلفظ القذر، وأحمد (3/ 20) ، والرواية التي فيها (الخبث) قال المنذري في مختصر أبي داود مرسلة (1/ 328) ، وانظر مجمع الزوائد فقد ذكر له شواهد كثيرة (2/ 53- 56) بتقديمها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4465 مالا، فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء» ) * «1» . 10- * (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثمن الكلب خبيث، ومهر البغيّ خبيث، وكسب الحجّام خبيث» ) * «2» . 11- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: لم نعد أن فتحت خيبر. فوقعنا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تلك البقلة. الثّوم. والنّاس جياع. فأكلنا منها أكلا شديدا. ثمّ رحنا إلى المسجد فوجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّيح. فقال: «من أكل من هذه الشّجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنّا في المسجد» ، فقال النّاس: حرّمت حرّمت. فبلغ ذاك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيّها النّاس إنّه ليس بي تحريم ما أحلّ الله لي، ولكنّها شجرة أكره ريحها» ) * «3» . 12- * (عن زينب بنت جحش- رضي الله عنها- أنّها قالت: استيقظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من النّوم محمرّا وجهه، وهو يقول: «لا إله إلّا الله، ويل للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج، مثل هذه» وعقد سفيان تسعين أو مائة. قيل: أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: «نعم. إذا كثر الخبث» ) * «4» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: لمّا قدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله سبحانه وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فأحسنوا الكيل بعد ذلك) * «5» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «الميّت تحضره الملائكة. فإذا كان الرّجل صالحا، قالوا: اخرجي أيّتها النّفس الطّيّبة. كانت في الجسد الطّيّب. اخرجي حميدة، وأبشري بروح «6» وريحان «7» وربّ غير غضبان. فلا يزال يقال لها، حتّى تخرج. ثمّ يعرج بها إلى السّماء. فيفتح لها. فيقال: من هذا؟ فيقولون فلان. فيقال: مرحبا بالنّفس الطّيّبة، كانت في الجسد الطّيّب. ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان وربّ غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتّى ينتهى بها إلى السّماء الّتي فيها الله عزّ وجلّ. وإذا كان الرّجل السّوء قال: اخرجي أيّتها النّفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث. اخرجي   (1) الترمذي (2325) وقال: حسن صحيح. أحمد- المسند (4/ 231) ، والمنذري في لا ترغيب (1/ 58) وقال: إسناده صحيح. (2) مسلم (1568) وخرجاه من حديث أبي مسعود الأنصاري بمعناه. (3) مسلم (565) . (4) البخاري- الفتح 13 (7059) واللفظ له، ومسلم (2280) . (5) ابن ماجة (2223) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده صحيح. والحاكم (2/ 33) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 567) وعزاه لابن ماجة وابن حبان والبيهقي. (6) روح: أي رحمة. (7) ريحان: أي طيب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4466 ذميمة، وأبشري بحميم وغسّاق «1» . وآخر من شكله أزواج. فلا يزال يقال لها ذلك حتّى تخرج ثمّ يعرج بها إلى السّماء. فلا يفتح لها. فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان. فيقال: لا مرحبا بالنّفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث. ارجعي ذميمة. فإنّها لا تفتح لك أبواب السّماء. فيرسل بها من السّماء، ثمّ تصير إلى القبر) * «2» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطّعام. ولم يخنز اللّحم، ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها، الدّهر» ) * «3» . 16- * (عن ابن أبي عتيق أنّه قال: تحدّثت أنا والقاسم عند عائشة- رضي الله عنها- حديثا. وكان القاسم رجلا لحّانة «4» . وكان لأمّ ولد فقالت له عائشة: ما لك لا تحدّث كما يتحدّث ابن أخي هذا؟ أما إنّي قد علمت من أين أتيت. هذا أدّبته أمّه وأنت أدّبتك أمّك. قال: فغضب القاسم وأضبّ «5» عليها. فلمّا رأى مائدة عائشة قد أتي بها قام. قالت: اجلس غدر «6» . إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا صلاة بحضرة الطّعام. ولا هو يدافعه الأخبثان «7» » ) * «8» . 17- * (عن سهل بن حنيف- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقل أحدكم خبثت نفسي. وليقل: لقست نفسي» «9» ) * «10» . 18- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على أمّ السّائب أو أمّ المسيّب فقال: «لا تسبّي الحمّى، فإنّها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» ) * «11» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الدّواء الخبيث) * «12» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي على النّاس زمان يدعو الرّجل ابن عمّه وقريبه: هلمّ إلى الرّخاء! هلمّ إلى   (1) الحميم: الماء الحار. والغساق: البارد المنتن. (2) ابن ماجة (4262) واللفظ له. وأحمد (2/ 364) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 313) : إسناده صحيح. (3) مسلم (1470) وخنز اللحم إذا تغير وأنتن. (4) لحانة: أي كثير اللحن- وهو الخطأ- في كلامه. (5) أضب: حقد. (6) اجلس غدر: الغدر ترك الوفاء ويقال لمن غدر: غادر وغدر وأكثر ما يستعمل في النداء بالشتم وإنما قالت له غدر لأنه مأمور باحترامها لأنها أم المؤمنين وعمته وأكبر منه وناصحة له ومؤدبة. فكان حقه أن يحتملها ولا يغضب عليها. (7) الأخبثان: البول والغائط (8) مسلم (560) . (9) لقست: فترت وكسلت. قال أبو عبيد وغيره لقست وخبثت بمعنى واحد وإنما كره صلّى الله عليه وسلّم، معنى الخبث لبشاعة الاسم وعلّمهم الأدب في الألفاظ واستعمال حسنها وهجران خبيثها. (10) البخاري- الفتح 10 (6180) . ومسلم (2251) واللفظ له. (11) مسلم (2575) . (12) أبو داود (3870) . والترمذي (2045) بلفظه. وأحمد (2/ 305) . وقال الشيخ أحمد شاكر (15/ 193) : صحيح. والحاكم (4/ 410) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه والدواء الخبيث هو الخمر بعينه بلاشك فيه ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4467 الرّخاء! والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. والّذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلّا أخلف الله فيها خيرا منه. ألا إنّ المدينة كالكير تخرج الخبيث. لا تقوم السّاعة حتّى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد» ) * «1» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يعقد الشيّطان على قافية رأس أحدكم «2» ثلاث عقد إذا نام بكلّ عقدة يضرب عليك ليلا طويلا «3» . فإذا استيقظ، فذكر الله انحلّت عقدة. وإذا توضّأ انحلّت عنه عقدتان. فإذا صلّى انحلّت العقد. فأصبح نشيطا طيّب النّفس. وإلّا أصبح خبيث النّفس كسلان» ) * «4» . 22- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة ريحها طيّيب وطعمها طيّب. ومثل المؤمن الّذي لا يقرأ القرآن مثل التّمرة لا ريح لها وطعمها حلو. ومثل المنافق الّذي يقرأ القرآن مثل الرّيحانة ريحها طيّب وطعمها مرّ. ومثل المنافق الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مرّ» ) * «5» . ولفظه عند أحمد: «ومثل المنافق الّذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها خبيث» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الخبث) 1- * (قال عثمان- رضي الله عنه- اجتنبوا الخمر؛ فإنّها أمّ الخبائث. إنّه كان رجل ممّن خلا قبلكم تعبّد فعلقته امرأة غويّة فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنّا ندعوك للشّهادة، فانطلق مع جاريتها، فطفقت كلّما دخل بابا أغلقته دونه حتّى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر «7» فقالت: إنّي والله ما دعوتك للشّهادة ولكن دعوتك لتقع عليّ أو تشرب من هذه الخمر كأسا أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقني من هذا الخمر كأسا فسقته كأسا، قال: زيدوني فلم يرم «8» حتّى وقع عليها «9» ، وقتل النّفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنّها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلّا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه) * «10» . 2- * (قال قيس بن وهبان لابن عبّاس- رضي الله عنهما-: إنّ لي جريرة «11» أنتبذ فيها حتّى إذا غلى وسكن شربته. قال: مذ كم هذا شرابك؟ قلت: مذ عشرون سنة- أو قال: مذ أربعون سنة- قال:   (1) مسلم (1381) . (2) قافية رأس أحدكم: القافية آخر الرأس، وقافية كل شيء آخره. (3) عليك ليلا طويلا: هكذا رواه الأكثرون بالنصب على الإغراء ورواه بعضهم: عليك ليل طويل بالرفع. (4) البخاري- الفتح 3 (1142) . ومسلم (776) واللفظ له، (5) البخاري- الفتح 13 (7560) . ومسلم (797) واللفظ له. والموطأ (ص 176) . (6) أحمد (4/ 408) . (7) باطية خمر: الباطية: إناء، وهو لفظ معرب. (8) فلم يرم: أي فلم يبرح. (9) حتى وقع عليها: أي فعل معها الفاحشة. (10) النسائي (8/ 315) . (11) الجريرة: تصغير الجرّة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4468 طالما تروّت عروقك من الخبث) * «1» . 3- * (جاء رجل إلى ابن عمر- رضي الله عنهما- فقال له: يا أبا عبد الرّحمن. إنّي أسلفت رجلا سلفا، واشترطت عليه أفضل ممّا أسلفته. فقال عبد الله ابن عمر: فذلك الرّبا. قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرّحمن. فقال عبد الله: السّلف على ثلاثة وجوه: سلف تسلفه تريد وجه الله، فلك وجه الله، وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك، فلك وجه صاحبك. وسلف تسلفه لتأخذ خبيثا بطيّب فذلك الرّبا. قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: أرى أن تشقّ الصّحيفة. فإن أعطاك مثل الّذي أسلفته قبلته. وإن أعطاك دون الّذي أسلفته فأخذته أجرت. وإن أعطاك أفضل ممّا أسلفته طيّبة به نفسه فذلك شكر. شكره لك، ولك أجر ما أنظرته) * «2» . 4- * (قال عمرو بن ميمون- رحمه الله تعالى: كنت في اليمن في غنم لأهلي، وأنا على شرف، فجاء قرد مع قردة فتوسّد يدها، فجاء قرد أصغر منه فغمزها، فسلّت يدها من تحت رأس القرد الأوّل سلّا رفيقا وتبعته فوقع عليها وأنا أنظر، ثمّ رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خدّ الأوّل برفق فاستيقظ فزعا، فشمّها فصاح، فاجتمعت القرود، فجعل يصيح ويومىء إليها بيده، فذهب القرود يمنة ويسرة، فجاءوا بذلك القرد أعرفه، فحفروا لهما حفرة فرجموهما، فلقد رأيت الرّجم في غير بني آدم) * «3» . 5- * (قال مالك بن دينار- رحمه الله تعالى-: أصاب النّاس في بني إسرائيل قحط فخرجوا مرارا فأوحى الله- عزّ وجلّ- إلى نبيّهم أن أخبرهم أنّكم تخرجون إليّ بأبدان نجسة وترفعون إليّ أكفّا قد سفكتم بها الدّماء وملأتم بطونكم من الحرام الآن قد اشتدّ غضبي عليكم ولن تزدادوا منّي إلّا بعدا) * «4» . 6- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: حرّم الله الجنّة على من في قلبه نجاسة وخبث فلا يدخلها إلّا بعد طيبه وطهره، فالجنّة لا يدخلها خبيث ولا من فيه شيء من الخبث فمن تطهّر في الدّنيا ولقي الله طاهرا من نجاساته وخبثه دخلها بغير معوّق، ومن لم يتطهّر في الدّنيا فإن كانت نجاسته وخبثه عينيّا كالكافر لم يدخلها بحال، وإن كان خبثه كسبيّا عارضا دخلها بعدما يتطهّر من هذا الخبث) * «5» . من مضار (الخبث) 1- الخبث يحبط ثواب العمل. 2- الخبث في الثّياب يبطل الصّلاة. 3- الخبث في الأشياء يحرّم اقتناءها. 4- الخبث في المكان يعمّه بالبلوى. 5- تناول الخبيث يؤذي الجسد ويؤذي الإخوان. 6- الخبيث مغضوب عليه من الله ورسوله والمؤمنين.   (1) النسائي (8/ 323) وتروّت من الري، والخبث: النجس. (2) الموطأ (681- 682) . (3) الفتح (7/ 196) وعزاه للإسماعيلي وأصله عند البخاري- الفتح 7 (3849) . (4) إحياء علوم الدين (1/ 307) . (5) بتصرف من إغاثة اللهفان (1/ 56) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4469 الخداع الخداع لغة: مصدر قولهم: خدع يخدع خدعا وخداعا، وهو مأخوذ من مادّة (خ د ع) الّتي تدلّ على إخفاء الشّيء، من ذلك: خدعت الرّجل: خذلته، وخدع الرّيق في الفم، وذلك أنّه يخفى في الحلق ويغيب، ولفلان خلق خادع، إذا تخلّق بغير خلقه، لأنّه يخفي خلاف ما يظهره، ويقال إنّ الخدعة الدّهر. والخدعة: الرّجل يخدع النّاس، وخدعة يخدعه النّاس، ودينار خادع أي ناقص الوزن وكأنّه أرى التّمام وأخفى النّقصان حتّى أظهره الوزن، والأخدعان: عرقان تصوّر منهما الخداع لاستتارهما تارة وظهورهما تارة، يقال: خدعه يخدعه قطع أخدعيه، وخدعه: ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم، والاسم: الخديعة، يقال: هو يتخادع، أي يري ذلك من نفسه، وخدعته فانخدع، وخادعته خداعا ومخادعة وفي التّنزيل: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ (النساء/ 142) . قال الجوهريّ: أي يخادعون أولياء الله «1» . وقال الرّاغب: يخادعون الرّسول والأولياء، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 11/ 4 ونسب ذلك إلى الله من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملته، وجعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم وتنبيها على عظم الرّسول وأوليائه ولا تستقيم دعوى الحذف هنا لأنّه لو ذكر المحذوف لما كان تنبيه على فظاعة فعلهم ولا على عظيم المقصود بالخداع، وخادعهم: مجازيهم بالخداع «2» . وقال الطّبريّ: نزلت في عبد الله بن أبيّ وأبي عامر بن النّعمان قال: وروي عن السّدّيّ قال: يعطيهم يوم القيامة نورا يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدّنيا، ثمّ يسلبهم ذلك النّور فيطفئه، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بالسّور «3» . وعن الحسن قوله: يلقى على كلّ مؤمن ومنافق نور يمشون به حتّى إذا انتهوا إلى الصّراط طفيء نور المنافقين، ومضى المؤمنون بنورهم فينادونهم، انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ... (الحديد/ 13) قال الحسن فذلك خديعة الله إيّاهم «4» . وأمّا قوله تعالى في المنافقين يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (البقرة/ 9) .   (1) تأويل ذلك يقتضي أنّ في الكلام حذفا. (2) المفردات (143) . (3) تفسير الطبري (4/ 332) . (4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4470 قال القرطبيّ: أي عند أنفسهم وعلى ظنّهم، وقيل: لعملهم عمل المخادع، ومخادعهم: ما أظهروه من الإيمان خلاف ما أبطنوه من الكفر ليحقنوا دماءهم وأموالهم ويظنّون أنّهم قد نجوا وخدعوا. وقيل: المعنى: أنّهم يفسدون إيمانهم وأعمالهم فيما بينهم وبين الله تعالى بالرّياء، وما تحلّ عاقبة الخدع إلّا بهم. لأنّ الخداع إنّما يكون مع من لا يعرف البواطن، وأمّا من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع فإنّما يخدع نفسه، ودلّ هذا على أنّ المنافقين لم يعرفوا الله، إذ لو عرفوه لعرفوا أنّه لا يخدع «1» . وقال الطّبريّ: خداع المنافق ربّه والمؤمنين إظهاره بلسانه من القول والتّصديق خلاف الّذي في قلبه من الشّكّ والتّكذيب «2» . أمّا ما جاء في الحديث: «الحرب خدعه بفتح الخاء وضمّها، (وخدعة) بضمّ الخاء مع فتح الدّال فالأوّل (خدعة) معناه أنّ الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة، أي أنّ المقاتل إذا خدع مرّة واحدة لم تكن له إقالة، والثّاني (خدعة) هو الاسم من الخداع، وأمّا الثّالث: (خدعة) فمعناه: أنّ الحرب تخدع الرّجال وتمنّيهم ولا تفي لهم، وقال ابن منظور: الخدع: إظهار خلاف ما تخفيه. وقيل الخداع: الحيلة. وقيل: خدعه يخدعه خدعا، بالكسر، مثل سحره يسحره سحرا. ويقال: هو يتخادع أي يري ذلك من نفسه. وتخادع القوم: خدع بعضهم بعضا، ويقال: رجل خدّاع وخدوع وخدعة إذا كان خبّا. والخدعة ما تخدع به «3» . الخداع اصطلاحا: وقال الرّاغب: الخداع: إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه «4» . وقال المناويّ: إظهار خير يتوسّل به إلى إبطان شرّ يؤول إليه أمر ذلك الخير المظهر. وقيل: هو إظهار ما يخالف الإضمار «5» . [للاستزادة: انظر صفات: التناجش- الخبث- سوء المعاملة- الغدر- الغش- اللؤم- المكر- النفاق- الخيانة- الكذب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمانة- الإيمان- الاستقامة- حسن المعاملة- الصدق- المروءة- النبل] .   (1) القرطبي (1/ 195- 196) . (2) الطبري (1/ 103) . (3) مقاييس اللغة (2/ 162) ، المفردات للراغب (143) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 14) ، ولسان العرب (8/ 63- 65) والصحاح (3/ 1201) . (4) المفردات (143) . (5) انظر: التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (153) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4471 الآيات الواردة في «الخداع» 1- يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) «1» 2- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) «2» 3- وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) «3»   (1) البقرة: 9 مدنية (2) النساء: 142 مدنية (3) الأنفال: 62 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4472 الأحاديث الواردة في ذمّ (الخداع) 1- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا ذكر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه يخدع في البيوع، فقال: «إذا بايعت فقل: لا خلابة «1» » ) * «2» . 2- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم: وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء. تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك. وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وضعيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «3» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير الفحّاش» ) * «4» . 3- * (عن قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله عنه- قال: لولا أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المكر والخديعة في النّار» لكنت من أمكر النّاس) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الخداع) معنى 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السّبيل. ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدّقه، وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلّا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف» ) * «6» .   (1) لا خلابة: لا تخلبوني أي لا تخدعوني. (2) البخاري- الفتح 4 (2117) واللفظ له، ومسلم (1533) . (3) لا زبر له: أي لا عقل له. (4) مسلم (2865) . (5) فتح الباري (4/ 417) وقال الحافظ ابن حجر: إسناده لا بأس به، وقال الألباني: صحيح، وانظر صحيح الجامع (1057) . (6) مسلم (108) واللفظ له وبعضه عند البخاري- الفتح 5 (2353) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4473 5- * (عن أسماء- رضي الله عنها- جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّ لي ضرّة. فهل عليّ جناح أن أتشبّع من مال زوجي بما لم يعطني؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المتشبّع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يتلقّى الرّكبان لبيع «2» ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا «3» ولا يبع حاضر لباد، ولا تصرّوا الإبل والغنم «4» . فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النّظرين، بعد أن يحلبها فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها، وصاعا من تمر» ) * «5» . 7- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لعن الواصلة والمستوصلة «6» والواشمة والمستوشمة «7» ) * «8» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا، فاتّخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمّه وهو يصلّي، فقالت: يا جريج. فقال: يا ربّ أمّي وصلاتي. فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلمّا كان من الغد أتته وهو يصلّي فقالت: يا جريج. فقال: يا ربّ أمّي وصلاتي فأقبل على صلاته، فانصرفت فلمّا كان من الغد أتته وهو يصلّي. فقالت: يا جريج فقال: أي ربّ أمّي وصلاتي. فأقبل على صلاته. فقالت: اللهم لا تمته حتّى ينظر إلى وجوه المومسات «9» . فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته. وكانت امرأة بغيّ يتمثّل بحسنها «10» . فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم. قال: فتعرّضت له، فلم يلتفت إليها. فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها. فوقع عليها. فحملت. فلمّا ولدت. قالت: هو من جريج. فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه. فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغيّ. فولدت منك. فقال: أين الصّبيّ؟ فجاءوا به فقال: دعوني حتّى أصلّي. فصلّى. فلمّا انصرف أتى الصّبيّ فطعنه في بطنه. وقال: يا غلام، من أبوك؟ قال: فلان الرّاعي. قال: فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به. وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب. قال: لا. أعيدوها من طين كما كانت. ففعلوا. وبينا صبيّ يرضع من أمّه.   (1) البخاري- الفتح 9 (5219) ومسلم (2130) واللفظ له. (2) لا يتلقّى الركبان لبيع: هو أن يتلقى الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد. ويخبره ما معه كذبا ليشتري منه سلعته بالوكس وأقل من ثمن المثل. (3) التناجش: الاستثارة أي يثير رغبة الناس فيها ويرفع ثمنها. (4) لا تصروا الإبل والغنم: من التصرية وهي الجمع أي لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة. (5) البخاري- الفتح 4 (2150) ، ومسلم (1515) واللفظ له. (6) الواصلة: هي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، والمستوصلة هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك. (7) الواشمة: من تفعل الوشم وهي أن تغرز إبرة أو نحوها في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غيرها حتى يسيل الدم، والمستوشمة هي من طلبت فعل ذلك. (8) البخاري- الفتح 10 (5937) ، ومسلم (2124) واللفظ له. (9) المومسات: أي الزواني البغايا المتجاهرات بذلك والواحدة مومسة وتجمع مياميس أيضا. (10) يتمثل بحسنها: أي يضرب به المثل لانفرادها به. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4474 فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة «1» وشارة «2» حسنة فقالت أمّه: اللهمّ اجعل ابني مثل هذا. فترك الثّدي وأقبل إليه فنظر إليه. فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع» . قال: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه. فجعل يمصّها. قال: «ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت. سرقت. وهي تقول:- حسبي الله ونعم الوكيل. فقالت أمّه: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها. فترك الرّضاع ونظر إليها. فقال: اللهمّ اجعلني مثلها. فهناك تراجعا الحديث «3» . فقالت: حلقى «4» ، مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ اجعل ابني مثله فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله. ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت. سرقت. فقلت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها. فقلت: اللهم اجعلني مثلها «5» قال: إنّ ذاك الرّجل كان جبّارا فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله. وإنّ هذه يقولون لها: زنيت ولم تزن. وسرقت ولم تسرق. فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها» ) * «6» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «7» كريم، والفاجر خبّ «8» لئيم» ) * «9» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر «10» » ) * «11» . 11- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّجش «12» » ) * «13» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الخداع) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج- وكان أبو بكر يأكل من خراجه- فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهّنت لإنسان في الجاهليّة وما أحسن الكهانة، إلّا أنّي خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الّذي   (1) فارهة: الفارهة النشيطة الحادة القوية. وقد فرهت فراهة وفراهية. (2) وشارة: الشارة الهيئة واللباس. (3) تراجعا الحديث: معناه أقبلت على الرضيع تحدثه. وكانت أولا، لا تراه أهلا للكلام. فلما تكرر منه الكلام، علمت أنه أهل له فسألته وراجعته. (4) حلقى: أي أصابه الله تعالى بوجع في حلقه. (5) مثلها: أي سالما من المعاصي كما هي سالمة. (6) البخاري- الفتح 6 (3436) ، مسلم (2550) واللفظ له. (7) الغر: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرا نسبة له إلى سلامة الصدر وحسن الباطن والظن في الناس فكأنه لم يجرب بواطن الأمور. (8) الخب: الخداع المكار الخبيث. (9) الترمذي (1964) ، وأبو داود (4790) ، والحاكم في المستدرك (1/ 43) وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني (1599) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 701) حديث حسن. (10) الغرر: ما له ظاهر تؤثره وباطن تكرهه. (11) مسلم (1513) . (12) النجش هو الختل والخداع. وقيل: هو دخول الرجل في السلعة وهو لا يريد شراءها بل ليرفع ثمنها. (13) البخاري- الفتح 4 (2142) ، ومسلم (1516) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4475 أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كلّ شيء في بطنه» ) * «1» . 2- * (قال ابن أبي أوفى: «النّاجش آكل ربا خائن» ) * «2» . 3- * (قال أيّوب السّختيانيّ: «يخادعون الله كأنّما يخادعون آدميّا، لو أتوا الأمر عيانا كان أهون عليّ» ) * «3» . 4- * (بوّب البخاريّ- رحمه الله- في صحيحه: «باب النّهي عن تلقّي الرّكبان، وأنّ بيعه مردود لأنّ صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما، وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز» ) * «4» . من مضار (الخداع) (1) ظلم النّاس وغبنهم وأكل أموالهم بالباطل. (2) انتهاك حرمات الله وحرمات النّاس. (3) دليل على عدم الإيمان بالله العليم. (4) فيه تحطيم لدعائم المجتمع المسلم المتكافل المسالم. (5) عمل من أعمال المنافقين والفسقة المجرمين. (6) كبيرة من كبائر الذّنوب. (7) طريق موصّل إلى النّار. (8) سبب في فقد ثقة النّاس بعضهم ببعض.   (1) البخاري- الفتح 7 (3842) . (2) البخاري- الفتح (4/ 416) . (3) فتح الباري (12/ 352) . (4) البخاري- الفتح (4/ 436) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4476 الخنوثة والتخنث الخنوثة لغة: التّخنّث مصدر تخنّث، أمّا الخنوثة فهي مصدر قولهم: خنث خنوثة، وكلاهما مأخوذ من مادّة (خ ن ث) الّتي يقول عنها صاحب المقاييس: «الخاء والنّون والثّاء أصل واحد يدلّ على تكسّر وتثنّ» فالخنث: المسترخي المتكسّر، وخنثت السّقاء، إذا كسرت فمه إلى خارج فشربت منه، وامرأة خنث: متثنّية، ويقول الجوهريّ: والاسم من ذلك: الخنث، ويقال خنّثت الشّيء فتخنّث أي: عطفته فتعطّف، ومنه سمّي المخنّث «1» ، وقال ابن منظور: الانخناث: التّثنّي والتّكسّر، فتقول: تخنّث الرّجل إذا فعل فعل المخنّث، وقيل: المخنّث الّذي يفعل فعل الخناثي، وخنث الرّجل خنثا فهو خنث والاسم الخنث. وأطلق على المخنّث للينه وتكسّره ويوصف به الإنسان ذكرا كان أو أنثى في المشي والكلام، فيقال: فلان تخنّث في كلامه، وتخنّث الرّجل وغيره إذا سقط من الضّعف ويقال في المثل: أخنث من دلال، والخنثى الّذي لا يخلص لذكر ولا أنثى، الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 5/ 10 فيقال: رجل خنثى، له ما للذّكر والأنثى، والجمع الخناثى مثل الحبالى، ويجمع أيضا على خناث (بكسر المعجمة) «2» . الخنوثة اصطلاحا: إذا كان الخنثى- كما يقول الجرجانيّ- شخصا له آلة الرّجال والنّساء أو ليس له شيء أصلا «3» بل له ثقبة لا تشبههما من الخنث وهو اللّين «4» ، والمخنّث كما يقول الكفويّ: هو من يمكّن غيره من نفسه، أو الّذي في أعضائه لين وتكسّر في أصل الخلقة ولا يشتهي النّساء «5» أو هو كما يقول ابن حجر: المتكسّر المتعطّف المتخلّق بخلق النّساء «6» . فالتّخنّث اصطلاحا: تكسّر الرّجل وتخلّقه بخلق النّساء تعطّفا وتدلّلا. حكم المخنّث: قال الإمام الذّهبيّ: إنّ تشبّه الرّجال بالنّساء من الكبائر بدليل قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله المتشبّهات من النّساء بالرّجال والمتشبّهين من الرّجال بالنّساء» وقوله أيضا: «لعن الله المخنّثين من الرّجال   (1) مقاييس اللغة (2/ 222) . (2) لسان العرب (2/ 272، 273) ، والصحاح للجوهري (1/ 281) . (3) التعريفات للجرجاني (107) . (4) التوقيف (160) . (5) الكفوي (822) . (6) هدي الساري مقدمة فتح الباري (114) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4477 والمترجّلات من النّساء» يعني اللّاتي يتشبّهن بالرّجال في لبسهم وحديثهم. وقال: إذا لبست المرأة زيّ الرّجال فقد شابهتهم في لبسهم فتلحقها لعنة الله ورسوله ولزوجها إذا أمكنها من ذلك أي رضي به، لأنّه مأمور بتقويمها على طاعة الله ونهيها عن المعصية وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله المرأة تلبس لبسة الرّجل، والرّجل يلبس لبسة المرأة» «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الدياثة- صغر الهمة- الفجور- الزنا- الغي والإغواء- الفحش- إطلاق البصر- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرجولة- الإيمان- الشرف- علو الهمة- العفة- المروءة- غض البصر- العزة- حفظ الفرج- الغيرة] .   (1) الكبائر للذهبي (134، 135) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4478 الأحاديث الواردة في ذمّ (الخنوثة والتخنث) 1- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعندي مخنّث، فسمعته يقول لعبد الله بن أبي أميّة: يا عبد الله أرأيت إن فتح الله عليكم الطّائف غدا فعليك بابنة غيلان فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخلنّ هؤلاء عليكنّ» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «لعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المخنّثين من الرّجال والمترجّلات من النّساء. وقال: أخرجوهم من بيوتكم. قال: فأخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلانا، وأخرج عمر فلانة» ) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الخنوثة والتخنث) معنى 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكره عشر خلال: تختّم الذّهب، وجرّ الإزار، والصّفرة (يعني الخلوق) وتغيير الشّيب- قال جرير: إنّما يعني بذلك نتفه- وعزل الماء عن محلّه، والرّقى إلّا بالمعوّذات، وفساد الصّبيّ غير محرّمه «3» ، وعقد التّمائم، والتّبرّج بالزّينة لغير محلّها، والضّرب بالكعاب «4» » ) * «5» . 4- * (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قدمت على أهلي ليلا وقد تشقّقت يداي، فخلّقوني بزعفران فغدوت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه، فلم يردّ عليّ ولم يرحّب بي. فقال: «اذهب فاغسل هذا عنك» فذهبت فغسلته ثمّ جئت وقد بقي عليّ منه ردع «6» . فسلّمت فلم يردّ عليّ ولم يرحّب بي. وقال: «اذهب فاغسل هذا عنك» فذهبت فغسلته ثمّ جئت فسلّمت عليه، فردّ عليّ، ورحّب بي وقال: «إنّ الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمّخ بالزّعفران، ولا الجنب» قال: ورخّص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضّأ) * «7» . 5- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يتزعفر الرّجل) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 7 (4324) واللفظ له. ومسلم (2179) . (2) البخاري- الفتح 10 (5886) . وجاء تسمية من غرّبه (أخرجه) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند الطبراني وهو: أنجشة. (3) قوله «فساد الصبي» معناه أن ترضع المرأة طفلها وهي حامل فذلك إفساد له، وقوله (غير محرمه) أي لم يجعل هذا حراما مثل بقية العشر فهي محرمة وكأنه ذكره مع المحرمات الأخرى إشارة إلى أنه قد يصل إلى درجة التحريم حين يبلغ الإفساد مبلغا ظاهرا. وفي هذا الحديث ما يعرف بمراعاة النظائر في الحكم الشرعي. (4) ضرب الكعاب: النرد وغيره. (5) أبو داود (4222) . وأحمد (1/ 380، 397) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 213) برقم (3605) . (6) ردع منه: أي أثر لم يزل بالغسلة الأولى. (7) أبو داود (4176) . وقال محقق جامع الأصول: للحديث شواهد بالمعنى يتقوى بها (4/ 749) . (8) البخاري- الفتح 10 (5846) . ومسلم (2101) وجاء النهي عن ذلك لأن التزعفر من فعل النساء فإذا فعله الرجال كان دليلا على الخنوثة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4479 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الخنوثة والتخنث) 1- * (كان ابن عمر وعبد الله بن عمرو عند الزّبير بن عبد المطّلب إذ أقبلت امرأة تسوق غنما متنكّبة قوسا، فقال عبد الله بن عمر: أرجل أنت أم امرأة؟ فقالت: امرأة. فالتفت إلى ابن عمرو فقال: «إنّ الله تعالى لعن على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم المتشبّهات من النّساء بالرّجال والمتشبّهين من الرّجال بالنّساء» ) * «1» 2- * (نفى عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- نصر بن حجّاج، من المدينة ومن وطنه إلى البصرة لمّا سمع تشبّه النّساء به وتشبّهه بهنّ» ) * «2» . 3- * (قال محمّد بن المنكدر وصفوان بن سليم وموسى بن عقبة؛ إنّ خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنهما-: أنّه وجد في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة، وقامت عليه بذلك البيّنة، فاستشار أبو بكر في ذلك أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان أشدّهم في ذلك قول عليّ بن أبي طالب- رضوان الله عليه- قال: «إنّ هذا ذنب لم تعص به أمّة من الأمم إلّا أمّة واحدة صنع الله تعالى بها ما علمتم، أرى أن نحرقه بالنّار، فكتب أبو بكر- رضي الله عنه- إلى خالد بن الوليد تحرقه بالنّار، ثمّ حرقهم ابن الزّبير في زمانه بالنّار، ثمّ حرقهم هشام بن عبد الملك، ثمّ حرقهم القسريّ بالعراق» ) * «3» . 4- * (خطب رجل من ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يتيمة كانت عنده فقال له: لا أرضاها لك، قال: ولم وفي دارك نشأت؟ قال: إنّها تتشرّف «4» . قال: لا أبالي، فقال له: الآن لا أرضاك لها) * «5» . 5- * (قال مجاهد في قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ قال: «كان يجامع بعضهم بعضا في المجالس» ) * «6» . 6- * (قال الزّهريّ- رحمه الله تعالى: «لا نرى أن يصلّى خلف المخنّث إلّا من ضرورة لا بدّ منها» ) .* «7» . وقال ابن حجر تعليقا على هذا الكلام: «المخنّث الذّي يتعمّد التّشبّه بالنّساء مبتدع بدعة قبيحة» «8» . 7- * (قال مالك- رحمه الله تعالى- «بلغني أنّ ناسا من أهل العلم كرهوا إخضاب اليدين والرّجلين للرّجال (يعني لما فيه من التّشبّه بالنّساء) «9» .   (1) الكبائر للذهبي (135) . (2) فتاوى في الخمر والمخدرات لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع أحمد حرك (87) . (3) البيهقي (8/ 405) في سننه. والخرائطي في مساوئ الأخلاق (168) . (4) تتشرف: يعني أنها تتشرف بك كناية عن أنّها لا شرف لها في ذاتها. (5) أدب الدنيا والدين للماوردي (157) . (6) الطبري في تفسيره (20/ 94) . (7) البخاري- الفتح 2 (221) . (8) الفتح (2/ 223) . (9) ذكره ابن الأثير في جامع الأصول (4/ 745) ، وانظر تعليق محققه عليه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4480 8- * (قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى- «إنّ الرّجل المتشبّه بالنّساء يكتسب من أخلاقهنّ بحسب تشبّهه، حتّى يفضي به الأمر إلى التّخنّث المحض والتّمكين من نفسه كأنّه امرأة، ولمّا كان الغناء مقدّمة ذلك وكان بين عمل النّساء كانوا يسمّون الرّجال المغنّين مخانيث» ) * «1» . 9- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- «إنّ الرّجل إذا كان متزوّجا من الزّانية فهو زان ومذموم عند النّاس أعظم ممّا يذمّ الّذي يزني بنساء النّاس. ولهذا يقال في الشّتم (سبّه بالزّاي والقاف) أي قال له: يا زوج القحبة، فهذا أعظم ما يتشاتم به النّاس، لما قد استقرّ عند المسلمين من قبح ذلك، والّذي يتزوّج البغيّ ديّوث وهو أمر فطر الله على ذمّه وعيبه جميع عباده المؤمنين بل وغير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم كلّهم يذمّ من تكون امرأته بغيّا، ويشتم بذلك، ويعيّر به» ) * «2» . 10- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «إنّ الحشيشة المصنوعة من ورق القنّب حرام، ويجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنّها تفسد العقل والمزاج حتّى يصير في الرّجل تخنّث ودياثة» ) * «3» . من مضار (الخنوثة والتخنث) (1) قلّة الإيمان وفقد الحياء وانعدام الحشمة. (2) كثرة الفواحش وانتشار الزّنا واللّواطة. (3) جلب غضب الرّبّ والّذي يجب أن يخاف منه كلّ عبد. (4) تغيير الفطرة الّتي فطر الله النّاس عليها. (5) الطّرد والإبعاد من رحمة الله.   (1) حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة للألباني (77) . (2) مجموع الفتاوى (32/ 117- 118) بتصرف يسير. (3) المصدر السابق (28/ 339) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4481 الخيانة الخيانة لغة: مصدر قولهم: خان يخون، وهو مأخوذ من مادة (خ ون) الّتي تدلّ على التّنقّص، يقال: خانه يخونه خونا، وذلك نقصان الوفاء، وتخوّنني فلان أي تنقّصني، ونقيض الخيانة الأمانة، يقال خنت فلانا، وخنت أمانة فلان، وعلى ذلك قوله سبحانه لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 28) فخيانتهم لله ورسوله كانت بإظهار من أظهر منهم للرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين الإيمان في الظّاهر وهو يستسرّ الكفر والغشّ لهم في الباطن ويدلّون المشركين على عورتهم ويخبرونهم بما خفي عنهم من خبرهم، قيل: نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرّ المسلمين، وقوله وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ هي ما يخفى عن أعين النّاس من فرائض الله، وقيل: هي الدّين «1» . والاختيان: مراودة الخيانة، أي تحرّك شهوة الإنسان لتحرّي الخيانة. قال تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ (البقرة/ 187) قيل في تفسير هذه الآية: معناه أن يستأمر بعضكم بعضا في موافقة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 10/ 30/ 3 المحظور من الجماع، والأكل بعد النّوم في ليالي الصّوم، وقيل: إنّ المراد، أنّ كلّ واحد منهم يريد خيانة نفسه، وسمّي خائنا لأنّ الضّرر عائد عليه «2» . ويقال: خانه في كذا. يخونه خونا وخيانة وخانة ومخانة: ائتمن فلم ينصح. وخان العهد نقضه. ويقال: خان العهد والأمانة أي في العهد والأمانة. ويقال أيضا: خان عهده وأمانته. وخان الرّجل خونا كان به خون أي ضعف وفترة في نظره. وخوّنه تخوينا نسبه إلى الخيانة. وتخوّنه أيضا: تعهّده. واختانه اختيانا بمعنى خانه. والاختيان أبلغ من الخيانة. كما أنّ الاكتساب أبلغ من الكسب. واستخانه استخانة حاول خيانته. والخائن اسم فاعل، جمعه خانة وخونة وخوّان. والخائنة: مؤنّث الخائن. وقد يستعمل للخائن أيضا بزيادة التّاء المربوطة للمبالغة كرواية للكثير الرّواية. وخائنة الأعين ما يسارق من النّظر إلى مالا يحلّ. وقيل: هي أن ينظر نظرة بريبة. ومنه الحديث: «وما كان لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين» أي يضمر في نفسه غير ما يظهره فإذا كفّ لسانه وأومأ بعينه فقد خان «3» .   (1) تفسير الطبري (6/ 221، 222) . (2) المرجع السابق (2/ 212) بتصرف. (3) مقاييس اللغة (2/ 230) المفردات للراغب، لسان العرب (13/ 144- 145) باختصار. وانظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 89) ، وجمهرة اللغة (2/ 244) (3/ 240) ، وبصائر ذوي التمييز (2/ 582) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4482 الخيانة اصطلاحا: قال الجاحظ: الخيانة هي الاستبداد بما يؤتمن الإنسان عليه من الأموال والأعراض والحرم، وتملّك ما يستودع ومجاحدة مودعه، وفيها أيضا طيّ الأخبار إذا ندب لتأديتها، وتحريف الرّسائل إذا تحمّلها فصرفها عن وجوهها «1» . وقال المناويّ: الخيانة: هي التّفريط في الأمانة، وقيل: هي مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ «2» . وقال الكفويّ: إنّ الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة، وخيانة الأعين: ما تسارق من النّظر إلى ما لا يحلّ «3» . وقال ابن الجوزيّ: الخيانة: التّفريط فيما يؤتمن الإنسان عليه. ونقيضها: الأمانة. وقال القرطبيّ: الخيانة: الغدر وإخفاء الشّيء، ومنه يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ (غافر/ 19) «4» . الفرق بين النفاق والخيانة: قال الرّاغب: الخيانة والنّفاق واحد، إلّا أنّ الخيانة تقال: اعتبارا بالعهد والأمانة، والنّفاق يقال: اعتبارا بالدّين، ثمّ يتداخلان. فالخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ. ونقيض الخيانة الأمانة. يقال: خنت فلانا وخنت أمانة فلان. قال تعالى: لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 28) «5» . من معاني كلمة «الخيانة» في القرآن الكريم: أحدها: المعصية، ومنه قوله تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ (البقرة/ 187) قال ابن قتيبة: تخونونها بالمعصية «6» . الثّاني: نقض العهد. ومنه قوله تعالى في الأنفال: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ (الأنفال/ 58) . الثّالث: ترك الأمانة. ومنه قوله تعالى في النّساء: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (النساء/ 105) . (نزلت في طعمة بن أبيرق المنافق كان عنده درع فخانها) . الرّابع: المخالفة في الدّين. ومنه قوله تعالى في التّحريم: كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما «7» (التحريم/ 10) . وزاد ابن سلّام وجها خامسا فقال: والخيانة تعني الزّنا في قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ «8» (يوسف/ 52) . حكم الخيانة: عدّ الإمام الذّهبيّ الخيانة من الكبائر بدليل   (1) تهذيب الأخلاق (31) . (2) التوقيف (162) . (3) الكليات (434) . (4) الجامع لأحكام القرآن (7/ 395) . (5) بصائر ذوي التمييز (2/ 582) . (6) تأويل مشكل القرآن (478) . (7) نزهة الأعين النواظر (281- 283) . (8) التصاريف لابن سلام (178) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4483 قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» «1» ولقوله أيضا «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» «2» . وقال: الخيانة قبيحة في كلّ شيء، وبعضها شرّ من بعض، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم «3» . أمّا ابن حجر فقد ذكر: أنّ الخيانة في الأمانات والوديعة والعين المرهونة والمستأجرة أو غير ذلك من الكبائر، وقال: عدّ ذلك كبيرة هو ما صرّح به غير واحد، وظاهر ممّا ذكر في الآيات والأحاديث «4» . [للاستزادة: انظر صفات: إفشاء السر- التناجش- التنصل من المسئولية- الغدر- الغش- الغلول- نقض العهد- التطفيف. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمانة- كتمان السر- المسئولية- النزاهة- العفة- الوفاء- الإخلاص] .   (1) البخاري (33) ، ومسلم (107، 109) . (2) أبو داود (3534) ، والترمذي (1264) وقال: حسن غريب، والحاكم (2/ 46) ، وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي. (3) الكبائر للذهبي (141، 150) . (4) الزواجر لابن حجر (363) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4484 الآيات الواردة في «الخيانة» الخيانة ثمرة الكفر أو النفاق: 1- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) «1» 2- * إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) «2» 3- يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) «3» 4- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)   (1) المائدة: 12- 13 مدنية (2) الحج: 38- 40 مدنية (3) غافر: 16- 20 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4485 وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) «1» الخيانة في مجال الحرب: 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) «2» 6- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) «3» 7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) «4» خيانة النفس أو الغير: 8- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا   (1) التحريم: 10- 12 مدنية (2) الأنفال: 24- 28 مدنية (3) الأنفال: 55- 59 مدنية (4) الأنفال: 70- 71 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4486 عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «1» 9- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) «2» 10- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) * وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) «3»   (1) البقرة: 187 مدنية (2) النساء: 105- 109 مدنية (3) يوسف: 50- 53 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4487 الأحاديث الواردة في ذمّ (الخيانة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتمن خان» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ) * «2» . 3- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال «3» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «4» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «5» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «6» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «7» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «8» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «9» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «10» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «11» ، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف   (1) البخاري- الفتح 1 (33) ، ومسلم 1 (59) متفق عليه. (2) البخاري الفتح 1 (34) واللفظ له. ومسلم 1 (58) . (3) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (4) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (5) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. (6) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (7) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (8) انما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق. (9) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان. (10) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (11) نغزك: أي نعينك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4488 ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «1» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «2» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «3» ، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «4» «والشّنظير «5» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «6» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضّجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنّها بئست البطانة» ) * «7» . 5- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «حرمة نساء المجاهدين «8» على القاعدين، كحرمة أمّهاتهم. وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله، فيخونه فيهم، إلّا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ماشاء. فما ظنّكم «9» ؟» ) * «10» . 6- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم» - قال عمران: لا أدري أذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السّمن» ) * «11» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «سيأتي على النّاس سنون يصدّق فيها الكاذب، ويكذّب فيها الصّادق، ويخوّن فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرّويبضة» قال قيل: يا رسول الله؛ وما الرّويبضة؟ قال: «السّفيه يتكلّم في أمر العامّة» قال ابن قدامة: وحدّثني يحيى بن   (1) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (2) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (3) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (4) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور. (5) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق. (6) مسلم (2865) . (7) أبو داود (1547) وقال الألباني في صحيح أبي داود 1 (1368) حديث حسن (8/ 263- ح 3354) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 357) : حسن. (8) حرمة نساء المجاهدين: هذا في شيئين: أحدهما تحريم التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك. والثاني في برهن والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة، ولا يتوصل بها إلى ريبة، ونحوها. (9) فما ظنكم: معناه: ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام، أي لا يبقى منها شيئا إن أمكنه. (10) مسلم (1897) . (11) البخاري- الفتح 5 (2651) واللفظ له. مسلم (2535) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4489 سعيد الأنصاريّ عن المقبريّ قال: «وتشيع فيها الفاحشة» ) * «1» . 8- * (عن أبي سبرة قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض، حوض محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وكان يكذّب به، بعد ما سأل أبا برزة والبراء بن عازب وعائذ ابن عمرو ورجلا آخر، وكان يكذّب به، فقال أبو سبرة: أنا أحدّثك بحديث فيه شفاء هذا، إنّ أباك بعث معي بمال إلى معاوية، فلقيت عبد الله بن عمرو، فحدّثني عمّا سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأملى عليّ، فكتبت بيدي، فلم أزد حرفا، ولم أنقص حرفا، حدّثني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله لا يحبّ الفحش، أو يبغض الفاحش والمتفحّش» قال: ولا تقوم السّاعة حتّى يظهر الفحش والتّفاحش، وقطيعة الرّحم، وسوء المجاورة، وحتّى يؤتمن الخائن ويخوّن الأمين، وقال: ألا إنّ موعدكم حوضي، عرضه وطوله واحد، وهو كما بين أيلة ومكّة، وهو مسيرة شهر، فيه مثل النّجوم أباريق، شرابه أشدّ بياضا من الفضّة، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده أبدا» فقال عبيد الله: ما سمعت في الحوض حديثا أثبت من هذا، فصدّق به. وأخذ الصّحيفة فحبسها عنده) * «2» . 9- * (عن يوسف بن ماهك المكّيّ، قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليّهم، فغالطوه بألف درهم، فأدّاها إليهم، فأدركت لهم من مالهم مثليها «3» ، قال: قلت: أقبض الألف الّذي ذهبوا به منك؟ قال: لا، حدّثني أبي أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» ) * «4» . 10- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تجوز «5» شهادة خائن ولا خائنة، وردّ شهادة القانع، الخادم والتّابع، لأهل البيت، وأجازها لغيرهم» ) * «6» . 11- * (عن سعد- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم فتح مكّة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفّان، فجاء به حتّى أوقفه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه، ثلاثا، كلّ ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله» ؟ فقالوا:   (1) ابن ماجة (4036) . وأحمد (2/ 291) . والحاكم في المستدرك (4/ 512) واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) أحمد في المسند 2 (162، 163) . وقال الشيخ أحمد شاكر 10 (6514) (ص 20) : إسناده صحيح. ورواه الحاكم (1/ 75، 76) بثلاثة أسانيد ثم قال: حديث صحيح ووافقه الذهبي. (3) هكذا في الأصل في سنن أبي داود، وفي صحيح سنن أبي داود. والمعنى إنما يستقيم بإفراد الضمير بأن يقال: «فأدركت له من مالهم ... الخ» . (4) أبو داود (3534) واللفظ له. والترمذي (1264) من حديث أبي هريرة وقال: حديث حسن غريب. وقال الألباني في صحيح أبي داود (3018، 1019) : صحيح. (5) ولا تجوز: بمعنى لا تقبل. (6) أحمد (2/ 181) وقال الشيخ أحمد شاكر (6698) : إسناده صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4490 ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال: «إنّه لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين» ) * «1» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث. منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لولا بنو إسرائيل، لم يخبث الطّعام. ولم يخنز اللّحم «2» . ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها، الدّهر» ) * «3» . 13- * (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقطع الخائن ولا المنتهب ولا المختلس «4» » ) * «5» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «من تقوّل عليّ ما لم أقل فليتبوّا مقعده من النّار، ومن أفتى بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على من أفتاه، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه» ) * «6» . 15- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يطرق الرّجل أهله ليلا. يتخوّنهم أو يلتمس عثراتهم) * «7» . 16- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «8» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (البقرة/ 183) فكان النّاس على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا صلّوا العتمة، حرم عليهم الطّعام والشّراب والنّساء، وصاموا إلى القابلة. فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته، وقد صلّى العشاء، ولم يفطر، فأراد الله- عزّ وجلّ- أن يجعل ذلك يسرا لمن بقي، ورخصة ومنفعة، فقال سبحانه: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ (البقرة/ 187) . وكان هذا ممّا نفع الله به النّاس، ورخّص لهم ويسّر) * «9» . 17- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- يقول: «أقام رجل سلعته فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعطها. فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا (آل عمران/ 77) قال ابن أبي أوفى: النّاجش: آكل ربا خائن» ) * «10» .   (1) أبو داود (4359) واللفظ له وقال الألباني في صحيح أبي داود 3 (3664) : صحيح. النسائي (7/ 105، 106) وقال محقق جامع الأصول (8/ 376) : حديث حسن. (2) يخنز اللحم: تتغير رائحته، ويصير نتنا. (3) البخاري- الفتح 6 (3330) ومسلم (1470) واللفظ له. (4) ليس عليه حد في الدنيا وإنما ينال جزاءه في الآخرة بمقتضى النصوص الأخرى. (5) أبو داود: 4 (4391، 4392) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 3 (3690، 3691) : صحيح. وابن ماجة (2591) واللفظ له. (6) أحمد (2/ 321) رقم (8286) واللفظ له. وقال الألباني في صحيح أبي داود (3105) : حسن. وقال الشيخ أحمد شاكر (8761) : رواه البخاري ومسلم وابن ماجة والحاكم والشافعي في الرسالة والدارمي بنحوه. (7) مسلم (3/ 1528) كتاب الإمارة برقم (715) . وأصله عند البخاري إلى قوله ليلا، فتح الباري 10 (5243) . (8) هكذا بالأصل، والمراد أنه قال في تفسير هذه الآية. (9) أبو داود (2313) وقال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود (2028) : حسن. وأصله في البخاري. الفتح 8 (4508) . (10) البخاري- الفتح 5 (2675) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4491 الأحاديث الواردة في ذمّ (الخيانة) معنى 18- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر. حدّثنا: «أنّ الأمانة «1» نزلت في جذر قلوب الرّجال «2» . ثمّ نزل القرآن. فعلموا من القرآن وعلموا من السّنّة» ثمّ حدّثنا عن رفع الأمانة قال: «ينام الرّجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه. فيظلّ أثرها مثل الوكت «3» . ثمّ ينام النّومة فتقبض الأمانة من قلبه. فيظلّ أثرها مثل المجل «4» . كجمر دحرجته على رجلك. فنفط «5» فتراه منتبرا «6» . وليس فيه شيء (ثمّ أخذ حصى فدحرجه على رجله) فيصبح النّاس يتبايعون. لا يكاد أحد يؤدّي الأمانة حتّى يقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا. حتّى يقال للرّجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ زمان «7» وما أبالي أيّكم بايعت. لئن كان مسلما ليردّنّه عليّ دينه. ولئن كان نصرانيّا أو يهوديّا ليردّنّه عليّ ساعيه. وأمّا اليوم فما كنت لأبايع   (1) الأمانة: الظاهر أن المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده، والعهد الذي أخذه عليهم. الأمانة في الحديث هي الأمانة المذكورة في قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ، وهي عين الإيمان. فإذا استمكنت الأمانة من قلب العبد قام حينئذ بأداء التكاليف، واغتنم ما يرد عليه منها، وجد في إقامتها. (2) جذر قلوب الرجال: الجذر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان. قال في الفائق: الجذر، بالفتح والكسر، الأصل. (3) الوكت: هو الأثر اليسير. وقيل: هو سواد يسير. وقيل: هو لون يحدث مخالف للون الذي كان قبله. (4) المجل: بإسكان الجيم وفتحها: لغتان. والمشهور الإسكان. يقال: مجلت يده تمجل مجلا. ومجلت تمجل مجلا، لغتان مشهورتان. والمجل هو التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها ويصير كالقبة فيه ماء قليل. (5) فنفط: يقال: نفطت يده نفطا، من باب تعب، ونفيطا إذا صار بين الجلد واللحم ماء. وتذكير الفعل المسند إلى الرجل، وكذا تذكير قوله: فتراه منتبرا. مع أن الرّجل مؤنثة، باعتبار معنى العضو. (6) ومنتبرا: مرتفعا. وأصل هذا اللفظ الارتفاع. ومنه المنبر لارتفاعه وارتفاع الخطيب عليه. قال صاحب التحرير: معنى الحديث أن الأمانة تزول عن القلوب شيئا فشيئا. فإذا زال أول جزء منها زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت. وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله. فإذا زال شيء آخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة. وهذه الظلمة فوق التي قبلها. ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه، واعتقاب الظلمة إياه، بجمر يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط. (7) ولقد أتى عليّ زمان: معنى المبايعة هنا البيع والشراء المعروفان. ومراده أني كنت أعلم أن الأمانة لم ترتفع، وأن في الناس وفاء بالعهود. فكنت أقدم على مبايعة من اتفق غير باحث عن حاله، وثوقا بالناس وأمانتهم. فإنه إن كان مسلما فدينه وأمانته تمنعه من الخيانة وتحمله على أداء الأمانة. وإن كان كافرا فساعيه، وهو الوالي عليه، كان يقوم أيضا بالأمانة في ولايته، فيستخرج حقي منه. وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة، فما بقى لي وثوق بمن أبايعه، ولا بالساعي في أدائهما الأمانة. فما أبايع إلا فلانا وفلانا، يعني أفرادا من الناس، أعرفهم وأثق فيهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4492 منكم إلّا فلانا وفلانا» ) * «1» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مجلس يحدّث القوم جاءه أعرابيّ فقال: متى السّاعة؟ فمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدّث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتّى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السّائل عن السّاعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله. قال: «فإذا ضيّعت الأمانة فانتظر السّاعة» . قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر السّاعة» ) * «2» . 20- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: بينا نحن صفوفا «3» خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الظّهر أو العصر إذ رأيناه يتناول شيئا بين يديه في الصّلاة ليأخذه ثمّ يتناوله ليأخذه، ثمّ حيل بينه وبينه، ثمّ تأخّر وتأخّرنا، ثمّ تأخّر الثّانية وتأخّرنا فلمّا سلّم، قال أبيّ بن كعب: يا رسول الله رأيناك اليوم تصنع في صلاتك شيئا لم تكن تصنعه. قال: «إنّي عرضت عليّ الجنّة بما فيها من الزّهرة والنّضرة فتناولت قطفا منها لآتيكم به ولو أخذته لأكل منه من بين السّماء والأرض لا ينقصونه فحيل بيني وبينه. ثمّ عرضت عليّ النّار فلمّا وجدت حرّ شعاعها تأخّرت، وأكثر من رأيت فيها النّساء اللّاتي إن ائتمنّ أفشين وإن سألن أحفين- قال زكريّا: ألحفن- وإن أعطين لم يشكرن، ورأيت فيها لحيّ بن عمرو يجرّ قصبه. وأشبه من رأيت به معبد بن أكثم قال معبد: أي رسول الله يخشى عليّ من شبهه فإنّه والد، قال: لا، أنت مؤمن وهو كافر، وهو أوّل من جمع العرب على عبادة الأصنام» ) * «4» . 21- * (عاد عبيد الله بن زياد، معقل بن يسار المزنيّ. في مرضه الّذي مات فيه. فقال معقل: إنّي محدّثك حديثا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. لو علمت أنّ لي حياة ما حدّثتك. إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعيّة، يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته، إلّا حرّم الله عليه الجنّة» ) * «5» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غزا نبيّ من الأنبياء. فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع «6» امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولمّا يبن. ولا آخر قد بنى بنيانا، ولمّا يرفع سقفها. ولا   (1) البخاري- الفتح 11 (6497) . مسلم (143) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 1 (59) . (3) هكذا في الأصل (صفوفا) وذلك بتقدير (نقف صفوفا) وفي المسند نفسه 3 (352، 353) بلفظ آخر وهو الموافق لما في مجمع الزوائد. والمسند الجامع برقم (3081) . (4) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 88) واللفظ له. وقال: رواه أحمد (5/ 137) وروى عن أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وسلم قال بمثله وفي الإسنادين عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه ضعف وقد وثق. (5) مسلم (142) . (6) بضع: بضم الباء هو فرج المرأة. أي ملك فرجها بالنكاح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4493 آخر قد اشترى غنما أو خلفات «1» ، وهو منتظر ولادها «2» . قال: فغزا. فأدنى للقرية «3» حين صلاة العصر. أو قريبا من ذلك. فقال للشّمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور. اللهمّ احبسها عليّ شيئا «4» . فحبست عليه حتّى فتح الله عليه. قال: فجمعوا ما غنموا. فأقبلت النّار «5» لتأكله. فأبت أن تطعمه. فقال: فيكم غلول. فليبايعني من كلّ قبيلة رجل. فبايعوه. فلصقت يد رجل بيده. فقال: فيكم الغلول. فلتبايعني قبيلتك. فبايعته. قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة. فقال: فيكم الغلول. أنتم غللتم. قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة «6» من ذهب. قال: فوضعوه في المال وهو بالصّعيد «7» . فأقبلت النّار فأكلته. فلم تحلّ الغنائم لأحد من قبلنا. ذلك بأنّ الله تبارك وتعالى- رأى ضعفنا وعجزنا، فطيّبها «8» لنا» ) * «9» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثمّ غدر، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) * «10» . 24- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة «11» ، أوصاه في خاصّته «12» بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثمّ قال: «اغزوا باسم الله. في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا «13» . ولا تغدروا «14» ولا   (1) خلفات: جمع خلفة ككلمة وكلمات وهي الحامل من الإبل. (2) ولادها: أي نتاجها. وقال النووي: وفي هذا الحديث أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلى أولي الحزم وفراغ البال لها. ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها. لأن ذلك يضعف عزمه، ويفوت كمال بذل وسعه. (3) فأدنى للقرية: فأدنى. بهمزة قطع. كذا هو في جميع النسخ: فأدنى رباعي إما أن يكون تعدية لدنا، أي قرب، فمعناه أدنى جيوشه وجموعه للقرية. وإما أن يكون أدنى بمعنى حان أي قرب فتحها. من قولهم: أدنت الناقة إذا حان نتاجها. ولم يقولوه في غير الناقة. (4) اللهم احبسها: قال القاضي: اختلف في حبس الشمس المذكور هنا. فقيل: ردت على أدراجها. وقيل: وقفت ولم ترد. وقيل: أبطىء بحركتها. (5) فأقبلت النار: أي من جانب السماء لتأكله، كما هو السنّة في الأمم الماضية، لغنائمهم وقرابينهم المتقبلة. (6) فأخرجوا له مثل رأس بقرة: أي كقدره أو كصورته من ذهب كانوا غلوه وأخفوه. (7) بالصعيد: يعني وجه الأرض. (8) فطيبها: أي جعلها لنا حلالا بحتا، ورفع عنا محقها بالنار، تكرمة لنا. (9) مسلم (1747) . (10) البخاري- الفتح 4 (2227) . (11) سرية: هي قطعة من الجيش تخرج منه تغير وتعود إليه. وقيل: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها قالوا: سميت سرية لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها. وهي فعيلة بمعنى فاعلة. يقال: سرى وأسرى، إذا ذهب ليلا. (12) في خاصته: أي في حق نفس ذلك الأمير خصوصا. (13) ولا تغلوا: من الغلول. ومعناه الخيانة في الغنم. أي لا تخونوا في الغنيمة. (14) ولا تغدروا: أي ولا تنقضوا العهد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4494 تمثلوا «1» ولا تقتلوا وليدا «2» . وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) . فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام «3» . فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دراهم إلى دار المهاجرين. وأخبرهم أنّهم، إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحوّلوا منها، فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين. يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين. ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء. إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله «4» وذمّة نبيّه. فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه. ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك. فإنّكم أن تخفروا «5» ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك. فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «6» . 25- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف أنت إذا بقيت في حثالة من النّاس؟» قال: قلت: يا رسول الله، كيف ذلك؟ قال: «إذا مرجت عهودهم وأماناتهم، وكانوا هكذا» وشبّك يونس بين أصابعه: يصف ذلك- قال: قلت: ما أصنع عند ذاك يا رسول الله؟ قال: «اتّق الله- عزّ وجلّ- وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصّتك، وإيّاك وعوامّهم) * «7» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلقّوا البيع «8» ، ولا تصرّوا الغنم والإبل «9» للبيع، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النّظرين: إن شاء أمسكها، وإن شاء ردّها بصاع تمر، لا سمراء «10» » ) * «11» . 27- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه-   (1) ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى يقطع الأنوف والآذان. (2) وليدا: أي صبيا، لأنه لا يقاتل. (3) ثم ادعهم إلى الإسلام: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم: ثم ادعهم. قيل: صواب الرواية: ادعهم، بإسقاط ثم. وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد وفي سنن أبي داود وغيرهما. لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها. وقال المازري: ليست ثم، هنا زائدة. بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ. (4) ذمة الله: الذمة، هنا، العهد. (5) أن تخفروا: يقال: أخفرت الرجل اذا نقضت عهده. وخفرته أمنته وحميته. (6) مسلم (1731) . (7) رواه أحمد: 2/ 162 وقال الشيخ أحمد شاكر 10 (6508) : إسناده صحيح. ورواه الحاكم (4/ 435) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (8) لا تلقوا البيع: هو أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله للبلد ويخبره كذبا بكساد ما معه ليشتري منه سلعته بأقل من ثمن المثل. (9) لا تصروا الإبل والغنم: معناه: لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة. (10) لا سمراء: السمراء: الحنطة والمعنى أنه لا يلزم بدفع صاع منها لأنها أكثر ثمنا من التمر في عصرهم. (11) أحمد (2/ 242) ، وقال الشيخ أحمد شاكر 14 (7303) : إسناده صحيح، وأصله عند البخاري- الفتح 4 (2151) . ومسلم (1515) ، وأبي داود (3443) ومالك والنسائي وغيرهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4495 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره. ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامّة» ) * «1» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا فتحت خيبر أهديت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاة فيها سمّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود» فجمعوا له، فقال: «إنّي سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيّ عنه؟» فقالوا: نعم. قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أبوكم؟» قالوا: فلان. فقال: «كذبتم، بل أبوكم فلان» . قالوا: «صدقت» . قال: فهل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألت عنه؟» فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا، كما عرفته في أبينا. فقال لهم: «من أهل النّار؟» قالوا: نكون فيها يسيرا، ثمّ تخلفونا فيها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اخسأوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا» . ثمّ قال: «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: «هل جعلتم في هذه الشّاة سمّا؟» قالوا: نعم. قال: «ما حملكم على ذلك؟» قالوا: إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيّا لم يضرّك) * «2» . 29- * (عن أبي زرارة عديّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا «3» فما فوقه، كان غلولا «4» يأتي به يوم القيامة» قال: فقام رجل من الأنصار أسود، كأنّي أنظر إليه فقال: يا رسول الله، اقبل عنّي عملك، قال: «ومالك؟» قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: «وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فيجيء بقليله وكثيره. فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى» ) * «5» . 30- * (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من الأسد يقال له ابن اللّتبيّة (قال عمرو وابن أبي عمر: على الصّدقة) فلمّا قدم قال: هذا لكم. وهذا لي، أهدي لي. قال: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي. أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء. أو بقرة لها خوار. أو شاة تيعر» . ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه. ثمّ قال: «اللهمّ هل بلّغت؟» مرّتين) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3188) عن عبد الله. ومسلم (1738) واللفظ له، وقوله «أمير عامة» أي من غدر صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير. (2) البخاري- الفتح 6 (3169) . (3) المخيط: الإبرة. (4) الغلول: الخيانة. (5) مسلم (1833) . (6) البخاري- الفتح 13 (7197) . ومسلم (1832) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4496 من الآثار الواردة في ذمّ (الخيانة) 1- * (عن عديّ بن حاتم قال: أتينا عمر في وفد، فجعل يدعو رجلا رجلا ويسمّيهم. فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: «بلى، أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا. فقال عديّ- رضي الله عنه-: فلا أبالي إذا) * «1» 2-* (قال علي- رضي الله عنه-: أدّالأمانة والخيانة فاجتنب ... واعدل ولا تظلم يطيب المكسب) * «2» 3-* (كان شريح يقضي في المضارب بقضائين: كان ربّما قال للمضارب: بيّنتك على مصيبة تعذر بها. وربّما قال لصاحب المال: بيّنتك أنّ أمينك خائن وإلّا فيمينه بالله ما خانك «3» ) * «4» . من مضار (الخيانة) (1) تسخط الله- عزّ وجلّ- على العبد. (2) داء وبيل إذا استشرى بالإنسان جرّده من إنسانيّته وجعله وحشايهيم وراء ملذّاته. (3) من علامات النّفاق. (4) طريق موصل إلى العار في الدّنيا والنّار في الآخرة. (5) أسوأ ما يبطن الإنسان. (6) خيانة المجاهد في أهله أعظم جرما من خيانة غير المجاهد. (7) انتشار الخيانة في المجتمع من علامات اضمحلاله وهو علامة من علامات السّاعة. (8) انتشار الغلول والرّشوة والمطل والغشّ لأنّها كلّها من الخيانة.   (1) البخاري- الفتح 7 (4394) . (2) ديوان علي- رضي الله عنه- (48) . (3) المعنى: أن تأتي ببينة أن أمينك (الذي هو شريك) خائن. (4) النسائي (7/ 53، 54) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4497 [ حرف الدال ] الدّياثة الدّياثة لغة: مصدر قولهم: داث الرّجل يديث إذا ذلّ، وهو مأخوذ من مادّة (د ي ث) الّتي تدلّ على التّذليل، يقال من ذلك: ديّثته إذا أذللته، من قولهم: طريق مديّث أي مذلّل. وقال الجوهريّ: الدّيّوث: القنذع: وهو الّذي لا غيرة له، وقال ابن الأثير: وفي حديث عليّ «وديّث بالصّغار» أي ذلّل، والدّيّوث: هو الّذي لا يغار على أهله، وقيل: هذا اللّفظ سريانيّ معرّب، أي ليس له أصل في العربيّة يشتقّ منه. وقال ابن منظور: الدّياثة والتّياثة (بالكسر) فعل الدّيّوث. ويقال: ديّث الأمر: ليّنه وذلّلّه، وديّث الطّريق: وطّأه، والتّدييث: القيادة والدّيّوث: القوّاد على أهله، والّذي لا يغار على أهله. وقال في المحكم: هو الّذي يدخل الرّجال على حرمته بحيث يراهم، وقيل له ديّوث لأنّه ليّن نفسه على ذلك. وقال ثعلب: هو الّذي تؤتى أهله وهو يعلم، ويقال للدّيّوث أيضا: القندع والقنذع (بالدّال المهملة والذّال المعجمة) «1» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 1/ 5 الدياثة اصطلاحا: الدّياثة في الاصطلاح فعل الدّيّوث، والدّيّوث: هو الّذي يقرّ الخبث في أهله أي يستحسنه على أهله «2» . وقيل: هو الّذي لا غيرة له على أهله «3» . قبح الدياثة: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: إنّ المرأة إذا كانت زانية فإنّها لا تحصن فرجها عن غير زوجها، بل يأتيها هو وغيره كان الزّوج زانيا ديّوثا أمّا كونه زانيا فلأنّه يشترك هو وغيره فيها، فشأنه وشأنهم سواء، وهذا حال الزّناة، وأمّا كونه ديّوثا فلأنّه أقرّ على أهله الزّنا وهو يعلم بذلك. وفاعل ذلك إمّا مشرك أو زان ليس من المؤمنين الّذين يمنعهم إيمانهم من ذلك وقد رضي لنفسه بالقيادة والدّياثة، وهذا الفعل منه مخالف للفطرة ونقل لها عن طبيعتها، إذ قد جعل الله في نفوس بني آدم من الغيرة ما هو معروف، بحيث يستعظم الرّجل أن يطأ رجل آخر امرأته أعظم من غيرته على نفسه أن يزني، فإذا لم يكره أن تكون زوجته بغيّا فهو ديّوث. ولا يوجد ديّوث قوّاد إلّا وهو زان لأنّه إن لم   (1) المقاييس (2/ 317) ، لسان العرب (2/ 1465) ، والصحاح (1/ 282) ، والمصباح المنير (205) ، والنهاية (2/ 147) . (2) الذهبي، الكبائر (137) . (3) السيوطي في شرحه على سنن النسائي (5/ 80) وبمثل قوله قال السّندي في حاشيته، انظر سنن النسائي (بالهامش) (5/ 81) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4498 يكن معه إيمان يكره به زنا غيره بزوجته كيف يكون معه إيمان يمنعه من الزّنا؟ «1» . حكم الدياثة: عدّ الذّهبيّ الدّياثة من الكبائر ثمّ قال: فمن كان يظنّ بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبّته فيها أو لأنّ لها عليه دينا وهو عاجز، أو صداقا ثقيلا، أو له أطفال صغار فترفعه إلى القاضي وتطلب فرضهم، فهو دون من يعرض عنه، ولا خير فيمن لا غيرة له «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الخنوثة- صغر الهمة- الضعف- الفجور- الزنا- الفحش- الغي والإغواء- اتباع الهوى- إطلاق البصر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: حفظ الفرج- الرجولة- الشهامة- العزة- المروءة- النزاهة- الشرف- غض البصر- الغيرة] .   (1) بتصرف شديد من مجموع الفتاوي (15/ 318- 320) . (2) الكبائر ص 137. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4499 الأحاديث الواردة في ذمّ (الدياثة) 1- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ينظر الله- عزّ وجلّ- إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، والمرأة المترجّلة، والدّيّوث. وثلاثة لا يدخلون الجنّة: العاقّ لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنّان بما أعطى» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الدياثة) 1- * (قال قتادة- رحمه الله تعالى-: حرّم الله على المؤمنين نكاح البغايا) * «2» . 2- * (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: إنّ من ثمرة الحميّة الضعيفة قلّة الأنفة من التّعرّض للحرم والزّوجة والأمة، واحتمال الذّلّ من الأخسّاء، وصغر النّفس، والقماءة، وقد يثمر عدم الغيرة على الحريم، فإذا كان الأمر كذلك اختلطت الأنساب، ولذلك قيل: كلّ أمّة ضعفت الغيرة في رجالها ضعفت الصّيانة في نسائها، فإنّه قد خلقت الغيرة لحفظ الأنساب- فعلى هذا- كلّ أمّة فقدت الغيرة في رجالها فقدت الصّيانة في نسائها) * «3» . 3- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: إنّ الحشيشة المصنوعة من ورق القنّب حرام يجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنّها تفسد العقل والمزاج حتّى يصير في الرّجل تخنّث ودياثة وغير ذلك من الفساد) * «4» . 4- * (وقال- رحمه الله تعالى-: إنّ الإنسان إذا قلّت غيرته وزادت حميّته بفعل أشياء وتعاطي بعض الموادّ يتدرّج به الحال حتّى يصير ديّوثا أو مأبونا وإمّا يجمع بين الوصفين القبيحين) * «5» . 5- * (قال الذّهبيّ- رحمه الله تعالى-: من كان يظنّ بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبّته فيها أو أنّ لها عليه دينا وهو عاجز أو صداقا ثقيلا، أو له أطفال صغار. ولا خير فيمن لا غيرة له. يعني فمن كان هكذا فهو الدّيّوث) * «6» .   (1) النسائي (5/ 80- 81) وقال الألباني (2/ 541) : حسن صحيح. وأحمد (2/ 134) رقم (6185) ، وقال أحمد شاكر (9/ 34) : إسناده صحيح. وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (11/ 707) : وهو حديث حسن. (2) تفسير ابن كثير (3/ 262) . (3) إحياء علوم الدين (3/ 168) بتصرف. (4) فتاوى الخمر والمخدرات لشيخ الإسلام ابن تيمية، إعداد وتعليق: أحمد حرك (20) ، دار البشير، المعادي، القاهرة، ط. 1، بدون تاريخ. (5) مجموع الفتاوى (34/ 223) بتصرف. (6) كتاب الكبائر (137) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4500 من مضار (الدياثة) 1- تؤدّي هذه الصّفة الذّميمة إلى مفاسد اجتماعيّة خطيرة. 2- فيها مخالفة للفطرة الإنسانيّة السّليمة. 3- تجلب غضب الله وسخط رسوله صلّى الله عليه وسلّم. 4- كبيرة من الكبائر الّتي نهى عنها ديننا الحنيف. 5- لا خير فيمن لا يغار على أهله. 6- الدّيّوث لا قيمة له في المجتمع الصّالح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4501 [ حرف الذال ] الذل الذل لغة: مصدر قولهم: ذلّ يذلّ ذلّا، وهو مأخوذ من مادّة (ذ ل ل) الّتي تدلّ على الخضوع والاستكانة واللّين، فالذّلّ ضدّ العزّ. يقول ابن فارس: وهذه مقابلة في التّضادّ صحيحة تدلّ على الحكمة الّتي خصّت بها العرب؛ لأنّ العزّ من العزاز، وهي الأرض الصّلبة الشّديدة، والذّلّ خلاف الصّعوبة، وحكي عن بعضهم: بعض الذّلّ (بكسر الذّال) أبقى للأهل والمال، ومن هذا دابّة ذلول ويقال لما وطأ من الطّريق ذلّ، وذلّل القطف تذليلا إذا لان وتدلّى «1» . وقال الرّاغب: الذّلّ ما كان عن قهر. يقال: ذلّ يذلّ ذلّا، والذّلّ (بالكسر) ما كان بعد تصعّب، وقول الله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (الإسراء/ 24) أي كن كالمقهور لهما، وقريء جَناحَ الذُّلِّ أي لن، وانقد لهما «2» . قال القرطبيّ: الذّلّ هو اللّين، وقال الطّبريّ: المعنى أن تلين لهما حتّى لا تمتنع من شيء أحبّاه «3» . وقال الجوهريّ: الذّلّ ضدّ العزّ. يقال: رجل الآيات/ الأحاديث/ الآثار 16/ 26/ 7 ذليل بيّن الذّلّ والذّلّة والمذلّة من قوم أذلّاء وأذلّة. وتذلّل له: أي خضع، وأذلّ الرّجل أي صار أصحابه أذلّاء «4» . وقال ابن منظور: يقال ذلّ (الرّجل) يذلّ ذلّا وذلّة وذلالة ومذلّة، فهو ذليل بيّن الذّلّ والمذلّة، من قوم أذلّاء، وأذلّة وذلال، والذّلّ بالكسر اللّين، وهو ضدّ الصّعوبة. يقال: دابّة ذلول: بيّنة الذّلّ من دوابّ ذلل. وأذلّه هو وأذلّ الرّجل: صار أصحابه أذلّاء. وأذلّه: وجده ذليلا. واستذلّوه: رأوه ذليلا، ويجمع الذّليل من النّاس أذلّة وذلّانا. والذّلّ: الخسّة. وأذلّه واستذلّه كلّه بمعنى واحد. وتذلّل له أي خضع. وفي أسماء الله تعالى: المذلّ؛ هو الّذي يلحق الذّلّ بمن يشاء من عباده وينفي عنه أنواع العزّ جميعها. وفي التّنزيل العزيز: سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (الأعراف/ 152) قيل: الذّلّة ما أمروا به من قتل أنفسهم «5» . وقيل الذّلّة هي الهوان لعقوبة الله إيّاهم على كفرهم بربّهم وذلك بقتل (اليهود) بعضهم بعضا «6»   (1) مقاييس اللغة (2/ 345) . (2) المفردات (181) . (3) تفسير الطبري (8/ 61) ، والقرطبي (10/ 159) . (4) الصحاح (4/ 1701، 1702) . (5) لسان العرب (11/ 256، 258) ، وانظر: بصائر ذوي التمييز (3/ 17) . (6) تفسير الطبري (6/ 71) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4502 الذل اصطلاحا: قال المناويّ: الذّلّ- بالضّمّ- ما كان عن قهر- وبالكسر- ما كان عن تصعّب بغير قهر «1» . وقال الكفويّ: الذّلّ (بالكسر) في الدّابّة ضدّ الصّعوبة، وبالضّمّ في الإنسان ضدّ العزّ؛ لأنّ ما يلحق الإنسان أكثر قدرا ممّا يلحق الدّابّة، وقيل الذّلّ (بالضّمّ) ما كان عن قهر، (وبالكسر) ما كان عن تصعّب، والذّليل في النّاس هو الفقير الخاضع المهان «2» . الذل بين المدح والذم: قال الرّاغب: الذّلّ متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود، نحو قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (المائدة/ 54) وقال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ (آل عمران/ 123) «3» ، وفيما عدا ذلك يكون مذموما لأنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين. من معاني كلمة «الذل» في القرآن الكريم: أحدها: القلّة. ومنه قوله تعالى في (آل عمران/ 23) : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ. والثّاني: التّواضع. ومنه قوله تعالى في (المائدة/ 54) : فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وفي سورة (بني إسرائيل/ 24) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ. والثّالث: السّهولة. ومنه قوله تعالى في سورة الإنسان/ 14) : وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا. وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (يس/ 71) «4» . [للاستزادة: انظر صفات: التسول- صغر الهمة- الضعف- الوهن- اليأس- التخاذل- التهاون. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العزة- الرجولة- الشرف- القوة- النبل- قوة الإرادة- العزم والعزيمة] .   (1) التوقيف على مهمات التعاريف (350) . (2) الكليات (462، 463) . (3) المفردات (181) . (4) نزهة الأعين النواظر (300- 301) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4503 الآيات الواردة في «الذل» آيات في سياق عقاب الدنيا وأفعال أهلها: 1- وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «1» 2- قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) «2» 3- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «3» 4- وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) «5»   (1) البقرة: 61 مدنية (2) آل عمران: 26 مدنية (3) آل عمران: 110- 112 مدنية (4) آل عمران: 123- 126 مدنية (5) الأعراف: 152 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4504 6- قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (37) «1» 7- يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) «2» الذل بمعنى التواضع: 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «3» 9- وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «4» في سياق نفي الذل عن الله- عز وجل-: 10- قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) «5» آيات في سياق عقاب الآخرة: 11- * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) «6» 12- وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133)   (1) النمل: 34- 37 مكية (2) المنافقون: 8 مدنية (3) المائدة: 54 مدنية (4) الإسراء: 24 مكية (5) الإسراء: 110- 111 مكية (6) يونس: 26- 28 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4505 وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135) «1» 13- وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) «2» 14- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) «3» 15- يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43) «4» 16- فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44) «5»   (1) طه: 133- 135 مكية (2) الشورى: 44- 45 مكية (3) المجادلة: 20 مدنية (4) القلم: 42- 43 مكية (5) المعارج: 42- 44 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4506 الأحاديث الواردة في ذمّ (الذل) 1- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: اجتمع أناس من الأنصار فقالوا: آثر علينا غيرنا فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجمعهم ثمّ خطبهم فقال: «يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلّة فأعزّكم الله؟ قالوا: صدق الله ورسوله. قال: «ألم تكونوا ضلّالا فهداكم الله؟» . قالوا: صدق الله ورسوله. قال: «ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله؟. قالوا: صدق الله ورسوله. ثمّ قال: «ألا تجيبونني؟ ألا تقولون أتيتنا طريدا فآويناك، وأتيتنا خائفا فأمّنّاك؟ ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاء والبقران- يعني البقر- وتذهبون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتدخلونه بيوتكم؟ لو أنّ النّاس سلكوا واديا أو شعبة، وسلكتم واديا أو شعبة، سلكت واديكم أو شعبتكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار وإنّكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «1» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة «2» وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلّا لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم» ) * «3» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفقر، والقلّة، والذّلّة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم» ) * «4» . 4- * (عن أبي الطّفيل قال: انطلقت أنا وعمرو بن صليع حتّى أتينا حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ هذا الحيّ من مضر لا تدع لله في الأرض عبدا صالحا إلّا أفتنته وأهلكته حتّى يدركها الله بجنود من عباده فيذلّها حتّى لا تمنع ذنب تلعة «5» » ) * «6» . 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت بين يدي السّاعة بالسّيف حتّى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي وجعل الذّلّ والصّغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم» ) * «7» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:   (1) أحمد (3/ 57) واللفظ له، وأصله عند البخاري الفتح 7 (4330) ، ومسلم (1059) . (2) العينة: هي أن يبيع رجل لآخر سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى. ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به. فإن حدث ذلك بشرط أن لا يبيعها المشتري إلّا له فالبيع فاسد عند جميع الفقهاء. (3) أبو داود (3462) ، وقال الألباني (2/ 663) : صحيح. وصحّحه أيضا الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (11/ 765) . (4) أحمد (2/ 305) ، وأبو داود 1544) ، واللفظ له، وقال الألباني (1/ 287) : صحيح، والنسائي الاستعاذة 8 (261) ، ابن ماجه الدعاء (3842) . (5) والتلعة: واحدة التلاع، مسايل الماء من علو إلى أسفل والمعنى أنها تحتمي بأعالى الجبال فرارا من الهلاك. (6) أحمد (5/ 390) ، واللفظ له، والحاكم في المستدرك (4/ 470) وصححه ووافقه الذهبي بلفظ متقارب. (7) أحمد (2/ 92) واللفظ له، والهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 49) وقال: رواه أحمد (2/ 92) وفيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه ابن المديني وغيره وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات. فهو حديث حسن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4507 جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة فقالت: يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض خباء «1» أحبّ إليّ من أن يذلّوا من أهل خبائك. وما أصبح اليوم على ظهر الأرض خباء أحبّ إليّ من أن يعزّوا من أهل خبائك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأيضا «2» . والّذي نفسي بيده» . ثمّ قالت: يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل مسّيك «3» . فهل عليّ حرج من أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ فقال لها: «لا. إلّا بالمعروف «4» » ) * «5» . 7- * (عن أبي الحوراء قال: قال الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما-: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلمات أقولهنّ في الوتر- قال ابن جوّاس في قنوت الوتر-: «اللهمّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، وإنّه لا يذلّ من واليت، تباركت ربّنا وتعاليت» ) * «6» . 8- * (عن جابر- رضي الله عنه- يقول: «غزونا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد ثابت معه ناس من المهاجرين حتّى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعّاب «7» فكسع «8» أنصاريّا، فغضب الأنصاريّ غضبا شديدا حتّى تداعوا، وقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين. فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهليّة؟ ثمّ قال: «ما شأنهم؟» «فأخبر بكسعة المهاجريّ الأنصاريّ. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «دعوها فإنّها خبيثة» . وقال عبد الله بن أبيّ ابن سلول: أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فقال عمر: ألا نقتل يا نبيّ الله هذا الخبيث؟ - لعبد الله- فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتحدّث النّاس أنّه كان يقتل أصحابه» ) * «9» . 9- * (عن المقداد بن الأسود الكنديّ- رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض من بيت مدر ولا وبر إلّا أدخل   (1) أهل خباء: أرادت بقولها: أهل خباء نفسه صلّى الله عليه وسلّم. فكنّت عنه بأهل الخباء إجلالا له. قال: ويحتمل أن تريد بأهل الخباء أهل بيته. والخباء يعبر به عن مسكن الرجل وداره. (2) وأيضا. والذي نفسي بيده: معناه: وستزيدين من ذلك، ويتمكن الإيمان من قلبك، ويزيد حبك لله ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويقوى رجوعك عن بغضه. وأصل هذه اللفظة: آض يئيض أيضا، إذا رجع. (3) مسيك: أي شحيح وبخيل. واختلفوا في ضبطه على وجهين حكاهما القاضي: أحدهما مسّيك. والثاني مسيك. وهذا الثاني هو الأشهر في روايات المحدثين. والأولى أصح عند أهل العربية. وهما جميعا للمبالغة. (4) لا. إلا بالمعروف: هكذا هو في نسخ مسلم. وهو صحيح. ومعناه لا حرج. ثم ابتدأ فقال: إلا بالمعروف. أي لا تنفقي إلا بالمعروف. أو لا حرج إذا لم تنفقي إلا بالمعروف. (5) البخاري- الفتح 13 (7161) ، مسلم (1714) واللفظ له (6) أبو داود (1425) واللفظ له، وقال الألباني (1/ 267) : صحيح، والترمذي (464) وقال: هذا حديث حسن ولا نعرف عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في القنوت في الوتر أحسن من هذا. وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريجه: صحيح. وحسّنه أيضا الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (5/ 392) . (7) لعاب: أي بطال. وقيل: كان يلعب الحراب كما تصنع الحبشة. (8) فكسع: أي ضربه على دبره. (9) البخاري الفتح 6 (3518) واللفظ له، ومسلم (2772) من حديث زيد بن أرقم نحوه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4508 الله عليهم كلمة الإسلام بعزّ عزيز وذلّ ذليل يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها أو يذلّهم فلا يدينوا لها» ) * «1» . 10- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: ورأى سكّة «2» وشيئا من آلة الحرث فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل هذا بيت قوم إلّا أدخله الله الذّلّ «3» » ) * «4» . 11- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه» قالوا: وكيف يذلّ نفسه؟ قال: «يتعرّض من البلاء لما لا يطيق» ) * «5» . 12- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما من قوم مشوا إلى سلطان الله ليذلّوه إلّا أذلّهم الله قبل يوم القيامة» ) * «6» . 13- * (عن سهل بن حنيف- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «من أذلّ عنده مؤمن فلم ينصره- وهو يقدر على أن ينصره- أذلّه الله- عزّ وجلّ- على رؤوس الخلائق يوم القيامة» ) * «7» . 14- * (عن ربعيّ بن حراش- رضي الله عنه- قال: انطلقت إلى حذيفة بالمدائن ليالي سار النّاس إلى عثمان فقال: يا ربعيّ ما فعل قومك؟ قال: قلت عن أيّ بالهم تسأل؟ قال: من خرج منهم إلى هذا الرّجل. فسمعت رجالا فيمن خرج إليه. فقال:   (1) أحمد (6/ 4) و (4/ 103) من حديث تميم الداري بلفظ نحوه، والحاكم في المستدرك (4/ 430) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وصححه ووافقه الذهبي. (2) قوله (سكة) : بكسر المهملة هي الحديدة التي تحرث بها الأرض. (3) قوله (إلا أدخله الله الذل) : في رواية أبي نعيم المذكورة «إلا أدخلوا على أنفسهم ذلا لا يخرج عنهم إلى يوم القيامة» والمراد بذلك ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة، وكان العمل في الأراضي أول ما افتتحت على أهل الذمة فكان الصحابة يكرهون تعاطي ذلك. قيل: هذا من إخباره صلّى الله عليه وسلّم بالمغيبات، لأن المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث، وقد أشار البخاري بالترجمة إلى الجمع بين حديث أبي أمامة وحديث آخر في فضل الزرع والغرس وذلك بأحد أمرين: إما أن يحمل ما ورد من الذم على عاقبة ذلك ومحله ما إذا اشتغل به فضيع بسببه ما أمر بحفظه، وإما أن يحمل على ما إذا لم يضيع إلا أنه جاوز الحد فيه. والذي يظهر أن كلام أبي أمامة محمول على من يتعاطى ذلك بنفسه، أما من له عمال يعملون له وأدخل داره الآلة المذكورة لتحفظ لهم فليس مرادا، ويمكن الحمل على عمومه فإن الذل شامل لكل من أدخل على نفسه ما يستلزم مطالبة آخر له، ولا سيما إذا كان المطالب من الولاة. وعن الداودي هذا لمن يقرب من العدو، فإنه إذا اشتغل بالحرث لا يشتغل بالفروسية فيتأسد عليه العدو، فحقهم أن يشتغلوا بالفروسية وعلى غيرهم إمدادهم بما يحتاجون إليه. (4) البخاري- الفتح 5 (2321) . (5) الترمذي (2255) واللفظ له وقال: حسن غريب، ابن ماجة (4016) ، رواه أحمد (5/ 405) وانظر الصحيحة للشيخ الألباني (613) . (6) الهيثمي (5/ 216) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا كثير بن أبي كثير التميمي وهو ثقة. (7) أحمد (3/ 487) ، وقال الهيثمي في مجموع الزوائد (7/ 267) : رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة، وهو حسن الحديث، وفيه ضعف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4509 سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من فارق الجماعة واستذلّ الإمارة لقي الله- عزّ وجلّ- ولا وجه له عنده» ) * «1» . 15- * (عن جويرية- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لبس ثوب حرير في الدّنيا ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلّة من نار أو ثوبا من النّار» ) * «2» . 16- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور الرّجال يغشاهم الذّلّ من كلّ مكان، فيساقون إلى سجن في جهنّم يسمّى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النّار طينة الخبال» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الذل) معنى 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في رواية قال: أخنع اسم عند الله- وقال: سفيان غير مرّة:- أخنع الأسماء عند الله- رجل تسمّى بملك الأملاك، قال سفيان: يقول غيره: تفسيره شاهان شاه) * «4» . 18- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنّ- وأعوذ بالله أن تدركوهنّ- لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتّى يعلنوا بها إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «5» .   (1) أحمد (5/ 387) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (1/ 119) وصححه ووافقه الذهبي. (2) أحمد (6/ 430) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف، وقد وثق. مجمع الزوائد 5/ 141 وله شاهد عن ابن عمر عند أبي داود 4029، 4030، وابن ماجة 3607. (3) الترمذي (2492) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وحسّنه الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (10/ 616) . (4) البخاري- الفتح 10 (6206) ، قال ابن حجر رحمه الله (10/ 605) : عن سفيان قال: «أخنع: أذل» وأخرج مسلم عن أحمد بن حنبل قال: سألت أبا عمرو الشيباني يعني إسحق اللغوي عن أخنع فقال: أوضع، قال عياض: معناه أنه أشد الأسماء صغارا. وبنحو ذلك فسره أبو عبيد، والخانع الذليل وخنع الرجل ذل. قال ابن بطال: وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلا. (5) ابن ماجة (4019) ، وفي الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. وقد اختلفوا في ابن أبي مالك وأبيه، وذكره المنذري في الترغيب (2/ 568، 569) وقال: رواه ابن ماجه واللفظ له، ورواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة وقال: صحيح على شرط مسلم ورواه مالك بنحوه موقوفا على ابن عباس- رضي الله عنهما-. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4510 19- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا تزوّج أمّ سلمة أقام عندها ثلاثا. وقال: «إنّه ليس بك على أهلك هوان. إن شئت سبّعت لك، وإن سبّعت لك سبّعت لنسائي) * «1» . 20- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جنازة فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على القبر، وجلسنا حوله كأنّ على رؤوسنا الطّير وهو يلحد له فقال: «أعوذ بالله من عذاب القبر» ثلاث مرار. ثمّ قال: «إنّ المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدّنيا تنزّلت إليه الملائكة كأنّ على وجوههم الشّمس مع كلّ واحد كفن وحنوط، فجلسوا منه مدّ البصر حتّى إذا خرج روحه صلّى عليه كلّ ملك بين السّماء والأرض وكلّ ملك في السّماء، وفتحت له أبواب السّماء ليس من أهل باب إلّا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم، فإذا عرج بروحه قالوا: ربّ عبدك فلان، فيقول: أرجعوه؛ فإنّي عهدت إليهم أنّي منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى» قال: «فإنّه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولّوا عنه، فيأتيه آت فيقول: من ربّك؟ ما دينك؟ من نبيّك؟ فيقول: ربّي الله وديني الإسلام ونبيّي محمّد صلّى الله عليه وسلّم فينتهره. فيقول: من ربّك؟ ما دينك؟ من نبيّك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن. فذلك حين يقول الله- عزّ وجلّ-: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ فيقول: ربّي الله وديني الإسلام ونبيّي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فيقول له: صدقت. ثمّ يأتيه آت حسن الوجه طيّب الرّيح حسن الثّياب، فيقول: أبشر بكرامة من الله، ونعيم مقيم فيقول: وأنت فبشرّك الله بخير. من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصّالح كنت والله سريعا في طاعة الله بطيئا عن معصية الله فجزاك الله خيرا، ثمّ يفتح له باب من الجنّة وباب من النّار، فيقال: هذا كان منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنّة قال: ربّ عجّل قيام السّاعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن. وإنّ الكافر إذا كان في انقطاع من الدّنيا وإقبال من الآخرة نزلت عليه ملائكة غلاظ شداد، فانتزعوا روحه كما ينتزع السّفّود الكثير الشّعب من الصّوف المبتلّ، وتنزع نفسه مع العروق فيلعنه كلّ ملك بين السّماء والأرض، وكلّ ملك في السّماء، وتغلق أبواب السّماء ليس من أهل باب إلّا وهم يدعون الله أن لا تعرج روحه من قبلهم فإذا عرج بروحه قالوا: ربّ فلان ابن فلان عبدك. قال: أرجعوه فإنّي عهدت إليهم أنّي منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. قال: فإنّه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولّوا عنه. قال: فيأتيه آت فيقول: من ربّك؟ ما دينك؟ من نبيّك؟ فيقول: لا أدري. فيقول: لا دريت ولا تلوت، ويأتيه آت قبيح الوجه، قبيح الثّياب، منتن الرّيح فيقول: أبشر بهوان من الله وعذاب مقيم، فيقول: وأنت فبشّرك الله   (1) مسلم (1460) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4511 بالشّرّ. من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا في معصية الله فجزاك الله شرّا ثمّ يقيّض له أعمى أصمّ أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة حتّى يصير ترابا، ثمّ يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كلّ شيء إلّا الثّقلين» قال البراء بن عازب: «ثمّ يفتح له باب من النّار يمهد من فرش النّار» ) * «1» . 21- * (عن عبيد الله بن محمّد بن حفص بن عمر التّميميّ قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمّي عبيد الله بن عمر بن موسى يقول: كنت عند سليمان بن عليّ، فدخل شيخ من قريش فقال سليمان: انظر إلى الشّيخ فأقعده مقعدا صالحا؛ فإنّ لقريش حقّا فقلت: أيّها الأمير: ألا أحدّثك حديثا بلغني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: بلى. قال: قلت له: بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أهان قريشا أهانه الله» . قال: سبحان الله، ما أحسن هذا! من حدّثك هذا؟ قال: قلت: حدّثنيه ربيعة بن أبي عبد الرّحمن عن سعيد بن المسيّب عن عمرو بن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: قال لي أبي: يا بنيّ: إن وليت من أمر النّاس شيئا فأكرم قريشا؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أهان قريشا أهانه الله» ) * «2» . 22- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يقول: كان إذا نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي يسمع عند وجهه دويّ كدويّ النّحل. فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: «اللهمّ زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنّا وأرضنا، ثمّ قال: لقد أنزلت عليّ عشر آيات من أقامهنّ دخل الجنّة، ثمّ قرأ علينا: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ حتّى ختم العشر» ) * «3» . 23- * (عن زياد بن كسيب العدويّ- رحمه الله- قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر- وهو يخطب، وعليه ثياب رقاق- فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفسّاق ويعظ، فقال أبو بكرة: اسكت. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله» ) * «4» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا. إنّما هم فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعل الّذي يدهده الخرء بأنفه. إنّ الله قد أذهب عنكم عبّيّة الجاهليّة، إنّما هو مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ. النّاس كلّهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب» . قال: وفي   (1) أحمد (4/ 296) واللفظ له، أبو داود (3212، 4753، 4754) وقال الألباني (3/ 902) : صحيح، وقال محقق جامع الأصول (11/ 179) : إسناده حسن. (2) أحمد (1/ 64) واللفظ له، ونحوه عند الترمذي (3905) من حديث سعد بن أبي وقاص، وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 359) : إسناده صحيح. (3) أحمد (1/ 34) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 223) : إسناده صحيح. (4) الترمذي (2224) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب، والهيثمي وقال: رواه أحمد ورجال أحمد ثقات (5/ 215) وفى مسند أحمد 5 (42، 49) . وصحّحه الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (4/ 73) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4512 الباب عن ابن عمر وابن عبّاس) * «1» . 25- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ولدت له ابنة فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها- يعني الذّكر- أدخله الله بها الجنّة» ) * «2» . 26- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن» فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حبّ الدّنيا، وكراهية الموت» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الذل) 1- * (عن طارق قال: خرج عمر إلى الشّام- ومعنا أبو عبيدة- فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفّيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أأنت تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوّه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم. إنّا كنّا أذلّ قوم فأعزّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله» ) * «4» . 2- * (عن أبي فراس النّهديّ قال: خطب عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: يا أيّها النّاس، ألا إنّا إنّما كنّا نعرفكم إذ بين ظهرينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبّئنا الله من أخباركم ألا وإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق، وقد انقطع الوحي، وإنّما نعرفكم بما نقول لكم: من أظهر منكم خيرا ظننّا به خيرا وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم لنا شرّا ظننّا به شرّا وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربّكم، ألا إنّه قد أتى عليّ حين وأنا أحسب أنّ من قرأ القرآن يريد الله وما عنده، فقد خيّل إليّ بآخرة ألا إنّ رجالا قد قرؤوه يريدون به ما عند النّاس، فأريدوا الله بقراءتكم، وأريدوه بأعمالكم، ألا إنّي والله ما أرسل عمّالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلّموكم دينكم وسنّتكم، فمن   (1) أبو داود (5116) وقال الألباني (3/ 964) : حسن، وفي صحيح سنن الترمذي (4233) ، والترمذي (3955) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وحسّنه الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (10/ 618) . (2) أحمد (1/ 223) وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 294) : إسناده حسن. (3) أبو داود (4297) ، أحمد (5/ 278) وقال مخرج جامع الأصول: سند حديث أحمد قوي (10/ 28) ، وقال الألباني (3/ 810) : صحيح. (4) الحاكم في المستدرك (1/ 62) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين لاحتجاجهما جميعا بأيوب بن عائذ الطائي وسائر رواته ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4513 فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليّ، فو الّذي نفسي بيده إذن لأقصّنّه منه. فوثب عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين، أو رأيت إن كان رجل من المسلمين على رعيّة فأدّب بعض رعيّته أئنّك لمقتصّه منه؟ قال: إي والّذي نفس عمر بيده، إذن لأقصّنّه منه، وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقصّ من نفسه. ألا لا تضربوا المسلمين فتذلّوهم، ولا تجمّروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفّروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيّعوهم) * «1» . 3- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: يأتي على النّاس زمان عضوض، يعضّ الموسر على ما في يديه، قال: ولم يؤمر بذلك. قال الله- عزّ وجلّ: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ وينهد الأشرار، ويستذلّ الأخيار ويبايع المضطرّون، قال: «وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع المضطرّين، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثّمرة قبل أن تدرك» ) * «2» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ الله- عزّ وجلّ- أنزل وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ وفَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وفَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ قال: قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنزلها الله في الطّائفتين من اليهود، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهليّة، حتّى ارتضوا أو اصطلحوا على أنّ كلّ قتيل تقتله العزيزة من الذّليلة فديته خمسون وسقا، وكلّ قتيل قتلته الذّليلة من العزيزة فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتّى قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فذلّت الطّائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويومئذ لم يظهر ولم يوطئهما عليه وهو في الصّلح، فقتلت الذّليلة من العزيزة قتيلا، فأرسلت العزيزة إلى الذّليلة أن ابعثوا إلينا بمائة وسق، فقالت الذّليلة: وهل كان هذا في حيّين قطّ دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنّا إنّما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم، فأمّا إذ قدم محمّد فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهما، ثمّ ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهم، ثمّ ذكرت العزيزة، فقالت: والله ما محمّد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلّا ضيما منّا وقهرا لهم) * «3» .   (1) أحمد (1/ 41) واللفظ له وهو عند أبي داود مختصرا (4537) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 278) : إسناده حسن. (2) أحمد (1/ 116) ، وأبو داود (3/ 263) مختصرا وغيره وهو حسن. (3) أحمد (1/ 246) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 44) : إسناده صحيح ونسبه السيوطي في الدر المنثور: 2/ 281 لأبي داود وابن جرير وابن المنذر والطبري وغيرهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4514 5- * (قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله-: «كان السّلف يكرهون أن يستذلّوا فإذا قدروا عفوا» ) * «1» . 6- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «أبى الله إلّا أن يذلّ أهل معصيته فمهما طقطقت بهم البغل وهملجت «2» بهم البراذين فإنّ ذلّ المعصية في رقابهم» ) * «3» . 7- * (قال الشاعر: لا تخضعنّ لمخلوق على طمع ... فإنّ ذلك نقص منك في الدّين واسترزق الله ممّا في خزائنه ... فأمر ربّك بين الكاف والنّون ) *. من مضار (الذل) (1) الذّليل غير مهيب فردا كان أو دولة. (2) الذّليل ضعيف الهمّة لا عزيمة عنده يدفع بها الهوان عن نفسه. (3) الذّليل يمقته أفراد مجتمعه وينبذونه. (4) من يتبع الباطل في الحياة الدّنيا يعرض على النّار ذليلا في الآخرة. (5) سبب الذّلّ ارتكاب المعاصي وعدم التّمسّك بأخلاق الإسلام.   (1) فتح الباري (5/ 119) . (2) هملجت بهم البراذين: مشت مشيا سهلا. والبرذون: الفرس غير الأصيل. (3) الجواب الكافي (67) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4515 [ حرف الراء ] الربا الربا لغة: مصدر قولهم: ربا يربو، إذا زاد، وهو مأخوذ من مادّة (ر ب و) الّتي تدلّ على الزّيادة والنّماء والعلوّ «1» ، تقول من ذلك: ربا الشّيء يربو، إذا زاد، وربا الرّابية يربوها: إذ علاها، وربا فلان: أصابه الرّبو وهو علوّ في النّفس، وأربت الحنطة تربي، إذا زكت، والرّبا في المال والمعاملة: هو الزّيادة على رأس المال، وباعتبار هذه الزّيادة قال تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ (الروم/ 39) ونبّه بقوله يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ (البقرة/ 276) أنّ الزّيادة المعقولة المعبّر عنها ب «البركة» مرتفعة عن الرّبا، ولذلك قال في مقابلته وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (الروم/ 39) ، وقال الطّبريّ في تفسير الآية الأولى: الرّبا هو ما يعطى النّاس بينهم، بعضهم بعضا، يعطي الرّجل الرّجل العطيّة يريد أن يعطى أكثر منها، وأمّا كونه لا يربو عند الله فمعناه: ما أعطيتم من شيء تريدون به مثابة الدّنيا ومجازاة النّاس، فذاك الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 31/ 12 هو الرّبا الّذي لا يقبله الله ولا يجزي به «2» ، وقال في تفسير الآية الثّانية يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا (البقرة/ 276) المعنى: ينقص الله الرّبا فيذهبه كما جاء في الحديث: «الرّبا وإن كثر فإلى قلّ» «3» ، وقال القرطبيّ: معنى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا (البقرة/ 276) يعني في الدّنيا بإذهاب بركته وإن كان (في الظّاهر) كثيرا، وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: المحق ألّا يقبل الله منه صدقة ولا حجّا ولا جهادا ولا صلة «4» . وقال الجوهريّ: الرّبا في البيع: تثنيته ربوان وربيان، والرّبية مخفّفة لغة في الرّبا، وفي الحديث: «ليس عليهم ربية ولا دم» أي أنّه أسقط عنهم كلّ دم كانوا يطلبون به. وكلّ ربا كان عليهم إلّا رؤوس أموالهم فإنّهم يردّونها «5» ، وقال ابن منظور: يقال: ربا الشّيء يربو ربوّا ورباء أي زاد ونما، وأربيته: نمّيته ومنه أخذ الرّبا الحرام، وأربى الرّجل دخل في الرّبا «6» . الربا اصطلاحا: قال الرّاغب:: الرّبا في الشّرع خصّ بالزّيادة على وجه دون وجه «7» .   (1) المقاييس (2/ 484) . (2) تفسير الطبري (3/ 107) . (3) السابق (10/ 188) . (4) تفسير القرطبي (2/ 234) . (5) الصحاح (6/ 2350) . (6) اللسان (3/ 1572) ط. دار المعارف. (7) المفردات (187) وبه أخذ الفيروزبادي في البصائر (3/ 34) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4516 وقال الجرجانيّ: الرّبا شرعا هو فضل خال عن عوض شرط لأحد العاقدين «1» . وقيل: هو عقد على عوض مخصوص غير معلوم التّماثل في معيار الشّرع حالة العقد مع تأخير في البدلين أو أحدهما «2» . وقال التّهانويّ: الرّبا في الشّرع هو عبارة عن عقد فاسد، وإن لم تكن فيه زيادة لأنّ بيع الدّرهم بالدّرهم نسيئة ربا وإن لم تتحقّق فيه زيادة. وقال أيضا: وقيل هو فضل ماليّ بلا عوض في معاوضة مال بمال شرط لأحد المتعاقدين «3» . أنواع الربا: ربا الفضل: وهو البيع مع زيادة أحد العوضين المتّفقي الجنس على الآخر. وربا اليد: وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما عند التّفرّق من المجلس أو التّخاير فيه بشرط اتّحادهما علّة، بأن يكون كلّ منهما معلوما، أو كلّ منهما نقد وإن اختلف الجنس. وربا النّسيئة: وهو البيع للمطعومين أو للنّقدين المتّفقي الجنس أو المختلفيه لأجل، ولو لحظة، وإن استويا وتقابضا في المجلس. فالأوّل وهو ربا الفضل: كبيع صاع برّ بدون صاع برّ أو بأكثر؛ أو درهم فضّة بدون درهم فضّة أو بأكثر. سواء أتقابضا أم لا، وسواء أجّلا أم لا. (ودون صاع: أي أقلّ منه) . والثّاني وهو ربا اليد: كبيع صاع برّ بصاع برّ، أو درهم ذهب بدرهم ذهب، أو صاع برّ بصاع شعير أو أكثر، أو درهم ذهب بدرهم فضّة أو أكثر، لكن تأخّر قبض أحدهما من المجلس أو التّخاير. والثّالث وهو ربا النّساء: كبيع صاع برّ بصاع برّ، أو درهم فضّة بدرهم فضّة، لكن مع تأجيل أحدهما ولو إلى لحظة، وإن تساويا وتقابضا في المجلس. والحاصل: أنّه متى استوى العوضان جنسا وعلّة، كبرّ ببرّ، أو ذهب بذهب، اشترط ثلاثة شروط: التّساوي، وعلمهما به يقينا عند العقد، والحلول والتّقابض قبل التّفرّق؛ ومتى اختلفا جنسا واتّحدا علّة، كبرّ بشعير، أو ذهب بفضّة. اشترط شرطان: الحلول والتّقابض. وجاز التّفاضل، ومتى اختلفا جنسا وعلّة، كبرّ بذهب أو ثوب، لم يشترط شيء من هذه الثّلاثة. فالمراد بالعلّة هنا: إمّا الطّعم، بأن يقصد الشّيء للاقتيات أو الأدم أو التّفكّه أو التّداوي، وإمّا النّقديّة، وهي منحصرة في الذّهب والفضّة مضروبة وغيرها، فلا ربا في الفلوس وإن راجت. وزاد المتولّي نوعا رابعا وهو: ربا القرض: لكنّه في الحقيقة يرجع إلى ربا الفضل، لأنّه الّذي فيه شرط يجرّ نفعا للمقرض، فكأنّه أقرضه هذا الشّيء بمثله مع زيادة ذلك النّفع الّذي عاد عليه.   (1) التعريفات للجرجاني (114) . (2) التوقيف: للمناوي (173) ، وابن حجر في الزواجر (299) . (3) كشاف اصطلاحات الفنون (593) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4517 حكم الربا: وكلّ من هذه الأنواع الأربعة حرام بالإجماع بنصّ الآيات والأحاديث، وكلّ ما جاء في الرّبا من الوعيد شامل للأنواع الأربعة، نعم بعضها معقول المعنى وبعضها تعبّديّ، وربا النّسيئة هو الّذي كان مشهورا في الجاهليّة، لأنّ الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل على أن يأخذ منه كلّ شهر قدرا معيّنا ورأس المال باق بحاله، فإذا حلّ طالبه برأس ماله، فإن تعذّر عليه الأداء زاد في الحقّ والأجل. وتسمية هذا نسيئة مع أنّه صدق عليه ربا الفضل أيضا؛ لأنّ النّسيئة هي المقصودة فيه بالذّات، وهذا النّوع مشهور الآن بين النّاس، وواقع كثيرا «1» . قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: المراباة حرام بالكتاب والسّنّة، والإجماع. وقد لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آكل الرّبا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. والمحلّل، والمحلّل له» . وإن كان أصل الرّبا في الجاهليّة: أنّ الرّجل يكون له على الرّجل المال المؤجّل. فإذا حلّ الأجل قال له: أتقضي؟ أم تربى؟ فإن وفّاه وإلّا زاد هذا في الأجل وزاد هذا في المال. فيتضاعف المال والأصل واحد. وهذا الرّبا حرام بإجماع المسلمين. وأمّا إذا كان هذا هو المقصود ولكن توسّلوا بمعاملة أخرى؛ فهذا تنازع فيه المتأخّرون من المسلمين، وأمّا الصّحابة فلم يكن بينهم نزاع أنّ هذا محرّم، فإنّما الأعمال بالنّيّات، والآثار عنهم بذلك كثيرة مشهورة. والله تعالى حرّم الرّبا لما فيه من ضرر المحتاجين، وأكل المال بالباطل، وهو موجود في المعاملات الرّبويّة. وأمّا إذا حلّ الدّين وكان الغريم معسرا: لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلب بالقلب لا بمعاملة ولا غيرها؛ بل يجب إنظاره، وإن كان موسرا كان عليه الوفاء، فلا حاجة إلى القلب لا مع يساره، ولا مع إعساره. والواجب على ولاة الأمور بعد تعزير المتعاملين بالمعاملة الرّبويّة: أن يأمروا المدين بأن يؤدّي رأس المال. ويسقطوا الزّيادة الرّبويّة. فإن كان معسرا وله مغلّات يوفّي منها وفّي دينه منها بحسب الإمكان «2» . وقال ابن حجر: عدّ الرّبا كبيرة هو ما أطبقوا عليه اتّباعا لما جاء في الأحاديث الصّحيحة من تسميته كبيرة، بل هو من أكبر الكبائر وأعظمها «3» . [للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- التطفيف- السرقة- الغلول- المكر- سوء المعاملة- التناجش- الغش- الخداع- الخبث. وفي ضد ذلك: انظر صفات: أكل الطيبات- الصلاح- النزاهة- حسن المعاملة- النبل- المروءة- العفة] .   (1) الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي (299) (2) الفتاوى الكبرى (29/ 418- 419) . (3) الزواجر عن اقتراف الكبائر (309) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4518 الآيات الواردة في «الربا» 1- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) «2» 3- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) «3» 4- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) «4»   (1) البقرة: 275- 280 مدنية (2) آل عمران: 130- 132 مدنية (3) النساء: 160- 161 مدنية (4) الروم: 37- 39 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4519 الأحاديث الواردة في ذمّ (الربا) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «آكل الرّبا وموكله، وشاهداه، وكاتباه إذا علموا به، والواشمة والمستوشمة للحسن، ولاوي الصّدقة، والمرتدّ أعرابيّا بعد الهجرة، ملعونون على لسان محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتمر. فقال: «ما هذا التّمر من تمرنا» فقال الرّجل: يا رسول الله! بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا الرّبا. فردّوه. ثمّ بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا» ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات «3» » . قيل: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم. وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات «4» » ) * «5» . 4- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك والذّنوب الّتي لا تغفر: الغلول «6» ، فمن غلّ شيئا أتي به يوم القيامة، وأكل الرّبا، فمن أكل الرّبا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبّط، ثمّ قرأ: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ (البقرة/ 275) * «7» . ومن حديث أنس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي آكل الرّبا يوم القيامة مخبّلا «8» يجرّ شقّيه، ثمّ قرأ: لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ» ) * «9» . 5- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بين يدي السّاعة يظهر الرّبا، والزّنا، والخمر» ) * «10» . 6- * (عن جعفر بن محمّد عن أبيه، قال:   (1) المنذري في الترغيب (3/ 5) وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، وزاد في آخره: يوم القيامة. قال الحافظ: رووه كلهم عن الحارث، وهو الأعور عن ابن مسعود إلا ابن خزيمة فإنه رواه عن مسروق عن عبد الله بن مسعود. والهيثمي في المجمع (4/ 118) وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه الحارث الأعور ضعيف وقد وثق. (2) مسلم (1594) . (3) الموبقات: هي المهلكات، يقال: وبق الرجل يبق ووبق يوبق إذا هلك. وأوبق غيره إذا أهلكه. (4) المحصنات الغافلات المؤمنات: المحصنات بكسر الصاد وفتحها. قراءتان في السبع. والمراد بالمحصنات هنا العفائف. وبالغافلات، الغافلات عن الفواحش وما قذفن به. وقد ورد الإحصان في الشرع على خمسة أقسام: العفة والإسلام والنكاح والتزويج والحرية. (5) البخاري- الفتح 5 (2766) ، ومسلم (89) واللفظ له. (6) الغلول: الخيانة. (7) الهيثمي في المجمع (4/ 119) ، وقال فيه الحسين بن عبد الأول وهو ضعيف، والترغيب والترهيب (3/ 10) واللفظ له، وسكت عنه. (8) قال الأصبهاني: المخبل: المجنون. (9) ذكره المنذري في الترغيب (3/ 10) وقال: رواه الطبراني والأصبهاني من حديث أنس، ونحوه عند ابن أبي حاتم عن ابن عباس (الفتح 8/ ص 51) فهو على هذا حسن أو صحيح على شرط ابن حجر في الفتح. (10) ذكره المنذري في الترغيب (3/ 9) وقال: رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4520 دخلنا على جابر بن عبد الله. فسأل عن القوم «1» حتّى انتهى إليّ. فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن حسين. فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زرّي الأعلى «2» ، ثمّ نزع زرّي الأسفل، ثمّ وضع كفّه بين ثدييّ وأنا يومئذ غلام شابّ. فقال: مرحبا بك، يا ابن أخي سل عمّا شئت. فسألته- وهو أعمى، وحضر وقت الصّلاة. فقام في نساجة «3» ملتحفا بها، كلّما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه، على المشجب «4» ، فصلّى بنا. فقلت: أخبرني عن حجّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال بيده «5» ، فعقد تسعا، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ، ثمّ أذّن في النّاس «6» في العاشرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ ... الحديث وفيه: «فأجاز «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء، فرحلت «8» له، فأتى بطن الوادي «9» فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا «10» ، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله «11» ، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «12» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح «13» ، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا   (1) فسأل عن القوم: أي عن جماعة الرجال الداخلين عليه، فإنه إذ ذاك كان أعمى، عمي في آخر عمره. (2) فنزع زري الأعلى: أي أخرجه من عروته لينكشف صدري عن القميص. (3) نساجة: هذا هو المشهور. ووقع في بعض النسخ: في ساجة. بحذف النون. ونقله القاضي عياض عن رواية الجمهور. قال: وهو الصواب. قال: والساجة والساج، جميعا، ثوب كالطيلسان وشبهه. وقال في النهاية: هي ضرب من الملاحف منسوجة، كأنها سميت بالمصدر. يقال: نسجت أنسج نسجا ونساجة. (4) المشجب: هو عيدان تضم رؤوسها، ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب. (5) فقال بيده: أي أشاربها. (6) ثم أذن في الناس: معناه أعلمهم بذلك وأشاعه بينهم ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام ويشهدوا أقواله وأفعاله ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب وتشيع دعوة الإسلام. (7) فأجاز: أي جاوز المزدلفة ولم يقف بها، بل توجه إلى عرفات. (8) فرحلت: أي وضع عليها الرحل. والقصواء: ناقته صلّى الله عليه وسلّم. (9) بطن الوادي: هو وادي عرنة وليست عرنة من أرض عرفات. (10) كحرمة يومكم هذا: معناه متأكدة التحريم، شديدته. (11) بكلمة الله: قيل: معناه قوله تعالى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم. وقيل: قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ. وهذا الثالث هو الصحيح. (12) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه: قال الإمام النووي: المختار أن معناه: أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة. فالنهي يتناول جميع ذلك. وحكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل ولا امرأة، لا محرم ولا غيره، في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه. (13) فاضربوهن ضربا غير مبرح: الضرب المبرح هو الضرب الشديد الشاق. ومعناه اضربوهن ضربا ليس بشديد ولا شاق. والبرح المشقة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4521 بعده- إن اعتصمتم به- كتاب الله «1» ، وأنتم تسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس «2» : «اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد. ثلاث مرّات» ) * «3» . 7- * (عن عبد الله بن حنظلة (غسيل الملائكة) - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «درهم ربا يأكله الرّجل- وهو يعلم- أشدّ من ستّة وثلاثين زنية» ) * «4» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الذّهب بالذّهب وزنا بوزن. مثلا بمثل. والفضّة بالفضّة وزنا بوزن. مثلا بمثل. فمن زاد أو استزاد فهو ربا» ) * «5» . 9- * (عن عون بن أبي جحيفة؛ قال: رأيت أبي اشترى عبدا حجّاما، فسألته، فقال: «نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ثمن الكلب وثمن الدّم، ونهى عن الواشمة والموشومة، وآكل الرّبا وموكله، ولعن المصوّر» ) * «6» . 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «الرّبا بضع وسبعون بابا، والشّرك مثل ذلك» ) * «7» . 11- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الرّبا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرّجل أمّه، وإنّ أربى الرّبا عرض الرّجل المسلم» ) * «8» . 12- * (عن أبي نضرة قال: سألت ابن عمر وابن عبّاس عن الصّرف «9» ؟ فلم يريا به بأسا «10» . فإنّي لقاعد عند أبي سعيد الخدريّ فسألته عن الصّرف؟ فقال: ما زاد فهو ربا. فأنكرت ذلك لقولهما.   (1) كتاب الله: النصب، بدل عما قبله. وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. (2) وينكتها إلى الناس: هكذا ضبطناه: ينكتها. كذا الرواية فيه، بالتاء المثناة فوق. وقيل صوابة: ينكبها. قيل: وروي في سنن أبي داود بالتاء المثناة من طريق ابن العربي. وبالموحدة من طريق أبي بكر التمار. ومعناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيرا إليهم. ومنه: نكب كنانته إذا قلبها. (3) مسلم (1218) . (4) المنذري في الترغيب (3/ 7) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير،، ورجال أحمد رجال الصحيح. قال الحافظ: حنظلة والد عبد الله، لقب بغسيل الملائكة لأنه كان يوم أحد جنبا، وقد غسل أحد شقّي رأسه، فلما سمع الهيعة (النداء إلى الحرب) خرج فاستشهد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيت الملائكة تغسله» . (5) مسلم (1588) . (6) البخاري- الفتح 4 (2086) . (7) المنذري في الترغيب (3/ 6) وقال: رواه البزار، ورواته رواة الصحيح، وهو عند ابن ماجه بإسناد صحيح باختصار: «والشرك مثل ذلك» . (8) الحاكم في المستدرك (2/ 37) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وذكره المنذري في الترغيب من حديث البراء وعزاه للطبراني في الأوسط (3/ 8) . (9) الصرف: يعني بالصرف، هنا، بيع الذهب بالذهب متفاضلا. (10) فلم يريا به بأسا: يعني أنهما كانا يعتقدان أنه لا ربا فيما كان يدا بيد. كانا يريان جواز بيع الجنس بالجنس بعضه ببعض متفاضلا، وأن الربا لا يحرم في شيء من الأشياء إلا إذا كان نسيئة. ثم رجعا عن ذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4522 فقال: لا أحدّثك إلّا ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءه صاحب نخله بصاع من تمر طيّب- وكان تمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا اللّون- «1» فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّى لك هذا؟» قال: انطلقت بصاعين فاشتريت به هذا الصّاع. فإنّ سعر هذا في السّوق كذا. وسعر هذا كذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويلك أربيت. إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعة. ثمّ اشتر بسلعتك أيّ تمر شئت» . قال أبو سعيد: فالتّمر بالتّمر أحقّ أن يكون ربا أم الفضّة بالفضّة «2» ؟ قال: فأتيت ابن عمر بعد فنهاني. ولم آت ابن عبّاس. قال: فحدّثني أبو الصّهباء أنّه سأل ابن عبّاس عنه بمكّة، فكرهه) * «3» . 13- * (عن أبي صالح قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول: الدّينار بالدّينار، والدّرهم بالدّرهم، مثلا بمثل. من زاد أو ازداد فقد أربى. فقلت له: إنّ ابن عبّاس يقول غير هذا. فقال: لقد لقيت ابن عبّاس. فقلت: أرأيت هذا الّذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو وجدته في كتاب الله- عزّ وجلّ-؟ فقال: لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولم أجده في كتاب الله، ولكن حدّثني أسامة بن زيد أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الرّبا في النّسيئة «4» » ) * «5» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الرّبا» ) * «6» . 15- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» . قال: فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان، وإنّهما ابتعثاني، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه ليشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال:- وربّما قال أبو رجاء فيشقّ- قال: ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك   (1) هذا اللون: أي هذا النوع. (2) فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا أم الفضة بالفضة؟: هذا استدلال بطريق نظريّ. ألحق الفرع- الذي هو الفضة بالفضة- بالأصل الذي هو التمر بالتمر بطريق أحرى. وهو أقوى طرق القياس. ولذا قال به أكثر منكري القياس. وإنما ذكر أبو سعيد هذا الطريق من الاستدلال، لأنه لم يحضره شيء من أحاديث النهي. وإلا، فالأحاديث أقوى في الاستدلال لأنها نص. (3) مسلم (1594) . (4) ولعل هذا كان في أول الأمر ثم حرم سائر أنواعه. (5) مسلم (1596) . (6) الحاكم في المستدرك (2/ 45) وصححه ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4523 الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى. قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التّنّور، قال: وأحسب أنّه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «1» قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنّه كان يقول- أحمر مثل الدّم- وإذا في النّهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه، كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا. قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمّة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ. قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارق. فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فساروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنّة عدن وهذاك منزلك. قال: فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء. قال: قالا لي هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما. ذراني فأدخله. قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا. وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه   (1) فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا: أي ضجوا واستغاثوا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4524 إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطر منهم حسن وشطر قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا تجاوز الله عنهم» ) * «1» . 16- * (عن أبي قلابة قال: كنت بالشّام في حلقة فيها مسلم بن يسار. فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا: أبو الأشعث. أبو الأشعث. فجلس فقلت له: حدّث أخانا حديث عبادة بن الصّامت. قال: نعم. غزونا غزاة- وعلى النّاس معاوية- فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضّة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات النّاس «2» ، فتسارع النّاس في ذلك. فبلغ عبادة بن الصّامت فقام فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن بيع الذّهب بالذّهب، والفضّة بالفضّة، والبرّ بالبرّ، والشّعير بالشّعير، والتّمر بالتّمر، والملح بالملح إلّا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى «3» ، فردّ النّاس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال: ألا ما بال رجال يتحدّثون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحاديث قد كنّا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه. فقام عبادة بن الصّامت فأعاد القصّة ثمّ قال: لنحدّثنّ بما سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإن كره معاوية (أو قال: وإن رغم «4» ) . ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء «5» ) * «6» . 17- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آكل الرّبا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) * «7» . 18- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أحد أكثر من الرّبا إلّا كان عاقبة أمره إلى قلّة» ) * «8» . 19- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- ذكر حديثا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال فيه: «ما ظهر في قوم الزّنا والرّبا إلّا أحلّوا بأنفسهم عذاب الله» ) * «9» . 20- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تشترى الثّمرة حتّى تطعم، وقال: «إذا ظهر الزّنا والرّبا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله» ) * «10» .   (1) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، وأوله عند مسلم (2275) . وسبق تفسير غريبه مرات عديدة. (2) أعطيات الناس: هي جمع أعطية، وهي جمع عطاء، وهو اسم لما يعطى، كالعطية. (3) فمن زاد أو ازداد فقد أربى: معناه فقد فعل الربا المحرم، فدافع الزيادة وآخذها عاصيان مربيان. (4) رغم: بكسر الغين وفتحها: ومعناه ذل وصار كاللاصق بالرغام، وهو التراب. (5) ليلة سوداء: أي مظلمة غير مستنيرة بالقمر. (6) مسلم (1587) . (7) مسلم (1598) . (8) ذكره المنذري في الترغيب (3/ 10) وقال: رواه ابن ماجه، والحاكم (4/ 318) ، و (2/ 37) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وفي لفظ له قال: الربا وإن كثر، فإن عاقبته الى قل. وقال: فيه أيضا صحيح الإسناد. (9) المنذري في الترغيب (3/ 8) وقال: رواه أبو يعلى بإسناد جيد، وأخرجه الحاكم (2/ 37) وصححه، ووافقه الذهبي. (10) رواه الحاكم في المستدرك (2/ 37) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وذكره المنذري في الترغيب (3/ 8) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وذكر تصحيح الحاكم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4525 الأحاديث الواردة في ذمّ (الربا) معنى 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال لمروان: أحللت بيع الرّبا فقال مروان: ما فعلت. فقال أبو هريرة: أحللت بيع الصّكاك «1» . وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الطّعام حتّى يستوفى. قال: فخطب مروان النّاس فنهى عن بيعها. قال سليمان: فنظرت إلى حرس يأخذونها من أيدي النّاس) * «2» . 22- * (قال نافع: فذهب عبد الله وأنا معه واللّيثيّ، حتّى دخل على أبي سعيد الخدريّ؛ فقال: إنّ هذا أخبرني أنّك تخبر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نهى عن بيع الورق بالورق إلّا مثلا بمثل، وعن بيع الذّهب بالذّهب إلّا مثلا بمثل. فأشار أبو سعيد بإصبعيه إلى عينيه وأذنيه. فقال: أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تبيعوا الذّهب بالذّهب. ولا تبيعوا الورق بالورق إلّا مثلا بمثل. ولا تشفّوا «3» بعضه على بعض. ولا تبيعوا شيئا غائبا منه بناجز، إلّا يدا بيد» ) * «4» . 23- * (عن سعيد بن المسيّب يحدّث أنّ أبا هريرة وأبا سعيد الخدريّ حدّثاه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بعث أخا بني عديّ الأنصاريّ فاستعمله على خيبر. فقدم بتمر جنيب «5» . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكلّ تمر خيبر هكذا؟» قال: لا، والله يا رسول الله إنّا لنشتري الصّاع بالصّاعين من الجمع «6» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تفعلوا. ولكن مثلا بمثل. أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا. وكذلك الميزان» ) * «7» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّينار بالدّينار، لا فضل بينهما. والدّرهم بالدّرهم، لا فضل بينهما» ) * «8» . 25- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم خيبر. نبايع اليهود، الوقيّة «9» الذّهب بالدّينارين والثّلاثة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تبيعوا الذّهب بالذّهب إلّا وزنا بوزن» ) * «10» . 26- * (عن حنش الصّنعانيّ أنّه قال: كنّا مع فضالة بن عبيد في غزوة. فطارت لي ولأصحابي قلادة «11» فيها ذهب وورق وجوهر فأردت أن أشتريها. فسألت فضالة بن عبيد فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفّة واجعل ذهبك في كفّة ثمّ لا تأخذنّ إلّا مثلا بمثل   (1) الصّكاك: جمع صك وهو الورقة المكتوبة بدين، ويجمع- أيضا- على صكوك. والمراد هنا: الورقة التي تحمل أمر الحاكم بالرزق لمن يستحقه. (2) مسلم (1528) . (3) تشفوا: تزيدوا. (4) مسلم (1584) . (5) جنيب: نوع من التمر، من أغلاه وأحسنه. (6) الجمع: تمر رديء. وقد فسر في حديث آخر بأنه الخلط من التمر. (7) البخاري- الفتح 4 (2201، 2202) ، ومسلم (1593) واللفظ له. (8) مسلم (1588) . (9) الوقية: هي لغة في الأوقية. (10) مسلم (1591) . (11) فطارت لي ولأصحابي قلادة: أي أصابتنا وحصلت لنا من القسمة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4526 فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذنّ إلّا مثلا بمثل» ) * «1» . 27- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: كنّا نرزق تمر الجمع على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو الخلط «2» من التّمر. فكنّا نبيع صاعين بصاع. فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لا صاعي تمر بصاع «3» ، ولا صاعي حنطة بصاع. ولا درهم بدرهمين» ) * «4» . 28- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تبيعوا الدّينار بالدّينارين، ولا الدّرهم بالدّرهمين» ) * «5» . 29- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الفضّة بالفضّة، والذّهب بالذّهب، إلّا سواء بسواء، وأمرنا أن نشتري الفضّة بالذّهب كيف شئنا، ونشتري الذّهب بالفضّة كيف شئنا. قال: فسأله رجل فقال: يدا بيد؟ فقال: هكذا سمعت) * «6» . 30- * (عن عطاء بن يسار- رحمه الله- قال: إنّ معاوية بن أبي سفيان باع سقاية «7» من ذهب، أو ورق، بأكثر من وزنها، فقال أبو الدّرداء: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن مثل هذا إلّا مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا. فقال أبو الدّرداء: من يعذرني «8» من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وهو يخبرني عن رأيه؟ - لا أساكنك بأرض أنت فيها، ثمّ قدم أبو الدّرداء على عمر بن الخطّاب فذكر له ذلك، فكتب عمر بن الخطّاب إلى معاوية: أن لا تبع ذلك إلّا مثلا بمثل، وزنا بوزن) * «9» . 31- * (عن معمر بن عبد الله أنّه أرسل غلامه بصاع قمح فقال: بعه، ثمّ اشتر به شعيرا. فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع. فلّما جاء معمرا أخبره بذلك. فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فردّه. ولا تأخذنّ إلّا مثلا بمثل. فإنّي كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الطّعام بالطّعام مثلا بمثل» قال: وكان طعامنا يومئذ الشّعير. قيل له: فإنّه ليس بمثله. قال: إنّي أخاف أن يضارع «10» » ) * «11» .   (1) مسلم (1591) . (2) الخلط من التمر: أي المجموع من أنواع مختلفة، وإنما خلط لرداءته. (3) لا صاعي تمر بصاع: أي لا يحل بيع صاعين من تمر بصاع منه. (4) البخاري- الفتح (4/ 208010 ومسلم (1595) واللفظ له. (5) مسلم (1585) . (6) البخاري- الفتح 4 (2184) ، ومسلم (1590) واللفظ له. (7) سقاية: السقاية: إناء يشرب فيه. (8) يعذرني: يقال: من يعذرني من فلان، أي: من يقوم بعذري إن كافأته على صنيعه. (9) أخرجه الموطأ (2/ 492) ، وأخرج النسائي منه إلى قوله: «مثلا بمثل (7/ 279) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 560) : إسناده صحيح. (10) يضارع: أي يشابه ويشارك. ومعناه أخاف أن يكون في معنى المماثل، فيكون له حكمه في تحريم الربا. (11) مسلم (1592) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4527 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الربا) 1- * (عن مالك- رضي الله عنه- قال: بلغني أنّ رجلا أتى ابن عمر- رضي الله عنهما- فقال: إنّي أسلفت رجلا سلفا، واشترطت عليه أفضل ممّا أسلفته، فقال عبد الله بن عمر: فذلك الرّبا. قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرّحمن؟ فقال عبد الله بن عمر: السّلف على ثلاثة وجوه: سلف تسلفه تريد به وجه الله فلك وجه الله تعالى، وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك فلك وجه صاحبك، وسلف تسلفه لتأخذ خبيثا بطيّب فذلك الرّبا. قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: أرى أن تشقّ الصّحيفة فإن أعطاك مثل الّذي أسلفته قبلته، وإن أعطاك دون الّذي أسلفته فأخذته أجرت، وإن أعطاك أفضل ممّا أسلفته طيّبة به نفسه فذلك شكر شكره لك، ولك أجر ما أنظرته) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عمر بن الخطّاب قال: «لا تبيعوا الذّهب بالذّهب إلّا مثلا بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق، إلّا مثلا بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالذّهب أحدهما غائب والآخر ناجز، وإن استنظرك «2» إلى أن يلج بيته فلا تنظره، إنّي أخاف عليكم الرّماء «3» والرّماء: هو الرّبا. وفي رواية عن القاسم بن محمّد قال: قال عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه-: «الدّينار بالدّينار، والدّرهم بالدّرهم، والصّاع بالصّاع، ولا يباع كالىء «4» بناجز» ) * «5» . 3- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله) * «6» . 4- * (وقال أيضا: «آكل الرّبا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق» ) * «7» . 5- * (وقال أيضا: «يقال يوم القيامة لآكل الرّبا: خذ سلاحك للحرب» ) * «8» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «من كان مقيما على الرّبا لا ينزع منه فحقّ على إمام المسلمين أن يستتيبه «9» فإن نزع وإلّا ضرب عنقه» ) * «10» . 7- * (عن مجاهد بن جبر- رحمه الله- قال: «كنت مع ابن عمر فجاءه صائغ فقال: يا أبا   (1) أخرجه في الموطأ (2/ 681، 682) ، وأخرج نحوه عن ابن عمر وقال: إسناده صحيح. (2) استنظر: الاستنظار: استفعال من الإنظار: التأخير. (3) الرماء: الربا: وهو الزيادة على ما يحل لك. (4) كاليء: الكاليء بالهمز: النسيئة. (5) أخرجه الموطأ (2/ 634) وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 492) : إسناده صحيح. (6) تفسير ابن كثير (1/ 331) . (7) المصدر السابق (1/ 327) . (8) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) يستتيبه: يطلب توبته. (10) شرح الترهيب (3/ 15) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4528 عبد الرّحمن، إنّي أصوغ الذّهب فأبيعه بالذّهب بأكثر من وزنه فأستفضل قدر عمل يدي (في صنعته) فنهاه عن ذلك. فجعل الصّائغ يردّد عليه المسألة- وابن عمر ينهاه- حتّى انتهى إلى باب المسجد، أو إلى دابّته يريد أن يركبها، فقال له آخر ما قال: الدّينار بالدّينار، والدّرهم بالدّرهم، لا فضل بينهما هذا عهد نبيّنا إلينا وعهدنا إليكم» ) * «1» . 8- * (روى أحمد بإسناد جيّد عن كعب الأحبار قال: «لأن أزني ثلاثا وثلاثين زنية أحبّ إليّ من أن آكل درهم ربا يعلم الله أنّي أكلته حين أكلته ربا» ) * «2» . 9- * (قال قتادة: «إنّ آكل الرّبا يبعث يوم القيامة مجنونا، وذلك علم أي: علامة لأكلة الرّبا يعرفهم به أهل الموقف» ) * «3» . 10- * (عن عبيد أبي صالح مولى السّفّاح قال: بعت بزّا لي من أهل دار نخلة إلى أجل، ثمّ أردت الخروج إلى الكوفة، فعرضوا عليّ أن أضع عنهم بعض الثّمن وينقدوني، فسألت زيد بن ثابت فقال: «لا آمرك أن تأكل هذا ولا توكله» ) * «4» . 11- * (سئل شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: عن رجل تداين دينا فدخل به السّوق فاشترى شيئا بحضرة الرّجل، ثمّ باعه عليه بفائدة هل يجوز ذلك أم لا؟. فأجاب: الحمد لله. هذا على ثلاثة أوجه: الأوّل: أن يكون بينهم مواطأة لفظيّة، أو عرفيّة، على أن يشتري السّلعة من ربّ الحانوت فهذا لا يجوز. والثّاني: أن يشتريها منه على أن يعيدها إليه. فهذا أيضا لا يجوز. فقد دخلت أمّ ولد زيد بن أرقم على عائشة فقالت: يا أمّ المؤمنين، إنّي ابتعت من زيد ابن أرقم غلاما إلى العطاء بثمانمائة درهم نسيئة، ثمّ ابتعته منه بستّمائة نقدا، فقالت لها عائشة: بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت. أخبري زيدا أنّه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن يتوب. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الرّبا» وسئل ابن عبّاس عن ذلك فقال: «دراهم بدراهم دخلت بينهما حريريّة، وقال أنس بن مالك: هذا ممّا حرّم الله ورسوله. والوجه الثّالث: أن يشتري السّلعة سرّا، ثمّ يبيعها للمستدين بيانا فيبيعها أحدهما فهذه تسمّى «التّورّق» . لأنّ المشتري ليس غرضه في التّجارة، ولا في البيع. ولكن يحتاج إلى دراهم، فيأخذ مائة، ويبقى عليه مائة وعشرون مثلا. فهذا قد تنازع فيه السّلف والعلماء. والأقوى أيضا أنّه منهيّ عنه، كما قال عمر ابن عبد العزيز ما معناه: أنّ التّورّق أصل الرّبا. فإنّ الله حرّم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل؛ لما في   (1) الموطأ (2/ 492) وقال محقق جامع الأصول (1/ 560) : إسناده صحيح، وأخرج النسائي (7 (278) المسند منه. (2) ذكره المنذري في الترغيب (3 (7) . (3) الزواجر عن اقتراف الكبائر (300) . (4) أخرجه الموطأ (2/ 519) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4529 ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود في هذه الصّورة. وإنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرىء مانوى. وإنّما الّذي أباحه الله البيع والتّجارة، وهو أن يكون المشتري غرضه أن يتجر فيها. فأمّا إذا كان قصده مجرّد الدّراهم بدراهم أكثر منها: فهذا لا خير فيه. وسئل- رحمه الله-: عن رجل يداين النّاس كلّ مائة بمائة وأربعين، ويجعل سلفا على حرير، فإذا جاء الأجل، وأعسر المدين عن وفائه قال له: عاملني، فيأخذ ربّ الحرير من عنده، ويقول للمدين: اشتريت منّي هذا الحرير بمائة وتسعين. إلّا أنّه يأتيه على حساب كلّ مائة بمائة وأربعين. وإذا قبضه المدين منه قال: أوفني هذا الحرير عن السّلف الّذي لي عندك، وإذا جاءت السّنة الثّانية طالبه بالدّراهم المذكورة، فأعسرت عليه، أو بعضها. قال: عاملني، فيحسب المتبقّي والأصل. ويجعل ذلك سلفا على حرير. فما يجب على هذا الرّجل؟. فأجاب: هذا هو عين الرّبا الّذي أنزل فيه القرآن؛ فإنّه كان يكون للرّجل على الرّجل الدّين. فيأتي إليه عند محلّ الأجل، فيقول: إمّا أن تقضي، وإمّا أن تربي، فإن وفّاه وإلّا زاده المدين في الدّين. وزاده الغريم في الأجل، حتّى يتضاعف المال. فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ* وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (البقرة/ 278- 280) . وهذه المعاملة الّتي يفعلها مثل هذا المربي: مقصودها مقصود أولئك المشركين المربين؛ لكنّ هذا أظهر صورة المعاملة، وهذا لا ينفعه باتّفاق أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنّ هذا المربي يبيعه ذلك الحرير إلى أجل؛ ليوفيه إيّاه عن دينه، فهو بمنزلة أن يبيعه إيّاه إلى أجل ليشتريه بأقلّ من ذلك وقد سئل ابن عبّاس عن مثل هذا، فقال: هذا حرام، حرّمه الله ورسوله. وسألت أمّ ولد زيد بن أرقم عائشة أمّ المؤمنين عن مثل هذا. فقالت: إنّي بعت من زيد غلاما إلى العطاء بثمانمائة درهم، ثمّ ابتعته بستّمائة، فقالت لها عائشة: بئس ما اشتريت، وبئس ما بعت. أخبري زيدا أنّه أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن يتوب. قالت: يا أمّ المؤمنين أرأيت إن لم أجد إلّا رأس مالي. فقالت عائشة فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ (البقرة/ 275) . وفي السّنن عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الرّبا» . وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ سلف وبيع» فنهى أن يبيع ويقرض ليحابيه في البيع؛ لأجل القرض. وثبت عنه في الصّحيح أنّه قال: «إنّما الأعمال بالنّيّات» فهذان المتعاملان إن كان قصدهما أخذ دراهم بدراهم إلى أجل فبأيّ طريق توصّل إلى ذلك كان حراما؛ لأنّ المقصود حرام لا يحلّ قصده، بل قد نهى السّلف عن كثير من ذلك سدّا للذّرائع؛ لئلّا يفضي إلى هذا المقصود، وهذا المرابي لا يستحقّ في ذمم النّاس إلّا ما أعطاهم أو نظيره. فأمّا الزّيادات فلا يستحقّ شيئا منها، لكن ما قبضه قبل ذلك بتأويل فإنّه يعفى عنه، وأمّا ما بقى له في الذّمم فهو ساقط. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4530 لقوله: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا «1» . 12- * (قال ابن القيّم: «إذا ظهر الزّنا والرّبا في قرية أذن بهلاكها» ) * «2» . من مضار (الربا) (1) آكل الرّبا مطرود من رحمة الله تعالى محارب من الله ورسوله. (2) لم يتهدّد الله- عزّ وجلّ- ويتوعّد مرتكب كبيرة كمرتكب جريمة الرّبا. (3) الرّبا جريمة اجتماعيّة إذا تفشّت في مجتمع من المجتمعات دمّرته وقوّضت بنيانه. (4) آكل الرّبا وموكله وكاتبه وشاهداه وكلّ من يعين في رواج هذه الجريمة النّكراء آثمون عند الله مبعدون من رحمته. (5) قرن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الرّبا والزّنا في كثير من المواضع لأنّهما جريمتان اجتماعيّتان متشابهتان في آثارهما السّلبيّة على المجتمع. (6) الرّبا يزرع الأحقاد في القلوب وينزع منها الرّأفة والرّحمة وبذلك تموت الأخوّة وتتفكّك بنية المجتمع. (7) دليل خبث نفس المرابي وسوء طويّته. (8) وعمله هذا يدلّ على سوء خاتمته.   (1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 437433) . (2) الفوائد (226) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4531 الردة الردة لغة: الرّدّة مصدر قولهم: ردّ يردّ ردّا وردّة، وقيل الرّدّة الاسم من الارتداد، وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ردد) الّتي تدلّ على رجع الشّيء، تقول: رددت الشّيء أردّه ردّا (رجعته) ، وسمّي المرتدّ بذلك لأنّه ردّ نفسه إلى كفره والأصل في ذلك قولهم: شاة مردّ وناقة مردّة، وذلك إذا أضرعت كأنّها لم تكن ذات لبن فردّ عليها، أو ردّت هي لبنها. وقال الرّاغب: الرّدّ: صرف الشّيء بذاته أو بحالة من أحواله، ومن الرّدّ بالذّات قوله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ (الأنعام/ 128) ومن الرّدّ إلى حالة كان عليها قوله سبحانه: وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ، (يونس/ 107) والارتداد والرّدّة: الرّجوع؛ لكن الرّدّة تختصّ بالرّجوع إلى الكفر، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره، وقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ (المائدة/ 54) الارتداد هو الرّجوع من الإسلام إلى الكفر. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 9/ 8/ 3 وقال الطّبريّ: من يرجع منكم عن دينه الحقّ الّذي هو عليه اليوم فيبدّله ويغيّره بدخوله في الكفر، إمّا في النّصرانيّة أو اليهوديّة أو غير ذلك من صنوف الكفر «1» ، وقال القرطبيّ: كانت ردّتهم على قسمين: قسم نبذ الشّريعة كلّها وخرج عنها، وقسم نبذ وجوب الزّكاة واعترف بوجوب غيرها «2» والارتداد: الرّجوع ومنه المرتدّ، وشيء ردّ أي رديء، وقال ابن منظور: الرّدّ: صرف الشّيء ورجعه، وردّه عن وجه يردّه ردّا ومردّا أو تردادا: صرفه، وهو بناء للتّكثير. وقد ارتدّ وارتدّ عنه: تحوّل. وقال الخطّابيّ- رحمه الله تعالى-: الرّدّة اسم لغويّ لكلّ من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه. وتقول: ردّ عليه الشّيء إذا لم يقبله وكذلك إذا خطّأه. واسم الفاعل منه: المرتدّ «3» . الردة اصطلاحا: قال الكفويّ: الرّدّة: الرّجوع في الطّريق الّذي جاء منه، وكذا الارتداد؛ لكنّ الرّدّة تختصّ بالكفر وهو (أي الارتداد) أعمّ «4» .   (1) انظر الطبري (4/ 266) ، الصحاح (2/ 472) . (2) تفسير القرطبي (3/ 142) ومقاييس اللغة (2/ 386) والمفردات (192) . (3) لسان العرب (3/ 172 175) . وشرح مسلم للنووي (1/ 204) . وانظر: النهاية لابن الأثير (2/ 213- 217) . (4) الكليات (477) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4532 وقال ابن قدامة: هي الإتيان بما يخرج عن الإسلام إمّا نطقا أو اعتقادا أو شكّا ينقل عن الإسلام. أمّا المرتدّ فهو الرّاجع عن دين الإسلام «1» . وقال في الإقناع (المرتدّ) : هو الّذي يكفر بعد إسلامه نطقا أو اعتقادا أو شكّا أو فعلا، ولو كان هازلا «2» . أقسام الردة: قال عزّ الدّين بليق: قد قسّم بعض العلماء الرّدّة إلى أقسام أربعة: وهي ردّة في الاعتقاد، وردّة في الأقوال، وردّة في الأفعال، وردّة في التّرك. قال: ومن نافلة القول أنّ هذه الأقسام قد تتداخل، فمن اعتقد شيئا فقد يعبّر عنه بلسانه أو بعمل من أعماله وبذلك تتداخل هذه الأقسام «3» . حكم المرتد: قال ابن قدامة: من ارتدّ عن الإسلام من الرّجال والنّساء وكان بالغا عاقلا دعي إليه ثلاثة أيّام، وضيّق عليه، فإن رجع (فبها ونعمت) وإلّا قتل «4» . موقف أبي بكر- رضي الله عنه- من المرتدين: لقد كان موقف أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- من المرتدّين هو التّطبيق العمليّ لتنفيذ حكم الله فيهم، يقول الطّبريّ: عقد أبو بكر أحد عشر لواء، عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد (المرتدّ الكذّاب) ، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة. ولعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة (الكذّاب) ، وللمهاجر ابن أميّة «5» وأمره بجنود العنسيّ (من المرتدّين في اليمن) «6» . وقد كتب إليهم مع القادة المسلمين كتابا جاء فيه: «قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به، اغترارا بالله تعالى، وجهالة بأمره، وإجابة للشّيطان ... ، وإنّي بعثت إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار والتّابعين لهم بإحسان وأمرته ألّا يقاتل أحدا ولا يقتله حتّى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرّ وكفّ وعمل صالحا، قبل منه ذلك وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثمّ لا يبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنّار ويقتلهم كلّ قتلة، وأن يسبي النّساء والذّراريّ ولا يقبل من أحد إلّا الإسلام، فمن اتّبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كلّ مجمع لكم، والدّاعية الأذان، فإذا أذّن المسلمون فأذّنوا كفّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا عاجلوهم، وإن أذّنوا اسألوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم وإن أقرّوا قبل منهم «7» .   (1) معجم المغنى في الفقه الحنبلي (368) . (2) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (5/ 853) . (3) منهاج الصالحين من أحاديث وسنة خاتم الأنبياء والمرسلين (102) . (4) المغني لابن قدامة (10/ 74) . (5) انظر في أسماء بقية قادة المسلمين، وفي الجهات التي وجهوا إليها، وأسماء زعماء الردة في جزيرة العرب، تاريخ الطبري (3/ 248) وما بعدها. (6) كان الأسود العنسي قد تكهن وادعى النبوة وتبعته قبيلة عنس، انظر فتوح البلدان (109) . (7) انظر نص كتاب أبي بكر- رضي الله عنه- كاملا في المرجع السابق (3/ 250) وما بعدها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4533 وقد عهد- رضي الله عنه- إلى الأمراء بأن «يمنع كلّ قائد أصحابه من العجلة والفساد، وأن لا يدخل في جنوده حشوا حتّى يعرفهم ويعلم ما هم، (حتّى) لا يكونوا عيونا، ولئلّا يؤتى المسلمون من قبلهم «1» . لقد كان لحزم أبي بكر- رضي الله عنه- وصلابته في التّعامل مع هؤلاء المرتدّين أثره الواضح في استئصال شأفة الرّدّة من جميع أنحاء بلاد العرب، وحفظ بذلك وحدة الأمّة ووقاها من الهلكة، يقول ابن مسعود- رضي الله عنه- «لقد قمنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقاما كدنا نهلك فيه لولا أنّ الله منّ علينا بأبي بكر،.. عزم الله له على قتال المرتدّين، فو الله ما رضي منهم إلّا بالخطّة المجزية أو الحرب المجلية ... » «2» ، نعم لقد أخزى الله المرتدّين على يديه ولم ينج منهم إلّا من هرب هائما على وجهه خاسرا الدّنيا والآخرة. للاستزادة: انظر صفات: الإلحاد- الزندقة- الضلال- الكفر- الإعراض- اتباع الهوى- الشرك. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإيمان- الهدى اليقين- الاعتصام- الطاعة- الفرار إلى الله] .   (1) انظر عهد أبي بكر- رضي الله عنه- إلى قادة جيوش المسلمين الذين وجههم لمحاربة المرتدين، المرجع السابق (3/ 151- 152) . (2) انظر كلام ابن مسعود- رضي الله عنه- عاما في فتوح البلدان للبلاذري (100) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4534 الآيات الواردة في «الردة» 1- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) «2» 3- يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (21) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «4» 5- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) «5»   (1) البقرة: 217 مدنية (2) آل عمران: 100- 101 مدنية (3) المائدة: 21 مدنية (4) المائدة: 54 مدنية (5) محمد: 25- 28 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4535 الآيات الواردة في «الردة» معنى 6- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «1» 7- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) «2» 8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) «3» 9- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) «4»   (1) البقرة: 143 مدنية (2) آل عمران: 144 مدنية (3) آل عمران: 149- 150 مدنية (4) الأنعام: 71 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4536 الأحاديث الواردة في ذمّ (الردة) 1- * (عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه- قال: أشرف عثمان بن عفّان يوم الدّار فقال: أنشدكم بالله أتعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ دم امرىء إلّا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، أو ارتداد بعد إسلام، أو قتل نفسا بغير حقّ فقتل به» . ثمّ قال: فو الله ما زنيت في جاهليّة ولا في إسلام، ولا ارتددت منذ بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا قتلت النّفس الّتي حرّم الله، فبم تقتلونني؟) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ أبا سفيان بن حرب أخبره أنّ هرقل أرسل إليه في ركب «2» من قريش، وكانوا تجّارا بالشّام في المدّة الّتي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادّ فيها «3» أبا سفيان وكفّار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الرّوم، ثمّ دعاه ودعا بترجمانه فقال: أيّكم أقرب نسبا بهذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبا. فقال: أدنوه منّي، وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثمّ قال لترجمانه: قل لهم إنّي سائل هذا الرّجل فإن كذبني فكذّبوه، فو الله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبا لكذبت عنه. ثمّ كان أوّل ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قطّ قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف النّاس يتّبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتدّ أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدّة «4» لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكنّي كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إيّاه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال؛ ينال منّا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصّلاة والصّدق والعفاف والصّلة. فقال للتّرجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنّه فيكم ذو نسب، فكذلك الرّسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا. فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي «5» بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا. قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك: هل كنتم تتّهمونه   (1) النسائي (7/ 92) . والترمذي (2158) . واللفظ له وأبو داود (4353) . وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (10/ 215) وله شواهد كثيرة من طريق ابن مسعود وعائشة وابن عباس في الصحيحين وغيرهما. (2) ركب من قريش: الركب: جماعة المسافرين. (3) مادّ فيها ... إلخ: عاهده على ترك الحرب مدة وقدرها عشر سنوات وذلك معروف باسم صلح الحديبية. (4) في مدة: في هدنة. (5) يأتسي: يتخذ غيره أسوة. والأسوة: القدوة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4537 بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت: أن لا. فقد أعرف أنّه لم يكن ليذر الكذب على النّاس ويكذب على الله. وسألتك: أشراف النّاس اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت: أنّهم يزيدون. وكذلك أمر الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك: أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت: أن لا. وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت: أن لا. وكذلك الرّسل لا تغدر. وسألتك: بما يأمركم؟ «1» فذكرت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين. وقد كنت أعلم أنّه خارج ولم أكن أظنّ أنّه منكم. فلو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه) * «2» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا من عرينة «3» قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة فاجتووها «4» فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصّدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها» ففعلوا فصحّوا. ثمّ مالوا على الرّعاة فقتلوهم، وارتدّوا عن الإسلام، وساقوا ذود «5» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم «6» ، وتركهم في الحرّة «7» حتّى ماتوا) * «8» . 4- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا والزّبير والمقداد، قال: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها» فذهبنا تعادى «9» بنا خيلنا حتّى أتينا الرّوضة فإذا نحن بالظّعينة. فقلنا: أخرجي الكتاب فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثّياب. فأخرجته من عقاصها «10» ، فأتينا به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممّن بمكّة يخبرهم ببعض أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذا يا حاطب؟» قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله، إنّي كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكّة، فأحببت إذ فاتني من النّسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه قد صدقكم» فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه. فقال: «إنّه شهد بدرا، وما يدريك لعلّ الله- عزّ وجلّ- اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت   (1) هكذا ورد في صحيح البخاري (بما) والمعروف أن ما الاستفهامية تحذف ألفها إذا دخل عليها حرف جر. إثبات الألف في «ما» الاستفهامية المجرورة جائز على لغة بعض العرب. انظر شرح الشافية (2/ 297) ، وخزانة الأدب (2/ 538) . (2) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له. ومسلم (1773) . (3) عرينة: فرع من قبيلة تسمى بجيلة. (4) اجتووها: لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم. (5) ذود: الذود من الإبل من ثلاثة إلى عشرة وقيل إلى ثلاثين. (6) سمل أعينهم: فقأها وأذهب ما فيها. (7) الحرة: أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة. (8) البخاري- الفتح 12 (6802) . ومسلم (1671) واللفظ له. (9) تعادى: أصلها تتعادى أي تتسابق. (10) عقاصها: ضفائر شعرها جمع عقصة بمعنى ضفيرة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4538 لكم» ونزلت فيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الآية (الممتحنة/ 1) * «1» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك ثمّ تندّم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران/ 86- 89) فأرسل إليه فأسلم) * «2» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ترتدّوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الردة) معنى 7- (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: أقبلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعي رجلان من الأشعريّين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستاك، فكلاهما سأل فقال: يا أبا موسى، أو يا عبد الله بن قيس، قال: قلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنّهما يطلبان العمل- فكأنّي أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت- فقال: «لن،- أو لا- نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى- أو يا عبد الله بن قيس- إلى اليمن، ثمّ أتبعه معاذ بن جبل فلمّا قدم عليه ألقى له وسادة قال: انزل، فإذا رجل عنده موثق. قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديّا فأسلم ثمّ تهوّد. قال: اجلس. قال: لا أجلس حتّى يقتل، قضاء الله ورسوله (ثلاث مرّات) فأمر به فقتل. ثمّ تذاكرا قيام اللّيل، فقال أحدهما: اللّيل «4» ، فقال أحدهما: أمّا أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي) * «5» . 8- * (عن ثوبان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى «6» لي الأرض» ، أو قال: «إنّ ربّي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «7» ، وإنّي سألت ربّي لأمّتي: أن لا يهلكها بسنة   (1) البخاري- الفتح 8 (4890) واللفظ له. مسلم (2494) . (2) النسائي (7/ 107) واللفظ له. وذكره الألباني في صحيح النسائي برقم (3792) وقال: صحيح الإسناد، الحاكم (4/ 366) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وذكره ابن كثير في التفسير وعزاه أيضا لابن حبان. وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند (4/ 37) برقم (2218) : إسناده صحيح. وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (2/ 68) : سنده حسن. (3) البخاري- الفتح 13 (7079) واللفظ له. ورواه هو ومسلم من حديث جماعة من الصحابة كابن عمر وابن مسعود وجرير بن عبد الله البجلي وغيرهم بلفظ «لا ترجعوا» . (4) الليل: يبدو لنا أن الأول يقصد أنه يستغرق الليل كله في الطاعة بدليل قول الآخر أما أنا فأقوم وأنام ... إلخ. (5) البخاري- الفتح 12 (6923) . (6) زوى: جمع. (7) الكنزين الأحمر والأبيض: المراد الذهب والفضة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4539 بعامّة «1» ، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم «2» ، وإنّ ربّي قال لي: يا محمّد! إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها- أو قال بأقطارها- حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا. وإنّما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين. وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون، كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين، لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين، لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الردة) 1- * (قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: المرتدّ شرّ من الكافر الأصليّ من وجوه كثيرة) * «4» . 2- * (قال شريك العامريّ- رحمه الله تعالى-: قيل لعليّ: إنّ هنا قوما على باب المسجد يدّعون أنّك ربّهم، فدعاهم فقال لهم: ويلكم، ما تقولون؟ قالوا: أنت ربّنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنّما أنا عبد مثلكم، آكل الطّعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذّبني، فاتّقوا الله وارجعوا، فأبوا، فلمّا كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال: أدخلهم فقالوا كذلك، فلمّا كان الثّالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنّكم بأخبث قتلة فأبوا إلّا ذلك، فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدّ لهم أخدودا بين باب المسجد والقصر وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض، وجاء بالحطب فطرحه بالنّار في الأخدود وقال: إنّي طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتّى إذا احترقوا قال: إنّي إذا رأيت أمرا منكرا ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا ) * «5» . 3- * (حكى الجاحظ: لمّا دخل المرتدّ الخراسانيّ على المأمون، وكان قد حمله معه من خراسان حتّى وافى به العراق، قال له المأمون: لأن أستحييك بحقّ أحبّ إليّ من أقتلك بحقّ، ولأن أقبلك بالبراءة أحبّ إليّ من أن أدفعك بالتّهمة، قد كنت مسلما بعد أن كنت نصرانيّا وكنت فيها أتنخ «6» وأيّامك أطول، فاستوحشت ممّا كنت به آنسا ثمّ لم تلبث أن رجعت عنّا نافرا، فخبّرنا عن الشّيء الّذي صار آنس لك من إلفك القديم، وأنسك الأوّل. فإن وجدت عندنا دواء دائك   (1) بسنة بعامة: قحط عام. (2) البيضة: العز والملك. (3) مسلم (2889) وأبو داود (4252) ، وصححه الألباني (3577) واللفظ له. (4) مجموع الفتاوى (2/ 193) . (5) الفتح (12/ 282) وقال الحافظ: سنده حسن. (6) في الأصول: «أتيح» ولا وجه له. ويقال تنخ بالمكان تنوخا، أي قام وثبت. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4540 تعالجت به، والمريض من الأطبّاء يحتاج إلى المشاورة. وإن أخطأك الشّفاء ونباعن دائك الدّواء، كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك بلائمة، فإن قتلناك قتلناك بحكم الشّريعة. أو ترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثّقة، وتعلم أنّك لم تقصّر في اجتهاد، ولم تفرّط في الدّخول في باب الحزم، قال المرتدّ: أوحشني كثرة ما رأيت من الاختلاف فيكم! قال المأمون: لنا اختلافان: أحدهما كالاختلاف في الأذان وتكبير الجنائز، والاختلاف في التّشهّد وصلاة الأعياد وتكبير التّشريق، ووجوه القراءات واختلاف وجوه الفتيا وما أشبه ذلك. وليس هذا باختلاف، إنّما هو تخيير وتوسعة، وتخفيف من المحنة فمن أذّن مثنى وأقام مثنى لم يؤثّم، ومن أذّن مثنى وأقام فرادى لم يحوّب «1» ، لا يتعايرون ولا يتعايبون، أنت ترى ذلك عيانا وتشهد عليه بتاتا «2» . والاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتأويل الحديث عن نبيّنا، مع إجماعنا على أصل التّنزيل، واتّفاقنا على عين الخبر. فإن كان الّذي أوحشك هذا حتّى أنكرت من أجله هذا الكتاب، فقد ينبغي أن يكون اللّفظ بجميع التّوراة والإنجيل متّفقا على تأويله، كما يكون متّفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع النّصارى واليهود اختلاف في شيء من التّأويلات. وينبغي لك أن لا ترجع إلّا إلى لغة لا اختلاف في تأويل ألفاظها ولو شاء الله أن ينزّل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى تفسير لفعل، ولكنّا لم نر شيئا من الدّين والدّنيا دفع إلينا على الكفاية، ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة، وذهبت المسابقة والمنافسة، ولم يكن تفاضل وليس على هذا بنى الله الدّنيا. قال المرتدّ: أشهد أنّ الله واحد لا ندّ له ولا ولد، وأنّ المسيح عبده، وأنّ محمّدا صادق، وأنّك أمير المؤمنين حقّا! فأقبل المأمون على أصحابه فقال: فروا عليه عرضه «3» ، ولا تبرّوه في يومه ريثما يعتق إسلامه؛ كي لا يقول عدوّه إنّه أسلم رغبة، ولا تنسوا بعد نصيبكم من برّه وتأنيبه ونصرته، والعائدة عليه «4» . من مضار (الردة) (1) تودي بحياة المرتدّ في الدّنيا وتوجب له الخلود في النّار في الآخرة. (2) تلقي على الأمّة عبئا ثقيلا من الحذر والاحتياط إذا تمكّن المرتدّ من الفرار إلى خارج مجتمعها. (3) قد يفتح المرتدّ لأعداء الأمّة ثغرات للإضرار بها بما يقدّمه لهم من معلومات يبنون عليها خطّتهم في مواجهتها. (4) قد تؤدّي الرّدّة إلى اضطراب المجتمع بإغراء البسطاء بالاقتداء بالمرتدّ حين يظفر بحماية أعداء الأمّة وما يغدقون عليه من رفاهية العيش.   (1) لم يحوب، من الحوب، بالضم.. وهو الإثم. وهذا الفعل مما لم يذكر في المعاجم. (2) بتاتا، اي قطعا. (3) فروا، من الوفر- يقال: وفره عرض ووفره له: لم يشتمه. (4) البيان والتبيين 3/ 375 وما بعدها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4541 الرشوة الرشوة لغة: هي الاسم من قولهم رشاه يرشوه رشوا إذا أعطاه الجعل، وهي مأخوذة من مادّة (ر ش و) الّتي تدلّ على التّسبّب للشّيء برفق وملاينة، تقول: ترشّيت الرّجل إذا لاينته، ومن ذلك قول امريء القيس: نزيف «1» إذا قامت لوجه تمايلت ... تراشي الفؤاد الرّخص ألّا تختّرا «2» وقال الجوهريّ: يقال: الرّشوة (بالكسر) والرّشوة (بالضّمّ) وجمعها رشى ورشا، وارتشى: أخذ الرّشوة، واسترشى في حكمه: طلب الرّشوة عليه، ويقال: ترشّيت الرّجل إذا لاينته، وراشيته إذا ظاهرته «3» . وقال ابن منظور: الرّشو: فعل الرّشوة، والمراشاة: المحاباة، والرّشوة (بالفتح) ، والرّشوة (بالكسر) ، والرّشوة (بالضّمّ) الجعل، قال: وهي مأخوذة من رشا الفرخ إذا مدّ رأسه إلى أمّه لتزقّه، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 7/ 9 والرّائش: الّذي يسدي بين الرّاشي والمرتشي «4» . وفي الحديث: «لعن الله الرّاشي والمرتشي والرّائش» ، قال ابن الأثير: الرّاشي: من يعطي الّذي يعينه على الباطل، والمرتشي: الآخذ (للرّشوة) ، والرّائش الّذي يسعى بينهما يستزيد لهذا، ويستنقص لهذا «5» . قال: وأصل ذلك من الرّشاء الّذي يتوصّل به إلى الماء «6» . الرشوة اصطلاحا: قال الفيّوميّ: الرّشوة: ما يعطيه الشّخص الحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد «7» . وقال الجرجانيّ: الرّشوة: ما يعطى لإبطال حقّ أو إحقاق باطل «8» . وقال التّهانويّ: حدّ الرّشوة: بذل المال فيما هو غير مستحقّ على الشّخص، وقيل: هي ما يعطيه رجل شخصا حاكما أو غير حاكم ليحكم له أو يحمله على ما يريده «9» .   (1) ورد البيت في ديوانه ص 61، والنزيف: السكران الذي نزف السكر عقله، والوجه: ما يتوجه لها أن تفعله من الأمور، وتراشي: أي تعطيه الرشوة. والمراد هنا المداراة والمخاتلة. (2) مقاييس اللغة 2/ 397. (3) الصحاح 6/ 2357. (4) لسان العرب (رشو) ص 1653 (ط. دار المعارف) ، والقاموس المحيط (رشا) ص 1662 (ط. بيروت) . (5) النهاية لابن الأثير 2/ 226. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، ولسان العرب 1653. (7) المصباح المنير للفيومي ص 228. (8) التعريفات للجرجاني ص 116، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص 177. (9) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (3/ 86) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4542 وقال ابن الأثير: الرّشوة (بالكسر والضّمّ) : الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، قال: وأمّا ما يعطى توصّلا إلى أخذ حقّ أو دفع ظلم فغير داخل في الرّشوة «1» . وقد استنبط بعض الباحثين ممّا ذكره الفقهاء تعريفا جامعا للرّشوة فقال: هي ما يؤخذ (من جعل) عمّا وجب على الشّخص فعله، سواء أكان واجبا على العين، كالقاضي أو على الكفاية، كما في شخص يقدر على دفع الظّلم أو استخلاص حقّ من يد ظالم. وسواء أكان الوجوب شرعيّا كما في وليّ المرأة لا يزوّجها إلّا بالرّشوة، أو شاعر يخاف منه الهجو، لأنّ الكفّ عن عرض المسلم واجب شرعا، أو كان الوجوب عرفيّا (عن طريق العقد) ، كمن آجر نفسه لإقامة أمر من الأمور المتعلّقة بالمسلمين كأعوان القاضي أو أعضاء النّيابة وأهل الدّيوان من الموظّفين «2» . أنواع الرّشوة وحكم كل نوع: قال التّهانويّ: الرّشوة على أربعة أوجه: الأوّل: رشوة محرّمة من الجانبين (الرّاشي والمرتشي) ، ولها صورتان: الأولى: تقلّد القضاء بحيث لا يصير (القاضي) قاضيا بدونها. والثّانية: دفع الرّشوة إلى القاضي ليقضي له، سواء كان القضاء بحقّ أو بغير حقّ. الثّاني: دفع الرّشوة خوفا على النّفس أو المال، وهذه حرام على الآخذ غير حرام على الدّافع، وكذا إذا طمع ظالم في ماله فرشاه ببعض المال، ومن هذا النّوع ما يدفعه شخص إلى شاعر، قلت (أو صحفيّ) خوفا من الهجاء أو الذّمّ. الثّالث: الرّشوة تدفع للحاكم ليسوّي أمرا من الأمور، بحيث يشترط عليه ذلك وهذه حلال للدّافع حرام للآخذ، فإن طلب منه أن يسوّي أمره ولم يذكر له الرّشوة ثمّ أعطاه بعد ذلك شيئا، اختلف فيه العلماء، فقال بعضهم: لا يحلّ له، وقال بعضهم: يحلّ، قلت: وعلى فرض أنّه حلال عند بعضهم فإنّه من الشّبهات الّتي ينبغي أن يتّقيها المسلم الّذي يستبرأ لدينه. الرّابع: وهو ما أشبه الرّشوة وليس بها، وهو ما كان الدّفع فيه على سبيل التّودّد والتّحبّب، وهذا حلال للجانبين «3» . استرداد الرّشوة: الرّشوة مال حرام على آخذه، يلزمه ردّه، من ذلك على سبيل المثال ما يدفعه الرّجل إلى وليّ أمر المرأة ليزوّجها إيّاه فإن دفع له وزوّجه إيّاها فإنّ للزّوج أن يستردّ ما دفعه حتّى ولو مات الوليّ لأنّه رشوة. ولو مات المرتشي وعلم الوارث أنّ ما تركه من الرّشوة، فإنّه لا يحلّ له أخذه، وإن لم يعلم عين الرّشوة فإنّ له الأخذ حكما، ويتصدّق به بنيّة الخصماء، وإن   (1) النهاية لابن الأثير (2/ 266) . (2) بتلخيص وتصرف عن كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 88) . (3) كشاف اصطلاحات الفنون 3/ 68، قلت وعد النوع الأخير من الرشوة إنّما هو تسامح في العبارة، وإلّا فإنه لا ينطبق عليه تعريفها ولا حكمها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4543 ارتشى القاضي ردّ قضاؤه، فإن ارتشى أحد أعوانه ليعين المرتشي ولم يعلم القاضي نفذ قضاؤه، وعلى القابض ردّ ما قبضه، ويأثم الرّاشي «1» . الرّشوة من الكبائر: قال الذّهبيّ: الكبيرة الثّانية والثّلاثون: أخذ الرّشوة على الحكم، وقد استدلّ على ذلك بقوله تعالى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة/ 188) قال الذّهبيّ: لا تدلوا بأموالكم إلى الحكّام: أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقّا لغيركم وأنتم تعلمون أنّ ذلك لا يحلّ لكم، وبعد أن ذكر الأحاديث الدّالّة على التّحريم «2» ، قال: إنّما تلحق اللّعنة الرّاشي إذا قصد بها أذيّة مسلم، أو ليدفع له بها ما لا يستحقّ، أمّا إذا أعطى ليتوصّل إلى حقّ له، أو ليدفع عن نفسه ظلما، فإنّه غير داخل في اللّعنة، أمّا الحاكم فالرّشوة عليه حرام سواء أبطل بها حقّا أو دفع بها ظلما، والرّائش (وهو السّاعي بالرّشوة) تابع للرّاشي في قصده إن قصد خيرا لم تلحقه اللّعنة وإلّا لحقته «3» . الهدية للحاكم رشوة أم لا؟ سئل ابن تيميّة- رحمه الله تعالى- عن رجل أهدى الأمير هديّة لطلب حاجة، أو للتّقرّب منه، أو للاشتغال بالخدمة عنده أو ما أشبه ذلك، فهل أخذ الهديّة على هذه الصّورة رشوة أم لا؟ وهو إن أخذ الهديّة انبعثت نفسه إلى قضاء الشّغل، وإن لم يأخذ لم تنبعث النّفس في قضائه، فهل يجوز أخذها؟ وقضاء شغله، أو لا يأخذ ولا يقضي؟ ورجل مسموع القول عند مخدومه (سكرتير أو حاجب أو مستشار أو ما أشبه ذلك) إذا أعطوه شيئا للأكل أو لغير قضاء حاجة، فهل يجوز أخذها؟ وهو إن ردّها على المهدي انكسر خاطره، فهل يجوز أخذ هذا أم لا؟. أجاب- رحمه الله تعالى- عن الحالتين فقال: في سنن أبي داود وغيره أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هديّة فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الرّبا» «4» . وسئل ابن مسعود عن السّحت فقال: هو أن تشفع لأخيك شفاعة فيهدي لك هديّة فتقبلها. فقال له: أرأيت إن كانت هديّة في باطل. فقال: ذلك كفر وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) . ولهذا قال العلماء: إنّ من أهدى هديّة لوليّ الأمر ليفعل معه ما لا يجوز، كان حراما على المهدي والمهدى إليه، وهذه من الرّشوة الّتي قال فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لعن الله الرّاشي والمرتشي» ، والرّشوة تسمّى البرطيل، والبرطيل في اللّغة هو الحجر المستطيل فاه، فأمّا إذا أهدى له هديّة ليكفّ ظلمه عنه أو ليعطيه حقّه الواجب كانت الهديّة حراما على الآخذ، وجاز   (1) السابق (3/ 88) ، وقد أفاض التهانوي في أحكام رشوة المحتسب، انظرها في الموضع المذكور. (2) انظر الأحاديث أرقام (1، 5) . (3) الكبائر للذهبي 142- 143. (4) انظر الحديث رقم 6، وقد تم تخريجه هناك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4544 للدّافع أن يدفعها إليه كما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول «إنّي لأعطي أحدهم العطيّة فيخرج بها يتأبّطها نارا» قيل: يا رسول الله فلم تعطهم؟ قال «يأبون إلّا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل» «1» . ومثل ذلك مثل من أسرّ خبرا، أو كان ظالما للنّاس، فأعطاه هؤلاء (كي يمتنع من نشر السّرّ أو من الظّلم) فهذا جائز للمعطي حرام على الآخذ، أمّا الهديّة في الشّفاعة كأن يشفع لرجل عند وليّ أمر ليرفع عنه مظلمة أو يوصل إليه حقّه أو يولّيه ولاية يستحقّها، أو يستخدمه في الجند المقاتلة- وهو مستحق لذلك، أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القرّاء أو النّسّاك أو غيرهم- وهو من أهل الاستحقاق، ونحو هذه الشّفاعة الّتي فيها إعانة على فعل واجب أو ترك محرّم. فهذه أيضا لا يجوز فيها قبول الهديّة. ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصّل به إلى أخذ حقّه أو دفع الظّلم عنه. هذا هو المنقول عن السّلف والأئمّة الأكابر، وقد رخّص بعض المتأخّرين من الفقهاء في ذلك وجعل هذا من باب الجعالة، وهذا مخالف للسّنّة وأقوال الصّحابة والأئمّة، وهو غلط لأنّ مثل هذا العمل هو من المصالح العامّة الّتي يكون القيام بها فرضا: إمّا على الأعيان وإمّا على الكفاية. ومتى شرع أخذ الجعل على مثل هذا لزم أن تكون الولاية وإعطاء أموال الفيء والصّدقات وغيرها لمن يبذل في ذلك، ولزم (أيضا) أن يكون كفّ الظّلم عمّن يبذل في ذلك، والّذي لا يبذل لا يولّى ولا يعطى ولا يكفّ عنه الظّلم، وإن كان أحقّ وأنفع للمسلمين من هذا. ولمّا كانت المنفعة لعموم النّاس: أعني المسلمين. فإنّه يجب أن يولّى في كلّ مرتبة أصلح من يقدر عليها وأن يرزق من رزق المقاتلة والأئمة والمؤذّنين، وأهل العلم الّذين هم أحقّ النّاس وأنفعهم للمسلمين، وهذا واجب على الإمام، وعلى الأمّة أن يعاونوه على ذلك فأخذ جعل من شخص معيّن على ذلك يفضي إلى أن تطلب هذه الأمور بعوض، ونفس طلب الولايات منهيّ عنه فكيف بالعوض؟ ولزم أنّ من كان ممكّنا فيها يولّى ويعطى وإن كان غيره أحقّ وأولى، بل يلزم على ذلك تولية الجاهل والفاسق والفاجر وترك العالم القادر، وأن يرزق في ديوان المقاتلة الفاسق والجبان العاجز عن القتال، ويترك العدل الشّجاع النّافع للمسلمين وفساد مثل هذا كبير «2» . وإذا أخذ وشفع لمن لا يستحقّ وغيره أولى، فليس له أن يأخذ ولا يشفع وتركهما خير، وإذا أخذ وشفع لمن هو الأحقّ الأولى، وترك من لا يستحقّ، فحينئذ ترك الشّفاعة والأخذ أضرّ من الشّفاعة لمن لا يستحقّ، ويقال لهذا الشّافع الّذى له الحاجة الّتي تقبل بها الشّفاعة: يجب عليك أن تكون ناصحا لله ورسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، وعليك أن تنصح المشفوع إليه فتبيّن له من يستحقّ الولاية والاستخدام والعطاء، ومن لا يستحقّ ذلك، وتنصح للمسلمين بفعل مثل   (1) انظر الحديث رقم (1) . (2) مجموع فتاوى ابن تيمية المجلد 31 ص 285. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4545 ذلك، وتنصح لله ولرسوله بطاعته فإنّ هذا من أعظم طاعته، وتنفع هذا المستحقّ بمعاونته على ذلك، كما عليك أن تصلّي وتصوم وتجاهد في سبيل الله. وأمّا الرّجل المسموع الكلام فإذا أكل قدرا زائدا على الضّيافة الشّرعيّة، فلا بدّ له أن يكافىء المطعم بمثل ذلك، أو لا يأكل القدر الزّائد وإلّا فقبوله الضّيافة الزّائدة مثل قبوله للهديّة، وهو من جنس الشّاهد والشّافع إذا أدّى الشّهادة وقام بالشّفاعة لضيافة أو جعل فإنّ هذا من أسباب الفساد «1» . الفرق بين الرشوة والهدية: قال ابن قيّم الجوزيّة: الفرق بين الهديّة والرّشوة- وإن اشتبها في الصّورة- القصد، فإنّ الرّاشي قصده بالرّشوة التّوصّل إلى إبطال حقّ، أو تحقيق باطل، فهذا الرّاشي الملعون على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإن رشا لدفع الظّلم عن نفسه اختصّ المرتشي وحده باللّعنة، وأمّا المهدي فقصده استجلاب المودّة والمعرفة والإحسان، فإن قصد المكافأة فهو معاوض، وإن قصد الرّبح فهو مستكثر «2» . [للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- التعاون على الإثم والعدوان- السرقة- الغش- الغلول- التطفيف- التناجش. وفي ضد ذلك: انظر صفات: النزاهة- الاستقامة- الشرف- محاسبة النفس- مجاهدة النفس- النبل- التعاون على البر والتقوى- العفة] .   (1) مجموع فتاوى ابن تيمية المجلد 31 ص 287- 288. (2) الروح لابن القيم 240. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4546 الآيات الواردة في «الرشوة» معنى 1- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) «1» 2- * يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «2» 3- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (63) «3» 4- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) «4» 5- وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) «5»   (1) البقرة: 188 مدنية (2) المائدة: 41- 42 مدنية (3) المائدة: 60- 63 مدنية (4) التوبة: 34 مدنية (5) النمل: 35- 36 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4547 الأحاديث الواردة في ذمّ (الرشوة) 1- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّاشي والمرتشي) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّاشي والمرتشي في الحكم) «2» . وزاد ابن حبّان والحاكم (والرّائش: يعني الّذي يسعى بينهما) * «3» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الرّاشي والمرتشي في النّار» ) * «4» . 4- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من قوم يظهر فيهم الرّبا إلّا أخذوا بالسّنة «5» وما من قوم يظهر فيهم الرّشا إلّا أخذوا بالرّعب» ) * «6» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- مرفوعا، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ولي عشرة فحكم بينهم بما أحبّوا، أو بما كرهوا جيء به مغلولة يده، فإن عدل، ولم يرتش، ولم يحف «7» فكّ الله عنه، وإن حكم بغير ما أنزل الله وارتشى، وحابى فيه. شدّت يساره إلى يمينه ثمّ رمي به في جهنّم، فلم يبلغ قعرها خمسمائة عام» ) * «8» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الرشوة) معنى 6- * (عن أبي أمامة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من شفع لأخيه بشفاعة، فأهدى له هديّة عليها، فقبلها، فقد أتى بابا عظيما من أبواب الرّبا» ) * «9» . 7- * (عن أبي حميد السّاعديّ قال: استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من الأسد يقال له ابن اللّتبيّة، فلمّا قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي. قال: فقام   (1) سنن الترمذي 3 (1337) واللفظ له، وقال: حديث حسن، أبو داود 3 (3580) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2 (3055) : صحيح، والترغيب والترهيب 3/ 179. (2) سنن الترمذي 3 (1336) ، وحسنه وأخرجه أحمد (2/ 387، 388) . (3) الترغيب والترهيب 3/ 180، وقال: رواه ابن حيان في صحيحه والحاك 4/ 103 وصححه المسند 5/ 279 حديث رقم (22461) واللفظ لهما، ومجمع الزوائد 4/ 198. (4) مجمع الزوائد 4/ 199، وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، الترغيب والترهيب 3/ 180 واللفظ لهما، وقال المنذري: رواه الطبراني ورواته ثقات معروفون. (5) السّنة: القحط والجدب. (6) المسند 4/ 205 حديث رقم (17840) ، الترغيب والترهيب 3/ 180، وقال: رواه أحمد بإسناد فيه نظر. (7) لم يحف: لم يجر ولم يظلم. (8) الحاكم (4/ 103) ، وقال سعدان بن الوليد البجلي كوفي: قليل الحديث، لم يخرجا عنه، وأقره الذهبي، وقال الهيثمي: سعدان بن الوليد، ولم أعرفه، وذكر له روايه مختصرة ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات، انظر: مجمع الزوائد (5/ 206) . (9) سنن أبي داود 3 (3541) ، وحسنه الألباني في الصحيحة 2 (3025) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4548 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه. وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر» . ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه. ثمّ قال: «اللهمّ هل بلّغت؟» مرّتين) * «1» . وانظر أيضا الأحاديث الواردة في صفة «الغلول» من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الرشوة) 1- * (روي أنّ ابن مسعود- رضي الله عنه- أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتّى خلّي سبيله) * «2» . 2- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: الرّشوة في الحكم كفر، وهي بين النّاس سحت) * «3» . 3- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: السّحت أن تطلب لأخيك الحاجة، فتقضى، فيهدي إليك هديّة فتقبلها منه) * «4» . 4- * (عن قتادة قال في قوله تعالى إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ (النمل/ 35) : قالت: إنّي باعثة إليهم بهديّة، فمصانعتهم بها عن ملكي، إن كانوا أهل دنيا، فبعثت إليهم بلبنة من ذهب في حرير وديباج، فبلغ ذلك سليمان فأمر بلبنة من ذهب فصنعت، ثمّ قذفت تحت أرجل الدّوابّ على طريقهم تبول عليها وتروث، فلمّا جاء رسولها، واللّبنة تحت أرجل الدّوابّ، صغر في أعينهم الّذي جاءوا به) * «5» . 5- * (عن مسروق أنّه كلّم ابن زياد في مظلمة، فردّها، فأهدى إليه صاحب المظلمة وصيفا «6» ، فردّها، ولم يقبلها، وقال: سمعت ابن مسعود يقول: من ردّ عن مسلم مظلمة فأعطاه على ذلك قليلا أو كثيرا فهو سحت. فقال الرّجل: يا أبا عبد الرّحمن ما كنّا نظنّ أنّ السّحت إلّا الرّشوة في الحكم. فقال: ذلك كفر نعوذ بالله منه) * «7» . 6- * (روي عن جماعة من أئمة التّابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرّجل عن نفسه وماله إذا خاف الظّلم) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7197) ، مسلم (1832) واللفظ له. (2) النهاية لابن الأثير 2/ 226، ويبدو أن ابن مسعود كان قد أخذ ظلما فدفع دينارين ليدفع عن نفسه هذا الظلم وهذا ليس من الرشوة المحرمة على الدافع. (3) الترغيب والترهيب 3/ 181، مجمع الزوائد 4/ 200. (4) الكبائر للذهبي 143. (5) الدر المنثور 5/ 203. (6) الوصيف: الخادم. (7) الكبائر للذهبي 143. (8) النهاية لابن الأثير 2/ 226. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4549 7- * (يقول القرطبيّ في معنى قوله تعالى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ (البقرة/ 188) : والمعنى: لا تجمعوا بين أكل المال بالباطل، وبين الإدلاء إلى الحكّام بالحجج الباطلة، وهو كقوله تعالى وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ (البقرة/ 43) ، وقيل المعنى: لا تصانعوا بأموالكم الحكّام، وترشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها، قال ابن عطيّة: وهذا القول يترجّح لأنّ الحكّام مظنّة الرّشاء، إلّا من عصم، وهو الأقّلّ) * «1» . 8- * (وقال ابن كثير في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ (التوبة/ 34) قال: وذلك أنّهم يأكلون الدّنيا بالدّين، ومناصبهم ورياستهم في النّاس. يأكلون أموالهم بذلك كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهليّة شرف، ولهم عندهم خراج وهدايا وضرائب تجبى إليهم) * «2» . 9- * (وقال أبو حيّان في قوله تعالى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ... الآية (البقرة/ 188) : يجوز أن تكون المناسبة بين هذه الآية وآية الصّيام قبلها، أنّه سبحانه لمّا أوجب عليهم الصّوم، كما أوجبه على الّذين قبلهم، خالف بين أهل الكتاب وبينهم فأحلّ لهم الأكل والشّرب والجماع في ليالي الصّوم، ثمّ أمرهم ألّا يوافقوهم في أكل الرّشا من ملوكهم وسفلتهم) * «3» . من مضار (الرشوة) (1) هي مغضبة للرّبّ، ومخالفة لسنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومجلبة للعذاب. (2) تسبّب الهلاك والخسران في الدّارين وربّما أدّت إلى الكفر. (3) هي إفساد للمجتمع حكّاما ومحكومين. (4) تبطل حقوق الضّعفاء وتنشر الظّلم. (5) الرّاشي والمرتشي والرّائش كلّهم ملعونون عند الله ورسوله. (6) الرّشوة في تولّي القضاء والوظائف العامّة تفسد أحوال المجتمع وتنشر الفساد. (7) الرّشوة في أمور الجند تجعل الكفاءة فيهم غير معتبرة ويؤول الأمر إلى أن يتولّى الدّفاع عن البلاد من هم غير أهل لذلك فتحيق بهم الهزيمة، ويلحق العار البلاد بأسرها. (8) المرتشي تشدّ يساره إلى يمينه ثمّ يرمى به في جهنّم وساءت مصيرا.   (1) تفسير القرطبي 2/ 226. (2) تفسير ابن كثير 2/ 300. (3) تفسير البحر المحيط لأبي حيان 2/ 62. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4550 الرياء الرياء لغة: مصدر قولهم: راءاه يرائيه رياء ومراءاة «1» ، وهو مأخوذ من مادّة (ر أى) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على نظر وإبصار بعين أو بصيرة، يقال من ذلك: راءى فلان، وفعل ذلك رئاء النّاس (ورياء النّاس) ، وهو أن يفعل شيئا ليراه النّاس «2» ، أمّا قولهم: هم رئاء فالمعنى: يقابل بعضهم بعضا، وكذلك: بيوتهم رئاء أي متقابلة، والوصف من ذلك، رجل مراء، وقوم مراءون، ويسترأى فلان مثل يستحمق (أي ينسب إلى الرّياء) «3» ، واسترأى الشّيء: استدعى رؤيته وراءيت الرّجل مراءاة ورياء: أريته أنّي على خلاف ما أنا عليه «4» ، وفي التّنزيل وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ (الأنفال/ 47) . قال القرطبيّ في تفسيرها: يعني أبا جهل وأصحابه الخارجين يوم بدر لنصرة العير. خرجوا بطرين مرائين صادّين عن سبيل الله «5» . وقولهم: تراءى القوم أي رأى بعضهم بعضا، وترأّى لي وتراءى لي: تصدّى لي كي أراه، ورأى المكان المكان: قابله حتّى كأنّه يراه، وتراءى الآيات/ الأحاديث/ الآثار 12/ 20/ 32 النّخل: ظهرت ألوان بسره، وكلّ ذلك من رؤية العين، وقولهم: ألم تر إلى فلان، ألم تر إلى كذا: كلمة تقولها العرب عند التّعجّب من الشّيء، وعند تنبيه المخاطب، وذلك كما في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ (النساء/ 51) ، أي ألم تعجب لفعلهم، وألم ينته شأنهم إليك «6» . وقال ابن منظور (أيضا) : يستعمل راءيت واسترأيت بمعنى: استشرت، يقال: استرأيت الرّجل في الرّأي أي استشرته، وراءيته (كذلك) ، قال عمران بن حطّان: فإن تكن حين شاورناك قلت لنا ... بالنّصح منك لنا فيما نرائيكا أي نستشيرك. أمّا قول الله عزّ وجلّ: يُراؤُنَ النَّاسَ (النساء/ 142) ، وقوله عزّ من قائل: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ* وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (الماعون/ 6، 7) فليس من المشاورة، ولكنّ معناه: إذا أبصرهم النّاس صلّوا، وإذا لم يروهم تركوا الصّلاة، وهذا عمل المرائي   (1) للفعل راءى مصدران قياسان هما: المراءاة والرياء، وكلاهما مستعمل لنفس المعنى، وقد تقلب ياؤه همزة فيقال: رئاء النّاس، أي رياءهم. (2) مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 472- 473 (بتصرف واختصار) . (3) الصحاح «ر أى» 6/ 2348- 2349. (4) لسان العرب 14/ 296 (ط. بيروت) . (5) تفسير القرطبي 8/ 25. (6) اللسان 14/ 299، والنهاية لابن الأثير 3/ 178. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4551 (وسمّي بذلك) لأنّه يري النّاس أنّه يفعل، ولا يفعل بالنّيّة، من ذلك قولهم: أرأى الرّجل: إذا عمل عملا صالحا رياء وسمعة «1» . الرياء اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الرّياء: ترك الإخلاص في العمل بمراعاة غير الله فيه «2» . وقال التّهانويّ: حدّ الرّياء: فعل الخير لإراءة الغير، وقيل: هو فعل لا تدخل فيه النّيّة الخالصة، ولا يحيط به الإخلاص «3» . وقال الغزاليّ: أصل الرّياء: طلب المنزلة في قلوب النّاس بإيرائهم خصال الخير، واسم الرّياء مخصوص- بحكم العادة- بطلب المنزلة في القلوب بالعبادة وإظهارها، ومن ثمّ يكون الرّياء (المذموم شرعا) إرادة العباد بطاعة الله «4» . وقال ابن حجر (الهيتميّ) : حدّ الرّياء المذموم: إرادة العامل بعبادته غير وجه الله تعالى، كأن يقصد اطّلاع النّاس على عبادته وكماله، فيحصل له منهم نحو مال أو جاه أو ثناء «5» . وقال ابن حجر العسقلانيّ: الرّياء إظهار العبادة لقصد رؤية النّاس لها فيحمدوا صاحبها «6» . الفرق بين الرياء والسمعة والنّفاق: قال التّهانويّ: الفرق بين الرّياء والسّمعة أنّ الرّياء يكون في الفعل، والسّمعة تكون في القول «7» ، وقال ابن عبد السّلام: الرّياء أن يعمل لغير الله، والسّمعة أن يخفي عمله ثمّ يحدّث به النّاس «8» . أمّا الفرق بين النّفاق والرّياء فيتمثّل في أنّ الأصل في الرّياء الإظهار، والأصل في النّفاق: الإخفاء إذ المرائي يظهر نيّته الحقيقيّة في طلب المنزلة عند النّاس، أمّا المنافق فإنّه يخفي على النّاس ما بداخله ويظهر خلافه، وقد يلتقي الأمران: الرّياء والنّفاق (الأصغر) في عمل المنافق، كما قال عزّ وجلّ في شأن المنافقين: يُراؤُنَ النَّاسَ (النساء/ 142) ، أي بإظهار مجرّد الطّاعة، وقد يختلفان كما في قيامهم (أي المنافقين) إلى الصّلاة كسالى وعدم ذكرهم الله إلّا قليلا، فالمرائي يظهر النّشاط ويكثر من الذّكر لينال مكانة عند النّاس بخلاف المنافق. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ النّفاق ينقسم إلى نفاق أكبر وهو النّفاق المتعلّق بالعقيدة، ونفاق أصغر وهو المتعلّق بالأعمال، وإذا كان الرّياء داخلا في النّفاق العمليّ فيكون ثمّت بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في النّفاق العمليّ وهو كما يقول ابن رجب: أن يظهر الإنسان علانية (العمل الصّالح) ويبطن خلاف ما يظهر «9» ، ينفرد   (1) باختصار وتصرف عن (لسان العرب) 14/ 300- 303 (ط. بيروت) . (2) التعريفات ص 119. (3) كشاف اصطلاحات الفنون 3/ 607- 608. (4) إحياء علوم الدين 3/ 297. (5) الزواجر 1/ 43. (6) فتح الباري 11/ 344. (7) كشاف اصطلاحات الفنون 3/ 607، وانظر أيضا: فتح الباري لابن حجر 11/ 344. (8) نقل ذلك عنه ابن حجر في فتح الباري 11/ 344. (9) جامع العلوم والحكم 375. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4552 كلّ منهما، ينفرد النّفاق بإظهار الإيمان وإبطان الكفر (وهو النّفاق العقديّ) ، وينفرد الرّياء بأنّه قد يكون في غير العبادات لطلب جاه، وليس هذا النّوع بحرام إلّا إذا حملته كثرة الجاه على مباشرة ما لا يجوز «1» . الفرق بين الرياء والشرك الأكبر: قال ابن حجر: يتّضح الفرق بين الرّياء (وهو الشّرك الأصغر) وبين الشّرك الأكبر بمثال هو أنّ المصلّي مراءاة يكون رياؤه سببا باعثا له على العمل، وهو تارة يقصد بعمله تعظيم الله تعالى، وتارة لا يقصد شيئا، وفي كلّ منهما لا يصدر عنه مكفّر، بخلاف الشّرك الأكبر الّذي لا يحدث إلّا إذا قصد تعظيم غير الله تعالى، وعلم بذلك أنّ المرائي إنّما حدث له هذا النّوع من الشّرك بتعظيمه قدر المخلوق عنده حتّى حمله ذلك على الرّكوع والسّجود، فكأنّ المخلوق هو المعظّم بالسّجود من وجه، وذلك غاية الجهل «2» . أقسام الرياء: ذكر الغزاليّ: أنّ الرّياء بحسب ما يراءى به خمسة أقسام: الأوّل: الرّياء في الدّين بالبدن، وذلك بإظهار النّحول والصّفار ليوهم بذلك شدّة الاجتهاد، وعظم الحزن على أمر الدّين وغلبة خوف الآخرة. أمّا رياء أهل الدّنيا فيكون بإظهار السّمن وصفاء اللّون واعتدال القامة، وحسن الوجه ونظافة البدن وقوّة الأعضاء. الثّاني: الرّياء بالهيئة والزّيّ، وذلك بتشعيث شعر الرّأس، وإبقاء أثر السّجود على الوجه، وغلظ الثّياب وتقصير الأكمام وترك تنظيف الثّوب وتركه مخرّقا، كلّ ذلك لإظهار أنّه متّبع للسّنّة. أمّا مراءاة أهل الدّنيا فبالثّياب النّفيسة، والمراكب الرّفيعة وأنواع التّوسّع والتّجمّل في الملبس والمسكن. الثّالث: الرّياء بالقول، ويكون من أهل الدّين بالوعظ والتّذكير والنّطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار لإظهار غزارة العلم، ومن ذلك تحريك الشّفتين بالذّكر في محضر النّاس، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أمامهم. وأمّا أهل الدّنيا فيكون رياؤهم بحفظ الأشعار والأمثال، والتّفاصح بالعبارات، وحفظ الغريب من النّحو واللّغة للإغراب على أهل الفضل. الرّابع: الرّياء بالعمل، وذلك كمراءاة المصلّي بطول القيام والرّكوع والسّجود ونحو ذلك. أمّا أهل الدّنيا فمراءاتهم بالتّبختر والاختيال وغيرهما ممّا يدلّ على الجاه والحشمة. الخامس: المراءاة بالأصحاب والزّائرين، كأن يطلب المرائي من عالم أن يزوره ليقال: إنّ فلانا قد زار فلانا، ومن ذلك كثرة ذكر الشّيوخ. قال الغزاليّ: فهذه الخمسة هي مجامع ما يرائي   (1) إحياء علوم الدين 3/ 299، والزواجر 1/ 45. (2) باختصار وتصرف عن الزواجر لابن حجر 1/ 44. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4553 به المراءون، وكلّهم يطلبون بذلك الجاه والمنزلة في قلوب العباد. درجات الرياء: للرّياء بحسب قصد المرائي أربع درجات: الأولى: وهي أغلظها ألّا يكون مراده الثّواب أصلا، كالّذي يصلّي أمام النّاس، ولو انفرد فإنّه لا يصلّي، وربّما دفعه الرّياء إلى الصّلاة من غير طهر. الثّانية: أنّ قصده للثّواب أقلّ من قصده لإظهار عمله. وهذا النّوع قريب ممّا قبله في الإثم. الثّالثة: أن يتساوى قصد الثّواب وقصد الرّياء، بحيث إنّ أحدهما وحده لا يبعثه على العمل، ولكن لمّا اجتمع القصدان انبعثت فيه الرّغبة في العمل، وهذا قد أفسد بمقدار ما أصلح، وظواهر الأخبار تدلّ على أنّه لا يسلم (من العقاب) . الرّابعة: أن يكون اطّلاع النّاس مرجّحا ومقوّيا لنشاطه، ولو لم يكن ذلك ما ترك العبادة، وهذا النّوع لا يحبط أصل الثّواب ولكنّه ينقص منه أو يعاقب صاحبه على مقدار قصد الرّياء، ويثاب على مقدار قصد الثّواب «1» . حكم الرياء: ذكر الذّهبيّ الرّياء ضمن الكبائر، وذكر أدلّة ذلك من الكتاب والسّنّة وآثار السّلف الصّالح «2» ، وعدّه ابن حجر الكبيرة الثّانية بعد الشّرك بالله، وقال: شهد بتحريمه الكتاب والسّنّة وانعقد عليه إجماع الأمّة، وبعد أن أشبع القول في ذكر أدلّة تحريمه قال: المعنى في تحريمه وكونه كبيرة وشركا مقتضيا للّعن أنّ فيه استهزاء بالحقّ تعالى، ومن ثمّ كان الرّياء من كبائر الكبائر المهلكة ولذلك سمّاه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «الشّرك الأصغر» «3» ، وفي الرّياء أيضا تلبيس على الخلق لإيهام المرائي لهم أنّه مخلص مطيع لله تعالى وهو بخلاف ذلك «4» . وقال ابن حجر أيضا: إذا أطلق لفظ الرّياء- شرعا- فالمراد الرّياء المذموم (وهو العبادة الّتي يراد بها غير وجه الله تعالى) ، وقد يطلق الرّياء على أمر مباح وهو طلب نحو الجاه والتّوقير بغير عبادة «5» ، كأن يقصد بزينة لباسه الثّناء عليه بالنّظافة والجمال ونحو ذلك، ووجه عدم حرمة هذا النّوع أنّه ليس فيه ما في الرّياء المحرّم من التّلبيس بالدّين والاستهزاء بربّ العالمين. وأقبح أنواع الرّياء ما تعلّق بأصل الإيمان وهو شأن المنافقين، يلي ذلك المراءاة بأصول العبادات الواجبة، كأن يعتاد تركها في الخلوة، ويفعلها في الملأ   (1) باختصار وتصرف عن إحياء علوم الدين 3/ 297- 302. (2) انظر الكبيرة السابعة والثلاثين في كتاب الكبائر للذهبي ص 154 157. ولم نذكر ما أورده الذهبي هنا لأنه لم يخرج عما ورد من الآيات والأحاديث والآثار المذكورة في هذه الصفة. (3) انظر الأحاديث (11، 15، 16) . (4) الزواجر 2/ 44. (5) انظر رياء أهل الدنيا في الأقسام التي ذكرها الغزالي للرياء بحسب الشيء المراءى به. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4554 خوف المذمّة، وهذا يؤدّي إلى أعلى أنواع المقت، يلي ذلك المراءة بالنّوافل الّتي يفعلها المرائي باعتياد أمام النّاس ويرغب عنها في الخلوة، ويلي ذلك في القبح المراءاة بأوصاف العبادات كتحسينها وإظهار الخشوع فيها في الملأ والاقتصار في الخلوة على أدنى درجاتها «1» . معالجة الرياء: قال الغزاليّ ما خلاصته: لا يستطيع أحد أن يقمع الرّياء إلّا بمجاهدة شديدة ومكابدة لقوّة الشّهوات، ويكون ذلك بأمرين: الأوّل: قلع عروقه واستئصال أصوله وهي: لذّة المحمدة والفرار من ألم الذّمّ، والطّمع فيما في أيدي النّاس، وهذه الثّلاثة راجعة إلى حبّ المنزلة والجاه. الثّاني: أن يشمّر الإنسان عن ساعد الجدّ لدفع ما يعرض من خاطر الرّياء، وخواطره ثلاثة أيضا وهي: العلم باطّلاع الخلق ورجاء اطّلاعهم، ثمّ هيجان الرّغبة من النّفس في حمدهم، وحصول المنزلة عندهم، ويعقب ذلك هيجان الرّغبة في قبول النّفس له (أي الحمد والمنزلة) والرّكون إليه وعقد الضّمير على تحقيقه، والخاطر الأوّل يسمّى معرفة، والثّاني رغبة وشهوة، والثّالث هو العزم وكمال القوّة في دفع الخاطر الأوّل قبل أن يعقبه الثّاني، فإذا خطر له معرفة اطّلاع الخلق أو رجاء اطّلاعهم دفع ذلك بأن قال: مالي وللخلق علموا أو لم يعلموا، والله عالم بحالي فأيّ فائدة في علم غيره؟ فإن هاجت الرّغبة إلى لذّة الحمد فعليه أن يذكر تعرّض المرائي للمقت عند الله يوم القيامة وخيبته- في أحوج أوقاته- إلى أعماله، وعندئذ تثور عنده كراهة للرّياء تقابل تلك الشّهوة إذ يتفكّر في تعرّضه لمقت الله وعقابه الأليم، الشّهوة تدعوه إلى القبول والكراهة تدعوه إلى الإباء والنّفس تطاوع- لا محالة- أقواهما ويتضّح من ذلك أنّه لا بدّ في ردّ الرّياء الّذي خطر أثناء العبادة من المعرفة والكراهة والإباء. أمّا من الناحية العملية: فإنّ دفع الرّياء يستلزم من المرء أن يعوّد نفسه إخفاء العبادات، وإغلاق الأبواب دونها، كما تغلق الأبواب دون الفواحش، حتّى يقنع قلبه بعلم الله ولا تنازعه نفسه بطلب علم غير الله به، وهذا وإن كان يشقّ في البداية إلّا أنّه يهون بالصّبر عليه وبتواصل ألطاف الله عزّ وجلّ وما يمدّ به عباده من التأييد والتّسديد «2» . [للاستزادة: انظر صفات: المن- الأذى- الغرور- الكبر والعجب- النفاق- الكذب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإخلاص- الإيمان- الإحسان- الصدق- المروءة- النبل] .   (1) باختصار وتصرف عن الزواجر لابن حجر 1/ 43- 46. (2) بتصرف عن إحياء علوم الدين 3/ 310- 314. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4555 الآيات الواردة في «الرياء» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) «1» 2- وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) «2» 3- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) «3» 4- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) «4» 5- فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7) «5» الآيات الواردة في «الرياء» معنى 6- لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) «6» 7- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16) «7»   (1) البقرة: 264 مدنية (2) النساء: 38- 39 مكية (3) النساء: 142- 143 مدنية (4) الأنفال: 47 مدنية (5) الماعون: 4- 7 مكية (6) البقرة: 284 مدنية (7) هود: 15- 16 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4556 8- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «1» 9- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «2» 10- وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48) «3» 11- وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) «4» 12- وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) «5»   (1) الكهف: 110 مكية (2) فاطر: 10 مكية (3) الزمر: 47- 48 مكية (4) الإنسان: 8- 9 مدنية (5) البينة: 5 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4557 الأحاديث الواردة في ذمّ (الرياء) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سمّع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي «1» الله به» ) * «2» . 2- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، الرّجل يقاتل للمغنم، والرّجل يقاتل ليذكر، والرّجل يقاتل ليرى مكانه «3» ، فمن في سبيل الله «4» ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله» ) * «5» . 3- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: أمرنا بالصّدقة، قال: (و) كنّا نحامل «6» ، قال: فتصدّق أبو عقيل بنصف صاع، قال: وجاء إنسان بشيء أكثر منه، فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رياء فنزلت (الآية) : الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79) » ) * «7» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الإيمان يمان، والكفر قبل المشرق، والسّكينة في أهل الغنم، والفخر والرّياء في الفدّادين «8» أهل الخيل والوبر» ) * «9» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها «10» إلّا إذا كان يوم القيامة،   (1) قال ابن حجر: قال الخطّابي: المعنى من عمل عملا على غير إخلاص، يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهّر الله به ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه، وقيل: من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإنّ الله يجعله حديثا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة، وقيل: المراد: من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظّموه وتعلو منزلته عندهم، حصل له ما قصد، وكان ذلك جزاؤه على عمله، ولا يثاب عليه في الآخرة، وقيل: المعنى: من سمّع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه وسمّعه المكروه ... وقيل غير ذلك. انظر: فتح الباري 11 (344- 345) . (2) البخاري- الفتح (6499) ، ومسلم (2986) ، وسنن الترمذي (2381) . (3) المعنى: لترى مكانته ومرتبته وقدرته على القتال أو شجاعته ونحو ذلك مما يقصد به الرّياء. (4) المعنى: فمن من هؤلاء يكون قتاله في سبيل الله؟ (5) البخاري- الفتح (2810) ، ومسلم (1904) واللفظ له. (6) نحامل: أي نحمل على ظهورنا بالأجرة، ونتصدّق بشيء من تلك الأجرة، قال ابن الأثير: المعنى: كنا نتحامل أي نحمل لمن يحمل لنا، أو هو من التحامل أي تكلّف الشيء بمشقة، النهاية 1/ 443. (7) البخاري (1415) و (2668) ، ومسلم (1018) واللفظ له. (8) الفدّادين: هم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم، ونحو ذلك. (9) مسلم (86) ، والترمذي (2223) ، واللفظ له. (10) لا يؤدي منها حقها: قد جاء الحديث على وفق التنزيل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ 34) الآية، فاكتفى ببيان حال صاحب الفضة عن بيان حال صاحب الذهب، لأن الفضة مع كونها أقرب مرجع للضمير أكثر تداولا في المعاملات من الذهب، ولذا اكتفى بها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4558 صفّحت له صفائح «1» من نار «2» فأحمي عليها في نار جهنّم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلّما بردت «3» أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد فيرى سبيله «4» ، إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» قيل: يا رسول الله: فالإبل؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدّي منها حقّها، ومن حقّها حلبها «5» يوم وردها إلّا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر «6» أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحدا، تطؤه بأخفافها وتعضّه بأفواهها، كلّما مرّ عليه أولاها ردّ عليه أخراها «7» في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد. فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» قيل: يا رسول الله، البقر والغنم؟ قال: «ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدّي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء «8» تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها «9» كلّما مرّ عليه أولاها ردّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتّى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: «الخيل ثلاثة هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأمّا الّتي هي له وزر «10» فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام «11» فهي له وزر، وأمّا الّتي هي له ستر، فرجل «12» ربطها في سبيل الله «13» ثمّ لم ينس حقّ الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر. وأمّا الّتي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مرج وروضة فما أكلت من ذلك المرج والرّوضة من شيء إلّا كتب له عدد ما أكلت، حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا تقطع طولها   (1) صفحت له صفائح: الصفائح جمع صفيحة. وهي العريضة من حديد وغيره أي جعلت كنوزه الذهبية والفضية كأمثال الألواح. (2) من نار: يعني كأنها نار، لا أنها نار. (3) كلما بردت: هكذا هو في بعض النسخ: بردت بالباء، وفي بعضها ردت، وذكر القاضي الروايتين. وقال: الأولى هي الصواب، قال: والثانية رواية الجمهور. (4) فيري سبيله: ضبطناه بضم الياء وفتحها. وبرفع لام سبيله، ونصبها، ويكون يرى، بالضم، من الإراءة. وفيه إشارة إلى أنه مسلوب الاختيار يومئذ، مقهور لا يقدر أن يذهب حتى يعين له أحد السبيلين. (5) حلبها: هو بفتح اللام، على اللغة المشهورة، وحكى إسكانها، وهو غريب ضعيف، وإن كان هو القياس. (6) بطح لها بقاع قرقر: بطح، قال جماعة: معناه ألقى على وجهه. وقال القاضي: ليس من شرط البطح كونه على الوجه، وإنما هو في اللغة بمعنى البسط والمد، فقد يكون على وجهه وقد يكون على ظهره، ومنه سميت بطحاء مكة لانبساطها. (7) كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها: هكذا في جميع الأصول قيل: هو تغيير وتصحيف، والصواب ما جاء في الحديث الآخر: كلما مرّ عليه أخراها رد عليه أولاها. (8) ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء: قال أهل اللغة: العقصاء ملتوية القرنين، والجلحاء التي لا قرن لها، والعضباء التي انكسر قرنها الداخل. (9) تطؤه بأظلافها: الأظلاف جمع ظلف، وهو للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس. (10) فأما التي هى له وزر: هكذا هو في أكثر النسخ «التي» ووقع في بعضها «الذي» وهو أوضح وأظهر، والمعنى صحيح في الحالتين. (11) ونواء على أهل الإسلام: أي مناوأة ومعاداة. (12) فرجل: أي فخيل رجل. (13) ربطها في سبيل الله: أي أعدها للجهاد، وأصله الربط، ومنه الرباط، وهو حبس الرجل نفسه في الثغر وإعداد الأهبة لذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4559 فاستنّت شرفا أو شرفين «1» إلّا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات. ولا مرّ بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلّا كتب الله له عدد ما شربت حسنات» قيل: يا رسول الله فالحمر «2» ؟ قال: ما أنزل عليّ في الحمر شيء إلّا هذه الآية الفاذّة الجامعة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ 7، 8)) * «3» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من صاحب كنز لا يؤدّي زكاته إلّا أحمي عليه في نار جهنّم ... الحديث» وفيه: «الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر «4» ... وأمّا الّذي عليه وزر فالّذي يتّخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء النّاس ... الحديث» ) * «5» . 7- * (عن عبد الله بن عثمان عن رجل من ثقيف كان يقال له معروفا، أي يثنى عليه خيرا، إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الوليمة أوّل يوم حقّ، والثّاني معروف، واليوم الثّالث سمعة ورياء» ) * «6» . 8- * (عن المستورد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أكل برجل مسلم «7» أكلة فإنّ الله يطعمه مثلها من جهنّم، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإنّ الله يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإنّ الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة» ) * «8» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: يا رسول الله أخبرني عن الجهاد والغزو، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الله بن عمرو، إن قاتلت صابرا محتسبا بعثك الله صابرا محتسبا، وإن قاتلت مرائيا مكابرا بعثك   (1) طولها فاستنت شرفا: الطّول: الحبل الطويل، واستنت: جرت، والشرف هو العالي من الأرض. (2) فالحمر: جمع حمار، أي فما حكمها؟ (3) البخاري- الفتح 3 (1402- 1403) ، مسلم (987) واللفظ له. (4) اكتفينا بما جاء في الحديث السابق عن النوعين الأولين: الأجر والستر، واقتصرنا على النوع الثالث لأنه هو الذي يتعلّق بالرّياء وفيه نوع مخالفة عن الحديث السابق. (5) مسلم (987) ، وقد ورد الجزء الذي اقتبسناه في ص 683 من الجزء الثاني. (6) أبو داود (3745) واللفظ له، وابن ماجه (عن أبي هريرة) (1915) ، ورواه الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا، ورواه أحمد في المسند عن زهير بن عثمان، انظر: المسند 5/ 28 وهذه الروايات يأخذ بعضها بحجز بعض فيقوى بها الحديث. (7) أكل برجل مسلم: أي اغتابه فأكل بسبب ذلك، ومثل ذلك اكتسى به، قال ابن الأثير: معنى ذلك: الرّجل يكون صديقا للرّجل ثم يذهب إلى عدوه فيتكلّم فيه بغير الجميل ليجيزه عليه بجائزة فلا يبارك الله له فيها. انظر: النهاية (1/ 57- 58) . (8) أبو داود (4881) . وأحمد في «المسند» (4/ 229) . وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (8/ 449) : وفي سنده وقاص بن ربيعة العنسي، لم يوثقه غير ابن حبّان، وباقي رجاله ثقات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4560 الله مرائيا مكابرا، يا عبد الله بن عمر وعلى أيّ حال قاتلت أو قتلت بعثك الله على تيك الحال» ) * «1» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعوّذوا بالله من جبّ «2» الحزن» (أو الحزن) ، قالوا: يا رسول الله، وما جبّ الحزن (الحزن) ؟ قال: «واد في جهنّم يتعوّذ «3» منه جهنّم كلّ يوم أربعمائة مرّة» قالوا: يا رسول الله، ومن يدخله؟ قال: «أعدّ للقرّاء المرائين بأعمالهم، وإنّ من أبغض القرّاء إلى الله تعالى الّذين يزورون الأمراء» قال المحاربيّ: أي الجورة «4» ) * «5» . 11- * (عن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر» ، قالوا: يا رسول الله، وما الشّرك الأصغر؟ قال: «الرّياء، إنّ الله تبارك وتعالى يقول يوم تجازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدّنيا فانظروا، هل تجدون عندهم جزاء؟» ) * «6» . 12- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنهم جميعا- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقصّ على النّاس إلّا أمير، أو مأمور، أو مراء» ) * «7» . 13- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «الغزو غزوان، فأمّا من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد. فإنّ نومه ونبهه أجر كلّه. وأمّا من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لم يرجع بالكفاف» ) * «8» . 14- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: خرجت ذات يوم لحاجة، فإذا أنا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمشي بين يديّ، فأخذ بيدي فانطلقنا نمشي جميعا، فإذا نحن بين أيدينا برجل يصلّي يكثر الرّكوع والسّجود، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتراه يرائي؟» فقلت: الله ورسوله أعلم، فترك يده من يدي، ثمّ جمع بين يديه، فجعل يصوّبهما ويرفعهما ويقول: «عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، فإنّه من يشادّ هذا الدّين يغلبه» ) * «9» .   (1) أبو داود (2519) ، والحاكم (2/ 85- 86) ، وقال: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. (2) الجب: هو البئر التي لم تطو، والمراد جبّ فيه الحزن. (3) يتعوّذ منه جهنم، لعلّ المراد أهل جهنم. (4) هذه الزيادة من المحاربي لبيان أن المقصود المنع من زيارة أهل الجور من الأمراء لا جميعهم. (5) سنن ابن ماجه (256) واللفظ له، والترمذي (2383) ، وقال الترمذي: حسن غريب. (6) أحمد، المسند 5/ 429، قال الحافظ العراقي: أخرجه (أيضا) البيهقي في الشعب من حديث محمود بن لبيد، قال: ورجاله ثقاة، وهو في الشعب (5/ 332) / 6831 وذكر شواهد كثيرة قبله وبعده، فلتنظر هناك، وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد للهيثمي 1/ 102. (7) أحمد، المسند (6661) ، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. (8) أبو داود (2515) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (2/ 85) ، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (2/ 577) : إسناده صحيح. (9) أحمد، المسند 5/ 350، وينظر تخريجه في الغلو. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4561 15- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أتخوّف على أمّتي الشّرك، والشّهوة الخفيّة «1» » قال: قلت: يا رسول الله، أتشرك أمّتك من بعدك؟ قال: «نعم، أما إنّهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا، ولا حجرا ولا وثنا، ولكن يراءون بأعمالهم» ) * «2» . 16- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: إنّي قد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من صلّى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدّق يرائي فقد أشرك ... الحديث» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الرياء) معنى 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أوّل النّاس يقضى يوم القيامة عليه، رجلّ استشهد، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتّى استشهدت، قال: كذبت، ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار، ورجل تعلّم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنّك تعلّمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قاريء، فقد قيل: ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار، ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها إلّا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنّك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه، ثمّ ألقي في النّار» ) * «4» . 18- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما الأعمال بالنّيّة، وإنّما لامريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله «5» ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزّوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» ) * «6» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته   (1) الشّهوة الخفيّة- فيما ذكر عقب الحديث-: أن يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه، انظر: المسند 4/ 124، وروى أحمد عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء أن الشهوة الخفية هي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها، انظر: المسند 4/ 126. (2) أحمد، المسند 4/ 124، والبيهقي في الشعب (5/ 331) وهو صحيح لغيره. (3) أحمد، المسند 4/ 126، وقد اقتصرنا على موضع الشاهد. (4) مسلم (1905) . (5) المعنى: من قصد بهجرته وجه الله تعالى وقع أجره على الله، ومن قصد بها دنيا أو امرأة فهي حظه ولا نصيب له في الآخرة. (6) البخاري- الفتح (1) ، ومسلم (1907) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4562 وشركه» ) * «1» . 20- (عن جابر بن عبد الله أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السّفهاء، ولا تخيّروا به المجالس. فمن فعل ذلك فالنّار النّار» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الرياء) 1- * (ضرب عمر- رضي الله عنه- رجلا بالدّرّة، ثمّ قال له: اقتصّ منّي. فقال: لا، بل أدعها لله ولك. فقال له عمر: ما صنعت شيئا، إمّا أن تدعها لي فأعرف ذلك، أو تدعها لله وحده. فقال: ودعتها لله وحده. فقال: فنعم إذا) * «3» . 2- * (أتى أبو أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي ويدعو، فقال: أنت أنت! لو كان هذا في بيتك) * «4» . 3- * (رأى عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- رجلا يطأطىء رقبته فقال: يا صاحب الرّقبة، ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرّقاب، إنّما الخشوع في القلوب) * «5» . 4- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: للمرائي ثلاث علامات، يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في النّاس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص إذا ذمّ) * «6» . 5- * (قال رجل لعبادة بن الصّامت- رضي الله عنه-: أقاتل بسيفي في سبيل الله أريد به وجه الله تعالى ومحمدة النّاس، قال: لا شيء لك، فسأله ثلاث مرّات، كلّ ذلك يقول: لا شيء لك، ثمّ قال في الثّالثة: إنّ الله يقول: أنا أغنى الأغنياء عن الشّرك ... الحديث) * «7» . 6- * (عن العرباض بن سارية السّلميّ- رضي الله عنه-، أنّه قال: لولا أن يقال: فعل أبو نجيح، لألحقت مالي سبلة، ثمّ لحقت واديا من أودية لبنان عبدت الله حتّى أموت) * «8» . 7- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر- رضي الله عنهما- فعزله، واستعمل عليهم عمّارا، فشكوا حتّى   (1) مسلم (2985) . (2) ابن ماجة (مقدمة: 254) ، وفي الزوائد رجال إسناده ثقات. والحاكم في المستدرك (1/ 86) مرفوعا وموقوفا بعدة روايات يدعم بعضها بعضا. (3) الإحياء 3/ 196. (4) نزهة الفضلاء 1/ 281 وإحياء علوم الدين 3/ 296. (5) الإحياء 3/ 296. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) الإحياء 3/ 296 وتفسير ابن كثير (مج 3، ج 1/ ص 114) ، وانظر الحديث وتخريجه برقم (19) في الأحاديث الواردة في الرّياء معنى. (8) نزهة الفضلاء 1/ 293. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4563 ذكروا أنّه لا يحسن يصلّي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إنّ هؤلاء يزعمون أنّك لا تحسن تصلّي، قال أبو إسحاق: أمّا أنا والله فإنّي كنت أصلّي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أخرم عنها، أصلّي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخفّ في الأخريين، قال: ذاك الظّنّ بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلا- أو رجالا- إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدا إلّا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتّى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، قال: أما إذ نشدتنا فإنّ سعدا كان لا يسير بالسّريّة، ولا يقسم بالسّويّة، ولا يعدل في القضيّة، قال سعد، أما والله لأدعونّ بثلاث: اللهمّ إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنّه ليتعرّض للجواري فى الطّرق يغمزهنّ) * «1» . 8- * (عن ابن بريدة (بن الحصيب) عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: شهدت خيبر، وكنت فيمن صعد الثّلمة، فقاتلت حتّى رئي مكاني، وعليّ ثوب أحمر، فما أعلم أنّي ركبت في الإسلام ذنبا أعظم عليّ منه- أي الشّهرة. قلت (الكلام للإمام شمس الدّين الذّهبيّ) : بلى، جهّال زماننا يعدّون اليوم مثل هذا الفعل من أعظم الجهاد، وبكلّ حال فالأعمال بالنّيّات، ولعلّ بريدة- رضي الله عنه- بإزرائه على نفسه يصير له عمله طاعة وجهادا! وكذلك يقع في العمل الصّالح، ربّما افتخر به الغرّ ونوّه به، فيتحوّل إلى ديوان الرّياء. قال تعالى: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (الفرقان/ 23)) * «2» . 9- * (قال الزّين بن المنيّر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ... إلى قوله ... وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (البقرة/ 264) : وجه الاستدلال من الآية أنّ الله تعالى شبّه مقارنة المنّ والأذى للصّدقة «3» أو اتّباعها بذلك بإنفاق الكافر المرائي الّذي لا يجد بين يديه شيئا منه، ومقارنة الرّياء من المسلم لصدقته أقبح من مقارنة الإيذاء، وأولى أن يشبّه بإنفاق الكافر المرائي في إبطال نفاقه) «4» * «5» . 10- * (عن عبدة بن أبي لبابة قال: لوددت أنّ حظّي من أهل الزّمان أنّهم لا يسألوني عن شيء، ولا أسألهم، إنّهم يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثر أهل الدّراهم بالدّراهم) * «6» . 11- * (سأل رجل سعيد بن المسيّب فقال: إنّ أحدنا يصطنع المعروف يحبّ أن يحمد ويؤجر، فقال له: أتحبّ أن تمقت؟ قال: لا. قال: فإذا عملت لله عملا فأخلصه) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 2 (755) . (2) نزهة الفضلاء 1/ 179. (3) المراد بالمقارنة هنا اقتران الصدقة بالمن والأذى ومصاحبتهما لها. (4) نفاقه تعني هنا إنفاقه. (5) فتح الباري 3/ 325. (6) نزهة الفضلاء 1/ 485. (7) الإحياء 3/ 296. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4564 12- * (قال الحسن- رضي الله عنه-: لقد صحبت أقواما إن كان أحدهم لتعرض له الحكمة لو نطق بها لنفعته ونفعت أصحابه، وما يمنعه منها إلّا مخافة الشّهرة. وإن كان أحدهم ليمرّ فيرى الأذى في الطّريق فما يمنعه أن ينحّيه إلّا مخافة الشّهرة) * «1» . 13- * (عن عبد الرّحمن بن يزيد- رضي الله عنه- قال: قلنا لعلقمة (بن قيس بن عبد الله) : لو صلّيت في المسجد وجلسنا معك فتسأل، قال: أكره أن يقال: هذا علقمة) * «2» . 14- * (قال الفضيل بن عياض: كانوا يراءون بما يعملون، وصاروا اليوم يراءون بما لا يعملون) * «3» . 15- * (قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله من أراد أن يشتهر) * «4» . 16- * (قال ابن عبد السّلام: يستثنى من استحباب إخفاء العمل من يظهره ليقتدى به، أو لينتفع به ككتابة العلم) * «5» . 17- * (عن عاصم قال: كان أبو وائل (شقيق ابن سلمة) إذا صلّى في بيته ينشج نشيجا، ولو جعلت له الدّنيا على أن يفعله وواحد يراه، ما فعله) * «6» . 18- * (عن الأعمش- رضي الله عنه- قال: كان عبد الرّحمن بن أبي ليلى يصلّي، فإذا دخل الدّاخل نام على فراشه) * «7» . 19- * (عن عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي حسين قال: بلغني أنّ لقمان كان يقول: يا بنيّ لا تعلّم العلم لتباهي به العلماء، أو تماري به السّفهاء وترائي به في المجالس) * «8» . 20- * (قال الخطّابيّ في شرح حديث «من سمّع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به» : معناه: من عمل عملا على غير إخلاص، وإنّما يريد أن يراه النّاس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه) * «9» . 21- * (وقال ابن حجر: وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند النّاس ولم يرد به وجه الله فإنّ الله يجعله حديثا عند النّاس الّذين أراد نيل المنزلة عندهم، ولا ثواب له في الآخرة. ومعنى (يرائي الله به) : أي يطلعهم على أنّه فعل ذلك لهم لا لوجهه. وقيل: المعنى: من يرائي النّاس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل وحرمه إيّاه) * «10» .   (1) الإحياء 3/ 296. (2) نزهة الفضلاء 1/ 331. (3) الإحياء 3/ 296، 297. (4) المرجع السابق 3/ 297. (5) فتح الباري 11/ 345. (6) نزهة الفضلاء 1/ 357. (7) المرجع السابق 1/ 382. (8) قال الشيخ أحمد شاكر هذا الشطر بلاغ عن لقمان وليس حديثا، وعبد الله هذا من صغار التابعين، روى له أصحاب الكتب الستة، وقد روى هذا الشطر الذي أخذناه حيث رواه سعيد بن زيد، وقد ذكرهما معا الإمام أحمد على أنهما حديث واحد. انظر: المسند رقم (1651) ، ج 3 ص 1650 (ت. الشيخ أحمد شاكر) . (9) فتح الباري 11/ 344. (10) المرجع السابق، 11/ 344، 345. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4565 22- * (نظر رجاء بن حيوة- رضي الله عنه- إلى رجل ينعس بعد الصّبح فقال: انتبه، لا يظنّون أنّ ذا عن سهر- أي بسبب قيام اللّيل والتّعبّد فيه-) * «1» . 23- * (كان أيّوب السّختيانيّ- رضي الله عنه- يقوم اللّيل كلّه فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصّبح رفع صوته كأنّه قام تلك السّاعة) * «2» . 24- * (روى الأوزاعيّ عن عبدة بن أبي لبابة- رضي الله عنهما-، قال: أقرب النّاس إلى الرّياء آمنهم منه) * «3» . 25- * (عن ابن عيينة قال: بكى ربيعة (بن أبي عبد الرّحمن فرّوخ) يوما، فقيل: ما يبكيك؟ قال: رياء حاضر، وشهوة خفيّة، والنّاس عند علمائهم كصبيان في حجور أمّهاتهم، إن أمروهم ائتمروا، وإن نهوهم انتهوا) * «4» . 26- * (قال يوسف بن الحسين: أعزّ شيء في الدّنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرّياء عن قلبي فكأنّه ينبت على لون آخر) * «5» . 27- * (يقال: إنّ المرائي ينادى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا مرائي، يا غادر، يا خاسر، يا فاجر. اذهب فخذ أجرك ممّن عملت له، فلا أجر لك عندنا) * «6» . 28- * (عن أيّوب السّختيانيّ- رضي الله عنه- قال: ليتّق الله رجل، فإن زهد، فلا يجعلنّ زهده عذابا على النّاس، فلأن يخفي الرّجل زهده خير من أن يعلنه) * «7» . 29- * (قال أبو سليمان الدّرانيّ- رضي الله عنه-: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرّياء) * «8» . 30- * (عن ابن الأعرابيّ: أخسر الخاسرين من أبدى للنّاس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد) * «9» . 31- * (عن سهل بن عبد الله التّستريّ قال: لا يعرف الرّياء إلّا مخلص، ولا النّفاق إلّا مؤمن، ولا الجهل إلّا عالم، ولا المعصية إلّا مطيع) * «10» . 32- * (وعن بعض العلماء: خوّفوا المؤمنين بالله، والمنافقين بالسّلطان، والمرائين بالنّاس) * «11» .   (1) نزهة الفضلاء 1/ 446. (2) المرجع السابق 1/ 514. (3) المرجع السابق 1/ 485. (4) المرجع السابق 1/ 523. (5) مدارج السالكين 2/ 96. (6) الإحياء 3/ 296. (7) نزهة الفضلاء 1/ 514. (8) مدارج السالكين 2/ 96. (9) مختصر شعب الإيمان (98) . (10) المرجع السابق (96) . (11) مختصر شعب الإيمان (98) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4566 من مضار (الرياء) (1) الرّياء محبط للأعمال مضيّع لثوابها. (2) الرّياء سبب للمقت عند الله، والمرائي ملعون ومطرود من رحمة الله تعالى. (3) الرّياء من كبائر المهلكات «1» . (4) الرّياء دليل على غاية جهل المرائي. (5) الرّياء غصن من شجرة في القلب ثمرها في الدّنيا الخوف والغمّ وضيق الصّدر وظلمة القلب، وثمرها في الآخرة الزّقّوم والعذاب المقيم «2» . (6) الرّياء يجلب الفقر ويعرّض صاحبه للفتن (انظر الأثر السّابع) . (7) الرّياء يفضح أصحابه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة. (8) يضاعف الله عذاب المرائين من القرّاء فيجعلهم في وادي الحزن في جهنّم وساءت مصيرا. (9) الرّياء يحوّل العمل الصّالح إلى نقيضه فيحمل صاحبه به وزرا بدلا من أن يكون له أجرا أو يكون عليه سترا. (10) لا يسلم المرائي من أن يفتضح أمره في الدّنيا فيسقط من أعين النّاس وتذهب هيبته، ناهيك عن حسرته يوم القيامة. (11) يظهر الله عيوب المرائي ويسمعه المكروه جزاء ما قدّمت يداه.   (1) ذكر هذه المذام الثلاثة ابن حجر في الزواجر 1/ 47، والغزالي في الإحياء 3/ 310، وقد أعدنا صياغتها فقط تمشيا مع أسلوب الموسوعة في عرض المذام أو المضار. (2) هذا التشبيه لابن القيم- رحمه الله تعالى- أما بقية أغصان هذه الشجرة البائسة فالشرك والكذب، انظر الفوائد ص 226. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4567 [ حرف الزاء ] الزنا الزنا لغة: مصدر قولهم: زنى يزني زنا وزناء (بالقصر لغة الحجاز وبالمدّ لغة تميم) ، وهو مأخوذ من مادّة (ز ن ى) الّتي تدلّ على الوطء المحرّم، يقال: هو زان بيّن الزّنا، وخرجت فلانة تزاني وتباغي أي تفجر (وتحلّ لنفسها ما حرّمه الله) وزنّاه تزنية: نسبه إلى الزّنا. والأصل في الزّناء الضّيق، ومنه الحديث: لا يصلّينّ أحدكم وهو زناء، أي مدافع للبول، ويقال: من ذلك زنا الموضع يزنو أي ضاق، وهو لغة في يزنأ. وقال ابن منظور: الزّنا يمدّ ويقصر، فتقول: زنى الرّجل يزني زنى مقصور، وزناء ممدود وكذلك المرأة، ومثله زانى مزاناة وزناء. والزّنا: البغاء. يقال: امرأة تزاني مزاناة وزناء أي تباغي، أمّا إذا قيل: زنّاه تزنية فمعناه نسبه إلى الزّنى أي قذفه به. وقال له: يا زان، كما يقال زانى المرأة مزاناة وزناء. قال اللّحيانيّ قيل لابنة الخسّ: ما أزناك؟ قالت: قرب الوساد، وطول السّواد. ومعناه: ما حملك على الزّنى؟ «1» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 6/ 39/ 9 واصطلاحا: قال الرّاغب: الزّنا هو وطء المرأة من غير عقد شرعيّ «2» . وقال الجرجانيّ: الزّنا: الوطء في قبل خال عن ملك أو شبهة «3» . وقال المناويّ: الزّنا شرعا هو إيلاج الحشفة (أو قدرها من مقطوعها) بفرج محرّم لعينه (وذلك بخلاف المحرّم لعارض كالحيض ونحوه) خال عن الشّبهة مشتهى «4» . وقال الكفويّ: الزّنا اسم لفعل معلوم وإيلاج فرج (ذكر) في محلّ محرّم مشتهى يسمّى قبلا، ومعناه قضاء شهوة الفرج بسفح الماء (المنيّ) في محلّ محرّم مشتهى من غير داعية الولد حتّى إنّه ليسمّى الزّاني سفّاحا «5» . وقال في نهاية المحتاج: هو إيلاج الذّكر بفرج محرّم لعينه خال عن الشّبهة مشتهى طبعا «6» . خبث الزنا: وأوضح ابن القيّم- رحمه الله تعالى- مدى   (1) لسان العرب (3/ 1875، 1876) . ومقاييس اللغة (3/ 26) ، وانظر الصحاح (6/ 2369) ، القاموس المحيط (4/ 339) أساس البلاغة (196) . (2) المفردات (220) . (3) التعريفات (120) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (187) ، وقد ذكر أيضا ما ذكره الجرجانى من تعريف الزنا. (5) الكليات (489) . (6) نهاية المحتاج (7/ 402، 403) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4568 خبث الزّنا واللّواطة فقال: «وسم الله سبحانه الشّرك والزّنا واللّواطة بالنّجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذّنوب، وإن كانت جميعا تشتمل على ذلك، لكنّ الله- عزّ وجلّ- خصّ هذه الذّنوب لغلظها فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (التوبة/ 28) وقال في حقّ اللّواطة وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (الأنبياء/ 74) كما ذكر عن اللّوطيّة أنفسهم أنّهم نفوا عن أنفسهم الطّهارة فقال أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (الأعراف/ 82) . وأمّا الزّناة فجاء وصفهم صريحا فقال تعالى الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ. (النور/ 26) والمقصود الآن بيان ما في الزّنا واللّواطة من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذّنوب ما دون الشّرك، وذلك لأنّها تفسد القلب وتضعف توحيده جدّا. ولهذا كان أحظى النّاس بهذه النّجاسة أكثرهم شركا، فكلّما كان الشّرك في العبد أغلب كانت هذه النّجاسة والخبائث فيه أكثر وكلّما كان العبد أعظم إخلاصا كان منها أبعد، فليس في الذّنوب أفسد للقلب والدّين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصّيّة في إبعاد القلب من الله فإذا انصبغ القلب بهما بعد من الله الطّيّب الّذي لا يصعد إليه إلّا الطّيّب» «1» . وقال الذّهبيّ- رحمه الله-: النّظرة بشهوة إلى المرأة والأمرد زنا، ولا أجل ذلك بالغ الصّالحون في الإعراض عن المردان «2» وعن النّظر إليهم وعن مخالطتهم ومجالستهم. وكان يقال: لا يبيتنّ رجل مع أمرد في مكان واحد. وحرّم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمّام قياسا على المرأة؛ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «ما خلا رجل بامرأة إلّا كان الشّيطان ثالثهما» وفي المردان من يفوق النّساء بحسنه فالفتنة به أعظم، وأنّه يمكن في حقّه من الشّرّ ما لا يمكن في حقّ النّساء، ويتسهّل في حقّه من طريق الرّيبة والشّرّ ما لا يتسهّل في حقّ المرأة، فهو بالتّحريم أولى. وأقاويل السّلف في التّنفير منهم والتّحذير من رؤيتهم أكثر من أن تحصر وجاء رجل إلى الإمام أحمد- رحمه الله تعالى ومعه صبيّ حسن، فقال الإمام: ما هذا منك؟ قال: ابن أختي. قال: «لا تجأ به إلينا مرّة أخرى، ولا تمش معه في طريق لئلّا يظنّ بك من لا يعرفك ولا يعرفه سوءا» «3» . وقال الإمام ابن حجر: عدّ الزّنا من الكبائر هو ما أجمعوا عليه واختلف في أيّهما أشنع وأقبح، هل القتل أو الزّنا؟ والصّحيح أنّ الّذي يلي الشّرك في الكبائر هو القتل (أي قتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ) ثمّ الزّنا، وأفحش أنواعه الزّنا بحليلة الجار، والزّنا أكبر إثما من اللّواط، لأنّ الشّهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر وقوعه ويعظم الضّرر بكثرته، ولما يترتّب عليه من اختلاط الأنساب، وبعض الزّنا أغلظ من بعض، فالزّنا بحليلة الجار، أو بذات الرّحم، أو بأجنبيّة في شهر رمضان، أو في البلد الحرام، فاحشة مشينة، وأمّا ما دون الزّنا الموجب للحدّ فإنّه من   (1) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (78- 82) بتصرف. (2) المردان: جمع أمرد وهو الشاب الوسيم الذي لم تنبت له لحية. (3) الكبائر (58- 59) بتصرف يسير. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4569 الصّغائر إلّا إذا انضاف إليه ما يجعله كبيرة كأن يكون مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبيّة على سبيل القهر والإكراه «1» . مراتب القبح في الزنا: قال ابن حجر: الزّنا له مراتب (متفاوتة) فهو بأجنبيّة لا زوج لها عظيم، وأعظم منه بأجنبيّة لها زوج، وأعظم منه بمحرم، وزنا الثّيّب أقبح من البكر بدليل اختلاف حدّيهما، وزنا الشّيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشّابّ، وزنا الحرّ والعالم لكمالهما أقبح من زنا العبد والجاهل «2» . السّفاح والمخادنة: لقد نهى الدّين الإسلاميّ الحنيف عن كلّ أنواع الزّنا، سرّا كان أو جهرا، وسواء كان احترافا أو مجرّد نزوة، من حرّة أو من أمة، من مسلمة أو غير مسلمة، كما نهى أيضا عن الخطوات الّتي تسبقه وتؤدّي إليه من نحو المخادنة والمصادقة، وقد سوّى في ذلك بين الرّجال والنّساء، فقال تعالى: غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ (المائدة/ 5) ، وقال عزّ من قائل: غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ (النساء/ 25) ، وقد عدّ العلماء كلا الأمرين أي السّفاح والمخادنة من الزّنا المحرّم، يقول النّيسابوريّ: السّفاح: هو الزّنا على سبيل الإعلان. والمخادنة: هي اتّخاذ خدن (أي خليل أو صديق) على سبيل الإسرار «3» . وقال الطّبريّ: غير مسافحين: أي غير معالنين بالسّفاح (الزّنا) بكلّ فاجرة ولا متّخذي أخدان أي ولا منفردين ببغيّ واحدة، ومعنى خادنها: اتّخذها لنفسه صديقة ليفجر بها، وذات الخدن: أي ذات الخليل الواحد «4» . وقال القرطبيّ: غير مسافحات: أي غير معلنات بالزّنا، لا أنّ الجاهليّة كان فيهم الزّواني في العلانية ولهنّ رايات منصوبة كراية البيطار، وذوات الأخدان هنّ اللّائي يتّخذن أصدقاء على الفاحشة. وكانت العرب تعيب الإعلان بالزّنا ولا تعيب اتّخاذ الأخدان، ثمّ رفع الإسلام جميع ذلك «5» . وقال ابن كثير في تفسير آية المائدة/ 5: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ: كما شرط الإحصان في النّساء وهي العفّة عن الزّنا، كذلك شرطها في الرّجال، وهو أن يكون الرّجل محصنا عفيفا، ولذلك قال: غَيْرَ مُسافِحِينَ وهم الزّناة الّذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردّون أنفسهم عمّن جاءهم، ولا متّخذي أخدان: أي ذوي العشيقات الّذين لا يفعلون إلّا معهم «6» . [للاستزادة: انظر صفات: إطلاق البصر- التبرج- الدياثة- الإغواء- الفجور- الفحش- القذف- اتباع الهوى- الفسوق- الغي والإغواء- الفساد- العصيان- الفتنة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العفة- تعظيم الحرمات- حفظ الفرج- الشرف- غض البصر- الغيرة] .   (1) الزواجر (541- 554) باختصار وتصرف. (2) المرجع السابق (455) . (3) رغائب الفرقان (على هامش الطبري) مجلد 4 ج 6 ص 63. (4) تفسير الطبري مجلد 4 ج 6 ص 70- 71. (5) تفسير القرطبي (5/ 127) . (6) تفسير ابن كثير (2/ 22) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4570 الآيات الواردة في النهي عن «الزنا» 1- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) «1» 2- سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «2» 3- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «3»   (1) الإسراء: 23- 32 مكية (2) النور: 1- 5 مدنية. (3) الفرقان: 68- 70 مدنية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4571 4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «1» الآيات الواردة في النهي عن «الزنا» معنى 5- * وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «2» 6- الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «3»   (1) الممتحنة: 12 مدنية. (2) النساء: 24- 25 مدنية. (3) المائدة: 5 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4572 الأحاديث الواردة في ذمّ (الزنا) 1- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تشربوا مسكرا. فمن فعل من ذلك شيئا فأقيم عليه حدّه فهو كفّارة، ومن ستر الله عليه فحسابه على الله- عزّ وجلّ- ومن لم يفعل من ذلك شيئا ضمنت له على الله الجنّة» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: «إنّ جارية لعبد الله بن أبيّ ابن سلول يقال لها: مسيكة، وأخرى يقال لها: أميمة. فكان يكرههما على الزّنا. فشكتا ذلك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأنزل الله وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور/ 33)) * «2» . 3- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أشراط السّاعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزّنا» ) * «3» . 4- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية» ) * «4» 5- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: مرّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيهوديّ محمّها «5» مجلودا. فدعاهم صلّى الله عليه وسلّم فقال: «هكذا تجدون حدّ الزّاني في كتابكم؟» قالوا: نعم. فدعا رجلا من علمائهم. فقال: «أنشدك بالله الّذي أنزل التّوراة على موسى أهكذا تجدون حدّ الزّاني في كتابكم؟» قال: لا،. ولولا أنّك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجده الرّجم. ولكنّه كثر في أشرافنا، فكنّا إذا أخذنا الشّريف تركناه. وإذا أخذنا الضّعيف أقمنا عليه الحدّ. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشّريف والوضيع. فجعلنا التّحميم والجلد مكان الرّجم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه» . فأمر به فرجم. فأنزل الله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ.. إلى قوله إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ (المائدة/ 41) يقول: ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم. فإن أمركم بالتّحميم والجلد فخذوه. وإن أفتاكم بالرّجم فاحذروا. فأنزل الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة/ 45) . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (المائدة 47) . في الكفّار كلّها» ) * «6» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ مرثد بن أبي مرثد الغنويّ وكان رجلا   (1) الهيثمي في المجمع (1/ 104) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. (2) مسلم (3029) (3) البخاري- الفتح 1 (80) واللفظ له. ومسلم (2671) (4) النسائي (8/ 153) واللفظ له. وأبو داود (4173) نحوه. والترمذي (2786) وقال: حسن صحيح. وأحمد (4/ 400) وذكره الألباني في حجاب المرأة المسلمة (64) وعزاه أيضا لابن خزيمة وابن حبان وقال: صحيح كما قال الحاكم والذهبي. (5) محمما: أي مسود الوجه، من الحممة، الفحمة. (6) البخاري- الفتح 12 (6819) . ومسلم (1700) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4573 شديدا وكان يحمل الأسارى من مكّة إلى المدينة قال: فدعوت رجلا لأحمله وكان بمكّة بغيّ يقال لها: عناق وكانت صديقته «1» خرجت فرأت سوادي في ظلّ الحائط فقالت: من هذا؟ مرثد، مرحبا وأهلا يا مرثد. انطلق اللّيلة فبت عندنا في الرّحل، قلت: يا عناق إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرّم الزّنا. قالت: يأهل الخيام هذا الدّلدل «2» ، هذا الّذي يحمل أسراءكم من مكّة إلى المدينة، فسلكت الخندمة «3» فطلبني ثمانية فجاءوا حتّى قاموا على رأسي فبالوا، فطاربولهم عليّ وأعماهم الله عنّي، فجئت إلى صاحبي فحملته، فلمّا انتهيت به إلى الأراك فككت عنه كبله «4» ، فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله أنكح عناق، فسكت عنّي، فنزلت: الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فدعاني فقرأها عليّ وقال: لا تنكحها» ) * «5» . 7- * (عن سلمة بن قيس- رضي الله عنه- قال: إنّما هي أربع، فما أنا بأشحّ منّي عليهنّ يوم سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ألا لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تزنوا ولا تسرقوا» ) * «6» . 8- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله. إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه. فبايعناه على ذلك» ) * «7» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم. ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذّاب، وعائل «8» مستكبر» ) * «9» . 10- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يحبّهم الله، وثلاثة يبغضهم الله: فأمّا الّذين يحبّهم الله: فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه، فتخلّف رجل بأعقابهم فأعطاه سرّا لا يعلم بعطيّته إلّا الله والّذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتّى إذا كان النّوم أحبّ إليهم ممّا يعدل به نزلوا فوضعوا رؤوسهم،   (1) صديقته: أي يزني بها قبل الإسلام. (2) الدّلدل: هو القنفذ وقيل ذكر القنافذ شبهته به. لأنه أكثر ما يظهر في الليل ولأنه يخفي رأسه في جسده ما استطاع. (3) الخندمة: جبل بمكة. (4) فككت عنه كبله: بفتح الكاف وسكون الموحدة القيد الضخم. (5) النسائي (6/ 66، 67) واللفظ له وقال الألباني: حسن الإسناد (2/ 68) رقم (3027) . وأبو داود (2051) . والترمذي (3177) وقال: حسن غريب. وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (2/ 274) : إسناده حسن. (6) الهيثمي في المجمع (1/ 104) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (7) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له. ومسلم (1709) . (8) العائل: الفقير. (9) مسلم (107) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4574 فقام أحدهم يتملّقني ويتلو آياتي. ورجل كان في سريّة فلقي العدوّ فهزموا وأقبل بصدره حتّى يقتل أو يفتح له. والثّلاثة الّذين يبغضهم الله: الشّيخ الزّاني، والفقير المختال، والغنيّ الظّلوم» ) * «1» . 11- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبايعه على الإسلام. فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تبرّجي تبرّج الجاهليّة الأولى» ) * «2» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث، وفيه قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا، وتصدّقوا. ثمّ قال: يا أمّة محمّد. والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد. لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا» ) * «3» . 13- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- أنّه قال: رأيت ما عز بن مالك حين جيء به إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، رجل قصير أعضل «4» ليس عليه رداء. فشهد على نفسه أربع مرّات أنّه زنى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلعلّك» ؟ قال: لا، والله إنّه قد زنى الأخر «5» . قال: فرجمه. ثمّ خطب فقال: «ألا كلّما نفرنا غازين في سبيل الله خلف أحدهم له نبيب كنبيب التّيس «6» ، يمنح أحدهم الكثبة «7» ، أما والله إن يمكنّي من أحدهم لأنكّلنّه عنه» «8» ) * «9» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال رجل لأتصدقنّ اللّيلة بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق اللّيلة على زانية. قال: اللهمّ لك الحمد على زانية. لأتصدقنّ بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ. فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على   (1) الترمذي (2568) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح. النسائي (5/ 84) . أحمد (5/ 153) . وهو في المشكاة حديث (1922) . وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (9/ 564) : وهو حديث حسن. (2) أحمد (2/ 196) رقم (6862) . وذكره الشيخ أحمد شاكر في نسخته وقال: إسناده صحيح (11/ 75) برقم (6850) . ونحوه عند الترمذي من حديث أميمة (1597) . وقال: حديث حسن صحيح. وكذا النسائي (7/ 149) وقال الألباني: صحيح (3/ 876) (3897) . والموطأ (982 و983) . وذكره ابن كثير في تفسيره (4/ 352) وقال: هذا إسناد صحيح. (3) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له. ومسلم (901) . (4) أعضل: أي شديد الخلق ورجل قصير خبر مبتدأ محذوف، والتقدير هو رجل قصير أعضل. (5) الأخر: معناه الأرذل والأبعد والأدنى، وقيل: اللئيم. وقيل: الشقى. (6) نبيب التيس: صوت يصدره التيس عند السفاد. (7) الكثبة: القليل من اللبن وغيره. ومفعول «يمنح» محذوف. أي إحداهن، والمراد: إحدى النساء المغيبات أي اللاتي غاب عنهن أزواجهن. (8) لأنكلنه عنه: أي لأمنعنه عن ذلك بعقوبة. وفي الصحاح: نكله به تنكيلا أي جعله نكالا وعبرة لغيره. (9) مسلم (1692) . ورواه البخاري من رواية جماعة من الصحابة في كتاب الحدود: البخاري- الفتح 12 (6824) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4575 غنيّ. قال: اللهمّ لك الحمد على غنيّ؛ لأتصدّقنّ بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق. فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على سارق. فقال: اللهمّ لك الحمد على زانية وعلى غنيّ وعلى سارق. فأتي فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت. أمّا الزّانية فلعلّها تستعفّ بها عن زناها، ولعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله. ولعلّ السّارق يستعفّ بها عن سرقته» ) * «1» . 15- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» قال فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان، وإنّهما ابتعثاني، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، ... الحديث وفيه: وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا. وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها «2» ويسعى حولها، فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطر منهم حسن وشطر قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا. تجاوز الله عنهم» ) * «3» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزّنى مدرك ذلك لا محالة. فالعينان زناهما النّظر. والأذنان زناهما الاستماع. واللّسان زناه الكلام، واليد زناها البطش. والرّجل زناها الخطا. والقلب يهوى ويتمنّى، ويصدّق ذلك الفرج ويكذّبه» ) * «4» . 17- * (عن أبي هريرة- وزيد بن خالد- رضي الله عنهما- قالا: كنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقام رجل فقال: أنشدك الله إلّا ما قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه وكان أفقه منه فقال: اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي. قال: قل: قال: إنّ ابني هذا كان عسيفا «5» على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثمّ سألت رجالا من أهل العلم، فأخبروني أنّ على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرّجم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله جلّ ذكره، المائة شاة والخادم ردّ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس   (1) البخاري- الفتح 3 (1421) . ومسلم (1022) واللفظ له. (2) يحشها: يوقدها من قولهم حشّ النار أوقدها. (3) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له. ومسلم (2275) مختصرا. (4) البخاري- الفتح 12 (6612) . ومسلم (2657) واللفظ له. (5) العسيف: الأجير وجمعه عسفاء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4576 على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» فغدا عليها. فاعترفت. فرجمها) * «1» . 18- * (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «ما تقولون في الزّنا؟» قالوا: حرام حرّمه الله- عزّ وجلّ- ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «لأن يزني الرّجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره» ) * «2» . 19- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا لا يحدّثكم به غيري قال: «من أشراط السّاعة أن يظهر الجهل، ويقلّ العلم، ويظهر الزّنا، ويشرب الخمر، ويقلّ الرّجال، وتكثر النّساء حتّى يكون لخمسين امرأة قيّمهنّ رجل واحد» ) * «3» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا. فاتّخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمّه وهو يصلّي فقالت: يا جريج. فقال: يا ربّ أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت! فلمّا كان من الغد، أتته وهو يصلّي فقالت: يا جريج فقال: يا ربّ أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت. فلمّا كان من الغد، أتته وهو يصلّي فقالت: يا جريج. فقال: أي ربّ أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهمّ لا تمته حتّى ينظر إلى وجوه المومسات «4» . فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغيّ يتمثّل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم. قال: فتعرّضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها «5» ، فوقع عليها، فحملت. فلمّا ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغيّ «6» فولدت منك. فقال: أين الصّبيّ؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتّى أصلّي فصلّى، فلمّا انصرف أتى الصّبيّ فطعن في بطنه، وقال: يا غلام! من أبوك؟ قال: فلان الرّاعي. قال: فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به «7» ، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا. أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبيّ يرضع من أمّه، فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة وشارة حسنة «8» فقالت أمّه: اللهمّ! اجعل ابني مثل هذا، فترك الثّدي وأقبل إليه فنظر إليه. فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع، قال: فكأنّي أنظر إلى   (1) البخاري- الفتح 12 (6827، 6828) واللفظ له. ومسلم (1697، 1698) (2) ذكره في الترغيب والترهيب وقال: رواه أحمد ورواته ثقات والطبراني في الكبير والأوسط (3/ 278، 279) واللفظ له وأحمد (6/ 8) . (3) البخاري- الفتح 10 (5577) واللفظ له. ومسلم (2671) . (4) المومسات: الزوانى والمجاهرات بالزنا. (5) أمكنته من نفسها: استجابت لرغبته فجامعها. (6) البغىّ: الفاجرة. (7) يتمسحون به: يتقربون منه يلتمسون البركة. (8) الفارهة: الحادة النشيطة، والشارة: الهيئة واللباس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4577 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه فجعل يمصّها. قال: ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمّه: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فترك الرّضاع ونظر إليها، فقال: اللهمّ اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث. فقالت: حلقى «1» مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ اجعل ابني مثله، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، فقلت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها، قال: إنّ ذاك الرّجل كان جبّارا، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، وإنّ هذه يقولون لها: زنيت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها» ) * «2» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من زنى وشرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه» ) * «3» . 22- * (عن أمّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزال أمّتي بخير ما لم يفش «4» فيهم ولد الزّنا، فإذا فشا فيهم ولد الزّنا فأوشك أن يعمّهم الله بعذاب» ) * «5» . 23- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله إلّا بإحدى ثلاث: النّفس بالنّفس، والثّيّب الزّاني، والمفارق لدينه التّارك للجماعة» ) * «6» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السّارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع النّاس إليه أبصارهم فيها حين ينتهبها وهو مؤمن» ) * «7» . 25- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ينظر الله عزّ وجلّ إلى الأشيمط «8» الزّاني، ولا العائل «9» المزهوّ» ) * «10» .   (1) حلقى: قال النووى نقلا عن أهل اللغة: أصابها بوجع فى حلقها، وهذا على مذهب العرب فى الدعاء على الشيء من غير إرادة وقوعه، ونظيره: تربت يداه، وقاتله الله ما أشجعه وما أشعره. (2) البخاري- الفتح 6 (3436) . ومسلم (2550) واللفظ له. (3) الحاكم (1/ 22) واللفظ له على شرط مسلم. وذكره الذهبي في الكبائر (82، 83) وأورده المنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 252) . (4) لم يفش: لم يكثر. (5) ذكره المنذري في ترغيبه وقال: رواه أحمد وإسناده حسن ومثله عند أبي يعلى (3/ 277) . (6) البخاري- الفتح 12 (6878) واللفظ له. ومسلم (1676) . (7) البخاري- الفتح 10 (5578) واللفظ له. ومسلم (57) . (8) الأشيمط: تصغير أشمط وهو من اختلط شعر رأسه الأسود بالأبيض. وذلك في سن الشيخوخة. (9) العائل: الفقير المتكبر المعجب بنفسه. (10) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب 3 (275) . وقال: رواه الطبراني ورواته ثقات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4578 26- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «ما ظهر الغلول «1» في قوم قطّ إلّا ألقي في قلوبهم الرّعب، ولا فشا «2» الزّنا في قوم قطّ إلّا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلّا قطع عنهم الرّزق، ولا حكم قوم بغير الحقّ إلّا فشا فيهم الدّم «3» ولا ختر «4» قوم بالعهد إلّا سلّط الله عليهم العدوّ» ) * «5» . 27- * (عن عبد الله بن زيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بغايا العرب، يا بغايا العرب، إنّ أخوف ما أخاف عليكم الزّنا والشّهوة الخفيّة» ) * «6» . 28- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا شباب قريش احفظوا فروجكم، لا تزنوا، من حفظ فرجه فله الجنّة» ) * «7» . 29- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رجل: يا رسول الله، أيّ الذّنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تدعو لله ندّا وهو خلقك» قال: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» . قال: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تزاني حليلة جارك» فأنزل الله عزّ وجلّ تصديقها وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (الفرقان/ 68)) * «8» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الزنا) معنى 30- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ امرأة خرجت على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تريد الصّلاة، فتلقّاها رجل، فتجلّلها «9» فقضى حاجته منها، فصاحت، وانطلق، فمرّ عليها رجل فقالت: إنّ ذاك فعل بي كذا وكذا، ومرّت عصابة من المهاجرين فقالت: إنّ ذلك الرّجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا فأخذوا الرّجل الّذي ظنّت أنّه وقع عليها، فأتوها به، فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أمر به قام صاحبها الّذي وقع عليها فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، فقال لها: «اذهبي فقد غفر الله لك» وقال للرّجل (المأخوذ) قولا حسنا، وقال للرّجل الّذي وقع عليها: ارجموه، فقال: «لقد تاب توبة لو   (1) الغلول: أخذ شيء من الغنائم دون إذن من الإمام. (2) فشا: انتشر وكثر وقوعه. (3) فشا فيهم الدم: كثر القتل. (4) ختر قوم بالعهد: نقضوه. (5) الموطا (2/ 367) واللفظ له، وقال ابن عبد البر: مثله لا يقال رأيا. والبيهقي (3/ 346) وقال الألباني: مثله لا يقال بالرأي، الصحيحة (1/ 170) . (6) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 271) وقال: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما صحيح. (7) ذكره الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح وعزاه للحاكم والبيهقي ونقل قول الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم (490) ، وهو عند الحاكم (4/ 358) . (8) البخاري- الفتح 12 (6861) واللفظ له. ومسلم (86) . (9) تجللها: وقع عليها حتى صار فوقها مثل الجلّ على الفرس ونحوها من الحيوان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4579 تابها أهل المدينة لقبل منهم» ) * «1» . 31- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قيل يا رسول الله: متى نترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟ قال: «إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم» قلنا: يا رسول الله، وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: «الملك في صغاركم «2» والفاحشة في كباركم «3» ، والعلم في رذالتكم» «4» ) * «5» . 32- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغيّ «6» ، وحلوان الكاهن «7» ) * «8» . 33- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: «أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ، حتّى يعلنوا بها إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلّا أخذوا بالسّنين «9» وشدّة المؤونة، وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر «10» من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله، إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «11» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول حين نزلت آية الملاعنة: «أيّما امرأة أدخلت على قوم رجلا ليس منهم فليست من الله في شيء، ولا يدخلها الله جنّته، وأيّما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عزّ وجلّ منه، وفضحه على رؤوس الأوّلين والآخرين يوم القيامة» ) * «12» . 35- * (عن بريدة بن الحصيب الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمّهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في   (1) أبو داود (4379) . واللفظ له. والترمذي (1454) وقال: حسن غريب صحيح. وأحمد (6/ 399) . (2) في صغاركم: أي إن الملوك يكونون صغار الناس سنا، غير مجربين للأمور، أو ضعافهم عقلا. (3) في كباركم: المعنى أن الفاحشة وهي الزنا تنتشر وتفشو إلى أن توجد في الكبار أيضا. (4) والعلم في رذالتكم: إذا كان العلم في الفساق. (5) ابن ماجة (4015) واللفظ له. وقال في الزوائد: إسناده صحيح. رجاله ثقات. وأحمد (3/ 187) . (6) مهر البغي: ما تأخذه الزانية على الزنا سماه مهرا مجازا. (7) حلوان الكاهن: ما يأخذه الكاهن من أجره على فعله القبيح. (8) البخاري- الفتح 4 (2237) ، واللفظ له. ومسلم (1567) ، وروياه من حديث جماعة من الصحابة (9) بالسنين: أي بالقحط. (10) القطر: أي المطر. (11) ابن ماجة (4019) واللفظ له. وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. والحاكم (4/ 540) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 1321) رقم (7978) . والصحيحة (1/ 167، 168) رقم (106) وعزاه أيضا إلى الحلية ومسند الروياني. (12) النسائي (6/ 179، 180) واللفظ له. وأبو داود (2263) . والدارمي (2/ 204) رقم (2238) . والحاكم (2/ 202، 203) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 278) . وعزاه محقق جامع الأصول (10/ 741) أيضا لابن حبان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4580 أهله، فيخونه فيهم إلّا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء. فما ظنّكم؟» «1» ) * «2» . 36- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا عنّي، خذوا عنّي، قد جعل الله لهنّ سبيلا «3» ، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثّيّب بالثّيّب «4» ، جلد مائة والرّجم» ) * «5» . 37- * (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقض قوم العهد قطّ إلّا كان القتل بينهم، ولا ظهرت فاحشة في قوم قطّ إلّا سلّط الله- عزّ وجلّ- عليهم الموت، ولا منع قوم الزّكاة إلّا حبس الله عنهم القطر» ) * «6» . 38- * (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب «7» . أيفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة. فقلت للغلام: استأذن لي. قال: إنّه قائل «8» . فسمع صوتي. قال: ابن جبير؟ قلت: نعم. قال: ادخل. فو الله ما جاء بك هذه السّاعة إلّا حاجة. فدخلت. فإذا هو مفترش برذعة. متوسّد وسادة حشوها ليف. قلت: أبا عبد الرّحمن! المتلاعنان، أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم. وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال: فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه. فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات في سورة النّور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/ 6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ. ما كذبت عليها. ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة قالت: لا، والّذي بعثك بالحقّ إنّه لكاذب. فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين. والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه   (1) فما ظنكم: يعني ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام، ومعناه لا يبقي منها شيئا إن أمكنه. (2) مسلم (1897) . (3) قد جعل الله لهن سبيلا: إشارة إلى قوله تعالي: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا فبين النبي صلّى الله عليه وسلّم أن هذا هو ذلك السبيل. وهذا الحديث مفسر لها. وقيل: منسوخة بالآية التي في أول سورة النور. (4) (البكر بالبكر.. والثّيّب بالثّيّب) ليس على سبيل الاشتراط. بل حدّ البكر الجلد والتعذيب سواء زنى ببكر أم بثيب، وحد الثيب الرجم سواء زنى ببكر أم بثيب. (5) مسلم (1690) . (6) الحاكم (2/ 126) ، واللفظ له. والبيهقي في السنن (3/ 346) وله شاهد عنده من حديث ابن عباس. وذكره الهيثمي في المجمع (7/ 269) رواه البزار. ورجاله رجال الصحيح. وذكره الألباني في الصحيحة وعزاه أيضا للطبراني في الأوسط، ولتمام في الفوائد (1/ 169، 171) رقم (107) . (7) في إمرة مصعب: أي في زمن توليه الإمارة. (8) قائل: أي نائم وقت القيلولة وهو وقت الظهر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4581 لمن الكاذبين. والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين. ثمّ فرّق بينهما) * «1» . 39- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحر «2» والحرير والخمر والمعازف، ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة «3» لهم، يأتيهم- يعني الفقير- لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدا. فيبيّتهم الله «4» ويضع العلم «5» ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الزنا) 1- * (قال المسيح- عليه الصّلاة والسّلام-: «لا يكون البطّالون من الحكماء، ولا يلج الزّناة ملكوت السّماء» ) * «7» . 2- * (قال عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- للّذين حصروه في الدّار بعدما أشرف عليهم وسلّم عليهم فلم يردّوا عليه: أفي القوم طلحة؟ قال طلحة: نعم. قال: فإنّا لله وإنّا إليه راجعون! أسلّم على قوم أنت فيهم فلا تردّون؟! قال: قد رددت. قال: ما هكذا الرّدّ، أسمعك ولا تسمعني؟!. يا طلحة. أنشدك الله، أسمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحلّ دم المسلم إلّا واحدة من ثلاث: أن يكفر بعد إيمانه، أو يزني بعد إحصانه، أو يقتل نفسا فيقتل بها» . قال: اللهمّ نعم. فكبّر عثمان فقال: «والله ما أنكرت الله منذ عرفته، ولا زنيت في جاهليّة، ولا إسلام، وقد تركته في الجاهليّة تكرّما، وفي الإسلام تعفّفّا، وما قتلت نفسا يحلّ بها قتلي» ) * «8» . 3- * (وقال أيضا- رضي الله عنه- على المنبر: «لا تكلّفوا الأمة، غير ذات الصّنعة، الكسب. فإنّكم متى كلّفتموها ذلك كسبت بفرجها. ولا تكلّفوا الصّغير الكسب، فإنّه إذا لم يجد سرق، وعفّوا إذا أعفّكم الله، وعليكم من المطاعم بما طاب منها» ) * «9» . 4- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه:- «من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه» ) * «10» . 5- * (قال عثمان بن أبي صفيّة: «كان ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يدعو غلمانه غلاما غلاما فيقول: ألا أزوّجك؟ ما من عبد يزني إلّا نزع الله منه نور الإيمان» ) * «11» . 6- * (قال اللّحيانيّ: أمّا الزّناء فإنّي لست قاربه ... والمال بيني وبين الخمر نصفان ) * «12» .   (1) البخاري- الفتح 12 (6855) . ومسلم (1493) واللفظ له. (2) الحر: بكسر الحاء وفتح الراء: هو الفرج. والمعنى يستحلون الزنا. (3) بسارحة: هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها، وتروح أي ترجع بالعشي. (4) فيبيتهم الله: أي يهلكهم ليلا، والبيات: هجوم العدو ليلا. (5) العلم: الجبل العالي- يروح: الفاعل محذوف والتقدير: الراعي. (6) البخاري- الفتح 10 (5590) . (7) إغاثة اللهفان (1/ 80) . (8) أحمد (1/ 163) . ورد هذا الأثر في سياقه حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر. (9) الموطأ (2/ 747) . (10) الفتح (12/ 62) . (11) المرجع السابق (12/ 60) . (12) لسان العرب (3/ 1875) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4582 7- * (قال خويلد بن نوفل الكلابيّ يعيب على الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ، وكان إذا أعجبته امرأة من بني قيس اغتصبها: يا أيّها الملك المخوف أما ترى ... ليلا وصبحا كيف يختلفان؟ هل تستطيع الشّمس أن تأتي بها ... ليلا وهل لك بالمليك يدان؟ يا حار إنّك ميّت ومحاسب ... واعلم بأنّ كما تدين تدان ) * «1» . 8- * (قال المنذريّ- رحمه الله تعالى-: «صحّ أنّ مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن، ولا شكّ أنّ الزّنا أشدّ وأعظم عند الله من شرب الخمر» ) * «2» . 9- * (قال الذّهبيّ- رحمه الله- ورد في الزّبور مكتوبا: إنّ الزّناة معلّقون بفروجهم في النّار يضربون عليها بسياط من حديد، فإذا استغاث من الضّرب نادته الزّبانية: أين كان هذا الصّوت وأنت تضحك وتفرح وتمرح ولا تراقب الله تعالى ولا تستحي منه؟» ) * «3» . من مضار (الزنا) (1) الزّنا يجمع خلال الشّرّ كلّها من قلّة الدّين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلّة الغيرة. (2) في الزّنا غضب الرّبّ تبارك وتعالى بانتهاك حرمه وإفساد خلقه. (3) من أضرار الزّنا خبث النّفس وإذهاب الحياء ورفع الحشمة. (4) سواد وجه الزّاني وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الّذي يبدو عليه للنّاظرين. (5) ظلمة القلب وطمس نوره. (6) الفقر اللّازم لأنّ الله- عزّ وجلّ- مفقر الزّناة. (7) الزّنا يذهب حرمة فاعله ويعرّضه للحدّ في الدّنيا والعذاب الأليم في الآخرة. (8) الزّنا يسلب الزّاني أحسن الأسماء، وهي العفّة والبرّ والأمانة، ويعطيه أضدادها كالفاجر والفاسق والزّاني والخائن. (9) يفارق الزّاني وصف «الطّيّب» الّذي يتّسم به أهل العفاف، ويتبدّل به الخبث الّذي يتّصف به الزّناة، وقد حرّم الله الجنّة على كلّ خبيث وجعلها مأوى للطّيّبين «4» . (10) من أضرار الزّنا على المجتمع اختلاط الأنساب واشتباهها ويؤدّي إلى ضيق في الأرزاق وخراب في الدّيار، وإيقاع الوحشة بين أبناء المجتمع. (11) يسبّب الزّنا ظهور أمراض وبلايا لا يعلمها إلّا الله عزّ وجلّ- ومنها مرض فقد المناعة (الإيدز) الّذي شاع في المجتمعات الفاجرة هذه الأيّام. (12) في زنا الزّاني جناية على ذرّيّته بجلب العار والخزي لهم من ناحية، وتعريضهم- إلّا من رحم الله- لمثل هذه الفعلة الشّائنة من ناحية أخرى.   (1) لسان العرب (3/ 1868) . (2) الترغيب والترهيب (3/ 277) . (3) الكبائر (51) . (4) (بتصرف) من غذاء الألباب (1/ 443) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4583 الزندقة الزندقة لغة: الزّندقة كلمة معرّبة من اللّغة الفارسيّة استعملها العرب منذ فترة مبكّرة في التّاريخ الإسلاميّ للتّعبير عن طائفة من الملاحدة، وقد شقّت طريقها إلى المعجم العربيّ منذ القرن الثّاني للهجرة فقال عنها الخليل في أقدم معجم عربيّ (هو كتاب العين) : زندقة الزّنديق: ألّا يؤمن بالآخرة وبالرّبوبيّة «1» ، وقيل: هو الّذي لا يؤمن بالآخرة ووحدانيّة الخالق «2» . وقال الجوهريّ: الزّنديق من الثّنويّة «3» ، وهو معرّب، والجمع: الزّنادقة، والهاء (أي التّاء الموقوف عليها بالهاء) عوض من الياء المحذوفة، وأصله زناديق، (والفعل من ذلك) تزندق، والاسم: الزّندقة «4» . وقال ابن منظور: الزّنديق: القائل ببقاء الدّهر، وهو بالفارسيّة: (زندكراي) أي يقول بدوام بقاء الدّهر، والزّندقة: الضّيق، وقيل الزّنديق منه لأنّه ضيّق على نفسه، وقال أحمد بن يحيى (ثعلب) : ليس الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ -/ 2 زنديق من كلام العرب (بالمعنى الدّينيّ المعروف للزّندقة) ، وإنّما تقول العرب: رجل زندق وزندقيّ إذا كان شديد التّخيّل، فإذا أرادت العرب معنى ما تقوله العامّة (أي المعنى الدّينيّ) قالوا: ملحد، ودهريّ «5» ، وإذا أرادوا السّنّ (أي النّسبة إلى الدّهر بمعني الزّمن) قالوا: دهريّ، وقد ذكر ابن دريد أنّ الأصل الفارسيّ للكلمة هو «زنده» أي يقول بدوام بقاء الدّهر «6» . الزندقة اصطلاحا: قال التّهانويّ: الزّنديق: هو الثّنويّ القائل بإلهين منهما يكون النّور والظّلمة ويسمّيهما: يزدان، وأهريمن، الأوّل: خالق الخير، والثّاني: خالق الشّرّ يعني الشّيطان، (وقيل) هو الّذي لا يؤمن بالحقّ تعالى وبالآخرة، وقيل: هو الّذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقال بعضهم: إنّه معرّب.. «زنديق «7» » أي من يكون له دين النّساء، والصّحيح المعنى الأوّل وهو معرّب «زنديّ» أي من يؤمن بالزّند الّذي هو كتاب زراد شت، والقائل بوجود يزدان، وأهريمن،   (1) كتاب العين (5/ 255) . (2) تهذيب اللغة للأزهرى (9/ 400) . (3) الثّنويّة: فرقة تؤمن بوجود إلهين أحدهما للنور والآخر للظلمة (انظر تعريف الزندقة اصطلاحا) . (4) الصحاح «ز ن ق» (4/ 1489) . (5) لسان العرب (ز ن ق) (ص 1871) ط. دار المعارف. (6) التهذيب (9/ 400) . (7) زن فى الفارسية تعني امرأة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4584 والزّنادقة فرقة متشبّهة مبطلة متّصلة بالمجذوبين «1» . حكم الزندقة: الزّندقة كفر، والزّنديق كافر، لأنّه مع وجود الاعتراف بنبوّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم يكون في عقائده كفر وهذا بالاتّفاق «2» . حقيقة الزندقة: قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى-: الزّنادقة جمع زنديق، وقال: قال أبو حاتم السّجستانيّ وغيره: الزّنديق: فارسيّ معرّب أصله «زنده كرداي» يقول بدوام الدّهر لأنّ (زنده) الحياة و (كرد) العمل، ويطلق على من يكون دقيق النّظر في الأمور. وقال ثعلب: ليس في كلام العرب زنديق وإنّما قالوا زندقيّ لمن يكون شديد التّحيّل، وإذا أرادوا ما تريد العامّة قالوا ملحد ودهريّ أي يقول بدوام الدّهر، وقال الجوهريّ: الزّنديق من الثّنويّة. وفسّره بعض الشّرّاح بأنّه الّذي يدّعي أنّ مع الله إلها آخر، وتعقّب بأنّه يلزم منه أن يطلق على كلّ مشرك. ثمّ قال: والتّحقيق أنّ أصل الزّنادقة أتباع ديصان ثمّ ماني ثمّ مزدك. وحاصل مقالتهم أنّ النّور والظّلمة قديمان وأنّهما امتزجا فحدث العالم كلّه منهما، فمن كان من أهل الشّرّ فهو من الظّلمة ومن كان من أهل الخير فهو من النّور. وأنّه يجب السّعي في تخليص النّور من الظّلمة فيلزم إزهاق كلّ نفس. وكان بهرام جدّ كسرى تحيّل على ماني حتّى حضر عنده وأظهر له أنّه قبل مقالته ثمّ قتله وقتل أصحابه وبقيت منهم بقيّة اتّبعوا مزدك، وقام الإسلام والزّنديق يطلق على من يعتقد ذلك، وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل ومن ثمّ أطلق الاسم على كلّ من أسرّ الكفر وأظهر الإسلام حتّى قال مالك: الزّندقة ما كان عليه المنافقون وكذا أطلق جماعة من الفقهاء الشّافعيّة وغيرهم أنّ الزّنديق هو الّذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر. ونقل ابن حجر عن النّوويّ قوله: الزّنديق الّذي لا ينتحل دينا. ونقل أيضا عن محمّد بن معن قوله: الزّنادقة من الثّنويّة يقولون ببقاء الدّهر وبالتّناسخ. قال: ومن الزّنادقة: الباطنيّة، وهم قوم زعموا أنّ الله خلق شيئا ثمّ خلق منه شيئا آخر. فدبّر العالم بأسره ويسمّونهما العقل والنّفس وتارة العقل الأوّل والعقل الثّاني، وهو من قول الثّنويّة في النّور والظّلمة إلّا أنّهم غيّروا الاسمين، وقال محمّد بن معن ولهم مقالات سخيفة في النّبوّات وتحريف الآيات وفرائض العبادات، وقد قيل إنّ سبب تفسير الفقهاء الزّنديق بما يفسّر به المنافق قول الشّافعيّ في كتابه «المختصر» : وأيّ كفر ارتدّ إليه ممّا يظهر أو يسرّ من الزّندقة وغيرها ثمّ تاب سقط عنه القتل، وهذا لا يلزم منه اتّحاد الزّنديق والمنافق بل كلّ زنديق منافق ولا عكس. وكان من أطلق عليه في الكتاب والسّنّة المنافق يظهر الإسلام ويبطن عبادة الوثن أو اليهوديّة، وأمّا الثّنويّة فلا يحفظ أنّ أحدا   (1) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 117) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4585 منهم أظهر الإسلام في العهد النّبويّ. والله أعلم «1» . أصل الزندقة: قال ابن كمال باشا: وأمّا الّذي ذهب إليه صاحب القاموس من أنّ كلمة زنديق معرّب (زنده) فلا وجه له كما لا يخفى، و (زنده) اسم كتاب أظهره مزدك. ودين الزّنادقة خارج عن الأديان السّماويّة كلّها وما في كتابهم من إباحة الأموال والنّساء والحكم باشتراك النّاس فيها كاشتراكهم في الماء والكلأ مخالف لما في الكتب الإلهيّة كلّها. سمّى العرب زنديقا ونسب إلى كتابهم كلّ من خرج عن الأديان السّماويّة كلّها بالإنكار بواحد أو أكثر من أصول الدّين الّتي اتّفقت عليها الأديان السّماويّة كلّها سواء كان ما أنكره وجود الباري- عزّ اسمه- فيوافق الدّهريّ أو لا. وكلمة الزّنديق في لسان العرب تطلق على من ينفي الباري- عزّ اسمه- وعلى من يثبت الشّريك له وعلى من ينكر حكمته غير مخصوص بالأوّل كما زعمه ثعلب ولا بالثّاني. كما هو الظّاهر من كلام الجوهريّ والفرق بينه وبين المرتدّ أنّه قد لا يكون زنديقا كما إذا ارتدّ عن دين الإسلام وتديّن بواحد من الأديان السّماويّة الباطلة. واعتبروا في الزّنديق أن يكون مبطنا للكفر على ما نقلناه عن العلّامة الشّيرازيّ. وذلك القيد غير معتبر في مفهوم المرتدّ فاتّسعت دائرة الفرق، ومع هذا فالنّسبة بينهما على حالهما، وفي الزّنديق قيد آخر اعتبره أيضا أهل الشّرع وبه أيضا يفارق المرتدّ وهو أن يكون معترفا بنبوّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم على ما صرّح به العلّامة التّفتازانيّ في شرحه للمقاصد حيث قال في تفصيل فرق الكفّار: قد ظهر أنّ الكافر اسم لمن لا إيمان له، فإن أظهر الإيمان خصّ باسم المنافق وإن كفر بعد الإسلام خصّ باسم المرتدّ لرجوعه عن الإسلام، وإن قال بإلهين وأكثر خصّ باسم المشرك لإثباته الشّريك في الألوهيّة، وإن كان متديّنا ببعض الأديان والكتب المنسوخة خصّ باسم الكتابيّ كاليهوديّ والنّصرانيّ، وإن كان يقول بقدم الدّهر وإسناد الحوادث إليه خصّ باسم الدّهريّ، وإن كان لا يثبت الباري تعالى خصّ باسم المعطّل، وإن كان مع اعترافه بنبوّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإظهاره عقائد الإسلام يبطن عقائد هي كفر بالاتّفاق خصّ بالزّنديق. إلّا أنّ أهل الشّرع إنّما اعتبروا القيد المذكور في الزّنديق الإسلاميّ لا في مطلق الزّنديق لأنّه قد يكون من المشركين، وقد يكون من أهل الذّمّة. الفرق بين الزنديق وغيره من أصناف الكفار: وأمّا الفرق بين الزّنديق والمنافق مع اشتراكهما في إبطان الكفر: هو أنّ الزّنديق معترف بنبوّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، دون المنافق وهذا الفرق بين الزّنديق من أهل الإسلام والمنافق الاصطلاحيّ. وأمّا الفرق بين الزّنديق والدّهريّ فيما ذكر فإنّ الدّهريّ ينكر استناد الحوادث إلى الصّانع المختار بخلاف الزّنديق. وأمّا   (1) الفتح (12/ 282- 283) ، ونيل الأوطار للشوكاني (8/ 4) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4586 الفرق بينه وبين الملحد الّذي يعتبر أيضا- من زمرة الكفرة على ما دلّ قول حافظ الدّين الكرديّ في فتاواه: لو قال أنا ملحد يكفر فيما أنّ الاعتراف بنبوّته صلّى الله عليه وسلّم معتبر في الزّنديق دون الملحد وإن لم يكن عدم الاعتراف دون الملحد وإن لم يكن بالعدم أيضا معتبرا فيه. وبهذا أي بعدم اعتبار القول بعدم الصّانع المختار في الملحد يفارق الملحد الدّهريّ. أحكام الزنادقة: وقال الآمديّ في أبكار الأفكار: حكم أموال الزّنادقة حكم المرتدّين فلا تقبل منهم جزية ولا تنكح نساؤهم ولا دية على قاتل واحد منهم، فإن استرقّ لحق واحد منهم بدار الحرب وسبي، ولو تاب واحد منهم فإن كان ذلك ابتداء منه غير خوف قبلت توبته، وإن كان ذلك خوفا من القتل بعد الظّهور على بدعته فقد اختلف في قبول توبته فقبلها الشّافعيّ وأبو حنيفة ومنع من ذلك مالك وبعض أصحاب الشّافعيّ وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق ولو قتل واحد منهم أو مات فما له مخمّس عند الشّافعيّ وأبي حنيفة، وعند مالك ماله كلّه لا خمس فيه. قلت: لا بعد فيه فإنّ الزّنديق يموّه كفره ويروّج العقيدة الفاسدة ويخرجها في الصّورة الصّحيحة وهذا معنى إبطانه الكفر فلا ينافي إظهاره الدّعوة إلى الملّة الضّالّة. فالملحد أوسع فرق الكفر جدّا، فافهم هذا الفرق. أنواع الزندقة: والزّنادقة على ثلاثة أوجه: إمّا أن يكون زنديقا من الأصل على الشّرك أو يكون مسلما فتزندق أو يكون ذمّيّا فتزندق. ففي الوجه الأوّل يترك على شركه، وفي الوجه الثّاني يعرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلّا قتل لأنّه مرتّد، وفي الوجه الثّالث يترك على حاله لأنّ الكفر ملّة واحدة «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإلحاد- الردة- الشرك- الكفر- الضلال- النفاق- الرياء- اتباع الهوى- الفجور- الإعراض- التفريط والإفراط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإيمان- الإسلام- الثبات- الهدى- اليقين] . الأحاديث الواردة في ذمّ «الزندقة» انظر صفات: الإلحاد، والردة، والشرك، والكفر، والنفاق، والرياء.   (1) مخطوط جزء من مجموع رسالة الزنديق لابن كمال باشا (157- 163) باختصار. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4587 من الآثار الواردة في ذمّ «الزندقة» 1- * (قال مالك بن أنس- رحمه الله-: «توبة الزّنديق لا تقبل» وهذا يحكى عن أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-) * «1» . 2- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «الزّنديق يجب قتله» ) * «2» . من مضار «الزندقة» (1) شيوع الزّندقة يغري ضعاف الإيمان بالانزلاق إليها. (2) انتشار المعصية، فليس بعد الكفر ذنب، ومن ثمّ يسهل على الزّنديق ارتكابها. (3) اضطراب المجتمع، فإنّ الزّنادقة لا يحكمهم مبدأ، ومن ثمّ فإنّهم يفعلون ما تدعوهم إليه أهواؤهم بغير رعاية لحقوق الآخرين. (4) انصراف النّاس إلى الشّهوات وتلبية دعوة الهوى يضعف المجتمع فيطمع فيه أعداؤه ويستولون عليه ويسلبون عزّته وكرامته.   (1) شرح مسلم للنووي (1/ 206) . (2) مجموع الفتاوى (2/ 378) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4588 [ حرف السين ] السحر السحر لغة: مصدر قولهم: سحره يسحره أي خدعه، وهو مأخوذ من مادّة «سحر» الّتي تدلّ على أصول ثلاثة، يقول ابن فارس: السّين والحاء والرّاء أصول ثلاثة متباينة: أحدها عضو من الأعضاء، والآخر خدع وشبهه، والثّالث: وقت من الأوقات. فالعضو: السّحر، وهو ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن. وأمّا الثّاني فالسّحر، قال قوم: هو إخراج الباطل فى صورة الحقّ، ويقال، هو الخديعة ... وأمّا الوقت فالسّحر والسّحرة وهو قبل الصّبح، وجمع السّحر أسحار. ويقال سحره إذا خدعه، وكذلك إذا علّله، والتّسحير مثله، وقوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (الشعراء/ 153) يقال: المسحّر: الّذي خلق ذا سحر. ويقال: من المعلّلين، والسّحر: عمل تقرّب فيه إلى الشّيطان، وبمعونة منه، كلّ ذلك الأمر كينونة للسّحر، ومن السّحر الأخذة الّتي تأخذ العين حتّى يظنّ أنّ الأمر، كما يرى، وليس الأمر على ما يرى وكلّ ما لطف مأخذه ودقّ فهو سحر، والجمع أسحار وسحور. وأصل السّحر صرف الشّيء عن حقيقته إلى الآيات/ الأحاديث/ الآثار 30/ 12/ 8 غيره فكأنّ السّاحر- لمّا أرى الباطل في صورة الحقّ وخيّل الشّيء على غير حقيقته- قد سحر الشّيء عن وجهه أي صرفه. والعرب إنّما سمّت السّحر سحرا لأنّه يزيل الصّحّة إلى المرض، وإنّما يقال سحره أي أزاله عن البغض إلى الحبّ، وقال الكميت: وقاد إليها الحبّ فانقاد صعبه ... بحبّ من السّحر الحلال التّحبّب ورجل ساحر من قوم سحرة وسحّار، وسحّار من قوم سحّارين. والسّحر البيان في فطنة، وقد جاء في الحديث «إنّ من البيان لسحرا» قال ابن الأثير: أي منه ما يصرف قلوب السّامعين، وإن كان غير حقّ، وقيل: معناه أنّ من البيان ما يكسب من الإثم، ما يكتسبه السّاحر بسحره، فيكون في معرض الذّمّ، ويجوز أن يكون في معرض المدح؛ لأنّه تستمال به القلوب، ويرضى به السّاخط، ويستنزل به الصّعب والسّحر: الفساد. وطعام مسحور، إذا أفسد عمله، وأرض مسحورة: أصابها من المطر أكثر ممّا ينبغى، فأفسدها. وغيث ذو سحر، إذا كان ماؤه أكثر ممّا ينبغي وسحر المطر الطّين والتّراب سحرا، أفسده فلم يصلح للعمل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4589 وسحره بكلامه، استماله برقّته وحسن تركيبه.. وإذا أطلق ذمّ فاعله، وقد يستعمل مقيّدا فيما يمدح «1» . السحر اصطلاحا: قال ابن قدامة- رحمه الله-: هو عقد ورقى يتكلّم به أو يكتبه السّاحر أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له. وقالا لتّهانويّ: هو الإتيان بخارق عند مزاولة قول أو فعل محرّم في الشّرع أجرى الله سبحانه عنده ابتداء «2» . وقال الكفويّ: السّحر: كلّ ما لطف مأخذه ودقّ، وهذا في السّحر الحلال «3» ، أمّا السّحر الحرام المنهيّ عنه فقد عرّفه بقوله: مزاولة النّفوس الخبيثة لأفعال وأحوال يترتّب عليها أمور خارقة للعادة لا يتعذّر معارضته، ويطلق على ما يفعله صاحب الحيل بمعونة الآلات والأدوية، وما يريك إيّاه صاحب خفّة اليد «4» . وقال بعضهم: السّحر: قلب الحواسّ في مدركاتها عن الوجه المعتاد في صحّتها عن سبب باطل لا يثبت مع ذكر الله عليه وقيل: أمر خارق للعادة صادر عن نفس شرّيرة ولا يتعذّر معارضته «5» . السحر حقيقة وتخيل: قال الرّاغب: السّحر يقال على معان: الأوّل: الخداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعوذ بصرف الأبصار عمّا يفعله لخفّة يد، وما يفعله النّمّام بقول مزخرف عائق للأسماع، وعلى ذلك قوله تعالى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ (الأعراف/ 116) . الثّاني: استجلاب معاونة الشّيطان بضرب من التّقرّب إليه، كما في قوله تعالى: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ (البقرة/ 102) . الثّالث: ما يذهب إليه الأغتام (جمع أغتم وهو الّذي لا يفصح شيئا) وهو اسم لفعل يزعمون أنّه من قوّته يغيّر الصّور والطّبائع فيجعل الإنسان حمارا ولا حقيقة له عند المحصّلين. وقد تصوّر من السّحر تارة حسنه فقيل: إنّ من البيان لسحرا، وتارة دقّة فعله حتّى قالت الأطبّاء: الطّبيعة ساحرة، وسمّوا الغذاء سحرا من حيث إنّه يدقّ ويلطف تأثيره «6» . ثمّ إنّ السّحر يطلق ويراد به الآلة الّتي يسحر بها، ويطلق ويراد به فعل السّحر، والآلة تارة تكون معنى من المعاني فقط، كالرّقى والنّفث في العقد وتارة تكون بالمحسوسات كتصوير الصّورة على صورة المسحور وتارة بجمع الأمرين: الحسّيّ والمعنويّ وهو   (1) مقاييس اللغة (3/ 138) ، الصحاح (2/ 679) .، اللسان (سحر) (3/ 1951، 1952) . (2) المغني لابن قدامة (8/ 150) . (3) الكليات (495) ، ومن ذلك السحر الكلامي الذي عرفه بقوله: غرابة الكلام ولطافته المؤثرة في القلوب المحولة إياها من حال إلى حال كالسحر (510) . (4) الكليات (510) . (5) التوقيف (191) . (6) المفردات للراغب (226) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (191) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4590 أبلغ، واختلف في السّحر فقيل: هو تخييل فقط ولا حقيقة له. قال النّوويّ: والصّحيح أنّ له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامّة العلماء، ويدلّ عليه الكتاب والسّنّة الصّحيحة المشهورة. قال المازريّ: جمهور العلماء على إثبات السّحر وأنّ له حقيقة، ونفى بعضهم حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة، وهو مردود لورود النّقل بإثبات السّحر، ولأنّ العقل لا ينكر أنّ الله قد يخرق العادة عند نطق السّاحر بكلام ملفّق أو تركيب أجسام أو مزج بين قوى على ترتيب مخصوص، ونظير ذلك ما يقع من حذّاق الأطبّاء من مزج بعض العقاقير ببعض حتّى ينقلب الضّارّ منها بمفرده فيصير بالتّركيب نافعا. الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة: والفرق بين السّحر والمعجزة والكرامة: أنّ السّحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتّى يتمّ للسّاحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنّما تقع غالبا اتّفاقا، وأمّا المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتّحدّي، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أنّ السّحر لا يظهر إلّا من فاسق، وأنّ الكرامة لا تظهر على فاسق «1» . حكم السحر: قال الكفويّ: الصّحيح أنّ تعلّمه حرام مطلقا لأنّه توسّل إلى محظور عنه غنى، وتوقّيه بالتّجنّب أصلح وأحوط. وقال الإمام الذّهبيّ: السّاحر لابدّ وأن يكفر؛ إذ ليس للشّيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السّحر إلّا ليشرك بالله، وترى خلقا كثيرا من الضّلّال يدخلون في السّحر ويظنّونه حراما فقط، وما يشعرون أنّه الكفر، وحدّ السّاحر: القتل، لأنّه كفر بالله أو مضارع له، وهو من السّبع الموبقات، وقد جعل من الشّرك لاعتقاد الجهّال أنّ ذلك يؤثّر بخلاف ما قدّر الله تعالى «2» وقد عدّه الإمام ابن حجر ضمن الكبائر، وحدّه عنده: كلّ كلام يغيّر الإنسان أو شيئا من أعضائه، وهو من كبائر اللّسان «3» . [للاستزادة: انظر صفات: التطير- الفساد- الكفر الوهم- انتهاك الحرمات- الضلال- الغي والإغواء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإيمان- الاستقامة- اليقين- الهدى- تعظيم الحرمات- الصلاح- الأمن من المكر- العفة] .   (1) البخاري- الفتح (10/ 233) . (2) الكبائر (14- 16) باختصار وتصرف يسير. (3) الزواجر (15) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4591 الآيات الواردة في «السحر» 1- وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) «1» 2- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) «2» 3- قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) «3»   (1) البقرة: 101- 102 مدنية (2) المائدة: 110 مدنية (3) الأعراف: 111- 122 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4592 4- وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) «1» 5- أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «2» 6- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) «3» 7- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «4» 8- وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) «5» 9- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «6» 10- قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (58) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (60) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا   (1) الأعراف: 132 مكية (2) يونس: 2 مكية (3) يونس: 76- 81 مكية (4) هود: 7 مكية (5) الحجر: 14- 15 مكية (6) الإسراء: 47 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4593 النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (64) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (71) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) «1» 11- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) «2» 12- قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90) «3» 13- وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) «4»   (1) طه: 57- 73 مكية (2) الأنبياء: 1- 3 مكية (3) المؤمنون: 88- 90 مكية (4) الفرقان: 7- 8 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4594 14- فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (35) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (40) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (41) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) «1» 15- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) «2» 16- قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) «3» 17- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) «4» 18- فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) «5» 19- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) «6» 20- وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) «7» 21- وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) «8» 22- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) «9»   (1) الشعراء: 32- 47 مكية (2) الشعراء: 49 مكية (3) الشعراء: 185 مكية (4) النمل: 13 مكية (5) القصص: 36 مكية (6) القصص: 48 مكية (7) الصافات: 14- 15 مكية (8) ص: 4 مكية (9) غافر: 23- 24 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4595 23- وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (30) «1» 24- وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) «2» 25- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «3» 26- وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) «4» 27- كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) «5» 28- أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) «6» 29- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) «7» 30- ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) «8»   (1) الزخرف: 30 مكية (2) الزخرف: 49 مكية (3) الأحقاف: 7 مكية (4) الذاريات: 38- 40 مكية (5) الذاريات: 52 مكية (6) الطور: 15 مكية (7) القمر: 1- 2 مكية (8) المدثر: 23- 24 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4596 الأحاديث الواردة في ذمّ (السحر) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات «1» » قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات «2» المؤمنات» ) * «3» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السّماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنّه سلسلة على صفوان «4» ، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربّكم؟ قالوا للّذي قال: الحقّ وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترق السّمع، ومسترق السّمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بكفّه فحرفها وبدّد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن فربّما أدركه الشّهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيصدّق بتلك الكلمة الّتي سمعت من السّماء» ) * «5» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ ضمادا قدم مكّة. وكان من أزد شنوءة وكان يرقي «6» من هذه الرّيح «7» . فسمع سفهاء من أهل مكّة يقولون: إنّ محمّدا مجنون، فقال: لو أنّي رأيت هذا الرّجل لعلّ الله يشفيه على يديّ. قال فلقيه فقال: يا محمّد، إنّي أرقي من هذه الرّيح، وإنّ الله يشفي على يدي من شاء. فهل لك «8» ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله. أمّا بعد» . قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء. فأعادهنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات. قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السّحرة وقول الشّعراء. فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر «9» . قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وعلى قومك» قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة فمرّوا بقومه فقال   (1) الموبقات: المهلكات. (2) المحصنات الغافلات: المحصنات بكسر الصاد وفتحها. والمراد بالمحصنات هنا العفائف، وبالغافلات، الغافلات عن الفواحش وما قذفن به. (3) البخاري- الفتح 10 (5764) . ومسلم (89) واللفظ له. (4) سلسلة على صفوان: السلسلة من الحديد على الصفوان الذي هو الحجر الأملس. (5) البخاري- الفتح 8 (4800) . (6) يرقي: من الرقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة. (7) من هذه الريح: المراد بالريح، هنا، الجنون ومس الجن. (8) فهل لك: أي فهل لك رغبة في رقيتي، وهل تميل إليها. (9) ناعوس البحر: قال القاضي عياض: أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها قاموس. قال أبو عبيد: قاموس البحر وسطه. وقال ابن دريد: لجته. وقال صاحب كتاب العين: قعره الأقصى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4597 صاحب السّريّة للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردّوها. فإنّ هؤلاء قوم ضماد) * «1» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من بني زريق يقال له: لبيد ابن الأعصم، حتّى كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخيّل إليه أنّه كان يفعل الشيء وما فعله. حتّى إذا كان ذات يوم- أو ذات ليلة- وهو عندي لكنّه دعا ودعا ثمّ قال: «يا عائشة: أشعرت أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليّ، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرّجل؟ فقال: مطبوب «2» . قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أيّ شيء؟ قال: في مشط ومشاطة «3» ، وجفّ «4» طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان «5» » . فأتاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناس من أصحابه. فجاء فقال: يا عائشة، كأنّ ماءها نقاعة الحنّاء، وكأنّ رؤوس نخلها رؤوس الشّياطين. قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجته؟ قال: «قد عافاني الله، فكرهت أن أثير على النّاس فيه شرّا» فأمر بها فدفنت) * «6» . 5- * (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر. فلّما كبر قال للملك:، إنّي قد كبرت، فابعث إليّ غلاما أعلّمه السّحر. فبعث إليه غلاما يعلّمه. فكان في طريقه- إذا سلك- راهب. فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه. فكان إذا أتى السّاحر مرّ بالرّاهب وقعد إليه. فإذا أتى السّاحر ضربه. فشكا ذلك إلى الرّاهب. فقال: إذا خشيت السّاحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني السّاحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابّة عظيمة قد حبست النّاس. فقال: اليوم أعلم السّاحر أفضل أم الرّاهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهمّ إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة. حتّى يمضي النّاس. فرماها فقتلها. ومضى النّاس فأتى الرّاهب فأخبره. فقال له الرّاهب: أي بنيّ، أنت اليوم أفضل منّي. قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنّك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ ... الحديث) * «7» . 6- * (عن عامر بن سعد عن أبيه- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من اصطبح كلّ يوم   (1) مسلم (868) . (2) مطبوب: مسحور. (3) المشاطة: ما يسقط من الشعر إذا مشط، والمشاقة من مشاقة الكتان. (4) الجف: بضم الجيم: وعاء الطلع وهو الذي يضم بداخله جنين البلح أو حبوب اللقاح. (5) بئر ذروان بالمدينة: في بستان بني زريق. (6) البخاري- الفتح 10 (5763) واللفظ له. ومسلم (2189) . (7) مسلم (3005) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4598 تمرات عجوة لم يضرّه سمّ ولا سحر ذلك اليوم إلى اللّيل» وقال غيره: سبع تمرات) * «1» . 7- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من أتى عرّافا أو ساحرا أو كاهنا يؤمن بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اقتبس علما من النّجوم اقتبس شعبة من السّحر، زاد ما زاد» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (السحر) معنى 9- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن النّشرة «4» . فقال: «هي من عمل الشّيطان» ) * «5» . 10- * (عن معاوية بن الحكم السّلميّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إنّي حديث عهد بجاهليّة وقد جاء الله بالإسلام، وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال «فلا تأتهم» قال: ومنّا رجال يتطيّرون قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنّهم» (قال ابن الصّبّاح: فلا يصدّنكم» ) * «6» . 11- * (عن بعض أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» ) * «7» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى كاهنا فصدّقه بما يقول، أو أتى امرأة حائضا، أو أتى امرأة في دبرها فقد برىء ممّا أنزل الله على محمّد» ) * «8» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (السحر) 1- * (عن عمرو بن أوس، عن بجالة بن عبيد، قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: «اقتلوا كلّ ساحر، وفرّقوا بين كلّ ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزّمزمة، فقتلنا في يوم ثلاث سواحر، وفرّقنا بين كلّ رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله» ) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 1. (5768) واللفظ له. مسلم (2047) . (2) الترغيب والترهيب للمنذري (4/ 36) وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات. (3) أبو داود (3905) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (2/ 739) برقم (3305) . (4) النشرة: حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر. (5) أبو داود (3868) واللفظ له. أحمد في المسند (3/ 294) . وحسنه الحافظ في الفتح (10/ 244) . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 102) وقال: رواه البزار والطبراني في «الأوسط» ورجال البزار رجال الصحيح. (6) مسلم (537) . (7) مسلم (2230) . (8) أبو داود (3904) ، وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (2/ 739) برقم (3304) . (9) البخاري- الفتح (3156) ورواه أبو داود (3043) ، وصححه الألباني صحيح سنن أبي داود (2/ 589) (3043) . والترمذي رقم (1586) وأحمد في «المسند» (1/ 190 و191) وانظر «جامع الأصول» (2/ 658- 670) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4599 2- * (عن عبد الرّحمن بن سعد بن زرارة أنّه بلغه: «أنّ حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قتلت جارية لها سحرتها» ) * «1» . 3- * (قال النّوويّ: «عمل السّحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عدّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من السّبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كافر، وإلّا فلا، وأمّا تعلّمه وتعليمه فحرام» ) * «2» . 4- * (قال القرطبيّ: «السّحر حيل صناعيّة يتوصّل إليها بالاكتساب غير أنّها لدقّتها لا يتوصّل إليها إلّا آحاد النّاس، ومادّته الوقوف على خواصّ الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته» ) * «3» . 5- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله-: «أرباب السّحر والنّيرنجيّات «4» وعمل الكيمياء «5» وأمثالهم ممّن يدخل في الباطل الخفيّ الدّقيق يحتاج إلى أعمال عظيمة، وأفكار عميقة، وأنواع من العبادات والزّهادات والرّياضات ومفارقة الشّهوات والعادات ثمّ آخر أمرهم الشّكّ بالرّحمن وعبادة الطّاغوت والشّيطان وعمل الذّهب المغشوش والفساد في الأرض، والقليل منهم ينال بعض غرضه الّذي لا يزيده من الله إلّا بعدا، وغالبهم محروم مأثوم يتمنّى الكفر والفسوق والعصيان وهو لا يحصل إلّا على نقل الأكاذيب وتمنّى الطّغيان، سمّاعون للكذب، أكّالون للسّحت، عليهم ذلّة المفترين» ) * «6» . 6- * (قال ابن القيّم- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (الفلق/ 4) : «وهذا الشّرّ هو شرّ السّحر؛ فإنّ النّفّاثات في العقد هنّ السّواحر اللّاتي يعقدن الخيوط وينفثن على كلّ عقدة حتّى ينعقد ما يردن من السّحر. والنّفث هو النّفخ مع ريق، وهو دون التّفل، وهو مرتبة بينهما. والنّفث فعل السّاحر فإذا تكيّفت نفسه بالخبث والشّرّ الّذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة نفخ في تلك العقد نفخا معه ريق فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشّرّ والأذى مقترن بالرّيق الممازج لذلك، وقد تساعد هو والرّوح الشّيطانيّة على أذى المسحور فيقع فيه السّحر بإذن الله الكونيّ القدريّ لا الأمريّ الشّرعيّ. فإن قيل: فالسّحر يكون من الذّكور والإناث، فلم خصّ الاستعاذة من الإناث دون الذّكور؟ والجواب المحقّق: أنّ النّفّاثات هنا هنّ الأرواح والأنفس النّفّاثات لا النّساء النّفّاثات لأنّ تأثير السّحر إنّما هو من جهة الأنفس الخبيثة والأرواح الشّرّيرة، وسلطانه إنّما يظهر منها فلهذا ذكرت النّفّاثات هنا بلفظ التّأنيث دون التّذكير. والله أعلم» ) * «7» .   (1) موطأ مالك (663) ، وذكره ابن القيم في ازاد المعاد (5/ 67) وصحح إسناده الأرناؤوطيان في تعليهما عليه.. (2) فتح الباري (10/ 235) . (3) الفتح (1/ 233) . (4) النيرنجيات: أخذ كالسحر وليس به، إنما هو تشبيه وتلبيس. (5) وربما كان مقصد شيخ الإسلام وغايته أن بعض الناس يصنعون حديدا فيستخرجون الكيمياء ليضرب اللون الأصفر ليشتريه المشتري على أنه ذهبا فإذا أحمه ورآه بعد هذه وجده حديدا. (6) درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (5/ 62) . (7) التفسير القيم، للإمام ابن القيم (563، 564) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4600 7- * (وقال أيضا- رحمه الله-: «وفي كتب السّحر والسّرّ المكتوم من هذا عجائب، ولهذا كلّما كان السّاحر أكفر وأخبث وأشدّ معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأنفذ، وكان سحر عبّاد الأصنام أقوى من سحر أهل الكتاب، وسحر اليهود أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام، وهم الّذين سحروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمقصود: أنّ السّاحر والحاسد كلّ منهما قصده الشّرّ، لكنّ الحاسد بطبعه ونفسه وبغضه للمحسود، والشّيطان يقترن به ويعينه ويزيّن له حسده ويأمره بموجبه، والسّاحر بعلمه وكسبه وشركه واستعانته بالشّياطين» ) * «1» . 8- * (قال ابن خلدون: «السّاحر لا يصدر منه الخير، ولا يستعمل في أسباب الخير» ) * «2» . الطرق الشرعية في الوقاية من السحر والسحرة (1) الاستعاذة بالله، وقد أرشدنا القرآن إلى الاستعاذة في غير موضع من كتابه قال تعالى وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ (فصلت/ 36) . (2) تقوى الله وحفظه عند أمر الله ونهيه، فمن اتّقى الله تولّى الله حفظه ولم يكله إلى غيره وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (الطلاق/ 2) . (3) التّوكّل على الله والاعتماد عليه، فمن توكّل على الله فهو حسبه. (4) تجريد التّوبة إلى الله من الذّنوب الّتي سلّطت عليه أعداءه؛ فإنّ الله تعالى يقول وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (الشورى/ 30) . (5) الصّدقة والإحسان؛ فإنّ لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء والسّحر والحسد. (6) الإكثار من قراءة القرآن والأدعية المأثورة. (7) استخراج السّحر وإبطاله، وهذه من طرق علاج السّحر بعد وقوعه. (8) استعمال الأدوية المباحة شرعا والّتي يعرفها الأطبّاء وأهل العلم «3» . من مضار (السحر) (1) يفرّق بين المرء وزوجه. (2) السّاحر معول هدم في المجتمع. (3) عمل بغيض وخلق ذميم. (4) السّحر شرك بالله وكفر به. (5) يغضب الرّبّ ويسخط العبد. (6) يورث خسران الدّنيا والآخرة. (7) فيه هلاك للسّاحر وضرر بالمسحور.   (1) التفسير القيم، للإمام ابن القيم (ص 581) . (2) مقدمة ابن خلدون (630) . (3) انظر عالم السحر والشعوذة، د. عمر سليمان الأشقر (ص 199، 207) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4601 السخرية السخرية لغة: هي الاسم من الفعل «سخر» والمصدر من ذلك هو «السّخر، والمسخر والسّخر بالضّمّ، قال أعشى باهلة: إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها ... من علو، لا عجب منه ولا سخر «1» وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة «س خ ر» الّتي تدلّ على «احتقار واستذلال» ومن ذلك أيضا قولهم: سخّر الله- عزّ وجلّ- الشّيء، وذلك إذا ذلّلّه لأمره وإرادته، ومن الباب سخرت منه: إذا هزئت به «2» ، وفي كتاب الله- عزّ وجلّ-: فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (هود/ 38) ، وقال الجوهريّ يقال سخرت منه وسخرت به كما يقال: ضحكت منه، وبه، وهزئت منه، وبه «3» . وقال الفرّاء: يقال سخرت منه ولا يقال: سخرت به، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 14/ 7/ 18 (الحجرات/ 11) ، قال: وسخرت منه هي اللّغة الفصيحة وقول الرّاعي: تغيّر قومي ولا أسخر ... وما حمّ من قدر يقدر المعنى: لا أسخر منهم «4» وفي الحديث «أتسخر منّي وأنت الملك أي أتستهزيء بي. وقال الفيروزاباديّ: سياقة إلى الغرض المختصّ به قهرا، والمسخّر هو المقيّض للفعل، والسّخريّ: هو الّذي يقهر لنا بإرادته، وسخرت منه: أي سخّرته للهزء منه، ويقال: رجل سخرة لمن يسخر كبرا، وسخرة كصبرة لمن يسخر منه. والسّخرية أيضا فعل السّاخر «5» . وقول الله- عزّ وجلّ-: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا (المؤمنون/ 110) بالضّمّ والكسر «6» ، حمل على التسخير وعلى السّخرية، ويدلّ على الوجه الثّاني (السّخرية) قوله بعده وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (المؤمنون/ 110) «7» ، وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: فرّق أبو عمرو بينهما (أي بين القراءتين) فجعل   (1) الصحاح 2/ 679. (2) مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 144. (3) الصحاح 2/ 680، وقد حكى ذلك عن أبي زيد- وذكر أن تعديته بالباء أردأ اللغتين. (4) لسان العرب 4/ 352. (5) بصائر ذوي التمييز 3/ 203. (6) هي بالضّم قراءة حمزة وعاصم والكسائي وبالكسر باقي السبعة (القرطبي 12/ 154) . (7) بصائر ذوي التمييز 3/ 203. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4602 المكسورة من جهة التّهزّؤ، والمضمومة من جهة السّخرة، وقال الكسائيّ هما لغتان بمعنى واحد كما يقال عصيّ وعصيّ، وحكى القرطبيّ عن بعضهم أنّ الكسر (سخريّا) بمعنى: الاستهزاء والسّخرية بالقول. والضّم (سخريّا) بمعنى التّسخير والاستعباد بالفعل «1» . والاستسخار، أن يدعو بعض النّاس بعضا إلى السخرية، وبهذا فسّر قول الله تعالى: وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (الصافات/ 14) قال الرّمّانيّ معناه يدعو بعضهم بعضا إلى أن يسخر (بها) ، وقيل المعنى يسخرون، كما في قولهم: علا قرنه واستعلاه، وعجب من كذا واستعجب «2» ، وعلى هذا يكون معنى قول الله تعالى: يَسْتَسْخِرُونَ يسخرون ويستهزئون «3» ، يقول العلّامة ابن كثير في تفسير هذه الآية: يستسخرون: يستهزئون (عن قتادة ومجاهد) «4» ، وقال أبو حيّان: يكون استسخر هنا بمعنى المجرّد (أي سخر) وقيل فيه معنى الطّلب «5» أي يطلبون أن يكونوا ممّن يسخرون «6» ، وقال بعضهم: المعنى هنا هو المبالغة أي إنّهم يبالغون في السّخرية «7» . ويقال رجل سخرة، أي يسخّر في الأعمال يتسخّره من قهره، وكلّ ما ذلّ وانقاد أو تهيّأ لك على ما تريد فقد سخّر لك «8» . السخرية اصطلاحا: قال المناويّ: السّخرية هي استزراء العقل معنى، بمنزلة التّسخير «9» في الفعل حسّا، ونقل عن ابن الكمال قوله: السّخرية تكون من شيء يحقّ عند صاحبه ولا يحقّ عند السّاخر «10» . الفرق بين السّخرية والهزء: تغاضى بعض العلماء عن الفرق الدّقيق بين السّخرية والاستهزاء الّذي هو ارتياد الهزء فقال: إنّ السخرية والاستهزاء معناهما واحد «11» وعلى ذلك فسّر كثيرون: السّخرية بالاستهزاء «12» . ولكنّ الواقع اللّغويّ وتأمّل ما ورد من ذلك في القرآن الكريم يشيران إلى وجود نوع من الفرق بينهما، حتّى وإن كان هذا الفرق قد يتناسى أحيانا فيستعمل أحدهما في المعنى الّذي يستعمل فيه الآخر، ويتمثّل هذا الفرق في أنّ الهزء: هو إظهار الجدّ وإخفاء الهزل فيه «13» ، أي أنّه يكون بالقول المصحوب بسوء النّيّة، ولا يشترط فيه أن   (1) تفسير القرطبي 12/ 155. (2) المراد ان الاستسخار والسخرية بمعنى واحد. (3) بتصرف يسير من لسان العرب 4/ 353. (4) تفسير ابن كثير 4/ 4. (5) وذلك على أصل معنى صيغة استفعل. (6) تفسير البحر المحيط 7/ 340. (7) السابق، الصفحة نفسها. (8) لسان العرب 4/ 354. (9) في الأصل بمنزلة الاستنخار ولا معنى له هنا، والتصويب مستفاد ممّا ذكره صاحب البصائر. (10) التوقيف على مهمات التعاريف (ص 192) بتصرف يسير. (11) انظر مثلا: الصحاح للجوهري (1/ 83) حيث فسر الاستهزاء بالسخرية، وغذاء الألباب للسفاريني 1/ 131 (12) انظر مثلا، تفسير ابن كثير 4/ 4 حيث فسر يستسخرون ب «يستهزئون» . (13) التوقيف على مهمات التعاريف ص 343، وقد ذكر أنّ المراد بالهزل عرفا ألّا يراد باللّفظ معناه الحقيقي ولا المجازيّ (وإنّما يكون كناية عن التحقير) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4603 يسبقه فعل من أجله يستهزأ بصاحبه من أجل ذلك الفعل، أمّا السّخرية فإنّها تكون بالفعل أو بالإشارة. وتكون بالقول «1» ، ويسبقها في العادة فعل من أجله يسخر بصاحبه، ويتلخّص من ذلك أنّ بينهما فرقا من جهتين «2» : الأولى السّخرية تكون بالفعل وبالقول، والهزء لا يكون إلّا بالقول، الثّانية: أنّ السّخرية يسبقها عمل من أجله يسخر بصاحبه، أما الاستهزاء فلا يسبقه ذلك «3» . الهمز واللمز من السّخرية: قال القرطبيّ: قال سفيان الثّوريّ: الهمزة: الّذي يهمز بلسانه، واللّمزة: الّذي يلمز بعينيه، وقال ابن كيسان: الهمزة الّذي يؤذي جلساءه بسوء اللّفظ واللّمزة: الّذي يكسر عينه على جليسه، ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه «4» (سخرية به) . ويقول يحيى المعلّميّ: الهمز: هو السّخرية من النّاس بالإشارة كتحريك اليد قرب الرّأس إشارة إلى الوصف بالجنون، أو الوغض بالعين رمزا للاستخفاف، أو نحو ذلك من الحركات واللّمز: هو السّخرية من النّاس بالقول، كتسمية الشّخص باسم يدلّ على عاهة فيه أو مرض، أو اتّهامه بخليقة سيّئة، أو التّعريض بذلك «5» . التنابز بالألقاب من السّخرية: قال الطّبريّ- رحمه الله تعالى- التّنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمّ الله بنهيه ذلك، ولم يخصّص به بعض الألقاب دون بعض، وغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها «6» ، ولمّا كانت آية السّخرية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ .... (الحجرات/ 11) ، فيما يقوله أنس وابن زيد في نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عيّرن صفيّة بالقصر وقيل: نزلت في عائشة- رضي الله عنها أشارت بيدها إلى صفيّة، (قائلة) يا نبيّ الله إنّها لقصيرة، وقال عكرمة وابن عبّاس أنّ صفيّة بنت حييّ قالت: يا رسول الله: إنّ النّساء يعيّرنني ويقلن لي: يا يهوديّة «7» .. إلخ الحديث. كلّ ذلك يدلّ على أنّ التّنابز بالألقاب إنّما هو داخل في مفهوم السّخرية، كما دخل فيها مفهوم الهمز واللّمز. ومن ثمّ يكون ذكر اللّمز والتّنابز بعد ذكر   (1) انظر مكارم الأخلاق في القرآن الكريم ليحيى المعلمي ص 333. (2) انظر الفروق لأبي هلال العسكري ص 249. (3) ذكرنا قبلا أن الفرق بينهما قد يتناسى فيستعمل أحدهما مكان الآخر، ومن ثمّ يكون بين السّخرية والاستهزاء ترادف جزئي يتّفقان في المعنى أحيانا ويفترقان في أحيان أخرى. (4) تفسير القرطبي 20/ 183، وقد ذكر في الآية الكريمة تفسيرات أخرى، تنظر هناك، وقد نقل عنه الطبري في ج 16 ص 327 ما يفيد العكس. (5) مكارم الأخلاق في القرآن الكريم ليحيى المعلمي ص 333. (6) تفسير القرطبي مجلد 11 ج 26 ص 85. (7) انظر الحديث رقم (7) (المثل التطبيقي) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4604 السّخرية من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ، اهتماما به، ونظير ذلك قول الله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (الرحمن/ 68) إذ النّخل والرّمّان من الفاكهة أيضا. التّهكّم والتّعيير: المراد بالتّهكّم: ما كان ظاهره جدّا وباطنه هزلا، يقول الكفويّ: ولا تخلو ألفاظ التّهكّم من لفظ من الألفاظ الدّالّة على الذّمّ أو لفظة معناها الهجو «1» . ومن ثمّ كان التّهكّم من السّخرية، أمّا التّعيير بالفقر أو الذّنب أو العلّة أو ما شابه ذلك فقد نصّوا على أنّه من السّخرية، يقول الإمام الطّبريّ: «عمّ الله بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السّخرية، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك» «2» . حكم السّخرية: يفهم من نهي المولى عزّ وجلّ عن السّخرية بأنواعها المختلفة أنّها حرام، يقول الإمام السّفّارينيّ: وتحرم السّخرية والهزء لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ... الآية «3» ولنهيه صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك في مواضع عديدة «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الاستهزاء- الإساءة- التحقير- سوء الخلق- الغرور- الكبر والعجب- المن- الأذى- الهجاء- سوء المعاملة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان البشاشة- حسن الخلق- الرأفة- الرحمة- الصفح طلاقة الوجه- المحبة- النصيحة- الأدب- حسن المعاملة- حسن العشرة] .   (1) الكليات للكفوي 2/ 87. (2) تفسير الطبري مجلد 11 ج 26 ص 83. (3) انظر غذاء الألباب للسفاريني 1/ 135. (4) انظر المواضع التي وردت في النهي عن ذلك: الأحاديث الواردة في هذه الصفة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4605 الآيات الواردة في «السخرية» 1- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) «1» 2- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «2» 3- الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) «3» 4- وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39) «4» 5- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41) «5» 6- وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «6»   (1) البقرة: 212 مدنية (2) الأنعام: 10 مكية (3) التوبة: 79- 80 مدنية (4) هود: 36- 39 مكية (5) الأنبياء: 41 مكية (6) المؤمنون: 103- 111 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4606 7- بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) «1» 8- وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) «2» 9- وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) «3» 10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) «4» الآيات الواردة في «السخرية» معنى 11- وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) «5» 12- وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) «6» 13- إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) «7» 14- وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) «8»   (1) الصافات: 12- 14 (2) ص: 62- 63 ص (3) الزمر: 55- 56 مكية (4) الحجرات: 11 مدنية (5) التوبة: 58 مدنية (6) القلم: 10- 13 مكية (7) المطففين: 29- 36 مكية (8) الهمزة: 1- 4 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4607 الأحاديث الواردة في ذمّ (السخرية) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم آخر أهل النّار خروجا منها، وآخر أهل الجنّة دخولا، رجل يخرج من النّار حبوا «1» ، فيقول الله: اذهب فادخل الجنّة. فيأتيها فيخيّل إليه أنّها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربّ، وجدتها ملأى، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنّة: قال: فيأتيها فيخيّل إليه أنّها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربّ، وجدتها ملأى، فيقول اذهب فادخل الجنّة فإنّ لك مثل الدّنيا وعشرة أمثالها، أو إنّ لك عشرة أمثال الدّنيا- فيقول تسخر منّي (أو تضحك منّي) وأنت الملك؟» . فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه «2» . وكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنّة منزلة) * «3» . 2- * (عن أمّ هانيء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ (العنكبوت/ 29) قال: «كانوا يخذفون «4» أهل الأرض ويسخرون منهم» ) * «5» . 3- * (عن يعلى بن أميّة قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه جبّة وعليه درع من زعفران، فقال: يا رسول الله، إنّي أحرمت فيما ترى، والنّاس يسخرون منّي وأطرق هنيهة، قال: ثمّ دعاه، فقال: «اخلع عنك هذه الجبّة واغسل عنك هذا الزّعفران، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك» ) * «6» . 4- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استطاع منكم أن يكون مثل صاحب فرق الأرز «7» فليكن مثله» ، قالوا: يا رسول الله، وما صاحب فرق الأرز؟. قال: «خرج ثلاثة فغيّمت عليهم السّماء، فدخلوا غارا، فجاءت صخرة من أعلى الجبل حتّى طبّقت «8» الباب عليهم، فعالجوها، فلم يستطيعوها، فقال بعضهم لبعض: لقد وقعتم في أمر عظيم، فليدع كلّ رجل بأحسن ما عمل، لعلّ الله تعالى أن ينجينا من هذا. فقال أحدهم: اللهمّ إنّك تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت أحلب حلابهما، فأجيئهما وقد ناما، فكنت أبيت قائما   (1) حبوا: قال أهل اللغة: الحبو: المشي على اليدين والرجلين، أو اليدين والركبتين، وربما قالوا على يديه ومقعدته. (2) نواجذه: أنيابه وقيل الأضراس. (3) البخاري/ الفتح 11/ حديث رقم (6571) واللفظ له. ومسلم حديث رقم (308) . (4) يخذفون: أصل الخذف رميك بحصاة تكون بين سبابتك: أي يحقرونهم وينبذونهم. (5) الترمذي/ كتاب التفسير حديث رقم (3190) واللفظ له، وأحمد 6/ 341، 424. وقد أطال الأرناؤوط الكلام عليه في «جامع الأصول» (2/ 297- 298) فليراجع. (6) أحمد (4/ 242) ، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 205) : هو في الصحيح باختصار، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (7) فرق أرز: مكيال يسع ستة عشر رطلا، وهي اثنا عشر مدا. (8) طبقت الباب: غطته. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4608 وحلابهما على يدي، أكره أن أبدأ بأحد قبلهما، أو أن أوقظهما من نومهما، وصبيتي يتضاغون «1» حولي، فإن كنت تعلم أنّي إنّما فعلته من خشيتك فافرج عنّا. قال: فتحرّكت الصّخرة، قال: وقال الثّاني: اللهمّ إنّك تعلم أنّه كانت لي ابنة عمّ لم يكن شيء ممّا خلقت أحبّ إليّ منها، فسمتها نفسها «2» ، فقالت: لا والله دون مائة دينار، فجمعتها، ودفعتها إليها، حتّى إذا جلست منها مجلس الرّجل، فقالت: اتّق الله، ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه «3» ، فقمت عنها. فإن كنت تعلم أنّ ما فعلته من خشيتك فافرج عنّا. قال: فزالت الصّخرة حتّى بدت السّماء، وقال الثّالث: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق من أرز، فلمّا أمسى عرضت عليه حقّه فأبى أن يأخذه، وذهب وتركني، فتحرّجت منه، وثمّرته له، وأصلحته، حتّى اشتريت منه بقرا وراعيها، فلقيني بعد حين، فقال: اتّق الله، وأعطني أجري، ولا تظلمني، فقلت، انطلق إلى ذلك البقر وراعيها فخذها، فقال: اتّق الله، ولا تسخر بي، فقلت: إنّي لست أسخر بك، فانطلق فاستاق ذلك، فإن كنت تعلم أنّي إنّما فعلته ابتغاء مرضاتك خشية منك فافرج عنّا، فتدحرجت الصّخرة، فخرجوا يمشون» ) * «4» . 5- * (عن عبد الرّحمن بن يزيد عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رجل: إنّي لأرى صاحبكم يعلّمكم كيف تصنعون، حتّى إنّه ليعلّمكم إذا أتى أحدكم الغائط. قال: قلت نعم، أجل ولو سخرت، بأنّه ليعلّمنا كيف يأتي أحدنا الغائط، وإنّه ينهانا أن يستقبل أحدنا القبلة وأن يستدبرها، وأن يستنجي أحدنا بيمينه، وأن يتمسّح أحدنا برجيع ولا عظم، وأن يستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار) * «5» . المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في النهي عن (السخرية) 6- * (عن عائشة رضي الله عنها- قالت: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: حسبك من صفيّة كذا وكذا. قال- غير مسدّد «6» - تعني قصيرة. فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» . قالت: وحكيت   (1) يتضاغون: يصيحون ويبكون. (2) فسمتها نفسها: من السوم والمساومة وهو المجاذبة بين البائع والمشتري حول السلعة. (3) لا تفض الخاتم إلا بحقه: أي لا تكسر الخاتم، وكنّت بالخاتم عن عذرتها، أرادت أنها لا تحل له أن يقربها إلا بحق ذلك. (4) مسند أحمد 2/ 116 قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح ورواه البخاري ومسلم بنحوه. (5) أحمد في المسند (5/ 437) ، وأصله عند مسلم في الطهارة (262) . (6) اول راو من رواة الحديث. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4609 له إنسانا، فقال: ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا» ) * «1» . 7- عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا «2» فعيّرته بأمّه «3» ، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة «4» . إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (السخرية) 1- * (في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ... الآية. قال ابن عبّاس: نزلت في ثابت بن قيس بن شمّاس، كان في أذنه وقر، فإذا سبقوه إلى مجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو سعوا له إذا أتى حتّى يجلس إلى جنبه ليسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته من صلاة الفجر ركعة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا انصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ أصحابه مجالسهم منه، فربض كلّ رجل منهم بمجلسه، وعضّوا فيه «6» فلا يكاد يوسع أحد لأحد، حتّى يظلّ الرّجل لا يجد مجلسا فيظلّ قائما. فلمّا انصرف ثابت من الصّلاة تخطّى رقاب النّاس، ويقول: تفسّحوا، تفسّحوا، ففسحوا له حتّى انتهى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبينه وبينه رجل، فقال له: تفسّح، فقال له الرّجل: قد وجدت مجلسا فاجلس. فجلس ثابت من خلفه مغضبا، ثمّ قال: من هذا؟ قالوا: فلان. فقال ثابت: ابن فلانة! يعيّره بها، يعني أمّا له في الجاهليّة، فاستحيا الرّجل. فنزلت) * «7» . 2- * (وقال الضّحّاك: نزلت في وفد بني تميم، كانوا يستهزئون بفقراء الصّحابة مثل عمّار، وخبّاب. وبلال، وصهيب، وسلمان، وسالم- مولى أبي حذيفة-، وغيرهم، لما رأوا من رثاثة حالهم، فنزلت في الّذين آمنوا منهم) * «8» . 3- * (وقيل: نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلما، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا: ابن فرعون هذه الأمّة. فشكا ذلك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنزلت) * «9» . 4- * (قال الطّبريّ في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ.. الآية: يقول   (1) أبو داود/ كتاب الأدب، حديث رقم (4875) ، والترمذي (2632) (2633) . وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «رياض الصالحين» رقم (1525) : إسناده صحيح. (2) قيل: هذا الرجل هو بلال مؤذن الرسول صلّى الله عليه وسلّم. (3) عيرته بأمه: نسبته إلى العار. (4) فيك جاهلية: أي خصلة جاهلية. (5) البخاري/ الفتح 1/ حديث رقم (30) . (6) أي تمسك كل منهم بمجلسه لا يريد أن يبرحه. (7) تفسير القرطبي ج 16/ 325. (8) المرجع نفسه، والصفحة نفسها، وغذاء الألباب 1/ 130. (9) تفسير القرطبي 16/ 325. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4610 - تعالى ذكره-: يا أيّها الّذين صدّقوا الله ورسوله لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ أي المهزوء منهم خير من الهازئين، وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ أي: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات عسى المهزوء منهنّ أن يكنّ خيرا من الهازئات) * «1» . 5- * (وقال الطّبريّ في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ.. الآية. « ... إنّ الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السّخرية، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن، لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك» ) * «2» . 6- * (وقال في قوله تعالى.. وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ.. أي: ولا يغتب بعضكم بعضا أيّها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض. وقال: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ فجعل اللّامز أخاه لامزا نفسه، لأنّ المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره وطلب صلاحه ومحبّته الخير ولذلك روي الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمّى والسّهر» ) * «3» . 7- * (روي عن أنس وعكرمة بن عباس- رضي الله عنهم- أنّ قوله- تعالى- وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ نزلت في صفيّة بنت حييّ بن أخطب، أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إنّ النّساء يعيّرنني، ويقلن لي: يا يهوديّة بنت يهوديّين! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلّا قلت إنّ أبي هارون، وإنّ عمّي موسى، وإنّ زوجي محمّد» فأنزل الله هذه الآية) * «4» . 8- * (قال الطّبريّ في قوله تعالى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ اختلف أهل التّأويل في الألقاب الّتي نهى الله عن التّنابز بها في هذه الآية: فقال بعضهم: عنى بها الألقاب الّتي يكره النّبز بها الملقّب، وقالوا: إنّما نزلت هذه الآية في قوم كانت لهم أسماء في الجاهليّة، فلمّا أسلموا نهوا أن يدعو بعضهم بعضا بما يكره من أسمائه الّتي كان يدعى بها في الجاهليّة. وقال آخرون: بل ذلك قول الرّجل المسلم للرّجل المسلم: يا فاسق، يا زاني. وقال آخرون: بل ذلك تسمية الرّجل الرّجل بالكفر بعد الإسلام، وبالفسوق والأعمال القبيحة بعد التّوبة.. ثمّ قال: والّذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصّواب أن يقال: إنّ الله- تعالى ذكره- نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب، والتّنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمّ الله بنهيه ذلك ولم يخصّص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه   (1) تفسير القرطبي مجلد 11 ج 26/ 83. (2) تفسير الطبري مجلد 11 ج 26/ 83. (3) المرجع نفسه، والصفحة نفسها. (4) تفسير القرطبي ج 16 ص 326 والبحر المحيط 8/ 112، وغذاء الألباب/ السفاريني 1/ 130، 131. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4611 باسم يكرهه أو صفة يكرهها) * «1» . 9- * (وفي قوله تعالى.. وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ قال القرطبيّ: أفرد النّساء بالذّكر لأنّ السّخرية منهنّ أكثر. وقال: قال المفسّرون: نزلت في امرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سخرتا من أمّ سلمة، وذلك أنّها ربطت خصريها بسبيبة- وهو ثوب أبيض- وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرّها، فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما-: انظري! ما تجرّ خلفها كأنّه لسان كلب، فهذه كانت سخريتهما) * «2» . 10- * (قال القرطبيّ عند تفسير يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ.. وبالجملة فينبغي ألّا يجتريء أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رثّ الحال، أو ذا عاهة في بدنه، أو غير لبيق في محادثته، فلعلّه أخلص ضميرا، وأنقى قلبا ممّن هو على ضدّ صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقّره الله، والاستهزاء بمن عظّمه الله. ولقد بلغ بالسّلف إفراط توقّيهم وتصوّنهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل: لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الّذي صنع. وعن عبد الله بن مسعود: البلاء موكّل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا «3» . زاد في نزهة الفضلاء: «وإنّي لأكره أن أرى الرّجل فارغا ليس في عمل آخرة ولا دنيا» ) *. 11- * (قال النّيسابوريّ في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ الآية (المطففين/ 29) قال المفسّرون: هم مشركو مكّة أبو جهل، والوليد بن المغيرة وأضرابهما، كانوا يضحكون من عمّار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين «4» . وقيل: جاء عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون، وضحكوا وتغامزوا، ثمّ رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع، فضحكوا منه، فنزلت هذه الآي قبل أن يصل عليّ- كرّم الله وجهه- إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . 12- * (قال الطّبريّ في تفسيره الآيات إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ.. الآيات. إنّ الّذين اكتسبوا المآثم فكفروا بالله في الدّنيا كانوا فيها من الّذين أقرّوا بوحدانيّة الله وصدّقوا به يضحكون استهزاء منهم بهم، وكان هؤلاء الّذين   (1) تفسير الطبري مجلد 11 ج 26/ 84، 85. (2) تفسير القرطبي ج 16/ 326، والبحر المحيط ج 8/ 11 (3) تفسير القرطبي ج 16 ص 325 وانظر الاثر الاخير عن ابن مسعود في نزهة الفضلاء 1/ 85. وتفسير البحر المحيط 8/ 112. (4) غرائب القرآن ورغائب الفرقان/ النيسابوري بها من الطبري مجلد 12 ج 30 ص 51 وتفسير القرطبي ج 19/ 267. (5) غرائب القرآن، الصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4612 أجرموا إذا مرّ الّذين آمنوا بهم يتغامزون: أي يغمز بعضهم بعضا بالمؤمن استهزاء به وسخرية) * «1» . 13- * (قال القرطبيّ في قول الله تعالى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي (المؤمنون/ 110) . يستفاد من هذا: التّحذير من السّخرية والاستهزاء بالضّعفاء والمساكين والاحتقار لهم والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأنّ ذلك مبعد من الله عزّ وجلّ) * «2» . 14- * (وقال بعضهم: لو سخرت من راضع لخشيت أن يجوز بي فعله) * «3» . 15- قال العلّامة الشّيخ مرعي في أقاويل الثّقات: الاستهزاء من باب العبث والسّخرية، فمعنى يستهزيء بهم أي يجازيهم على استهزائهم، وهو من باب المشاكلة في اللّفظ ليزدوج الكلام ك وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ. والمعنى: يعاملهم معاملة المستهزيء، أمّا في الدّنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم، واستدراجهم بالإمهال. وأمّا في الآخرة فيروى أنّه يفتح لأحدهم باب الجنّة فيسرع نحوه، فإذا سار إليه سدّ دونه، ثمّ يفتح له باب آخر، فإذا أقبل عليه سدّ دونه. وهذا الّذي قاله على طريقة الخلف. وأمّا مذهب السّلف فلا يؤوّلون ولا يكيّفون فيؤمنون بما أخبر، لا كما يخطر في أوهام البشر) * «4» . 16- * (قال الشّاعر: المرء إن كان عاقلا ورعا ... أشغله عن عيوبه ورعه كما السّقيم المريض يشغله ... عن وجع النّاس كلّهم وجعه ) * «5» . 17- * (وقال آخر: لا تكشفنّ مساوي النّاس ما ستروا ... فيهتك الله سترا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدا منهم بما فيكا ) * «6» . 18- * (عن أسير بن جابر أنّ أهل الكوفة وفدوا إلى عمر وفيهم رجل ممّن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل ههنا أحد من القرنيّين؟ فجاء ذلك الرّجل فقال عمر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قال: «إنّ رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أمّ له، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه، إلّا موضع الدّينار أو الدّرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم) * «7» .   (1) تفسير الطبري مجلد 12 ج 30 ص 70. (2) تفسير القرطبي 12/ 155. (3) لسان العرب 4/ 353 (ط. بيروت) . (4) غذاء الألباب 1/ 131 وواضح أن كلامه هذا عن قول الله تعالى في سورة (البقرة/ آية 15) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ.. الآية. وانظر صفة (الاستهزاء) . (5) تفسير القرطبي ج 16/ 327. (6) نفسه. (7) مسلم حديث رقم (2542) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4613 من مضار (السخرية) (1) في السّخرية مخالفة صريحة لأمر الله عزّ وجلّ ثمّ هي جالبة لسخطه مستوجبة لعذابه. (2) السّخرية تفكّك عرى المجتمع وتجعل المستسخر به ناقما على السّاخر متربّصا به يحاول الانتقام لنفسه. (3) السّخرية نذير شؤم للسّاخرين، فقد كان الغرق عاقبة قوم نوح الّذين كفروا بالله وسخروا من نوح. (4) السّخرية تفقد السّاخر الوقار وتسقط عنه المروءة. (5) السّاخر يظلم نفسه بتحقير من وقّره الله عزّ وجلّ واستصغار من عظّمه الله. (6) السّخرية انتهاك صريح لحقوق الإنسان عامة، ومخلّة بمبدأ تكريم الإنسان على وجه الخصوص. (7) السّخرية تميت القلب وتورثه الغفلة حتّى إذا كان يوم القيامة ندم السّاخر على ما قدّمت يداه، ولات ساعة مندم أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (انظر الآية رقم 9) . (8) السّخرية من سمات الكفّار والمنافقين، وقد نهينا عن التّشبّه بهم. (9) في ارتكاب السّخرية اقتراف أمر محرّم نهى عنه الشّرع الحنيف (انظر حكم السّخرية) . (10) السّاخرون من النّاس في الدّنيا، يسخر منهم الله عزّ وجلّ، وأنبياؤه الكرام (انظر الآيات 3، 4) . (11) السّخرية تنسي الإنسان ذكر ربّه، وبذلك يخسر السّاخر نفسه ويلقي بها في النّار (انظر الآية 6) . (12) السّخرية داء من أدواء الجاهليّة يجب تجنّبه والبعد عنه. (13) اللّامز لأخيه المؤمن السّاخر منه، إنّما يلمز نفسه ويسخر منها لأنّ المؤمنين كرجل واحد. (14) السّخرية وما في معناها من الاستهزاء بالضّعفاء والمساكين والتّحقير لهم والإزراء عليهم، كلّ ذلك مبعد من الله عزّ وجلّ (انظر الأثر رقم 13) . (15) على السّاخر أن يتوقّع عقوبته في الدّار العاجلة أيضا بأن يحدث له مثل ما حدث للمسخور منه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4614 السخط السخط لغة: مصدر قولهم: سخط يسخط سخطا وسخطا وهو مأخوذ من مادّة (س خ ط) الّتى تدلّ على الكراهية للشّيء والغضب منه وعدم الرّضا به، يقال: سخط فلان أي غضب فهو ساخط، وأسخطه أي أغضبه، ويقال: فلان مسخوط عليه أي مغضوب عليه، وتسخّط الرّجل تغضّب، يقال: البرّ مرضاة للرّبّ مسخطة للشّيطان أي يكرهه الشّيطان ولا يرضاه، والمسخوط: المنسوخ، والمساخط جمع مسخط وهو ما يحملك على السّخط، ويستعمل الفعل «سخط» لازما كما في قوله تعالى: إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (التوبة/ 58) وقد يتعدّى بالهمزة كما في قوله سبحانه ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ (محمد/ 28) . وقد يعدّى بحرف الجرّ على، فيقال: سخط الله عليهم. وقال ابن منظور: السّخط: الكراهة، وهو ضدّ الرّضا، والفعل منه سخط يسخط سخطا، وتسخّط وسخط الشّيء سخطا: كرهه. وسخط أي غضب، فهو ساخط. وأسخطه: أغضبه. تقول: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 31/ 5 أسخطني فلان فسخطت سخطا. وتسخّط عطاءه أي استقلّه ولم يقع موقعا. يقول: كلّما عملت له عملا تسخّطه أي لم يرضه. وفي حديث هرقل: «فهل يرجع أحد منهم عن دينه سخطة له؟» السّخط والسّخط: الكراهية للشّيء وعدم الرّضا به. ومنه الحديث: «إنّ الله يسخط لكم كذا» . أي يكرهه لكم، ويمنعكم منه ويعاقبكم عليه «1» . واصطلاحا: الغضب الشّديد المقتضي للعقوبة، وهو من الله (السّخط) صفة فعل الله عزّ وجلّ حقيقة على ما يليق بجلاله ومن لوازمه إنزال العذاب «2» . الفرق بين السخط والغضب: قال الكفويّ: السّخط لا يكون إلّا من الكبراء والعظماء بخلاف الغضب فإنّه يكون منهما ومن غيرهما «3» . [للاستزادة: انظر صفات: النقمة- الجزع- الغضب- الغل- الحقد- الخبث. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرضا- السرور- الصبر والمصابرة- المحبة- البشاشة] .   (1) لسان العرب (7 (312، 313) ، الصحاح (3/ 1130) ، وتاج العروس (10/ 278) ، والمفردات للراغب (227) . (2) انظر: التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (198) ، والمفردات للرلاغب (227) . (3) الكليات (515) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4615 الآيات الواردة في «السخط» 1- أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (163) «1» 2- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) «2» 3- وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) «4»   (1) آل عمران: 162- 163 مدنية (2) المائدة: 78- 80 مدنية (3) التوبة: 58 مدنية (4) محمد: 25- 28 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4616 الأحاديث الواردة في ذمّ (السخط) 1- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك- وهو في قبّة من أدم- فقال: «اعدد ستّا «1» بين يدي السّاعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان «2» يأخذ فيكم كعقاص الغنم «3» ، ثمّ استفاضة المال «4» حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر «5» فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية «6» تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «7» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ ... الحديث، وفيه: «فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم «8» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله «9» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي. فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «10» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حضر المؤمن «11» أتته ملائكة الرّحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيّا عنك، إلى روح الله «12» وريحان، وربّ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتّى إنّه ليناوله بعضهم بعضا، حتّى يأتون به باب السّماء، فيقولون: ما أطيب هذه الرّيح، الّتي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشدّ فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه، فإنّه كان في غمّ الدّنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمّه الهاوية. وإنّ الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك، إلى عذاب الله- عزّ وجلّ-   (1) ستا: أي ست علامات لقيام الساعة، أو لظهور أشراطها المقتربة منها. (2) ثم موتان: بضم الميم قيل هو الموت، وقيل: الموت الكثير الوقوع. (3) كعقاص الغنم: هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. (4) ثم استفاضة المال: أي كثرته. (5) بني الأصفر: هم الروم. (6) غاية: راية. (7) البخاري- الفتح 6 (3176) . (8) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ. (9) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله. (10) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (183) واللفظ له. (11) حضر المؤمن: أي حضرته الوفاة. (12) روح الله: أي رحمته. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4617 فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتّى يأتون به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الرّيح، حتّى يأتون به أرواح الكفّار» ) * «1» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص «2» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «3» ... الحديث، وفيه: «قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك، أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم «4» شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك، وسخط على صاحبيك» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم» ) * «6» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعرف غضبك ورضاك» قالت: قلت: كيف تعرف ذاك يا رسول الله؟ قال: «إنّك إذا كنت راضية قلت: بلى وربّ محمّد، وإذا كنت ساخطة قلت: لا وربّ إبراهيم» . قالت: قلت: أجل، لا أهجر إلّا اسمك) * «7» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعس عبد الدّينار وعبد الدّرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس «8» وانتكس «9» ، وإذا شيك فلا انتقش «10» . طوبى «11» لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرّة قدماه، إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في السّاقة كان في السّاقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفّع» ) * «12» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أمّ قوما وهم له كارهون، وامرأة   (1) صحيح سنن النسائي (1729) . والصحيحة للألباني (1309) . (2) أبرص: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص وأبرصه الله. (3) يبتليهم: أي يختبرهم. (4) أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه. (5) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 11 (6478) . (7) البخاري- الفتح 10 (6078) . (8) تعس: أي انكب وعثر ومعناه الدعاء عليه. (9) انتكس: انقلب على رأسه. (10) إذا شيك فلا انتقش: أي إذا أصابته شوكة لا يستطيع إخراجها. (11) طوبى: شجرة في الجنة. (12) البخاري- الفتح 6 (2887) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4618 باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان «1» » ) * «2» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رضا الرّبّ في رضا الوالد، وسخط الرّبّ في سخط الوالد» ) * «3» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش، فالتمسته. فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «4» . 11- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» ) * «5» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لا يتلقّى «6» الرّكبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا «7» ، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصرّوا الإبل والغنم «8» ، فمن ابتاعها «9» بعد ذلك فهو بخير النّظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر» ) * «10» . 13- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك ... الحديث، وفيه: فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما، زاح عنّي الباطل حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه. وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادما. وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثمّ جلس للنّاس. فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون. فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له. وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم. وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله. حتّى جئت فلمّا سلّمت تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» ، فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك «11» ؟» قال قلت: يا رسول الله إنّي، والله   (1) متصارمان: أي متقاطعان. (2) أبو داود (593) . الترمذي (360) من حديث أبي أمامة- رضي الله عنه- وابن ماجة (971) واللفظ له وفي الزوائد: إسناده صحيح. (3) الترمذي (1899) وصححه الألباني صحيح الترمذي (1549) والحاكم في المستدرك (4/ 152) واللفظ متفق عليه عندهما وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (4) مسلم (486) . (5) مسلم (2739) . (6) لا يتلقى الركبان لبيع: تلقي الركبان هو أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد ويخبره بكساد ما معه كذبا ليشتري منه سلعته. (7) ولا تناجشوا: من النجش وهو من يثير الرغبة في السلعة ويرفع ثمنها. (8) لا تصروا الإبل والغنم: من التصرية وهي الجمع والمعنى: لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها. (9) ابتاعها: أي اشتراها. والضمير يعود على المصراة المفهومة من السياق. (10) البخاري- الفتح 4 (2148) . ومسلم (1515) واللفظ له. (11) ابتعت ظهرك: أي اشتريت جملا تركبه في الحرب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4619 لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا. ولكنّي والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إنّي لأرجو فيه عقبى الله) * «1» . 14- * (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- قالت: لمّا توفّي ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إبراهيم، بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له المعزّي: (إمّا أبو بكر وإمّا عمر) : أنت أحقّ من عظّم الله حقّه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرّبّ. لولا أنّه وعد صادق وموعود جامع، وأنّ الآخر تابع للأوّل لوجدنا «2» عليك يا إبراهيم أفضل ممّا وجدنا. وإنّا بك لمحزونون» ) * «3» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من التمس رضا الله بسخط النّاس كفاه الله مؤونة النّاس. ومن التمس رضا النّاس بسخط الله وكله الله إلى النّاس» ) * «4» . 16- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعان على خصومة بظلم (أو يعين على ظلم) لم يزل في سخط الله حتّى ينزع «5» » ) * «6» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك إن طالت بك مدّة، أن ترى قوما في أيديهم مثل أذناب البقر. يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله» ) * «7» . 18- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ أبا سفيان بن حرب أخبره أنّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ... الحديث وفيه قول هرقل لأبي سفيان: «وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت: أن لا. فقد أعرف أنّه لم يكن ليذر الكذب على النّاس ويكذب على الله. وسألتك: أشراف النّاس اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت: أنّهم يزيدون. وكذلك أمر الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك: أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت: أن لا. وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب ... الحديث» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 7 (4418) . مسلم 4 (2769) واللفظ له. (2) لوجدنا: أي لغضبنا وبكينا. (3) مسلم (2315) . وابن ماجة (1589) واللفظ له، وفي الزوائد: إسناده حسن. (4) الترمذي (4/ 2414) وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (1967) وهو في الصحيحة (2311) . وحسّنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «موارد الظمآن» رقم (1542) . (5) حتى ينزع: أي حتى يترك ذلك بالتوبة. (6) ابن ماجة (2320) واللفظ له. وأبو داود (3598) . والألباني في صحيح أبي داود (3066) . (7) مسلم (2857) . (8) البخاري- الفتح 1 (7) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4620 الأحاديث الواردة في ذمّ (السخط) معنى 19- * (عن بشير بن الخصاصية- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبايعه على الإسلام، فاشترط عليّ: «تشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وتصلّي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدّي الزّكاة، وتحجّ البيت، وتجاهد في سبيل الله» . قال: قلت: يا رسول الله أمّا اثنتان فلا أطيقهما، أمّا الزّكاة فمالي إلّا عشر ذود هنّ رسل أهلي وحمولتهم، وأمّا الجهاد فيزعمون أنّه من ولّى فقد باء بغضب من الله، فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي. قال: فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده ثمّ حرّكها ثمّ قال: «لا صدقة ولا جهاد، فبم تدخلون الجنّة؟» قال: ثمّ قلت: يا رسول الله أبايعك، فبايعني عليهنّ كلّهنّ) * «1» . 20- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى نخامة في القبلة فحكّها بيده، ورؤي منه كراهية- أو رؤي كراهيته لذلك وشدّته عليه- وقال: «إنّ أحدكم إذا قام في صلاته فإنّما يناجي ربّه- أو ربّه بينه وبين قبلته- فلا يبزقنّ في قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدمه» . ثمّ أخذ طرف ردائه فبزق فيه، وردّ بعضه على بعض، قال: «أو يفعل هكذا» ) * «2» . 21- * (عن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه قال: «إنّه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون. فمن كره فقد برىء. ومن أنكر فقد سلم. ولكن من رضي وتابع» قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟. قال: «لا، ما صلّوا» ) * «3» . 22- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما. وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النّار» ) * «4» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أنبئني، ما أحقّ النّاس منّي بحسن الصّحبة؟ فقال: «نعم وأبيك لتنبّأنّ: أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أبوك» قال: نبّئني يا رسول الله عن مالي كيف أتصدّق فيه؟ قال: «نعم. والله لتنبّأنّ: أن تصدّق وأنت صحيح شحيح. تأمل العيش، وتخاف الفقر. ولا تمهل حتّى إذا بلغت نفسك هاهنا، قلت: مالي لفلان، ومالي لفلان. وهو لهم، وإن كرهت» ) * «5» . 24- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيار أئمّتكم الّذين تحبّونهم   (1) أحمد (5/ 224) . والحاكم في المستدرك (2/ 79، 80) واللفظ له وصححه وأقره الذهبي. (2) البخاري- الفتح 1 (417) واللفظ له. وهو عند مسلم بغير هذا اللفظ (3008) من حديث جابر وقصة أبي اليسر. (3) مسلم (1854) . (4) البخاري- الفتح 1 (16) . ومسلم (43) واللفظ له. (5) ابن ماجة (2706) والحديث أصله في الصحيحين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4621 ويحبّونكم. ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم. وشرار أئمّتكم الّذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسّيف؟ فقال: «لا. ما أقاموا فيكم الصّلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة» ) * «1» . 25- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا الصّالحة من الله، والحلم من الشّيطان، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا، وليتعوّذ من الشّيطان، فإنّها لا تضرّه. وإنّ الشّيطان لا يتراءى بي» ) * «2» . 26- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ) * «3» . 27- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رجل يا رسول الله أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك» وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر وهجرة البادي. فأمّا البادي فيجيب إذا دعي ويطيع إذا أمر. وأمّا الحاضر فهو أعظمها بليّة وأعظمها أجرا» ) * «4» . 28- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا رأى ما يحبّ قال: «الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات» . وإذا رأى ما يكره قال: «الحمد لله على كلّ حال» ) * «5» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «6» فسمعت أمّي خشف قدميّ «7» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «8» . قال: فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال: قلت يا رسول   (1) مسلم (1855) . (2) البخاري- الفتح 12 (6995) واللفظ له. ومسلم (2261) . (3) البخاري- الفتح 13 (7144) واللفظ له. ومسلم (1839) . (4) النسائي (7/ 144) وقال محقق جامع الأصول (11/ 608) : حديث حسن. (5) ابن ماجة (3803) واللفظ له، وفي الزوائد: إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 499) . وصححه وأقره الذهبي. والبغوي في شرح السنة (5/ 180) وقال محققه: حسن بشواهده. (6) مجاف: مغلق. (7) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض. (8) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4622 الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين. وحبّب إليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «1» . 30- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام- أو يا غليّم- ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «2» . 31- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان له شريك في ربعة «3» أو نخل فليس له أن يبيع حتّى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ، وإن كره ترك» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (السخط) 1- * (قال لقمان لابنه: «أوصيك بخصال تقرّبك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت» ) * «5» . 2- * (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: «الإيمان من خشي الله بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما أسخط الله» ) * «6» . 3- * (قال عبد الله بن معاوية بن جعفر: وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة ... كما أنّ عين السّخط تبدي المساويا 4- * (قال كشاجم: لم أرض عن نفسي مخافة سخطها ... ورضا الفتى عن نفسه إغضابها ولوانّني عنها رضيت لقصّرت ... عمّا تزيد بمثله آدابها وتبيّنت آثار ذاك فأكثرت ... عذلي عليه فطال فيه عتابها ) * «7» .   (1) مسلم (2491) . (2) رواه أحمد في المسند (1/ 307، 308) واللفظ له، وقال محققه: إسناده صحيح. والترمذي (2516) وقال: حديث حسن صحيح. (3) الربعة: بفتح الراء وإسكان الباء: الدار والمسكن ومطلق الأرض. (4) مسلم (1608) . (5) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 229) . (6) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) . (7) أدب الدنيا والدين للماوردي (230) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4623 5- * (قال العمريّ الزّاهد: «إنّ من غفلتك عن نفسك، وإعراضك عن الله أن ترى ما يسخط الله فتتجاوزه ولا تأمر فيه، ولا تنهى عنه، خوفا ممّن لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا» ) * «1» . من مضار (السخط) (1) دليل سوء الظّنّ بالله- عزّ وجلّ-. (2) يورث الخيبة والخسران في الدّنيا والآخرة. (3) علامة سوء الخاتمة. (4) دليل على سوء النّيّة وفساد الطّويّة. (5) طريق موصّل إلى عذاب الله.   (1) الجواب الكافي لابن القيم (ص 55) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4624 السرقة السرقة لغة: مصدر قولهم: سرق الشّيء يسرقه سرقة أي أخذه خفية. السّرقة: وهو مأخوذ من مادّة (س ر ق) الّتي تدلّ على ذات المعنى، يقول ابن فارس: السّين والرّاء والقاف أصل يدلّ على أخذ شيء في خفاء وستر، يقال: سرق يسرق سرقة وسرقا، واسترق السّمع إذا تسمّع مختفيا وسرق منه مالا يسرق سرقا بالتّحريك، والاسم منه السّرق والسّرقة بكسر الرّاء فيهما جميعا، وربّما قالوا: سرقه مالا. وفي المثل: «سرق السّارق فانتحر» . والسّرق: شقاق الحرير. وقيل: أجوده، وقيل: إنّها البيض منه. والسّرق بمعنى السّرقة، وفى حديث عديّ «ما تخاف على مطيّتها السّرق» هو بمعنى السّرقة وهو في الأصل مصدر، ومنه حديث «تسترق الجنّ السّمع» هو تفتعل من السّرقة أي أنّها تسمعه مختفية كما يفعل السّارق. والسّرقة أخذ الشّيء الّذي ليس للسّارق أخذه في خفاء، والسّارق عند العرب: من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 14/ 6 والمسارقة والاستراق والتّسرّق: اختلاس النّظر والسّمع. وسرق الشّيء سرقا: خفي. وسرقت مفاصله وانسرقت: ضعفت. والانسراق: أن يخنس إنسان عن قوم ليذهب. والتّسريق: النّسبة إلى السّرقة، ومنه قراءة أبي البرهسم وابن أبي عبلة: «إنّ ابنك سرّق» بضمّ السّين وكسر الرّاء المشدّدة. والمسترق: النّاقص الضّعيف الخلق، ويقال: تسرّق، إذا سرق شيئا فشيئا. ويقال: سارق النّظر إليه إذا اهتبل غفلته لينظر إليه «1» . السرقة اصطلاحا: قال الرّاغب: السّرقة في الشّرع: تناول المرء الشّيء (الّذي ليس له خفية) من موضع مخصوص وقدر مخصوص «2» . وقال الجرجانيّ: السّرقة (الّتي توجب الحدّ) عبارة عن أخذ مكلّف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة محرزة بمكان أو حافظ بلا شبهة، فإن كان المسروق أقلّ من عشرة مضروبة فإنّه يكون سرقة شرعا، ولا يكون سرقة في حقّ القطع (أي قطع يد   (1) المقاييس (3/ 154) ، والصحاح (4/ 1496) ، واللسان (3/ 1998) ، والتاج (13/ 215) ، والمفردات (231) . (2) المفردات (231) بتصرف يسير، وعنه أخذ المناوي، انظر التوقيف (193) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4625 السّارق حدّا) «1» . وقال ابن قدامة: لا قطع إلّا فيما قيمته ثلاثة دراهم «2» . وقال الكفويّ: السّرقة: أخذ مال معتبر من حرز أجنبيّ لا شبهة فيه خفية وهو قاصد للحفظ، في نومه أو غفلته «3» . الفرق بين السرقة والطر (النهب) والنبش: قال الكفويّ: الطّرّ أخذ مال الغير وهو حاضر يقظان قاصد حفظه، وجناية الطّرّ أقوى لزيادة فعله على فعل السّارق. فيثبت وجوب القطع فيه بالطّريق الأولى، وذلك بخلاف النّبّاش (للقبور) ، الّذي يأخذ مالا من حرز ناقص خفية، فيكون فعله أدنى من فعل السّارق، فلا يلحق به حدّ، ولا يقطع عند أبي حنيفة ومحمّد، خلافا لأبي يوسف رحمهم الله «4» . حكم السرقة: السّرقة من الكبائر الّتي يجب فيها الحدّ. وقد عدّها الذّهبيّ الكبيرة الثّالثة والعشرين، ونقل عن ابن شهاب قوله: نكّل الله بالقطع في سرقة أموال النّاس. والله عزيز في انتقامه من السّارق حكيم فيما أوجبه من قطع يده، ولا تنفع السّارق توبته إلّا أن يردّ ما سرقه، فإن كان مفلسا تحلّل من صاحب المال «5» . وقال ابن حجر: عدّ السّرقة من الكبائر هو ما اتّفق عليه العلماء، وهو ما صرّحت به الأحاديث، والظّاهر أنّه لا فرق في كونها كبيرة بين الموجبة للقطع، وعدم الموجبة له لشبهة لا تقتضي حلّ الأخذ، كأن سرق حصر مسجد، أو سرق مالا غير محرّز، وقال الحليميّ: وسرقة الشّيء التّافه صغيرة، فإن كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عمّا أخذ منه صارت كبيرة وإن لم توجب الحدّ.. قال: وأخذ أموال النّاس بغير حقّ كبيرة، فإن كان المأخوذ ماله فقيرا أو أصلا للآخذ أو أخذ قهرا، أو كرها، أو على سبيل القمار فهو فاحشة، فإن كان المأخوذ شيئا تافها والمأخوذ منه غنيّا لا يتبيّن عليه من ذلك ضرر، فذلك صغيرة «6» . [للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام. التطفيف- الرشوة- الغش- الغلول- اتباع الهوى- انتهاك الحرمات- الطمع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- الشرف- العفة- القناعة- النزاهة- أكل الطيبات- الأمانة- المراقبة- تعظيم الحرمات- الصلاح] .   (1) التعريفات (123) بتصرف. (2) المغني لابن قدامة (12/ 418) ، وفي القدر الذي يوجب القطع اختلاف في المذاهب. (3) الكليات (514) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) الكبائر (98) . (6) الزواجر (564) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4626 الآيات الواردة في «السرقة» 1- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «1» 2- فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (70) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (71) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) * قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) «2»   (1) المائدة: 38- 39 مدنية (2) يوسف: 70- 83 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4627 3- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «1»   (1) الممتحنة: 12- 13 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4628 الأحاديث الواردة في ذمّ (السرقة) 1- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: انكسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال النّاس: إنّما انكسفت لموت إبراهيم. فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصلّى بالنّاس ستّ ركعات بأربع سجدات. بدأ فكبّر. ثمّ قرأ فأطال القراءة. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع، فقرأ قراءة دون القراءة الأولى. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع فقرأ قراءة دون القراءة الثّانية. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع. ثمّ انحدر بالسّجود فسجد سجدتين. ثمّ قام فركع أيضا ثلاث ركعات. ليس فيها ركعة إلّا الّتي قبلها أطول من الّتي بعدها. وركوعه نحوا من سجوده. ثمّ تأخّر، وتأخّرت الصّفوف خلفه. حتّى انتهينا. (وقال أبو بكر: حتّى انتهى إلى النّساء) ثمّ تقدّم، وتقدّم النّاس معه. حتّى قام في مقامه. فانصرف حين انصرف، وقد آضت الشّمس «1» . فقال: «يا أيّها النّاس، إنّما الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. وإنّهما لا ينكسفان لموت أحد من النّاس (وقال أبو بكر: لموت بشر) فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلّوا حتّى تنجلي. ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه. لقد جيء بالنّار. وذلكم حين رأيتموني تأخّرت مخافة أن يصيبني من لفحها «2» . وحتّى رأيت فيها صاحب المحجن يجرّ قصبه في النّار، كان يسرق الحاجّ بمحجنه «3» . فإن فطن له قال: إنّما تعلّق بمحجني. وإن غفل عنه ذهب به «4» . وحتّى رأيت فيها صاحبة الهرّة الّتي ربطتها فلم تطعمها. ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض. حتّى ماتت جوعا. ثمّ جيء بالجنّة. وذلكم حين رأيتموني تقدّمت حتّى قمت في مقامي. ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه. ثمّ بدا لي أن لا أفعل. فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه» ) * «5» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تشربوا مسكرا، فمن فعل من ذلك شيئا فأقيم عليه حدّه فهو كفّارة.   (1) وقد آضت الشمس: ومعناه رجعت إلى حالها الأول قبل الكسوف. وهو من آض يئيض، إذا رجع. ومنه قولهم: أيضا. وهو مصدر منه. (2) مخافة أن يصيبني من لفحها: أي من ضرب لهبها. ومنه قوله تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ. أي يضربها لهبها. والنفح دون اللفح. قال الله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ أي أدنى شيء منه. (3) بمحجنه: المحجن عصا معقفة الطرف. (4) ومعنى هذا أنه يحتال للإفلات من العقوبة عند التنبه إليه باستخدام العصا المعقفة في السرقة. (5) مسلم (904) وخرجاه من حديث جماعة من الصحابة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4629 ومن ستر الله عليه فحسابه على الله- عزّ وجلّ-، ومن لم يفعل من ذلك شيئا ضمنت له على الله الجنّة» ) * «1» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ امرأة سرقت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء بها الّذين سرقتهم، فقالوا: يا رسول الله إنّ هذه المرأة سرقتنا، قال قومها: فنحن نفديها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقطعوا يدها» فقالوا: نحن نفديها بخمسمائة دينار، فقال: «اقطعوا يدها» ، فقطعت يدها اليمنى، فقالت المرأة: هل لي من توبة يا رسول الله؟ قال: «نعم. أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمّك» فأنزل الله- عزّ وجلّ- في سورة المائدة: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ..) (المائدة/ 39)) * «2» . 4- * (عن صفوان بن أميّة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا سرق بردة له، فرفعه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر بقطعه، فقال: يا رسول الله قد تجاوزت عنه، فقال: «أبا وهب أفلا كان قبل أن تأتينا» فقطعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّتهم المرأة المخزوميّة الّتي سرقت فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن يجترأ عليه إلّا أسامة حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟» ثمّ قام فخطب فقال: «يأيّها النّاس، إنّما ضلّ من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق الشّريف تركوه، وإذا سرق الضّعيف فيهم أقاموا عليه الحدّ، وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها» ) * «4» . 6- * (عن سلمة بن قيس- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّما هي أربع، فما أنا بأشحّ منّي عليهنّ يوم سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألّا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تزنوا، ولا تسرقوا» ) * «5» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ فلانا يصلّي باللّيل فإذا أصبح سرق، قال: «إنّه سينهاه ما يقول» ) * «6» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأى عيسى ابن مريم عليه السّلام رجلا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلّا والله الّذي لا إله إلّا هو. فقال عيسى: آمنت بالله، وكذّبت عينيّ» ) * «7» .   (1) ذكره الهيثمي في المجمع 1 (104، 105) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. (2) أحمد (2/ 178) واللفظ له، وذكره الهيثمي في المجمع (6/ 276) ، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (10/ 141) . (3) النسائي (8/ 68) وقال الألباني: صحيح (3/ 107) برقم (4532) ، وابن ماجه (2595) . (4) البخاري- الفتح 12 (6788) ، واللفظ له. ومسلم (1688) . (5) ذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (1/ 104) . (6) أحمد (2 (447) برقم (9777) ، وقال مخرجه (الحسيني هاشم) : إسناده صحيح (20/ 32) . (7) البخاري- الفتح 6 (3444) ، واللفظ له ومسلم (2368) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4630 9- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الثّمر المعلّق، فقال: «ما أصاب من ذي حاجة غير متّخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين «1» فبلغ ثمن المجنّ «2» فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة» ) * «3» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال رجل لأتصدّقنّ اللّيلة بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها فى يد زانية، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق اللّيلة على زانية. قال: اللهمّ لك الحمد؛ على زانية. لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها فى يد غنيّ. فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على غنيّ. قال: اللهمّ لك الحمد؛ على غنيّ، لأتصدّقنّ بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق. فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على سارق. فقال: اللهمّ لك الحمد؛ على زانية وعلى غنيّ وعلى سارق. فأتي، فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت. أمّا الزّانية فلعلّها تستعفّ بها عن زناها، ولعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله. ولعلّ السّارق يستعفّ بها عن سرقته» ) * «4» . 11- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قطع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يد سارق في مجنّ ثمنه ثلاثة دراهم» ) * «5» . 12- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك) * «6» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع النّاس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن» ) * «7» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله السّارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده» ) * «8» .   (1) الجرين: موضع التمر الذي يجفف فيه. (2) المجن: الترس الذي يلبسه المقاتل. (3) النسائي (8/ 85) ، واللفظ له. أبو داود (1710، 1711، 1712، 1713) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 705) : إسناده حسن، ابن ماجه (2566) . (4) البخاري- الفتح 3 (1421) ، ومسلم (1022) ، واللفظ له (5) البخاري- الفتح 12 (6798) ، واللفظ له. ومسلم (1686) . (6) البخاري- الفتح 1 (18) ، واللفظ له ومسلم (1709) . (7) البخاري- الفتح 12 (6772) واللفظ له. ومسلم (57) (8) البخاري- الفتح 12 (6783) ، ومسلم (1687) . واللفظ متفق عليه عندهما. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4631 الأحاديث الواردة في ذمّ (السرقة) معنى انظر صفة (الخيانة) من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (السرقة) 1- * (قالت عمرة بنت عبد الرّحمن: «إنّ سارقا سرق في زمن عثمان أترجّة، فأمر بها عثمان أن تقوّم فقوّمت بثلاثة دراهم، فقطع عثمان يده» ) * «1» . 2- * (قال ابن شهاب الزّهريّ- رحمه الله تعالى-: «نكل الله بالقطع في سرقة أموال النّاس» ) * «2» . 3- * (قال المعرّيّ معترضا: يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار فأجابه بعض أهل العلم (القاضي عبد الوهّاب المالكيّ) : لمّا كانت أمينة كانت ثمينة، فلمّا خانت هانت) * «3» . وهناك بيت شعر منسوب إلى علم الدّين السّخاويّ في الرّدّ على أبى العلاء وهو: عزّ الأمانة أغلاها، وأرخصها ... ذلّ الخيانة، فافهم حكمة الباري «4» . 4- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: «إذا اشترى الرّجل من رجل شيئا وهو يعلم أنّه سرقه فقد شاركه» ) «5» . 5- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «كان قطع يد السّارق معمولا به في الجاهليّة، فقرّر في الإسلام وزيدت شروط أخر. وقيل: إنّ أوّل من قطع الأيدي في الجاهليّة قريش، فقطعوا رجلا كان سرق كنز الكعبة» ) * «6» . 6- * (ذكر الذّهبيّ في كتاب الكبائر: «أنّ السّرقة هي الكبيرة الثّالثة والعشرون» ) * «7» .   (1) تفسير ابن كثير (2/ 55) . (2) الكبائر للذهبي (97) . (3) التعريفات للجرجاني (118) ، وتفسير ابن كثير (2/ 56) وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: «لما قال ذلك: طلبه الفقهاء، فهرب منهم» . (4) انظر التحرير والتنوير (6/ 193) . (5) مسائل الإمام أحمد، رواية البغوي (681) . (6) تفسير ابن كثير (2/ 5655) (7) الكبائر (97) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4632 من مضار (السرقة) (1) تنافي كمال الإيمان. (2) إحدى الكبائر العظام في الإسلام. (3) دليل دناءة النّفس وحقارة الشّأن. (4) كان النّكال عليها بالقطع لضمان حفظ أموال النّاس. (5) توجب النّار في الآخرة والعار في الدّنيا. (6) النّاس لا يأمنون السّارق على شيء ولو كان تافها. (7) يحرم السّارق من إجابة الدّعاء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4633 السفاهة السفاهة لغة: مصدر قولهم: سفه فلان إذا صار سفيها، ومثلها السّفه إلّا أنّ الفعل منه سفه (بكسر الفاء) ، وكلاهما مأخوذ من مادّة (س ف هـ) الّتي تدلّ على الخفّة والسّخافة، ومن ذلك قولهم ثوب سفيه أي رديء النّسج، وتسفّهت الرّيح إذا مالت، والسّفه ضدّ الحلم، يقال: تسفّهت فلانا عن ماله إذا خدعته كأنّك ملت به عنه واستخففته، وقال بعضهم: أصل السّفه: خفّة الحلم. وقيل: السّفه: خفّة في البدن، ومنه قيل: زمام سفيه كثير الاضطراب، ثمّ استعمل في خفّة النّفس لنقصان العقل، وقيل: أصل السّفه الخفّة والحركة والطّيش، وقيل: الجهل والاضطراب، يقال: سفه حلمه ورأيه ونفسه سفها وسفاهة وسفاها، أي حمله على السّفه، وقال بعضهم: سفه بالضّم سفاها وسفاهة وسفه بالكسر سفها، وهما لغتان، وتسفّهت عليه إذا أسمعته (ما يكره) ، وسفّهه تسفيها: نسبه إلى السّفه، وسافهه مسافهة (إذا تشاركا في السّفه) ، وكذلك سفهت الشّراب «بالكسر» إذا أكثرت منه ولم ترو، وسفه علينا وسفه «بالكسر والضّمّ» إذا جهل فهو الآيات/ الأحاديث/ الآثار 9/ 8/ 5 سفيه، أي جاهل، والسّفيه أيضا: الخفيف العقل. وجمع السّفيه سفهاء وسفاه، والأنثى سفيهة وجمعها سفيهات وسفائه وسفه وسفاه، وقولهم: سفّه الجهل حلمه: أطاشه وأخفّه «1» . السفاهة اصطلاحا: يسوّي معظم العلماء بين السّفه والسّفاهة ومن ثمّ يكون تعريفهما واحدا. يقول الجاحظ: السّفه: نقيض الحلم وهو سرعة الغضب، والطّيش من يسير الأمور، والمبادرة في البطش، والإيقاع بالمؤذي، والسّرف في العقوبة، وإظهار الجزع من أدنى ضرر، والسّبّ الفاحش «2» . وقال الجرجانيّ: السّفه عبارة عن خفّة تعرض للإنسان من الفرح والغضب فيحمله ذلك على العمل بخلاف العقل وموجب الشّرع «3» . وقد فرّق المناويّ بين السّفه والسّفاهة: فعرّف السّفه بما عرّفه به الجرجانيّ، ثمّ عرّف السّفاهة فقال: السّفاهة: خفّة الرّأي في مقابلة ما يراد منه من المتانة والقوّة «4» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 79، 80) ، الصحاح (6/ 2234) ، لسان العرب (3/ 2032) ط. دار المعارف، والمفردات للراغب (234) ، وقارن أيضا ب (بصائر ذوي التمييز: 3/ 229) . (2) تهذيب الأخلاق (29) . (3) التعريفات (125) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (194، 195) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4634 أقسام السّفه: ذكر الرّاغب أنّ الأصل في السّفه هو خفّة في البدن ثمّ استعمل في خفّة النّفس لنقصان العقل، ويكون ذلك في: 1- الأمور الدّنيويّة، ومن ذلك قول الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ (النساء/ 5) وقد عرّف الفقهاء هذا النّوع من السّفه فقالوا: هو عبارة عن التّصرّف في المال بخلاف مقتضى الشّرع والعقل بالتّبذير فيه والإسراف- مع قيام خفّة العقل- والسّفيه إذن: هو من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التّبذير، ولا يمكنه إصلاحه بالتّمييز والتّصرّف فيه بالتّدبير «1» . 2- الأمور الأخرويّة، ومن ذلك قول الله تعالى: وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (الجن/ 4) وقوله سبحانه: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ (البقرة/ 13) قال الرّاغب: فهذا من السّفه في الدّين «2» . والسّفيه بهذا المعنى هو كما وصفه الكفويّ: ظاهر الجهل، عديم العقل، خفيف اللّبّ، ضعيف الرّأي، رديء الفهم، مستخفّ القدر، سريع الذّنب، حقير النّفس، مخدوع الشّيطان، أسير الطّغيان، دائم العصيان، ملازم الكفران، لا يبالي بما كان «3» ، ولا بما هو كائن أو سوف يكون. الفرق بين العبث والسّفه: قال الكفويّ: العبث ما يخلو عن الفائدة، والسّفه ما لا يخلو عنها، ويلزم منه المضرّة، والسّفه أقبح من العبث، كما أنّ الظّلم أقبح من الجهل، وقيل: العبث فعل فيه غرض، ولكنّه ليس بشرعيّ، والسّفه ليس فيه غرض أصلا «4» . [للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الحمق- الطيش- العبوس- اللهو واللعب- الإساءة- الأذى- سوء المعاملة- التحقير. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحلم- الرفق محاسبة النفس- المراقبة- الأدب- حسن المعاملة تكريم الإنسان] .   (1) الكليات للكفوي (349) ، وفي تعريف السفيه (بهذا المعنى) (510) . (2) المفردات (235) . (3) الكليات (510) . (4) الكليات (3/ 259) ط. القاهرة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4635 الآيات الواردة في «السفاهة» الآيات التي ورد فيها لفظ السفاهة مرادا به الكفر أو النفاق: 1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) «1» 2- * وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) «2»   (1) البقرة: 8- 16 مدنية (2) البقرة: 124- 131 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4636 3- * سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) «1» 4- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) «2» الآيات التي ورد فيها لفظ السفاهة مرادا به سوء التدبير أو الجهل: 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «3» 6- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ   (1) البقرة: 142 مدنية (2) الجن: 1- 5 مكية (3) البقرة: 282 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4637 فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «1» 7- وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140) «2» 8- * وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «3» 9- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) * وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «4»   (1) النساء: 1- 6 مدنية (2) الأنعام: 137- 140 مكية (3) الأعراف: 65- 68 مكية (4) الأعراف: 155- 157 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4638 الأحاديث الواردة في ذمّ (السفاهة) 1- * (عن رفاعة بن عرابة الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كنّا بالكديد- أو قال بقديد- فجعل رجال منّا يستأذنون إلى أهليهم فيأذن لهم، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «ما بال رجال يكون شقّ الشّجرة الّتي تلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبغض إليهم من الشّقّ الآخر!» فلم نر عند ذلك من القوم إلّا باكيا، فقال رجل: إنّ الّذي يستأذنك بعد هذا لسفيه. فحمد الله، وقال حينئذ: «أشهد عند الله، لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، صدقا من قلبه، ثمّ يسدّد إلّا سلك في الجنّة» . قال: «وقد وعدني ربّي- عزّ وجلّ- أن يدخل من أمّتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإنّي لأرجو أن لا يدخلوها حتّى تبوّءوا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرّيّاتكم مساكن في الجنّة» وقال: «إذا مضى نصف اللّيل- أو قال ثلثا اللّيل- ينزل الله- عزّ وجلّ- إلى السّماء الدّنيا فيقول لا أسأل عن عبادي أحدا غيري. من ذا يستغفرني فأغفر له؟ من الّذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الّذي يسألني أعطيه؟ حتّى ينفجر الصّبح» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة: « «أعاذك الله من إمارة السّفهاء» . قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: «أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي، ولست منهم ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي، وأنا منهم، وسيردون عليّ حوضي، يا كعب بن عجرة، الصّوم جنّة «2» ، والصّدقة تطفىء الخطيئة، والصّلاة قربان- أو قال برهان- يا كعب بن عجرة: النّاس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها «3» » ) * «4» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: حدّثني حبّي أبو القاسم الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ هلاك أمّتي على يدي غلمة سفهاء من قريش» ) * «5» .   (1) أحمد (4/ 16) واللفظ له، الطبراني في الكبير (5/ 5049، وهو في مجمع الزوائد (10/ 408) وقال: رواه الطبراني والبزار ورجال بعضهما عند الطبراني والبزار رجال الصحيح. (2) جنة: أي وقاية. (3) موبقها: أي مهلكها. (4) النسائي (7/ 160) ، والترمذي (614) وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول: أقل أحواله أنه حسن (4/ 76) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 194، 195) وقال: رواه أحمد واللفظ له والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح. ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه. ورواه الترمذي والنسائي من حديث كعب بن عجرة وقال الترمذي في أحد أسانيده: حديث غريب صحيح، وهو في أحمد (3/ 321) . (5) أحمد (2/ 288) برقم (7858) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (14/ 255- 256) ، الحاكم في المستدرك (4/ 470) واللفظ متفق عليه عندهما وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4639 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّها ستأتي على النّاس سنون خدّاعة، يصدّق فيها الكاذب، ويكذّب فيها الصّادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرّويبضة» قيل: وما الرّويبضة؟. قال: «السّفيه يتكلّم في أمر العامّة» ) * «1» . 5- * (عن عبس الغفاريّ- رضي الله عنه- أنّه لمّا رأى النّاس يخرجون في الطّاعون قال: يا طاعون خذني (ثلاثا) ، فقال له رجل: لم تقول هذا؟: ألم يقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّ أحدكم الموت؛ فإنّه عند انقطاع عمله. ولا يردّ فيستعتب» فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بادروا بالموت ستّا: إمرة السّفهاء، وكثرة الشّرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدّم، وقطيعة الرّحم، ونشوا «2» يتّخذون القرآن مزامير، يقدّمونه يغنّيهم وإن كان أقلّ منهم فقها» ) * «3» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ضاف ضيف رجلا من بني إسرائيل وفي داره كلبة مجحّ «4» ، فقالت الكلبة: والله لا أنبح ضيف أهلي. قال: فعوى جراؤها في بطنها قال: قيل: ما هذا؟ قال: فأوحى الله- عزّ وجلّ- إلى رجل منهم: هذا مثل أمّة تكون من بعدكم يقهر سفهاؤها أحلامها «5» » ) * «6» . 7- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السّفهاء، ولا تخيّروا به المجالس. فمن فعل ذلك فالنّار النّار» ) * «7» . 8- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يخرج في آخر الزّمان أقوام أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة «8» ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم «9» . فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة» ) * «10» .   (1) ابن ماجة (4036) ، أحمد (2/ 291) واللفظ له رقم (7899) وقال شاكر: إسناده صحيح، الحاكم في المستدرك (4/ 465، 466) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. (2) نشوا: يقال نشى الرجل من الشراب نشوا ونشوة ونشوة: سكر. (3) أحمد (3/ 494) برقم (16083) واللفظ له. ذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 3) وقال: صحيح وفي الصحيحة (2/ 710) برقم (979) وعزاه لأبي عبيد في فضائل القرآن وابن أبي الدنيا والطبراني والحاكم وغيرهم. (4) مجحّ: أي حامل وقرب وقت ولادتها. (5) أحلامها: أي عقلاءها. (6) أحمد (2/ 170) برقم (6588) وقال الشيخ أحمد شاكر: اسناده صحيح، وذكره في مجمع الزوائد (7/ 280) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني. (7) ابن ماجة (254) ، وقال في الزوائد: رجال إسناده ثقات، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم، وذكره الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة قريبا منه وقال: صحيح (5/ 272) برقم (6034) . (8) خير البرية: هو من المقلوب والمراد «من قول خير البرية» أي من قول الله. الفتح (8/ 719) . (9) لا يجاوز إيمانهم حناجرهم: أي لم يرسخ الإيمان في قلوبهم. (10) البخاري- الفتح 8 (5057) واللفظ له، ومسلم (1066) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4640 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (السفاهة) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ إلى قوله: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (الأنعام/ 140) * «1» . 2- * (قال عمير بن حبيب بن خماشة- وكان أدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند احتلامه. يوصي بنيه فقال: «بنيّ إيّاكم ومجالسة السّفهاء؛ فإنّ مجالستهم داء، من يحلم عن السّفيه يسرّ، ومن يجبه يندم، ومن لا يرض بالقليل ممّا يأتي به السّفيه يرض بالكثير» ) * «2» . 3- * (قال السّدّيّ- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها (البقرة/ 142) : المراد بالسّفهاء: الكفّار، وأهل النّفاق، واليهود. أمّا الكفّار فقالوا لمّا حوّلت القبلة: رجع محمّد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، فإنّه علم أنّا على الحقّ، وأمّا أهل النّفاق فقالوا: إن كان أوّلا على الحقّ فالّذي انتقل إليه باطل، وكذلك العكس، وأمّا اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيّا لما خالف، فلمّا كثرت أقاويل هؤلاء السّفهاء، أنزلت هذه الآيات من قوله تعالى ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ إلى قوله تعالى: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي.. الآيات (البقرة/ 106- 150) » ) * «3» . 4- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: يخاطبني السّفيه بكلّ قبح ... فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة فأزيد حلما ... كعود زاده الإحراق طيبا ) * «4» . 5- * (قال عمرو بن عليّ: إذا نطق السّفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السّكوت سكتّ عن السّفيه فظنّ أنّي ... عييت عن الجواب وما عييت ) * «5» . من مضار (السفاهة) (1) تورث غضب الجبّار وعظيم النّيران. (2) بعد النّاس عن السّفيه لخوفهم منه. (3) شرّه متعدّ وخلقه مشين. (4) دليل على سوء الخلق ومظنّة سوء الخاتمة. (5) يؤول حال صاحبه إلى الإفلاس، والحاجة إلى النّاس. (6) يخرّب الدّيار العامرة، ويضع الرّجل الشّريف.   (1) البخاري- الفتح 6 (3524) والآية (140) من سورة الأنعام. (2) مجمع الزوائد (8/ 64) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات. (3) فتح الباري (8/ 171) . (4) ديوان الشافعي. (5) أدب الدنيا والدين (305) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4641 سوء الخلق سوء الخلق لغة: السّوء اسم من ساءه سوءا، بالفتح- ومساءة، ومسائية. نقيض سرّه، يقول ابن فارس: «فأمّا السّين والواو والهمزة فهي من باب القبح، تقول: رجل أسوأ، أي قبيح، وامرأة سواء، أي قبيحة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سواء ولود خير من حسناء عقيم» ولذلك سمّيت السّيّئة سيّئة» وقولهم ساءه يسوءه أي فعل به ما يكره وأساء إليه نقيض أحسن، والسّواى: نقيض الحسنى، وفي القرآن ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى (الروم/ 10) والسّوأة: العورة، والفاحشة، وسؤت الرّجل سواية ومساية:- مخفّفان-، أي ساءه مارآه منّي. وتقول من السّوء استاء الرّجل، كما تقول من الغمّ اغتمّ. ويقال: ساء ما فعل فلان، أي قبح صنيعه صنيعا. والسّوء: الفجور والمنكر، وسؤت له وجهه قبحته، ويقال: أسأت به، وإليه، وعليه، وله. وقال- عزّ من قائل- إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها (الإسراء/ 7) ، ويقال: هو سيّىء إذا قبح والأنثى سواء أي قبيحة. والسّواء: المرأة المخالفة، والسّوأة السّواء، الخلّة القبيحة، وكلّ كلمة قبيحة أو فعلة قبيحة فهي سواء. الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 9/ 16 وأساء الرّجل إساءة خلاف أحسن، وأساء الشّيء، أفسده، ولم يحسن عمله، وفي المثل: أساء كاره ما عمل. والسّيّئة: الخطيئة، والسّوء اسم جامع للآفات والدّاء، ويقال: لا خير في قول السّوء. وقيل: هو الفجور والمنكر «1» . سوء الخلق اصطلاحا: يؤخذ ممّا ذكره الجرجانيّ عن الخلق- حسنه وسيّئه- أنّ سوء الخلق: عبارة عن هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال القبيحة بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويّة «2» . ويرى ابن تيميّة في نظرته الخلقيّة، أنّ مفهوم الأخلاق يرتبط بالإيمان، وما ينبثق عنه. ومن ثمّ يقوم هذا المفهوم عنده على عدّة عناصر وهي: 1- الإيمان بالله وحده خالقا ورازقا بيده الملك. 2- معرفة الله- سبحانه وتعالى- معرفة تقوم على أنّه وحده- سبحانه- المستحقّ للعبادة. 3- حبّ الله- سبحانه وتعالى- حبّا يستولي على مشاعر الإنسان بحيث لا يكون ثمّة محبوب مراد سواه سبحانه. 4- وهذا الحبّ يستلزم أن تتوحّد إرادة   (1) الصحاح (1/ 55- 56) ، والمقاييس (3/ 113) ، واللسان (3/ 2138، 2139، 2140) . (2) التعريفات للجرجاني (106) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4642 الخالق والمخلوق في اتّجاه واحد هو تحقيق رضا الله- سبحانه وتعالى- والالتزام بتحقيق هذا الرّضا في كلّ صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة. 5- وهذا يستلزم من الإنسان سموّا في أخلاقه، وترفّعا عن الأنانية وعن الأهواء، وعن المآرب في الدّنيا. 6- ويأتي العمل بعد ذلك محقّقا أو في طريق بلوغ الكمال الإنسانيّ «1» . والأمر كذلك فإنّه إذا لم تتحقّق هذه الشّروط الموضوعيّة فإنّ النّاتج عن الإنسان يكون خلقا سيّئا؛ لأنّه تعبير عن الإيمان بالله وتعبير عن الرّؤية الموضوعيّة للأشياء والحقائق. وعلى هذا يكون الخلق السّيّىء فعلا إنسانيّا لا ترتبط فيه الأفعال بالطّاعة، أي أنّه فعل تنفصل فيه الطّاعة عن الأخلاق، ويصبح الفعل شكليّا أو مظهريّا. كما أنّه فعل لا يدرك الغائيّة الخلقيّة، من حيث إنّها تهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان في الدّنيا والحياة الآخرة، الأمر الّذي يجعل العمل الّذي يقوم به الإنسان فاقدا لقيمته الخلقيّة ودلالته الإنسانيّة، كما أنّ هذا الفعل فاقد للتّمحيص والتّدقيق اللّازمين كي يكون موافقا لما أمر الله سبحانه وندب إليه في وقته الملائم والمناسب. وفي هذا الوضع يكون هذا العمل استجابة لا خلقيّة، وبذا يكون صاحبه متّصفا بسوء الخلق «2» . فالخلق السّيّىء، خلق فاسد متّصف بالشّرّ، لا يتّفق مع الواجبات الدّينيّة والخلقيّة، ولا يتّفق مع ما شرع الله أمرا، ونهيا، وهو فعل منكر، وسلوك غير صالح «3» ، وهذا ناتج عن مرض القلب. الفرق بين الخلق والعادة: الخلق يقال في القوى المدركة بالبصيرة، وتارة يجعل للقوّة الغريزيّة، وتارة اسما للحالة المكتسبة الّتي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شيء كمن هو خليق بالغضب لحدّة مزاجه، ولهذا خصّ كلّ حيوان بخلق في أصل خلقته، كالشّجاعة للأسد، والمكر للثّعلب، ويجعل الخلق تارة من الخلاقة وهي الملابسة، وكأنّه اسم لما مرن عليه الإنسان بالعادة، وقد روي «ما أعطى الله أحدا أفضل من خلق حسن» فجعل الخلق مرّة للهيئة الموجودة في النّفس الّتى يصدر عنها الفعل بلا فكر «4» ، وجعل مرّة اسما للفعل الصّادر عنه باسمه، وذلك نحو: العفّة، والشّجاعة؛ فإنّ ذلك يقال للهيئة وللفعل جميعا، وربّما تسمّى الهيئة باسم، والفعل الصّادر عنها باسم آخر كالسّخاء، والجود؛ فإنّ السّخاء اسم للهيئة الّتى يكون عليها   (1) النظرية الخلقية عند ابن تيمية، محمد عبد الله عفيفي، (58) . (2) المرجع السابق (59، 60) بتصرف. (3) المرجع السابق (484) . (4) ذكر محقق كتاب الذّريعة أنّ هذا هو التعريف السّائد للخلق عند الأخلاقيين الإسلاميين، وقد نقله ابن مسكويه عن أرسطو، ونقله الكثيرون عنه ومنهم الإمام الغزالى، (انظر تهذيب الأخلاق لابن مسكويه (36) ، والإحياء (3/ 52) ط الحلبي: وقد قال بذلك أيضا الجاحظ في تهذيب الأخلاق بتعبير مقارب وهو: حال للنفس بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار، كما نقله أيضا الجرجاني في التعريفات (106) ، والمناوي في التوقيف (159) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4643 الإنسان، والجود اسم للفعل الصّادر عنها، وإن كان قد يسمّى كلّ واحد باسم الآخر، وأمّا العادة فاسم لتكرير الفعل أو الانفعال، وبها يكمل الخلق، وليس للعادة فعل إلّا تسهيل خروج ما هو بالقوّة في الإنسان إلى الفعل «1» . بين الخلق والتّخلّق: قال الرّاغب: الفرق بين الخلق والتّخلّق أنّ التّخلّق معه استثقال واكتئاب ويحتاج إلى بعث، وتنشيط من الخارج، والخلق معه استخفاف وارتياح ولا يحتاج إلى بعث من خارج، والتّخلّق ضربان: الأوّل: محمود، وذلك ما كان على سبيل الارتياض والتّدرّب، ويتحرّاه صاحبه سرّا وجهرا على الوجه الّذي ينبغي، وبالمقدار الّذي ينبغي. الثّاني: مذموم، وذلك ما كان على سبيل المراءاة، ولا يتحرّاه صاحبه إلّا حيث يقصد أن يذكر به، ويسمّى ذلك رياء، وتصنّعا، وتشيّعا، ولن ينفكّ صاحبه من اضطراب يدلّ على تشيّعه، وعلى ذلك قول عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «من تخلّق للنّاس بغير ما فيه فضحه الله- عزّ وجلّ- «2» » . هل يمكن تغيير الخلق السّيّىء إلى خلق حسن: يقول الجاحظ ما خلاصته: إنّ الأخلاق المذمومة موجودة في كثير من النّاس، غالبة عليهم، مالكة لهم، بل قلّما يوجد فيهم من يخلو من خلق سيّىء أو مكروه، ويسلم من جميع العيوب، ولكنّهم يتفاضلون في ذلك، وكذلك في الأخلاق المحمودة قد يختلف النّاس ويتفاضلون، إلّا أنّ المجبولين على الأخلاق الحسنة قليلون جدّا، وأمّا المجبولون على الأخلاق السّيّئة فأكثر النّاس وما ذلك إلّا لأنّ الإنسان إذا استرسل مع طبعه، ولم يستعمل الفكر ولا التّمييز، ولا الحياء ولا التّحفّظ، كان الغالب عليه أخلاق البهائم، لأنّ الإنسان إنّما يتميّز على البهائم بالفكر والتّمييز؛ فإذا لم يستعملهما كان مشاركا للبهائم في عاداتها، ولمّا كان النّاس مطبوعين على الأخلاق السّيّئة منقادين للشّهوات الرّديئة، وقع الافتقار إلى الشّرائع والسّنن، والسّياسات المحمودة «3» ، ولكن، هل يمكن للإنسان أن يغيّر خلقه؟ على هذا التّساؤل أجاب الإمام الرّاغب فقال: اختلف النّاس في الخلق فقال بعضهم: هو من جنس الخلقة، ولا يستطيع أحد تغييره عمّا جبل عليه إن خيرا وإن شرّا كما قيل: وما هذه الأخلاق إلّا غرائز ... فمنهنّ محمود ومنهنّ مذمم ولن يستطيع الدّهر تغيير خلقة ... بنصح ولا يسطيعه متكرّم «4»   (1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (114) . (2) المرجع السابق (122) (بتصرف) . (3) تهذيب الأخلاق للجاحظ (120) . (4) هذا الرّأي واضح البطلان لأن إرسال الرّسل وتشريع الشرائع إنما يستهدف في المقام الأول تغيير الأخلاق السيئة إلى الأخلاق الحميدة، وإذا كان الدهر هو الذي لا يستطيع ذلك فهو صحيح، ولكن من قال بذلك؟ إنّ الذي يستطيعه فعلا هو الأخذ بمنهج الله والسير على سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، أو ليس الحلم بالتّحلّم والصبر بالتصبر؟! الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4644 وقال بعضهم: يمكن ذلك، واستدلّ بما روي: «حسّنوا أخلاقكم» ولو لم يمكن لما أمر به، وقال أصحاب هذا الرّأي: إنّ الله تعالى خلق الأشياء على ضربين: أحدهما بالفعل ولم يجعل للعبد فيه عملا، كالسّماء والأرض والهيئة والشّكل. والآخر: خلقه خلقة ما، وجعل فيه قوّة ورشّح الإنسان لإكماله وتغيير حاله وإن لم يرشّحه لتغيير ذاته، والخلق من الإنسان يجري هذا المجرى في أنّه لا سبيل للإنسان إلى تغيير القوّة الّتي هي السّجيّة، وجعل له سبيلا إلى إسلاسها، ولهذا قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) ولو لم يكن الأمر كذلك لبطلت فائدة المواعظ والوصايا، والوعد والوعيد، والأمر والنّهي، ولما جوّز العقل أن يقال للعبد: لم فعلت؟ ولم تركت؟، وكيف يكون هذا في الإنسان ممتنعا، وقد وجدناه في بعض البهائم ممكنا، فالوحش قد ينقل بالعادة (والتّدرّب) إلى التّأنّس ومن الجموح إلى السّلاسة «1» . هل يتغيّر حسن الخلق إلى خلق سيّىء؟ إذا كان الخلق السّيّىء قد يتحوّل إلى خلق حسن باتّباع الشّرع والتّدرّب على الأخلاق الحميدة والمثابرة عليها فهل يتغيّر الخلق الحسن إلى سيّىء؟، على هذا السّؤال أجاب الماورديّ فقال: ربّما تغيّر حسن الخلق والوطاء إلى الشّراسة والبذاء لأسباب عارضة وأمور طارئة تجعل اللّين خشونة والوطاء غلظة والطّلاقة عبوسّا، فمن أسباب ذلك: الولاية الّتي تحدث في الأخلاق تغيّرا. وعلى الخلطاء تنكّرا، إمّا من لؤم طبع، وإمّا من ضيق صدر. ومنها العزل، فقد يسوء منه الخلق، ويضيق به الصّدر، إمّا لشدّة أسف أو لقلّة صبر. ومنها الغنى، فقد تتغيّر به أخلاق اللّئيم بطرا، وتسوء طرائقه أشرا، وقد قيل من نال استطال. ومنها الفقر، فقد يتغيّر به الخلق، إمّا أنفة من ذلّ الاستكانة، أو أسفا على فائت الغنى. ومنها الهموم الّتى تذهل اللّبّ. وتشغل القلب،. فلا تتبع الاحتمال ولا تقوى على صبر،. وقد قيل الهمّ كالسّمّ. وقال بعض الأدباء: الحزن كالدّاء المخزون في فؤاد المحزون. ومنها الأمراض الّتي يتغيّر بها الطّبع، كما يتغيّر بها الجسم، فلا تبقى الأخلاق على اعتدال، ولا يقدر معها على احتمال. ومنها علوّ السّنّ. وحدوث الهرم لتأثيره في آلة الجسد. كذلك يكون تأثيره في أخلاق النّفس، فكما يضعف الجسد على احتمال ما كان يطيقه من أثقال كذلك تعجز النّفس عن احتمال ما كانت تصبر عليه من مخالفة الوفاق، وضيق الشّقاق، وكذلك ما ضاهاه. فهذه سبعة أسباب، أحدثت سوء خلق كان عامّا. وههنا سبب خاصّ يحدث سوء خلق خاصّ، وهو البغض الّذي تنفر منه النّفس، فتحدث نفورا عن   (1) الذريعة (115، 116) (بتصرف) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4645 المبغض، فيؤول إلى سوء خلق يخصّه دون غيره، فإذا كان سوء الخلق حادثا بسبب، كان زواله مقرونا بزوال ذلك السّبب، ثمّ بالضّدّ «1» . أركان سوء الخلق: قال ابن القيّم- رحمه الله-: ومنشأ جميع الأخلاق السّافلة، وبناؤها على أربعة أركان: الجهل، والظّلم، والشّهوة، والغضب. فالجهل: يريه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن. والكمال نقصا، والنّقص كمالا. والظّلم: يحمله على وضع الشّيء في غير موضعه. فيغضب في موضع الرّضا، ويرضى في موضع الغضب. ويجهل في موضع الأناة. ويبخل في موضع البذل. ويبذل في موضع البخل. ويحجم في موضع الإقدام، ويقدم في موضع الإحجام. ويلين في موضع الشّدّة. ويشتدّ في موضع اللّين. ويتواضع في موضع العزّة. ويتكبّر في موضع التّواضع. والشّهوة: تحمله على الحرص، والشّحّ، والبخل، وعدم العفّة، والنّهمة، والجشع، والذّلّ والدناءات كلّها. والغضب: يحمله على الكبر، والحقد، والحسد، والعدوان، والسّفه. ويتركّب من بين كلّ خلقين من هذه الأخلاق: أخلاق مذمومة. وملاك هذه الأربعة أصلان: إفراط النّفس في الضّعف، وإفراطها في القوّة. فيتولّد من إفراطها في الضّعف: المهانة والبخل، والخسّة واللّؤم، والذّلّ والحرص، والشّحّ وسفساف الأمور والأخلاق. ويتولّد من إفراطها في القوّة: الظّلم والغضب والحدّة، والفحش، والطّيش. ويتولّد من تزوّج أحد الخلقين بالآخر: أولاد غيّة «2» كثيرون. فإنّ النّفس قد تجمع قوّة وضعفا. فيكون صاحبها أجبر النّاس إذا قدر، وأذلّهم إذا قهر، ظالم عنوف جبّار. فإذا قهر صار أذلّ من امرأة. جبان عن القويّ، جريء على الضّعيف. فالأخلاق الذّميمة: يولّد بعضها بعضا، كما أنّ الأخلاق الحميدة: يولّد بعضها بعضا «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- الاستهزاء- البذاءة- سوء المعاملة- الغرور- الكبر والعجب- السخرية- التحقير. وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن الخلق- الأدب- حسن العشرة- حسن المعاملة- الحياء- التواضع- كظم الغيظ- غض البصر] . الآيات الواردة في (سوء الخلق) معنى انظر الآيات الواردة في صفة (الإساءة)   (1) أدب الدنيا والدين (238- 254) بتصرف. (2) غية: جمع غاوي وهو الضال. (3) مدارج السالكين (2/ 321، 322) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4646 الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء الخلق) 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا افتتح الصّلاة كبّر، ثمّ قال: «إنّ صلاتي ونسكي «1» ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أوّل المسلمين، اللهمّ اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. وقني سيّىء الأعمال وسيّىء الأخلاق لا يقي سيّئها إلّا أنت» ) * «2» . 2- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنّه لضعيف في العبادة، وإنّ العبد ليبلغ من سوء خلقه أسفل درك جهنّم» ) * «3» . 3- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي «4» للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا «5» وما أنا من المشركين «6» . إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي «7» لله ربّ العالمين «8» لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر   (1) إن صلاتي ونسكي: قال أهل اللغة: النسك العبادة. وأصله من النسيكة، وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط. والنسيكة، أيضا، ما يتقرب به إلى الله تعالى. (2) النسائي (2/ 129) ، والدارقطني (111) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 187) : إسناده صحيح. (3) إحياء علوم الدين (3/ 52) وقال الحافظ العراقي: أخرجه الطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق وأبو الشيخ في طبقات الأصفهانيين بإسناد جيد، وهو في الطبراني (1/ 260) برقم (754) وفي مكارم الأخلاق (1/ 76) برقم (53) . (4) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي الذي فطر السماوات والأرض. أي ابتدأ خلقها. (5) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا الى الدين الحق وهو الإسلام. وأصل الحنف الميل ويكون في الخير والشر وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة: وقيل: المراد بالحنيف، هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي. (6) وما أنا من المشركين: بيان للحنيف وإيضاح لمعناه: والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم. (7) ومحياي ومماتي: أي حياتي وموتي. ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانهما. والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي. (8) رب العالمين: في معنى رب أربعة أقوال: حكاها الماوردي وغيره: الملك والسيد والمدبر والمربي. فان وصف الله تعالى برب، لأنه مالك أو سيد، فهو من صفات الذات وإن وصف به لأنه مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله. ومتى دخلته الألف واللام، فقيل الرب، اختص بالله تعالى. وإذا حذفتا جاز إطلاقه على غيره، فيقال: رب المال ورب الدار ونحو ذلك. والعالمين: جمع عالم، وليس للعالم واحد من لفظه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4647 الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق «1» ، لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها، لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك «2» وسعديك «3» والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك «4» . تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «5» . 4- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم: رجل عنده امرأة سيّئة الخلق فلا يطلّقها ورجل دفع ماله إلى سفيه، وقد قال الله- عزّ وجلّ-: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ (النساء/ 5) ورجل باع ولم يشهد» ) * «6» . الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء الخلق) معنى 5- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» ) * «7» . 6- * (عن حارثة بن وهب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة الجوّاظ «8» ، ولا الجعظريّ «9» » ) * «10» . 7- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن   (1) واهدني لأحسن الأخلاق: أي أرشدني لصوابها، ووفقني للتخلق بها. (2) لبيك: قال العلماء: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة. يقال: لب بالمكان لبا، وألب إلبابا، إذا أقام به. (3) وسعديك: قال الأزهري وغيره: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة. (4) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك، وتوفيقي بك. (5) مسلم (771) . (6) الخرائطي في مساوىء الأخلاق (24) واللفظ له، وقال محققه: اسناده حسن والحديث صحيح. وأخرجه الحاكم (2/ 302) وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1805) . (7) البخاري- الفتح 13 (7076) ، ومسلم (64) متفق عليه. (8) الجواظ: الجموع المنوع المختال في مشيته. (9) الجعظري: الفظ الغليظ المتكبر الذي يتمدح بما ليس فيه. (10) أبو داود (4801) ، وقال الألباني (3/ 911) : صحيح المشكاة (5080) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4648 يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ الله يبغض الفاحش البذيء» ) * «1» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، إنّ فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: «هي في النّار» . قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة يذكر من قلّة صيامها وصلاتها وأنّها تتصدّق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» ) * «2» . وفي لفظ آخر: قالوا: يا رسول الله، فلانة تصوم النّهار، وتقوم اللّيل، وتؤذي جيرانها. قال: «هي في النّار» . قالوا: يا رسول الله، فلانة تصلّي المكتوبات، وتصدّق «3» بالأثوار «4» من الأقط «5» ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» ) *. 9- * (عن عياض بن حمار- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت الرّجل من قومي يشتمني وهو أنقص منّي نسبا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المستبّان شيطانان، يتهاتران ويتكاذبان» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (سوء الخلق) 1- * (روى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد: أنّ عيسى ابن مريم- عليهما السّلام- لقي خنزيرا بالطّريق فقال له انفذ بسلام. فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ فقال عيسى ابن مريم: «إنّي أخاف أن أعوّد لساني المنطق بالسّوء» ) * «7» . 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «العزلة راحة من خلاط «8» السّوء» ) * «9» . 3- * (عن أبي حازم- رحمه الله- قال: السّيّىء الخلق أشقى النّاس به نفسه، ثمّ زوجته، ثمّ ولده، حتّى إنّه ليدخل بيته وإنّهم لفي سرور، فيسمعون صوته، فينفرون عنه فرقا منه، وحتّى إنّ دابّته لتحيد ممّا يرميها بالحجارة، وإنّ كلبه ليراه فينزو   (1) الترمذي (2002) واللفظ له. وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (4799) وقال الألباني (3/ 911) : صحيح، وهو في صحيح الترمذي رقم (2087) ، والبزار بإسناد جيد. (2) المنذري في الترغيب (3/ 356) وقال: رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضا. (3) أي تتصدق وتحسن. (4) الأثوار: بالمثلثة جمع ثور: وهي قطعة من الأقط (5) والأقط: بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي. (6) أحمد (4/ 162) واللفظ له، والطبراني في الكبير (17/ 365) ، والبيهقي (10/ 235) في السنن الكبرى. وقال محقق مساوىء الأخلاق للخرائطي (33) : إسناده صحيح، والحديث صحيح. وانظر باقي الصفات المذمومة. (7) تنوير الحوالك (3/ 148) . (8) الخلاط: اختلاط الناس والإبل والمواشي. (9) ابن حجر في فتح الباري (11/ 338) وقال: أخرجه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4649 على الجدار، وحتّى إنّ قطّه ليفرّ منه» ) * «1» . 4- * (عن عطاء في قوله تعالى: وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ (الأنبياء/ 90) قال: «كان في خلقها سوء، وكان في لسانها طول، وهؤلاء بذاء، فأصلح الله ذلك منها» ) * «2» . 5- * (قال وهب بن منبّه: مثل السّيّىء الخلق كمثل الفخّارة المكسورة لا ترقع ولا تعاد طينا» ) * «3» . 6- * (صحب ابن المبارك رجلا سيّىء الخلق في سفر فكان يحتمل منه، ويداريه، فلمّا فارقه بكى فقيل له في ذلك فقال: بكيته رحمة له، فارقته وخلقه معه لم يفارقه» ) * «4» . 7- * (قال الفضيل بن عياض: «لا تخالط سيّىء الخلق فإنّه لا يدعو إلّا إلى شرّ» ) * «5» . 8- * (وقال أيضا: لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحبّ إليّ من أن يصحبني عابد سيّىء الخلق» ) * «6» . 9- * (قال الحسن: من ساء خلقه عذّب نفسه» ) * «7» . 10- * (قال يحيى بن معاذ: «سوء الخلق سيّئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنة لا تضرّ معها كثرة السّيّئات» ) * «8» . 11- * (قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله- الأخلاق السّيّئة هي السّموم القاتلة، والمهلكات الدّامغة، والمخازي الفاضحة، والرّذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار ربّ العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشّياطين، وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله تعالى الموقدة الّتي تطّلع على الأفئدة» ) * «9» . 12- * (وقال أيضا: «الأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النّفوس، إنّها أمراض تفوّت على صاحبها حياة الأبد» ) * «10» . 13- * (وقال- رحمه الله-: «على المسلم أن يخالط النّاس، فكلّ ما رآه مذموما بين الخلق من خلق فليحذّر نفسه منه ويبعدها عنه، فإنّ المؤمن مرآة المؤمن، فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه، ويعلم أنّ الطّباع متقاربة في اتّباع الهوى. فما يتّصف به واحد من الأقران لا ينفكّ القرن الآخر عن أصله أو أعظم منه أو عن شيء منه. فليتفقّد نفسه ويطهّرها من كلّ ما يذمّه من غيره وناهيك بهذا تأديبا» ) * «11» . 14- * (وقال أيضا: إنّ حسن الخلق هو الإيمان، وسوء الخلق هو النّفاق» ) * «12» .   (1) مساوىء الأخلاق ومذمومها (26) وقال محققه: أورده الذهبي (6/ 99) في سير أعلام النبلاء عن أبي حازم. (2) تفسير ابن كثير (3/ 193) . (3) الإحياء (3/ 57) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) مساوىء الأخلاق ومذمومها (24) . (6) الإحياء (3/ 57) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المرجع السابق (3/ 53) . (10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (11) المرجع السابق (3/ 70) بتصرف. (12) المرجع السابق (3/ 74) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4650 15- * (وقال أيضا: إنّ من يكره فعل الله تعالى ولا يرضى به فهو غاية سوء خلقه» ) * «1» . 16- * (جمع بعضهم علامات سوء الخلق فقال: «أن يكون قليل الحياء كثير الأذى، قليل الصّلاح، كذوب اللّسان، كثير الكلام، قليل العمل، كثير الزّلل، كثير الفضول، لا برّا ولا وصولا، ولا وقورا، ولا صبورا، ولا شكورا. غير راض، ولا حليما، ولا رفيقا، ولا عفيفا، ولا شفيقا، لعّانا، سبّابا، نمّاما، مغتابا، عجولا، حقودا بخيلا، حسودا. غضوبا، نكدا، يحبّ في شهواته ويبغض فيها، فهذا هو سوء الخلق» ) * «2» . من مضار (سوء الخلق) (1) يبعد العبد عن الله- عزّ وجلّ- ولا ينال من الله إلّا السّخط والغضب. (2) سيّىء الأخلاق يكرهه النّاس فلا يجد صديقا يخلو إليه بوحشته ولا عزيزا يقدّره ويحترمه حتّى زوجته وأولاده لا يحبّون مجالسته. (3) إنّه بالتّالي ينتقم من نفسه فيعيش نكدا مضطربا مذعورا. (4) إذا فشا سوء الخلق في مجتمع أوبقه ومزّقه.   (1) إحياء علوم الدين (3/ 76) . (2) المرجع السابق (3/ 76- 77) بتصرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4651 سوء الظن السوء لغة: (انظر سوء المعاملة) . أمّا الظّنّ فهو الاعتقاد الرّاجح مع احتمال النّقيض «1» . والظّنين: الرّجل المتّهم، والظّنّة: التّهمة. والجمع: الظّنن. والظّنون: الرّجل السّيّىء الظّنّ. وقيل السّيّىء الظّنّ بكلّ أحد، وقيل: هو قليل الخير. وفي الحديث: «إيّاكم والظّنّ؛ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث» أراد الشّكّ يعرض لك في الشّيء فتحقّقه وتحكم به وقيل: أراد إيّاكم وسوء الظّنّ «2» . سوء الظّنّ اصطلاحا: لم تعرّف كتب المصطلحات الّتي وقفنا عليها- سوء الظّنّ ضمن ما أوردته من مصطلحات، بيد أنّنا نستطيع ذلك في ضوء ما ذكروه عن السّوء والظّنّ فنقول: سوء الظّنّ هو: اعتقاد جانب الشّرّ وترجيحه على جانب الخير فيما يحتمل الأمرين معا. سوء الظن من الكبائر الباطنة: عدّ الإمام ابن حجر سوء الظّنّ بالمسلم من الآيات/ الأحاديث/ الآثار 33/ 19/ 13 الكبائر الباطنة. وذكر أنّه (الكبيرة الحادية والثّلاثون) ، وقال: وهذه الكبائر ممّا يجب على المكلّف معرفتها ليعالج زوالها لأنّ من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله- والعياذ بالله- بقلب سليم، وهذه الكبائر يذمّ العبد عليها أعظم ممّا يذمّ على الزّنا والسّرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر البدن وذلك لعظم مفسدتها، وسوء أثرها ودوامه إذ إنّ آثار هذه الكبائر ونحوها تدوم بحيث تصير حالا وهيئة راسخة في القلب، بخلاف آثار معاصي الجوارح فإنّها سريعة الزّوال، تزول بالتّوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ونقل عن ابن النّجّار قوله: «من أساء بأخيه الظّنّ فقد أساء بربّه» ، إنّ الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ (الحجرات/ 12) «3» . أقسام سوء الظن: وقد قسّم سوء الظّنّ إلى قسمين كلاهما من الكبائر وهما: 1- سوء الظّنّ بالله، قال: وهو أبلغ في الذّنب من اليأس والقنوط (وكلاهما كبيرة) وذلك لأنّه يأس وقنوط وزيادة، لتجويزه على الله تعالى أشياء لا   (1) انظر معنى الظن بتوسع أكبر في صفة حسن الظن ج 5 ص 1596 وما بعدها من هذه الموسوعة. (2) انظر: الصحاح للجوهري (6/ 2260) ، والتعريفات للجرجاني (14) ، ولسان العرب (13/ 272) (3) الزواجر (106) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4652 تليق بكرمه وجوده «1» . 2- سوء الظّنّ بالمسلمين: هو أيضا من الكبائر وذلك أنّ من حكم بشرّ على غيره بمجرّد الظّنّ حمله الشّيطان على احتقاره وعدم القيام بحقوقه والتّواني في إكرامه وإطالة اللّسان في عرضه، وكلّ هذه مهلكات.. وكلّ من رأيته سيّىء الظّنّ بالنّاس طالبا لإظهار معايبهم فاعلم أنّ ذلك لخبث باطنه وسوء طويّته؛ فإنّ المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه، والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه «2» . من معاني كلمة «الظن» في القرآن الكريم: ذكر أهل التّفسير أنّ «الظّنّ» في القرآن على أوجه منها: التّهمة: ومنه قوله تعالى: (في التّكوير) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (آية/ 24) «3» : أي بمتّهم. ومنها الكذب: ومنه قوله تعالى: (في النّجم) : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (آية/ 28) «4» . أنواع الظن: قال سفيان الثّوريّ: الظّنّ ظنّان: ظنّ إثم، وظنّ ليس بإثم. فأمّا الّذي هو إثم: فالّذي يظنّ ظنّا، ويتكلّم به. والّذي ليس بإثم: فالّذي يظنّ، ولا يتكلّم به. والظّنّ في كثير من الأمور مذموم. ولهذا قال تعالى: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (يونس/ 36) ، وقال: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (الحجرات/ 12) «5» . قال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه الله-: فليس لك أن تظنّ بالمسلم شرّا، إلّا إذا انكشف أمر لا يحتمل التّأويل، فإن أخبرك بذلك عدل. فمال قلبك إلى تصديقه، كنت معذورا، لأنّك لو كذّبته كنت قد أسأت الظّنّ بالمخبر، فلا ينبغي أن تحسن الظّنّ بواحد وتسيئه بآخر، بل ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة وحسد؟ فتتطرّق التّهمة حينئذ بسبب ذلك. ومتى خطر لك خاطر سوء على مسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير، فإنّ ذلك يغيظ الشّيطان ويدفعه عنك، فلا يلقي إليك خاطر السّوء خيفة من اشتغالك بالدّعاء والمراعاة. وإذا تحقّقت هفوة مسلم، فانصحه في السّرّ. واعلم أنّ من ثمرات سوء الظّنّ التّجسّس، فإنّ القلب لا يقنع بالظّنّ، بل يطلب التّحقيق فيشتغل بالتّجسّس، وذلك منهيّ عنه، لأنّه يوصل إلى هتك ستر المسلم، ولو لم ينكشف لك، كان قلبك أسلم للمسلم «6» . قال ابن القيّم- رحمه الله-: أكثر النّاس يظنّون بالله ظنّ السّوء فيما يختصّ بهم وفيما يفعله بغيرهم، فقلّ من يسلم من ذلك إلّا من عرف الله وأسماءه   (1) الزواجر (114) . (2) المرجع السابق (109) . (3) قرأ: «بظنين» بالظاء ابن كثير، وأبو عمرو والكسائي، وقرأ الباقون: «بضنين» بالضاد أي ببخيل، وعلى هذه القراءة رسم مصحف حفص الذي بأيدينا. (4) نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي (425- 426) . (5) انظر بصائر ذوي التمييز للفيروز أبادي (3/ 545- 547) (6) مختصر منهاج القاصدين (172) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4653 وصفاته، وهو موجب حكمته وحمده، فليعتن اللّبيب النّاصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله تعالى ويستغفره من ظنّه بربّه ظنّ السّوء، ولو فتّشت من فتّشت لرأيت عنده تعنّتا على القدر، وملامة له، يقول: إنّه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا فمستقلّ ومستكثر، وفتّش نفسك هل أنت سالم؟. فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلّا فإنّي لا إخالك ناجيا ) * «1» . وصفوة القول أنّ: 1- الظّنّ المحرّم هو سوء الظّنّ بالله تعالى ويقابله وجوب حسن الظّنّ بالله. 2- حرمة الظّنّ كذلك بالمسلمين الّذين ظاهرهم العدالة. والمطلوب حسن الظّنّ بهم. 3- الظّنّ المباح وهو الّذي يعرض في قلب المسلم في أخيه بسبب ما يوجب الرّيبة. وهذا الظّنّ لا يحقّق. [للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- سوء الخلق- سوء المعاملة- الشك- اتباع الهوى- الأذى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن الظن- حسن العشرة- حسن المعاملة- اليقين- الأدب] .   (1) تيسير العزيز الحميد (675- 676) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4654 الآيات الواردة في «سوء الظّنّ» سوء الظن وعواقبه في الأمم الماضية: 1- * أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) «1» 2- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) «2» 3- * وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) «3» 4- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) «4»   (1) البقرة: 75- 78 مدنية (2) النساء: 153- 157 مدنية (3) الأعراف: 65- 66 مكية (4) هود: 25- 27 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4655 5- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) «1» 6- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (101) «2» 7- وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) «3» 8- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «4» 9- وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) «5» 10- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39) «6» 11- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ (37) «7» 12- وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) «8»   (1) يوسف: 109- 110 مكية (2) الإسراء: 101 مكية (3) الكهف: 35- 36 مكية (4) الأنبياء: 87 مكية (5) الشعراء: 182- 186 مكية (6) القصص: 38- 39 مكية (7) غافر: 36- 37 مكية (8) الجاثية: 24 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4656 13- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (7) «1» سوء الظن وعواقبه في أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم: 14- إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) «2» 15- وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) «3» 16- سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) «4» 17- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) «5»   (1) الجن: 1- 7 مكية (2) آل عمران: 153- 154 مدنية (3) الأنعام: 116 مكية (4) الأنعام: 148 مكية (5) يونس: 24 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4657 18- وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36) «1» 19- وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) «2» 20- أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) «3» 21- مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) «4» 22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) «5» 23- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) «6» 24- وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) «7» 25- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) «8» 26- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) «9» 27- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5)   (1) يونس: 36 مكية (2) يونس: 60 مكية (3) يونس: 66 مكية (4) الحج: 15 مدنية (5) الأحزاب: 9- 10 مدنية (6) ص: 27 مكية (7) فصلت: 22- 23 مكية (8) فصلت: 49- 50 مكية (9) الجاثية: 31- 32 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4658 وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) «1» 28- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «2» 29- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «3» 30- أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) «4» 31- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) «5» 32- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «6» 33- وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) وَيَصْلى سَعِيراً (12) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) «7»   (1) الفتح: 4- 6 مدنية (2) الفتح: 11- 12 مدنية (3) الحجرات: 12 مدنية (4) النجم: 19- 23 مكية (5) النجم: 27- 28 مكية (6) الحشر: 1- 2 مدنية (7) الانشقاق: 10- 14 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4659 الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء الظن) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلنا: بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «1» رويدا. فجعلت درعي في رأسي، واختمرت «2» وتقنّعت إزاري. ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «3» . فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش حشيا رابية «4» » قالت: لا شيء. قال: «لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» . قالت: قلت: يا رسول الله،- بأبي أنت وأمّي- فأخبرته. قال: «فأنت السّواد «5» الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم. فلهدني «6» في صدري لهدة أو جعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. نعم. قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني. فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي، فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «7» 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والظّنّ؛ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث. ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تنافسوا «8» ، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «9» .   (1) أجافه: أغلقه. (2) اختمرت: لبست خماري. (3) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو أي فعدا فعدوت وهو فوق الهرولة. (4) حشيا رابية: أى قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذى يعرض للمسرع فى مشيه، والمحتد فى كلامه من ارتفاع النّفس وتواتره. (5) السواد: أي الشخص. (6) لهدني: ضربني. (7) مسلم (974) . (8) ولا تنافسوا: المعنى هو التباري في الرغبة في الدنيا وأسبابها وحظوظها. (9) البخاري- الفتح 10 (6066) ، ومسلم (2563) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4660 الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء الظن) معنى 3- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ معاذ بن جبل- رضي الله عنه- كان يصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال فتجوّز «1» رجل فصلّى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا فقال: إنّه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوّزت، فزعم أنّي منافق، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معاذ، أفتّان أنت؟ (ثلاثا) . اقرأ وَالشَّمْسِ وَضُحاها، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، ونحوهما» ) * «2» . 4- * (عن زيد بن أسلم- رضي الله عنه- أنّ رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك: ما لقرّائنا هؤلاء، أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللّقاء! فقال له عوف: كذبت، ولكنّك منافق! لأخبرنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! فذهب عوف إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه، قال زيد: قال عبد الله ابن عمر- رضي الله عنهما-: فنظرت إليه متعلّقا بحقب «3» ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تنكبه الحجارة، يقول: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ! فيقول له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (التوبة/ 65)) * «4» . 5- * (عن اللّجلاج- رضي الله عنه- أنّه كان قاعدا يعتمل في السوق فمرّت امرأة تحمل صبيّا فثار النّاس معها وثرت فيمن ثار، فانتهت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول ... الحديث وفيه: فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لهو أطيب عند الله من ريح المسك» فإذا هو أبوه، فأعنّاه على غسله وتكفينه ودفنه) * «5» . 6- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الأمير إذا ابتغى الريبة في النّاس أفسدهم» ) * «6» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر على الصدقة. فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله. وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله «7» . وأمّا العبّاس   (1) فتجوز: أى ترخص وخفف. (2) البخاري- الفتح 10 (6106) واللفظ له، ومسلم (465) . (3) الحقب: بفتحتين-: الحزام الذي يلي حقو البعير وقيل: هو حبل يشد به الحمل في بطن البعير. (4) تفسير الطبرى (6/ 409) . (5) أبو داود (4435) ، وحسنه الألباني؛ صحيح سنن أبي داود (3728، 3729) . (6) أبو داود (4889) وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح أبي داود (4089) (7) قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله: أي حبسها ووقفها في سبيل الله، قبل الحول عليها فلا زكاة فيها والأعتاد جمع عتاد وهى آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4661 فهي عليّ ومثلها معها «1» » . قال: «يا عمر، أما شعرت أنّ عمّ الرجل صنو أبيه) * «2» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك من إبل؟» . قال: نعم. قال: «فما ألوانها؟» . قال: حمر. قال: «هل فيها من أورق «3» ؟» قال: إنّ فيها لورقا. قال: «فأنّى أتاها ذلك» قال: عسى أن يكون نزعه عرق «4» . قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» ) * «5» . 9- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء «6» كانت من اللّيل. فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب. وأمّا من قال: مطرنا بنوء «7» كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» ) * «8» . 10- * (عن جندب البجليّ- رضي الله عنه- قال: قالت امرأة: يا رسول الله، ما أرى صاحبك إلّا أبطأك. فنزلت: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (الضحى/ 3) * «9» . 11- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل. فقمت حين آذنوا بالرحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «10» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي.   (1) وأما العباس فهي عليّ ومثلها معها: معناه أني تسلفت منه زكاة عامين. (2) البخاري- الفتح 3 (1468) ، ومسلم (983) واللفظ له، وقوله: صنو أبيه أي مثله ونظيره يعني أنهما من أصل واحد. (3) الأورق: هو الذي فيه سواد ليس بصاف، ومنه قيل للرماد: أورق وجمعه ورق كأحمر وحمر. (4) عسى أن يكون نزعه عرق: المراد بالعرق: الأصل من النسب تشبها بعرق الشجرة، ومنه قولهم فلان معرق فى النسب، ومعنى نزعه أى أشبهه واجتذبه إليه، وأظهر لونه عليه فكأنه جذبه إليه لشبهه. (5) البخاري- الفتح 9 (5305) ، ومسلم (1500) واللفظ له. (6) في إثر السماء: أي بعد المطر. والسماء: المطر. (7) بنوء: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب، فانه مصدر ناء النجم ينوء أي سقط وغاب، وقيل: نهض وطلع. (8) البخاري الفتح 7 (4147) ، مسلم (71) واللفظ له. (9) البخاري الفتح 8 (4951) . (10) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4662 فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «1» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «2» من الطعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السلميّ، ثمّ الذكوانيّ، قد عرّس «3» من وراء الجيش فأدلج «4» . فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته. فوطأ على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الراحلة. حتّى أتينا الجيش. بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة «5» . فهلك من هلك في شأني. وكان الذي تولّى كبره عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم «6» ؟» فذاك يريبني. ولا أشعر بالشرّ. حتّى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «7» . وهو متبرّزنا. ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التنزّه. وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطّلب بن عبد مناف. وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «8» . فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا. قالت: أي هنتاه «9» ، أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت، فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ قال: «كيف تيكم؟» قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه ما يتحدّث النّاس؟ فقالت: يا   (1) لم يهبلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه. (2) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة. (3) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة. (4) فأدلج: الإدلاج هو السير آخر الليل. (5) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر. (6) كيف تيكم: هى إشارة إلى المؤنثة، يقابلها كذلكم فى المذكر. (7) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها. (8) في مرطها: المرط الكساء من صوف وقد يكون من غيره. (9) أي هنتاه: بضم الهاء الأخيرة وقد تسكن، لفظة تختص بالنداء ومعناها: يا هذا، وقيل: يا امرأة، وقيل: يابلهاء كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4663 بنيّة، هوّني عليك. فو الله لقلمّا كانت امرأة قطّ وضيئة «1» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله! وقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «2» لي دمع، ولا أكتحل بنوم «3» . ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي «4» . يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله، هم أهلك، ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «5» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن «6» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «7» من عبد الله بن أبيّ بن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا. ولكن اجتهلته الحميّة «8» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيّان الأوس والخزرج «9» حتّى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا   (1) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن. (2) لا يرقأ: أي لا ينقطع. (3) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام. (4) استلبث الوحي: أي أبطا ولبث ولم ينزل. (5) أغمصه: أي أعيبها به. (6) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين. (7) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر. (8) اجتهلته الحمية: أي خفته وأغضبته وحملته على الجهل (9) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4664 بعد. يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب. فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة،. والله يعلم أنّي بريئة.، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) . قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «2» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «3» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة، أمّا الله فقد برّأك» فقال لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ- قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله- فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» فقالت: يا رسول الله،   (1) ما رام: أي ما فارق. (2) البرحاء: هي الشدة. (3) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4665 أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «1» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «2» فهلكت فيمن هلك) * «3» 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى- عليه السّلام- يغتسل وحده. فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلّا أنّه آدر «4» . قال: فذهب مرّة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففرّ الحجر بثوبه قال: فجمح «5» موسى بإثره يقول: ثوبي حجر «6» ثوبي حجر حتّى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى. قالوا: والله ما بموسى من بأس. فقام الحجر حتّى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا» ) * «7» . 13- * (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعدما اشتدّ النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له فلم يجلس حتّى قال:" أين تحبّ أن أصلّي من بيتك؟ فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير «8» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل منهم: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» . فقال: الله ورسوله أعلم. أمّا نحن فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «9» . 14- * (عن كعب بن مالك- رضي الله   (1) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم. (2) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك. (3) البخاري- الفتح 7 (4141) ، ومسلم (2770) واللفظ له. (4) آدر أى عظيم الخصيتين. (5) فجمح: أى جرى أشد الجرى. (6) ثوبى حجر: أى ثوبى يا حجر، حذفت أداة النداء ونداء الحجر بالنسبة للنبى أمر ممكن ويدخل فى باب المعجزة. (7) البخاري- الفتح 6 (3404) ، ومسلم (339) واللفظ له. (8) الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فاذا نضج ذر عليه دقيق فان لم يكن فيها لحم فهي عصيدة. (9) البخاري- الفتح 3 (1186) واللفظ له، ومسلم (33) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4666 عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك ... الحديث وفيه: «ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا «1» فقال، وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنّظر في عطفيه «2» . فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا. فاتّخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمّه وهو يصلّي فقالت: يا جريج فقال: يا ربّ، أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت. فلمّا كان من الغد، أتته وهو يصلّي فقالت: يا جريج فقال: يا ربّ، أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهمّ لا تمته حتّى ينظر وجوه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغيّ يتمثّل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم. قال: فتعرّضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها. فوقع عليها. فحملت. فلمّا ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغيّ. فولدت منك. فقال: أين الصّبيّ؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتّى أصلّي، فلمّا انصرف أتى الصّبيّ فطعن في بطنه، وقال: من أبوك؟ قال: فلان الرّاعي. قال: فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبيّ يرضع من أمّه، فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة وشارة حسنة فقالت أمّه: اللهمّ، اجعل ابني مثل هذا، فترك الثّدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهمّ، لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع، قال: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه فجعل يمصّها. قال: ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمّه: اللهمّ، لا تجعل ابني مثلها، فترك الرّضاع ونظر إليها، فقال: اللهمّ، اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث. فقالت: حلقى «4» مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ، اجعل ابني مثله، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، فقلت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهمّ، اجعلني مثلها. قال: إنّ ذاك   (1) حتى بلغ تبوكا هو فى أكثر النسخ تبوكا، وكذا هو فى نسخ البخارى، وكأنه صرفها لإرادة الموقع، دون البقعة. (2) النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه. (3) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم 4 (2769) واللفظ له. (4) حلقى: أي أصابه الله بوجع في حلقه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4667 الرّجل كان جبّارا، فقلت: اللهمّ، لا تجعلني مثله، وإنّ هذه يقولون لها: زنيت. ولم تزن، وسرقت. ولم تسرق، فقلت: اللهمّ، اجعلني مثلها» ) * «1» . 16- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «لمّا أمرنا بالصّدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رئاء، فنزلت الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79) الآية) * «2» . 17- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم حنين آثر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أناسا في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة. قال رجل: والله إنّ هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته فأخبرته. فقال: «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى. فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ) * «3» . 18- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه، إلّا كفر. ومن ادّعى ما ليس له فليس منّا. وليتبوّأ مقعده من النّار، ومن دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدوّ الله، وليس كذلك إلّا حار عليه «4» » ) * «5» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: «يؤذيني ابن آدم. يسبّ الدّهر وأنا الدّهر. أقلّب اللّيل والنّهار» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (سوء الظن) 1- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: إنّي لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله، وكنّا نغزو مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما لنا طعام إلّا ورق الشّجر، حتّى إنّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشّاة، ماله خلط «7» ، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني «8» على الإسلام، لقد خبت إذا وضلّ عملي، وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا: لا يحسن يصلّي» ) * «9» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ (الحج/ 11) قال: كان الرّجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء» ) * «10» .   (1) البخاري الفتح 6 (3436) ، ومسلم (2550) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 8 (4668) واللفظ له ومسلم (1018) . (3) البخاري- الفتح 6 (3150) واللفظ له ومسلم (1062) . (4) حار عليه: أي باء ورجع عليه. (5) البخاري- الفتح 6 (3508) ، ومسلم (61) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 8 (4826) ، ومسلم (2246) واللفظ له. (7) خلط: أي لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته. (8) تعزرني: تؤدبني، والمعنى تعلمني الصلاة، أو تعيرني بأني لا أحسنها. (9) البخاري- الفتح 7 (3728) . (10) البخاري- الفتح 8 (4742) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4668 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال:" اجتمع عند البيت قرشيّان وثقفيّ أو ثقفيّان وقرشيّ كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم. فقال أحدهم: أترون أنّ الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنّه يسمع إذا أخفينا. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (فصلت/ 22)) * «1» . 4- * (عن عائذ بن عمرو- رضي الله عنه- وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على عبيد الله ابن زياد. فقال: «أي بنيّ، إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ شرّ الرّعاء الحطمة «2» . فإيّاك أن تكون منهم» فقال له: اجلس. فإنّما أنت من نخالة «3» أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنّما كانت النّخالة بعدهم، وفي غيرهم» ) * «4» . 5- * (عن سعيد بن المسيّب قال: «كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امرىء مسلم شرّا، وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرّض نفسه للتّهم فلا يلومنّ إلّا نفسه، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه» ) * «5» . 6- * (عن عثمان بن موهب قال:" جاء رجل من أهل مصر وحجّ البيت، فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء القوم؟. فقالوا: هؤلاء قريش. قال: فمن الشّيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر. قال: يا بن عمر، إنّي سائلك عن شيء فحدّثني عنه: هل تعلم أنّ عثمان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم. فقال: تعلم أنّه تغيّب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم. قال الرّجل: هل تعلم أنه تغيّب عن بيعة الرّضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: الله أكبر. قال ابن عمر: تعال أبيّن لك. أمّا فراره يوم أحد فأشهد أنّ الله عفا عنه وغفر له. وأمّا تغيّبه عن بدر فإنّه كانت تحته بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لك أجر رجل ممّن شهد بدرا وسهمه» . وأمّا تغيّبه عن بيعة الرّضوان فلو كان أحد أعزّ ببطن مكّة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان، وكانت بيعة الرّضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده اليمنى: «هذه يد عثمان. فضرب بها على يده فقال: هذه لعثمان، فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك» ) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 8 (4817) . (2) إن شر الرعاء الحطمة: الحطمة هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار. يلقي بعضها على بعض ويعسفها. ضربه مثلا لوالي السوء. (3) نخالة: أي لست من فضلائهم وعلمائهم. والنخالة هنا: استعارة من نخالة الدقيق. (4) مسلم (1830) . (5) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 150) . (6) البخاري- الفتح 7 (3698) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4669 7- * (عن عروة بن الزّبير عن عائشة- رضي الله عنها- قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ (يوسف/ 11) قال: قلت: «أكذبوا أم كذّبوا؟ قالت عائشة: كذبوا. قلت: فقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم، فما هو بالظّنّ؟ قالت: أجل لعمري، لقد استيقنوا بذلك. فقلت لها: وظنّوا أنّهم قد كذبوا؟ قالت: معاذ الله، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها. قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم وصدّقوهم، فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النّصر، حتّى إذا استيأس الرّسل ممّن كذّبهم من قومهم، وظنّت الرّسل أنّ أتباعهم قد كذّبوهم، جاء نصر الله عند ذلك» ) * «1» . 8- * (عن سعد بن عبيدة؛ قال:" جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعلّ ذلك يسوؤك؟ قال: نعم. قال: فأزغم الله بأنفك ثمّ سأله عن عليّ، فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك. بيته أوسط بيوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قال: لعلّ ذاك يسوؤك؟ قال: أجل. قال فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد على جهدك» ) * «2» . 9- * (عن عبد الله بن المبارك قال: «جئت إلى سفيان عشيّة عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فبكيت، فالتفت إليّ فقال: ما شأنك؟ فقلت: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الّذي يظنّ أنّ الله- عزّ وجلّ- لا يغفر لهم» ) * «3» . 10- * (قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة كان مبدؤها هناك، فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أنّه إن لم يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها، وقالوا: ألا نسقيك مرقدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا. والله ما كنت أظنّ أنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر «4» ولا اختلج «5» ، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد أبليت فلطا لما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت ... فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، فما سمعناه ذكر رجله ولا ولده، ولا شكا ذلك إلى أحد   (1) البخاري- الفتح 8 (4695) . (2) البخاري- الفتح 7 (3704) . (3) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (92) . (4) تضور: تلوّى وصاح من وجع الضرب أو الجوع ونحوهما. (5) اختلج: أى خطر مع شك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4670 حتّى دخل وادي القرى ... فلمّا دخل المدينة أتاه النّاس يسلّمون عليه ويعزّونه في رجله وولده، فبلغه أنّ بعض النّاس قال: إنّما أصابه ذلك بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة في ذلك، والأبيات لمعن بن أوس: لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى مثلي ) * «1» . 11- * (قال ابن القيّم- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ (الفتح/ 6) : فسّر هذا الظّنّ بأنّه سبحانه لا ينصر رسوله، وأنّ أمره سيضمحلّ، وفسّر أنّ ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسّر بإنكار الحكمة وإنكار القدر، وإنكار أنّ يتمّ أمر رسوله، وأن يظهره على الدّين كلّه، وهذا هو ظنّ السّوء الّذي ظنّ المنافقون والمشركون، وإنّما كان هذا ظنّ السّوء؛ لأنّه ظنّ غير ما يليق به سبحانه، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصّادق، فمن ظنّ أنّه يديل الباطل على الحقّ إدالة مستقرّة يضمحلّ معها الحقّ، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، وأنكر أن يكون قدّره لحكمة بالغة يستحقّ عليها الحمد، بل زعم أنّ ذلك لمشيئة مجرّدة، ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (ص/ 27)) * «2» . 12- * (قال الشّاعر: فلا تظنن بربّك ظنّ سوء ... فإنّ الله أولى بالجميل ولا تظنن بنفسك قطّ خيرا ... فكيف بظالم جان خجول وظنّ بنفسك السّوءى تجدها ... كذلك خيرها كالمستحيل وما بك من تقى فيها وخير ... فتلك مواهب الرّبّ الجليل وليس لها ولا منها ولكن ... من الرّحمن فاشكر للدّليل ) * «3» . 13- * (قال محمود الورّاق: فلا تجزع وإن أعسرت يوما ... فقد أيسرت في الدّهر الطّويل فإنّ العسر يتبعه يسار ... وقول الله أصدق كلّ قيل فلا تظنن بربّك ظنّ سوء ... فإنّ الله أولى بالجميل فلو أنّ العقول تفيد مالا ... لكان المال عند ذوي العقول ) * «4» .   (1) البداية والنهاية لابن كثير (9/ 180) . (2) تيسير العزيز الحميد (675) . (3) المرجع السابق (684) . (4) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (123) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4671 من مضار (سوء الظن) (1) يؤدّي إلى غضب الله وسخطه. (2) دليل على فساد النّيّة، وسوء الطّويّة. (3) خلق من أخلاق المنافقين. (4) يولّد الشّحناء والبغضاء بين النّاس. (5) مفتاح للعواقب الوخيمة، والأعمال السّيّئة. (6) يورث الذّلّ والهوان على الله ثمّ على النّاس. (7) دليل ضعف الإيمان. (8) دليل على عدم الثّقة بالنّفس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4672 سوء المعاملة سوء المعاملة لغة: هو الاسم من قولهم: ساء يسوء، والمصدر السّوء (بفتح السّين) والمساءة، والمسائية، وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (س وأ) الّتي تدلّ على القبح، وعلى خلاف السّرور «1» ، تقول: رجل أسوأ أي قبيح، وامرأة سوآء أي قبيحة، قال ابن فارس: لذلك سمّيت السّيّئة سيّئة، وسمّيت النّار سوءى لقبح منظرها، وأساء إليه: نقيض أحسن إليه، وقولهم: ما أنكرك من سوء: أي لم يكن إنكاري إيّاك من سوء رأيته بك، إنّما هو لقلّة المعرفة، والسّوأة: العورة، والفاحشة والسّوأة السّوآء: الخلّة القبيحة، والسّوء: قد يراد به الهزيمة والشّرّ كما في قراءة من قرأ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ (الفتح 6) أمّا من قرأ بالفتح فهو من المساءة، وسوء المعاملة: نقيض حسن المعاملة «2» . السوء اصطلاحا: هو كلّ ما يغمّ الإنسان من أمور الدّارين من الأحوال النّفسيّة والبدنيّة والخارجيّة من فوات مال، وفقد حبيب ونحوهما «3» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار / 31/ 6 المعاملة في اللغة: المعاملة في اللّغة مصدر قولهم: عاملت الرّجل أعامله معاملة، وتدلّ الصّيغة (فاعل) هنا على المشاركة، أي إنّ الحدث المقصود قد اشترك فيه طرفان وذلك كما في البيع والشّراء والإجارة ونحو ذلك، يقال: عاملته معاملة، وأصل ذلك من مادّة (ع م ل) الّتي تدلّ على كلّ فعل يفعل، وقال الرّاغب: العمل كلّ فعل يكون من الحيوان بقصد، فهو أخصّ من الفعل لأنّ الفعل قد ينسب إلى الحيوانات، وهو يقع منها بغير قصد، وقد ينسب إلى الجمادات، والعمل قلّما ينسب إلى ذلك «4» . المعاملة اصطلاحا: قال التّهانويّ: المعاملة عند الفقهاء عبارة عن العقد على العمل ببعض الخارج (أي النّاتج عنها) ، وتطلق أيضا على الأحكام الشّرعيّة المتعلّقة بأمر الدّنيا باعتبار بقاء الشّخص كالبيع والشّراء والإجارة ونحوها «5» .   (1) ذهب إلى الأول ابن فارس في المقاييس (3/ 113) ، وإلى الآخر الجوهري في الصحاح (1/ 57) . (2) انظر تفصيلا أكثر في صفة الإساءة. (3) المفردات للراغب (348) . (4) مقاييس اللغة (4/ 144) ، المفردات للراغب (ص 348) . انظر تفصيلا أكثر في صفة حسن المعاملة. (5) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1049) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4673 شمولية معنى المعاملة: إنّ المعاملة المقصودة هنا أعمّ ممّا يطلق عليه أبواب المعاملات في الفقه الإسلاميّ كالبيع والإجارة ونحوهما وإنّما تشمل إلي جانب ذلك ما يطلق عليه الأحكام العمليّة في الشّريعة الإسلاميّة وتشمل هذه الأحكام. يقول الدّكتور النّبهان: تشمل الأحكام العمليّة الأحكام المتعلّقة بحياة الإنسان، معاملاته وعلاقاته مع الآخرين، كما تشمل كلّ الأحكام المتعلّقة بالأسرة، والمعاملات الماليّة والمدنيّة والمنازعات والعقوبات وما يتعلّق بالحكم أو بالدّولة سواء فيما يخصّ العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو بين الدّولة والدّول الأخرى «1» ، ونقول: إنّ المعاملة الّتي ينبغي عدم الإساءة فيها تمتدّ إلى معاملة الإنسان نفسه ومعاملته للحيوانات وغيرها ممّا يحيط به في بيئته الّتي يعيش فيها. سوء المعاملة اصطلاحا: أن يفعل الإنسان ما من شأنه أن يغمّ أو يؤذي غيره في المعاملات الشّرعيّة من بيع وإجارة ونحوهما، أو المعاملات السّلوكيّة والأخلاقيّة المتعلّقة بالنّفس أو الغير في إطار الأسرة والمجتمع والبيئة «2» . أنواع سوء المعاملة: لسوء المعاملة أنواع عديدة يمكن تلخيصها في نوعين: الأوّل: الإساءة القوليّة وتحتها فروع «3» . الثّاني: الإساءة الفعليّة وتحتها فروع «4» . وقد فصّل القول في ذلك في صفة الإساءة ممّا أغنى عن إعادته هنا. [للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة- الاستهزاء- التحقير- السخرية- اتباع الهوى- سوء الخلق- السفاهة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن المعاملة البشاشة- حسن الخلق- الشفقة- طلاقة الوجه- تكريم الإنسان- الإحسان- الأدب] . الآيات الواردة في (سوء المعاملة) معنى انظر الآيات الواردة في صفة ((الإساءة))   (1) المدخل للتشريع الإسلامي (14) . (2) اقتبس هذا التعريف من جملة أقوال اللغويين وعلماء الاصطلاح فيما يتعلق بكل من السوء والمعاملة. (3) من ذلك على سبيل المثال: سبّ المسلم ومشاحنته وإفشاء سرّه والطعن في نسبه وغير ذلك، انظر شجرة المعارف والأحوال للعز بن عبد السلام (323) . (4) من ذلك على سبيل المثال: هجر المسلم، والإشارة إليه بالسلاح وغير ذلك انظر: شجرة المعارف والأحوال (316) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4674 الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء المعاملة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ «1» . فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لئن كنت كما قلت فكأنّما تسفّهم الملّ «2» ، ولا يزال معك من الله ظهير «3» عليهم مادمت على ذلك» ) * «4» . 2- * (عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنهما- أنّ رجلا قال: يا رسول الله، أيّ النّاس خير؟ قال: «من طال عمره وحسن عمله» قال: فأيّ النّاس شرّ؟ قال: «من طال عمره وساء عمله» ) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء المعاملة) معنى 3- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم امرأة معها صبيّان لها. قد حملت أحدهما وهي تقود الآخر. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حاملات «6» ، والدات، رحيمات. لولا ما يأتين إلى أزواجهنّ «7» ، دخل مصلّياتهنّ الجنّة» ) * «8» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دعا الرّجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجأ لعنتها الملائكة حتّى تصبح» ) * «9» . 5- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلفه ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس- وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته، هدفا أو حائش نخل- قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «10» فسكت، فقال: «من ربّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار   (1) ويجهلون علي: أي يسيئون. والجهل، هنا، القبيح من القول. (2) تسفهم المل: المل هو الرماد الحار. أي كأنما تطعمهموه. وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم، بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم. (3) ظهير: الظهير المعين والدافع لأذاهم. (4) مسلم (2558) . (5) الترمذي (2330) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد (5/ 40، 44، 47، 48، 49، 50) والبغوي (1/ 445) ، وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (11/ 696) . (6) حاملات الخ: أي يحملن أولادهن في بطونهن بأنواع من التعب، ويلدنهم ثانيا كذلك ويرحمنهم ثالثا. (7) ما يأتين إلى أزواجهن: وفيه أنهن لو صلين وتركن الأذى لدخلن الجنة إلا أنهن كثيرات الأذى قليلات الصلاة. (8) ابن ماجة (2013) في الزوائد: رجال إسناده ثقات، أحمد (5/ 252، 253، 257، 269) والحاكم (4/ 173، 174) وقال صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد أعضله شعبة عن الأعمش، وأقره الذهبي، وقال أبو حاتم في سالم بن أبي الجعد: أدرك أبا أمامة، التهذيب ص 3/ 432، 433. (9) البخاري الفتح 9 (5193) واللفظ له، ومسلم (1436) . (10) ذفراه: العظم الشاخص خلف الأذن والجمع ذفاري وهما ذفريان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4675 فقال: لي، يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها، فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «1» » ) * «2» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم» ) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا تقاضى «4» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأغلظ له، فهمّ به أصحابه، فقال: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا، واشتروا له بعيرا فأعطوه إيّاه» . وقالوا: لا نجد إلّا أفضل من سنّه، قال: «اشتروه فأعطوه إيّاه؛ فإنّ خيركم أحسنكم قضاء» ) * «5» . 8- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- عن أبيه، أنّه حدّثه: أنّ رجلا من الأنصار خاصم الزّبير عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شراج «6» الحرّة الّتي يسقون بها النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح «7» الماء يمرّ. فأبى عليه. فاختصما عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير: ثمّ أرسل الماء إلى جارك» . فغضب الأنصاريّ فقال: أن كان ابن عمّتك! فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «اسق يا زبير، ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر «8» . فقال الزّبير: والله إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء: 65)) * «9» . 9- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: «إنّما أنا بشر، وإنّه يأتيني الخصم فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنّه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من النّار فليأخذها أو ليتركها» ) * «10» . 10- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّ أباه أتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكلّ ولدك نحلته مثل هذا؟» فقال: لا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأرجعه» . وفي رواية: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفعلت هذا بولدك كلّهم؟» قال: لا، قال: «اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم» فرجع أبي فردّ تلك الصّدقة) * «11» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن   (1) تدئبه: تتعبه بالكد والعمل. (2) أبو داود (2549) ، وقال الألباني (2/ 485) : صحيح، وعند مسلم: بجملة الهدف والحائش فقط. (3) البخاري- الفتح 5 (2457) . (4) تقاضى: أي طلب منه الدين. (5) البخاري- الفتح 5 (2390) . (6) شراج الحرة: هي مسايل الماء واحدها شرجة والحرة هي الأرض الملسة فيها حجارة سود. (7) سرح: أي أرسله. (8) الجدر بفتح الجيم وكسرها وهو الجدار، وجمع الجدار جدر ككتاب وكتب، وجمع الجدر، جدور والمراد بالجدر أصل الحائط. (9) البخاري- الفتح 5 (2359) واللفظ له، ومسلم (2357) . (10) البخاري- الفتح 13 (7181) . (11) البخاري- الفتح 5 (2586) و (2587) ، ومسلم (1623) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4676 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت: لم أخلق لهذا. خلقت للحراثة. قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر. وأخذ الذّئب شاة فتبعها الرّاعي، فقال له الذّئب: من لها يوم السّبع «1» ، يوم لا راعي لها غيري؟ قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر» قال أبو سلمة: وما هما يومئذ في القوم) * «2» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر ممّا أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل مائه فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك» ) * «3» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطّريق فمنعه من ابن السّبيل، ورجل بايع إمامه لا يبايعه إلّا لدنيا: فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط. ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال: والله الّذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا، فصدّقه رجل. ثمّ قرأ هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا (آل عمران: 77)) * «4» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «5» . على رأس جبل، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «6» إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره «7» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «8» . إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «9» لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «10» وإن   (1) يوم السبع: أي يوم يطردك عنها السبع وبقيت أنا فيها لا راعي لها غيري لفرارك منه فأفعل بها ما أشاء. (2) البخاري- الفتح 5 (2324) واللفظ له، ومسلم (2388) . (3) البخاري- الفتح 5 (2369) واللفظ له، ومسلم (108) . (4) البخاري- الفتح 5 (2358) واللفظ له، ومسلم (108) . (5) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول. (6) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (7) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. (8) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع. (9) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة. (10) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4677 خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «1» وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «2» طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك «3» أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي الرّيح ريح زرنب «4» والمسّ مسّ أرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «5» طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد. قالت العاشرة: زوجي مالك. وما مالك «6» ؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر «7» أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ «8» ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي «9» . وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «10» ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح. أمّ أبي زرع. فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح «11» وبيتها فساح. ابن أبي زرع. فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ   (1) زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الاناء. (2) زوجي غياياء أو عياياء: وهو الذي لا يلقح وقيل هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدي الى مسلك. وقيل هو الغبي الأحمق. (3) شجك: أي جرحك في الرأس. فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد والفلّ: الكسر والضّرب وقيل الفلّ: الخصومة. (4) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثيابه في الناس. (5) زوجي رفيع العماد: قيل إن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه. وهكذا بيوت الأجواد. (6) زوجي مالك وما مالك: معناه أن له إبلا كثيرا. فهي باركة بفنائه. لا يوجهها تسرح إلا قليلا. فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها. (7) المزهر: هو العود الذي يضرب. أرادت أن زوجها عود إبله، إذا نزل به الضيفان، نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب. فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات هوالك. (8) أناس من حلي أذني: الحلي بضم الحاء وكسرها، لغتان مشهورتان. والنوس الحركة من كل شيء متدل. فهي تنوس أي تتحرك من كثرتها. (9) وبجحني فبجحت إلي نفسي: بجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر. قال الجوهري: الفتح ضعيفة. ومعناه فرحني ففرحت. وقال ابن الأنباري: وعظمني فعظمت عند نفسي. يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر. (10) الدائس: الذي يدوس الزرع في البيدر (وهي ما يسمى في العامية بالجرن) . والمنقّ: الذي ينقي الحب من تبنه، وقشوره، والمقصود أنّه صاحب زرع يداس وينقى من القشور. (11) عكومها رداح: قال أبو عبيد وغيره: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4678 شطبة «1» ويشبعه ذراع الجفرة «2» . بنت أبي زرع. فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «3» ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «4» . ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع- والأوطاب تمخض- فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا، وأخذ خطّيّا، وأراح عليّ نعما ثريا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، وقال: كلي أمّ زرع، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كلّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «5» . 15- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس معه، فقام قياما طويلا، نحوا من سورة البقرة، ثمّ ركع ركوعا طويلا، ثمّ رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع ركوعا طويلا وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع، ثمّ سجد، ثمّ قام، فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع ركوعا طويلا وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع ركوعا طويلا وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع، ثمّ سجد، ثمّ انصرف وقد تجلّت الشّمس فقال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله» قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا، ثمّ رأيناك تكعكعت، فقال: «إنّي رأيت الجنّة أو أريت الجنّة، فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدّنيا. ورأيت النّار فلم أر كاليوم منظرا قطّ، ورأيت أكثر أهلها النّساء» . قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: «بكفرهنّ» . قيل: يكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهنّ الدّهر ثمّ رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ» ) * «6» . 16- * (عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة فسألناه عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا فشكاني إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعيّرته بأمّه؟» ثمّ   (1) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. والشطبة ما شطب من جريد النخل، أي شق. وهي السعفة. (2) وتشبعه ذراع الجفرة: الذراع مؤنثة وقد تذكر. والجفرة الأنثى من أولاد المعز. وقيل من الضأن. وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها. والذكر جفر. لأنه جفر جنباه، أي عظما. والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به. (3) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله. (4) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة. (5) البخاري- الفتح 9 (5189) ، ومسلم (2448) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 9 (5197) واللفظ له، ومسلم (901) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4679 قال: «إنّ إخوانكم خولكم «1» . جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم» ) * «2» . 17- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «عذّبت امرأة في هرّة حبستها حتّى ماتت جوعا، فدخلت فيها النّار، قال: فقالوا- والله أعلم-: لا أنت أطعمتها ولا سقيتها حين حبستها، ولا أنت أرسلتها فأكلت من خشاش الأرض» ) * «3» . 18- * (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت أضرب غلاما لي بالسّوط، فسمعت صوتا من خلفي: «اعلم أبا مسعود» فلم أفهم الصّوت من الغضب، فلمّا دنا منّي إذا هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود. اعلم أبا مسعود» قال: فألقيت السّوط من يدي فقال: «اعلم أبا مسعود، أنّ الله أقدر عليك منك على هذا الغلام» قال: فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا. وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، هو حرّ لوجه الله. فقال: «أما لو لم تفعل للفحتك النّار «4» ، أو لمسّتك النّار» ) * «5» . 19- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية- فأدركه أعرابيّ فجذبه جذبة شديدة حتّى نظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت به حاشية الرّداء من شدّة جذبته، ثمّ قال: مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «6» . 20- * (عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تضربوا إماء الله» فجاء عمر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ذئرن النّساء «7» على أزواجهنّ، فرخّص في ضربهنّ فأطاف بآل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساء كثير يشكون أزواجهنّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد طاف «8» بآل محمّد نساء كثير يشكون أزواجهنّ. ليس أولئك بخياركم» ) * «9» . 21- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تؤذي امرأة زوجها في الدّنيا إلّا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه- قاتلك   (1) خولكم: أي عبيدكم (يطلق على الأمة والعبد) . (2) البخاري- الفتح 5 (2545) . (3) البخاري- الفتح 5 (2365) . (4) لفحتك النار: أحرقتك. (5) مسلم (1659) . (6) البخاري- الفتح 6 (3149) واللفظ له، ومسلم (1057) . (7) ذئرن: ذئرت المرأة على زوجها تذأر: إذا نشزت واجترأت عليه، فهي ذائر، والرجل ذائر مثلها، الذكر والأنثى سواء. (8) وأطاف بالشي: إذا أحاط به. (9) أبو داود (2146) وقال الألباني (2/ 403) : صحيح، وصحح إسناده محقق جامع الأصول (6/ 506) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4680 الله- فإنّما هو عندك دخيل «1» يوشك «2» أن يفارقك إلينا» ) * «3» . 22- * (عن عبد الله بن زمعة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثمّ يجامعها في آخر اليوم» ) * «4» . 23- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلبنّ أحد ماشية امرىء بغير إذنه. أيحبّ أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه؟ فإنّما تخزن لهم ضروع ماشيتهم أطعماتهم «5» ، فلا يحلبنّ أحد ماشية أحد إلّا بإذنه» ) * «6» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «7» مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر» أو قال: «غيره» ) * «8» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» . ثمّ يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمينّ بها بين أكتافكم) * «9» . 26- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) . حتّى حجّ عمر وحججت معه. فلمّا كنّا ببعض الطّريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرّز، ثمّ أتاني فسكبت على يديه فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله- عزّ وجلّ- لهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) ؟ قال عمر: وا عجبا لك يابن عبّاس (قال الزّهريّ: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه) قال: هي حفصة وعائشة. ثمّ أخذ يسوق الحديث. قال: كنّا، معشر قريش، قوما نغلب النّساء. فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في بني أميّة بن زيد، بالعوالي «10» . فتغضّبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل. فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: نعم. فقلت: أتهجره إحداكنّ اليوم إلى اللّيل؟ قالت: نعم. قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر. أفتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم؟ فإذا هي قد هلكت. لا تراجعي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) دخيل: الدخيل: الضيف والنزيل. (2) يوشك: يقارب. (3) أخرجه الترمذي (1174) واللفظ له وقال: حسن غريب، وابن ماجة رقم (2014) وقال محقق جامع الأصول (6/ 496) : إسناده حسن. (4) البخاري- الفتح 9 (5204) واللفظ له، ومسلم (2855) . (5) أطعماتهم: جمع أطعمة، والأطعمة. جمع طعام والمراد به هنا اللبن. (6) البخاري- الفتح 5 (2435) . (7) يفرك: معناه يبغض. (8) مسلم (1469) . (9) البخاري- الفتح 5 (2463) . (10) بالعوالي: موضع قريب من المدينة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4681 ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك، ولا يغرّنّك أن كانت جارتك «1» هي أوسم «2» وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك (يريد عائشة) . قال:- وكان لي جار من الأنصار- فكنّا نتناوب النّزول «3» إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينزل يوما وأنزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، وكنّا نتحدّث أنّ غسّان تنعل الخيل «4» لتغزونا. فنزل صاحبي. ثمّ أتاني عشاء فضرب بابي. ثمّ ناداني فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم. قلت: ماذا؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا. بل أعظم من ذلك وأطول. طلّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت. قد كنت أظنّ هذا كائنا حتّى إذا صلّيت الصّبح شددت عليّ ثيابي، ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: لا أدري. ها هو ذا معتزل في هذه المشربة. فأتيت غلاما له أسود. فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتّى انتهيت إلى المنبر فجلست فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلا ثمّ غلبني ما أجد، ثمّ أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ؟ فقال: قد ذكرتك له فصمت. فولّيت مدبرا فإذا الغلام يدعوني. فقال: ادخل فقد أذن لك. فدخلت فسلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو متّكيء على رمل حصير «5» . قد أثّر في جنبه. فقلت: أطلّقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: «لا» فقلت: الله أكبر. لو رأيتنا يا رسول الله- وكنّا معشر قريش قوما نغلب النّساء- فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم فتغضّبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهنّ وخسر. أفتأمن إحداهنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فإذا هي قد هلكت؟ فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: يا رسول الله، قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك. فتبسّم أخرى فقلت: أستأنس «6» يا رسول الله؟ قال: «نعم» فجلست. فرفعت رأسي في البيت فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر إلّا أهبا ثلاثة «7» . فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسّع على أمّتك؛ فقد وسّع على فارس والرّوم- وهم لا يعبدون الله- فاستوى جالسا ثمّ قال: «أفي شكّ أنت يابن الخطّاب؟ أولئك   (1) جارتك: أي ضرتك. (2) أوسم: أي أحسن وأجمل. والوسامة الجمال. (3) فكنا نتناوب النزول: يعني من العوالي الى مهبط الوحي. والتناوب أن تفعل الشيء مرة، ويفعل الآخر مرة أخرى. (4) تنعل الخيل: أي يجعلون لخيلوهم نعالا لغزونا. يعني يتهيأون لقتالنا. (5) على رمل حصير: هو بفتح الراء وإسكان الميم. يقال: رملت الحصير وأرملته، اذا نسجته. وحصير مرمول أي منسوج. (6) أستأنس يا رسول الله: الظاهر من إجابته صلّى الله عليه وسلّم أن الاستئناس، هنا هو الاستئذان في الأنس والمحادثة، ويدل عليه قوله: فجلست. (7) أهبا: بحركات جمع إهاب على غير قياس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4682 قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» . فقلت: استغفر لي يا رسول الله وكان أقسم أن لا يدخل عليهنّ شهرا من شدّة موجدته «1» عليهنّ. حتّى عاتبه الله- عزّ وجلّ-) * «2» . 27- * (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) * «3» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مطل الغنيّ ظلم» ) * «4» . 29- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على يمين يقتطع بها مال امرىء مسلم هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا ... الآية» فجاء الأشعث فقال: ما حدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ فيّ أنزلت هذه الآية. كانت لي بئر في أرض ابن عمّ لي فقال لي: شهودك. قلت: ما لي شهود. قال: فيمينه. قلت يا رسول الله إذا يحلف. فذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الحديث. فأنزل الله ذلك تصديقا له) * «5» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقّه مائل» ) * «6» . 31- * (عن معاوية بن حيدة القشيريّ- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح «7» ، ولا تهجر إلّا في البيت» ) * «8» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (سوء المعاملة) 1- * (قال داود- عليه السّلام- «المرأة السّوء على بعلها كالحمل الثّقيل على الشّيخ الكبير، والمرأة الصّالحة كالتّاج المرصّع بالذّهب كلّما راها قرّت عينه برؤيتها» ) * «9» . 2- * (عن خبّاب- رضي الله عنه- قال: «كنت قينا في الجاهليّة وكان لي على العاص بن وائل دراهم فأتيته أتقاضاه فقال: لا أقضيك حتّى تكفر بمحمّد. فقلت: لا، والله لا أكفر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم حتّى يميتك الله، ثمّ يبعثك. قال: فدعني حتّى أموت ثمّ أبعث فأوتى مالا وولدا ثمّ أقضيك. فنزلت:   (1) من شدة موجدته: أي غضبه. (2) البخاري- الفتح 9 (5191) ، مسلم (1479) واللفظ له. (3) أبو داود (2548) وقال الألباني (2/ 484) : صحيح. (4) البخاري- الفتح 5 (2400) . (5) البخاري- الفتح 5 (2356، 2357) واللفظ له، ومسلم (138) . (6) الترمذي (1141) ، أبو داود (2133) واللفظ له وقال الألباني (2/ 400) : صحيح، والنسائي (7/ 63) وقال محقق جامع الأصول (11/ 513) : حديث صحيح. (7) لا تقبح: أي تقول: قبحك الله. (8) أبو داود (2142) واللفظ له وقال الألباني (2/ 402) : حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (6/ 505) : حسن. (9) المستطرف (2/ 302) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4683 أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً الآية» ) * «1» . 3- * (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: «كنّا أكثر أهل المدينة مزدرعا. كنّا نكري الأرض بالنّاحية منها مسمّى لسيّد الأرض. قال: فممّا يصاب ذلك وتسلم الأرض، وممّا يصاب الأرض ويسلم ذلك. فنهينا. وأمّا الذّهب والورق فلم يكن يومئذ» ) * «2» . 4* (عن هشام بن حكيم بن حزام- رضي الله عنهما- قال مرّ بالشّام على أناس من الأنباط «3» وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤوسهم الزّيت- فقال: ما هذا؟ قيل يعذّبون في الخراج «4» ، وفي رواية: حبسوا في الجزية «5» . فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا» فدخل على الأمير فحدّثه، فأمر بهم فخلّوا) * «6» . 5- * (قال بعضهم في سوء المعاشرة: لقد كنت محتاجا إلى موت زوجتي ... ولكن قرين السّوء باق معمّر فياليتها صارت إلى القبر عاجلا ... وعذّبها فيه نكير ومنكر «7» . 6- * (قال بعضهم: لا يغرّنك من المرء قميص رقعه ... أوجبين لاح فيه أثر قد قلعه أو إزار فوق كعب السّاق منه رفعه ... ولدى الدّرهم فانظر غيّه أو ورعه «8» . من مضار (سوء المعاملة) (1) تسبّب سخط الرّبّ عزّ وجلّ. (2) من يسيء المعاملة مع إنسان أو حيوان يلقى الله بما عمل. (3) سوء المعاملة بين النّاس هدم للمجتمع وضياع للأمّة. (4) شرّ النّاس من طال عمره وساء عمله. (5) سيّىء المعاملة يحارب نفسه بنفسه حيث يلفظه المجتمع ويزدريه. (6) يسبّب إيذاء الآخرين والإضرار بهم. (7) تنزع البركة من العمر والرّزق. (8) تترك ذكرى خبيثة لصاحبها.   (1) البخاري- الفتح 5 (2425) . (2) البخاري- الفتح 5 (2327) . (3) الأنباط: واحده نبطي، نسبة إلى بلاد الأنباط في العراق، وسموا بذلك لاستنباطهم الماء وعمل الزراعة. (4) الخراج: هو نفع الأرضين وغيرها. (5) الجزية: هي عبارة عن المال الذي يعقد الكتابي عليه الذمة. (6) مسلم (2613) . (7) المستطرف (2/ 302) . (8) إحياء علوم الدين (2/ 93) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4684 [ حرف الشين ] الشح الشح لغة: هو الاسم من قولهم: شحّ يشحّ شحّا، وشحّا، والضّمّ أعلى، وهو مأخوذ من مادّة (ش ح ح) الّتي تدلّ على المنع، قال ابن فارس: الأصل فيه المنع، ثمّ يكون منعا مع حرص، يقال: تشاحّ الرّجلان على الأمر، إذا أراد كلّ واحد منهما الفوز به ومنعه من صاحبه، وقال الرّاغب: الشّحّ: بخل مع حرص وذلك فيما يكون عادة، قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) قيل في تفسيرها: الشّحّ أن تأكل مال أخيك بغير حقّه، وقيل: من وقي شحّ نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئا، ولم يقربه ولم يحبس من الحلال شيئا فهو من المفلحين «1» ، وقال القرطبيّ: المراد بالشّحّ في الآية: الشّحّ بالزّكاة وما ليس بفرض من صلة ذوي الأرحام والضّيافة وما شاكل ذلك، فليس بشحيح ولا بخيل من أنفق في ذلك، وإن أمسك عن نفسه، ومن وسّع على نفسه ولم ينفق فيما ذكر من الزّكوات والطّاعات فلم يوق شحّ نفسه، وقيل: الشّحّ: أن يشحّ بما في أيدي النّاس، يحبّ أن يكون له ما في أيديهم بالحلّ والحرام، لا يقنع «2» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 16/ 12 وقال الجوهريّ: يقال: شححت بالكسر تشحّ، وشححت (بالفتح) تشحّ وتشحّ، ورجل شحيح، وشحاح من قوم أشحّة وأشحّاء وشحاح، والشّحاح (بالفتح) الشّحيح، ويقال أيضا: أرض شحاح: لا تسيل إلّا من مطر كثير، والزّند الشّحاح: الّذي لا يوري. وقال ابن الأثير: وفيه (أي الحديث) «إيّاكم والشّحّ» الشّحّ: أشدّ البخل. وقيل: هو البخل مع الحرص، وقيل: الشّحّ يكون بالمال والمعروف، وفي الحديث: «بريء من الشّحّ من أدّى الزّكاة، وقرى الضّيف وأعطى في النّائبة» . وقال ابن منظور: الشّحّ: حرص النّفس على ما ملكت وبخلها به، وما جاء في التّنزيل من الشّحّ فهذا معناه «3» ، وقول الله تعالى: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ (النساء/ 128) قال القرطبيّ: الشّحّ هنا: هو شحّ المرأة بالنّفقة من مال زوجها وبقسمه لها أموالها. وقال ابن زيد: الشّحّ هنا منه ومنها إذ الغالب على المرأة الشّحّ بنفسها من زوجها، والغالب على الزّوج الشّحّ بنصيبه من الشّابّة «4» .   (1) تفسير الطبري (12/ 42) . (2) تفسير القرطبي (18/ 20) . (3) مقاييس اللغة (3/ 178) ، المفردات (256) ، الصحاح (1/ 378) ، النهاية (2/ 448) . (4) تفسير القرطبي (5/ 260) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4685 الشح اصطلاحا: قال الرّاغب: الشّحّ بخل مع حرص، وذلك فيما كان عادة «1» . وقال الكفويّ: الشّحّ: هو الحالة النّفسيّة الّتي تقتضي منع الإنسان ما في يده «2» أو في يد غيره. وقال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: هو تشوّق النّفس إلى ما حرّم الله ومنع منه، وعدم قناعة الإنسان بما أحلّه الله له من مال أو فرج أو غيرهما «3» . أو هو: تناول ما ليس للإنسان ظلما وعدوانا من مال أو غيره «4» . الفرق بين الشح والبخل: قال القرطبيّ: قال طاوس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشّحّ أن يشحّ بما في أيدي النّاس، يحبّ أن يكون له ما في أيديهم بالحلّ والحرام «5» . وقال ابن منظور: الشّحّ أشدّ البخل، وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشّحّ عامّ، وقيل البخل بالمال، والشّحّ بالمال والمعروف «6» وقال أبو هلال: الشّحّ: الحرص على منع الخير، والبخل: منع الحقّ فلا يقال لمن يؤدّي حقوق الله بخيل «7» . وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- الفرق بين الشّحّ والبخل أنّ الشّحّ هو شدّة الحرص على الشّيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النّفس عليه، والبخل: منع إنفاقه بعد حصوله وحبّه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشّحّ، والشّحّ يدعو إلى البخل، والشّحّ كامن في النّفس، فمن بخل فقد أطاع شحّه، ومن لم يبخل فقد عصى شحّه ووقي شرّه، وذلك هو المفلح. قال الله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) «8» . حكم الشح: عدّ ابن حجر شحّ الدّائن على مدينه المعسر مع علمه بإعساره بالملازمة أو الحبس من الكبائر بدليل أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى المسجد وهو يقول هكذا- وأومأ أبو عبد الرّحمن بيده إلى الأرض-: «من أنظر معسرا أو وضع عنه- أي حطّ عنه دينه أو بعضه بالبراءة منه- وقاه الله من فيح جهنّم» . وبقوله أيضا: «من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر في الدّنيا يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدّنيا ستر الله عليه في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» . وما ذكره من أنّ فعل الدّائن بمدينه كبيرة ظاهر جدّا وإن لم يصرّحوا به، إلّا أنّه داخل في إيذاء المسلم   (1) المفردات (256) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (202) . (2) الكليات للكفوي (242) بتصرف. (3) شرح حديث ما ذئبان جائعان (31) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) تفسير القرطبي (18/ 21) . (6) اللسان (شحح) (2205) ط. دار المعارف. (7) الفروق اللغوية (144) . (8) الوابل الصيب (52) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4686 الشّديد الّذي لا يطاق عادة، ومفهوم الحديثين الأوّلين: أنّ من لم ينظر مدينة المعسر لا يوقى فيح جهنّم، وذلك وعيد شديد، وبه يتأكّد عدّ ذلك كبيرة «1» . ولم يذكر الذّهبيّ من الكبائر الشّحّ، وهو الظّاهر والله أعلم. [للاستزادة: انظر صفات: البخل- اتباع الهوى- الأثرة- الكنز. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار- البر- السخاء- الجود- الصدقة- الكرم- الإحسان- صلة الرحم- بر الوالدين] .   (1) الزواجر لابن حجر (237، 239) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4687 الآيات الواردة في «الشح» 1- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) «1» 2- * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) «2» 3- ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «4»   (1) النساء: 128- 130 مدنية (2) الأحزاب: 18- 20 مدنية (3) الحشر: 7- 10 مدنية (4) التغابن: 14- 16 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4688 الأحاديث الواردة في ذمّ (الشح) 1- * (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ، فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: أيّ آية؟ قلت: قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» قال ابن المبارك: وزادني غير عتبة: قيل يا رسول الله، أجر خمسين منّا أو منهم؟ قال: «بل أجر خمسين منكم» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا الظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات» . قيل: يا رسول الله، وما هي؟ قال: «الشّرك بالله والشّحّ، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» ) * «3» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والشّحّ، فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظّلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وإيّاكم والظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش؛ فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش» قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أيّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» قال: فقام هو أو آخر فقال: يا رسول الله، أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» قال أبي، وقال يزيد بن هارون فى حديثه: ثمّ ناداه هو أو غيره فقال: يا رسول الله، أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك، وهما هجرتان: هجرة للبادي،   (1) الترمذي (3058) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (4341) . وابن ماجة (4014) . وذكره ابن كثير في تفسيره وقال: رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وكذا أبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم (2/ 110) . (2) مسلم (2578) واللفظ له وخرج البخاري أوله من حديث ابن عمر-. رضي الله عنهما- الفتح 5 (2447) . (3) النسائي (6/ 257) وقال الألباني: صحيح (2/ 780) رقم (3432) ، وحديث أبي هريرة مخرج في الصحيحين وغيرهما، وفيه السحر بدلا من الشح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4689 وهجرة للحاضر، فأمّا هجرة البادي فيطيع إذا أمر، ويجيب إذا دعي، وأمّا هجرة الحاضر فهي أشدّهما بليّة وأعظمهما أجرا» ) * «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أيّ الصدقة أعظم أجرا؟ قال: «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم «2» قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان» ) * «3» . 6- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «ثلاث كفّارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأمّا الكفّارات: فإسباغ الوضوء في السّبرات «4» ، وانتظار الصّلوات بعد الصّلوات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأمّا الدّرجات: فإطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام، وأمّا المنجيات: فالعدل في الغضب والرّضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السّرّ والعلانية، وأمّا المهلكات: فشحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «5» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قالت هند أمّ معاوية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح «6» أن آخذ من ماله سرّا؟ قال: «خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف» ) * «7» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «شرّ ما في رجل شحّ هالع وجبن خالع» ) * «8» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلّا الماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يضمّ أو يضيف هذا؟» فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك، وأصبحي سراجك «9» ، ونوّمي صبيانك إذا أرادوا   (1) أبو داود (1698) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (1/ 608) . وأحمد (2/ 191) واللفظ له. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 51) رقم (6792) . والحاكم (1/ 415) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) حتى إذا بلغت الحلقوم: أي بلغت الروح الحلقوم ودنا موته. (3) البخاري- الفتح 3 (1419) واللفظ له ومسلم (1032) . (4) السبرات: جمع سبرة وهو شدة البرد. (5) زوائد البزار (1/ 59، 60) ، (80) . ومجمع الزوائد (1/ 91) واللفظ له وعزاه كذلك للطبراني في الأوسط. وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 67) ، (3041) وقال: حسن من حديث ابن عمر. وهو في الصحيحة (4/ 412) ، (1802) . (6) علىّ جناح: أي ذنب أو إثم. (7) البخاري- الفتح 4 (2211) واللفظ له، ومسلم (1714) . (8) أبو داود (2511) واللفظ له، وأحمد (2/ 302، 320) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (15/ 164) رقم (7997) . وابن حبان (5/ 103) . وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 306) : إسناده جيد. (9) وأصبحي سراجك: أي أوقديه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4690 عشاء. فهيّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنّهما يأكلان، فباتا طاويين، فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ضحك الله اللّيلة- أو عجب- من فعالكما. فأنزل الله وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) » ) * «1» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشّحّ والإيمان في قلب عبد أبدا» ) * «2» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتقارب الزّمان، وينقص العمل «3» ، ويلقى الشّحّ، ويكثر الهرج» قالوا: وما الهرج؟ قال: «القتل، القتل» ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الشح) معنى 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكا تلفا» ) * «5» . 13- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقض قوم العهد قطّ إلّا كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة في قوم قطّ إلّا سلّط الله- عزّ وجلّ- عليهم الموت، ولا منع قوم الزّكاة إلّا حبس الله عنهم القطر» ) * «6» . 14- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا ابن آدم، إنّك أن تبذل الفضل خير لك. وأن تمسكه شرّ لك. ولا تلام   (1) البخاري- الفتح 7 (3798) . (2) النسائي (6/ 13) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 652) رقم (2913، 2914، 2915، 2917، 2918) . وأحمد (2/ 256) رقم (7499) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (13/ 218) رقم (7474) ، (16/ 201) رقم (8460) . وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 306) : حديث حسن. (3) في مسلم: وينقضي العلم بدلا من العمل، وقال ابن حجر: وقع في رواية الكشميهني: وينقص العلم، وهو المعروف في هذا الحديث وللآخر وجه. الفتح 10/ 459. (4) البخاري- الفتح 10 (6037) واللفظ له، ومسلم (157) . ج 4 باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان. (5) البخاري- الفتح 3 (1442) ومسلم (1010) واللفظ له. (6) سنن البيهقي (3/ 346) واللفظ له. والحاكم (2/ 126) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال الألباني: وهو كما قالا: الصحيحة (1/ 169) حديث (107) وعزاه للطبراني في الأوسط وفوائد تمام. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال أيضا: رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات (1/ 543) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4691 على كفاف، وابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «1» . 15- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ، حتّى يعلنوا بها، إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا. ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله، إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «2» . 16- * (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقرأ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (التكاثر/ 1) قال: «يقول ابن آدم: مالي. مالي. قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الشح) 1- * (قال قطبة بن أوس الغطفانيّ الجاهليّ: إنّا نعفّ فلا نريب حليفنا ... ونكفّ شحّ نفوسنا في المطمع «4» 2- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- الشّحّ: منع الزّكاة، وإدخال الحرام) * «5» . 3- * (وقال أيضا- رضي الله عنه- لرجل: البخل: أن تمنع ما تقدر عليه. والشّحّ: أن تأخذ مال أخيك بغير حقّه) * «6» . 4- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما- (لرجل قال له: إنّي شحيح) : إن كان شحّك لا يحملك على أن تأخذ ما ليس لك فليس بشحّك بأس) * «7» . 5- * (وقال أيضا- رضي الله عنه- لجلسائه يوما: أيّهما أشدّ: البخل أو الشّحّ؟ فاختلفوا،   (1) مسلم (1036) . (2) ابن ماجة (4019) واللفظ له وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. والحاكم (4/ 540) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة وقال: طريق الحاكم حسنة الإسناد والحديث ثابت حتما وعزاه لابن أبي الدنيا في العقوبات، والروياني في مسنده (1/ 167- 169) رقم (106) . (3) مسلم (2958) . (4) المفضليات للضبي (45) . (5) لسان العرب (4/ 2205) . (6) المرجع السابق نفسه، والسفحة نفسها (بتصرف) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4692 فقال لهم: الشّحّ أشدّ من البخل لأنّ الشّحيح يشحّ على ما فى يديه فيحبسه، ويشحّ على ما فى أيدي النّاس حتّى يأخذه. وأمّا البخيل فهو يبخل على ما فى يديه) * «1» . 6- * (دخل الحسن البصريّ على عبد الله بن الأهتم يعوده فى مرضه، فرآه يصوّب بصره فى صندوق فى بيته ويصعّده، ثمّ قال: أبا سعيد، ما تقول فى مائة ألف فى هذا الصّندوق، لم أؤدّ منها زكاة، ولم أصل منها رحما؟ قال: ثكلتك أمّك، ولمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزّمان، وجفوة السّلطان، ومكاثرة العشيرة. ثمّ مات، فشهده الحسن فلمّا فرغ من دفنه. قال: انظروا إلى هذا المسكين. أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته، عمّا رزقه الله إيّاه وغمره فيه. انظروا كيف خرج منها مسلوبا محروبا. ثمّ التفت إلى الوارث فقال: أيّها الوارث، لا تخدعنّ كما خدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالا فلا يكوننّ عليك وبالا، أتاك عفوا صفوا ممّن كان له جموعا منوعا، من باطل جمعه، ومن حقّ منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح فيه بيمين، ولم يعرق لك فيه جبين. إنّ يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإنّ من أعظم الحسرات غدا أن ترى مالك في ميزان غيرك فيالها عثرة لا تقال، وتوبة لا تنال) * «2» . 7- * (قال الخطّابيّ- رحمه الله تعالى-: الشّحّ من البخل، وكأنّ الشّحّ جنس، والبخل نوع، وأكثر ما يقال: البخل في أفراد الأمور، والشّحّ عامّ كالوصف اللّازم وما هو من قبل الطّبع) * «3» . 8- * (قال ابن عقيل- رحمه الله تعالى-: البخل: يورث التّمسّك بالموجود، والمنع من إخراجه لألم يجده عند تصوّر قلّة ما حصل وعدم الظّفر بخلفه، والشّحّ يفوّت النّفس كلّ لذّة، ويجرّعها كلّ غصّة) * «4» . 9- * (قال محمود الورّاق- رحمه الله تعالى-: تمتّع بمالك قبل الممات ... وإلّا فلا مال إن أنت متّا شقيت به ثم خلّفته ... لغيرك بعدا وسحقا ومقتا فجاد عليك بزور البكا ... وجدت له بالّذي قد جمعتا وأعطيته كلّ ما في يديك ... فخلّاك رهنا بما قد كسبتا ) * «5» . 10- * (أنشد ابن الأعرابيّ- رحمه الله تعالى-: لسانك معسول ونفسك شحّة ... وعند الثّريّا من صديقكما لكا وأنت امرؤ خلط إذا هي أرسلت ... يمينك شيئا أمسكته شمالكا ) * «6» .   (1) مساوىء الأخلاق ومذمومها للخرائطي (141) بتصرف. (2) العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي (3/ 148- 149) . (3) الآداب الشرعية (3/ 304) . (4) المرجع السابق (3/ 303) . (5) مساوىء الأخلاق للخرائطي (143) . (6) لسان العرب (4/ 2205) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4693 11- * (قال الأزهريّ- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) : إنّ من أخرج زكاته، وعفّ عن المال الّذي لا يحلّ له، فقد وقي شحّ نفسه) * «1» . 12- * (قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: إنّ الله تعالى- أحلّ لنا الطّيّبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرّم تناول هذه الأشياء من غير وجوه حلّها، وأباح لنا دماء الكفّار والمحاربين وأموالهم، وحرّم علينا ما عدا ذلك من الخبائث من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرّم علينا أخذ الأموال وسفك الدّماء بغير حقّها. فمن اقتصر على ما أبيح له فهو مؤمن، ومن تعدّى ذلك إلى ما منع منه فهو الشّحّ المذموم، وهو مناف للإيمان، وقد قيل: إنّه رأس المعاصي كلّها) * «2» . من مضار (الشح) 1- يورث قطيعة الرّحم وانفصام عرى المحبّة. 2- من أسباب الظّلم والبغي والعدوان وسفك الدّماء. 3- بغض النّاس للشّحيح وبعدهم عن شرّه. 4- يجرّىء على المعاصي وفعل السّيّئات. 5- ينافي الإيمان ويغضب الرّحمن. 6- من أسباب هلاك الخلق. 7- من أعظم الموبقات الّتي أمر الشّارع باجتنابها. 8- الشّحيح محروم، والمنفق مرزوق. 9- يستوجب عذاب الله.   (1) لسان العرب (4/ 2205) . (2) شرح حديث «ما ذئبان جائعان» (ص 31) بتصرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4694 شرب الخمر شرب الخمر لغة: الشّرب مصدر قولهم: شرب الماء ونحوه شربا. يقول ابن فارس: الشّين والرّاء والباء أصل واحد منقاس مطّرد، وهو الشّرب المعروف، ثمّ يحمل عليه ما يقاربه مجازا وتشبيها، تقول: شربت الماء شربا. وهو المصدر، والشّرب الاسم، والشّرب أيضا: القوم الّذين يشربون، والشّرب الحظّ من الماء، والمشربة: الموضع الّذي يشرب منه النّاس، والشّريب: الّذي يشاربك، وقولهم: أشربتني مالم أشرب: أي ادّعيت عليّ شربه، وهذا مثل يقال لمن ادّعي عليه ما لم يفعله، ويقال: ماء مشروب وشريب، إذا صلح أن يشرب، وأشرب فلان حبّ فلان: إذا خالط قلبه، وقال الجوهريّ: يقال: شرب الماء شربا وشربا وشربا، وقد قرىء بالثّلاثة قوله تعالى: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (الواقعة/ 55) ، قال أبو عبيدة: الشّرب- بالفتح- مصدر، وبالرّفع والخفض اسمان من شرب، والتّشراب الشّرب، والشّربة: المرّة الواحدة من الشّرب، والشّرّيب: المولع بالشّراب، وتقول: شرّب مالي وأكّله أي أطعمه النّاس وسقاهم به. وقال ابن منظور: الشّراب: ما شرب من أيّ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 33/ 28 نوع كان، وعلى أيّ حال كان، ورجل شارب، وشروب، وشرّاب، وشرّيب، أي مولع بالشّراب، وقيل: الشّرّيب المولع بالشّراب، والشّرّاب الكثير الشّرب، ورجل شروب: شديد الشّرب، وفي الحديث: «من شرب الخمر في الدّنيا لم يشربها في الآخرة» «1» . الخمر لغة: الخمر اسم للشّراب المعروف وهو مأخوذ من مادّة (خ م ر) الّتي تدلّ على التّغطية والمخالطة في ستر، قال الخليل: واختمارها: إدراكها وغليانها، ومخمّرها: متّخذها، وخمرتها ما غشي المخمور من الخمار والسّكر في قلبه. وقال الرّاغب: أصل الخمر ستر الشّيء، يقال لما يستتر به: خمار، وأخمرت العجين جعلت فيه الخمير، وسمّيت الخمر بذلك لكونها مخامرة للعقل أي مخالطة له. والخمار: الدّاء العارض من الخمر، وجعل بناؤه بناء الأدواء كالزّكام والسّعال، وخمرة الطّيب ريحه، وقال الجوهريّ: يقال خمرة صرف (خالصة) وجمعها خمر وخمور مثل تمرة وتمر وتمور، قيل: سمّيت   (1) مقاييس اللغة (3/ 267) والصحاح (1/ 154) ولسان العرب (4/ 2222) ط، دار المعارف، النهاية (2/ 455) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4695 خمرا لأنّها تركت فاختمرت، واختمارها تغيّر ريحها، وقولهم: ما عند فلان خلّ ولا خمر، ما عنده خير ولا شرّ، وخمرة النّبيذ والطّيب، ما يجعل فيه من الخمر والدّرديّ، والتّخمير: التّغطية، والمخامرة: المخالطة، وخامر الرّجل المكان: لزمه، واستخمر فلان فلانا: استعبده، ومنه حديث معاذ: من استخمر قوما؟ أي أخذهم قهرا وتملّك عليهم وذلك في لغة أهل اليمن، وقال ابن منظور: يقال خامر الشّيء: قاربه وخالطه. ويقال خمّر وجهه. وخمّر إناءك. أي غطّه. والأعرف في الخمر التّأنيث فيقال: خمرة صرف، وقد يذكّر، وتجمع على خمور وسمّيت الخمر خمرا لمخامرتها العقل. وروى الأصمعيّ عن معمر بن سليمان، قال: لقيت أعرابيّا فقلت: ما معك؟ قال: خمر. والخمر ما خمّر العقل (أي غطّاه) ويقال: خمر الرّجل والدّابة يخمره خمرا أي سقاه خمرا. والمخمّر: متّخذ الخمر. والخمّار بائعها، ويقال: هذا عنب خمريّ، أي يصلح للخمر، ولون خمريّ: أي يشبه لون الخمر. وأمّا خمرتها وخمارها، فهو ما خلّط من سكرها ويقال المراد: ما أصابك من ألمها وصداعها وأذاها، كما يطلق الخمار على بقيّة السّكر كما يقال: رجل مخمور أي به خمار، ورجل خمّير أي شرّيب للخمر دائما «1» . الخمر اصطلاحا: قال الرّاغب: الخمر: اسم لكلّ مسكر وعند بعضهم: اسم للمتّخذ من العنب والتّمر، لما روي عنه صلّى الله عليه وسلّم: «الخمر من هاتين الشّجرتين: النّخلة والعنبة» ومنهم من جعلها اسما لغير المطبوخ، ثمّ اختلف في كمّيّة الطّبخ الّتي تسقط عن المطبوخ اسم الخمر «2» . وقال الكفويّ: الخمر: كلّ شراب مغطّ للعقل، سواء أكان عصيرا أو نقيعا مطبوخا أو نيّئا «3» . شرب الخمر اصطلاحا: يقصد بشرب الخمر: تناول أيّ نوع من المسكرات على أيّ هيئة كان، مطبوخا أو نيّئا، عصيرا أو منقوعا، قليلا أو كثيرا «4» . حكم شرب الخمر: عدّ الذّهبيّ وابن حجر شرب الخمر من الكبائر. وألحق الذّهبيّ بذلك شرب الحشيشة، وهي ما صنع من ورق القنّب، وذلك من جهة أنّها تفسد العقل والمزاج حتّى يصير في الرّجل تخنّث ودياثة وغير ذلك من الفساد، والخمر أخبث من جهة أنّها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة وكلاهما يصدّ عن الصّلاة وعن   (1) مقاييس اللغة (2/ 215) المفردات (159) ، الصحاح (2/ 649) ، لسان العرب (2/ 1259) (ط. دار المعارف) . (2) المفردات (159) . وانظر أيضا التوقيف على مهمات التعاريف (160) . (3) الكليات (414) . (4) اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره اللغويون وعلماء المصطلح متعلقا بكل من الشراب والخمر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4696 ذكر الله «1» . وجعل ابن حجر الهيتميّ: شرب الخمر مطلقا والمسكر من غيرها ولو قطرة، وكذلك عصر المسكر، وحمله وطلب حمله، وطلب سقيه وبيعه وشراؤه وطلب أحدهما، وأكل ثمنه. كلّ ذلك من الكبائر. وذكر عددا كبيرا من الآيات والأحاديث والآثار الدّالّة على ذلك، ثمّ حكى الإجماع على شرب الخمر ولو قطرة وكذلك المسكر من غيرها «2» . تجنب الخمر يسمو بالأخلاق ويعين على العفة: قال الجاحظ: أكثر ما يجب على (المتطلّع إلى السموّ) تجنّب السّكر، لأنّ السّكر من الشّراب يثير النّفس الشّهوانيّة ويقوّيها ويحملها على التّهتّك، وارتكاب الفواحش والمجاهرة بها، وذلك أنّ الإنسان إنّما يرتدع عن القبائح بالعقل والتّمييز، فإذا سكر عدم ذلك الّذي كان يردعه عن الفعل القبيح، فلا يبالي أن يرتكب كلّ ما كان يتجنّب في صحوه، فأولى الأشياء لمن طلب العفّة هجر الشّراب بالجملة، ويتجنّب مجالس المجاهرين بالشّراب والسّكر والخلاعة، ولا يظنّنّ أنّه إذا حضر تلك المجالس، واقتصر على اليسير من الشّراب لم يستضرّ به، فإنّ هذا أغلظ، وذلك أنّ من يحضر مجالس الشّراب ليس تنقاد له نفسه إلى القناعة بيسير الشّراب بل إن حضر مجالس الشّرب وكان في غاية العفّة تاركا للشّرب متمتّعا بالورع حملته شهوته على التّشبّه بأهل المجلس وتاقت نفسه إلى التّهتّك وما أكثر من فعل وتهتّك بعد السّتر والصّيانة فشرّ الأحوال لمن طلب العفّة حضور مجالس الشّراب ومخالطة أهلها والاستكثار من معاشرتهم «3» . [للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الإسراف- انتهاك الحرمات- التبذير- الطيش- العصيان- الميسر- الإعراض- التفريط والإفراط- الغي والإغواء- الفسوق- الفجور- الضلال- العصيان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- تعظيم الحرمات- قوة الإرادة- الطاعة- الإيمان- الإسلام- الهدى- الخوف- التقوى- الخشية- العزم والعزيمة] .   (1) الكبائر للذهبى (80- 86) (2) الزواجر (568- 580) . (3) تهذيب الأخلاق للجاحظ (42) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4697 الآيات الواردة في النهي عن «شرب الخمر» 1- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «2» الآيات الواردة في النهي عن «شرب الخمر» معنى 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «3»   (1) البقرة: 219- 220 مدنية (2) المائدة: 90- 91 مدنية (3) النساء: 43 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4698 الأحاديث الواردة في ذم (شرب الخمر) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصوم فتحيّنت فطره بنبيذ صنعتة في دبّاء «1» ثمّ أتيته به فإذا هو ينشّ «2» فقال: «اضرب بهذا الحائط، فإنّ هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر» ) * «3» . 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لمّا نزل تحريم الخمر، قال عمر: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت الآية الّتي في البقرة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ (الآية/ 219) ، قال: فدعي عمر فقرئت عليه، قال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت الآية الّتي في النّساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى (آية/ 43) فكان منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أقيمت الصّلاة ينادي: ألا لا يقربنّ الصّلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت هذه الآية فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة/ 91) قال عمر: انتهينا) * «4» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تشربوا مسكرا. فمن فعل من ذلك شيئا فأقيم عليه حدّه فهو كفّارة، ومن ستر الله عليه فحسابه على الله- عزّ وجلّ- ومن لم يفعل من ذلك شيئا ضمنت له على الله الجنّة» ) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برجل قد شرب، قال: «اضربوه» ، فمنّا الضّارب بيده، والضّارب بنعله والضّارب بثوبه، فلمّا انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشّيطان» ) * «6» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله حرّم الخمر وثمنها، وحرّم الميتة وثمنها، وحرّم الخنزير وثمنه» ) * «7» . 6- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول عام الفتح وهو بمكّة: «إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» . فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة،   (1) الدّبّاء: وعاء يتخذ من القرع. (2) ينشّ: أى يغلى. (3) أبو داود (3716) واللفظ له وذكره الألباني في صحيحه (2/ 708) وقال: صحيح وعزاه لصحيح ابن ماجه (3409) . (4) أبو داود (3670) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح أبي داود (2/ 699) : صحيح. وذكره الحافظ في الفتح وقال: رواه أصحاب السنن وصححه علي بن المديني. والترمذي (3049) . (5) الهيثمي في المجمع (1/ 104) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. (6) البخاري- الفتح 12 (6777) . (7) أبو داود (3485) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 450) : إسناده حسن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4699 فإنّه يطلى بها السّفن، ويدهن بها الجلود ويستصبح بها النّاس؟. فقال: لا، هو حرام، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إنّ الله- عزّ وجلّ- لمّا حرّم عليهم شحومها أجملوه «1» ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه» ) * «2» . 7- * (عن وائل الحضرميّ: أنّ طارق بن سويد الجعفيّ- رضي الله عنه- سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الخمر، فنهاه أو كره أن يصنعها. فقال: إنّما أصنعها للدّواء، فقال: «إنّه ليس بدواء لكنّه داء» ) * «3» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضرب في الخمر بالجريد والنّعال، وجلد أبو بكر أربعين) * «4» . 9- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رجلا قدم من جيشان- وجيشان من اليمن- فسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة يقال له: المزر؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسكر هو؟» . قال: نعم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كل مسكر حرام» . إنّ على الله- عزّ وجلّ- عهدا، لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» . قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النّار، أو عصارة أهل النّار» ) * «5» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي ليلة أسري به بإيلياء بقد حين من خمر ولبن، فنظر إليهما ثمّ أخذ اللّبن فقال جبريل: الحمد لله الّذي هداك للفطرة، ولو أخذت الخمر غوت أمّتك) * «6» . 11- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: لمّا بعثه رسول الله ومعاذ بن جبل، قال لهما: «يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا» . قال أبو موسى: يا رسول الله، إنّا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له البتع «7» وشراب من الشّعير يقال له المزر «8» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر حرام» ) * «9» . 12- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا لا يحدّثكم به غيري، قال: «من أشراط السّاعة أن يظهر الجهل، ويقلّ العلم، ويظهر الزّنا، وتشرب الخمر، ويقلّ الرّجال، وتكثر النّساء حتّى يكون لخمسين امرأة قيّمهنّ رجل واحد» ) * «10» . 13- * (عن عائشة رضي الله عنها- قالت: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البتع. فقال: «كلّ شراب   (1) أجملوه: أذابوه. (2) مسلم (1581) . (3) مسلم (1984) . (4) البخاري- الفتح 12 (6773) واللفظ له، ومسلم (1706) . (5) مسلم (2002) . (6) البخاري- الفتح 10 (5576) واللفظ له. (7) البتع: نبيذ العسل. (8) والمزر: نبيذ الذرة. (9) البخاري- الفتح 10 (6124) واللفظ له، ومسلم (1733) . (10) البخاري- الفتح 10 (5577) واللفظ له، ومسلم (2671) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4700 أسكر فهو حرام» ) * «1» . 14- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: كانت لي شارف «2» من نصيبي من المغنم، يوم بدر. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطاني شارفا من الخمس يومئذ. فلمّا أردت أن أبتني بفاطمة «3» ، بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واعدت رجلا صوّاغا من بني قينقاع يرتحل معي. فنأتي بإذخر «4» أردت أن أبيعه من الصّوّاغين. فأستعين به في وليمة عرسي. فبينا أنا أجمع لشارفيّ متاعا من الأقتاب «5» والغرائر «6» والحبال. وشارفاي مناخان «7» إلى جنب حجرة رجل من الأنصار. وجمعت حين جمعت ما جمعت. فإذا شارفاي قد اجتبّت «8» أسنمتهما، وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما. فلم أملك عينيّ حين رأيت ذلك المنظر منهما. قلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبد المطّلب. وهو في هذا البيت في شرب «9» من الأنصار. غنّته قينة وأصحابه. فقالت في غنائها: ألا يا حمز للشّرف النّواء فقام حمزة بالسّيف. فاجتبّ أسنمتهما، وبقر خواصرهما. فأخذ من أكبادهما. قال عليّ: فانطلقت حتّى أدخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده زيد بن حارثة. قال: فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وجهي الّذي لقيت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مالك؟ قلت: يا رسول الله والله ما رأيت كاليوم قطّ. عدا حمزة على ناقتيّ فاجتبّ أسنمتهما وبقر خواصرهما. وها هو ذا في بيت معه شرب. قال فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بردائه فارتداه. ثمّ انطلق يمشي. واتّبعته أنا وزيد بن حارثة. حتّى جاء الباب الّذي فيه حمزة. فاستأذن، فأذنوا له. فإذا هم شرب فطفق «10» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلوم حمزة فيما فعل. فإذا حمزة محمرّة عيناه. فنظر حمزة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ صعّد النّظر إلى ركبتيه. ثمّ صعّد النّظر فنظر إلى سرّته. ثمّ صعّد النّظر فنظر إلى وجهه. فقال حمزة: وهل أنتم إلّا عبيد لأبي؟ فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه ثمل «11» . فنكص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عقبيه القهقرى. وخرج وخرجنا معه) * «12» . 15- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر خمر، وكلّ مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدّنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة» ) * «13» .   (1) البخاري- الفتح 10 (5585) ، ومسلم (2001) واللفظ له. (2) شارف: الناقة المسنة وجمعها شرف بضم الراء وإسكانها. (3) أبتني بفاطمة: أي أدخل بها، والبناء الدخول بالزوجة.. (4) الإذخر: حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب. (5) الأقتاب: جمع قتب وهو رحل صغير على قدر السنام. (6) والغرائر: جمع غرارة، وهي الجوالق. (7) مناخان: هكذا في معظم النسخ: مناخان. وفي بعضها مناختان، بزيادة التاء: وهما صحيحان. فأنث باعتبار المعنى، وذكّر باعتبار اللفظ. (8) اجتبت: أى قطعت. (9) شرب: الشرب هو الجماعة الشاربون. (10) فطفق.. يلوم: أي جعل يلومه. (11) ثمل: أي سكران. (12) البخاري- الفتح 6 (3091) ، ومسلم (1979) واللفظ له. (13) البخاري- الفتح 10 (5575) ، ومسلم (2003) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4701 16- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، «1» فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مناديا ينادي: ألا إنّ الخمر قد حرّمت. قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا (المائدة/ 93 الآية) * «2» . 17- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه» ) * «3» . 18- * (عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحر «4» والحرير والخمر والمعازف، ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم «5» يروح عليهم بسارحة «6» لهم يأتيهم- يعني الفقير- لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدا، فيبيّتهم الله «7» ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» ) * «8» . 19- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه- ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الّذي تسمّونه الفضيخ، فإنّي لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرّمت الخمر. قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس. فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرّجل) * «9» . 20- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينّه منه في حظيرة القدس، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونّه إيّاه في حظيرة القدس «10» » ) * «11» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من زنى وشرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه» ) * «12» . 22- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شرب الخمر لم يقبل   (1) الفضيخ: البسر والتمر. والفضيخ أن يفضخ البسر ويصب عليه الماء ويتركه حتى يغلي. (2) البخاري- الفتح 5 (2464) واللفظ له، ومسلم (1980) . (3) أبو داود (3674) واللفظ له، ابن ماجه (3380) وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن (5/ 104) وأخرجه الترمذي من حديث أنس (1295) . (4) الحر: الفرج. (5) العلم: الجبل العالي، وقيل: قمته. (6) بسارحة: السارحة: البهائم تغدو وتروح. (7) يبيتهم الله: أي يهلكهم بياتا أي ليلا. (8) البخاري- الفتح 10 (5590) . (9) البخاري- الفتح 8 (4617) واللفظ له، ومسلم (1980) . (10) حظيرة القدس: أي نعيم الجنة. (11) ذكره المنذري في الترغيب (3/ 262) وقال: رواه البزار بإسناد حسن، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 76) : رواه البزار وفيه شعيب بن بيان، قال الذهبي: صدوق، وضعفه الجوزجاني والعقيلي وبقيه رجاله ثقات. (12) الحاكم (1/ 22) على شرط مسلم، وذكره الذهبي في الكبائر (82، 83) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4702 الله له صلاة أربعين صباحا. فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرّابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال» قيل، يا أبا عبد الرّحمن، وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النّار) * «1» . 23- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر) * «2» . 24- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات من أمّتي وهو يشرب الخمر حرّم الله عليه شربها في الجنّة، ومن مات من أمّتي وهو يتحلّى الذّهب حرّم الله عليه لباسه في الجنّة» ) * «3» . 25- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشرب الخمر، فإنّها مفتاح كلّ شرّ» ) * «4» . 26- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة عاقّ، ولا مدمن خمر، ولا منّان، ولا ولد زنية» ) * «5» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السّارق حين يسرق وهو مؤمن» ) * «6» . 28- * (عن ابن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ترك الصّلاة سكرا مرّة واحدة فكأنّما كانت له الدّنيا وما عليها فسلبها، ومن ترك الصّلاة أربع مرّات سكرا كان حقّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال» قيل: وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة أهل جهنّم» ) * «7» . 29- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها   (1) الترمذي (1862) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، وقال محقق جامع الأصول: هو حديث حسن له شواهد (5/ 101) وشاهده عند النسائي من حديث ابن عمرو (8/ 314، 316، 317) وذكره في الترغيب والترهيب وعزاه كذلك للحاكم ونقل قوله: صحيح الإسناد (3/ 264- 265) . (2) الدارمي (2/ 153) رقم (2092) وهذا لفظه، والحاكم بأطول منه (4/ 288) وقال على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في صحيح الجامع وقال: حسن وعزاه للترمذي، والحاكم (5/ 348) رقم (6382) . (3) ذكره المنذري في الترغيب وقال: رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات (3/ 264) ، وهو عند أحمد (2/ 209) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 151) / 6948: إسناده حسن. (4) ابن ماجة (3371) وقال في الزوائد: إسناده حسن. (5) الدارمي (2/ 153) رقم (2094) ، أحمد (2/ 203) واللفظ له رقم (6892) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 118، 119) ، وكذا أخرجه في الزوائد (2/ 210) وصححه، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه راو وثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات (وهذا الراوي اسمه جابان) (6/ 457) .، وقال الألباني: صحيح. صحيح الجامع (7553) . (6) البخاري- الفتح 10 (5578) ، ومسلم (57) متفق عليه. (7) ذكره في الترغيب والترهيب وقال: رواه الحاكم وصححه، وأحمد ورواته ثقات (3/ 267) ، وهو عند أحمد (2/ 178) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 143) / 6659: إسناده صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4703 قالت: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن كلّ مسكر ومفتّر «1» ) * «2» . 30- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، نهى عن الخمر والميسر والكوبة «3» والغبيراء «4» ، وقال: «كلّ مسكر حرام» ) «5» . 31- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: «سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيتّخذ الخمر خلّا؟ قال: «لا» ) * «6» . 32- * (عن ديلم الحميريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله، إنّا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا، وإنّا نتّخذ شرابا من هذا القمح نتقوّى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا؟ قال: «هل يسكر؟» قلت: نعم، قال: «فاجتنبوه» . قال: قلت: فإنّ النّاس غير تاركيه، قال: «فإن لم يتركوه فقاتلوهم» ) * «7» . 33- * (عن عقبة بن الحارث- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتي بنعيمان أو ابن نعيمان وهو سكران، فشقّ عليه وأمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنّعال وكنت فيمن ضربه» ) * «8» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم (شرب الخمر) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال سمعت عمر- رضي الله عنه- على منبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: أمّا بعد أيّها النّاس، إنّه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتّمر والعسل والحنطة والشّعير، والخمر ما خامر العقل» ) * «9» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- بلغ عمر أنّ سمرة باع خمرا فقال: قاتل الله سمرة، ألم يعلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لعن الله اليهود، حرّمت عليهم الشّحوم فجملوها «10» فباعوها» ) * «11» . 3- * (قال عثمان بن عفّان- رضي الله عنه-: «اجتنبوا الخمر فإنّها أمّ الخبائث، إنّه كان رجل ممّن خلا قبلكم تعبّد فعلقته امرأة غويّة فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنّا ندعوك للشّهادة فانطلق مع جاريتها فطفقت كلّما دخل بابا أغلقته دونه حتّى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت: إنّي والله ما دعوتك للشّهادة ولكن دعوتك   (1) قال ابن الأثير- رحمه الله تعالى-: المفتر الذي يفتر الجسد إذا شرب، أي يرخيه. وقال ابن الأعرابي: يقال: أفتر الرجل إذا ضعفت جفونه وانكسر طرفه. (2) أبو داود (3686) واللفظ له، وذكره في جامع الأصول وقال محققه: حسنه الحافظ في الفتح (5/ 93) . (3) الكوبة: الطبل، وقيل النرد وهو شيء يلعب به. (4) الغبيراء: ضرب من الشّراب يتّخذه الحبش من الذّرة. (5) أبو داود (3685) وقال الألباني (2/ 703) صحيح. (6) مسلم (1983) . (7) أبو داود (3683) وقال الألباني في صحيحه (2/ 702) : صحيح برقم (3131) . (8) البخاري- الفتح 12 (6775) . (9) البخاري- الفتح 8 (4619) واللفظ له، ومسلم (3032) . (10) معنى جمولها: أذابوها. (11) مسلم (1582) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4704 لتقع عليّ، أو تشرب من هذه الخمرة كأسا، أو تقتل هذا الغلام قال: فاسقني من هذا الخمر كأسا فسقته كأسا قال: زيديني، فلم يرم حتّى وقع عليها، وقتل النّفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنّها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر، إلّا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه» ) * «1» . 4- * (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «حرّم أبو بكر- رضي الله عنه- الخمر على نفسه فلم يشربها في الجاهليّة ولا الإسلام. وذلك أنّه مرّ برجل سكران يضع يده في العذرة ويدنّيها من فيه فإذا وجد ريحها صرف عنها. فقال: إنّ هذا لا يدري ما يصنع وهو يجد ريحها فحرّمها» ) * «2» . 5- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «إنّ الله لم يجعل شفاء كم فيما حرّم عليكم. يعني في السّكر» ) * «3» . 6- * (وقال: لا تسقوا أولادكم الخمر؛ فإنّهم ولدوا على الفطرة) * «4» . 7- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-: «نزل تحريم الخمر وإنّ في المدينة يومئذ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب» ) * «5» . 8- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لمّا حرّمت الخمر مشى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعضهم إلى بعض وقالوا: حرّمت الخمر، وجعلت عدلا للشّرك» ) * «6» . 9- * (وقال أيضا: «ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب، والسّكران، والمتضمّخ بالخلوق» ) * «7» . 10- * (قال أبو موسى- رضي الله عنه-: «ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السّارية من دون الله- عزّ وجلّ-» ) * «8» . 11- * (قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: «لا تعودوا شرّاب الخمر إذا مرضوا» ) * «9» . 12- * (وقال أيضا: «لا تسلّموا على شربة الخمر» ) * «10» . 13- * (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «من   (1) النسائي (8/ 315) ، وذكره المنذري في ترغيبه وعزاه لابن حبان والبيهقي (3/ 259) ، وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (5/ 103) . (2) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات، للشيخ حمود التويجري (88) . (3) البخاري- الفتح 10 (81) . (4) فتح الباري 10 (82) . (5) البخاري- الفتح 8 (4616) . (6) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (3/ 260) . (7) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه البزار باسناد صحيح (3/ 261) والخلوق رائحة مركبة تتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب متغلب عليه الحمرة والصفرة وقد ورد تارة بإباحته، وتارة بالنهي عنه والنهي أكثر وأثبت ونهى عنه لأنه من طيب النساء، وكن أكثر استعمالا له منهم. (8) النسائي (8/ 314) ، وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (5/ 104) . (9) الكبائر للذهبي (814) . (10) البخاري- الفتح (11/ 42) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4705 زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه» ) * «1» . 14- * (قال عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما-: «من مات مدمنا للخمر مات كعابد اللّات والعزّى» قيل: أرأيت مدمن الخمر هو الّذي لا يستفيق من شربها؟ قال: «لا، ولكن هو الّذي يشربها إذا وجدها ولو بعد سنين» ) * «2» . 15- * (قال ابن أبي أوفى- رضي الله عنهما- لقومه حين نهوا عن الخمر: ألا يا لقومي ليس في الخمر رفعة ... فلا تقربوا منها فلست بفاعل فإنّي رأيت الخمر شيئا ولم يزل ... أخو الخمر دخّالا لشرّ المنازل) * «3» . 16- * (قال عروة بن الزّبير، لمّا أراد قطع رجله، لمّا دخلتها الأكلة وقالوا له: لا بدّ أن تشرب شيئا يغيّب عقلك حتّى لا تحسّ بالألم، ونتمكّن من قطعها. فقال: ما ظننت أنّ أحدا يؤمن بالله ويشرب شيئا يغيّب عقله حتّى لا يعرف ربّه- عزّ وجلّ-) * «4» . 17- * (قال الحسن- رحمه الله تعالى-: «لو كان العقل يشترى لتغالى النّاس في ثمنه. فالعجب ممّن يشتري بماله ما يفسده» ) * «5» . 18- * (قال أبو الأسود الدّؤليّ- رحمه الله تعالى-: دع الخمر يشربها الغواة فإنّني ... رأيت أخاها مغنيا بمكانها فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه ... أخوها غذته أمّه بلبانها ) * «6» . 19- * (رفع إلى عمر بن عبد العزيز، قوم يشربون الخمر فأمر بضربهم فقيل له: إنّ فيهم صائما. فقال: ابدؤوا به، ثمّ قال: أمّا سمعت قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ... الآية (النساء/ 140)) * «7» . 20- * (قال الضّحّاك بن مزاحم- رحمه الله تعالى- لرجل: ما تصنع بشرب النّبيذ؟ قال: يهضم طعامي. قال: أما إنّه يهضم من دينك وعقلك أكثر» ) * «8» . 21- * (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: «إذا كان الرّجل كفء المرأة في المال والحسب إلّا أنّه يشرب الخمر المسكر لا تزوّج منه، ليس بكفء لها) * «9» . 22- * (قال ابن أبي الدّنيا- رحمه الله تعالى: «مرّ برجل سكران وهو يبول في يده ويغسل به يده   (1) الفتح (12/ 61) . (2) الكبائر للذهبي (82) . (3) المستطرف للأبشيهي (470) . (4) البداية والنهاية (9/ 107) . (5) المستطرف للأبشيهي (470) . (6) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات، للشيخ حمود بن عبد الله التويجري (12) . (7) فتاوى الخمر والمخدرات لابن تيمية (66) . (8) المستطرف في كل فن مستظرف (470) . (9) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات (143) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4706 كهيئة المتوضّىء ويقول: الحمد لله الّذي جعل الإسلام نورا، والماء طهورا» ) * «1» . 23- * (قال شهاب الدّين بن محمّد الأبشيهيّ: «ممّن ترك الخمر في الجاهليّة عبد الله بن جدعان، وكان جوادا من سادات قريش وذلك أنّه شرب مع أميّة بن أبي الصّلت الثّقفيّ فضربه على عينه فأصبحت عين أميّة مخضرّة يخاف عليها الذّهاب. فقال له عبد الله: ما بال عينك؟ فسكت فألحّ عليه فقال: ألست ضاربها بالأمس فقال: أو بلغ منّي الشّراب ما أبلغ معه إلى هذا؟، لا أشربها بعد اليوم، ثمّ دفع له عشرة آلاف درهم، وقال: الخمر عليّ حرام، لا أذوقها بعد اليوم أبدا، وممّن حرّمها في الجاهليّة أيضا قيس بن عاصم. وذلك أنّه سكر ذات ليلة فقام لابنته أو لأخته فهربت منه فلمّا أصبح سأل عنها فقيل له: أو ما علمت ما صنعت البارحة؟ فأخبر القصّة فحرّم الخمر على نفسه. وحدث له مرّة أخرى أن سكر فجعل يتناول القمر ويقول: والله لا أبرح حتّى أنزله ثمّ يثب الوثبة بعد الوثبة ويقع على وجهه، فلمّا أصبح وأفاق قال: ما لي هكذا، فأخبروه بالقصّة فقال: والله لا أشربها أبدا، ومن هؤلاء العبّاس بن مرداس وقد قيل له: لم تركت شرب الخمر وهو يزيد في سماحتك؟ فقال: أكره أن أصبح سيّد قومي وأمسي سفيههم) * «2» . 24- * (قال الصّفديّ- رحمه الله تعالى-: دع الخمر فالرّاحات في ترك راحها ... وفي كأسها للمرء كسوة عار وكم ألبست نفس الفتى بعد نورها ... مدارع قار في مدار عقار وفي نفس الموضع قال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى-: «استلقى سكران على طريق فجاء كلب فلحس شفتيه فقال: خدمك بنوك ولا عدموك، فبال على وجهه فقال: وماء حارّ أيضا بارك الله فيك» ) * «3» . 25- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ الحشيشة المصنوعة من ورق القنّب حرام، يجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنّها تفسد العقل والمزاج حتّى يصير في الرّجل تخنّث ودياثة وغير ذلك من الفساد، والخمر أخبث من جهة أنّها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة وكلاهما يصدّ عن ذكر الله تعالى وعن الصّلاة» ) * «4» . 26- * (قال حكيم: «إيّاك وإخوان النّبيذ، فبينما أنت متوّج عندهم مخدوم مكرّم معظّم إذ زلّت بك القدم فجرّوك على شوك السّلم فاحفظ قول القائل فيه: وكلّ أناس يحفظون حريمهم ... وليس لأصحاب النّبيذ حريم   (1) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات، للتويجري (88) . (2) المستطرف في كل فن مستظرف (470) . (3) المرجع السابق (471) . (4) رسالة فتاوي الخمر والمخدرات لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وإعداد أحمد حرك (20) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4707 فإن قلت هذا لم أقل عن جهالة ... ولكنّني بالفاسقين عليم ) * «1» . 27- * (قال الشّاعر: قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... يا خسيسا قد عشت شرّ معيشه دية العقل بدرة فلماذا ... يا سفيها تبيعه بحشيشه ) * «2» . 28- * (قال بعض أهل العلم: «لأن أرى ابني يزني أو يسرق أحبّ إليّ من أن يسكر، يأتي عليه وقت لا يعرف الله فيه» ) * «3» . من مضار (شرب الخمر) (1) دليل على ضعف الإيمان، إذ قرن بالأنصاب والأزلام في كتاب الله تعالى. (2) ينزع من متعاطيها أنوار الإيمان وخاصّة حين تعاطيه. (3) يذهب الحياء والمروءة، والنّخوة والشّهامة والغيرة. (4) يذهب العقل الّذي به تميّز الإنسان عن الحيوان. (5) مضرّ بالبدن والنّفس والمال. (6) يورث البغضاء والأحقاد ويصدّ عن ذكر الله وعن الصّلاة. (7) جالب لغضب الرّبّ والطّرد من سعة رحمته. (8) يجرّىء على جلب معاص كثيرة وفواحش جسيمة. (9) يسبّب دخول النّيران ويحرم متعاطيه من الجنان وما فيها من الخمر الحلال. (10) يحشر صاحبها في أخسّ صورة يوم القيامة. (11) متلف للثّروة، ومضيّع للصّحّة، ويصيب المجتمع في أعزّ ما يملك (قدرات ونشاط الإنسان) .   (1) المستطرف للأبشيهي (471) . (2) تتميم التكريم لما في الحشيشة من التحريم لأبي بكر محمد ابن أحمد بن على القيسي القسطلاني (50) . (3) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات (103) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4708 الشرك الشرك لغة: الشّرك اسم من قولهم: أشرك به يشرك إشراكا، وهو مأخوذ من مادّة (ش ر ك) الّتي تدلّ على مقارنة وخلاف انفراد «1» ، ومن ذلك الشّركة، وهي أن يكون الشّيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، يقال: شاركت فلانا في الشّيء، إذا صرت شريكه، وأشركت فلانا، إذا جعلته شريكا لك، ومنه قوله تعالى: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (طه/ 32) وشركته في البيع والميراث أشركه شركة، والشّرك: الكفر. وقال الرّاغب: الشّركة والمشاركة: خلط الملكين، وقيل: أن يوجد شيء لاثنين فصاعدا، عينا كان ذلك الشّيء أو معنى، يقال: شركته، وأشركته وشاركته، وتشاركوا، واشتركوا في كذا، والشّريك: المشارك، وجمعه شركاء وأشراك مثل شريف وشرفاء وأشراف، والمرأة شريكة، والنّساء شرائك، والمشرك من أشرك بالله تعالى، أي جعل له شريكا في ملكه، والمشركون في قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (التوبة/ 5) أكثر الفقهاء يحملونه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 96/ 62/ 11 على الكفّار جميعا، وقيل: هم من عدا أهل الكتاب، والشّرك (أيضا) : الاشتراك في الأرض ونحوها وفي حديث معاذ: «أنّه أجاز بين أهل اليمن الشّرك» وذلك أن يدفعها صاحبها إلى آخر بالنّصف أو بالثّلث أو نحو ذلك. وقول عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- «الشّرك جائز» وهو من ذلك. قال الأزهريّ: سمعت بعض العرب يقول: فلان شريك فلان، إذا كان متزوّجا بابنته أو بأخته، وامرأة الرّجل: شريكته، ومعنى الشّرك في قوله تعالى: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) أي لا تجعل له شريكا في ربوبيّته، وقد دخلت الباء الجارّة لأنّ معناه لا تعدل به غيره، ومن عدل به شيئا من خلقه، فهو كافر مشرك. وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: لمّا نزل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (الأنعام/ 82) شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ليس هو كما تظنّون، إنّما هو كما قال لقمان لابنه لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ واختلف في عبارة إِنَّ الشِّرْكَ   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 252) ، المفردات للراغب (259) ، الصحاح (4/ 1594) ، لسان العرب (4/ 2249) ، النهاية (2/ 467) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4709 لَظُلْمٌ عَظِيمٌ هل هي من كلام لقمان أو من كلام المولى- عزّ وجلّ-؟ والرّاجح أنّها من كلام المولى- عزّ وجلّ- والشّرك بالله في اعتقاد جلب النّفع ودفع الضّارّ، وليس الكفر بالله لأنّه لو كان كفرا لما ذهب بالتّوكّل. والشّريك في تلبية أهل الجاهليّة هو الصّنم، وذلك قولهم: «لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك، تملكه وما ملك» يريدون أنّ الصّنم وما يملكه ويختصّ به من الآلات الّتي تكون عنده وحوله والنّذور الّتي كانوا يتقرّبون بها إليه ملك لله تعالى. قال ابن منظور (وبمثل قوله تقول) : اللهمّ، إنّا نسألك صحّة التّوحيد والإخلاص في الإيمان، انظر إلى هؤلاء لم ينفعهم طوافهم ولا تلبيتهم ولا قولهم عن الصّنم هو لك، ولا قولهم: تملكه وما ملك، مع تسميتهم الصّنم شريكا، بل حبط عملهم بهذه التّسمية، ولم يصحّ لهم التّوحيد مع الاستثناء ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3) «1» . لأنّ المناسب لتسكين إشفاقهم أن يكون خبرا من الله تعالى «2» ، وقول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (النحل/ 100) معناه: الّذين صاروا مشركين بطاعتهم للشّيطان، وليس المعنى أنّهم أشركوا بالشّيطان وآمنوا بالله، ولكن عبدوا الله وعبدوا معه الشّيطان، وصاروا بذلك مشركين، وقال الطّبريّ: المعنى: الّذين هم بالله مشركون أي أنّ الهاء ضمير عائد إلى المولى- عزّ وجلّ- وعن مجاهد قال: يعدلون بربّ العالمين، وقيل: عدلوا إبليس بربّهم فإنّهم بالله مشركون «3» . وقال القرطبيّ: روي عن بعضهم «به» أي بالشّيطان. والمعنى: الّذين هم من أجله مشركون (أي أنّ الباء للسّببيّة) ، يقال: كفرت بهذه الكلمة أي أهلها، وصار فلان بك عالما، أي والّذي تولّى الشّيطان هو بذلك مشرك بالله «4» ، وجاء في الحديث الشّريف: «من حلف بغير الله فقد أشرك» حيث جعل ما لا يحلف به محلوفا به كاسم الله الّذي يكون به القسم، وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم «الطّيرة شرك» ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل» قال ابن الأثير: جعل التّطيّر شركا. الشرك اصطلاحا: وقال المناويّ: الشّرك إمّا أكبر، وهو إثبات الشّريك لله تعالى، أو أصغر وهو مراعاة غير الله في بعض الأمور «5» . أقسام الشرك: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: الشّرك نوعان: أكبر وأصغر. فالشّرك الأكبر: لا يغفره الله إلّا بالتّوبة منه: وهو أن يتّخذ من دون الله ندّا، يحبّه كما يحبّ الله. وهو الشّرك الّذي تضمّن تسوية آلهة المشركين بربّ   (1) لسان العرب (10/ 448- 450) ، وانظر: تاج العروس (148- 150) ، والنهاية (2/ 46) . (2) تفسير القرطبي (14/ 43) . (3) تفسير الطبري (7/ 646) . (4) تفسير القرطبي (10/ 116) . (5) التوقيف (203) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4710 العالمين. ولهذا قالوا لآلهتهم في النّار: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (الشعراء/ 97- 98) مع إقرارهم بأنّ الله وحده خالق كلّ شيء، وربّه ومليكه، وأنّ آلهتهم لا تخلق ولا ترزق، ولا تحيي ولا تميت. وإنّما كانت هذه التّسوية في المحبّة والتّعظيم والعبادة كما هو حال أكثر مشركي العالم، بل كلّهم يحبّون معبوداتهم ويعظّمونها ويوالونها من دون الله. وكثير منهم بل أكثرهم يحبّون آلهتهم أعظم من محبّة الله. ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده، ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم من المشايخ أعظم ممّا يغضبون إذا انتقص أحد ربّ العالمين، وإذا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوداتهم غضبوا غضب اللّيث إذا حرد، وإذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها، بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئا رضوا عنه ولم تنكر له قلوبهم. وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرة، وترى أحدهم قد اتّخذ ذكر إلهه ومعبوده من دون الله على لسانه ديدنا له إن قام وإن قعد، وإن عثر وإن مرض وإن استوحش فذكر إلهه ومعبوده من دون الله هو الغالب على قلبه ولسانه. وهو لا ينكر ذلك، ويزعم أنّه باب حاجته إلى الله، وشفيعه عنده، ووسيلته إليه. وهكذا كان عبّاد الأصنام سواء. وهذا القدر هو الّذي قام بقلوبهم، وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم. فأولئك كانت آلهتهم من الحجر، وغيرهم اتّخذوها من البشر. قال الله تعالى، حاكيا عن أسلاف هؤلاء المشركين: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (الزمر/ 3) . ثمّ شهد عليهم بالكفر والكذب، وأخبر أنّه لا يهديهم فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (الزمر/ 3) . فهذه حال من اتّخذ من دون الله وليّا يزعم أنّه يقرّبه إلى الله. وما أعزّ من يخلص من هذا؟ بل ما أعزّ من لا يعادي من أنكره. والّذي في قلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أنّ آلهتهم تشفع لهم عند الله، وهذا عين الشّرك. وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله، وأخبر أنّ الشّفاعة كلّها له، وأنّه لا يشفع عنده أحد إلّا لمن أذن الله أن يشفع فيه. ومن جهل المشرك: اعتقاده أنّ من اتّخذه وليّا أو شفيعا أنّه يشفع له، وينفعه عند الله كما يكون خواصّ الملوك والولاة تنفع شفاعتهم من والاهم، ولم يعلموا أنّ الله لا يشفع عنده أحد إلّا بإذنه، ولا يأذن في الشّفاعة إلّا لمن رضي قوله وعمله. كما قال تعالى في الأصل الأوّل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة/ 255) . وفي الأصل الثّاني: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (الأنبياء/ 28) . وبقي أصل ثالث، وهو أنّه لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد، واتّباع الرّسول. وعن هاتين الكلمتين يسأل الأوّلين والآخرين. كما قال أبو العالية: كلمتان يسأل عنهما الأوّلون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4711 فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشّرك من قلب من وعاها وعقلها: لا شفاعة إلّا بإذنه. ولا يأذن إلّا لمن رضي قوله وعمله. ولا يرضى من القول والعمل إلّا توحيده، واتّباع رسوله. فالله تعالى لا يغفر شرك العادلين به غيره كما قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (الأنعام/ 1) ، وأصحّ القولين: أنّهم يعدلون به غيره في العبادة والموالاة والمحبّة، كما في الآية الأخرى: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (الشعراء/ 97- 98) ، وكما في آية البقرة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة/ 165) . وترى المشرك يكذّب حاله وعمله قوله؛ فإنّه يقول: لا نحبّهم كحبّ الله، ولا نسوّيهم بالله، ثمّ يغضب لهم ولحرماتهم إذا انتهكت أعظم ممّا يغضب لله، ويستبشر بذكرهم، ويتبشبش به لا سيّما إذا ذكر عنهم ما ليس فيهم من إغاثة اللهفان، وكشف الكربات، وقضاء الحاجات، وأنّهم الباب بين الله وبين عباده، فإنّك ترى المشرك يفرح ويسرّ ويحنّ قلبه، وتهيج منه لواعج التّعظيم والخضوع لهم والموالاة، وإذا ذكرت له الله وحده، وجرّدت توحيده لحقته وحشة، وضيق، وحرج ورماك بتنقّص الإلهيّة الّتي له، وربّما عاداك. وقد قطع الله تعالى كلّ الأسباب الّتي تعلّق بها المشركون جميعا قطعا يعلم من تأمّله وعرفه: أنّ من اتّخذ من دون الله وليّا، أو شفيعا فهو كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ (العنكبوت/ 41) ، فقال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ* وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (سبأ/ 22- 23) فالمشرك إنّما يتّخذ معبوده لما يعتقد أنّه يحصل له به من النّفع، والنّفع لا يكون إلّا ممّن فيه خصلة من هذه الأربع: إمّا مالك لما يريده عباده منه. فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده. فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مترتّبا، متنقّلا من الأعلى إلى مادونه، فنفى الملك، والشّركة، والمظاهرة، والشّفاعة، الّتي يظنّها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشّفاعة بإذنه. فكفى بهذه الآية نورا، وبرهانا ونجاة، وتجريدا للتّوحيد، وقطعا لأصول الشّرك، وموادّة لمن عقلها. والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكنّ أكثر النّاس لا يشعرون بدخول الواقع تحته، وتضمّنه له، ويظنّونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا. وهذا هو الّذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن. ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا، فقد ورثهم من هو مثلهم، أو شرّ منهم، أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك. ولكنّ الأمر كما قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: إنّما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4712 نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهليّة، وهذا لأنّه إذا لم يعرف الجاهليّة والشّرك، وما عابه القرآن وذمّه وقع فيه وأقرّه، ودعا إليه وصوّبه وحسّنه. وهو لا يعرف أنّه هو الّذي كان عليه أهل الجاهليّة، أو نظيره. أو شرّ منه، أو دونه. فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه. ويعود المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والبدعة سنّة، والسّنّة بدعة، ويكفر الرّجل بمحض الإيمان وتجريد التّوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حيّ يرى ذلك عيانا، والله المستعان. ويدخل تحت هذا النّوع (الشّرك الأكبر) السّجود لغير الله، والرّكوع، والنّذر، والخوف، والتّوكّل على غيره، والعمل لغيره، والإنابة، والخضوع، والذّلّ لغير الله، وابتغاء الرّزق من عند غيره، واعتقاد أن يكون في الكون ما لا يشاؤه، وطلب الحوائج الّتي لا يقدر عليها إلّا هو من غيره، والاستغاثة بهم. وما نجا من شرك هذا الشّرك الأكبر إلّا من جرّد توحيده لله، وعادى المشركين في الله، وتقرّب بمقتهم إلى الله، واتّخذ الله وحده وليّه وإلهه ومعبوده فجرّد حبّه لله، وخوفه لله، ورجاءه لله، وذلّه لله، وتوكّله على الله، واستعانته بالله، والتجاءه إلى الله، واستغاثته بالله. وأخلص قصده لله متّبعا لأمره، متطلّبا لمرضاته. إذا سأل سأل الله، وإذا استعان استعان بالله، وإذا عمل لله فهو لله، وبالله، ومع الله. والشّرك أنواع كثيرة. لا يحصيها إلّا الله. ولو ذهبنا نذكر أنواعه لاتّسع الكلام أعظم اتّساع. وأمّا الشّرك الأصغر: فكيسير الرّياء، والتّصنّع للخلق، والحلف بغير الله، كما ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك» ، وقول الرّجل للرّجل ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، ومالي إلّا الله وأنت، وأنا متوكّل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا» ، وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب قائله ومقصده. وصحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال لرجل قال له: «ما شاء الله وشئت» : «أجعلتني لله ندّا؟ قل: ما شاء الله وحده» . وهذا اللّفظ أخفّ من غيره من الألفاظ «1» . من مظاهر الشرك: للشّرك سواء أكان من المشركين أهل الجاهليّة الأولى، أو ممّن ينتسبون إلى أهل الكتاب من اليهود أو النّصارى، أو المبتدعة ممّن ينتسبون إلى الإسلام- وهو منهم ومن شركهم براء- صور عديدة كشف عنها علماء الإسلام محذّرين النّاس منها، خاصّة أنّ بعض هذه المظاهر قد شاعت في بعض البلدان الإسلاميّة، نذكر من ذلك: 1- الاستغاثة والتّوسّل بغير الله تعالى: قال الإمام ابن تيميّة: من أعظم أنواع الشّرك دعاء الملائكة والأنبياء والصّالحين بعد موتهم، وعند   (1) مدارج السالكين (1/ 368- 376) باختصار. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4713 قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم والاستغاثة بهم، وطلب الشّفاعة منهم، وهو من الدّين الّذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولا، ولا أنزل به كتابا، وليس هو واجبا ولا مستحبّا باتّفاق علماء المسلمين، ولا فعله أحد من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمّة المسلمين، وإن كان ذلك ممّا يفعله كثير من النّاس ممّن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات، فهذا كلّه من الشّيطان، وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميّت والاستشفاع به، والاستغاثة، أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصّالحين، فهذا كلّه ليس بمشروع، ولا واجب، ولا مستحبّ باتّفاق أئمّة الدّين، فإنّ الله لا يعبد إلّا بما هو واجب أو مستحبّ. ولم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للنّاس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصّالحين ويستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم. وكلّ بدعة ليست واجبة ولا مستحبّة فهي بدعة سيّئة وهي ضلالة باتّفاق المسلمين، فلا يتقرّب بها إلى الله. ومن تقرّب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهو ضالّ متّبع للشّيطان، وسبيله من سبيل الشّيطان، كما قال عبد الله ابن مسعود: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا، وخطّ خطوطا عن يمينه وشماله ثمّ قال: «هذا سبيل الله، وهذه سبل، على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه» ثمّ قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153) «1» . إنّ الشّفاعة الّتي أثبتها الله ورسوله؛ هي الشّفاعة الصّادرة عن إذنه لمن وحّده، والّتي نفاها الله عزّ وجلّ هي الشّفاعة الشّركيّة، الّتي في قلوب الّذين اتّخذوا من دون الله شفعاء، وقد جعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تجريد التّوحيد أعظم الأسباب الّتي تنال بها شفاعته يوم القيامة، ومن الجهل البيّن اعتقاد أصحاب الشّفاعة الشّركيّة أنّ هذه الشّفاعة تنفعهم عند الله كما يكون خواصّ الملوك والولاة تنفع شفاعتهم من والاهم، ولم يعلم هؤلاء أنّ الله لا يشفع عنده أحد إلّا بإذنه، ولا يأذن في الشّفاعة إلّا من رضي قوله وعمله، ثمّ إنّ هناك أصلا ثالثا هو أنّه لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد واتّباع الرّسل، فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشّرك ممّن وعاها وعقلها: 1- لا شفاعة إلّا بإذنه. 2- لا يأذن إلّا من رضي قوله وعمله. 3- لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد واتّباع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فالله- عزّ وجلّ- لا يغفر شرك العادلين به غيره في العبادة والموالاة والمحبّة، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة/ 165) . إنّك ترى الواحد من هؤلاء يكذّب حاله وعمله قوله فإنّه يقول: لا يحبّهم كحبّ الله، ولا نسوّيهم بالله، ثمّ يغضب لهم   (1) مجموع الفتاوى 1/ 159، وما بعدها (بإيجاز وتصرف) ، وانظر أيضا قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص 20 وما بعدها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4714 ولحرماتهم- إذا انتهكت- أعظم ممّا يغضب لله، ويستبشر بذكرهم، سيّما إذا ذكر عنهم ما ليس فيهم من إغاثة الله فان، وكشف الكربات وقضاء الحاجات، وأنّهم الباب بين الله وبين عباده، فإنّك ترى الواحد منهم يفرح ويسرّ ويحنّ قلبه، أمّا إذا ذكر الله وحده وجرّدت توحيده لحقته وحشة وضيق حرج ورماك بنقص الإلهيّة الّتي له، وربّما عاداك «1» . وقال الشّيخ ابن باز- مدّ الله في عمره-: إنّ دعاء غير الله من الأموات والأشجار والأصنام وغيرها شرك بالله عزّ وجلّ ينافي العبادة الّتي خلق الله الثّقلين من أجلها، وأرسل الرّسل وأنزل الكتب لبيانها والدّعوة إليها وهذا هو معنى «لا إله إلّا الله» أي لا معبود بحقّ إلّا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله، وتثبتها لله، وهذا هو أصل الدّين الأوّل، أمّا الأصل الثّاني فهو أنّه لا يعبد إلّا بشريعة نبيّه ورسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا معنى شهادة أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فمن دعا الأموات من الأنبياء وغيرهم، أو دعا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو غير ذلك من المخلوقات أو استغاث بهم فقد اتّخذهم أربابا من دون الله، وجعلهم أندادا لله، وهذا يناقض أصل الإيمان وينافي معنى الشّهادتين، كما أنّ من ابتدع في الدّين شيئا لم يأذن به الله لم يحقّق معنى شهادة أنّ محمّدا رسول الله. وكلّ عمل مبتدع لم يأذن به الله يكون يوم القيامة هباء منثورا لأنّه لم يوافق شرعه المطهّر «2» . 2- الزيارة البدعية للمقابر: قال الإمام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: زيارة قبور المسلمين على وجهين: زيارة شرعيّة، وزيارة بدعيّة. فأمّا الزّيارة الشّرعيّة فمقصودها الدّعاء للميّت، كما أنّ الصّلاة عليه دعاء له، وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا دفن الرّجل من أمّته يقوم على قبره ويقول: «سلوا الله له التّثبيت فإنّه الآن يسأل» «3» . وكان صلّى الله عليه وسلّم يزور قبور أهل البقيع والشّهداء بأحد، ويعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: «السّلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء الله تعالى بكم لا حقون، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم» «4» . أمّا الزّيارة البدعيّة فهي الّتي يقصد بها أن يطلب من الميّت الحوائج، أو يطلب منه الدّعاء (له) والشّفاعة، أو يقصد الدّعاء عند قبره لظنّ القاصد أنّ ذلك أجوب للدّعاء. فالزّيارة على هذه الوجوه كلّها   (1) مدارج السالكين 1/ 370- 371 (بتصرف واختصار) . (2) إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدّق الكهنة والعرّافين للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص 14. (3) رواه أبو داود ج 3 ص 215 حديث رقم (3221) عن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ونصّه عنده «استغفروا لأخيكم وسلوا له التّثبيت فإنه الآن يسأل» . (4) رواه مسلم عن بريدة، وبعضه عن عائشة، انظر صحيح مسلم 2/ 671، حديث رقم (974- 975) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4715 مبتدعة لم يشرعها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا فعلها الصّحابة لا عند قبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا عند غيره، وهي من جنس الشّرك وأسباب الشّرك. ولو قصد الصّلاة عند قبور الأنبياء والصّالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدّعاء عندهم- مثل أن يتّخذ قبورهم مساجد- لكان ذلك محرّما منهيّا عنه، ولكان صاحبه متعرّضا لغضب الله ولعنته، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اشتدّ غضب الله على قوم اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» «1» ، وقال: «قاتل الله اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذّر ما صنعوا. وقال: «إنّ من كان قبلكم كانوا يتّخذون القبور مساجد، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد فإنّي أنهاكم عن ذلك» . فإذا كان هذا محرّما وهو سبب لسخط الرّبّ ولعنته فكيف بمن يقصد دعاء الميّت والدّعاء عنده، وبه، واعتقد أنّ ذلك من أسباب إجابة الدّعوات ونيل الطّلبات وقضاء الحاجات!؟ وهذا كان أوّل أسباب الشّرك في قوم نوح وعبادة الأوثان في النّاس، قال ابن عبّاس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على الإسلام ثمّ ظهر الشّرك بسبب تعظيم قبور صالحيهم «2» . ويقول ابن القيّم عن هذا المظهر من مظاهر الشّرك (أي طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم، والتّوجّه إليهم) : وهذا أصل شرك العالم، فإنّ الميّت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا، فضلا عمّن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها. والميّت محتاج إلى من يدعو له، ويترّحّم عليه، ويستغفر له، كما أوصانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا زرنا قبور المسلمين «أن نترحّم عليهم، ونسأل لهم العافية والمغفرة» فعكس المشركون هذا، وزاروهم زيارة العبادة، واستقضاء الحوائج، والاستغاثة بهم، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد «3» . وقال الشّيخ ابن باز: إنّ هذا النّوع من دعاء الأموات كقول القائل: بحقّ الله رجال الله أعينونا بعون الله، وكونوا عوننا بالله، وكقولهم: يا أقطاب، يا أوتاد، يا أسياد، يا ذوي الأمداد فينا واشفعوا لله، هذا عبدكم واقف، وعلى بابكم عاكف. إنّ هذا ونحوه من الشّرك الأكبر وهو من جنس عمل المشركين الأوّلين مع آلهتهم كالعزّى واللّات وغيرهما، ويلحق ذلك ويتبعه الاستغاثة والاستعانة بمن يعتقد فيهم الولاية من الأحياء فيما لا يقدر عليه إلّا الله عزّ وجلّ كشفاء المرضى وهداية القلوب، ودخول الجنّة والنّجاة من النّار وأشباه ذلك، لأنّ ذلك عبادة لغير الله وطلب لأمور لا يقدر عليها سواه من الأموات والغائبين، وذلك أقبح من شرك الأوّلين، لأنّ الأوّلين إنّما يشركون في حال الرّخاء، وأمّا في حال الشّدائد فيخلصون لله العبادة لأنّهم يعلمون أنّه سبحانه هو القادر على تخليصهم من الشّدّة دون غيره، فإن قال قائل من هؤلاء المشركين المتأخّرين: إنّا   (1) رواه مالك في الموطأ 1/ 172 عن عطاء بن يسار، وانظر هامش 23 ص 26 من كتاب قاعدة جليلة. (2) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 26، 27. (3) مدارج السالكين 1/ 375. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4716 لا نقصد أنّ أولئك يفيدون بأنفسهم وإنّما نقصد شفاعتهم إلى الله في ذلك، قيل له: إنّ ذلك هو مقصد الكفّار الأوّلين ومرادهم، وليس مرادهم أنّ الهتهم تخلق أو ترزق أو تنفع أو تضرّ بنفسها بدليل ما حكاه القرآن عنهم من نحو قولهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3) وقوله عزّ من قائل: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ (يونس/ 18) وقد ردّ عليهم المولى هذا القول بقوله سبحانه: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (يونس/ 18) فأبان سبحانه أنّه لا يعلم في السّموات ولا في الأرض شفيعا عنده على الوجه الّذي يقصده المشركون، وما لا يعلم الله وجوده، لا وجود له، لأنّه سبحانه لا يخفى عليه شيء «1» . 3- الذّبح لغير الله والنّذر لغيره سبحانه: يقول الشّيخ ابن باز- مدّ الله في عمره-: قال الله- عزّ وجلّ-: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (الأنعام/ 162- 163) فأمر الله نبيّه أن يخبر النّاس أنّ صلاته ونسكه- وهو الذّبح- ومحياه ومماته لله ربّ العالمين لا شريك له، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله كما لوصلّى لغير الله، لأنّ الله سبحانه جعل الصّلاة والذّبح قرينين وأخبر أنّهما لله وحده لا شريك له، فمن ذبح لغير الله من الجنّ والملائكة والأموات وغيرهم يتقرّب إليهم بذلك فهو كمن صلّى لغير الله. وفي الحديث الصّحيح يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله من ذبح لغير الله «2» » «3» . أمّا النّذر لغير الله تعالى فإنّه أعظم (إثما) من الحلف بغيره سبحانه، وإذا كان من حلف بغير الله قد أشرك، فكيف بمن نذر لغير الله؟ «4» . 4- الحلف بغير الله تعالى: قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: إنّ الحلف بالمخلوقات شرك بخالقها، كما جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك «5» (أو كفر) » . وقد اتّفق المسلمون على أنّه من حلف بالمخلوقات المحرّمة أو بما يعتقد هو حرمته كالعرش، والكرسيّ، والكعبة، والملائكة والصّالحين وغير ذلك لا ينعقد يمينه، ولا كفّارة في الحلف بذلك، وهو حرام عند الجمهور «6» ، ولم يقل أحد من العلماء المتقدّمين أنّ اليمين ينعقد بأحد من الخلق، إلّا في نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فإنّ عن أحمد روايتين في أنّه ينعقد اليمين به، وقد طرد   (1) إقامة البراهين للشيخ ابن باز ص 39- 45 (بتصرف وإيجاز) . (2) رواه مسلم ج 3 ص 1567. (3) إقامة البراهين ص 24. (4) مدارج السالكين ص 374- 375. (5) رواه الترمذي ج 4 ص 110 حديث رقم (1535) ، وقال: حديث حسن، ونصّه: أنّ ابن عمر- رضي الله عنه- سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يحلف بغير الله، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو شرك» قال الترمذي: وفسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله «قد كفر أو شرك» على التغليظ. (6) قاعدة جليلة ص 58، وانظر مدارج السالكين 1/ 375. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4717 بعض أصحابه الخلاف في سائر الأنبياء وهذا ضعيف، والّذي عليه الجمهور كمالك والشّافعيّ وأبي حنيفة أنّه لا ينعقد اليمين بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- ناهيك عن سائر الأنبياء- كما جاء في إحدى الرّوايتين عن أحمد، وهو الصّحيح «1» . وقد ذكر ابن القيّم هذا النوع على أنّه من الشّرك الأصغر- كما سبق- وجعل منه أيضا: 5- سجود المريد للشّيخ: إن ّ سجود المريد للشّيخ شرك من السّاجد والمسجود له (إن رضي بذلك) فإن قالوا: ليس هذا سجودا وإنّما هو وضع الرأس قدّام الشيخ احتراما وتواضعا، قيل لهم: حقيقة السّجود وضع الرأس لمن يسجد له، وكذلك السّجود للصّنم، وللشّمس، وللنّجم، وللحجر، كلّه وضع الرأس قدّامه. 6- حلق الرّأس للشّيخ: ومن الشّرك (الأصغر) حلق الرأس للشّيخ، فإنّه تعبّد لغير الله، وكذلك التّوبة للشّيخ لأنّها لا تكون إلّا لله عزّ وجلّ. 7- الخوف من غير الله: ومنه كذلك الخوف من غير الله، والتّوكّل على غير الله والعمل لغير الله، والإنابة والخضوع والذّلّ لغير الله وإضافة النّعمة لغير الله «2» ، وغير ذلك من مظاهر الرّياء «3» . أحكام الشرك: قال الكفويّ: والشّرك أنواع: شرك الاستقلال: وهو إثبات إلهين مستقلّين كشرك المجوس، وشرك التّبعيض وهو تركيبه الإله من آلهة كشرك النّصارى، وشرك التّقريب وهو عبادة غير الله ليقرّب إلى الله زلفى كشرك متقدّمي الجاهليّة. وشرك التّقليد وهو عبادة غير الله تبعا للغير كشرك متأخّري الجاهليّة. وشرك الأسباب وهو إسناد التّأثير للأسباب العاديّة كشرك الفلاسفة والطّبائيّين ومن تبعهم على ذلك. وشرك الأغراض: وهو العمل لغير الله. قال الكفويّ: فحكم الأربعة الأولى الكفر بإجماع وحكم السّادس المعصية من غير كفر بإجماع، وحكم الخامس التّفصيل فمن قال في الأسباب العاديّة إنّها تؤثّر بطبيعتها فقد حكم الإجماع على كفره ومن قال إنّها تؤثّر بقوّة أودعها الله فيها بطبيعتها فهو فاسق «4» . وقد قال كلّ من الإمامين الذّهبيّ وابن حجر إنّ الشّرك كبيرا كان أو صغيرا من الكبائر «5» . من معاني لفظ الشرك في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ: ذكر أهل التّفسير أنّ الشّرك في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يعدل بالله غيره. ومنه قوله تعالى في   (1) المرجع السابق 159. (2) مدارج السالكين، 1/ 374- 375 (بتصرف واختصار) . (3) عدّ العلماء الرياء من الشرك الأصغر، وقد عقدنا له صفة خاصة فأغنى ذلك عن الإعادة هنا. (4) الكليات (533) . (5) انظر في تفصيل ذلك: الكبائر للذهبي (9) ، والزواجر (39) وما بعدها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4718 سورة النّساء: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً (آية/ 36) ، وفيها: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ* (آية/ 48، 116) ، وفي براءة: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (آية/ 3) ، وهو الأعمّ في القرآن. والثّاني: إدخال شريك في طاعته دون عبادته. ومنه قوله تعالى في الأعراف: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما (آية/ 190) ، أي: أطاعا إبليس في تسمية ولدهما. وفي إبراهيم: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ (آية/ 22) . أي: في الطّاعة. وفي الأنعام: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (آية/ 121) . والثّالث: الرّياء في الأعمال. ومنه قوله تعالى في الكهف: وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (آية/ 110) «1» . [للاستزادة: انظر صفات: انتهاك الحرمات- اتباع الهوى- الردة- الضلال- الفسوق- الكفر- العصيان- الإلحاد- الزندقة- النفاق- عقوق الوالدين- ترك الصلاة- الكذب- الفسوق- نكران الجميل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوحيد- الإسلام- الإيمان- معرفة الله عز وجل- الهدى- اليقين- الصدق- التقوى- تكريم الإنسان- تعظيم الحرمات- الطاعة] .   (1) نزهة الأعين النواظر (372) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (3/ 313- 315) ، والتصاريف ليحيى بن سلام (106) ، وكشف السرائر لابن العماد (35) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4719 الآيات الواردة في «الشرك» الشرك الأكبر: 1- * وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96) «1» 2- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) «2» 3- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) «3» 4- * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «4» 5- * وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «5»   (1) البقرة: 92- 96 مدنية (2) البقرة: 105 مدنية (3) آل عمران: 64- 67 مدنية (4) آل عمران: 186 مدنية (5) النساء: 36 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4720 6- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (48) «1» 7- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116) «2» 8- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) «3» 9- * وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) «4» 10- ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) «5» 11- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) «6» 12- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «7» 13- وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136) وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ   (1) النساء: 48 مدنية (2) النساء: 116 مدنية (3) المائدة: 72 مدنية (4) الأنعام: 13- 14 مكية (5) الأنعام: 88 مكية (6) الأنعام: 100- 101 مكية (7) الأنعام: 121 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4721 يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) «1» 14- سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «2» 15- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «3» 16- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) «4» 17- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) «5» 18- * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)   (1) الأنعام: 136- 139 مكية (2) الأنعام: 148- 151 مكية (3) الأنعام: 161- 163 مكية (4) الأعراف: 33 مكية (5) الأعراف: 172- 173 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4722 أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) «1» 19- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) «2» 20- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) «3» 21- أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) «4» 22- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) «5» 23- وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) «6» 24- وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107)   (1) الأعراف: 189- 191 مكية (2) التوبة: 17 مدنية (3) التوبة: 31- 33 مدنية (4) يونس: 66 مكية (5) يونس: 104- 105 مكية (6) يوسف: 36- 38 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4723 قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «1» 25- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) «2» 26- وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) «3» 27- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) «4» 28- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) «5» 29- * وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) «6»   (1) يوسف: 106- 108 مكية (2) النحل: 1- 3 مكية (3) النحل: 35 مكية (4) النحل: 86 مكية (5) النحل: 98- 100 مكية (6) الكهف: 32- 42 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4724 30- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) «1» 31- وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) «2» 32- ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) «3» 33- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) «4» 34- الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) «5» 35- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «6» 36- وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) «7»   (1) الحج: 16- 17 مدنية (2) الحج: 26 مدنية (3) الحج: 30- 31 مدنية (4) المؤمنون: 91- 92 مكية (5) النور: 3 مدنية (6) النمل: 59- 63 مكية (7) القصص: 68 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4725 37- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «1» 38- وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «2» 39- لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «3» 40- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) «4» 41- وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) «5» 42- قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) «6» 43- * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) «7» 44- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7) «8»   (1) العنكبوت: 8 مكية (2) لقمان: 13- 15 مكية (3) الأحزاب: 73 مدنية (4) الزمر: 29 مكية (5) الزمر: 65- 67 مكية (6) غافر: 11- 12 مكية (7) غافر: 41- 42 مكية (8) فصّلت: 6- 7 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4726 45- * شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) «1» 46- أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21) «2» 47- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) «3» 48- أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) «4» 49- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «5» 50- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) «6» 51- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «7» 52- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)   (1) الشورى: 13 مكية (2) الشورى: 21 مكية (3) الفتح: 4- 6 مدنية (4) الطور: 43 مكية (5) الحشر: 22- 24 مدنية (6) الصف: 9 مدنية (7) الجن: 1- 2 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4727 وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) «1» الشرك الأصغر: 53- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «2» 54- بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) «3» وجوب البراء من المشركين وقتالهم: 55- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «4» 56- * لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) «5»   (1) البينة: 1- 6 مدنية (2) الكهف: 110 مكية (3) الروم: 29- 35 مكية (4) البقرة: 221 مدنية (5) المائدة: 82 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4728 57- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) «1» 58- * وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) «2» 59- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) «3» 60- * بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2)   (1) الأنعام: 19- 23 مكية (2) الأنعام: 74- 81 مكية (3) الأنعام: 106- 107 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4729 وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «1» 61- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «2» 62- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «3» 63- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) «4» 64- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) «5» 65- فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)   (1) التوبة: 1- 7 مدنية (2) التوبة: 28 مدنية (3) التوبة: 36 مدنية (4) التوبة: 113 مدنية (5) هود: 53- 56 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4730 الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) «1» المشركون ومعبودهم من دون الله عجزة ضعفاء: 66- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) «2» 67- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41) «3» 68- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «4» 69- وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) «5» 70- إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) «6» 71- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) «7» 72- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) «8» 73- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ   (1) الحجر: 94- 96 مكية (2) آل عمران: 151 مدنية (3) الأنعام: 40- 41 مكية (4) الأنعام: 63- 64 مكية (5) الأنعام: 94 مكية (6) الأعراف: 194- 196 مكية (7) يونس: 18 مكية (8) يونس: 28 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4731 يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) «1» 74- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) «2» 75- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) «3» 76- أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34) * مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) «4» 77- وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) «5»   (1) يونس: 34- 35 مكية (2) يونس: 71 مكية (3) الرعد: 16 مكية (4) الرعد: 33- 36 مكية (5) إبراهيم: 21- 22 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4732 78- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) «1» 79- وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) «2» 80- وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (52) «3» 81- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (64) «4» 82- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) «5» 83- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) «6» 84- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (13) «7» 85- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) «8» 86- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) «9»   (1) النحل: 26- 27 مكية (2) النحل: 53- 54 مكية (3) الكهف: 52 مكية (4) القصص: 62- 64 مكية (5) القصص: 74 مكية (6) العنكبوت: 65 مكية (7) الروم: 12- 13 مكية (8) الروم: 40- 42 مكية (9) سبأ: 22 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4733 87- قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «1» 88- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) «2» 89- قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) «3» 90- الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) «4» 91- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) «5» 92- * إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) «6» 93- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)   (1) سبأ: 27 مكية (2) فاطر: 13- 14 مكية (3) فاطر: 40 مكية (4) غافر: 70- 74 مكية (5) غافر: 82- 84 مكية (6) فصلت: 47- 48 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4734 قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) «1» 94- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) «2» نفي الشرك عن خليل الله إبراهيم: 95- قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) «3» 96- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) «4»   (1) الأحقاف: 1- 4 مكية (2) القلم: 34- 41 مكية (3) آل عمران: 95 مدنية (4) النحل: 120- 123 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4735 الأحاديث الواردة في ذمّ (الشرك) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات «1» ، قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» ) * «2» . 2- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني آت من ربّي فأخبرني- أو قال بشّرني- أنّه من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. فقلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق» ) * «3» . 3- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ فقال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النّار» ) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ أبا سفيان بن حرب أخبره أنّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش- وكانوا تجّارا بالشّام في المدّة الّتي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادّ فيها أبا سفيان وكفّار قريش- فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الرّوم، ثمّ دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيّكم أقرب نسبا بهذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبا. فقال: أدنوه منّي، وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثمّ قال لترجمانه: قل لهم إنّي سائل هذا الرّجل فإن كذبني فكذّبوه ... الحديث، وفيه: «قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصّلاة والصّدق والعفاف والصّلة. فقال للتّرجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنّه فيكم ذو نسب ... الحديث وفيه: «وسألتك: بما يأمركم؟ فذكرت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين. وقد كنت أعلم أنّه خارج لم أكن أظنّ أنّه منكم، فلو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه» ) * «5» . 5- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عين من المشركين وهو- في سفر- فجلس عند أصحابه يتحدّث، ثمّ انفتل فقال النّبيّ   (1) الموبقات: المهلكات. (2) البخاري- الفتح 5 (2766) ، ومسلم (89) واللفظ له والمراد بالمحصنات العفائف، وبالغافلات. الغافلات عن الفواحش وما قذفن به. (3) البخاري- الفتح (3/ 1237) واللفظ له، ومسلم (94) . (4) مسلم (93) . (5) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له، ومسلم (1773) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4736 صلّى الله عليه وسلّم: «اطلبوه واقتلوه فقتلته فنفّله سلبه) * «1» . 6- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وهو يبايع- فقلت: يا رسول الله، ابسط يدك حتّى أبايعك واشترط عليّ فأنت أعلم. قال: «أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين» ) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا لقيتم المشركين في الطّريق فلا تبدؤوهم بالسّلام واضطرّوهم إلى أضيقها» ) * «3» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ أبا بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- بعثه في الحجّة الّتي أمّره عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل حجّة الوداع يوم النّحر في رهط يؤذّن في النّاس ألا لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» ) * «4» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث يعني بذلك ابن رواحة قال: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع «5» . 10- * (عن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر» . قالوا: وما الشّرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرّياء، يقول الله- عزّ وجلّ- إذا جزى النّاس بأعمالهم: اذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون في الدّنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» ) * «6» . 11- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ أناسا من عبد القيس قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا نبيّ الله، إنّا حيّ من ربيعة. وبيننا وبينك كفّار مضر. ولا نقدر عليك إلّا في أشهر الحرم. فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنّة إذا نحن أخذنا به. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وأقيموا الصّلاة. وآتوا الزّكاة. وصوموا رمضان. وأعطوا الخمس من الغنائم، وأنهاكم عن   (1) البخاري- الفتح 6 (3051) . (2) النسائي (7/ 148) واللفظ له وصححه الألباني (3/ 875) حديث (3893) ، البيهقي (9/ 13) ، أحمد (4/ 365) ، وذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» (636) وانظر كلامه عليه في «إرواء الغليل» رقم (1207) . (3) أحمد (2/ 525) ، ومعناه في الصحيح، وذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» رقم (1411) . (4) البخاري- الفتح 3 (1622) واللفظ له، ومسلم (1347) . (5) البخاري- الفتح 10 (6151) . (6) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أحمد بإسناد جيد، وابن أبي الدنيا والبيهقي في الزهد وغيره (1/ 68- 69) ، وذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» رقم (951) وفي «صحيح الترغيب والترهيب» (29) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4737 أربع: عن الدّبّاء والحنتم. والمزقّت والنّقير «1» » . قالوا: يا نبيّ الله، ما علمك بالنّقير؟ قال: «بلى. جذع تنقرونه. فتقذفون فيه من القطيعاء «2» - أو قال من التّمر- ثمّ تصبّون فيه من الماء. حتّى إذا سكن غليانه شربتموه. حتّى إنّ أحدكم- أو إنّ أحدهم- ليضرب ابن عمّه بالسّيف.. الحديث» ) * «3» . 12- * (عن عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وتركت هذا؟ قال: «إنّ عليه تميمة فأدخل يده فقطعها فبايعه. وقال: «من علّق تميمة فقد أشرك» * «4» . 13- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال- وكان شهد بدرا وهو أحد النّقباء ليلة العقبة-: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك» ) * «5» . 14- * (عن زينب امرأة عبد الله عن عبد الله ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إنّ الرّقى والتّمائم والتّولة «6» شرك» . قالت: قلت: لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهوديّ يرقيني فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنّما ذاك عمل الشّيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاها كفّ عنها، إنّما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أذهب الباس، ربّ النّاس، اشف أنت الشّافي لا شفاء إلّا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما» ) * «7» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- تبارك وتعالى-:   (1) الدباء: القرع اليابس، أي الوعاء منه، والحنتم: جرار مفردها جرّة قيل يؤتى بها من مصر مجلوبة بها الخمر وقيل ما يجلب فيها الخمر من الطائف وهي جرار تعمل من طين وشعر وأدم. والمزفّت: ما طلي بالزّفت، والنقير: أصل النخلة ينقر يتخذ منه وعاء. (2) القطيعاء: نوع من التمر صغار يقال له شهيريز. (3) البخاري- الفتح 1 (53) من حديث ابن عباس، ومسلم (18) واللفظ له. (4) أحمد (4/ 156) واللفظ له، الحاكم (4/ 219) ، وقال الألباني في الصحيحة: إسناده صحيح رجاله ثقات (1/ 809) حديث (492) (5) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له، ومسلم (1709) . (6) التمائم جمع تميمة وأريد بها الخرزات التي تعلقها النساء في أعناق الأولاد على ظن أنها تقي من العين والتّولة نوع من السحر يحبب المرأة إلى زوجها. (7) أبو داود (3883) ، ابن ماجة (3530) ، أحمد (1/ 381) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن (5/ 218) ، الحاكم (4/ 217) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4738 أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه» ) * «1» . 16- * (عن الحارث الأشعريّ: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنّه كاد أن يبطىء بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها. فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟. وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة، معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا جهنّم، فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلّى وصام؟ قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «2» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يقول لأهون أهل النّار عذابا: لو أنّ لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم. قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلّا الشّرك» ) * «3» . 18- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جمع له أبويه يوم أحد. قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين. فقال له   (1) مسلم (2985) . (2) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح، ابن خزيمة (3/ 195) ، ابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) ، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (553) . (3) البخاري- الفتح 6 (3334) واللفظ له، ومسلم (2805) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4739 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ارم فداك أبي وأمّي» . قال:- أي سعد-: فنزعت له بسهم ليس فيه نصل «1» فأصبت جنبه فسقط فانكشفت عورته. فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى نظرت إلى نواجذه) * «2» . 19- * (عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- خرج إلى المسجد فوجد معاذ بن جبل عند قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكي، فقال: ما يبكيك يا معاذ؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اليسير من الرّياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة: إنّ الله يحبّ الأبرار الأتقياء الأخفياء الّذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كلّ غبراء مظلمة» ) * «3» . 20- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه خطب النّاس فقال: يا أيّها النّاس، اتّقوا هذا الشّرك فإنّه أخفى من دبيب النّمل. فقام إليه عبد الله ابن حزن وقيس بن المضارب فقالا: والله لتخرجنّ ممّا قلت أو لنأتينّ عمر مأذون لنا أو غير «4» مأذون قال: بل أخرج ممّا قلت: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذات يوم فقال: «أيّها النّاس، اتّقوا هذا الشّرك فإنّه أخفى من دبيب النّمل» فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتّقيه وهو أخفى من دبيب النّمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: «اللهمّ إنّا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم» ) * «5» . 21- * (عن فروة بن نوفل- رضي الله عنه- قال: إنّه أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، علّمني شيئا أقوله إذا أويت إلى فراشي قال: «اقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (الكافرون/ 1) «6» فإنّها براءة من الشّرك» ) * «7» . 22- * (عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا أو إلينا- ابن عمر- رضي الله عنهما-: فقال رجل: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمّد صلّى الله عليه وسلّم يقاتل المشركين وكان الدّخول عليهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك) * «8» . 23- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قال: «أمرت أن أقاتل المشركين حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فإذا شهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله   (1) فنزعت له بسهم ليس فيه نصل: أي رميته بسهم، والنّصل: حديدة السّهم. (2) البخاري- الفتح 7 (3725) ، ومسلم (2412) واللفظ له. (3) الحاكم (1/ 4) وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرج في الصحيحين ووافقه الذهبي. (4) هكذا في الأصل (برفع مأذون، وغير) وكذا في المسند الجامع (11/ 327) برقم 8784) والسياق يقتضي أن يكون منصوبا على الحال: أي: مأذونا لنا أو غير مأذون. (5) أحمد (4/ 403) واللفظ له، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وعزاه كذلك للطبراني. وقال: رواته محتج بهم في الصحيح الا أبو أحمد الراوي عن أبي موسى وثقه ابن حبان ولم يجرّحه أحد (1/ 76) . (6) والمراد السورة كلها. (7) الترمذي (3403) واللفظ له، أحمد (5/ 456) . (8) البخاري- الفتح 8 (4651) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4740 وصلّوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبائحنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلّا بحقّها» ) * «1» . 24- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزّور وشهادة الزّور ثلاثا- أو قول الزّور-، فما زال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت) * «2» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله قال: «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يجمع الله النّاس يوم القيامة. فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه. فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس. ويتّبع من كان يعبد القمر القمر. ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت. وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله- تبارك وتعالى- في صورة غير صورته الّتي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفنا، فيأتيهم الله تعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. فيتّبعونه، ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم. فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز،. ولا يتكلّم يومئذ إلّا الرّسل. ودعوى الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم، سلّم. وفي جهّنم كلاليب مثل شوك السّعدان هل رأيتم السّعدان؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «فإنّها مثل شوك السّعدان، غير أنّه لا يعلم ما قدر عظمها إلّا الله، تخطف النّاس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله، ومنهم المجازى حتّى ينجّى، حتّى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النّار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممّن أراد الله تعالى أن يرحمه، ممّن يقول: لا إله إلّا الله ... الحديث) * «3» . 26- * (عن قتيلة- امرأة من جهينة- رضي الله عنها.: أنّ يهوديّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّكم تندّدون وإنّكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة، فأمرهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربّ الكعبة. ويقولون: ما شاء الله ثمّ شئت) * «4» . 27- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعشر كلمات قال: «لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ   (1) البخاري- الفتح 1 (392) ، ومسلم (20، 21) من حديث أبي هريرة، وهذا لفظ النسائي (7/ 75- 76) . (2) البخاري- الفتح 12 (6919) واللفظ له، ومسلم (87) . (3) البخاري- الفتح 31 (7437) ، ومسلم (182) واللفظ له. (4) النسائي (7/ 6) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 800) حديث (3533) ، أحمد (6/ 371، 372) . البيهقي في السنن (3/ 216) وعزاه الألباني في السلسلة الصحيحة لمشكل الآثار (حديث 136) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4741 صلاة مكتوبة متعمّدا فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا فقد برئت منه ذمّة الله، ولا تشربنّ خمرا فإنّه رأس كلّ فاحشة، وإيّاك والمعصية؛ فإنّ بالمعصية حلّ سخط الله- عزّ وجلّ-، وإيّاك والفرار من الزّحف وإن هلك النّاس، وإذا أصاب النّاس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك، وأخفهم في الله» ) * «1» . 28- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت بالسّيف حتّى يعبد الله لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذّلّة والصّغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم» ) * «2» . 29- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسّجود فأسرع فيهم القتل، قال: فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر لهم بنصف العقل وقال: «أنا بريء من كلّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين» . قالوا: يا رسول الله لم؟ قال: «لا تراءى ناراهما» ) * «3» . 30- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول: «بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة» ) * «4» . 31- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجّار على بغلة له- ونحن معه- إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستّة أو خمسة أو أربعة. فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل: أنا. قال: «فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك. فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها. فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه» . ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب القبر» قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: «تعوّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال» ) * «5» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا. إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء.   (1) أحمد (5/ 238) واللفظ له، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد ثقات، الا أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير (الراوي عن معاذ) لم يسمع من معاذ، وإسناد الطبراني متصل وفيه عمرو بن واقد القرشي وهو كذاب (4/ 215) . (2) أحمد نسخة الشيخ أحمد شاكر (7/ 121) حديث (5114) وقال: إسناده صحيح. (3) أبو داود (2645) وقال الألباني: صحيح (إرواء الغليل 5/ 30) . (4) مسلم (82) . (5) مسلم (2867) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4742 فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا» ) * «1» . 33- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه سمع رجلا يحلف: لا، والكعبة، فقال له ابن عمر: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف بغير الله فقد أشرك» ) * «2» . 34- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ أبي كان يصل الرّحم، وكان وكان. فأين هو؟ قال: «في النّار» قال: فكأنّه وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله، فأين أبوك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حيثما مررت بقبر مشرك فبشّره بالنّار» قال: فأسلم الأعرابيّ بعده. وقال: لقد كلّفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعبا ما مررت بقبر كافر إلّا بشّرته بالنّار) * «3» . 35- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم» ) * «4» . 36- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خالفوا المشركين. أحفوا «5» الشّوارب وأوفوا «6» اللّحى» ) * «7» . 37- * (عن عائشة زوج النّبيّ- رضي الله عنها- قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل بدر. فلمّا كان بحرّة الوبرة «8» أدركه رجل. قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رأوه. فلمّا أدركه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: جئت لأتّبعك وأصيب معك. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: لا. قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك» . قالت: ثمّ مضى. حتّى إذا كنّا بالشّجرة أدركه الرّجل. فقال له كما قال أوّل مرّة. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما قال أوّل مرّة. قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك» قال: ثمّ رجع فأدركه بالبيداء. فقال له كما قال أوّل مرّة: «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: نعم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فانطلق» ) * «9» . 38- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نتذاكر المسيح الدّجّال. فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف   (1) مسلم (2565) . (2) أبو داود (3251) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 627) ، الترمذي (1535) وقال: حسن وقال محقق جامع الأصول: وهو كما قال (11/ 651) الحاكم (1/ 18) وقال: على شرط مسلم بمعناه. (3) ابن ماجة (1573) وقال في الزوائد: إسناده صحيح. (4) أبو داود (2504) ، النسائي (6/ 7) وهذا لفظه، أحمد (3/ 124) ، الدارمي (2/ 280) والحاكم (2/ 81) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول: إسناده قوي، وصححه ابن حبان (2/ 565) . (5) أحفوا: أي أزيلوا ما طال على الشفتين. (6) وأوفوا: أي أتمّوا وأطيلوا، وفي رواية وأوفروا أي كثروا، وفي رواية وأعفوا. (7) البخاري- الفتح 10 (5892) ، مسلم (259) واللفظ له. (8) حرة الوبرة. مكان على نحو أربعة أميال من المدينة. (9) مسلم (1817) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4743 عليكم عندي من المسيح الدّجّال؟» قال: قلنا: بلى. فقال: «الشّرك الخفيّ: أن يقوم الرّجل يصلّي فيزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل» ) * «1» . 39- * (عن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- قال: خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يأيّها النّاس، إيّاكم وشرك السّرائر» . قالوا: يا رسول الله وما شرك السّرائر؟ قال: «يقوم الرّجل فيصلّي فيزيّن صلاته جاهدا لما يرى من نظر النّاس إليه، فذلك شرك السّرائر» ) * «2» . 40- * (عن ربيعة بن عبّاد الدّؤليّ- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنى في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: «يا أيّها النّاس، إنّ الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا» قال: ووراءه رجل يقول: يا أيّها النّاس، إنّ هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم. فسألت: من هذا الرّجل؟ قيل: أبو لهب) * «3» . 41- * (عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السّوائيّ- رضي الله عنه- قال: سألت عليّا- رضي الله عنه- هل عندكم شيء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّا ليس في القرآن؟ فقال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ما عندنا إلّا في القرآن إلّا فيما يعطي رجل في كتابه وما في الصحيفة. قلت: وما في الصّحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر) * «4» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذراري المشركين فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» ) * «5» . 43- * (عن الصّعب بن جثّامة- رضي الله عنه- قال: سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الذّراريّ من المشركين يبيّتون «6» فيصيبون من نسائهم وذراريّهم. فقال: «هم منهم» ) * «7» . 44- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّيرة شرك، ثلاثا، وما منّا إلّا، ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل» ) * «8» . قال العلماء إنّ قوله في الحديث (وما ومنّا إلّا ولكن ... ) من كلام ابن مسعود وليس بمرفوع. 45- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ يمين   (1) ابن ماجة (4204) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده حسن، أحمد (3/ 30) . (2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 68) . (3) الحاكم (1/ 15) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ورواته عن آخرهم ثقات أثبات. (4) البخاري- الفتح 12 (6915) وهو عند الدارمي بلفظ: «ولا يقتل مسلم بمشرك» (2/ 250) حديث (2356) . (5) البخاري- الفتح 11 (6598) واللفظ له، ومسلم (2660) . (6) يبيتون: أي يغار عليهم بالليل. (7) البخاري- الفتح 6 (3012) ، ومسلم (1745) واللفظ له. (8) أبو داود (3910) واللفظ له، أحمد (5/ 253، 254) حديث 3687 وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. الحاكم (1/ 18) وقال: حديث صحيح سنده، ثقات رواته ولم يخرجاه، والترمذي (1614) وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4744 يحلف بها دون الله شرك» ) * «1» . 46- * (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟ - وكنّا حديث عهد ببيعة-. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله ثمّ قال: ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصّلوات الخمس، وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة) ولا تسألوا النّاس شيئا فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم. فما يسأل أحدا يناوله إيّاه» ) * «2» . 47- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبّة سيجان «3» مزرورة بالدّيباج فقال: ألا إنّ صاحبكم هذا قد وضع كلّ فارس ابن فارس. أو قال: يريد أن يضع كلّ فارس ابن فارس، ويرفع كلّ راع ابن راع. قال: فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمجامع جبّته، وقال: «ألا أرى عليك لباس من لا يعقل» ثمّ قال: «إنّ نبيّ الله نوحا صلّى الله عليه وسلّم لمّا حضرته الوفاة قال لابنه: إنّي قاصّ عليك الوصيّة: آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك ب «لا إله إلّا الله» فإنّ السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، لو وضعت في كفّة ووضعت لا إله إلّا الله في كفّة، رجحت بهنّ لا إله إلّا الله» ولو أنّ السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، كنّ حلقة مبهمة قصمتهنّ «لا إله إلّا الله» وسبحان الله وبحمده، فإنّها صلاة كلّ شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشّرك والكبر، قال: قلت أو قيل: يا رسول الله، هذا الشّرك قد عرفناه، فما الكبر؟ قال: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: «لا» ، قال: هو أن يكون لأحدنا حلّة يلبسها؟ قال: «لا» ، قال: الكبر هو أن يكون لأحدنا دابّة يركبها؟ قال: «لا» ، قال: أفهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: «لا» ، قيل: يا رسول الله، فما الكبر؟ قال: «سفه الحقّ وغمص النّاس» ) * «4» . 48- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قبّة. نحوا من أربعين رجلا. فقال: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟» قال: قلنا: نعم. فقال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟» فقلنا: نعم. فقال: «والّذي نفسي بيده إنّي لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة؛ وذاك أنّ الجنّة لا يدخلها إلّا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشّرك إلّا كالشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو   (1) الحاكم (1/ 18) وقال: على شرط مسلم. (2) مسلم (1043) . (3) السيجان: جمع ساج وهو الطيلسان الأخضر، وقيل: هو الطيلسان المقور، ينسج كذلك. (4) أحمد (2/ 170) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (10/ 87) حديث (6583) ، وانظر «مجمع الزوائد» (4/ 219- 220) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4745 كالشّعرة السّوداء في جلد الثّور الأحمر» ) * «1» . 49- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت ردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حمار يقال له عفير. قال: فقال: «يا معاذ، تدري ما حقّ الله على العباد؟ وما حقّ العباد على الله؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا. وحقّ العباد على الله- عزّ وجلّ- أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئا» . قال: قلت: يا رسول الله، أفلا أبشّر النّاس؟ قال: «لا تبشّرهم فيتّكلوا» ) * «2» . 50- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير. فقلت: يا نبيّ الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار قال: «لقد سألت عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة، وصلاة الرّجل في جوف اللّيل. ثمّ قرأ قوله تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16) ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت: بلى يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه. قلت له: بلى يا نبيّ الله. فأخذ بلسانه فقال: «كفّ عليك هذا» فقلت: يا رسول الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به. فقال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس على وجوههم في النّار- أو قال على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «3» . 51- * (عن عمرو بن عبسة السّلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت- وأنا في الجاهليّة- أظنّ أنّ النّاس على ضلالة وأنّهم ليسوا على شيء. وهم يعبدون الأوثان. فسمعت برجل بمكّة يخبر أخبارا. فقعدت على راحلتي. فقدمت عليه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستخفيا، جرآء عليه قومه. فتلطّفت حتّى دخلت عليه بمكّة. فقلت له: ما أنت؟ قال: «أنا نبيّ» فقلت: وما نبيّ؟. قال: «أرسلني الله» . فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟. قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء» ... الحديث» ) * «4» . 52- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة،   (1) البخاري- الفتح 11 (6528) ، ومسلم (221) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 6 (2856) ، ومسلم (30) واللفظ له. (3) أحمد (5/ 231) قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (255) رواه النسائي أيضا والترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (3973) . (4) مسلم (832) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4746 فتعجّل كلّ نبيّ دعوته، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة فهي نائلة- إن شاء الله- من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا» ) * «1» . 53- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت هذه الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (الأنعام/ 12) شقّ ذلك على أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليس بذلك، ألا تسمعون إلى قول لقمان إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) » ) * «2» . 54- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال لمن قال له إنّ رجلا قدم علينا يكذّب بالقدر فقال: دلّوني عليه، وهو يومئذ قد عمي، قالوا: وما تصنع به يا أبا عبّاس، قال: والّذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضّنّ أنفه حتّى أقطعه، ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقّنّها؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كأنّي بنساء بني فهر يطفن بالخزرج تصطفق ألياتهنّ مشركات، هذا أوّل شرك هذه الأمّة، والّذي نفسي بيده لينتهينّ بهم سوء رأيهم حتّى يخرجوا الله من أن يكون قدّر خيرا كما أخرجوه من أن يكون قدّر شرّا) * «3» . 55- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد يعبد الله لا يشرك به شيئا، ويقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، ويجتنب الكبائر إلّا دخل الجنّة» ، فسألوه ما الكبائر؟ فقال: الإشراك بالله، والفرار من الزّحف، وقتل النّفس» ) * «4» . 56- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات يشرك بالله شيئا دخل النّار» . وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة» ) * «5» . 57- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: قلت: لا وأبي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مه، إنّه من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» ) * «6» . 58- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله- عزّ وجلّ-. إنّه يشرك به، ويجعل له الولد، ثمّ هو يعافيهم ويرزقهم» ) * «7» . 59- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يذهب اللّيل والنّهار حتّى تعبد اللّات والعزّى: فقلت: يا رسول الله، إن   (1) البخاري- الفتح 13 (7474) ، ومسلم (199) . واللفظ له وخرجاه من حديث أنس بن مالك. (2) البخاري- الفتح 12 (6918) واللفظ له، ومسلم (124) (3) أحمد (1/ 330) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن على الأقل (5/ 21، 22) ، وذكره الهيثمي في المجمع (7/ 204) . (4) ابن منده في كتاب الإيمان (2/ 573 حديث (179) ، وقال هذا إسناد صحيح لم يخرجوه وكذا قال مخرجه د. علي بن محمد بن نصر الفقيهي. (5) البخاري- الفتح 3 (1238) ، ومسلم (92) متفق عليه. (6) أبو داود (3249) ، أحمد (1/ 47) وقال شاكر: إسناده صحيح (1/ 298) رقم (329) واللفظ له، والحاكم (1/ 18) من طريق ابن عمر وقال: صحيح ووافقه الذهبي. (7) البخاري- الفتح 10 (6099) ، مسلم (2804) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4747 كنت لأظنّ حين أنزل الله هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة/ 33) أنّ ذلك تامّا. قال: «إنّه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثمّ يبعث الله ريحا طيّبة فتوفّى «1» كلّ من في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم» ) * «2» . 60- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-، أنّه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس!. ثمّ بكى حتّى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتدّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعه يوم الخميس فقال: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» . فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيّ تنازع. فقالوا: هجر رسول الله «3» صلّى الله عليه وسلّم قال: «دعوني، فالّذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه» ، وأوصى عند موته بثلاث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. ونسيت الثّالثة» ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الشرك) معنى 61- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل يا رسول الله، أيّ الذّنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تدعو لله ندّا وهو خلقك» قال: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» قال: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تزاني حليلة جارك» . فأنزل الله- عزّ وجلّ- تصديقها وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (الفرقان/ 68) » ) * «5» . 62- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقوم السّاعة حتّى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة» «6» . وكانت صنما تعبدها دوس في الجاهليّة بتبالة «7» ) * «8» .   (1) توفّى أصلها تتوفّى حذفت إحدى التاءين تخفيفا. (2) مسلم (2907) . (3) هجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. الأصل أهجر بهمزة استفهام أي اختلف كلامه بسبب المرض أي هل تغير كلامه واختلط. وإنما جاء هذا من قائله استفهاما للإنكار على من قال: لا تكتبوا أي لا تتركوا أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه لأنه صلّى الله عليه وسلّم لا يهجر. (4) البخاري- الفتح 6 (3053) واللفظ له، ومسلم (1637) . (5) البخاري- الفتح 12 (6861) ، ومسلم (86) . (6) تضطرب أليات نساء دوس: الأليات: الأعجاز، والمراد يضطربن من الطواف حول ذي الخلصة أي يكفرون ويرجعون إلى عبادة الأصنام، ودوس قبيلة من اليمن. (7) وتبالة: اسم موضع باليمن. (8) مسلم (2906) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4748 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الشرك) 1- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: لأن أحلف بالله كاذبا أحبّ إليّ من أن أحلف بغيره صادقا) * «1» . قال شارحه الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ- رحمه الله تعالى-: من المعلوم أنّ الحلف بالله كاذبا كبيرة من الكبائر، لكنّ الشّرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر. فإذا كان هذا حال الشّرك الأصغر فكيف بالشّرك الأكبر الموجب للخلود في النّار «2» ؟. 2- * (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-: لا إثم أعظم من الشّرك) * «3» . 3- * (قال فضالة بن عبيد- رضي الله عنه-: «من ردّته طيرته عن شيء فقد قارف الإشراك» ) * «4» . 4- * (قال أبو نواس الشّاعر: تأمّل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما فعل المليك عيون من لجين ناظرات ... بأحداق هي الذّهب السّبيك على قضب الزّبرجد شاهدات ... بأنّ الله ليس له شريك «5» . 5- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: مثل المشرك كمن استعمله سيّده في داره فكان يعمل ويؤدّي خراجه وعمله إلى غير سيّده. فالمشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى ويتقرّب إلى عدوّ الله بنعم الله تعالى) * «6» . 6- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: والشّرك فاحذره فشرك ظاهر ... ذا القسم ليس بقابل الغفران وهو اتّخاذ النّدّ للرّحمن أي ... يا كان من حجر ومن إنسان يدعوه أو يرجوه ثمّ يخافه ... ويحبّه كمحبّة الدّيّان «7» 7- * (قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: المشرك أصلا من وضع الشّيء في غير موضعه؛ لأنّه جعل لمن أخرجه من العدم إلى الوجود مساويا فنسب النّعمة إلى غير المنعم بها) * «8» . 8- * (وقال أيضا: الشّرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي) * «9» . 9- * (قال محمّد بن المكرّم: اللهمّ، إنّا نسألك صحّة التّوحيد والإخلاص في الإيمان، انظر إلى   (1) فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد (414) (2) المرجع السابق نفسه. (3) فتح الباري (12/ 265) . (4) السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1: 354، 355) . (5) بصائر ذوي التمييز (3/ 315) . فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (412) . (6) الوابل الصيب من الكلم الطيب (32) . (7) فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد (77) . (8) فتح الباري (12/ 277) . (9) المرجع السابق (12/ 210) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4749 هؤلاء لم ينفعهم طوافهم، ولا تلبيتهم، ولا قولهم عن الصّنم هو لك، ولا قولهم: تملكه وما ملك، مع تسميتهم الصّنم شريكا، بل حبط عملهم بهذه التّسمية، ولم يصحّ لهم التّوحيد مع الاستثناء، ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم: إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3)) * «1» . 10- * (قال ابن المعتزّ: فيا عجبا كيف يعصى الإل ... هـ أم كيف يجحده الجاحد؟ وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنّه الواحد ) * «2» . 11- * (قال الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب النّجديّ- رحمه الله تعالى-: إنّ العامّيّ من الموحّدين يغلب الألف من علماء المشركين. كما قال تعالى: إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (الصافات/ 173) فجند الله هم الغالبون بالحجّة واللّسان، كما أنّهم هم الغالبون بالسّيف والسّنان) * «3» . من مضار (الشرك) (1) حبوط الأعمال وإن كانت كثيرة. (2) الخلود الأبديّ في النّار. (3) استباحة دمه وماله وعرضه بالسّبي. (4) القلق والاضطراب والنّكد والكمد والخوف الدّائم والحزن اللّازم. (5) لا يجد عونا ومددا من الله على ما يلقاه من مصائب الأقدار. (6) أعظم من جميع المعاصي. (7) عدوّ لله وللبشريّة ولنفسه الّتي بين جنبيه. (8) يدعو إلى كلّ رذيلة ويبعد عن كلّ فضيلة.   (1) لسان العرب لابن منظور (10/ 450) . (2) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (412) . (3) كشف الشبهات (8) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4750 الشك الشك لغة: الشّك مصدر شكّ في الأمر يشكّ شكّا إذا التبس، يقول ابن فارس: الشّين والكاف أصل واحد مشتقّ بعضه من بعض، وهو يدلّ على التّداخل، من ذلك شككته بالرّمح وذلك إذا طعنته، فداخل السّنان جسمه. ومن هذا الباب الشّكّ الّذي هو خلاف اليقين، إنّما سمّي بذلك، لأنّ الشّاكّ كأنّه شكّ له الأمران في مشكّ واحد، وهو لا يتيقّن واحدا منهما، فمن ذلك اشتقاق الشّكّ. تقول: شككت بين ورقتين، إذا أنت غرزت العود فيهما فجمعتهما. وقيل: الشّكّ الارتياب، ويستعمل الفعل لازما ومتعدّيا بالحرف، فيقال: شكّ الأمر يشكّ شكّا إذا التبس، وشككت فيه، وقولهم خلاف اليقين يعني التّردّد بين شيئين سواء استوى طرفاه، أو رجح أحدهما على الآخر، قال تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ (يونس/ 94) أي غير مستيقن، وهو يعمّ الحالتين والشّكوك النّاقة الّتي يشكّ في سنامها، أبه طرق أم لا لكثرة وبرها فيلمس سنامها والجمع شكّ، وشكّه بالرّمح والسّهم ونحوهما يشكّه الآيات/ الأحاديث/ الآثار 38/ 25/ 11 شكّا: انتظمه.. وشككته بالرّمح إذا خرقته وانتظمته. والشّكّة: السّلاح، وقيل: ما يلبس من السّلاح. والشّكّ لزوق العضد بالجنب.. والشّكّ اللّزوم واللّصوق.. وشكّ البعير يشكّ شكّا أي ظلع ظلعا خفيفا. وقال ابن منظور: الشّكّ نقيض اليقين، وجمعه شكوك، وهو الرّيب وقد شككت في كذا، وشكّ في الأمر يشكّ شكّا وشكّكه فيه غيره. وتشكّك في الأمر تشكّكا بمعنى شكّ. أنشد ثعلب: من كان يزعم أن سيكتم حبّه ... حتّى يشكّك فيه، فهو كذوب أراد حتّى يشكّك فيه غيره. وفي الحديث: «أنا أولى بالشّكّ من إبراهيم» لمّا نزل قوله تعالى: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى (البقرة/ 260) «1» . وقال الفيروزاباديّ: والشّكّ ربّما كان في الشّيء: هل هو موجود أو غير موجود؟ وربّما كان في جنسه أي من أيّ جنس هو، وربّما كان في بعض صفاته، وربّما كان في الغرض الّذي لأجله أوجد،   (1) لسان العرب (10/ 451- 452) ، والنهاية في غريب الحديث: (2/ 495) . وانظر المصباح المنير (302) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (3/ 173) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4751 والشّكّ ضرب من الجهل، وهو أخصّ منه، لأنّ الجهل قد يكون عدم العلم بالنّقيضين رأسا. وكلّ شكّ جهل، وليس كلّ جهل شكّا. وأصله من شككت الشيء. إذا خرقته، قال عنترة: وشككت بالرّمح الأصمّ لهاته ... ليس الكريم على القنا بمحرّم وكأنّ الشّكّ الخرق في الشّيء، وكونه بحيث لا يجد الرّأي مستقرّا يثبت فيه ويعتمد عليه. ويجوز أن يكون مستعارا من الشّكّ وهو لصوق العضد بالجنب، وذلك أن يتلاصق النّقيضان فلا مدخل للفهم والرّأي ليتخلّل ما بينهما، ويشهد لهذا قولهم: التبس الأمر واختلط وأشكل. ونحو ذلك من الاستعارات «1» . الشك اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الشّكّ: هو التّردّد بين النّقيضين لا ترجيح لاحدهما على الآخر عند الشّاكّ. وقيل: الشّكّ ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشّيئين لا يميل القلب إلى أحدهما، فإذا ترجّح أحدهما، ولم يطرح الآخر فهو ظنّ، فإذا طرحه، فهو غالب الظّنّ، وهو بمنزلة اليقين «2» وقيل: الشّكّ اعتدال النّقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النّقيضين. أو لعدم الأمارة فيهما «3» . وقال المناويّ: الشّكّ: الوقوف بين النّقيضين، وقيل: هو الوقوف بين المعنى ونقيضه، وضدّه: الاعتقاد «4» . وقال الكفويّ: وقال بعضهم: الشّكّ ما استوى فيه اعتقادان أو لم يستويا، ولكن لم ينته أحدهما إلى درجة الظّهور الّذي يبني عليه العاقل الأمور المعتبرة. والشّكّ كما يطلق على ما لا يترجّح أحد طرفيه، يطلق أيضا على مطلق التّردّد، وعلى ما يقابل العلم «5» . [للاستزادة: انظر صفات: سوء الظن- القلق- الوسوسة- الوهم- الغفلة- التفريط والإفراط- الضلال. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اليقين- الثبات- السكينة- الطمأنينة- العلم- الفقه- الفطنة- الإيمان- حسن الظن] .   (1) المفردات للراغب (272) والتوقيف للمناوي (207) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 332) . (2) التعريفات (128) . (3) المفردات (272) ، وانظر الكليات للكفوي (528) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (207) . (5) الكليات (528) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4752 الآيات الواردة في «الشك» الشك واقع في ذات الله: 1- أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) * قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «1» 2- لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) «2» الشك واقع في الرسالة أو الرسل: 3- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) «3» 4- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) «4»   (1) إبراهيم: 9- 11 مكية (2) الدخان: 8- 16 مكية (3) يونس: 93- 96 مدنية (4) يونس: 104 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4753 5- * وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) «1» 6- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) «2» 7- وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) «3» 8- وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) «4» 9- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «5» 10- وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)   (1) هود: 61- 66 مكية (2) هود: 110 مكية (3) ص: 4- 8 مكية (4) غافر: 34 مكية (5) فصلت: 45- 46 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4754 فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «1» الشك واقع في اليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب: 11- قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) «2» 12- وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) «3» 13- وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (51) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54) «4» الشك واقع في صلب المسيح عليه السلام: 14- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153)   (1) الشورى: 14- 15 مكية (2) النمل: 65- 68 مكية (3) سبأ: 20- 23 مكية (4) سبأ: 51- 54 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4755 وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) «1» الآيات الواردة في «الشك» معنى 15- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) «2» 16- وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) «3» 17- رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9) «4» 18- فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) «5» 19- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «6» 20- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) «7»   (1) النساء: 153- 158 مدنية (2) البقرة: 1- 2 مدنية (3) البقرة: 23 مدنية (4) آل عمران: 9 مدنية (5) آل عمران: 25 مدنية (6) النساء: 87 مدنية (7) المائدة: 106 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4756 21- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) «1» 22- إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) «2» 23- لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) «3» 24- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) «4» 25- * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «5» 26- وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) «6» 27- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) «7» 28- أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) «8» 29- وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) «9» 30- الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) «10»   (1) الأنعام: 12 مكية (2) التوبة: 45 مدنية (3) التوبة: 110 مدنية (4) يونس: 37 مكية (5) الإسراء: 99 مكية (6) الكهف: 21 مكية (7) الحج: 5- 7 مدنية (8) النور: 50 مدنية (9) العنكبوت: 48 مكية (10) السجدة: 1- 2 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4757 31- إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (59) «1» 32- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) «2» 33- قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) «3» 34- وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) «4» 35- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) «5» 36- يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) «6» 37- وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) «7» 38- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «8»   (1) غافر: 59 مكية (2) الشورى: 7 مكية (3) الجاثية: 26 مكية (4) الجاثية: 32 مكية (5) الحجرات: 15 مدنية (6) الحديد: 14 مدنية (7) الطلاق: 4 مدنية (8) المدثر: 31 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4758 الأحاديث الواردة في ذمّ (الشك) 1- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلّى؟ ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشّكّ وليبن على ما استيقن. ثمّ يسجد سجدتين قبل أن يسلّم. فإن كان صلّى خمسا، شفعن له صلاته. وإن كان صلّى إتماما لأربع، كانت ترغيما للشّيطان» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «2» . ثمّ يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجة قبل النار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت، وعليه متّ، وعليه تبعث إن شاء الله. ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك. على الشّكّ كنت، وعليه متّ، وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «3» . 3- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدّنيا فتبرّجت بعده. فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله- عزّ وجلّ- رداءه، فإنّ رداءه الكبرياء وإزاره العزّة، ورجل شكّ في أمر الله، والقنوط من رحمة الله» ) * «4» . 4- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما حديثا طويلا عن الدّجّال، فكان فيما يحدّثنا به أنّه قال: «يأتي الدّجّال وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السّباخ الّتي تلي المدينة «5» ، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير النّاس أو من خيار النّاس فيقول: أشهد أنّك الدّجّال الّذي حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثه، فيقول الدّجّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثمّ أحييته هل تشكّون في الأمر؟   (1) مسلم (571) وترغيما للشيطان أي إغاظة له وإذلالا. (2) الشعف: شدة الفزع حتى يذهب بالقلب. (3) ابن ماجة 2 (4268) واللفظ له، وفي الزوائد: إسناده صحيح، ونحوه عند البخاري في الجنائز- الفتح 3 (1374) ، (1374) ، ومسلم (2870) . (4) أحمد (6/ 19) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (1/ 119) وصححه ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» (542) ، وانظر «حجاب المرأة المسلمة» ، ص (54) . (5) نقاب المدينة: طرقها، والسباخ: الأرض الرملة التي لا تنبت لملوحتها. وهذه الصفة خارج المدينة من غير جهة الحرّة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4759 فيقولون: لا؛ فيقتله ثمّ يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشدّ بصيرة منّي اليوم، فيريد الدّجّال أن يقتله فلا يسلّط عليه» ) * «1» . 5- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شبّه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشكّ فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه» ) * «2» . 6- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص- فلمّا سلّم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصّلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صلّيت كذا وكذا. فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثمّ سلّم، فلمّا أقبل علينا بوجهه قال: إنّه لو حدث في الصّلاة شيء لنبّأتكم به، ولكن إنّما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكّروني، وإذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب، فليتمّ عليه، ثمّ ليسلّم، ثمّ يسجد سجدتين» ) * «3» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر- رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة، فتبرّز ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله- عزّ وجلّ- لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال: واعجبا لك يا بن عبّاس! عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله. وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار- فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني. فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم. فقلت: خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك. ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك   (1) البخاري- الفتح 13 (7132) واللفظ له، ومسلم (2938) . (2) البخاري- الفتح 4 (2501) واللفظ له، ومسلم (1599) . (3) البخاري- الفتح 1 (401) واللفظ له، ومسلم (572) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4760 وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا «1» ، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثمّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم، قلت: ما هو؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه: قال: قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ هذا يوشك أن يكون فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت: ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟ أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت فجئت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم. فجلست معهم قليلا ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة الّتي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فذكر مثله- فلمّا ولّيت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكئ على وسادة من أدم حشوها ليف. فسلّمت عليه، ثمّ قلت وأنا قائم: طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: «لا» ثمّ قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة «2» ثلاثة، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال: «أو في شكّ أنت يا بن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» فقلت: يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله. فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين. قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك. ثمّ قال: «إنّ الله قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إلى قوله: عَظِيماً (الأحزاب/ 28- 29) قلت: أفي هذا   (1) تنعل النعال: أى تضربها وتسويها، والأصل تنعل الدواب. (2) أهبة: أكياس من جلد غير مدبوغ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4761 أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة) * «1» . 8- * (عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد- رضي الله عنهما- (شّكّ الأعمش) قال: لمّا كانت غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا «2» فأكلنا وادّهنّا «3» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «افعلوا» قال: فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قلّ الظّهر «4» ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثمّ ادع الله عليها بالبركة لعلّ الله أن يجعل في ذلك «5» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قال: فدعا بنطع «6» فبسطه. ثمّ دعا بفضل أزوادهم. قال: فجعل الرّجل يجأ بكفّ ذرة. قال: ويجأ الآخر بكفّ تمر. قال: ويجيء الآخر بكسرة. حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبركة. ثمّ قال: «خذوا في أوعيتكم» قال: فأخذوا في أوعيتهم حتّى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملأوه. قال: فأكلوا حتّى شبعوا وفضلت فضلة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة» ) * «7» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. قال: «ويرحم الله لوطا. لقد كان يأوي إلى ركن شديد. ولو لبثت في السّجن طول لبث يوسف لأجبت الدّاعي» ) * «8» . 10- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال له عمر: يا غلام، هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو من أحد من أصحابه إذا شكّ الرّجل في صلاته ماذا يصنع؟ قال: فبينا هو كذلك إذ أقبل عبد الرّحمن بن عوف، فقال: فيم أنتما؟ فقال عمر: سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو أحد من أصحابه إذا شكّ الرّجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال عبد الرّحمن: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلّى أم ثنتين فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر ثنتين صلّى أم ثلاثا فليجعلها ثنتين، وإذا لم يدر أثلاثا صلّى أم أربعا فليجعلها ثلاثا، ثمّ يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلّم سجدتين» ) «9» .   (1) البخاري- الفتح 5 (2468) (2) نواضحنا: النواضح من الإبل التي يستقى عليها. قال أبو عبيد: الذكر منها ناضح، والأنثى ناضحة. (3) وادهنا: قال صاحب التحرير: قوله وادّهنّا ليس مقصوده ما هو المعروف من الادهان، وإنما معناه اتخذنا دهنا من شحومها. (4) الظهر: المراد بالظهر هنا الدواب. سميت ظهرا لكونها يركب على ظهرها. أو لكونها يستظهر بها ويستعان على السفر. (5) لعل الله أن يجعل في ذلك: فيه محذوف تقديره: يجعل في ذلك بركة أو خيرا، أو نحو ذلك. فحذف المفعول به لأنه فضلة. وأصل البركة كثرة الخير وثبوته. (6) نطع: هو بساط متخذ من أديم. وكانت الأنطاع تبسط بين أيدي الملوك والأمراء إذا أرادوا قتل أحد صبرا ليصان المجلس من الدم. (7) مسلم (27) . (8) البخاري- الفتح 6 (3372) ، ومسلم (151) واللفظ له. (9) الترمذي (398) وقال: حسن غريب صحيح، أحمد (1/ 193) واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 123) : إسناده صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 536) : حديث حسن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4762 الأحاديث الواردة في ذمّ (الشك) معنى 11- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أكل أحدكم طعاما فسقطت لقمة فليمط ما رابه منها ثمّ ليطعمها ولا يدعها للشّيطان» ) * «1» . 12- * (عن جبير بن نفير، وكثير بن مرّة وعمرو بن الأسود والمقدام بن معد يكرب وأبي أمامة رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الأمير إذا ابتغى الرّيبة في النّاس أفسدهم» ) * «2» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق ذو اليدين؟» فقال النّاس: نعم. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى اثنتين أخريين، ثمّ سلّم، ثمّ كبّر، فسجد مثل سجوده أو أطول) * «3» . 14- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصّلاة، فجاء المؤذّن إلى أبي بكر فقال: أتصلّي للنّاس فأقيم؟ قال: نعم. فصلّى أبو بكر، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس في الصّلاة، فتخلّص حتّى وقف في الصّفّ، فصفّق النّاس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته. فلمّا أكثر النّاس التّصفيق التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر رضي الله عنه- يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك ثمّ استأخر أبو بكر حتّى استوى في الصّفّ، وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى، فلمّا انصرف قال: «يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟» . فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من رابه شيء في صلاته فليسبّح، فإنّه إذا سبّح التفت إليه، وإنّما التّصفيق للنّساء» ) * «4» . 15- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، وهو يقول: «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب. فلا آذن لهم. ثمّ لا آذن لهم. ثمّ لا آذن لهم. إلّا أن يحبّ ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنّما ابنتي بضعة منّي «5» ، يريبني ما رابها «6» ، ويؤذيني ما آذاها» ) * «7» .   (1) مسلم (2033) ، الترمذي (1802) واللفظ له. (2) أبو داود (4889) وقال الألباني (3/ 924) : صحيح لغيره، أحمد (6/ 4) واللفظ متفق عليه عندهما وقال محقق جامع الأصول (4/ 83) : حديث حسن. (3) البخاري- الفتح 3 (1228) واللفظ له، ومسلم (573) . (4) البخاري- الفتح 2 (684) واللفظ له، ومسلم (421) . (5) بضعة: بفتح الباء، لا يجوز غيره، وهي قطعة اللحم. (6) يريبني ما رابها: قال إبراهيم الحربي: الريب ما رابك من شيء خفت عقباه. وقال الفراء: راب وأراب بمعنى. وقال أبو زيد: رابني الأمر تيقنت منه الريبة. وأرابني شككني وأوهمني. (7) البخاري- الفتح 7 (3767) مختصرا، ومسلم (2449) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4763 16- * (عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازنيّ- رضي الله عنه- أنّه شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّجل الّذي يخيّل إليه أنّه يجد الشّيء في الصّلاة، فقال: «لا ينفتل أو لا ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» ) * «1» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشّيطان إذا سمع النّداء بالصّلاة أحال له ضراط. حتّى لا يسمع صوته. فإذا سكت رجع فوسوس. فإذا سمع الإقامة ذهب حتّى لا يسمع صوته. فإذا سكت رجع فوسوس» ) * «2» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «3» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، من بني فزارة، فقال: إنّ امرأتي جاءت بولد أسود، فقال: «هل لك من إبل؟» . قال: نعم قال: «ما ألوانها؟» قال: حمر، قال: «فهل فيها من أورق؟» ، قال: إنّ فيها لورقا، قال: «فأنّى تراه؟» ، قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» ) * «4» . 20- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي. فأخذت قربة من ماء إلى جنب. فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إلىّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنّا نعلم إنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «5» . 21- * (عن أبي الحوراء السّعديّ؛ قال: قلت للحسن بن عليّ- رضي الله عنهما-: ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة» ) * «6» . 22- * (عن أبي نضرة؛ قال: سألت ابن   (1) البخاري- الفتح 1 (137) واللفظ له، ومسلم (361) . (2) البخاري- الفتح 3 (1231) ، ومسلم (389) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 12 (6724) ، ومسلم (2563) متفق عليه. (4) أبو داود (2260) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 427) : صحيح، وابن ماجة، نكاح (58) . (5) البخاري- الفتح 1 (86) ، ومسلم (905) واللفظ له. (6) الترمذي (2518) واللفظ له. وقال: حديث حسن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4764 عبّاس عن الصّرف «1» ؟، فقال: أيدا بيد؟ قلت: نعم. قال: فلا بأس به. فأخبرت أبا سعيد. فقلت: إنّي سألت ابن عبّاس عن الصّرف؟، فقال: أيدا بيد؟، قلت: نعم، قال: فلا بأس به. قال: أو قال ذلك؟ إنّا سنكتب إليه فلا يفتيكموه. قال: فو الله لقد جاء بعض فتيان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتمر فأنكره فقال: «كأنّ هذا ليس من تمر أرضنا» . قال: كان في تمر أرضنا (أو في تمرنا) العام بعض الشّيء. فأخذت هذا وزدت بعض الزّيادة. فقال: «أضعفت. أربيت. لا تقربنّ هذا. إذا رابك من تمرك شيء فبعه. ثمّ اشتر الّذي تريد من التّمر» ) * «2» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام: هذا من أهل النّار. فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل قتالا شديدا فأصابته جراحة. فقيل: يا رسول الله، الّذي قلت إنّه من أهل النّار فإنّه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إلى النّار» . قال: فكاد بعض النّاس أن يرتاب. فبينما هم على ذلك إذ قيل إنّه لم يمت، ولكنّ به جراحا شديدا. فلمّا كان من اللّيل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فقال: «الله أكبر، أشهد أنّي عبد الله ورسوله» . ثمّ أمر بلالا فنادى في النّاس: أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة وإنّ الله ليؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر» ) * «3» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إحدى صلاتي العشيّ «4» . إمّا الظّهر وإمّا العصر. فسلّم في ركعتين. ثمّ أتى جذعا «5» في قبلة المسجد فاستند إليها مغضبا. وفي القوم أبو بكر وعمر. فهابا أن يتكلّما. وخرج سرعان النّاس «6» . قصرت الصّلاة «7» . فقام ذو اليدين «8» فقال: يا رسول الله أقصرت الصّلاة أم نسيت؟ فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمينا وشمالا، فقال: «ما يقول ذو اليدين؟» . قالوا: صدق. لم تصلّ إلّا ركعتين. فصلّى ركعتين وسلّم، ثمّ كبّر ثمّ سجد. ثمّ كبّر فرفع. ثمّ كبّر وسجد. ثمّ كبّر   صحيح، النسائي (8/ 327- 328) في الأشربة وقال: هذا الحديث جيد. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 444) : إسناده صحيح. (1) يعني بالصرف هنا بيع الذهب بالذهب متفاضلا. (2) مسلم (1594) . (3) البخاري- الفتح 6 (3062) . (4) العشي: قال الأزهري: العشي عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها. (5) أتى جذعا: هكذا هو في الأصول: فاستند إليها. والجذع مذكر ولكنه أنثه على إرادة الخشبة. وكذا جاء في رواية البخاري وغيره: خشبة. (6) وخرج سرعان الناس: يعني يقولون: قصرت الصلاة. والسرعان، بفتح السين والراء، هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة. وكذا ضبطه المتقنون. والسرعان المسرعون إلى الخروج. وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء. ويكون جمع سريع. كقفيز وقفزان. وكثيب وكثبان. (7) قصرت الصلاة: بضم القاف وكسر الصاد. وروي بفتح القاف وضم الصاد، وكلاهما صحيح. ولكن الأول أشهر وأصح. (8) ذو اليدين: لطول كان في يديه. وهو معنى قوله: بسيط اليدين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4765 ورفع. قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنّه قال: وسلّم) * «1» . 25- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمسا. فقلنا: يا رسول الله أزيد في الصّلاة؟. قال: وما ذاك؟. قالوا: صلّيت خمسا، قال: «إنّما أنا بشر مثلكم أذكر» كما تذكرون، وأنسى كما تنسون» . ثمّ سجد سجدتي السّهو) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الشك) 1- * (في حديث أبي بكر قال لعمر- رضي الله عنهما-: عليك بالرّائب من الأمور، وإيّاك والرّائب منها) *. أي عليك بالّذي لا شبهة فيه كالرّائب من الألبان وهو الصّافي الّذي لا فيه شبهة ولا كدر. وإيّاك والرّائب منها: أي الأمر الّذي فيه شبهة وكدر. فالأوّل من راب اللّبن يروب فهو رائب. والثاني من راب يريب إذا وقع في الشّكّ «3» . 2- * (أثر عن عمر- رضي الله عنه- قوله: مكسبة فيها بعض الرّيبة خير من المسألة) *. أي كسب فيه بعض الشّكّ أحلال هو أم حرام خير من سؤال النّاس «4» . 3- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- دعوا الرّبا والرّيبة: يعني ما ارتبتم فيه وإن لم تتحقّقوا أنّه ربا) * «5» . 4- * (روي عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها سئلت عن أكل الصّيد للمحرم إذا لم يصبه، فقالت: «إنّما هي أيّام قلائل فما رابك فدعه. يعني ما اشتبه عليك هل هو حلال أو حرام فاتركه» ) * «6» . 5- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «ما تريد إلى ما يريبك وحولك أربعة آلاف لا تريبك» ) * «7» . 6- * (وعنه- رضي الله عنه- قال: «لقد أتاني اليوم رجل فسألني عن أمر ما دريت ما أردّ عليه فقال: أرأيت رجلا مؤدّيا «8» نشيطا يخرج مع أمرائنا في المغازي، فيغرم علينا في أشياء لا نحصيها. فقلت له: والله لا أدري ما أقول لك، إلّا أنّا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلّا مرّة حتّى نفعله، وإنّ أحدكم، لن يزال بخير ما اتّقى الله. وإذا شكّ في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه، وأوشك أن لا   (1) مسلم (573) . (2) مسلم (572) . (3) النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 286) . (4) النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 286) (5) جامع العلوم والحكم (94) (6) جامع العلوم والحكم (95) (7) جامع العلوم والحكم (94) (8) مؤديا: يعنى كامل أداة الحرب وقيل معناه: قويا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4766 تجدوه. والّذي لا إله إلّا هو، ما أذكر ما غبر «1» من الدّنيا إلّا كالثّغب «2» شرب صفوه، وبقي كدره) * «3» . 7- * (عن صلة بن زفر؛ قال: كنّا عند عمّار في اليوم الّذي يشكّ فيه من شعبان، أو رمضان، فأتينا بشاة مصليّة، فتنحّى بعض القوم، فقال: إنّي صائم، فقال عمّار: «من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» . 8- * (عن مسروق- رضي الله عنه- قال: دخلت على عائشة وعندها حسّان بن ثابت ينشدها شعرا. يشبّب بأبيات له فقال: حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل «5» فقالت له عائشة: لكنّك لست كذلك. قال مسروق: فقلت لها: لم تأذنين له يدخل عليك؟ وقد قال الله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور/ 11) . فقالت: فأيّ عذاب أشدّ من العمى؟ إنّه كان ينافح، أو يهاجي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» . 9- * (قال أبو عبد الرّحمن العمريّ الزّاهد: إذا كان العبد ورعا ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه) * «7» . 10- * (قال الفضيل بن عياض: يزعم النّاس أنّ الورع شديد، وما ورد عليّ أمران إلّا أخذت بأشدّهما، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك) * «8» . 11- * (قال ابن رجب- رحمه الله: إنّ الحلال المحض لا يحصل لمؤمن في قلبه منه ريب، بل تسكن إليه النّفس ويطمئنّ به القلب، وأمّا المشتبهات فيحصل بها للقلوب القلق والاضطراب الموجب للشّكّ) * «9» .   (1) ما غبر: من الأضداد يطلق على ما بقى من الدنيا وعلى ما مضى وهو هنا محتمل للأمرين. (2) الثغب بفتح الثاء وسكون الغين: الغدير يكون فى ظلك فيبرد ماؤه ويروق. (3) البخاري- الفتح 6 (2964) . (4) رواه أبو داود (2334) ، والترمذي (68) وقال: حديث حسن، ورواه أيضا ابن ماجه (1645) والدارمي (3/ 2) ، باب في النهي عن صوم يوم الشك، وفي الباب عن أبي هريرة، وأنس رضي الله عنهما، قال محقق جامع الأصول (6/ 350) : هو حديث صحيح. (5) حصان: عفيفة- رزان: راجحة العقل- ما تزنّ: ما ترمى ولا تتهم- غرثى: خميصة البطن والمراد أنها لا تغتاب أحدا- الغوافل: أي عن الشر والمراد العفيفات. (6) البخاري- الفتح 8 (4756) ، ومسلم (2488) . (7) جامع العلوم والحكم (94) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4767 من مضار (الشك) (1) الشّكّ يضعف الإيمان بالله- عزّ وجلّ- وبالملائكة والكتاب والنّبيّين وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه. (2) يدخل الوسواس على القلب فلا يجعله يثبت على يقين. (3) الرّيب والشّكّ والوسواس آفات نفسيّة تجعل الثّقة مهزوزة بين أفراد المجتمع. (4) المصاب بداء الشّكّ مريض في نفسه لا يستطيع أن يثبت في حال من الأحوال. (5) الشّكّ في الله شرك أكبر. (6) الشّكّ سمة ضعف الإنسان وقوّة الشّيطان عليه. (7) الشّكوك في الرّعيّة تفسدها. (8) الاستكانة للشّكّ تجلب التّهم. (9) الشّكّ ينتج إساءة الظّنّ بأقرب النّاس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4768 الشماتة الشماتة لغة: مصدر قولهم: شمت به يشمت، وهو مأخوذ من مادّة (ش م ت) الّتي تدلّ على فرح ببليّة العدوّ، قال في اللّسان: الشّماتة: فرح العدوّ (أي ببليّة عدوّه) ، وقيل: الفرح ببليّة تنزل بمن تعاديه، والفعل منها شمت به (بالكسر) يشمت شماتة وشماتا إذا فرح بمصيبة نزلت به، وقيل الشّمات: الخيبة، ويعدّى بالهمزة، فيقال: أشمته الله به، وفي التنزيل: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ (الأعراف/ 150) . قال القرطبيّ: أي لا تسرّهم، وهي محرّمة منهيّ عنها، وهي في قراءة مجاهد: (لا تشمت بي الأعداء) أي لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء، أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي «1» . وقيل المعنى على قراءة الجماعة: لا تسرّهم بما تفعل بي فأكون ملوما منهم ومنك، قال الشّاعر: والموت دون شماتة الأعداء «2» وقرأ: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ. الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 7/ 2 وشمّته الله: خيّبه. ويقال: خرج القوم في غزاة، فقفلوا شماتى ومتشمّتين، قال: والتّشمّت أن يرجعوا خائبين، لم يغنموا. يقال: رجع القوم شماتا من متوجّههم، بالكسر: أي خائبين. وتشميت العاطس: الدّعاء له. وشمّت العاطس، وسمّت عليه: دعا له أن لا يكون في حال يشمّت به فيها، والسّين لغة عن يعقوب. كأنّه دعاء للعاطس بالثّبات على طاعة الله، وقيل: معناه أبعدك الله عن الشّماتة وجنّبك ما يشمت به عليك. ويقال أيضا: شمّت الرّجل إذا نسب إلى الخيبة «3» . الشماتة اصطلاحا: قال الرّاغب: الشّماتة الفرح ببليّة من تعاديه ويعاديك «4» . وقال القرطبيّ: الشّماتة: السّرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدّين والدّنيا «5» .   (1) تفسير القرطبى (7/ 185) . (2) تفسير البحر المحيط 4/ 394. (3) مقاييس اللغة (3/ 210) ، والصحاح (3/ 210) والصحاح (1/ 255) ، لسان العرب (2/ 51- 52) . المصباح المنير (1/ 322) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (3/ 344) . (4) المفردات (273) . (5) الجامع لأحكام القرآن (7/ 291) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4769 وقال المناويّ: الشّماتة: الفرح بمصيبة العدوّ «1» . وقال الكفويّ: الشّماتة هي السّرور بمكاره الأعداء «2» . [للاستزادة: انظر صفات: البغض- الحسد- الحقد- سوء الخلق- الفضح- الإساءة- الأذى- سوء المعاملة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الشهامة- الصفح- المحبة- المواساة- حسن المعاملة- حسن العشرة- الإحسان- الأدب] .   (1) التوقيف (208) . (2) الكليات (508) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4770 الآيات الواردة في «الشماتة» 1- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) «1» الآيات الواردة في «الشماتة» معنى 2- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) «2» 3- وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) «3» 4- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) «4»   (1) الأعراف: 150- 151 مكية (2) آل عمران: 120 مدنية (3) آل عمران: 166- 167 مدنية (4) التوبة: 50- 51 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4771 الأحاديث الواردة في ذمّ (الشماتة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من جهد البلاء، ودرك الشّقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء) * «1» . قال سفيان: الحديث ثلاث، زدت أنا واحدة لا أدري أيّتهنّ هي. 2- * (عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تظهر الشّماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك» ) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الشماتة) معنى 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أين فلان؟» فغمزه رجل منهم فقال: إنّه وإنّه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أليس قد شهد بدرا؟» قالوا بلى، قال: «فلعلّ الله اطّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ) * «3» . 4- * (عن المعرور بن سويد، قال: رأيت أبا ذرّ وعليه حلّة وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك؟ قال: فذكر أنّه سابّ رجلا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعيّره بأمّه، قال: فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة، إخوانكم وخولكم «4» جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم عليه» ) * «5» . 5- * (عن أبي جريّ جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: عليك السّلام يا رسول الله، مرّتين، قال: «لا تقل عليك السّلام، فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك» قال: قلت: أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول الله الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «6» فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك» قلت: اعهد لي، قال: «لا تسبّنّ أحدا» قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من   (1) البخاري- الفتح 11 (6347) واللفظ له، ومسلم (2707) . (2) الترمذي (2506) وقال: هذا حديث حسن غريب، ومكحول قد سمع من واثلة بن الأسقع وأنس بن مالك وأبي هند الداري، وقال محقق جامع الأصول (11/ 726) : حديث حسن بشواهده، وذكره المنذري في الترغيب (3/ 310) ووافق الترمذي في تحسينه. (3) الدارمي (2761) ، وقال: رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وصححه وأقره الذهبي. (4) وخولكم: أي خدمكم، من التخويل بمعنى الإعطاء والتمليك، قال تعالى وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، الواحد خائل. (5) البخاري- الفتح 1 (30) ، مسلم (1661) واللفظ له. (6) عام سنة: أي عام قحط وجدب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4772 المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار، فإنّها من المخيلة «1» ، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه؛ فإنّما وبال ذلك «2» عليه» ) * «3» . 6- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتّى يعمله» ) * «4» . قال أحمد: من ذنب قد تاب منه. 7- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: نزلت هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجّوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه، فكأنّه عيّر بذلك، فنزلت: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها (البقرة/ 189) * «5» . من الآثار الواردة في ذمّ (الشماتة) 1- * (عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: جاء أبو موسى إلى الحسن بن عليّ يعوده، فقال له عليّ: أعائدا جئت أم شامتا؟ قال: لا، بل عائدا، قال: فقال له عليّ: إن كنت جئت عائدا فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا عاد الرّجل أخاه المسلم مشى في خرافة «6» الجنّة حتّى يجلس، فإن جلس غمرته الرّحمة، فإن كان غدوة صلّى عليه سبعون ألف ملك حتّى يمسي، وإن كان مساء صلّى عليه سبعون ألف ملك حتّى يصبح» ) * «7» . 2- * (قال الشّاعر: إذا ما الدّهر جرّ على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا فقل للشّامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشّامتون كما لقينا ) * «8» . من مضار (الشماتة) (1) تسخط الله عزّ وجلّ والملائكة المقرّبين. (2) تنبأ عن سوء خلق الشّامت. (3) دليل على انتزاع الرّحمة من القلوب. (4) تورث العداوة والبغضاء. (5) سبيل إلى تفكّك المجتمع وتمزيقه. (6) الشّماتة خلق ذميم وصاحبه مبغوض من الله والنّاس.   (1) من المخيلة: أي الخيلاء. (2) وبال ذلك: أي إثمه. (3) أبو داود (4084) ، وقال الألباني (2/ 769) برقم (3442) : صحيح، والترمذي (2722) . (4) الترمذي (2505) وقال: حسن غريب. والمنذري في الترغيب (3/ 310، 311) . (5) البخاري- الفتح 3 (1803) . (6) خرافة الجنة: بكسر الخاء، قال المنذري: أي في اجتناء ثمر الجنة. (7) أحمد (1/ 81) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 42) : إسناده صحيح، وانظر المنذري في الترغيب (4/ 320) . ورد هذا الأثر في سياقه حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر. (8) الجامع لأحكام القرآن (7/ 291) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4773 شهادة الزور * الشهادة لغة واصطلاحا: (انظر صفة: إقامة الشهادة) . الزور لغة: الميل عن الحقّ، يقول ابن فارس: الزّاي والواو والرّاء أصل واحد يدلّ على الميل والعدول، من ذلك الزّور الكذب، لأنّه مائل عن طريقة الحقّ، ويقال: زوّر فلان الشّيء تزويرا، وزوّر الشيء في نفسه: هيّأه، لأنّه يعدل به عن طريقة تكون أقرب إلى قبول السّامع. والزّور مأخوذ من الزّور، وهو ميل في الزّور، يقول الرّاغب: وقيل للكذب زور لكونه مائلا عن جهته، قال تعالى: ظُلْماً وَزُوراً (الفرقان/ 4) . والزّور أيضا: كلّ شيء يتّخذ ربّا، ويعبد من دون الله. وزوّر نفسه: وسمها بالتّزوير، وزوّر الشّهادة أبطلها، والزّور مجالس اللهو. والزّور: شهادة الباطل وقول الكذب، ولم يشتقّ من تزوير الكلام، ولكنّه اشتقّ من تزوير الصّدر، وقيل: الزّور الكذب والباطل والتّهمة وزوّر الكلام زخرفه، وازورّ عن الشّيء وتزاور عنه، مال، وقيل: شهادة الزّور، أي الآيات/ الأحاديث/ الآثار 4/ 9/ 5 شهادة الكذب، والباطل، وقيل: شهادة (أي شهود) الباطل. ورجل زور وقوم زور وكلام مزوّر ومتزوّر: مموّه بكذب، وقيل: محسّن. وقيل: هو المثقّف (أي المهذّب المرتّب) قبل أن يتكلّم به، ومنه حديث عمر- رضي الله عنه-: «ما زوّرت كلاما لأقوله إلّا سبقني به أبو بكر» . والتّزوير: إصلاح الشّيء.. والتّزوير: تزيين الكذب. وسمع ابن الأعرابيّ يقول: كلّ إصلاح من خير أو شرّ فهو تزوير، ومنه شاهد الزّور، يزوّر كلاما. والتّزوير: إصلاح الكلام وتهيئته. قال الحجّاج: رحم الله امرأ زوّر نفسه على نفسه، أي قوّمها وحسّنها، وقيل: اتّهم نفسه على نفسه. وقولهم: قد زوّر عليه كذا وكذا، قال أبو بكر: فيه أربعة أقوال: يكون التّزوير فعل الكذب والباطل. والزّور: الكذب. والتّزوير: التّشبيه. والتّزوير: التّزويق والتّحسين. وزوّرت الشّيء: حسّنته وقوّمته. وقال الأصمعيّ: تهيئة الكلام وتقديره، والإنسان يزوّر كلاما، وهو يقوّمة ويتقنه قبل أن يتكلّم به. والزّور: شهادة الباطل وقول الكذب. وقد تكرّر ذكر شهادة الزّور في الحديث، وهي من الكبائر، فمنها   * شهادة الزور، قول الزور، عمل الزور كلها بمعنى متقارب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4774 قوله: «عدلت شهادة الزّور الشّرك بالله» وإنّما عادلته لقوله تعالى وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ثمّ قال بعدها: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (الفرقان/ 72) «1» . وقال أبو جعفر الطّبريّ في تفسير هذه الآية: وأصل الزّور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتّى يخيّل إلى من يسمعه أو يراه أنّه خلاف ما هو به. ويدخل فيه الغناء لأنّه أيضا ممّا يحسّنه ترجيع الصّوت حتّى يستحلي سامعه سماعه، والكذب أيضا قد يدخل فيه لتحسين صاحبه إيّاه، حتّى يظنّ صاحبه أنّه حقّ. فكلّ ذلك يدخل في معنى الزّور «2» . وقال ابن حجر معقّبا على ما ذكره الإمام البخاريّ في باب ما قيل في شهادة الزّور، لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ أشار (البخاريّ) بذلك إلى أنّ الآية سيقت في ذمّ متعاطي شهادة الزور، وهو اختيار منه لأحد ما قيل في تفسيرها، وقيل: المراد بالزّور هنا الشّرك، وقيل: الغناء، وقيل غير ذلك. قال الطّبريّ: أولى الأقوال عندنا أنّ المراد به مدح من لا يشهد شيئا من الباطل، والله أعلم «3» . عظم شهادة الزّور وسبب الاهتمام بها: وقال ابن حجر في قوله صلّى الله عليه وسلّم «وجلس وكان متّكئا» يشعر بأنّه اهتمّ بذلك حتّى جلس بعد أن كان متّكئا، ويفيد ذلك تأكيد تحريم الزّور وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزّور أو شهادة الزّور أسهل وقوعا على النّاس، والتّهاون بها أكثر، فإنّ الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطّبع، وأمّا الزّور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرها، فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعا، بل لكون مفسدة الزّور متعدّية إلى غير الشّاهد، بخلاف الشّرك فإنّ مفسدته قاصرة غالبا «4» . وقال أبو حيّان في تفسيره للآية الكريمة: والظّاهر أنّ المعنى: لا يشهدون بالزّور، أو لا يشهدون شهادة الزّور، وقيل: المعنى لا يحضرون الزّور (من المشاهدة أي أنّ شهد هنا بمعنى شاهد) وقد اختلف في الزّور على أقوال منها: الشّرك (قاله الضّحّاك وابن زيد) ، والغناء (قاله مجاهد) ، والكذب (قاله ابن جريج) وأعياد المشركين (عن مجاهد أيضا) ومجالس الباطل (قاله قتادة) وقيل غير ذلك «5» . وقال الشّيخ الميدانيّ: وفي حياة النّاس نوع خطير من الكذب، شديد القبح، سيّىء الأثر ألا وهو شهادة الزّور. إنّ الأصل في الشّهادة أن تكون سندا لجانب الحقّ، ومعينة للقضاء على إقامة العدل، والحكم على الجناة الّذين تنحرف بهم أهواؤهم وشهواتهم، فيظلمون أو يبغون، أو يأكلون أموال النّاس بالباطل، فإذا تحوّلت الشّهادة عن وظيفتها، فكانت سندا للباطل، ومضلّلة للقضاء، حتّى يحكم بغير الحقّ،   (1) مقاييس اللغة (3/ 36) ، المفردات للراغب (217) ، لسان العرب (4/ 336- 337) . وانظر المصباح المنير (1/ 99) . ومختار الصحاح (278) . والنهاية في غريب الحديث (2/ 318) . (2) جامع البيان في تفسير القرآن (19/ 31) . (3) الفتح (5/ 310) . (4) المرجع السابق (5/ 311) . (5) تفسير البحر المحيط 6/ 473. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4775 استنادا إلى ما تضمّنته من إثبات، فإنّها تحمل حينئذ إثم جريمتين كبريين في آن واحد. الجريمة الأولى: عدم تأديتها وظيفتها الطّبيعيّة الأولى. الجريمة الثّانية: قيامها بجريمة، تهضم فيها الحقوق، ويظلم فيها البرآء، ويستعان بها على الإثم والبغي والعدوان «1» . الزور اصطلاحا: قال أبو هلال العسكريّ: الزّور هو الكذب الّذي قد سوّي وحسّن في الظّاهر ليحسب أنّه صدق وهو من قولك: زوّرت الشّيء إذا سوّيته وحسّنته «2» . قال الحافظ ابن حجر: وضابط الزّور وصف الشّيء على خلاف ما هو به: وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشّهادة فيختصّ بها «3» . شهادة الزور اصطلاحا: وقال القرطبيّ: شهادة الزّور هي الشّهادة بالكذب ليتوصّل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال «4» . حكم شهادة الزور: قال الإمام الذّهبيّ- بعد أن ذكر أنّها من الكبائر-: إنّ شاهد الزّور قد ارتكب عظائم: أحدها: الكذب والافتراء. ثانيها: أنّه ظلم الّذي شهد عليه حتّى أخذ بشهادته ماله وعرضه وروحه (أحيانا) . ثالثها: أنّه ظلم الّذي شهد له بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته فوجبت له النّار، مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قضيت له من مال أخيه بغير حقّ فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من النّار» . رابعها، أنّه أباح ما حرّم الله تعالى، وعصمه من المال والدّم والعرض «5» . وقال ابن حجر: عدّ شهادة الزّور وقبولها، كلاهما من الكبائر. وقد صرّحوا بذلك فى الشّهادة، وقياس الثّانية (أي قبول شهادة الزّور) أن تكون كذلك، وحكى بعضهم الإجماع على أنّ شهادة الزّور كبيرة ولا فرق بين أن يكون المشهود به قليلا أو كثيرا فضلا عن هذه المفسدة القبيحة الشّنيعة جدّا «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة- الإفتراء- الإفك- البهتان- الكذب- الخيانة- اتباع الهوى- الظلم. وفي ضد ذلك: انظر صفات: إقامة الشهادة- الأمانة- الصدق- الكلم الطيب- المسئولية- الإنصاف- العدل والمساواة- الشهامة] .   (1) الأخلاق الإسلامية (1/ 546) . (2) مخطوط تنبيه الطالب لفهم ابن الحاجب. باب الزاي فصل الواو. المخطوط من تأليف: أبي عبد الله عز الدين محمد ابن عبد السلام بن إسحاق الأموي المالكي. مكتبة مركز إحياء التراث رقم (602) فقه عام. (3) فتح الباري (5/ 426) . (4) السابق، الصفحة نفسها. (5) الكبائر للذّهبي (79) . (6) الزواجر (335) بتصرف يسير. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4776 الآيات الواردة في «الزور» 1- ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) «1» 2- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) «2» 3- وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72) «3» 4- الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) «4»   (1) الحج: 30- 32 مدنية (2) الفرقان: 4 مكية (3) الفرقان: 72 مكية (4) المجادلة: 2 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4777 الأحاديث الواردة في ذمّ (شهادة الزور) 1- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثا) ؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- وجلس وكان متّكئا فقال-: ألا وقول الزّور» . قال: فما زال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ امرأة قالت: يا رسول الله أقول: إنّ زوجي أعطاني ما لم يعطني؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» ) * «2» . 3- * (عن أيمن بن خريم الأسديّ- رحمه الله- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قام خطيبا فقال: «أيّها النّاس، عدلت شهادة الزّور إشراكا بالله» ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (الحج/ 30)) * «3» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الكبائر قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، وشهادة الزّور» ) * «4» . 5- * (عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله- قال: قدم معاوية المدينة فخطبنا وأخرج كبّة «5» من شعر. فقال: ما كنت أرى أنّ أحدا يفعله إلّا اليهود. إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلغه فسمّاه الزّور) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يدع قول الزّور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» ) * «7» .   (1) رواه البخاري- انظر الفتح 5 (2654) واللفظ له ومسلم برقم (87) . (2) رواه البخاري. انظر الفتح 9 (5219) وهو هنا رواية عن أسماء. ومسلم برقم (2129) واللفظ له. (3) الترمذي (2099، 2300) واللفظ له وأبو داود (3599) وابن ماجة (2372) ويشهد له حديث أنس وحديث أبي بكرة في الصحيحين. وقال المنذري في الترغيب (3/ 221، 222) : رواه الطبراني في الكبير موقوفا على ابن مسعود بإسناد حسن وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. (4) البخاري- الفتح 5 (2653) ، ومسلم برقم (88) متفق عليه. (5) كبة من شعر: هي شعر ملفوف بعضه على بعض. (6) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3488) ومسلم برقم (2127) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 4 (1903) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4778 الأحاديث الواردة في ذمّ (شهادة الزور) معنى 7- * (عن عمارة بن خزيمة بن ثابت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرابيّ فاستتبعه إلى منزله ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المشي، وأبطأ الأعرابيّ بالفرس، فطفق رجال يعترضون الأعرابيّ، يساومونه بالفرس، لا يشعرون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابتاعه، فنادى الأعرابيّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلّا بعته. فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين سمع نداء الأعرابيّ، فقال: «أو ليس قد ابتعته منك؟» قال الأعرابيّ: لا، والله ما بعتكه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى قد ابتعته منك» فطفق الأعرابيّ يقول: هلمّ شهيدا. فقال خزيمة: أنا أشهد أنّك قد بايعته، فأقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ قال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادة خزيمة شهادة رجلين. وزاد رزين فقال الأعرابيّ: أهذا رسول الله؟ فقال أبو هريرة: كفى بك جهلا أن لا تعرف نبيّك، صدق الله الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ (التوبة/ 97) فاعترف الأعرابيّ بالبيع «1» . 8- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم. ثمّ يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته» قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشّهادة والعهد) * «2» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تجوز شهادة خائن «3» ولا خائنة، ولا زان، ولا زانية، ولا ذي غمر «4» على أخيه» وفي رواية: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ردّ شهادة الخائن والخائنة، وذي الغمر على أخيه، وردّ شهادة القانع «5» لأهل البيت وأجازها لغيرهم) * «6» .   (1) رواه أبو داود (3607) وقال الألباني (2/ 688) : صحيح وفي صحيح سنن النسائي 4647 (4332) وقال محقق جامع الأصول (10/ 195) واللفظ له: إسناده صحيح. (2) رواه البخاري. انظر الفتح 5 (2652) واللفظ له. ومسلم برقم (2533) . (3) خائن: أراد بالخيانة: الخيانة في الدين والمال والأمانات فإن من ضيع شيئا من أوامر الله، أو ركب شيئا مما نهاه الله عنه فلا يكون عدلا. (4) ذو غمر: الغمر: بكسر الغين الحقد. (5) القانع: السائل المستطعم وقيل: هو المنقطع إلى القوم يخدمهم وذلك مثل الأجير والوكيل، ترد شهادته للتهمة في جر النفع إلي نفسه لأن التابع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم. (6) رواه أبو داود (3600، 3601) وقال الألباني (3/ 686) واللفظ له: حسن، وفي صحيح سنن ابن ماجة (2366) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 191) : إسناده حسن ونحوه عند الترمذي (2299) من حديث عائشة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4779 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (شهادة الزور) 1- * (عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن قال: قدم رجل من العراق على عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب، فقال عمر: وما ذاك؟ قال: شهادة الزّور ظهرت بأرضنا، قال: وقد كان ذلك؟ قال: نعم، فقال عمر بن الخطّاب: والله لا يؤسر «1» رجل في الإسلام بغير العدول) * «2» . 2- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- تعدل شهادة الزّور بالشّرك وقرأ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «3» . 3- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ يعني: الافتراء على الله والتّكذيب) * «4» . 4- * (قال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ واتّقوا قول الكذب والفرية على الله بقولكم في الآلهة: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3) وقولكم للملائكة هي بنات الله ونحو ذلك من القول، فإنّ ذلك كذب وزور وشرك) * «5» . 5- * (قال ابن كثير- رحمه الله- وقوله فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «من» ههنا لبيان الجنس أي اجتنبوا الرّجس الّذي هو الأوثان، وقرن الشّرك بالله بقول الزّور كقوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (الأعراف/ 33) ومنه شهادة الزّور) * «6» . من مضار (شهادة الزور) (1) سبب لسخط الجبّار ودخول النّار. (2) فيها ضياع حقوق النّاس وظلمهم. (3) تطمس معالم العدل والإنصاف. (4) تعين الظّالم على ظلمه، وتعطي الحقّ لغير مستحقّه. (5) تقويض لأركان الأمن وزعزعة للاستقرار. (6) سبب لزرع الأحقاد والضّغائن في القلوب. (7) فساد اجتماعي يعصف بالمجتمع ويدمّره.   (1) لا يؤسر: أي لا يحبس. (2) أخرجه مالك/ الموطأ في الأقضية (2/ 554) . (3) جامع البيان (17/ 112) . (4) المرجع السابق نفسه. (5) المرجع السابق نفسه. (6) تفسير ابن كثير (3/ 229) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4780 [ حرف الصاد ] صغر الهمة الصّغر لغة: الصّغر خلاف الكبر، مأخوذ من مادّة «ص غ ر» الّتي تدلّ على القلّة والحقارة، يقول ابن فارس: الصّاد والغين والرّاء أصل صحيح يدلّ على قلّة وحقارة. من ذلك الصّغر ضدّ الكبر، والصّغير خلاف الكبير «1» . وقد صغر الشّيء، وهو صغير، وصغار، وأصغره غيره، وصغّره تصغيرا. واستصغره عدّه صغيرا، وتصاغرت إليه نفسه، تحاقرت، والصّغار، بالفتح: الذّلّ والضّيم، وكذلك الصّغر بالضّمّ. والمصدر الصّغر- بالتّحريك- وقد صغر الرّجل- بالكسر- يصغر صغرا. يقال: قم على صغرك وصغرك، والصّاغر، الرّاضي بالضّيم «2» . والصّغر والصّغارة خلاف العظم، وقيل: الصّغر في الجرم، والصّغارة في القدر وأصغره وصغّره: جعله صغيرا. والإصغار خلاف الإكبار، وأرض مصغرة: نبتها صغير لم يطل، وفلان صغرة أبويه، وصغرة ولد أبويه، أي أصغرهم وهو كبرة ولد أبيه أي أكبرهم.. وتصاغرت إليه نفسه: صغرت وتحاقرت ذلّا الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 8/ 3 ومهانة، وفي الحديث: «إذا قلت ذلك تصاغر حتّى يكون مثل الذّباب» يعني الشّيطان أي ذلّ وامّحق، قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون من الصّغر والصّغار، وهو الذّلّ والهوان، وفي حديث عليّ يصف أبا بكر- رضي الله عنهما- «برغم المنافقين وصغر الحاسدين» أي ذلّهم وهوانهم، وصغرت الشّمس: مالت للغروب «3» ومن أمثال العرب: المرء بأصغريه، وأصغراه قلبه ولسانه، ومعناه أنّ المرء يعلو الأمور ويضبطها بجنانه ولسانه. الهمّة لغة: الهمّة: واحدة الهمم، وهمّ بالشّيء يهمّ همّا: نواه وأراده، وعزم عليه. والهمّة والهمّة: ما همّ به من أمر ليفعله، وتقول: إنّه لعظيم الهمّ وإنّه لصغير الهمّة، وإنّه لبعيد الهمّة. والهمّة- بالفتح- والهمام: الملك العظيم الهمّة. وقيل: الهمام اسم من أسماء الملك لعظم همّته، وقيل: لأنّه إذا همّ بأمر أمضاه لا يردّ عنه بل ينفذ كما أراد، وقيل: الهمام السّيّد الشّجاع السّخيّ «4» . قال الماورديّ- رحمه الله-: فأمّا شرف النّفس: إذا تجرّد عن علوّ الهمّة، فإنّ الفضل به عاطل، والقدر به خامل، وهو كالقوّة في الجلد الكسل،   (1) المقاييس (3/ 290) . (2) الصحاح (2/ 713) . (3) اللسان (4/ 2452، 2453) . (4) المرجع السابق (12/ 620- 621) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4781 والجبان الفشل، تضيع قوّته بكسله، وجلده بفشله. وشرف النّفس مع صغر الهمّة أولى من علوّ الهمّة مع دناءة النّفس، لأنّ من علت همّته مع دناءة نفسه، كان متعدّيا إلى طلب ما لا يستحقّه، ومتخطّيا إلى التماس ما لا يستوجبه، ومن شرفت نفسه مع صغر همّته، فهو تارك لما يستحقّ ومقصّر عمّا يجب له، وفضل ما بين الأمرين ظاهر، وإن كان لكلّ واحد منهما من الذّمّ نصيب «1» . صغر الهمة اصطلاحا: قال الجاحظ: صغر الهمّة: هو ضعف النّفس عن طلب المراتب العالية، وقصور الأمل عن بلوغ الغايات، واستكثار اليسير من الفضائل، واستعظام القليل من العطايا والاعتداد به، والرّضا بأوساط الأمور وأصاغرها «2» . وقال الرّاغب: صغر الهمّة: ترك الإنسان لما يستحقّه وهو والدّناءة سواء. وقال أيضا: الكبير الهمّة على الإطلاق هو من لا يرضى بالهمم الحيوانيّة قدر وسعه فلا يصير عبد عارية بطنه وفرجه، بل يجتهد أن يتخصّص بمكارم الشّريعة فيصير من خلفاء الله وأوليائه في الدّنيا ومجاوريه في الآخرة، والصّغير الهمّة من كان على الضّدّ من ذلك «3» . الفرق بين التّنفّج وصغر الهمّة: التّنفّج تأهّل الإنسان لما لا يستحقّه، وهو البذخ، وصغر الهمّة تركه لما لا يستحقّه وهو الدّناءة وكلاهما مذموم لكنّ المتنفّج جاهل أحمق، والصّغير الهمّة جاهل غير أحمق «4» . [للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- الضعف- الكسل- اللهو واللعب- الوهن- التفريط والإفراط- التهاون- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: علو الهمة- الرجولة- الشجاعة- الطموح- العمل- النشاط- القوة- قوة الإرادة- العزم والعزيمة] .   (1) أدب الدنيا والدين للماوردي (308- 309) . (2) تهذيب الأخلاق للجاحظ (34) . (3) الذريعة إلى مكارم الشريعة (291) . (4) المرجع السابق نفسه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4782 الآيات الواردة في «صغر الهمة» معنى 1- * أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) «1» 2- انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) «2» 3- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) «3» 4- وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) «4» 5- وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) «5»   (1) التوبة: 19- 20 مدنية (2) التوبة: 41- 42 مدنية (3) التوبة: 86- 88 مدنية (4) الإسراء: 83- 84 مكية (5) الشمس: 7- 10 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4783 الأحاديث الواردة في ذمّ (صغر الهمة) معنى 1- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رهطا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انطلقوا في سفرة سافروها حتّى نزلوا في حيّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيّفوهم. فلدغ سيّد ذلك الحيّ، فسعوا له بكلّ شيء، لا ينفعه شيء. فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرّهط الّذين قد نزلوا بكم لعلّه أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم فقالوا: يا أيّها الرّهط، إنّ سيّدنا لدغ، فسعينا له بكلّ شيء، لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إنّي لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيّفونا فما أنا براق لكم حتّى تجعلوا لنا جعلا. فصالحوهم على قطيع من الغنم. فانطلق فجعل يتفل ويقرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* حتّى لكأنّما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة «1» قال: فأوفوهم جعلهم الّذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقسموا. فقال الّذي رقى: لا تفعلوا حتّى نأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنذكر له الّذي كان فننظر ما يأمرنا. فقدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكروا له، فقال: «وما يدريك أنّها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم» ) * «2» . 2- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة «3» . وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلّا لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم» ) * «4» . 3- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: جاءت فتاة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّ أبي زوّجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها. فقالت: قد أجزت ما صنع أبي. ولكن أردت أن تعلم النّساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله السّارق. يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» ) * «6» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «7» كريم، والفاجر خبّ «8» لئيم» ) * «9» . 6- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله   (1) ما به قلبة: أى ما به من ألم يقلب لأجله على الفراش. (2) البخاري- الفتح 10 (5749) واللفظ له، ومسلم (2201) . (3) بالعينة: أي تبايعتم بالسلف. (4) أبو داود (3462) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 765) : صحيح. (5) ابن ماجة (1874) . وفي الزوائد: إسناده صحيح. (6) البخاري. الفتح 12 (6783) ، ومسلم (1687) . (7) الغرّ: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرّا نسبة له، إلى سلامة الصدر، وحسن الباطن والظن في الناس، فكأنه لم يجرب بواطن الأمور. (8) الخبّ: الخدّاع المكار الخبيث. (9) الترمذي (1964) ، وأبو داود (4790) ، وحسنه الألباني (1599) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 701) : حديث حسن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4784 عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سأل النّاس، وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش أو كدوح» قيل: يا رسول الله؛ وما يغنيه؟ قال: «خمسون درهما أو قيمتها من الذّهب» ) * «1» . 7- * (عن مرداس الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يذهب الصّالحون الأوّل فالأوّل، ويبقى حفالة كحفالة الشّعير أو التّمر لا يباليهم الله بالة» ) * «2» . 8- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» ، فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن» ، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حبّ الدّنيا وكراهية الموت» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (صغر الهمة) 1- * (سمع عمر- رضي الله عنه- سائلا يسأل بعد المغرب، فقال لواحد من قومه: عشّ الرّجل فعشّاه، ثمّ سمعه ثانيا يسأل فقال: ألم أقل لك عشّ الرّجل، قال: قد عشّيته. فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزا، فقال: لست سائلا ولكنّك تاجر، ثمّ أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصّدقة، وضربه بالدّرّة، وقال: لا تعد) * «4» . 2- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه سمع يوم عرفة رجلا يسأل النّاس، فقال: أفي هذا اليوم، وفي هذا المكان تسأل من غير الله؟ فخفقه بالدّرّة) * «5» . 3- * (قال شقيق بن إبراهيم بن الأزديّ، البلخيّ: أغلق باب التّوفيق عن الخلق من ستّة أشياء: اشتغالهم بالنّعمة عن شكرها، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى الذّنب وتأخير التّوبة، والاغترار بصحبة الصّالحين، وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدّنيا عنهم وهم يبتغونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها. قلت: وأصل ذلك عدم الرّغبة والرّهبة، وأصله ضعف اليقين، وأصله ضعف البصيرة، وأصله مهانة النّفس ودناءتها واستبدال الّذي هو أدنى بالّذي هو خير. وإلّا فلو كانت النّفس شريفة كبيرة لم ترض   (1) الترمذي (650) ، وقال: حديث حسن، أبو داود (1626) ، النسائي (5/ 97) ، وابن ماجة (1841) . (2) البخاري- الفتح 11 (6434) . (3) أبو داود (4297) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3610) : صحيح وهو في المشكاة (5369) ، وأحمد وسنده قوي. (4) إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي (4/ 211) . (5) جامع الأصول لابن الأثير (10/ 161) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4785 بالدّون. فأصل الخير كلّه بتوفيق الله ومشيئته وشرف النّفس ونبلها وكبرها. وأصل الشّرّ خسّتها ودناءتها وصغرها، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) ، أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونمّاها بطاعة الله، وخاب من صغّرها وحقّرها بمعاصي الله. فالنّفوس الشّريفة لا ترضى من الأشياء إلّا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنّفوس الدّنيئة تحوم حول الدّناءات وتقع عليها كما يقع الذّباب على الأقذار. فالنّفس الشّريفة العليّة لا ترضى بالظّلم ولا بالفواحش ولا بالسّرقة والخيانة لأنّها أكبر من ذلك وأجلّ. والنّفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضّدّ من ذلك. فكلّ نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها، وهذا معنى قوله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ (الإسراء/ 84) ، أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته الّتي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكلّ إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته الّتي ألفها وجبل عليها، فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النّعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم، والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبّته والثّناء عليه والتّودّد إليه والحياء منه، والمراقبة له، وتعظيمه وإجلاله) * «1» . من مضار (صغر الهمة) انظر مضار صفة «الكسل»   (1) الفوائد لابن القيم (312- 313) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4786 [ حرف الضاد ] الضعف الضعف لغة: مصدر قولهم: ضعف يضعف، وهو مأخوذ من مادّة (ض ع ف) الّتي تدلّ على خلاف القوّة، يقال منه: ضعف فهو ضعيف، والضّعف بفتح الضّاد لغة تميم، وبضمّها لغة قريش، ولذلك قال بعضهم: الضّعف والضّعف والضّعف خلاف القوّة، وقيل: الضّعف- بالضمّ- في الجسد، والضّعف- بالفتح- في الرّأي والعقل، وقيل: هما معا جائزان في كلّ وجه، عن ابن الأعرابيّ وأنشد: ومن يلق خيرا يغمز الدّهر عظمه ... على ضعف من حاله وفتور فهذا في الجسم، وأنشد في الرّأي والعقل: ولا أشارك في رأي أخا ضعف ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني وقد ضعف يضعف ضعفا وضعفا. وضعف، فهو ضعيف، والجمع ضعفاء وضعفى وضعاف. ونسوة ضعيفات وضعائف وضعاف، قال: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 24/ 8/- لقد زاد الحياة إليّ حبّا ... بناتي؛ إنّهنّ من الضّعاف والضّعفة: ضعف الفؤاد وقلّة الفطنة. ورجل مضعوف ومبهوت إذا كان في عقله ضعف «1» . وأضعف الرّجل: ضعفت دابّته. يقال هو ضعيف مضعف: فالضّعيف في بدنه والمضعف في دابّته، وضعّفه السّير، أي أضعفه، والتّضعيف أيضا أن تنسبه إلى الضّعف، وأضعفه، وضعّفه صيّره ضعيفا، واستضعفه وتضعّفه وجده ضعيفا فركبه بسوء. وفي إسلام أبي ذرّ: «فتضعّفت رجلا» أي استضعفته، وفي الحديث: «أهل الجنّة كلّ ضعيف متضعّف» : يقال: تضعّفته، واستضعفته بمعنى للّذي يتضعّفه النّاس، ويتجبّرون عليه في الدّنيا للفقر ورثاثة الحال. ورجل مضعوف ومبهوت، إذا كان في عقله ضعف، وشعر ضعيف: عليل «2» . الضعف اصطلاحا: الضّعف وهن القوّة حسّا أو معنى، وقيل:   (1) لسان العرب (9/ 203، 204) ط. بيروت، مقاييس اللغة (3/ 362) ، والصحاح (4/ 1390) ، والمصباح المنير (1/ 137) . (2) لهذه المادة معنى آخر هو أن يزاد الشيء مثله، ومن هذا الأصل قيل أضعفت الشيء إضعافا وضعفته تضعيفا، وضاعفته مضاعفة، وهو أن يزاد على أصل الشيء فيجعل مثلين أو أكثر، انظر المقاييس (3/ 362) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4787 خلاف القوّة ويكون في النّفس وفي البدن وفي الحال «1» . وقيل: الضّعف ضدّ القوّة في العقل والرّأي، وبالضّمّ في الجسم وبالكسر بمعنى المثل «2» . [للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- الجبن- القنوط- الكسل- الوهن- اليأس- التهاون- صغر الهمة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: القوة- قوة الإرادة- علو الهمة- النشاط- مجاهدة النفس- جهاد الأعداء- الصبر والمصابرة- العزم والعزيمة] .   (1) التوقيف على مهمات التعاريف (223) ، وانظر كشاف اصطلاحات الفنون (2/ 887) . (2) الكليات للكفوي (575) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4788 الآيات الواردة في «الضعف» الضعف في سياق حماية حق الضعيف: 1- أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «2» 3- وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9) «3» 4- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) «4» 5- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) «5»   (1) البقرة: 266 مدنية (2) البقرة: 282 مدنية (3) النساء: 9 مدنية (4) النساء: 127 مدنية (5) الأعراف: 75 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4789 الضعف في سياق التلاوم أو العتاب: 6- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) «1» 7- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) «2» 8- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) «3» 9- وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) «4» الضعف في سياق الرحمة والترقيق: 10- وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «5»   (1) الأعراف: 150 مكية (2) إبراهيم: 19- 21 مكية (3) سبأ: 31- 33 مكية (4) غافر: 47- 48 مكية (5) النساء: 75- 76 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4790 11- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «1» 12- الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) «2» 13- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «3» الضعف في سياق الاحتقار والإقالة منه: 14- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) «4» 15- قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) «5» الضعف سمة المخلوقين والشركاء: 16- يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28) «6» 17- قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) «7» 18- يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) «8» 19- * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) «9» الضعف سمة الكيد الشيطاني: 20- الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «10»   (1) الأنفال: 26 مدنية (2) الأنفال: 66 مدنية (3) التوبة: 91 مدنية (4) النساء: 97- 98 مدنية (5) هود: 91 مكية (6) النساء: 28 مدنية (7) مريم: 75 مكية (8) الحج: 73 مدنية (9) الروم: 54 مكية (10) النساء: 76 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4791 المؤمن لا يضعف أمام المصائب: 21- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) «1» استضعاف الخلق من سمة الكفار والجبابرة: 22- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) «2» 23- إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) «3» عاقبة المستضعفين: 24- وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137) «4»   (1) آل عمران: 146 مدنية (2) الأعراف: 150 مكية (3) القصص: 4- 5 مكية (4) الأعراف: 137 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4792 الأحاديث الواردة في ذمّ (الضعف) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التمسوها في العشر الأواخر (يعني ليلة القدر) فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبنّ على السّبع البواقي» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «غزا نبيّ من الأنبياء «2» فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة «3» وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبن بها «4» ، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا آخر اشترى غنما أو خلفات «5» وهو ينتظر ولادها. فغزا. فدنا من القرية «6» صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشّمس: إنّك مأمورة وأنا مأمور، اللهمّ احبسها علينا «7» فحبست حتّى فتح الله عليهم، فجمع الغنائم، فجاءت- يعني النّار- لتأكلها فلم تطعمها، فقال: إنّ فيكم غلولا «8» ، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فليبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأس بقرة من الذّهب فوضعوها، فجاءت النّار فأكلتها. ثمّ أحلّ الله لنا الغنائم. رأى ضعفنا وعجزنا فأحلّها لنا» ) * «9» . 3- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» قال: قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا» قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا، أو تصنع لأخرق» قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك» ) * «10» . 4- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ) * «11» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ «12» خير وأحبّ   (1) مسلم (1165) . (2) قال ابن حجر: هذا النبي هو يوشع بن نون كما رواه الحاكم. (3) بضع المرأة: يطلق على الفرج والتزوج والجماع. (4) ولما يبن بها: أي لم يدخل بها. (5) أو خلفات: جمع خلفة وهي الحامل من النوق. (6) فدنا من القرية: قال ابن حجر هي أريحا. (7) احبسها علينا: قيل: وقفت الشمس، وقيل: بطئت حركتها. (8) الغلول: أي السرقة من الغنيمة. (9) البخاري الفتح 6 (3124) واللفظ له، ومسلم (1747) . (10) مسلم (84) . (11) مسلم (49) . (12) المؤمن القوي خير: المراد بالقوة هنا، عزيمة النفس والعزيمة في أمور الآخرة. فيكون صاحب هذا الوصف أشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والصبر على الأذى في ذلك وأرغب في الصلاة والصوم وسائر العبادات ونحو ذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4793 إلى الله من المؤمن الضّعيف وفي كلّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل. فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الضعف) معنى 6- * (عن طاوس أنّه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقولون: كلّ شيء بقدر، قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ شيء بقدر. حتّى العجز والكيس «2» . أو الكيس والعجز» ) * «3» . 7- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكيّس من دان نفسه «4» وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتّبع نفسه هواها وتمنّى على الله» ) * «5» . 8- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها. وزكّها «6» أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع «7» ، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «8» . من مضار (الضعف) (1) يورث الذّلّ والهوان على الله ثمّ على النّاس. (2) دليل على ضعف الإيمان وقلّة اليقين. (3) طريق يؤدّي إلى تفكّك المجتمعات وتفريق الجماعات. (4) مظهر من مظاهر سوء الخلق.   (1) مسلم (2664) . (2) الكيس: ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور. (3) مسلم (2655) . (4) دان نفسه: أي حاسبها في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة. (5) الترمذي (2459) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن، وابن ماجة (4260) ، والبغوي في شرح السنة (14/ 308) ولفظه موافق لما رواه الترمذى وقال: حديث حسن. (6) وزكها: أي طهرها. (7) ومن نفس لا تشبع: معناه استعاذة من الحرص والطمع والشره، وتعلق النفس بالآمال البعيدة. (8) مسلم (2722) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4794 الضلال الضلال لغة: مصدر قولهم: ضلّ يضلّ، وهو مأخوذ من مادّة (ض ل ل) الّتي تدلّ على ضياع الشّيء وذهابه في غير حقّه، وكلّ جائر عن القصد ضالّ، ورجل ضلّيل ومضلّل، إذا كان صاحب ضلال وباطل، تقول: أضللت بعيري: إذا ذهب منك، وضللت المسجد والدّار، إذا لم تهتد إليهما، وكذلك كلّ شيء مقيم، لا يهتدى إليه، وقال الرّاغب: الضّلال: العدول عن الطّريق المستقيم، ويضادّه الهداية، ويقال الضّلال (أيضا) لكلّ عدول عن المنهج عمدا كان أو سهوا يسيرا كان أو كثيرا، ولكونه كذلك صحّ أن يستعمل لفظ الضّلال ممّن يكون منه خطأ ما، ولذلك نسب إلى الأنبياء وإلى الكفّار، وإن كان بين الضّلالين بون بعيد، ولذلك قال تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (الضحى/ 7) أي غير مهتد لما يساق إليك من النّبوّة، وقال في يعقوب- عليه السّلام- إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يوسف/ 8) إشارة إلى شغفه بيوسف- عليه السّلام- وقال عن موسى- عليه الصّلاة والسّلام- قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (الشعراء/ 20) تنبيه أنّ ذلك منه سهو. وقال الجوهريّ: يقال: ضلّ الشّيء يضلّ الآيات/ الأحاديث/ الآثار 151/ 34/ 10 ضلالا، أي ضاع وهلك، والاسم: الضّل (بالضّمّ) ، والضّالّة: ما ضلّ من البهيمة، للذّكر والأنثى ورجل ضلّيل ومضلّل، أي ضالّ جدّا، وهو الكثير التّتبّع للضّلال، وأضلّه: أضاعه وأهلكه، وضللت المسجد والدّار: إذا لم تعرف موضعهما، وكذلك كلّ شيء مقيم لا يهتدى له، ويقال: أضلّه الله فضلّ (أي أنّ ضلّ تستعمل مطاوعة لأضلّ) ، ويقال إنّك لتهدي الضّالّ ولا تهدي المتضالّ، وتضليل الرّجل، أن تنسبه إلى الضّلال، والضّلال: الهلاك في قوله تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (القمر/ 47) والضّلال البعيد: إشارة إلى ما هو كفر كقوله وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (النساء/ 116) ، وقال ابن منظور: الضّلال والضّلالة: ضدّ الهدى والرّشاد، أي جار عن دين أو حقّ أو طريق. ضللت تضلّ، هذه اللّغة الفصيحة، وضللت تضلّ ضلالا وضلالة. وبنو تميم يقولون: ضللت أضلّ، فهو من باب ضرب وعلم، وقد قرأ بهما جميعا قوله- عزّ وجلّ:- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي (سبأ/ 50) . وأهل العالية يقولون: ضللت بالكسر، أضلّ وهو ضالّ تالّ، وهي الضّلالة والتّلالة. وأضلّه: جعله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4795 ضالّا. والإضلال في كلام العرب ضدّ الهداية والإرشاد. يقال: أضللت فلانا إذا وجّهته للضّلال عن الطّريق، وإيّاه أراد لبيد: من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال، ومن شاء أضل قال لبيد هذا في جاهليّته فوافق قوله التّنزيل العزيز: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ (النحل/ 93) . وضلّ سعيه: عمل عملا لم يعد عليه نفعه، ضلّله تضليلا وتضلالا: صيّره إلى الضّلال ونسبه إليه، وتضالّ تضالّا، ادّعى الضّلال، وضلول: كضالّ «1» . الضلال اصطلاحا: قال الرّاغب: الضّلال: هو العدول عن الطّريق المستقيم «2» . وقال الجرجانيّ والمناويّ: الضّلال فقد ما يوصّل إلى المطلوب، وقيل سلوك طريق لا يوصّل إلى المطلوب «3» . وقال الفيروزاباديّ: الضّلال: هو عدول عن المنهج (منهج الله) ، عمدا كان أو سهوا قليلا كان أو كثيرا «4» . الفرق بين الضلال والغي: قال الكفويّ: الضّلال يكون في مقابلة الهدى والغيّ في مقابلة الرّشد. والضّلال: ألّا يجد السّالك إلى مقصده طريقا أصلا، والغواية: ألّا يكون له إلى المقصد طريق مستقيم «5» . أنواع الإضلال: الإضلال ضربان: أحدهما أن يكون سببه الضّلال كقولك: أضللت البعير؛ أي ضلّ عنّي. وإمّا أن يحكم بضلاله. والضّرب الثّاني: أن يكون الإضلال سببا للضّلال. وهو أن يزيّن للإنسان الباطل ليضلّ، كقوله تعالى: لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ (النساء/ 113) أي يتحرّون أفعالا يقصدون بها أن تضلّ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إلّا ما فيه ضلال أنفسهم. وإضلال الله تعالى للإنسان على وجهين: أحدهما: أن يكون سببه الضّلال وهو أن يضلّ الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدّنيا، ويعدل به عن طريق الجنّة إلى النّار في الآخرة، وذلك الإضلال هو حقّ وعدل، فإنّ الحكم على الضّالّ بضلاله، والعدول به عن طريق الجنّة إلى النّار حقّ وعدل. والثّاني من إضلال الله: هو أنّ الله تعالى وضع جبلّة الإنسان على هيئة، إذا راعى طريقا محمودا كان أو مذموما ألفه واستطابه، وتعسّر عليه صرفه وانصرافه   (1) مقاييس اللغة (3/ 356) ، المفردات (299) ، والصحاح (5/ 1748) . (2) لسان العرب (11/ 390- 396) (3) المفردات (297) . (4) التعريفات (138) ، والتوقيف (223) . (5) بصائر ذوي التمييز (3/ 481) وما بين القوسين في التعريف من إضافتنا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4796 عنه. ويصير ذلك كالطّبع الّذي يأبى على النّاقل، ولذلك قيل: العادة طبع ثان. وهذه القوّة فينا فعل إلهيّ. وإذا كان كذلك، يصحّ أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه، فيقال: أضلّه الله، لا على الوجه الّذي يتصوّره الجهلة. ولذا قلنا جعل الإضلال المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن فقال: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ (التوبة/ 115) ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (محمد/ 4) وقال في الكافرين: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (محمد/ 8) ، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (البقرة/ 26) «1» . من معاني كلمة «الضلال» في القرآن الكريم: 1- الغواية: ومنه قوله تعالى في (يس) : وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً (آية/ 60) . 2- الخسران: ومنه قوله تعالى في (سورة غافر) : وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (آية/ 25) . 3- الشّقاء: ومنه قوله تعالى في (سورة القمر) : إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (آية/ 24) . 4- البطلان: ومنه قوله تعالى في (سورة محمّد) : فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (آية/ 4) . 5- الخطأ: ومنه قوله تعالى في (سورة: القلم) : وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ* فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (آية/ 25، 26) . 6- الهلاك (الموت) : ومنه قوله تعالى في (سورة السّجدة) : أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ (آية/ 10) . 7- النّسيان: ومنه قوله تعالى في (سورة البقرة) : أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (آية/ 282) . 8- الجهل: ومنه قوله تعالى في (سورة الشّعراء) : قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (آية/ 20) . 9- الضّلال الّذي هو ضدّ الهدى: ومنه قوله تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (الصافات/ 71) . وإذا كان الضّلال ترك الطّريق المستقيم عمدا كان أو سهوا قليلا كان أو كثيرا، صحّ أن يستعمل لفظ الضّلال فيمن يكون منه خطأ ما «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإلحاد- شرب الخمر- الشك- الفجور- الفسق- الكفر- اتباع الهوى- التفريط والإفراط- الابتداع- انتهاك الحرمات. وفي ضد ذلك: الإيمان- الاستقامة- الهدى- الطاعة- الإسلام- الفرار إلى الله- الاتباع- تعظيم الحرمات] .   (1) الكليات (576) . (2) بصائر ذوي التمييز: (3/ 481- 485) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4797 الآيات الواردة في «الضلال» الضلال بمعنى الغواية: 1- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60) «1» 2- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77) «2» 3- * وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) «3» 4- وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) «4» 5- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) «5» 6- قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ   (1) المائدة: 59- 60 مدنية (2) المائدة: 77 مدنية (3) الأنعام: 74- 79 مدنية (4) الأنعام: 116- 119 مكية (5) الأنعام: 125 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4798 لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) «1» 7- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) «2» 8- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (25) «3» 9- قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) «4» 10- وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (79) «5» 11- * وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) «6» 12- وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) «7» 13- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) «8» 14- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)   (1) الأعراف: 38 مكية (2) إبراهيم: 35- 36 مكية (3) النحل: 24- 25 مكية (4) مريم: 75 مكية (5) طه: 77- 79 مكية (6) طه: 83- 85 مكية (7) طه: 90- 94 مكية (8) الحج: 8- 9 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4799 قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19) «1» 15- وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29) «2» 16- وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) «3» 17- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) «4» 18- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) «5» 19- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «6» 20- * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) «7»   (1) الفرقان: 17- 19 مكية (2) الفرقان: 27- 29 مكية (3) الفرقان: 41- 44 مكية (4) القصص: 15 مكية (5) القصص: 85 مكية (6) لقمان: 6- 7 مكية (7) يس: 60- 62 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4800 21- أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (69) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «1» 22- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) «2» 23- * وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) «3» 24- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) «4» 25- أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) «5» 26- أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) «6» 27- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) «7» 28- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) «8»   (1) الصافات: 62- 73 مكية (2) ص: 26 مكية (3) الزمر: 8 مكية (4) فصّلت: 29 مكية (5) الزخرف: 40 مكية (6) الجاثية: 23 مكية (7) النجم: 27- 30 مكية (8) القلم: 7 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4801 29- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا (24) مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً (25) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «1» الضلال بمعنى الخسران: 30- وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (14) «2» 31- وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) «3» 32- يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) «4» 33- أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ   (1) نوح: 21- 28 مكية (2) الرعد: 13- 14 مكية (3) الحجر: 51- 56 مكية (4) الإسراء: 71- 73 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4802 إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) «1» 34- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) «2» 35- وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (50) «3» 36- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) «4» 37- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) «5» الضلال بمعنى الشقاء: 38- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «6» 39- وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) «7»   (1) الزمر: 22- 23 مكية (2) غافر: 23- 25 مكية (3) غافر: 49- 50 مكية (4) الأحقاف: 31- 32 مكية (5) الفيل: 1- 5 مكية (6) الأعراف: 29- 30 مكية (7) يونس: 88- 89 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4803 40- الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «1» 41- مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) «2» 42- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (37) «3» 43- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) * ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51) «4» 44- ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) «5» 45- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4) «6» 46- الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) «7» 47- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48)   (1) إبراهيم: 3- 4 مكية (2) إبراهيم: 18 مكية (3) النحل: 36- 37 مكية (4) الكهف: 50- 51 مكية (5) مريم: 35- 38 مكية (6) الحج: 3- 4 مدنية (7) الفرقان: 34 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4804 قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) «1» 48- خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) «2» 49- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) «3» 50- وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) «4» 51- وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) «5» الضلال بمعنى البطلان: 52- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) «6» 53- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً   (1) القصص: 48- 50 مكية (2) لقمان: 10- 11 مكية (3) سبأ: 7- 8 مكية (4) الواقعة: 41- 56 مكية (5) الواقعة: 92- 96 مكية (6) محمد: 1 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4805 حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) «1» 54- وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9) «2» الضلال بمعنى الخطأ: 55- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108) «3» 56- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) «4» 57- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) «5» 58- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) «6» 59- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (53) «7» 60- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) «8»   (1) محمد: 4 مدنية (2) محمد: 8- 9 مدنية (3) البقرة: 107- 108 مدنية (4) النساء: 44 مدنية (5) النساء: 176 مدنية (6) الأعراف: 37- 38 مكية (7) الأعراف: 53 مكية (8) الأعراف: 148- 149 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4806 61- هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) «1» 62- الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (21) «2» 63- * لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9) «3» 64- * وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) «4» 65- وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) «5» 66- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87) «6» 67- انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) «7» 68- وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67) «8» 69- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) «9» 70- قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (49)   (1) يونس: 30- 32 مكية (2) هود: 19- 21 مكية (3) يوسف: 7- 9 مكية (4) يوسف: 30 مكية (5) يوسف: 94- 95 مكية (6) النحل: 86- 87 مكية (7) الإسراء: 48 مكية (8) الإسراء: 67 مكية (9) الكهف: 103- 104 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4807 قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (50) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (51) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (52) «1» 71- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (75) «2» 72- * قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) «3» 73- ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) «4» 74- * إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) «5» 75- وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) «6» 76- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)   (1) طه: 49- 52 مكية (2) القصص: 74- 75 مكية (3) سبأ: 24- 26 مكية (4) غافر: 73- 74 مكية (5) فصّلت: 47- 48 مكية (6) الأحقاف: 27- 28 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4808 قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (33) «1» 77- إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) «2» الضلال بمعنى الهلاك: 78- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) «3» 79- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً (167) «4» 80- وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) «5» 81- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «6» 82- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «7» 83- يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) «8»   (1) القلم: 17- 33 مكية (2) المطففين: 29- 34 مكية (3) آل عمران: 90 مدنية (4) النساء: 167 مدنية (5) الأنعام: 94 مكية (6) الأعراف: 155 مكية (7) التوبة: 37 مدنية (8) إبراهيم: 27- 30 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4809 84- وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) «1» 85- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) «2» 86- وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (10) «3» 87- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) «4» 88- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) «5» 89- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) «6» 90- أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) «7»   (1) طه: 115- 123 مكية (2) الحج: 11- 13 مدنية (3) السجدة: 10 مكية (4) فصّلت: 52 مكية (5) الشورى: 17- 18 مكية (6) القمر: 23- 24 مكية (7) القمر: 44- 48 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4810 الضلال بمعنى النسيان: 91- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «1» 92- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «2» الضلال بمعنى الجهل: 93- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «3» 94- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «4» 95- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) «5»   (1) البقرة: 282 مدنية (2) الأنعام: 22- 24 مكية (3) آل عمران: 164 مدنية (4) المائدة: 12 مدنية (5) المائدة: 105 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4811 96- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) «1» 97- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «2» 98- * وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (51) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (52) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (53) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (54) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) «3» 99- فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «4» 100- وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ   (1) الأعراف: 59- 62 مكية (2) النحل: 125 مكية (3) الأنبياء: 51- 56 مكية (4) المؤمنون: 101- 111 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4812 إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) «1» 101- فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (17) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) «2» 102- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) «3» 103- وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) «4» 104- إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)   (1) الفرقان: 7- 9 مكية (2) الشعراء: 16- 21 مكية (3) الشعراء: 69- 86 مكية (4) الشعراء: 91- 101 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4813 وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) «1» 105- فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) «2» 106- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) «3» 107- وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) «4» 108- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «5» 109- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) «6» 110- وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) «7» 111- وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) * قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) «8»   (1) النمل: 80- 81 مكية (2) الروم: 52- 53 مكية (3) الأحزاب: 36 مدنية (4) الأحزاب: 67- 68 مدنية (5) يس: 20- 27 مكية (6) يس: 47 مكية (7) الأحقاف: 5 مكية (8) ق: 20- 29 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4814 112- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «1» 113 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «2» 114- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «3» 115- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) «4» 116- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30) «5» الضلال المقابل للهدى: 117- أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) «6» 118- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «7»   (1) النجم: 1- 4 مكية (2) الممتحنة: 1 مدنية (3) الجمعة: 1- 2 مدنية (4) الملك: 6- 9 مكية (5) الملك: 28- 30 مكية (6) الضحى: 6- 11 مكية (7) الفاتحة:: 1- 7 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4815 119- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) «1» 120- * إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) «2» 121- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) «3» 122- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) «4» 123- إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (69) «5» 124- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) «6»   (1) البقرة: 8- 16 مدنية (2) البقرة: 26 مدنية (3) البقرة: 174- 175 مدنية (4) البقرة: 198 مدنية (5) آل عمران: 68- 69 مدنية (6) النساء: 60 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4816 125- * فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) «1» 126- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) «2» 127- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (120) «3» 128- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136) «4» 129- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) «5» 130- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) «6» 131- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) «7» 132- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140)   (1) النساء: 88 مدنية (2) النساء: 113 مدنية (3) النساء: 116- 120 مدنية (4) النساء: 136 مدنية (5) النساء: 142- 143 مدنية (6) الأنعام: 39 مكية (7) الأنعام: 56 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4817 * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) «1» 133- مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «2» 134- مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) «3» 135- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) «4» 136- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) «5» 137- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) «6»   (1) الأنعام: 140- 144 مكية (2) الأعراف: 178- 179 مكية (3) الأعراف: 186 مكية (4) التوبة: 115 مدنية (5) يونس: 107- 108 مكية (6) الرعد: 27 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4818 138- أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «1» 139- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) «2» 140- وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) «3» 141- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) «4» 142- * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) «5» 143- وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «6» 144- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)   (1) الرعد: 33 مكية (2) النحل: 93 مكية (3) الإسراء: 13- 15 مكية (4) الإسراء: 97 مكية (5) الكهف: 17 مكية (6) النمل: 90- 93 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4819 بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29) «1» 145- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) «2» 146- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) «3» 147- أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «4» 148- إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) 149- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) «5» يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) «6» 150- وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) «7» 151- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «8»   (1) الروم: 26- 29 مكية (2) سبأ: 50 مكية (3) فاطر: 8 مكية (4) الزمر: 36- 37 مكية (5) الزمر: 41 مكية (6) غافر: 30- 34 مكية (7) الشورى: 44- 46 مكية (8) المدثر: 31 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4820 الأحاديث الواردة في ذمّ (الضلال) 1- * (عن عبد الرّحمن بن عمرو السّلميّ، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممّن نزل فيه: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (التوبة/ 92) فسلّمنا، وقلنا: أتيناك، زائرين، وعائدين، ومقتبسين. فقال العرباض: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا؟، فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين، الرّاشدين، تمسّكو بها وعضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثّلاثين ومائة من سورة الأنعام: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ- إلى قوله: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (الأنعام/ 140) » ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- وعن ربعيّ بن حراش، عن حذيفة- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أضلّ الله عن الجمعة من كان قبلنا. فكان لليهود يوم السّبت. وكان للنّصارى يوم الأحد. فجاء الله بنا. فهدانا الله ليوم الجمعة. فجعل الجمعة والسّبت والأحد. وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدّنيا. والأوّلون يوم القيامة. المقضيّ لهم قبل الخلائق» ) * «3» . وفي رواية واصل: «المقضيّ بينهم» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت. وبك آمنت. وعليك توكّلت. وإليك أنبت. وبك خاصمت، اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك- لا إله إلّا أنت- أن تضلّني. أنت الحيّ الّذي لا يموت. والجنّ والإنس يموتون» ) * «4» . 5- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: أمرني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن آتيه بطبق يكتب فيه مالا تضلّ أمّته من بعده. قال: فخشيت أن تفوتني نفسه «5» ، قال: قلت: إنّي أحفظ وأعي، قال: «أوصي بالصّلاة والزّكاة وما ملكت أيمانكم» ) * «6» . 6- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص-   (1) أبو داود (4/ 200) رقم (4607) واللفظ له، ابن ماجة مقدمة (43) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 871) ح 3851: صحيح. الترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح. (2) البخاري- الفتح 6 (3524) . (3) مسلم (856) . (4) مسلم 4 (2717) واللفظ له، والبخاري بعضه 13 (7383) . (5) لا تفوتني نفسه: أي لا يفوتني خروج روحه عند احتضاره. (6) أحمد (1/ 90) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 84) : إسناده حسن برقم (693) ، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 63) : رواه أبو داود باختصار، ورواه أحمد وفي نعيم بن يزيد ولم يرو عنه غير عمر بن الفضل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4821 رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النّور اهتدى، ومن أخطأه ضلّ فلذلك أقول: جفّ القلم على علم الله» ) * «1» . 7- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى لي الأرض أو قال- إنّ ربّي زوى «2» لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتى سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «3» ، وإنّي سألت ربّي لأمّتى أن لا يهلكها بسنة بعامّة، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم «4» وإنّ ربّي قال لي: يا محمّد، إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال بأقطارها-، حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنّما أخاف على أمّتى الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين، وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين- لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ- قال ابن عيسى: «ظاهرين» ثمّ اتّفقا- لا يضرّهم من خالفهم حتّي يأتي أمر الله» ) * «5» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالما اتّخذ النّاس رءوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» ) * «6» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «7» . 10- * (عن عبد الله بن زيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا فتح حنينا قسم الغنائم. فأعطى المؤلّفة قلوبهم. فبلغه أنّ الأنصار يحبّون أن يصيبوا ما أصاب النّاس. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطبهم. فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلّالا، فهداكم الله بي؟ وعالة «8» فأغناكم الله بي؟   (1) أخرجه الترمذي (5/ 2642) وقال: هذا حديث حسن، والهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 193) وقال: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات. ورواه البزار والطبراني وابن حبان. (2) زوى: أي جمع. (3) الكنزين الأحمر والأبيض: الذهب والفضة. (4) فيستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم. (5) مسلم (2889) ، الترمذي (2176) وقال: هذا حديث حسن صحيح، أبو داود (4252) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 801) : صحيح. (6) البخاري- الفتح 1 (100) واللفظ له ومسلم 4 (2673) . (7) مسلم (2674) . (8) عالة: أي فقراء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4822 ومتفرّقين «1» فجمعكم الله بي؟» ويقولون: الله ورسوله أمنّ. فقال: «ألا تجيبوني؟» فقالوا: الله ورسوله أمنّ. فقال: «أما إنّكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا. وكان من الأمر كذا وكذا» لأشياء عدّدها- زعم عمرو أن لا يحفظها- فقال: «ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاء «2» والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ الأنصار شعار «3» والنّاس دثار «4» . ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار. ولو سلك النّاس واديا وشعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبهم. إنّكم ستلقون بعدي أثرة. فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «5» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ ضمادا قدم مكّة. وكان من أزد شنوءة وكان يرقي «6» من هذه الرّيح «7» . فسمع سفهاء من أهل مكّة يقولون: إنّ محمّدا مجنون، فقال: لو أنّي رأيت هذا الرّجل لعلّ الله يشفيه على يديّ. قال: فلقيه. فقال: يا محمّد! إنّي أرقي من هذه الرّيح، وإنّ الله يشفي على يديّ من شاء، فهل لك «8» ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله. أمّا بعد» . قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء. فأعادهنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات. قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السّحرة وقول الشّعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر «9» . قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وعلى قومك» قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة فمرّوا بقومه، فقال صاحب السّريّة للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردّوها. فإنّ هؤلاء قوم ضماد) * «10» . 12- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أنّ نفرا كانوا جلوسا بباب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال بعضهم ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج كأنّما فقىء في وجهه حبّ الرّمّان، فقال: «بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنّما ضلّت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنّكم لستم ممّا ههنا في شيء، انظروا الّذي أمرتم به فاعملوا به، والّذي نهيتم عنه فانتهوا» ) * «11» .   (1) متفرقين: يعني متدابرين، يعادي بعضكم بعضا. (2) بالشاء: هو جمع شاة، وهي الغنم. (3) شعار: الثوب الذي يلي الجسد. (4) دثار: ما فوق الشعار (ومعنى الحديث الأنصار هم البطانة والخاصة والأحفياء وألصق الناس به من سائر الناس. (5) البخاري- الفتح 7 (4330) ، ومسلم 2 (1061) واللفظ له. (6) يرقي: من الرقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة. (7) من هذه الريح: المراد بالريح، هنا، الجنون ومس الجن. (8) فهل لك: أي فهل لك رغبة في رقيتي، وهل تميل إليها. (9) ناعوس البحر: ضبط بوجهين: أشهرهما ناعوس. والثاني قاموس. وهذا الثاني هو المشهور في روايات الحديث في غير صحيح مسلم. وقال القاضي عياض: أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها ناعوس. قال أبو عبيد: قاموس البحر وسطه. وقال ابن دريد: لجته. وقال صاحب كتاب العين: قعره الأقصى. (10) مسلم (868) . (11) الترمذي (2133) ، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات وابن ماجة (85) ،، وأحمد (2/ 192) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 73) ح 6845: إسناده صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4823 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّتهم المرأة المخزوميّة الّتي سرقت، فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن يجترىء عليه إلّا أسامة حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟» ثمّ قام فخطب فقال: «يأيّها النّاس إنّما ضلّ من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق الشّريف تركوه، وإذا سرق الضّعيف فيهم أقاموا عليه الحدّ. وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها» ) * «1» . 14- * (عن عمير بن سعد- وكان عمر ولّاه حمص- قال: قال عمر لكعب إنّي سائلك عن أمر فلا تكتمني. قال: والله ما أكتمك شيئا أعلمه. قال: ما أخوف ما تخاف على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أئمّة مضلّين. قال عمر: صدقت قد أسرّ إليّ وأعلمنيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 15- * (عن لقيط بن عامر أنّه خرج وافدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق «3» ) . قال لقيط: خرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لانسلاخ رجب، فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين انصرف من صلاة الغداة «4» ، فقال: «أيّها النّاس، إنّي خبّأت لكم صوتي منذ أربعة أيّام، لأسمعكم، ألا فهل من امرىء بعثه قومه فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ألا ثمّ لعلّه يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضّلال، ألا إنّي مسئول: هل بلّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا. ألا اجلسوا» . قال: فجلس النّاس وقمت أنا وصاحبي حتّى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، «5» قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك- لعمر الله- وهزّ رأسه، وعلم أنّي أبتغي لسقطه. فقال: «ضنّ ربّك- عزّ وجلّ- بمفاتيح الخمس من الغيب لا يعلمها إلّا الله» وأشار بيده- قلت: وما هي؟ قال: «علم المنيّة، وقد علم متى منيّة أحدكم ولا تعلمونه، وعلم ما في غد، أنت طاعم ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم آزلين مشفقين فيظلّ يضحك قد علم أنّ غيركم إلى قريب» قال لقيط: لن نعدم من ربّ يضحك خيرا، وعلم يوم السّاعة، قلت: يا رسول الله، علّمنا ممّا تعلّم النّاس، فإنّا من قوم لا يصدّقون تصديقنا أحد من مذحج الّتي تربو علينا، وخثعم الّتي توالينا، وعشيرتنا الّتي نحن منها. قال: «تلبثون ما لبثتم ثمّ يتوفّى نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تلبثون ما لبثتم، ثمّ تبعث الصّائحة- لعمر إلهك- ما تدع على ظهرها من شيء إلّا مات، والملائكة الّذين مع ربّك- عزّ وجلّ- وأصبح ربّك- عزّ وجلّ- يطيف في الأرض وخلت عليه البلاد، فأرسل ربّك- عزّ وجلّ- السماء بهضب «6» من عند العرش، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن   (1) البخاري- الفتح 12 (6788) واللفظ له، ومسلم (1688) . (2) الهيثمي (5/ 239) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. (3) في الأصل ليست منقوطة، وهو مشهور. (4) زاد في نسخة: «فقام في الغداة خطيبا» . (5) في النسخ: وحصره. وفي هامش احداها «صوابه بصره. المصنف» . (6) أي بمطر، وفي الأصل (تهضب) والتصويب من النهاية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4824 ميّت إلّا شقّت القبر عنه حتّى تخلفه من عند رأسه فيستوي جالسا، يقول ربّك: مهيم؟ لما كان فيه. يقول: يا ربّ، أمس. اليوم. لعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله» فقلت: يا رسول الله كيف يجمعنا بعد ما تمزّقنا الرّياح والبلى والسّباع؟ قال: «أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله، والأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية، فقلت: لا تحيا أبدا. ثمّ أرسل ربّك- عزّ وجلّ- السّماء، فلم تلبث عليك إلّا أيّاما حتّى أشرفت عليها وهي شربة واحدة، ولعمر إلهك لهو قادر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأضواء، ومن مصارعكم، فتنظرون الله، وينظر إليكم» قال: قلت: يا رسول الله، فكيف ونحن ملء الأرض، وهو شخص واحد ننظر إليه، قال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، الشّمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم، لا تضارّون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وتروه منهما، أن تروهما ويرياكم، لا تضارّون في رؤيتهما» ، قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربّنا- عزّ وجلّ- إذا لقيناه؟ قال: «تعرضون عليه بادية صحائفكم، لا تخفى منكم خافية، فيأخذ ربّك- عزّ وجلّ- بيده غرفة من الماء فينضح «1» قبلكم بها، فلعمر إلهك ما يخطىء وجه أحد منكم منها قطرة، فأمّا المسلم فتدع وجهه مثل الرّيطة البيضاء، وأمّا الكافر فتخطمه بمثل الحميم الأسود، ألا ثمّ ينصرف نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ويفرّق على أثره الصّالحون، فيسلكون جسرا من النّار، فيطأ أحدكم الجمرة. يقول حسّ، يقول ربّك- عزّ وجلّ- أو أنّه. فيطلعون على حوض الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على أظمأ- والله- ناهلة قطّ رأيتها، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلّا وقع عليها قدح يطهّره من الطّوف والبول والأذى، وتحبس الشّمس والقمر، فلا ترون منهما واحدا» قلت: يا رسول الله، فبم نبصر؟ قال: «بمثل بصرك ساعتك هذه، وذلك قبل طلوع الشّمس في يوم أشرقته الأرض واجهته الجبال» . قلت: يا رسول الله، فبم نجزى من سيّئاتنا؟ قال: «الحسنة بعشر أمثالها والسّيّئة بمثلها، إلّا أن يعفو» . قال: قلت: يا رسول الله، أمّا الجنّة، أمّا النّار. قال: «لعمر إلهك للنّار سبعة أبواب ما منها باب إلّا يسير الرّاكب بينها سبعين عاما» . قلت: يا رسول الله، فعلى ما نطّلع من الجنّة؟ قال: «على أنهار من عسل مصفّى، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه، وماء غير آسن. وبفاكهة. لعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه، وأزواج مطهّرة» . قلت: يا رسول الله، ولنا فيها أزواج، أو منهنّ مصلحات؟ قال: «الصّالحات للصّالحين، تلذّون بهنّ مثل لذّاتكم في الدّنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد» . قال لقيط: فقلت: أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟ قال: قلت: يا رسول الله على ما أبايعك؟ قال: فبسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وقال: «على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وزيال المشركين، وألّا تشرك بالله غيره» . قال: قلت: وأنّ لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وبسط أصابعه وظنّ أنّي مشترط شرطا لا يعطينيه، قال: قلت: نحلّ منها حيث شئنا ولا يجني   (1) فينضح: يرش. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4825 على امرىء إلّا نفسه، فبسط يده وقال: «ذلك لك، تحلّ حيث شئت، ولا تجني عليك إلّا نفسك» . قال: فانصرفنا، وقال: «ها إنّ ذين لعمر إلهك إن حدّثت ألا إنّهم من أتقى النّاس في الأولى والآخرة» . فقال له كعب بن الخداريّة أحد بني كعب بن كلاب: من هم يا رسول الله؟ قال: «بنو المنتفق أهل ذلك» . قال: فانصرفنا، وأقبلت عليه، قلت: يا رسول الله، هل لأحد فيما مضى من خير في جاهليّتهم؟ قال: فقال رجل من عرض قريش. «والله إنّ أباك المنتفق في النّار» . قال: فلكأنّما وقع حرّ بين جلدي ووجهي ممّا قال لأبي على رؤوس النّاس، فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله، فإذا الأخرى أجمل. فقلت: يا رسول الله، وأهلك؟ قال: «وأهلي لعمر الله، ما أتيت على قبر عامريّ أو قرشيّ، فقلت: أرسلني إليك محمّد أبشّرك بما يسوءك: تجرّ على وجهك وبطنك في النّار» . قلت: يا رسول الله، ما فعل بهم ذلك وقد كانوا يحسنون، وكانوا يحسبون أنّهم مصلحون، قال: «ذاك بأنّ الله بعث في آخر كلّ سبع أمم، يعني نبيّا، فمن عصى نبيّه كان من الضّالّين، ومن أطاع نبيّه كان من المهتدين» ) * «1» . 16- * (عن يزيد بن حيّان عن زيد بن أرقم- رضي الله عنهما- قال: دخلنا عليه (أي على زيد) فقلنا له: لقد رأيت خيرا. لقد صاحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّيت خلفه. وساق الحديث بنحو حديث أبي حيّان. غير أنّه قال: «ألا وإنّي تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله- عزّ وجلّ-. هو حبل الله «2» . من اتّبعه كان على الهدى. ومن تركه كان على ضلالة» وفيه: فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: «لا. وايم الله! إنّ المرأة تكون مع الرّجل العصر من الدّهر «3» . ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله، وعصبته الّذين حرموا الصّدقة بعده» ) * «4» . 17- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «الزّمان قد استدار كهيئتة يوم خلق السّماوات والأرض: السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات- ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم- ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان. أيّ شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس ذو الحجّة؟» قلنا: بلى. قال: «فأيّ بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس البلدة؟» قلنا: بلى. قال: «فأيّ يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه. قال: «أليس يوم النّحر؟»   (1) رواه أحمد (4/ 13، 14) والهيثمي في المجمع (10/ 338) واللفظ له وقال: رواه عبد الله، والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط أن لقيطا. وهو في الطبراني الكبير (19/ 477) وفي جامع المسانيد والسنن لابن كثير (10/ 649) برقم (8160) وقال تفرد به الإمام أحمد. (2) حبل الله: المراد بحبل الله عهده، وقيل: السبب الموصل إلى رضاه ورحمته، وقيل: هو نوره الذي يهدي به. (3) العصر من الدهر: أي القطعة منه. (4) مسلم (2408) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4826 قلنا: بلى. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم- قال محمّد: وأحسبه قال: وأعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا. وستلقون ربّكم، فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلّالا يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا ليبلّغ الشّاهد الغائب، فلعلّ بعض من يبلّغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» - فكان محمّد إذا ذكره يقول: صدق محمّد صلّى الله عليه وسلّم- ثمّ قال: «ألا هل بلّغت» (مرّتين)) * «1» . 18- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته واشتدّ غضبه. حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: «صبّحكم ومسّاكم» . ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ويقرن بين إصبعيه السّبابة والوسطى. ويقول: «أمّا بعد. فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمّد. وشرّ الأمور محدثاتها. وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك مالا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» ) * «2» . 19- * (عن عبيد الله بن رفاعة الزّرقيّ قال: لمّا كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استووا حتّى أثني على ربّي» فصاروا حلقة صفوفا. فقال: «اللهمّ لك الحمد كلّه، اللهمّ لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت ولا مضلّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرّب لما باعدت ولا مبعّد لما قرّبت، اللهمّ ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهمّ إنّي أسألك النّعيم المقيم الّذي لا يحول ولا يزول، اللهمّ إنّي أسألك النّعيم يوم الغلبة والأمن يوم الخوف، اللهمّ عائذ بك من شرّ ما أعطيتنا وشرّ ما منعت منّا، اللهمّ حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الرّاشدين، اللهمّ توفّنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصّالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهمّ قاتل الكفرة الّذين يكذّبون رسلك ويصدّون عن سبيلك، واجعل عليهم زجرك وعذابك، اللهمّ قاتل الكفرة الّذين أوتوا الكتاب إله الخلق» ) * «3» . 20- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: ما خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من بيتي قطّ إلّا رفع طرفه إلى السّماء فقال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو أضلّ أو أزلّ أو أزلّ أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليّ» ) * «4» . 21- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من آوى ضالّة فهو ضالّ، ما لم يعرّفها» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 7 (4406) واللفظ له، ومسلم (1679) . (2) مسلم (867) . (3) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 121، 122) واللفظ له وقال: رواه أحمد (3/ 424) والبزار واقتصر على عبيد بن رفاعة عن أبيه وهو الصحيح. وقال: اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب. ورجال أحمد رجال الصحيح. (4) أبو داود (5094) واللفظ له، وابن ماجة (3884) . وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 4248) (959) : صحيح. (5) مسلم (1725) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4827 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ سنّة ضلال فاتّبع عليها كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، ومن سنّ سنّة هدى فاتّبع عليها كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» ) * «1» . 23- * (عن عبد الله بن شقيق، أنّه أخبره من سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجل من بلقين فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من هؤلاء قال: «هؤلاء المغضوب عليهم» وأشار إلى اليهود فقال: من هؤلاء؟ قال: «الضّالّون» يعني النّصارى، وجاءه رجل فقال: استشهد مولاك أو غلامك فلان قال: «بل يجرّ إلى النّار في عباءة غلّها» وفي رواية بسنده: وسأله رجل من بلقين فقال يا رسول الله من هؤلاء المغضوب عليهم فأشار إلى اليهود فذكر نحوه» ) * «2» . 24- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في هذه القصّة. قصّة النّهي عن الجلوس في الطّرقات، قال «وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضّالّ» ) * «3» . 25- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما، فلا تظالموا. يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته، فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كلّ إنسان مسألته. ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «4» . 26- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر في دعائه أن يقول: «اللهمّ مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» . قالت: قلت يا رسول الله أو إنّ القلوب لتتقلّب؟ قال: «نعم، ما   (1) أحمد (2/ 505) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (20/ 142) : إسناده صحيح وأصله عند مسلم. والترمذي (5/ 42) والنسائي (5/ 76) وغيره. (2) الهيثمي في المجمع (6/ 310- 311) واللفظ له وقال: رواه كله أحمد (5/ 75) ، ورجال الجميع رجال الصحيح. (3) أبو داود (4817) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح 4032) (3/ 914) : صحيح. ونحوه في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري. (4) حديث قدسي رواه مسلم (2577) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4828 من خلق الله من بني آدم من بشر إلّا أنّ قلبه بين أصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله- عزّ وجلّ- أقامه وإن شاء الله أزاغه، فنسأل الله ربّنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنّه هو الوهّاب» . قالت: قلت: يا رسول الله، ألا تعلّمني دعوة أدعو بها لنفسي، قال: «بلى. قولي: اللهمّ ربّ محمّد النّبيّ اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلّات الفتن ما أحييتنا» ) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الضلال) معنى 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجّ آدم وموسى- عليهما السّلام- عند ربّهما. فحجّ آدم موسى. قال موسى: أنت آدم الّذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنّته، ثمّ أهبطت النّاس بخطيئتك إلى الأرض. فقال آدم: أنت موسى الّذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كلّ شيء، وقرّبك نجيّا، فبكم وجدت الله كتب التّوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاما. قال آدم: فهل وجدت فيها: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) قال: نعم. قال: أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فحجّ آدم موسى» ) * «2» . 28- * (عن عديّ بن حاتم، أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله» . قال ابن نمير: فقد غوى) * «3» . 29- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشّيطان قال: وعزّتك يا ربّ لا أبرح أغوي عبادك مادامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الرّبّ تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» ) * «4» . 30- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم دخل نخلا لبني النّجّار، فسمع صوتا ففزع، فقال: «من أصحاب هذه القبور؟» قالوا: يا رسول الله ناس ماتوا في الجاهليّة، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار، ومن فتنة الدّجّال» قالوا: وممّ ذاك يا رسول الله؟ قال: «إنّ المؤمن إذا   (1) أحمد (6/ 302) واللفظ له، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 325) وقال: روى الترمذي بعضه (3522) ورواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد وثق، وذكره أيضا في (10/ 176) بلفظ مقارب وقال: رواه أحمد وإسناده حسن. (2) البخاري- الفتح 11 (6614) ، ومسلم (2652) واللفظ له. (3) مسلم (870) . (4) أحمد (3/ 29) ، والحاكم في المستدرك (4/ 261) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4829 وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء غيرها، فينطلق به إلى بيت كان له في النّار فيقال له: هذا بيتك كان لك في النّار ولكنّ الله عصمك ورحمك فأبدلك به بيتا في الجنّة، فيقول: دعوني حتّى أذهب فأبشّر أهلي، فيقال له: اسكن، وإنّ الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول النّاس، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثّقلين» ) * «1» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «حين أسري بي لقيت موسى- عليه السّلام- (فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا رجل (حسبته قال) مضطرب. رجل الرّأس. كأنّه من رجال شنوءة. قال، ولقيت عيسى (فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا ربعة أحمر كأنّما خرج من ديماس «2» » (يعني حمّاما) قال، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه. وأنا أشبه ولده به. قال: فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فقيل لي: خذ أيّهما شئت. فأخذت اللّبن فشربته. فقال: هديت الفطرة، أو أصبت الفطرة، أما إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك» ) * «3» . 32- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: زوّجني أبي امرأة من قريش، فلمّا دخلت عليّ جعلت لا أنحاش لها، ممّا بي من القوّة على العبادة: من الصّوم والصّلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كنّته، حتّى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرّجال، أو كخير البعولة من رجل لم يفتّش لنا كنفا، ولم يعرف لنا فراشا. فأقبل عليّ، فعذمني، وعضّني بلسانه فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب، فعضلتها، وفعلت وفعلت، ثمّ انطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكاني، فأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته، فقال لي: «أتصوم النّهار؟» قلت: نعم، قال: «وتقوم اللّيل؟» قلت: نعم، قال: «لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأمسّ النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ، قال: «اقرإ القرآن في كلّ شهر» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ عشرة أيّام» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ ثلاث» ، قال: ثمّ قال: «صم في كلّ شهر ثلاثة أيّام» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتّى قال: «صم يوما وأفطر يوما، فإنّه أفضل الصّيام، وهو صيام أخي داود» ثمّ   (1) أبو داود (4/ 4750) واللفظ له. ذكره الألباني في الصحيحة (ح 1344) وقال: أخرجه أحمد (3/ 331) . وهذا إسناد جيد رجاله رجال الصحيح. وأخرجه في صحيح أبي داود (ح 3977) وقال عنه: صحيح. (2) فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس: أما الربعة. فيقال: رجل ربعة ومربوع، أي بين الطويل والقصير. وأما الديماس: فقال الجوهري في صحاحه في هذا الحديث: قوله خرج من كنّ، لأنه قال في وصفه: كأن رأسه يقطر ماء. (3) البخاري- الفتح 6 (3437) ، ومسلم (168) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4830 قال صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ لكلّ عابد شرّة، ولكلّ شرّة فترة، فإمّا إلى سنّة، وإمّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنّة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو، حيث ضعف وكبر، يصوم الأيّام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوّى بذلك، ثمّ يفطر بعد تلك الأيّام، قال: وكان يقرأ في كلّ حزبه كذلك، يزيد أحيانا، وينقص أحيانا، غير أنّه يوفي العدد، إمّا في سبع، وإمّا في ثلاث، قال: ثمّ كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ ممّا عدل به أو عدل، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره) * «1» . 33- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ. مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ. فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم. وفيه دخن «2» » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي. ويهدون بغير هديي «3» ، تعرف منهم وتنكر» . فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم. دعاة على أبواب جهنّم «4» . من أجابهم إليها قذفوه فيها» فقلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا. قال «نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها. ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «5» . 34- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ مثل ما بعثني الله به- عزّ وجلّ- من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيّبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها النّاس، شربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنّما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلّم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا. ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به» ) * «6» .   (1) أحمد (2/ 158) واللفظ له، وقال أحمد شاكر (9/ 235- 240) : إسناده صحيح رواه عنه كثير من التابعين، وأخرجه الأئمة في دواوينهم ولكني لم أجده مفصلا بهذا السياق إلا في هذا الموضع، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 193) وقال: رجاله رجال الصحيح. (2) دخن: قال أبو عبيد وغيره: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة الى سواد. قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض. ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء. (3) هديي: الهدى الهيئة والسيرة والطريقة. (4) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك. فتجب طاعته في غير معصية. وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها. (5) البخاري- الفتح 6 (3606) ، ومسلم (1847) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 1 (79) ، ومسلم (2282) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4831 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الضلال) 1- * (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها أنّ فاطمة عليها السّلام ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألت أبا بكر الصّدّيق بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت، وعاشت بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستّة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر وفدك، وصدقته بالمدينة. فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل به إلّا عملت به، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأمّا بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعبّاس، وأمّا خيبر وفدك، فأمسكها عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانتا لحقوقه الّتي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى وليّ الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال عمر بن الخطّاب وهو جالس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قد بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ. وأنزل عليه الكتاب. فكان ممّا أنزل عليه آية الرّجم. قرأناها ووعيناها وعقلناها. فرجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده. فأخشى، إن طال بالنّاس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرّجم في كتاب الله. فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله. وإنّ الرّجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن، من الرّجال والنساء، إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل أو الاعتراف» ) * «2» . 3- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: يا معشر القرّاء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا» ) * «3» . 4- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «ضلال الدّنيا أضلّ ضلال في الآخرة وشقاء الآخرة مستلزم للضّلال فيها» ) * «4» . 5- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ. فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى وإنّهنّ من سنن الهدى. ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم. ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم. وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، يحطّ عنه بها سيّئة. ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق، معلوم النّفاق. ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3092، 3093) . (2) البخاري- الفتح 12 (6829) ، ومسلم (1691) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 13 (7282) . (4) مفتاح دار السعادة: (40) بتصرف. (5) مسلم (654) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4832 6- * (عن حكيم بن مسعود- رضي الله عنه-: «شرّ النّدامة ندامة يوم القيامة، وشرّ الضّلالة الضّلالة بعد الهدى» ) * «1» . 7- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: «والضّلال مقرون بالغيّ، فكلّ غاو ضالّ، والرّشد ضدّ الغيّ، والهدى ضدّ الضّلال. وهو مجانبة طريق الفجّار وأهل البدع» ) * «2» . 8- * (قال ابن القيّم- عليه رحمة الله- في معنى قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ: يتضمّن بيان طرفي الانحراف عن الصّراط المستقيم، وأنّ الانحراف إلى أحد الطّرفين انحراف إلى الضّلال الّذي هو فساد العلم والاعتقاد» ) * «3» . 9- * (قال أحد الصّالحين: «بئس العبد عبد هوى يضلّه» ) * «4» . 10- * (قال ابن مفلح: «ويحرم النّظر فيما يخشى منه الضّلال والوقوع في الشّكّ والشّبهة» ) * «5» . من مضار (الضلال) (1) الضّلال طريق يوصل صاحبه إلى النّار. (2) كلّ عدول أو انحراف عن الطّريق المستقيم فهو ضلال. (3) الضّلال من الشّيطان. والهداية من الرّحمن. (4) الضّلال سلوك طريق الفجّار وأهل البدع. (5) كثيرا ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يستعيذ بعزّة الله من الضّلال. (6) من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه إلى يوم القيامة. (7) الضّالّ قد يعمل أعمالا أمثال الجبال ولكنّها لا تقبل منه لانحرافه عن سبيل الهدى. (8) قد يبدأ الانحراف بنقطة ثمّ يتمادى فيبعد عن طريق الهدى. (9) علامة على سوء الخاتمة.   (1) الفوائد لابن القيم (30) . (2) من كتاب الزهد والورع في العبادة (9) . (3) الفوائد (40، 41) . (4) الزهد والورع والعبادة (37) . (5) الآداب الشرعية (1/ 199) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4833 [ حرف الطاء ] الطغيان الطغيان لغة: مصدر قولهم: طغى يطغى، وهو مأخوذ من مادّة (ط غ و/ ي) الّتي تدّل على مجاوزة الحدّ في العصيان «1» ، قال الخليل: وكلّ شيء يجاوز القدر فقد طغى، مثلما طغى الماء على قوم نوح (فأغرقهم) ، وكما طغت الصّيحة على ثمود «2» (فأهلكتهم) ، يقال: طغى يطغو، وطغى يطغى: إذا جاوز القدر، وارتفع وغلا في الكفر وأسرف في المعاصي والظّلم «3» ، وقال الرّاغب: يقال: طغوت وطغيت طغوانا وطغيانا، وأطغاه كذا: حمله على الطّغيان والاسم من ذلك: الطّغوى، قال تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (الشمس/ 11) أي لم يصدّقوا إذ خوّفوا بعقوبة طغيانهم، أمّا قول الله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (النجم/ 52) فتنبيه على أنّ الطّغيان لا يخلّص الإنسان فقد كان قوم نوح أطغى منهم الآيات/ الأحاديث/ الآثار 28/ 8/ 23 (أي من كفّار قريش) ، فأهلكوا، والطّاغوت «4» عبارة عن كلّ متعدّ، وكلّ معبود من دون الله، وقد سمّي به السّاحر والكاهن، والمارد من الجنّ، والصّارف عن الخير «5» ، واللّات والعزّى (من أصنام العرب) والشّيطان، وكلّ رأس ضلال، والأصنام، ومردة أهل الكتاب «6» ، ويستعمل واحدا وجمعا مثال الأوّل قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ (النساء/ 60) ، ومثال الآخر قوله عزّ وجلّ: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ (البقرة/ 257) ، أمّا الطّاغية فيراد به معاني عديدة، منها: ملك الرّوم، والصّاعقة، وصيحة العذاب، والجبّار العنيد، والأحمق المستكبر الظّالم، والّذي لا يبالي ما أتى، يأكل النّاس ويظلمهم ويقهرهم «7» ، أمّا معنى الفعل (طغى) فإنّه يرتبط بالسّياق الّذي يرد فيه فقولهم: طغى البحر «8» : هاجت أمواجه، وطغى الدّم تبيّغ، وطغى السّيل:   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 412) . (2) كتاب العين للخليل (4/ 435) . (3) بصائر ذوي التمييز (3/ 508) . (4) الطّاغوت: قيل إنّ أصله طغووت فحدث فيه قلب مكاني حيث قدّمت الواو على الغين فصارت طوغوت ثمّ قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ويكون على ذلك من طغى ووزنه فلعوت، وقيل: هو من طاغ وهو على وزن (فعلوت) مثل الرّحموت والجبروت والملكوت، انظر في ذلك: الصحاح للجوهري (6/ 2412) . (5) المفردات للراغب (305) . (6) الصحاح للجوهري (6/ 2412) . (7) لسان العرب (طغا) ص 2678 (ط. دار المعارف) . (8) الفعل طغى يكتب بالياء وبالألف نظرا لاحتمال كون الماضي الذي على وزن (فعل) يائيّا فتكتب بالياء مثل رمي أو واويّا فتكتب بالألف مثل غزا وقد ورد الرسمان في القرآن الكريم، انظر الآية 43 من سورة طه والآية 11 من سورة الحاقة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4834 أتى بماء كثير، وطغت البقرة: صاحت «1» ، أمّا قولهم: أطغاه المال فالمراد جعله طاغيا، أمّا طغيان العلم والمال الوارد في حديث وهب (بن منبّه) : «إنّ للعلم طغيانا كطغيان المال» فالمراد بذلك كما يقول ابن الأثير: أنّ العلم يحمل صاحبه على التّرخّص بما اشتبه منه إلى ما لا يحلّ له، ويترفّع به على من دونه، ولا يعطي حقّه بالعمل به، كما يفعل ربّ المال «2» ، وقول الله تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً (المائدة/ 68) ، فالمراد بالطّغيان، أن يزدادوا كفرا إلى كفرهم «3» ، والطّغيان في قوله تعالى: وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة/ 15) يراد به البغي والظّلم «4» ، وقيل: الكفر والضّلال، وطغيان فرعون إسرافه في دعوى (الألوهيّة) حيث قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (النازعات/ 24) «5» ، وطغيان الماء في قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (الحاقة/ 11) ، استعارة لارتفاعه وتجاوزه الحدّ «6» ، أمّا الطّغيان في حديث خزيمة «وأنا مقرّ بالقرآن، كافر بالطّغيان» فالمراد به كما يقول ابن الأثير: مخالفة سنن الإسلام وحدوده «7» . الطغيان اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الطّغيان: مجاوزة الحدّ في العصيان «8» . وقال المناويّ: قال الحراليّ: الطّغيان: إفراط الاعتدال في حدود الأشياء ومقاديرها «9» . وقال الكفويّ: الطّغيان: تجاوز الحدّ الّذي كان عليه من قبل، وكلّ شيء جاوز الحدّ فقد طغى «10» . وقال القرطبيّ: الطّغيان: تجاوز الحدّ في الظّلم والغلوّ فيه، وذلك أنّ الظّلم منه صغيرة ومنه كبيرة، فمن تجاوز منزلة الصّغيرة فقد طغى «11» . وقال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله-: الطّاغوت: كل ما تجاوز به العبد حدّه من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله «12» . الفرق بين الطغيان والبغي والعدوان والعتو: معاني هذه المصطلحات متقاربة إلى حدّ كبير بيد أنّها ليست واحدة، فالطّغيان مجاوزة الحدّ الّذي كان عليه من قبل، ويكون ذلك في المعاصي، أمّا العدوان فهو تجاوز المقدار المأمور به، أمّا البغي فهو   (1) استخلصنا هذه المعاني من: لسان العرب (3678) ، والصحاح (6/ 2412) . (2) النهاية لابن الأثير 3/ 128، وقارن بلسان العرب (طغى) (2677) ط. دار المعارف. (3) تفسير القرطبي (6/ 159) . (4) مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى (1/ 33) ت: فؤاد سزكين. (5) تفسير القرطبي (1/ 146) . (6) بصائر ذوي التمييز (3/ 508) . (7) منال الطالب، شرح طوال الغرائب (27) . (8) التعريفات (146) . (9) التوقيف على مهمات التعاريف (227) . (10) الكليات للكفوي (580، 584) . (11) تفسير القرطبي (6/ 159) . (12) فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن (32) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4835 طلب تجاوز قدر الاستحقاق تجاوزه أو لم يتجاوزه، ويستعمل في المتكبّر لأنّه طالب منزلة ليس لها بأهل «1» . أمّا العتوّ فيتضمّن الاستكبار إلى جانب مجاوزة الحدّ، وقد يستعمل في مطلق التجبّر ولو في غير المعصية «2» . من معاني الطغيان في القرآن الكريم: ذكر ابن سلّام وغيره أنّ الطّغيان في القرآن الكريم على أربعة أوجه: 1- الطّغيان بمعنى الضّلالة وذلك كما في قوله تعالى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة/ 15) . 2- الطّغيان بمعنى العصيان وذلك كما في قوله تعالى: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (طه/ 24) . 3- الطّغيان بمعنى الارتفاع والتّكثّر وذلك كما قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ (الحاقة/ 11) . 4- الطّغيان بمعنى الظّلم وذلك كما في قوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (النجم/ 17) وقوله سبحانه: أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (الرحمن/ 8) «3» . أمّا الطّاغوت فقد أوردت له كتب الوجوه والنّظائر المعاني الآتية: 1- الطّاغوت يراد به الشّيطان وذلك في قوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ (البقرة/ 256) . 2- الطّاغوت يراد به الأوثان الّتي تعبد من دون الله وذلك في قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل/ 36) . 3- الطّاغوت يعنى به كعب بن الأشرف اليهوديّ وذلك في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ (النساء/ 51) «4» . [للاستزادة: انظر صفات: البغي- الحرب والمحاربة- الظلم- العدوان- العتو- الكبر والعجب القسوة- الفجور- الطمع. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- الرفق- السلم- الصلاح- المراقبة- محاسبة النفس- الرأفة] .   (1) الكليات للكفوي (584) . (2) انظر صفة العتو. (3) التصاريف ليحيى بن سلام (207، 208) ، والأشباه والنظائر لمقاتل (2/ 221/ 222) . (4) انظر المرجعين السابقين، التصاريف (207) ، والأشباه والنظائر (1/ 115) ، وكشف السرائر لابن العماد (148، 149) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4836 الآيات الواردة في «الطغيان» 1- وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) «1» 2- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «2» 3- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (68) «3» 4- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) «4» 5- أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) «5» 6- * وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) «6» 7- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) «7» 8- وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (60) «8» 9- أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79)   (1) البقرة: 14- 15 مدنية (2) المائدة: 64 مدنية (3) المائدة: 68 مدنية (4) الأنعام: 109- 110 مكية (5) الأعراف: 185- 186 مكية (6) يونس: 11 مكية (7) هود: 112- 113 مكية (8) الإسراء: 60 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4837 وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) «1» 10- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) «2» 11- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) «3» 12- كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) «4» 13- * وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (76) «5» 14- وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31) «6» 15- هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (56) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) «7» 16- أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) * قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) «8» 17- أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «9» 18- أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (32)   (1) الكهف: 79- 80 مكية (2) طه: 24- 28 مكية (3) طه: 43- 45 مكية (4) طه: 81 مكية (5) المؤمنون: 75- 76 مكية (6) الصافات: 27- 31 مكية (7) ص: 55- 57 مكية (8) ق: 24- 28 مكية (9) الذاريات: 53- 55 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4838 أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34) «1» 19- ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) «2» 20- وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (50) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (52) «3» 21- وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9) «4» 22- فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) «5» 23- إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (21) لِلطَّاغِينَ مَآباً (22) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) «6» 24- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) «7» 25- فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) «8» 26- وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14) «9» 27- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (14) وَلا يَخافُ عُقْباها (15) «10» 28- كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (8) «11» الآيات الواردة في «الطغيان» معنى انظر صفة: البغي- العتو- العدوان   (1) الطور: 30- 34 مكية (2) النجم: 17- 18 مكية (3) النجم: 50- 52 مكية (4) الرحمن: 7- 9 مدنية (5) القلم: 30- 32 مكية (6) النبأ: 21- 23 مكية (7) النازعات: 17- 19 مكية (8) النازعات: 37- 39 مكية (9) الفجر: 10- 14 مكية (10) الشمس: 11- 15 مكية (11) العلق: 6- 8 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4839 الأحاديث الواردة في ذمّ (الطغيان) 1- * (عن محمّد بن إبراهيم، أنّ قتادة بن النّعمان الظّفريّ وقع بقريش، فكأنّه نال منهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا قتادة لا تسبّنّ قريشا فلعلّك أن ترى منهم رجالا تزدري عملك مع أعمالهم وفعلك مع أفعالهم، وتغبطهم إذا رأيتهم، لولا أن تطغى قريش لأخبرتهم بالّذي لهم عند الله- عزّ وجلّ-» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله؟ قال: «بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلّا فقرا منسيا أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا أو هرما «2» مفنّدا «3» أو موتا مجهزا أو الدّجّال فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة فالسّاعة أدهى وأمرّ» ) * «4» . 3- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الغلام الّذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا» ) * «5» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّاس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فهل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يجمع الله النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه، فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس، ويتّبع من كان يعبد القمر القمر، ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت وتبقى هذه الأمّة ... الحديث» ) * «6» . 5- * (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحلفوا بالطّواغي «7» ولا بآبائكم» «8» . وفى رواية النّسائيّ «لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطّواغيت» ) * «9» . 6- * (عن عروة- رضي الله عنه- قال: سألت عائشة- رضي الله عنها- فقلت لها: أرأيت   (1) المسند (6/ 384) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 23، وقال: رواه أحمد مرسلا ومسندا والبزار كذلك والطبراني مسندا ورجال البزار في المسند رجال الصحيح، ورجال أحمد في المسند والمرسل رجال الصحيح غير جعفر بن عبد الله بن أسلم في مسند أحمد وهو ثقة. (2) الهرم: محرّكة أقصى الكبر. (3) الفند: ضعف الرأي من الهرم وضعف الفهم والعقل. (4) سنن الترمذي 4 (2306) ص 478- 479. (5) مسلم 4 (2661) ، وقال: حسن غريب، وانظر جامع الأصول 11/ 14. (6) البخاري- الفتح 13 (7437) واللفظ له، مسلم 1 (182) . (7) الطواغي: الأصنام. (8) مسلم 3 (1648) ، وابن ماجة 1 (2095) . (9) النسائي 7 (3774) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4840 قول الله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (البقرة/ 158) فو الله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصّفا والمروة. قالت: بئس ما قلت يا بن أختي، إنّ هذه لو كانت كما أوّلتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوّف بهما، ولكنّها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلّون «1» لمناة، الطّاغية الّتي كانوا يعبدونها عند المشلّل «2» ، وكان من أهلّ يتحرّج أن يطوف بالصّفا والمروة، فلمّا أسلموا سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله، إنّا كنّا نتحرّج أن نطوف بين الصّفا والمروة، فأنزل الله تعالى إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الآية. قالت عائشة- رضي الله عنها- وقد سنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الطّواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطّواف بينهما. ثمّ أخبرت أبا بكر بن عبد الرّحمن، فقال: إنّ هذا يعلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أنّ النّاس- إلّا من ذكرت عائشة ممّن كان يهلّ بمناة- كانوا يطوفون كلّهم بالصّفاء والمروة، فلمّا ذكر الله تعالى الطّواف بالبيت، ولم يذكر الصّفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنّا نطوف بالصّفا والمروة، وإنّ الله أنزل الطّواف بالبيت فلم يذكر الصّفا، فهل علينا من حرج أن نطّوّف بالصّفا والمروة. فأنزل الله تعالى إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الآية. قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الّذين كانوا يتحرّجون أن يطّوّفوا في الجاهليّة بالصّفا والمروة، والّذين يطّوّفون، ثمّ تحرّجوا أن يطّوّفوا بهما في الإسلام من أجل أنّ الله- تعالى- أمر بالطّواف بالبيت ولم يذكر الصّفا، حتّى ذكر ذلك بعدما ذكر الطّواف بالبيت) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى تضطرب أليات «4» نساء دوس على ذي الخلصة» ) * «5» . قال البخاريّ: وذو الخلصة: طاغية دوس الّتي كانوا يعبدون في الجاهليّة.   (1) يهلّون: يحجون إليها ويقصدونها. (2) المشلّل: الثنية المشرفة وهي اسم للمكان التي وجدت فيه «مناة» . (3) البخاري- الفتح 3 (1643) واللفظ له، مسلم 2 (1277) . (4) أليات (بفتح الهمزة واللام) : جمع ألية، والألية: العجيزة، والجمع أعجاز. (5) البخاري- الفتح 13 (7116) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4841 الأحاديث الواردة في ذمّ (الطغيان) معنى 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يخرج رجل من قحطان يسوق النّاس «1» بعصاه» ) * «2» . وانظر أيضا الأحاديث الواردة في ذمّ ((البغي- والعتو- والعدوان)) من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الطغيان) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- (عندما) بلغها أنّ ناسا يتناولون من أبيها (سيّدنا أبي بكر- رضي الله عنه-) فأرسلت إلى أزفلة «3» منهم، فلمّا حضروا، سدلت أستارها، ثمّ دنت، فحمدت الله تعالى، وصلّت على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ... وكان ممّا قالت: كان (أبو بكر) وقيذ الجوانح «4» ، غزير الدّمعة، شجيّ النّشيج «5» ، فانصفقت إليه «6» نسوان مكّة وولدانها، يسخرون منه، ويستهزئون واللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة/ 15) . قال ابن الأثير في شرحه لهذا الأثر: والطّغيان مجاوزة الحدّ فى الضّلال) * «7» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: إنّ الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان، وإنّ الشّجاعة والجبن غرائز تكون في الرّجال، يقاتل الشّجاع عمّن لا يعرف، ويفرّ الجبان من أمّه، وإنّ كرم الرّجل دينه، وحسبه خلقه، وإن كان فارسيّا أو نبطيّا) * «8» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (الأنعام/ 110) المراد: في كفرهم، وقال أبو العالية: في   (1) يسوق الناس بعصاه: أي يسوق الناس بعصا حقيقية كما تساق الإبل والماشية، أو كناية عن غلبته عليهم وانقيادهم له. (2) البخاري- الفتح 13 (7117) . (3) الأزفلة: الجماعة من الناس قلّت أو كثرت. (4) الوقيذ: العليل الشديد العلّة، والجوانح: الضلوع القصار، والمراد أنه عليل القلب محزونه قد وقذه خوف الله تعالى، وعبّر بالجوانح عن القلب لأنه يليها. (5) النشيج: صوت معه توجع، وقيل هو أن يغص بالبكاء فيردده في صدره ولا يخرجه، والشجا: ما نشب في الحلق من غصة هم، والمراد به الحزن. (6) انصفقت إليه: أي صرفهم إليه صارف التلهى والسخرية فسارعوا نحوه. (7) انظر الأثر كاملا مشروحا في منال الطالب ص 561- 573. (8) تفسير ابن كثير 1/ 31. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4842 ضلالهم) * «1» . 4- * (وعنه- رضي الله عنه- في قوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (النجم/ 17) قال: ما ذهب يمينا ولا شمالا، وما طغى، أي ما جاوز ما أمر به) * «2» . 5- * (وعنه (أيضا) - رضي الله عنه- في قوله تعالى: إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (طه/ 45) : أي يعتدي) * «3» . 6- * (وعنه (أيضا) - رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة/ 15) قال: يمدّهم: يملي لهم في طغيانهم يعمهون، أي في كفرهم يتردّدون) * «4» . 7- * (وعنه- رضي الله عنه- في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (العلق/ 6) قال: هو أبو جهل بقوله: لئن رأيت محمّدا يصلّي عند الكعبة لأطأنّ عنقه) * «5» . 8- * (قال وهب بن منبّه- رضي الله عنه-: إنّ للعلم طغيانا كطغيان المال) * «6» . 9- * (وقال- رضي الله عنه- (أيضا) في قوله تعالى: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (طه/ 43) : وقل له أجب ربّك فإنّه واسع المغفرة وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلّها أنت مبارز بالمحاربة تسبّه، وتتمثّل به، وتصدّ عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السّماء وينبت لك الأرض) * «7» . 10- * (قال قتادة في قوله تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً (المائدة/ 68) : المراد: حملهم حسد محمّد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمّد ودينه، وهم يجدونه عندهم مكتوبا) * «8» . 11- * (عن قتادة في قوله تعالى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (الكهف/ 80) قال: قد فرح أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء الله) * «9» . 12- * (عن قتادة في قوله تعالى: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (الحاقة/ 5) قال: الطّاغية: الصّيحة) * «10» . 13- * (عن قتادة في قوله تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (النجم/ 52) قال: لم يكن قبيل من النّاس هم أظلم وأطغى من قوم نوح، دعاهم نوح ألف سنة إلّا خمسين عاما، كلّما هلك قرن ونشأ قرن دعاهم، حتّى لقد ذكر أنّ الرّجل كان يأخذ بيد أخيه أو ابنه فيمشي إليه فيقول: يا بنيّ إنّ   (1) تفسير ابن كثير 2/ 165. (2) المرجع السابق 4/ 252. (3) المرجع السابق 3/ 154. (4) المرجع السابق 1/ 52. (5) الدر المنثور 6/ 626. (6) النهاية لابن الأثير 3/ 138. (7) تفسير ابن كثير 3/ 153. (8) الدر المنثور 2/ 526. (9) تفسير ابن كثير 3/ 98. (10) المرجع السابق 4/ 412. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4843 أبي قد مشى بي إلى هذا وأنا مثلك يومئذ، تتابعا في الضّلالة وتكذيب أمر الله- عزّ وجلّ-) * «1» . 14- * (عن مجاهد في قوله تعالى: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (الحاقة/ 5) قال: الذّنوب) * «2» . 15- * (وعن السّدّيّ في الآية السّابقة، قال: الطّاغية: يعني عاقر النّاقة) * «3» . 16- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً (المائدة/ 68) أي يكون ما آتاك الله يا محمّد نقمة في حقّ أعدائك من اليهود وأشباههم فكما يزداد به المؤمنون تصديقا وعملا وعلما يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمّتك طغيانا، وهو المبالغة والمجاوزة للحدّ في الأشياء) * «4» . 17- * (وقال- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (الكهف/ 80) : أي يحملهما حبّه على متابعته على الكفر) * «5» . 18- * (وقال- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (طه/ 24) : أي اذهب إلى فرعون ملك مصر الّذي خرجت فارّا منه هاربا، فادعه إلى عبادة الله وحده لا شريك له ومره فليحسن إلى بني إسرائيل ولا يعذّبهم فإنّه طغى وبغى وآثر الحياة الدّنيا) * «6» . 19- * (وقال (أيضا) - رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (طه/ 43) : أي تمرّد وعتا وتجبّر على الله وعصاه) * «7» . 20- * (وقال (أيضا) - رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (المؤمنون/ 75) : يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم بأنّه لو أزاح عنهم الضّرّ وأفهمهم القرآن لما انقادوا له ولاستمرّوا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم) * «8» . 21- * (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ (ق/ 27) : أي ما أضللته، وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أي كان هو نفسه ضالّا قابلا للباطل معاندا للحقّ) * «9» . 22- * (وقال (أيضا) - رحمه الله تعالى- في نفس الآية ما أَطْغَيْتُهُ: أي عن منهج الحقّ) * 10. 23- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في خبر وفد ثقيف: فلمّا فرغوا من أمرهم، وتوجّهوا إلى بلادهم راجعين، بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم أبا سفيان ابن حرب والمغيرة بن شعبة في هدم الطّاغية، فخرجا مع القوم حتّى إذا قدموا الطّائف أراد المغيرة أن يقدّم أبا سفيان فأبى ذلك عليه أبو سفيان، وقال: ادخل   (1) الدر المنثور 6/ 172. (2) الدر المنثور 4/ 412. (3) تفسير ابن كثير 4/ 412. (4) المرجع السابق 2/ 75، 76. (5) المرجع السابق 3/ 98. (6) المرجع السابق 3/ 146. (7) المرجع السابق 3/ 153. (8) المرجع السابق 3/ 251. 9، 10 المرجع السابق 4/ 226. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4844 أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم، فلمّا دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول، وقام قومه بني معتب دونه خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة ابن مسعود، قال: وخرج نساء ثقيف حسّرا يبكين عليها ويقلن: لنبكينّ دفاع- أسلمها الرّضاع- لم يحسنوا المصاع «1» . ويقول أبو سفيان: والمغيرة يضربها بالفأس وآها لك آها لك، فلمّا هدّمها المغيرة، وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمرنا أن نقضي عن عروة بن مسعود وأخيه الأسود ابن مسعود والد قارب بن الأسود دينهما من مال الطّاغية، فقضى ذلك عنهما) * «2» . من مضار (الطغيان) (1) صفة من صفات الكفّار والمنافقين. (2) يستوجب غضب الله والعباد. (3) من اتّبع طاغية في الدّنيا فإنّه يتبعه يوم القيامة. (4) الطّغيان إفساد للمجتمع وهلاك للأمم. (5) فيه خسران في الدّنيا وفي الآخرة. (6) طغيان العلم يورث الكبر والعجب وغيرهما من أمراض القلب. (7) طغيان المال يشغل الإنسان ويلهيه عمّا يجب عليه للآخرين. (8) الطّغيان نذير شؤم لأهله في الدّنيا، ولا يغني عنهم فتيلا في الآخرة.   (1) المصاع: الضرب. (2) البداية والنهاية 5/ 32، 33. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4845 الطمع الطمع لغة: مصدر قولهم: طمع فلان يطمع، وهو مأخوذ من مادّة (ط م ع) الّتي تدلّ على رجاء قويّ في القلب للشّيء، ولمّا كان أكثر الطّمع من الهوى قيل: الطّمع طبع «1» ، والطّمع يدنّس الإهاب، يقال: طمع فلان في كذا وبكذا يطمع طمعا وطماعة وطماعية أي حرص عليه ورجاه فهو طمع وطامع من قوم طمعين وطماعى وأطماع وطمعاء. وأطمعه فيه غيره، ويقال في التّعجّب: طمع الرّجل (بضمّ الميم) أي صار كثير الطّمع، والطمع أيضا رزق الجند. قال ابن برّي: يقال: طمع وأطماع ومطمع ومطامع، وقول الله تعالى: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (الأعراف/ 44) معناه كما يقول أبو حيّان: يتيقّنون ما أعدّ الله لهم من الزّلفى «2» . وقوله سبحانه: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (الشعراء/ 82) قال القرطبيّ: معناه: أرجو، وقيل هو بمعنى اليقين في حقّه، وبمعنى الرّجاء الآيات/ الأحاديث/ الآثار 12/ 11/ 29 في حقّ المؤمنين سواه «3» . قال الأزهريّ: الطّمع ضدّ اليأس. وفي حديث عمر- رضي الله عنه-: «تعلّمنّ أنّ الطّمع فقر، وأنّ اليأس غنى. ويقال: ما أطمع فلانا على التّعجّب من طمعه، ويتعدّى الفعل بالهمزة لا بالتّضعيف. قال ابن منظور: وأنكر بعضهم التّشديد (أي أن يقال طمّع) ، وإنّما يقال: أطمعه غيره (أي إنّ التعدّي يكون بالهمزة) ، والمطمع: ما طمع فيه، والمطمعة: ما طمع من أجله، وامرأة مطماع: تطمع ولا تمكّن من نفسها، والمطمع: ما طمعت فيه، وفي الحديث: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من طمع يهدي إلى طبع، ومن طمع في غير مطمع» «4» . الطمع اصطلاحا: قال الرّاغب: نزوع النّفس إلى الشّيء شهوة له «5» . وقال المناويّ: الطّمع تعلّق البال بالشّيء من غير تقدّم سبب له، وأكثر ما يستعمل فيما يقرب   (1) الطّبع هنا معناه الدّنس واللؤم، وقد ذكرها الراغب بسكون الباء، والتصويب من البصائر، انظر البصائر (3/ 395) والمفردات (307) . (2) تفسير البحر المحيط 4/ 304. (3) تفسير القرطبي (13/ 76) . (4) مقاييس اللغة (3/ 425) ، المفردات للراغب (307) ، تهذيب اللغة للأزهري (2/ 192) ، الصحاح (3/ 1255) ، اللسان (طمع) (2704) (ط. دار المعارف) وبصائر ذوي التمييز (3/ 516) . (5) المفردات (207) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4846 حصوله، وقد يستعمل بمعنى الأمل. وقال بعضهم: الطّمع ذلّ ينشأ من الحرص والبطالة والجهل بحكمة الباري «1» . الطمع بين المدح والذم: إنّ الطّمع بمعنى الرّجاء في رحمة الله وتوقّع الخير، أمر محمود، وهذا ما فعله نبيّ الله إبراهيم- عليه السّلام- عندما قال الله على لسانه: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (الشعراء/ 82) . وامتدح الله- عزّ وجلّ- من يدعونه خوفا وطمعا، ووعدهم بما تقرّ به أعينهم. قال تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة: 16، 17) . أمّا إذا كان الطّمع في حطام الدّنيا من مال عارض أو منصب زائل، أو جاه حائل، فإنّ ذلك كلّه مذموم خاصّة إذا صدر ممّن له حقّ فيه، وهذا دأب المنافقين الّذين كانوا يطمعون في الصّدقات فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (التوبة/ 58) يقول الإمام ابن تيميّة: وهكذا كان حال من كان متعلّقا برئاسة أو ثروة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي وإن لم يحصل سخط فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له إذا لم يحصل. والعبوديّة في الحقيقة هي رقّ القلب وعبوديّته، فما استرقّ القلب واستعبده فهو عبد لهذا. يقال: العبد حرّ ما قنع ... والحرّ عبد ما طمع وقال قائل: أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أنّي قنعت لكنت حرّا ويقال: (الطمع فقر، واليأس غنى، وإنّ أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه) وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه. فإنّه الأمر الّذي لا ييأس منه، ولا يطلبه ولا يطمع به، ولا يبقى قلبه فقيرا إليه ولا إلى من يفعله وأمّا إذا طمع في أمر من الأمور ورجاه تعلّق قلبه به فصار فقيرا إلى حصوله وإلى من يظنّ أنّه سبب في حصوله وهذا في المال والجاه والصّور وغير ذلك. قال الخليل إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (العنكبوت/ 17) فالعبد لا بدّ له من رزق، وهو محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبدا لله فقيرا إليه، وإن طلبه من مخلوق صار عبدا لذلك المخلوق فقيرا إليه «2» . [للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- أكل الحرام- التطفيف- الربا- الرشوة- السرقة- الغلول- الظلم- الطغيان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: القناعة- الرضا- حسن المعاملة- الزهد- محاسبة النفس- مجاهدة النفس- علو الهمة] .   (1) التوقيف (307) . (2) مكارم الأخلاق لابن تيمية (260، 261) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4847 الآيات الواردة في «الطمع» الطمع في المغفرة والجنة: 1- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «1» 2- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) * وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «2» 3- فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)   (1) المائدة: 83- 85 مدنية (2) الأعراف: 44- 51 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4848 قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) «1» 4- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «2» الطمع في إيمان الكافرين ميئوس منه: 5- * أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) «3» 6- فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) «4» 7- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) «5» التصرف المطمع للغير مرفوض: 8- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31)   (1) الشعراء: 46- 51 مكية (2) الشعراء: 69- 89 مكية (3) البقرة: 75 مدنية (4) المعارج: 36- 38 مكية (5) المدثر: 11- 17 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4849 يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «1» الآيات تخويف وطمع وكذلك الدعاء ينبغي أن يكون: 9- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «2» 10- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) «3» 11- وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «4» 12- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) «5»   (1) الأحزاب: 30- 34 مدنية (2) الأعراف: 55- 56 مكية (3) الرعد: 12 مكية (4) الروم: 24 مكية (5) السجدة: 15- 17 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4850 الأحاديث الواردة في ذمّ (الطمع) 1- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا ... الحديث، وفيه: «قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «1» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «2» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «3» ، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «4» والشّنظير «5» الفحّاش» ) * «6» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الطمع) معنى 2- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول. كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «7» . 3- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول: قد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه منّي. حتّى أعطاني مرّة مالا فقلت: أعطه أفقر إليه منّي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف «8» ولا سائل، فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك» ) * «9» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه   (1) لا زبر له: أي لا عقل يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (2) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (3) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (4) وذكر البخل أو الكذب: هكذا في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور. (5) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيىء الخلق. (6) مسلم (2865) . (7) مسلم (2722) . (8) غير مشرف: غير متطلع إليه ولا طامع فيه. (9) البخاري- الفتح 3 (1473) . ومسلم (1045) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4851 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ لابن آدم ملء واد مالا لأحبّ أنّ له إليه مثله، ولا يملأ عين ابن آدم إلّا التّراب، ويتوب الله على من تاب» ) * «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال قلب الكبير شابّا في اثنتين: في حبّ الدّنيا وطول الأمل» ) * «2» . 6- * (عن ابن كعب بن مالك الأنصاريّ عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف لدينه» ) * «3» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «منهومان لا يشبعان: منهوم في علم لا يشبع، ومنهوم في دنيا لا يشبع» ) * «4» . 8- * (قال معاوية- رضي الله عنه-: إيّاكم وأحاديث. إلّا حديثا كان في عهد عمر، فإنّ عمر كان يخيف النّاس في الله عزّ وجلّ. وقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما أنا خازن. فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه، ومن أعطيته عن مسألة وشره كان كالّذي يأكل ولا يشبع» ) * «5» . 9- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث- والّذي نفس محمّد بيده إن كنت لحالفا عليهنّ- لا ينقص مال من صدقة فتصدّقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلّا رفعه بها- وقال أبو سعيد مولى بني هاشم: إلّا زاده الله بها عزّا يوم القيامة- ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر» ) «6» . 10- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني. ثمّ قال: «يا حكيم إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالّذي يأكل ولا يشبع. اليد العليا خير من اليد السّفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتّى أفارق   (1) البخاري- الفتح 11 (6437) واللفظ له. ومسلم (1049) . (2) البخاري- الفتح 11 (6420) واللفظ له. ومسلم (1046) في باب كراهة الحرص على الدنيا. (3) الترمذي (2376) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وأحمد (3/ 456، 460) . وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (3/ 628) . وقال محققه: وهو كما قال الترمذي. وكذا المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 540) . وهو في المشكاة (3/ 1431) . وأفرده الحافظ ابن رجب في رسالة لطيفة. (4) الحاكم في المستدرك (1/ 92) واللفظ له. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم أجد له علة ووافقه الذهبي. والحديث في المشكاة (1/ 86) وفيه قال الألباني: هو عند ابن عدي وابن عساكر (وهو صحيح) ، وانظر «مجمع الزوائد» (1/ 135) . (5) مسلم (1037) . (6) أحمد (1/ 193) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 63) برقم (3022) وقال: صحيح. وعزاه للبزار وابن عساكر وابن أبي الدنيا في ذم الغضب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4852 الدّنيا. فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه. ثمّ إنّ عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا، فقال عمر: إنّي أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أنّي أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى توفّي» ) * «1» . 11- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يهرم ابن آدم وتشبّ اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الطمع) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: تعلّمنّ أنّ الطّمع فقر، وأنّ اليأس غنى) * «3» . 2- * (قال عليّ- رضي الله عنه- أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع) * «4» . 3- * (وقال أيضا- رضي الله عنه- ما الخمر صرفا بأذهب لعقول الرّجال من الطّمع) * «5» . 4- * (اجتمع كعب وعبد الله بن سلام، فقال له كعب: يا بن سلام: من أرباب العلم؟ قال: الّذين يعملون به. قال: فما أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطّمع، وشره النّفس، وطلب الحوائج إلى النّاس) * «6» . 5- * (قال متمّم بن نويرة في مرثيّته المشهورة يرثي أخاه مالكا: لبيبا أعان اللّبّ منه سماحة ... خصيبا إذا ما راكب الجدب أوضعا ) * «7» . تراه كصدر السّيف يهتزّ للنّدى ... إذا لم تجد عند امرئ السّوء مطمعا ) * «8» . 6- * (قال أبو العبّاس أحمد بن مروان: وذي حرص تراه يلمّ وفرا ... لوارثه ويدفع عن حماه ككلب الصّيد يمسك وهو طاو ... فريسته ليأكلها سواه ) * «9» . 7- * (وقال آخر: إذا ما نازعتك النّفس حرصا ... فأمسكها عن الشّهوات أمسك   (1) البخاري- الفتح 3 (1472) واللفظ له. ومسلم (1035) . (2) البخاري- الفتح 11 (6421) . ومسلم (1047) واللفظ له. (3) لسان العرب (5/ 2074) . (4) المستطرف (98) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) أوضع: أسرع في سيره، والمراد: إذا اشتد الجدب. (8) المفضليات (265) . (9) المستطرف (97) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4853 ولا تحرص ليوم أنت فيه ... وعدّ فرزق يومك رزق أمسك ) * «1» . 8- * (قال إسماعيل بن قطريّ القراطيسيّ: حسبي بعلمي إن نفع ... ما الذّلّ إلّا في الطّمع من راقب الله نزع ... عن سوء ما كان صنع ) * «2» . 9- * (قال سابق البربريّ: يخادع ريب الدّهر عن نفسه الفتى ... سفاها وريب الدّهر عنها يخادعه ويطمع في سوف ويعلم دونها ... وكم من حريص أهلكته مطامعه ) * «3» . 10- * (أنشد الحلّاج عند قتله عليه من الله ما يستحقّ: طلبت المستقرّ بكلّ أرض ... فلم أر لي بأرض مستقرّا أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أنّي قنعت لكنت حرّا ) * «4» . 11- * (قال ابن الأعرابيّ- رحمه الله تعالى-: كان يقال: لا يوجد العجل محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الملول ذا إخوان، ولا الحرّ حريصا، ولا الشّره غنيّا) * «5» . 12- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: ليس في الدّنيا أبله ممّن يطلب النّهاية في لذّات الدّنيا، وليس فى الحقيقة لذّة، إنّما هي راحة من مؤلم. فالسّعيد من إذا حصلت له امرأة أو جارية فمال إليها، ومالت إليه، وعلم سترها ودينها أن يعقد الخنصر على صحبتها. وأكثر أسباب دوام محبّتها أن لا يطلق بصره، فمتى أطلق بصره أو أطمع نفسه في غيرها، فإنّ الطّمع في الجديد ينغّص الخلق وينقص المخالطة، ولا يستر عيوب الخارج فتميل النّفس إلى المشاهد الغريب، ويتكدّر العيش مع الحاضر القريب كما قال الشّاعر:* والمرء ما دام ذا عين يقلّبها ... في أعين الحور موقوف على الخطر يسرّ مقلته ما ضرّ مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضّرر ثمّ تصير الثّانية كالأولى وتطلب النّفس ثالثة وليس لهذا آخر، بل الغضّ عن المشتهيات، ويأس النّفوس من طلب المتحسّنات يطيّب العيش مع المعاشر) * «6» . 13- * (قال أبو العتاهية: لقد لعبت وجدّ الموت في طلبي ... وإنّ في الموت لي شغلا عن اللّعب لو شمّرت فكرتي فيما خلقت له ... ما اشتدّ حرصي على الدّنيا ولا طلبي ) * «7» .   (1) المستطرف (97) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق (98) . (4) سير أعلام النبلاء (14/ 346) . (5) مجمع الأمثال للميداني النيسابوري (2/ 243) . (6) صيد الخاطر (321) . (7) المستطرف (98) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4854 14- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرّجال هب الدّنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزّوال ) ؟ * «1» . 15- * (قال الرّاغب الأصفهانيّ: الطّمع طبع، وهو يدنّس الإهاب، وذلك لأنّ أكثر الطّمع من أجل الهوى) * «2» . 16- * (قال ثابت بن قطنة: لا خير في طمع يهدي إلى طبع ... وغفّة «3» من قوام العيش تكفيني ) * «4» . 17- * (قال عليّ بن عبد العزيز القاضي الجرجانيّ- رحمه الله تعالى-: يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما أرى النّاس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما أنهنهها عن بعض ما لا يشينها ... مخافة أقوال العدا فيم أو لما؟ ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة؟ ... إذا فاتّباع الجهل قد كان أحزما ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النّفوس لعظّما ولكن أهانوه فهان ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما ) * «5» . 18- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: في الطّمع شره، والحمية أوفق) * «6» . 19- * (وقال أيضا: لصّ الحرص لا يمشي إلّا في ظلام الهوى) * «7» . 20- * (قال ابن المقرّيّ في لاميّته: دع الجموع وسامحه تغظه ولا ... تصحب سوى السّمح واحذر سقطة العجل ) * «8» . 21- * (قال بعض الشّعراء: لا تغبطنّ أخا حرص على سعة ... وانظر إليه بعين الماقت القالي   (1) المستطرف (98) . (2) المفردات (307) مادة (ط م ع) . (3) الغفّة: القليل الذي يتبلغ به. (4) بصائر ذوي التمييز (3/ 516) (5) أدب الدنيا والدين (50) ط. بولاق. (6) الفوائد (68) . (7) المرجع السابق (68) . (8) جواهر الأدب العربي (674) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4855 إنّ الحريص لمشغول بثروته ... عن السّرور بما يحوي من المال ) * «1» . 22- * (وفي نفس الموضع قال آخر: يا جامعا مانعا والدّهر يرمقه ... مفكّرا أيّ باب منه يغلقه المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلّا يوم تنفقه إنّ القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلّها همّا يؤرّقه ) * «2» . 23- * (قال الشّاعر: لا تغضبنّ على امرئ ... لك مانع ما في يديه واغضب على الطّمع الّذي ... استدعاك تطلب ما لديه ) * «3» . 24- * (قال بعضهم: الحرص ينقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه) * «4» . 25- * (قال الشّاعر: إذا طاوعت حرصك كنت عبدا ... لكلّ دنيئة تدعى إليها ) * «5» . 26- * (وقال آخر وأجاد: قد شاب رأسي ورأس الدّهر لم يشب ... إنّ الحريص على الدّنيا لفي تعب ) * «6» . 27- * (قال بعضهم: العبيد ثلاثة: عبد رقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع) * «7» . 28- * (قال بعضهم: من أراد أن يعيش حرّا أيّام حياته فلا يسكن قلبه الطّمع) * «8» . 29- * (قال الحادرة الذّبيانيّ: إنّا نعفّ فلا نريب حليفنا ... ونكفّ شحّ نفوسنا في المطمع ) * «9» . من مضار (الطمع) (1) دليل قلّة الإيمان، ونقص الثّقة فيما عند الله العلّام. (2) دليل سوء الظّنّ بالله الواسع العطاء. (3) يشعر صاحبه الفقر الملازم الّذي لا ينفكّ. (4) يذلّ صاحبه لكلّ من يطمع فيما عنده. (5) يحقّر نفسه ويزدريه الآخرون. (6) التّعب الدّائم الّذي لا ينقطع.   (1) رسالة ابن رجب في شرح حديث ما ذئبان جائعان (26) . (2) المرجع السابق (26) . (3) المستطرف (99) (4) المرجع السابق (97) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المستطرف (97) . (7) المرجع السابق (98) . (8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المفضليات للضبي (45) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4856 طول الأمل (عدم تذكر الموت) الأمل لغة: هو الاسم من قولهم: أملته آمله أملا وإملة، وهو مأخوذ من مادّة (أم ل) الّتي تدلّ على التّثبّت والانتظار «1» . قال ابن فارس: ومن ذلك: الأمل: الرّجاء تقول أمّلته تأميلا وأملته أملا وإملة، وهذا فيه بعض الانتظار. وقال الجوهريّ: يقال: أمل خيره يأمله أملا، وأمّله يؤمّله تأميلا، وقولهم: ما أطول إملته أي أمله، وتأمّلت الشّيء، نظرت إليه مستبينا له. وقال ابن الأعرابيّ: الأملة: أعوان الرّجل واحدهم آمل. وقال في اللّسان: يقال: الأمل، والأمل، والإمل وجمع الأمل آمال، وقول الله تعالى: وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ (الحجر/ 3) . قال القرطبيّ في تفسيرها: ويلههم الأمل أي يشغلهم عن الطّاعة «2» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 2/ 12/ 40 الأمل اصطلاحا: قال القرطبيّ: الأمل: الحرص على الدّنيا والانكباب عليها، والحبّ لها والإعراض عن الآخرة «3» . وقال المناويّ: الأمل: توقّع حصول الشّيء، وأكثر ما يستعمل فيما يستبعد حصوله «4» . أمّا طول الأمل: فهو الاستمرار في الحرص على الدّنيا ومداومة الانكباب عليها مع كثرة الإعراض عن الآخرة «5» . الفرق بين الأمل والطّمع والرجاء: قال المناويّ: من عزم على سفر إلى بلد بعيد يقول أملت الوصول ولا يقول طمعت، لأنّ الطّمع لا يكون إلّا فى القريب، والأمل في البعيد، والرّجاء بينهما، لأنّ الرّاجي يخاف ألّا يحصّل مأموله «6» . قال ابن حجر: وفي الأمل سرّ لطيف لأنّه لولا الأمل ما تهنّى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدّنيا، وإنّما المذموم منه   (1) لهذه المادة معنى آخر هو الحبل من الرمل المعتزل معظمه (أي الرمل) ، انظر المقاييس (1/ 140) . (2) تفسير القرطبي (10/ 4) وانظر مقاييس اللغة (1/ 140) ، والصحاح (4/ 1626) ، تهذيب اللغة (15/ 395) ، واللسان (1/ 132) (ط. دار المعارف) (3) تفسير القرطبي (10/ 4) . (4) التوقيف (62) . (5) اقتبس هذا التعريف من أقوال اللغويين وعلماء الاصطلاح فى كل من الأمل والطول. (6) التوقيف (12) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4857 الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك لم يكلّف بإزالته «1» . دوافع طول الأمل: قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-: اعلم أنّ طول الأمل له سببان، أحدهما: الجهل، والآخر: حبّ الدنيا. أمّا حبّ الدّنيا: فهو أنّه إذا أنس بها وبشهواتها ولذّاتها وعلائقها ثقل على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الّذي هو سبب مفارقتها، وكلّ من كره شيئا دفعه عن نفسه. والإنسان مشغوف بالأمانيّ الباطلة، فيمنّي نفسه أبدا بما يوافق مراده، وإنّما يوافق مراده البقاء في الدّنيا، فلا يزال يتوهمّه ويقدّره في نفسه ويقدّر توابع البقاء وما يحتاج إليه من مال وأهل ودار وأصدقاء ودوابّ وسائر أسباب الدّنيا، فيصير قلبه عاكفا على هذا الفكر موقوفا عليه، فيلهو عن ذكر الموت فلا يقدّر قربه، فإن خطر له في بعض الأحوال أمر الموت والحاجة إلى الاستعداد له سوّف ووعد نفسه وقال: الأيّام بين يديك إلى أن تكبر ثمّ تتوب، وإذا كبر فيقول: إلى أن تصير شيخا. فإذا صار شيخا قال: إلى أن تفرغ من بناء هذه الدّار وعمارة هذه الضّيعة. أو ترجع من هذه السّفرة، أو تفرغ من تدبير هذا الولد وجهازة وتدبير مسكن له، أو تفرغ من قهر هذا العدوّ الّذي يشمت بك. فلا يزال يسوّف ويؤخّر، ولا يخوض في شغل إلّا ويتعلّق بإتمام ذلك الشّغل عشرة أشغال أخر، وهكذا على التّدريج يؤخّر يوما بعد يوم ويفضي به شغل إلى شغل بل إلى أشغال إلى أن تختطفه المنيّة في وقت لم يحسبه، فتطول عند ذلك حسرته، وأكثر أهل النّار وصياحهم من سوف، يقولون: واحزناه من سوف. والمسوّف المسكين لا يدري أنّ الّذي يدعوه إلى التّسويف اليوم هو معه غدا، وإنّما يزداد بطول المدّة قوّة ورسوخا، ويظنّ أنّه يتصوّر أن يكون للخائض في الدّنيا والحافظ لها فراغ قطّ وهيهات، فما يفرغ منها إلّا من طرحها. فما قضى أحد منها لبانته وما انتهى أرب إلّا إلى أرب. وأصل هذه الأماني كلّها حبّ الدّنيا والأنس بها والغفلة عن معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبب من أحببت فإنّك مفارقه» . وأمّا الجهل: فهو أنّ الإنسان قد يعوّل على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشّباب، وليس يتفكّر المسكين أنّ مشايخ بلده لو عدّوا فكانوا أقلّ من عشر رجال البلد، وإنّما قلّوا لأنّ الموت في الشّباب أكثر، فإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبيّ وشابّ. وقد يستبعد الموت لصحّته ويستبعد الموت فجأة، ولا يدري أنّ ذلك غير بعيد، وإن كان ذلك بعيدا، فالمرض فجأة غير بعيد، وكلّ مرض فإنّما يقع فجأة، وإذا مرض لم يكن الموت بعيدا. ولو تفكّر هذا الغافل وعلم أنّ الموت ليس له وقت مخصوص من شباب وشيب وكهولة ومن صيف وشتاء وخريف وربيع من ليل ونهار لعظم استشعاره واشتغل بالاستعداد له، ولكنّ الجهل بهذه الأمور وحبّ الدّنيا دعواه إلى طول   (1) فتح الباري (11/ 241) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4858 الأمل وإلى الغفلة عن تقدير الموت القريب، فهو أبدا يظنّ أنّ الموت يكون بين يديه ولا يقدّر نزوله به ووقوعه فيه، وهو أبدا يظنّ أنّه يشيّع الجنائز ولا يقدّر أن تشيّع جنازته، لأنّ هذا قد تكرّر عليه وألفه وهو مشاهدة موت غيره، فأمّا موت نفسه فلم يألفه، ولم يتصوّر أن يألفه فإنّه لم يقع، وإذا وقع في دفعة أخرى بعد هذه، فهو الأوّل وهو الآخر. علاج طول الأمل: وسبيله أن يقيس نفسه بغيره، ويعلم أنّه لا بدّ وأن تحمل جنازته ويدفن في قبره، ولعلّ اللّبن الّذي يغطّي به لحده قد ضرب وفرغ منه وهو لا يدري فتسويفه جهل محض. وإذا عرفت أنّ سببه الجهل وحبّ الدّنيا فعلاجه دفع سببه. أمّا الجهل فيدفع بالفكر الصّافي والحكمة البالغة. وأمّا حبّ الدّنيا، فالعلاج في إخراجه من القلب شديد وهو الداء العضال الّذي أعيا الأوّلين والآخرين علاجه؛ ولا علاج له إلّا الإيمان باليوم الآخر وبما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثّواب، ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حبّ الدّنيا، فإنّ حبّ الخطير هو الّذي يمحو عن القلب حبّ الحقير. فإذا رأى حقارة الدّنيا ونفاسة الآخرة استنكف أن يلتفت إلى الدّنيا كلّها، وإن أعطي ملك الأرض من المشرق إلى المغرب، وكيف وليس عنده من الدّنيا إلّا قدر يسير مكدّر منغّص، فكيف يفرح بها أو يترسّخ في القلب حبّها مع الإيمان بالآخرة؟ فنسأل الله تعالى أن يرينا الدّنيا كما أراها الصّالحين من عباده. بيان مراتب الناس في طول الأمل وقصره: اعلم أنّ النّاس في ذلك يتفاوتون؛ فمنهم من يأمل البقاء، ويشتهي ذلك أبدا. قال الله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ (البقرة/ 96) . ومنهم من يأمل البقاء إلى الهرم وهو أقصى العمر الّذي شاهده ورآه وهو الّذي يحبّ الدّنيا حبّا شديدا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قلب الشّيخ شاب على حبّ اثنتين: طول الحياة وحبّ المال» . ومنهم من يأمل إلى سنة فلا يشتغل بتدبير ما وراءها فلا يقدّر لنفسه وجودا في عام قابل، ولكنّ هذا يستعدّ في الصّيف للشّتاء وفي الشتاء للصّيف. فإذا جمع ما يكفيه لسنته اشتغل بالعبادة. ومنهم من يأمل مدّة الصّيف أو الشّتاء، فلا يدّخر في الصّيف ثياب الشّتاء ولا في الشّتاء ثياب الصّيف. ومنهم من يرجع أمله إلى يوم وليلة، فلا يستعدّ إلّا لنهاره وأمّا للغد فلا. قال عيسى عليه السّلام: لا تهتمّوا برزق غد. فإن يكن غد من آجالكم فستأتي فيه أرزاقكم مع آجالكم، وإن لم يكن من آجالكم فلا تهتمّوا لآجال غيركم «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإعراض- الأمن من المكر- الغفلة- الوهم- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- الطيش. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تذكر الموت- الزهد- التدبر- محاسبة النفس- الورع- التفكر- التأمل- النظر والتبصر- البصيرة] .   (1) إحياء علوم الدين (4/ 486) بتصرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4859 الآيات الواردة في «طول الأمل (عدم تذكر الموت) » 1- وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96) «1» 2- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) «2»   (1) البقرة: 96 مدنية (2) الحجر: 1- 3 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4860 الأحاديث الواردة في ذمّ (طول الأمل) 1- * (عن جابر بن زيد- رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أعواد، فغرس إلى جنبه واحدا، ثمّ مشى قليلا، فغرس آخر، ثمّ مشى قليلا، فغرس آخر، ثمّ قال: «هل تدرون ما هذا؟ هذا مثل ابن آدم، وأجله وأمله فنفسه تتوق إلى أمله، ويخترمه أجله دون أمله» ) * «1» . 2- * (وعن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ من آمن بك، وشهد أنّي رسولك فحبّب إليه لقاءك، وسهّل عليه قضاءك، وأقلل له من الدّنيا، ومن لم يؤمن بك، ولم يشهد أنّي رسولك فلا تحبّب إليه لقاءك، ولا تسهّل عليه قضاءك، وأكثر له من الدّنيا» ) * «2» ورواه ابن ماجه من حديث عمرو بن غيلان الثّقفيّ، وهو ممّن اختلف في صحبته، ولفظه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ من آمن بي وصدّقني، وعلم أنّ ما جئت به الحقّ من عندك فأقلل ماله وولده، وحبّب إليه لقائك، وعجّل له القضاء، ومن لم يؤمن بي، ولم يصدّقني، ولم يعلم أنّ ما جئت به الحقّ من عندك فأكثر ماله وولده وأطل عمره» ) * «3» . 3- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: خطّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خطّا مربّعا، وخطّ خطّا في الوسط خارجا منه، وخط خطوطا صغارا إلى هذا الّذي في الوسط من جانبه الّذي في الوسط وقال: «هذا الإنسان؛ وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به. وهذا الّذي هو خارج أمله وهذه الخطوط الصّغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يزال قلب الكبير شابّا في اثنتين: في حبّ الدّنيا، وطول الأمل» ) * «5» . 5- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا ابن آدم وهذا أجله» ووضع يده عند قفاه، ثمّ بسطها. فقال: «وثمّ أمله وثمّ أمله، وثمّ أمله» ) * «6» . 6- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل تدرون ما هذه وهذه؟» ورمى بحصاتين، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هذا الأمل، وهذاك الأجل» ) * «7» .   (1) أخرجه وكيع في كتاب الزهد، وقال محققه (2/ 437) : اسناده صحيح لكنه مرسل. وأخرجه ابن المبارك في الزهد (86) ، وابن أبي الدنيا في قصر الأمل من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا. وهو عند البخاري بمعناه. (2) المنذري في الترغيب (4/ 335) وقال: رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وابن حبان في صحيحه. (3) ابن ماجة (4133) ، وفي الزوائد: رجال الإسناد ثقات. وهو مرسل. صحيح الجامع (1311) وصححه الألباني. (4) البخاري- الفتح 11 (6417) . (5) البخاري- الفتح 11 (6420) واللفظ له والترمذى (2338) ، (2455) . (6) الترمذي (2334) وقال: هذا حديث حسن صحيح ولفظه عند البخاري (6418) : خط النبي صلّى الله عليه وسلّم خطوطا فقال: «هذا الأمل وهذا أجله فبينما هو كذلك اذ جاءه الخط الأقرب» . (7) أخرجه الترمذي (2870) وقال: حسن غريب وأقر تحسينه المنذري في الترغيب والترهيب. وانظر جامع الأصول (1/ 393) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4861 الأحاديث الواردة في ذمّ (طول الأمل) معنى 7- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» . وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء. وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك» ) * «1» . 8- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك. وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك «2» وحياتك قبل موتك» ) * «3» . 9- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ بمجلس وهم يضحكون، فقال: «أكثروا من ذكر هاذم اللّذّات- أحسبه قال- فإنّه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلّا وسّعه، ولا في سعة إلّا ضيّقه عليه» ) * «4» . 10- * (وعن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: مات رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجعل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يثنون عليه، ويذكرون من عبادته ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساكت، فلمّا سكتوا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل كان يكثر ذكر الموت؟» قالوا: لا. قال: «فهل كان يدع كثيرا ممّا يشتهي؟» قالوا: لا. قال: «ما بلغ صاحبكم كثيرا ممّا تذهبون إليه» ) * «5» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ لقاء الله، أحبّ الله لقاءه. ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه» قال فأتيت عائشة فقلت: يا أمّ المؤمنين، سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا. إن كان كذلك فقد هلكنا. فقالت: إنّ الهالك من هلك. بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما   (1) البخاري- الفتح 11 (6416) . (2) شغلك: بفتح الشين وضمها. قال المناوي: أي فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر. (3) الحاكم في المستدرك (4/ 306) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره المنذري في الترغيب (4/ 251) وعزاه الى الحاكم في المستدرك. الترمذي (2333) نحوه عن ابن عمر. (4) المنذري في الترغيب (4/ 236) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه البزار باسناد حسن والبيهقي باختصار، في باب الترهيب من الظلم حديث أبي ذر، وفيه: قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى عليه السلام؟ قال: «كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك. عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب. عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن اليها. وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم لا يعمل» . (5) المنذري في الترغيب (4/ 239) وقال: رواه الطبراني باسناد حسن، ورواه البزار من حديث أنس قال: ذكر عند النبي صلّى الله عليه وسلّم رجل بعبادة واجتهاد فقال: «كيف ذكر صاحبكم للموت؟» قالوا: ما نسمعه يذكره. قال: «ليس صاحبكم هناك» . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4862 ذاك؟ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ لقاء الله، أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» وليس منّا أحد إلّا وهو يكره الموت. فقالت: قد قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وليس بالّذي تذهب إليه. ولكن إذا شخص «1» البصر، وحشرج «2» الصّدر، واقشعرّ «3» الجلد، وتشنّجت «4» الأصابع. فعند ذلك، من أحبّ لقاء الله، أحبّ الله لقاءه. ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه) * «5» . 12- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان: حبّ المال، وطول العمر» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (طول الأمل) 1- * (روي عن عيسى- عليه السلام- أنّه قال: «من ذا الّذي يبني على موج البحر دارا؟ تلكم الدّنيا فلا تتّخذوها قرارا) * «7» . 2- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى وطول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة. ألا وإنّ الدّنيا ارتحلت مدبرة» ) * «8» . 3- * (يؤثر عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قوله: «هذا المرء وهذه الحتوف حوله شوارع إليه، والهرم وراء الحتوف، والأمل وراء الهرم فهو يؤمّل، وهذه الحتوف شوارع إليه، فأيّها أمر به أخذه، فإن أخطأته الحتوف قتله الهرم وهو ينتظر الأمل» ) * «9» . 4- * (وقال: «لا يطولنّ عليكم الأمد ولا يلهينّكم الأمل فإنّ كلّ ما هو آت قريب، ألا وإنّ البعيد ما ليس آتيا» ) * «10» . 5- * (دخل رجل على أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله تعالى عنه- فجعل يقلّب بصره في بيته فقال: يا أبا ذرّ! أين متاعكم؟ فقال: إنّ لنا بيتا نتوجّه إليه، فقال: «إنّه لا بدّ لك من متاع ما دمت هاهنا» ، فقال: «إنّ صاحب المنزل لا يدعنا هاهنا» ) * «11» 6- * (قال سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- ثلاث أعجبتني حتّى أضحكتني: مؤمّل الدّنيا والموت يطلبه، وغافل وليس يغفل عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط ربّ العالمين عليه أم راض؟) * «12» .   (1) شخص: الشخوص معناه: ارتفاع الأجفان إلى فوق، وتحديد النظر. (2) وحشرج: الحشرجة: هي تردد النفس في الصدر. (3) واقشعر: اقشعرار الجلد قيام شعره. (4) وتشنجت: تشنج الأصابع: تقبّضها. (5) البخاري- الفتح 11 (6508) ، مسلم (2685) ، واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 11 (6421) . (7) جامع العلوم والحكم (332) . (8) البخاري- الفتح 11 (240) . (9) إحياء علوم الدين (4/ 482) . (10) الفوائد (200) . (11) جامع العلوم والحكم (332) . (12) إحياء علوم الدين (4/ 483) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4863 7- * (قال عمر بن عبد العزيز في خطبته: لا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم وتنقادوا لعدوّكم، فإنّه والله ما بسط أملا من لا يدري لعلّه لا يصبح بعد مسائه ولا يمسي بعد صباحه، وربّما كانت بين ذلك خطفات المنايا) * «1» . 8- * (قال أبو زكريّا التّميميّ: بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتي بحجر منقور، فطلب من يقرؤه، فأتي بوهب بن منبّه فإذا فيه: ابن آدم إنّك لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك ولرغبت في الزّيادة من عملك ولقصّرت من حرصك وحيلك ... ) * «2» . 9- * (روي أنّ معروفا الكرخيّ- رحمه الله تعالى- أقام الصّلاة، قال محمّد بن أبي توبة: فقال لي: تقدّم، فقلت: إنّي إن صلّيت بكم هذه الصّلاة لم أصلّ بكم غيرها، فقال معروف: وأنت تحدّث نفسك أن تصلّي صلاة أخرى؟ نعوذ بالله من طول الأمل فإنّه يمنع من خير العمل) * «3» . 10- * (قال القاضي عياض: إنّ الشيخ من شأنه أن تكون آماله وحرصه على الدّنيا قد بليت على بلاء جسمه إذا انقضى عمره ولم يبق له إلّا انتظار الموت فلمّا كان الأمر بضدّه ذمّ) * «4» . 11- * (قال أبو محمّد بن عليّ الزّاهد: «خرجنا في جنازة بالكوفة وخرج فيها داود الطّائيّ، فانتبذ فقعد ناحية وهي تدفن. فجئت فقعدت قريبا منه فتكلّم فقال: من خاف الوعيد قصر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكلّ ما هو آت قريب.. واعلم أنّ أهل الدّنيا جميعا من أهل القبور إنّما يندمون على ما يخلّفون ويفرحون بما يقدّمون، فما ندم عليه أهل القبور أهل الدّنيا عليه يقتتلون، وفيه يتنافسون، وعليه عند القضاة يختصمون» ) * «5» . 12- * (قال الإمام الغزاليّ: لقد قصم الموت رقاب الجبابرة، وكسر ظهر الأكاسرة وقصر آمال القياصرة الّذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة. حتّى جاءهم الوعد الحقّ فأرداهم في الحافرة ... فانظر هل وجدوا من الموت حصنا وعزّا..) * «6» . 13- * (قال ابن الجوزيّ: «قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرّغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطّاعة فهو المغبون، وتمام ذلك الدّنيا مزرعة الآخرة، وفيها التّجارة الّتي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحّته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون، لأنّ الفراغ يعقبه الشّغل، والصّحّة يعقبها السّقم ولو لم يكن إلّا الهرم» ) * «7» .   (1) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المرجع السابق (4/ 484) . (4) فتح الباري (11/ 245) . (5) إحياء علوم الدين (4/ 484) . (6) المرجع السابق (4/ 475) . (7) فتح الباري (11/ 234) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4864 14- * (قال الإمام النّوويّ- رحمه الله-: «لا تركن إلى الدّنيا، ولا تتّخذها وطنا، ولا تحدّث نفسك بالبقاء فيها، ولا تتعلّق منها بما لا يتعلّق به الغريب في غير وطنه» ) * «1» . 15- * (قال ابن القيّم: «على قدر رغبة العبد في الدّنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة» ) * «2» . 16- * (وقال- رحمه الله-: «ما مضى من الدّنيا أحلام، وما بقي منها أمانيّ، والوقت ضائع بينهما» ) * «3» . 17- * (وقال أيضا: «قوّة الطّمع في بلوغ الأمل توجب الاجتهاد في الطّلب وشدّة الحذر من فوت المأمول» ) * «4» . 18- * (قال ابن حجر- رحمه الله-: قال ابن الأثير: «من ترك الدّنيا وأبغضها أحبّ لقاء الله، ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله، لأنّه إنّما يصل إليه بالموت» ) * «5» . 19- * (قال ابن حزن: «باذل نفسه في غرض الدّنيا كبائع الياقوت بالحصا» ) * «6» . 20- * (قال عبد الصّمد بن المعدّل: ولي أمل قطعت به اللّيالي ... أراني قد فنيت به وداما ) * «7» 21- * (وقال آخر: الله أصدق والآمال كاذبة ... وجلّ هذي المنى في الصّدر وسواس 22- * (قال الحسن: «إنّما أنت أيّام مجموعة كلّما مضى يوم مضى بعضك» ) * «8» . 23- * (وقال: ابن آدم إنّما أنت بين راحلتين مطيّتين يوضعانك، يوضعك اللّيل إلى النّهار، والنّهار إلى اللّيل، حتّى يسلماك إلى الآخرة، فمن أعظم منك يا بن آدم خطرا؟) * «9» . 24- * (وقال: «الموت معقود بنواصيكم والدّنيا تطوى من ورائكم» ) * «10» . 25- * (كان آدم- عليه السّلام- قبل أن يخطىء أمله خلف ظهره، وأجله بين عينيه، فلمّا أصاب الخطيئة حوّل فجعل أمله بين عينيه وأجله خلف ظهره» ) * «11» . 26- * (وقيل: «لو رأيت الأجل ومروره، لنسيت الأمل وغروره» ) * «12» . 27- * (قال يحيى بن معاذ الرّازي: «الدّنيا   (1) المرجع السابق (11/ 238) . (2) المرجع السابق (132) . (3) المرجع السابق (65) . (4) المرجع السابق (68) . (5) فتح الباري (11/ 367) . (6) مداواة النفوس (10) . (7) المستطرف (1/ 112) . (8) جامع العلوم والحكم (334) . (9) السابق، الصفحة نفسها. (10) السابق، الصفحة نفسها. (11) احياء علوم الدين (4/ 483) . (12) المستطرف (1/ 112) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4865 خمر الشّيطان، من سكر منها لم يفق إلّا في عسكر الموت» ) * «1» . 28- * (قيل لمحمّد بن واسع: كيف تجدك قال: قصير الأجل، طويل الأمل، مسيء العمل) * «2» . 29- * (قال أبو العتاهية: أرى الدّنيا لمن هي في يديه ... عذابا كلّما كثرت لديه تهين المكرمين لها بصغر ... وتكرم كلّ من هانت عليه إذا استغنيت عن شيء فدعه ... وخذ ما أنت محتاج إليه ) * «3» . 30- * (قال الأبشيهيّ: أيا من عاش في الدّنيا طويلا ... وأفنى العمر في قيل وقال وأتعب نفسه فيما سيفنى ... وجمع من حرام أو حلال هب الدّنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزّوال ) * «4» . 31- * (كتب رجل إلى أخ له: «إنّ الحزن على الدّنيا طويل، والموت من الإنسان قريب، وللنّقص في كلّ يوم منه نصيب، وللبلاء في جسمه دبيب، فبادر قبل أن تنادى بالرّحيل. والسّلام» ) * «5» 32- * (قال بعض الحكماء: «من كانت الأيّام واللّيالي مطاياه، سارت به، وإن لم يسر) * 33- * (وفي هذا قال بعضهم: وما هذه الأيّام إلّا رواحل ... يحثّ بها داع إلى الموت قاصد وأعجب شيء لو تأمّلت أنّها ... منازل تطوى والمسافر قاعد ) * «6» 34- * (وقال آخر: ويا ويح نفس من نهار يقودها ... إلى عسكر الموتى وليل يذودها ) * «7» 35- * (من كلام الحكماء: «إيّاكم وطول الأمل فإنّ من ألهاه أمله أخزاه عمله» ) * «8» . 36- * (قال أحدهم: إنّ أحبّ الأشياء إلى ابن آدم نفسه، فهو راغب في بقائها فأحبّ لذلك طول العمر، وأحبّ المال لأنّه من أعظم الأسباب في دوام الصّحّة الّتي ينشأ عنها غالبا طول العمر، فكلّما أحسّ بقرب نفاد ذلك اشتدّ حبّه له ورغبته في دوامه) * «9» . 37- * (قال أحدهم: يسرّ الفتى طول السّلامة والبقا ... فكيف ترى طول السّلامة يفعل   (1) جامع العلوم والحكم (333) . (2) المستطرف (1/ 112) . (3) أدب الدنيا والدين (122) . (4) المستطرف (1/ 113) . (5) احياء علوم الدين (4/ 483) . (6) جامع العلوم والحكم (334) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المستطرف (1/ 112) . (9) فتح الباري (11/ 245) وراجعه في المقدمة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4866 يردّ الفتى بعد اعتدال وصحّة ... ينوء إذا رام القيام ويحمل ) * «1» . 38- * (قال بعضهم: مآرب كانت في الشّباب لأهلها ... عذابا فصارت في المشيب عذابا ) * «2» . 39- * (وقال آخر: قد نادت الدّنيا على نفسها ... لو كان في ذا الخلق من يسمع كم واثق بالعيش أهلكته ... وجامع فرقّت ما يجمع ) * «3» . 40- * (عن قيس بن أبي حازم: دخلنا على خبّاب نعوده وقد اكتوى سبع كيّات فقال: إنّ أصحابنا الّذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدّنيا، وإنّا أصبنا مالا نجد موضعا إلّا التّراب، ولولا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. ثمّ أتيناه مرّة أخرى وهو يبني حائطا له فقال: إنّ المسلم ليؤجر في كلّ شيء ينفقه، إلّا في شيء يجعله في هذا التّراب» ) * «4» . من مضار (طول الأمل) (1) نسيان الآخرة وما أعدّ الله فيها من النّعيم المقيم لأهل طاعته ومن العذاب الأليم لأهل المعاصي. (2) قلّة الصّبر عن الشّهوات، وشدّة الغفلة عن الطّاعات. (3) إنّ طول الأمل يجلب السّعادة الظّاهرة في الدّنيا ويسقي صاحبه كؤوسا مترعة من اللّذّة الفانية. (4) يقسي القلب ويجفّ دمع العين، ويزيد في شدّة الحرص على الدّنيا. (5) يدفع إلى المعاصي، ويبعد عن الطّاعات. (6) به يتعدّى على الآخرين فيسلب الحقوق، وينتهك الحرمات.   (1) فتح الباري (11/ 234) . (2) الفوائد (62) . (3) المرجع السابق (80) . (4) البخاري- الفتح 10 (5672) واللفظ له، ومسلم (2681) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4867 الطيش الطيش لغة: الطّيش مصدر قولهم: طاش الشّيء يطيش، وهو مأخوذ من مادّة (ط ي ش) الّتي تدلّ على الخفّة ومن ذلك طاش السّهم عن الهدف إذا لم يصبه، كأنّه خفّ وطاش وطار، وقيل معناه: عدل (عن الغرض) ولم يقصد للرّميّة، وأطاشه الرّامي، والطّيش أيضا: النّزق. وقال اللّيث: الطّيش: خفّة العقل، والوصف من ذلك طائش من قوم طاشة، وطيّاش من قوم طيّاشة. وقال بعضهم: طيش العقل: ذهابه حتّى يجهل صاحبه ما يحاول، وطيش الحلم خفّته، وطيش السّهم: جوره عن سننه، وفي حديث الحساب «فطاشت السّجلّات وثقلت البطاقة» أي خفّت وطارت، وفي حديث عمر بن أبي سلمة: «كانت يدي تطيش في الصّحفة» ، معناه: تخفّ وتتناول (الطّعام) من كلّ جانب، وفي حديث ابن شبرمة، وسئل عن السّكر فقال: «إذا طاشت رجلاه واختلط كلامه» «1» . الطيش اصطلاحا: الطّيش مثل السّفه، وهو سرعة الغضب من الآيات/ الأحاديث/ الآثار/ 3/ 5 يسير الأمور، والمبادرة بالطّيش، والإيقاع بالمؤذى، والسّرف في العقوبة، وإظهار الجزع من أدنى ضرر، والسّبّ الفاحش «2» . وقيل: هو استعمال القوّة الفكريّة فيما لا ينبغي، وكما لا ينبغي «3» . حكم الطيش: قال الجاحظ: وهذا الخلق مستقبح من كلّ أحد إلّا أنّه من الملوك والرّؤساء أقبح، وعلى هذا فإذا ترتّب على الطّيش محرّم كان محرّما، وإذا ترتّب عليه مكروه كان مكروها، وهو على كلّ حال مستقبح وفي كلّ وقت مسترذل، فكم من طائش قول أو فعل أهلك صاحبه وحرمه النّجاة وألقى به في عداد الظّلمة الفسقة. [للاستزادة: انظر صفات: الحمق- اتباع الهوى- السفاهة- العجلة- شرب الخمر. اللهو واللعب- التهاون. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التأني- الحلم- الرفق- مجاهدة النفس- محاسبة النفس- الوقار] .   (1) مقاييس اللغة (3/ 437) ، الصحاح (3/ 1009) ، وتهذيب اللغة (11/ 392) ، النهاية لابن الأثير (3/ 153) ، واللسان (4/ 2739) ط. دار المعارف. (2) انظر تهذيب الأخلاق للجاحظ (90) بتصرف. (3) المرجع السابق (37) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4868 الأحاديث الواردة في ذمّ (الطيش) معنى 1- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجلّ ليعطي على الرّفق ما لا يعطي على الخرق، وإذا أحبّ الله عبدا أعطاه الرّفق. ما من أهل بيت يحرمون الرّفق إلّا حرموا» ) * «1» . 2- * (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إذا حدّثتكم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلأن أخرّ من السّماء أحبّ إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي في آخر الزّمان قوم حدثاء الأسنان «2» ، سفهاء الأحلام «3» ، يقولون من قول خير البريّة «4» ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة» ) * «5» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحمد» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الطيش) 1- * (بلغ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله، فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس، أيّتها الرّعيّة، إنّ لنا عليكم حقّا، النّصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير، أيّها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا، فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، وليس جهل أبغض إلى الله ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه) * «7» . 2- * (قال أبو منصور: «الأناة حصن السّلامة والعجلة مفتاح النّدامة» ) * «8» .   (1) ذكره الهيثمي في المجمع (8/ 18) ، وقال: في الصحيح منه «من يحرم الرفق يحرم الخير» ، ثم قال: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وهو عند الطبراني في الكبير (2/ 306) / 2274 (2) حدثاء الأسنان: أي صغارها. (3) سفهاء الأحلام: أي ضعفاء العقول. (4) يقولون من قول خير البرية: أي من القرآن. (5) البخاري- الفتح 6 (3611) . (6) أبو يعلي (4/ 206) / 4240، والبيهقي (10/ 104) ، وذكره الألباني في الصحيحة (4/ 404) / 1795، وحسنه في صحيح الجامع (3/ 57) / 3008، والترغيب والترهيب (3/ 418) ، وقال المنذري: رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 19) رجاله رجال الصحيح. (7) الإحياء (3/ 186) . (8) التمثيل والمحاضرة (420) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4869 3- * (وقال: «التّأنّي مع الخيبة خير من التّهوّر مع النّجاح» ) * «1» . 4- * (وقال أيضا: «الشّباب مظنّة الجهل، ومطيّة الذّنوب» ) * «2» . 5- * (قال ابن المعتزّ: جهل الشّباب معذور وعلمه محقور) * «3» . من مضار (الطيش) (1) ضياع حقّ المرء. (2) عدم احترام النّاس له. (3) ضياع الثّواب. (4) فيه طاعة للشّيطان. (5) من علامات السّاعة.   (1) التمثيل والمحاضرة (420) . (2) المرجع السابق (382) . (3) المرجع السابق (382) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4870 [ حرف الظاء ] الظلم الظّلم لغة: الظّلم اسم من ظلمه ظلما، من باب ضرب، ومظلمة بفتح الميم وكسر اللّام، وتجعل المظلمة اسما لما تطلبه عند الظّالم، كالظّلامة بالضّمّ، وظلّمته بالتّشديد، نسبته إلى الظّلم، وأصل الظّلم، وضع الشّيء في غير موضعه، وفي المثل «من استرعى الذّئب فقد ظلم» «1» . وأصل المادّة يدلّ على أصلين، يقول ابن فارس: «الظّاء واللّام والميم أصلان صحيحان، أحدهما خلاف الضّياء والنّور، والآخر: وضع الشّيء غير موضعه تعدّيا، فالأوّل: الظّلمة، والجمع ظلمات. والظّلام: اسم الظّلمة، وقد أظلم المكان إظلاما، والأصل الآخر، ظلمه يظلمه ظلما. والأصل فيه، وضع الشّيء في غير موضعه، ويقال: ظلّمت فلانا، نسبته إلى الظّلم، وظلمت فلانا فاظّلم، وانظلم، إذا احتمل الظّلم، والأرض المظلومة، الّتي لم تحفر قطّ، ثمّ حفرت، وذلك التّراب ظليم. والظّلامة: ما تطلبه من مظلمتك عند الظّالم، وقد ظلم وطبه، إذا سقى منه، قبل أن يروب ويخرج زبده، ويقال لذلك اللّبن ظلايم أيضا «2» . ويقول الجوهريّ: «ظلمه يظلمه ظلما ومظلمة، وأصله، وضع الشّيء في غير موضعه والظّلامة الآيات/ الأحاديث/ الآثار 190/ 68/ 19 والظّليمة والمظلمة: ما تطلبه عند الظّالم، وهو اسم ما أخذ منك وتظلّمني فلان، أي ظلمني مالي، وتظلّم منه، أي اشتكى ظلمه. وانظلم، أي احتمل الظّلم، والظّلّيم بالتّشديد: الكثير الظّلم «3» . وقيل: الظّلم التّصرّف فيما لا يملك التّصرّف فيه، ويقال في مجاوزة الحقّ. ويقال في الكثير والقليل. ولهذا يستعمل في الذّنب الكبير والذّنب الصّغير. ومن أمثال العرب: من أشبه أباه فما ظلم، قال الأصمعيّ: ما ظلم أي ما وضع الشّبه في غير موضعه. وفي المثل: من استرعى الذّئب فقد ظلم، وفي الحديث «لزموا الطّريق فلم يظلموه» أي لم يعدلوا عنه. وأصل الظّلم: الجور ومجاوزة الحدّ، ومنه في حديث الوضوء «فمن زاد أو نقص فقد أساء وظلم» أي أساء الأدب بتركه السّنّة والتأدّب بأدب الشّرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثّواب بترداد المرّات من الوضوء. والظّلم: النّقص. قال تعالى: وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً (الكهف/ 33) . والظّلم: الشّرك، وفي التّنزيل العزيز: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (الأنعام/ 82) أي بشرك. وقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) يعني أنّ الله تعالى المحيي المميت الرّزّاق المنعم وحده   (1) المصباح المنير (146) . (2) المقاييس (3/ 468، 469) . (3) الصحاح (5/ 1977) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4871 لا شريك له، فإذا أشرك به غيره فذلك أعظم الظّلم؛ لأنّه جعل النّعمة لغير ربّها. والظّلم: الميل عن القصد، والعرب تقول: الزم هذا الصّوب ولا تظلم عنه، أي لا تجر عنه، وتظلّم فلان إلى الحاكم من فلان فظلّمه تظليما: أي أنصفه من ظالمه فأعانه عليه. والظّلمة، المانعون أهل الحقوق حقوقهم. واظّلم وانظلم: احتمل الظّلم، وظلّمه: أنبأه أنّه ظالم أو نسبه إلى الظّلم والظّلامة والظّليمة والمظلمة: ما تطلبه عند الظّالم، وهو اسم من أخذ منك، وظلم فلان فاظّلم: احتمل الظّلم بطيب نفسه وهو قادر على الامتناع منه. والظّلّيم: الكثير الظّلم، ومظلمة: ظالم وظلوم «1» . الظلم اصطلاحا: التّصرّف في حقّ الغير بغير حقّ، أو مجاوزة الحقّ «2» . وقيل: الظّلم: وضع الشّيء في غير موضعه، وفي الشّريعة عبارة عن التّعدّي عن الحقّ إلى الباطل وهو الجور، وقيل: هو التّصرّف في ملك الغير ومجاوزة الحدّ «3» . وقيل: وضع الشّيء بغير محلّه بنقص أو زيادة أو عدول عن زمنه «4» . وقال الرّاغب في (المفردات) : «والظّلم عند أهل اللّغة وكثير من العلماء وضع الشّيء في غير موضعه المختصّ به. إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا بعدول عن وقته، أو مكانه. والظّلم يقال في مجاوزة الحقّ الّذي يجري مجرى نقطة الدّائرة، ويقال فيما يكثر وفيما يقلّ من التّجاوز. ولهذا يستعمل في الذّنب الكبير، وفي الذّنب الصّغير «5» . وقال الرّاغب: الظّلم هو الانحراف عن العدل ولذلك حدّ بأنّه وضع الشّيء في غير موضعه المخصوص به، وقد يسمّى هذا الانحراف جورا، ولمّا كانت العدالة تجري مجرى النّقطة من الدّائرة فإنّ تجاوزها من جهة الإفراط عدوان وطغيان والانحراف عنها في بعض جوانبها جور وظلم، والظّلم أعمّ هذه الألفاظ استعمالا «6» . وقال الجاحظ: الجور (الظّلم) هو الخروج عن الاعتدال في جميع الامور، والسّرف والتّقصير وأخذ الأموال من غير وجهها، والمطالبة بما لا يجب من الحقوق وفعل الأشياء في غير مواضعها ولا أوقاتها، ولا على القدر الّذي يجب ولا على الوجه الّذي يحبّ «7» . وقال الكفويّ: الظّلم وضع الشّيء في غير موضعه، والتّصرّف في حقّ الغير، ومجاوزة حدّ الشّارع «8» .   (1) لسان العرب، لابن منظور (12/ 380373) ، وانظر: نزهة الأعين. والنواظر (428426) ، النهاية، لابن الأثير (3/ 151، 162) بصائر ذوي، والتمييز (3/ 544540) . (2) انظر: دليل الفالحين (1/ 514) ، جامع العلوم والحكم (211) . (3) التعريفات للجرجاني (48) . (4) التوقيف على مهمات التعاريف (231) ، والمفردات للراغب (305) . (5) المفردات (305) . (6) الذريعة (375) . (7) تهذيب الأخلاق (34) . (8) الكليات (594) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4872 درجات الظّلم: قال الرّاغب: لمّا كان الظّلم ترك الحقّ الجاري مجرى النّقطة من الدّائرة صار العدول عنها إمّا قريبا وإمّا بعيدا، فمن كان عنه (عن الحقّ) أبعد كان الرّجوع إليه أصعب، ولذلك قال تعالى: وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (النساء/ 60) تنبيها إلى أنّ الشّيطان متى أمعن بهم في البعد من الحقّ صعب عليهم حينئذ الاهتداء «1» . وعلى هذا فمن كان إليه (أي إلى الحقّ) أقرب كان الرّجوع إليه أسهل، ومن ثمّ فليحذر الظّالم المبتدىء من التّمادي في ظلمه حتى يعطي لنفسه فرصة الرّجوع إلى الحقّ. أنواع الظّلم: قال بعض الحكماء: الظّلم ثلاثة: الأوّل: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشّرك والنّفاق، ولذلك قال: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) وإيّاه قصد بقوله أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود/ 18) . والثّاني: ظلم بينه وبين النّاس، وإيّاه قصد بقوله وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ إلى قوله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (الشورى/ 40) وبقوله إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ (الشورى/ 42) . والثّالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإيّاه قصد بقوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ (فاطر/ 32) وقوله ظَلَمْتُ نَفْسِي (القصص/ 16) . وكلّ هذه الثّلاثة في الحقيقة ظلم للنّفس، فإنّ الإنسان في أوّل ما يهمّ بالظّلم فقد ظلم نفسه «2» . أنواع الظّلمة: أمّا أنواع الظّلمة فثلاثة: 1- الظّالم الأعظم، وهو الّذي لا يدخل تحت شريعة الله تعالى وإيّاه عنى بقوله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) . 2- الظّالم الأوسط، وهو الّذي لا يلتزم حكم السّلطان «أي فيما وضعه السّلطان من أنظمة لتيسير الحياة ولا يتعارض مع أحكام الشّرع» . 3- الظّالم الأصغر، وهو الّذي يتعطّل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع النّاس، ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تعاطي العدل بالطّبع وبالخلق والتّخلّق والتّصنّع والرّياء والرّغبة والرّهبة. فقد انسلخ عن الإنسانيّة، ومتى صار أهل كلّ صقع على ذلك فتهارشوا وتغالبوا وأكل قويّهم ضعيفهم، ولم يبق فيهم أثر قبول لمن يمنعهم ويصدّهم عن الفساد فقد جرت عادة الله سبحانه في أمثالهم هلاكهم واستئصالهم عن آخرهم «3» . من يستعمل معهم الظّلم: أمّا المستعمل معهم الظّلم فخمسة: الأوّل: (ربّ العزّة وذلك حين يشرك به) إذ يقتضي العدل معرفة توحيده وأحكامه. الثّاني: قوى النّفس، ويكون ذلك بعدم   (1) الذريعة (357) . (2) المفردات (315، 316) . (3) الذريعة (358) بتصرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4873 إنصاف العقل من الهوى، ويقتضي العدل أن يجعل الإنسان هواه مستسلما لعقله، وقد قيل أعدل النّاس من أنصف عقله من هواه. الثّالث: أسلاف الإنسان ويكون ذلك بترك وصاياهم وعدم الدّعاء لهم. الرّابع: من يعاملهم الإنسان من الأحياء، ويكون ذلك بالتّقصير في أداء الحقوق، وعدم الإنصاف في المعاملات من بيع وشراء وجميع المعاوضات والإجارات. الخامس: عامّة النّاس إذا تولّى الحكم بينهم ويكون ذلك بالجور وعدم النّصفة، وذلك في شأن الولاة والقضاة ومن إليهم «1» . بين الظلم والجور: يرى كثيرون أنّ الجور والظّلم سواء، ولكنّ الكفويّ فرّق بينهما فقال: الظلم: ضرر من حاكم أو غيره. والجور: هو خلاف الاستقامة في الحكم. هل يجوز الانظلام: أطلق الرّاغب على قبول الظّلم مصطلح «الانظلام» وقسّمه من حيث الكمّيّة ومن حيث الكيفيّة فقال: ترك العدل إلى الظّلم عمدا مذموم في جميع الأحوال والخارج عنه إلى الظّلم مستوجب بقدر خروجه سخطا من الله- عزّ وجلّ- إلّا أن يتغمّده الله بعفوه- أمّا الخارج عنه (عن العدل) إلى الانظلام فقد يحمد. والانظلام من حيث الكمّيّة ثلاثة أضرب: 1- انظلام في المال وهو الاستخذاء للظّالم في أخذ ماله. 2- انظلام في الكرامة وهو الاستخذاء في بخس منزلته من التّعظيم. 3- انظلام في النّفس وهو استخذاء لمن يؤلمه، وكلّ واحد من هذه الثّلاثة يكون محمودا ويكون مذموما. أمّا من حيث الكيفيّة فهو ضربان: الأوّل: محمود، ويراد به التّغاضي عن حقّ له في المال أو الكرامة، أو النّفس بقدر ما يحسن وفي وقت ما يحسن وهو المعبّر عنه بالانخداع والتّغافل، وهو المعبّر عنه في قول معاوية- رضي الله عنه-: «من خدعك وانخدعت له فقد خدعته» وذلك إذا كان في مال فمسامحة وإن كان في النّفس فعفو، وإن كان في الكرامة فتواضع «2» . والثّاني: مذموم، وهو الّذي إن كان في المال فغبن وإن كان في النّفس والكرامة فهوان ومذلّة «3» . حكم الظّلم: قال الإمام الذّهبيّ: الظّلم يكون بأكل أموال   (1) انظر الذريعة (ص 357) وقد ذكر الراغب هذه الأصناف الخمسة إجمالا دون تمثيل، وقمنا بذلك اعتمادا على ما ذكره في أنواع العدل وما يستعمل ذلك فيه (353) . (2) الكليات (594) . (3) الذريعة (355) بتصرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4874 النّاس وأخذها ظلما، وظلم النّاس بالضّرب والشّتم والتعدّي والاستطالة على الضّعفاء، وقد عدّه الكبيرة السّادسة والعشرين. وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث الّتي تتوعّد الظّالمين، نقل عن بعض السّلف قوله: لا تظلم الضّعفاء فتكون من شرار الأقوياء ثمّ عدّد صورا من الظلم منها: أخذ مال اليتيم. المماطلة بحقّ على الإنسان مع القدرة على الوفاء. ظلم المرأة حقّها من صداق ونفقة وكسوة. ظلم الأجير بعدم إعطاء الأجرة «1» . الجور في القسمة أو تقويم الأشياء: ومن الظّلم البيّن الجور في القسمة أو تقويم الأشياء، وقد عدّها ابن حجر ضمن الكبائر، فقال: الكبيرة الخامسة والسّادسة والثّلاثون بعد الأربعمائة، جور القاسم في قسمته والمقوّم (المثمّن للأشياء) في تقويمه. بدليل ما أخرجه الطّبرانيّ بسند صحيح عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بيت فيه نفر من قريش ... وفيه: «إنّ هذا الأمر في قريش، إذا ما استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا «2» ، ومن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين» . ثمّ قال عقب ذلك: عدّ هذين من الكبائر لم أره، لكنّه صريح الحديث في الأولى (أي جور القاسم في قسمته) وقياسها في الثّاني (أي جور المقوّم في تقويمه) «3» . بل هي ممّا يصدق عليه الحديث، لا أنّ الجور في القسمة المتوعّد عليه بتلك اللّعنة العامّة يشمل الجور في الأنصباء وفي القيمة أيضا «4» . [للاستزادة: انظر صفات: البغي- الشرك- العدوان- الحرب والمحاربة- الطمع- اتباع الهوى- الكبر والعجب- التطفيف- السرقة- التناجش- الغش- أكل الحرام. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العدل والمساواة الإنصاف- القسط- تكريم الإنسان- أكل الطيبات- القناعة- المراقبة] .   (1) الكبائر (104- 110) باختصار وتصرف. (2) انظر صفة «القسط» (ج 8 ص 3153) من هذه الموسوعة. (3) مثال جور المقوّم أن تكون قيمة السّلعة 1000 ريال مثلا فيقومها لصالح البائع ب 1200 أو لصالح المشتري ب 800 فقط. (4) الزواجر من اقتراف الكبائر (2/ 192- 193) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4875 الآيات الواردة في «الظلم» الشرك أعظم الظلم والمشرك ظالم لنفسه والتوبة من الشرك بالإيمان: 1- وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59) «1» 2- * وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) «2» 3- * وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) «3»   (1) البقرة: 51- 59 مدنية (2) البقرة: 92- 95 مدنية (3) البقرة: 124 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4876 4- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) «1» 5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «2» 6- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) «3» 7- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) «4» 8- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «5» 9- * كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) «6» 10- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (116)   (1) البقرة: 165 مدنية (2) البقرة: 254 مدنية (3) البقرة: 258 مدنية (4) آل عمران: 55- 58 مدنية (5) آل عمران: 86- 89 مدنية (6) آل عمران: 93- 94 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4877 َلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) «1» 11- لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) «2» 12- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) «3» 13- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) «4» 14- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) «5» 15- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169) «6» 16- وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) «7» 17- لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70)   (1) آل عمران: 116- 117 مدنية (2) آل عمران: 128- 129 مدنية (3) آل عمران: 151 مدنية (4) آل عمران: 190- 192 مدنية (5) النساء: 153 مدنية (6) النساء: 167- 169 مدنية (7) المائدة: 45 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4878 وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) «1» 18- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) «2» 19- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) «3» 20- وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) «4» 21- الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) «5» 22- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «6»   (1) المائدة: 70- 72 مدنية (2) الأنعام: 20- 21 مكية (3) الأنعام: 42- 47 مكية (4) الأنعام: 68- 69 مكية (5) الأنعام: 82 مكية (6) الأنعام: 93 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4879 23- وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (129) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (131) «1» 24- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) «2» 25- ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) «3» 26- أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «4» 27- المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (5) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (9) «5»   (1) الأنعام: 129- 131 مكية (2) الأنعام: 135 مكية (3) الأنعام: 143- 144 مكية (4) الأنعام: 156- 157 مكية (5) الأعراف: 1- 9 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4880 28- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «1» 29- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) * وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) «2» 30- أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) «3» 31- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148)   (1) الأعراف: 37 مكية (2) الأعراف: 40- 47 مكية (3) الأعراف: 100- 103 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4881 وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) «1» 32- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «2» 33- * أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) «3» 34- الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ   (1) الأعراف: 148- 151 مكية (2) الأعراف: 175- 177 مكية (3) التوبة: 19- 23 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4882 بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) «1» 35- أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) «2» 36- وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) «3» 37- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49)   (1) التوبة: 67- 70 مدنية (2) التوبة: 109 مدنية (3) يونس: 13 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4883 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) * وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54) «1» 38- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «2» 39- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) «3» 40- وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) «4» 41- وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) «5» 42- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) «6» 43- قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) «7»   (1) يونس: 37- 54 مكية (2) يونس: 84- 86 مكية (3) هود: 18 مكية (4) هود: 36- 37 مكية (5) هود: 44 مكية (6) هود: 66- 68 مكية (7) هود: 81- 83 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4884 44- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) «1» 45- وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) «2» 46- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) «3» 47- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) «4» 48- وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) «5» 49- يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) «6»   (1) هود: 94- 95 مكية (2) هود: 101- 102 مكية (3) هود: 112- 117 مكية (4) إبراهيم: 13- 14 مكية (5) إبراهيم: 22 مكية (6) إبراهيم: 27 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4885 50- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) «1» 51- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) «2» 52- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) «3» 53- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) «4» 54- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) «5» 55- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) «6» 56- وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «7» 57- وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (82) «8» 58- * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99)   (1) إبراهيم: 42- 45 مكية (2) الحجر: 77- 78 مكية (3) النحل: 28- 29 مكية (4) النحل: 32- 34 مكية (5) النحل: 85 مكية (6) الإسراء: 47- 48 مكية (7) الإسراء: 59 مكية (8) الإسراء: 82 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4886 لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «1» 59- إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) «2» 60- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «3» 61- * وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) «4» 62- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59) «5» 63- وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84)   (1) الإسراء: 99 مكية (2) الكهف: 10- 15 مكية (3) الكهف: 29 مكية (4) الكهف: 32- 36 مكية (5) الكهف: 57- 59 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4887 فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87) «1» 64- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) «2» 65- وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) «3» 66- * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) «4» 67- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) «5» 68- وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (15) «6» 69- * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) «7» 70- وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46) «8» 71- وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) «9»   (1) الكهف: 83- 87 مكية (2) مريم: 37- 38 مكية (3) مريم: 71- 72 مكية (4) طه: 111- 112 مكية (5) الأنبياء: 1- 3 مكية (6) الأنبياء: 11- 15 مكية (7) الأنبياء: 29 مكية (8) الأنبياء: 46 مكية (9) الأنبياء: 97 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4888 72- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25) «1» 73- فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) «2» 74- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) «3» 75- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) «4» 76- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) «5» 77- * هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)   (1) الحج: 25 مدنية (2) الحج: 45- 48 مدنية (3) الحج: 52- 53 مدنية (4) الحج: 71 مدنية (5) المؤمنون: 23- 28 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4889 قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (39) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) «1» 78- قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) «2» 79- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) «3» 80- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19) «4» 81- وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) «5» 82- وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) «6» 83- وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) «7»   (1) المؤمنون: 36- 41 مكية (2) المؤمنون: 93- 94 مكية (3) الفرقان: 4- 9 مكية (4) الفرقان: 17- 19 مكية (5) الفرقان: 25- 27 مكية (6) الفرقان: 37 مكية (7) الشعراء: 10- 11 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4890 84- يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44) «1» 85- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) «2» 86- * وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85) «3» 87- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) «4»   (1) النمل: 44 مكية (2) النمل: 45- 52 مكية (3) النمل: 82- 85 مكية (4) القصص: 20- 25 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4891 88- وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) «1» 89- قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) «2» فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) 90- وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ (59) «3» 91- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (14) «4» 92- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (31) «5» 93- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (37) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) «6»   (1) القصص: 37- 40 مكية (2) القصص: 49- 50 مكية (3) القصص: 59 مكية (4) العنكبوت: 14 مكية (5) العنكبوت: 31 مكية (6) العنكبوت: 36- 40 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4892 94- * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) «1» 95- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68) «2» 96- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) «3» 97- ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29) «4» 98- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) «5» 99- خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)   (1) العنكبوت: 46- 49 مكية (2) العنكبوت: 68 مكية (3) الروم: 9 مكية (4) الروم: 28- 29 مكية (5) الروم: 56- 57 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4893 وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) «1» 100- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «2» 101- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) «3» 102- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) «4» 103- فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) «5» 104- قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) «6» 105- * احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) «7» 106- أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) «8» 107- * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) «9»   (1) لقمان: 10- 13 مكية (2) السجدة: 22 مكية (3) سبأ: 15- 19 مكية (4) سبأ: 31 مكية (5) سبأ: 42 مكية (6) فاطر: 40 مكية (7) الصافات: 22- 23 مكية (8) الصافات: 62- 63 مكية (9) الزمر: 32 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4894 108- وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) «1» 109- وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) «2» 110- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) «3» 111- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) «4» 112- أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «5» 113- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) «6»   (1) الزمر: 47- 51 مكية (2) غافر: 18- 19 مكية (3) غافر: 51- 52 مكية (4) الشورى: 8 مكية (5) الشورى: 21- 23 مكية (6) الزخرف: 63- 65 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4895 114- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) «1» 115- ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22) «2» 116- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «3» 117- وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) «4» 118- وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) «5» 119- وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (52) «6» 120- لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16)   (1) الزخرف: 74- 76 مكية (2) الجاثية: 18- 22 مكية (3) الأحقاف: 10- 12 مكية (4) الذاريات: 56- 60 مكية (5) الطور: 44- 47 مكية (6) النجم: 52 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4896 فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (17) «1» 121- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) «2» 122- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «3» 123- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) «4» 124- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا (24) مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً (25) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «5»   (1) الحشر: 14- 17 مدنية (2) الصف: 7 مدنية (3) الجمعة: 5- 8 مدنية (4) التحريم: 10- 12 مدنية (5) نوح: 21- 28 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4897 125- إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31) «1» المعصية ظلم للنفس وتعد لحدود الله: 126- وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) «2» 127- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) «3» 128- أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) «4» 129- وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) «5» 130- وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) «6»   (1) الإنسان: 27- 31 مكية (2) البقرة: 35 مدنية (3) البقرة: 114 مدنية (4) البقرة: 140 مدنية (5) البقرة: 145 مدنية (6) البقرة: 148- 150 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4898 131- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «1» 132- أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) «2» 133- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) «3» 134- * وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) «4» 135- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) «5» 136- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «6»   (1) البقرة: 229- 231 مدنية (2) البقرة: 246 مدنية (3) البقرة: 270 مدنية (4) آل عمران: 133- 135 مدنية (5) النساء: 10 مدنية (6) النساء: 29- 30 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4899 137- * فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) «1» 138- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) «2» 139- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) «3» 140- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) «4» 141- وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)   (1) النساء: 74- 75 مدنية (2) النساء: 97- 99 مدنية (3) النساء: 160 مدنية (4) الأعراف: 19- 23 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4900 فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) «1» 142- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «2» 143- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «3» 144- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) * وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48) «4»   (1) الأعراف: 159- 165 مكية (2) الأنفال: 25 مدنية (3) التوبة: 36- 37 مدنية (4) التوبة: 43- 48 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4901 145- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) «1» 146- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «2» 147- وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) «3» 148- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) «4» 149- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)   (1) النحل: 61 مكية (2) الأنبياء: 87- 88 مكية (3) النور: 47- 50 مدنية (4) النمل: 7- 14 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4902 وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «1» 150- سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) «2» 151- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) «3» 152- وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39) «4» 153- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «5» من الظلم الاعتداء: 154- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) «6»   (1) فاطر: 32- 37 مكية (2) الصافات: 109- 113 مكية (3) الزمر: 23- 24 مكية (4) الزخرف: 36- 39 مكية (5) الممتحنة: 8- 9 مكية (6) البقرة: 190- 193 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4903 155- إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) «1» 156- * لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) «2» 157- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) «3» 158- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) «4» 159- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «5» 160- وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) «6» 161- قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) «7»   (1) آل عمران: 140- 141 مدنية (2) النساء: 148 مدنية (3) المائدة: 27- 29 مدنية (4) المائدة: 51 مدنية (5) المائدة: 106- 108 مدنية (6) الأنعام: 51- 52 مكية (7) الأنعام: 58 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4904 162- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) «1» 163- وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) «2» 164- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) «3» 165- فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (70) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (71) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) «4» 166- * قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) «5» 167- وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) «6» 168- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) «7»   (1) يونس: 104- 106 مكية (2) هود: 31- 32 مكية (3) يوسف: 23 مكية (4) يوسف: 70- 75 مكية (5) يوسف: 77- 79 مكية (6) إبراهيم: 34 مكية (7) النحل: 41 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4905 169- وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) «1» 170- فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (60) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (62) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) «2» 171- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) «3» 172- أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) «4» 173- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «5» 174- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) «6» 175- * وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) «7»   (1) الإسراء: 33 مكية (2) الأنبياء: 58- 64 مكية (3) الحج: 39 مدنية (4) المؤمنون: 105- 107 مكية (5) الشعراء: 224- 227 مكية (6) الأحزاب: 72 مدنية (7) ص: 21- 25 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4906 176- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) «1» 177- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) «2» 178- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) «3» 179- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)   (1) الشورى: 36- 46 مكية (2) الحجرات: 11 مدنية (3) الطلاق: 1 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4907 قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) «1» ليس الله ظلاما للعبيد: 180- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) «2» 181- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54) «3» 182- * يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) «4» 183- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) «5»   (1) القلم: 17- 29 مكية (2) آل عمران: 104- 108 مدنية (3) الأنفال: 49- 54 مدنية (4) النحل: 111- 113 مكية (5) النحل: 118 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4908 184- وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) «1» 185- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) «2» قبول التوبة عن الظلم: 186- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «3» 187- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112) «4» 188- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «5» 189- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) «6» 190- قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «7»   (1) الكهف: 49- 50 مكية (2) الزخرف: 74- 76 مكية (3) النساء: 64 مدنية (4) النساء: 110- 112 مدنية (5) المائدة: 38- 39 مدنية (6) الرعد: 6 مكية (7) القصص: 16 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4909 الأحاديث الواردة في ذمّ (الظلم) 1- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا دعوات المظلوم فإنّها تصعد إلى السّماء كأنّها شرار» ) * «1» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتقوا الظّلم فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» ) * «2» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ فوق يده» ) * «3» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا رأيتم أمّتي تهاب الظّالم، أن تقول له إنّك أنت ظالم فقد تودّع منهم» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد يكون في أمّتي خسف ومسخ وقذف» ) * «4» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خلص المؤمنون من النّار حبسوا بقنطرة بين الجنّة والنّار، فيتقاصّون مظالم كانت بينهم في الدّنيا، حتّى إذا نقّوا وهذّبوا أذن لهم بدخول الجنّة، فو الّذي نفس محمّد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنّة أدلّ بمنزله كان في الدّنيا» ) * «5» . 6- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر، فسلّم وقال: يا رسول الله إنّي كان بيني وبين ابن الخطّاب شيء فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) . ثمّ إنّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر فقالوا: لا. فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر، حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟» (مرّتين) فما أوذي بعدها) * «6» . 7- * (عن البراء بن عازب- رضي الله   (1) الحاكم (1/ 29) وقال: قد احتج مسلم بعاصم بن كليب والباقون من رواة هذا الحديث متفق على الاحتجاج بهم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) مسلم (2578) . وخرج البخاري أوله من حديث ابن عمر الفتح 5 (2447) . (3) البخاري- الفتح 5 (2444) واللفظ له. وخرجه مسلم من حديث جابر (2584) . (4) أحمد (2/ 163، 190) واللفظ في الرقم الأخير، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والبزار بإسنادين ورجال أحد إسنادي البزار رجال الصحيح وكذلك أحمد. (5) البخاري- الفتح 5 (2440) . (6) البخاري- الفتح 7 (3661) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4910 عنهما- قال: «أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع، ونهانا عن سبع. فذكر عيادة المريض واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس، وردّ السّلام، ونصر المظلوم، وإجابة الدّاعي، وإبرار القسم) * «1» . 8- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كلّ يوم قال: «قل كلّ يوم حين تصبح لبّيك اللهمّ لبّيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك وإليك، اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ولا حول ولا قوّة إلّا بك إنّك على كلّ شيء قدير، اللهمّ وما صلّيت من صلاة فعلى من صلّيت وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت إنّك أنت وليّي في الدّنيا والآخرة توفّني مسلما وألحقني بالصّالحين، أسألك اللهمّ الرّضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذّة النّظر إلى وجهك وشوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، أعوذ بك اللهمّ أنّ أظلم أو أظلم أو أعتدي أو يعتدى عليّ أو أكتسب خطيئة محيطة أو ذنبا لا يغفر، اللهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة ذا الجلال والإكرام، فإنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدّنيا وأشهدك وكفى بك شهيدا أنّي أشهد أن لا إله إلّا الله، أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد، وأنت على كلّ شيء قدير وأشهد أنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأشهد أنّ وعدك حق، ولقاءك حق، والجنّة حق، والسّاعة آتية لا ريب فيها، وأنت تبعث من في القبور، وأشهد أنّك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة، وإنّى لا أثق إلّا برحمتك، فاغفر لي ذنبي كلّه، إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، وتب عليّ إنّك أنت التوّاب الرّحيم» ) * «2» . 9- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ بناس من الأنصار وهم جلوس في الطّريق فقال: «إن كنتم لا بدّ فاعلين فردّوا السّلام، وأعينوا المظلوم واهدوا السّبيل» ) * «3» . 10- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا، فيقول: نعم أي ربّ، حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أنّه هلك قال: سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأمّا الكافر والمنافق فيقول الأشهاد «4» هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «5» . 11- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: إن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا مرّ بالحجر «6» قال: «لا   (1) البخاري- الفتح 5 (2445) واللفظ له، ومسلم (2066) . (2) أحمد (5/ 191) وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف. (3) الترمذي (2726) وقال: هذا حديث حسن غريب. ومعناه في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري/ البخاري الفتح 5 (2465) . (4) الأشهاد: هم الأنبياء والملائكة والصالحون. (5) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم (2768) . (6) الحجر: ديار ثمود قوم صالح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4911 تدخلوا مساكن الّذين ظلموا إلّا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم» ثمّ تقنّع «1» بردائه وهو على الرّحل» ) * «2» . 12- * (عن هشام بن عروة عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّ أروى بنت أويس ادّعت على سعيد بن زيد أنّه أخذ شيئا من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم. فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الّذي سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: وما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوّقه إلى سبع أرضين» . فقال له مروان: لا أسألك بيّنة بعد هذا. فقال: اللهمّ إن كانت كاذبة فعمّ بصرها واقتلها في أرضها. فما ماتت حتّى ذهب بصرها. ثمّ بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت) * «3» . 13- * (عن عبّاس بن مرداس السّلميّ- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا لأمّته عشيّة عرفة بالمغفرة، فأجيب، إنّي قد غفرت لهم، ما خلا الظّالم. فإنّي آخذ للمظلوم منه قال: أي ربّ إن شئت أعطيت المظلوم من الجنّة، وغفرت للظّالم. فلم يجب عشيّته، فلمّا أصبح بالمزدلفة أعاد الدّعاء، فأجيب إلى ما سأل. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو قال: تبسّم. فقال له أبو بكر وعمر: بأبي أنت وأمّي إنّ هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الّذي أضحكك؟ أضحك الله سنّك. قال: «إنّ عدوّ الله إبليس لمّا علم أنّ الله- عزّ وجلّ- قد استجاب دعائي، وغفر لأمّتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه ويدعو بالويل والثّبور فأضحكني ما رأيت من جزعه» ) * «4» . 14- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة أعاذك الله من إمارة السّفهاء. قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: «أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منّي ولست منهم ولا يردون عليّ الحوض، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على   (1) التقنع: تغطية الوجه، الرحل: ما يركب من الدواب. (2) البخاري- الفتح 6 (3380) ، واللفظ له. ومسلم (2980) . (3) البخاري- الفتح 5 (2452) بدون القصة. ومسلم (2610) واللفظ له. (4) ابن ماجة (3013) واللفظ له وأحمد (4/ 14، 15) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 202، 203) . وعزاه الحافظ ابن حجر في قوة الحجاج لعموم مغفرة الحجاج الى البيهقي في السنن الكبرى ونقل قوله: هذا الحديث له شواهد كثيرة في كتاب (البعث) فإن صح بشواهده ففيه الحجة (2421) . وكذلك عزاه الحافظ للمقدسي في المختارة، وقال له شواهد من حديث عبادة بن الصامت (عند عبد الرزاق والطبراني في المعجم الكبير) وأنس بن مالك عند أبي يعلى في مسنده وأحمد بن منيع في مسنده وعبد الله بن عمر عند ابن جرير في تفسير قوله تعالى وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وعند أبي نعيم في الحلية وابن حبان في الضعفاء. وأبي هريرة عند ابن حبان في الضعفاء والدارقطني في (غرائب مالك) مما ليس في الموطأ ثم قال الحافظ: والحديث وإن كان ضعيفا لكن يعتضد بكثرة طرقه، والحديث يدخل في حد الحسن على رأي الترمذي ولا سيما بالنظر الى مجموع هذه الطرق وقد ورد ما في الحديث في أحاديث أخر بعضها في الصحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4912 ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم، وسيردون عليّ الحوض، يا كعب بن عجرة، الصّيام جنّة والصّدقة تطفىء الخطيئة، والصّلاة قربان أو قال برهان، يا كعب ابن عجرة: النّاس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها» ) * «1» . 15- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ معاذا قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أنّ الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإيّاك وكرائم أموالهم. واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «2» . 16- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والشّحّ فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وإيّاكم والظّلم فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش» ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله! أيّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» . فقام هو أو آخر فقال: يا رسول الله، أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» . ثمّ ناداه هذا أو غيره فقال: يا رسول الله أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك، وهما هجرتان هجرة للبادي وهجرة للحاضر. فأمّا هجرة البادي، فيطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي، وأمّا هجرة الحاضر فهي أشدّهما بليّة وأعظمهما أجرا» ) * «3» . 17- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليملي «4» للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته «5» . ثمّ قرأ وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (هود/ 102)) * «6» . 18- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يحبّهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فأمّا الّذين يحبّهم الله: فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه، فتخلّف رجل بأعقابهم فأعطاه سرّا لا يعلم بعطيّته إلّا الله والّذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتّى إذا كان النّوم أحبّ إليهم ممّا يعدل به نزلوا فوضعوا رؤوسهم،   (1) أحمد (3/ 321) ، واللفظ له، النسائي (7/ 160- 161) . والترمذي (614) وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول: أقل أحواله أنه حسن (4/ 75- 76) والترغيب والترهيب (3/ 194، 195) . (2) البخاري- والفتح 3 (1496) . ومسلم (19) واللفظ له. (3) أبو داود (1698) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح. وأحمد (2/ 191) واللفظ له. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 52) رقم (6792) . (4) يملى: يمهل. (5) لم يفلته: لم يخلصه. (6) البخاري- الفتح 8 (4686) . ومسلم (2583) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4913 فقام أحدهم يتملّقني ويتلو اياتي. ورجل كان في سريّة فلقي العدوّ فهزموا وأقبل بصدره حتّى يقتل أو يفتح له. والثّلاثة الّذين يبغضهم الله: الشّيخ الزّاني، والفقير المختال، والغنيّ الظّلوم» ) * «1» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر على الصّدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله، وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتاده «2» في سبيل الله. وأمّا العبّاس فهي عليّ ومثلها معها. ثمّ قال: يا عمر أما شعرت أنّ عمّ الرّجل صنو «3» أبيه» ) * «4» . 20- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة. فادعو الله بها لعلّه يفرجها. فقال أحدهم: اللهم إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنّه نأى بي الشّجر فما أتيت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصّبية قبلهما والصّبية يتضاغون عند قدميّ فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السّماء، ففرج الله لهم فرجة حتّى رأوا منها السّماء، وقال الثاني: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحبّها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار فسعيت حتّى جمعت مائة دينار. فلقيتها بها، فلمّا قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتّق الله ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه، فقمت عنها. اللهمّ فإن كنت تعلم أنّي قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها، ففرج لهم فرجة، وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه حقّه، فتركه ورغب عنه، فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا وراعيها، فجاءني وقال: اتّق الله ولا تظلمني وأعطني حقّي. فقلت: اذهب إلى تلك البقر وراعيها. فقال: اتّق الله ولا تهزأبي. فقلت: إنّي لا أهزأ بك، فخذ تلك البقر وراعيها فأخذه فانطلق. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي، ففرج الله عنهم» ) * «5» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعوّذوا بالله من الفقر والقلّة   (1) الترمذي (2568) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح. والنسائي (5/ 84) . وأحمد (5/ 153) . وهو في المشكاة حديث (1922) . (2) الأعتاد: آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها. (3) صنو أبيه: مثل أبيه، وفيه تعظيم حق العم. (4) البخاري- الفتح 3 (1468) . ومسلم (983) واللفظ له والنسائي (5/ 33) وأبو داود (1623) . (5) البخاري- الفتح 10 (5974) اللفظ له. ومسلم (2743) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4914 والذّلّة. وأن تظلم أو تظلم» ) * «1» . 22- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه قال: فأمّا الثّلاث الّذي أقسم عليهنّ فإنّه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر، عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه فيصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. قال: وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا فهو يقول لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما وهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّه، فهذا بأخبث المنازل. قال وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «2» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» ) * «3» . 24- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث والّذي نفس محمّد بيده إن كنت لحالفا عليهنّ. لا ينقص مال من صدقة فتصدّقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلّا رفعه بها عزّا يوم القيامة، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر» ) * «4» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الصّائم حتّى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السّماء ويقول الرّبّ: وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «5» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) أبو داود (1544) . والنسائي (8/ 261) . وابن ماجة (3842) . وأحمد (2/ 540) واللفظ لابن ماجة وأحمد، وذكره محقق جامع الأصول (4/ 356) ، وعزاه كذلك لابن حبان في صحيحه وقال: إسناده حسن. (2) الترمذي (1325) وقال: حسن صحيح. وأحمد (4/ 231) واللفظ له. رقم (18060) ، وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 61) رقم (3021) ، وعزاه لأحمد. (3) الترمذي (3448) واللفظ له،، وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود (1536) . وابن ماجة (3862) . وأحمد (2/ 258) وقال الهيثمي في المجمع: رواه مطولا أحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر ورجالهما ثقات. والبخاري في الأدب المفرد (169) رقم (484) . والطبراني في الدعاء (3/ 1417) رقم (1325) ، وقال مخرجه: حسن. وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 64) رقم (3030) وقال: حسن. انظر الصحيحة رقم (598) . (4) أحمد (1/ 193) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 62) رقم (3022) وقال: صحح. وعزاه للبزار وابن عساكر وابن أبي الدنيا في ذم الغضب. (5) الترمذي (3598) واللفظ له وقال: حسن ابن ماجة (1752) . والطبراني في الدعاء 3 (1416) حديث (1322) وقال مخرجه: رجال إسناده حسن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4915 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يردّ دعاؤهم: الذّاكر الله كثيرا، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط» ) * «1» . 27- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّ ناسا من المصدّقين «2» يأتوننا فيظلموننا.. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرضوا مصدّقيكم» ) * «3» . 28- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن تسعة؛ خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم، فقال: «اسمعوا هل سمعتم أنّه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم فأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه، وليس بوارد عليّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدّقهم بكذبهم فهو منّي وأنا منه وهو وارد عليّ الحوض» ) * «4» . 29- * (عن أسامة بن شريك- رضي الله عنه- قال: خرجت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حاجّا فكان النّاس يأتونه فمن قال: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو قدّمت شيئا أو أخّرت شيئا، فكان يقول: «لا حرج، لا حرج إلّا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الّذي حرج وهلك» ) * «5» . 30- * (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان من أمّتي لا تنالهما شفاعتي: سلطان غشوم ظالم، وغال في الدّين يشهد عليهم ويتبرّأ منهم» ) * «6» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «المستبّان ما قالا، فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم» ) * «7» . ومعنى الحديث: أنّ إثم السّباب الواقع من اثنين مختصّ بالبادىء منهما إلّا أن يتجاوز المظلوم قدر الانتصار) *. 32- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج من بيته قال: «بسم الله توكّلت على الله، اللهمّ إنّا نعوذ بك من أن نزلّ أو نضلّ أو نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا» ) * «8» .   (1) شعب الإيمان للبيهقي (2/ 399) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 72) وقال: حسن وهو في الصحيحة له (3/ 211، 212) وقال: إسناده حسن. وهو تكرار للحديث الذي سبقه بصيغة أخرى. (2) المصدقون: العاملون على الزكاة. (3) مسلم (989) . وقولهم هذا إنما هو بحسب رأيهم. وإلا فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقر الظلم ولا يرضاه لأحد. (4) الترمذي (2259) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح غريب. والنسائي (7/ 160) وقال الألباني: صحيح، صحيح النسائي (3/ 882) : حديث (3923، 3924) . (5) أبو داود (2015) قال الألباني: صحيح. في صحيح أبي داود (379) برقم (1775) . (6) ابن أبي عاصم في السنة، وقال الألباني: صحيح (1/ 23) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 185) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وكذا الهيثمي في المجمع (5/ 235، 236) واللفظ له، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير ثقات. وهو في الصحيحة للألباني (7628) رقم (470) . (7) مسلم (2587) . (8) الترمذي (3427) وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4916 33- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضحك فقال: «هل تدرون ممّ أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربّه. يقول: يا ربّ ألم تجرني من الظّلم؟ قال يقول: بلى. قال فيقول: فإنّي لا أجيز على نفسي إلّا شاهدا منّي. قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا. قال: فيختم على فيه. فيقال لأركانه «1» : انطقي. قال: فتنطق بأعماله. قال: يخلّى بينه وبين الكلام. قال: فيقول: بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضل» ) «2» . 34- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «علّمني دعاء أدعو به في صلاتي» . قال: «قل اللهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت فاغفرلي مغفرة من عندك، وارحمني إنّك أنت الغفور الرّحيم» ) * «3» . 35- * (عن وائل بن حجر عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتاه رجلان يختصمان في أرض. فقال أحدهما إنّ هذا انتزى عليّ أرضي «4» يا رسول الله في الجاهليّة (وهو امرؤ القيس بن عابس الكنديّ. وخصمه ربيعة بن عبدان) قال: «بيّنتك» قال: ليس لي بيّنة. قال: «بيمينه» . قال: إذن يذهب بها. قال: «ليس لك إلّا ذاك» . قال: فلمّا قام ليحلف قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اقتطع أرضا ظالما، لقي الله وهو عليه غضبان» ) * «5» . 36- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «6» . 37- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (الأنعام/ 82) شقّ ذلك على المسلمين. فقالوا: يا رسول الله: أيّنا لا يظلم نفسه؟ قال: «ليس ذلك، إنّما هو الشّرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) * «7» . 38- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلا منّي   (1) والمراد بالأركان: الجوارح، وأناضل: أي أدافع وأجادل. (2) مسلم (2969) . (3) البخاري- الفتح 2 (834) واللفظ له، ومسلم (2705) . (4) انتزى عليّ أرضي: غلب عليها واستولى. (5) مسلم (139) . (6) الترمذي (3502) واللفظ له، وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول وهو كما قال (4/ 280) . والحاكم (1/ 528) وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي. (7) البخاري- الفتح 6 (3429) واللفظ له. ومسلم (124) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4917 أو من أهل بيتي، يواطا اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» ) * «1» . 39- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «2» . 40- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضّأ فيحسن الطّهور، ثمّ يصلّي ركعتين، فيستغفر الله تعالى إلّا غفر الله له، ثمّ تلا وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ (آل عمران/ 135) » ) * «3» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مطل «4» الغنيّ ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع «5» » ) * «6» . 42- * (عن معاذ بن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من بنى بنيانا من غير ظلم ولا اعتداء، أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء، كان له أجر ما انتفع به من خلق الله تبارك وتعالى» ) * «7» . 43- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه» ) * «8» . 44- * (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ضرب مملوكه ظلما أقيد «9» منه يوم القيامة» ) * «10» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرّة، أو ليخلقوا حبّة، أو ليخلقوا شعيرة» ) * «11» .   (1) الترمذي (2230) وقال: حسن. وأبو داود (4282) واللفظ له. وابن ماجة (4082) . والحاكم (4/ 464) بأول من هذا من غير طريق الترمذي ولذا قال الذهبي: موضوع (أي طريق الحاكم) . (2) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له ومسلم (2580) . (3) الترمذي (406) وقال: حديث حسن. وأحمد (1/ 10) وأبو داود (4893) والترمذي (1426) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 178) رقم (56) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب. وقال: رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والبيهقي (1/ 472) . وأورده الألباني في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» رقم (5738) . (4) المطل: منع قضاء ما استحق أداؤه. (5) اذا أتبع ... الخ: اذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليقبل. (6) البخاري- الفتح 4 (2287) . ومسلم (1564) واللفظ له. (7) أحمد (3/ 438) واللفظ له. وذكره الهيثمي في المجمع وعزاه لأحمد وقال: فيه زبان وثقه ابن حبان وفيه كلام (3/ 134) . (8) البخاري- الفتح 5 (2449) . ومعناه عند مسلم (2581) . (9) أقيد منه: اقتص منه. (10) ذكره المنذري فى الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني، ورواته ثقات (3/ 211) . (11) البخاري- الفتح 10 (5953) . ومسلم (2111) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4918 46- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل «1» من دمها لأنّه كان أوّل من سنّ القتل» ) * «2» . 47- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكونوا إمّعة تقولون: إن أحسن النّاس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن النّاس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» ) * «3» . 48- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «فيما روي عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا، يا عبادي كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلّكم جائع إلّا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلّكم عار إلّا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثمّ أوفيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «4» . 49- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت لأبي سلمة بن عبد الرّحمن وكان بينه وبين أناس خصومة: يا أبا سلمة اجتنب الأرض، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الظلم) معنى 50- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشر الأوسط من رمضان وهو يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلمّا تقضّين أمر ببنيانه فنقض ثمّ أبينت له أنّها في العشر الأواخر، فأمر بالبناء فأعيد ثمّ اعتكف العشر الأواخر ثمّ خرج على النّاس فقال: «يأيّها النّاس إنّها أبينت لي   (1) الكفل: النصيب. (2) البخاري- الفتح 12 (6867) . مسلم (1677) واللفظ له. (3) الترمذي (2007) واللفظ له وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (11/ 699) . (4) مسلم (2577) . (5) البخاري- الفتح 5 (2453) . ومسلم (1612) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4919 ليلة القدر، فخرجت لاخبركم بها فجاء رجلان يحيفان معهما الشّيطان فنسّيتها فالتمسوها في التّاسعة والسّابعة والخامسة» فقلت (الرّاوي عن أبي سعيد أبو نضرة) يا أبا سعيد: إنّكم أعلم بالعدد منّا. قال: أنا أحقّ بذاك منكم فما التّاسعة والسّابعة والخامسة؟ قال: تدع الّتي تدعون إحدى وعشرين والتي تليها التّاسعة، وتدع الّتي تدعون ثلاثة وعشرين والّتي تليها السّابعة، وتدع الّتي تدعون خمسة وعشرين والّتي تليها الخامسة» ) * «1» . 51- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعة يبغضهم الله- عزّ وجلّ- البيّاع الحلّاف، والفقير المختال، والشّيخ الزّاني، والإمام الجائر» ) * «2» . 52- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر (أو أمير جائر) » ) * «3» . 53- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلنا: بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «4» رويدا. فجعلت درعي في رأسي، واختمرت «5» وتقنّعت إزاري. ثمّ انطلقت على أثره. حتّى جاء البقيع، فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت. فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش حشيا رابية «6» » قالت: لا شيء. قال: لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي فأخبرته. قال: «فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم. فلهدني «7» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله» . قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك.، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت   (1) أحمد (3/ 10، 11) وحديث أبي سعيد مخرج في الصحيحين وغيرهما بغير هذا اللفظ. (2) صحيح سنن النسائي (2/ 544) من نسخة الألباني حديث (2414) واللفظ له. وقال: صحيح، وعزاه في الصحيحة لابن حبان (1/ 637) حديث (363) وقال: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. (3) الترمذي (2174) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (4344) واللفظ له. وصحيح النسائي للألباني (3/ 882) حديث (3925) من حديث طارق بن شهاب. والحاكم (4/ 505، 506) . وذكره الألباني في الصحيحة حديث (491) (1/ 806- 809) . وانظر «جامع الأصول» (1/ 333) وتعليق محققه عليه. (4) أجافه: أغلقه. (5) اختمرت: لبست خماري. (6) حشيا رابية: معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والممتد في كلامه. (7) لهدني: ضربني. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4920 أن تستوحشي، فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «1» . 54- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيّته فيختم له بشرّ عمله. فيدخل النّار. وإن الرّجل ليعمل بعمل أهل الشّرّ سبعين سنة فيعدل في وصيّته فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنّة» . قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إلى قوله عَذابٌ مُهِينٌ (النساء/ 13- 14) » ) * «2» . 55- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحبّ النّاس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا، إمام عادل. وأبغض النّاس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا، إمام جائر» ) * «3» . 56- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: إنّ أمّه (عمرة بنت رواحة) سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة. ثمّ بدا له فقالت: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما وهبت لابني فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ أمّ هذا بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الّذي وهبت لابنها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بشير ألك ولد سوى هذا؟» قال: نعم. فقال: «أكلّهم وهبت له مثل هذا؟» قال: لا. قال: «فلا تشهدني إذا فإنّي لا أشهد على جور» ) * «4» . 57- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حقّ، ومن الكبائر السّبّتان بالسّبّة» ) * «5» . 58- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: إنّي لقاعد مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة. فقال يا رسول الله، هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقتلته؟» فقال: إنّه لو لم يعترف أقمت عليه البيّنة. قال: نعم قتلته. قال: «كيف قتلته؟» قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبّني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك من شيء تؤدّيه عن نفسك؟» قال: مالي مال، إلّا كسائي وفأسي. قال «فترى قومك يشترونك؟» قال: أنا أهون على قومي من ذاك. فرمى إليه بنسعته. وقال: «دونك صاحبك» فانطلق به الرّجل. فلمّا ولّى قال   (1) مسلم (974) واللفظ له والنسائي (4/ 93) . (2) الترمذي (2117) وقال: صحيح غريب. وأبو داود (2867) . وابن ماجة (2704) . وأحمد (2/ 278) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 162، واللفظ لابن ماجة. وفي معناه حديث سهل بن سعد السّاعدي- رضي الله عنه- عند البخاري رقم (2898) ومسلم رقم (112) . (3) الترمذي (1329) واللفظ له قال: حديث حسن غريب. ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 65) وعزاه لمسند الإمام أحمد. (4) البخاري- الفتح 5 (2587) . ومسلم (1623) واللفظ له، والترمذي (1367) ، ابن ماجة (2376) والنسائي (6/ 258) . (5) أبو داود (4877) وقال الألباني في صحيحه (صحيح (4081) (3/ 923) وهو في. والصحيحة رقم (1433) (3/ 418) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4921 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن قتله فهو مثله» فرجع فقال: يا رسول الله: إنّه بلغني أنّك قلت: «إن قتله فهو مثله» وأخذته بأمرك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك» . قال: يا نبيّ الله (لعلّه) قال: بلى. قال: «فإنّ ذاك كذاك» . قال: فرمي بنسعته «1» وخلّى سبيله» ) * «2» . 59- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما امرأة ترضع ابنها إذ مرّ بها راكب وهي ترضعه فقالت: اللهمّ لا تمت ابني حتّى يكون مثل هذا. فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ رجع في الثّدي، ومرّ بامرأة تجرّر ويلعب بها. فقالت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها. فقال: اللهمّ اجعلني مثلها. فقال: أمّا الرّاكب فإنّه كافر، وأمّا المرأة فإنّهم يقولون لها: تزني، وتقول: حسبي الله. ويقولون: تسرق، وتقول حسبي الله» ) * «3» . 60- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « (ثلاث أخاف على أمّتي؛ الاستسقاء بالأنواء، وحيف السّلطان وتكذيب بالقدر» ) * «4» . 61- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان من أهل النّار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت «5» المائلة لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» ) * «6» . 62- * (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنّة، واثنان في النّار، فأمّا الّذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به، ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم فهو في النّار ورجل قضى للنّاس على جهل فهو في النّار» ) * «7» . 63- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: لمّا رجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مهاجرة البحر قال: «ألا تحدّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟» قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرّت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلّة من ماء. فمرّت بفتى منهم. فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثمّ دفعها فخرّت على ركبتيها فانكسرت قلّتها فلمّا ارتفعت، التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسيّ، وجمع الأوّلين والآخرين وتكلّمت الأيدي والأرجل بما كانوا   (1) النسعة: حبل من جلود مضفرة. (2) مسلم (1680) . (3) البخاري- الفتح 6 (3466) . (4) أحمد (5/ 90) وذكره الألباني في صحيح الجامع (3019) وقال: صحيح. وانظر السلسلة الصحيحة (3/ 118- 120) حديث رقم (1127) . (5) البخت: نوع من الإبل والمراد أن النساء يعظمن رؤوسهن بالعمائم والخمر حتى تشبه أسنمة البخت. (6) مسلم (2128) . (7) أبو داود (3573) واللفظ له وقال: هذا أصح شيء فيه. وابن ماجة (2315) وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح (2/ 111) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4922 يكسبون، فسوف تعلم أمري وأمرك، عنده غدا. قال: يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدقت صدقت كيف يقدّس الله أمّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم» ) * «1» . 64- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أمير عشرة إلّا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكّه إلّا العدل أو يوبقه الجور» ) * «2» . 65- * (عن هشام بن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: مرّ بالشّام على أناس، وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤوسهم الزّيت. فقال: ما هذا؟ قيل: يعذّبون في الخراج. فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون في الدّنيا» ) * «3» . 66- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اقتطع حقّ امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النّار، وحرّم عليه الجنّة، فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله. قال: «وإن قضيبا من أراك» ) * «4» . 67- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقّه مائل» ) * «5» . 68- * (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلبث الجور بعدي إلّا قليلا حتّى يطلع فكلّما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله حتّى يولد في الجور من لا يعرف غيره ثمّ يأتي الله- تبارك وتعالى- بالعدل، فكلّما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله حتّى يولد في العدل من لا يعرف غيره» ) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الظلم) 1- * (عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- استعمل مولى له يدعى هنيّا على الحمى فقال: يا هنيّ اضمم جناحك «7» عن المسلمين، واتّق دعوة المظلوم، فإنّ دعوة المظلوم مستجابة. وأدخل ربّ الصّريمة وربّ الغنيمة، وإيّاي ونعم ابن عوف «8» ونعم ابن عفّان، فإنّهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإنّ ربّ الصّريمة وربّ الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه فيقول: يا   (1) ابن ماجة (4010) وقال في الزوائد: إسناده حسن. (2) أحمد (2/ 431) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: صحيح (18/ 64) حديث (9570) . (3) مسلم (2613) واللفظ له وأبو داود (3045) . (4) مسلم (137) . (5) أبو داود (2133) واللفظ له. والترمذي (1141) . والنسائي (7/ 63) . وابن ماجة (1969) . وأحمد (2/ 347) قال الحافظ: سنده صحيح (3/ 340) . انظر: سبل السلام، شرح بلوغ المرام. (6) أحمد (5/ 26، 27) واللفظ له. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وفيه خالد بن طهمان وثقه أبو حاتم الرازي وابن حبان وقال: يخطىء ويهم. وبقية رجاله ثقات (5/ 196) . (7) اضمم جناحك: أي اكفف يدك عن ظلمهم. (8) الصريمة والغنيمة: صاحب القطيعة القليلة من الإبل أو الغنم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4923 أمير المؤمنين. أفتاركهم أنا لا أبالك؟ فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذّهب والورق، وأيم الله إنّهم ليرون أنّي قد ظلمتهم، إنّها لبلادهم. فقاتلوا عليها في الجاهليّة وأسلموا عليها في الإسلام. والّذي نفسي بيده لولا المال الّذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا) * «1» . 2- * (وعنه أيضا- رضي الله عنه- قال: «إنّه كتب إلى أبي موسى- رضي الله عنه- أمّا بعد فإنّ القضاء فريضة محكمة، وسنّة متّبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنّه لا ينفع تكلّم بحقّ لا نفاذ له. آس بين النّاس في وجهك ومجلسك وعدلك حتّى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك» ) * «2» 3- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «إنّما أهلك من كان قبلكم أنّهم منعوا الحقّ حتّى اشتري، وبسطوا الجور حتّى افتدي) * «3» . 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «إنّ وليدة كانت سوداء لحيّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبيّة لهم عليها وشاح أحمر من سيور. قالت: فوضعته أو وقع منها فمرّت به حديّاة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته. قالت: فالتمسوه فلم يجدوه قالت: فاتّهموني به. قالت: فطفقوا يفتّشون حتّى فتّشوا قبلها. قالت: والله إنّي لقائمة معهم، إذ مرّت الحديّاة «4» فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت هذا الّذي اتّهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة، وهو ذا هو. قالت: فجاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد، أو حفش «5» . قالت: فكانت تأتيني فتحدّث عندي. قالت: فلا تجلس عندي مجلسا إلّا قالت: ويوم الوشاح «6» من تعاجيب ربّنا ... ألا إنّه من بلدة الكفر أنجاني » ) * «7» . 5- * (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه- لرجل قال له: إنّ إخوانك من أهل الكوفة من أهل الذّكر يقرئونك السّلام، فقال: وعليهم السّلام ومرهم فليعطوا القرآن بخزائنهم، فإنّه يحملهم على القصد والسّهولة، ويجنّبهم الجور والحزونة «8» ) * «9» . 6- * (قال عمر بن عبد العزيز: «إذا دعتك قدرتك على ظلم النّاس، فاذكر قدرة الله تعالى عليك، ونفاد ما تأتي إليهم وبقاء ما يأتون إليك» ) * «10» . 7- * (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: كان يقال: «من أوصى بوصيّة، فلم يجر ولم يحف، كان له من الأجر مثل ما أن لو تصدّق به في حياته» ) * «11» . 8- * (قال محارب بن دثار- رحمه الله تعالى-   (1) البخاري- الفتح 6 (3059) . (2) البيهقي (10/ 135) وقال الألباني: صحيح. ارواء الغليل 8/ 241) رقم (2619) وعزاه للدارقطني (512) . (3) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 179) . (4) الحدياة: تصغير حداة. (5) الحفش: البيت الصغير القريب السقف. (6) الوشاح: هو خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة. (7) البخاري الفتح 1 (439) (8) الحزونة: الصعوبة. (9) سنن الدارمي (2/ 526) رقم (3330) . (10) سير أعلام النبلاء (5/ 131) . (11) الدارمي (2/ 496) حديث (3178) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4924 أظلم النّاس من ظلم لغيره) أي إعانة لغيره ولمصلحته) * «1» . 9- * (قال أبو العتاهية: أما والله إنّ الظّلم لؤم ... وما زال المسيء هو الظلوم إلى ديّان يوم الدّين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم ستعلم في الحساب إذا التقينا ... غدا عند الإله من الملوم ) * «2» . 10- * (وقال آخر: وما من يد إلّا يد الله فوقها ... وما ظالم إلا سيبلى بأظلم ) * «3» . 11- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى- «الظّلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير بغير حقّ، ومبارزة الرّبّ بالمخالفة، والمعصية فيه أشدّ من غيرها لأنّه لا يقع غالبا إلّا بالضّعيف الّذي لا يقدر على الانتصار. وإنّما ينشأ الظّلم عن ظلمة القلب ولو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتّقون بنورهم الّذي حصل لهم بسبب التّقوى اكتنفت ظلمات الظّلم الظّالم، حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا» ) * «4» . 12- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ النّاس لم يتنازعوا في أنّ عاقبة الظّلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ويروى (الله ينصر الدّولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدّولة الظّالمة وإن كانت مؤمنة» ) * «5» . 13- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «الإنسان خلق في الأصل ظلوما جهولا، ولا ينفكّ عن الجهل والظّلم إلّا بأن يعلّمه الله ما ينفعه، ويلهمه رشده، فمن أراد به خيرا علّمه ما ينفعه، فخرج به عن الجهل، ونفعه بما علّمه فخرج به عن الظّلم ومن لم يرد به خيرا أبقاه على أصل الخلقة. فأصل كلّ خير هو العلم والعدل، وأصل كلّ شرّ هو الجهل والظّلم» . وقد جعل الله سبحانه للعدل المأمور به حدّا، فمن تجاوزه كان ظالما معتديا، وله من الذّمّ والعقوبة بحسب ظلمه وعدوانه) * «6» . 14- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «والظّلم عند الله عزّ وجلّ يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئا، وهو الشّرك به، فإنّ الله لا يغفر أن يشرك به. وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضا، فإنّ الله تعالى يستوفيه كلّه. وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربّه- عزّ وجلّ- فإنّ هذا الدّيوان أخفّ الدّواوين وأسرعها محوا، فإنّه يمحى بالتّوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفّرة ونحو ذلك. بخلاف ديوان الشّرك، فإنّه لا يمحى إلّا بالتّوحيد، وديوان المظالم لا يمحى إلّا بالخروج منها   (1) الفتح (5/ 121) . (2) الآداب الشرعية (1/ 181) . (3) المرجع السابق نفسه، توالصفحة نفسها. (4) فتح الباري (5/ 121) . (5) مجموع الفتاوى (28/ 62، 63) . (6) انتهى ملخصا من إغاثة اللهفان (2/ 136، 137) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4925 إلى أربابها واستحلالهم منها. ولمّا كان الشرك أعظم الدّواوين الثّلاثة عند الله- عزّ وجلّ- حرّم الجنّة على أهله، فلا تدخل الجنّة نفس مشركة» ) * «1» . 15- * (قال الشّيخ محمّد بن يحيى الزّبيديّ رحمه الله تعالى- «إنّ المظلوم إذا شكا إلى الله تعالى اقتضى عدل الله- عزّ وجلّ- الإيقاع بظالمه، فيحبّ الله سبحانه وتعالى أن يجهر المظلوم بالشّكوى، ليكون الإيقاع بالظّالم مبسوط العذر عند الخلق، وزاجرا لأمثاله عن أمثال فاعله، وإنّما يمهل الظّالم من جهة أنّ الخلق إذا ملك أحدهم مملوكين فجني على أحدهم جناية فإنّ أرشها لسيّده، فالخلق ملك لله- عزّ وجلّ- فلا اعتراض عليه» ) * «2» . 16- * (في بعض المأثورات: «إذا كان يوم القيامة يجتمع الظّلمة وأعوانهم ومن ألاق لهم دواة وبرى لهم قلما، فيجعلون في تابوت ويلقون في جهنّم» ) * «3» . 17- * (قال محمود الورّاق: اصبر على الظّلم ولا تنتصر ... فالظّلم مردود على الظّالم وكل إلى الله ظلوما فما ... ربّي عن الظّالم بالنّائم ) * «4» . 18- * (قال بعض الشّعراء: لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم آخره يأتيك بالندم نامت عيونك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم ) * «5» . 19- * (قال الشّاعر: يا أيّها الظّالم في فعله ... فالظّلم مردود على من ظلم إلى متى أنت وحتّى متى ... تسلو المصيبات وتنسى النّقم؟ ) * «6» . من مضار (الظلم) (1) يجلب غضب الرّبّ وسخطه ويتسلّط على الظّالم بشتّى أنواع العذاب. (2) قبول دعاء المظلوم فيه. (3) يخرّب الدّيار وبسببه تنهار الدّول. (4) تحاشي الخلق عن الظّالم وبعدهم منه لخوفهم من بطشه. (5) معصيته متعدّية للغير. (6) دليل على ظلمة القلب وقسوته. (7) عدم الأخذ على يد الظّالم يفسد الأمّة. (8) يجلب كره الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. (9) صغار الظّالم عند الله وذلّته. (10) الظّالم يحرم شفاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.   (1) الوابل الصيب من الكلم الطيب (33) . (2) الآداب الشرعية (1/ 246) . (3) بصائر ذوي التمييز (3/ 543) . والكبائر للذهبي (112) . (4) الآداب الشرعية (1/ 181) . (5) بصائر ذوي التمييز (3/ 543) . (6) المرجع السابق (3/ 544) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4926 [ حرف العين ] العبوس العبوس لغة: العبوس مصدر قولهم: عبس يعبس، وهو مأخوذ من مادّة (ع ب س) الّتي تدلّ على تكرّه في شيء، قال ابن فارس: وأصله العبس وهو ما يعبس على هلب (شعر) الذّنب من بعر وغيره، ثمّ اشتقّ من ذلك: اليوم العبوس، وهو الشّديد الكريه، واشتقّ منه عبس الرّجل: إذا غضب (وتقطّب وجهه) . وقال الجوهريّ: يقال: عبس الرّجل يعبس عبوسا: كلح، وعبّس وجهه: مبالغة في عبس، والتّعبّس التّجهّم، ويوم عبوس: أي شديد، وقول الله تعالى ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (المدثر/ 22) . قال القرطبيّ: عبس أي قطّب بين عينيه في وجوه المؤمنين، وذلك أنّه لمّا حمل قريشا على ما حملهم عليه من القول في محمّد صلّى الله عليه وسلّم بأنّه ساحر، مرّ على جماعة من المسلمين، فدعوه إلى الإسلام، فعبس في وجوههم، وقيل: عبس وبسر على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين دعاه «1» . وقال القرطبيّ: عبس: قبض ما بين عينيه، وقيل: قبض وجهه تكرّها «2» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 2/ 5 وقال ابن منظور: يقال: عبس يعبس عبسا وعبّس: قطّب ما بين عينيه، ورجل عابس من قوم عبوس. ويوم عابس وعبوس: شديد، ومنه حديث قسّ: يبتغي دفع بأس يوم عبوس؛ هو صفة لأصحاب اليوم أي يوم يعبّس فيه. وعبّس تعبيسا، فهو معبّس وعبّاس إذا كرّه وجهه؛ فإن كشّر عن أسنانه فهو كالح، وقيل: عبّس: كلح. وفي صفته صلّى الله عليه وسلّم: لا عابس ولا مفند؛ العابس: الكريه الملقى، الجهم المحيّا. والتّعبّس: التّجهّم «3» . العبوس اصطلاحا: قال المناويّ: العبوس: تقبّض الوجه عن كراهية أو ضيق صدر «4» . وقال الجاحظ: العبوس هو التّقطيب عند اللّقاء بقلّة التّبسّم وإظهار الكراهية، وهذا الخلق مركّب من الكبر وغلظ الطّبع؛ فإنّ قلّة البشاشة هي استهانة بالنّاس، والاستهانة بالنّاس تكون من الإعجاب والكبر. وقلّة التّبسّم وخاصّة عند لقاء الإخوان تكون   (1) تفسير الطبرى (12/ 308، 443) . (2) مقاييس اللغة (4/ 210) ، الصحاح (3/ 944) ، اللسان (4/ 2785) ، ط. دار المعارف. (3) لسان العرب (6/ 128) . (4) التوقيف للمناوى (235) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4927 من غلظ الطّبع، وهذا الخلق مستقبح وخاصّة بالرّؤساء والأفاضل «1» . وقال الرّاغب: العبوس: قطوب الوجه من ضيق الصّدر «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- الجفاء- سوء المعاملة- سوء الظن- الكرب- اليأس- الغضب- الحزن- القنوط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البشاشة- طلاقة الوجه- التودد- حسن السمت- كظم الغيظ- الفرح- الرضا- السكينة- الصبر والمصابرة] . الآيات الواردة في «العبوس» 1- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) «3» 2- إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) «4» 3- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) «5»   (1) الجاحظ: تهذيب الأخلاق (72) . (2) المفردات للراغب (320) . (3) المدثر: 11- 23 مكية (4) الإنسان: 9- 11 مدنية (5) عبس: 1- 7 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4928 الأحاديث الواردة في ذمّ (العبوس) معنى 1- * (عن عبد الله الهوزنيّ قال: لقيت بلالا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء. كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فراه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي ففعلت. فلمّا أن كان ذا يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا (أن) رآني قال: يا حبشيّ. قلت: يا لبّاه!، فتجهّمني وقال لي قولا غليظا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال: قلت: قريب. قال: إنّما بينك وبينه أربع. فآخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك. فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي إنّ المشرك الّذي كنت أتداين منه قال لي كذا وكذا- وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي- وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات، عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر، فقد جاءك الله بقضائك» ثمّ قال: ألم تر الرّكائب المناخات الأربع؟» . فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ؛ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت، فذكر الحديث، ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه، فقال: «ما فعل ما قبلك؟» قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم. قال: «انظر أن تريحني منه» . فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: ما فعل الّذي قبلك؟ قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة يعني من الغد- دعاني قال: ما فعل الّذي قبلك؟» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى (إذا) جاء أزواجه فسلّم على امرأة امرأة، حتّى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4929 أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (المؤمنون/ 104) قال: تشويه النّار فتقلّص شفته العليا حتّى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السّفلى حتّى تضرب سرّته) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (العبوس) 1- * (قال أبو ذرّ- رضي الله عنه- خرجنا من قومنا غفار- وكانوا يحلّون الشّهر الحرام- أنا وأخي أنيس وأمّنا فانطلقنا حتّى نزلنا على خال لنا ذي مال وذي هيئة فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا. فحسدنا قومه فقالوا: إنّك إذا خرجت عن أهلك خلفك إليهم أنيس فجاءنا خالنا فنثا عليه ما قيل له. فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع لنا فيما بعد. قال: فقرّبنا صرمتنا «3» فاحتملنا عليها، وتغطّى خالنا ثوبه وجعل يبكي. قال: فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة. قال: فنافر أنيس رجلا عن صرمتنا، وعن مثلها، فأتيا الكاهن فخيّر أنيسا فأتانا بصرمتنا ومثلها، وقد صلّيت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث سنين. قال: فقلت: لمن؟ قال: لله. قال: قلت فأين توجّه؟ قال: حيث وجّهني الله- عزّ وجلّ- قال: وأصلّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء. قال أبي: قال أبو النّضر قال سليمان: كأنّي خفاء حتّى تعلوني الشّمس. قال: فقال أأنيس: إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني حتّى آتيك. قال: فانطلق فراث عليّ، ثمّ أتاني فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا يزعم أنّ الله- عزّ وجلّ- أرسله على دينك. قال: فقلت ما يقول النّاس له؟ قال: يقولون إنّه شاعر وساحر وكاهن. قال: وكان أنيس شاعرا. قال: فقال: قد سمعت قول الكهّان فما يقول بقولهم، وقد وضعت قوله على أقراء «4» الشّعر فو الله ما يلتام لسان أحد أنّه شعر. والله إنّه لصادق وإنّهم لكاذبون. قال: فقلت له: هل أنت كافيّ حتّى أنطلق فأنظر؟ قال: نعم. فكن من أهل مكّة على حذر فإنّهم قد شنفوا له، وتجهّموا له، وقال عفّان: شيفوا له وقال بهز سبقوا له، وقال أبو النّضر شفوا له قال: فانطلقت حتّى قدمت مكّة فتضعّفت «5» رجلا منهم فقلت: أين هذا الرّجل الّذي   (1) أبو داود (3055) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 590- 591) : صحيح الإسناد، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (6351) والطبراني في الكبير (1119) والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 348- 351) . (2) الترمذي (2587) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. (3) صرمتنا: الصرمة: القطعة من الإبل. (4) أقراء الشعر: ضروبه وفنونه. (5) تضعفت: انتقيت أضعفهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4930 تدعونه الصبابىء؟ قال: فأشار إليّ. قال: الصّابىء؟ قال: فمال أهل الوادي عليّ بكلّ مدرة وعظم حتّى خررت مغشيّا عليّ ... الحديث) * «1» . 2- * (عن سبيع بن خالد، قال: أتيت الكوفة في زمن فتحت تستر، أجلب منها بغالا، فدخلت المسجد فإذا صدع «2» من الرّجال، وإذا رجل جالس، تعرف إذا رأيته أنّه من رجال أهل الحجاز. قال: قلت: من هذا؟ فتجهّمني القوم وقالوا: أما تعرف هذا؟ هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 3- * (قال عكرمة في قوله تعالى يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (الإنسان/ 10) يعبس الكافر يومئذ حتّى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران) * «4» . 4- * (وقال مجاهد عَبُوساً قَمْطَرِيراً العابس الشّفتين يقبض الوجه بالبسور) * «5» . 5- * (قال مجاهد وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول) * «6» . من مضار (العبوس) (1) صفة ذميمة عند الله تعالى وعند النّاس. (2) ينفر النّاس من صاحبها حتّى أقاربه وأهل بيته. (3) يبتعد النّاس عن مشاركته ومخالطته. (4) يشعر بالبؤس والوحشة. (5) لا يجد للسّعادة سبيلا بل هو في همّ وغمّ ومقت دائم.   (1) مسلم (2473) . وأحمد (5/ 175) واللفظ له. (2) صدع: أي رجل بين الرجلين. (3) أبو داود (4244) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 798) : حسن. (4) بصائر ذوي التمييز (4/ 15) . (5) تفسير ابن كثير (4/ 485) . (6) المرجع السابق (4/ 455) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4931 العتو العتو لغة: مصدر قولهم: عتا يعتو إذا طغا وتجاوز الحدّ، وهو مأخوذ من مادّة (ع ت و) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على الاستكبار «1» ، وقال الخليل: يقال: عتا عتوّا وعتيّا فهو عات، والملك الجبّار عات، وجبابرة عتاة، وتعتّى فلان وتعتّت فلانة إذا لم تطع، قال العجّاج: الحمد لله الّذي استقلّت بأمره السّماء واطمأنّت بأمره الأرض فما تعتّت «2» (أي فما عصت) ، وقال الجوهريّ: العتوّ (بضمّ العين والتاء) هو الأصل «3» . ويقال أيضا: عتيّ وعتيّ، ويستعمل (اللفظ) الأخير جمعا، فيقال هو عات من قوم عتيّ، وقولهم: عتى الشيخ: كبر وولّى «4» وعلى ذلك قول الله تعالى: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (مريم/ 8) أي بلغت حالة لا سبيل إلى إصلاحها ومداواتها «5» ، وقيل: الآيات/ الأحاديث/ الآثار 26/ 3/ 29 المراد قحول عظمه «6» ، وقال القرطبيّ: المعنى: بلغ النّهاية في الكبر واليبس والجفاف «7» ، وقال الرّاغب: العتوّ: النبوّ عن الطّاعة وقيل: العاتي، الجاسي «8» ، والعتوّ (أيضا) : الاستكبار ومجاوزة الحدّ «9» ، والعاتي: الشّديد الدّخول في الفساد، المتمرّد الّذي لا يقبل موعظة، وجمعه أعتاء وعتاة، قال الفرّاء: والأعتاء (أيضا) : هم الدّعّار من الرّجال «10» ، وفي الحديث الشّريف: «بئس العبد عبد عتا وطغى» قال ابن الأثير: العتوّ هو التجبّر والتكبّر «11» ، وقول الله تعالى: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (الحاقة/ 6) ، المعنى: غضبت لغضب الله تعالى، وقيل عتت على عاد فقهرتهم «12» (كما يقهر الملك العاتي رعاياه) ، وقيل: عتت عليهم حتّى نقبت عن أفئدتهم، وقيل (هبّت عليهم) بغير رحمة ولا بركة «13» . إنّ لفظ العتوّ قد يطلق ويراد به مجرّد التجبّر والتّشدّد حتّى ولو كان ذلك في الطّاعة، ومن ذلك ما يروى أنّ رجلا دخل على أبي بكر فنال من عمر، وقال   (1) مقاييس اللغة (4/ 225) . (2) كتاب العين (2/ 226) ، وقد أكملنا الشاهد من مقاييس اللغة، (4/ 225) . (3) يشير الجوهري بذلك إلى أنه على وزن فعول وأن الصيغتين اللتين سيذكرهما بعد متفرعتان عن هذا الأصل. (4) الصحاح (6/ 2418) . (5) المفردات (323) (ت. كيلاني) . (6) تفسير ابن كثير (3/ 118) ، وقد نقل هذا المعنى عن مجاهد. (7) تفسير القرطبي (11/ 57) . (8) المفردات (323) ، والجاسي: اسم فاعل من جسا بمعنى صلب. (9) القاموس المحيط (عتا) (1688) (ط. بيروت) . (10) لسان العرب (عتا) (2815) (ط. بيروت) . (11) النهاية لابن الأثير (3/ 181) . (12) تفسير القرطبي (18/ 168) . (13) تفسير ابن كثير (4/ 412) (وفيه عتت الخزنة) ولعله تصحيف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4932 له: استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له، فلو ملكنا كان أعتى وأعتى «1» . قال ابن الأثير: العتوّ هنا الشّدّة والغلظة والتجبّر «2» ، ولا علاقة له بالمعاصي. العتو اصطلاحا: قال الكفويّ: العتوّ: كلّ مبالغة في كبر أو فساد أو كفر «3» ، ويؤخذ ممّا ذكره الفيروزآباديّ في البصائر: أنّ العتوّ هو مجاوزة الحدّ في الاستكبار «4» ، قال- رحمه الله- عتا عتوّا إذا استكبر وجاوز الحدّ في الاستكبار. وقال ابن حجر: هو الانهماك في الطّغيان والمبالغة في الفساد «5» . وقال القرطبيّ: العتوّ: هو أشدّ الكفر وأفحش الظّلم «6» . ويمكن أن نستخلص من جملة هذه الأقوال أنّ العتوّ المذموم هو كلّ مخالفة لأمر الله عزّ وجلّ مصحوبة بالاستكبار ومجاوزة الحدّ مع التجبّر والمبالغة في الفساد. حكم العتو: إذا كان العتوّ معصية أو مخالفة لأمر الله- عزّ وجلّ- مصحوبة بالاستكبار، فإنّه يعدّ من الكبائر المضاعفة: كبيرة المعصية ذاتها وكبيرة الكبر المقترن بها «7» . من معاني العتو في القرآن الكريم: لم تذكر كتب الوجوه والنظائر لفظ العتوّ ضمن تلك الألفاظ المشتركة الّتي تعدّدت معانيها في القرآن الكريم، وبالرّجوع إلى كتب التّفسير أمكننا أن نقف على معان عديدة للفظ «العتوّ» منها: 1- العتوّ بمعنى الطّعن في الّسّنّ، وذلك قوله تعالى: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (مريم/ 8) . 2- العتوّ بمعنى القهر والغلبة، ومن ذلك قوله تعالى: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (الحاقة/ 6) . 3- العتوّ بمعنى الاستكبار عن الطّاعة، ومنه قوله تعالى: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) . 4- العتوّ بمعنى العلوّ في الأرض، من ذلك قوله تعالى: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) . 5- العتوّ بمعنى التّجاوز في معصية الله تعالى، ومخالفة أمره ومن ذلك قوله سبحانه: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ.. (الأعراف/ 166) . وقوله جلّ من قائل عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها (الطلاق/ 8) . 6- العتوّ بمعنى الطّغيان، وذلك كما في قوله تعالى: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (الملك/ 21) . [للاستزادة: انظر صفات: الطغيان- الظلم- العدوان- العصيان- الغرور- الفجور- الكبر والعجب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإخبات- الإنابة- التواضع- الخشوع- الخوف- التقوى- تكريم الإنسان] .   (1) منال الطالب، شرح طوال الغرائب لابن الأثير (280) . وانظر الأثر كاملا في قسم الآثار (أثر رقم 1) . (2) المرجع السابق (284) . (3) الكليات (598) ، وفيه «كل مبالغ» والصواب ما أثبتناه. (4) بصائر ذوي التمييز (4/ 19) . (5) فتح الباري (12/ 70) ، وقد جاء قوله هذا في الحديث عن عتوّ شاربي الخمر، وذكر أيضا ان العتو هو التجبر. (6) جاء قول القرطبي هذا في تفسير قوله تعالى: «لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا» . (7) انظر في كبيرة «الكبر» الزواجر 1/ 67. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4933 الآيات الواردة في «العتو» 1- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) «1» 2- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) «2» 3- أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) «3» 4- * وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) «4» 5- وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) «5» 6- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) «6» 7- أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) «7» 8- وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (6) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (7) «8»   (1) الأعراف: 76- 78 مكية. (2) الأعراف: 165- 166 مكية. (3) مريم: 67- 70 مكية. (4) الفرقان: 21- 23 مكية. (5) الذاريات: 43- 45 مكية. (6) الطلاق: 8- 9 مدنية. (7) الملك: 21 مكية. (8) الحاقة 6- 7 مكية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4934 الآيات الواردة في «العتو» معنى 9- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «1» 10- لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «2» 11- وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (123) «3» 12- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (36) «4» 13- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «5» 14- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) «6» 15- وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) «7» 16- إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) «8» 17- وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) «9» 18- فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ   (1) البقرة: 87 مدنية (2) النساء: 172- 173 مدنية (3) الأنعام: 123 مكية (4) الأعراف: 36 مكية (5) الأعراف: 146 مكية (6) هود: 59- 60 مكية (7) إبراهيم: 15- 16 مكية (8) النحل: 22 مكية (9) الشعراء: 130 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4935 إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) «1» 19- وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39) «2» 20- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (39) «3» 21- بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) «4» 22- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «5» 23- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) «6» 24- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) «7» 25- وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) «8» الآيات الواردة في «العتو» ولها معنى آخر 26- قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) «9» قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)   (1) القصص: 19 مكية (2) القصص: 39 مكية (3) العنكبوت: 38- 39 مكية (4) الزمر: 59 مكية (5) غافر: 56 مكية (6) الجاثية: 31 مكية (7) الأحقاف: 10 مكية (8) نوح: 7 مكية (9) مريم: 8- 9 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4936 الأحاديث الواردة في ذمّ (العتو) 1- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنهم جميعا- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أعتى النّاس على الله- عزّ وجلّ-: من قتل في حرم الله، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهليّة «1» ) * «2» . 2- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: لمّا مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحجر «3» قال لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح، فكانت ترد من هذا الفجّ «4» ، وتصدر من هذا الفجّ، فعتوا عن أمر ربّهم فعقروها «5» (أي النّاقة) وكانت تشرب ماءهم يوما، ويشربون لبنها (يوما) فعقروها، فأخذتهم صيحة أهدم الله- عزّ وجلّ- (بها) من تحت أديم «6» السّماء منهم، إلّا رجلا واحدا كان في حرم الله- عزّ وجلّ- قيل من هو يا رسول الله؟ قال: هو أبو رغال فلمّا خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه) * «7» . 3- * (عن السّائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: كنّا نؤتى بالشّارب على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإمرة أبي بكر «8» - رضي الله عنه- فصدرا من خلافة عمر- رضي الله عنه- فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتّى كان آخر إمرة عمر- رضي الله عنه- فجلد أربعين، حتّى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين) * «9» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (العتو) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (مريم/ 69) قال أيّهم أشدّ على الرّحمن معصية وهي معصيته في الشّرك) * «10» .   (1) ذحول الجاهلية، الذحول جمع ذحل وهو العداوة والذّحل أيضا الوتر وطلب المكافأة بجناية جنيت على الإنسان من قتل أو جرح أو نحو ذلك، انظر النهاية لابن الأثير 2/ 155. (2) أحمد في المسند 11 (6757) وقال محققه الشيخ شاكر: إسناده صحيح. (3) الحجر هي ديار ثمود قوم نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام. (4) الفج: الطريق الواسع. (5) فعقروها: هو كناية عن الذبح، ويطلق على ضرب قوائم البعير بالسيف. (6) أديم: أي جلدها. (7) أحمد في المسند (3/ 296) ، والحاكم (2/ 320) وصححه، وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم، وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط أتم منه، ورجال أحمد رجال الصحيح، مجمع الزوائد 7/ 50. (8) إمرة أبي بكر: أي خلافته. (9) البخاري- الفتح 12 (6779) ، قال ابن حجر: العتو هنا هو الانهماك في الطغيان والمبالغة في الفساد. (10) تفسير الدر المنثور ج/ 4/ 504 وأيضا تفسير الطبري 8/ 81. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4937 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (الملك/ 21) قال في الضّلال) * «1» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال في قوله تعالى بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (الحاقة/ 6) قال عتوهّا أنّها بدأت بأهل البادية منهم فحملتهم بمواشيهم وبيوتهم فأقبلت بهم إلى الحاضرة) * «2» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) قال شدّة الكفر) * «3» . 5- * (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (الملك/ 21) قال: كفور) * «4» . 6- * (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: «وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) قال: غلوا في الباطل) * «5» . 7- * (عن عكرمة- رضي الله عنه- قال: العتوّ في كتاب الله التّجبّر) * «6» . 8- * (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (مريم/ 69) قال: عتيّا أي كفرا) * «7» . 9- * (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله في الآية: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (مريم/ 69) قال: من كلّ أهل دين، قادتهم رؤوسهم في الشّرّ) * «8» . 10- * (عن أبي الأحوص في الآية السّابقة قال: يبدأ بالأكابر فالأكابر جرما) * «9» . 11- * (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) أي علوّا في الأرض) * «10» . 12- * (عن ابن زيد في قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ (الطلاق/ 8) قال: العتوّ هنا الكفر والمعصية. وعتت عن أمر ربّها: تركته ولم تقبله) * «11» . 13- * (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الذاريات/ 44) قال: علوا) * «12» . 14- * (وعن ابن زيد في الآية السّابقة قال: العاتي العاصي التّارك لأمر الله) * «13» .   (1) الدر المنثور 6/ 385، وتفسير الطبري مجلد 12 ج/ 29 ص 6. (2) الدر المنثور 6/ 405 (3) المرجع السابق 5/ 120. (4) المرجع السابق، وأيضا في الطبري مجلد 12 ج/ 29 ص 6. (5) الدر المنثور 3/ 184 وأيضا في تفسير الطبري مجلد 5 ج/ 8 ص 163. (6) الدر المنثور 5/ 120. (7) الدر المنثور 4/ 504 وفي الطبري مجلد 8 ج/ 16/ 81. (8) الدر المنثور 4/ 504 وابن كثير ج/ 3 ص 131. (9) الدر المنثور 4/ 504 وتفسير الطبري مجلد 8 ج/ 16 ص 81. (10) تفسير القرطبي ج/ 13 ص 15. (11) تفسير لطبري 28/ 97. (12) المرجع السابق، والدر المنثور 6/ 140. (13) تفسير الطبري 27/ 5. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4938 15- * (عن قتادة في قوله تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ (الأعراف/ 166) قال لمّا مرد القوم على المعصية) * «1» . 16- * (عن ابن عبّاس في قوله تعالى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (مريم/ 69) قال: «يحبس الأوّل على الآخر حتّى إذا تكاملت العدّة أتاهم جميعا ثمّ بدأ بالأكابر فالأكابر جرما» ) * «2» . 17- * (عن مجاهد في قوله تعالى: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) قال: «علوا عن الحقّ لا يبصرونه» ) * «3» . 18- * (وعن مجاهد في قوله تعالى في الآية السّابقة أيضا قال: علوا في الباطل) * «4» . 19- * (وعن مجاهد أيضا في الآية نفسها قال: عتوا في الباطل وتركوا الحقّ) * «5» . 20- * (وعن مجاهد أيضا في الآية المذكورة قال: علوا في الباطل وهو من قولهم: جبّار عات إذا كان عاليا في تجبّره) * «6» . 21- * (قال الطّبريّ في قوله تعالى: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) يقول تعالى ذكره فعقرت ثمود النّاقة الّتي جعلها الله لهم آية وعتوا عن أمر ربّهم. يقول تكبّروا وتجبّروا عن اتّباع الله واستعلوا عن الحقّ) * «7» . 22- * (قال الطّبريّ في تأويل قوله تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ (الأعراف/ 166) ، يقول تعالى ذكره: فلمّا تمرّدوا فيما نهوا عنه من اعتدائهم في السّبت واستحلالهم ما حرّم الله من صيد السّمك وأكله وتمادوا فيه قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (الأعراف/ 166)) * «8» . 23- * (عن ابن جرير في قوله تعالى: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) يقول: «تجاوزوا في الاستكبار» ) * «9» . 24- * (وقال- رحمه الله- في قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها (الطلاق/ 8) قال: يقول تعالى ذكره وكأيّن من أهل قرية طغوا عن أمر ربّهم وخالفوه وعن أمر رسل ربّهم فتمادوا في طغيانهم وعتوّهم ولجّوا في كفرهم) * «10» . 25- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) أي استكبروا.. من عتا يعتوا عتوّا، أي استكبر) * «11» . 26- * (وقال القرطبيّ في قوله تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ (الأعراف/ 166) أي فلمّا   (1) تفسير الطبري 9/ 69. (2) المرجع السابق، وتفسير ابن كثير 3/ 131. (3) تفسير الطبري 8/ 163، والدر المنثور 3/ 184. (4) تفسير الطبري 8/ 163 والدر المنثور 18413. (5) تفسير الطبري 8/ 163. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) المرجع السابق 8/ 169. (8) المرجع السابق 9/ 69. (9) المرجع السابق 19/ 3. (10) المرجع السابق 28/ 97. (11) تفسير القرطبي 7/ 154. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4939 تجاوزوا في معصية الله) * «1» . 27- * (وقال- رحمه الله- في قوله- عزّ وجلّ-: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) «حيث سألوا الله الشّطط لأنّ الملائكة لا ترى إلّا عند الموت» ) *. 28- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: عُتُوٍّ وَنُفُورٍ عتوّ: طغيان ونفور عن الحقّ) * «2» . ومن الآثار الّتي ورد فيها العتوّ مرادا به مطلق التّجبّر ولو كان في الطّاعة وتنفيذ أمر الله عزّ وجلّ ما جاء في حديث سيّدنا أبي بكر رضي الله عنه، وهذا الحديث. كما أورده ابن الأثير. 29- * (إنّ فلانا دخل على أبي بكر- رضي الله عنه- فنال من عمر وقال له: استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له، فلو ملكنا كان أعتى، فكيف تقول لله إذا لقيته، فقال أبو بكر: أجلسوني (فأجلسوه؛ فقال: أبا لله تفرقني «3» ؟ خاب من تزوّد من أمركم بظلم، أقول: اللهم، استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عنّي ما قلت لك من وراءك، ثمّ اضطجع، فقال: لو استخلفت فلانا! فقال: لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك «4» ، ولما أخذت من أهلك حقّا) * «5» . من مضار (العتو) (1) العتوّ يغضب الرّبّ عزّ وجلّ ويورث أصحابه العقاب الأليم في الآخرة. (2) العتوّ آفة تصيب الأفراد والجماعات وتؤدّي إلى الهلاك والخسران للفرد والمجتمع. (3) العتوّ كالكبر والطّغيان من الآفات الّتي تنفكّ بها عرى المجتمع وتنهار بها الأمم لما ينجم عنها من الخوف وانعدام الثّقة. (4) العتوّ يذهب الخير والبركة في الدّنيا ويجلب الفقر والمذلّة والهوان على العتاة. (5) العتوّ يجعل أصحابه في طليعة العصاة من الكفّار والمنافقين الّذين يصلون جهنّم وساءت مصيرا. (6) العتوّ يقصم ظهر العتاة ويورثهم البوار والهلاك. (7) العتوّ يورث الجبن في الأتباع فلا تصل إلى العتاة كلمة الحقّ فيزداد المجتمع تأخّرا وانحطاطا.   (1) تفسير القرطبي 7/ 196. (2) المرجع السابق 18/ 142. (3) تفرقني: أي تخوّفني. (4) جعل الأنف في القفا كناية عن شدّة الإعراض. (5) انظر هذا الحديث مخرجا، ورواية أخرى عن عبد الرحمن بن عوف، في منال الطالب، شرح طوال الغرائب لابن الأثير ص 281. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4940 العجلة العجلة لغة: العجل والعجلة: خلاف البطء، وهو مأخوذ من مادّة (ع ج ل) الّتي تدلّ على الإسراع، ومن ذلك: العجلة في الأمر، والعاجل والعاجلة، نقيض الآجل والآجلة وأعجله: سبقه، كاستعجله قال تعالى: وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (طه/ 83) أي ما حملك على أن تسبقهم «1» ، واستعجلته: تقدّمته فحملته على العجلة، وأعجلت النّاقة إعجالا. أي ألقت ولدها لغير تمام، فهي معجلة، والعجل محرّكة، ما استعجل من طعام فقدّم قبل إدراك الغذاء، والعجالة (بضمّ العين) ما تزوّده الرّاكب ممّا لا يتعبه أكله كالتّمر والسّويق، لأنّه يستعجله أو لأنّ السّفر يعجله عمّا سوى ذلك من الطّعام. وقول الله تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (طه/ 114) هو كقول الله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (القيامة/ 16) أي لا الآيات/ الأحاديث/ الآثار 25/ 9/ 20 تتله قبل أن تتبيّنه، وقيل: لا تسل إنزاله من قبل أن يأتيك وحيه، وقيل لا تلقه إلى النّاس من قبل أن يأتيك تأويله «2» . ويقال: عجل (بالكسر) يعجل (بالفتح) كفرح يفرح والعجل والعجلة: السّرعة وهي خلاف البطء. ويقال: هو رجل عجل (بالكسر) وعجل (بالضّمّ) وعجلان وعاجل وعجيل وعجول وامرأة عجلى. والعجالة: ما تعجّلته من شيء. وتقول عجّلت له من الثّمن كذا: أي قدّمت. واستعجلته: طلبت عجلته، وكذلك إذا تقدّمته ويقال: أعجلني فعجّلت له وعاجله الله بذنبه: إذا أخذه به ولم يمهله. والاستعجال والإعجال والتّعجّل واحد بمعنى الاستحثاث وطلب العجلة «3» . وقول الله تعالى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (الإسراء/ 11) . أي طبعه العجلة فيعجل بسؤال الشّرّ كما يعجل بسؤال الخير، وقيل يؤثر العاجل وإن قلّ، على الآجل وإن جلّ «4» .   (1) تفسير القرطبي (11/ 155) . (2) تفسير القرطبي (11/ 166) . (3) مقاييس اللغة (4/ 237) ، لسان العرب (5/ 2821- 2824) . والصحاح (5/ 1759- 1760) . وانظر بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي (4/ 23) ، والمصباح (149) ، وتاج العروس (15/ 468) وما بعدها. (4) تفسير القرطبي (10/ 148) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4941 العجلة اصطلاحا: قال المناويّ: العجلة: فعل الشّيء قبل وقته اللّائق به «1» . وقال الرّاغب: العجلة: طلب الشّيء وتحرّيه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشّهوة، فلذلك صارت مذمومة فى عامّة القرآن حتّى قيل: «العجلة من الشّيطان» «2» . دوافع العجلة: قال الفيروزآباديّ- رحمه الله تعالى-: العجلة من مقتضيات الشّهوة، فلذلك ذمّت في جميع القرآن حتّى قيل: العجلة من الشّيطان، وأمّا قوله تعالى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (طه/ 84) فقد ذكر أنّ عجلته وإن كانت مذمومة فالّذي دعا إليها أمر محمود. وقوله تعالى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (الإسراء/ 11) وكذلك قوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ (الأنبياء/ 37) فهذا تنبيه وإخبار من الله- عزّ وجلّ- فإنّ ذلك أحد القوى الّتي ركّب عليها. قال الشّاعر: لا تعجلنّ فربّما ... عجل الفتى فيما يضرّه ولربّما كره الفتى ... أمرا عواقبه تسرّه «3» . حكم العجلة: عدّ الإمام ابن حجر: العجلة وترك التثبّت في الأمور من الكبائر، وقد جاء فى الحديث: «العجلة من الشّيطان» لأنّه عندها يروّج شرّه على الإنسان من حيث لا يشعر بخلاف من تمهّل وتروّى عند الإقدام على عمل يريده فإنّه تحصل له بصيرة به ومتى لم تحصل تلك البصيرة فلا ينبغي الاستعجال «4» . هذا مع أنّ الإمام الذّهبيّ لم يذكرها في الكبائر «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الطيش- السفاهة- الحمق- الجهل- اتباع الهوى- التفريط والإفراط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التأني- التبين- السكينة- الحلم- النظر والتبصر] .   (1) التوقيف (237) . (2) المفردات (323) . (3) بصائر ذوي التمييز (4/ 23- 24) بتصرف. (4) الزواجر (107) . (5) ينظر كتاب الكبائر للذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4942 الآيات الواردة في «العجلة» آيات وردت العجلة فيها في سياق كون حدوث المعجّل فيصلا فيما هو موضع الجدل: 1- وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) «1» 2- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) «2» آيات وردت العجلة فيها دليلا على قلة التدبر وتمييز الأمور: 3- * وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) «3»   (1) الأنعام: 55- 58 مكية (2) الأعراف: 148- 152 مكية (3) يونس: 11- 12 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4943 4- وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (11) «1» 5- وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) «2» 6- * وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) «3» 7- وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) «4» آيات وردت العجلة فيها دليلا على عدم تقدير الأمور والجهل بحقائقها: 8- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ   (1) الإسراء: 11 مكية (2) الأنبياء: 36- 38 مكية (3) الأحقاف: 21- 25 مكية (4) الذاريات: 1- 14 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4944 وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) «1» 9- * وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) «2» 10- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) «3» 11- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) «4» 12- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (206) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (210) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) «5»   (1) يونس: 48- 52 مكية (2) الرعد: 5- 6 مكية (3) الإسراء: 18- 21 مكية (4) الحج: 46- 47 مكية (5) الشعراء: 192- 212 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4945 13- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) «1» 14- وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) «2» 15- وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «3» 16- وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)   (1) النمل: 45- 53 مكية (2) العنكبوت: 50- 55 مكية (3) الصافات: 171- 182 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4946 إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) «1» آيات العجلة فيها دليل إنكار البعث والحساب: 17- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) «2» 18- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (15) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (20) «3» 19- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) «4» 20- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «5» آيات وردت العجلة فيها في سياق النهي عنها متعلقة بالقرآن الكريم: 21- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113)   (1) الذاريات: 56- 60 مكية (2) النحل: 1- 4 مكية (3) ص: 12- 20 مكية (4) الشورى: 17- 18 مكية (5) الأحقاف: 35 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4947 فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «1» 22- بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19) «2» آيات وردت العجلة فيها في سياق الوعيد: 23- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59) «3» 24- أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87) «4» 25- * وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) «5»   (1) طه: 113- 114 مكية (2) القيامة: 14- 19 مكية (3) الكهف: 57- 59 مكية (4) مريم: 83- 87 مكية (5) طه: 83- 87 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4948 الأحاديث الواردة في ذمّ (العجلة) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اهجوا قريشا، فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل» فأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجهم» . فهجاهم فلم يرض «1» . فأرسل إلى كعب ابن مالك. ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت. فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه. ثمّ أدلع «2» لسانه فجعل يحرّكه. فقال: والّذي بعثك بالحقّ! لأفرينّهم بلساني فري الأديم «3» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تعجل. فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإنّ لي فيهم نسبا. حتّى يلخّص لك نسبي» . فأتاه حسّان. ثم رجع فقال: يا رسول الله! قد لخّص لي نسبك. والّذي بعثك بالحقّ! لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لحسّان: «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك، ما نافحت عن الله ورسوله» . وقالت عائشة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هجاهم حسّان فشفى واستشفى» قال حسّان: هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمّدا برّا تقيّا ... رسول الله شيمته الوفاء فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء ... الحديث) «4» . 2- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا، فاتّبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشدّ النّاس على المشركين حتّى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتّى خرج من بين كتفيه فأقبل الرّجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسرعا فقال: أشهد أنّك رسول الله، فقال: وما ذاك؟ قال: قلت لفلان من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنّه لا يموت على ذلك، فلمّا جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «إنّ العبد ليعمل عمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» ) * «5» . 3- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل كنت تدعوه بشيء أو تسأله إيّاه؟» قال: نعم. كنت أقول: اللهمّ ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدّنيا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله لا تطيقه أو لا   (1) فلم يرض: أي فلم يأت بهجاء ينال له من قريش ما يرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (2) أدلع لسانه: أخرجه. (3) لأفرينهم فري الأديم: جاء في القاموس: فراه يفريه: شقه، والمعنى لأمزقن أعراضهم كما يمزق الجلد للشاة ونحوها. (4) البخاري- الفتح 6 (3531) . ومسلم (2490) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 11 (6607) واللفظ له، ومسلم (112) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4949 تستطيعه، أفلا قلت: اللهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار» . وقال: فدعا الله له. فشفاه) * «1» . 4- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» . ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي مجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «2» . 5- * عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. يقول: دعوت فلم يستجب لي» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (العجلة) معنى 6- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: التؤدة في كلّ شيء إلّا في عمل الآخرة) * «4» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «5» . على رأس جبل وعر «6» . لا سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل «7» . قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «8» . إنّي أخاف أن لا أذره «9» . إن أذكره أذكر عجره وبجره «10» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «11» . إن أنطق أطلّق. وإن أسكت أعلّق «12» ... الحديث) * «13» .   (1) مسلم (2688) . (2) النسائي (3/ 44- 45) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح النسائي: حسن (1/ 275) . وأبو داود (1481) . والترمذي (3476) وقال: صحيح. (3) البخاري- الفتح 11 (6340) واللفظ له، ومسلم (2735) . (4) أبو داود (4810) وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 913) صحيح. وذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية، وقال: رجاله كلهم ثقات (2/ 240) . (5) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشراح: المراد بالغث المهزول. (6) على رأس جبل وعر: أي صعب الوصول إليه. (7) لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل: المعنى لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة ولا سمين فينقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يتركوه رغبة عنه لرداءته والغرض من هذا التشبيه بيان أنه ليس فيه مصلحة يحتمل سوء عشرته بسببها. (8) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (9) إني أخاف أن لا أذره: فيه تأويلان. أحدهما لابن السكيت وغيره؛ أن الهاء عائدة على خبره. فالمعنى أن خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته. والثاني أن الهاء عائدة للزوج وتكون لا زائده. كما في قوله تعالى: ما منعك أن لا تسجد. ومعناه إني أخاف أن يطلقني فأذره. (10) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. قال الخطابيّ وغيره: أرادت بهما عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة. قالوا: وأصل العجر أن يتعقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد. والبجر نحوها إلا أنها في البطن خاصة. واحدتها بجرة. ومنه قيل: رجل أبجر. إذا كان عظيم البطن؛ وامرأة بجراء. والجمع بجر. وقال الهرويّ: قال ابن الأعرابيّ: العجرة نفخة في الظهر. فإن كانت في السرة فهي بجرة. (11) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع. (12) إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق: إن ذكرت عيوبه طلقني، وإن سكت عنها علقني فتركني لا عزباء ولا مزوجة. (13) البخاري- الفتح (9/ 5189) . وصحيح مسلم (2448) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4950 8- * (عن أبيّ بن كعب؛ أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى- عليه السّلام- خطيبا في بني إسرائيل) . فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ... الحديث ... إلى أن قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يرحم الله موسى، لوددت أنّه كان صبر حتّى قصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كانت الأولى من موسى نسيانا» . قال: «وجاء عصفور حتّى وقع على حرف السّفينة. ثمّ نقر في البحر. فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر» . قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا. وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرا) * «1» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه جاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الّذي تحدّث به؟ تقول: إنّ السّاعة تقوم إلى كذا وكذا. فقال: سبحان الله! أو لا إله إلّا الله، أو كلمة نحوها، لقد هممت أن لا أحدّث أحدا شيئا أبدا، إنّما قلت: إنّكم سترون بعد قليل أمرا عظيما. يحرق البيت، ويكون، ويكون. ثمّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج الدجّال في أمّتي فيمكث أربعين (لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما) . فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنّه عروة بن مسعود. فيطلبه فيهلكه ثمّ يمكث النّاس سبع سنين. ليس بين اثنين عداوة. ثمّ يرسل الله ريحا باردة من قبل الشأم. فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرّة من خير أو إيمان إلّا قبضتة. حتّى لو أنّ أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه، حتّى تقبضه» . قال: سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال «فيبقى شرار النّاس في خفّة الطّير وأحلام السّباع. لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا. فيتمثّل لهم الشّيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان. وهم في ذلك دارّ رزقهم، حسن عيشهم. ثمّ ينفخ في الصّور. فلا يسمعه أحد إلّا أصغى ليتا ورفع ليتا «2» . قال: وأوّل من يسمعه رجل يلوط حوض إبله «3» . قال فيصعق، ويصعق النّاس. ثمّ يرسل الله- أو قال ينزل الله- مطرا كأنّه الطّلّ أو الظّلّ «4» فتنبت منه أجساد النّاس. ثمّ ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ثمّ يقال: يأيّها النّاس! هلمّ إلى ربّكم. وقفوهم إنّهم مسؤولون. قال: ثمّ يقال: أخرجوا بعث النّار. فيقال: من كم؟ فيقال: من كلّ ألف، تسعمائه وتسعة وتسعين. قال: فذاك يوم يجعل الولدان شيبا. وذلك يوم يكشف عن ساق» ) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 8 (4725) . ومسلم (2380) واللفظ له. (2) أصغى ليتا ورفع ليتا: الليت صفحة العنق وأصغى: أمال، والمراد أن من يسمع نفخة الصور يميل صفحة من عنقه ويرفع الأخرى. وهذا كناية عن الضعف والاستسلام. (3) يلوط حوض إبله: يطليه بالطين ويصلحه به. (4) كأنه الطل أو الظل: الطلّ: المطر الخفيف والظل هو عدم ضوء الشمس. وتشبيه المطر بالطل لإفادة القلة وتشبيه بالظل للإفادة بكثافته وشموله. (5) مسلم (2940) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4951 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (العجلة) 1- * (قالت عائشة- رضي الله عنها-: إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. ولا يستخفنّك أحد) * «1» . 2- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: التأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحمد) * «2» . 3- * (قال معاوية- رضي الله عنه- لرجل شهد عنده بشهادة: كذبت، فقال الأعرابيّ: إنّ الكاذب للمتزمّل في ثيابك، فقال معاوية: هذا جزاء من يعجل) * «3» . 4- * (قال الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما-: اعلموا أنّ الحلم زينة، والوفاء مروءة، والعجلة سفه، والسّفر ضعف، ومجالسة أهل الدّناءة شين، ومخالطة أهل الفسق ريبة) * «4» . 5- * (قال محمّد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله: فلا تعجل على أحد بظلم ... فإن الظّلم مرتعه وخيم ولا تفحش وإن ملّيت غيظا ... على أحد فإنّ الفحش لوم ولا تقطع أخا لك عند ذنب ... وإنّ الذّنب يغفره الكريم ولكن دار عوراه برفق ... كما قد يرقع الخلق القديم ولا تجزع لريب الدّهر واصبر ... فإنّ الصّبر في العقبى سليم فما جزع بمغن عنك شيئا ... ولا ما فات ترجعه الهموم ) * «5» . 6- * (قال ابن حبّان أنشدني المنتصر بن بلال: ولا تسبقنّ النّاس بالرّأي واتّئد ... فإنّك إن تعجل إلى القول تزلل ولكن تصفّح رأي من كان حاضرا ... وقل بعدهم رسلا، وبالحقّ فاعمل ) * «6» . 7- * (وقال- رحمه الله تعالى-: لا يستحقّ أحد اسم الرّئاسة حتّى يكون فيه ثلاثة أشياء: العقل والعلم والمنطق، ثمّ يتعرّى عن ستّة أشياء: عن الحدّة، والعجلة، والحسد، والهوى، والكذب، وترك المشورة) * «7» . 8- * (قال مروان لابنه عبد العزيز- حين ولّاه مصر-: يا بنيّ مر حاجبك يخبرك من حضر   (1) البخاري- الفتح (13/ 512) . (2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 418) . (3) روضة العقلاء (290) . (4) كنز العمال (16/ 269) . (5) روضة العقلاء (193) . (6) المرجع السابق (258) (7) المرجع السابق (361) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4952 بابك كلّ يوم فتكون أنت تأذن وتحجب، وآنس من دخل إليك بالحديث فينبسط إليك، ولا تعجل بالعقوبة إذا أشكل عليك الأمر، فإنّك على ترك العقوبة أقدر منك على ارتجاعها) * «1» . 9- * (قال إسحاق بن عيسى الطّبّاع: عاب مالك العجلة في الأمور، وقال: قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين (بمعنى أنّه جمع فيها العلم والعمل معا كما هو منهج الصّحابة- رضي الله عنهم-) . وقال أيضا: العجلة نوع من الجهل والخرق) * «2» . 10- * (قال خالد بن برمك: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به كبير مكروه: العجلة، واللّجاجة، والعجب، والتّواني. فثمرة العجلة النّدامة، وثمرة اللّجاجة الحيرة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التّواني الذّلّ) * «3» . 11- * (قال ابن الأعرابيّ- رحمه الله تعالى: كان يقال: لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الملول ذا إخوان، ولا الحرّ حريصا، ولا الشّره غنيّا) * «4» . 12- * (قال أبو حاتم البستيّ- رحمه الله تعالى-: إنّ العجلة من شيم الأحمق، وإنّه ليتكلّم في السّاعة بكلام يعجز عنه غيره، ويتكلّم في السّاعة الأخرى بكلام مثله) * «5» . 13- * (وقال: الواجب على العاقل لزوم الرّفق في الأمور كلّها وترك العجلة، والخفّة فيها، ولا يكاد المرء يتمكّن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الّذي يجب إلّا بمقارنة الرّفق ومفارقة العجل) * «6» . 14- * (وذكر- رحمه الله- في وصيّة الخطّاب ابن المعلّى المخزوميّ القرشيّ لابنه، قال فيها: يا بنيّ عليك بتقوى الله وطاعته، وتجنّب محارمه باتّباع سنّته ومعالمه حتّى تصحّ عيوبك، وتقرّ عينك، فإنّها لا تخفى على الله خافية، وإنّي قد وسمت لك وسما، إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملأت عين الملوك وانقاد لك به الصّعلوك، ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج إليك، ويرغب إلى ما في يديك ... إلى أن قال: وإيّاك وإخوان السّوء فإنّهم يخونون من رافقهم، ويحزنون من صادقهم، وقربهم أعدى من الجرب، ورفضهم من استكمال الأدب. واستخفار المستجير لؤم، والعجلة شؤم، وسوء التّدبير وهن) * «7» . 15- * (قال أبو حاتم- رحمه الله تعالى-: العجلة تكون من الحدّة، وصاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محمودا، وإن أخطأها كان مذموما، والعجل لا يسير إلّا مناكبا للقصد، منحرفا عن الجادّة، يلتمس ما هو أنكد وأوعر وأخفى مسارا، يحكم حكم الورهاء «8» ، يناسب أخلاق النّساء. وإنّ العجلة موكّل بها النّدم، وما عجل أحد إلّا اكتسب   (1) الآداب الشرعية (1/ 395) . (2) المرجع السابق (2/ 239- 240) ، وينظر: (62) . (3) روضة العقلاء (289) . (4) مجمع الأمثال للميداني النيسابوري (2/ 243) . (5) روضة العقلاء (168، 169) بتصرف. (6) المرجع السابق (286، 288) (7) روضة العقلاء (266، 268- 269) . (8) الوره: الحمق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4953 ندامة واستفاد مذمّة، لأنّ الزّلل مع العجل، ولا يكون العجول محمودا أبدا) * «1» . 16- * وقال:- رحمه الله تعالى- إنّ الرّافق لا يكاد يسبق كما أنّ العجل لا يكاد يلحق والسّاكت لا يكاد يندم، من نطق لا يكاد يسلم وإنّ العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم ويحمد قبل أن يجرّب، ويذمّ بعدما يحمد، ويعزم قبل أن يفكّر، ويمضي قبل أن يعزم، والعجل تصحبه النّدامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكنيها أمّ النّدامات) * «2» . 17- * (قال ابن منظور- رحمه الله تعالى-: قيل: إنّ آدم- عليه السّلام- لمّا بلغ منه الرّوح الرّكبتين همّ بالنّهوض قبل أن تبلغ القدمين، فقال الله- عزّ وجلّ-: خلق الإنسان من عجل. فأورثنا آدم عليه السّلام- العجلة) * «3» . 18- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: العجل: ضرب من الضّعف لما يؤذن به من الضّرورة والحاجة) * «4» . 19- * (قال ابن المقّريّ في لاميّته: دع الجموع واسمحه تغظه ولا ... تصحب سوى السّمح واحذر سقطة العجل ) * «5» . 20- * (قال الشّاعر: لا تعجلنّ فليس الرّزق بالعجل ... الرّزق في اللّوح مكتوب مع الأجل فلو صبرنا لكان الرّزق يطلبنا ... لكنّه خلق الإنسان من عجل ) * «6» . من مضار (العجلة) (1) دليل السّفه وخفّة الحلم وضعف العقل. (2) كثرة الزّلل والوقوع في الخطأ. (3) النّدم على ما وقع لا ينفع في الغالب الأعمّ. (4) العجول محروم من السّيادة ومواقع القيادة والرّيادة. (5) صاحبها محروم من خير كثير ويجلب لنفسه ضررا عظيما.   (1) روضة العقلاء (288- 289) . (2) المرجع السابق (288) . (3) لسان العرب (4/ 2823) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) جواهر الأدب لأحمد الهاشمي (674) . (6) صفوة الأخبار (92) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4954 العدوان العدوان لغة: العدوان: الظّلم الّذي يتجاوز فيه الحدّ، وهو مصدر من عدا يعدو عدوا وعدوّا وعدوانا وعداء الّتي تدلّ على تجاوز في الشّيء وتقدّم لما ينبغي أن يقتصر عليه، قال الخليل: التعدّي: تجاوز ما ينبغي أن يقتصر عليه، والعادي: الّذي يعدو على النّاس ظلما وعدوانا.. ويقال: عدا فلان طوره، ومنه العدوان، قال: وكذلك العداء والاعتداء، والتعدّي. قال: والعدوان: الظّلم الصّراح، والاعتداء مشتقّ من العدوان «1» . ويقول الرّاغب: العدو: التّجاوز ومنافاة الالتئام، فتارة يعتبر بالقلب، فيقال له العداوة والمعاداة، وتارة بالمشي فيقال له: العدو، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له العدوان «2» . والعدوّ: ضدّ الوليّ، وقيل ضدّ الصّديق، والجمع الأعداء، وهو وصف ولكنّه ضارع الاسم. يقال: عدوّ بيّن العداوة والمعاداة، والأنثى عدوّة. والعدا بكسر العين الأعداء، وهو جمع لا نظير له. والمعادي: العدوّ، قالت امرأة من العرب: أشمت ربّ العالمين عاديك. والعداء: تجاوز الحدّ والظّلم «3» . الآيات/ الأحاديث/ الآثار 37/ 13/ 1 وقوله تعالى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة/ 193) أي فلا سبيل، وكذلك قوله: فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ (القصص/ 28) أي فلا سبيل عليّ. وعدا عدوا. ظلم وجار. وقوله تعالى: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) أي: لا تعاونوا على المعصية والظلم، وقال ابن منظور: يقال في الظّلم: قد عدا فلان عدوا وعدوّا وعدوانا وعداء أي ظلم ظلما جاوز فيه القدر، والعادي الظّالم، يقال: لا أشمت الله بك عاديك أي عدوّك الظّالم لك، وقول العرب: فلان عدوّ فلان معناه فلان يعدو على فلان بالمكروه ويظلمه، ويقال: فلان عدوّك، وهم عدوّك وهما عدوّك، وفلانة عدوّة فلان وعدوّ فلان، قال الأزهريّ: هذا إذا جعلت ذلك كلّه في مذهب الاسم والمصدر، فإذا جعلته نعتا محضا قلت: هو عدوّك وهي عدوّتك، وهم أعداؤك، وقولهم عدا عليه فضربه بسيفه، لا يراد به عدو على الرّجلين، ولكن من الظّلم، وفي حديث قتادة ابن النّعمان أنّه عدي عليه، أي سرق ماله وظلم «4» . أنواع العدو ان والعدوّ: قال الرّاغب: العدوان نوعان: الأوّل محظور ومنه قوله تعالى: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ   (1) المقاييس (4/ 249) . (2) المفردات (338) . (3) الصحاح (6/ 2420) . (4) لسان العرب (4/ 2846) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4955 (المائدة/ 2) الثّاني غير محظور: وهو الّذي يكون على سبيل المجازاة ويصحّ أن يتعاطى مع من ابتدأ به ومن ذلك قوله سبحانه: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة/ 193) . أنواع العدو: العدوّ أيضا على ضربين: أحدهما: ما يكون العداوة من مقصوده كما في قوله تعالى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ (النساء/ 92) ، والآخر: ما لم يقصد إلى ذلك وإنّما تعرض له حالة يتأذّى بها كما يتأذّى من العدا كما في قوله سبحانه: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (التغابن/ 14) «1» . أنواع العداوة: والعداوة أيضا على ضربين: الأوّل باطن لا يدرك بالحاسّة. والآخر: ظاهر يدرك بالحاسّة. فالباطن اثنان: أحدهما: الشّيطان وهو أصل كلّ عدوّ، وقد حذّرنا الله تعالى منه غاية التّحذير فقال: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (فاطر/ 6) ، وقال: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ (يس/ 60) ، وقال: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ (البقرة/ 168) . والثّاني: الهوى المعبّر عنه بالنّفس في قوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (يوسف/ 53) ، وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعدى عدوّك نفسك الّتي بين جنبيك» . وكذلك الغضب إذا كان فوق ما يجب، ولكون هذه القوّة في الإنسان إذا أثيرت طريقا للشّيطان في وصوله إلينا وكونها كالخليقة لها سمّاها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم باسمه فقال: «الهوى شيطان والغضب شيطان» وقال تعالى حكاية عن موسى- عليه السّلام- هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (القصص/ 15) . وأمّا الظّاهر من الأعداء فالإنسان. وذلك ضربان: الضّرب الأوّل: هو عدوّ مضطغن للعداوة قاصد إلى الإضرار إمّا مجاهرة وإمّا مساترة. وذلك اثنان. واحد يعادي كلّ أحد وهو إنسان سبعيّ الطّبع خبيث الطّينة مبغض لكلّ من لم يحتج إليه في العاجل بغيض إلى كلّ نفس، يهارش كلّ من لا يخافه. ومثله هو الّذي عنى تعالى بشياطين الإنس. والثّاني: عدوّ خاصّ العداوة: وذلك إمّا بسبب الفضيلة أو الرّذيلة كمعاداة الجاهل العالم وإمّا بسبب نفع دنيويّ كالتّجاذب في رئاسة ومال وجاه، وإمّا بسبب لحمة ومجاورة مورثة للحسد كمعاداة بني الأعمام بعضهم لبعض. وذلك في كثير من النّاس كالطّبيعيّ، وقال رجل لآخر، إنّي أحبّك. فقال: قد علمت ذلك، قال: ومن أين علمت؟ قال: لأنّك لست لي بشريك ولا نسيب ولا جار قريب، وأكثر المعاداة بين النّاس تتولّد من شيء من ذلك. والضّرب الثّاني: عدوّ غير مضطغن بالعداوة. ولكن يؤدّي حاله بالإنسان إلى أن يقع بسببه في مثل ما يقع   (1) المفردات (226، 227) بتصرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4956 من كيد عدوّه فسمّي عدوّا لذلك، كالأولاد والأزواج، ولذلك قال- عزّ وجلّ-: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ. (التغابن/ 14) فقد جعل هؤلاء أعداء الإنسان لمّا كانوا سببا لإهلاكه الأخرويّ لما يرتكبه من المعاصي من أجلهم فيؤدّي ذلك إلى هلاك الأبد الّذي هو شرّ من إهلاك المعادي المناصب إيّاه. واعلم أنّه يكون بعض النّاس مشاركا للشّيطان في المعاداة فسمّى الله تعالى الأعداء شياطين في قوله: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً (الأنعام/ 112) ، وقد سمّى كلّ ما يتأذّى به شيطانا «1» . العدوان اصطلاحا: قال المناويّ: العدوان أسوأ الاعتداء في قول أو فعل أو حال «2» . قال الجرجانيّ: العداوة: أن يتمكّن في القلب قصد الإضرار والانتقام «3» . وقال الرّاغب: العدوّ هو الّذي يتحرّى اغتيال الآخر ويضادّه فيما يؤدّي إلى ضرره «4» . من معاني كلمة «العدوان» في القرآن الكريم: قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: ذكر بعض المفسّرين أنّ العدوان في القرآن على وجهين: أحدهما: الظّلم الصّراح، ومنه قوله تعالى في البقرة: تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (آية/ 85) وفي المائدة: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (آية/ 2) . والثّاني: السّبيل: ومنه قوله تعالى في البقرة: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (آية/ 193) . وفي القصص: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (آية/ 28) «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الإجرام- الإرهاب- الإساءة- البغي- الحرب والمحاربة- الطغيان- الظلم- العتو- الفجور. وفي ضد ذلك: انظر صفات: السلم- تكريم الإنسان- حسن المعاملة- المراقبة- الصفح- التناصر- حسن العشرة] .   (1) الذريعة (259- 261) . (2) التوقيف (238) . (3) التعريفات (152) . (4) الذريعة (259) . (5) نزهة الأعين النواظر (432- 433) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4957 الآيات الواردة في «العدوان» أ- آيات العدوان فيها سبب عقاب عاجل في الدنيا: 1- * وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «1» 2- وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) «2» 3- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «3» 4- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (62)   (1) البقرة: 60- 61 مدنية (2) البقرة: 65- 66 مدنية (3) آل عمران: 110- 112 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4958 لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «1» 5- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) «2» ب- آيات العدوان فيها تجاوز للمشروع في حق النفس أو في حق الغير: 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «3» 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) «4» 8- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) «5»   (1) المائدة: 59- 64 مدنية (2) المائدة: 78 مدنية (3) البقرة: 172- 173 مدنية (4) البقرة: 178 مدنية (5) البقرة: 189- 194 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4959 9- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «1» 10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «2» 11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) «3» 12- وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «4» 13- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) «5» 14- فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)   (1) البقرة: 229- 231 مدنية (2) النساء: 29- 30 مدنية (3) المائدة: 87- 88 مدنية (4) الأنعام: 119- 121 مكية (5) الأنعام: 145 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4960 إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) «1» 15- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) «2» 16- * إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «3» ج- آيات العدوان فيها قرين التكذيب بالرسل أو معاداة المكذبين: 17- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) «4» 18- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)   (1) النحل: 114- 116 مكية (2) المؤمنون: 1- 7 مدنية (3) المعارج: 19- 35 مكية (4) النساء: 44- 45 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4961 فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) «1» 19- * وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «2» 20- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) «3» 21- وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) «4» 22- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ   (1) يونس: 71- 74 مكية (2) يونس: 90- 92 مكية (3) الشعراء: 160- 175 مكية (4) ق: 19- 26 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4962 وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) «1» 23- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) * عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) «2» 24- فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) «3» 25- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) «4» د- آيات العدوان فيها دليل التناقض في السلوك أو من خصائصه: 26- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) «5»   (1) المجادلة: 8- 10 مدنية (2) الممتحنة: 4- 7 مدنية (3) القلم: 8- 12 مكية (4) المطففين: 7- 12 مكية (5) البقرة: 84- 86 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4963 27- * لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) «1» هـ- آيات العدوان فيها قرين الاختبار: 28- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) «2» 29- وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) «3» وآيات العدوان فيها سبب النفي عن ساحة القرب والمحبة: 30- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «4»   (1) المائدة: 82 مدنية (2) المائدة: 94 مدنية (3) الأعراف: 160- 163 مكية (4) الأعراف: 54- 56 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4964 ز- آيات العدوان فيها وارد في سياق الترفع عنه وعن أسبابه أو التعرض له: 31- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «1» 32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «2» 33- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «3» 34- وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108) «4» 35- وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8)   (1) المائدة: 2 مدنية (2) المائدة: 90- 91 مدنية (3) المائدة: 106- 108 مدنية (4) الأنعام: 108 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4965 اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) «1» 36- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28) «2» 37- وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) «3»   (1) التوبة: 6- 10 مدنية (2) القصص: 20- 28 مكية (3) فصّلت: 34 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4966 الآيات الواردة في ذمّ (العدوان) 1- * (عن قهيد بن مطرّف الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأله سائل: إن عدا عليّ عاد؟ فأمره أن ينهاه ثلاث مرار قال: فإن أبى؟ فأمره بقتاله. قال: فكيف بنا؟ قال: «إن قتلك فأنت في الجنّة وإن قتلته فهو في النّار» ) * «1» . 2- * (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها وحرّم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء عن غير نسيان فلا تبحثوا عنها» ) * «2» . 3- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كلّ يوم قال: «قل كلّ يوم حين تصبح لبّيك اللهمّ لبّيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك وإليك، اللهمّ ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه، ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن. ولا حول ولا قوّة إلّا بك. إنّك على كلّ شيء قدير، اللهمّ ما صلّيت من صلاة فعلى من صلّيت، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت، إنّك أنت وليّي في الدّنيا والآخرة. توفّني مسلما وألحقني بالصّالحين، أسألك اللهمّ الرّضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت ولذّة النّظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، أعوذ بك اللهمّ أن أظلم أو أظلم أو أعتدي أو يعتدى عليّ أو أكتسب خطيئة محيطة أو ذنبا لا يغفر، اللهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة ذا الجلال والإكرام. فإنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدّنيا وأشهدك، وكفى بك شهيدا، أنّي أشهد أن لا إله إلّا الله، أنت، وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد، وأنت على كلّ شيء قدير، وأشهد أنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأشهد أنّ وعدك حقّ ولقاءك حقّ والجنّة حقّ والسّاعة آتية لا ريب فيها وأنت تبعث من في القبور، وأشهد أنّك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة وإنّي لا أثق إلّا برحمتك فاغفر لي ذنبي كلّه إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت. وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم» ) * «3» . 4- * (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- أنّه سمع ابنه يقول: اللهمّ إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتها، فقال: أي بنيّ سل الله الجنّة، وتعوّذ به من النّار، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) أحمد (3/ 423) ومعناه في الصحيح، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني والبزار ورجالهم ثقات. (2) ذكره ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 59) برقم (3070) وعزاه مخرجه إلى الحاكم في مستدركه، والبزار وغيرهما ونقل تحسين أبي بكر السمعاني في أماليه، والنووي في أربعينه. (3) أحمد (5/ 191) وذكره في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني وأحد اسنادي الطبراني رجاله وثقوا وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4967 يقول: «إنّه سيكون في هذه الأمّة قوم يعتدون في الطهور والدّعاء» ) * «1» . 5- * (عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- قال: إنّ يهوديّين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ نسأله، فقال: لا تقل نبيّ فإنّه إن سمعها تقول نبيّ كانت له أربعة أعين، فأتيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فسألاه عن قول الله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ (الإسراء/ 101) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفرّوا من الزّحف، وعليكم يا معشر اليهود خاصّة: لا تعدوا في السّبت» . فقبّلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد أنّك نبيّ، قال: «فما يمنعكما أن تسلما؟» قالا: إنّ داود دعا الله أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ وإنّا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود) * «2» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أرأيت يا رسول الله إن عدي على مالي؟ قال: «فانشد بالله» قال: فإن أبوا عليّ؟. قال: «فانشد بالله» قال: فإن أبوا عليّ؟. قال: «فانشد بالله» قال: فإن أبوا عليّ؟. قال: «فقاتل فإن قتلت ففي الجنّة وإن قتلت ففي النّار» ) * «3» . 7- * (عن سالم بن أبي أميّة (أبي النّضر) رضي الله عنهما- قال: جلس إليّ شيخ من بني تميم في مسجد البصرة ومعه صحيفة في يده، وذاك في زمن الحجّاج، فقال لي: يا عبد الله ترى هذا الكتاب مغنيا عنّا شيئا عند هذا (السّلطان) قال: قلت: وما هذا الكتاب؟ قال: هذا كتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتبه لنا أن لا يتعدّى علينا في صدقاتنا. قال: قلت لا والله ما أظنّ أن يغني عنك شيئا. وكيف كان هذا الكتاب؟ قال: قدمت المدينة مع أبي وأنا غلام شابّ بإبل لنا نبيعها وكان أبي صديقا لطلحة بن عبيد الله التّيميّ. فقال له أبي: اخرج معي إلى إبلي هذه. فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد نهى أن يبيع حاضر لباد، ولكن سأخرج معك وأجلس وتعرض إبلك، فإذا رأيت من رجل وفاء وصدقا ممّن ساومك أمرتك ببيعه. قال: فخرجنا إلى السّوق فوقفنا ظهرنا وجلس طلحة قريبا، فساومنا الرّجال حتّى إذا أعطانا رجل ما نرضى، قال له أبي: أبايعه؟. قال: بعه قد رضيت لكم وفاءه، فبايعوه فبايعناه فلمّا قضينا مالنا وفرغنا من حاجتنا قال أبي لطلحة: خذ لنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابا أن لا يتعدّى علينا في صدقاتنا. فقال: هذا لكم ولكلّ مسلم. قال: على   (1) أبو داود (96) ، وقال الألباني (1/ 21) : صحيح في صحيح أبي داود، أحمد (4/ 86) ، والطبراني في الكبير (2/ 811) ، وقال مخرجه: إسناده حسن، وكذا في الدعاء (2/ 811) رقم (59) . ابن ماجه (3864) والحاكم (1/ 540) وصححه ووافقه الذهبي. (2) الترمذي (3144) واللفظ له وقال: حسن صحيح، ابن ماجة (3705) مختصر جدا. (3) النسائي (7/ 114) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (3804) (3/ 856) . أحمد (2/ 339) وقال أحمد شاكر (16/ 199) : إسناده صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4968 ذلك إنّي أحبّ أن يكون عندي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتاب، فخرج حتّى جاء بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: يا رسول الله، إنّ هذا الرّجل من أهل البادية صديق لنا يريد أن يكون له كتاب أن لا يتعدّى عليه في صدقته. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا له ولكلّ مسلم» قال: يا رسول الله، إنّه قد أحبّ أن يكون عنده كتاب على ذلك. قال: فكتب لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا الكتاب) * «1» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: عدا يهوديّ في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جارية فأخذ أوضاحا «2» كانت عليها ورضخ «3» رأسها، فأتى بها أهلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وهي في آخر رمق «4» وقد أصمتت فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قتلك؟ فلان؟» لغير الّذي قتلها؟ فأشارت برأسها أن لا. قال: فقال لرجل آخر غير الّذي قتلها فأشارت أن لا. فقال فلان؟ لقاتلها فأشارت أن نعم. فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرضخ رأسه بين حجرين) * «5» . 9- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: كانت لي شارف «6» من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعطاني شارفا من الخمس، فلمّا أردت أن أبتني «7» بفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واعدت رجلا صوّاغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر «8» أردت أن أبيعه الصّوّاغين وأستعين به في وليمة عرسي. فبينا أنا أجمع لشار فيّ متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال- وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار. فرجعت حين جمعت ما جمعت- فإذا شارفاي قد اجتبّ أسنمتهما «9» ، وبقرت «10» خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، ولم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما، فقلت: من فعل هذا؟ فقالوا فعله حمزة بن عبد المطّلب- وهو في هذا البيت في شرب «11» من الأنصار- فانطلقت حتّى أدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعنده زيد بن حارثة- فعرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجهي الّذي لقيت، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مالك؟» فقلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم قطّ، عدا حمزة على ناقتيّ فجبّ أسنمتهما، وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بردائه فارتدى،   (1) قال في مجمع الزوائد: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح (3/ 83) وهو في أحمد (1/ 164) وقال شاكر (2/ 371) برقم (1404) إسناده صحيح. (2) أوضاحا: حليا من فضة. (3) رضخ الحصى: كسره، ورضخ به الأرض: جلده بها وراضخ فلانا بالحجارة: راماه بها. والمعنى: أنه ضربها بحجر ونحوه فشج رأسها فأفضى بها إلى الموت. (4) الرمق: الحياة، وآخر رمق معناه: في آخر لحظات حياتها. (5) البخاري الفتح 9 (5295) واللفظ له، ومسلم (1672) (6) الشارف: الناقة المسنة. والمثنى شارفان. والجمع: شوارف: ومشارفاي: ناقتاي (7) ابتني بفاطمة: أتزوجها. (8) الإذخر: حشيش طيب الريح تسقف به البيوت فوق الخشب (9) اجتبّ أسنمتهما: جب معناه: قطع. والأسنمة: جمع سنام وهو أعلى ظهر الجمل أو الناقة. والمعنى: قطع أعلى ظهر ناقتى. (10) بقرت خواصرهما: بقر: شقّ. والخواصر جمع خاصرة وهي الجنب: والمعنى أنه: شقت جوانبهما. (11) الشرّب: جمع شارب. وهم الذين يشربون الخمر ولم تكن الخمر قد حرمت بعد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4969 ثمّ انطلق يمشي واتّبعته أنا وزيد بن حارثة حتّى جاء البيت الّذي فيه حمزة فاستأذن، فأذنوا له، فإذا هم شرب، فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة قد ثمل محمرّة عيناه، فنظر حمزة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ صعّد النّظر، فنظر إلى ركبتيه، ثمّ صعّد النّظر إلى سرّته، ثمّ صعّد النظر فنظر إلى وجهه، ثمّ قال حمزة: هل أنتم إلّا عبيد لأبي؟ فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قد ثمل. فنكص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عقبيه القهقرى «1» ، وخرجنا معه) * «2» . 10- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي فجاء رجل فقال: يا رسول الله، ما صدقة كذا وكذا؟ قال: كذا وكذا. قال: فإنّ فلانا تعدّى عليّ فنظروه فوجدوه قد تعدّى عليه بصاع فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فكيف بكم إذا سعى من يتعدّى عليكم أشدّ من هذا التّعدّي؟» . وزاد الطّبرانيّ بعد قوله: أشدّ من هذا التعدّي: فخاض القوم وبهرهم الحديث حتّى قال رجل منهم: كيف يا رسول الله إذا كان رجل غائب عنك في إبله وماشيته وزرعه فأدّى زكاة ماله فتعدّي عليه، فكيف يصنع وهو عنك غائب؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أدّى زكاة ماله طيّب النّفس بها يريد بها وجه الله والدّار الآخرة فلم يغيّب شيئا من ماله وأقام الصلاة ثمّ أدّى الزّكاة فتعدّي عليه في الحقّ فأخذ سلاحه فقاتل فقتل فهو شهيد» ) * «3» . 11- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المتعدّي في الصّدقة كمانعها» ) * «4» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المستبّان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم» ) * «5» . 13- * (عن معاذ بن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من بنى بنيانا من غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر ما انتفع به من خلق الله تبارك وتعالى» ) * «6» .   (1) نكص على عقبيه: رجع القهقرى: الرجوع إلى خلف. والثّمل بفتح الثاء والميم: السكر، وثمل معناه سكر. والمعنى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عرف أن حمزة- رضي الله عنه- حين قال ما قال كان به سكر فرجع إلى الخلف. ولم يستمر في لومه إذ لا فائدة حينئذ في لومه وقد يتصرف بما لا يليق. (2) البخاري الفتح 6 (3091) واللفظ له، ومسلم (1979) . (3) أحمد (6/ 301) ، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 82) : رواه أحمد هكذا. وقال رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الجميع رجال الصحيح. نقله الهيثمي بلفظه. ونقل زيادة الطبراني. (4) أبو داود (1585) ، ابن ماجة (1808) واللفظ متفق عليه عندهما. وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (4/ 650) ، الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (3/ 83) . وخرجه الترمذي من حديث أنس وقال: غريب وفيه راو تكلم فيه أحمد (3/ 38) برقم (646) . (5) مسلم (2587) . (6) أحمد (3/ 438) ، ذكره الهيثمي في المجمع وعزاه لأحمد وقال: فيه زبّان. وثقه ابن حبان وفيه كلام (3/ 134) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4970 الأحاديث الواردة في ذمّ (العدوان) معنى انظر صفتي: (الظلم، والبغي) من الآثار الواردة في ذمّ (العدوان) 1- * (قال صفيّ بن رباح التّميميّ لبنيه: «يا بنيّ اعلموا أنّ أسرع الجرم عقوبة البغي، وشرّ النّصرة التّعدّي، وألأم الأخلاق الضّيق، وأسوأ الأدب كثرة العتاب» ) * «1» . من مضار (العدوان) انظر: من مضار صفة (الظلم)   (1) ذم البغي لابن أبي الدنيا (73) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4971 العصيان العصيان لغة: العصيان اسم من عصى يعصي عصيا وعصيانا ومعصية، وتدلّ مادّته على أصلين متباينين، يدلّ أحدهما على التّجمّع، ويدلّ الآخر على الفرقة. فمن الأوّل: العصا، وسمّيت بذلك لاشتمال يد ممسكها عليها، والأصل الآخر: العصيان والمعصية، يقال عصا، وهو عاص، والجمع عصاة وعاصون «1» . وجعل الرّاغب العصيان من العصا فقال: وعصا عصيانا إذا خرج عن الطّاعة، وأصله أن يمتنع بعصاه، قال تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ (طه/ 121) وقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (النساء/ 14) ويقال فيمن فارق الجماعة: فلان شقّ العصا «2» . وقال القرطبيّ: في قوله تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ (التحريم/ 9) أي لا يخالفونه في أمر من زيادة أو نقصان «3» » وقال ابن كثير في قوله تعالى: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ (الحجرات/ 7) والعصيان وهي جميع المعاصي «4» . وقيل: العصيان ترك الانقياد، وهو خلاف الطّاعة. يقال: عصى العبد ربّه إذا خالف أمره، وعصى فلان الآيات/ الأحاديث/ الآثار 32/ 65/ 49 أميره يعصيه عصيا وعصيانا ومعصية إذا لم يطعه، فهو عاص وعصيّ، وعاصاه أيضا: مثل عصاه. ويقال للجماعة إذا خرجت عن طاعة السّلطان: قد استعصت عليه. وفي الحديث: لولا أن نعصي الله ما عصانا. أي لم يمتنع عن إجابتنا إذا دعوناه، فجعل الجواب بمنزلة الخطاب فسمّاه عصيانا كقوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ (آل عمران/ 54) . وفي الحديث: أنّه غيّر اسم العاصي؛ إنّما غيّره لأنّ شعار المؤمن الطّاعة، والعصيان ضدّها. والعاصي: الفصيل إذا لم يتبع أمّه «5» . العصيان اصطلاحا: قال الجرجانيّ: العصيان هو ترك الانقياد «6» (لما أمر الله به أو نهى عنه) . وقال المناويّ: هو الامتناع عن الانقياد (لما أمر الله به) أو نهى عنه «7» . وقال الكفويّ: العصيان بحسب أصل اللّغة هو المخالفة لمطلق الأمر، أمّا في الشّرع فيراد به المخالفة للأمر التّكليفيّ خاصّة «8» .   (1) المقاييس (4/ 334، 335) . (2) المفردات (349) . (3) القرطبى: (18/ 196) . (4) تفسير القرآن العظيم (4/ 211) . (5) الصحاح للجوهري (6/ 2429) ، التعريفات للجرجاني (151) ، النهاية لابن الأثير (3/ 250، 251) ، ولسان العرب لابن منظور (15/ 68) . (6) التعريفات (156) . (7) التوقيف (242) . وانظر الكليات للكفوي (656) . (8) الكليات (41) بتصرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4972 وقيل: هو ترك المأمورات، وفعل المحظورات، أو ترك ما أوجب وفرض من كتابه أو على لسان رسوله، وارتكاب ما نهى الله عنه أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأقوال والأعمال الظّاهرة أو الباطنة «1» . الفرق بين العصيان والابتداع: قال الكفويّ: العاصي: من يفعل محظورا لا يرجو الثّواب بفعله، والمبتدع: من يفعل محظورا يرجو الثّواب بفعله في الآخرة. قال: والعاصي والفاسق في الشّرع سواء «2» . أقسام العصاة: يؤخذ ممّا ذكره الماورديّ عن أحوال النّاس في فعل الطّاعات واجتناب المعاصي أنّ العصاة على قسمين: الأوّل: من يرتكب المعاصي ويمتنع عن الطّاعات، وهذه أخبث أحوال المكلّفين وشرّ صفات المتعبّدين. الثّاني: من يرتكب المعاصي ويفعل الطّاعات، وهذا يستحقّ عذاب المجترئ؛ لأنّه تورّط بغلبة الشّهوة على الإقدام على المعصية، وإن سلم من التّقصير في فعل الطّاعة «3» . حكم العصيان: يختلف حكم المعصية بحسب نوع هذه المعصية إن كبيرة وإن صغيرة، ولكنّ إدمان صغيرة أو صغائر بحيث تغلب المعاصي على الطّاعات؛ فإنّ ذلك يجعل هذه الصّغيرة أو تلك الصّغائر في حكم الكبيرة. يقول الإمام ابن حجر: وكون هذا كبيرة أي مثلها في سقوط العدالة، ونقل عن الرّافعيّ قوله: من ارتكب كبيرة فسق، وردّت شهادته، وأمّا الصّغائر فلا يشترط تجنّبها بالكلّيّة لكنّ الشّرط ألّا يصرّ عليها فإن أصرّ كان الإصرار كارتكاب الكبيرة «4» . أصول الذنوب: قال الغزاليّ- رحمه الله-: اعلم أنّ للإنسان أخلاقا وأوصافا كثيرة، لكن تنحصر مسارات الذنوب في أربع صفات: أحدها: صفات ربوبيّة، ومنها يحدث الكبر والفخر وحبّ المدح والثّناء، والعزّ وطلب الاستعلاء، ونحو ذلك. وهذه ذنوب مهلكات، وبعض النّاس يغفل عنها، فلا يعدّها ذنوبا. الثّانية: صفات شيطانيّة، ومنها يتشعّب الحسد والبغي والحيل والخداع والمكر، والغشّ والنّفاق والأمر بالفساد ونحو ذلك. الثّالثة: الصّفات البهيميّة، ومنها يتشعّب الشّرّ والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، فيتشعّب من ذلك الزّنى واللّواطة والسّرقة، وأخذ الحطام لأجل الشّهوات. الرّابعة: الصّفات السّبعيّة، ومنها يتشعّب الغضب والحقد، والتهجّم على النّاس بالقتل والضّرب، وأخذ الأموال، وهذه الصّفات لها تدرّج   (1) انظر: آثار المعاصي على الفرد والمجتمع (30) . (2) الكليات (41) . (3) انظر أدب الدنيا والدين (103- 104) باختصار وتصرف. (4) الزواجر (668) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4973 في الفطرة، فهذه أمّهات الذّنوب ومنابعها، ثمّ تتفجّر الذنوب من هذه المنابع إلى الجوارح: فبعضها في القلب، كالكفر، والبدعة، والنّفاق، وإضمار السّوء، وبعضها في العين، وبعضها في السّمع، وبعضها في اللّسان، وبعضها في البطن والفرج، وبعضها في اليدين والرّجلين وبعضها على جميع البدن. ثمّ الذّنوب تنقسم إلى ما يتعلّق بحقوق الآدميّين وإلى ما بين العبد وبين ربّه. فيما يتعلّق بحقوق العباد، فالأمر فيه أغلظ، والّذي بين العبد وبين ربّه، فالعفو فيه أرجى وأقرب إلّا أن يكون شركا والعياذ بالله، فذلك الّذي لا يغفر «1» . أنواع المعاصي: 1- الذنوب الملكية: فالذنوب الملكيّة: أن يتعاطى العبد ما لا يصلح له من صفات الرّبوبيّة، كالعظمة، والكبرياء، والجبروت، والقهر، والعلوّ، واستعباد الخلق، ونحو ذلك. ويدخل في هذا الشّرك بالرّبّ تعالى، وهو نوعان: شرك به في أسمائه وصفاته وجعل آلهة أخرى معه، وشرك به في معاملته، وهذا الثّاني قد لا يوجب دخول النّار، وإن أحبط العمل الّذي أشرك فيه مع الله غيره (وذلك هو الرّياء) . وهذا القسم أعظم أنواع الذّنوب، ويدخل فيه القول على الله بلا علم في خلقه وأمره، فمن كان من أهل هذه الذّنوب، فقد نازع الله سبحانه في ربوبيّته وملكه، وجعل له ندّا، وهذا أعظم الذنوب عند الله، ولا ينفع معه عمل. 2- الذنوب الشيطانية: وأمّا الشّيطانيّة: فالتّشبّه بالشّيطان في الحسد، والبغي، والغشّ، والغلّ، والخداع، والمكر، والأمر بمعاصي الله، وتحسينها، والنّهي عن طاعته، وتهجينها، والابتداع في دينه، والدّعوة إلى البدع والضّلال. وهذا النّوع يلي النّوع الأوّل في المفسدة، وإن كانت مفسدته دونه. 3- الذنوب السبعية: وأمّا السّبعيّة: فالعدوان، والغضب، وسفك الدماء، والتوثّب على الضعفاء والعاجزين، ويتولّد منها أنواع أذى النّوع الإنسانيّ، والجرأة على الظلم والعدوان. 4- الذنوب البهيمية: وأمّا الذنوب البهيميّة فمثل الشّره، والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، ومنها يتولّد الزّنى، والسّرقة، وأكل أموال اليتامى، والبخل، والشّحّ، والجبن، والهلع، والجزع، وغير ذلك. وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق لعجزهم عن الذّنوب السّبعيّة والملكيّة، ومنه يدخلون إلى سائر الأقسام، فهو يجرّهم إليها بالزّمام، فيدخلون منه إلى الذّنوب السّبعيّة، ثمّ إلى الشّيطانيّة، ثمّ إلى منازعة الرّبوبيّة، والشّرك في الوحدانيّة «2» .   (1) انظر: مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (252) . (2) الداء والدواء (222- 223) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4974 أضرار المعاصي: قال ابن القيّم رحمه الله: ممّا ينبغي أن يعلم: أنّ الذّنوب والمعاصي تضرّ، ولا بدّ أنّ ضررها في القلب كضرر السّموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضّرر. وهل في الدّنيا والآخرة شرّ وداء إلّا بسبب الذّنوب والمعاصي؟ فما الّذي أخرج الأبوين من الجنّة، دار اللّذّة والنّعمة والبهجة والسّرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الّذي أخرج إبليس من ملكوت السّماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدّل بالقرب بعدا، وبالرّحمة لعنة، وبالجمال قبحا، وبالجنّة نارا تلظّى، وبالإيمان كفرا؟ وما الّذي أغرق أهل الأرض كلّهم حتّى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟. وما الّذي سلّط الرّيح على قوم عاد حتّى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنّهم أعجاز نخل خاوية، ودمّرت ما مرّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابّهم حتّى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الّذي أرسل على قوم ثمود الصّيحة حتّى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟ وما الّذي رفع اللّوطيّة حتّى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثمّ قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعا؟ وما الّذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظّلل، فلمّا صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظّى؟ وما الّذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثمّ نقلت أرواحهم إلى جهنّم، والأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟. وما الّذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟ وما الّذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمّرها تدميرا؟ وما الّذي أهلك قوم صاحب يس «1» بالصّيحة حتّى خمدوا عن آخرهم؟ وما الّذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي بأس شديد، فجاسوا خلال الدّيار وقتلوا الرّجال، وسبوا الذرّيّة والنّساء، وأحرقوا الدّيار، ونهبوا الأموال، ثمّ بعثهم عليهم مرّة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبّروا ما علوا تتبيرا؟ «2» . [للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الزنا- شرب الخمر- الضلال- الفسوق- الإعراض- انتهاك الحرمات- ترك الصلاة- التفريط والإفراط- الغفلة- الأمن من المكر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطاعة- الإيمان- الإسلام- التقوى- تعظيم الحرمات- الاستقامة- الصلاة- الاتباع- اليقين- الخوف- الخشية- تذكر الموت- بر الوالدين] .   (1) صاحب يس: هو الذي تشير إليه الآيات الكريمة الواردة في سورة يس (من الآية 20- 29) . (2) الجواب الكافي لابن القيم (46- 47) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4975 الآيات الواردة في «العصيان» أ- آيات العصيان فيها سبب عقوبة: 1- وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «1» 2- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «2» 3- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «3» 4- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) «4» 5- * وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «5» 6- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)   (1) البقرة: 61 مدنية (2) آل عمران: 110- 112 مدنية (3) آل عمران: 152 مدنية (4) المائدة: 78 مدنية (5) يونس: 90- 92 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4976 وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) «1» 7- فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) «2» 8- وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10) «3» 9- إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا (16) «4» 10- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22) فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26) «5» ب- آيات العصيان فيها في سياق الإعراض والنجوى: 11- * وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) «6» 12- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111)   (1) هود: 59- 60 مكية (2) طه: 117- 121 مكية (3) الحاقة: 9- 10 مكية (4) المزمل: 15- 16 مكية (5) النازعات: 15- 26 مكية (6) البقرة: 92- 93 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4977 ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «1» 13- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) «2» 14- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) «3» 15- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) «4» 16- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) «5» 17- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا (24) «6» ج- آيات العصيان فيها في سياق الخوف من عذاب الله: 18- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41)   (1) آل عمران: 110- 112 مدنية (2) النساء: 46 مدنية (3) إبراهيم: 35- 36 مكية (4) مريم: 41- 44 مكية (5) المجادلة: 8- 9 مدنية (6) نوح: 21- 24 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4978 يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42) «1» 19- * وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «2» 20- وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «3» 21- * وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) «4» 22- وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (210) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) «5» 23- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) «6»   (1) النساء: 41- 42 مدنية (2) الأنعام: 13- 15 مكية (3) يونس: 13- 15 مكية (4) هود: 61- 63 مكية (5) الشعراء: 208- 216 مكية (6) الزمر: 10- 13 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4979 د- آيات العصيان فيها في سياق التهديد أو التوبيخ: 24- وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) «1» 25- وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) «2» 26- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) «3» 27- قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (23) «4» هـ- آيات العصيان فيها في سياق التنزه عنه: 28- فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) «5» 29- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «6» 30- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) «7»   (1) النساء: 14 مدنية (2) طه: 90- 94 مكية (3) الأحزاب: 36 مدنية (4) الجن: 20- 23 مكية (5) الكهف: 65- 69 مكية (6) مريم: 12- 15 مكية (7) الحجرات: 6- 7 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4980 31- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «1» 32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) «2»   (1) الممتحنة: 12 مدنية (2) التحريم: 6 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4981 الأحاديث الواردة في ذمّ (العصيان) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجّ آدم وموسى- عليهما السّلام- عند ربّهما فحجّ آدم موسى. قال موسى: أنت آدم الّذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنّته، ثمّ أهبطت النّاس بخطيئتك إلى الأرض؟ فقال آدم: أنت موسى الّذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كلّ شيء، وقرّبك نجيّا، فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاما. قال آدم: فهل وجدت فيها: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى؟ (طه/ 121) . قال: نعم. قال: أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فحجّ آدم موسى «1» » ) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم فرفع إليه الذّراع- وكانت تعجبه- فنهس «3» منها نهسة فقال «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والاخرين في صعيد واحد «4» . فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر «5» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون، وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: ائتوا آدم. فيأتون آدم. فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر. خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته. نفسي. نفسي ... الحديث) * «6» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: ألا أخبركم بما سمعت من في رسول الله «7» صلّى الله عليه وسلّم؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي: «إنّ عبدا قتل تسعة وتسعين نفسا «8» ثمّ عرضت له التّوبة «9» ... الحديث، وفيه: «فخرج يريد القرية الصّالحة   (1) أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها. (2) البخاري- الفتح 11 (6614) ، ومسلم (2652) واللفظ له. (3) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه. (4) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية. (5) وينفذهم البصر: أي ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم. (6) البخاري- الفتح 8 (4712) ، ومسلم (194) واللفظ له. (7) من في رسول الله: أي من فم رسول الله.. إلخ. (8) تسعة وتسعون نفسا: هكذا في متن صحيح مسلم، وفي شرح النووي لهذا المتن: تسعا وتسعين نفسا وهو الصحيح، ويبدو أن في المتن خطأ طباعيا، ويؤيده رواية البخاري: تسعة وتسعين إنسانا. (9) عرضت له التوبة: وردت في خاطره وفكر فيها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4982 فعرض له أجله «1» في الطّريق فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب. قال إبليس: أنا أولى به؛ إنّه لم يعصني ساعة قطّ. قال: فقالت ملائكة الرّحمة: إنّه خرج تائبا» ) * «2» . 4- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله» ) * «3» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث علقمة بن مجزّز على بعث- وأنا فيهم- فلمّا انتهى إلى رأس غزاته «4» - أو كان ببعض الطّريق- استأذنته طائفة من الجيش فأذن لهم وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السّهميّ- فكنت فيمن غزا معه- فلمّا كان ببعض الطّريق أوقد القوم نارا ليصطلوا أو ليصنعوا عليها صنيعا. فقال عبد الله (وكانت فيه دعابة) «5» : أليس لي عليكم السّمع والطّاعة؟ قالوا: بلى. قال: فما أنا بآمركم بشيء إلّا صنعتموه؟ قالوا: نعم. قال: فإنّي أعزم عليكم إلّا تواثبتم في هذه النّار. فقام ناس فتحجّزوا فلمّا ظنّ أنّهم واثبون. قال: أمسكوا على أنفسكم. فإنّما كنت أمزح معكم. فلّما قدمنا ذكروا ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه» ) * «6» . 6- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته «7» عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء «8» كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «9» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، أمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «10» ، عربهم   (1) عرض له أجله: وفاه أجله وحل به الموت. (2) البخاري- الفتح (6/ 3470) ، ومسلم (2766) ، وابن ماجة (2622) واللفظ له. (3) مسلم (870) . (4) المراد: فرغنا من غزوتنا، ولم يعد الأمر محتاجا إلى بقاء كل أفراد الغزوة بل يكفي وجود بعضهم استأذن فريق من الجيش في الرجوع. (5) الدعابة: المرح، ومبادلة الضحك مع الآخرين لنفي الملل والسامة. (6) ابن ماجة (2863) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح. وأصله في الصحيحين: البخاري الفتح 13 (7145) ، ومسلم (1840) من حديث علي رضي الله عنه. (7) نحلته: أعطيته. وجملة: كل مال.. إلخ معمول لفعل محذوف والتقدير: قال الله تعالى. (8) حنفاء: مسلمين، أو مستقيمين مهيئين لقبول الهداية. (9) اجتالتهم: صرفوهم عمّا كانوا عليه وأزالوهم عنه. (10) مقتهم: المقت: أشد البغض. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4983 وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «1» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا «2» رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «3» ، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط «4» متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «5» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «6» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ «7» إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، «والشّنظير «8» الفحّاش» ) * «9» . 7- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا- وهو أحد النّقباء ليلة العقبة- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم «10» ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه. فبايعناه على ذلك» ) * «11» . 8- * (عن لقيط بن عامر أنّه خرج وافدا إلى   (1) أبتليك وأبتلى بك: معناه: لأمتحنك بما يظهر من قيامك بما أمرتك من تبليغ الرسالة، والجهاد، والصبر وغير ذلك وأمتحن من أرسلتك إليهم فمنهم من يؤمن ومنهم من يعرض، ومنهم من ينافق. (2) يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة: معناه يكسروه كما يكسر الخبز. (3) أغزهم نغزك: بادرهم بالغزو- وهو الحرب- ننصرك عليهم. (4) مقسط: عادل. (5) لا زبر له: أي لا عقل له يمنعه عمّا لا ينبغي وقيل هو الذي لا مال له. (6) لا يتبعون: من الاتباع. قال النووي: وفي بعض النسخ لا يبتغون أي لا يطلبون والظاهر أن هذا هو الصحيح بدليل ما بعده وهو قوله (أهلا ولا مالا) فهذا اللون من الناس من ضعاف الهمم الذين تقعد بهم عزائمهم عن أن يكون لهم مال أو أهل أو غير ذلك مما يدعوه إلى التفكير في الحياة ومقتضياتها فيكون لهم رأي مستقل في شؤونها ومجريات أحداثها. (7) لا يخفي له ... وإن دق: قال النووي: لا يخفى: لا يظهر ونقل عن أهل اللغة أنه يقال: خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته إذا سترته وكتمته.. وعليه فقوله عليه السلام لا يخفى له طمع معناه: لا يظهر له طمع أي شيء هو موضع طمع وإن قل. (8) الشنظير: بكسر الشين والظاء وإسكان النون. هو الفحّاش- كما فسره الحديث والفحاش هو السيىء الخلق. (9) مسلم (2865) . (10) ببهتان: البهتان: الكذب الذي يبهت سامعه وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما. (11) البخاري- الفتح 1 (18) ، ومسلم (1709) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4984 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق «1» قال لقيط «2» : فخرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لانسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين انصرف من صلاة الغداة ... الحديث وفيه «فمن عصى نبيّه كان من الضالّين، ومن أطاع نبيّه كان من المهتدين» ) * «3» . 9- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا. فانطلقوا على مهلهم «4» فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش «5» فأهلكهم واجتاحهم «6» .. فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ) * «7» . 10- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا قال: فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا جعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أوّلوها له يفقهها. فقال بعضهم: إنّه نائم. وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: فالدّار الجنّة، والداعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس) * «8» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الّذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصيّة عصت الله ورسوله. قال أنس: أنزل الله- عزّ وجلّ- في الّذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه حتّى نسخ بعد: أن بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنّا ورضينا عنه.   (1) جاء في القاموس المحيط: المنتفق: أبو قبيلة. وعليه يكون مالك بن المنتفق: ابنا من أبنائه. (2) هو أحد الصحابة الذين سموا بهذا الاسم وهم: لقيط البلوي، وابن الربيع، وابن صبرة، وابن عامر، وابن عدي، وابن عباد. (3) رواه أحمد (13، 14) والهيثمي في المجمع (10/ 338) ، وقال: رواه عبد الله والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط. (4) على مهلهم: أي في تؤدة لا طمئنانهم. (5) صبحهم الجيش: جاءهم مع الصبح فلم يتمكنوا من النجاة. (6) اجتاحهم: استأصلهم وأبادهم جميعا. (7) البخاري- الفتح 13 (7283) واللفظ له، ومسلم (2283) . (8) البخاري- الفتح 13 (7281) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4985 وعند البخاريّ: «فرضي عنّا وأرضانا ثمّ رفع ذلك بعد) * «1» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «شرّ الطّعام طعام الوليمة. يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدّعوة فقد عصى الله ورسوله» ) * «2» . 13- * (عن ركب المصريّ «3» - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذلّ في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذّلّ والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة. طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن النّاس شرّه، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله» ) * «4» . 14- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الغزو غزوان: فأمّا من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كلّه. وأمّا من غزا رياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض فإنّه لا يرجع بالكفاف» ) * «5» . 15- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ) * «6» . 16- * (عن مطيع بن الأسود- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم فتح مكّة: «لا يقتل قرشيّ صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة «7» » قال: ولم يكن أسلم أحد من عصاة قريش غير مطيع. كان اسمه العاصي فسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مطيعا» ) * «8» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدم طفيل بن عمرو الدّوسيّ وأصحابه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله إنّ دوسا عصت وأبت فادع الله عليها- فقيل: هلكت دوس- قال: «اللهمّ اهد دوسا وأت بهم» ) * «9» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلّا من   (1) البخاري- الفتح 6/ 3064) ، ومسلم (677) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 9 (5177) ، ومسلم (1432) . (3) جاء في القاموس: ركب المصري صحابي أو تابعي. (4) الترغيب والترهيب 3 (558) وقال رواه الطبراني ورواته إلى نصيح ثقات وقد حسن الحديث أبو عمر النمري وركب مختلف في صحبته. (5) أبو داود (2515) ، والنسائي (6/ 49) واللفظ له. وحسنه الألباني، صحيح النسائي (2987) وهو في الصحيحة له (199) وقال محقق جامع الأصول (2/ 577) : إسناده صحيح. (6) البخاري- الفتح 13 (7144) واللفظ له، ومسلم (1839) . (7) قال العلماء: معناه الإعلام بأن قريشا يسلمون كلهم ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده صلّى الله عليه وسلّم ممن حورب وقتل صبرا والصبر: نصب الإنسان للقتل. (8) مسلم (1782) . (9) البخاري- الفتح 6 (2937) واللفظ له. ومسلم (2524) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4986 أبى» . قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنّة، ومن عصاني فقد أبى» ) * «1» . 19- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك. ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «2» . 20- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع عن ذنب عمله. فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها فلمّا قعد منها مقعد الرّجل من امرأته أرعدت فبكت فقال: ما يبكيك. أكرهت؟ قالت: لا. ولكن هذا عمل لم أعمله قطّ، وإنّما حملني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قطّ؟ قال: ثمّ نزل فقال: اذهبي والدّنانير لك. قال: ثمّ قال: والله لا يعصي الكفل ربّه أبدا. فمات من ليلته، وأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر للكفل» ) * «3» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة/ 284) قال: فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله؛ كلّفنا من الأعمال ما نطيق، الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نطيقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.» فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم. فأنزل الله في إثرها آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ 285) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله- عزّ وجلّ- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا   (1) البخاري- الفتح 13 (7280) . (2) الترمذي (3502) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم في المستدرك (1/ 528) ، وصححه ووافقه الذهبي. (3) الترمذي (2496) وقال: هذا حديث حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 255) واللفظ له. وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4987 وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (قال: نعم) (البقرة/ 286) * «1» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه. ويتّقى به. فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإنّ عليه منه «2» » ) * «3» . 23- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من علم الرّمي ثمّ تركه فليس منّا، أو قد عصى» ) * «4» . 24- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» ) * «5» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة- فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا ربّ إنّك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأيّ خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين. ثمّ يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذيخ متلطّخ «6» ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النّار» ) * «7» .   (1) مسلم (125) . (2) ما وضع تحت هذا الرقم (22) جمع بين حديثين أولهما من طريق الأعرج عن أبي الزناد عن المغيرة بن عبد الرحمن عن يحيى وينتهي عند (ومن يعص الأمير فقد عصاني) . وثانيهما من أبي الأعرج عن أبي الزناد عن ورقاء عن شبابة عن زهير بن حرب وأوله (إنما الإمام جنة) . وينتهي الطريقان عند أبي هريرة. عليه منه: أي عليه جزاء ما يأمر به مما هو غير تقوى الله. (3) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له، ومسلم (1835) . (4) مسلم (1919) . (5) البخاري- الفتح 11 (6696) . (6) ذيخ متلطخ: جاء في لسان العرب: الذيخ ذكر الضباع الكثير الشعر. والتلطخ: الطلاء بالطين ونحوه. والمراد: أن آزر يمسخ ضبعا ويلطخ بالطين أو بما يرجع من جوفه ثم يلقى في النار. (7) البخاري- الفتح 6 (3350) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4988 الأحاديث الواردة في ذمّ (العصيان) معنى 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمسا ما تقول ذلك يبقي من درنه «1» ؟» قالوا: لا يبقي من درنه شيئا. قال: «فذلك مثل الصّلوات الخمس يمحو الله به الخطايا» ) * «2» . 27- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أدلّك على سيّد الاستغفار: اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، وأبوء «3» إليك بنعمتك عليّ، وأعترف بذنوبي، فاغفر لي ذنوبي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. لا يقولها أحد حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلّا وجبت له الجنّة، ولا يقولها حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إلّا وجبت له الجنّة» ) * «4» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال: «أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهمّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب. فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا. فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. اعمل ما شئت، فقد غفرت لك» ) * «5» . 29- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، فقال: يا رسول الله إنّي أصبت ذنبا عظيما فهل من توبة؟ قال: «هل لك من أمّ؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم. قال: «فبرّها» ) * «6» . 30- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أهل النار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة حتّى إذا كانوا فحما أذن بالشّفاعة فجيء بهم   (1) درنه: أي وسخه. وقوله: تقول: قال ابن حجر: كذا في النسخ المعتمدة بإفراد المخاطب والمعنى: ما تقول أيها السامع ولأبي نعيم وغيره- ما تقولون. (2) البخاري (2/ 528) واللفظ له، ومسلم (667) . (3) وأبوء: أي أعترف وأقر. (4) البخاري- الفتح 11 (6306) ، والترمذي (5/ 3393) واللفظ له. (5) حديث قدسي: أخرجه البخاري. الفتح 13 (7507) ومسلم (2758) . (6) الترمذي (1905) واللفظ له. وصححه الألباني. صحيح سنن الترمذي (1554) ، والحاكم في مستدركه (2/ 197) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» : رجاله ثقات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4989 ضبائر ضبائر «1» . فبثّوا على «2» أنهار الجنّة. ثمّ قيل: يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل» ) * «3» . 31- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له فأنزلت عليه وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ قال الرّجل: ألي هذه؟ قال: «لمن عمل بها من أمّتي» ) * «4» . 32- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا أكل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشماله. فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت» ما منعه إلّا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه» ) * «5» . 33- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على شابّ وهو بالموت فقال: كيف تجدك؟ قال: والله يا رسول الله إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه ممّا يخاف» ) * «6» . 34- * (وعن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: إنّها اشترت نمرقة «7» فيها تصاوير، فلمّا راها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهة، فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بال هذه النّمرقة؟» قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسّدها «8» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أصحاب هذه الصّور يوم القيامة يعذّبون. فيقال لهم أحيوا ما خلقتم» . وقال: «إنّ البيت الّذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة» ) * «9» . 35- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أيعجز أحدكم أن يكسب ألف حسنة؟» فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: «يسبّح الله مائة تسبيحة تكتب له ألف حسنة وتحطّ عنه ألف سيّئة» ) * «10» . 36- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة   (1) ضبائر ضبائر: هي جمع ضبارة، وقال أهل اللغة: الضبائر جماعات في تفرقة. (2) فبثوا: أي فرقوا. (3) مسلم (306) . (4) البخاري- الفتح 8 (4687) واللفظ له. ومسلم (2763) . (5) مسلم (2021) . (6) الترمذي (983) واللفظ له. وابن ماجة (4261) وقال النووي: اسناده حسن، وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (3436) وهو في الصحيحة (1051) . (7) النمرقة: وسادة صغيرة. (8) توسّدها: أصله: تتوسدها حذفت إحدى التاءين تخفيفا، والمعنى تتخذها وسادة. (9) البخاري- الفتح 9 (5181) واللفظ له. ومسلم (2107) . (10) مسلم (2698) ، والترمذي (3463) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4990 النّجاشيّ: فقال له: أيّها الملك. كنّا قوما أهل جاهليّة نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام،- قال: فعدّد عليه أمور الإسلام فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث) * «1» . 37- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت وأتبع السيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «2» . 38- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفّر الله عنه كلّ سيّئة كان زلفها «3» . وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيّئة بمثلها إلّا أن يتجاوز الله عنها» ) * «4» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا عملها أكتبها له بمثلها» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قالت الملائكة: ربّ، ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنّما تركها من جرّاي «5» » ) * «6» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا توضّأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كلّ خطيئة كان بطشتها «7» يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كلّ خطيئة كان مشتها رجلاه «8» مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتّى يخرج نقيّا من الذّنوب» ) * «9» .   (1) رواه أحمد في المسند (1 (202) واللفظ له. وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أن ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. (2) الترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح. (3) زلفها: أي اقترفها وفعلها. (4) البخاري- الفتح 1 (41) واللفظ له. ومسلم (129) . (5) من جراي: من أجلي. (6) البخاري- الفتح 13 (7501) ، ومسلم (129) واللفظ له. (7) بطشتها: أي اكتسبتها. (8) مشتها رجلاه: أي مشت لها أو فيها، رجلاه. (9) مسلم (244) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4991 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد إذا أخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل «1» قلبه وإن عاد زيد فيه حتّى تعلو قلبه وهو الرّان «2» الّذي ذكر الله كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين/ 14) » ) * «3» . 42- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجلّ يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل، حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «4» . 43- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ مسحهما «5» يحطّ الخطايا» ) * «6» . 44- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «7» . ثمّ يقال له: فيم كنت «8» ؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله «9» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك على الشكّ كنت وعليه متّ وعليه تبعث إن شاء الله تعالى» ) * «10» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة، وآخر أهل النّار خروجا منها. رجل يؤتى   (1) في الترمذي والحاكم (سقل) . وفي سنن ابن ماجه (صقل) . (2) الران: هو ظلمة وجهل يقوم بالقلب يحول بين المرء وبين معرفة الحق. (3) الترمذي (3334) واللفظ له. وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة (4244) ، والحاكم (2/ 517) وصححه. (4) مسلم (2759) . (5) أي الركن اليماني والحجر الأسود. (6) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2753) واللفظ له. وقال محققه: إسناده حسن، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 4041) ، والبغوي في شرح السنة (7/ 1916) وقال: حديث حسن. (7) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب. (8) فيم كنت: أي في أي دين. (9) إن شاء الله: للتبرك لا للشك. (10) ابن ماجة 2 (4268) وصححه الألباني، صحيح بن ماجة (3443) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4992 به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه. فيقال: عملت يوم كذا وكذا: كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا: كذا وكذا. فيقول: نعم- لا يستطيع أن ينكر- وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه- فيقال له: فإنّ لك مكان كلّ سيّئة حسنة. فيقول: ربّ قد عملت أشياء لا أراها ههنا» . فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه) * «1» . 46- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي أريد سفرا فزوّدني. قال: «زوّدك الله التّقوى» . قال: زدني. قال: «وغفر ذنبك» . قال: زدني بأبي أنت وأمّي. قال: «ويسّر لك الخير حيثما كنت» ) * «2» . 47- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا، إليك مخبتا، إليك أوّاها منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «3» ، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتي، واسلل سخيمة قلبي» ) * «4» . 48- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الذّنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك» قلت له: إنّ ذلك لعظيم. قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» . قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تزاني حليلة جارك» ) * «5» . 49- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرضت عليّ أعمال أمّتي: حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النّخامة تكون في المسجد لا تدفن» ) * «6» . 50- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليّة؟ قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر) * «7» . 51- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي. فخرجت مع   (1) مسلم (190) . (2) الترمذي (3444) وقال: حديث حسن غريب، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2739) . (3) الحوبة: المأثم. (4) ابن ماجة (3830) واللفظ له، والترمذي (3551) وقال: حديث حسن. (5) البخاري- الفتح 13 (7520) ، ومسلم (86) واللفظ له. (6) مسلم (553) . (7) البخاري- الفتح 12 (6921) واللفظ له. ومسلم (120) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4993 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وذلك بعدما أنزل الحجاب ... الحديث وفيه: قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب تاب الله عليه» ) * «1» . 52- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» . قال: فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان، وإنّهما ابتعثاني «2» ، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه «3» فيتدهده «4» الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى. قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه ليشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: وربّما قال أبو رجاء فيشقّ. قال: ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى. قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنّور، قال: وأحسب أنّه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «5» قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا، فأتينا على نهر حسبت أنّه كان يقول أحمر مثل الدّم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر «6» له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه. كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا. قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المراة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها «7» ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر   (1) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم 4 (2770) واللفظ له. (2) ابتعثاني: أنهضاني لأنطلق معهما. (3) يثلغ رأسه: يشجها أي يكسرها. (4) يتدهده الحجر: يتدحرج. (5) ضوضوا: الضّوضى- مقصورا الجلبة وأصوات الناس لغة في المهموزة- يعني الضوضاء- ورجل مضوّض: مصوّت. (6) يفغر فاه: يفتحه. (7) يحشّها: يوقدها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4994 ولدان رأيتهم قطّ. قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارق. فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء. قال: قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر. قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فساروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنّة عدن، وهذاك منزلك. قال: فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء. قال: قالا لي هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما. ذراني فأدخله. قالا: أمّا الآن فلا وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة.، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا، وأمّا الرّجل الكرية المراة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، تجاوز الله عنهم) * «1» . 53- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التّوّابون» ) * «2» . 54- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلّا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمّدا» ) * «3» . 55- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه «4» ويستره فيقول: أتعرف   (1) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، مسلم (2275) . (2) الترمذي (2499) ، وابن ماجة (4251) واللفظ له، وحسنه الألباني، صحيح الجامع (4391) . وحسن إسناده محقق جامع الأصول (2/ 515) . (3) أبو داود (4/ 4270) وقال محقق جامع الأصول (10/ 206) : إسناده صحيح، وصححه الألباني، صحيح أبي داود (3589) . (4) كنفه: حفظه وستره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4995 ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربّ. حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أنّه هلك قال: سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد «1» : «هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم، ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «2» . 56- * (عن عبد الله بن السّعديّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تنقطع الهجرة ما دام العدوّ يقاتل» . فقال معاوية وعبد الرّحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الهجرة خصلتان: إحداهما أن تهجر السّيّئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبّلت التّوبة ولا تزال التّوبة مقبولة حتّى تطلع الشّمس من المغرب فإذا طلعت طبع على كلّ قلب بما فيه وكفي النّاس العمل» ) * «3» . 57- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جيشا من الرّماة وأمّر عليهم عبد الله وقال: لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا. فلمّا لقينا هربوا حتّى رأيت النّساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهنّ قد بدت خلا خلهنّ فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا تبرحوا فأبوا، فلمّا أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلا. وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمّد؟ فقال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن الخطّاب؟ فقال: إنّ هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدوّ الله. أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: اعل هبل «4» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجلّ» . قال أبو سفيان: لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟ قال قولوا: «الله مولانا ولا مولى لكم» . قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني) * «5» . 58- * (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام   (1) الأشهاد: الملائكة والنبيون وسائر الإنس والجن. (2) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم (2768) . (3) المسند (1/ 192) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 133) رقم (1671) : إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 250- 251) : روى أبو داود النسائي بعض حديث معاوية ورواه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير. قال: ورجال أحمد ثقات. (4) اعل هبل: فعل أمر من الماضي علا.. مضارعه يعلو. وهبل هو أحد أصنامهم- والجملة دعاء لصنمهم بالعلو في مقام الشعور بنشوة النصر. (5) البخاري- الفتح 7 (4043) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4996 - وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها «1» - وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، أنّي لم أكن قطّ أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «2» ، واستقبل عدوّا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الّذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير. ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب يظنّ أنّ ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عزّ وجلّ، وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «3» فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ. فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط الغزو «4» . فهممت أن أرتحل فأدركهم، فياليتني فعلت، ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا عليه في النفاق «5» ، أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» . قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيّضا يزول به السّراب «7» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كن أبا خيثمة» . فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريّ- وهو الّذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه المنافقون- فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجّه قافلا «8» من تبوك حضرني بثّي «9» فطفقت أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟، وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما زاح عنّي الباطل حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه، وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) أذكر منها: أي أكثر شهرة وذكرا منها. (2) ومفازا: أي برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك. (3) أصعر: أميل. من صعر كفرح: مال. (4) تفارط الغزو: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا. (5) مغموصا عليه في النفاق: أي متهما به. (6) النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه. (7) أي لابسا البياض من الثياب، يزول به السراب. والسراب ما يظهر في الخلاء كأنه ماء والمقصود يتحرك وينهض. (8) توجه قافلا: أي راجعا. (9) البث: أشد الحزن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4997 قادما- وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين- ثمّ جلس للنّاس، فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له- وكانوا بضعة وثمانين رجلا- فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتّى جئت، فلمّا سلّمت تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» . فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» . قال قلت: يا رسول الله إنّي- والله- لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا. ولكنّي والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «1» إنّي لأرجو فيه عقبى الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا فقد صدق. فقم حتّى يقضي الله فيك» . فقمت، وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا. لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما اعتذر به إليه المخلّفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لك. قال: فو الله ما زالوا يؤنّبونني حتّى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأكذّب نفسي. قال: ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟. قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال قلت: من هما؟. قالوا: مرارة بن ربيعة العامريّ، وهلال بن أميّة الواقفيّ. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثّلاثة، من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس. وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصّلاة. فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام أم لا؟. ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي. حتّى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ. فسلّمت عليه. فو الله ما ردّ عليّ السّلام. فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمنّ أنّي أحبّ الله ورسوله؟. قال: فسكت. فعدت فناشدته، فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت   (1) أي يغضبك ولا ترضى به. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4998 عيناي، وتولّيت حتّى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ من نبط أهل الشّام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدلّ على كعب بن مالك؟ قال: فطفق النّاس يشيرون له إليّ حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان- وكنت كاتبا- فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك «1» . قال: فقلت حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء. فتياممت «2» بها التّنّور فسجرتها بها. حتّى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي «3» إذا رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال: فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟. قال: لا. بل اعتزلها. فلا تقربنّها. قال فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال: فقلت لا مرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتّى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت له: يا رسول الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟. قال: «لا. ولكن لا يقربنّك» . فقالت: إنّه والله ما به حركة إلى شيء، وو الله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتك؟. فقد أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه. قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابّ؟ قال: فلبثت بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله عزّ وجلّ منّا. قد ضاقت علّي نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «4» يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج. قال: فآذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا، فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلي «5» ، وأوفى الجبل «6» فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني، فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا يهنّئوني بالتّوبة، ويقولون: لتهنك توبة الله عليك حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في   (1) الحق بنا.. إلخ: معناه: أقدم إلينا نشاركك فيما عندنا. (2) تياممت.. إلخ: قصبدت بها التنور فأحرقتها. (3) استلبث: أبطأ وتأخر. (4) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف. (5) سعى ساع من أسلم: أي سعى رجل من قبيلة أسلم متجها نحوي. (6) وأوفى الجبل: وصل إليه وصعد عليه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4999 المسجد- وحوله النّاس- فقام طلحة ابن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول-: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت: أمن عندك. يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال: «لا. بل من عند الله» - وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه كأنّ وجهه قطعة قمر- قال: وكنّا نعرف ذلك. قال: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك. فهو خير لك» . قال: فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال: وقلت: يا رسول الله إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق، وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال: فو الله ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا أحسن ممّا أبلاني الله به. والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 95، 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا- أيّها الثّلاثة- عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال الله- عزّ وجلّ-: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا تخلّفنا عن الغزو، وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «1» . 59- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليصيبنّ أقواما سفع من النّار «2» بذنوب   (1) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم 4 (2769) . (2) سفع من النار: أي علامة من النار. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5000 أصابوها عقوبة، ثم يدخلهم الله الجنّة بفضل رحمته يقال لهم الجهنّميّون» ) * «1» . 60- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة «2» ، ومن قاتل تحت راية عمّيّة «3» يغضب لعصبة «4» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة. ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «5» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس منّي ولست منه) * «6» . 61- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة» ) * «7» . 62- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم: إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه» ) * «8» . 63- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نزل الحجر الأسود من الجنّة وهو أشدّ بياضا من اللّبن فسوّدته خطايا بني آدم» ) * «9» . 64- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلّا كان الّذي في السّماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها» ) * «10» . 65- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- فيما روى عن الله تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا. يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار- وأنا أغفر الذّنوب جميعا- فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا   (1) البخاري- الفتح 13 (7450) . (2) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. (3) عمية بضم العين وكسر الميم مع تشديد الميم والياء: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. (4) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. (5) ولا يتحاش: أي لا يخاف وباله وعقوبته. (6) مسلم (1848) . (7) مسلم (1851) . (8) البخاري- الفتح 5 (2449) . (9) الترمذي (878) وقال: حديث حسن صحيح. وقال الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (2577) : وهو كما قال. (10) البخاري- الفتح 9 (5193) ، ومسلم (1436) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5001 ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم مازاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (العصيان) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «لا تصحب الفجّار لتعلم من فجورهم، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين- ولا أمين إلّا من خشي الله- وتخشّع عند القبور، وذلّ عند الطّاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر الّذين يخشون الله» ) * «2» . 2- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: «يأهل مكّة اتّقوا الله في حرمكم هذا: أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كانوا فيه بنو فلان. فأحلّوا حرمته فهلكوا، وبنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا، حتّى عدّ ما شاء الله، ثمّ قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحبّ إليّ من أعمل واحدة بمكّة» ) * «3» . 3- * (قال عمر- رضي الله عنه- يوما لأصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فيم ترون هذه الآية نزلت أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ؟ (البقرة/ 266) قالوا: الله أعلم. فغضب عمر. فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عبّاس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا بن أخي قل ولا تحقّر نفسك. قال ابن عبّاس: ضربت مثلا لعمل. قال عمر: أيّ عمل؟ قال ابن عبّاس: لعمل. قال عمر: لرجل غنيّ يعمل بطاعة الله- عزّ وجلّ- ثمّ بعث الله له الشّياطين فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله» ) «4» . 4- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-   (1) رواه مسلم (2577) . (2) الدر المنثور، للسيوطي (7/ 22) . (3) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 4012) . (4) البخاري- الفتح 8 (4538) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5002 قال: توشك القرى أن تخرب وهي عامرة. قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارها أبرارها، وساد القبيلة منافقوها» ) * «1» . 5- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لفضيل بن زيد الرّقاشيّ قال: لا يلهينّك النّاس عن ذات نفسك، فإنّ الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النّهار بكيت وكيت؛ فإنّه محفوظ عليك ما قلته، ولم تر شيئا أحسن طلبا، ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثه لذنب قديم) * «2» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «أقلّوا الذّنوب فإنّكم لن تلقوا الله بشيء أفضل من قلّة الذّنوب» ) * «3» . 7- * (قال رجل لابن عبّاس- رضي الله عنهما-: أرأيت رجلا كثير الذنوب كثير العمل أو رجلا قليل الذّنوب قليل العمل؟ قال ما أعدل بالسّلامة شيئا» ) * «4» . 8- * (قال أبو أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- «إنّ الرجل ليعمل الحسنة حتّى يأتي الله وقد حظر به، وإنّ الرّجل ليعمل السّيّئة فيفرق منها حتّى يأتي الله آمنا» ) * «5» . 9- * (كتب أبو الدّرداء إلى سلمة بن مخلد: أمّا بعد، فإنّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبّه الله، وإذا أحبّه الله حبّبه إلى خلقه، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه بغّضه إلى خلقه) * «6» . 10- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: «ليحذر امرؤ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، ثمّ قال: تدري ممّ هذا؟ قلت: لا. قال: إنّ العبد يخلو بمعاصي الله فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر) * «7» . 11- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في قوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ (آل عمران/ 102) قال: «أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر» ) * «8» . 12- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا» ) * «9» . 13- * (عن أبي الشّعثاء- رضي الله عنه- قال: كنّا قعودا في المسجد مع أبي هريرة فأذّن المؤذّن، فقام رجل من المسجد يمشي. فأتبعه أبو هريرة بصره   (1) الجواب الكافي (69) . (2) الزهد لوكيع بن الجراح (2/ 537) . (3) المرجع السابق (2/ 535) . (4) المرجع السابق (2/ 534) . (5) الزهد لابن المبارك (53) . (6) الزهد، للإمام أحمد بن حنبل (2/ 56) . (7) الجواب الكافي لابن القيم (59) . (8) أخرجه الحاكم (2/ 294) وقال صحيح على شرط الشيخين. (9) البخاري- الفتح 11 (6308) ، وشرح السنة للبغوي (14/ 374) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5003 حتّى خرج من المسجد. فقال أبو هريرة: أمّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» . 14- * (عن سعيد بن المسيّب- رضي الله عنه- قال: كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرّض نفسه للتّهم فلا يلومنّ إلّا نفسه، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه) * «2» . 15- * (قال كعب- رحمه الله-: «إنّما تزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي فترعد فرقا «3» من الرّبّ جلّ جلاله أن يطّلع عليها» ) * «4» . 16- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «إنّ الرّجل يذنب الذّنب فما ينساه وما يزال كئيبا حتّى يدخل الجنّة» ) * «5» . 17- * (وقال أيضا: «إنّ المؤمن لا يصبح إلّا خائفا ولا يصلحه إلّا ذاك، لأنّه بين ذنبين؛ ذنب مضى لا يدري كيف يصنع الله فيه وآجل أو قال آخر لا يدري ما كتب عليه فيه» ) * «6» . 18- * (وقال أيضا: «اعملوا لله بالطّاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن تردّ عليكم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا) * «7» . 19- * (سئل الحسن البصريّ- رحمه الله-: ما برّ الوالدين؟ قال: «أن تبذل لهما ما ملكت، وأن تطيعهما فيما أمراك به إلّا أن يكون معصية) * «8» . 20- * (قال الإمام عليّ زين العابدين: ليس الغريب غريب الشّام واليمن ... إنّ الغريب غريب اللّحد والكفن إنّ الغريب له حقّ لغربته ... على المقيمين في الأوطان والسّكن لا تنهرنّ غريبا حال غربته ... الدّهر ينهره بالذّلّ والمحن سفري بعيد وزادي لن يبلّغني ... وقوّتي ضعفت والموت يطلبني ولي بقايا ذنوب لست أعلمها ... الله يعلمها في السرّ والعلن ما أحلم الله عنّي حيث أمهلني ... وقد تماديت في ذنبي ويسترني «9» 21- * (وقال أيضا: يا نفس كفّي عن العصيان واكتسبي ... فعلا جميلا لعلّ الله يرحمني   (1) مسلم (655) . (2) شعب الإيمان للبيهقي (6/ 8345) . (3) فرقا: أي خوفا. (4) الجواب الكافي لابن القيم (66) . (5) الزهد للإمام أحمد بن حنبل (/ 236) . (6) المرجع السابق (2/ 242) . (7) بصائر ذوي التمييز للفيروز أبادي (2/ 545) . (8) الدر المنثور للسيوطي (5/ 259) . (9) الشوارد في الشعر (ص 50) . والتمادي في الذنب: المداومة عليه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5004 يا نفس ويحك توبي واعملي حسنا ... عسى تجازين بعد الموت بالحسن «1» 22- * (عن جبير بن نفير قال: لمّا فتحت قبرص فرّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدّرداء جالسا وحده يبكي فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير. ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره. بينما هي أمّة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) * «2» . 23- * (قال سفيان: «من أذنب ذنبا فعلم أنّ الله تعالى قدّره عليه ورجا غفرانه غفر الله له ذنبه» ) * «3» . 24- * (وذكر عن مالك بن دينار قال: قرأت في الحكمة: «يقول الله عزّ وجلّ: «أنا الله مالك الملوك. قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبّ الملوك، ولكن توبوا إليّ أعطّفهم عليكم» ) * «4» . 25- * (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله- أيضمن لي فتى ترك المعاصي ... وأرهنه الكفالة بالخلاص أطاع الله قوم فاستراحوا ... ولم يتجرّعوا غصص المعاصي «5» 26- * (عن عبد الله بن المبارك، في ذكر شروط التّوبة، قال: النّدم، والعزم على عدم العود، وردّ المظلمة وأداء ما ضيّع من الفرائض، وأن يعمد إلى البدن الّذي ربّاه بالسّحت فيذيبه بالهمّ والحزن حتّى ينشأ له لحم طيّب، وأن يذيق نفسه ألم الطّاعة، كما أذاقها لذّة المعصية» ) * «6» . 27- * (عن عروة بن عامر- رحمه الله- قال: المؤمن تعرض عليه ذنوبه يوم القيامة فيمرّ بالذّنب من ذنوبه يقول: أمّا إنّي كنت منك مشفقا فيغفر له» ) * «7» . 28- * (قال طلق بن حبيب: «التّقوى: العمل بطاعة الله رجاء رحمة الله، على نور من الله، والتّقوى ترك معاصي الله، مخافة عقاب الله، على نور من الله» ) * «8» . 29- * (قال مالك- رحمه الله-: «دخل عمر ابن عبد العزيز على فاطمة امرأته فطرح عليها خلق ساج عليه، ثمّ ضرب على فخذها فقال: يا فاطمة لنحن ليالي دابق أنعم منّا اليوم «9» ، فذكّرها ما كانت نسيته من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف   (1) الشوارد في الشعر (50) . (2) الجواب الكافي (61) . (3) إحياء علوم الدين للغزالي (145) . (4) الجواب الكافي لابن القيم (67) . (5) أدب الدنيا والدين للماوردي (106) . (6) البخاري- الفتح 11 (103) . (7) الزهد لابن المبارك (52) . (8) الدر المنثور للسيوطي (1/ 61) . (9) ليالي دابق ... إلخ: يعني أن حياتنا في الليالي التي عشناها في منطقة (دابق) أكثر نعومة ورفاهية من حياتنا التي نحياها اليوم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5005 فنحّتها عنها وقالت: لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ، فقام وهو يقول بصوت حزين: يا فاطمة إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم. فبكت فاطمة وقالت: اللهمّ أعذه من النّار» ) * «1» . 30- * (عن الفضيل بن عياض قال: «أوحى الله إلى بعض الأنبياء: إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني» ) * «2» . 31- * (قال ابن السمّاك الواعظ: يا مدمن الذّنب أما تستحي ... والله في الخلوة ثانيكا؟ أغرّك من ربّك إمهاله ... وستره طول مساويكا؟ 32- * (قال أبو عمران السّلميّ منشدا: وإنّي لآتي الذّنب أعرف قدره ... وأعلم أنّ الله يعفو ويغفر لئن عظّم النّاس الذّنوب فإنّها ... وإن عظمت في رحمة الله تصغر «3» 33- * (عن العبّاس العمّيّ- رحمه الله- قال: «بلغني أنّ داود عليه السّلام قال: سبحانك تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السّماوات والأرض، فأقرب خلقك إليك أشدّهم لك خشية، وما علم من لم يخشك، وما حكمة من لم يطع أمرك؟» ) * «4» . 34- * (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: تعصي الإله وأنت تظهر حبّه ... هذا وربّي في القياس بديع لو كان حبّك صادقا لأطعته ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع ) *. 35- * (قال محمود الورّاق: هذا الدّليل لمن أرا وأراد ... دغنى يدوم بغير مال عزّا لم توطّ ... ده العشائر بالقتال ومهابة من غير سل ... طان وجاها فى الرّجال فليعتصم بدخوله ... في عزّ طاعة ذي الجلال وخروجه من ذلّة العاصي له في كلّ حال) * «5» . 36- * (قال إبراهيم الألبيريّ: ونفسك ذمّ لا تذمم سواها ... لعيب فهي أجدر من ذممتا فأنت أحقّ بالتّفنيد منّي ... ولو كنت اللّبيب لما نطقتا ولو بكت الدّما عيناك خوفا ... لذنبك لم أقل لك قد أمنتا ومن لك بالأمان وأنت عبد ... أمرت فما ائتمرت ولا أطعتا ثقلت من الذّنوب ولست تخشى ... لجهلك أن تخفّ إذا وزنتا «6» 37- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: لفظ   (1) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (164) . (2) الجواب الكافي (68) . (3) حسن الظن لابن أبي الدنيا (106) . (4) الدر المنثور للسيوطي (7/ 21) . (5) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 153) . (6) ديوان الألبيري (20) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5006 المعصية والفسوق والكفر إذا أطلقت المعصية لله ورسوله دخل فيها الكفر والفسوق كقوله: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (الجن: 23) وقال تعالى: وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (هود: 59) * «1» . 38- * (قال جمال الدّين الصّرصريّ: أنا العبد الّذي كسب الذنوبا ... وصدّته الأماني أن يتوبا أنا العبد الّذي أضحى حزينا ... على زلّاته قلقا كئيبا أنا العبد الّذي سطرت عليه ... صحائف لم يخف فيها الرّقيبا أنا العبد المسيء عصيت سرّا ... فمالي الآن لا أبدي النّحيبا ) * «2» . 39- * (قال صالح بن عبد القّدوس: دع عنك ما [قد] كان في زمن الصّبا ... واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب واذكر مناقشة الحساب فإنّه ... لا بدّ يحصى ما جنيت ويكتب لم ينسه الملكان حين نسيته ... بل أثبتاه وأنت لاه تلعب والرّوح فيك وديعة أودعتها ... ستردّها بالرّغم منك وتسلب ) *. 40- * (قال ابن القيّم- رحمه الله- من أعجب الأشياء أن تعرفه ثمّ لا تحبّه، وأن تسمع داعيه ثمّ تتأخّر عنه الإجابة. وأن تعرف قدر الرّبح في معاملته ثمّ تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه ثمّ تتعرّض له. وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثمّ لا تطلب الأنس بطاعته. وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثمّ لا تشتاق إلى انشراح الصّدر بذكره ومناجاته. وأن تذوق العذاب عند تعلّق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه) * «3» . 41- * (وقال- رحمه الله- مثال تولّد الطّاعة ونموّها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثمّ أثمرت فأكلت ثمرها وغرست نواها، فكلّما أثمر منها شيء جنيت ثمره وغرست نواه وكذلك تداعي المعاصي، فليتدبّر اللبيب هذا المثال) * «4» . 42- * (قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة كان مبدؤها هناك، فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أنّه إن لم يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه   (1) الإيمان لابن تيمية (56) . (2) ديوان الصرصري (30) . (3) الفوائد لابن القيم (8) . (4) المرجع السابق (70) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5007 بنشرها، وقالوا: ألا نسقيك مرقّدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا والله ما كنت أظنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر ولا اختلج، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت وإن كنت قد أبليت فلطا لما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت، فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، فبلغه أنّ بعض النّاس قال: إنّما أصابه ذلك بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة في ذلك، والأبيات لمعن بن أوس: لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى مثلي «1» 43- * (قال الأمير الصّنعانيّ: القلب أعلم يا عذول بدائه ... ما غير داء الذّنب من أدوائه والذّنب أولى ما بكاه أخو التّقى ... وأحقّ منك بجفنه وبمائه فومن أحبّ لأعصينّ عواذلي ... قسما به في أرضه وسمائه من ذا يلوم أخا الذّنوب إذا بكى ... إنّ الملامة فيه من أعدائه «2» 44- * (قال الشّاعر: إذا كنت في نعمة فارعها ... فإنّ الذّنوب تزيل النعم وحطها بطاعة ربّ العباد ... فربّ العباد سريع النّقم وإيّاك والظّلم مهما استطعت ... فظلم العباد شديد الوخم وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصر آثار من قد ظلم ) * «3» . 45- * (وقال شاعر آخر: اعتبر يأيّها المغرور بالعمر المديد أنا شدّاد بن عاد ... صاحب الحصن المشيد وأخو القوّة والبأ ... ساء والملك الحشيد   (1) البداية والنهاية، لابن كثير (9/ 102، 103) . (2) ديوان الصنعاني (35) . (3) الجواب الكافي، لابن القيم (86) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5008 دان أهل الأرض طرّا ... لي من خوف وعيدي وملكت الشّرق والغر ... ب بسلطان شديد فأتى هود وكنّا ... في ظلال قبل هود فدعانا لو قبلنا ... هـ إلى الأمر الرّشيد فعصيناه ونادى ... ما لكم هل من محيد؟ فأتتنا صيحة ته ... وي من الأفق البعيد فمضينا كزروع ... وسط بيداء حصيد ) * «1» . 46- * (وقال آخر: رأيت الذّنوب تميت القلوب ... ويورثها الذّلّ إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب ... وخير لنفسك عصيانها «2» 47- * (وقال آخر: خلّ الذنوب صغيرها ... وكبيرها فهو التّقى واصنع كماش فوق أر ... ض الشّوك يحذر ما يرى لا تحقرنّ صغيرة إنّ الجبال من الحصى) * «3» . 48- * (وقال آخر: أذنبت كلّ ذنوب لست أنكرها ... قد رجوتك يا ذا المنّ تغفرها أرجوك تغفرها في الحشر يا سندي ... إذ كنت يا أملي في الأرض تسترها ) * «4» . 49- * (وقال آخر: ذنوبك يا مغرور تحصى وتحسب ... وتجمع في لوح حفيظ وتكتب وقلبك في سهو ولهو وغفلة ... وأنت على الدّنيا حريص معذّب تباهي بجمع المال من غير حلّه ... وتسعى حثيثا في المعاصي وتذنب أما تذكر الموت المفاجيك في غد ... أما أنت من بعد السّلامة تعطب ) * «5» . من مضار (العصيان) (1) حرمان العلم، فإنّ العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفأ ذلك النّور. (2) حرمان الرّزق، فكما أنّ التّقوى مجلبة للرّزق، فترك التّقوى مجلبة للفقر. (3) حرمان الطّاعة، فلو لم يكن للذّنب عقوبة إلّا أن يصدّ عن الطّاعة لكان في ذلك كفاية من الحرمان. (4) أنّ المعاصي توهن القلب والبدن. (5) أنّ المعاصي تقصّر العمر، وتمحق البركة. (6) أنّ المعاصي تزرع أمثالها، ويولّد بعضها بعضا.   (1) زاد المسير لابن الجوزي (9/ 116- 117) . (2) الجواب الكافي، لابن القيم (30) . (3) آثار المعاصي (10) . (4) بصائر ذوي التمييز (3/ 20) . (5) ديوان محمد بن عثيمين (20) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5009 (7) أنّ الذّنوب تضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التّوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من القلب إرادة التّوبة بالكلّيّة. (8) أنّ كلّ معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمّة من الأمم الّتي أهلكها الله- عزّ وجلّ-. (9) أنّ المعصية سبب لهوان العبد على ربّه. (10) أنّ غير المذنب من النّاس والدوابّ يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذّنوب والظّلم. (11) أنّ العبد لا يزال يرتكب الذّنب حتّى يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك، فإنّ الذّنب كلّما صغر في عين العبد عظم عند الله. (12) أنّ المعصية تورث الذّلّ، والعزّ كلّ العزّ في طاعة الله. (13) أنّ المعاصي تفسد العقل، فإنّ للعقل نورا، والمعصية تطفأ نور العقل، وإذا طفىء نوره ضعف ونقص. (14) أنّ الذّنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، قال الله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين/ 14) . (15) أنّ الذنوب تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزّروع والثمار والمساكن، قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم/ 41) . (16) ذهاب الحياء الّذي هو مادّة حياة القلب، وهو أصل كلّ خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه، وقد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الحياء خير كلّه» رواه البخاريّ ومسلم. (17) أنّ الذنوب دليل ضعف إيمان العبد، وجرأته على ارتكاب المعاصي دليل على ظلمة قلبه، وانعدام بصيرته، وحرمانه من توقير ربّه سبحانه وتعالى واستشعار عظمته. (18) أنّها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه. وهناك الهلاك الّذي لا يرجى معه نجاة. (19) أنّ الذّنوب تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه ثواب المحسنين، فإنّ الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي. (20) أنّها تزيل النّعم وتحلّ النّقم، فما زالت عن العبد نعمة إلّا بذنب ولا حلّت به نقمة إلّا بذنب، قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «ما نزل بلاء إلّا بذنب وما رفع إلّا بتوبة» . قال تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (الشورى/ 30) . وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (الأنفال/ 53) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5010 عقوق الوالدين العق لغة: العقّ مصدر عقّه يعقّه عقّا: شقّه. يقول الخليل: أصل العقّ الشّقّ. قال: وإليه يرجع العقوق. والعقوق: قطيعة الوالدين، وكلّ ذي رحم. يقال: عقّ أباه فهو يعقّه عقّا، وعقوقا، وفي الحديث «ذق عقق» أي ذق جزاء فعلك يا عاقّ، قاله بعضهم لحمزة- رضي الله عنه- وهو مقتول أراد ذق يا عاقّ قريبه، كما قتلت يوم بدر من قومك- يعني كفّار قريش-، وعقق معدول عن عاقّ للمبالغة مثل غدر من غادر، وفسق من فاسق، وعقّ الولد أباه عقوقا من باب قعد إذا عصاه، وترك الإحسان إليه فهو عاقّ والجمع عققة، وأعقّ فلان إذا جاء بالعقوق. ويقولون أيضا: العقوق ثكل من لم يثكل أي إنّ من عقّه ولده فكأنّه ثكلهم وإن كانوا أحياء، والمعقّة: العقوق. والعقيقة: الذّبيحة الّتي تذبح عن المولود من هذا المعنى أي الشّقّ والقطع لأنّها يشقّ حلقها، وفي الحديث أنّه صلّى الله عليه وسلّم: «عقّ عن الحسن والحسين» ، وقيل هي مأخوذة من العقيقة بمعنى الشّعر الّذي يخرج على رأس المولود من بطن أمّه لأنّه يحلق. وقال ابن منظور: عقّه يعقّه عقّا فهو معقوق، الآيات/ الأحاديث/ الآثار 3/ 12/ 8 وعقيق: شقّه، وعقّ والده: شقّ عصا طاعته. وعقّ والديه: قطعهما ولم يصل رحمه منهما، وقد يعمّ لفظ العقوق جميع الرّحم (أي ذوي القرابة) . وأعقّ فلان إذا جاء بالعقوق. وفي المثل: أعقّ من ضبّ. قال ابن الأعرابيّ: إنّما يريد به الأنثى وعقوقها أنّها تأكل أولادها، وقال ابن السّكّيت (في قول الشّاعر) : فإنّي، وما كلّفتموني بجهلكم ... ويعلم ربّي من أعقّ وأحوبا قال: أعقّ جاء بالعقوق، وأحوب جاء بالحوب (أي الإثم) . والعقق أيضا: قاطعو الأرحام. ويقال: عاققت فلانا أعاقّه عقاقا إذا خالفته. قال ابن برّيّ: وفي الحديث: أنّه صلّى الله عليه وسلّم نهى عن عقوق الأمّهات، وهو ضدّ البرّ، وأصله من العقّ: الشّقّ والقطع، وإنّما خصّ الأمّهات. وإن كان عقوق الآباء وغيرهم من ذوي الحقوق عظيما لأنّ لعقوق الأمّهات مزيّة في القبح «1» . عقوق الوالدين اصطلاحا: هو صدور ما يتأذّى به الوالد من ولده من قول   (1) مقاييس اللغة (4/ 5) ، الصحاح للجوهري (4 (1528) ، ولسان العرب لابن منظور (10/ 256، 257) (ط. بيروت) المصباح المنير (422) ، النهاية لابن الأثير (3/ 277) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5011 أو فعل إلّا في شرك أو معصية ما لم يتعنّت الوالد. وقال ابن الصّلاح- رحمه الله-: العقوق المحرّم كلّ فعل يتأذّى به الوالد أو نحوه تأذّيا ليس بالهيّن مع كونه ليس من الأفعال الواجبة «1» . وقال كعب الأحبار- وقد سئل عن عقوق الوالدين ما هو؟ قال: هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمّه لم يبرّ قسمهما، وإذا أمراه بأمر لم يطع أمرهما، وإذا سألاه شيئا لم يعطهما، وإذا ائتمناه خانهما «2» . وهذه لا شكّ بعض مظاهر العقوق، وقد بقيت مظاهر أخرى منها: إلحاق الأذى بهما وسبّهما ونحو ذلك. وقال ابن حجر: العقوق أن يحصل لهما أو لأحدهما إيذاء ليس بالهيّن عرفا «3» . ضابط العقوق: قال ابن حجر: هو أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غير والديه كان محرّما من جملة الصّغائر فينتقل بالنّسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر، أو يخالف أمر والديه أو أحدهما فيما يدخل فيه الخوف على الولد من فوات نفسه أو عضو من أعضائه ما لم يتّهم الوالد في ذلك، أو أن يخالف في سفر يشقّ على الوالد وليس بفرض على الولد، أو يخالف في غيبة طويلة فيما ليس بعلم نافع ولا كسب «4» وقد شرح- رحمه الله- هذا الضّابط بما لا يتّسع له المقام هنا، فليرجع إليه من شاء في موضعه من كتاب الزّواجر «5» . حكم العقوق: أجمع العلماء على أنّ عقوق الوالدين أو أحدهما من الكبائر، وقد ذكر الإمامان: الذّهبيّ وابن حجر أدلّة عديدة على ذلك من الكتاب والسّنّة وقد جاء في الحديث الصّحيح أنّ هذا العقوق ليس فقط كبيرة فحسب، ولكنّه من أكبر الكبائر (انظر الحديث الأوّل من الصّفة) ، وقال الذّهبيّ معقّبا على هذا الحديث: انظر كيف قرن الإساءة إليهما وعدم البّرّ بهما والإحسان إليهما بالإشراك «6» . وقال ابن حجر ما خلاصته: من الكبائر عقوق الوالدين أو أحدهما وإن علا، ولو مع وجود من هو أقرب إليهما منه، وقال بعد أن ذكر الايات الدّالّة على ذلك: وقد جاء في السّنّة من التأكيد على ذلك ما لا تحصى كثرته ولا تحدّ غايته، وبعد أن ذكر طرفا من ذلك قال: عدّ العقوق من الكبائر هو ما اتّفقوا عليه، وردّ على الحليميّ رأيا له في ذلك خلاصته: أنّ العقوق كبيرة فإن كان معه نحو سبّ ففاحشة، وإن كان عقوقه هو استثقاله لأمرهما ونهيهما والعبوس في وجههما، والتّبرّم بهما مع بذل الطّاعة ولزوم الصّمت فصغيرة، وإن كان ما يأتيه من ذلك يلجئهما إلى أن ينقبضا فيتركا أمره ونهيه ويلحقهما من ذلك ضرر فهو كبيرة. وقد ردّ ابن حجر على ذلك بأنّ ما عدّه من   (1) فتح الباري لابن حجر (10/ 406) ، ودليل الفالحين (2/ 178) . (2) الكبائر للذهبي (41) . (3) الزواجر (459) . (4) المرجع السابق (460) . (5) المرجع السابق (460- 462) . (6) الكبائر للذهبي (40) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5012 الصّغائر فيه إلحاق الأذى بهما عرفا، لأنّ العبرة بالمتأذّي، ومادام ذلك عقوقا فهو من الكبائر، لكن لو كان الوالدان أو أحدهما في غاية الحمق أو سفاهة العقل فأمر أو نهى ولده بما لا يعدّ مخالفته له في العرف عقوقا، فإنّ الولد لا يفسق بالمخالفة حينئذ لعذره، فلو كان الولد متزوّجا بمن يحبّها فأمره بطلاقها فلم يمتثل أمره لا إثم عليه «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الجحود- القسوة قطيعة الرحم- نكران الجميل- الإعراض- سوء المعاملة- الإساءة- سوء الخلق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: بر الوالدين- البر- الإحسان- الرحمة- المحبة- الكلم الطيب- حسن العشرة- حسن المعاملة- الشفقة- الرفق- الاعتراف بالفضل- الحنان- اللين] . الآيات الواردة في «عقوق الوالدين» معنى 1- * وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) «2» 2- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) «3» 3- وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) «4»   (1) الزواجر (451- 461) . (2) الإسراء: 23 مكية (3) الكهف: 80- 81 مكية (4) الأحقاف: 17 مكية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5013 الأحاديث الواردة في ذمّ (عقوق الوالدين) 1- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ثلاثا: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» ،- وكان متّكئا فجلس. فقال: «ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور. ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور» . فما زال يقولها حتّى قلت: لا يسكت) * «1» . 2- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات «2» ومنعا وهات «3» وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» ) * «4» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ينظر الله- عزّ وجلّ- إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، والمرأة المترجّلة، والدّيّوث. وثلاثة لا يدخلون الجنّة: العاقّ لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنّان بما أعطى» ) * «5» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكبائر: الإشراك الله، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، واليمين الغموس «6» » ) * «7» . الأحاديث الواردة في ذمّ (عقوق الوالدين) معنى 5- * (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احضروا المنبر» فحضرنا، فلمّا ارتقى درجة، قال: «آمين» ، فلمّا ارتقى الدّرجة الثّانية، قال: «آمين» ، فلمّا ارتقى الدّرجة الثالثة، قال: «آمين» ، فلمّا نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنّا نسمعه قال: «إنّ جبريل- عليه الصّلاة والسّلام- عرض لي فقال: بعدا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له. قلت: آمين، فلمّا رقيت الثّانية قال: بعدا لمن ذكرت عنده فلم يصلّ عليك، قلت: آمين، فلمّا رقيت الثّالثة قال: بعدا لمن أدرك أبواه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنّة. قلت: آمين» ) * «8» . 6- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ   (1) البخاري- الفتح 10 (5976) واللفظ له، ومسلم (87) . (2) وأد البنات: دفنهن أحياء تحت التراب. (3) منعا وهات: أي يمنع الرجل ما توجب عليه من الحقوق. أو يطلب ما لا يستحق. (4) البخاري- الفتح 10 (5975) ، ومسلم (1715) واللفظ له. (5) النسائي (5/ 80) وقال الألباني: حديث حسن صحيح: صحيح سنن النسائي (2402) ، والهيثمي في المجمع (8/ 147، 148) ، وقال: رواه البزار بإسنادين ورجالهما ثقات. (6) اليمين الغموس: التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار. (7) البخاري- الفتح 11 (6675) . (8) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 154) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5014 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «احفظ ودّ أبيك لا تقطعه فيطفىء الله نورك» ) * «1» . 7- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله، إنّي جئت أريد الجهاد معك أبتغي وجه الله والدّار الآخرة ولقد أتيت وإنّ والديّ ليبكيان. قال: «فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما» ) * «2» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرّجل والديه» . قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرّجل والديه؟ قال: «يسبّ الرّجل أبا الرّجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه» ) * «3» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهنّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» ) * «4» . 10- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رضا الرّبّ في رضا الوالد، وسخط الرّبّ في سخط الوالد» ) * «5» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رغم أنف «6» ، ثمّ رغم أنف، ثمّ رغم أنف.» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنّة» ) * «7» . 12- * (عن أبي الطّفيل، عامر بن واثله. قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ قال: فغضب «8» وقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليّ شيئا يكتمه النّاس. غير أنّه قد حدّثني بكلمات أربع. قال: فقال: ما هنّ؟ يا أمير المؤمنين، قال: قال: «لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله. ولعن الله من آوى محدثا «9» . ولعن الله من غيّر منار الأرض «10» » ) * «11» .   (1) الهيثمي في المجمع (8/ 147) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. (2) ابن ماجة (2782) وصححه الألباني: صحيح ابن ماجة (2242) ، والحاكم في المستدرك (4/ 152) وقال هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي واللفظ متفق عليه عندهما. (3) البخاري- الفتح 10 (5973) واللفظ له، ومسلم (90) . (4) الترمذي (1905) ، وأبو داود (1536) ، وابن ماجه (3862) وحسنه الألباني: صحيح ابن ماجة (3116) واللفظ متفق عليه عندهما. (5) الترمذي (1899) وصححه الألباني. صحيح الترمذي (1549) والحاكم في المستدرك (4/ 152) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (6) رغم أنف: الرغام: التراب، ورغم أنفه: أي لصقه بالتراب، والمقصود الدعاء عليه بالذل. (7) مسلم (2551) . (8) فغضب: فيه إبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة والامامية من الوصية إلى علي رضي الله عنه. وغير ذلك من اختراعاتهم. (9) محدثا: المحدث هو من يأتي بفساد في الأرض. (10) منار الأرض: المراد علامات حدودها. (11) مسلم (1978) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5015 من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (عقوق الوالدين) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسبا إلّا فتح له الله بابين (يعني من الجنّة) وإن كان واحد، فواحد. وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتّى يرضى عنه قيل: وإن ظلماه، قال: وإن ظلماه» ) * «1» . 2- * (عن طيسلة بن ميّاس قال: كنت مع النّجدات فأصبت ذنوبا لا أراها إلّا من الكبائر. فذكرت ذلك لابن عمر قال: «ما هي؟» قلت: كذا وكذا. قال: «ليست هذه من الكبائر. هي تسع: الإشراك بالله، وقتل النّسمة بغير حلّها، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم ظلما، وإلحاد في المسجد الحرام، والّذي يستسخر «2» ، وبكاء الوالدين من العقوق» قال طيسلة- لمّا رأى ابن عمر فرقي «3» قال: أتخاف النّار أن تدخلها؟ قلت: نعم. قال وتحبّ أن تدخل الجنّة؟ قلت: نعم. قال: «أحيّ والداك؟» قلت: عندي أمّي. قال: «فو الله لو ألنت لها الكلام «4» ، وأطعمتها الطّعام لتدخلنّ الجنّة، ما اجتنبت الكبائر» ) * «5» . 3- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- لابن مهران: «لا تأتينّ أبواب السّلاطين وإن أمرتهم بمعروف أو نهيتهم عن منكر، ولا تخلونّ بامرأة وإن علّمتها سورة من القرآن، ولا تصحبنّ عاقّا؛ فإنّه لن يقبلك وقد عقّ والديه» ) * «6» . 4- * (عتب أميّة بن أبي الصّلت على ابنه يوما وقد ضنّ عليه في الإنفاق بعدما هرم وشاخ فقال له: غذوتك مولودا وعلتك يافعا ... تعلّ بما أدني إليك وتنهل إلى أن قال: فليتك إذ لم ترع حقّ أبوّتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل ) * «7» . 5- * (قال الأصمعيّ: «حدّثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحيّ أطلب أعقّ النّاس، وأبرّ النّاس، فكنت أطوف بالأحياء، حتّى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحرّ شديد وخلفه شاب في يده رشاء «8» من قدّ «9» ملويّ يضربه به، قد شقّ ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتّقي الله في هذا الشّيخ الضّعيف؟ أما   (1) هو في مشكاة المصابيح (3/ 4943) باب الأدب رقم (25) بلفظ قريب منه. (2) والذي يستسخر: الاستسخار من السخرية، وهو الاستهزاء من إنسان والضحك والاضحاك منه. (3) فرقي: الفرق: الخوف والفزع. (4) ألنت لها الكلام: أي خفضت صوتك، وكلمتها باللطف وعذوبة اللسان. (5) أخرجه الطبري في التفسير (4/ 42) ، وعبد الرزاق الخرائطي في مساوىء الأخلاق (102، 257) . (6) المستطرف (2/ 256) . (7) الأغاني (3/ 191) . (8) الرشاء: الحبل. (9) القد: السوط، وهو في الأصل سير يقد أي يقطع من جلد مدبوغ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5016 يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتّى تضربه؟ قال: إنّه مع هذا أبي. قلت: فلا جزاك الله خيرا. قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وهكذا كان يصنع أبوه بجدّه. فقلت: هذا أعقّ النّاس» ) * «1» . 6- * (ذكر الأصمعيّ، قال: «أخبرني بعض العرب أنّ رجلا كان في زمن عبد الملك بن مروان يقال له (منازل) وكان له أب كبير، يقال له (فرعان) وكان الشّابّ عاقّا لأبيه، فقال الشّيخ: جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنجز الدّين طالبه ثمّ ابتلي (منازل) بابن يقال له (جليح) عقّه في عمره فقال: تظلّمني مالي جليح وعقّني ... على حين كانت كالحنيّ عظامي فأراد الوالي ضربه، فقال الابن للوالي: لا تعجل عليّ، هذا منازل بن فرعان الّذي يقول فيه أبوه: جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنجز الدّين طالبه فقال الوالي: يا هذا عققت وعققت) * «2» . 7- * (عن ربيعة، قال: «إذا فاض العلم فيضا، وكان المولود لوالده غيظا، والشّتاء قيظا، والحكم حيفا أتاكم الدّجّال يزيف زيفا» ) * «3» . 8- * (عن عبيد بن جريج أنّه سئل: ما العقوق فيما أنزل الله على موسى؟ قال: «إذا أمر الوالد ولده بشيء فلم يطعه فقد عاقّه، وإذا الوالد اشتكى إلى الله ما يلقى من ولده، فقد عاقّه العقوق كلّه» ) * «4» . من مضار (عقوق الوالدين) (1) العاقّ كافر بنعمة الله- سبحانه وتعالى- وبإحسان والديه. (2) العقوق يبعد عن رضوان الله. (3) العقوق كبيرة توجب العقوبة في يوم الجزاء. (4) العقوق يحدث زعزعة في المجتمع، فمن لا يبرّ والديه لا يبرّه أبناؤه ولا يبرّ جيرانه ومجتمعه. (5) يبعد المجتمع من دائرة الأمن والأمان. (6) العاقّ يلقى جزاء عقوقه في الدّنيا كما حدث بين منازل وابنه (الأثرين 5، 6) . (7) عقوق الوالدين يذهب إشراقة الوجه ويطفىء نوره (الحديث رقم 6) . (8) العقوق يحرم العاقّ من أن ينظر الله إليه يوم القيامة (الحديث رقم 3) .   (1) مساوىء الأخلاق (252) . (2) انظر عيون الأخبار (3/ 86) . (3) مساوىء الأخلاق للخرائطي (104) . (4) المرجع السابق (103) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5017 العنف والإكراه العنف لغة: العنف مصدر عنف يعنف عنفا فهو عنيف إذا لم يترفّق في أمره، يقول ابن فارس: (العين والنّون والفاء) أصل صحيح يدلّ على خلاف الرّفق، قال الخليل: العنف ضدّ الرّفق، يقال اعتنفت الشّيء إذا كرهته ووجدت له عنفا عليك، ومشقّة «1» . والعنيف: الّذي ليس له رفق بركوب الخيل، والجمع عنف، واعتنفت الأرض: أي كرهتها «2» . وقال ابن منظور: الخرق بالأمر وقلّة الرّفق به، وهو ضدّ الرّفق: عنف به وعليه يعنف عنفا وعنافة، وأعنفه وعنّفه تعنيفا، وهو عنيف إذا لم يكن رفيقا في أمره. واعتنف الأمر: أخذه بعنف. وفي الحديث: «إنّ الله تعالى يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف» ، هو بالضّمّ، الشّدّة والمشقّة، وكلّ ما في الرّفق من الخير ففي العنف من الشّرّ مثله. والتّعنيف: التّعيير واللّوم. وفي الحديث: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يعنّفها» ، معناه: أي لا الآيات/ الأحاديث/ الآثار 5/ 13/ 2 يجمع عليها بين الحدّ والتّوبيخ. وأعنف الشّيء أخذه بشدّة، والعنف والعنيف المعتنف، وهو الّذي لا يترفقّ «3» . العنف اصطلاحا: قال المناويّ: العنف هو عدم الرّفق «4» ، وإذا كان قد عرّف الرّفق بأنّه حسن الانقياد لما يؤدّي إلى الجميل «5» ، فإنّ العنف يمكن تعريفه بأنّه: سوء الانقياد الّذي يؤدّي إلى القبيح. وإذا أخذنا بتعريف الكفويّ للرّفق بأنّه التّوسّط والتّلطّف في الأمر «6» فإنّ العنف يكون عبارة عن انعدام ذلك التّوسّط وفقدان هذا التّلطّف عند تناول أمر من الأمور، أو هو بعبارة أخرى التّطرّف والغلوّ المصحوبان بالفظاظة في معاملة الآخرين حتّى ولو أساءوا الأدب «7» . الإكراه لغة: الإكراه مصدر قولهم: أكرهه على الشّيء بمعنى حمله على فعل شيء هو له كاره، قال ابن منظور: يقال:   (1) المقاييس (4/ 58) . (2) الصحاح (4/ 407) . (3) لسان العرب لابن منظور (4/ 3132) ط. دار المعارف. (4) التوقيف (248) . (5) المرجع السابق (179) . (6) الكليات للكفوي (482) . (7) أخذ القيد الأخير فى التعريف مما جاء في حديث عائشة- رضي الله عنها- الذي ردت فيه على اليهود الذين أساءوا الأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (انظر الحديث رقم 1) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5018 أكرهته حملته على أمر هو له كاره «1» ، وفي المثل: أساء كاره ما عمل وذلك أنّ رجلا أكرهه آخر على عمل فأساء عمله، وامرأة مستكرهة غصبت نفسها فأكرهت على ذلك، وأمر كريه أي مكروه، ووجه كره وكريه معناه قبيح لأنّه يكره. الإكراه اصطلاحا: الإكراه: أن تنال (شيئا) بشيء من العذاب كالضّرب والخنق والعصر والحبس والغطّ في الماء مع الوعيد، أمّا الوعيد بمفرده فليس بإكراه، وقيل: هو إكراه إذا خاف القتل أو الضّرب الشّديد، وهذا قول أكثر الفقهاء «2» . وقال الإمام ابن حجر: الإكراه هو إلزام الغير بما لا يريده «3» . شروط الإكراه: للإكراه شروط ثلاثة هي:- 1- أن يكون الإكراه من قادر بسلطان أو تغلّب كاللّصّ ونحوه. 2- أن يغلب على ظنّه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه. 3- أن يكون (الوعيد) ممّا يستضرّ به ضررا كبيرا كالقتل والضّرب الشّديد والقيد والحبس الطّويلين، أمّا الشّتم والسّبّ فليسا بإكراه، وكذلك أخذ المال اليسير «4» . وأضاف ابن حجر شرطا رابعا هو: 4- أن يكون ما هدّده به فوريّا «5» . [للاستزادة: انظر صفات: القسوة- العدوان الظلم- الطغيان- البغي- الإرهاب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرفق- اللين- الشفقة- العطف- الحنان- السماحة] .   (1) انظر صفة البغض. (2) المغني (الفهارس) ص 88. (3) فتح الباري (12/ 326) . (4) المغني (الفهارس) ص 88. (5) فتح الباري (12/ 326) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5019 الآيات الواردة في «الإكراه» 1- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «1» 2- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) «2» 3- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) «3» 4- إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) «4» 5- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «5»   (1) البقرة: 256 مدنية (2) يونس: 99 مكية (3) النحل: 106 مكية (4) طه: 73 مكية (5) النور: 33 مدنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5020 الأحاديث الواردة في ذمّ (العنف) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم. فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم، قال: «مهلا يا عائشة، عليك بالرّفق وإيّاك والعنف والفحش» . قالت: أو لم تسمع ما قالوا. قال: «أو لم تسمعي ما قلت؟. رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ» ) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (العنف) معنى 2- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «2» أو حائش «3» نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «4» ، فقال: «من ربّ هذا الجمل «5» ؟. لمن هذا الجمل» . فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها، فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «6» » ) * «7» . 3- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: استأذن عمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نساء من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ، فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب. فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك. فقال عمر: أضحك الله سنّك يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» قال عمر: فأنت يا رسول الله أحقّ أن يهبن. ثمّ قال عمر: أي عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلن: نعم. أنت أغلظ وأفظّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان قطّ سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 10 (6030) واللفظ له، ومسلم (2593) . (2) هدفا: الهدف ما ارتفع من بناء ونحوه. (3) حائش: حائط وهو السور الذى يحيط بالحديقة. (4) ذفراه: ذفرى البعير الموضع الذي يعرق من قفاه. (5) من ربه: من صاحبه. (6) تدئبه: تتعبه وتشقيه. (7) أبو داود (2549) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 527) : إسناده صحيح وهو عند مسلم بدون قصة الجمل. (8) البخاري- الفتح 7 (3683) ، ومسلم (2396) واللفظ له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5021 4- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيده نحو اليمن. فقال: ألا إنّ الإيمان هاهنا. وإنّ القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين «1» . عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشّيطان. في ربيعة ومضر» ) * «2» . 5- * (عن معاوية بن الحكم السّلميّ- رضي الله عنه- قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ عطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمّياه ما شأنكم تنظرون إليّ؟. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلمّا رأيتهم يصمّتونني «3» . لكنّي سكتّ. فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فبأبي هو وأمّي ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما كهرني «4» ولا ضربني ولا شتمني. قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس. إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله إنّي حديث عهد بجاهليّة «5» . وقد جاء الله بالإسلام. وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال: «فلا تأتهم» قال: ومنّا رجال يتطيّرون. قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم «6» . فلا يصدّنّهم (قال ابن الصّبّاح: فلا يصدّنّكم) » قال: قلت: ومنّا رجال يخطّون. قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ «7» . فمن وافق خطّه فذاك» قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانيّة «8» . فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّئب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم. آسف كما يأسفون «9» . لكنّي صككتها صكّة «10» . فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها» فأتيته بها. فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السّماء. قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. قال: «أعتقها. فإنّها مؤمنة» ) * «11» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا بال في المسجد فثار إليه النّاس ليقعوا به. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا «12» من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ) * «13» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ   (1) الفدادين: المراد به البقر التى يحرث عليها، وقيل الفدان: آلة الحرث والسكة.. فتح البارى ج 6 ص 405. (2) البخاري- الفتح 6 (3302) ، ومسلم (51) واللفظ له. (3) يصمتونني: أي يسكتونني، غضبت وتغيرت. (4) كهرني: قالوا: القهر والكهر والنهر، متقاربة. أي ما قهرني ولا نهرني. (5) بجاهلية: قال العلماء: الجاهلية ما قبل ورد الشرع. سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم. (6) ذاك شيء يجدونه في صدورهم: قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة. ولا عتب عليكم في ذلك. لكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم. (7) يخط: اشارة إلى علم الرمل. (8) قبل أحد والجوانية: الجوانية بقرب أحد. موضع في شمال المدينة. (9) آسف كما يأسفون: أغضب كما يغضبون. والأسف الحزن والغضب. (10) صككتها صكة: أي ضربتها بيدي مبسوطة. (11) مسلم (537) . (12) السجل: الدلو المملوءة الكبيرة. (13) البخاري- الفتح 10 (6128) واللفظ له، ومسلم (234) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5022 رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» . ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه» . قالوا: يا رسول الله إلّا أمثل من سنّه. فقال: «أعطوه، فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء» ) * «1» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع «2» الآخر ويسترفقه «3» في شيء وهو يقول: والله لا أفعل. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما، فقال: «أين المتألّي «4» على الله لا يفعل المعروف» . قال: أنا يا رسول الله. فله أيّ ذلك أحبّ» ) * «5» . 9- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في بيتي هذا: «اللهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به» ) * «6» . 10- * (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة «7» ، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) «8» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الإكراه) معنى 11- * (عن خنساء بنت خدّام الأنصاريّة رضي الله عنها- أن أباها زوّجها وهي ثيّب فكرهت ذلك، فأتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فردّ نكاحها) «9» . 12- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الجيش الّذي يخسف بهم. فقالت أمّ سلمة: يا رسول الله! لعلّ فيهم المكره؟ قال: «إنّهم يبعثون على نيّاتهم» ) «10» . 13- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه قال: جاءت مسيكة (مسكينة) لبعض الأنصار فقالت: إنّ سيّدي يكرهني على البغاء، فنزل في ذلك وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) «11» .   (1) البخاري- الفتح 4 (2306) واللفظ له، ومسلم (1601) . (2) يستوضع: أي يطلب منه أن يضع ويسقط من دينه شيئا. (3) يسترفقه: أي يطلب منه أن يرفق به في التقاضي. (4) المتألي: أي الحالف المبالغ في اليمين. (5) البخاري- الفتح 5 (2705) ، ومسلم (1557) واللفظ له. (6) مسلم (1828) . (7) المعجمة: التي لا تنطق. (8) أبو داود (2548) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) إسناده حسن. (9) البخاري- الفتح (6945) . (10) مسلم (4065) . (11) عون المعبود 6/ 423 (حديث رقم 2294) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5023 من الآثار الواردة في ذمّ (العنف والإكراه) 1- * (عن قتادة في قوله تعالى فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ... الآية: قال: إي والله طهّره من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبا رحيما رؤوفا بالمؤمنين) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً الآية: قال: كانوا إذا مات الرّجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته، إن شاء بعضهم تزوّجها، وإن شاءوا زوّجوها وإن شاءوا لم يزوّجوها، فهم أحقّ بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك) «2» . من مضار (العنف والإكراه) (1) العنف يؤدّي إلى الحرمان من الخير. (2) ما كان العنف في شيء إلّا شانه. (3) العنف طريق موصّل إلى بغض الله ومقته. (4) العنف منبىء عن سوء النّيّة وخبث الطّويّة. (5) العنف يسبّب حذر النّاس من الشّخص العنيف وبعدهم عنه. (6) الإكراه خاصّة في مجال البغاء ينشر الرّذيلة. (7) العنف يجلب على صاحبه المشقّة ويعامله النّاس إذا فقد سلطانه وقوّته بعنف أشدّ من عنفه معهم. (8) الإكراه يؤدّي إلى ضياع الحقوق وتفكّك المجتمع. (9) العنف ينشر الكراهية والحقد بين أفراد المجتمع. (10) الإكراه يخلّ بالأمن والاستقرار ممّا يؤدّي إلى ضعف الإنتاج وانتشار الفوضى. (11) العنف والإكراه من الأمراض الاجتماعيّة الخطيرة. (12) العنف والإكراه يجلبان غضب المولى عزّ وجلّ على من يفعل ذلك.   (1) الدر المنثور للسيوطي (2/ 169) . (2) البخاري- الفتح (6948) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5024 [المجلد الحادي عشر] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الجزء: 11 محتويات المجلد الحادي عشر م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة حرف الغين 111/ الغدر/ 5025 112/ الغرور/ 5047 113/ الغش/ 5069 114/ الغضب/ 5076 115/ الغفلة/ 5098 116/ الغل/ 5109 117/ الغلو/ 5114 118/ الغلول/ 5128 119/ الغي والإغواء/ 5142 120/ الغيبة/ 5162 حرف الفاء 121/ الفتنة/ 5178 122/ الفجور/ 5219 123/ الفحش/ 5231 124/ الفساد/ 5236 125/ الفسوق/ 5261 126/ الفضح/ 5270 حرف القاف 127/ القتل/ 5284 128/ القدوة السيئة/ 5300 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 129/ القذف/ 5311 130/ القسوة/ 5323 131/ قطيعة الرحم/ 5329 132/ القلق/ 5338 133/ القنوط/ 5344 حرف الكاف 134/ الكبر والعجب/ 5352 135/ الكذب/ 5381 136/ الكرب/ 5431 137/ الكسل/ 5438 138/ الكفر/ 5443 139/ الكنز/ 5510 حرف اللام 140/ اللغو/ 5521 141/ اللهو واللعب/ 5527 142/ اللؤم/ 5540 حرف الميم 143/ المجاهرة بالمعصية/ 5547 144/ المكر والكيد/ 5556 145/ المن/ 5563 146/ موالاة الكفار/ 5570 الجزء: 11 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 147/ الميسر/ 5583 حرف النون 148/ النجاسة/ 5589 149/ النجوى/ 5598 150/ النفاق/ 5604 151/ نقض العهد/ 5631 152/ النقمة/ 5645 153/ نكران الجميل/ 5653 154/ النميمة/ 5665 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة حرف الهاء 155/ الهجاء/ 5672 156/ الهجر/ 5681 157/ هجر القرآن/ 5691 حرف الواو 158/ الوسوسة/ 5701 159/ الوهم/ 5710 160/ الوهن/ 5714 حرف الياء 161/ اليأس/ 5724 الجزء: 11 [ حرف الغين ] الغدر الغدر لغة: الغدر: مصدر غدر يغدر غدرا، وهو الإخلال بالشّيء وتركه، يقول ابن فارس: الغين والدّال والرّاء أصل صحيح يدلّ على ترك الشّيء، من ذلك الغدر: نقض العهد، وترك الوفاء به، ويقولون في الذّمّ يا غدر، وغدر به فهو غادر وغدر أيضا، وأكثر ما يستعمل هذا في النّداء بالشّتم، يقال يا غدر، وفي الحديث: «يا غدر ألست أسعى في غدرتك» ويقال في الجمع يالغدر، وغدرت اللّيلة بالكسر تغدر غدرا، أي أظلمت، فهي غدرة، وأغدرت فهي مغدرة. ويقول الرّاغب: والغدر يقال لترك العهد، ومنه قيل فلان غادر، وجمعه غدرة، وغدّار، كثير الغدر. وغدر الرّجل غدرا وغدرانا، وقالوا: الذّئب غادر، أي لا عهد له، كما قالوا الذّئب فاجر. والمغادرة: التّرك، وأغدر الشّيء، تركه وبقّاه، والغدرة: ما أغدر من شيء وهي الغدارة. وقال ابن منظور: الغدر ضدّ الوفاء بالعهد. وقال غيره: الغدر ترك الوفاء. غدره وغدر به يغدر غدرا. تقول: غدر إذا نقض العهد، ورجل غادر وغدّار وغدير وغدور، وكذلك الأنثى بغير هاء، وغدر، وأكثر ما يستعمل هذا في النّداء في الشّتم يقال: يا غدر ويقال في الجمع: يالغدر. وفي حديث الحديبية؛ قال عروة بن مسعود للمغيرة: يا غدر، وهل غسلت غدرتك إلّا بالأمس؟ قال ابن الأثير: غدر معدول عن غادر للمبالغة، ويقال للذّكر غدر والأنثى غدار كقطام، وهما مختصّان بالنّداء في الغالب؛ ومنه حديث عائشة: قالت للقاسم: اجلس غدر أي يا غدر فحذفت حرف النّداء. وفي الحديث: بين يدي السّاعة سنون غدّارة يكثر المطر ويقلّ النّبات. هي فعّالة من الغدر أي تطمعهم في الخصب بالمطر ثمّ تخلف فجعل ذلك غدرا منها «1» . الغدر اصطلاحا: قال الجاحظ: هو الرّجوع عمّا يبذله الإنسان من نفسه ويضمن الوفاء به، وهو خلق مستقبح، وإن كان يصاحبه فيه منفعة، وهو بالملوك والرّؤساء أقبح، ولهم أضرّ «2» . وقال المناويّ: الغدر: نقض العهد والإخلال بالشّيء وتركه «3» .   (1) مقاييس اللغة (4/ 413) ، والصحاح (2/ 766) ، المفردات (358) ، ولسان العرب (5/ 8) ط. بيروت، ومختار الصحاح (469) . (2) تهذيب الأخلاق (30) . (3) التوقيف (250) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5025 حكم الغدر: عدّ الإمام ابن حجر الغدر ضمن الكبائر، وقد عدّ معه القتل والظّلم لمن له أمان أو ذمّة أو عهد، وقال: عدّ هذه الثّلاثة هو صريح الأحاديث وهو ظاهر، وبه قدح بعضهم فى قتل المعاهد وعدّه في الغدر، وقد جاء عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه عدّ من الكبائر نكث الصفقة أي الغدر بالمعاهد «1» . وإلى مثل هذا ذهب الإمام الذّهبيّ فعدّ الغدر وعدم الوفاء بالعهد الكبيرة الخامسة والأربعين، وذكر من الشّواهد القرآنية والأحاديث ما يؤيّد ذلك «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الخيانة- الجحود العدوان- نقض العهد- اللؤم- شهادة الزور- النفاق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الوفاء- الصدق المسئولية- الأمانة- إقامة الشهادة] . الآيات الواردة في (الغدر) معنى انظر: صفة (نقض العهد)   (1) الزواجر (614) . (2) انظر ذلك مفصلا فى «الكبائر» (168) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5026 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغدر) 1- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك- وهو في قبّة من أدم- فقال: «اعدد ستّا بين يدي السّاعة: موتي ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «3» قال: فبينا أنا بالشّام إذ جئ بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل- يعني عظيم الرّوم- قال: وكان دحية «4» الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى «5» ، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل. فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ قالوا: نعم. قال فدعيت في نفر من قريش. فدخلنا على هرقل. فأجلسنا بين يديه فقال: أيّكم أقرب نسبا من هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا. فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي. ثمّ دعا بترجمانه «6» : فقال له: قل لهم إنّي سائل هذا عن الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ. فإن كذبني فكذّبوه، قال: فقال أبو سفيان: وايم الله لولا مخافة أن يؤثر عليّ الكذب «7» لكذبت. ثمّ قال لترجمانه: سله. كيف حسبه فيكم؟ قال قلت: هو فينا   (1) البخاري- الفتح 6 (3176) . (2) البخاري- الفتح 1 (34) واللفظ له، ومسلم (58) . (3) في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يعني الصلح يوم الحديبية. وكانت الحديبية في أواخر سنة ست من الهجرة. (4) دحية: هو بكسر الدال وفتحها. لغتان مشهورتان. اختلف في الراجحة منهما. وادعى ابن السكيت أنه بالكسر لا غير. وأبو حاتم السجستاني، أنه بالفتح لا غير. (5) بصرى: هي مدينة حوران. ذات قلعة وأعمال قريبة من طرف البرية التي بين الشام والحجاز. والمراد بعظيم بصرى، أميرها. (6) بترجمانه: هو بضم التاء وفتحها. والفتح أفصح. وهو المعبر عن لغة بلغة أخرى التاء فيه أصلية. وأنكروا على الجوهري كونه جعلها زائدة. (7) لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب: معناه: لولا خفت أن رفقتي ينقلون عني الكذب الى قومي، ويتحدثون به في بلادي، لكذبت عليه. لبغضي إياه ومحبتي نقصه. وفي هذا بيان أن الكذب قبيح في الجاهلية. كما هو قبيح في الإسلام. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5027 ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: ومن يتّبعه؟ أشراف النّاس «1» أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قال قلت: لا. بل يزيدون. قال: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قال: قلت: لا. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إيّاه؟ قال قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالا «2» ؛ يصيب منّا ونصيب منه. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو صانع فيها. قال: فو الله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه. قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قال قلت: لا. قال لترجمانه: قل له: إنّي سألتك عن حسبه فزعمت أنّه فيكم ذو حسب. وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها. وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك عن أتباعه: أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرّسل. وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا. فقد عرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على الله. وسألتك: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ فزعمت أن لا. وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب «3» . وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون. وكذلك الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنّكم قد قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا. ينال منكم وتنالون منه. وكذلك الرّسل تبتلى «4» ثمّ تكون لهم العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا. وكذلك الرّسل لا تغدر. وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله، قلت رجل ائتمّ بقول قيل قبله. قال: ثمّ قال: بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة والعفاف «5» ، قال: إن يكن ما تقول فيه   (1) أشراف الناس: يعني بأشرافهم، كبارهم وأهل الأحساب فيهم. فيه إسقاط همزة الاستفهام. (2) سجالا: أي نوبا. نوبة لنا ونوبة له. قالوا: وأصله أن المستقيين بالسجل، وهي الدلو الملأى، يكون لكل واحد منهما سجل. (3) بشاشة القلوب: يعني انشراح الصدور. وأصلها اللطف بالإنسان عند قدومه وإظهار السرور برؤيته. يقال بش به وتبشبش. (4) وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة: معناه يبتليهم الله بذلك ليعظم أجرهم بكثرة صبرهم، وبذلهم وسعهم في طاعة الله تعالى. (5) والصلة والعفاف: أما الصلة فصلة الأرحام وكل ما أمر الله به أن يوصل. وذلك بالبر والإكرام وحسن المراعاة. وأما العفاف فالكف عن المحارم وخوارم المروءة. قال صاحب المحكم: العفة الكف عما لا يحل ولا يحمد. قال: عف يعف عفة وعفافا وعفافة. وتعفف واستعف. ورجل عف وعفيف. والأنثى عفيفة. وجمع العفيف أعفة وأعفاء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5028 حقّا فإنّه نبيّ. وقد كنت أعلم أنّه خارج، ولم أكن أظنّه منكم. ولو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه، لأحببت لقاءه. ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. وليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ. قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «1» فقرأه. فإذا فيه «بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام «2» أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «3» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. (آل عمران/ 64) » فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللّغط «4» . وأمر بنا فأخرجنا. قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة «5» إنّه ليخافه ملك بني الأصفر «6» . قال: فما زلت موقنا   (1) بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: في هذا الكتاب جمل من القواعد وأنواع من الفوائد منها: دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم. وهذا الدعاء واجب. والقتال قبله حرام إن لم تكن بلغتهم دعوة الإسلام. ومنها استحباب تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا. ومنها التوقي في الكتابة واستعمال الورع فيها، فلا يفرّط ولا يفرط. ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إلى هرقل عظيم الروم، ولم يقل: ملك الروم، لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام. ولم يقل: إلى هرقل فقط. بل أتى بنوع من الملاطفة فقال: عظيم الروم. أي الذي يعظمونه ويقدمونه. وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام. فقال تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ. وقال تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً. ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة. ومنها البيان الواضح أن من كان سببا لضلالة، أو سبب منع من هداية كان آثما. لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين» . ومنها استحباب أما بعد في الخطب والمكاتبات. (2) بدعاية الإسلام: أي بدعوته، وهي كلمة التوحيد. وقال في الرواية الأخرى: أدعوك بداعية الاسلام وهي بمعنى الأولى. ومعناها الكلمة الداعية إلى الإسلام. قال القاضي: ويجوز أن تكون داعية هنا بمعنى دعوة، كما في قوله تعالى: لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ. أي كشف. (3) الأريسيين: هكذا وقع في هذه الرواية الأولى، في مسلم: الأريسيين. وهو الأشهر في روايات الحديث وفي كتب أهل اللغة. وعلى هذا اختلف في ضبطه على أوجه: أحدها بياءين بعد السين. والثاني بياء واحدة بعد السين. وعلى هذين الوجهين الهمزة مفتوحة والراء مكسورة مخففة. والثالث: الإريسين، بكسر الهمزة وتشديد الراء وبياء واحدة بعد السين. ووقع في الرواية الثانية في مسلم، وفي أول صحيح البخاري: إثم اليريسيين، بياء مفتوحة في أوله وبياءين بعد السين. واختلفوا في المراد بهم على أقوال: أصحها وأشهرها أنهم الأكارون، أي الفلاحون والزراعون. ومعناه إن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك. ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب، ولأنهم أسرع انقيادا. فاذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا. وهذا القول هو الصحيح. الثاني أنهم اليهود والنصارى، وهم أتباع عبد الله بن أريس الذي تنسب إليه الأروسية من النصارى، ولهم مقالة في كتب المقالات. ويقال لهم: الأروسيون. الثالث أنهم الملوك الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها. (4) اللغط: هو بفتح الغين وإسكانها، وهي الأصوات المختلطة. (5) لقد أمر أمر ابن أبي كبشة: أما أمر فبفتح الهمزة وكسر الميم، أي عظم. وأما قوله: ابن أبي كبشة، فقيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى، ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها. فشبهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم به لمخالفته إياهم في دينهم، كما خالفهم ابن أبي كبشة. (6) بنو الأصفر: هم الروم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5029 بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام» ) * «1» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رعلا وذكوان وعصيّة وبني لحيان استمدّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عدوّ، فأمدّهم بسبعين من الأنصار- كنّا نسمّيهم القرّاء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنّهار، ويصلّون باللّيل- حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقنت شهرا يدعو في الصّبح على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان. قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا ثمّ إنّ ذلك رفع: «بلّغوا عنّا قومنا، أنّا لقينا ربّنا فرضي عنّا وأرضانا. وعن قتادة عن أنس بن مالك حدّثه: «أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قنت شهرا في صلاة الصّبح يدعو على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان» . زاد خليفة: «حدّثنا ابن زريع حدّثنا سعيد عن قتادة حدّثنا أنس أنّ أولئك السّبعين من الأنصار قتلوا ببئر معونة» ) * «2» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر «3» ؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم ترونه كذلك «4» . يجمع الله النّاس يوم القيامة. فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه. فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس. ويتّبع من كان يعبد القمر القمر. ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت «5» الطّواغيت. وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها. فيأتيهم الله تبارك وتعالى، في صورة غير صورته الّتي يعرفون. فيقول أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا.   (1) البخاري- الفتح 1 (7) ، ومسلم (1773) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 7 (4090) واللفظ له. ومسلم (677) . (3) هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر. وفي الرواية الأخرى هل تضامون: وروى تضارون بتشديد الراء وبتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما. ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه، كما تفعلون أول ليلة من الشهر. ومعنى المخفف هل يلحقكم في رؤيته ضير، وهو الضرر وروي أيضا تضامون بتشديد الميم وتخفيفها. فمن شددها فتح التاء، ومن خففها ضم التاء. ومعنى المشدد هل تتضامون وتتلطفون في التوصل الى رؤيته. ومعنى المخفف هل يلحقكم ضيم، وهو المشقة والتعب. ومعناه لا يشتبه عليكم وترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا في رؤيته. (4) فإنكم ترونه كذلك: معناه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك والمشقة. (5) الطواغيت: هو جمع طاغوت. قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة: الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى. قال الواحدي: الطاغوت يكون واحدا وجمعا. ويؤنث ويذكر. قال الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، فهذا في الواحد. وقال تعالى في الجمع: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ. وقال في المؤنث: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها. قال في المصباح: وهو في تقدير فعلوت بفتح العين. لكن قدمت اللام موضع العين. واللام واو محركة مفتوح ما قبلها فقلبت ألفا. فبقى في تقدير فعلوت، وهو من الطغيان قاله الزمخشري. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5030 فإذا جاء ربّنا عرفناه. فيأتيهم الله تعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا فيتّبعونه. ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم «1» فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز «2» . ولا يتكلّم يومئذ إلّا الرّسل ودعوى الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم، سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «3» . هل رأيتم السّعدان؟» قالوا: نعم. يا رسول الله. قال: «فإنّها مثل شوك السّعدان، غير أنّه لا يعلم ما قدر عظمها إلّا الله، تخطف النّاس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله «4» ، ومنهم المجازى حتّى ينجّى. حتّى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النّار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممّن أراد الله تعالى أن يرحمه ممّن يقول لا إله إلّا الله. فيعرفونهم في النّار. يعرفونهم بأثر السّجود. تأكل النّار من ابن آدم إلّا أثر السّجود. حرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود. فيخرجون من النّار وقد امتحشوا «5» فيصبّ عليهم ماء الحياة، فينبتون منه «6» كما تنبت الحبّة في حميل السّيل «7» . ثمّ يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد. ويبقى رجل مقبل بوجهه على النّار. وهو آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة. فيقول: أي ربّ، اصرف وجهي عن النّار. فإنّه قد قشبني «8» ريحها وأحرقني ذكاؤها. فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه. ثمّ يقول الله تبارك وتعالى: هل عسيت «9» إن فعلت ذلك بك   (1) ويضرب الصراط بين ظهري جهنم: أي يمد الصراط عليها. (2) فأكون أنا وأمتي أول من يجيز: معناها يكون أول من يمضي عليه ويقطعه. يقال: أجزت الوادي وجزته، لغتان بمعنى واحد وقال الأصمعي: أجزته قطعته، وجزته مشيت فيه. (3) وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان: الكلاليب جمع كلوب وكلاب وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور، وأما السعدان فهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب. (4) بقى بعمله: ذكر القاضي أنه روى على ثلاثة أوجه: أحدها المؤمن بقى والثاني الموثق والثالث الموبق يعني بعمله. قال القاضي: هذا أصحها، وكذا قال صاحب المطالع: هذا الثالث هو الصواب. قال: وفي بقى، على الوجه الأول ضبطان أحدهما بالباء الموحدة والثاني بالياء المثناة. قال النووي: والموجود في معظم الأصول ببلادنا هو الوجه الأول. (5) امتحشوا: احترقوا. (6) فينبتون منه: معناه ينبتون بسببه. (7) كما تنبت الحبة في حميل السيل: الحبة هي بذر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول. وجمعها حبب. وحميل السيل ما جاء به السيل من طين أو غثاء، ومعناه محمول السيل. والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته. (8) قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها: قشبني معناه سمني وآذاني وأهلكني. كذا قاله الجماهير من أهل اللغة والغريب. وقال الداوديّ: معناه غير جلدي وصورتي. وأما ذكاؤها فمعناه لهبها واشتعالها وشدة وهجها. والأشهر في اللغة ذكاها مقصور. وذكر جماعات أن المد والقصر لغتان. (9) هل عسيت: لغتان: بفتح السين وكسرها. قال في الكشاف عند قوله تعالى (البقرة/ 246) هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا. وخبر عسيتم أن لا تقاتلوا. والشرط فاصل بينهما. والمعنى هل قاربتم أن لا تقاتلوا، يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون: أراد أن يقول: عسيتم أن لا تقاتلوا، بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون. وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن، وأنه صائب في توقعه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5031 أن تسأل غيره؟ فيقول: لا أسألك غيره. ويعطي ربّه من عهود ومواثيق ما شاء الله. فيصرف الله وجهه عن النّار. فإذا أقبل على الجنّة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت. ثمّ يقول: أي ربّ، قدّمني إلى باب الجنّة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت عهو دك ومواثيقك لا تسألني غير الّذي أعطيتك؟ ويلك يابن آدم ما أغدرك فيقول: أي ربّ، ويدعو الله حتّى يقول له: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزّتك، فيعطي ربّه ما شاء الله من عهود ومواثيق. فيقدّمه إلى باب الجنّة. فإذا قام على باب الجنّة انفهقت «1» له الجنّة. فرأى ما فيها من الخير والسّرور. فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثمّ يقول: أي ربّ أدخلني الجنّة. فيقول الله تبارك وتعالى له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت؟ ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك. فيقول: أي ربّ لا أكون أشقى خلقك. فلا يزال يدعو الله حتّى يضحك الله تبارك وتعالى منه. فإذا ضحك الله منه، قال ادخل الجنّة. فإذا دخلها قال الله له: تمنّه. فيسأل ربّه ويتمنّى. حتّى إنّ الله ليذكره من كذا «2» وكذا. حتّى إذا انقطعت به الأمانيّ. قال الله تعالى: ذلك لك ومثله معه. قال أبو هريرة: وذلك الرّجل آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة) * «3» . 6- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: أهدي للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنب من الطّائف فدعاني فقال: «خذ هذا العنقود فأبلغه أمّك» فأكلته قبل أن أبلغه إيّاها. فلمّا كان بعد ليال قال لي: «ما فعل العنقود؟ هل أبلغته أمّك؟» قلت: لا. قال: «فسمّاني غدر» ) * «4» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله «5» : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثمّ غدر، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) * «6» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة عينا وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاريّ جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب، حتّى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكّة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصّوا آثارهم حتّى وجدوا مأكلهم التّمر في منزل نزلوه، فقالوا: تمر يثرب، فاتّبعوا آثارهم. فلمّا حسّ بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا   (1) انفهقت: معناه انفتحت واتسعت. (2) ليذكره من كذا وكذا: معناه يقول له: تمن من الشيء الفلاني، ومن الشيء الآخر يسمي له أجناس ما يتمنى. (3) البخاري- الفتح 2 (806) . ومسلم (182) واللفظ له.. (4) ابن ماجة (3368) في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. إلا أنه في الرواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عكس ما ذكر ههنا. ففيه أنّ أمه بعثته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بقطف من عنب فأكل منه قبل أن يبلغه النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما جاء به أخذ بأذنه فقال: «يا غدر» . (5) أي في الحديث القدسي. (6) البخاري- الفتح 4 (2227) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5032 فأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت: أيّها القوم. أمّا أنا فلا أنزل في ذمّة كافر، ثمّ قال: اللهمّ أخبر عنّا نبيّك صلّى الله عليه وسلّم: فرموهم بالنّبل فقتلوا عاصما، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق. منهم خبيب وزيد بن الدّثنة ورجل آخر. فلمّا استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها. قال الرّجل الثّالث: هذا أوّل الغدر. والله لا أصحبكم؛ إنّ لي بهؤلاء أسوة. يريد القتلى فجرّروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم. فانطلق بخبيب وزيد بن الدّثنة حتّى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا- وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتّى أجمعوا قتله- فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّ بها، فأعارته، فدرج بنيّ لها وهي غافلة حتّى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب. فقال: أتخشين أن أقتله؟. ما كنت لأفعل ذلك. قالت: والله ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنّه لموثق بالحديد، وما بمكّة من ثمرة- وكانت تقول: إنّه لرزق رزقه الله خبيبا- فلمّا خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ قال لهم خبيب: دعوني أصلّي ركعتين فتركوه فركع ركعتين فقال: لولا أن تحسبوا أنّ ما بي جزع لزدت، ثمّ قال: اللهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. ثمّ أنشأ يقول: فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع ثمّ قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله. وكان خبيب هو سنّ لكلّ مسلم قتل صبرا الصّلاة. وأخبر- يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت وحين حدّثوا أنّه قتل- أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا عظيما من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظّلّة من الدّبر «1» فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا» ) * «2» . 9- * (عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا وساق معه الهدي سبعين بدنة وكان النّاس سبعمائة رجل فكانت كلّ بدنة عن عشرة، قال: وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبيّ فقال يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النّمور يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وهذا خالد بن   (1) فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر: الدبر، هو بسكون الباء: النحل، وقيل الزنابير. والظلة: السحاب. (2) البخاري- الفتح 7 (3989) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5033 الوليد في خيلهم قد قدموا إلى كراع الغميم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب. ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر النّاس؛ فإن أصابوني كان الّذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وفرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوّة؟ فماذا تظنّ قريش؟ والله إنّي لا أزال أجاهدهم على الّذي بعثني الله له حتّى يظهره الله، أو تنفرد هذه السّالفة» ، ثمّ أمر النّاس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنيّة المرار والحديبية من أسفل مكّة. قال فسلك بالجيش تلك الطّريق؛ فلمّا رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم نكصوا راجعين إلى قريش فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا سلك ثنيّة المرار بركت ناقته فقال النّاس خلأت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما خلأت، وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكّة. والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألوني فيها صلة الرّحم إلّا أعطيتهم إيّاها. ثمّ قال للنّاس انزلوا. فقالوا يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه النّاس. فأخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه فجاش بالماء بالرّواء حتّى ضرب النّاس عنه بعطن، فلمّا اطمأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشير بن سفيان. فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش إنّكم تعجلون على محمّد، وإنّ محمّدا لم يأت لقتال إنّما جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحقّه. فاتّهموهم. قال محمّد- يعني ابن إسحاق- قال الزّهريّ: وكانت خزاعة في عيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسلمها ومشركها لا يخفون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا كان بمكّة. قالوا وإن كان إنّما جاء لذلك. فلا والله لا يدخلها أبدا علينا عنوة. ولا تتحدّث بذلك العرب، ثمّ بعثوا إليه مكرز ابن حفص بن الأخيف أحد بني عامر بن لؤيّ فلمّا انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنحو ممّا كلّم به أصحابه. ثمّ رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فبعثوا إليه الحلس بن علقمة الكنانيّ. وهو يومئذ سيّد الأحابيش- فلمّا رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هذا من قوم يتألّهون فابعثوا الهدي في وجهه» فبعثوا في وجهه الهدي. فلمّا رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محلّه رجع ولم يصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إعظاما لما رأى. فقال: يا معشر قريش قد رأيت ما لا يحلّ صدّه. الهدي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محلّه، فقالوا: اجلس إنّما أنت أعرابيّ لا علم لك. فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثّقفيّ فقال: يا معشر قريش إنّي قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمّد إذا جاءكم من التّعنيف وسوء اللّفظ، وقد عرفتم أنّكم والد وإنّي ولد، وقد سمعت بالّذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثمّ جئت حتّى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتّهم. فخرج حتّى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلس بين يديه فقال: يا محمّد جمعت أوباش النّاس ثمّ جئت بهم لبيضتك لتفضّها. إنّها قريش قد خرجت معها العوذ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5034 المطافيل. قد لبسوا جلود النّمور يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا. وايم الله لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. قال: وأبوبكر الصّدّيق- رضي الله تعالى عنه- خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد فقال: امصص بظر اللّات. أنحن ننكشف عنه؟ قال: من هذا يا محمّد؟ قال: هذا ابن أبي قحافة. قال: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ولكن هذه بها. ثمّ تناول لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحديد- قال يقرع يده ثمّ قال: امسك يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل- والله- لا تصل إليك. قال: ويحك ما أفظّك وأغلظك؟ قال: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: من هذا يا محمّد؟ قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال؟ أغدر. هل غسلت سوأتك إلّا بالأمس؟ قال: فكلّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثل ما كلّم به أصحابه فأخبره أنّه لم يأت يريد حربا. قال: فقام من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد رأى ما يصنع به أصحابه: لا يتوضّأ وضوءا إلّا ابتدروه، ولا يبسق بساقا إلّا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلّا أخذوه. فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش إنّي جئت كسرى في ملكه وجئت قيصر والنّجاشيّ في ملكهما، والله ما رأيت ملكا قطّ مثل محمّد في أصحابه، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم. قال: وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قبل ذلك بعث خراش بن أميّة الخزاعيّ إلى مكّة وحمله على جمل له يقال له الثّعلب، فلمّا دخل مكّة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش فمنعهم الأحابيش حتّى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا عمر ليبعثه إلى مكّة فقال: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وليس بها من بني عديّ أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها، ولكن أدلّك على رجل هو أعزّ منّي، عثمان بن عفّان. قال: فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبعثه إلى قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب، وأنّه جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحرمته. فخرج عثمان حتّى أتى مكّة، ولقيه أبان بن سعيد بن العاص فنزل عن دابّته، وحمله بين يديه وردف خلفه، وأجاره حتّى بلّغ رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فانطلق عثمان حتّى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلّغهم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أرسله به. فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به. فقال: ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله والمسلمين أنّ عثمان قد قتل. قال محمّد: فحدّثني الزّهريّ أنّ قريشا بعثوا سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤيّ، فقالوا: ائت محمّدا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلّا أن يرجع عنّا عامه هذا، فو الله لا تتحدّث العرب أنّه دخلها علينا عنوة أبدا. فأتاه سهيل ابن عمرو فلمّا رآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قد أراد القوم الصّلح حين بعثوا هذا الرّجل. فلمّا انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكلّما، وأطالا الكلام، وتراجعا حتّى جرى بينهما الصّلح. فلمّا التأم الأمر، ولم يبق إلّا الكتاب وثب عمر ابن الخطّاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبابكر أو ليس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين؟ قال بلى. قال فعلام نعطي الذّلّة في ديننا؟ فقال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه حيث كان؛ فإنّي أشهد أنّه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5035 رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد، ثمّ أتى رسول الله فقال يا رسول الله أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين؟ قال: «بلى» قال فعلام نعطي الذّلّة في ديننا؟ فقال: «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيّعني» . ثمّ قال عمر ما زلت أصوم وأتصدّق وأصلّي وأعتق من الّذي صنعت مخافة كلامي الّذي تكلّمت به يومئذ حتّى رجوت أن يكون خيرا. قال ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم» . فقال سهيل بن عمرو: لا أعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهمّ. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب باسمك اللهمّ هذا ما صالح عليه محمّد رسول الله سهيل بن عمرو» . فقال سهيل بن عمرو: لو شهدت أنّك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها النّاس، ويكفّ بعضهم عن بعض على أنّه من أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أصحابه بغير إذن وليّه ردّه عليهم، ومن أتى قريشا ممّن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يردّوه عليه، وإنّ بيننا عيبة مكفوفة إنّه لا إسلال ولا إغلال، وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن مع عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعهده، وتواثبت بنوبكر فقالوا ... في عقد قريش وعهدهم وإنّك ترجع عنّا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكّة، وإنّه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك، وأقمت فيهم ثلاثا معك سلاح الرّاكب لا تدخلها بغير السّيوف في القرب. فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكتب الكتاب إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وقد كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرجوا وهم لا يشكّون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رأوا من الصّلح والرّجوع وما تحمّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على نفسه دخل النّاس من ذلك أمر عظيم حتّى كادوا أن يهلكوا. فلمّا رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه، ثمّ قال يا محمّد: قد لجّت القضيّة بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت. فقام إليه فأخذ بتلبيبه «1» قال: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته يا معاشر المسلمين: أتردونني إلى أهل الشّرك فيفتنوني فى ديني؟ قال: فزاد النّاس شرّا إلى ما بهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا جندل: اصبر واحتسب؛ فإنّ الله- عزّ وجلّ- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا، وإنّا لن نغدر بهم» قال فوثب إليه عمر بن الخطّاب مع أبي جندل فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل فإنّما هم المشركون، وإنّما دم أحدهم دم كلب. قال: ويدني قائم السّيف منه قال: يقول رجوت أن يأخذ السّيف   (1) يقال لبّبه: أخذ بتلبيبه وتلابيبه إذا جمعت ثيابه عند نحره وصدره ثم جررته. (لسان العرب (مادة لبب) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5036 فيضرب به أباه. قال: فضنّ الرّجل بأبيه، ونفذت القضيّة فلمّا فرغا من الكتاب وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في الحرم وهو مضطرب في الحلّ قال: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أيّها النّاس انحروا واحلقوا» . قال: فما قام أحد. قال: ثمّ عاد بمثلها فما قام رجل حتّى عاد بمثلها فما قام رجل، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل على أمّ سلمة فقال: «يا أمّ سلمة ما شأن النّاس؟» . قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت فلا تكامن منهم إنسانا. واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق فلو قد فعلت ذلك فعل النّاس ذلك. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكلّم أحدّا حتّى أتى هديه فنحره، ثمّ جلس فحلق فقام النّاس ينحرون ويحلقون. قال: حتّى إذا كان بين مكّة والمدينة في وسط الطّريق فنزلت سورة الفتح» ) * «1» . 10- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة «2» ، أوصاه في خاصّته «3» بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثمّ قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا «4» ، ولا تغدروا «5» ، ولا تمثّلوا «6» ، ولا تقتلوا وليدا «7» ، وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) . فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام «8» ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحوّلوا منها فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكفّ عنهم. فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله «9» وذمّة نبيّه فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك، فإنّكم أن تخفروا «10» ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن   (1) أحمد (4/ 323، 224، 225، 226) واللفظ له. وأصله عند البخاري الفتح 7 (4180) وعند مسلم (1807) من حديث سلمة بن الأكوع. (2) سرية: وهي قطعة من الجيش تخرج منه تغير وتعود إليه. قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها. قالوا: سميت سرية لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها. وهي فعيلة بمعنى فاعلة. يقال: سرى وأسرى، إذا ذهب ليلا. (3) في خاصته: أي في حق نفس ذلك الأمير خصوصا. (4) ولا تغلوا: من الغلول. ومعناه الخيانة في الغنم. أي لا تخونوا في الغنيمة. (5) ولا تغدروا: أي ولا تنقضوا العهد. (6) ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان. (7) وليدا: أي صبيا، لأنه لا يقاتل. (8) ثم ادعهم إلى الإسلام: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم: ثم ادعهم. قال القاضي عياض رحمه الله: صواب الرواية: ادعهم، بإسقاط ثم. وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد وفي سنن أبي داود وغيرهما لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها. وقال المازريّ: ليست ثم، هنا زائدة. بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ. (9) ذمة الله: الذمة، هنا، العهد. (10) أن تخفروا: يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده. وخفرته أمنته وحميته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5037 تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «1» . 11- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره. ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامّة» ) * «2» . 12- * (عن نافع قال: لمّا خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة، وإنّا قد بايعنا هذا الرّجل على بيع الله ورسوله، وإنّي لا أعلم أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثمّ ينصب له القتال، وإنّي لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلّا كانت الفيصل بيني وبينه» ) * «3» . 13- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: لمّا رجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مهاجرة البحر قال: «ألا تحدّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟» قال فتية منهم: بلى يا رسول الله! بينا نحن جلوس، مرّت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلّة من ماء. فمرّت بفتى منهم. فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمّ دفعها: فخرّت على ركبتيها. فانكسرت قلّتها. فلمّا ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم، يا غدر إذا وضع الله الكرسيّ، وجمع الأوّلين والآخرين، وتكلّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك، عنده غدا. قال: يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدقت. صدقت. كيف يقدّس الله أمّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم» ) * «4» . 14- * (عن رفاعة بن شدّاد القتبانيّ قال: لولا كلمة سمعتها من عمرو بن الحمق الخزاعيّ لمشيت فيما بين رأس المختار وجسده. سمعته يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أمّن رجلا على دمه فقتله فإنّه يحمل لواء غدر يوم القيامة» ) * «5» .   (1) مسلم (1731) . (2) مسلم (1738) واللفظ له. وعند البخاري (3188) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (3) البخاري- الفتح 13 (7111) واللفظ له. وعند مسلم (1735) ما عدا كلام الراوي. (4) ابن ماجة (4009) ، وفي الزوائد: اسناده حسن. وسعيد بن سويد مختلف فيه، وأخرجه أبو يعلي (2003) وله شاهد عند البزار (1596) والبيهقي في السنن (6/ 95) (10/ 94) وابن حبان في صحيحه (5058) . (5) أحمد: 5/ 223، 224، 437، وابن ماجه (2688) . واللفظ له. وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. إلّا رفاعة بن شداد، أخرجه النسائي في سننه ووثقه وذكره ابن حبان في الثقات. وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم. وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/ 285) : وقال: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5038 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغدر) معنى 15- * (عن صفوان بن سليم عن عدّة من أبناء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن آبائهم دنية «1» عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» ) * «2» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمّة الله وذمّة رسوله فقد أخفر بذمّة الله فلا يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا» ) * «3» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رهطا من عكل ثمانية قدموا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاجتووا المدينة «4» فقالوا يا رسول الله: أبغنا رسلا. قال: «ما أجد لكم إلّا أن تلحقوا بالذّود «5» . فانطلقوا فشربوا من أبوالها وألبانها حتّى صحّوا وسمنوا، وقتلوا الرّاعي، واستاقوا الذّود، وكفروا بعد إسلامهم. فأتى الصّريخ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث الطّلب فما ترجّل النّهار حتّى أتي بهم فقطّع أيديهم وأرجلهم، ثمّ أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها وطرحهم بالحرّة «6» يستسقون فما يسقون حتّى ماتوا» . قال أبو قلابة: قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وعاثوا في الأرض فسادا) * «7» . 18- * (عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ كفّار قريش كتبوا إلى ابن أبيّ ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس، والخزرج- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بالمدينة- قبل وقعة بدر-: إنّكم آويتم صاحبنا، وإنّا نقسم بالله لتقاتلنّه أو لتخرجنه أو لنسيرنّ إليكم بأجمعنا حتّى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم فلمّا بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من عبدة الأوثان، اجتمعوا لقتال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا بلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقيهم فقال: «لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ. ما كانت تكيدكم بأكثر ممّا تريدون أن تكيدوا به أنفسكم. تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟» . فلمّا سمعوا ذلك من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تفرّقوا. فبلغ ذلك كفّار قريش، فكتبت كفّار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنّكم أهل الحلقة «8» والحصون، وإنّكم لتقاتلنّ صاحبنا، أو لنفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء- وهي الخلاخيل- فلمّا بلغ كتابهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أجمعت بنو النّضير بالغدر، فأرسلوا   (1) دنية: أي عن أقرب والد لهم وهو الأب. (2) أبو داود (3052) واللفظ له. وقال الألباني (2626) : صحيح، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 5/ 185) (3) الترمذي (1403) وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعند أبي داود والنسائي من حديث أبي بكرة نحوه، وعند البخاري في الجهاد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وهذا لفظ الترمذي. (4) اجتووا المدينة: استوخموها، أي لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم. (5) الذود: من ثلاثة إلى عشرة من الإبل. (6) الحرة: هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة. (7) البخاري- الفتح 6 (3018) واللفظ له، مسلم (1671) . (8) الحلقة: الدروع، وقد يراد بها السلاح مطلقا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5039 إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك، وليخرج منّا ثلاثون حبرا حتّى نلتقي- بمكان المنصف فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا بك، فقصّ خبرهم. فلمّا كان الغد غدا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكتائب فحصرهم فقال لهم: «إنّكم والله لا تأمنون عندي إلّا بعهد تعاهدوني عليه» فأبوا أن يعطوه عهدا، فقاتلهم يومهم ذلك، ثمّ غدا على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النّضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه فانصرف عنهم، وغدا على بني النّضير بالكتائب فقاتلهم حتّى نزلوا على الجلاء. فجلت بنو النّضير، واحتملوا ما أقلّت الإبل من أمتعتهم، وأبواب بيوتهم وخشبها، فكان نخل بني النّضير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّة. أعطاه الله إيّاها، وخصّه بها، فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ يقول: بغير قتال. فأعطى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. أكثرها للمهاجرين، وقسّمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار، وكانا ذوي حاجة. لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي في أيدي بني فاطمة رضي الله عنها» ) * «1» . 19- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قاتل أهل خيبر فغلب على النّخل والأرض، وألجأهم إلى قصرهم، فصالحوه على أنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّفراء، والبيضاء، والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم، على أن لا يكتموا ولا يغيّبوا شيئا. فإن فعلوا فلا ذمّة لهم، ولا عهد، فغيّبوا مسكا «2» لحييّ بن أخطب- وقد كان قتل قبل خيبر- كان احتمله معه يوم بني النّضير، حين أجليت النّضير. فيه حليّهم. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لسعية: «أين مسك حييّ بن أخطب» ؟ قال: أذهبته الحروب والنّفقات. فوجدوا المسك. فقتل ابن أبي الحقيق وسبى نساءهم وذراريهم. وأراد أن يجليهم فقالوا: يا محمّد. دعنا نعمل في هذه الأرض. ولنا الشّطر ما بدا لك، ولكم الشّطر، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي كلّ امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر، وعشرين وسقا من شعير» ) * «3» . 20- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم» - قال عمران: لا أدري أذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السّمن «4» » ) * «5» .   (1) أبو داود (3004) واللفظ له. وقال: الألباني 2/ 582 برقم (2595) : صحيح الإسناد. (2) معنى: المسك: جلد لحيي بن أخطب كان فيه ذخيرة من صامت وحلي قومت بعشرة آلاف دينار كانت أولا في مسك حمل ثم في مسك ثور ثم في مسك جمل. (3) أبو داود (3006) واللفظ له. وقال الألباني 2/ 584 برقم (2597) : حسن الإسناد. (4) يظهر فيهم السّمن: أي يحبون التوسع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السمن. وقيل: المراد يظهر فيهم كثرة المال. (5) البخاري- الفتح 5 (2651) واللفظ له. ومسلم (2535) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5040 21- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه» قال الزّهريّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يصب الإسلام حلفا إلّا زاده شدّة، ولا حلف في الإسلام» وقد ألّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين قريش والأنصار) * «1» . 22- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جبا الرّكيّة «2» ، فإمّا دعا وإمّا بسق «3» فيها. قال: فجاشت «4» . فسقينا واستقينا. قال: ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعانا للبيعة في أصل الشّجرة. قال: فبايعته أوّل النّاس، ثمّ بايع وبايع. حتّى إذا كان في وسط من النّاس قال: «بايع يا سلمة!» قال قلت: قد بايعتك يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزلا «5» (يعني ليس معه سلاح) . قال فأعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجفة أو درقة «6» . ثمّ بايع حتّى إذا كان في آخر النّاس قال: «ألا تبايعني يا سلمة؟» قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس، وفي أوسط النّاس. قال: «وأيضا» قال: فبايعته الثّالثة. ثمّ قال لي: «يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك الّتي أعطيتك؟» قال قلت: يا رسول الله! لقيني عمّي عامر عزلا فأعطيته إيّاها. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّك كالّذي قال الأوّل «7» : اللهمّ! أبغني «8» حبيبا هو أحبّ إليّ من نفسي» . ثمّ إنّ المشركين راسلونا «9» الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض «10» . واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة «11» بن عبيد الله. أسقي فرسه، وأحسّه «12» وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فلمّا اصطلحنا- نحن وأهل مكّة- واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها «13»   (1) أحمد (1/ 190) واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 121) : إسناده صحيح. (2) جبا الركية: الجبا ما حول البئر. والركي البئر. والمشهور في اللغة ركي، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره. (3) وإما بسق: هكذا هو في النسخ: بسق. وهي صحيحة. يقال: بزق وبصق وبسق. ثلاث لغات بمعني. والسين قليلة الاستعمال. (4) فجاشت: أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع. (5) عزلا: ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والثاني ضمهما. وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا. (6) حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس. (7) إنك كالذي قال الأول: الذي صفة لمحذوف. أي أنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول: بالرفع فاعل. والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه. (8) أبغني: أي أعطني. (9) راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا اليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح. (10) مشى بعضنا في بعض: في هنا بمعني إلى. أي مشى بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع. فيكون المعنى مشى بعضنا مع بعض. (11) كنت تبيعا لطلحة: أي خادما أتبعه. (12) وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه. (13) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5041 فاضطّجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأبغضتهم، فتحوّلت إلى شجرة أخرى، وعلّقوا سلاحهم، واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: ياللمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «1» ثمّ شددت «2» على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «3» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «4» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «5» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فرس مجفّف «6» في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «7» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها) * «8» . 23- * (عن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية، وبين الرّوم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتّى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة، ولا يحلّها حتّى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» فرجع معاوية) * «9» . 24- * (عن نافع أبي غالب قال: كنت في سكّة المربد فمرّت جنازة معها ناس كثير قالوا: جنازة عبد الله ابن عمير، فتبعتها، فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بريذينته «10» على رأسه خرقة تقيه من الشّمس، فقلت: من هذا الدّهقان؟ قالوا: هذا أنس بن مالك، فلمّا وضعت الجنازة، قام أنس فصلّى عليها، وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه، فكبّر أربع تكبيرات، لم يطل ولم يسرع، ثمّ ذهب يقعد. فقالوا: يا أبا حمزة. المرأة الأنصارية. فقرّبوها وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها، فصلّى عليها نحو صلاته على الرّجل. ثمّ جلس، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي على الجنازة   (1) فاخترطت سيفي: أي سللته. (2) شددت: حملت وكررت. (3) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه الى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع. (4) الذي فيه عيناه: يريد رأسه. (5) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد. (6) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف. (7) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثنى الأمر يعاد مرتين. (8) مسلم (1807) . (9) أبو داود (2759) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 528) : صحيح. (10) البريذينة: تصغير البرذون، وهو من الخيل ما ليس بعربي ويسمى (الاكديش) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5042 كصلاتك: يكبّر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرّجل، وعجيزة المرأة؟ قال: نعم. قال: يا أبا حمزة. غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم غزوت معه حنينا فخرج المشركون فحملوا علينا حتّى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا فيدقّنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ عليّ نذرا إن جاء الله بالرّجل الّذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربنّ عنقه، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجىء بالرّجل، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا رسول الله، تبت إلى الله، فأمسك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يبايعه ليفي الآخر بنذره. قال: فجعل الرّجل يتصدّى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقتله، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه لا يصنع شيئا بايعه. فقال الرّجل: يا رسول الله نذري، فقال: «إنّي لم أمسك عنه منذ اليوم إلّا لتوفي بنذرك» فقال: يا رسول الله ألا أومضت إليّ؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليس لنبيّ أن يومض «1» » ) * «2» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا فتحت خيبر أهديت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاة فيها سمّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود» فجمعوا له فقال: «إنّي سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيّ عنه؟» فقالوا: نعم. قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أبوكم؟» قالوا: فلان. فقال: «كذبتم، بل أبوكم فلان» . قالوا: «صدقت» . قال: فهل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألت عنه؟» فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا، كما عرفته في أبينا. فقال لهم: «من أهل النّار؟» قالوا: نكون فيها يسيرا، ثمّ تخلفونا فيها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اخسأوا فيها. والله لا نخلفكم فيها أبدا» . ثمّ قال: «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: «هل جعلتم في هذه الشّاة سمّا؟» قالوا: نعم. قال: «ما حملكم على ذلك؟» قالوا: إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيّا لم يضرّك) * «3» . 26- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «ما عندنا شيء إلّا كتاب الله وهذه الصّحيفة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا. من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. وقال: ذمّة المسلمين واحدة، فمن أخفر «4» مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. ومن تولّى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والنّاس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل» . قال أبو عبد الله: عدل: فداء) * «5» . 27- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله   (1) يومض: يشير بعينه خفية. (2) أبو داود (3194) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 615) : صحيح. (3) البخاري- الفتح 6 (3169) . (4) فمن أخفر مسلما: أي نقض العهد. (5) البخاري- الفتح 4 (1870) وهذا لفظه. ومسلم (1370) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5043 عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم: يسعى بذمّتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يردّ مشدّهم على مضعفهم، ومتسرّعهم على قاعدهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» ) * «1» . 28- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- يرفعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعطى بيعة ثمّ نكثها «2» لقي الله وليست معه يمينه» ) * «3» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة «4» ، ومن قاتل تحت راية عمّيّة «5» يغضب لعصبة «6» ، أو يدعو إلى عصبة. أو ينصر عصبة فقتل فقتلة «7» جاهليّة، ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «8» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه) * «9» . 30- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنّ- وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتّى يعلنوا بها إلّا فشا فيهم الطّاعون، والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «10» .   (1) أبو داود (2751) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 526) : حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (10/ 255) : إسناده حسن. (2) ونكث الصفقة (أن تعطي رجلا بيعتك ثم تقاتله) وهذا التفسير عند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (3) قال ابن حجر (فتح الباري 13/ 218) : أخرجه الطبراني بسند جيد. (4) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. (5) عمية: هي بضم العين وكسرها. لغتان مشهورتان. والميم مكسورة مشددة والياء مشددة أيضا. قالوا: هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه. كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور. قال إسحاق بن راهويه: هذا كتقاتل القوم للعصبية. (6) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. سموا بذلك لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم. أي يحيطون به ويشتد بهم. والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره كذلك. لا لنصرة الدين والحق بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. كما يقاتل أهل الجاهلية، فإنهم إنما كانوا يقاتلون لمحض العصبية. (7) فقتلة: خبر لمبتدا محذوف. أي فقتلته كقتلة أهل الجاهلية. (8) ولا يتحاش: وفي بعض النسخ: يتحاشى، بالياء. ومعناه لا يكترث بما يفعله فيها، ولا يخاف وباله وعقوبته. (9) مسلم (1848) . (10) ابن ماجة (4019) . وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 1331) برقم (7978) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5044 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغدر) 1- * (عن عديّ بن حاتم قال: أتينا عمر في وفد فجعل يدعو رجلا رجلا ويسمّيهم. فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى. أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا. فقال عديّ: فلا أبالي إذا) * «1» . 2- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- في قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «من حلف على يمين ... الحديث» قال: فأنزل الله تصديقه إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ... وفي رواية فمرّ الأشعث بن قيس فقال: ما يحدّثكم عبد الله؟ قالوا له. فقال الأشعث: نزلت فيّ وفي صاحب لي في بئر كانت بيننا) * «2» . 3- * (عن مصعب بن سعد، قال: سألت أبي قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا هم الحروريّة؟ «3» قال: لا، هم اليهود والنّصارى، أمّا اليهود فكذّبوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا النّصارى فكفروا بالجنّة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب، والحروريّة الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان سعد يسمّيهم الفاسقين) * «4» . 4- * (جعل المنصور العهد إلي عيسى بن موسى ثمّ غدر به وأخّره وقدّم المهديّ عليه فقال عيسى: أينسى بنو العبّاس ذبّي عنهم ... بسيفي ونار الحرب زاد سعيرها فتحت لهم شرق البلاد وغربها ... فذلّ معاديها وعزّ نصيرها أقطّع أرحاما عليّ عزيزة ... وأبدي مكيدات لها وأثيرها فلمّا وضعت الأمر في مستقرّه ... ولاحت له شمس تلألأ نورها دفعت عن الأمر الّذي أستحقّه ... وأوسق أوساقا من الغدر عيرها «5» 5- * (لمّا حلف محمّد الأمين للمأمون في بيت الله الحرام- وهما وليّا عهد- طالبه جعفر بن يحيى أن يقول: خذلني الله إن خذلته. فقال ذلك ثلاث مرّات. قال الفضل بن الرّبيع: قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت الله: يا أبا العبّاس أجد نفسي أنّ أمري لا يتمّ. فقلت له ولم ذلك أعزّ الله الأمير؟ قال: لأنّي كنت أحلف وأنا أنوي الغدر، وكان كذلك لم يتمّ أمره) * «6» . 6- * (قال الأبشيهيّ: «كم أوقع الغدر في المهالك من غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات   (1) البخاري- الفتح 7 (4394) . (2) البخاري- الفتح 11 (6659، 6660) . (3) والحرورية: هم الخوارج نسبة إلى حروراء في العراق. (4) البخاري- الفتح 8 (4728) . (5) المستطرف (1/ 302) . (6) المرجع السابق (1/ 301) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5045 فسيحات المصادر، وطوّقه غدره طوق خزي فهو على فكّه غير قادر» ) * «1» . 7- * (وقال أيضا: «أيّ سوء أقبح من غدر يسوق إلى النّفاق، وأيّ عار أفضح من نقض العهد إذا عدّت مساوأ الأخلاق» ) * «2» . 8- * (أنشدوا: يا واعدا أخلف في وعده ... ما الخلف من سيرة أهل الوفا ما كان ما أظهرت من ودّنا ... إلّا سراجا لاح ثمّ انطفا «3» . 9- * (قال الشّاعر: غدرت بأمر كنت أنت جذبتنا ... إليه وبئس الشّيمة الغدر بالعهد «4» . من مضار (الغدر) (1) الغادر يحمل لواء غدره يوم القيامة خزيا وعارا بين الخلائق. (2) وهو صفة ذميمة لا يتحلّى بها إلّا فاقد الإيمان من كافر مشرك ويهوديّ ونصرانيّ ومجوسيّ ومن حمل صفتهم. (3) يكفي الغادر سخطا وغضبا أن يكون الله خصمه يوم القيامة. (4) الغادر ممقوت من الله والملائكة والنّاس أجمعين. (5) يحذره النّاس فلا يطمئنّون إلى مخالطته ولا جيرته ولا معاملته. (6) الغدر دليل على خسّة النّفس وحقارتها. (7) يعامله الله بعكس مقصوده فلا يتمّ له أمرا.   (1) المرجع السابق (1/ 299) . (2) المستطرف (1/ 301) . (3) آداب العشرة (14) . (4) المستطرف (1/ 301) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5046 الغرور الغرور لغة: مصدر قولهم: غرّه يغرّه، وهو مأخوذ من مادّة (غ ر ر) ، الّتي تدلّ على النّقصان، والمراد نقصان الفطنة، ولهذه المادّة دلالتان أخريان هما: المثال الّذي يطبع عليه السّهام (حتّى تصير على نسق واحد) ومن ذلك: ولدت فلانة أولادها على غرار واحد (أي متشابهين) ، والآخر: العتق والبياض والكرم، ومن ذلك الغرّة، إذ غرّة كلّ شيء أكرمه، والغرّة البياض، ويقال لثلاث ليال من الشّهر: غرّة «1» ، قال ابن فارس، وممّا يقارب هذا (الأصل) الغرارة، وذلك أنّها من كرم الخلق، قد تكون في كلّ كريم، فأمّا (الغرور) المذموم فهو من الأصل الأوّل (أي النّقصان) لأنّه من نقصان الفطنة «2» ، وذهب الرّاغب إلى أنّ الغرور مأخوذ من «غرّ الثّوب» وهو أثر كسره، يقال: اطو الثّوب على غرّه، قال: وغرّه كذا غرورا كأنّما طواه على غرّه، قال تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار/ 6) المراد: ما خدعك وسوّل لك؟، وقيل: كيف اجترأت عليه ولم تخفه فأضعت ما وجب عليك، وهذا توبيخ وتبكيت للعبد الّذي يأمن مكر الله تعالى «3» وقال الفيروزآباديّ: الغرّة: الغفلة، وغررته: أصبت غفلته ونلت منه ما أريد، والشّيطان أقوى الغارّين وأخبثهم «4» ، وقال الجوهريّ: الغرور (يستعمل جمعا) مفرده «غرّ» ، ومن ذلك الغرور: مكاسر الجلد، قال أبو النّجم: حتّى إذا طار من خبيرها ... عن جدد صفر وعن غرورها قال: وغرّ الثّوب كسره الأوّل، قال الأصمعيّ: حدّثني رجل عن رؤبة أنّه عرض عليه ثوب، فنظر إليه وقلّبه ثمّ قال: اطوه على غرّه؛ واغتررت يا رجل: غفلت، واغترّه أي أتاه على غرّة (أي غفلة) منه، واغترّ بالشّيء خدع به، وقال ابن السّكّيت: الغرور (بالفتح) : الشّيطان، والغرور: ما يتغرغر به من الأدوية والغرور (بالضّمّ) ما اغترّ به من متاع الدّنيا، والغرار: النوم القليل، والغرار: نقصان لبن النّاقة، وفي الحديث: «لا غرار في الصّلاة» وهو ألّا يتمّ ركوعها وسجودها، والغرار (أيضا) : الطّريقة، وقولهم: غرّة   (1) انظر في المعاني الثلاثة التي تدل عليها المادة وهي: المثال، والنقصان، والكرم أو العتق والبياض، مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 380- 382) . (2) المرجع السابق، (4/ 382) . (3) تفسير القرطبي 19/ 161، ولسان العرب (غرر) ص 3232 (ط: دار المعارف) بتصرف. (4) بصائر ذوي التمييز (4/ 129) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5047 يغرّه غرورا: خدعه، يقال: ما غرّك بفلان؟ أي كيف اجترأت عليه؟، والتّغرير: حمل النّفس على الغرر، وقد غرّر بنفسه تغريرا وتغرّة، كما يقال: حلّل تحليلا وتحلّة، وعلّل تعليلا وتعلّة «1» . أمّا قول الله تعالى: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (لقمان/ 33) قيل: الغرور الشّيطان، قال الزّجّاج: ويجوز الغرور (بضمّ الغين) ، وقال في تفسيره: الغرور: الأباطيل، ويجوز أن يكون الغرور جمع غارّ مثل شاهد وشهود، والغرور (أيضا) ما اغترّ به من متاع الدّنيا، وفي التّنزيل العزيز فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا (لقمان/ 33) المعنى: إن كان لكم حظّ ينقص من دينكم فلا تؤثروا ذلك الحظّ، والشّيطان غرور لأنّه يغرّ النّاس بالوعد الكاذب والتّمنية، والغرور (أيضا) الأباطيل كأنّها جمع غرّ (مصدر غررته) ، وقيل: المراد بالغرور: زينة الأشياء في الدّنيا، وفي حديث سارق أبي بكر- رضي الله عنه- عجبت من غرّة أبي بكر أي اغتراره «2» ، قال ابن منظور: الغرارة من الغرّ، والغرّة من الغارّ، والتّغرّة من التّغرير، وفي حديث عمر رضي الله عنه- أيّما رجل بايع آخر على مشورة فإنّه لا يؤمّر واحد منهما تغرّة أن يقتلا» التغرّة هنا مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر، قال الأزهريّ: المعنى لا يبايع الرّجل إلّا بعد مشاورة الملإ من أشراف النّاس واتّفاقهم، ومن بايع غيره عن غير اتّفاق من الملإ لم يؤمّر واحد منهما تغرّة بمكر المؤمّر منهما لئلّا يقتلا أو أحدهما «3» . الغرور اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الغرور: هو سكون النّفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطّبع «4» . وقال المناويّ نقلا عن الحراليّ: الغرور: هو إخفاء الخدعة في صورة النّصيحة «5» . وقال الكفويّ: الغرور: هو تزيين الخطإ بأنّه صواب، وقيل: الغرور (والغرر أيضا) ما يكون مجهول العاقبة لا يدرى أيكون أم لا «6» . أمّا الغرور فهو كلّ ما يغرّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وغير ذلك «7» وقال الكفويّ: كلّ من غرّ شيئا فهو غرور (بالفتح) ، والغرور (بالضّمّ) : الباطل «8» .   (1) الصحاح (2/ 767- 770) بتصرف واختصار. (2) النهاية لابن الأثير 3/ 355، ولسان العرب) (غرر) ص، 3233 (3) لسان العرب (غرر) ص 3233، وقال ابن الأثير: معنى الحديث أن البيعة حقها أن تقع صادرة عن المشورة والاتفاق، فإذا استبد رجلان دون الجماعة فبايع أحدهما الآخر فذلك تظاهر منهما بشق العصا واطراح الجماعة. انظر النهاية (3/ 356) . (4) التعريفات للجرجاني ص 167، والتوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي ص 251. (5) التوقيف ص 252. (6) الكليات للكفوي ص 672. (7) المفردات للراغب ص 359 والتوقيف على مهمات التعاريف ص 251. (8) الكليات (663) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5048 الفرق بين الجهل والغرور: قال الغزاليّ: الغرور عبارة عن بعض أنواع الجهل، إذ الجهل هو أن يعتقد الشّيء ويراه على خلاف ما هو به، ولكن ليس كلّ جهل غرورا. إذ الغرور يستدعي مغرورا فيه ومغرورا به، وهو الّذي يغرّه، ومهما كان المجتهد المعتقد شيئا يوافق الهوى، وكان السّبب الموجب للجهل شبهة ومخيلة فاسدة يظنّ أنّها دليل، ولا تكون دليلا سمّي الجهل الحاصل به غرورا، فالغرور- كما سبق- هو سكون النّفس إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطّبع عن شبهة وخدعة من الشّيطان، فمن اعتقد أنّه خير إمّا في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور، وأكثر النّاس يظنّون بأنفسهم الخير وهم مخطئون فيه، فأكثر النّاس على ذلك مغرورون وإن اختلفت أصناف غرورهم واختلفت درجاتهم (فيه) حتّى كان غرور بعضهم أظهر وأشدّ من بعض «1» . أنواع الغرور: قال الغزاليّ: أظهر أنواع الغرور وأشدّها غرور الكفّار وغرور العصاة والفسّاد وأورد- رحمه الله تعالى- لهذين النّوعين وكشف عن كيفيّة معالجتهما على النّحو الّذي نلخّصه فيما يلي: المثال الأوّل: غرور الكفّار، فمنهم من غرّته الحياة الدّنيا، ومنهم من غرّه بالله الغرور، أمّا الّذين غرّتهم الحياة الدّنيا: فهم الّذين قالوا: النّقد خير من النّسيئة «2» ، والدّنيا نقد والآخرة نسيئة، فهي إذن خير (منها) فلابدّ من إيثارها، وقالوا أيضا: اليقين خير من الشّكّ ولذّات الدّنيا يقين ولذّات الآخرة شكّ فلا نترك اليقين بالشّكّ. وعلاج هذا الغرور إمّا بتصديق الإيمان وإمّا بالبرهان: فأمّا التّصديق بالإيمان فهو أن يصدّق الله تعالى في قوله ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ (النحل: 96) . وقوله عزّ وجلّ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (الضحى/ 4) ، وأمّا المعرفة بالبيان والبرهان، فهو أن يعرف وجه فساد هذا القياس الّذي نظمه في قلبه الشّيطان. وهذا القياس الّذي نظمه الشّيطان فيه أصلان: أوّلا: أنّ النّقد خير من النّسيئة وأنّ الدّنيا نقد والآخرة نسيئة.. فهذا محلّ التلبيس لأنّ الأمر ليس كذلك، بل إن كان النّقد مثل النّسيئة في المقدار والمقصود فهو خير، وإن كان أقلّ منها فالنّسيئة خير، ولذلك فإنّ الكافر المغرور يبذل في تجارته درهما ليأخذ عشرة نسيئة.. ولا يقول النّقد خير من النّسيئة فلا أتركه، والإنسان إذا حذّره الطّبيب الفواكه ولذائذ الأطعمة ترك ذلك في الحال خوفا من ألم المرض في المستقبل. ثانيا: أنّ اليقين خير من الشّكّ، فهذا القياس أكثر فسادا من الأوّل، إذ اليقين خير من الشّكّ إذا كان مثله، وإلّا فالتّاجر في تعبه علي يقين، وفي ربحه على شكّ، والمتفقّة في جهاده على يقين وفي إدراكه رتبة العلم على شكّ، والصيّاد في تردّده في   (1) إحياء علوم الدين 3 (400) . (2) المراد بالنقد البيع المعجل، أما النسيئة فهي البيع الآجل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5049 المقتنص على يقين، وفي الظّفر بالصّيد على شكّ. وهذا القياس الخاطىء يتيقّن منه المؤمن وليقينه مدركان. أحدهما: الإيمان والتّصديق وتقليدا للأنبياء والعلماء، وذلك أيضا يزيل الغرور وهو مدرك يقين العوامّ وأكثر الخواصّ، ومثالهم مثال مريض لا يعرف دواء علّته وقد اتّفق الأطبّاء على أنّ دواءه النّبت الفلانيّ، فإنّ المريض تطمئنّ نفسه إلى تصديقهم ولا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين الطّيّبة، بل يثق بقولهم ويعمل به. والخلاصة: أنّ غرور الشّيطان بأنّ الآخرة شكّ، يدفع إمّا بيقين تقليديّ، وإمّا ببصيرة ومشاهدة من جهة الباطن، والمؤمنون بألسنتهم وعقائدهم إذا ضيّعوا أوامر الله تعالى وهجروا الأعمال الصّالحة ولا بسوا الشّهوات والمعاصي فهم مشاركون للكفّار في هذا الغرور لأنّهم آثروا الحياة الدّنيا على الآخرة، إلّا أنّ أمرهم أخفّ لأنّ أهل الإيمان يعصمهم من عقاب الأبد فيخرجون من النّار ولو بعد حين. ولكنّهم أيضا من المغرورين الّذين آثروا الحياة الدّنيا، ومجرّد الإيمان لا يكفي للفوز، قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (طه 28) . المثال الثّاني: غرور العصاة من المؤمنين.. بقولهم: إنّ الله كريم وإنّا نرجو عفوه، واتّكالهم على ذلك وإهمالهم الأعمال، وتحسين ذلك بتسمية تمنّيهم واغترارهم رجاء وظنّهم أنّ الرّجاء مقام محمود في الدّين، وأنّ نعمة الله واسعة ورحمته شاملة ويرجونه بوسيلة الإيمان. فإن قلت فأين الغلط في قولهم هذا، وقد قال المولى أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظنّ بي خيرا فهذا كلام صحيح مقبول في الظّاهر ولكن اعلم أنّ الشّيطان لا يغوي الإنسان إلّا بمثل هذا ولولا حسن الظّاهر لما انخدع به القلب، ولكنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كشف عن ذلك فقال: «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله» ، وهذا التّمنّي على الله غيّر الشّيطان اسمه فسمّاه رجاء حتّى خدع به الجهّال، وقد شرح الله الرّجاء فقال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ (البقرة/ 218) يعني أنّ الرّجاء بهم أليق، لأنّ ثواب الآخرة أجر وجزاء على الأعمال فقد قال تعالى: وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران 185) ، فلو أنّ شخصا استؤجر لإصلاح شيء وشرط له أجرة، وكان الشّارط كريما بما يفي بالوعد ويزيد عليه، فجاء الأجير وأخذ هذا الشّيء ثمّ جلس ينتظر الأجر بزعم أنّ المستأجر كريم، أفيرى العامل ذلك تمنّيا وغرورا أم رجاء؟ وهذا للجهل بالفرق بين الرّجاء والغرّة، وقد قيل للحسن: قوم يقولون نرجو الله ويضيّعون العمل، فقال: هيهات هيهات تلك أمانيّهم يترجّحون فيها، من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه. فإن قلت فأين مظنّة الرّجاء وموضعه المحمود: فاعلم أنّه محمود في موضعين: أحدهما في حقّ العاصي المنهك إذا خطرت له التّوبة فيقنّطه الشّيطان، هنا يقمع القنوط بالرّجاء، ويتذكّر قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5050 (الزمر/ 53) فإذا توقّع المغفرة مع التّوبة فهو راج. ثانيهما: في حقّ من تغترّ نفسه عن فضائل الأعمال ويقتصر على الفرائض، فيرجّي نفسه نعيم الله تعالى وما وعد به الصّالحين حتّى ينبعث من رجائه نشاط العبادة فيقبل على الفضائل ويتذكّر قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.. إلى قوله تعالى: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (المؤمنون من 1- 11) . المثال الثّالث: غرور طوائف لهم طاعات ومعاص إلّا أنّ معاصيهم أكثر، وهم يتوقّعون المغفرة ويظنّون أنّهم بذلك تترجّح كفّة حسناتهم، مع أنّ ما في كفّة السّيّئات أكثر، وهذا غاية الجهل، فترى الواحد يتصدّق بدراهم من الحلال والحرام، وما يتناوله من أموال المسلمين أضعاف ذلك ويظنّ أنّ إنفاق عشرة في الصّدقة يكفّر عن مائة من مشبوه المال، وذلك غاية في الجهل والاغترار «1» . أصناف المغترّين: الصّنف الأوّل: أهل العلم والمغترّون منهم فرق: ففرقة: أحكموا العلوم الشّرعيّة والعقليّة، وتعمّقوا فيها، واشتغلوا بها، وأهملوا تفقّد الجوارح وحفظها عن المعاصي وإلزامها الطّاعات واغترّوا بعلمهم، وظنّوا أنّهم عند الله بمكان، وأنّهم بلغوا من العلم مبلغا لا يعذّب الله مثلهم، بل يقبل في الخلق شفاعتهم، وأنّه لا يطالبهم بذنوبهم وخطاياهم لكرامتهم على الله وهم مغرورون «2» . وفرقة أخرى: أحكموا العلم والعمل، فواظبوا على الطّاعات الظّاهرة وتركوا المعاصي، إلّا أنّهم لم يتفقّدوا قلوبهم ليمحوا الصّفات المذمومة عند الله من الكبر والحسد والرّياء، وطلب الرّئاسة والعلاء وإرادة السّوء للأقران.. ومثال هؤلاء كرجل قصد الملك ضيافته إلى داره فجصّص باب داره، وترك المزابل في صدرها، ولا يخفى أنّ ذلك غرور. وفرقة أخرى: علموا أنّ هذه الأخلاق الباطنة مذمومة من جهة الشّرع إلّا أنّهم لعجبهم بأنفسهم يظنّون أنّهم منفكّون عنها، وأنّهم أرفع عند الله من أن يبتليهم «3» . الصّنف الثّاني: أرباب العبادة والعمل، والمغرور منهم فرق كثيرة، فمنهم من غروره في الصّلاة ومنهم من غروره في تلاوة القرآن ومنهم في الحجّ، ومنهم في الغزو، ومنهم في الزّهد، وكذلك كلّ مشغول بمنهج من مناهج العمل، فليس خاليا عن غرور إلّا الأكياس وقليل ما هم «4» .   (1) إحياء علوم الدين ج 3 ص 400- 408 (بتصرف) . (2) الإحياء 3/ 409، 410. (3) الإحياء 3/ 412، وقد اكتفينا بذكر هذه الفرق الثلاث خوف الإطالة، وقد ذكر- رحمه الله- فرقا أخرى يرجع إليها من شاء في الموضع المذكور. (4) الإحياء 3/ 422. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5051 الصّنف الثّالث: وهم المتصوّفة، وما أغلب الغرور عليهم والمغترّون منهم فرق كثيرة فمنهم من اغترّ بالزّيّ والهيئة والمنطق، ومنهم من رفضوا الأحكام وسوّوا بين الحلال والحرام وغير ذلك «1» . الصّنف الرّابع: أرباب الأموال، والمغترّون منهم فرق كثيرة، ومجمل القول فيهم أنّ الرّياء قائدهم في كثير من أعمالهم وأنّ الشّيطان يزيّن لهم أعمالهم فيغترّون بها «2» . الفرق بين الثّقة بالله والغرور والعجز: قال ابن القيّم: الفرق بينها: أنّ الواثق بالله قد فعل ما أمره الله به، ووثق بالله في طلوع ثمرته وتنميتها وتزكيتها كغارس الشّجرة وباذر الأرض، والمغترّ العاجز قد فرّط فيما أمر به، وزعم أنّه واثق بالله، والثّقة إنّما تصحّ بعد بذل المجهود «3» . وقال رحمه الله: إنّ الثّقة سكون يستند إلى أدّلة وأمارات يسكن القلب إليها فكلّما قويت تلك الأمارات قويت الثّقة واستحكمت ولا سيّما على كثرة التّجارب وصدق الفراسة. وأمّا الغرّة فهي حال المغترّ الّذي غرّته نفسه وشيطانه وهواه وأمله الخائب الكاذب بربّه حتّى أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والغرور ثقتك بمن لا يوثق به وسكونك إلى من لا يسكن إليه ورجاؤك النّفع من المحلّ الّذي لا يأتي بخير كحال المغترّ بالسراب. ومن أعظم الغرّة أن ترى المولى عزّ وجلّ يتابع عليك نعمه وأنت مقيم على ما يكره، فالشّيطان وكلّ بالغرور، وطبع النّفس الأمّارة الاغترار، فإذا اجتمع الرّأي والبغي والشّيطان الغرور والنّفس المغترّة لم يقع هناك خلاف (في حدوث الغرّة) فالشّياطين غرّوا المغترّين بالله وأطمعوهم- مع إقامتهم على ما يسخط الله ويبغضه- في عفوه وتجاوزه وحدّثوهم بالتّوبة لتسكن قلوبهم ثمّ دافعوهم بالتّسويف حتّى هجم الأجل فأخذوا على أسوء أحوالهم وقال تعالى في هؤلاء: وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (الحديد/ 14) . وأعظم النّاس غرورا بربّه من إذآ مسّه الله برحمة منه وفضل، قال: هذا لِي (فصلت/ 50) أي أنا أهله وجدير به ومستحق له ثمّ قال وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً (فصلت/ 50) فظنّ أنّه أهل لما أولاه من النّعم مع كفره بالله، ثمّ زاد في غروره فقال وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى (فصلت/ 50) يعني الجنّة والكرامة وهكذا تكون الغرّة بالله، فالمغترّ بالشّيطان مغترّ بوعوده وأمانيه وقد ساعده اغتراره بدنياه ونفسه فلا يزال كذلك حتّى يتردّى في آبار الهلاك «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الكبر والعجب- العتو- الطغيان- التكاثر- اتباع الهوى- الطيش. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التواضع- الإنابة- الإخبات- الخشية- الخوف- التقوى] .   (1) الإحياء 3/ 426، 427 بتصرف واختصار. (2) الإحياء 3/ 429- 435 بتصرف واختصار. (3) مدارج السالكين 2/ 129. (4) الروح لابن القيم، ص 220- 221 (بتصرف واختصار) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5052 الآيات الواردة في «الغرور» أولا: الغرور بالحياة الدنيا: 1- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) «1» 2- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «2» 3- يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130) «3» 4- الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «4» 5- ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) «5» 6- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «6» ثانيا: الغرور من عمل الشيطان: 7- إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119)   (1) آل عمران: 185 مدنية (2) الأنعام: 70 مدنية (3) الأنعام: 130 مدنية (4) الأعراف: 51 مكية (5) الجاثية: 35 مكية (6) الحديد: 20 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5053 يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (120) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121) «1» 8- وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112) «2» 9- فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) «3» 10- وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (64) «4» 11- يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) «5» ثالثا: النهي عن الغرور: 12- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) «6» 13- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (23) «7» 14- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) «8» 15- ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) «9» 16- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) «10» رابعا: اغترار الكفار: 17- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا   (1) النساء: 117- 121 مدنية (2) الأنعام: 112 مكية (3) الأعراف: 20- 22 مكية (4) الإسراء: 64 مكية (5) الحديد: 14 مدنية (6) آل عمران: 196 مدنية (7) لقمان: 33 مكية (8) فاطر: 5 مكية (9) غافر: 4 مكية (10) الانفطار: 6 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5054 يَفْتَرُونَ (24) «1» خامسا: اتهام المنافقين للمسلمين بالغرور: 18- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) «2» 19- وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) «3» سادسا: الغرور من شأن الظالمين والكفار: 20- قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) «4» 21- أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) «5» الآيات الواردة في «الغرور» معنى 22- وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) «6» 23- وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) «7» 24- فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) «8» 25- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) «9» 26- فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) «10» 27- وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ   (1) آل عمران: 24 مدنية (2) الأنفال: 49 مدنية (3) الأحزاب: 12 مدنية (4) فاطر: 40 مكية (5) الملك: 20 مكية (6) القصص: 87 مكية (7) سبأ: 35 مكية (8) الزمر: 49 مكية (9) غافر: 83 مكية (10) فصلت: 15 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5055 غَلِيظٍ (50) «1» 28- وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) «2» 29- وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) «3» 30- أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) «4» 31- ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29) «5» 32- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) «6» 33- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) «7» 34- أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6) «8» 35- وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) «9» 36- تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) «10»   (1) فصلت: 50 مكية (2) الشورى: 14 مكية (3) الزخرف: 51 مكية (4) القمر: 43- 45 مكية (5) الحاقة: 28- 29 مكية (6) نوح: 21 مكية (7) المدثر: 11- 16 مكية (8) البلد: 5- 6 مكية (9) الهمزة: 1- 4 مكية (10) المسد: 1- 5 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5056 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغرور) والنهي عنه 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا يوم بدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال: «يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا» . قالوا: يا محمّد لا يغرّنّك من نفسك أنّك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا «1» لا يعرفون القتال إنّك لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس وإنّك لم تلق مثلنا، فأنزل الله- عزّ وجلّ- في ذلك قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ (آل عمران/ 12)) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج في آخر الزّمان رجال يختلون «3» الدّنيا بالدّين يلبسون للنّاس جلود الضّأن من اللّين، ألسنتهم أحلى من السّكّر وقلوبهم قلوب الذّئاب. يقول الله- عزّ وجلّ- أبي يغترّون. أم عليّ يجترئون؟ فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيران» ) * «4» . 3- * (عن ابن أبان- رضي الله عنه- قال: أتيت عثمان بن عفّان بطهور وهو جالس على المقاعد فتوضّأ فأحسن الوضوء ثمّ قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم توضّأ وهو في هذا المجلس فأحسن الوضوء ثمّ قال: من توضّأ مثل هذا الوضوء ثمّ أتى المسجد فركع ركعتين، ثمّ جلس غفر له ما تقدّم من ذنبه قال: وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لا تغترّوا» ) * «5» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يحدّث أنّه قال: «مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتّى خرج حاجّا فخرجت معه، فلمّا رجعت وكنّا ببعض الطّريق. عدل إلى الأراك لحاجة له، قال فوقفت له حتّى فرغ، ثمّ سرت معه فقلت له: يا أمير المؤمنين من اللّتان تظاهرتا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أزواجه، فقال: تلك حفصة وعائشة، قال فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك، قال فلا تفعل؛ ما ظننت أنّ عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبّرتك به، قال ثمّ قال عمر: والله إن كنّا في الجاهليّة ما نعدّ للنّساء أمرا، حتّى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم، قال: فبينا أنا في أمر أتأمّره إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، قال فقلت لها: مالك ولما ها هنا، فيما تكلّفك في أمر أريده؟ فقالت لي   (1) أغمارا: الغمر: هو الجاهل الذي لم يجرب الأمور. (2) سنن أبي داود 3 (3001) ، والطبري (6666) ورجاله ثقات غير محمد بن أبي محمد ووثقه ابن حبان. (3) يختلون: يطلبون الدنيا بعمل الآخرة. (4) سنن الترمذي 4 (2402) ، ويشهد له حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- رقم (2405) ، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. (5) البخاري- الفتح 11 (4633) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5057 عجبا لك يا ابن الخطّاب، ما تريد أن تراجع أنت، وإنّ ابنتك لتراجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى يظلّ يومه غضبان. فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتّى دخل على حفصة، فقال لها: يا بنيّة إنّك لتراجعين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنّا لنراجعه. فقلت: تعلمين أنّي أحذّرك عقوبة الله وغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم يا بنيّة لا يغرّنّك هذه الّتي أعجبها حسنها حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إيّاها- يريد عائشة- قال ثمّ خرجت حتّى دخلت على أمّ سلمة لقرابتي منها فكلّمتها، فقالت أمّ سلمة: عجبا لك يابن الخطّاب دخلت في كلّ شيء حتّى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد فخرجت من عندها وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوّف ملكا من ملوك غسّان ذكر لنا أنّه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاريّ يدقّ الباب، فقال افتح افتح فقلت جاء الغسّانيّ فقال: بل أشدّ من ذلك، اعتزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أزواجه. فقلت رغم أنف حفصة وعائشة. فأخذت ثوبي فأخرج حتّى جئت، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مشربة «1» له يرقى عليها بعجلة، وغلام لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسود على رأس الدّرجة، فقلت له: قل هذا عمر بن الخطّاب. فأذن لي. قال عمر: فقصصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا الحديث، فلمّا بلغت حديث أمّ سلمة تبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإنّه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإنّ عند رجليه قرظا مصبورا «2» ، وعند رأسه أهب معلّقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إنّ كسرى وقيصر. فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدّنيا ولنا الآخرة؟» ) * «3» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) . حتّى حجّ عمر وحججت معه. فلمّا كنّا ببعض الطّريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة «4» . فتبرّز، ثمّ أتاني فسكبت على يديه. فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين! من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما؟ قال عمر: واعجبا لك يا ابن عبّاس! (قال الزّهريّ: كره، والله! ما سأله عنه ولم يكتمه) قال: هي حفصة وعائشة. ثمّ أخذ   (1) مشربة: غرفة. (2) قرظا مصبورا: مجموعا مثل الصبرة. (3) البخاري- الفتح 8 (4913) . (4) الإداوة: إناء صغير من جلد يتّخذ للماء كالسطيحة ونحوها، وجمعها أدواى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5058 يسوق الحديث. قال: كنّا، معشر قريش، قوما نغلب النّساء. فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم. فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في بني أميّة بن زيد، بالعوالي. فتغضّبت يوما على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله! إن أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه. وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل، فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكنّ اليوم إلى اللّيل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر، أفتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا تسأليه شيئا، وسليني ما بدا لك، ولا يغرّنّك أن كانت جارتك «1» هي أوسم «2» وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك (يريد عائشة) . قال: وكان لي جار من الأنصار. فكنّا نتناوب النّزول إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فينزل يوما وأنزل يوما. فيأتيني بخبر الوحي وغيره. وآتيه بمثل ذلك. وكنّا نتحدّث؛ أنّ غسّان تنعل «3» الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي، ثمّ أتاني عشاء فضرب بابي. ثمّ ناداني، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم، قلت: ماذا؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأطول. طلّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت. قد كنت أظنّ هذا كائنا. حتّى إذا صلّيت الصّبح شددت عليّ ثيابي. ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي. فقلت: أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: لا أدري. هاهو ذا معتزل في هذه المشربة «4» . فأتيت غلاما له أسود. فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ. فقال: قد ذكرتك له فصمت. فانطلقت حتّى انتهيت إلى المنبر فجلست. فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم. فجلست قليلا. ثمّ غلبني ما أجد. ثمّ أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ. فقال: قد ذكرتك له فصمت. فولّيت مدبرا. فإذا الغلام يدعوني. فقال: ادخل. فقد أذن لك. فدخلت فسلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فإذا هو متّكيء على رمل حصير «5» . قد أثّر في جنبه. فقلت: أطلّقت- يا رسول الله- نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: «لا» فقلت: الله أكبر! لو رأيتنا، يا رسول الله! وكنّا، معشر قريش، قوما نغلب النّساء. فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم. فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم. فتغضّبت على امرأتي يوما. فإذا هي تراجعني. فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله! إنّ أزواج النّبيّ   (1) جارتك: ضرتك. (2) أوسم: أحسن وأجمل. (3) تنعل الخيل: أي يجعلون لخيولهم نعالا لغزونا، يعني يتهيأون لغزونا. (4) المشربة: الغرفة. (5) رمل حصير: يقال: رملت الحصير وأرملته إذا نسجته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5059 صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهنّ وخسر، أفتأمن إحداهنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فإذا هي قد هلكت؟ فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله! قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك فتبسّم أخرى فقلت: أستأنس «1» يا رسول الله! قال: «نعم» فجلست. فرفعت رأسي في البيت. فو الله! ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر، إلّا أهبا «2» ثلاثة. فقلت: ادع الله يا رسول الله! أن يوسّع على أمّتك. فقد وسّع على فارس والرّوم. وهم لا يعبدون الله. فاستوى جالسا ثمّ قال: «أفي شكّ أنت يابن الخطّاب؟! أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» ، فقلت: استغفر لي، يا رسول الله! وكان أقسم أن لا يدخل عليهنّ شهرا من شدّة موجدته «3» عليهنّ. حتّى عاتبه الله عزّ وجلّ) * «4» . 6- * (عن أبي أسماء الرّحبيّ أنّ ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه قال: جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي يدها فتخ (أي خواتيم ضخام) فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضرب يدها فدخلت على فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تشكو إليها الّذي صنع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب، وقالت: هذه أهداها إليّ أبو حسن «5» فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والسّلسلة في يدها، فقال: «يا فاطمة أيغرّك أن يقول النّاس: ابنة رسول الله، وفي يدها سلسلة من نار، ثمّ خرج ولم يقعد فأرسلت فاطمة بالسّلسلة إلى السّوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما وقال مرّة: عبدا وذكر كلمة معناها فأعتقته فحدّث بذلك فقال: «الحمد لله الّذي أنجى فاطمة من النّار» ) * «6» . 7- * (عن شيخ من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسوق ذي المجاز يتخلّلها. يقول «يا أيّها النّاس قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا» قال: وأبو جهل يحثي عليه التّراب، ويقول: أيّها النّاس لا يغرّنّكم هذا عن دينكم، فإنّما يريد لتتركوا آلهتكم، ولتتركوا اللّات والعزّى، قال: وما يلتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث» ) * «7» .   (1) أستأنس: الظاهر من إجابته صلّى الله عليه وسلّم أن الاستنئاس هنا هو الاستئذان في الأنس والمحادثة، ويدل عليه قوله: فجلست. (2) أهبا ثلاثة: جمع إهاب وهو الجلد غير المدبوغ. (3) من شدة موجدته: أي غضبه. (4) مسلم 2 (1479) . (5) أبو حسن هو عليّ- رضي الله عنه- وهو زوج السيدة فاطمة- رضي الله عنها-. (6) سنن النسائي 8/ 116 رقم (5140) ، وأحمد في المسند (5/ 278) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 728) : وإسناده صحيح. (7) المسند (5/ 376) برقم (23254) ، وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 22، وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5060 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغرور) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرّحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطّاب في آخر حجّة حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرّحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة «1» فتمّت، فغضب عمر ثمّ قال: إنّي إن شاء الله لقائم العشيّة في النّاس فمحذّرهم هؤلاء الّذين يريدون أن يغصبوهم «2» أمورهم. قال عبد الرّحمن: فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاع النّاس وغوغاءهم «3» ، فإنّهم هم الّذين يغلبون على قربك حين تقوم في النّاس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيّرها «4» عنك كلّ مطيّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتّى تقدم المدينة فإنّها دار الهجرة والسّنّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف النّاس، فتقول ما قلت متمكّنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله- إن شاء الله- لأقومنّ بذلك أوّل مقام أقومه بالمدينة قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة، في عقب ذي الحجّة، فلمّا كان يوم الجمعة عجّلت الرّواح حين زاغت الشّمس حتّى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطّاب فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر عليّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر، فلمّا سكت المؤذّنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد فإنّي قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب عليّ إنّ الله بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرّجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرّجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، والرّجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرّجال والنّساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم- أو إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم- ألا ثمّ   (1) فلتة: فجأة. (2) يغصبوهم: يغلبوهم على الأمر. (3) غوغاءهم: السفلة المسرعين إلى الشر. (4) يطيرها: يطلقها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5061 إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله. ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت، ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه «1» مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا «2» ، وإنّه قد كان من خبرنا حين توفّى الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا عليّ والزّبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبابكر، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم، فلمّا دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا؛ نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينّهم. فانطلقنا حتّى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ماله؟ قالوا: يوعك. فلمّا جلسنا قليلا تشهّد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم- معشر المهاجرين- رهط، وقد دفّت دافّة من قومكم «3» ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا «4» من أصلنا وأن يحضنونا «5» من الأمر. فلمّا سكت أردت أن أتكلّم- وكنت قد زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحدّ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أغضبه، فتكلّم أبو بكر، فكان هو أحلم منّي وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتّى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلّا لهذا الحيّ من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا. وقد رضيت لكم أحد هذين الرّجلين فبايعوا أيّهما شئتم- فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجرّاح وهو جالس بيننا- فلم أكره ممّا قال غيرها، كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من إثم أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر، اللهمّ إلّا أن تسوّل إليّ نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكّك «6» ، وعذيقها المرجّب.   (1) تقطع الأعناق إليه: أي أن السابق منكم الذي لا يلحق في الفضل لا يصل إلى منزلة أبي بكر. (2) تغرّة أن يقتلا: أي من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل. (3) دفت دافة من قومكم: أي أنكم قوم طرأة غرباء أقبلتم من مكة إلينا، ثم أنتم تريدون أن تستأثروا علينا. (4) يختزلونا: يعوقوننا عنها. (5) يحضنونا: يحبسوه عنا. (6) أنا جذيلها المحكّك: وعذيقها المرجّب: أي قد جربتني الأمور، ولي رأي وعلم يشتفى بهما كما تشتفي هذه الإبل الجربى بهذا الجذل، وصغره على جهة المدح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5062 منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللّغط، وارتفعت الأصوات، حتّى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإمّا بايعناهم على مالا نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فسادا، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا» ) * «1» . 2- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: تقوى الله مفتاح سداد «2» وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، فبادروا بالأعمال عمرا ناكسا «3» ، أو مرضا حابسا «4» ، أو موتا خالسا «5» ، فإنّه هادم لذّاتكم، ومباعد طيّاتكم «6» ، زائر غير محبوب، وواتر غير مطلوب، قد أعلقتكم حبائله، وتكنّفتكم «7» غوائله، وأقصدتكم معابله «8» ، فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، واحتدام علله، وحنادس «9» غمراته، وغواشي سكراته، وأليم إرهاقه، ودجوّ إطباقه، وجشوبة «10» مذاقه فأسكت نجيّكم «11» ، وفرّق نديّكم، فلا تغرّنكم الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية، الّذين احتلبوا درّتها «12» ، وأصابوا غرّتها، وأفنوا عدّتها وأخلقوا جدّتها، أصبحت مساكنهم أجداثا، وأموالهم ميراثا، فإنّها غرّارة «13» خدوع، معطية منوع، لا يدوم رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها) * «14» . 3- * (وعن عليّ- رضي الله عنه- أنّه صاح بغلام له مرّات، فلم يلبّه، فنظر، فإذا هو بالباب، فقال: مالك لم تجبني؟ قال: لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك، فاستحسن ذلك فأعتقه) * «15» . 4- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا) * «16» .   (1) البخاري- الفتح 12 (6830) . (2) السداد: بالكسر: ما يسد به الشيء ومنه سداد الثغر. (3) الناكس: الراجع. (4) الحابس: الذي يمنع صاحبه من العمل. (5) الموت الخالس: الذي يأخذ صاحبه على غفلة. (6) الطيات: النيات. (7) التكنف: الحلول بالأكناف وهي الضواحي. (8) المعابل: نصل عريض طويل. (9) الحنادس: الظلم. (10) الجشوبة: خشونة المذاق. (11) النجي: القوم يتناجون. (12) الدرة: اللبن. (13) الغرارة: فعالة من الغرور. (14) منال الطالب لابن الأثير 364. (15) تفسير القرطبي (10/ 161) . (16) الإحياء (3/ 411) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5063 5- * (وقال ابن مسعود- رضي الله عنه- ما منكم من أحد إلّا وسيخلو الله به يوم القيامة، فيقول له: يابن آدم ماذا غرّك بي؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟) * «1» . 6- * (دخل أبو الدّرداء- رضي الله عنه- الشّام فقال: يا أهل الشّام، اسمعوا قول أخ ناصح فاجتمعوا عليه، فقال؛ مالي أراكم تبنون مالا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون؟ إنّ الّذين كانوا قبلكم بنوا مشيدا وأمّلوا بعيدا وجمعوا كثيرا، فأصبح أملهم غرورا وجمعهم ثبورا ومساكنهم قبورا) * «2» . 7- * (قال مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (فاطر/ 5) : الغرور: الشّيطان) * «3» . 8- * (عن عكرمة في قوله تعالى يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار/ 6) . قال: الإنسان: أبيّ بن خلف) * «4» . 9- * (قال وهب بن منبّه- رحمه الله- قال الله لموسى انطلق برسالتي فإنّك بسمعي وعيني وإنّ معك يدي وبصري وإنّي قد ألبستك جنّة من سلطاني لتستكمل بها القوّة في أمري فأنت جند عظيم من جندي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي، بطر نعمتي وأمن مكري وغرّته الدّنيا عنّي، جحد حقّي وأنكر ربوبيّتي) * «5» . 10- * (عن قتادة: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ما غرّ ابن آدم غير هذا العدوّ والشّيطان) * «6» . 11- * (عن الزّهريّ- رحمه الله- قال: من استطاع ألّا يغترّ فلا يغترّ) * «7» . 12- * (عن أبي حازم قال: لمّا حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة، قال: ائتوني بكفني الّذي أكفّن فيه، أنظر إليه. فلمّا وضع بين يديه نظر إليه فقال: أما لي كثير ما أخلف من الدّنيا إلّا هذا، ثمّ ولّى ظهره وبكى وقال: أفّ لك من دار إن كان كثيرك لقليل وإن كان قليلك لكثير وإن كنّا منك لفي غرور) * «8» . 13- * (قال أبو بكر الورّاق: لو قال لي أحد: ما غرّك بربّك الكريم؟ لقلت غرّني كرم الكريم، وقال بعض أهل الإشارة: إنّما قال: بربّك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنّه لقّنه الإجابة؛ وهذا الّذي تخيّله   (1) تفسير القرطبي (10/ 161) . (2) أدب الدنيا والدين ص 128. (3) البخاري- الفتح 11 (254) . (4) الدرّ المنثور (6/ 534) . (5) تفسير ابن كثير (3/ 146) . (6) تفسير ابن كثير (4/ 481) . (7) مسلم ج 1 ص 456، وقد ذكر الزهري ذلك تعقيبا على ما جاء في حديث عتبان من قوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله قد حرّم على النّار من قال: لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» انظر الحديث تامّا في مسلم 1 (33) ص 455. (8) الدر المنثور (3/ 429) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5064 هذا القائل ليس بطائل لأنّه إنّما أتى باسمه الكريم ينبّه على أنّه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور) * «1» . 14- * (روى الدّارميّ في سننه عن بعض الفقهاء أنّه قال: يا صاحب العلم اعمل بعلمك، وأعط فضل مالك، واحبس الفضل من قولك إلّا بشيء من الحديث ينفعك عند ربّك، يا صاحب العلم إنّ الّذي علمت ثمّ لم تعمل به قاطع حجّتك ومعذرتك عند ربّك إذا لقيته، يا صاحب العلم إنّ الّذي أمرت به من طاعة الله ليشغلك عمّا نهيت عنه من معصية الله، يا صاحب العلم لا تكوننّ قويّا في عمل غيرك ضعيفا في عمل نفسك، يا صاحب العلم لا يشغلنّك الّذي لغيرك عن الّذي لك، يا صاحب العلم عظّم العلماء، وزاحمهم، واستمع منهم، ودع منازعتهم، يا صاحب العلم عظّم العلماء لعلمهم، وصغّر الجهّال لجهلهم، ولا تباعدهم وقرّبهم وعلّمهم، يا صاحب العلم لا تحدّث بحديث في مجلس حتّى تفهمه، ولا تجب امرأ في قوله حتّى تعلم ما قال لك، يا صاحب العلم لا تغترّ بالله، ولا تغترّ بالنّاس فإنّ الغرّة بالله ترك أمره، والغرّة بالنّاس اتّباع هواهم، واحذر من الله ما حذّرك من نفسه، واحذر من النّاس فتنتهم، يا صاحب العلم إنّه لا يكمل ضوء النّهار إلّا بالشّمس كذلك لا تكمل الحكمة إلّا بطاعة الله، يا صاحب العلم إنّه لا يصلح الزّرع إلّا بالماء والتّراب، كذلك لا يصلح الإيمان إلّا بالعلم والعمل، يا صاحب العلم كلّ مسافر متزوّد وسيجد إذا احتاج إلى زاده ما تزّود، وكذلك سيجد كلّ عامل إذا احتاج إلى عمله في الآخرة ما عمل في الدّنيا، يا صاحب العلم إذا أراد الله أن يحضّك على عبادته فاعلم أنّه إنّما أراد أن يبيّن لك كرامتك عليه، فلا تحوّلنّ إلى غيره فترجع من كرامته إلى هوانه، يا صاحب العلم إنّك إن تنقل الحجارة والحديد أهون عليك من أن تحدّث من لا يقبل حديثك، ومثل الّذي يحدّث من لا يقبل حديثه كمثل الّذي ينادي الميّت ويضع المائدة لأهل القبور) * «2» . 15- * (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: وكان أرباب البصائر إذا أقبلت عليهم الدّنيا حزنوا، وقالوا: ذنب عجّلت عقوبته، ورأوا ذلك علامة المقت والإهمال، وإذا أقبل عليهم الفقر قالوا: مرحبا بشعار الصّالحين، والمغرور إذا أقبلت عليه الدّنيا ظنّ أنّها كرامة من عند الله، وإذا احترفت عنه ظنّ أنّها هوان) * «3» . 16- * (قال عون بن عبد الله: إذا عصتك نفسك فيما كرهت فلا تطعها فيما أحببت، ولا يغرّنّك ثناء من جهل أمرك) * «4» .   (1) تفسير الطبري (19/ 161) . (2) سنن الدارمي ج 1 ص 158- 159. (3) إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (3/ 404) . (4) أدب الدنيا والدين ص 230. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5065 17- * (قيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله- تعالى- يوم القيامة بين يديه. فقال لك: ما غرّك بربّك الكريم؟ ماذا كنت تقول؟ قال: كنت أقول: غرّني ستورك المرخاة لأنّ الكريم هو السّتّار. نظمه ابن السّمّاك فقال: يا كاتم الذّنب أما تستحي ... والله في الخلوة ثانيكا غرّك من ربّك إمهاله ... وستره طول مساويكا) * «1» . 18- * (وقال ذو النّون المصريّ: كم من مغرور تحت السّتر وهو لا يشعر) * «2» . 19- * (وقال ابن طاهر الأبهريّ: يا من غلا في العجب والتّيه ... وغرّه طول تماديه أملى لك الله فبارزته ... ولم تخف غبّ معاصيه) * «3» . 20- * (يقول ابن كثير في الآية الكريمة: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار/ 6) هذا تهديد، لا كما يتوهّمه بعض النّاس من أنّه إرشاد إلى الجواب حيث قال الكريم حتّى يقول قائلهم غرّه كرمه بل المعنى في هذه الآية: ما غرّك يابن آدم بربّك الكريم أي العظيم حتّى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق كما جاء فى الحديث «يقول الله تعالى يوم القيامة: يا ابن آدم ما غرّك بي؟ يابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟» ) * «4» . 21- * (قال مسعر: كم من مستقبل يوما وليس يستكمله ومنتظر غدا وليس من أجله ولو رأيتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره) * «5» . 22- * (روى الماورديّ عن بعض البلغاء: الهوى مطيّة الفتنة، والدّنيا دار المحنة، فاترك الهوى تسلم، وأعرض عن الدّنيا تغنم، ولا يغرّنّك هواك بطيب الملاهي، ولا تفتننّك دنياك بحسن العواري، فمدّة اللهو تنقطع وعاريّة الدّهر ترتجع ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم؛ وتكتسبه من المآثم) * «6» . 23- * (نقل الماورديّ عن بعض الحكماء: الدّنيا إمّا مصيبة موجعة، وإمّا منيّة مفجعة. وقال الشّاعر: خلّ دنياك إنّها ... يعقب الخير شرّها هي أمّ تعقّ من ... نسلها من يبرّها كلّ نفس فإنّها ... تبتغي ما يسرّها والمنايا تسوقها ... والأماني تغرّها فإذا استحلت الجنى ... أعقب الحلو مرّها   (1) تفسير القرطبي (10/ 161) . (2) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (3) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (4) تفسير ابن كثير (4/ 451) . (5) أدب الدنيا والدين للماوردي ص 123. (6) المرجع السابق، ص 38، 39. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5066 يستوي في ضريحه ... عبد أرض وحرّها فإذا رضت نفسك من هذه الحالة بما وصفت. اعتضت منها بثلاث خلال إحداهنّ: أن تكفى إشفاق المحبّ وحذر الواثق فليس لمشفق ثقة ولا لحاذر راحة. والثّانية: أن تأمن الاغترار بملاهيها. فتسلم من عادية دواهيها فإنّ اللّاهي بها مغرور والمغرور فيها مذعور. الثّالثة: أن تستريح من تعب السّعي لها ووهن الكدّ فيها) * «1» . 24- * (روى الماورديّ عن بعض الحكماء قوله: إنّ للباقي بالماضي معتبرا وللآخر بالأوّل مزدجرا والسّعيد لا يركن إلى الخدع ولا يغترّ بالطّمع) * «2» . 25- * (وقال ابن الجوزيّ: من النّاس من يغرّه تأخير العقوبة ومنهم من كان يقطع بالعفو، وأكثرهم متزلزل الإيمان فنسأل الله أن يميتنا مسلمين) * «3» . 26- * (قال ابن الجوزيّ: أعجب الأشياء اغترار الإنسان بالسّلامة وتأميله الإصلاح فيما بعد وليس لهذا الأمل منتهى ولا للاغترار حدّ) * «4» . 27- * (قيل لبشير: لم لم تتزوّج؟ فقال: على ماذا أغرّ مسلمة وقد قال الله- عزّ وجلّ- وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة/ 228)) * «5» . 28- * (قال ابن الجوزيّ في الاغترار بالظّواهر: كيف غرّك زخرف تعلم بعقلك باطنه، وترى بعين فكرك مآله؟ كيف آثرت فانيا على باق؟ كيف بعت بوكس؟ كيف اخترت لذّة رقدة على انتباه معاملة) * «6» . 29- * (قال ابن الجوزيّ: من تفكّر في عواقب الدّنيا أخذ الحذر، ومن أيقن الطّريق تأهّب للسّفر، ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثمّ ينساه ويتحقّق ضرر حال ثمّ يغشاه وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ (الأحزاب/ 37) ، تغلبك نفسك على ما تظنّ ولا تغلبها على ما تستيقن، أعجب العجائب سرورك بغرورك، وسهوك فى لهوك عمّا قد خبّيء لك، تغترّ بصحّتك وتنسى دنوّ السّقم وتفرح بعافيتك غافلا عن قرب الألم، لقد أراك مصرع غيرك مصرعك، وأبدى مضجع سواك- قبل الممات- مضجعك، وقد شغلك نيل لذّاتك عن ذكر خراب ذاتك) * «7» .   (1) أدب الدنيا والدين ص 116، 117. (2) أدب الدنيا والدين ص 123. (3) صيد الخاطر لابن الجوزي 484. (4) صيد الخاطر 393. (5) صيد الخاطر 392. (6) صيد الخاطر 146. (7) صيد الخاطر ص 4. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5067 من مضار (الغرور) (1) غرور الكفّار والفسّاد والعصاة من أشدّ أنواع الغرور إلحاقا للأذى. (2) الغرور دليل فساد النّفس وخبث الطّويّة. (3) الغرور بعفو الله يوقع في الهلاك. (4) غرور العلماء بعلمهم يلهيهم عن العمل. (5) غرور العبّاد يفسد ثواب عملهم. (6) الغرور يؤدّي إلى الطّغيان والكفر أو الفسق والفجور. (7) الغرور فيه جرأة عظيمة على الله سبحانه وتعالى. (8) هو خسران فى الدّنيا وعذاب في الآخرة. (9) فيه جهالة بحقيقة النّفس وأنّ الإنسان قد خلق من صلصال من حمأ مسنون. (10) الغرور يتنافى مع العبوديّة الحقّة لله تعالى. (11) الغرور يهلك الأمم ويصيب الأفراد بالأمراض النّفسيّة الخطيرة. (12) الغرور يورث الكبر والعجب وغيرهما من أمراض القلب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5068 الغش الغش لغة: الغشّ اسم من قولهم غشّه يغشّه غشّا- بالكسر- وهو مأخوذ من مادّة (غ ش ش) يقول ابن فارس: «الغين والشّين أصول تدلّ على ضعف في الشّيء واستعجال فيه. من ذلك الغشّ، ويقولون: الغشّ ألّا تمحض النّصيحة «1» . واستغشّه خلاف استنصحه «2» . ويقول الفيّوميّ: «غشّه غشّا من باب قتل، والاسم غشّ- بالكسر- لم ينصحه وزيّن له غير المصلحة، ولبن مغشوش، مخلوط بالماء «3» . وغشّه يغشّه غشّا لم يمحضه النّصح، وأظهر له خلاف ما أضمره، وهو بعينه، عدم الإمحاض في النّصيحة كغشّشه تغشيشا، وهو مبالغة في الغشّ. والغشّ: الغلّ والحقد، وقد غشّ صدره يغشّ إذا غلّ «4» . وقال ابن منظور: الغشّ نقيض النّصح، وهو مأخوذ من الغشش وهو المشرب الكدر. ومن هذا الغشّ في البياعات. وفي الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس منّا من غشّنا» . قال أبو عبيدة: وقد غشّه يغشّه غشّا: لم يمحضه النّصيحة، وشيء مغشوش، ورجل غشّ: غاشّ، والجمع: غشّون، قال أوس بن حجر: مخلّفون، ويقضي النّاس أمرهم ... غشّوا الأمانة صنبور لصنبور واستغشّه واغتشّه: ظنّ به الغشّ، وهو خلاف استنصحه. واغتششت فلانا: أي عددته غاشّا، قال الشّاعر: أيا ربّ من تغتشّه لك ناصح ... ومنتصح بالغيب غير أمين «5» . الغش اصطلاحا: قال المناويّ: الغشّ ما يخلط من الرّديء بالجيّد «6» . وقال ابن حجر: الغشّ (المحرّم) أن يعلم ذو السّلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئا لو اطّلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل «7» .   (1) المقاييس (4/ 383) . (2) الصحاح (3/ 1013) . (3) المصباح المنير (170) . (4) التاج (9/ 154) . (5) لسان العرب (6/ 323) . (6) التوقيف (252) . (7) الزواجر (323) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5069 وقال الكفويّ: الغشّ: سواد القلب وعبوس الوجه «1» . أنواع الغش: للغشّ أنواع عديدة أهمّها: 1- الغشّ في البيوع وغيرها من المعاملات وهو ما أشار إليه المناويّ وابن حجر في تعريفهما للغشّ. 2- الغشّ في النّصح، وهو ما أشار إليه الكفويّ، ويراد به عدم الإخلاص في النّصح، ومنه قول أبي عبيدة: «غشّه غشّا» لم يمحضه النّصيحة. 3- الغشّ للرّعيّة، وهو ما أشار إليه الإمام الذّهبيّ في حديثه عن الكبيرة السّادسة عشرة، وعليه قوله صلّى الله عليه وسلّم «أيّما راع غشّ رعيّته فهو في النّار» «2» . حكم الغش: عدّ الإمام ابن حجر النّوع الأوّل من الغشّ: وهو غشّ البيوع ونحوها من الكبائر، فقال: عدّ هذا كبيرة هو ظاهر ما في بعض الأحاديث من نفي الإسلام عن الغاشّ مع كونه لم يزل في مقت الله، أو كون الملائكة تلعنه، وما ذكره بعضهم من أنّه صغيرة فيه نظر لما ذكر من الوعيد الشّديد فيه «3» . أمّا النّوع الثّاني: وهو الغشّ في النّصيحة فهو أيضا من الكبائر الباطنة، لأنّ مرجعها سواد القلب، وينطبق عليها ما ينطبق على سائر الكبائر الباطنة الّتي يذمّ العبد عليها أكثر ممّا يذمّ على الزّنا والسّرقة وشرب الخمر «4» . أمّا النّوع الثّالث: وهو غشّ الإمام للرّعيّة. فقد عدّه الإمام الذّهبيّ من الكبائر أيضا. فقال: الكبيرة السّادسة عشرة هي غشّ الإمام للرّعيّة وظلمه لهم، وقد استدلّ على ذلك بآيات عديدة وأحاديث مختلفة منها الحديث رقم (3) « ... وهو غاشّ لرعيّته إلّا حرّم الله عليه الجنّة» «5» . [للاستزادة: انظر صفات: التطفيف- الخيانة التناجش- النفاق- أكل الحرام- سوء المعاملة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمانة- حسن المعاملة- النصيحة] . الآيات الواردة في «الغش» معنى 1- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) «6»   (1) الكليات (672) . (2) الكبائر (73) . (3) الزواجر (320) . (4) المرجع السابق (98) ، وقد عد هذا الغش الكبيرة الخامسة. (5) انظر ذلك مفصلا في الكبائر (72، 76) . (6) المطففين: 1- 3 مكية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5070 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغش) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «يطلع عليكم الآن من هذا الفجّ رجل من أهل الجنّة ... » الحديث وفيه-: فما بلغ بك ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: ما هو إلّا ما رأيت. قال: فانصرفت عنه، فلمّا ولّيت دعاني فقال: ما هو إلّا ما رأيت غير أنّي لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشّا، ولا أحسده على خير أعطاه الله إيّاه. فقال عبد الله: فهذه الّتي بلغت بك، وهي الّتي لا نطيق) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا. فقال: «ما هذا يا صاحب الطّعام؟» قال: أصابته السّماء يا رسول الله. قال: «أفلا جعلته فوق الطّعام كي يراه النّاس؟ من غشّ فليس منّي» ) * «2» . 3- * (عن معقل بن يسار المزنيّ- رضي الله عنه- في مرضه الّذي مات فيه قال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعيّة، يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته إلّا حرّم الله عليه الجنّة» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الغش) معنى 4- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثا) : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وشهادة الزّور (أو قول الزّور) » وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متّكئا فجلس. فما زال يكرّرها حتّى قلنا ليته سكت) * «4» . 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة) * «5» . 6- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني   (1) أحمد في المسند (3/ 166) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (13/ 113، 114) ، وقال: محققه إسناده صحيح. (2) مسلم (102) . (3) البخاري- الفتح 13 (7150) ، ومسلم (142) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 5 (2654) ، ومسلم (87) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 10 (5937) ، ومسلم (2124) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5071 يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال «1» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «2» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «3» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «4» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «5» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «6» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «7» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «8» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «9» . وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر «10» له، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «11» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «12» . وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «13» «والشّنظير «14» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في   (1) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال إلخ.. ومعنى نحلته: أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (2) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (3) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقيل: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها. (4) فمقتهم: المقت أشد البغض. (5) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (6) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك اليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومنهم من يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومنهم من ينافق. (7) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الزمان. (8) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (9) نغزك: أي نعينك. (10) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (11) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (12) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء اذا أظهرته. وأخفيته اذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (13) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور. (14) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5072 حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «1» . 7- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نهى أن تتلقّى السّلع «2» حتّى تبلغ الأسواق) * «3» . 8- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا ذكر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه يخدع في البيوع. فقال: لا خلابة «4» » ) * «5» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السّبيل، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدّقه، وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلّا لدنيا. فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف» ) * «6» . 10- * (عن أسماء- رضي الله عنها- جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّ لي ضرّة، فهل عليّ جناح أن أتشبّع من مال زوجي بما لم يعطني؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المتشبّع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور) * «7» . 11- * (عن سعيد بن المسيّب؛ قال: قدم معاوية المدينة فخطبنا وأخرج كبّة من شعر. فقال: ما كنت أرى أحدا يفعله إلّا اليهود، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلغه فسمّاه الزّور) * «8» . 12- * (عن أبي الطّفيل، عامر بن واثلة. قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ قال: فغضب وقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ قال: فغضب وقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليّ شيئا يكتمه النّاس. غير أنّه قد حدّثني بكلمات أربع. قال: فقال: ما هنّ؟ يا أمير المؤمنين، قال: قال: «لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله. ولعن الله من آوى محدثا. ولعن الله من غيّر منار الأرض» ) * «9» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا يتلقّى الرّكبان لبيع ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصرّوا الإبل والغنم. فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النّظرين، بعد أن يحلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر» ) * «10» .   (1) مسلم 4 (2865) . (2) السلع: جمع سلعة، كسدرة وسدر وهو المتاع وما يتجر به. (3) البخاري- الفتح 4 (2165) ، ومسلم (1517) واللفظ له. (4) لا خلابة: لا تخلبوني أي لا تخدعوني. (5) البخاري- الفتح 12 (6964) واللفظ له، ومسلم (1533) . (6) مسلم (108) واللفظ له، وبعضه عند البخاري الفتح 5 (2353) . (7) البخاري- الفتح 9 (5219) ، ومسلم (2130) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 10 (5938) ، ومسلم (2127) واللفظ له، والكبة شعر ملفوف بعضه على بعض. (9) مسلم (1978) . (10) البخاري- الفتح 4 (2150) ، ومسلم (1515) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5073 14- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يجمع بين مفترق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة» ) * «1» . 15- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المحلّل والمحلّل له» ) * «2» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «3» كريم، والفاجر خبّ «4» لئيم» ) * «5» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر «6» ) * «7» . 18- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّجش «8» ) * «9» . من الآثار الواردة في ذمّ (الغش) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال: كنت تكهّنت لإنسان في الجاهليّة، وما أحسن الكهانة، إلّا أنّي خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الّذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كلّ شيء في بطنه) * «10» . 2- * (قال ابن أبي أوفى: «النّاجش «11» آكل ربا خائن» ) * «12» . 3- * (قال الشّاعر: لقد أباحك غشّا في معاملة ... من كنت منه بغير الصّدق تنتفع   (1) البخاري- الفتح 12 (6955) ، وأبو داود (1567) واللفظ له. (2) الترمذي (1120) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني صحيح سنن الترمذي رقم (893) . (1/ 326) . (3) الغر: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرا نسبة له، إلى سلامة الصدر وحسن الباطن والظن في الناس. فكأنه لم يجرب بواطن الأمور. (4) الخب: الخداع المكار الخبيث. (5) الترمذي (1964) ، وأبو داود (4790) واللفظ له، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 187) برقم (1599) وقال محقق جامع الأصول (11/ 701) : حديث حسن. (6) الغرر: ما له ظاهر تؤثره وباطن تكرهه. (7) مسلم (1513) . (8) النجش: الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها. (9) البخاري- الفتح 4 (2142) واللفظ له، ومسلم (1516) . (10) البخاري- الفتح 7 (3842) . (11) الناجش: هو أن يمدح السّلعة لينفّقها يروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها. (12) البخاري- الفتح 4 (417) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5074 من مضار (الغش) (1) الغشّ طريق موصل إلى النّار. (2) دليل على دناءة النّفس وخبثها. (3) البعد عن الله والبعد عن النّاس. (4) حرمان إجابة الدّعاء. (5) حرمان البركة من المال والعمر. (6) دليل على نقص الإيمان. (7) يورث سخط النّاس ومقتهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5075 الغضب الغضب لغة: الغضب نقيض الرّضا، وهو مصدر غضب يغضب غضبا، يقول ابن فارس: الغين والضّاد والباء أصل صحيح يدلّ على شدّة وقوّة. يقال: إنّ الغضبة: الصّخرة الصّلبة. قالوا: ومنه اشتقّ الغضب، لأنّه اشتداد السّخط. وغضب عليه غضبا، ومغضبة، وأغضبته أنا فتغضّب، ورجل غضبان وامرأة غضبى ولغة بني أسد غضبانة وملآنة وأشباههما، وقوم غضبى وغضابى، مثل سكرى وسكارى. وغضب من لا شيء، أي من غير شيء يوجبه، وتغضّب عليه مثل غضب. وقال ابن منظور: يقال: غضب له: أي غضب على غيره من أجله وذلك إذا كان حيّا، فإن كان ميّتا قلت: غضب به (أي بسببه) . وقال ابن عرفة: الغضب من المخلوقين، شيء يداخل قلوبهم ومنه محمود ومذموم، فالمذموم ما كان في غير الحقّ، والمحمود ما كان في جانب الدّين والحقّ، وأمّا غضب الله تعالى فهو من صفات الأفعال لله- عزّ وجلّ- حقيقة على ما يليق بجلاله، وأمّا لازم الغضب فهو إنكاره على من عصاه ومعاقبته إيّاه، (والوصف من ذلك) : غضب وغضوب، وغضبان أي يغضب سريعا، وغاضبت الرّجل أغضبته وأغضبني، وغاضبه: راغمه وفي التّنزيل العزيز: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً (الأنبياء/ 87) قيل مغاضبا لربّه، وقيل: مغاضبا لقومه، قال ابن سيده: والأوّل أصحّ لأنّ العقوبة لم تحلّ به إلّا لمغاضبته ربّه، وقيل المعنى: ذهب مراغما لقومه، وقال القرطبيّ: المعنى مغاضبا من أجل ربّه كما تقول: غضبت لك أي من أجلك، والمؤمن يغضب لله تعالى إذا عصي، وروى عن الأخفش أنّه خرج مغاضبا للملك الّذي كان على قومه «1» ، وقولهم امرأة غضوب أي عبوس، والغضوب أيضا الحيّة الخبيثة، وغضب بصر فلان، إذا انتفخ من داء يصيبه يقال له: الغضاب والغضاب، والغضبة: الصّخرة الصّلبه المركّبة في الجبل، المخالفة له، وقيل الأكمة، وقيل: الصّخرة الرّقيقة، وغضبى اسم للمائة من الإبل «2» .   (1) في الآية تفسيرات أخرى عديدة. انظر: تفسير القرطبي (11/ 218، 219) . (2) انظر مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 428) ، والصحاح (1/ 194) ، لسان العرب (5/ 3262- 3264) ، المصباح المنير (448) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5076 الغضب اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الغضب: تغيّر يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفّي في الصّدر «1» . وقال الرّاغب: هو ثوران دم القلب إرادة الانتقام «2» . وقال التّهانويّ: الغضب هو حركة للنّفس مبدؤها الانتقام، وقيل: هو كيفيّة نفسانيّة تقتضي حركة الرّوح إلى خارج البدن طلبا للانتقام «3» . قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: الغضب: غليان دم القلب بطلب الانتقام. درجات الغضب: قال الغزاليّ: يتفاوت النّاس في قوّة الغضب على درجات ثلاث وهي: التّفريط، والإفراط، والاعتدال. أوّلا: التّفريط ويكون إمّا بفقد قوّة الغضب بالكلّية أو بضعفها، وحينئذ يقال للإنسان: إنّه لا حميّة له ويذمّ جدّا، ومن هنا قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: من استغضب فلم يغضب فهو حمار. وهذا يثمر ثمرات مرّة، كقلّة الأنفة ممّا يؤنف منه من التّعرّض للحرم والزّوجة والأمة واحتمال الذّلّ من الأخسّاء وصغر النّفس. ثانيا: الإفراط: ويكون بغلبة هذه الصّفة حتّى تخرج عن سياسة العقل والدّين والطّاعة ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر وفكرة ولا اختيار، بل يصير في صورة المضطرّ، وسبب غلبته أمور غريزيّة، وأمور اعتياديّة، فربّ إنسان هو بالفطرة مستعدّ لسرعة الغضب حتّى كأنّ صورته في الفطرة صورة غضبان ويعيش على ذلك حرارة مزاج القلب. وأمّا الأسباب الاعتياديّة: فهو أن يخالط قوما يتبجّحون بتشفّي الغيظ وطاعة الغضب ويسمّون ذلك شجاعة ورجوليّة. ثالثا: الاعتدال: وهو المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدّين فينبعث حيث تجب الحميّة وينطفيء حيث يحسن الحلم وحفظه على حدّ الاعتدال هو الاستقامة الّتي كلّف الله بها عباده وهو الوسط. فمن مال غضبه إلى الفتور حتّى أحسّ من نفسه بضعف الغيرة وخسّة النّفس في احتمال الذّلّ والضّيم في غير محلّه فينبغي أن يعالج نفسه، ومن مال غضبه إلى الإفراط حتّى جرّه إلى التّهوّر واقتحام الفواحش ينبغي أن يعالج نفسه لينقص سورة غضبه ويقف على الوسط الحقّ بين الطّرفين وهذا هو الصّراط المستقيم وهو أرقّ من الشّعرة وأدقّ من السّيف فإن عجز عنه فليطلب القرب منه «4» . أسباب الغضب: قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى- مبيّنا أسباب الغضب: من أسباب الغضب: الزّهو والعجب والمزاح والهزل والهزء والتّعيير والمماراة، والمضادّة (العناد) والغدر، وشدّة الحرص على فضول المال والجاه ومن أشدّ البواعث عليه عند أكثر الجهّال تسميتهم الغضب   (1) التعريفات (168) . (2) المفردات (374) . (3) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1089) . (4) إحياء علوم الدين (3/ 179- 180) بتصرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5077 شجاعة ورجوليّة وعزّة نفس وكبر همّة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلا حتّى تميل النّفس إليه وتستحسنه، وقد يتأكّد ذلك بحكاية شدّة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشّجاعة والنّفس مائلة إلى التّشبّه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه. علاج الغضب وتسكينه: يعالج الغضب إذا هاج بأمور منها: 1- أن يذكر الله- عزّ وجلّ- فيدعوه ذلك إلى الخوف منه ويبعثه الخوف منه على الطّاعة له فعند ذلك يزول الغضب، قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ (الكهف/ 24) ، قال عكرمة، يعني إذا غضبت. 2- أن يتفكّر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال فيرغب في ثواب ذلك، فتمنعه شدّة الحرص على ثواب هذه الفضائل عن التّشفّي والانتقام وينطفيء عنه غيظه. 3- أن يخوّف نفسه بعقاب الله تعالى، وهو أن يقول: قدرة الله عليّ أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت فيه غضبي، لم آمن أن يمضي الله- عزّ وجلّ- غضبه عليّ يوم القيامة فأنا أحوج ما أكون إلى العفو. 4- أن يحذّر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمير العدوّ في هدم أغراضه والشّماتة بمصائبه، فإنّ الإنسان لا يخلو من المصائب وهذا ما يعرف بتسليط شهوة على غضب، ولا ثواب عليه إلّا أن يكون خائفا من أن يتغيّر عليه أمر يعينه على الآخرة، فيثاب على ذلك. 5- أن يتفكّر في قبح صورته عند الغضب وأنّه يشبه حينئذ الكلب الضّاري والسّبع العادي وأنّه أبعد ما يكون مجانبة لأخلاق الأنبياء والعلماء الفضلاء في أخلاقهم. 6- أن يعلم أنّ غضبه إنّما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى لا على وفق مراده هو فكيف يكون مراد نفسه أولى من مراد الله تعالى. 7- أن يتذكّر ما يئول إليه الغضب من النّدم ومذمّة الانتقام. 8- أن يتذكّر أنّ القلوب تنحرف عنه وتحذر القرب منه فيبتعد الخلق عنه فيبقى وحيدا فريدا، فإنّ ذلك جدير بأن يصرف الغضب عنه. 9- أن يتحوّل عن الحال الّتي كان عليها فإن كان قائما جلس وإن كان جالسا اضطجع وعليه أن يتوضّأ أو يستنشق بالماء. 10- أن يستعيذ بالله من الشّيطان الرّجيم. 11- أن يذكر ثواب العفو وحسن الصّفح فيقهر نفسه على الغضب. 12- أن يذكر انعطاف القلوب عليه وميل النّفوس إليه، فلا يرى إضاعة ذلك بتنفير النّاس منه ويكفّ عن متابعة الغضب «1» . بين الحزن والغضب: قال الماورديّ: سبب الغضب هجوم ما تكرهه النّفس ممّن دونها، وسبب الحزن هجوم ما تكرهه النّفس   (1) أدب الدنيا والدين للماوردي (250، 252) ، إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 175173) ، مختصر منهاج القاصدين (180- 181) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5078 ممّن فوقها، والغضب يتحرّك من داخل الجسد إلى خارجه والحزن يتحرّك من خارج الجسد إلى داخله، فلذلك قتل الحزن، ولم يقتل الغضب؛ لكمون الحزن وبروز الغضب، وصار الحادث عن الغضب السّطوة والانتقام لبروزه، والحادث عن الحزن المرض والأسقام لكمونه، وكذلك أفضى الحزن إلى الموت، ولم يفض إليه الغضب «1» . من الغضب ما هو محمود: من الغضب ما يكون محمودا وذلك إذا صدر الغضب من الله- عزّ وجلّ- وليس مثل غضبه شيء، ومن ذلك غضبه تعالى على أعدائه لله من اليهود ومن كان على شاكلتهم من الكفّار والمنافقين والطّغاة والمتجبّرين (انظر الآيات 1- 11) و (الحديث 28) ، كما يكون الغضب محمودا إذا كان لله- عزّ وجلّ- عند ما تنتهك حرماته، وقد أثبت القرآن ذلك للرّسل الكرام في مواضع عديدة (انظر الآيات 12- 14) ، كما في الحديث الشّريف أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يغضب في بعض الأحيان لله- عزّ وجلّ- لا لنفسه، (انظر الأحاديث 17، 20، 24، 25، 27) . وقد ذكر الغزاليّ أنّ النّوع الثّالث من أنواع الغضب وهو الّذي يوصف بالاعتدال غضب محمود وأنّ النّوعين الآخرين وهما نوعا الإفراط والتّفريط مذمومان «2» ، وقال الماورديّ بعد أن ذكر الأسباب الّتي تؤدّي إلى الحلم: الأولى بالإنسان أن تدعوه إلى الحلم أفضل أسبابه، وإن كان الحلم كلّه فضلا وإن عرا عن هذه الأسباب كان ذلّا، والحلم ضبط النّفس عند هيجان الغضب فإن فقد الغضب لسماع ما يغضب كان ذلك من ذلّ النّفس وقلّة الحميّة، وأنشد النّابغة الجعديّ بحضرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فلم ينكر صلّى الله عليه وسلّم قوله عليه، ومن فقد الغضب في الأشياء المغضبة حتّى استوت حالتاه قبل الإغضاب وبعده فقد عدم من فضائل النّفس الشّجاعة والأنفة والحميّة والغيرة والدّفاع والأخذ بالثّأر لأنّها خصال مركّبة من الغضب، فإذا عدمها الإنسان هان بها، وليس هذا القول إغراء بتحكّم الغضب، ولكن إذا ثار به الغضب عند وجود ما يغضبه، كفّ سورته بغضبه وأطفأ ثائرته بحلمه، ... ولو عزب عنه الحلم حتّى انقاد لغضبه ضلّ عنه وجه الصّواب «3» ، والخلاصة أنّ الغضب الّذي يتحكّم فيه صاحبه بالحلم هو غضب محمود، ولا يكون كذلك إلّا إذا بعد عن الإفراط والتّفريط، لأنّه في هذه الحالة «يتلقّى قوّة الغضب بحلمه فيصدّها، ويقابل عوادي شرّته بحزمه فيردّها، وحينئذ يحظى بانجلاء الحيرة ويسعد بحميد العاقبة» «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الحقد- السخط- الطيش- النقمة- العجلة- الحمق- الغل- الانتقام- سوء المعاملة- سوء الخلق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحلم- الرضا- السكينة- كظم الغيظ- الوقار- الصبر والمصابرة- الصمت وحفظ اللسان- العفو] .   (1) أدب الدنيا والدين (250، 252) . (2) انظر أنواع الغضب. (3) باختصار عن أدب الدنيا والدين (250- 268) . (4) المرجع السابق (250) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5079 الآيات الواردة في «الغضب» آيات حل فيها غضب الله- عز وجل- على اليهود: 1- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1» 2- * وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «2» 3- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «3» 4- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا   (1) الفاتحة: 2- 7 مكية (2) البقرة: 60- 61 مدنية (3) البقرة: 87- 90 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5080 وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «1» 5- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60) «2» 6- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) * وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) «3» آيات حل فيها غضب الله على الكفار أو المنافقين: 7- * وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) «4» 8- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ   (1) آل عمران: 110- 112 مدنية (2) المائدة: 59- 60 مدنية (3) طه: 80- 85 مكية (4) الأعراف: 65- 72 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5081 الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «1» 9- وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16) «2» 10- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) «3» 11- * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (19) «4» آيات الغضب فيها في سياق كونه صفة لنبي أثاره سلوك قومه: 12- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ   (1) النحل: 106- 110 مكية (2) الشورى: 16 مكية (3) الفتح: 1- 6 مدنية (4) المجادلة: 14- 19 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5082 مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) «1» 13- فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) «2» 14- وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (82) * وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «3» آيات الغضب فيها في سياق التحذير منه: 15- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ   (1) الأعراف: 148- 154 مكية (2) طه: 86- 87 مكية (3) الأنبياء: 82- 88 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5083 وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93) «1» 16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (12) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) «2» 17- وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «3» 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «4» آيات الغضب فيها في سياق تكذيب صادق: 19- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «5»   (1) النساء: 92- 93 مدنية (2) الأنفال: 15- 18 مدنية (3) الشورى: 37- 43 مكية (4) الممتحنة: 13 مدنية (5) النور: 4- 10 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5084 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغضب) 1- * (عن سليمان بن صرد- رضي الله عنه- أنّه قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسبّ صاحبه مغضبا قد احمرّ وجهه فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» . فقالوا للرّجل: ألا تسمع ما يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّي لست بمجنون) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشتدّ غضب الله على قوم فعلوا بنبيّه،- يشير إلى رباعيته «2» - اشتدّ غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سبيل الله» ) * «3» . 3- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عديّ بن حاتم وجئت بغير أمان ولا كتاب. فلمّا دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك إنّي لأرجو أن يجعل الله يده في يدي، قال: فقام فلقيته امرأة وصبيّ معها. فقالا: إنّ لنا إليك حاجة. فقام معهما حتّى قضى حاجتهما، ثمّ أخذ بيدي حتّى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها، وجلست بين يديه فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «ما يفرّك «4» أن تقول لا إله إلّا الله. فهل تعلم من إله سوى الله؟» . قال: قلت: لا. قال: ثمّ تكلّم ساعة ثمّ قال: «إنّما تفرّ أن تقول: الله أكبر، وتعلم أنّ شيئا أكبر من الله؟» . قال: قلت: لا، قال: «فإنّ اليهود مغضوب عليهم وإنّ النّصارى ضلّال» ، قال: قلت: فإنّي جئت مسلما، قال: فرأيت وجهه تبسّط فرحا، قال: ثمّ أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جعلت أغشاه (آتيه) طرفي النّهار، قال: فبينا أنا عنده عشيّة إذ جاءه قوم في ثياب من الصّوف من هذه النّمار «5» قال: فصلّى وقام فحثّ عليهم ثمّ قال: «ولو بصاع، ولو بنصف صاع، ولو بقبضة، ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حرّ جهنّم أو النّار ولو بتمرة ولو بشقّ تمرة، فإنّ أحدكم لاقي «6» الله وقائل له ما أقول لكم: ألم أجعل لك سمعا وبصرا؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أجعل لك مالا وولدا؟، فيقول: بلى. فيقول: أين ما قدّمت لنفسك؟ فينظر قدّامه وبعده، وعن يمينه وعن شماله، ثمّ لا يجد شيئا يقي به وجهه حرّ جهنّم. ليق أحدكم وجهه النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيّبة فإنّي لا أخاف عليكم الفاقة، فإنّ الله ناصركم ومعطيكم حتّى تسير الظّعينة «7» فيما بين يثرب والحيرة أكثر ما تخاف على   (1) البخاري- الفتح 01 (6115) واللفظ له، ومسلم (2610) . (2) الرّباعية: السّنّ بين الثّنيّة والنّاب. (3) البخاري- الفتح 7 (4073) واللفظ له، ومسلم (1793) . (4) ما يفرّك: أي ما يحملك على الفرار. (5) النمار: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر. (6) هكذا وردت في النص، ولعل صوابها لاق بالتنوين. (7) الظعينة: المرأة في الهودج. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5085 مطيّتها السّرق» ، قال: فجعلت أقول في نفسي: فأين لصوص طيّيء؟) * «1» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا الرّجل امرأته إلى فراشه فأبت. فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتّى تصبح» ) * «2» . 5- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلّا فليضطجع» ) * «3» . 6- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أسأله لهم الحملان «4» ، إذ هم معه في جيش العسرة (وهي غزوة تبوك) فقلت: يا نبيّ الله. إنّ أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم. فقال: «والله لا أحملكم على شيء» ووافقته وهو غضبان ولا أشعر. فرجعت حزينا من منع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن مخافة أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وجد في نفسه عليّ. فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الّذي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم ألبث إلّا سويعة إذ سمعت بلا لا ينادي: أي عبد الله بن قيس! فأجبته. فقال: أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوك. فلمّا أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «خذ هذين القرينين «5» وهذين القرينين، وهذين القرينين (لستّة أبعرة ابتاعهنّ حينئذ من سعد) فانطلق بهنّ إلى أصحابك، فقل: إنّ الله- أو قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملكم على هؤلاء فاركبوهنّ» . قال أبو موسى: فانطلقت إلى أصحابي بهنّ، فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملكم على هؤلاء، ولكن والله لا أدعكم حتّى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حين سألته لكم، ومنعه في أوّل مرّة ثمّ إعطاءه إيّاي بعد ذلك، لا تظنّوا أنّي حدّثتكم شيئا لم يقله. فقالوا لي: والله إنّك عندنا لمصدّق. ولنفعلنّ ما أحببت. فانطلق أبو موسى بنفر منهم، حتّى أتوا الّذين سمعوا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومنعه إيّاهم، ثمّ إعطاء هم بعد. فحدّثوهم بما حدّثهم به أبو موسى سواء) * «6» . 7- * (عن عائذ بن عمرو- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر. فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدوّ الله مأخذها. قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره. فقال: «يا أبا بكر. لعلّك أغضبتهم. لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك» . فأتاهم أبو بكر فقال:   (1) الترمذي (2953) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب. (2) البخاري- الفتح 6 (3237) واللفظ له، ومسلم (1436) . (3) أبو داود (4782) واللفظ له، أحمد (5/ 152) ، وقال مخرج جامع الأصول: إسناده حسن (8/ 440) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب. وعزاه كذلك لابن حبان (3/ 450) . (4) الحملان: أي الحمل. (5) هذين القرينين: أي البعيرين المقرون أحدهما بصاحبه. (6) البخاري- الفتح 7 (4415) ، ومسلم (1649) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5086 يا إخوتاه، أغضبتكم؟. قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخيّ) * «1» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي في غائط مضبّة «2» وإنّه عامّة طعام أهلي قال: فلم يجبه. فقلنا: عاوده. فعاوده فلم يجبه ثلاثا ثمّ ناداه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في الثّالثة فقال: «يا أعرابيّ. إنّ الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل. فمسخهم دوابّ يدبّون في الأرض فلا أدري لعلّ هذا منها. فلست آكلها ولا أنهى عنها» ) * «3» . 9- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن اللّقطة. فقال: «عرّفها سنة، ثمّ اعرف وكاءها وعفاصها، ثمّ استنفق بها، فإن جاء ربّها فأدّها إليه» . قال: يا رسول الله. فضالّة الغنم؟. قال: «خذها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذّئب» . قال: يا رسول الله، فضالّة الإبل؟. قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى احمرّت وجنتاه- أو احمرّ وجهه- ثمّ قال: «مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها حتّى يلقاها ربّها» ) * «4» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أوصني. قال: «لا تغضب» . فردّد مرارا. قال: «لا تغضب» ) * «5» . 11- * (عن عمر- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سمع صوت الرّعد والصّواعق قال: «اللهمّ لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» ) * «6» . 12- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ عليّا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا عليّ ناكح بنت أبي جهل. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسمعته حين تشهّد، يقول: «أمّا بعد، أنكحت أبا العاص بن الرّبيع فحدّثني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة منّي، وإنّي أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد» فترك عليّ الخطبة» ) * «7» . 13- * (عن عطيّة (وهو ابن سعد القرظيّ) رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الغضب من الشّيطان، وإنّ الشّيطان خلق من النّار، وإنّما تطفأ النّار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضّأ» ) * «8» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه   (1) مسلم (2504) . (2) إني في غائط مضبّة: أي في أرض ذات ضباب كثيرة. (3) مسلم (1951) . (4) البخاري الفتح 10 (6112) . (5) البخاري الفتح 10 (1616) . (6) الترمذي (3450) واللفظ له، أحمد (2/ 100) رقم (5765) وقال شاكر: إسناده صحيح (8/ 127) برقم (5763) ، البخاري في الأدب المفرد (251) رقم (721) . (7) البخاري- الفتح 7 (3729) واللفظ له، ومسلم (2449) . (8) أبو داود (4784) واللفظ له، وفيه قصة وقال مخرج جامع الأصول: حسن (8/ 439) ، وأحمد (4/ 226) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5087 قال: بينما يهوديّ يعرض سلعة له أعطي بها شيئا، كرهه أو لم يرضه، قال: لا: والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام- على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه. قال: تقول: والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام-، على البشر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا؟ قال: فذهب اليهوديّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا أبا القاسم،. إنّ لي ذمّة وعهدا، وقال: فلان لطم وجهي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم لطمت وجهه؟» قال: قال: (يا رسول الله) : والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام- على البشر وأنت بين أظهرنا؛ قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى عرف الغضب في وجهه. ثمّ قال: «لا تفضّلوا بين أنبياء الله، فإنّه ينفخ في الصّور فيصعق من في السّموات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، ثمّ ينفخ فيه أخرى. فأكون أوّل من بعث: أو في أوّل من بعث. فإذا موسى- عليه السّلام- آخذ بالعرش. فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطّور. أو بعث قبلي. ولا أقول: إنّ أحدا أفضل من يونس بن متّى عليه السّلام-» ) * «1» . 15- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيت فاطمة فلم يجد عليّا في البيت فقال: أين ابن عمّك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان: «انظر أين هو؟» فجاء، فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقّه وأصابه تراب فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يمسحه عنه ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب» ) * «2» . 16- * (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: رجل أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأى عمر- رضي الله عنه غضبه. قال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا. نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فجعل عمر- رضي الله عنه- يردّد هذا الكلام حتّى سكن غضبه. فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدّهر كلّه؟ قال: «لا صام ولا أفطر (أو قال) «لم يصم ولم يفطر» . قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟. قال: «ويطيق ذلك أحد؟» قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين. قال: «وددت أنّي طوّقت ذلك» ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كلّ شهر. ورمضان إلى رمضان. فهذا صيام الدّهر كلّه. صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله. والسّنة الّتي بعده. وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله» ) * «3» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أمر فتنزّه عنه ناس من النّاس. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فغضب حتّى بان   (1) البخاري- الفتح 6 (3414) ، ومسلم (2373) واللفظ له. (2) البخاري الفتح 1 (441) واللفظ له، مسلم (2409) . (3) مسلم (1162) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5088 الغضب في وجهه. ثمّ قال: «ما بال أقوام يرغبون عمّا رخّص لي فيه. فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) * «1» . 18- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما صلاة العصر بنهار. ثمّ قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام السّاعة إلّا أخبرنا به. حفظه من حفظه. ونسيه من نسيه، وكان فيما قال: «إنّ الدّنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، ألا فاتّقوا الدّنيا «2» واتّقوا النّساء» ، وكان فيما قال: «ألا لا يمنعنّ رجلا هيبة النّاس أن يقول بحقّ إذا علمه» قال: فبكى أبو سعيد. فقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا، فكان فيما قال: «ألا إنّه ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، ولا غدرة أعظم من غدرة إمام عامّة يركز لواؤه عند استه» ، فكان فيما حفظنا يومئذ: «ألا إنّ بني آدم خلقوا على طبقات شتّى، فمنهم من يولد مؤمنا، ويحيا مؤمنا، ويموت مؤمنا، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا. ألا وإنّ منهم البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك، ألا وإنّ منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرّهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وإنّ منهم حسن القضاء حسن الطّلب، ومنهم سيّء القضاء حسن الطّلب، ومنهم حسن القضاء سيّء الطّلب فتلك بتلك، ألا وإنّ منهم السّيّء القضاء السّيّء الطّلب، ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطّلب، ألا وشرّهم سيّء القضاء سيّء الطّلب، ألا وإنّ الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحسّ بشيء من ذلك فليلصق بالأرض. قال: وجعلنا نلتفت إلى الشّمس هل بقي منها شيء؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّه لم يبق من الدّنيا فيما مضى منها إلّا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه» ) * «3» . 19- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «علّموا ويسّروا ولا تعسّروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت» ) * «4» . 20- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله. إنّي لأتأخّر عن الصّلاة في الفجر ممّا يطيل بنا فلان فيها. فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما رأيته غضب في موضع كان أشدّ غضبا منه   (1) البخاري الفتح 10 (6101) ، ومسلم (2356) واللفظ له. (2) اتقوا الدنيا: اجعلوا بينكم وبينها وقاية بترك الحرام وترك الإكثار منها والزهد فيها. (3) الترمذي (2191) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (4) أحمد (1/ 239) وفي رقم (2136) قال شاكر: إسناده صحيح (4/ 12) ، وجاء بلفظ أطول من هذا كما في (4/ 191) رقم (2556) وهذا لفظه: «علموا ويسروا ولا تعسروا وإذا غضبت فاسكت وإذا غضبت فاسكت وإذا غضبت فاسكت» وقال: صحيح أيضا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5089 يومئذ. ثمّ قال: «يا أيّها النّاس إنّ منكم منفّرين فمن أمّ النّاس فليتجوّز «1» ، فإنّ خلفه الضّعيف والكبير وذا الحاجة» ) * «2» . 21- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية وإذا كنت عليّ غضبى» . قالت: فقلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: «أمّا إذا كنت عنّي راضية فإنّك تقولين: لا وربّ محمّد، وإذا كنت غضبى قلت: لا وربّ إبراهيم» . قالت: قلت: أجل: والله يا رسول الله ما أهجر إلّا اسمك) * «3» . 22- * (عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رجل: يا رسول الله: أوصني. قال: «لا تغضب» . قال الرّجل: ففكّرت حين قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما قال. فإذا الغضب يجمع الشّرّ كلّه) * «4» . 23- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه أنّه قال: قتل رجل من حمير رجلا من العدوّ فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عوف بن مالك. فأخبره فقال لخالد: «ما منعك أن تعطيه سلبه؟» قال: استكثرته يا رسول الله. قال: «ادفعه إليه» . فمرّ خالد بعوف فجرّ بردائه ثمّ قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فسمعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فاستغضب «5» . فقال: «لا تعطه يا خالد! لا تعطه يا خالد! هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنّما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعي «6» إبلا أو غنما فرعاها ثمّ تحيّن سقيها «7» فأوردها حوضا. فشرعت فيه. فشربت صفوه وتركت كدره، فصفوه لكم وكدره عليهم» ) * «8» . 24- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأربع مضين من ذي الحجّة أو خمس فدخل عليّ وهو غضبان. فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النّار؟ قال: «أو ما شعرت أنّي أمرت النّاس بأمر فإذاهم يتردّدون. (قال الحكم: كأنّهم يتردّدون أحسب) ولو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سقت الهدي معي حتّى أشتريه ثمّ أحلّ كما حلّوا» ) * «9» . 25- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه مغضبا فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتّى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبوبكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أبو الدّرداء: ونحن   (1) في رواية مسلم «فليوجز» والمراد تخفيفها. (2) البخاري- الفتح 2 (704) واللفظ له، ومسلم (466) . (3) البخاري- الفتح 9 (5228) ، ومسلم (2439) واللفظ له. (4) أحمد (5/ 373) واللفظ له، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وعزاه لأحمد وقال: رواته محتجّ بهم في الصحيح (3/ 445) . (5) فاستغضب: أي صار- عليه السلام- مغضبا. (6) استرعى إبلا: أي طولب برعيها. (7) ثم تحين سقيها: أي طلب ذلك الراعي وقت سقيها حتى يسقيها في وقت معين. (8) مسلم (1753) . (9) البخاري الفتح 3 في مواضع منها (1757، 1758، 1759، 1762، 1771، 1772) ، ومسلم (1211) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5090 عنده، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّا صاحبكم فقد غامر «1» . وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتّى سلّم وجلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقصّ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر. قال أبو الدّرداء: وغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله، لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل أنتم تاركو لي صاحبي، هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إنّي قلت: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً فقلتم: كذبت» ، وقال أبو بكر: صدقت) * «2» . 26- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كانت عند أمّ سليم يتيمة. فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليتيمة فقال: «آنت هيه» . لقد كبرت لاكبر سنّك» . فرجعت اليتيمة إلى أمّ سليم تبكي. فقالت أمّ سليم: ما لك يا بنيّة؟. قالت الجارية: دعا عليّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا يكبر سنّي فالآن لا يكبر سنّي أبدا. فخرجت أمّ سليم مستعجلة تلوث خمارها حتّى لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما لك يا أمّ سليم؟» . فقالت: يا نبيّ الله أدعوت على يتيمتي؟ قال: «وما ذاك يا أمّ سليم؟» . قالت: زعمت أنّك دعوت أن لا يكبر سنّها ولا يكبر قرنها. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «يا أمّ سليم! أما تعلمين أنّ شرطي على ربّي، أنّي اشترطت على ربّي. فقلت: إنّما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر. فأيّما أحد دعوت عليه من أمّتي دعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقرّبه بها منه يوم القيامة» ) * «3» . 27- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه حتّى كأنّه منذر جيش يقول: «صبّحكم ومسّاكم» . ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ويقرن بين إصبعيه السّبابة والوسطى. ويقول: «أمّا بعد فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمّد وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة» ، ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك مالا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا «4» فإليّ وعليّ» ) * «5» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دعوة، فرفعت إليه الذّراع- وكانت تعجبه- فنهس «6» منها نهسة وقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. هل تدرون بمن يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد. فيبصرهم النّاظر، ويسمعهم الدّاعي، وتدنو منهم الشّمس، فيقول بعض النّاس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض   (1) غامر: سبق بالخير. (2) البخاري الفتح 8 (4640) والآية قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (الأعراف/ 158) .. (3) مسلم (2603) . (4) الضياع: العيال وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا فسمّي العيال بالمصدر. انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 107) . (5) مسلم (867) . (6) فنهس: أي أخذ منها بأطراف أسنانه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5091 النّاس: أبوكم آدم. فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنّة. ألا تشفع لنا إلى ربّك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربّي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشّجرة فعصيت. نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وسمّاك الله عبدا شكورا. أما ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربّك؟ فيقول: ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله. نفسي نفسي، ائتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فيأتوني. فأسجد تحت العرش، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك، واشفع تشفّع، وسل تعطه ... الحديث» ) * «1» . 29- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه لقي ابن صائد في بعض طرق المدينة. فقال له قولا أغضبه. فانتفخ حتّى ملأ السّكّة فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها. فقالت له: رحمك الله! ما أردت من ابن صائد؟ أما علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما يخرج من غضبة يغضبها» ) * «2» . 30- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا خلق الله الخلق كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه وهو وضع عنده على العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي» ) * «3» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «4» . 32- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما غرت على نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا على خديجة، وإنّي لم أدركها. قالت: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا ذبح الشّاة فيقول: «أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة» قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي قد رزقت حبّها» ) * «5» . 33- * (عن الشّريد بن سويد- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا جالس هكذا. وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتّكأت على ألية يدي. فقال: «أتقعد قعدة المغضوب عليهم» ) * «6» . 34- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان. وقال الأشعث: فيّ والله كان ذلك. كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني. فقدّمته إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألك بيّنة؟ قلت: لا. قال: فقال لليهوديّ: «احلف» . قال: قلت: يا رسول الله: إذن يحلف   (1) البخاري- الفتح 6 (3340) واللفظ له، ومسلم (194) . (2) مسلم (2932) . (3) البخاري- الفتح 13 (7404) واللفظ له، ومسلم (2751) . (4) البخاري- الفتح 10 (6114) ، ومسلم (2609) . (5) البخاري- الفتح 6 (3818) ، ومسلم (2435) واللفظ له. (6) أبو داود (4848) ، وأحمد (4/ 388) ، والبيهقي (3/ 236) ، وصحح إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (3/ 919) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5092 ويذهب بمالي. فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا ... إلى آخر الآية (آل عمران/ 77)) * «1» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يدع الله سبحانه غضب عليه» ) * «2» . 36- * (كتب أبو بكرة- رضي الله عنه- إلى ابنه وكان بسجستان: بأن لا تقض بين اثنين وأنت غضبان. فإنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان» ) * «3» . 37- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا من الأنصار خاصم الزّبير عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في شراج الحرّة «4» الّتي يسقون بها النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ فأبى عليهم. فاختصموا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير،. ثمّ أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاريّ. فقال: يا رسول الله: أن كان ابن عمّتك «5» فتلوّن وجه نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «يا زبير اسق ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر «6» » فقال الزّبير: والله إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً (النساء/ 65)) * «7» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الغضب) معنى 38- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: «إنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهنّ في البيوت. فسأل أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ... (البقرة/ 222) إلى آخر الآية فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اصنعوا كلّ شيء إلّا النّكاح فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئا إلّا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر فقالا: يا رسول الله: إنّ اليهود تقول: كذا وكذا فلا نجامعهنّ، فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما. فخرجا فاستقبلهما هديّة من لبن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأرسل في   (1) البخاري- الفتح 5 (2416، 2417) واللفظ له، ومسلم (138) . (2) ابن ماجة (3827) واللفظ له، أحمد (2/ 443) وقال الشيخ أحمد شاكر (19/ 13) : إسناده صحيح. (3) البخاري- الفتح 13 (7158) واللفظ له، ومسلم (1717) . (4) شراج الحرة: هي مسابل الماء وواحدها شرجه والحرة هي الأرض الملسة فيها حجارة سود. (5) أن كان ابن عمتك: بفتح الهمزة، أي فعلت هذا لكونه ابن عمتك. (6) يرجع إلى الجدر: بفتح الجيم وكسره. وهو الجدار، ومعنى يرجع إلى الجدر، أي يصير إليه. (7) البخاري الفتح 8 (4585) ، ومسلم (2357) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5093 آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما) * «1» . 39- * (عن عبد الله بن مسعود وعبد الله ابن عمرو بن العاص- رضي الله عنهم- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبغض البليغ من الرّجال الّذي يتخلّل بلسانه تخلّل البقرة بلسانها» ) * «2» . 40- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا متستّرة بقرام «3» فيه صورة. فتلوّن وجهه. ثمّ تناول السّتر فهتكه. ثمّ قال: «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة الّذين يشبّهون بخلق الله» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغضب) 1- * (قال يحيى لعيسى- عليهما السّلام- لا تغضب، قال: لا أستطيع أن لا أغضب إنّما أنا بشر، قال: لا تقتن مالا، قال: هذا عسى) * «5» . 2- * (عن ذي القرنين- رحمه الله تعالى-، وقد نقل عنه: أنّه لقي ملكا من الملائكة فقال: علّمني علما أزدد به إيمانا ويقينا، قال: لا تغضب فإنّ الشّيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فردّ الغضب بالكظم، وسكّنه بالتّؤدة، وإيّاك والعجلة فإنّك إذا عجلت أخطأت حظّك وكن سهلا ليّنا للقريب والبعيد، ولا تكن جبّارا عنيدا» ) * «6» . 3- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (فصلت/ 34) قال: الصّبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عصمهم الله وخضع لهم عدوّهم» ) * «7» . 4- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «انظروا إلى حلم الرّجل عند غضبه، وأمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب، وما علمك بأمانته إذا لم يطمع؟» ) * «8» . 5- * (قال زيد بن عمرو بن نفيل- رضي الله عنه- لمّا خرج إلى الشّام يسأل عن الدّين ويتّبعه، فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال: إنّي لعلّي أن أدين دينكم فأخبرني. فقال: لا تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من غضب الله. قال زيد: ما أفرّ إلّا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئا وأنا أستطيعه، فهل تدلّني على غيره؟ قال: لا أعلمه إلّا   (1) مسلم (302) (2) أبو داود (5005) واللفظ له، الترمذي (2853) وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه. (3) بقرام: هو الستر الرقيق. (4) البخاري- الفتح 10 (5954) ، ومسلم (2107) واللفظ له. (5) الإحياء (3/ 162) . (6) المرجع السابق (3/ 177) . (7) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: ذكره البخاري تعليقا (3/ 449) . (8) الإحياء (3/ 177) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5094 أن يكون حنيفا. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا ولا يعبد إلّا الله. فخرج زيد فلقي عالما من النّصارى. فذكر مثله فقال: لن تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من لعنة الله. قال: ما أفرّ إلّا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئا، أبدا وأنّي أستطيع؟ فهل تدلّني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلّا أن يكون حنيفا. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا ولا يعبد إلّا الله. فلمّا رأى زيد قولهم في إبراهيم- عليه السّلام- خرج فلمّا برز رفع يديه فقال: اللهمّ إنّي أشهد أنّي على دين إبراهيم» ) * «1» . 6- * (قال عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما-: «مكتوب في الحكم: يا داود إيّاك وشدّة الغضب، فإنّ شدّة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم» ) * «2» . 7- * (قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: «قال إبليس لعنه الله: ما أعجزني بنو آدم فلن يعجزوني في ثلاث: إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا وعمل لنا بما أحببنا، وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم، ونبخّله بما في يديه ونمنّيه بما لا يقدر عليه» ) * «3» . 8- * (كتب عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- إلى عامله: «ألّا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا» ) * «4» . 9- * (قال جعفر الصّادق- رحمه الله تعالى-: «ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) ووجّه العلماء كلامه بقولهم: إنّ الأخلاق ثلاثة بحسب القوى الإنسانيّة: عقليّة، وشهويّة، وغضبيّة. فالعقليّة: الحكمة ومنها الأمر بالمعروف، والشّهويّة العفّة ومنها أخذ العفو، والغضبيّة: الشّجاعة ومنها الإعراض عن الجاهلين» ) * «5» . 10- * (وقال أيضا: «الغضب مفتاح كلّ شرّ» ) * «6» . 11- * (قال عمران بن موسى المؤدّب- رحمه الله تعالى-: «قال بعض الحكماء: كما أنّ الأجسام تعظم في العين يوم الضّباب. كذلك يعظم الذّنب عند الغضب» ) * «7» . 12- * (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: «كان بعض الملوك إذا غضب ألقي عنده مفاتيح ترب الملوك فيزول غضبه» ) * «8» . 13- * (وقال: «مكتوب في التّوراة: يابن آدم، اذكرني حين تغضب. أذكرك حين أغضب، فلا أمحقك فيمن أمحق» ) * «9» . 14- * (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: «ممّا   (1) البخاري- الفتح 7 (3827) . (2) مساوىء الأخلاق للخرائطي (131) ، دار السوادي. (3) الإحياء (3/ 177) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) فتح الباري (3/ 156) . (6) الإحياء (3/ 177) . (7) مساوىء الأخلاق للخرائطي (131) . (8) أدب الدنيا والدين (251) . (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5095 يدلّ على أنّ الغضب من أخلاق النّاقصين: أنّ المريض أسرع غضبا من الصّحيح، والمرأة أسرع غضبا من الرّجل، والصّبيّ أسرع غضبا من الرّجل الكبير، والشّيخ الضّعيف أسرع غضبا من الكهل، وذا الخلق السّيّء والرّذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل، فالرّذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللّقمة، ولبخله إذا فاتته الحبّة، حتّى إنّه يغضب على أهله وولده وأصحابه. بل القويّ من يملك نفسه عند الغضب» ) * «1» . 15- * (وقال- رحمه الله تعالى-: «حال القلب عند الغضب في الاضطراب أشدّ من حال السّفينة عند اضطراب الأمواج في لجّة البحر، إذ في السّفينة من يحتال لتسكينها وتدبيرها وسياستها أمّا القلب فهو صاحب السّفينة وقد سقطت حيلته بعد أن أعماه الغضب وأصمّه. ويظهر ذلك على أعضائه وكلامه وفعاله، ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته، وقبح الباطن أعظم من قبح الظّاهر فإنّ الظّاهر عنوان الباطن، وإنّما قبحت صورة الباطن أوّلا ثمّ انتشر قبحها إلى الظّاهر ثانيا، وأمّا في اللّسان فأثره بالشّتم والفحش الّذي يستحي منه قائله عند سكون الغضب فضلا عن تخبّط النّظم واضطراب اللّفظ، وأمّا أثره على الأعضاء فالضّرب والتّهجّم والتّمزيق والقتل للمغضوب عليه وإذا فلت منه بسبب عجز أو غيره فقد يرجع إلى صاحبه فربّما مزّق ثوب نفسه أو لطم وجهه وربّما ضرب بيده على الأرض. وأمّا أثره في القلب على المغضوب عليه فالحقد والحسد واضحا والسّوء والشّماتة بالمساءات» ) * «2» . 16- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «دخل النّاس النّار من ثلاثة أبواب: «باب شبهة أورثت شكّا في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته وباب غضب أورث العدوان على خلقه» ) * «3» . 17- * (قال بعض الحكماء لابنه: «يا بنيّ لا يثبت العقل عند الغضب كما لا تثبت روح الحيّ في التّنانير المسجورة، فأقلّ النّاس غضبا أعقلهم، فإن كان لدنيا كان دهاء ومكرا وإن كان للآخرة كان حلما وعلما، فقد قيل: الغضب عدوّ العقل والغضب غول العقل» ) * «4» . 18- * (وقال آخر: «من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النّار» ) * «5» . 19- * (قال بعض الحكماء: «الغضب على من لا تملك عجز، وعلى من تملك لؤم» ) * «6» . 20- * (وقال آخر: «إيّاك وعزّة الغضب فإنّها تفضي إلى ذلّ الاعتذار» ) * «7» .   (1) مستفاد من الإحياء (3/ 184) . (2) المرجع السابق (179) بتصرف. (3) الفوائد (59) . (4) الإحياء (177) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) أدب الدنيا والدين (251) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5096 21- * (وقال الشّاعر: وإذا ما اعتراك في الغضب العزّ ... ة فاذكر تذلّل الاعتذار) * «1» . 22- * (وقال بعضهم: «ما أملك فلانا لنفسه، قال: إذا لا تذلّه الشّهوة، ولا يصرعه الهوى، ولا يغلبه الغضب» ) * «2» . 23- * (وقال آخر: «إيّاك والغضب فإنّه يصيّرك إلى ذلّة الاعتذار» ) * «3» . 24- * (وقال آخر: «اتّقوا الغضب فإنّه يفسد الإيمان كما يفسد الصّبر العسل» ) * 4. 25- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «من علامات المسلم قوّة في دين وحزم في لين وإيمان في يقين وعلم في حلم وكيس في رفق وإعطاء في حقّ وقصد في غنى وتجمّل في فاقة وإحسان في قدرة وصبر في شدّة، لا يغلبه الغضب ولا تجمح به الحميّة ولا تغلبه شهوة، ولا تفضحه بطنه ولا يستخفّه حرصه، ولا تقصر به نيّته، فينصر المظلوم ويرحم الضّعيف ولا يبخل ولا يبذّر ولا يسرف ولا يقتر، يغفر إذا ظلم، ويعفو عن الجاهل، نفسه منه في عناء والنّاس منه في رخاء) * 5. 26- * (قال بعض الأنصار: «رأس الحمق الحدّة، وقائده الغضب، ومن رضي بالجهل استغنى عن الحلم، والحلم زين ومنفعه، والجهل شين ومضرّة، والسّكوت عن جواب الأحمق جوابه» ) * 6. من مضار (الغضب) (1) يغضب الرّحمن الرّحيم ويرضي الشّيطان الرّجيم. (2) الصّبر عليه أشدّ وأصعب من مجاهدة العدوّ. (3) يؤول إلى التّقاطع وإفساد ذات البين. (4) يتولّد منه الحقد والحسد وهذا نقص في العقل والدّين. (5) كثيرا ما يعقبه الاعتذار والنّدم، وقد يكون بعد فوات الأوان. (6) يجعل صاحبه لا يستفيد من الموعظة والعبرة. (7) قد يؤثّر على البدن حتّى يعمي البصر ويصمّ الآذان، ويخرس اللّسان، ويعجز الإنسان، بل قد يموت الإنسان وتزهق نفسه بالكلّيّة. (8) نفرة الخلق عنه وخوفهم من القرب منه.   (1) أدب الدنيا والدين (251) . (2) الإحياء (177) . 3، 4، 5، 6 المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5097 الغفلة الغفلة لغة: الغفلة: السّهو عن الشّيء. وهو مصدر غفل يغفل غفلة وغفولا، يقول ابن فارس: الغين والفاء واللّام أصل صحيح يدلّ على ترك الشّيء سهوا، وربّما كان عن عمد. والغفلة: غيبة الشّيء عن بال الإنسان، وعدم تذكّره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالا، وإعراضا، كما في قوله تعالى: وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (الأنبياء/ 1) يقال منه: غفلت عن الشّيء غفولا، من باب قعد، وله ثلاثة مصادر، غفول، وهو أعمّها، وغفلة وزان تمرة. وغفل وزان سبب، وغفّلته تغفيلا، صيّرته كذلك، فهو مغفّل، أي ليست له فطنة، وأغفلت الشّيء إغفالا، تركته إهمالا من غير نسيان، وتغفّلت الرّجل، ترقّبت غفلته، وتغافل، أرى من نفسه ذلك، وليس به. والأغفال: الموات، يقال أرض غفل، لا علم بها، ولا أثر عمارة، وقال الكسائيّ: أرض غفل، لم تمطر، ودابّة غفل، لا سمة عليها، وقد أغفلتها، إذا لم تسمها ورجل غفل، لم يجرّب الأمور. ويقول سيبويه: «غفلت: صرت غافلا، وأغفلته وغفلت عنه: وصّلت غفلي إليه، أو تركته على ذكر، قال اللّيث: أغفلت الشّيء، تركته غفلا، وأنت له ذاكر، والتّغفّل: ختل في غفلة، والغفول من الإبل، البلهاء الّتي لا تمتنع من فصيل يرضعها، ولا تبالي من حلبها، والغفل: المقيّد الّذي أغفل، فلا يرجى خيره، ولا يخشى شرّه، والجمع أغفال. وقال ابن منظور: يقال غفل عنه يغفل غفولا وغفلة وأغفله عنه غيره. وأغفل الشّيء: تركه وسها عنه. وأغفلت الرّجل: أصبته غافلا، وعلى ذلك فسّر بعضهم قوله عزّ وجلّ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (الكهف/ 28) قال: ولو كان على الظّاهر لوجب أن يكون قوله واتّبع هواه، بالفاء دون الواو. وسئل أبو العبّاس عن هذه الآية فقال: من جعلناه غافلا. وكلام العرب أكثره أغفلته سمّيته غافلا، وأحلمته سمّيته حليما. قال ابن سيده: وقوله تعالى: وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (الأعراف/ 136) يصلح أن يكون- والله أعلم- كانوا في تركهم الإيمان بالله والنّظر فيه والتّدبّر له بمنزلة الغافلين. قال: ويجوز أن يكون: وكانوا عمّا يراد بهم من الإثابة عليه غافلين، والاسم الغفلة والغفل، والغفلان. وفي الحديث: «من اتّبع الصّيد غفل» الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5098 والتّغافل: تعمّد الغفلة. والتّغفيل: أن يكفيك صاحبك وأنت غافل لا تعنى بشيء. والمغفّل: الّذي لا فطنة له «1» . الغفلة اصطلاحا: قال المناويّ: الغفلة: فقد الشّعور بما حقّه أن يشعر به «2» . وقال الرّاغب: سهو يعتري الإنسان من قلّة التّحفّظ والتّيقّظ «3» . وقيل: متابعة النّفس على ما تشتهيه. وقال الجرجانيّ: الغفلة عن الشّيء هي أن لا يخطر ذلك بباله، وقيل: إبطال الوقت بالبطالة «4» . وقال الكفويّ: الغفلة عدم إدراك الشّيء مع وجود ما يقتضيه «5» . الفرق بين السهو والغفلة والنسيان: قال الكفويّ: السّهو: غفلة القلب عن الشّيء بحيث يتنبّه بأدنى تنبّه، والنّسيان غيبة الشّيء عن القلب بحيث يحتاج إلى تحصيل جديد. وقيل: النّسيان زوال الصورة عن القوّة المدركة مع بقائها فى الحافظة، والسّهو زوالها عنهما معا. والغفلة تشمل الأمرين، إذ الغفلة عمّا أنت عليه لتفقّده سهو، وعمّا أنت عليه لتفقّد غيره نسيان «6» . الغفلة قد تحمد أحيانا: قال الشّيخ العزّ بن عبد السّلام: الغفلة عن القبائح مانعة من فعلها، إذ لا يتأتّى فعلها إلّا بالعزم عليها، ولا عزم عليها مع عدم الشّعور بها، وتحصل هذه الغفلة بالأسباب الشّاغلة «7» ، وقد جعلها من المأمورات الباطنة، أمّا الغفلة عن ذكر الله فهي من المنهيّات الباطنة «8» ، والأولى محمودة والثّانية مذمومة. [للاستزادة: انظر صفات: الإعراض- الأمن من المكر- التفريط والإفراط- التهاون- طول الأمل اللهو واللعب- اتباع الهوى] . وفي ضد ذلك: انظر صفات: التذكر- تذكر الموت- التدبر- التأمل- النظر والتبصر- الوعظ- التفكر- البصيرة- الإرشاد- الذكر] .   (1) لسان العرب: (11/ 497- 499) ، والنهاية في غريب الحديث: (3/ 375) ، ومقاييس اللغة (4/ 386) ، الصحاح (5/ 1773) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (540) . (3) المفردات (375) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 140- 141) . (4) التعريفات للجرجاني (162) . (5) الكليات (506) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) شجرة المعارف والأصول (95) . (8) المرجع السابق (115) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5099 الآيات الواردة في «الغفلة» الغفلة في سياق التعلل بها لدفع اللائمة: 1- ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «1» 2- وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137) «2» 3- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) «3» 4- حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) «4»   (1) الأنعام: 154- 157 مكية (2) الأعراف: 134- 137 مكية (3) يونس: 28- 30 مكية (4) الأنبياء: 96- 97 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5100 الغفلة في سياق سبب في عقوبة: 5- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «1» 6- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) «2» 7- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «3» 8- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) «4» 9- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) «5» 10- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) «6»   (1) الأعراف: 146 مكية (2) الأعراف: 172- 174 مكية (3) الأعراف: 179 مكية (4) يونس: 7- 8 مكية (5) النحل: 106- 109 مكية (6) ق: 16- 22 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5101 الغفلة في سياق التحذير منها أو ممن اتصف بها: 11- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) «1» 12- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «2» الغفلة في سياق وصم قوم بها: 13- * وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) «3» 14- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) «4» 15- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) «5» 16- يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (7) «6»   (1) الأعراف: 205 مكية (2) الكهف: 28 مكية (3) يونس: 90- 93 مكية (4) مريم: 37- 39 مكية (5) الأنبياء: 1- 4 مكية (6) الروم: 7 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5102 17- يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) «1» الغفلة في سياق تمنيها أو انتهاز فرصة حدوثها: 18- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) «2» 19- قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) «3» 20- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «4» الغفلة صفة جماد لا يعقل: 21- وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) «5» الغفلة في سياق النهي عن ظنها لا حقة بالله: 22- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) «6»   (1) يس: 1- 7 مكية (2) النساء: 102 مدنية (3) يوسف: 11- 13 مكية (4) القصص: 15- 16 مكية (5) الأحقاف: 5 مكية (6) إبراهيم: 42- 43 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5103 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغفلة) 1- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله- عزّ وجلّ- أيّها النّاس، فسلوه وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل» ) * «1» . 2- * (عن يسيرة- رضي الله عنها- وكانت من المهاجرات؛ قالت: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكنّ بالتّسبيح والتّهليل والتّقديس، واعقدن بالأنامل، فإنهنّ مسؤولات مستنطقات، ولا تغفلن، فتنسين الرّحمة» ) * «2» . وفي رواية أبي داود: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمرهنّ أن يراعين بالتّكبير والتّقديس والتّهليل، وأن يعقدن بالأنامل، فإنّهنّ مسؤولات مستنطقات» ) * «3» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قالت: كان النّاس يصلّون في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رمضان أوزاعا يكون مع الرّجل شيء من القرآن فيكون معه النّفر الخمسة أو السّتّة أو أقلّ من ذلك أو أكثر فيصلّون بصلاته. قالت: فأمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من ذلك أن أنصب له حصيرا أعلى باب حجرتي ففعلت. فخرج إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد أن صلّى العشاء الآخرة. قالت: فاجتمع إليه من في المسجد فصلّى بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلا طويلا ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخل وترك الحصير على حاله فلمّا أصبح النّاس تحدّثوا بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن كان معه في المسجد تلك اللّيلة. قالت وأمسى المسجد راجّا بالنّاس فصلّى بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة ثمّ دخل بيته وثبت النّاس. قالت: فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما شأن النّاس يا عائشة؟» . فقلت له: يا رسول الله، سمع النّاس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد فحشدوا لذلك لتصلّي بهم. قالت فقال: «اطوي عنّا حصيرك يا عائشة» ففعلت. وبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير غافل وثبت النّاس مكانهم حتّى خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الصّبح فقالت: فقال: «أيّها النّاس، أما والله ما بتّ والحمد لله ليلتي هذه غافلا وما خفي علىّ مكانكم ولكنّي تخوّفت أن يفترض عليكم فاكلفوا من العمل ما تطيقون» ) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة- رضي الله عنهم- أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على أعواد   (1) رواه أحمد (2/ 177) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريج المسند (10/ 140) : إسناده صحيح. وقال الهيثمي (10/ 148) : إسناده حسن. (2) أخرجه الترمذي (3583) . وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (2835) . (3) أبو داود (1501) وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 385) : حسن، وكذلك النووي وابن حجر وصححه الحاكم (1/ 547) ووافقه الذهبي. (4) أحمد (6/ 267) واللفظ له، وأبو داود (1374) وقال الألباني (1/ 258) : حسن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5104 منبره: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم. ثمّ ليكوننّ من الغافلين» ) * «1» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سكن البادية جفا، ومن اتّبع الصّيد غفل، ومن أتى السّلطان افتتن» ) * «2» . 6- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين» ) * «3» . 7- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجاء بالموت يوم القيامة كأنّه كبش أملح «4» (زاد أبو كريب) فيوقف بين الجنّة والنّار (واتّفقا في باقي الحديث) فيقال: يا أهل الجنّة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون «5» وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت. قال: ويقال: يا أهل النّار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت. قال: فيؤمر به فيذبح. قال: ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، خلود فلا موت. ويا أهل النّار خلود فلا موت» . ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (مريم/ 39) وأشار بيده إلى الدّنيا) * «6» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الغفلة) معنى 8- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أرسلت كلبك وسمّيت فأمسك وقتل فكل وإن أكل فلا تأكل، فإنّما أمسك على نفسه. وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل، فإنّك لا تدري أيّها قتل. وإن رميت الصّيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلّا أثر سهمك فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل» ) * «7» . 9- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا دخل الرّجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشّيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء. وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشّيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء» ) * «8» .   (1) مسلم (865) . (2) الترمذي (2256) وقال: حسن صحيح غريب، وأبو داود (2859) ، وقال الألباني (2/ 552) : صحيح. (3) الدارمي (2/ 555) . والحاكم في المستدرك (1/ 556) واللفظ له وورد فى (1/ 555) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (4) كبش أملح: الأملح، قيل: هو الأبيض الخالص. قاله ابن الأعرابي. وقال الكسائي: هو الذي فيه بياض وسواد، وبياضه أكثر. (5) فيشرئبون: أي يرفعون رؤوسهم إلى المنادي. (6) البخاري- الفتح 8 (4730) ، ومسلم (2849) واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 9 (5484) واللفظ له، ومسلم (2018) . (8) مسلم (2018) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5105 10- * (عن العلاء بن عبد الرّحمن؛ أنّه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة. حين انصرف من الظّهر. وداره بجنب المسجد. فلمّا دخلنا عليه قال: أصلّيتم العصر؟ فقلنا له: إنّما انصرفنا، السّاعة من الظّهر. قال: فصلّوا العصر. فقمنا فصلّينا. فلمّا انصرفنا قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تلك صلاة المنافق. يجلس يرقب الشّمس. حتّى إذا كانت بين قرني الشّيطان. قام فنقرها «1» أربعا لا يذكر الله فيها إلّا قليلا» ) * «2» . 11- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: كنّا إذا حضرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طعاما لم نضع أيدينا، حتّى يبدأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيضع يده. وإنّا حضرنا معه، مرّة، طعاما. فجاءت جارية كأنّها تدفع. فذهبت لتضع يدها في الطّعام، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدها. ثمّ جاء أعرابيّ كأنّما يدفع. فأخذ بيده. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّيطان يستحلّ الطّعام أن لا يذكر اسم الله عليه. وإنّه جاء بهذه الجارية ليستحلّ بها. فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابيّ ليستحلّ به. فأخذت بيده. والّذي نفسي بيده إنّ يده في يدي مع يدها» ) * «3» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما اجتمع قوم فتفرّقوا عن غير ذكر الله إلّا كأنّما تفرّقوا عن جيفة حمار وكان ذلك المجلس عليهم حسرة» ) * «4» . 13- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الّذي يذكر ربّه والّذي لا يذكر ربّه مثل الحيّ والميّت» ) * «5» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة» ) * «6» . 15- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظّهر، كتب له كأنّما قرأه من اللّيل» ) * «7» .   (1) فنقرها: المراد بالنقر سرعة الحركات كنقر الطائر. (2) مسلم (622) . (3) مسلم (2017) . (4) أحمد (2/ 389) واللفظ له، أبو داود (4855) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 920) : صحيح، وهو في الصحيحة (77) ، والحاكم في المستدرك (1/ 492) وصححه ووافقه الذهبي. (5) البخاري- الفتح 11 (6407) واللفظ له، ومسلم (779) . (6) أبو داود (4856) ، وقال الألباني (3: 920) : حسن صحيح. وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (4/ 472) : إسناده حسن. (7) أبو داود (1313) وقال الألباني (1/ 244) : صحيح وهو عند مسلم. وهذا لفظ أبي داود. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5106 من الآثار وأقوال العلماء. الواردة في ذمّ (الغفلة) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من قرأ في ليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين» ) * «1» . 2- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: «من قرأ بمائة آية في ليلة لم يكتب من الغافلين» ) «2» . والمراد بهذين الأثرين كثرة الذّكر وتعاهد القرآن حتّى لا يكون من الغافلين. 3- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقولنّ أحدكم صمت رمضان كلّه ولا قمته كلّه» . قال الحسن: قال أبي وقال يزيد مرّة قال قتادة: الله أعلم أخاف على أمّته التّزكية أو لا بدّ من راقد أو غافل؟) * «3» . 4- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: «ليس تحسّر أهل الجنّة إلّا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله- عزّ وجلّ- فيها» ) * «4» . 5- * (عن أيوب بن سلمان، رجل من أهل صنعاء؛ قال: كنّا بمكّة فجلسنا إلى عطاء الخراسانيّ، إلى جنب جدار المسجد، فلم نسأله، ولم يحدّثنا، قال: ثمّ جلسنا إلى ابن عمر مثل مجلسكم هذا، فلم نسأله، ولم يحدّثنا، قال: فقال: ما بالكم لا تتكلّمون ولا تذكرون الله؟ قولوا: الله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله وبحمده بواحدة عشرا، وبعشر مائة، من زاد زاده الله، ومن سكت غفر له. ألا أخبركم بخمس سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: بلى، قال: من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله فهو مضادّ الله في أمره، ومن أعان على خصومة بغير حقّ فهو مستظلّ في سخط الله حتّى يترك، ومن قفا مؤمنا أو مؤمنة حبسه الله في ردغة الخبال، عصارة أهل النّار، ومن مات وعليه دين أخذ لصاحبه من حسناته، لا دينار ثمّ ولا درهم، وركعتا الفجر حافظوا عليهما، فإنّهما من الفضائل) * «5» . 6- * (قال ابن القيّم- رحمه الله- «لا سبيل للغافل عن الذّكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت» ) * «6» . 7- * (وقال أيضا: على قدر غفلة العبد عن الذّكر يكون بعده عن الله) * «7» . 8- وقال أيضا: إنّ حجاب الهيبة لله- عزّ وجلّ- رقيق في قلب الغافل) * «8» . 9- * (وقال أيضا: إنّ الغافل بينه وبين الله- عزّ وجلّ- وحشة لا تزول إلّا بالذّكر) * «9» .   (1) الدارمي (2/ 555) . (2) المرجع السابق (2/ 556) . (3) أحمد (5/ 40) . (4) الوابل الصيب من الكلم الطيب (59) . (5) أحمد (2/ 82) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 254) : إسناده صحيح، والهيثمي في المجمع (2/ 218) . (6) الوابل الصيب (62) . (7) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (9) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5107 10- * (وقال أيضا: إنّ مجالس الذّكر مجالس الملائكة ومجالس اللّغو والغفلة مجالس الشّياطين فليتخيّر العبد أعجبهما إليه وأولاهما به فهو مع أهله في الدّنيا والآخرة) * «1» . 11- * (وقال أيضا: إنّ كلّ مجلس لا يذكر العبد فيه ربّه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة) * «2» . من مضار (الغفلة) عن ذكر الله (1) أنّها تجلب الشّيطان وتسخط الرّحمن. (2) تنزّل الهمّ والغمّ في القلب وتبعد عنه الفرح والسّرور (تميت القلب) . (3) مدعاة للوسوسة والشّكوك. (4) تورث العداوة والبغضاء وتذهب الحياء والوقار بين النّاس. (5) تبلّد الذّهن وتسدّ أبواب المعرفة. (6) تبعد العبد عن الله- عزّ وجلّ- وتجرّه إلى المعاصي.   (1) الوابل الصيب (65) . (2) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5108 الغل الغل لغة: الغلّ- بالكسر- مصدر غلّ يغلّ بمعنى غشّ وحقد، وهو مأخوذ من مادّة (غ ل ل) الّتي تدلّ على تخلّل شيء وثبات شيء، يقول ابن فارس: الغين واللّام أصل صحيح يدلّ على تخلّل شيء، وثبات شيء كالشّيء يغرز، من ذلك قول العرب: غللت الشّيء في الشّيء، إذا أثبتّه فيه، كأنّك غرزته. ومن الباب الغلّ وهو الضّغن، ينغلّ في الصّدر، والغلّ في قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا (الحشر/ 10) قال: القرطبيّ في تفسيره، الغلّ هو الحقد والحسد «1» . والغليل: الحقد والحسد كالغلّ، بالكسر، وأيضا الضّغن والغشّ، والعداوة. قال تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (الأعراف/ 43) . الغلّ هو الحقد الكامن في الصّدر. وقيل: ألّا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل منازلهم «2» . وقال ابن منظور: الغلّ بالكسر، والغليل: الغشّ والعداوة والضّغن والحقد والحسد. وفي التّنزيل العزيز: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ قال الزّجّاج: حقيقته، والله أعلم، أنّه لا يحسد بعض أهل الجنّة بعضا في علوّ المرتبة لأنّ الحسد غلّ وهو أيضا كدر، والجنّة مبرّأة من ذلك. ويقال: غلّ صدره يغلّ بالكسر، غلّا إذا كان ذا غشّ أو ضغن، ورجل مغلّ، مضبّ على حقد وغلّ. ويقال: غلّ الرّجل وأغلّ: خان «3» . وقال الرّاغب: غلّ يغلّ إذا صار ذا غلّ أي ضغن، وأغلّ أي صار ذا إغلال أي خيانة، وغلّ يغلّ إذا خان وأغللت فلانا إذا نسبته إلى الغلول. قال: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ (آل عمران/ 161) وقريء أَنْ يَغُلَّ أي ينسب إلى الخيانة من أغللته. قال: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ وروي «لا إغلال ولا إسلال» أي لا خيانة ولا سرقة. وقوله عليه الصّلاة والسّلام: «ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب المؤمن» أي لا يضطغن. وروي «لا يغلّ» أي لا يصير ذا خيانة. وأغلّ الجازر والسّالخ إذا ترك في الإهاب من اللّحم شيئا وهو من الإغلال «4» .   (1) تفسير القرطبي (18/ 23) . (2) المرجع السابق (7/ 133) . (3) لسان العرب (11/ 499) ، ومقاييس اللغة (4/ 376) ، تاج العروس (15/ 550) . (4) المفردات للراغب (363) مادة (غل) ، والصحاح (5/ 1784) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5109 الغل اصطلاحا: قال الكفويّ: الغلّ: أخذ الخيانة في القلب على الخلق «1» . وقال أيضا: الغلّ: هو بمعنى الخيانة من باب دخل (غلّ يغلّ) وهو الضّغن إذا كان من باب ضرب (غلّ يغلّ) قلت: المصدر واحد ويختلف المعنى باختلاف الفعل المضارع. أمّا الغلول فهو الخيانة في بيت مال أو زكاة، أو غنيمة وقيّده بعضهم بالغنيمة. وقال القرطبيّ: الغلّ: هو الحقد الكامن في الصّدر «2» . حكم الغل: عدّ العزّ بن عبد السّلام الغلّ من المنهيّات الباطنة مستدلّا بقوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا (الحشر/ 10) «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الحسد- السخط النقمة- الحقد- الغضب- الحمق- البغض. وفي ضد ذلك: انظر صفات: المحبة- الإخاء- الطهارة- الصبر والمصابرة- الحلم] . الآيات الواردة في ذمّ «الغل» 1- وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «4» 2- وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) «5» 3- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «6»   (1) الكليات (672) ، وانظر تفسير القرطبي (7/ 133) . (2) تفسير القرطبي (7/ 133) . (3) شجرة المعارف والأحوال (115) . (4) الأعراف: 43 مكية. (5) الحجر: 47 مكية. (6) الحشر: 10 مدنية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5110 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغل) 1- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّاس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب، صدوق اللّسان» قالوا: صدوق اللّسان نعرفه. فما مخموم القلب؟ قال: «هو التّقيّ النّقيّ. لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد» ) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الغل) معنى 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إذا فتحت عليكم فارس والرّوم أيّ قوم أنتم؟» قال عبد الرّحمن ابن عوف: نقول كما أمرنا الله «2» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو غير ذلك تتنافسون. ثمّ تتحاسدون. ثمّ تتدابرون. ثمّ تتباغضون. أو نحو ذلك. ثمّ تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض «3» » ) * «4» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا» ) * «5» . 4- * (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «دبّ «6» إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشّعر ولكن تحلق الدّين، والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أفلا أنبّئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السّلام بينكم» ) * «7» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ،   (1) ابن ماجة (4216) ، وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات. (2) نقول كما أمرنا: أي نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله. (3) ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض: أي ضعفائهم. فتجعلون بعضهم أمراء على بعض. (4) مسلم (2962) . (5) مسلم (2565) . (6) دب: سار، وقال الحفني: أي سرى إليكم. (7) الترمذي (2510) واللفظ له، والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 548) ، وقال: رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5111 ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أوّاها منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، وسدّد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري «1» » ) * «2» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله «3» ولا يحقره، التّقوى ههنا «4» ويشير إلى صدره ثلاث مرّات بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ) * «5» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله لينزلنّ ابن مريم حكما عادلا. فليكسرنّ الصّليب. وليقتلنّ الخنزير. وليضعنّ الجزية. ولتتركنّ القلاص «6» فلا يسعى عليها. ولتذهبنّ الشّحناء والتّباغض والتّحاسد وليدعونّ (وليدعونّ) إلى المال فلا يقبله أحد» ) * «7» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (الأعراف/ 43) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخلص المؤمنون من النّار «8» ، فيحبسون على قنطرة بين الجنّة والنّار، فيقصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدّنيا، حتّى إذا هذّبوا ونقّوا «9» ، أذن لهم في دخول الجنّة. فو الّذي نفس محمّد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنّة منه بمنزله كان في الدّنيا» ) * «10» .   (1) سخيمة صدري: غشه وحقده وغله. (2) الترمذي (3551) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (3830) . (3) ولا يخذله: قال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنصر. (4) التقوى ههنا: معناه أن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله وخشيته ومراقبته. (5) مسلم (2564) . (6) القلاص: هي من الإبل وذكرت هنا لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب. (7) مسلم (155) . (8) يخلص المؤمنون من النار: أي نجوا من السقوط فيها بعد ما جازوا على الصراط. (9) حتى إذا هذبوا ونقّوا: بضم الهاء وبضم النون، وهما بمعنى التمييز والتخليص من التبعات. (10) البخاري- الفتح 11 (6535) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5112 من أقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغل) 1- * (قال قتادة- رحمه الله- قال عليّ رضي الله عنه-: «إنّي لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزّبير من الّذين قال تعالى فيهم: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (الأعراف/ 43) » ) *) «1» . 2- * (قال السّدّيّ- رحمه الله- في قوله تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ قال: «إنّ أهل الجنّة إذا سيقوا إلى الجنّة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غلّ فهو الشّراب الطّهور، واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النّعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا «2» بعدها أبدا» ) * «3» . 3- * (قال الحسن- رحمه الله-: «قال عليّ رضي الله عنه-: فينا والله أهل بدر نزلت: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» ) * «4» . 4- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «اعلم أنّ الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب فهو فرع فرعه، والغضب أصل أصله» ) * «5» . من مضار (الغل) (1) دليل دناءة النّفس وخبثها. (2) يورث مقت الله وسخطه. (3) ينقص الإيمان وقد يذهب بالإسلام. (4) معول هدم وخراب في المجتمع. (5) ينبأ عن سوء النّيّة وفساد الطّويّة.   (1) تفسير ابن كثير (2/ 216) . (2) فلم يشعثوا ولم يشحبوا: الشعث: التفرق، والشاحب: المتغير اللون والجسم لعارض من سفر أو مرض ونحوهما. (3) تفسير ابن كثير (2/ 216) . (4) المرجع السابق نفسه. (5) إحياء علوم الدين (3/ 198) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5113 الغلو الغلو لغة: الغلوّ: مصدر قولهم: غلا في الأمر يغلو غلوّا، أي جاوز فيه الحدّ، يقول ابن فارس الغين واللّام والحرف المعتلّ أصل صحيح في الأمر يدلّ على ارتفاع ومجاوزة قدر. يقال: غلا السّعر يغلو غلاء، وذلك ارتفاعه، وغلا الرّجل في الأمر غلوّا إذا جاوز حدّه، وقيل: مجاوزة الحدّ إذا كانت في السّعر فهي غلاء، وإذا كانت في القدر والمنزلة فهي غلوّ، وفي السّهم غلو، وأفعالها جميعا غلا يغلو، قال تعالى: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ (النساء/ 171) قال القرطبيّ: المراد غلوّ اليهود في عيسى حتّي قذفوا مريم، وغلوّ النّصارى فيه حتّى جعلوه إلها «1» . وفي الحديث: «إيّاكم والغلوّ في الدّين» أي التّشدّد فيه ومجاوزة الحدّ، ومنه الحديث: «وحامل القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه» ، إنّما قال ذلك لأنّ من آدابه وأخلاقه الّتي أمر بها القصد في الأمور، وخير الأمور، أوساطها. والغلواء بالضّمّ وفتح اللّام، ويسكّن: الغلوّ، وهو التّجاوز، يقال: خفّف من غلوائك. وغلا في الدّين غلوّا من باب قعد، تصلّب وشدّد حتّى جاوز الحدّ ... وغالى في أمره مغالاة، بالغ «2» . وقال ابن منظور: يقال غلا يغلو غلوّا وغلواء وغلانية وغلانيا. والغلاء: الارتفاع ومجاوزة القدر في كلّ شيء والإفراط فيه. فيقال للشّيء إذا ارتفع قد غلا. قال ذو الرّمّة: فما زال يغلو حبّ ميّة عندنا ... ويزداد حتّى لم نجد ما نزيدها ويقال: غلا النّبت: إذا ارتفع وعظم والتفّ «3» . واصطلاحا: قال المناويّ: الغلوّ: مجاوزة الحدّ، والغلوّ في الدّين التّصلّب والتّشدّد فيه حتّى مجاوزة الحدّ «4» . وقال القرطبيّ: الغلوّ في الدّين: الإفراط فيه كما أفرطت اليهود والنّصارى في عيسى، غلوّ اليهود في عيسى قولهم: ليس ولد رشدة، وغلوّ النّصارى قولهم: إنّه إله «5» .   (1) تفسير القرطبي (6/ 16) . (2) الصحاح (6/ 2448) ، المقاييس (4/ 388) ، المفردات (365) ، اللسان (5/ 3290، 3291) ، التاج (20، 22) ، المصباح (172) . (3) لسان العرب (6/ 3290) . (4) التوقيف (253) بتصرف. (5) تفسير القرطبي (6/ 77) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5114 أنواع الغلو: من يتأمّل الآيات والأحاديث الواردة في الغلوّ يجد أنّ الغلوّ علي ثلاثة أنواع: الأوّل: الغلوّ في الدّين وذلك بالاعتقادات الباطلة كما فعل بعض أهل الكتاب الّذين قالوا على الله غير الحقّ كقولهم: إنّ الله ثالث ثلاثة، وكقول اليهود والنّصارى في عيسى: إنّه ابن الله أو إنّه إله، وقول اليهود: إنّه ليس ابن رشدة. وعند المسلمين نجد كثيرا من الفرق الضّالّة الّتي غلت في دينها كالرّافضة والمرجئة. الثّاني: الغلوّ في القرآن الكريم، وذلك بمجاوزة الحدّ في قراءته بالتّطويل والتّطريح والتّشدّق، والخروج والتّأويل المبالغ فيه. الثّالث: الغلوّ في العلم، وذلك الّذي يؤدّي إلى تحريف الكلم عن مواضعه، كما فعل أهل الكتاب قديما، وكما يفعل كثير من الجهّال في هذه الأيّام. الإيغال في الدين برفق: قال ابن المنيّر- رحمه الله-: رأينا ورأى النّاس قبلنا أنّ كلّ متنطّع في الدّين ينقطع. وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنّه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدّي إلى الملال، أو المبالغة في التّطوّع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلّي اللّيل كلّه ويغالب النّوم إلى أن غلبته عيناه في آخر اللّيل فنام عن صلاة الصّبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار. أو إلى أن طلعت الشّمس فخرج وقت الفريضة «1» . قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- مبيّنا أنّ الغلوّ سبب لتشديد الله على العبد وعلى الأمّة: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن التّشديد في الدّين بالزّيادة على المشروع، وأخبر صلّى الله عليه وسلّم أنّ تشديد العبد، على نفسه هو السّبب لتشديد الله عليه إمّا بالقدر وإمّا بالشّرع. فبالقدر كفعل أهل الوسواس فإنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد عليهم حتّى استحكم وصار صفة لازمة لهم. وأمّا التّشديد بالشّرع: كمن شدّد على نفسه بالنّذر، فشدّد الله عليه فألزمه الوفاء به «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- التكلف- التعسير- التنفير- الطغيان- الكفر- التفريط والإفراط- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- الاتباع- التيسير- الرفق- العبادة- الطاعة] .   (1) الفتح (1/ 117) . (2) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 132) بتصرف يسير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5115 الآيات الواردة في «الغلو» 1- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «1» 2- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77) «2» الآيات الواردة في «الغلو» معنى 3- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «3» 4- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) «4» 5- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «5»   (1) النساء: 171 مدنية (2) المائدة: 77 مدنية (3) المائدة: 72- 73 مدنية (4) التوبة: 30 مدنية (5) الكهف: 28 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5116 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغلو) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غداة العقبة وهو على راحلته: «هات القط لي فلقطت له حصيات هنّ حصى الخذف فلمّا وضعتهنّ في يده، قال: «بأمثال هؤلاء وإيّاكم والغلوّ في الدّين، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة؛ وعبد الله بن عمر- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» ) * «2» . 3- * (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان من أمّتي لا تنالهما شفاعتي: سلطان ظلوم غشوم، وغال في الدّين، يشهد عليهم، ويتبرّأ منهم» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الغلو) معنى 4- * (عن أبي جحيفة السّوائيّ وهب بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء، فصنع له طعاما. فقال له: كل. قال: فإنّي صائم، قال: ما أنا بآكل حتّى تأكل. قال: فأكل، فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم، قال: نم، فنام. ثمّ ذهب يقوم. فقال: نم. فلمّا كان من آخر اللّيل قال سلمان: قم الآن، فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال   (1) النسائي (5/ 268) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 640) رقم (2863) ، وابن ماجه (3029) ، وأحمد (1/ 215) وقال فيه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 257) ، (1851) وأخرجه أيضا في (1/ 347) وقال شاكر: إسناده صحيح (5/ 85) ، رقم (3248) وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 278) رقم (1283) ، وعزاه كذلك لابن خزيمة وابن حبان. وصحّح إسناده الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (3/ 278) . (2) البزار (1/ 86) حديث (143) ، وهو في المشكاة (1/ 82) حديث (248) وقال: رواه البيهقي، وقال الألباني في تخريجه: ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي ونقل هناك تصحيح الإمام أحمد للحديث. (3) السنة لابن أبي عاصم، وقال الألباني: صحيح (1/ 23) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 185) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وكذا الهيثمي في المجمع (5/ 236) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير ثقات، وهو في الصحيحة للألباني (1/ 762) برقم (470) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5117 له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» * «1» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: أقبل رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، فوقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يعطي النّاس، قال: يا محمّد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أجل، فكيف رأيت؟» قال: لم أرك عدلت، قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «ويحك إن لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟» . فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله ألا نقتله؟ قال: «لا. دعوه، فإنّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدّين، حتّى يخرجوا منه، كما يخرج السّهم من الرّميّة «2» ، ينظر في النّصل فلا يوجد شيء، ثمّ في القدح فلا يوجد شيء، ثمّ في الفوق «3» فلا يوجد شيء سبق الفرث «4» والدّم» ) * «5» . 6- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعظم المسلمين في المسلمين جرما، من سأل عن شيء لم يحرّم على المسلمين، فحرّم عليهم من أجل مسألته» ) * «6» . 7- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أمّ حبيبة وأمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم «7» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولئك، إذا كان فيهم الرّجل الصّالح فمات، بنوا على قبره مسجدا، وصوّروا فيه تلك الصّور. أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» ) * «8» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه. فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «9» . 9- * (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء عن غير نسيان فلا تبحثوا عنها» ) * «10» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها   (1) البخاري- الفتح 4 (1968) . (2) الرمية: هي الصيد الذي ترميه فتقصده وينفذ فيها سهمك وقيل هي كل دابة مرمية. (3) الفوق: موضع الوتر من السهم. (4) وسبق الفرث والدم: الفرث: ما يوجد بالكرش يعني أن السهم مر سريعا في الرمية وخرج منها لم يعلق فيها بشيء من فرثها ودمها. (5) هذا لفظ أحمد (2/ 219) ، وأصله في الصحيحين من حديث أبي سعيد وقال شاكر: إسناده صحيح (12/ 3) رقم (7038) ، وذكره الهيثمي في المجمع (6/ 227- 228) وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار، ورجال أحمد ثقات. (6) البخاري- الفتح 13 (7289) ، ومسلم (2358) واللفظ له (7) قوله لرسول الله متعلق بقوله (ذكرتا) وليس متعلقا بقوله (تصاوير) أي ذكرتا لرسول الله كنيسة.. الخ. (8) البخاري- الفتح 1 (427) ، مسلم (528) واللفظ له. (9) البخاري- الفتح 1 (39) . (10) ذكره ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 59) وعزاه محققه إلى الحاكم في مستدركه، والبزار وغيرهما ونقل تحسين أبي بكر السمعاني في أماليه، والنووي في أربعينه وكذلك الحافظ ابن حجر في الفتح، وانظر جامع العلوم والحكم (261) ، وروى الحاكم نحوه (2/ 375) وصححه ووافقه الذهبي والبزار كما في كشف الأستار (1/ 78) ، وقال: إسناده صالح، وفي (3/ 325) روياه من حديث أبي الدرداء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5118 قالت: «إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة. قال: «من هذه؟» قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: «مه، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا، وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه» ) * «1» . 11- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى شيخا يهادى بين ابنيه قال: «ما بال هذا؟» قالوا: نذر أن يمشي. قال: «إنّ الله عن تعذيب هذا نفسه لغنيّ. وأمره أن يركب» ) * «2» . 12- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجال يجتهدون في العبادة اجتهادا شديدا. فقال: تلك ضراوة «3» الإسلام وشرّته، ولكلّ ضراوة شرّة، ولكلّ شرّة فترة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنّة فلأمّ «4» ما هو، ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك» ) * «5» . 13- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سألوا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن عمله في السّرّ فقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء. وقال بعضهم: لا آكل اللّحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد لله وأثنى عليه، فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا. ولكنّي أصلّي وأنام. وأصوم وأفطر. وأتزوّج النّساء. فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «6» . 14- * (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- أنّه سمع ابنه يقول: اللهمّ إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتها، فقال: أي بنيّ، سل الله الجنّة، وتعوّذ به من النّار؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه سيكون في هذه الأمّة قوم يعتدون في الطّهور والدّعاء» ) * «7» . 15- * (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغّض إلى نفسك عبادة الله. فإنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 1 (43) واللفظ له، مسلم (785) . (2) البخاري- الفتح 4 (1865) ، ومسلم (1642) . (3) ضراوة الإسلام: من قولهم (ضرى بالشيء ضرى وضراوة) إذا اعتاده ولزمه وأولع به. (4) فلأم ما هو: أي هو على طريق ينبغي أن يقصد. (5) أحمد (2/ 165) واللفظ له وقال شاكر: إسناده صحيح (10/ 50) برقم (6539) . وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الكبير وأحمد بنحوه، ورجال أحمد ثقات (2/ 259 260) ، والسنة لابن أبي عاصم، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وعزاه لابن حبان والطحاوي (28) برقم (51) (6) البخاري- الفتح 9 (5063) . ومسلم (1401) واللفظ له. (7) أبو داود (96) واللفظ له وقال الألباني (1/ 21) : صحيح، وابن ماجه (3864) ، وأحمد (4/ 86) ، والحاكم (1/ 540) وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني في الدعاء (2/ 811) رقم (59) وقال مخرجه: إسناده حسن، وكذا في الكبير (2/ 811) وقال مخرجه: إسناده حسن. (8) البيهقي في السنن الكبرى (3/ 18) . وذكره الألباني في صحيح الجامع وقال: حسن (1/ 256) رقم (2242) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5119 16- * (عن جندب بن جنادة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إنّي أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإنّ الله تعالى قد اتّخذني خليلا، كما اتّخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متّخذا من أمّتي خليلا لاتّخذت أبابكر خليلا. ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد. إنّي أنهاكم عن ذلك» ) * «1» . 17- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظلّ ولا يتكلّم ويصوم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: مره فليتكلّم، وليستظلّ، وليقعد، وليتمّ صومه» ) * «2» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أيّها النّاس قد فرض عليكم الله الحجّ فحجّوا» ، فقال رجل: أكلّ عام يا رسول الله؟! فسكت. حتّى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قلت: نعم. لوجبت. ولما استطعتم» ، ثمّ قال: «ذروني ما تركتكم. فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» ) * «3» . 19- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا حبل ممدود بين السّاريتين. فقال: ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلّقت. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد» ) «4» . 20- * (قالت عائشة- رضي الله عنها- صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ترخّص فيه وتنزّه عنه قوم، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فحمد لله وأثنى عليه ثمّ قال: «ما بال أقوام يتنزّهون عن الشّيء أصنعه؟ فو الله إنّي أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) * «5» . 21- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيك مثل من عيسى، أبغضته اليهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة الّتي ليس به» ) * «6» . 22- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في سفر، فرأى رجلا قد اجتمع النّاس عليه. وقد ظلّل عليه، فقال: «ما له؟» قالوا: رجل صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر» ) * «7» . 23- * (عن عائشة وابن عبّاس- رضي الله   (1) مسلم (532) . (2) البخاري- الفتح 11 (6704) . (3) مسلم (1337) . (4) البخاري- الفتح 3 (1150) . (5) البخاري- الفتح 13 (7301) واللفظ له، ومعناه في الصحيحين من حديث عائشة. البخاري الفتح 9 (5063) . ومسلم (1401) (6) أحمد (1: 160) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن (2/ 354) رقم (1376) . (7) البخاري- الفتح 4 (1946) . ومسلم (1115) واللفظ له. وهذا يختلف باختلاف القدرة والتحمل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5120 عنهم- قالا: لمّا نزل «1» برسول الله صلّى الله عليه وسلّم طفق يطرح خميصة «2» له على وجهه فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنّصارى. اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذّر ما صنعوا) * «3» . 24- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الرّحمن: إنّي أقوى على الصّيام في السّفر. فقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة» ) * «4» . 25- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، وأمرتني أن أستفتي لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لتمش ولتركب» ) * «5» . 26- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلك المتنطّعون «6» قالها ثلاثا» ) * «7» . 27- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: واصل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم آخر الشّهر وواصل أناس من النّاس فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «لو مدّ بي الشّهر لواصلت وصالا يدع المتعمّقون تعمّقهم. إنّي لست مثلكم، إنّي أظلّ يطعمني ربّي ويسقيني» ) * «8» . 28- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- سمع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يقول على المنبر سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تطروني «9» كما أطرت النّصارى ابن مريم، فإنّما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله» ) * «10» . 29- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الله ألم أخبر أنّك تصوم النّهار وتقوم اللّيل؟» فقلت: بلى يا رسول الله. قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقّا، وإنّ لعينك عليك حقّا، وإنّ لزوجك عليك حقّا، وإنّ لزورك «11» عليك حقّا، وإنّ بحسبك أن تصوم كلّ شهر ثلاثة أيّام، فإنّ لك بكلّ حسنة عشر أمثالها، فإذن «12» ذلك صيام   (1) نزل: حضره الموت. (2) خميصة: كساء له أعلام. (3) البخاري- الفتح 1 (435) . ومسلم (531) واللفظ له. والنسائي (2/ 40، 41) ، وذلك أن الغلو في الصالحين سبب لعبادتهم من هنا حذر النبي صلّى الله عليه وسلّم من التشبه بهم وفي هذا سد للذرائع. (4) أحمد (2/ 71) واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (7/ 207) برقم (5392) ، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 162) . رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناد أحمد حسن. (5) البخاري- الفتح 4 (1866) واللفظ له، ومسلم (1644) . (6) المتنطعون: المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. (7) مسلم (2670) . (8) البخاري- الفتح 13 (7241) واللفظ له، ومسلم (1104) . (9) الإطراء: مجاوزة الحد في المدح. (10) البخاري- الفتح 6 (3445) . (11) لزورك: أي لضيفك، وهو مصدر وضع موضع الاسم ويطلق على الواحد والجمع، والذكر والأنثى. (12) فإذن: هي التي يجاب بها وهي واقعة في جواب شرط مقدر كأنه قال: إن صمتها فإذن ذلك صيام الدهر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5121 الدّهر كلّه، فشدّدت فشدّد عليّ، قلت: يا رسول الله إنّي أجد قوّة. قال: «فصم صيام نبيّ الله داود عليه السّلام ولا تزد عليه» قلت: وما كان صيام نبيّ الله داود عليه السّلام، قال: «نصف الدّهر» ) * «1» . 30- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن ومعاذ ابن جبل قال لهما: «يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا» . قال أبو موسى: يا رسول الله، إنّا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له البتع «2» وشراب من الشّعير يقال له المزر «3» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر حرام» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغلو) 1- * (قال عمر- رضي الله عنه-: «لن تزالوا بخير ما عجّلتم الفطر، ولم تتنطّعوا تنطّع أهل العراق» ) * «5» . 2- * (وقال- رضي الله عنه- لرجل سأله عن معنى الأبّ لمّا قرأ وَفاكِهَةً وَأَبًّا قال: نهينا عن التّعمّق والتّكلّف) * «6» . 3- * (وقال أيضا- رضي الله عنه- في خطبة له: «ألا لا تغالوا بصدق النّساء، فإنّها لو كانت مكرمة في الدّنيا، أو تقوى عند لله، لكان أولاكم بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ما أصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقيّة» ) * «7» . 4- * (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «لا تغال لي في كفن» ) * «8» . 5- * (وقال- رضي الله عنه-: «يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني» ) * «9» . 6- * (عن أبي وائل قال: كان أبو موسى يشدّد في البول، ويبول في قارورة ويقول: إنّ بني   (1) البخاري- الفتح 4 (1975) واللفظ له، ومسلم (1159) . (2) البتع: نبيذ العسل. (3) المزر: نبيذ الذرة. (4) البخاري الفتح 10 (6124) واللفظ له، ومسلم (1732) . (5) لسان العرب (7/ 4461) . (6) وروى هذا عن أبي بكر رضي الله عنه أيضا. فتح الباري (13/ 271) . (7) أبو داود (2106) واللفظ له. والنسائي (6/ 117) وقال الألباني: صحيح (2/ 705) رقم (3141) ، والترمذي (114) 1 وقال: حسن صحيح، ابن ماجه (1887) ، الدارمي (2/ 190) رقم (2200) ، أحمد (1/ 40- 41) رقم (287) بأطول من هذا السياق، وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح (1/ 276- 277) برقم (285) . (8) أبو داود (3154) . (9) أحمد (1/ 160) وقال شاكر: إسناده حسن (2/ 354) . والشنآن: الكره، والبهت: أشد الكذب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5122 إسرائيل كانوا إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض. فقال حذيفة لهم: «لوددت أنّ صاحبكم لا يشدّد هذا التّشديد» ) * «1» . 7- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما- في دعاء طويل: «اللهمّ يسّرنا لليسرى، وجنّبنا العسرى» ) * «2» . 8- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في وصف بني إسرائيل لمّا طلب منهم موسى- عليه السّلام- أن يذبحوا بقرة: «لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها، ولكنّهم شدّدوا فشدّد عليهم» ) * «3» . 9- * (وقال أيضا- رضي الله عنه- في معنى قوله تعالى فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (البقرة/ 71) : كادوا أن لا يفعلوا، ولم يكن ذلك الّذي أرادوا، لأنّهم أرادوا أن لا يذبحوها، يعني أنّهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلّا بعد الجهد، وفي هذا ذمّ لهم، وذلك أنّه لم يكن غرضهم إلّا التّعنّت» ) * «4» . 10- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوح في العرب بعد: أمّا ودّ. فكانت لكلب بدومة الجندل، وأمّا سواع. فكانت لهذيل، وأمّا يغوث. فكانت لمراد ثمّ لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأمّا يعوق فكانت لهمدان، وأمّا نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلمّا هلكوا. أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون أنصابا وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت «5» » ) * «6» . 11- * (قال عبادة بن نسيّ- رضي الله عنه لجماعة «أدركت أقواما ما كانوا يشدّدون تشديدكم، ولا يسألون مسائلكم» ) * «7» . 12- * (عن أبي الصّلت قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنّته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السّنّة؛ فإنّها لك بإذن الله عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والتّعمّق، فارض لنفسك   (1) مسلم (273) . (2) الأذكار النووية، وقال مخرجه: قال الحافظ في تخريج الأذكار: هذا موقوف صحيح (324) . (3) تفسير ابن كثير (1/ 110) وقال: إسناده صحيح. (4) المرجع السابق (1/ 111) . (5) قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ تعليقا على هذا الأثر: هذا يفيد الحذر من الغلو ووسائل الشرك، فإن الشيطان أدخل أولئك في الشرك من باب الغلو في الصالحين والإفراط في محبتهم. فتح المجيد (219- 220) بتصرف. (6) البخاري- الفتح 8 (4920) . (7) الدارمي (1/ 63) رقم (127) بتصرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5123 ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم: «إنّما حدث بعدهم» . ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير- بإذن الله- وقعت، ما أعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهليّة الجهلاء، يتكلّمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثمّ لم يزده الإسلام بعد إلّا شدّة، ولقد ذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلّموا به في حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربّهم، وتضعيفا لأنفسهم، أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وأنّه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه، ومنه تعلّموه. ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا؟ ولم قال: كذا؟ لقد قرأوا منه ما قرأتم وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كلّه بكتاب وقدر، وكتبت الشّقاوة وما يقدّر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا، ثمّ رغبوا بعد ذلك ورهبوا» ) * «1» . 13- * (قال عبّاد بن عبّاد الخوّاص الشّاميّ رحمه الله تعالى-: «اعقلوا، فالعقل نعمة، فربّ ذي عقل قد شغل قلبه بالتّعمّق فيما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتّى صار عن ذلك ساهيا، ومن فضل عقل المرء، ترك النّظر فيما لا نظر فيه. حتّى يكون فضل عقله وبالا عليه في ترك مناقشة من هو دونه في الأعمال الصّالحة، أو رجل شغل قلبه ببدعة قلّد فيها دينه رجالا دون أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو اكتفى برأيه فيما لا يرى الهدى إلّا فيها، ولا يرى الضّلالة إلّا تركها بزعم أنّه أخذها من القرآن، وهو يدعو إلى فراق القرآن، أفما كان للقرآن حملة قبله وقبل أصحابه يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه؟ وكانوا منه على منار أوضح الطّريق وكان القرآن إمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إماما لأصحابه، وكان أصحابه أئمّة لمن بعدهم، رجال معروفون، منسوبون في البلدان، متّفقون في الرّد على أصحاب الأهواء مع ما كان بينهم من الاختلاف، وتسكّع أصحاب الأهواء برأيهم في سبل مختلفة، جائرة عن القصد، مفارقة للصّراط المستقيم، فتوّهت بهم أدلّاؤهم في مهامه مضلّة، فأمعنوا فيها متعسّفين في هيآتهم، كلّما أحدث لهم الشّيطان بدعة في ضلالتهم انتقلوا منها إلى غيرها، لأنّهم لم يطلبوا أثر السّالفين، ولم يقتدوا   (1) أبو داود (4612) ، وقال الألباني: صحيح الإسناد (3/ 873) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5124 بالمهاجرين، وقد ذكر عن عمر أنّه قال لزياد: هل تدري ما يهدم الإسلام؟ زلّة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمّة مضلّون، اتّقوا الله وما حدث في قرّائكم وأهل مساجدكم من الغيبة والنّميمة والمشي بين النّاس بوجهين ولسانين، وقد ذكر أنّ من كان ذا وجهين في الدّنيا كان ذا وجهين في النّار، يلقاك صاحب الغيبة فيغتاب عندك من يرى أنّك تحبّ غيبته، ويخالفك إلى صاحبك فيأتيه عنك بمثله، فإذا هو قد أصاب عند كلّ واحد منكما حاجته، وخفي على كلّ واحد منكما ما يأتي عند صاحبه. حضوره عند من حضره حضور الإخوان، وغيبته عن من غاب عنه غيبة الأعداء، من حضر منهم كانت له الأثرة، ومن غاب منهم لم تكن له حرمة، يغبن من حضره بالتّزكية، ويغتاب من غاب عنه بالغيبة، فيالعباد الله أما في القوم من رشيد ولا مصلح؟ به يقمع هذا عن مكيدته، ويردّه عن عرض أخيه المسلم، بل عرف هواهم فيما مشى به إليهم، فاستمكن منهم وأمكنوه من حاجته، فأكل بدينه مع أديانهم، فالله الله، ذبّوا عن حرم أعيانكم، وكفّوا ألسنتكم عنهم إلّا من خير، وناصحوا الله في أمّتكم إذ كنتم حملة الكتاب والسّنّة، فإنّ الكتاب لا ينطق حتّى ينطق به، وإنّ السّنّة لا تعمل حتّى يعمل بها، فمتى يتعلّم الجاهل إذا سكت العالم؟ فلم ينكر ما ظهر، ولم يأمر بما ترك، وقد أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه، اتّقوا الله فإنّكم في زمان رقّ فيه الورع، وقلّ فيه الخشوع، وحمل العلم مفسدوه، فأحبّوا أن يعرفوا بحمله، وكرهوا أن يعرفوا بإضاعته، فنطقوا فيه بالهوى لما أدخلوا فيه من الخطأ، وحرّفوا الكلم عمّا تركوا من الحقّ إلى ما عملوا به من باطل، فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها، وتقصيرهم تقصير لا يعترف به، كيف يهتدي المستدلّ المسترشد إذا كان الدّليل حائرا، أحبّوا الدّنيا وكرهوا منزلة أهلها فشاركوهم في العيش وزايلوهم بالقول، ودافعوا بالقول عن أنفسهم أن ينسبوا إلى عملهم، فلم يتبرّؤوا ممّا انتفوا منه، ولم يدخلوا فيما نسبوا إليه أنفسهم، لأنّ العامل بالحقّ متكلّم وإن سكت، وقد ذكر أنّ الله تعالى يقول: إنّي لست كلّ كلام الحكيم أتقبّل، ولكنّي أنظر إلى همّه وهواه. فإن كان همّه وهواه لي جعلت صمته حمدا ووقارا، وإن لم يتكلّم. وقال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها (الجمعة/ 5) لم يعملوا بها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً كتبا. وقال خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ (البقرة/ 63) قال: العمل بما فيه، ولا تكتفوا من السّنّة بانتحالها بالقول دون العمل بها فإنّ انتحال السّنّة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العلم، ولا تعيبوا بالبدع تزيّنا بعيبها، فإنّ فساد أهل البدع ليس بزائد في صلاحكم، ولا تعيبوها بغيا على أهلها، فإنّ البغي من فساد أنفسكم، وليس ينبغي للمطبّب أن يداوي المرضى بما يبرئهم ويمرضه، فإنّه إذا مرض اشتغل بمرضه عن مداواتهم، ولكن ينبغي أن يلتمس لنفسه الصّحّة ليقوى بها على علاج المرضى، فليكن أمركم فيما تنكرون على إخوانكم نظرا منكم لأنفسكم، ونصيحة منكم لربّكم، وشفقة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5125 منكم على إخوانكم، وأن تكونوا مع ذلك بعيوب أنفسكم أعنى منكم بعيوب غيركم، وأن يستفطم بعضكم بعضا النّصيحة، وأن يحظى عندكم من بذلها لكم وقبلها منكم، وقد قال عمر بن الخطّاب- رضي الله تعالى عنه-: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي، تحبّون أن تقولوا فيحتمل لكم، وإن قيل لكم مثل الّذي قلتم غضبتم، تجدون على النّاس فيما تنكرون من أمورهم وتأتون مثل ذلك، أفلا تحبّون أن يؤخذ عليكم؟ اتّهموا رأيكم ورأي أهل زمانكم، وتثبّتوا قبل أن تكلّموا، وتعلّموا قبل أن تعملوا، فإنّه يأتي زمان يشتبه فيه الحقّ والباطل، ويكون المعروف فيه منكرا، والمنكر فيه معروفا، فكم من متقرّب إلى الله بما يباعده، ومتحبّب إليه بما يبغضه عليه، قال الله تعالى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (فاطر/ 8) الآية. فعليكم بالوقوف عند الشّبهات حتّى يبرز لكم واضح الحقّ بالبيّنة، فإنّ الدّاخل فيما لا يعلم بغير علم آثم، ومن نظر لله نظر الله له، عليكم بالقرآن فأتمّوا به وأمّوا به، وعليكم بطلب أثر الماضين فيه، ولو أنّ الأحبار والرّهبان لم يتّقوا زوال مراتبهم، وفساد منزلتهم بإقامة الكتاب وتبيانه، ما حرّفوه ولا كتموه، ولكنّهم لمّا خالفوا الكتاب بأعمالهم التمسوا أن يخدعوا قومهم عمّا صنعوا مخافة أن تفسد منازلهم، وأن يتبيّن للنّاس فسادهم، فحرّفوا الكتاب بالتّفسير، وما لم يستطيعوا تحريفه كتموه، فسكتوا عن صنيع أنفسهم إبقاء على منازلهم، وسكتوا عمّا صنع قومهم مصانعة لهم، وقد أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه، بل مالوا عليه ورفقوا لهم فيه» ) * «1» . 14- * (قال قتادة- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ (الملك/ 5) «خلق هذه النّجوم لثلاث: جعلها زينة للسّماء، ورجوما للشّياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأوّل فيها بغير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلّف مالا علم له به» ) * «2» . 15- * (قال أبو جعفر الطّحاويّ- رحمه الله تعالى- في الطّحاويّة: «ودين الله في الأرض والسّماء واحد، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلوّ والتّقصير، وبين التّشبيه والتّعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس» ) * «3» . 16- * (قال ابن عقيل- رحمه الله-: قال لي رجل: أنغمس في الماء مرارا كثيرة وأشكّ: هل صحّ لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟ فقلت له: يا شيخ اذهب، فقد سقطت عنك الصّلاة. قال: وكيف؟ قال: لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتّى يفيق، والنّائم حتّى يستيقظ، والصّبيّ حتّى يبلغ» ، ومن ينغمس في الماء مرارا ويشكّ هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون) * «4» .   (1) الدارمي (1/ 166- 169) رقم. (2) تفسير ابن كثير (4/ 396) . (3) شرح الطحاوية، لابن العز، نسخة الألباني (585) . (4) إغاثة اللهفان (1/ 154) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5126 17- * (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «نهى الشّارع عن الغلوّ والتّشديد نهيا عامّا في الاعتقادات والأعمال» ) * «1» . 18- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «من كيد الشّيطان العجيب أنّه يشامّ النّفس، حتّى يعلم أيّ القوّتين تغلب عليها: قوّة الإقدام والشّجاعة، أم قوّة الانكفاف والإحجام والمهانة؟ وقد اقتطع أكثر النّاس إلّا أقلّ القليل في هذين الواديين، وادي التّقصير، ووادى المجاوزة والتّعدّي، والقليل منهم جدّا الثّابت على الصّراط الّذي كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (وهو الوسط) » ) * «2» . 19- * (قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: «لا يتعمّق أحد في الأعمال الدّينيّة ويترك الرّفق إلّا عجز وانقطع فيغلب» ) * «3» . 20- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- «الأخذ بالعزيمة في موضع الرّخصة تنطّع، كمن يترك التّيمّم عند العجز عن استعمال الماء فيفضى به استعماله إلى حصول الضّرر» ) * «4» . من مضار (الغلو) (1) مبعد عن الله، وموجب للنّار. (2) الانقطاع عن العمل، وعدم المداومة عليه. (3) دليل ضعف العقل، ومدخل لتسلّط الشّيطان. (4) دليل الجهل، وقلّة الفهم. (5) يورث الوسواس. (6) ضيق النّفس ودوام الحزن.   (1) فتح المجيد (227) بتصرف. (2) إغاثة اللهفان (1/ 136) . (3) فتح الباري (1/ 117) . (4) المرجع السابق نفسه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5127 الغلول الغلول لغة: مصدر قولهم: غلّ يغلّ إذا خان في الفيء أو الغنيمة أو غيرهما، وهو مأخوذ من مادّة (غ ل ل) الّتي تدلّ على «تخلّل شيء وثباته، كالشّيء يغرز، من ذلك قول العرب: غللت الشّيء في الشّيء إذا أثبتّه فيه كأنّك غرزته، ومن الباب الغلول في المغنم، وهو أن يخفى الشّيء فلا يردّ إلى القسم، كأنّ صاحبه قد غلّه بين ثيابه» «1» . وقال الرّاغب: أصل الغلل تدرّع الشّيء وتوسّطه، ومن ذلك الغلل للماء الجاري بين الشّجر، والغلول وهو تدرّع الخيانة، والغلّ: العداوة يقال منه: غلّ يغلّ إذا صار ذا غلّ أي ضغن (وعداوة) ، وأغلّ أي صار ذا إغلال أي خيانة، وغلّ يغلّ إذا خان، وأغللت فلانا: نسبته «2» إلى الغلول «3» ، وقال الفيروزآباديّ: يقال: غلّ غلولا وأغلّ إغلالا إذا خان «4» ، وقيل: خان في الفيء خاصّة، وقول الله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 161) قرأها بعضهم «5» : أن يغلّ (بفتح الياء وضمّ الغين) وقرأها الآخرون «أن يغلّ» (بضمّ الياء وفتح الغين) «6» ، والمعنى على القراءة الأولى «يغلّ» : يخون، والمعنى على القراءة الثّانية يحتمل أمرين، الأوّل: يخان يعني أن يؤخذ من غنيمته، والثّاني: يخوّن أي ينسب إلى الغلول «7» ، وقال ابن منظور في توضيح معنى القراءة الأولى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قال: أي يخون أمّته. وتفسير ذلك أنّ الغنائم جمعها سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاة فجاء جماعة من المسلمين فقالوا: ألا تقسم غنائمنا، فقال عليه الصّلاة والسّلام: «لو أفاء الله عليّ مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما، أترونني أغلّكم مغنمكم؟» قال ابن منظور: وكان أبو عمرو (بن العلاء) ، ويونس يختاران   (1) مقاييس اللغة (4/ 376) . (2) المفردات للراغب ص 363 (ت: محمد سيد كيلاني) . (3) يشير الراغب بذلك إلى أن صيغة أفعل من الغلول لها معنيان: الأول: الصيرورة، والآخر: النسبة إلى الشيء، وإلى أن الصيغة الأولى لازمة (أغلّ أي صار ذا غل) ، والأخرى متعدية (أغل فلانا أي نسبه إلى الغلول) . (4) يشير الفيروزآبادي بذلك إلى أن صيغة فعل وأفعل بمعنى واحد إذا اشتقتا من الغلول. (5) قرأها كذلك أبو عمرو وابن كثير وعاصم. (6) قرأها كذلك باقي السبعة (حمزة والكسائي ونافع وابن عامر) . انظر في ذلك: كتاب التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني (ت: أوتو برتزل) ص 91، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري (2/ 243) . (7) بصائر ذوي التمييز (4/ 144- 145) بتصرف يسير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5128 هذه القراءة، وكان يونس يقول: كيف لا يغلّ؟ بلى ويقتل «1» . وقال ابن برّيّ مرجّحا هذه القراءة أيضا: قلّ أن تجد في كلام العرب: ما كان لفلان أن يضرب، على أن يكون الفعل مبنيّا للمفعول، وإنّما تجده مبنيّا للفاعل، كقولك: ما كان لمؤمن أن يكذب، وما كان لنبيّ أن يخون، وما كان لمحرم أن يلبس، وبهذا (الدّليل اللّغويّ) يعلم صحّة قراءة من قرأ «يغلّ» على إسناد الفعل للفاعل دون المفعول «2» ، وقال أبو عليّ الفارسيّ: والحجّة لمن قرأ «يغلّ» أنّ ما جاء من التّنزيل من هذا النّحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو قوله سبحانه ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ (يوسف/ 38) ، وقوله وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (آل عمران/ 145) . ولا يكاد يجيء منه نحو «ما كان زيد ليضرب» ، وقد روي أنّ عبد الله بن عبّاس قيل له: إنّ ابن مسعود يقرأ «يغلّ» فقال: بلى والله ويقتل. وعنه أيضا: قد كان النّبيّ يقتل فكيف لا يخوّن. وقد احتجّ للقراءة الثّانية أيضا «يغلّ» بأنّ المعنى إمّا: أن ينسب إلى ذلك أي لا يقال له غللت، وذلك كقولهم: أكفرت فلانا أي نسبته إلى الكفر، كما في قول الشّاعر: فطائفة قد أكفرتني بحبّكم أي نسبتني إلى الكفر، قال أبو عليّ: ويجوز أن يكون المعنى: ليس لأحد أن يغلّه فيأخذ من الغنيمة الّتي حازها.. لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، فالغلول وإن كان كبيرا فهو بحضرته صلّى الله عليه وسلّم أعظم (إثما) «3» . وقال الخليل: رجل مغلّ أي مضبّ على غلّ، والمغلّ أيضا: الخائن. والغلول: خيانة الفيء، ومن ذلك ما جاء في الحديث: «لا إسلال ولا إغلال» أي لا خيانة ولا سرقة «4» ، قال الجوهريّ: ويقال: لا رشوة «5» ، وقال ابن الأثير: الإغلال: الخيانة أو السّرقة الخفيّة، (فأمّا الإغلال فهو من قولهم أغلّ الرّجل إغلالا إذا خان، قال النّمر بن تولب: جزى الله عنّا جمرة ابنة تولب ... جزاء مغلّ بالخيانة كاذب) «6» . وأمّا الإسلال فهو من قولهم: سلّ البعير وغيره في جوف اللّيل إذا انتزعه من بين الإبل، وأمّا الغلول: فهو الخيانة في المغنم والسّرقة من الغنيمة قبل   (1) يعني كلام يونس (وهو من أئمة نحاة البصرة) أنّ سبب ترجيحه لهذه القراءة هو ضعف المعنى في القراءة الأخرى لأنه يجوز للسفهاء أن يخوّنوا أنبياءهم بل ويقتلوهم كما حدث مع أنبياء بني إسرائيل. (2) لسان العرب «غلل» (3286) ط. دار المعارف. (3) الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي، ت: علي النجدي ناصف، وعبد الفتاح شلبي (2/ 396) ، وقد سبق ليونس تعليل أشبه بهذا، وما ذكره ابن بري راجع أيضا إلى ما ذكره أبو علي، بيد أن أبا علي احتج بأسلوب القرآن وابن بري بكلام العرب، وكلاهما مصيب إن شاء الله. (4) كتاب العين (4/ 348) . (5) الصحاح (5/ 1784) . (6) ما بين القوسين من كلام الجوهري في الصحاح (5/ 1784) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5129 القسمة، وكلّ من خان في شيء خفية فقد غلّ، وسمّي ذلك غلولا لأنّ الأيدي فيها مغلولة، أي ممنوعة مجعول فيها غلّ (أي قيد) وهو الحديدة الّتي تجمع يد الأسير إلى عنقه «1» ، وقد ذهب ابن حجر إلى أنّ الغلول مأخوذ من معنى الإخفاء فقال: سمّي الغلول غلولا لأنّ صاحبه يغلّه في متاعه أي يخفيه فيه «2» ، وربّما ترجّح ذلك بما ذكره القرطبيّ من أنّ الغلول هو أن يأخذ الغالّ من المغنم شيئا يستره عن أصحابه وذكر من ذلك (المعنى) تغلغل الماء في الشّجر إذا تخلّلها، والغلل وهو الماء الجاري في أصول الشّجر لأنّه مستتر بين الأشجار، والغلالة للثّوب الّذي يلبس تحت الثّياب «3» ، ثمّ أطلق لفظ الغلول على الخيانة في كلّ شيء، ومن ذلك الحديث الشّريف: ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مؤمن «4» قال ابن الأثير: الغلول هنا الخيانة: في كلّ شيء، وقال أبو عبيد «5» : يروى الحديث: لا يغلّ (بضمّ الياء وكسر الغين) ، ويروى «لا يغلّ» (بفتح الياء وكسر الغين) فمن قال يغلّ بالفتح فإنّه يجعله من الغلّ وهو الضّغن والشّحناء، ومن قال يغلّ (بضمّ الياء) جعله من الخيانة من الإغلال، وأمّا الغلول فإنّه من المغنم خاصّة، يقال منه: غلّ يغلّ غلولا ولا نراه من الأوّل ولا من الثّاني، وممّا يبيّن ذلك أنّه يقال من الخيانة أغلّ يغلّ، ويقال من الغلّ: غلّ يغلّ، ويقال من الغلول: غلّ يغلّ (بضمّ الغين) فهذه الوجوه مختلفة «6» . وقال ابن الأثير وروي الحديث يغل بالتّخفيف من الوغول وهو الدّخول في الشّرّ. قال: والمعنى أنّ هذه الخلال الثّلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسّك بها طهر قلبه من الخيانة والدّغل والشّرّ «7» . الغلول اصطلاحا: قال الكفويّ: الغلول الخيانة في بيت مال أو زكاة أو غنيمة وقيّده أبو عبيدة بالغنيمة فقط «8» . وقال ابن حجر: الغلول (في الغنيمة) هو اختصاص أحد الغزاة، سواء الأمير أو غيره بشيء من مال الغنيمة قبل القسمة من غير أن يحضره إلى أمير الجيوش ليخمّسه، وإن قلّ المأخوذ «9» . أنواع الغلول: للغلول أنواع عديدة منها:   (1) النهاية (3/ 380) . (2) فتح الباري (6/ 165) . (3) تفسير القرطبي (4/ 165) . (4) انظر الحديث كاملا في قسم الأحاديث رقم (21) . (5) أبو عبيد هو القاسم بن سلّام الهروي، له مؤلفات عديدة منها الغريب المصنف، وغريب الحديث، ويعد غريب الحديث لأبي عبيد أقدم ما وصلنا من كتب الغريب. (6) غريب الحديث لأبي عبيد، ت: حسين شرف (1/ 253) ، وقد نقل كلامه ابن الأثير في النهاية (3/ 381) ، والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز (4/ 145) ، وابن منظور في لسان العرب (غلل) (3286) . (7) النهاية لابن الأثير (3/ 381) . (8) الكليات (671) ت: عدنان درويش، ومحمد المصري، وقد نقل الكفوي معنى «الغنيمة» خاصة عن أبي عبيدة، والصواب أبو عبيد القاسم بن سلام، انظر غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 253) . (9) الزواجر لابن حجر (2/ 293- 294) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5130 1- الغلول في الفيء أو الغنائم، وهذا هو المشهور الّذي ينصرف إليه اللّفظ عند الإطلاق. 2- الغلول في الزّكاة، بدليل ما رواه أبو مسعود الأنصاريّ من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ألفينّك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصّدقة قد غللته..» «1» . 3- ومن الغلول أيضا ما ذكره القرطبيّ من هدايا العمّال (الموظّفين) قال: وحكمه في الفضيحة في الآخرة حكم الغالّ «2» . 4- ومن الغلول: حبس الكتب عن أصحابها، ويدخل غيرها في معناها، وسيأتي في الآثار قول الزّهريّ: إيّاك وغلول الكتب، فقيل له: وما غلول الكتب؟ قال: حبسها عن أصحابها «3» . 5- الاختلاس من الأموال العامّة، بدليل ما رواه أبو داود عن المستورد بن شدّاد من قوله: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا، قال أبو بكر: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من اتّخذ غير ذلك فهو غالّ أو سارق» «4» . 6- ومن الغلول أيضا اغتصاب الأرض أو العقار أو ما أشبه ذلك، بل إنّ ذلك من أعظم الغلول كما جاء في حديث الأشجعيّ الّذي رواه أحمد «5» . حكم الغلول: قال ابن حجر: نقل النوويّ الإجماع على أنّ الغلول من الكبائر «6» ، وقال الذّهبيّ: الغلول من الغنيمة أو من بيت المال، أو من الزّكاة من الكبائر، لما جاء فى حديث مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- من قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ... الحديث» «7» ، قال الذّهبيّ: فمن أخذ شيئا من هذه الأنواع المذكورة في الحديث من الغنيمة قبل أن تقسم بين الغانمين، أو من بيت المال بغير إذن الإمام، أو من الزّكاة الّتي تجمع للفقراء جاء يوم القيامة حاملا له على رقبته، كما ذكر الله تعالى وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 161) «8» . وقال ابن حجر: من الكبائر «9» : الغلول من الغنيمة والسّتر عليه، وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث الدّالّة على ذلك، قال: عدّ الغلول من الكبائر هو ما صرّحوا به، وكالغنيمة في ذلك، الغلول من الأموال المشتركة بين المسلمين، ومن بيت المال والزّكاة، ولا فرق في غالّ الزّكاة بين أن يكون من مستحقّيها أو لا «10» .   (1) انظر الحديث رقم (22) . (2) تفسير القرطبي (4/ 168) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) انظر الحديث رقم (22) . (5) انظر الحديث رقم (27) . (6) فتح الباري (6/ 215) ، وقد ذكر القرطبي في تفسيره (4/ 166) أنه من الكبائر. (7) انظر الحديث رقم (2) ، وقد أوردناه هناك كاملا فأغنى ذلك عن إعادته هنا. (8) الكبائر للذهبي (104) . (9) انظر الكبيرة الأربعمائة، والحادية والأربعمائة، (2/ 291) ، وقد عدّ السّتر على الغالّ أيضا من الكبائر. (10) الزواجر (2/ 293) ت: أحمد عبد الشافي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5131 حكم الغالّ في الدنيا: قال القرطبيّ: إذا غلّ الرّجل في المغنم ووجد (ما غلّه) أخذ منه وأدّب وعوقب بالتّعزير، واختلف الفقهاء في حرق متاعه فذهب مالك والشّافعيّ وأبو حنيفة واللّيث إلى أنّ متاعه لا يحرق وقال الأوزاعيّ: يحرق متاع الغالّ كلّه إلّا سلاحه وثيابه الّتي عليه وسرجه ولا يحرق الشّيء الّذي غلّه «1» ، وهذا قول أحمد وإسحاق، وقاله الحسن أيضا «2» ، واستدلّ أصحاب الرّأي الأوّل بأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يحرق متاع الرّجل الّذي أخذ الشّملة، ولا أحرق متاع صاحب الخرزات الّذي ترك الصّلاة عليه، ولو كان حرق متاعه واجبا لفعله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث، واحتجّ أصحاب الرّأي الثّاني بما روي من أنّ أبابكر وعمر رضي الله عنهما- ضربا الغالّ وأحرقا متاعه، وبما رواه أبو داود والتّرمذيّ عن صالح بن محمّد بن زائدة يرفعه إلى عمر بن الخطّاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا وجدتم الرّجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه» «3» ، وقد أجاب أصحاب الرّأي الأوّل بأنّ ما روي عن عمر- رضي الله عنه- لا يحتجّ به لأنّ من رواته صالح بن محمّد وهو ضعيف لا يحتجّ بما يرويه، وقد قال عنه الإمام البخاريّ: هو منكر الحديث، قال القرطبيّ: وهو عندنا (أي ما رواه صالح) حديث لا يجب به انتهاك حرمة، ولا إنفاذ حكم، لما يعارضه من الآثار (والأحاديث) الّتي هي أقوى منه، وما ذهب إليه مالك (وأصحاب الفريق الأوّل) أصحّ من جهة النّظر وصحيح الأثر «4» ، هذا ولا يصحّ أيضا ما رواه بعضهم عن قتله (أي الغالّ) لأنّ دم المسلم لا يحلّ إلّا بإحدى ثلاث ليس منها الغلول، وبما رواه جابر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع» وإذا انتفى عنه القطع فالقتل أولى (بأن ينتفي) «5» . [للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- الخيانة- السرقة- الغش- التطفيف- التناجش. وفي ضد ذلك: انظر صفات: أكل الطيبات- الأمانة- العفة- النزاهة- القناعة- التقوى] . الآيات الواردة في «الغلول» 1- وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) «6»   (1) ولا تحرق دابّته ولا مصحفه، انظر القرطبي (4/ 167) . (2) قال بذلك أيضا مكحول وسعيد بن عبد العزيز، انظر القرطبي (4/ 167) . (3) لفظ الترمذي 4 (1461) ، «من وجدتموه غلّ في سبيل الله فاحرقوا متاعه» . (4) بتلخيص وتصرف عن تفسير القرطبي 4/ 166- 167. (5) المرجع السابق، الصفحة نفسها. (6) آل عمران: 161 مدنية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5132 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغلول) 1- * (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه أخبر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استعمل عاملا فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله، هذا لكم وهذا أهدي لي. فقال له: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمّك فنظرت أيهدى لك أم لا؟» ثمّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشيّة بعد الصّلاة فتشهّد وأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: «أمّا بعد فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أهدي إليّ، أفلا قعد في بيت أبيه وأمّه فنظر هل يهدى له أم لا؟ فو الّذي نفس محمّد بيده، لا يغلّ أحدكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار «1» ، وإن كانت شاة جاء بها تيعر «2» . فقد بلّغت» فقال أبو حميد: ثمّ رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده حتّى إنّا لننظر إلى عفرة إبطيه. قال أبو حميد: وقد سمع ذلك معي زيد بن ثابت من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلوه) * «3» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره، قال: «لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء «4» يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة «5» فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء «6» يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس «7» لها صياح فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع «8» تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت «9» فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك» ) * «10» . 3- * (عن عديّ بن عميرة الكنديّ قال:   (1) الخوار: صوت البقر. (2) تيعر: مضارع يعر، يقال يعرت الشّاة تيعر أي صاحت، النهاية (5/ 297) . (3) البخاري- الفتح 11 (6636) ، ومسلم (1832) . (4) رغاء: صوت البعير. (5) حمحمة: صوت الفرس عند العلف دون الصهيل. (6) الثغاء: صوت الشاة يقال ثغت تثغو. (7) نفس: أراد بالنفس ما يغله من الرقيق من امرأة أو صبي. (8) رقاع تخفق: أي تتقعقع وتضطرب إذا حركتها الرياح، وقيل معناه تلمع والمراد بها الثياب. (9) الصامت: الذهب والفضة، وقيل ما لا روح فيه من أصناف المال. (10) البخاري- الفتح 6 (3073) ، ومسلم (1831) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5133 سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «من استعملناه «1» منكم على عمل فكتمنا مخيطا «2» فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة» ) * «3» . 4- * (عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا» . ثمّ قال: «اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدا ... » الحديث) * «4» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «غزا نبيّ من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها «5» ولمّا يبن، ولا آخر قد بنى بنيانا، ولمّا يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات «6» ، وهو منتظر ولادها، قال: فغزا. فأدنى للقرية حين صلاة العصر، أو قريبا من ذلك. فقال للشّمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهمّ احبسها عليّ شيئا، فحبست عليه حتّى فتح الله عليه، قال: فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النّار لتأكله، فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فبايعته، قال: فلصقت «7» بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم. قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه فى المال وهو بالصّعيد «8» ، فأقبلت النّار فأكلته، فلم تحلّ الغنائم لأحد من قبلنا «9» ، ذلك بأنّ الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيّبها لنا» ) * «10» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن. ولا يسرق السّارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» وزاد أبو هريرة «ولا ينتهب نهبة «11» ذات شرف يرفع النّاس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» وزاد همّام «12» «ولا يغلّ أحدكم حين يغلّ وهو مؤمن فإيّاكم إيّاكم» ) * «13» . 7- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد. حتّى مرّوا   (1) استعملناه: أي وليناه عملا. (2) مخيطا فما فوقه: المخيط: الإبرة يخاط بها الثوب، وضرب بها المثل في القلة. (3) مسلم (1833) . (4) مسلم (1731) . (5) يبني بها: أي يدخل دخول الرجل على زوجته. (6) الخلفات: الحوامل. (7) لصقت: المراد لصقت يد النّبيّ بيد رجلين أو ثلاثة. (8) الصعيد: أي وجه الأرض. (9) هذا من كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم. (10) البخاري- الفتح 6 (3124) ، ومسلم (1747) واللفظ له، والمسند (8258) . (11) نهبة ذات شرف: النّهبة من النّهب وهو الغارة والسّلب، والشرف هو القدر العظيم، والمعنى لا يختلس شيئا له قيمة غالية (النهاية 5/ 133) . (12) همّام: هو همّام بن منبه، وهو أحد رواة الحديث. (13) البخاري- الفتح 5 (2475) ، مسلم (57) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5134 على رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّا إنّي رأيته في النّار في بردة غلّها أو عباءة «1» » ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا ابن الخطّاب: «اذهب فناد في النّاس أنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون» . قال فخرجت فناديت: ألا إنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون) * «2» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله: قد استشهد مولاك فلان. قال: «كلّا، إنّي رأيت عليه عباءة غلّها يوم كذا وكذا» ) * «3» . 9- * (عن عامر بن أبي عامر الأشعريّ عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم الحيّ: الأسد، والأشعريّون «4» ، لا يفرّون في القتال، ولا يغلّون، هم منّي، وأنا منهم» . قال: فحدّثت بذلك معاوية، فقال: ليس هكذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «هم منّي وإليّ» ، فقلت: ليس هكذا حدّثني أبي ولكنّه حدّثني، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هم منّي وأنا منهم» ، قال: فأنت أعلم بحديث أبيك) * «5» . 10- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو بريء من ثلاث: الكبر والغلول والدّين دخل الجنّة» ) * «6» . 11- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن فلمّا سرت أرسل في أثري فرددت فقال: «أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبنّ شيئا بغير إذني فإنّه غلول ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة، لهذا دعوتك فامض لعملك» ) * «7» . 12- * (عن أبي المليح عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله عزّ وجلّ لا يقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول» ) * «8» . 13- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا أيّها النّاس أدّوا الخياط والمخيط فإنّ الغلول يكون على أهله عارا وشنارا «9» يوم القيامة» ) * «10» .   (1) في بردة غلها أو عباءة: البردة هى الشّملة المخطّطة، وقيل كساء مربع فيه صور تلبسه الأعراب وجمعها برد. (2) مسلم (114) . (3) أحمد في المسند (3/ 221) ، والترمذي (1574) وأصل هذا الحديث عند البخاري (7/ 374 و375) في غزوة خيبر، ومسلم رقم (115) ، وغيرهما. (4) الأسد والأشعريون: قبائل من العرب، ويقال للأسد «أزد» . (5) الترمذي (3947) ، وقال: حسن غريب، وأحمد (4/ 129) ، وذكره الحاكم في المستدرك (2/ 138) ، وصححه ووافقه الذهبي. (6) الترمذي (1572) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 310) وقال: رواه ابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرطهما (أي على شرط الشيخين) . وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (10/ 491) : وصحّحه ابن حبان. (7) الترمذي (1335) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (8) مسلم (224) . (9) الشنار: هو العيب الذي يلحق صاحبه الخزي. (10) النسائي (3688) ، وأحمد في المسند (4/ 158) ، وقال محقق الموطأ (2/ 458) : قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله، ووصله النسائي في (38) كتاب قسم الفيء، حديث رقم (7) . وهو حسن بشواهده. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5135 14- * (عن عبد الله بن حبشيّ الخثعميّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان لا شكّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجّة مبرورة» قيل: فأيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . قيل: فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال: «جهد المقلّ» . قيل: فأيّ الهجرة أفضل. قال: «من هجر ما حرّم الله عزّ وجلّ» . قيل: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من جاهد المشركين بماله ونفسه» . قيل: فأيّ القتل أشرف؟ قال: «من أهريق دمه وعقر جواده» ) * «1» . 15- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: كان على ثقل «2» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل يقال له كركرة فمات فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هو في النّار» فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلّها» ) * «3» . 16- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال «توفّي رجل من أشجع بخيبر فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صلّوا على صاحبكم» فأنكر النّاس ذلك وتغيّرت له وجوههم، فلمّا رأى ذلك قال: «إنّ صاحبكم غلّ في سبيل الله» . قال زيد فالتمسوا في متاعه، فإذا خرزات من خرز يهود ما تساوي درهمين» ) * «4» . 17- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم، ثمّ تناول شيئا من البعير فأخذ منه قردة (يعني وبرة) فجعل بين إصبعيه، ثمّ قال «يا أيّها النّاس إنّ هذا من غنائمكم، أدّوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإنّ الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار» ) * «5» . 18- * (عن عبد الله بن أنيس أنّه تذاكر هو وعمر بن الخطّاب يوما الصّدقة فقال عمر: ألم تسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين يذكر غلول الصّدقة «6» «أنّه من غلّ منها بعيرا أو شاة أتي به «7» يوم القيامة يحمله» ؟ قال: فقال عبد الله بن أنيس: بلى» ) * «8» . 19- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ، زاد فيه عليّ بن محمّد «ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب «9» امريء مسلم: «إخلاص العمل لله، والنّصح لأئمّة المسلمين، ولزوم   (1) النسائي (2526) ، وأحمد (3/ 411- 412) ، وفي جامع الأصول (9/ 553) ، قال محققه: إسناده حسن. (2) الثّقل: العيال وما يثقل حمله من الأمتعة. (3) البخاري- الفتح 6 (3074) . (4) أبو داود (2710) ، وابن ماجة (2848) واللفظ له، أحمد (5/ 195) والحاكم (2/ 127) ، وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي، وفي سنده عندهم أبو عمرة مولى زيد بن خالد الجهني: مقبول (التقريب 661) .. (5) ابن ماجة (2850) واللفظ له، وأحمد في المسند (5/ 372) رقم (22765) ، وقال: في الزوائد في إسناده عيسى ابن سنان مختلف فيه، قيل: ضعيف وقيل: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقت،، فهو حسن بشواهده. (6) غلول الصدقة: هي الخيانة في خفية والمراد مطلق الخيانة. (7) أتي به: أي أتي بما غلّ. (8) ابن ماجة (1810) ، وقال في الزوائد: في إسناده مقال ملخصه أنه حديث حسن بشواهده. (9) لا يغل عليهن قلب: أي لا يخون بل يأتي بها بتمامها من غير نقصان في حق من حقوقها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5136 جماعتهم» ) * «1» . 20- عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما- قالا: إنّهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهنّ النّاس، وعلى أنّ بيننا عيبة «2» مكفوفة وأنّه لا إسلال ولا إغلال» ) * «3» . 21- * (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: بعثني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ساعيا، ثمّ قال «انطلق أبا مسعود لا ألفينّك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصّدقة له رغاء قد غللته» قال: إذا لا أنطلق، قال: «إذا لا أكرهك» ) * «4» . 22- * (عن المستورد بن شدّاد، قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا» قال: قال أبو بكر: أخبرت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اتّخذ غير ذلك فهو غالّ أو سارق» ) * «5» . 23- * (عن عبد الله بن شقيق أنّه أخبره من سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بوادي القرى، وجاءه رجل فقال: استشهد مولاك أو قال: غلامك فلان، قال: بل يجرّ إلى النّار في عباءة غلّها» ) * «6» . 24- * (عن أبي مالك الأشجعيّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعظم الغلول عند الله عزّ وجلّ ذراع من الأرض، تجدون الرّجلين جارين في الأرض أو في الدّار فيقتطع أحدهما من حظّ صاحبه ذراعا، فإذا اقتطعه طوّق من سبع أرضين إلى يوم القيامة» ) * «7» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيّتهم لعنة، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلّا هجرا «8» ، ولا يأتون الصّلاة إلّا دبرا «9» مستكبرين، لا يألفون ولا يؤلفون، خشب «10» باللّيل، صخب «11» بالنّهار» وقال يزيد مرّة «سخب بالنّهار» ) * «12» .   (1) أخرجه أحمد في الزهد (42) ، والطبراني (4891) ، وابن حبان (680) ، وابن ماجة (230، والدارمي (1/ 74) ، وذكره الحاكم في المستدرك (1/ 87- 88) وصححه ووافقه الذهبي في قوله: وفي الباب عن جماعة من الصحابة وذكر هذا الحديث حديث النعمان. (2) عيبة مكفوفة: أي بينهم صدر نقي من الغش والخيانة مطوي على الوفاء والصلح، النهاية (327) . (3) أبو داود (2766) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 532) : حسن. (4) أبو داود (2947) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 569) : حسن. (5) أبو داود (2945) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 574) : إسناده صحيح. (6) أحمد في المسند، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 306) ، قال: رواه أحمد بإسناد صحيح، والهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 338) ، ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (7) أحمد في المسند (4/ 172) حديث رقم (17260) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وإسناده حسن (مجمع الزوائد (4/ 174) . (8) الهجر هنا بمعنى الترك للشيء والإعراض عنه. (9) دبرا: أي في آخر الوقت منها. (10) الخشب: أي الذين ينامون بالليل كالخشب المطرّقة. (11) صخب: من الصخب وهو إحداث جلبة وضحة واضطراب. (12) أحمد في المسند (2/ 392) ، وحسن إسناده الشيخ أحمد شاكر في المسند حديث رقم (7913) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5137 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الإيمان عند الله عزّ وجلّ إيمان لا شكّ فيه، وغزوة ليس فيها غلول وحجّة مبرورة» ) * «1» . 27- * (عن أبي حميد السّاعديّ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هدايا العمّال غلول» ) * «2» . 28- * (عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلّوا، وضمّوا غنائمكم وأصلحوا، وأحسنوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغلول) 1- * (عن يحيى بن سعيد، أنّ أبا بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- بعث جيوشا إلى الشّام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر: إمّا أن تركب وإمّا أن أنزل. فقال أبو بكر: ما أنت بنازل وما أنا براكب. إنّي أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، ثمّ قال له: إنّك ستجد قوما زعموا أنّهم حبّسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنّهم حبّسوا أنفسهم له، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشّعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسّيف. وإنّي موصيك بعشر: لا تقتلنّ امرأة، ولا صبيّا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعنّ شجرا مثمرا، ولا تخرّبنّ عامرا، ولا تعقرنّ شاة، ولا بعيرا، إلّا لمأكلة، ولا تحرقنّ نخلا، ولا تفرّقنّه، ولا تغلل، ولا تجبن) * «4» . 2- * (عن يحيي بن سعيد، أنّه بلغه عن عبد الله ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: ما ظهر الغلول في قوم قطّ إلّا ألقي في قلوبهم الرّعب، ولا فشا الزّنا في قوم قطّ إلّا كثر فيهم الموت. ولا نقص قوم المكيال والميزان إلّا قطع عنهم الرّزق، ولا حكم قوم بغير الحقّ إلّا فشا فيهم الدّم، ولا ختر قوم «5» بالعهد إلّا سلّط الله عليهم العدوّ) * «6» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ   (1) أحمد في المسند (2/ 264) ، وحسن إسناده الشيخ أحمد شاكر في المسند حديث رقم (7502) . (2) أحمد في المسند (5/ 495) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وأحمد من طريق اسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز وهي ضعيفة. وللحديث شواهد منها عن جابر رواه الطبراني وإسناده حسن. ينظر مجمع الزوائد (4/ 150، 151، 200) . (3) أبو داود (2614) ، ويشهد له حديث بريدة السابق رقم 4، وهو عند مسلم برقم 1731. (4) الموطأ (2/ 447- 448) . (5) ختر قوم: نقضه. (6) الموطأ (2/ 460) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5138 رجلا قال له: أرأيت قول الله تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ هذا يغلّ ألف درهم وألفي درهم يأتي بها، أرأيت من يغلّ مائة بعير ومائتي بعير، كيف يصنع بها؟ قال: أرأيت من كان ضرسه مثل أحد، وفخذه مثل ودقان، وساقه مثل بيضاء، ومجلسه ما بين الرّبذة إلى المدينة، ألا يحمل مثل هذا؟) * «1» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: لو كنت مستحلّا من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير، ما من أحد يغلّ غلولا إلّا كلّف أن يأتي به من أسفل درك جهنّم) * «2» . 5- * (عن عمرو بن سالم قال: كان أصحابنا يقولون: عقوبة صاحب الغلول أن يحرق فسطاطه ومتاعه) * «3» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ (آل عمران/ 161) ، قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر، فقال بعض النّاس: لعلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذها، فأنزل الله الآية) * «4» . 7- * (وعنه أيضا- رضي الله عنه- في تفسير الآية نفسها قال: المعنى: أن يقسم لطائفة ولا يقسم لطائفة، ويجور في القسمة، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر الله، ويحكم فيه بما أنزل الله، يقول: ما كان الله ليجعل نبيّا يغلّ من أصحابه فإذا فعل ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استسنّوا به) * «5» . 8- * (عن ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- في الآية الكريمة نفسها وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قال: أن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلّغ أمّته) * «6» . 9- * (قال الضّحّاك: السّبب في نزول الآية الكريمة السّابقة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث طلائع في بعض غزواته، ثمّ غنم قبل مجيئهم، فقسم للنّاس ولم يقسم للطّلائع، فأنزل الله عليه عتابا وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أي يقسم لبعض ويترك بعضا) * «7» . 10- * (وقال ابن عطيّة: كانت هذه المقالة (أي غلّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) من مؤمنين لم يظنّوا أنّ في ذلك حرجا، وقيل: كانت من المنافقين) * «8» . 11- * (وقال القرطبيّ في تفسير الآية الكريمة: لمّا أخلّ الرّماة يوم أحد بمراكزهم خوفا من أن يستولي المسلمون على الغنيمة فلا يصرف إليهم شيء، بيّن الله سبحانه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يجور في القسمة، والمعنى ما كان من حقّكم «أيّها الرّماة» أن تتّهموه «بالخيانة» ) * «9» . 12- * (وقال في قوله تعالى وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ   (1) الدر المنثور (1/ 164) . (2) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها. (3) المرجع السابق (1/ 163) . (4) تفسير الطبري (4/ 102) ، وروى مثل ذلك الأثر عن سعيد بن جبير، انظر الدر المنثور (2/ 161) . (5) الدر المنثور (2/ 162) . (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) تفسير ابن كثير (1/ 423) ، وتفسير القرطبي (4/ 164) . (8) تفسير القرطبي (4/ 164) ، وانظر الدر المنثور (1/ 162) . (9) تفسير القرطبي (4/ 164) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5139 بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ المعنى: يأتي به حاملا له على ظهره ورقبته معذّبا بحمله وثقله ومرعوبا بصوته، وموبّخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد، وهذه الفضيحة الّتي يوقعها الله تعالى بالغالّ نظير الفضيحة الّتي توقع بالغادر في أن ينصب له لواء عند استه بقدر غدرته وجعل الله تعالى هذه المعاقبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه) * «1» . 13- * (عن خمير بن مالك قال: لمّا أمر بالمصاحف أن تغيّر فقال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغلّ مصحفه فليغلّه فإنّه من غلّ شيئا جاء به يوم القيامة، ونعم الغلّ المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة* «2» . 14- * (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- في قوله أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ (آل عمران/ 162) يعني رضا الله فلم يغلل في الغنيمة كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ يعني كمن استوجب سخطا من الله في الغلول فليسا هما بسواء، ثمّ بيّن مستقرّها فقال للّذي يغلّ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يعني مصير أهل الغلول، ثمّ ذكر مستقرّ من لا يغلّ فقال هُمْ دَرَجاتٌ يعني فضائل عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ يعني بصير بمن غلّ منكم ومن لم يغلّ) * «3» . 15- * (عن الضّحّاك في قوله في الآية نفسها أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ قال: من لم يغلّ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ كمن غلّ) * «4» . 16- * (عن الحسن في قوله تعالى أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ يقول أخذ الحلال خير له ممّن أخذ الحرام وهذا في الغلول، وفي المظالم كلّها) * «5» . 17- * (قال الإمام البخاريّ: لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا يقبل إلّا من كسب طيّب لقوله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) * «6» . 18- * (ذكر ابن كثير- رحمه الله في تفسيره: «غزا النّاس في زمن معاوية- رضي الله عنه- وعليهم عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد، فغلّ رجل من المسلمين مائة دينار روميّة. فلمّا قفل الجيش ندم وأتى الأمير فأبى أن يقبلها منه وقال: قد تفرّق النّاس، ولن أقبلها منك حتّى تأتي الله بها يوم القيامة، فجعل الرّجل يستقري الصّحابة فيقولون له مثل ذلك، فلمّا قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه فأبى عليه، فخرج من عنده يبكي، وبينما هو يبكي ويسترجع فمرّ بعبد الله بن الشّاعر السّكسكيّ فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره. فقال له: أو مطيعي أنت؟ فقال: نعم. فقال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل منّي خمسك فادفع إليه عشرين دينارا وانظر إلى الثّمانين الباقية فتصدّق بها عن ذلك الجيش، فإنّ الله يقبل التّوبة عن   (1) تفسير القرطبي (4/ 164) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) الدر المنثور (156) . (4) المرجع السابق (164) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق (165) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5140 عباده وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم، ففعل الرّجل، فقال معاوية- رضي الله عنه-: لأن أكون أفتيته بها أحبّ إليّ من كلّ شيء أملكه. أحسن الرّجل» ) * «1» . من مضار (الغلول) (1) الغلول من الكبائر الّتي يعاقب عليها في الآخرة أشدّ عقاب حتّى ليجيء الغالّ يحمل ما غلّه على ظهره يوم القيامة. (2) الغالّ عقوبته الفضيحة في الدّنيا والآخرة. (3) المداراة على الغلول يعاقب عليها بعقوبة الغلول نفسه. (4) الغلول عار وشنار على صاحبه يوم القيامة. (5) الغلول يفقد الثّقة بأصحابه، وقد حذّرنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من السّريّة الّتي تكون هذه صفتها. (6) صدقة الغلول مرفوضة لا يقبلها الله عزّ وجلّ. (7) الغلول يبعد صاحبه من الجنّة. (8) الغلول علامة من علامات النّفاق. (9) الغلول يورث الكراهية ويضيع الحقوق. (10) الغلول من بيت المال وأموال الزّكاة يعطّل المصالح العامّة ويفقد الفقراء والمساكين جزءا من حقوقهم الّتي كفلها الشّارع الحكيم.   (1) فتح الباري (3/ 326) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5141 الغي والإغواء الإغواء لغة: مصدر قولهم: أغواه يغويه، وهو مأخوذ من مادّة (غ وى) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل يدلّ على خلاف الرّشد وإظلام الأمر، والآخر على فساد في شيء، فمن الأوّل: الغيّ وهو خلاف الرّشد، والجهل بالأمر، والانهماك في الباطل، قال المرقّش: فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما قال ابن فارس: وذلك عندنا مشتقّ من الغياية وهي الغبرة والظّلمة تغشيان، كأنّ ذا الغيّ قد غشيه ما لا يرى معه سبيل حقّ ... ، ومن الثّاني قولهم: غوي الفصيل، إذا أكثر من شرب اللّبن ففسد جوفه، والمصدر الغوى، قال لبيد: معطّفة الأثناء ليس فصيلها ... برازئها درّا، ولا ميّت غوى «1» . وقال الجوهريّ: الغيّ: الضّلال والخيبة، يقال: قد غوى (بالفتح) يغوي غيّا وغواية، فهو غاو وغو، وأغواه غيره فهو غويّ، على وزن (فعيل) قال دريد بن الصّمّة: وهل أنا إلّا من غزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزيّة أرشد والتّغاوي: التّجمّع والتّعاون على الشّرّ من الغواية أو الغيّ، ومن ذلك قول من قال: تغاووا على عثمان- رضي الله عنه- فقتلوه «2» . وفي القاموس: يقال: غوى يغوي غيّا، وغوي غواية فهو غاو وغويّ وغيّان: أي ضلّ وغواه غيره وأغواه وغوّاه بمعنى «3» . واستشهد ابن منظور على معنى (الضّلال) بما جاء في الحديث الشّريف: «سيكون عليكم أئمّة إن أطعتموهم غويتم» ، أي إن أطعتموهم فيما يأمرون به من الظّلم والمعاصي غويتم أي ضللتم، وعلى معنى الخيبة بما جاء في حديث آدم وموسى عليهما السّلام «أغويت النّاس» أي خيّبتهم، وعلى معنى الفساد بما جاء في قول الله عزّ وجلّ: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) ، المعنى فسد عليه عيشه «4» .   (1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 399- 400) . (2) الصحاح (6/ 2450) . (3) القاموس المحيط للفيروزابادي (1701) ط. بيروت. (4) لسان العرب «غوى» (3320) ط. دار المعارف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5142 وقيل: «غوى» أي ترك النّهي وأكل من الشّجرة فعوقب بأن طرد من الجنّة «1» . وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية الكريمة: فساد عيشه بنزوله إلى الدّنيا، وهذا التّفسير أولى من تأويل من يقول: معناه ضلّ آخذا له من الغيّ الّذي هو ضدّ الرّشد. وقيل معناه: جهل موضع رشده أي جهل أنّ تلك الشّجرة هي الّتي نهي عنها، واستحسن القرطبيّ قول من قال: إنّ هذا كان من آدم قبل النّبوّة «2» . وقال الخليل بن أحمد: مصدر غوى: الغيّ، والغواية: الانهماك في الغيّ، والتّغاوي: التّجمّع، والمغوّاة: حفرة الصّيّاد «3» ، والإغواء: الإضلال أو جعل الإنسان غاويا، وعلى هذين فسّر قوله تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف/ 16) . فقد قيل في تفسيره قولان: قال بعضهم فبما أضللتني، وقال بعضهم: فبما دعوتني إلى شيء غويت به أي غويت من أجل آدم- عليه السّلام- «4» . وأضاف الطّبريّ إلى ذلك قول من قال: فبما أغويتني أي بما أهلكتني من قولهم غوي الفصيل يغوى غوى وذلك إذا فقد اللّبن فمات، وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنّه بمعنى القسم كأنّ معناه عنده فبإغوائك إيّاي لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم، وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى المجازاة كأنّ معناه عنده فلأنّك أغويتني «5» ، وقال القرطبيّ: المعنى فبما أوقعت في قلبي من الغيّ والعناد والاستكبار، وذلك لأنّ كفر إبليس ليس كفر جهل، بل كفر عناد واستكبار «6» ، وأمّا قوله عزّ وجلّ: إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (هود/ 34) فقد قيل: معناه: أن يعاقبكم على غيّكم، وقيل يحكم عليكم بغيّكم «7» . الغيّ والإغواء اصطلاحا: أولا: الغيّ: قال الرّاغب: الغيّ جهل من اعتقاد فاسد، وذلك أنّ الجهل قد يكون في كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا فاسدا ولا صالحا، وقد يكون من اعتقاد فاسد، وهذا النّحو الثّاني يقال له غيّ، قال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 2) «8» . وقال المناويّ (نقلا عن الحراليّ) : الغيّ: سوء التّصرّف في الشّيء وإجراؤه على ما تسوء عاقبته «9» . وقال ابن الأثير: الغيّ: هو الضّلال والانهماك   (1) المرجع السابق، والصفحة نفسها، وقد ذكر الراغب في المفردات معان أخرى، انظرها في صفحة (369) . (2) تفسير القرطبي (11/ 170) باختصار وتصرف يسير. (3) كتاب العين (4/ 456) ، وقد نقل ابن منظور أنه يقال في مثل لهم: من حفر مغوّاة أوشك أن يقع فيها. انظر اللسان «غوى» (3320) ط. دار المعارف. (4) لسان العرب «غوى» (3320) ط. دار المعارف. (5) تفسير القرطبي (8/ 100) . (6) تفسير القرطبي (7/ 112) . (7) المفردات (369) ، والبصائر (4/ 156) . (8) المفردات في غريب القرآن للراغب (369) ت. كيلاني. (9) التوقيف على مهمات التعاريف (255) ، وقد ذكر أيضا ما ذكرناه عن الراغب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5143 في الباطل «1» . وقد يستعمل بعض علماء المصطلحات لفظ الغواية في معنى الغيّ، ومن ثمّ يكون ما ذكروه عن الغواية اصطلاحا صالحا لتعريف الغيّ أيضا، فمن ذلك: ما ذكره أبو البقاء الكفويّ من أنّ الغواية هي ألّا يكون (للغاوي) إلى المقصد طريق مستقيم «2» . ما ذكره التّهانويّ من أنّ الغواية: هي سلوك طريق لا يوصّل إلى المطلوب، وقيل هي حالة تحصل للسّالك في سلوكه وهي كونه فاقدا لما يوصّله إلى المطلوب مخطئا فيه، فإنّها بمعنى الضّلالة وهي مقابلة للهدى بمعنى الاهتداء «3» . ثانيا: الإغواء اصطلاحا: لم تذكر كتب الاصطلاحات الّتي وقفنا عليها تعريفا للإغواء ومن ثمّ يكون باقيا على أصل معناه في اللّغة، وقد نصّ على ذلك الإمام الطّبريّ عندما قال: أصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرّجل للّرجل الشّيء حتّى يحسّنه عنده غارّا له به «4» ، وقال القرطبيّ: الإغواء: إيقاع الغيّ في القلب «5» . ونستطيع في ضوء ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون أن نسوق تعريفا للإغواء، فنقول: الإغواء: هو أن يزيّن شياطين الإنس أو الجنّ للمرء الشّيء الفاسد (عملا أو اعتقادا) حتّى يحسن عنده فيعتقد فيه اعتقادا باطلا بأنّه صحيح حسن، ويتصرّف تبعا لذلك. الفرق بين الغي والضلال: قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: الضّالّ: هو الّذي يسلك على غير طريق بغير علم، والغاوي: هو العالم بالحقّ العادل عنه قصدا إلى غيره «6» . تدرّج الشيطان في الإغواء: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- ما خلاصته: على الإنسان أن ينظر فيمن يأمره بالمعصية ويحضّه عليها ويزيّنها له، وهو شيطانه الموكّل به، ويفيده هذا النّظر أن يتّخذه عدوّا، وأن يحترز منه، والانتباه لما يريده عدوّه وهو لا يشعر، لأنّ هذا الشّيطان يريد أن يظفر به في عقبة من سبع عقبات بعضها أصعب من بعض، وهو لا ينزل من العقبة الشّاقّة إلى ما دونها إلّا إذا عجز عن الظّفر به فيها، وهذه العقبات هي: العقبة الأولى: عقبة الكفر بالله تعالى وبدينه ولقائه، وبصفات كماله وبما أخبرت به رسله عنه، فإن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح، وإن نجا الإنسان منها ببصيرة الهداية ونور اليقين طلبه في العقبة الّتي تليها وهي: العقبة الثّانية: وهي عقبة البدعة، إمّا باعتقاد خلاف الحقّ، وإمّا بالتّعمّد بما لم يأذن به الله من الأوضاع والرّسوم المحدثة في الدّين وهي الّتي لا يقبل الله منها شيئا، والبدعة الأولى (اعتقاد الباطل) والثّانية   (1) النهاية (3/ 397) . (2) الكليات للكفوي (576) . (3) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1101) . (4) تفسير الطبري (8/ 99) . (5) تفسير القرطبي (7/ 112) . (6) تفسير ابن كثير (4/ 264) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5144 (التعبّد بما لم يأذن به الله) متلازمان، قلّ أن تنفكّ إحداهما عن الأخرى. فإذا قطع الإنسان هذه البدعة بنور السّنّة طلبه الشّيطان في العقبة التّالية وهي: العقبة الثّالثة: وهي عقبة الكبائر، يزيّنها له ويحسّنها في عينه، ويقول له: الإيمان هو نفس التّصديق فلا تقدح فيه الأعمال «1» . وربّما أجرى على لسانه وأذنه كلمة طالما أهلك بها الخلق، وهي قوله: «لا يضرّ مع التّوحيد ذنب، كما لا ينفع مع الشّرك حسنة» فإن قطع هذه العقبة بعصمة من الله، أو بتوبة نصوح تنجيه منها طلبه في العقبة التّالية وهي: العقبة الرّابعة: وهي عقبة الصّغائر، يكيل له منها بالقفزان «2» ويقول له: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت من اللّمم «3» فهذه تكفّر باجتناب الكبائر وبالحسنات، ولا يزال يهوّن عليه أمرها حتّى يصرّ عليها، والإصرار على الذّنب أقبح منه إذ لا كبيرة مع التّوبة ولا صغيرة مع الإصرار، فإن نجا من هذه العقبة بالتّحرّز والتّحفّظ ودوام التّوبة والاستغفار وإتباع السّيّئة الحسنة، طلبه في العقبة التّالية وهي: العقبة الخامسة: وهي عقبة المباحات الّتي لا حرج على فاعلها، فشغله بها عن الاستكثار من الطّاعات، ويستدرجه من ذلك إلى ترك السّنن ثمّ من ترك السّنن إلى ترك الواجبات، فإن نجا من هذه ببصيرة تامّة ونور هاد، ومعرفة بقدر الطّاعات والاستكثار منها طلبه في العقبة التّالية، وهي: العقبة السّادسة: وهي عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطّاعات، يأمره بها ويحسّنها في عينه ويغريه بها ليشغله عمّا هو أفضل منها، وأعظم كسبا وربحا، وأصحاب هذه العقبة قليلون والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات السّابقة، فإن نجا منها بفقه في الأعمال ومراتبها عند الله، ومنازلها في الفضل، والتّمييز بين عاليها وسافلها، لأنّه من أهل البصائر والصّدق من ذوي العلم السّائرين على جادّة التّوفيق، فإن كان من النّاجين من هذه طلبه في العقبة الّتي تليها وهي: العقبة السّابعة: وهي عقبة تسليط جنده عليه بأنواع الأذى باليد واللّسان والقلب على حسب مرتبته في الخير، إذ كلّما علت مرتبته أجلب عليه الشّيطان بخيله ورجله، وسلّط عليه حزبه بأنواع التّسليط، ولا نجاة من هذه العقبة إلّا بعبوديّة المراغمة ولا ينتبه لها إلّا أولو البصائر، ولا شيء أحبّ إلى الله من مراغمة وليّه لعدوّه، ومن تعبّده سبحانه بمراغمة عدوّه فقد أخذ من الصّدّيقيّة بسهم وافر «4» . من معاني الغيّ والإغواء في القرآن الكريم: 1- الإغواء بمعنى إيقاع الغيّ في القلب، ومنه قوله تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ   (1) انظر ما ذكرناه عن العلاقة بين الإيمان والتصديق نقلا عن ابن تيمية في صفة الإيمان. (2) القفزان جمع قفيز وهو وعاء كبير يكال به. (3) اللّمم: يراد به صغائر الذنوب. (4) بتصرف واختصار عن مدارج السالكين (1/ 244- 249) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5145 الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف/ 16) «1» . 2- الإغواء بمعنى الإهلاك، وذلك في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (مريم/ 5) . قال القرطبيّ: غيّا أي هلاكا «2» . 3- الإضلال والإبعاد، قاله ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى (في الأعراف/ 16) : فَبِما أَغْوَيْتَنِي «3» . 4- الغيّ بمعنى الجهل والسّفه، وذلك كما في قوله تعالى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (الأعراف/ 202) «4» . ومنه أيضا قوله سبحانه: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 2) أي وما جهل «5» . 5- الغيّ بمعنى الفساد ومنه قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) أي فسد عيشه فى الجنّة «6» . 6- الغيّ واد في جهنّم، قاله ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، قال القرطبيّ: والأظهر أنّ الغيّ اسم للوادي سمّي به لأنّ الغاوين يصيرون إليه «7» . 7- الغيّ هو الشّرّ والخسران، نقل ذلك ابن كثير عن ابن عبّاس وقتادة في تفسير الآية السّابقة «8» . إنّه لمّا كان القرآن الكريم حمّالا ذا وجوه فإنّ الآية الواحدة قد يكون لها أكثر من معنى وتحمل أكثر من وجه، وسنحاول تصنيف الآيات وفقا لأشهر ما قيل فيها. [للاستزادة: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الفتنة- الضلال- الفجور- اتباع الهوى- التفريط والإفراط- التبرج. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإرشاد- الإنذار- التذكير- الدعوة إلى الله- الهدى- الوعظ- غض البصر- حفظ الفرج] .   (1) قال القرطبي: المعنى بما أوقعت في قلبي من الغيّ، انظر تفسير القرطبي (7/ 174) . (2) السابق، الصفحة نفسها، وقال الفيروزآبادي: الغيّ هنا العذاب، وقيل المعنى: أثر الغيّ، (وهذه المعاني متقاربة) ، انظر بصائر ذوي التمييز (4/ 156) . (3) تفسير القرطبي (7/ 174) . (4) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: المعنى يزيدونهم في الغيّ، يعني الجهل والسّفه، انظر تفسير ابن كثير (2/ 291) . (5) بصائر ذوي التمييز (4/ 156) . (6) قال القرطبي: هذا المعنى مأخوذ من قولهم: غوى الرجل غيّا: إذا فسد عليه أمره، أو فسد هو في نفسه. وهذا أحد المعاني التي قيلت في الآية، وقيل أيضا: المعنى: ضلّ من الغيّ الذي هو ضدّ الرشد، وقيل معناه: جهل موضع رشده، وقيل: بشم من كثرة الأكل، والرأي الأول أولى. انظر تفسير القرطبي (11/ 257) . (7) انظر آراء أخرى في تفسير الغيّ في هذا الموضع في تفسير القرطبي 1/ 125. (8) انظر تفسير ابن كثير (3/ 135) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5146 الآيات الواردة في «الغي والإغواء» أولا: الغي بمعنى العدول عن الحق مع العلم به: 1- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «1» 2- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «2» 3- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) «4» 5- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) «5» 6- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «6» 7- فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) «7» ثانيا: الغي بمعنى الهلاك (أو واد في جهنم) : 8- وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ   (1) البقرة: 256 مدنية (2) الأعراف: 146 مكية (3) الأعراف: 175- 176 مكية (4) الأعراف: 201- 202 مكية (5) الحجر: 42- 43 مكية (6) الشعراء: 224- 227 مكية (7) القصص: 18 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5147 إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) «1» 9- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) «2» ثالثا: الإغواء الإضلال (مصحوبا بعلم) : 10- قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) «3» 11- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) «4» 12- قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (63) «5» 13- فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (33) «6» 14- قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) «7» رابعا: الغي بمعنى الجهل أو الفساد: 15- فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) «8» خامسا: جزاء الغي: 16- وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94) «9» سادسا: نفي الغي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: 17- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «10»   (1) هود: 34 مكية (2) مريم: 59 مكية (3) الأعراف: 16 مكية (4) الحجر: 39- 40 مكية (5) القصص: 63 مكية (6) الصافات: 31- 33 مكية (7) ص: 82- 85 مكية (8) طه: 120- 122 مكية (9) الشعراء: 91- 94 مكية (10) النجم: 1- 4 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5148 الآيات الواردة في «الغي والإغواء» معنى 18- وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36) «1» 19- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) «2» 20- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) «3» 21- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) «4» 22- الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) «5» 23- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) «6» 24- إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) «7» 25- إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) «8»   (1) البقرة: 35- 36 مدنية (2) البقرة: 166- 168 مدنية (3) البقرة: 208 مدنية (4) البقرة: 257 مدنية (5) البقرة: 268 مدنية (6) البقرة: 275- 276 مدنية (7) آل عمران: 155 مدنية (8) آل عمران: 175 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5149 26- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) «1» 27- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) «2» 28- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (120) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121) «3» 29- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «4» 30- فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) «5»   (1) النساء: 37- 38 مدنية (2) النساء: 60- 61 مدنية (3) النساء: 115- 121 مدنية (4) المائدة: 90- 91 مدنية (5) الأنعام: 43- 44 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5150 31- وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) «1» 32- وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) «2» 33- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «3» 34- وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) «4» 35- ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) «5» 36- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) «6» 37- * وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) «7» 38- وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) «8» وانظر أيضا الآيات الواردة في صفة الضلال   (1) الأنعام: 68 مكية (2) الأنعام: 112- 113 مكية (3) الأنعام: 121 مكية (4) الأنعام: 142 مكية (5) الأعراف: 17- 21 مكية (6) الأعراف: 27- 28 مكية (7) فصلت: 25 مكية (8) الزخرف: 36- 37 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5151 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغي والإغواء) 1- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ إبليس قال لربّه عزّ وجلّ: وعزّتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فقال له ربّه عزّ وجلّ: فبعزّتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني» ) * «1» . 2- * (وعنه أيضا- رضي الله عنه- في رواية أخرى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «قال إبليس: أي ربّ، لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، قال: فقال الرّبّ عزّ وجل: لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» ) * «2» . 3- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يكون خلف من بعد ستّين سنة أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّا، ثمّ يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق وفاجر» ، قال بشير: فقلت للوليد «3» : ما هؤلاء الثّلاثة؟ فقال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكّل به، والمؤمن يؤمن به» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليلة أسري بي رأيت موسى، وإذا هو رجل ضرب «5» رجل «6» كأنّه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر كأنّه خرج من ديماس «7» ، وأنا أشبه ولد إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم به، ثمّ أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فقال: اشرب أيّهما شئت، فأخذت اللّبن فشربته، فقيل: أخذت الفطرة، أما إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك» ) * «8» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجّ آدم وموسى عليهما السّلام عند ربّهما فحجّ آدم موسى «9» . قال موسى: أنت آدم الّذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنّته، ثمّ أهبطت النّاس بخطيئتك إلى الأرض، فقال آدم: أنت موسى الّذي   (1) أحمد في المسند (3/ 41) ، وقال الهيثمي (4/ 207) : رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه، والطبراني في الأوسط وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح. (2) المرجع السابق (3/ 76) . (3) بشير هو بشير بن أبي عمرو الخولاني، والوليد هو الوليد بن قيس الذي روى عن أبي سعيد هذا الحديث، وسلسلة الرواية كما أثبتها عبد الله بن أحمد في المسند: «حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة، حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول ... » . (4) أحمد في المسند (3/ 38، 39) ، ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 274) وصححه ووافقه الذهبي. (5) رجل ضرب: أي نحيف. (6) رجل الشعر: أي دهين الشعر مسترسله. (7) الديماس: بفتح الدال وكسرها الكنّ أي كأنه مخدّر لم ير شمسا، وقيل: هو السّرب المظلم. (8) البخاري- الفتح 6 (3394) ، واللفظ له، ومسلم (2168) . (9) حج آدم موسى: أي غلبه في الحجة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5152 اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كلّ شيء، وقرّبك نجيّا، فبكم وجدت الله كتب التّوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاما. قال آدم: فهل وجدت فيها وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) ، قال: نعم. قال: أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فحجّ آدم موسى» ) * «1» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تحاجّ آدم وموسى، فحجّ آدم موسى، فقال له موسى: أنت آدم «2» الّذي أغويت النّاس وأخرجتهم من الجنّة؟، فقال آدم: أنت الّذي أعطاه الله علم كلّ شيء واصطفاه على النّاس برسالته؟، قال: نعم. قال: فتلومني على أمر قدّر عليّ قبل أن أخلق؟» ) * «3» . 7- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله» . قال ابن نمير: فقد غوي «4» ) * «5» . 8- * (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ ممّا أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم، ومضلّات الهوى» ، وفي رواية أخرى «ومضلّات الفتن» ) * «6» . 9- * (عن بهز بن حكيم- رضي الله عنه- عن أبيه عن جدّه، أنّ أباه أو عمّه قام إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: جيراني بم أخذوا «7» ؟ فأعرض عنه، ثمّ قال: أخبرني بم أخذوا؟ فأعرض عنه، فقال: لئن قلت ذاك، إنّهم يزعمون أنّك تنهى عن الغيّ وتستخلي به «8» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما قال «9» . فقام أخوه أو ابن أخيه فقال: يا رسول الله إنّه قال (كذا) ، فقال: «لقد قلتموها- أو قائلها منكم- ولئن كنت أفعل ذلك، إنّه لعليّ، وما هو عليكم، خلّوا له عن جيرانه» ) * «10» . 10- * (عن ربيعة بن عبّاد الدّيليّ- رضي الله عنه- قال: رأيت أبا لهب بعكاظ وهو يتّبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقول: إنّ هذا قد غوى فلا يغوينّكم «11»   (1) البخاري- الفتح 6 (3409) ، ومسلم (2652) ، واللفظ له. (2) المعنى أأنت آدم على الاستفهام المحذوف أداته، وقد حذفت أداة الاستفهام أيضا في الموضعين التالين وهما: أنت الذي أعطاه ... ، وقوله: فتلومني، والمعنى: أفتلومني. (3) مسلم (2652) ، واللفظ له، وأحمد في المسند (2/ 314) . (4) ورد الفعل غوي بكسر الواو وفتحها، قال المحقق (محمد فؤاد عبد الباقي) والصواب الفتح لأنه من الغيّ وهو الانغماس في الشّرّ. (5) مسلم (870) ، واللفظ له، والنسائي 6 (3279) . (6) أحمد في المسند (4/ 420، 423) وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والبزار والطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح. (7) سياق هذا الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان قد أخذ ناسا في تهمة فحبسهم فجاءه رجل وهو يخطب فسأله عن سبب هذا الحبس وقد جاء هذا بعد الحديث المستشهد به في المسند (5/ 2) . (8) تستخلي به: أي تفعله خاليا بينك وبين نفسك. (9) أي في الخطبة التي كان قد ابتدأها قبل مجيئه. (10) أحمد في المسند (5/ 2، 4) وقد ورد في بعض الروايات الشر بدل الغي. (11) الغيّ والإغواء هنا إنما هما من وجهة نظر أبي لهب لأن الإسلام وما يدعو إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم كان كذلك عنده. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5153 عن آلهة آبائكم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفرّ منه وهو على أثره ونحن نتّبعه ... الحديث) * «1» . 11- * (عن نضلة بن طريف- رضي الله عنه- أنّ رجلا منهم يقال له: الأعشى، واسمه عبد الله ابن الأعور، كانت عنده امرأة يقال لها معاذة، خرج في رجب يمير أهله «2» من هجر، فهربت امرأته بعده، ناشزا عليه «3» ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرّف بن بهصل (الحرمازيّ) ، فجعلها خلف ظهره، فلمّا قدم ولم يجدها في بيته، وأخبر أنّها نشزت عليه، وأنّها عاذت بمطرّف بن بهصل، أتاه، فقال: يابن عمّ، أعندك امرأتي معاذة؟ فادفعها إليّ، قال: ليست عندي، ولو كانت عندي لم أدفعها إليك، قال: وكان مطرّف أعزّ منه، فخرج حتّى أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعاذ به وأنشأ يقول: يا سيّد النّاس وديّان العرب «4» ... إليك أشكوا ذربة من الذّرب «5» كالذّئبة الغبشاء في ظلّ السّرب «6» ... خرجت أبغيها الطّعام في رجب فخلّفتني «7» بنزاع وهرب ... أخلفت العهد ولطّت بالذّنب «8» وقذفتني بين عيص مؤتشب «9» ... وهنّ شرّ غالب لمن غلب فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وهنّ شرّ غالب لمن غلب» . فشكا إليه امرأته وما صنعت به، وأنّها عند رجل منهم اسمه مطرّف بن بهصل، فكتب له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إلى مطرّف، انظر امرأة هذا (معاذة) ، فادفعها إليه» ، فأتاه كتاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقرىء عليه، فقال لها: يا معاذة، هذا كتاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيك، فأنا دافعك إليه، قالت: خذ لي عليه العهد والميثاق وذمّة نبيّه: لا يعاقبني فيما صنعت، فأخذ لها ذاك عليه، ودفعها مطرّف إليه، فأنشأ يقول: لعمرك ما حبّي معاذة بالّذي ... يغيّره الواشي ولا قدم العهد ولا سوء ما جاءت به إذ أزالها ... غواة الرّجال، إذ يناجونها بعدي) * «10» .   (1) أحمد في المسند (3/ 492) ، وقال الهيثمي في المجمع (6/ 22) : رواه أحمد وابنه والطبراني في الكبير بنحوه والأوسط باختصار أسانيد عبد الله بن أحمد ثقات. (2) يمير أهله: يطب لهم الميرة، وهي الطعام، وهجر قرية من قرى المدينة. (3) نشزت عليه أي خرجت عن طاعته وعصته. (4) ديان اعرب: الديّان هو من يقهر الناس على طاعته. (5) الذرية: يراد بها المرأة السيئة كني بذلك عن خيانتها وفسادها، وقيل أزاد سلاطة لسانها. (6) الغبشاء من الغبش وهو كلمة يخالطها بياض، والسّرب جحر الثعلب والأسد ونحوهما. (7) خلفتني: أي بقيت بعد، وتركتني بنزاع إليها وشدّة حال من الصبوة إليها. (8) لطت بالذّنب: من قولهم لطت الناقة بذنبها إذا ألزقته بحيائها، وهو كناية عن النشوز. (9) عيص مؤتشب: العيص: الشجر الكثيف الملتف، والمؤتشب: الملتبس، ضربه مثلا لالتباس أمره. (10) أحمد في المسند (11/ 6886) الشيخ أحمد شاكر، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 330- 332) وقال: رواه عبد الله بن أحمد ورجاله ثقات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5154 من الأحاديث الواردة في ذمّ (الغي والإغواء) معنى 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي الشّيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتّى يقول له: من خلق ربّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته) * «1» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نودي بالصّلاة أدبر الشّيطان وله ضراط، فإذا قضي أقبل، فإذا ثوّب بها «2» أدبر، فإذا قضي أقبل، حتّى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول: اذكر كذا وكذا، حتّى لا يدري أثلاثا صلّى أم أربعا، فإذا لم يدر أثلاثا صلّى أو أربعا سجد سجدتي السّهو) * «3» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الملائكة تتحدّث في العنان (والعنان: الغمام) بالأمر يكون في الأرض، فتستمع الشّياطين الكلمة فتقرّها «4» في أذن الكاهن كما تقرّ القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة) * «5» . 15- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنهم- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «شبه العمد مغلّظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه» ، قال: وزادنا خليل عن ابن راشد: وذلك أنّ الشّيطان ينزو بين النّاس فتكون دماء في عميّا «6» . في غير ضغينة ولا حمل سلاح) * «7» . 16- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثمّ يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثمّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتّى فرّقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت» ) * «8» . 17- * (وعن جابر أيضا، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب ولكن في التّحريش «9» بينهم» ) * «10» . 18- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة   (1) البخاري- الفتح 6 (3270) واللفظ له، ومسلم (134) . (2) ثوّب بها: أي أقيمت. (3) البخاري- الفتح 6 (3285) . (4) تقرّها: أي ترددها في أذن المخاطب حتى يفهمها. (5) البخاري- الفتح 6 (3288) . (6) عميّا: أي يوجد بينهم قتلى يعمى أمرهم ولا يتبيّن قاتلهم (انظر النهاية لابن الأثير 3/ 305) . (7) أبو داود (4565) واللفظ له، وأحمد (2/ 183) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 864) / 3819: حسن. (8) مسلم (2813) . (9) التحريش: هي السعي بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها. (10) مسلم (2812) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5155 الدّنيا فتبرّجت بعده، فلا تسأل عنهم» ) * «1» . 19- * (عن عليّ بن حسين- رضي الله عنهما- عن صفيّة بنت حييّ قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدّثته، ثمّ قمت لأنقلب «2» فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرّ رجلان من الأنصار، فلمّا رأيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسرعا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلكما «3» ، إنّها صفيّة بنت حييّ» فقالا: سبحان الله! يا رسول الله. قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّيطان يجري من الإنسان مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شرّا، أو قال: شيئا «4» » ) * «5» . 20- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبايعه على الإسلام فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرّجي تبرّج الجاهليّة الأولى» ) * «6» . 21- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال «7» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء «8» كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «9» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «10» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «11» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «12» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا «13» رأسي   (1) أحمد (6/ 19) ، والحاكم (1/ 119) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، واللفظ له. وقال الألباني في حجاب المرأة المسلمة (54) : سنده صحيح، ونقل تصحيح ابن عساكر له في «مدح التواضع» . (2) أنقلب: أي أرجع إلى البيت. (3) على رسلكما: أي على هينتكما في المشي، فما هنا هشيء تكرهانه. (4) الشك هنا من الراوي. (5) البخاري- الفتح 4 (2039) ، ومسلم (2175) ، واللفظ له. (6) رواه أحمد (2/ 196) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحجيح (11/ 75) / 6850، وقال الهيثمي في المجمع (6/ 37) : رواه الطبراني ورجاله ثقات، وقال الألباني: حسن: حجاب المرأة المسلمة (55) . (7) في الكلام حذف أي قال الله تعالى: كل مال ... إلخ، ومعنى نحلته: أعطيته. (8) حنفاء: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. (9) اجتالتهم: أي استخفّوهم فذهبوا بهم عن الحق إلى الباطل. (10) المقت: أشد البغض، والمراد بهذا ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (11) المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل. (12) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب. (13) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5156 فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «1» ، وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى، ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «2» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع. وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، «والشّنظير «3» الفحّاش» ) * «4» . 22- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «5» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا «6» . فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب، فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه، قال: فيجيء من اللّيل، فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد، فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «7» . فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «8» في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان، فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه، فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك فقال «اللهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة، فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «9» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل   (1) نغزك: أى نعينك. (2) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. (3) الشنظير: وهو السيء الخلق. (4) مسلم (2865) . (5) الجهد: بفتح الجيم، الجوع والمشقة. (6) فليس أحد منهم يقبلنا: هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلّين ليس عندهم شيء يواسون به. (7) ما به حاجة إلى هذه الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره. والفعل منه جرعت. (8) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه. (9) حافلة: الحفل في الأصل الاجتماع. قال في القاموس: الحفل والحفول والحفيل الاجتماع. يقال: حفل الماء واللبن حفلا وحفولا وحفيلا، إذا اجتمع. وكذلك يقال: حفله إذا جمه. ويقال للضرع المملوء باللبن: ضرع حافل وجمعه حفل ويطلق على الحيوان كثير اللبن، حافلة، بالتأنيث. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5157 محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة «1» فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أشربتم شرابكم اللّيلة؟ قال: قلت يا رسول الله؛ اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فقلت: يا رسول الله؛ اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت «2» أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوءاتك «3» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله «4» . أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها، وأصبتها معك من أصابها من النّاس» «5» . وفي رواية أحمد «فأتاني الشّيطان ذات ليلة فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة فاشربها، قال (المقداد) فما زال يزيّن لي حتّى شربتها ... الحديث) * «6» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغي والإغواء) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أمّا ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأمّا سواع فكانت لهذيل، وأمّا يغوث فكانت لمراد، ثمّ لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأمّا يعوق فكانت لهمدان، وأمّا نسر فكانت لحمير لآل ذي الطّلاع «7» . أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون أنصابا، وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ «8» العلم عبدت) * «9» .   (1) رغوة: هي زبد اللبن الذي يعلوه. وهي بفتح الراء وضمها وكسرها، ثلاث لغات مشهورات. ورغاوة بكسر الراء، وحكى ضمها. ورغاية بالضم، وحتي بالكسر. وارتغيت شربت الرغوة. (2) فلما عرفت ... إلخ: معناه أنه كان عنده حزن شديد خوفا من أن يدعو عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكونه أذهب نصيب النبي صلّى الله عليه وسلّم وتعرض لأذاه. فلما علم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأجيبت دعوته فرح وضحك حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه، لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه: سرورا بشرب النبي صلّى الله عليه وسلّم وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه، وجريان ذلك على يد المقداد وظهور هذه المعجزة. (3) إحدى سوءاتك: أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي. (4) ما هذه إلا رحمة من الله: أي إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف عادته، وإن كان الجميع من فضل الله. (5) مسلم (2055) . (6) السابق، نفسه. (7) كلب وهذيل ومراد وبني غطيف وهمذان وحمير، أسماء قبائل عربية وآل ذي الطلاع بطن من حمير. (8) تنسخ العلم: أي زال ونسي. (9) البخاري- الفتح 8 (4920) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5158 2- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق، والرّجل والمرأة، والصّغير والكبير، والحرّ والعبد، فيوشك قائل أن يقول: ما للنّاس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم، فإنّ الشّيطان قد يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم) * «1» . 3- * (قال ابن زيد في تفسير قوله تعالى: فَبِما أَغْوَيْتَنِي (الأعراف/ 16) المعنى: فبما أضللتني) * «2» . 4- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (الأعراف/ 202) هم الجنّ يوحون لأوليائهم من الإنس ثمّ لا يسأمون) * «3» . 5- * (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (الأعراف/ 201- 202) هذا خبر من الله تعالى عن فريقي الإيمان والكفر بأنّ فريق الإيمان وأهل تقوى الله إذا استزلّهم الشّيطان تذكّروا عظمة الله وعقابه فكفّتهم رهبته عن معاصيه، وأنّ فريق الكافرين يزيدهم الشّيطان غيّا إلى غيّهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله تعالى، ولا يحجزهم تقوى الله وخوف المعاد منه عن التّمادي فيها والزّيادة منها، فهم أبدا في زيادة من ركوب الإثم والشّيطان يزيدهم أبدا، لا يقصر الإنسيّ عن شيء من ركوب الفواحش، ولا الشّيطان من مدّه منه) * «4» . 6- * (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (الأعراف/ 175) قوله تعالى: فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ يقول: فكان من الهالكين لضلاله وخلافه أمر ربّه وطاعة الشّيطان) * «5» . 7- * (عن ابن زيد- رضي الله عنه- في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (مريم/ 59) يعني: شرّا أو ضلالا أو خيبة. ومن ذلك قول الشّاعر: فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما) * «6» . 8- * (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- غيّ واد في جهنّم وإنّ أودية جهنّم لتستعيذ من حرّه أعدّه الله للزّاني المصرّ على الزّنا، ولشارب الخمر المدمن عليه، ولآكل الرّبا الّذي لا ينزع عنه، ولأهل العقوق، ولشاهد الزّور، ولامرأة أدخلت على زوجها ولدا ليس منه) * «7» . 9- * (وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله   (1) أبو داود 4 (4611) . (2) تفسير الطبري (8/ 98) . (3) المرجع السابق (9/ 108) . (4) تفسير الطبري (9/ 108) . (5) المرجع السابق (9/ 84، 85) . (6) تفسير القرطبي (11/ 125) . (7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5159 عنه- الغيّ (في الآية السّابقة) واد في جهنّم بعيد القعر خبيث الطّعم) * «1» . 10- * (وعن كعب- رضي الله عنه- قال (في الآية نفسها) : غيّ: واد في جهنّم أبعدها قعرا، وأشدّها حرّا، فيه بئر يسمّى البهيم، كلّما خبت نار جهنّم فتح الله تعالى تلك البئر فتسعر بها جهنّم) * «2» . 11- * (حكى النّقّاش- واختاره القشيريّ- في قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) أي فسد عليه أمره أي فسد عيشه بنزوله إلى الحياة الدّنيا، قال القرطبيّ: وهو تأويل حسن، وقيل معناه جهل موضع رشده، أي جهل أنّ تلك الشّجرة هي الّتي نهي عنها «3» ، وقال القشيريّ: يقال عصى آدم وغوى ولا يقال له عاص ولا غاو كما أنّ من خاط مرّة يقال له (خاط) ولا يقال له خيّاط ما لم تتكرّر منه الخياطة، قال القرطبيّ: وما أضيف من هذا إلى الأنبياء فإمّا أن تكون صغائر، أو ترك الأولى، أو قبل النبوّة) * «4» . 12- * (عن قتادة والحسن والضّحّاك في تفسير قوله تعالى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ (الأعراف/ 202) المعنى وإخوان الشّياطين وهم الفجّار من ضلّال الإنس، تمدّهم الشّياطين في الغيّ، وقيل للفجّار إخوان الشّياطين لأنّهم يقبلون منهم، قال القرطبيّ، وهذا أحسن ما قيل في الآية) * «5» . 13- * (روي أنّ طاووسا جاءه رجل في المسجد الحرام، وكان متّهما بالقدر، وكان من الفقهاء الكبار، فجلس إليه، فقال له طاووس: تقوم أو تقام؟ فقيل لطاووس: تقول هذا لرجل فقيه؟ فقال: إبليس أفقه منه، يقول إبليس: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي (الحجر/ 39) ويقول هذا: أنا أغوي نفسي) * «6» . 14- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف/ 16) : المعنى: فبما أوقعت في قلبي من الغيّ والعناد والاستكبار، وهذا لأنّ كفر إبليس- لعنه الله- ليس كفر جهل، بل هو كفر عناد واستكبار «7» ، وقيل معنى الكلام هو القسم أي (فبحقّ) إغوائك إيّاي لأقعدنّ لهم على صراطك أو في صراطك «8» ، ودليل هذا القول قوله عزّ وجلّ في سورة (ص/ 82) فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (ص/ 82) وكأنّ إبليس أعظم قدر إغواء الله إيّاه لما فيه من التّسليط على العباد، فأقسم به إعظاما لقدره عنده «9» ، وقيل الباء بمعنى اللّام «10» كأنّه قال:   (1) تفسير القرطبي (11/ 125) . وتفسير ابن كثير (3/ 135) . (2) تفسير ابن كثير (3/ 135) . (3) تفسير القرطبي (11/ 257) . (4) تفسير القرطبي (11/ 257) . (5) تفسير القرطبي (7/ 351) . (6) تفسير القرطبي (7/ 175) . (7) وعلى هذا تكون الباء للسببية. (8) المراد أن هنا حرف جر محذوف تقديره «على» أو «في» . (9) وعلى ذلك تكون الباء للقسم. (10) أي اللام التعليلية، وهذا يرجع إلى المعنى الأول لأن التعليل والسببية متقاربان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5160 فلأغوائك إيّاي «1» ، وقيل غير ذلك. 15- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 2) شهادة للرّسول صلّى الله عليه وسلّم بأنّه راشد تابع للحقّ ليس بضالّ ولا غاو، والغاوي هو العالم بالحقّ العادل عنه قصدا إلى غيره، فنزّه الله رسوله وشرعه عن المشابهة كالنّصارى، وأهل الغيّ كاليهود لأنّهم كانوا يعلمون الشّيء ويكتمونه ويعملون بخلافه. وإنّما كان صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك ما بعثه الله به من الشّرع الحكيم في غاية الاستقامة والاعتدال والسّداد) * «2» . من مضار (الغي والإغواء) (1) الغيّ مهلك للإنسان مغضب للرّحمن. (2) الغيّ يجعل صاحبه من أعوان الشّيطان وجنوده المخلصين. (3) جهنّم- والعياذ بالله تعالى- موعد الغاوين، ولا يجدون عنها محيصا. (4) الغواة والمغوون والشّياطين قرناء في الدّنيا والآخرة. (5) الّذين يغوون النّاس ويزيّنون لهم المعاصي يفسدون المجتمع ويشيعون فيه الفوضى والاضطراب. (6) من الإغواء الشّيطانيّ ما يهدم الأسر المستقرّة ويفرّق بين الرّجل وزوجه (الحديث رقم 16) . (7) النّساء اللّاتي يغوين الرّجال بالملابس الخليعة ونحو ذلك يفقدن بهاء الإيمان ويبعثن يوم القيامة ولا نور لهنّ (الحديث رقم 20) . (8) الإغواء يجعل صاحبه من أهل جهنّم وساءت مصيرا. (9) الغاوي يضلّ النّاس عن دينهم ويحسّن لأهل البدع والأهواء أهواءهم، فيحسبون أنّهم يحسنون صنعا، وهم الأخسرون أعمالا. (10) الغيّ والإغواء تضييع للفرد وللأسرة وللمجتمع كلّه لما فيه من صرف الهمم عن صالح الأعمال إلى سيّئها، ومن البناء إلى الهدم. (11) الإغواء أقوى أسلحة المفسدين من شياطين الإنس والجنّ الّتي يجيدون استخدامها ضدّ الأفرد والجماعات والأمم فينهكون قواها ويدمّرون استقرارها ويعبثون بمقدّراتها.   (1) تفسير القرطبي (7/ 174) . (2) باختصار وتصرف عن تفسير ابن كثير (4/ 264) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5161 الغيبة الغيبة لغة: الغيبة هي الاسم من الاغتياب وهو مأخوذ من مادّة (غ ي ب) الّتي تدلّ على السّتر، يقول ابن فارس: «الغين والياء والباء» أصل صحيح يدلّ على تستّر الشّيء عن العيون ثمّ يقاس من ذلك الغيب: ما غاب ممّا لا يعلمه إلّا الله. ويقال: غابت الشّمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا. وغاب الرّجل عن بلده، وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها ... والغيبة: الوقيعة في النّاس من هذا، لأنّها لا تقال إلّا في غيبة، وتغيّب مثل غاب، ويتعدّى بالتّضعيف فيقال غيّبته، وهو التّواري في المغيب، واغتابه اغتيابا إذا ذكره بما يكره من العيوب، والاسم الغيبة، فإن كان باطلا فهو الغيبة في بهت. وجعل الرّاغب أصل المادّة الاستتار عن العين فيقول: «والغيب مصدر غابت الشّمس وغيرها إذا استترت عن العين، يقال: غاب عنّي كذا، قال تعالى: أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (النمل/ 20) واستعمل في كلّ غائب عن الحاسّة، وعمّا يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب، والغيب في قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (البقرة/ 3) ما لا يقع تحت الحواسّ، ولا تقتضيه بداية العقول «وإنّما يعلم بخبر الأنبياء- عليهم السّلام- وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد «1» » والغيب: الشّكّ، وجمعه غياب وغيوب، والغيب أيضا ما غاب عن العيون، وإن كان محصّلا في القلوب ... وكلّ مكان لا يدرى ما فيه، فهو غيب، وكذلك الموضع الّذي لا يدرى ما وراءه، وجمعه غيوب. والمغايبة خلاف المخاطبة، يقال: اغتاب الرّجل صاحبه اغتيابا إذا وقع فيه، وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بسوء، أو بما يغمّه لو سمعه وإن كان فيه، فإن كان صادقا، فهو غيبة، وإن كان كاذبا فهو البهت والبهتان، كذلك جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يكون ذلك إلّا من ورائه. والاسم: الغيبة، وفي التّنزيل العزيز: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (الحجرات/ 12) . أي لا يتناول رجلا بظهر الغيب بما يسوؤه ممّا هو فيه. وروي عن بعضهم أنّه سمع: غابه يغيبه إذا عابه، وذكر منه ما يسوؤه. قال ابن الأعرابيّ: غاب إذا اغتاب. وغاب إذا ذكر إنسانا بخير أو شرّ، والغيبة: فعلة منه، تكون حسنة وقبيحة «2» .   (1) التعريفات (169) . (2) الصحاح للجوهري (1/ 196) ، ولسان العرب (1/ 656) ، ومقاييس اللغة (4/ 403) ، والمصباح المنير (164) ، والمفردات (367) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5162 واصطلاحا: قال الجرجانيّ: الغيبة: ذكر مساوىء الإنسان في غيبته وهي فيه «1» . وقال المناويّ: الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه، فإن كان فيه فقد اغتبته ... ، قال: ومن أحسن تعاريفها «ذكر العيب بظهر الغيب» «2» . وقال الكفويّ: أن يتكلّم خلف إنسان مستور بكلام هو فيه «3» . وقال التّهانويّ: الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرت نقصانا في بدنه أو في لبسه، أو في خلقه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه، أو في ولده، أو في ثوبه، أو في داره، أو في دابّته. قال: ولا تقتصر الغيبة على القول، بل تجري أيضا في الفعل كالحركة والإشارة والكناية، لما ورد عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها أشارت بيدها إلى امرأة أنّها قصيرة فقال صلّى الله عليه وسلّم: «اغتبتها» والتّصديق بالغيبة غيبة «4» . قال ابن حجر: هي ذكر المرء بما يكرهه، سواء كان ذلك في بدن الشّخص أو دينه أو دنياه، أو نفسه أو خلقه أو ماله. وقال الرّاغب: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير محوج إلى ذكر ذلك. وقال ابن الأثير: الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه. وقال ابن التّين: الغيبة ذكر المرء ما يكرهه بظهر الغيب «5» . أسباب الغيبة وبواعثها: قال الغزاليّ- رحمه الله-: للغيبة أسباب وبواعث، وفيما يلي خلاصتها: 1- شفاء المغتاب غيظه بذكر مساوىء من يغتابه. 2- مجاملة الأقران والرّفاق ومشاركتهم فيما يخوضون فيه من الغيبة. 3- ظنّ المغتاب في غيره ظنّا سيّئا مدعاة إلى الغيبة. 4- أن يبرّىء المغتاب نفسه من شيء وينسبه إلى غيره أو يذكر غيره بأنّه مشارك له. 5- رفع النّفس وتزكيتها بتنقيص الغير. 6- حسد من يثني عليه النّاس ويذكرونه بخير. 7- الاستهزاء والسّخرية وتحقير الآخرين «6» . الفرق بين الغيبة والبهتان والشتم: قال الجرجانيّ: الغيبة ذكر مساوىء الإنسان الّتي فيه في غيبة. والبهتان ذكر مساوىء للإنسان، وهي ليست فيه «7» . والشّتم: ذكر المساوىء في مواجهة المقول فيه. وإلى هذا ذهب كلّ من المناويّ والكفويّ «8» . حكم الغيبة: عدّ الإمام ابن حجر الغيبة من الكبائر وقال: الّذي دلّت عليه الدّلائل الكثيرة الصّحيحة الظّاهرة   (1) التعريفات (169) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (254) . (3) الكليات (669) . (4) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1091) . (5) انظر فتح الباري (10/ 484) . (6) إحياء علوم الدين (155- 156) بتصرف. (7) التعريفات (169) بتصرف. (8) انظر التوقيف (254) ، والكفوي فى الكليات (669) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5163 أنّها كبيرة: لكنّها تختلف عظما وضدّه بحسب اختلاف مفسدتها. وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال، وقتل النّفس بقوله صلّى الله عليه وسلّم «كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» والغصب والقتل كبيرتان إجماعا، فكذا ثلم العرض «1» . علاج الغيبة: إنّ الغيبة مرض خطير، وداء فتّاك، ومعول هدّام، وسلوك يفرّق بين الأحباب، وبهتان يغطّي على محاسن الآخرين، وبذرة تنبت شرورا بين المجتمع المسلم، وتقلب موازين العدالة والإنصاف إلى الكذب والجور، وعلاج هذا المرض لا يكون إلّا بالعلم والعمل، فإذا عرف المغتاب أنّه تعرّض لسخط الله يوم القيامة بإحباط عمله وإعطاء حسناته من يغتابه أو يحمل عنه أوزاره، وأنّه يتعرّض لهجوم من يغتابه في الدّنيا، وقد يسلّطه الله عليه، إذا علم هذا وعمل بمقتضاه من خير فقد وفّق للعلاج. هل تحل الغيبة في بعض الأحيان؟ قال النّوويّ- رحمه الله-: اعلم أنّ الغيبة تباح لغرض صحيح شرعيّ لا يمكن الوصول إليه إلّا بها، وهو ستّة أسباب: الأوّل: المتظلّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلّم إلى السّلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا. الثّاني: الاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصّواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التّوصّل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما. الثّالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقّي، ودفع الظّلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكنّ الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنّه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك، فالتّعيين جائز. الرّابع: تحذير المسلمين من الشّرّ ونصيحتهم. وذلك من وجوه: منها: جرح المجروحين من الرّواة والشّهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة. ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوىء الّتي فيه بنيّة النّصيحة. ومنها: إذا رأى متفقّها يتردّد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرّر المتفقّه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النّصيحة، وهذا ممّا يغلط فيه. وقد يحمل المتكلّم بذلك الحسد، ويلبّس الشّيطان عليه ذلك، ويخيّل إليه   (1) الزواجر (371) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5164 أنّه نصيحة فليفطن لذلك. ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إمّا بأن لا يكون صالحا لها، وإمّا بأن يكون فاسقا، أو مغفّلا، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن عليه ولاية عامّة ليزيله، ويولّي من يصلح، أو يعلم ذلك منه، ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغترّ به، وأن يسعى في أن يحثّه على الاستقامة أو يستبدل به. الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة النّاس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلما، وتولّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلّا أن يكون لجوازه سبب آخر ممّا ذكرناه. السّادس: التّعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب؛ كالأعمش والأعرج والأصمّ، والأعمى؛ والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك؛ ويحرم إطلاقه على جهة النّقص؛ ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى. فهذه ستّة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه؛ ودلائلها من الأحاديث الصّحيحة مشهورة «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الافتراء- الإفك- البهتان- الفضح- النميمة- الأذى- الإساءة- الهجاء- الغي والإغواء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الثناء- الحمد- الصمت وحفظ اللسان- المحبة- الكلم الطيب- الستر- المداراة- الحياء] .   (1) انظر رياض الصالحين (450- 451) ، والزواجر لابن حجر الهيثمي (383- 384) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5165 الآيات الواردة في «الغيبة» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «1» الآيات الواردة في «الغيبة» معنى 2- لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) «2» 3- وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) «3» 4- قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) «4»   (1) الحجرات: 12 مدنية. (2) النساء: 148 مدنية. (3) يوسف: 30 مكية. (4) يوسف: 77 مكية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5166 الأحاديث الواردة في ذمّ (الغيبة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه فقد بهتّه «1» » ) * «2» . 2- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فارتفعت ريح منتنة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون ما هذه الرّيح؟ هذه ريح الّذين يغتابون المؤمنين» ) * «3» . 3- * (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبّعوا عوراتهم، فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته» ) * «4» . 4- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقبرين فقال: «إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير. أمّا أحدهما فيعذّب في البول وأمّا الآخر فيعذّب في الغيبة» ) * «5» . 5- * (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّهم ذكروا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا فقالوا: لا يأكل حتّى يطعم «6» ولا يرحل حتّى يرحل له، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اغتبتموه» . فقالوا: يا رسول الله إنّما حدّثنا بما فيه. قال: «حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه «7» » ) * «8» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الغيبة) معنى 6- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى، يا رسول الله قال ثلاثا «9» : «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متّكئا فجلس فقال: ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور» ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور، فما زال يقولها حتّى قلت لا يسكت «10» .» ) * «11» .   (1) بهته: أي قلت فيه البهتان وهو الباطل. (2) مسلم (2589) . (3) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 515) واللفظ له، وقال: رواه أحمد وابن أبي الدنيا ورواة أحمد ثقات، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 484) : سنده صحيح. (4) أبو داود 4 (4880) واللفظ له وقال الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 104) : سنده جيد. (5) أحمد في المسند (5/ 35- 36) ، وابن ماجة (1/ 349) واللفظ له وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 485) : أخرجه أحمد والطبراني بإسناد صحيح. (6) أي أنه ضعيف إلى درجة احتياجه إلى مساعد يطعمه، وخادم يوكله، وساق يسقيه، ولا يسافر إلا إذا حمله آخر أو ركب على دابة. (7) أي كافيك بتعداد أوصاف ثابتة فيه، ولكن يكره ذكرها ويجب سترها، ففيه الترهيب عن ذكر أخيك بما يكره مطلقا. (8) قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 506) : رواه الأصبهاني بإسناد حسن. (9) أي ثلاث مرات. (10) عند مسلم، من رواية بشر بن المفضّل «حتى قلنا ليته سكت» . (11) البخاري- الفتح 10 (5976) واللفظ له، ومسلم (87) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5167 7- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ معاذ بن جبل- رضي الله عنه- كان يصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصّلاة، فقرأ بهم البقرة، قال فتجوّز رجل فصلّى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا فقال: إنّه منافق، فبلغ ذلك الرّجل فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوّزت، فزعم أنّي منافق، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معاذ، أفتّان أنت؟» (ثلاثا) . «اقرأ وَالشَّمْسِ وَضُحاها وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ونحوهما» ) * «1» . 8- * (عن أبي وائل عن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه ارتقى الصّفا فأخذ بلسانه، فقال: يالسان قل خيرا تغنم، واسكت عن شرّ تسلم، من قبل أن تندم، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أكثر خطأ ابن آدم في لسانه» ) * «2» . 9- * (عن اللّجلاج- رضي الله عنه- أنّه كان قاعدا يعتمل في السّوق فمرّت امرأة تحمل صبيّا فثار النّاس معها وثرت فيمن ثار، فانتهت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من أبو هذا معك» ؟ فسكتت، فقال شابّ حذوها: أنا أبوه يا رسول الله، فأقبل عليها فقال: «من أبو هذا معك؟» ؟ قال الفتى: أنا أبوه يا رسول الله، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بعض من حوله يسألهم عنه، فقالوا: ما علمنا إلّا خيرا، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أحصنت» ؟ قال: نعم، فأمر به فرجم، قال: فخرجنا به فحفرنا له حتّى أمكنّا ثمّ رميناه بالحجارة حتّى هدأ، فجاء رجل يسأل عن المرجوم فانطلقنا به إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لهو أطيب عند الله من ريح المسك» فإذا هو أبوه، فأعنّاه على غسله وتكفينه ودفنه) * «3» . 10- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات النّاس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» ) * «4» . 11- * (عن سعيد بن زيد- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ» ) * «5» . 12- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب النّاس يوم النّحر، فقال: «يا أيّها النّاس، أيّ يوم هذا؟» قالوا: يوم حرام. قال: «فأيّ بلد هذا؟» قالوا: بلد حرام. قال: «فأيّ شهر هذا؟» قالوا: شهر حرام. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في   (1) البخاري- الفتح 10 (6106) واللفظ له، ومسلم (465) ، والنسائي (2/ 102) وأبو داود (600) مختصرا. (2) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 534) وقال: رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن. (3) أبو داود (4435) ، وحسنه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3728- 3729) . (4) أبو داود (4888) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (4088) . (5) رواه أحمد في المسند (1/ 190) واللفظ له، وأبو داود (4876) وقال الألباني: صحيح، وهو في الصحيحة رقم (1433) . وصحّح إسناده المرفوع من الحديث أيضا الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «المسند» (3/ 190) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5168 بلدكم هذا، في شهركم هذا» . فأعادها مرارا. ثمّ رفع رأسه، فقال: «اللهمّ هل بلّغت؟ اللهمّ هل بلّغت؟» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «فو الّذي نفسي بيده، إنّها لوصيّته إلى أمّته فليبلّغ الشّاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ) * «1» . 13- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «2» على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «3» . إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره «4» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «5» ، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «6» ، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إذا دخل فهد «7» ، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «8» وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «9» طباقاء، كلّ داء له داء «10» شجّك «11» أو فلّك أو جمع كلّا لك ... الحديث) * «12» . 14- * (عن علىّ- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فيك مثل من عيسي. أبغضته اليهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة   (1) البخاري- الفتح 3 (1739) واللفظ له، ومسلم (66) . (2) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول. (3) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (4) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. (5) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع. (6) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس في أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة. (7) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد. (8) زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء. (9) زوجي غياياء أو عياياء: وهو الذي لا يلقح، وقيل هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدي إلى مسك. وقيل هو الغبي الأحمق الفدم. (10) كل داء له داء: أي جميع أمراض الناس فيه. (11) شجك: أي جرحك في الرأس. فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد. (12) البخاري- الفتح 9 (5189) ، ومسلم (2448) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5169 الّتي ليس به، ثمّ قال: «يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني» ) * «1» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حسبك من صفيّة كذا وكذا- تعني قصيرة- فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» . قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: «ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا» ) * «2» . 16- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، وآذن بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «3» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «4» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «5» من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدونني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس «6» من وراء الجيش فأدلج «7» فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته. فوطىء على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة. حتّى أتينا الجيش. موغرين في نحر الظّهيرة «8» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره. عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة.   (1) أحمد في المسند (1/ 160) وقال محققه الشيخ أحمد (2/ 354، 355) : إسناده حسن. (2) أبو داود (4875) واللفظ له، والترمذي (2502- 2503) وقال: حديث صحيح. (3) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن. (4) لم يهبلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه. (5) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة. (6) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة. (7) فأدلج: الإدلاج هو السير آخر الليل. (8) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5170 فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكى. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» فذاك يريبني. ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «1» وهو متبرّزنا. وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه. وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطّلب بن عبد مناف. وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «2» قالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا؟. قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت، فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ قال: «كيف تيكم؟» قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت، وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه ما يتحدّث النّاس؟ فقالت: يا بنيّة هوّني عليك. فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «3» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها. قالت قلت: سبحان الله وقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت، فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «4» لي دمع ولا أكتحل بنوم «5» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «6» يستشيرهما في فراق أهله. قالت فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «7» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «8» فتأكله. قالت فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «9» من عبد الله بن أبيّ ابن سلول. قالت فقال   (1) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها. (2) في مرطها: المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره. (3) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن. (4) لا يرقأ: أي لا ينقطع. (5) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام. (6) استلبث الوحي: أي أبطا ولبث ولم ينزل. (7) أغمصه: أي أعيبها به. (8) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين. (9) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5171 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا. ولكن اجتهلته الحميّة «1» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «2» حتّى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب. فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «4» عند   (1) اجتهلته الحمية: أي خفته وأغضبته وحملته على الجهل. (2) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية. (3) ما رام: أي ما فارق. (4) البرحاء: هي الشدة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5172 الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «1» من العرق، في اليوم الشّاتى، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت، فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري ما علمت؟ أو ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «2» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «3» فهلكت فيمن هلك) * «4» . 17- * (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتّد النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له فلم يجلس حتّى قال: «أين تحبّ أن أصلّي من بيتك، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير «5» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال: رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟» .   (1) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن. (2) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم. (3) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك. (4) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (2770) واللفظ له. (5) الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5173 فقال: الله ورسوله أعلم. أمّا نحن فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «1» . 18- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك أنّي لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «2» ، واستقبل عدوّا كثيرا، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجههم الّذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله- عزّ وجلّ- وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «3» . فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط الغزو «4» . فهممت أن أرتحل فأدركهم فياليتني فعلت. ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا عليه في النّفاق «5» . أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا فقال، وهو جالس في القوم بتبوك «ما فعل كعب بن مالك؟» قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» . فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا ... الحديث) * «7» . 19- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم،   (1) البخاري- الفتح 3 (1186) واللفظ له، ومسلم (33) . (2) ومفازا: أي برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك. (3) أصعر: أميل. (4) تفارط الغزو: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا. (5) مغموصا عليه في النفاق: أي متهما به. (6) النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه. (7) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم (2769) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5174 فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون لحوم النّاس ويقعون في أعراضهم» ) * «1» . 20- * (عن المستورد- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أكل برجل مسلم أكلة فإنّ الله يطعمه مثلها من جهنّم، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإنّ الله يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإنّ الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة» ) * «2» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعا: «من أكل لحم أخيه في الدّنيا قرّب له يوم القيامة فيقال له كله ميتا كما أكلته حيّا فيأكله ويكلح ويصيح» ) * «3» . 22- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النّار يوم القيامة» ) * «4» . 23- * (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ذبّ «5» عن عرض أخيه بالغيبة كان حقّا على الله أن يعتقه من النّار» ) * «6» . 24- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنّم حتّى يأتي بنفاد ما قال فيه» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغيبة) 1- * (قال عمر- رضي الله عنه-: «عليكم بذكر الله تعالى؛ فإنّه شفاء. وإيّاكم وذكر النّاس فإنّه داء» ) * «8» . 2- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّه مرّ على بغل ميّت فقال لبعض أصحابه: «لأن يأكل الرّجل من هذا حتّى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم «9» » ) * «10» . 3- * (وعنه أيضا: في قوله- عزّ وجلّ-:   (1) أخرجه أحمد في المسند (3/ 224) ، وأبو داود (4878) واللفظ له وقال مراجع رياض الصالحين (578) : إسناده صحيح. (2) أحمد في المسند (4/ 229) ، وأبو داود (4881) واللفظ له وصححه الألباني: صحيح سنن أبي داود (4084) ، والحاكم في المستدرك (4/ 127- 128) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (3) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 485) : سنده حسن (4) الترمذي (1931) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، وقال مراجع رياض الصالحين (579) حديث حسن. (5) أي من دفع كلام السوء عن أخيه المسلم أبعده الله من جهنم. (6) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 517) وقال: رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهم. (7) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 515) وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد. (8) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 152) . (9) أي أن الأكل من هذه الجيفة النتنة أسهل من اغتياب المسلم. (10) رواه أبو الشيخ بن حبان وغيره موقوفا، الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 509) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5175 وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ. قال: لا يطعن بعضكم على بعض» ) * «1» . 4- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: «إنّي لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله وكنّا نغزو مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما لنا طعام إلّا ورق الشّجر حتّى إنّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشّاة، ماله خلط «2» ، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني «3» على الإسلام، لقد خبت إذا وضلّ عملي وكانوا وشوا به إلى عمر. قالوا: لا يحسن يصلّي» ) * «4» . 5- * (قال الحسن- رحمه الله-: «ذكر الغير ثلاثة: الغيبة، والبهتان، والإفك، وكلّ في كتاب الله- عزّ وجلّ- فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفك أن تقول ما بلغك» ) * «5» . 6- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: «والله للغيبة أسرع في دين الرّجل من الأكلة في الجسد» ) * «6» . 7- * (وقال أيضا- رحمه الله-: «يا بن آدم إنّك لن تصيب حقيقة الإيمان حتّى لا تعيب النّاس بعيب هو فيك، وحتّى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصّة نفسك. وأحبّ العباد إلى الله من كان هكذا» ) * «7» . 8- * (روي عن الحسن- رضي الله عنه-: أنّ رجلا قال له: إنّ فلانا قد اغتابك فبعث إليه رطبا على طبق وقال: «قد بلغني أنّك أهديت إليّ من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها فاعذرني فإنّي لا أقدر أن أكافئك على التّمام» ) * «8» . 9- * (عن ابن سيرين؛ قال: «إنّه ذكر الغيبة فقال: «ألم تر إلى جيفة خضراء منتنة» ) * «9» . 10- * (عن الشّعبيّ- رحمه الله- أنّ العبّاس بن عبد المطّلب قال لابنه عبد الله: يا بنيّ، أرى أمير المؤمنين يدنيك، فاحفظ منّي خصالا ثلاثا: لا تغتب من له سرّ، ولا يسمعنّ منك كذبا، ولا تغتابنّ عنده أحدا» ) * «10» . 11- * (عن مجاهد في قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال: «الّذي يأكل لحوم النّاس، واللّمزة: الطّعّان) * «11» . 12- * (عن عبد الله بن المبارك رحمه الله- قال: «قال بعضهم في تفسير العزلة: هو أن تكون مع القوم، فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت» ) * «12» .   (1) تفسير ابن كثير (4/ 212) لا تلمزوا أنفسكم: أي لا تعيبوا فتعابوا. (2) ما له خلط: أي لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته. (3) تعزرني: تؤدبني، والمعنى تعلمني الصلاة، أو تعيرني بأني لا أحسنها. (4) البخاري- الفتح 7 (3728) . (5) الإحياء (3/ 153) . (6) المرجع السابق (3/ 152) . (7) المرجع السابق (3/ 152) . (8) المرجع السابق (3/ 164) . (9) الزهد لوكيع بن الجراح (3/ 747) . (10) مكارم الأخلاق للخرائطي برقم (750) . (11) الزهد لوكيع بن الجراح (3/ 753) . (12) انظر الصمت لابن أبي الدنيا (241) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5176 13- * (قال الرّاغب في قوله تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ همز الإنسان: اغتيابه، والنّمّ إظهار الحديث بالوشاية» ) * «1» . 14- * (قال بشّار بن برد: خير إخوانك المشارك في المرّ ... وأين الشّريك في المرّ أينا الّذي إن شهدت سرّك في الحيّ ... وإن غبت كان أذنا وعينا مثل سّر الياقوت إن مسّه نا ... ر جلاه البلاء فازداد زينا أنت في معشر إذا غبت عنهم ... بدّلوا كلّ ما يزينك شينا وإذا مارأوك قالوا جميعا ... أنت من أكرم البرايا علينا) * «2» . 15- * (قال النّوويّ- رحمه الله-: «اعلم أنّه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردّها ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فإن لم يستطع باليد ولا باللّسان، فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ، أو كان من أهل الفضل والصّلاح، كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر» ) * «3» . 16- * (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «كان الصّحابة- رضي الله عنهم- يتلاقون بالبشر ولا يغتابون عند الغيبة ويرون ذلك أفضل الأعمال ويرون خلافه عادة المنافقين» ) * «4» . 17- * (قال بعضهم: «أدركنا السّلف وهم لا يرون العبادة في الصّوم ولا في الصّلاة، ولكن في الكفّ عن أعراض النّاس» ) * «5» . من مضار (الغيبة) (1) صاحب الغيبة يعذّب في النّار بأكل النّتن القذر. (2) ينال عقاب الله في قبره. (3) تذهب أنوار إيمانه وآثار إسلامه. (4) لا يغفر له حتّى يعفو عنه المغتاب. (5) الغيبة معول هدّام وشرّ مستطير. (6) تؤذي وتضرّ وتجلب الخصام والنّفور. (7) مرض اجتماعيّ يقطع أواصر المحبّة بين المسلمين. (8) دليل على خسّة المغتاب ودناءة نفسه.   (1) فتح الباري (10/ 487) . (2) انظر القصيدة في ديوان بشار. (3) الأذكار للنووي (304) . (4) إحياء علوم الدين (3/ 152) . (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5177 [ حرف الفاء ] الفتنة الفتنة لغة: مصدر كالفتن والفتون، وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ف ت ن) الّتي تدلّ على «الابتلاء والاختبار» يقال: فتنت الذّهب بالنّار إذا امتحنته، «1» وقال الخليل: الفتن: إحراق الشّيء بالنّار كالورق الفتين أي المحترق، وقوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (الذاريات/ 13) أي يحرقون، قال: وكان أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفتنون بدينهم، أي يعذّبون ليردّوا عن دينهم، ومنه أيضا قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ 191) الفتنة (هنا) العذاب، والفتنة (أيضا) أن يفتن الله قوما أي يبتليهم، والفتن: ما يقع بين النّاس من الحروب، ويقال في أمر العشق: فتن بها وافتتن بها أي عشقها، والفتّان: الشّيطان، وفتن وأفتن واحد قال الشّاعر (أعشى همدان) : لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ... سعيدا فأمسى قد قلا كلّ مسلم «2» وقال الرّاغب: أصل الفتن إدخال الذّهب النّار لتظهر جودته من رداءته واستعمل في إدخال الإنسان النّار، والفتنة: العذاب كما في قوله تعالى: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ (الذاريات/ 14) ، وتارة يسمّون (بها) ما يحصل عنه العذاب نحو قوله تعالى: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا (التوبة/ 49) ، وتارة يستعملونها في الاختبار نحو: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً (طه/ 40) ، وجعلت الفتنة كالبلاء في أنّهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدّة ورخاء، وهما في الشّدّة أظهر معنى وأكثر استعمالا قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (الأنبياء/ 35) ، وقال في الشّدّة: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ (البقرة/ 102) ، وقول الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا (التوبة/ 49) المعنى: لا تبلني ولا تعذّبني وهم بقولهم هذا وقعوا في البليّة والعذاب، وقد سمّى الله- عزّ وجلّ- الأموال والأولاد فتنة في قوله عزّ من قائل: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ (التغابن/ 15) اعتبارا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، وذلك كقوله تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أي لا يختبرون فيميّز خبيثهم من طيّبهم «3» . وقال الفيروزآباديّ: والفتنة أيضا: إعجابك بالشّيء، والجمع فتن، قال الشّاعر: وفيك لنا فتن أربع ... تسلّ علينا سيوف الخوارج   (1) مقاييس اللغة (4/ 472) . (2) كتاب العين (8/ 128) . (3) المفردات للراغب (372) تحقيق: سيد كيلاني. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5178 لحاظ الظّباء وطوق الحمام ... ومشي القباج وزيّ التّدارج «1» ، «2» وقال الجوهريّ: يقال: افتتن الرّجل وفتن فهو مفتون، إذا أصابته فتنة فذهب ماله أو عقله، وكذلك إذا اختبر، والفتون أيضا: الافتتان، يقال: فتنته المرأة، إذا ولّهته، وافتتنته أيضا، والفاتن: المضلّ عن الحقّ، قال الفرّاء: أهل الحجاز يقولون: فاتنين (اسم فاعل من فتن) وبنو تميم يقولون: مفتنين (اسم فاعل من أفتن) «3» ، وأمّا قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (القلم/ 6) ، والمفتون معناه الفتنة وهو مصدر كالمعقول والمجلود والمحلوف «4» ، وفتّنته تفتينا فهو مفتنّ أي مفتون جدّا «5» . وقال ابن منظور: قال الأزهريّ وغيره: جماع معنى الفتنة: الابتلاء والامتحان والاختبار، وأصلها مأخوذ من قولك فتنت الفضّة والذّهب إذا أذبتهما بالنّار لتميّز الرّديء من الجيّد، وقال ابن الأعرابيّ: الفتنة: الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة: الكفر، والفتنة: اختلاف النّاس بالآراء، والفتنة: الإحراق بالنّار، وقيل (أيضا) الفتنة: الظّلم، وقولهم: فلان مفتون في طلب الدّنيا أي غلا في طلبها، وقيل (أيضا) الفتنة الخبرة وذلك كما في قول الله تعالى: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (الصافات/ 63) أي خبرة، ومعناه: أنّهم أفتنوا بشجرة الزّقّوم وكذّبوا بكونها، وذلك أنّهم لمّا سمعوا أنّها تخرج في أصل الجحيم، قالوا: الشّجر يحترق في النّار فكيف ينبت الشّجر في النّار؟ فصارت فتنة لهم، وقول الله عزّ وجلّ: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (يونس/ 85) .. المعنى لا تظهرهم علينا فيعجبوا ويظنّوا أنّهم خير منّا، فالفتنة هنا: إعجاب الكفّار بكفرهم «6» ، وقال القرطبيّ المعنى: لا تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدّين، أولا تمتحنّا بأن تعذّبنا على أيديهم «7» ، وفي حديث قيلة: «المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشّجر ويتعاونان على الفتّان» (بفتح الفاء وضمّها) ، الفتّان (بفتح الفاء) ، الشيطان الّذي يفتن النّاس بخداعه وغروره وتزيينه للمعاصي، فإذا نهى الإنسان أخاه عن ذلك (أي عن الفتنة) فقد أعانه على الشّيطان، وقيل: الفتّان: اللّصّ الّذي يعرض للرّفقة في طريقهم فينبغي لهم أن يتعاونوا عليه، وأمّا رواية الضّمّ (الفتّان) فهو جمع فاتن، والمعنى حينئذ، يعاون أحدهما الآخر على الّذين يضلّون   (1) القباج جمع قبجة وهو الحجلة (طائر في حجم الحمام) ، والتدارج جمع تدرج وهو طائر حسن الصورة طويل الذنب. (2) بصائر ذو التمييز (4/ 167، 168) . (3) أنكر الأصمعي صيغة أفعل من الفتنة، وقد أثبت ذلك الفراء زاعما أنها لهجة بني تميم، ومن ثم يتأوّل إنكار الأصمعي على أنه خاص بلهجة الحجاز، وإذا كانت الصيغتان ترجعان إلى لهجتين مختلفتين فإن معناهما يكون واحدا. (4) أي أن المعقول مصدر مثل الغفل والمجلود مصدر كالجلد والمحلوف مصدر كالحلف. (5) يشير الجوهري بذلك الى أن التفعيل هنا يفيد الكثرة والمبالغة، انظر الصحاح (6/ 2176) . (6) لسان العرب «فتن» (3344) ط، دار المعارف. (7) تفسير القرطبي (8/ 236) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5179 النّاس عن الحقّ ويفتنونهم، وفتّان من صيغ المبالغة «1» ، وقال ابن الأثير: المراد بالفتّان شياطين الإنس والجنّ الّذين يظلمون النّاس ويفتنونهم ويضلّونهم عن الحقّ، أمّا التّعاون على الشيطان فالمراد به ترك أتباعه والافتتان بخدعه «2» ، وقال ابن منظور: والفتنة تأتي بمعنى الإثم، وعلى ذلك قول الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي (التوبة 49) أي لا تؤثمني بأمرك إيّاي بالخروج، وذلك غير متيسّر لي فآثم، وقال الزّجّاج: إنّ المنافقين هزئوا بالمسلمين في غزوة تبوك، فقالوا: يريدون بنات بني الأصفر، فقال (قائلهم) ، لا تفتنّي ببنات الأصفر (أي الرّوميّات) فأعلم الله سبحانه أنّهم سقطوا في الفتنة أي الإثم، ويقال: فتن الرّجل الرّجل: أي أزالة عمّا كان عليه، ومن ذلك قوله سبحانه: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ (الإسراء/ 73) أي يميلونك ويزيلونك، أمّا قولهم: فتنت فلانة فلانا فالمعنى أمالته عن القصد، والفتنة (أيضا) الفضيحة، ومن ذلك قوله تعالى وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ (المائدة/ 41) قيل معناه: فضيحته وقيل: كفره، وقال بعضهم: يجوز أن يكون المراد اختباره بما يظهر به أمره، والفتنة ما يقع بين النّاس من القتال، وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّي أرى الفتن خلال بيوتكم» «3» ، فإنّ المراد القتل والحروب والاختلاف الّذي يكون بين فرق المسلمين إذا تحزّبوا، ويكون ما يبلون به من زينة الدّنيا وشهواتها فيفتنون بذلك عن الآخرة والعمل لها. وإذا أضيف لفظ الفتنة فإنّ معناه يختلف باختلاف ما يضمّ إليه، ففتنة الصّدر: الوسواس، وفتنة المحيا: العدول عن الطّريق، وفتنة الممات: سؤال القبر وفتّانا القبر منكر ونكير «4» . وقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم «المؤمن خلق مفتّنا» المعنى ممتحنا يمتحنه الله بالذّنب، ثمّ يتوب، ثمّ يعود، ثمّ يتوب، وقال ابن الأثير: كثر استعمال الفتنة فيما أخرجه الاختبار للمكروه، ثمّ كثر (هذا الاستعمال) حتّى استعمل بمعنى الإثم، والكفر، والقتال والإحراق، والإزالة، والصّرف عن الشّيء، وفي حديث عمر رضي الله عنه- أنّه سمع رجلا يتعوّذ من الفتن، فقال: أتسأل ربّك أن لا يرزقك أهلا ولا مالا» تأوّل قول الله تعالى نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ (التغابن/ 15) ولم يرد فتن القتال والاختلاف «5» . الفتنة اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الفتنة: هي ما يبيّن به حال الإنسان من الخير والشّرّ «6» . وقال المناويّ: الفتنة: البليّة وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة «7» . وقال ابن حجر: الفتنة: ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم المحقّ من المبطل «8» .   (1) لسان العرب «فتن» (3344) ط. دار المعارف. (2) منال الطالب، شرح طوال الغرائب (99) . (3) انظر الحديث في مسلم 4 (2885) . (4) لسان العرب «فتن» (3346) . (5) النهاية لابن الأثير (3/ 411) . (6) التعريفات (171) ، وانظر أيضا المفردات للراغب ص (371) . (7) التوقيف على مهمات التعريف (257) . (8) فتح الباري (13/ 34) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5180 الفرق بين الفتنة والابتلاء والاختبار: قال أبو هلال: الفرق بين الفتنة والاختبار: هو أنّ الفتنة أشدّ الاختبار وأبلغه وأصله عرض الذّهب على النّار لتبيّن صلاحه من فساده ومنه قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (الذاريات/ 13) ويكون في الخير والشّرّ ألا تسمع قوله تعالى: َّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ (التغابن/ 15) وقال تعالى: لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ (الجن/ 16- 17) فجعل النّعمة فتنة لأنّه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذّهب إذا أريد المبالغة في تعرّف حاله أدخل النّار، والله تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير والشّرّ وإنّما المراد بذلك شدّة التّكليف. أمّا الفرق بين الاختبار والابتلاء: فهو أنّ الابتلاء لا يكون إلّا بتحميل المكاره والمشاقّ. والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب ألا ترى أنّه يقال اختبره بالإنعام عليه ولا تقول ابتلاه بذلك ولا هو مبتلى بالنّعمة كما قد يقال إنّه مختبر بها ويجوز أن يقال: إنّ الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطّاعة والمعصية، والاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك، والخبر العلم الّذي يقع بكنه الشّيء وحقيقته فالفرق بينهما بيّن «1» . الفتنة تكون من الله ومن الإنسان: قال الرّاغب: الفتنة من الأفعال الّتي تكون من الله تعالى ومن العبد كالبليّة والمصيبة والقتل والعذاب، وغير ذلك من الأفعال الكريهة ومتى كان ذلك من الله يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله يكون بضدّ ذلك، ولهذا يذمّ الله الإنسان بأنواع الفتنة في كلّ مكان كما في قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ 191) ، وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (البروج/ 10) ، وقوله تعالى: ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (الصافات/ 162) أي بمصلّين «2» . لفظ الفتنة في القرآن الكريم: قال يحيى بن سلّام: تفسير الفتنة في القرآن الكريم على أحد عشر وجها: الأوّل: الفتنة تعني الشّرك، كما في قوله تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (البقرة/ 193) . الثّاني: الفتنة تعني الكفر كما في قوله تعالى: ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ (آل عمران/ 7) . الثّالث: الفتنة بمعنى الابتلاء كما في قوله تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (العنكبوت/ 1- 2) . الرّابع: الفتنة بمعنى العذاب في الدّنيا وذلك في قوله تعالى: فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ (العنكبوت/ 10) . الخامس: الفتنة تعني الحرق بالنّار وذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (البروج/ 10) .   (1) الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري (210، 211) . (2) المفردات (372) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5181 السّادس: الفتنة بمعنى القتل كما في قوله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ (النساء/ 101) . السّابع: الفتنة بمعنى الصّدود كما في قوله تعالى: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ (المائدة/ 49) . الثّامن: الفتنة بمعنى الضّلالة كما في قوله تعالى: فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ* ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (الصافات/ 161- 162) . التّاسع: الفتنة بمعنى المعذرة كما في قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (الأنعام/ 23) . العاشر: الفتنة بمعنى التّسليط كما في قوله تعالى: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا (يونس/ 85) . الحادي عشر: الفتنة بمعنى المفتون المجنون كما في قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (القلم/ 6) . وزاد الفيروزاباديّ: «1» . الثّاني عشر: بمعنى الإثم كما في قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ (النور/ 63) . وزاد الكفويّ المعاني الآتية: الثّالث عشر: الفتنة: المرض كما في قوله تعالى: يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ (التوبة/ 126) . الرّابع عشر: الفتنة: القضاء، وذلك كما في قوله تعالى إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ (الأعراف/ 55) . الخامس عشر: الفتنة: العفو كما في قوله تعالى: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (النور/ 63) . السّادس عشر: الفتنة: النّفي عن البلد، وذلك كما يحتمله قول الله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ 191) «2» . أنواع الفتن وعلاج كل نوع: قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: 1- الفتنة نوعان: فتنة الشّبهات. وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشّهوات. وقد يجتمعان للعبد. وقد ينفرد بإحداهما. ففتنة الشّبهات من ضعف البصيرة، وقلّة العلم، ولا سيّما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيّء القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى مع ضعف بصيرته، وقلّة علمه بما بعث الله به رسوله، فهو من الّذين قال الله تعالى فيهم إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ (النجم/ 23) . 2- هذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنّفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم. فجميعهم إنّما ابتدعوا من فتنة الشّبهات الّتي اشتبه عليهم فيها الحقّ بالباطل، والهدى بالضّلال.   (1) بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي (4/ 167) . (2) الكليات للكفوي (692) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5182 3- وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حقّ ثابت خفيّ على الرّجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد وهوى متّبع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة. 4- لا ينجّى من هذه الفتنة إلّا تجريد اتّباع الرّسول، وتحكيمه في دقّ الدّين وجلّه ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه فيتلّقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام. أمّا النّوع الثّاني من الفتنة ففتنة الشّهوات. وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ (التوبة/ 69) . أي تمتّعوا بنصيبهم من الدّنيا وشهواتها، والخلاق هو النّصيب المقدّر ثمّ قال وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا (التوبة/ 69) فهذا الخوض بالباطل، وهو الشّبهات. فأشار- سبحانه- في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأنّ فساد الدّين إمّا أن يكون باعتقاد الباطل والتّكلّم به أو بالعمل بخلاف العلم الصّحيح. فالأوّل: هو البدع وما والاها، والثّاني: فسق العمل. فالأوّل: فساد من جهة الشّبهات والثّاني: من جهة الشّهوات ولهذا كان السّلف يقولون «احذروا من النّاس صنفين: صاحب هوى قد فتنة هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه» . وكانوا يقولون «احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإنّ فتنتهما فتنة لكلّ مفتون» . وأصل كلّ فتنة إنّما هو من تقديم الرّأي على الشّرع، والهوى على العقل. فالأوّل: أصل فتنة الشّبهة، والثّاني: أصل فتنة الشّهوة ففتنة الشّبهات تدفع باليقين، وفتنة الشّهوات تدفع بالصّبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدّين منوطة بهذين الأمرين، فقال: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) فدلّ على أنّه بالصّبر واليقين تنال الإمامة في الدّين. وبكمال العقل والصّبر تدفع فتنة الشّهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشّبهة والله المستعان «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الضلال- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الغي والإغواء- انتهاك الحرمات- الكذب- الافتراء- الإفك- التبرج. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الهدى- الإرشاد- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإصلاح- الأمانة- تعظيم الحرمات- الحجاب- الاستقامة] .   (1) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 160- 162) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5183 الآيات الواردة في «الفتنة» أولا: الفتنة بمعنى الابتلاء والاختبار: 1- وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) «1» 2- لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71) «2» 3- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) «4» 5- وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (60) «5» 6- إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) «6» 7- قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً   (1) البقرة: 102 مدنية (2) المائدة: 70- 71 مدنية (3) الأنعام: 52- 53 مكية (4) الأنفال: 27- 28 مدنية (5) الإسراء: 60 مكية (6) طه: 40- 41 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5184 أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) «1» 8- وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) «2» 9- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) «3» 10- إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112) «4» 11- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) «5» 12- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) «6» 13- الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) «7» 14- فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) «8»   (1) طه: 85- 90 مكية (2) طه: 131 مكية (3) الأنبياء: 35 مكية (4) الأنبياء: 110- 112 مكية (5) الحج: 52- 53 مدنية (6) الفرقان: 20 مكية (7) العنكبوت: 1- 3 مكية (8) الزمر: 49- 50 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5185 15- * وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) «1» 16- إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) «2» 17- إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «3» 18- وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) «4» ثانيا: الفتنة بمعنى العذاب أو القتل: 19- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) «5» 20- فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) «6» 21- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «7» 22- قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) «8» 23- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) «9» 24- أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) «10» 25- يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) «11» 26- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) «12»   (1) الدخان: 17- 18 مكية (2) القمر: 27 مكية (3) التغابن: 15- 16 مدنية (4) الجن: 16- 17 مكية (5) النساء: 101 مدنية (6) يونس: 83 مكية (7) النحل: 110 مكية (8) النمل: 46- 47 مكية (9) العنكبوت: 10 مكية (10) الصافات: 62- 63 مكية (11) الذاريات: 13- 14 مكية (12) البروج: 10 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5186 ثالثا: الفتنة بمعنى الشرك أو الكفر: 27- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) «1» 28- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) «2» 29- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «3» 30- سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91) «4» 31- وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) «5» 32- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) «6» 33- وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً (14) «7»   (1) البقرة: 191- 193 مدنية (2) البقرة: 217 مدنية (3) آل عمران: 7 مدنية (4) النساء: 91 مدنية (5) الأنفال: 39 مدنية (6) التوبة: 47- 49 مدنية (7) الأحزاب: 14 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5187 34- يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) «1» رابعا: الفتنة بمعنى الضلال: 35- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) «2» 36- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «3» 37- فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (161) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163) «4» 38- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «5» خامسا: الفتنة بمعنى الإثم: 39- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) «6» 40- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «7» سادسا: الفتنة بمعنى العبرة: 41- فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) «8»   (1) الحديد: 14 مدنية (2) المائدة: 41 مدنية (3) الأنفال: 24- 25 مدنية (4) الصافات: 161- 163 مكية (5) المدثر: 31 مكية (6) التوبة: 49 مدنية (7) النور: 63 مدنية (8) يونس: 85 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5188 42- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «1» سابعا: الفتنة بمعنى الصد عن الصراط المستقيم (أو الوقوع في البلية) : 43- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (4) «2» 44- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) «3» ثامنا: الفتنة بمعنى العقوبة والابتلاء: 45- قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «4» 46- وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) «5» تاسعا: الفتنة بمعنى القضاء: 47- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «6» عاشرا: الفتنة بمعنى المعذرة: 48- ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) «7» حادي عشر: الفتنة بمعنى الشر: 49- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) «8» ثاني عشر: الفتنة بمعنى المحنة بالحرب أو الابتلاء بالمرض: 50- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) «9» 51- أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) «10»   (1) الممتحنة: 5 مدنية (2) المائدة: 49 مدنية (3) الإسراء: 73 مكية (4) ص: 24 مكية (5) ص: 34 مكية (6) الأعراف: 155 مكية (7) الأنعام: 23 مكية (8) الحج: 11 مدنية (9) الأنفال: 73 مدنية (10) التوبة: 126 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5189 ثالث عشر: الفتنة بمعنى الاستهواء والغلبة: 52- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) «1» رابع عشر: الفتنة بمعنى الجنون والغفلة: 53- بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) «2» الآيات الواردة في «الفتنة» معنى 54- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) «3» 55- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) «4» 56- فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) «5» 57- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (122) «6» 58- وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) «7» 59- وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) «8»   (1) الأعراف: 27 مكية (2) القلم: 6 مكية (3) البقرة: 212 مدنية (4) آل عمران: 14 مدنية (5) الأنعام: 43 مكية (6) الأنعام: 122 مكية (7) الأنعام: 137 مكية (8) الأنفال: 48 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5190 60- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «1» 61- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) «2» 62- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) «3» 63- أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «4» 64- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) «5» 65- تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «6» 66- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «7» 67- الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) «8» 68- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) «9» 69- وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) «10» 70- وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (60) «11» 71- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) «12»   (1) التوبة: 37 مدنية (2) يونس: 12 مكية (3) هود: 15 مكية (4) الرعد: 33 مدنية (5) الحجر: 39 مكية (6) النحل: 63 مكية (7) الكهف: 28 مكية (8) الكهف: 46 مكية (9) النمل: 4 مكية (10) النمل: 24 مكية (11) القصص: 60 مكية (12) القصص: 79 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5191 72- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) «1» 73- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) «2» 74- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) «3» 75- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ (37) «4» 76- وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) «5» 77- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) «6» 78- بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «7» 79- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «8»   (1) العنكبوت: 38 مكية (2) الأحزاب: 28 مدنية (3) فاطر: 8 مكية (4) غافر: 36- 37 مكية (5) فصلت: 25 مكية (6) محمد: 14 مدنية (7) الفتح: 12 مدنية (8) الحديد: 20 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5192 الأحاديث الواردة في ذمّ (الفتنة) 1- * (قال حذيفة- رضي الله عنه-: كنّا جلوسا عند عمر- رضي الله عنه- فقال أيّكم يحفظ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قلت: أنا كما قاله، قال: إنّك عليه- أو عليها- لجريء. قلت: فتنة الرّجل في أهله وماله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّوم والصّدقة والأمر والنّهي. قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة الّتي تموج كما يموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إنّ بينك وبينها بابا مغلقا. قال: أيكسر أم يفتح؟ قال: يكسر. قال: إذن لا يغلق أبدا. قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم. كما أنّ دون الغد اللّيلة. إنّي حدّثته بحديث ليس بالأغاليط. فهبنا أن نسأل حذيفة. فأمرنا مسروقا فسأله. فقال: الباب عمر) * «1» . 2- * (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- قال: لقد حذّرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنة لم نر أنّا نخلق لها، ثمّ قرأ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فقرأناها زمانا فإذا نحن المعنيّون بها) * «2» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- وكان تبع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وخدمه وصحبه- أنّ أبا بكر كان يصلّي لهم في وجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي توفّي فيه، حتّى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصّلاة، فكشف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم، كأنّ وجهه ورقة مصحف، ثمّ تبسّم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصّفّ، وظنّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خارج إلى الصّلاة، فأشار إلينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن أتمّوا صلاتكم، وأرخى السّتر فتوفّي من يومه) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من السّاعي. من تشرّف لها تستشرفه. فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به» ) * «4» .   (1) البخاري (525) ، (1435) ، ومسلم (2218) . (2) أحمد (1/ 165) ، وقال شاكر (3/ 23) : إسناده صحيح، ورواه البزار كما في كشف الأستار (4/ 91) ، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 27) : رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح. (3) البخاري- الفتح 2 (680) . (4) البخاري- الفتح 13 (7081) واللفظ له، ومسلم (2886) ، وأحمد في المسند (2/ 282) ، (1/ 169) من حديث سعد بن أبي وقاص، (4/ 110) من حديث خرشة- رضي الله عنه-. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5193 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مستقبل المشرق يقول: «ألا إنّ الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشّيطان» ) * «1» . 6- * (عن البراء- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى التّراب بياض بطنه- وهو يقول: «لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزل السّكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا» ) * «2» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج» قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ فقال: «هكذا» بيده فحرّفها، كأنّه يريد القتل) * «3» . 8- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: سألوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أحفوه بالمسألة، فصعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم المنبر فقال: «لا تسألوني عن شيء إلّا بيّنت لكم» ، فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كلّ رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال: يا نبيّ الله، من أبي؟ فقال: «أبوك حذافة» . ثمّ أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا، وبمحمّد رسولا. نعوذ بالله من سوء الفتن، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت في الخير والشّرّ كاليوم قطّ، إنّه صوّرت لي الجنّة والنّار حتّى رأيتهما دون الحائط» وقال قتادة: قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (المائدة/ 101)) * «4» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف «5» الجبال ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن» ) * «6» . 10- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ما صلّيت وراء إمام قطّ أخفّ صلاة ولا أتمّ من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإن كان ليسمع بكاء الصّبيّ فيخفّف مخافة أن تفتن أمّه) * «7» . 11- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّه قال ذات يوم: إنّكم لتجاوزوني إلى رجال،   (1) البخاري- الفتح 13 (7093) ، ومسلم (2905) متفق عليه. (2) البخاري- الفتح 6 (2837) واللفظ له، ومسلم (1803) . (3) البخاري- الفتح 1 (85) واللفظ له، مسلم 4 (157) . (4) البخاري- الفتح 13 (7089) . (5) شعف الجبال: رؤوس الجبال والمراعي. (6) البخاري- الفتح 13 (7088) واللفظ له والنسائي 8 (5036) وأبو داود 4 (4267) . (7) البخاري- الفتح 2 (708) واللفظ له، والترمذي (376) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5194 ما كانوا بأحضر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أعلم بحديثه منّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام السّاعة خلق أكبر من الدّجّال» ) * «1» . 12- * (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك- وهو في قبّة من أدم- فقال: «اعدد ستّا بين يدي السّاعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان يأخذ فيكم كعقاص «2» الغنم، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «3» . 13- * (عن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اثنان يكرههما ابن آدم، يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلّة المال، وقلّة المال أقلّ للحساب» ) * «4» . 14- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي، قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك،   (1) مسلم (2946) ، والحديث رواه أبو عمر والبراني في كتاب السنن الواردة في الفتن وغوائلها بلفظ: «ما بين خلق آدم إلى قيام السّاعة فتنة أكبر من الدّجّال، قد أكل الطّعام، ومشى في الأسواق» (1/ 226) / 25. (2) كعقاص الغنم: هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. كذا قاله ابن حجر بتقديم العين مضمومة علي القاف، قال المحقق: والذي في نسخ البخاري بتقديم القاف علي العين. انظر هامش 1 من فتح الباري (6/ 321) . (3) البخاري- الفتح 6 (3176) . (4) أحمد (5/ 427- 428) ، والبغوي في شرح السنة (14/ 267) / 4066، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 151) ، وأورده الألباني في الصحيحة (2/ 471) / 813، وقال: إسناده جيد، ورجاله ثقات رجال الشيخين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5195 ولا يستعلن به. فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر. فطفق أبو بكر يعبد ربّه في داره، ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف «1» عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة، فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا أبابكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك «2» ، ولسنا مقرّين الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبابكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا أن تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بمكّة- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين «3» ، وهما الحرّتان» ، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهّز أبوبكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» ، قال أبو بكر: هل ترجو ذلك- بأبي أنت-، قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر) * «4» . 15- * (عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى في خميصة «5» لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلمّا انصرف قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيّة «6» أبي جهم، فإنّها ألهتني آنفا عن صلاتي» وعن عائشة: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصّلاة فأخاف أن تفتنني» ) * «7» . 16- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال:   (1) فيتقصف عليه النساء: أي يزدحمن. (2) نخفرك: أن نغدر بك. (3) لابتين: اللابة الحرة ذات الحجارة السود. (4) البخاري- الفتح 4 (2297) . (5) خميصة: كساء مربع له علمان. (6) أنبجانية: كساء غليظ لا علم له. (7) البخاري- الفتح 1 (373) واللفظ له، والموطأ (1/ 97) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5196 سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لم يبق من الدّنيا إلّا بلاء وفتنة فأعدّوا للبلاء صبرا) * «1» . 17- * (عن نافع «أنّ رجلا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرّحمن ما حملك على أن تحجّ عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ وقد علمت ما رغّب الله فيه؟ قال: يا بن أخي، بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصّلوات الخمس، وصيام رمضان وأداء الزّكاة وحجّ البيت. قال: يا أبا عبد الرّحمن. ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ، وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ* قال: فعلنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان الإسلام قليلا فكان الرّجل يفتن في دينه: إمّا قتلوه، وإمّا يعذّبونه حتّى كثر الإسلام فلم تكن فتنة) * «2» . 18- * (قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما-: والله إنّي لأعلم النّاس بكلّ فتنة هي كائنة فيما بيني وبين السّاعة. وما بي إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسرّ إليّ في ذلك شيئا، لم يحدّثه غيري، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يحدّث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يعدّ الفتن: «منهنّ ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهنّ فتن كرياح الصّيف، منها صغار ومنها كبار» ) * «3» . 19- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب، ووعد فأخلف» ) * «4» . 20- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّها ستكون فتن: ألا ثمّ تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها. والماشي فيها خير من السّاعي إليها. ألا. فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله. ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه. ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه» قال:   (1) ابن ماجه (4035) ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات (2/ 305) / 1422، وأحمد (4/ 94) ، والطبراني في الكبير (19/ 368) ، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 443) : حديث صالح الإسناد. (2) البخاري- الفتح 8 (4514) . (3) البخاري- الفتح 11 (6604) ، ومسلم (2891) واللفظ له، أبو داود 4 (4240) . (4) البخاري- الفتح 2 (832) واللفظ له، ومسلم (589) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5197 فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: «يعمد إلى سيفه فيدقّ على حدّه بحجر «1» ثمّ لينج إن استطاع النّجاء. اللهمّ هل بلّغت؟ اللهمّ هل بلغت اللهمّ هل بلّغت» قال: فقال رجل: يا رسول الله: أرأيت إن أكرهت حتّى ينطلق بي إلى أحد الصّفّين، أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهم فيقتلني، قال «يبوء بإثمه «2» وإثمك- ويكون من أصحاب النّار» ) * «3» . 21- * (عن المستورد- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس» فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لئن قلت ذلك: إنّ فيهم لخصالا أربعا: إنّهم لأحلم النّاس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك) * «4» . 22- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون. فاتّقوا الدّنيا، واتّقوا النّساء. فإنّ أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النّساء» ) * «5» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا تشهّد أحدكم فليستعذ بالله من أربع- يقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب جهنّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرّ فتنة المسيح الدّجّال» ) * «6» . 24- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلّا الله وحده لا شريك له،. اللهمّ إنّي أسألك من خير هذه اللّيلة وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر، وفتنة الدّنيا وعذاب القبر» ) * «7» . 25- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-   (1) فيدق على حدّه بحجر: المراد كسر السيف حقيقة على ظاهر الحديث ليسد على نفسه باب هذا القتال وقيل: هو مجاهد والمراد ترك القتال والأول أصح. (2) يبوء بإثمه: أي يبوء الذي أكرهك بإثمه في اكراهك وفي دخوله في الفتنة. (3) مسلم (2887) واللفظ له وأبو داود 4 (4256) . (4) مسلم (2898) . (5) مسلم (2742) واللفظ له، الترمذي (2191) ، وابن ماجة 2 (4000) . (6) البخاري- الفتح- 13 (7129) ، ومسلم (588) . واللفظ له، وأبو داود (983) والنسائي (3/ 58) وابن ماجة (909) . (7) البخاري- الفتح 11 (6365، 6370، 6374، 6390) ، ومسلم (2723) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5198 أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يعلّمهم هذا الدّعاء كما يعلّمهم السّورة من القرآن. يقول «قولوا: اللهمّ إنّا نعوذ بك من عذاب جهنّم، ونعوذ بك من عذاب القبر ونعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات» ) * «1» . 26- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: كان معاذ يصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يأتي فيؤمّ قومه. فصلّى ليلة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم العشاء. ثمّ أتى قومه فأمّهم. فافتتح بسورة البقرة. فانحرف رجل. فسلّم. ثمّ صلّى وحده وانصرف. فقالوا له: أنافقت يا فلان؟! قال: لا والله! لآتينّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلأخبرنّه. فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّا أصحاب نواضح. نعمل بالنّهار. وإنّ معاذا صلّى معك العشاء، ثمّ أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على معاذ فقال «يا معاذ أفتّان أنت؟! اقرأ بكذا واقرأ بكذا» ) * «2» . 27- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع اللّيل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا» ) * «3» . 28- * (عن أسامة (بن زيد) - رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشرف «4» على أطم «5» من آطام المدينة، ثمّ قال: «هل ترون ما أرى؟ إنّي لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر» ) * «6» . 29- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تركت بعدي فتنة هي أضرّ على الرّجال من النّساء» ) * «7» . 30- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثمّ يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثمّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتّى فرّقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت» ) * «8» .   (1) مسلم 2 (590) واللفظ له، وأبو داود 2 (1542) ، والترمذي 5 (3494) والنسائي (4/ 104) . (2) مسلم (465) واللفظ له وأبو داود 1 (600) ، البخاري- الفتح (701) ، (705) . (3) مسلم (118) واللفظ له، الترمذي 4 (2195) . (4) أشرف: أي نظر من مكان مرتفع. (5) الأطم: هي الحصون المبنية بالحجارة. (6) البخاري- الفتح 4 (1878) ، ومسلم (2885) ، واللفظ له. (7) البخاري- الفتح 9 (5096) ، ومسلم 4 (2740) واللفظ له، والترمذي 5 (2780) ، وابن ماجة 2 (3998) . (8) مسلم (2813) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5199 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: كان جريج يتعبّد في صومعته. فجاءت أمّه. قال حميد «1» : فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرة لصفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّه حين دعته. كيف جعلت كفّها فوق حاجبها، ثمّ رفعت رأسها إليه تدعوه. فقالت يا جريج، أنا أمّك، كلّمني فصادفته يصلّي. فقال اللهمّ أمّي وصلاتي، فاختار صلاته، فرجعت ثمّ عادت في الثّانية، فقالت يا جريج أنا أمّك، فكلّمني. قال: اللهمّ أمّي وصلاتي، فاختار صلاته فقالت اللهمّ إنّ هذا جريج وهو ابني وإنّي كلّمته فأبى أن يكلّمني. اللهمّ فلا تمته حتّى تريه المومسات، قال: لو دعت عليه أن يفتن لفتن قال: وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره قال فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الرّاعي. فحملت فولدت غلاما. فقيل لها: ما هذا؟ قالت: من صاحب هذا الدّير قال فجاءوا بفؤوسهم ومساحيهم. فنادوه فصادفوه يصلّي فلم يكلّمهم قال: فأخذوا يهدمون ديره. فلمّا رأى ذلك نزل إليهم. فقالوا له: سل هذه. قال فتبسّم ثمّ مسح رأس الصّبيّ فقال: من أبوك؟ قال: أبي راعي الضّأن فلمّا سمعوا ذلك منه قالوا. نبني ما هدمنا من ديرك بالذّهب والفضّة. قال: لا. ولكن أعيدوه ترابا كما كان ثمّ علاه) * «2» . 32- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: كنّا عند عمر. فقال: أيّكم سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلّكم تعنون فتنة الرّجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل قال: تلك تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة. ولكن أيّكم سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يذكر الفتن الّتي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت «3» القوم. فقلت: أنا قال أنت. لله أبوك «4» قال حذيفة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا «5» عودا فأيّ قلب أشربها «6» نكت «7» فيه نكتة سوداء. وأيّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء- حتّى تصير على قلبين على أبيض مثل الصّفا فلا تضرّه فتنة ما دامت السّماوات والأرض والآخر أسود مربادّا «8» كالكوز   (1) حميد هو ابن هلال بن أبي رافع أحد رواة هذا الحديث. (2) البخاري- الفتح 5 (2482) ، ومسلم (2550) واللفظ له. (3) أسكت: سكت وأسكت لغتان بمعنى صمت أو سكت بمعنى صمت وأسكت بمعنى أطرق. (4) لله أبوك: كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها. (5) كالحصير عودا عودا: أي أنها تلصق بعرض القلوب كما يلصق الحصر بجنب النائم ويؤثر فيه شدة التصاقها به وعودا عودا أي تكرر شيئا بعد شيء. (6) أشربها: أي دخلت فيه دخولا تاما وحلت منه محل الشراب. (7) نكت: كل نقطة في شيء بخلاف لونه فهو نكت. (8) أسود مرباد: أي شديد البياض في سواد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5200 مجخّيا «1» لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلّا ما أشرب من هواه» ) * «2» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى ينزل الرّوم بالأعماق، أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافّوا قالت الرّوم: خلّوا بيننا وبين الّذين سبوا منّا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله! لا نخلّي بينكم وبين إخواننا. فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم، أفضل الشّهداء عند الله، ويفتتح الثّلث، لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينيّة، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علّقوا سيوفهم بالزّيتون، إذ صاح فيهم الشّيطان: إنّ المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل. فإذا جاءوا الشّأم خرج. فبينما هم يعدّون للقتال، يسوّون الصّفوف، إذ أقيمت الصّلاة فينزل عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم. فأمّهم. فإذا رآه عدوّ الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء. فلو تركه لانذاب حتّى يهلك. ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته» ) * «3» . 34- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجّار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه. وإذا أقبر ستّة أو خمسة أو أربعة (قال: كذا كان يقول الجريريّ) فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل: أنا. قال «فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك. فقال «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها. فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه» ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال «تعوّذوا بالله من عذاب القبر» قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال «تعوّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن» قالوا: نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. قال «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «4» . 35- * (عن عليّ بن حسين أنّ المسور بن مخرمة أخبره، أنّ عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- خطب بنت أبي جهل. وعنده فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا سمعت بذلك فاطمة أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت له: إنّ قومك يتحدّثون أنّك لا تغضب لبناتك. وهذا عليّ ناكحا ابنة أبي جهل قال المسور: فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم   (1) مجخيا: أي منكوسا. (2) مسلم (144) . (3) مسلم (2897) . (4) مسلم (2867) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5201 فسمعته حين تشهّد. ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّي أنكحت أبا العاص بن الرّبيع. فحدّثني فصدّقني وإنّ فاطمة بنت محمّد مضغة منّي وإنّما أكره أن يفتنوها وإنّها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد أبدا» قال: فترك عليّ الخطبة) * «1» . 36- * (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة، قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل، ومنّا من هو في جشره «2» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقّق «3» بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثمّ تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه، فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله! آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً «النساء/ 29» . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله) * «4» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج في آخر الزّمان رجال يختلون الدّنيا بالدّين يلبسون للّناس جلود الضّأن من اللّين ألسنتهم أحلى من السّكّر وقلوبهم قلوب الذّئاب يقول الله- عزّ وجلّ-: أبي يغترّون أم عليّ يجترئون؟ فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانا» ) *.   (1) البخاري- الفتح 9 (5230) ، ومسلم (2449) واللفظ له، والترمذي 5 (3867) ، وابن ماجة 1 (1998) . (2) جشره: هي الدواب التي ترعى وتبيت في مكانها. (3) فيرقق: أي يخفف لعظم ما بعده. (4) مسلم (1844) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5202 وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله تعالى قال: لقد خلقت خلقا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصّبر، فبي حلفت لأتيحنّهم فتنة تدع الحليم منهم حيران، فبي يغترّون أم عليّ يجترئون) * «1» . 38- * (عن كعب بن عياض قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ لكلّ أمّة فتنة وفتنة أمّتي المال) * «2» . 39- * (عن ابن عبّاس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من سكن البادية جفا ومن اتّبع الصّيد غفل. ومن أتى أبواب السّلطان افتتن) * «3» . 40- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنة، فقال: يقتل فيها هذا مظلوما لعثمان) * «4» . 41- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني اللّيلة ربّي- تبارك وتعالى- في أحسن صورة. قال أحسبه في المنام فقال: يا محمّد. هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا. قال: فوضع يده بين كتفيّ حتّى وجدت بردها بين ثدييّ- أو قال في نحري- فعلمت ما في السّموات وما في الأرض. قال: يا محمّد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم. قال: في الكفّارات، والكفّارات المكث في المساجد بعد الصّلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمّه. وقال: يا محمّد إذا صلّيت فقل: اللهمّ إنّي أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحبّ المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. قال: والدّرجات إفشاء السّلام وإطعام الطّعام. والصّلاة باللّيل والنّاس نيام» ) * «5» . 42- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:   (1) أخرجهما الترمذي (2404، 2405) ثم قال: حديث حسن غريب من حديث ابن عمر لا نعرفه إلّا من هذا الوجه. وفي سند حديث أبي هريرة: يحيى بن عبيد الله ابن عبد الله ابن موهب وهو متروك (التقريب (594) ، ومن ثم أتبعه الترمذي بقوله: وفي الباب عن ابن عمر- وفي سنده أيضا حمزة بن أبي محمد المدني وهو ضعيف (التهذيب (3/ 33) ولهذا حسنه. (2) سنن الترمذي 4 (2336) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وصححه ووافقه الذهبي وحسّن إسناده محقق جامع الأصول (1/ 610) . (3) سنن الترمذي 4 (2256) ، ورواه أحمد وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني (6172) . (4) سنن الترمذي 5 (3708) ، وحسن إسناده محقق جامع الأصول (8/ 645) . (5) سنن الترمذي 5 (3234) واللفظ له، وقال: حسن غريب ثم روى بعده من حديث معاذ وقال: حسن صحيح وسياقه أطول، والموطأ (1/ 218) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5203 ما من أحد من النّاس تدركه الفتنة إلّا أنا أخافها عليه، إلّا محمّد بن مسلمة، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «لا تضرّك الفتنة» ) * «1» . 43- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف عصم من فتنة الدّجّال» ) * «2» . 44- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: بينما نحن حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ ذكر الفتنة فقال: «إذا رأيتم النّاس قد مرجت عهودهم وخفّت أماناتهم وكانوا هكذا» وشبّك بين أصابعه قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال «الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصّة نفسك ودع عنك أمر العامّة» ) * «3» . 45- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير شرّ؟ قال «فتنة وشرّ» قال: قلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الشّرّ خير؟ قال «يا حذيفة، تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه» ثلاث مرّات قال: قلت: يا رسول الله هل بعد هذا الشّرّ خير؟ قال «هدنة «4» على دخن، وجماعة على أقذاء، فيها أو فيهم» قلت يا رسول الله الهدنة على الدّخن ما هي؟ قال «لا ترجع قلوب أقوام على الّذي كانت عليه» قلت يا رسول الله أبعد هذا الخير شرّ؟ قال «فتنة عمياء صمّاء عليها دعاة على أبواب النّار فإن تمت يا حذيفة وأنت عاضّ على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم» ) * «5» . 46- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنّا قعودا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتّى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال هي هرب وحرب، ثمّ فتنة السّرّاء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنّه منّي وليس منّي وإنّما أوليائي المتّقون ثمّ يصطلح النّاس على رجل كورك على ضلع ثمّ فتنة الدّهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمّة إلّا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرّجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، حتّى يصير النّاس إلى فسطاطين   (1) أبو داود 4 (4663) ، وصحح إسناده محقق جامع الأصول (10/ 17) . (2) رواه مسلم (5455) ، وأبو داود 4 (4323) ، والحاكم في المستدرك (2/ 368) وصححه ووافقه الذهبي. (3) أبو داود 4 (4343) . (4) الهدنة: الصلح والموادعة بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربين. (5) أبو داود 4 (4246) ، والحديث في الصحيحين البخاري (7084) ، ومسلم (1847) واللفظ لأبي داود. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5204 فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم فانتظروا الدّجّال من يومه أو (من) غده» ) * «1» . 47- * (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: آيم الله لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواها» ) * «2» . 48- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ستكون فتنة صمّاء بكماء عمياء، من أشرف لها استشرفت له، وإشراف اللّسان فيها كوقوع السّيف» ) * «3» . 49- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أمّتي هذه أمّة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدّنيا: الفتن والزّلازل والقتل» ) * «4» . 50- * (عن راشد بن سعد، عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّ رجلا قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلّا الشّهيد، قال «كفى ببارقة السّيوف على رأسه فتنة» ) * «5» . 51- * (عن قيس بن عباد- رضي الله عنه- قال: صلّى عمّار بن ياسر بالقوم صلاة فأخفّها فكأنّهم أنكروها فقال: ألم أتمّ الرّكوع والسّجود قالوا: بلى قال: أما إنّي دعوت فيها بدعاء كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو به «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وكلمة الإخلاص في الرّضا والغضب، وأسألك نعيما لا ينفد وقرّة عين لا تنقطع وأسألك الرّضا بالقضاء وبرد العيش بعد الموت، ولذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضرّاء مضرّة وفتنة مضلّة اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة   (1) أبو داود 4 (4242) ، وصحح إسناده محقق جامع الأصول (10/ 24) . (2) أبو داود 4 (4263) ، وصحح إسناده الشيخ الألباني- صحيح أبي داور (3/ 801) وانظر الصحيحة (973) . (3) أبو داود 4 (4265) ، وفي سنده عبد الرحمن بن العيلماني ويشهد له الحديث الذي بعده (4265) عن عبد الله بن عمرو وكلاهما يتقوى بالآخر. (4) أبو داود 4 (4278) ، وأحمد (4/ 410، 418) ، والحاكم (4/ 444) ، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في بذل الماعون، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 806) / 3597: صحيح. (5) النسائي 4 (2053) ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني، صحيح الجامع (4358) وانظر الترغيب (3/ 82) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5205 مهتدين» ) * «1» . 52- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: إنّكم تفتنون في القبور. فارتاع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّما تفتن يهود» وقالت عائشة فلبثنا ليالي ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّه أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور» قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد يستعيذ من عذاب القبر) * «2» . 53- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدته (تعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا هو بالبقيع فقال «السّلام عليكم دار قوم مؤمنين. أنتم لنا فرط وإنّا بكم لاحقون، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم» ) * «3» . 54- * (عن عبد الله بن بريدة أنّ أباه حدّثه، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فأقبل حسن وحسين، عليهما قميصان أحمران. يعثران ويقومان. فنزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخذهما فوضعهما في حجره فقال: «صدق الله ورسوله وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ (الأنفال/ 28) رأيت هذين فلم أصبر» ثمّ أخذ في خطبته) * «4» . 55- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تكون فتنة تستنطف العرب، قتلاها في النّار. اللّسان فيها أشدّ من وقع السّيف» ) * «5» . 56- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول «لم يبق من الدّنيا إلّا بلاء وفتنة» ) * «6» . 57- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال وحذّرناه، فكان من قوله أن قال «إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرّيّة آدم أعظم من فتنة الدّجّال، وإنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا حذّر   (1) النسائي 3 (1306) ، نرواه الحاكم في المستدرك وصححه والسيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني، صحيح الجامع (1312) . (2) البخاري- الفتح 1 (33) ، ومسلم (32) . (3) مسلم (974) ، والنسائي (4/ 91- 94) ، وابن ماجه (1564) ومالك في الموطأ (1/ 242) . (4) ابن ماجه 2 (3600) ، وأبو داود (1109) ، وصححه الألباني في مجمع أبي داود (1/ 206) / 981. (5) أبو داود (4265) - وهو شاهد لحديث أبي هريرة الذي قبله، والترمذي (2178) ، وابن ماجة 2 (3967) واللفظ له، وأحمد (2/ 212) ، وصححه الشيخ أحمد شاكر (6980) . (6) ابن ماجه 2 (4035) ، وقال في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5206 أمّته الدّجّال. وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة» ) * «1» . 58- * (عن عديسة بنت أهبان- رضي الله عنها- قالت: لمّا جاء عليّ بن أبي طالب ها هنا البصرة دخل على أبي. فقال: يا أبا مسلم ألا تعينني على هؤلاء القوم؟ قال: بلى. قال: فدعا جارية له. فقال: يا جارية أخرجي سيفي، قال: فأخرجته. فسلّ منه قدر شبر فإذا هو خشب، فقال: إنّ خليلي وابن عمّك صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ إذا كانت الفتنة بين المسلمين فأتّخذ سيفا من خشب فإن شئت خرجت معك. قال: لا حاجة لي فيك ولا في سيفك) * «2» . 59- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: استيقظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فقال: سبحان الله! ماذا أنزل اللّيلة من الفتن؟ وماذا فتح من الخزائن؟ أيقظوا صواحبات الحجر، فربّ كاسية في الدّنيا عارية في الآخرة» ) * «3» . 60- * (عن الزّبير بن العوّام أن مولاه أخبره أنّه كان جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة فأتته مولاة له تسلّم عليه، فقالت: إنّي أردت الخروج يا أبا عبد الرّحمن، اشتدّ علينا الزّمان، فقال لها عبد الله بن عمر: اقعدي لكع، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يصبر على لأوائها وشدّتها أحد إلّا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» ) * «4» .   (1) ابن ماجه 2 (4077) ، وأصل الحديث عند أبي داود بسند جيد وله شاهد. انظر الأحاديث (4315، 4322) . (2) ابن ماجه 2 (3960) واللفظ له، والترمذي 4 (2204) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. (3) البخاري- الفتح 1 (315) ، والموطأ (2/ 913) . (4) الموطأ (2/ 3) ، وأصل الحديث عند مسلم (482) ، والترمذي (3924) ، وأحمد (2/ 397) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5207 الأحاديث الواردة في ذمّ (الفتنة) معنى 61- * (عن أبي إدريس الخولانيّ- رضي الله عنه- أنّه سمع حذيفة- رضي الله عنه- قال: «كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشّرّ من خير قال نعم. وفيه دخن. قلت. وما دخنه؟ قال: قوم يستنّون بغير سنّتي ويهدون بغير هديي. تعرف منهم وتنكر. فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: نعم. دعاة على أبواب جهنّم. من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله: فما ترى- إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم؟ قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلّها ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتّى يدركك الموت وأنت على ذلك) * «1» . 62- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إذا فتحت عليكم خزائن فارس والرّوم أيّ قوم أنتم؟» قال عبد الرّحمن بن عوف: نكون كما أمرنا الله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تتنافسون ثمّ تتحاسدون ثمّ تتدابرون ثمّ تتباغضون. أو غير ذلك ثمّ تنطلقون إلى مساكين المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض» ) * «2» . 63- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل حتّى إن كان منهم من أتى أمّه علانية ليكوننّ في أمّتي من يصنع ذلك وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين وسبعين ملّة وستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين ملّة. فكلّها في النّار إلّا ملّة واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «ما كان على ما أنا عليه وأصحابي» ) * «3» . 64- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إذا مشت أمّتي بالمطيطاء، وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والرّوم   (1) البخاري- الفتح 13 (7084) ، ومسلم (1847) واللفظ له. (2) مسلم (2962) . (3) الترمذي (2641) ، وقال مخرج جامع الأصول: حسن بشواهده (10/ 34) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5208 سلّط شرارها على خيارها» ) * «1» . 65- * (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: العبادة في الهرج كهجرة إليّ» ) * «2» . 66- * (عن عرفجة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه ستكون هنات «3» وهنات. فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمّة وهي جميع فاضربوه بالسّيف كائنا من كان» ) * «4» . 67- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين. فإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ولا تقوم السّاعة حتّى تلتحق قبائل من أمّتي بالمشركين وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان وإنّه ليكون في أمّتي ثلاثون كذّابون. كلّهم يزعم أنّه نبيّ وأنا خاتم النّبيّين لا نبيّ بعدي. ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك» ) * «5» . 68- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل الفدّادين أهل الوبر. والسّكينة في أهل الغنم» ) * «6» . 69- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ) * «7» . 70- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «ويل للعرب من شرّ قد اقترب. أفلح من كفّ يده» ) * «8» . 71- * (عن سعيد بن العاص قال: أخبرني جدّي. قال كنت مع مروان وأبي هريرة في مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمعت أبا هريرة يقول. سمعت الصّادق المصدوق يقول: «هلاك أمّتي على يدي أغيلمة من قريش فقال مروان لعنة الله عليهم غلمة قال أبو هريرة: إن شئت أن أسمّيهم بني فلان وبني فلان لفعلت. فكنت أخرج مع جدّي إلى بني مروان حين ملّكوا بالشّام فإذا رآهم غلمانا أحداثا. قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم. قلنا   (1) الترمذي 4 (2261) وذكره الألباني في الصحيحة (956) ، وذكر له شواهد منها المشاهد حسن عند الطبراني. (2) مسلم 4 (2948) واللفظ له، الترمذي 4 (2201) ، وابن ماجه 2 (3985) ، وجامع الأصول 10 (18) . (3) هنات: المراد بها هنا: الفتن والأمور الحادثة. (4) مسلم (1852) واللفظ له. (5) مسلم رقم (1920) . (6) مسلم (52) واللفظ له، البخاري- الفتح 7 (4388) . (7) مسلم (65) . (8) أبو داود 4 (4249) ، وجامع الأصول 10 (19) .، وقال محققه: إسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5209 أنت أعلم» ) * «1» . 72- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على النّاس زمان لا يدري القاتل في أيّ شيء قتل ولا يدري المقتول في أيّ شيء قتل» قيل: وكيف؟ قال: «الهرج القاتل والمقتول في النّار» ) * «2» . 73- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يذهب اللّيل والنّهار. حتّى تعبد اللّات والعزّى. قلت: يا رسول الله إن كنت لأظنّ حين أنزل الله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* أنّ ذلك تامّ. قال: إنّه سيكون من ذلك ما شاء الله. ثمّ يبعث الله ريحا طيّبة فيتوفّى كلّ من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم» ) * «3» . 74- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطّائفتين بالحقّ» ) * «4» . 75- * (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا أبا ذرّ. قلت: لبّيك يا رسول الله وسعديك» فذكر الحديث. كذا قال أبو داود، ولم يذكر لفظه. وقال فيه كيف أنت إذا أصاب النّاس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟ قلت: الله ورسوله أعلم- أو قال: ما خار الله لي ورسوله- قال: «عليك بالصّبر» - أو قال تصبر- ثمّ قال لي: «يا أبا ذرّ» . قلت: لبّيك وسعديك. قال: «كيف أنت إذا رأيت أحجار الزّيت قد غرقت بالدّم؟» قلت: ما خار الله لي ورسوله. قال: «عليك بمن أنت منه» . قلت: يا رسول الله: أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقي؟ قال: «شاركت القوم إذا» . قلت: فما تأمرني؟ قال: «تلزم بيتك؟» قلت: فإن دخل عليّ بيتي؟ قال: «فإن خشيت أن يبهرك شعاع السّيف. فألق ثوبك على وجهك، يبوء بإثمك وإثمه» ) * «5» . 76- * (عن أنس بن مالك، وأبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «سيكون في أمّتي اختلاف وفرقة وقوم يحسنون القيل   (1) البخاري- الفتح 13 (7058) . (2) مسلم رقم (2908) . (3) مسلم رقم (2907) . (4) مسلم رقم (1065) . (5) أبو داود 4 (4261) واللفظ له، وجامع الأصول (10/ 7) ، وقال محققه: وهو حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3583) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5210 ويسيئون الفعل. يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، ثمّ لا يرجعون حتّى يرتدّ على فوقه. هم شرّ الخلق والخليقة. طوبى لمن قتلهم وقتلوه. يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء. من قاتلهم كان أولى بالله منهم. قالوا يا رسول الله ما سيماهم قال التّحليق» ) * «1» . 77- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» فقال قائل من قلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثيرون ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم وليقذفنّ في قلوبكم الوهن» قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حبّ الدّنيا وكراهية الموت» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الفتنة) 1- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال يصف الدّنيا: أوّلها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صحّ فيها أمن، ومن حرص ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها «3» فتته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر إليها أعمته، ومن نظر بها «4» بصّرته) * «5» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج الرّجّال «6» مع مسيلمة وشهد له بالنّبوة، فكانت فتنة الرّجّال أعظم من فتنة مسيلمة) * «7» . 3- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما قال: دخلت على حفصة ونوساتها تنطف «8» - قلت: قد كان من أمر النّاس ما ترين. فلم يجعل لي من الأمر شيء. فقالت: الحق. فإنّهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه   (1) أبو داود (4765) ، وأصل الحديث في البخاري- الفتح 10 (7562) ، وقال محقق «جامع الأصول (10/ 89) : وهو حديث صحيح. (2) أبو داود 4 (4297) ، وأحمد في «المسند» (5/ 278) من طريق آخر وإسناده قوي، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3610) : صحيح، وانظر الصحيحة (958) . (3) ساعاها أي سعى إليها وسابقها وجاراها. (4) نظر بها: أي اعتبر بها. (5) أدب الدنيا والدين للماوردي (115) . (6) الرّجّال: هو أحد المرتدين الذين تابعوا مسيلمة الكذاب وهو الرّجّال بن عنفوة. (الطبري 3/ 282) . (7) البداية والنهاية (6/ 365) . (8) نوساتها تنطف: أي قرون رأسها تقطر الماء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5211 حتّى ذهب. فلمّا تفرّق النّاس خطب معاوية. وقال: من كان يريد أن يتكلّم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحقّ به منه ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة: فهلّا أجبته قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أحقّ بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرّق بين الجمع وتسفك الدّم ويحمل عنّي غير ذلك فذكرت ما أعدّ الله تعالى في الجنان قال حبيب: حفظت وعصمت) * «1» . 4- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟ والله ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدّنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلّا قد سمّاه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) * «2» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال رجل عنده: ما أحبّ أن أكون من أصحاب اليمين، أحبّ أن أكون من المقرّبين فقال عبد الله لكن ههنا رجل ودّ أنّه إذا مات لم يبعث يعني نفسه. وخرج ذات يوم فأتبعه ناس فقال لهم ألكم حاجة؟ قالوا لا ولكن أردنا أن نمشي معك قال: ارجعوا فإنّه ذلّة للتّابع وفتنة للمتبوع) * «3» . 6- * (عن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ ابن عمر أتاه رجلان في فتنة ابن الزّبير فقالا: إنّ النّاس صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فما يمنعك أن تخرج فقال: يمنعني أنّ الله حرّم عليّ دم أخي المسلم فقالا: ألم يقل الله تعالى وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (البقرة/ 193) قال: قد قاتلنا حتّى لم تكن فتنة وكان الدّين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنة ويكون الدّين لغير الله) * «4» . 7- * (عن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا أتى ابن عمر فقال «يا أبا عبد الرّحمن ما حملك على أن تحجّ عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله وقد علمت ما رغّب الله فيه؟ قال: يا ابن أخي بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله والصّلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزّكاة وحجّ البيت فقال يا أبا عبد الرّحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا- إلى قوله- إِلى أَمْرِ اللَّهِ (الحجرات/ 9) وقال: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (البقرة 193) قال فعلنا على عهد   (1) البخاري رقم (4108) وجامع الأصول (10/ 93) . (2) أبو داود 4 (4243) . (3) الفوائد لابن القيم (199) . (4) البخاري رقم (4514) وجامع الأصول (10/ 95) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5212 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان الإسلام قليلا. فكان الرّجل يفتن في دينه إمّا قتلوه وإمّا عذّبوه حتّى كثر الإسلام. فلم تكن فتنة قال. فما قولك في عليّ وعثمان قال أمّا عثمان: فكان الله عفا عنه وأمّا أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأمّا عليّ: فابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وختنه «1» ) * «2» . 8- * (عن عبد الله بن زياد- رضي الله عنه- قال «لمّا سار طلحة والزّبير وعائشة- رضي الله عنهم- إلى البصرة بعث عليّ عمّار بن ياسر وحسنا. فقدما علينا الكوفة. فصعدا المنبر وكان حسن بن عليّ في أعلاه وعمّار أسفل منه فاجتمعنا إليهما فسمعت عمّارا يقول: إنّ عائشة قد صارت إلى البصرة والله إنّها لزوجة نبيّكم في الدّنيا والآخرة ولكنّ الله ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي) * «3» . 9- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: أوّل الفتن قتل عثمان وآخر الفتن الدّجّال) * «4» . 10- * (عن ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ 191) يقول: الشّرك أشدّ. وقال أيضا: الفتنة الّتي أنتم مقيمون عليها أكبر من القتل) * «5» . 11- * (وعن مجاهد في الآية السّابقة قال: ارتداد المؤمن إلى الوثن أشدّ عليه من أن يقتل محقا «6» ) * «7» . 12- * (عن مجاهد في قوله تعالى ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ (آل عمران/ 7) قال: الشّبهات) * «8» . 13- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ (المائدة/ 41) قال أي ضلالته في الدّنيا وعقوبته في الآخرة) * «9» . 14- * (عن مجاهد في قوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ (المائدة/ 71) قال: يهود، وعن جرير والحسن فيها قالوا: بلاء. وعن قتادة في نفس الآية قال: حسب القوم ألّا يكون بلاء فَعَمُوا وَصَمُّوا قال: كلّما عرض لهم بلاء ابتلوا به هلكوا فيه. وأخرج ابن جرير عن السّدّيّ في الآية قال: حسبوا ألّا يبتلوا فعموا عن الحقّ) * «10» .   (1) الختن: زوج البنت ويطلق عليه الصهر أيضا. (2) البخاري رقم (4650) وجامع الأصول (10/ 73) . (3) البخاري رقم (7100) وجامع الأصول (10/ 74) . (4) البداية والنهاية لابن كثير (7/ 211) . (5) الدر المنثور (1/ 371) . (6) محقا: المحق هو النقص والمحو والابطال (النهاية لابن الأثير (4/ 303) . (7) الدر المنثور للسيوطي (1/ 371) . (8) الدر المنثور للسيوطي (2/ 7) . (9) القرطبي (6/ 118) . (10) الدر المنثور للسيوطي (2/ 531) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5213 15- * (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (يونس/ 85) قال: المعنى لا تهلكنا بأيدي أعدائنا ولا تعذّبنا بعذاب من عندك فيقول أعداؤنا: لو كانوا على حقّ لم نسلّط عليهم فيفتنوا) * «1» . 16- * (عن عكرمة في قوله تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً (الفرقان/ 20) قال: هو التّفاضل في الدّنيا، والقدرة، والقهر. وقال جريج: يمسك على هذا أو يوسّع على هذا فيقول: لم يعطني ربّي ما أعطى فلانا، ويبتلى بالوجع فيقول: لم يجعلني ربّي صحيحا مثل فلان. في أشباه ذلك من البلاء ليعلم من يصبر ممّن يجزع وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً بمن يصبر ومن يجزع) * «2» . 17- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ (الذاريات/ 14) : أي عذابكم، وقال مجاهد: حريقكم. وقال ابن عبّاس: أي تكذيبكم يعني جزاءكم. وقال الفرّاء: أي عذابكم) * «3» . 18- * (قال القرطبيّ في قوله تعالى: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا (الممتحنة/ 9) : أي لا تظهر عدوّنا علينا فيظنّوا أنّهم على حقّ فيفتنوا بذلك، وقيل لا تسلّطهم علينا فيفتنونا ويعذّبونا) * «4» . 19- * (وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله تعالى: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قال: لا تسلّطهم علينا فيفتنونا) * «5» . 20- * (قال النّوويّ: في قوله: صلّى الله عليه وسلّم «لا تقوم السّاعة حتّى تقتتل فئتان عظيمتان» : واعلم أنّ الدّماء الّتي جرت بين الصحابة- رضي الله عنهم- ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السّنّة والحقّ: إحسان الظّنّ بهم، والإمساك عمّا شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنّهم مجتهدون متأوّلون لم يقصدوا معصية ولا محض الدّنيا، بل اعتقد كلّ منهم أنّه المحقّ، ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله، ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيبا، وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ، لأنّه الاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وكان عليّ- رضي الله عنه- هو المحقّ المصيب في تلك الحروب، هذا مذهب أهل السّنّة، وكانت القضايا مشتبهة حتّى إنّ جماعة من الصحابة تحيّروا فيها، فاعتزلوا الطّائفتين، ولم يقاتلوا، ولم يتيقّنوا الصّواب، ثمّ تأخّروا عن مساعدة أيّ منهم) * «6» . 21- * (قال النّوويّ: في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا   (1) تفسير القرطبي (8/ 237) . (2) الدر المنثور للسيوطي (5/ 120) . (3) تفسير القرطبي (17/ 24) . (4) القرطبي (18/ 39) . (5) الدر المنثور للسيوطي (6/ 305) . (6) شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 239) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5214 تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار» ، وفي غيره من الأحاديث الّتي في معناه. وقد اختلف العلماء في قتال الفتنة، فقالت طائفة: لا يقاتل الرّجل في فتن المسلمين، وإن دخلوا عليه بيته، وطلبوا قتله فلا يجوز له المدافعة عن نفسه لأنّ الطّالب متأوّل، وهذا مذهب أبي بكرة الصّحابيّ- رضي الله عنه- وغيره، وقال ابن عمر وعمران بن الحصين- رضي الله عنهم- وغيرهما: لا يدخل فيها، لكن إن قصد دفع عن نفسه فهذان المذهبان متّفقان على ترك الدّخول في جميع فتن علماء الإسلام وقال معظم الصّحابة والتّابعين وعامّة علماء الإسلام: يجب نصر المحقّ في الفتن، والقيام معه بمقاتلة الباغين، كما قال تعالى: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (الحجرات/ 9) وهذا هو الصّحيح، وتتأوّل الأحاديث على من لم يظهر له المحقّ، أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما، ولو كان كما قال الأوّلون لظهر الفساد، واستطال أهل البغي والمبطلون) * «1» . 22- * (قال النّوويّ في شرح قوله صلّى الله عليه وسلّم «ما تركت بعدي فتنة أضرّ ... فاتّقوا الدّنيا واتّقوا النّساء» ، ومعناه: تجنّبوا الافتتان بها وبالنّساء، وتدخل في النّساء الزّوجات، لدوام فتنتهنّ، وابتلاء أكثر النّاس بهنّ) * «2» . 23- * (قال النّوويّ في حديث: «بادروا بالأعمال فتنا..» : معنى الحديث: الحثّ على المبادرة إلى الأعمال الصّالحة قبل تعذّرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشّاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام اللّيل المظلم لا المقمر ووصف صلّى الله عليه وسلّم نوعا من شدائد تلك الفتن، وهو أنّه يمسي مؤمنا ثمّ يصبح كافرا أو عكسه، وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب) * «3» . 24- * (قال ابن حجر في حديث: «ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرّجال من النّساء» : الفتنة بالنّساء أشدّ من الفتنة بغيرهنّ، ويشهد له قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ (آل عمران/ 14) فجعلهنّ من حبّ الشّهوات، وبدأ بهنّ قبل بقيّة الأنواع إشارة إلى أنّهنّ الأضلّ في ذلك، ويقع في المشاهدة حبّ الرّجل ولده من امرأته الّتي هي عنده أكثر من حبّه ولده من غيرها، ومن أمثلة ذلك قصّة النّعمان بن بشير في الهبة، وقد قال بعض الحكماء: النّساء شرّ كلّهنّ، وأشرّ ما فيهنّ عدم الاستغناء عنهنّ لأنّها ناقصة العقل والدّين تحمل الرّجل على تعاطي ما   (1) شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 237) . (2) شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 65) . (3) شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 410) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5215 فيه نقص العقل والدّين كشغله عن طلب أمور الدّين وحمله على التّهالك على طلب الدّنيا، وذلك أشدّ الفساد) * «1» . 25- * (قال ابن حجر: فإن وقعت الفتنة ترجّحت العزلة لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع في المحذور وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة، فتعمّ من ليس من أهلها كما قال الله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) * «2» . 26- * (قال ابن حجر: في المرد من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم، ولأنّه يمكن في حقّه من الشّرّ ما لا يمكن في حقّ النّساء ويسهل في حقّه من طرق الرّيبة والشّرّ، ما لا يسهل في حقّ المرأة فهو بالتّحريم أولى) * «3» . 27- * (قال ابن حجر في حديث: «كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه..» : أشارت عائشة إلى بيان مشروعيّة الهجرة، وأنّ سببها خوف الفتنة، والحكم يدور مع علّته، فمقتضاه أنّ من قدر على عبادة الله في أيّ موضع اتّفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلّا وجبت، ومن ثمّ قال الماورديّ: إذا قدر على إظهار الدّين في بلد من بلاد الكفر، فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرّحلة منها لما يترجّى من دخول غيره في الإسلام) * «4» . 28- * (وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى- في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ستكون فتن، القائم فيها خير من القاعد.. إلى قوله فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به» «5» في الحديث التّحذير من الفتنة والحثّ على اجتناب الدّخول فيها وأنّ شرّها يكون بحسب التّعلّق بها، وقد اختلف السّلف في ذلك فحمله بعضهم على العموم وهم من قعد عن الدّخول في القتال بين المسلمين كابن عمر- رضي الله عنهما- ومن كان على شاكلته وقد لزمت منهم طائفة البيوت وارتحلت طائفة عن بلد الفتنة «6» ، ورأي جمهور الفقهاء أنّه إذا بغت طائفة على الإمام وجب قتالها، وكذلك لو تحاربت طائفتان من المؤمنين وجب على كلّ قادر الأخذ على يد المخطىء ونصر المصيب ذلك أنّ إنكار المنكر «7» واجب على كلّ من قدر عليه، فمن أعان المحقّ أصاب، ومن أعان المخطىء أخطأ، وإن أشكل الأمر (بحيث لا يتبيّن المخطىء من المصيب) فهي الحالة الّتي ورد النّهي عن   (1) فتح الباري (9/ 41) . (2) فتح الباري (13/ 46، 47) . (3) الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 7) . (4) فتح الباري (7/ 270) وانظر الحديث في البخاري- الفتح 7 (3900) . (5) انظر الحديث في البخاري- الفتح 13 (7082) . (6) المراد بالفتنة هنا ما ينشأ عن الخلاف في طلب الحكم. (7) نقل ابن حجر هذا الرأي عن الطبري. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5216 القتال فيها) * «1» . 29- * (قال الحسن بن ذكوان: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإنّ لهم صورا كصور العذارى، وهم أشدّ فتنة من النّساء) * «2» . 30- * (قال ابن القيّم لا يقلّدنّ أحدكم دينه رجلا، فإن آمن آمن وإن كفر كفر، وإن كنتم لابدّ مقتدين فاقتدوا بالميّت، وإنّ الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة) * «3» . 31- * (عن ابن شبرمة قال: قال طلحة لأهل الكوفة: في النّبيذ فتنة يربو فيها الصّغير ويهرم فيها الكبير قال: وكان إذا كان فيهم عرس كان طلحة وزبير يسقيان اللّبن والعسل فقيل لطلحة: ألا نسقيهم النّبيذ قال: إنّي أكره أن يسكر مسلم في سببي) * «4» . 32- * (قال الماورديّ: قال بعض البلغاء: الدّنيا لا تصفوا لشارب ولا تبقى لصاحب، ولا تخلو من فتنة، ولا تخلي من محنة، فأعرض عنها قبل أن تعرض عنك) * «5» . 33- * (عن عطاء بن أبي رباح قال زرت عائشة مع عبيد بن عمير اللّيثيّ، فسألناها عن الهجرة فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأمّا اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربّه حيث شاء ولكن جهاد ونيّة) * «6» . 34- * (عن وبرة قال: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما-: أطوف بالبيت وقد أحرمت بالحجّ؟ فقال: وما يمنعك؟ قال: إنّي رأيت ابن فلان نكرهه وأنت أحبّ إلينا منه. رأيناه قد فتنته الدّنيا. فقال: وأيّنا أو أيّكم، لم تفتنه الدّنيا؟ ثمّ قال: رأينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحرم بالحجّ وطاف بالبيت وسعى بين الصّفا والمروة، فسنّة الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أحقّ أن تتّبع من سنّة فلان إن كنت صادقا) * «7» . 35- * (عن أبي سنان قال: إنّ راهبا لقي سعيد بن جبير فقال: يا سعيد في الفتنة يتبيّن من يعبد الله ممّن يعبد الطّاغوت) * «8» . 36- * (قال أبو موسى- رضي الله عنه- لمّا قتل عثمان- رضي الله عنه-: إنّما هذه حيصة من   (1) فتح الباري (13/ 34- 35) بتصرف واختصار. (2) الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 7) . (3) الفوائد (204) . (4) النسائى 8 (5757) . (5) أدب الدنيا والدين (115) . (6) البخاري- الفتح 7 (3900) . (7) مسلم (1233) . (8) السنن الواردة في الفتن وغوائلها (1/ 235) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5217 حيصات الفتن، وبقيت الرّداح المطبقة «1» الّتي من ماج بها ماجت به، ومن أشرف لها استشرفت له) * «2» . 37- * (قال يزيد بن صهيب (الفقير) : من تقلّد سيفه في هذه الفتن، لم يزل الله ساخطا عليه حتّى يضعه عنه) * «3» . من مضار (الفتنة) (1) ضررها أشدّ من ضرر القتل. (2) هي من أكبر أسباب كثرة إراقة الدّماء. (3) خسران في الدّنيا وفي الآخرة. (4) أنّها تعمي عن الحقّ وعن الصّراط المستقيم. (5) الفتنة والشّيطان قرينان، ومن ثمّ فليس لأهل الفتنة سوى النّار. (6) تلقي بالشّبهات في دين المؤمن. (7) فتنة الرّجل في أهله قد تصرفه عن الدّين. (8) من أشدّ ما يقلّب قلب المؤمن. (9) الفتنة بمعنى الاقتتال على الحكم من أهمّ عوامل خراب المجتمعات. (10) الاقتتال في الفتنة يحقّق غرض أعداء الدّين وينهك المسلمين اقتصاديّا واجتماعيّا وصحّيّا. (11) الفتنة تفقد المجتمع عزّته وتجعل المقتتلين يتسوّلون الإحسان من أعداء الدّين. (12) الفتن من أهمّ عوامل تخلّف المجتمعات الإسلاميّة وتجعل مقاديرهم في غير أيديهم.   (1) وبقيت الرداح المطبقة: يعني (الثقيلة العظيمة) . (2) المصنف لابن أبي شيبة (15/ 184) . (3) المصنف لابن أبي شيبة (15/ 25) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5218 الفجور الفجور لغة: الفجر والفجور: الانبعاث في المعاصي، وهو مأخوذ من مادّة «ف ج ر» الّتي تدلّ على التّفتّح في الشّيء، يقول ابن فارس: الفاء والجيم والرّاء أصل واحد، وهو التّفتّح في الشّيء، من ذلك الفجر: انفجار الظّلمة عن الصّبح، ومنه انفجر الماء انفجارا: تفتّح.. ثمّ كثر هذا حتّى صار الانبعاث والتّفتّح في المعاصي فجورا، ولذلك سمّي الكذب فجورا. ثمّ كثر هذا حتّى سمّي كلّ مائل عن الحقّ فاجرا، وكلّ مائل عندهم: فاجر «1» . وجعل الرّاغب أصل المادّة الشّقّ فقال: الفجر شقّ الشّيء شقّا واسعا، يقال: فجرته فانفجر، يقال: فجر فجورا فهو فاجر، وجمعه فجّار وفجرة، قال تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (المطففين/ 7) وقال- عزّ وجلّ- أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (عبس/ 42) ، وسمّي الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور «2» . ويقول الزّبيديّ: وأصل الفجر الشّقّ، ثمّ استعمل كالفجورة في الانبعاث في المعاصي والمحارم والزّنى وركوب كلّ أمر قبيح من يمين كاذبة أو كذب ونحو ذلك، يقال: فجر الرّجل بالمرأة يفجر فجورا، زنى، والمرأة زنت فهي فجور كصبور من قوم فجر ويقال للمرأة يا فجار كقطام، وهو اسم معدول عن الفاجرة، يريد يا فاجرة. وفجر فجورا عصى وخالف، وبه فسّر ثعلب قولهم في الدّعاء: «ونخلع ونترك من يفجرك» فقال: من يعصيك ومن يخالفك ... ويقال: أفجر الرّجل، إذا كذب، وأفجر إذا زنى، وأفجر إذا كفر، وأفجر إذا عصى بفرجه، وأفجر إذا مال عن الحقّ «3» . وقال ابن منظور: الفجور: الرّيبة والكذب. وأصله الميل عن الحقّ. والفاجر: المائل، وقال الشّاعر: قتلتم فتى لا يفجر الله عامدا ... ولا يحتويه جاره حين يمحل أي لا يفجر أمر الله أي لا يميل عنه ولا يتركه. وفجر الإنسان يفجر فجرا وفجورا: انبعث في المعاصي. وفي الحديث: «إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلّا من اتّقى الله» . الفجّار: جمع فاجر وهو   (1) المقاييس (4/ 475) . (2) المفردات (373) . (3) التاج (7/ 338، 339، 340) . والمصباح (176) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5219 المنبعث في المعاصي والمحارم. وفجر فجورا أي فسق. وفجر إذا كذب. وفجر الرّجل بالمرأة يفجر فجورا: زنى، وفجرت المرأة: زنت «1» . وقال الخطّابيّ فيما يروى عن أبي ذرّ قال: «كنّا نتحدّث أنّ التّاجر فاجر» ... وعنه: التّاجر عندهم الخمّار، اسم يخصّونه به من بين التّجّار. وأصل الفجور: الميل والعدول. وإنّما قيل للكذب الفجور، وللكاذب الفاجر لميله عن الصّدق وعدوله عنه. ومنه قول مطرّف: «المعاذر متاجر» يريد أنّ العذر يشوبه الكذب. ومن هذا قول الأعرابيّ في عمر ... يستحمله. فقال: إنّ أهلي بعيد وإنّي على ناقة دبراء عجفاء نقباء. وسأله أن يحمله على بعير فظنّ أنّه كذب فلم يحمله، فانطلق الأعرابيّ فحمّل بعيره، ثمّ استقبل البطحاء فجعل يقول وهو يمشي خلف بعيره: أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما إن بها من نقب ولا دبر اغفر له اللهمّ إن كان فجر وعمر مقبل من أعلى الوادي يمشي فجعل إذ قال: اغفر له اللهمّ إن كان فجر. قال: اللهمّ صدق. حتّى التقيا. فأخذ عمر بيده فقال: ضع عن راحلتك، فوضع فإذا هي نقبة عجفاء دبرة، فانطلق فحمله على بعير وزوّده وكساه وخلّى عنه، يريد إن كان فجر أي مال عن الصّدق «2» . واصطلاحا: قال الجرجانيّ: هو هيئة حاصلة للنّفس، بها يباشر أمورا على خلاف الشّرع والمروءة «3» . وقال الرّاغب: الفجور: شقّ ستر الدّيانة «4» . وقال الجاحظ: الفجور هو الانهماك في الشّهوات، والاستكثار منها، والتّوفّر على اللّذّات، والإدمان عليها، وارتكاب الفواحش، والمجاهرة بها، وبالجملة هو السّرف في جميع الشّهوات «5» . حكم الفجور: الفجور بكلّ أنواعه من كفر ومعصية وكذب وزنى وعدول عن الحقّ من الكبائر، وقد نهينا ليس فقط عن الفجور، وإنّما عن معاملة الفجّار والجلوس معهم، قال الإمام العزّ: فراق الفجرة من شيم البررة؛ لأنّ جليس السّوء كنافخ الكير «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الإسراف- الزنا- شرب الخمر- العصيان- الفسوق- المجاهرة بالمعصية- الكذب- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- الطاعة- حفظ الفرج- الإيمان- العبادة- الحجاب البر] .   (1) لسان العرب (5/ 4746) . (2) غريب الحديث للخطابي (2/ 277، 279) ، تحقيق عبد الكريم العزباوي جامعة أمّ القرى ط سنة 1402 هـ. (3) التعريفات (171) . (4) المفردات (273) ، وقد جمع ابن المناوي بين ما ذكره الجرجاني والراغب في تعريفه للفجور، انظر التوقيف (257) . (5) تهذيب الأخلاق (28) . (6) شجرة المعارف والأحوال (287) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5220 الآيات الواردة في «الفجور» 1- أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (2) «1» 2- وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) «2» 3- لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6) «3» 4- فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «4» 5- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) «5» 6- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) «6» 7- وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4) وَالسَّماءِ وَما بَناها (5) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) «7»   (1) ص: 28 مكية (2) نوح: 26- 27 مكية (3) القيامة: 1- 6 مكية (4) عبس: 33- 42 مكية (5) الانفطار: 13- 14 مكية (6) المطففين: 7- 9 مكية (7) الشمس: 1- 8 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5221 الأحاديث الواردة في ذمّ (الفجور) 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيد عبد الرّحمن بن عوف. فانطلق به إلى ابنه إبراهيم. فوجده يجود بنفسه، فأخذه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضعه في حجره فبكى. فقال له عبد الرّحمن: أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: «لا. ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة، خمش وجوه وشقّ جيوب ورنّة شيطان» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع خلال من كنّ فيه كان منافقا خالصا: من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها» ) * «2» . 3- * (عن بريدة بن الحصيب- رضي الله عنه- أنّ امرأة يعني من غامد أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّي قد فجرت. فقال: «ارجعي» فرجعت. فلمّا كان الغد أتته فقالت: لعلّك أن تردّني كما رددت ما عز بن مالك، فو الله إنّي حبلى. فقال لها: «ارجعي» فرجعت. فلمّا كان الغد أتته، فقال لها: «ارجعي حتّى تلدي» فرجعت، فلمّا ولدت أتته بالصّبيّ فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: «ارجعي فأرضعيه حتّى تفطميه» . فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله فأمر بالصّبيّ فدفع إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها؛ وأمر بها فرجمت، وكان خالد فيمن يرجمها فرجمها بحجر فوقعت قطرة من دمها على وجنته، فسبّها. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مهلا يا خالد. فو الّذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له» وأمر بها فصلّي عليها ودفنت) * «3» . 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟» قالوا: لا. يا رسول الله. قال: «ما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما «4» . إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّن: ليتّبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله- سبحانه- من الأصنام والأنصاب، إلّا يتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ وفاجر. وغبّر أهل الكتاب «5» . فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟   (1) الترمذي (1005) وقال: هذا حديث حسن، والحديث أصله في الصحيحين. (2) البخاري- الفتح 6 (3178) واللفظ له، ومسلم (58) . (3) مسلم (1695) ، وأبو داود (4442) واللفظ له. (4) ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما: معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا. (5) وغير أهل الكتاب: معناه بقاياهم. جمع غابر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5222 قالوا: كنّا نعبد عزير بن الله. فيقال: كذبتم ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد ... » الحديث) * «1» . 5- * (عن رفاعة- رضي الله عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى فرأى النّاس يتبايعون، فقال: «يا معشر التّجّار» . فاستجابوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: «إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلّا من اتّقى الله وبرّ وصدق» ) * «2» . 6- * (عن أبي قتادة بن ربعيّ الأنصاريّ رضي الله عنه- أنّه كان يحدّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مرّ عليه بجنازة فقال: «مستريح ومستراح منه» . قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه، قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدّنيا وأذاها إلى رحمة الله عزّ وجلّ- والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشّجر والدّوابّ» ) * «3» . 7- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة: المنّان الّذي لا يعطي شيئا إلّا منّه، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره» ) * «4» . 8- * (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال الحضرميّ: يا رسول الله إنّ هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحضرميّ: «ألك بيّنة؟» قال: لا. قال: فلك يمينه. قال: يا رسول الله، إنّ الرّجل فاجر لا يبالي عن ما حلف عليه وليس يتورّع من شيء. فقال: «ليس لك منه إلّا ذلك» . فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا أدبر- «أما لئن حلف على مال ليأكله ظلما ليلقينّ الله وهو عنه معرض» ) * «5» . 9- * (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين ... » الحديث وفيه: «فلمّا رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت. فلمّا رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلمّا أشرف عليهم قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مكرز، وهو رجل فاجر» . فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سهل لكم من أمركم. فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب، فقال   (1) البخاري- الفتح 13 (7439) ، ومسلم (183) واللفظ له. (2) الترمذي (1210) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة (2146) . (3) البخاري- الفتح 11 (6512) ، ومسلم (950) متفق عليه. (4) مسلم (106) . (5) مسلم (139) واللفظ له وابن ماجة (2322) ، أبو داود (3245) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5223 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بسم الله الرّحمن الرّحيم» فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فو الله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتب: باسمك اللهمّ، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا «بسم الله الرّحمن الرّحيم» ... الحديث» ) * «1» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت ليلة أسري بي عفريتا من الجنّ يطلبني بشعلة من نار، كلّما التفتّ إليه رأيته» . فقال جبريل: ألا أعلّمك كلمات تقولهنّ، فتنطفىء شعلته ويخرّ لفيه؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى» . فقال جبريل: قل: «أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السّماء ومن شرّ ما يعرج فيها، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض ومن شرّ ما يخرج منها، ومن فتن اللّيل والنّهار، ومن طوارق اللّيل «2» ، إلّا طارقا بخير يا رحمن» ) * «3» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام هذا من أهل النّار. فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل: يا رسول الله، الّذي قلت إنّه من أهل النّار فإنّه قد قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إلى النّار» . قال: فكاد بعض النّاس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنّه لم يمت ولكنّ به جراحا شديدا «4» فلمّا كان من اللّيل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه. فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك. ثمّ أمر بلالا فنادى في النّاس: «إنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة وإنّ الله ليؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر» ) * «5» . 12- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ «6» . وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة. وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا. وإيّاكم والكذب. فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنّ الفجور يهدي إلى النّار. وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا» ) * «7» . 13- * (عن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها ... الحديث وفيه: «قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «8» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر   (1) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) . (2) طوارق الليل: الطوارق جمع طارق، وهي ما ينزل من المصائب في الليل. (3) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 950) ، وأحمد في المسند (3/ 419) وقال محقق جامع الأصول (4/ 367) : حديث حسن. (4) ورد هكذا في الأصل والمراد جراحا شديدة. (5) البخاري- الفتح 6 (3062) واللفظ له، ومسلم (111) . (6) البر: اسم جامع للخير كله. وقيل: البر الجنة. (7) البخاري- الفتح 10 (6094) ، ومسلم (2607) واللفظ له، وأبو داود (4989) والترمذي (1971) . (8) الذي فيه عيناه: يريد رأسه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5224 برجل من العبلات «1» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «2» . في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه «3» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح: 24) الآية كلّها) * «4» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم يكذب إبراهيم النّبيّ- عليه السّلام- قطّ إلّا ثلاث كذبات «5» : ثنتين في ذات الله. قوله: إنّي سقيم. وقوله: بل فعله كبيرهم هذا. وواحدة في شأن سارة. فإنّه قدم أرض جبّار ومعه سارة. وكانت أحسن النّاس. فقال لها: إنّ هذا الجبّار، إن يعلم أنّك امرأتي، يغلبني عليك. فإن سألك فأخبريه أنّك أختي. فإنّك أختي في الإسلام. فإنّي لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك. فلمّا دخل أرضه رآها بعض أهل الجبّار. أتاه، فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلّا لك. فأرسل إليها فأتي بها. فقام إبراهيم- عليه السّلام- إلى الصّلاة. فلمّا دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها. فقبضت يده قبضة شديدة. فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرّك. ففعلت. فعاد. فقبضت أشدّ من القبضة الأولى. فقال لها مثل ذلك. ففعلت. فعاد. فقبضت أشدّ من القبضتين الأوليين. فقال: ادعي الله أن يطلق يدي. فلك الله أن لا أضرّك. ففعلت وأطلقت يده. ودعا الّذي جاء بها فقال له: إنّك إنّما أتيتني بشيطان. ولم تأتني بإنسان. فأخرجها من أرضي، وأعطها هاجر. قال: فأقبلت تمشي. فلمّا رآها إبراهيم- عليه السّلام- انصرف. فقال لها مهيم؟ «6» ؟ قالت: خيرا. كفّ الله يد الفاجر. وأخدم خادما «7» » ) * «8» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا إنّما هم فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعل الّذي يدهده «9» الخرء بأنفه، إنّ الله قد أذهب عنكم عبّيّة «10» الجاهليّة، إنّما هو مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ، النّاس كلّهم بنو آدم وآدم خلق من   (1) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد. (2) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف. (3) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثنى الأمر يعاد مرتين. (4) مسلم 3 (1807) . (5) قال أبو البقاء: الجيّد أن يقال بفتح الذال في الجمع. (6) مهيم: أي ما شأنك؟ وما خبرك؟. (7) وأخدم خادما: أي وهبني خادما وهي هاجر. ويقال: آجر. والخادم يقع على الذكر والأنثى. (8) البخاري- الفتح 6 (3358) ، ومسلم (2371) واللفظ له. (9) يدهده الخرء: أي يدحرجه أمامه وهذه طبيعة الجعل وهو المسمى عند العامة بالجعران. (10) عبّيّة الجاهلية: أي تخونها وكبرها وأصلها من العب وهو الثقل، العبّيّة: بضم العين وكسر الباء الموحدة وتشديدها وفتح الياء المثناة وتشديدها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5225 تراب» ) * «1» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل الخامة «2» من الزّرع: من حيث أتتها الرّيح كفأتها، فإذا اعتدلت تكفّأ بالبلاء، والفاجر كالأرزة صمّاء معتدلة، حتّى يقصمها الله إذا شاء» ) * «3» . 17- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن كالأترجّة طعمها طيّب، وريحها طيّب، والّذي لا يقرأ كالتّمرة طعمها طيّب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الّذي يقرأ القرآن كمثل الرّيحانة ريحها طيّب وطعمها مرّ. ومثل الفاجر الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرّ ولا ريح لها» ) * «4» . 18- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف يمين صبر «5» ليقتطع بها مال امرىء مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان» فأنزل الله تصديق ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إلى آخر الآية. قال: فدخل الأشعث ابن قيس، وقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ قلنا: كذا وكذا، قال: فيّ أنزلت. كانت لي بئر في أرض ابن عمّ لي، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بيّنتك أو يمينه» ، فقلت: إذا يحلف يا رسول الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرىء مسلم، وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان» ) * «6» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «7» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «8» ، يغضب لعصبة «9» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة، ومن خرج على أمّتي، يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «10» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه» ) * «11» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   (1) أبو داود (5116) وحسنه الألباني صحيح أبي داود (4269) ، والترمذي (3955) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. (2) الخامة: هي الطاقة الطرية اللينة. (3) البخاري- الفتح 10 (5644) واللفظ له، ومسلم (2809) . والترمذي (2866) . (4) البخاري- الفتح 13 (7560) واللفظ له. ومسلم (797) . (5) يمين صبر: يمين الصبر هي التي يحبس الحالف نفسه عليها. (6) البخاري- الفتح 8 (4549، 4550) واللفظ له، ومسلم (138) . (7) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم (8) عمية: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه (9) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. (10) ولا يتحاش: أي لا يخاف وباله وعقوبته. (11) مسلم (1848) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5226 قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «1» كريم، والفاجر خبّ «2» لئيم» ) * «3» . 21- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: وافقت ربّي في ثلاث: فقلت يا رسول الله، لو اتّخذنا من مقام إبراهيم مصلّى. فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنّه يكلّمهنّ البرّ والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الغيرة عليه فقلت لهنّ: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ. فنزلت هذه الآية» ) * «4» . 22- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي، إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما. فلا تظالموا. يا عبادي، كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي، كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كلّ إنسان مسألته. ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الفجور) معنى 23- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أبغض الرّجال إلى الله الألدّ «6» الخصم «7» » ) * «8» . 24- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال   (1) الغر: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرا نسبة له، إلى سلامة الصدر وحسن الباطن والظن في الناس. فكأنه لم يجرب بواطن الأمور. (2) الخب: الخداع المكار الخبيث. (3) الترمذي (1964) ، وأبو داود (4790) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4006) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 701) : حديث حسن. (4) البخاري- الفتح 1 (402) واللفظ له، ومسلم (2399) . (5) مسلم (2577) . (6) الألد: شديد الخصومة والمجادلة. (7) الخصم: الحاذق بالخصومة. (8) البخاري- الفتح 5 (2457) ، ومسلم (2668) متفق عليه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5227 عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها، وأحدّثكم حديثا فاحفظوه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا. فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء» ) * «1» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا. فاتّخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمّه وهو يصلّي فقالت: يا جريج. فقال: يا ربّ أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلمّا كان من الغد، أتته وهو يصلّي فقالت: يا جريج فقال: يا ربّ أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهمّ لا تمته حتّى ينظر وجوه المومسات «2» . فتذكّر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغيّ يتمثّل بحسنها «3» ، فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم. قال: فتعرّضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها. فوقع عليها فحملت فلمّا ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغيّ. فولدت منك. فقال: أين الصّبيّ؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتّى أصلّي، فلمّا انصرف أتى الصّبيّ فطعن في بطنه، وقال: من أبوك؟ قال: فلان الرّاعي. قال: فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا. أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبيّ يرضع من أمّه، فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة «4» وشارة «5» حسنة فقالت أمّه: اللهمّ، اجعل ابني مثل هذا، فترك ثديه وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع، قال: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه فجعل يمصّها. قال: ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمّه: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فترك الرّضاع ونظر إليها، فقال: اللهمّ اجعلني مثلها، فهناك تراجعا   (1) الترمذي (2325) وقال: حديث حسن صحيح. (2) المومسات: أي الزواني البغايا المتجاهرات بذلك. والواحدة مومسة وتجمع مياميس أيضا. (3) يتمثل بحسنها: أي يضرب به المثل لانفرادها به. (4) فارهة: الفارهة النشيطة الحادة القوية. وقد فرهت فراهة وفراهية. (5) وشارة: الشارة الهيئة واللباس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5228 الحديث «1» . فقالت: حلقى «2» مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ اجعل ابني مثله، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، فقلت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها «3» . قال: إنّ ذلك الرّجل كان جبّارا، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، وإنّ هذه يقولون لها: زنيت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها» ) * «4» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج عنق من النّار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الفجور) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «لا تصحب الفجّار، لتعلم من فجورهم، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين، ولا أمين إلّا من خشي الله، وتخشّع عند القبور. وذلّ عند الطّاعة، واستعصم عند المعصية واستشر الّذين يخشون الله» ) * «6» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا. قال أبو شهاب بيده فوق أنفه ... الحديث» ) * «7» . 3- * (قال كعب الأحبار: «لولا كلمات أقولهنّ لجعلتني يهود حمارا. فقيل له: وما هنّ؟. قال: أعوذ بوجه الله العظيم، الّذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ» ) * «8» . 4- * (عن إبراهيم بن يزيد التّيميّ؛ قال: «المؤمن إذا أراد أن يتكلّم نظر، فإن كان كلامه له تكلّم، وإن كان عليه أمسك عنه. والفاجر إنّما لسانه رسلا رسلا» ) * «9» . 5- * (عن خلف بن تميم قال: قلت لعليّ بن   (1) تراجعا الحديث: معناه أقبلت على الرضيع تحدثه. وكانت، أولا لا تراه أهلا للكلام. فلما تكرر منه الكلام، علمت أنه أهل له فسألته وراجعته. (2) حلقى: أي أصابه الله تعالى بوجع في حلقه. (3) مثلها: أي سالما من المعاصي كما هي سالمة. (4) البخاري. الفتح 6 (3436) ، ومسلم (2550) واللفظ له. (5) سنن الترمذي (2574) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. (6) الدر المنثور للسيوطي (7/ 22) . (7) البخاري- الفتح 11 (6308) . (8) جامع الأصول (4/ 372) . (9) كتاب الصمت لابن أبي الدنيا (247) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5229 بكّار: «ما حسن الظّنّ بالله؟. قال: «ألّا يجمعك والفجّار في دار واحدة» ) * «1» . 6- * (قال أحمد بن يوسف- رحمه الله-: وعامل بالفجور يأمر بالب ... رّ كهاد يخوض في الظّلم أو كطبيب قد شفّه سقم ... وهو يداوي من ذلك السّقم يا واعظ النّاس غير متّعظ ... ثوبك طهّر أو لا فلا تلم) * «2» . 7- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «سبحان الله، في النّفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتوّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقحة هامان، وهوى بلعام، وحيل أصحاب السّبت، وفجور الوليد، وجهل أبي جهل» ) * «3» . 8- * (قال ابن القيّم: اقشعرّت الأرض وأظلمت السّماء وظهر الفساد في البرّ والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات، وقلّت الخيرات وهزلت الوجوه، وتكدّرت الحياة من فسق الظّلمة» ) * «4» . من مضار (الفجور) (1) طريق موصل إلى النّار. (2) عنوان للدّناءة والخسّة. (3) مزيل لكلّ محبّة ومبعد عن كلّ مودّة. (4) ينبىء عن سوء الخاتمة ووخيم العاقبة. (5) سبب لهلاك الإنسان في الدّين والدّنيا.   (1) حسن الظن لابن أبي الدنيا (25) ، وحلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 318) . (2) أدب الدنيا والدين للماوردي (86) . (3) الفوائد لابن القيم (98) . (4) الفوائد (88) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5230 الفحش الفحش لغة: الفحش والفحشاء والفاحشة، القبح وفحش الشّيء فحشا مثل قبح وزنا ومعنى وفي لغة من باب قتل، وهو فاحش، وكلّ شيء جاوز الحدّ فهو فاحش «1» . يقول ابن فارس: الفاء: والحاء والشّين كلمة تدلّ على قبح في شيء وشناعة، من ذلك الفحش والفحشاء والفاحشة ... وأفحش الرّجل.. قال الفحش، وفحش، وهو فحّاش، ويقولون الفاحش: البخيل، هذا على الاتّساع، والبخل: أقبح خصال المرء «2» . وفحش فلان صار فاحشا. والمتفحّش، الّذي يأتي بالفحش «3» . وقال الجوهريّ: الفحشاء: الفاحشة ... وقد فحش الأمر بالضّمّ فحشا، وتفاحش، وأفحش عليه في المنطق، أي قال الفحش، فهو فحّاش، وتفحّش في كلامه «4» . والفاحش: البخيل جدّا، ورجل فاحش، ذو فحش وخنا من قول أو فعل. وفحّاش كشدّاد: كثير الفحش. وفحش الأمر ككرم فحشا بالضّمّ وتفاحش، وقد يكون الفحش بمعنى عدوان الجواب، أي التّعدّي فيه، وفي القول ومنه الحديث «لا تكوني فاحشة» . والمتفحّش الّذي يتكلّف سبّ النّاس ويتعمّده والّذي يأتي بالفاحشة المنهيّ عنها، وتفحّش في كلامه، وتفحّش عليهم بلسانه، إذا بذا، وتفحّش بالشّيء تفحّشا: شنّع، والفاحش السّيّء الخلق: وفحشت المرأة: قبحت وكبرت. والفحش كلّ ما يشتدّ قبحه من الذّنوب والمعاصي وقيل كلّ ما نهى الله- عزّ وجلّ- عنه، وقيل كلّ خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال، وقيل: كلّ أمر لا يكون موافقا للحقّ والقدر «5» . وقال ابن منظور: الفحش والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل، وجمعهما الفواحش، وأفحش عليه في المنطق، أي قال الفحش، والفحشاء اسم الفاحشة، وقد فحش وفحش، وأفحش وفحش علينا وأفحش إفحاشا وفحشا، والصّحيح أنّ الإفحاش   (1) المصباح المنير (176) . (2) المقاييس (4/ 478) . (3) المفردات (373، 374) . (4) الصحاح (3/ 1014) . (5) التاج (9/ 157، 158) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5231 والفحش الاسم. ورجل فاحش: ذو فحش. وفي الحديث: «إنّ الله يبغض الفاحش المتفحّش» ، فالفاحش ذو الفحش والخنا من قول، أو فعل، والمتفحّش الّذي يتكلّف سبّ النّاس ويتعمّده، وقد تكرّر الفحش والفاحشة والفاحش في الحديث. وهو كلّ ما يشتدّ قبحه من الذّنوب والمعاصي، قال ابن الأثير: وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزّنا، ويسمّى الزّنا فاحشة. قال الله تعالى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (النساء/ 19) . قيل: الفاحشة المبيّنة أن تزني فتخرج للحدّ، وقيل: الفاحشة خروجها من بيتها بغير إذن زوجها، وقال الشّافعيّ: أن تبذو على أحمائها بذرابة لسانها فتؤذيهم وتلوك ذلك، وكلّ خصلة قبيحة، فهي فاحشة من الأقوال والأفعال، وكلّ شيء جاوز قدره وحدّه فهو فاحش حتّى وإن لم تكن هذه المجاوزة فيما هو شرّ «1» . واصطلاحا: ما ينفر عنه الطّبع السّليم ويستنقصه العقل المستقيم «2» . وقال الحراليّ: ما يكرهه الطّبع من رذائل الأعمال الظّاهرة، كما ينكره العقل ويستخبثه الشّرع فيتّفق في حكمه: آيات الله الثّلاث من الشّرع والعقل والطّبع «3» . وقال الرّاغب: الفحش والفحشاء: ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال «4» . وقال الكفويّ: الفاحش كلّ شيء تجاوز قدره فهو فاحش، وكلّ أمر لا يكون موافقا للحقّ فهو فاحش «5» وقال أيضا الفحش: هو عدوان الجواب وعليه قوله لعائشة: «لا تكوني فاحشة» «6» . وقال: كلّ فحشاء ذكرت في القرآن فالمراد الزّنا إلّا في قوله تعالى: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ (البقرة/ 268) فإنّ المراد البخل في أداء الزّكاة «7» . حكم الفحش: ذكر ابن حجر: أنّ ملازمة الشّرّ والفحش من الكبائر مستدلّا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة من ودعه (تركه) النّاس اتّقاء فحشه (الحديث رقم 1) ، وبما روي عن أحمد بن حنبل من أنّ الفحش والتّفحّش ليس من الإسلام في شيء، وأنّ أحسن النّاس إسلاما أحسنهم خلقا «8» . [للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- البذاءة الزنا- سوء الخلق- الفجور- العصيان- العدوان- إطلاق البصر- القذف- الفسوق- انتهاك الحرمات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإيمان- حسن الخلق- العفة- حفظ الفرج- النزاهة- الكلم الطيب- التقوى- الاستقامة- غض البصر- تعظيم الحرمات- الطاعة] .   (1) لسان العرب (6/ 325- 326) . (2) التعريفات للجرجانى (171) . (3) التوقيف (257) . (4) المفردات (373) ، وأخذ ابن المناوي عنه هذا التعريف. (5) الكليات (675) . (6) المرجع السابق (697) . (7) المرجع السابق (674) . (8) الزواجر (152، 153) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5232 الآيات الواردة في «الفحش» 1- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «1» 2- وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) * يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) «2» 3- وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) «3» 4- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) «4»   (1) الأنعام: 151 مدنية (2) الأعراف: 28- 33 مكية (3) الشورى: 37 مكية (4) النجم: 31- 32 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5233 الأحاديث الواردة في ذمّ (الفحش) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة» ، فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الّذي قلت ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه النّاس- اتّقاء فحشه» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم، فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله، وغضب الله عليكم. قال: «مهلا يا عائشة، عليك بالرّفق، وإيّاك والعنف والفحش» قالت: أو لم تسمع ما قالوا. قال: «أو لم تسمعي ما قلت، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ» ) * «2» . 3- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما أنّ أباه توفّي وعليه دين، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلّا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه. فانطلق معي لكي لا يفحش عليّ الغرماء. فمشى حول بيدر من بيادر «3» التّمر، فدعا ثمّ آخر ثمّ جلس عليه فقال: «انزعوه» ، فأوفاهم الّذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش، فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش، وإيّاكم والشّحّ، فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا ... الحديث) * «5» . 5- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسما، فقلت: والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحقّ به منهم، قال: «إنّهم خيّروني أن يسألوني بالفحش أو يبخّلوني، فلست بباخل» ) * «6» . 6- * (عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس أحد أحبّ إليه المدح من الله- عزّ وجلّ-، من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرّم الفواحش ... الحديث» ) * «7» . 7- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن   (1) البخاري- الفتح 10 (6054) واللفظ له، مسلم (2591) . (2) البخاري- الفتح 10 (6030) واللفظ له، مسلم (2593) . (3) البيدر: هو كالجرن للحب. (4) البخاري- الفتح 6 (3580) . (5) أبو داود (1698) ، وأحمد (2/ 159، 160) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (9/ 251) برقم (6487) : إسناده صحيح. ورواه بنحوه باختصار مسلم رقم (2578) من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- (6) مسلم (1056) . (7) البخاري- الفتح 9 (5220) ، مسلم (2760) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5234 بالطّعّان، ولا اللّعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء) * «1» . 8- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما كان الفحش في شيء إلّا شانه، وما كان الحياء في شيء إلّا زانه» ) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الفحش) معنى 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، والبذاء «3» من الجفاء، والجفاء في النّار» ) * «4» 10- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج من منزله قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو أزلّ، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ» ) * «5» . من الآثار الواردة في ذمّ (الفحش) 1- * (قال الشّاعر: أحبّ مكارم الأخلاق جهدي ... وأكره أن أعيب وأن أعابا وأصفح عن سباب النّاس حلما ... وشرّ النّاس من يهوى السّبابا) * «6» من مضار (الفحش) (1) البعد من الله ومن النّاس. (2) يوجب سخط الله وغضبه. (3) استحقاق الوعيد في الآخرة. (4) معول هدم في المجتمع. (5) دليل على سوء الخاتمة.   (1) أحمد في المسند (1/ 405) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح 5/ 322 برقم (3839) ، والترمذي (1977) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب. (2) الترمذى (1974) واللفظ له وقال حديث حسن، وابن ماجة (4185) وقال محقق جامع الأصول إسناده حسن (3) البذاء: الفحش في الكلام. (4) الترمذي (2009) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصحح إسناده الشيخ الألباني، صحيح الجامع (3194) . (5) ابن ماجه (3884) واللفظ له، والنسائي (8/ 268) ، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5061) . (6) الترغيب والترهيب ص (469) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5235 الفساد الفساد لغة: الفساد: مصدر فسد يفسد فسادا وهو ضدّ الصّلاح، يقول ابن فارس: «الفاء والسّين والدّال كلمة واحدة، فسد الشّيء يفسد فسادا، وهو فاسد وفسيد «1» ، قال اللّيث: الفساد: نقيض الصّلاح، والفعل فسد يفسد فسادا، قلت ولغة أخرى: فسد فسودا، واستفسد السّلطان قائده إذا أساء إليه حتّى استعصى عليه «2» » ، وقيل الفساد (في الأرض) مأخوذ من فسد اللّحم. يقول ابن جرير الطّبريّ في معنى قوله تعالى: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (البقرة/ 205) اختلف أهل التّأويل في معنى الإفساد الّذي أضافه الله- عزّ وجلّ- إلي هذا المنافق: فقال: تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطّريق، وإخافته السّبيل كما حدث من الأخنس بن شريق. وقال بعضهم: بل معنى ذلك قطع الرّحم وسفك دماء المسلمين ... وقد يدخل في الإفساد جميع المعاصي، وذلك أنّ العمل بالمعاصي إفساد في الأرض، فلم يخصّص الله وصفه ببعض معاني الإفساد دون بعض «3» . وقال القرطبيّ في قوله تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ قال العبّاس بن الفضيل: الفساد هو الخراب. وقال سعيد بن المسيّب: قطع الدّراهم من الفساد في الأرض. قلت: والآية بعمومها تضمّ كلّ فساد في أرض أو مال أو دين، وهو الصّحيح إن شاء الله تعالى. قيل: معنى لا يحبّ الفساد: أي لا يحبّه من أهل الصّلاح، أو لا يحبّه دينا، ويحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به، والله أعلم «4» ، والفساد في قوله تعالى: لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً (القصص/ 83) فمعناه أخذ المال ظلما بغير حقّ. أمّا قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الروم/ 41) الفساد هنا الجدب في البرّ، والقحط في البحر «5» . قال ابن منظور: وفسد يفسد ويفسد وفسد فسادا وفسودا فهو فاسد وفسيد فيهما. ولا يقال انفسد. وأفسدته أنا. وقوله تعالى: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً (المائدة/ 33) نصب فسادا لأنّه مفعول له، أراد يسعون في الأرض للفساد. وتفاسد القوم: تدابروا وقطعوا الأرحام.   (1) المقاييس (4/ 503) . (2) تهذيب اللغة للأزهري (12/ 369- 370) . ولسان العرب «فسد» . (3) جامع البيان للطبري (2/ 330- 331) . (4) القرطبي (2/ 14) . (5) تاج العروس (5/ 164- 165) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5236 والمفسدة: خلاف المصلحة. والاستفساد: خلاف الاستصلاح. وقالوا: هذا الأمر مفسدة لكذا: أي فيه فساد. قال الشّاعر: إنّ الشّباب والفراغ والجده ... مفسدة للعقل أيّ مفسده «1» الفساد اصطلاحا: قال الرّاغب: الفساد خروج الشّيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عليه أو كثيرا، ويستعمل في النّفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة «2» . وقال المناويّ: الفساد: هو انتقاض صورة الشّيء «3» ، وفساد (البيوع) عند الفقهاء ما كان مشروعا بأصله غير مشروع بوصفه، وهو يرادف البطلان عند الشّافعيّة، وضدّه الصّحّة، ويشكّل قسما قائما برأسه عند الأحناف: فالشّيء عندهم إمّا صحيح، وإمّا باطل، وإمّا فاسد «4» . وقال ابن الجوزيّ: والفساد: تغيّر الشّيء عمّا كان عليه من الصّلاح، وقد يقال في الشّيء مع قيام ذاته، ويقال فيه مع انتقاضها، ويقال فيه إذا بطل وزال. ويذكر الفساد في الدّين كما يذكر في الذّات. فتارة يكون بالعصيان، وتارة بالكفر، ويقال في الأقوال إنّها فاسدة إذا كانت غير منتظمة، وفي الأفعال إذا لم يعتدّ بها «5» . الفساد في الأرض: من الفساد في الأرض ما أشارت إليه الآية الكريمة وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها (البقرة/ 205) ويكون هذا الفساد بقطع الطّريق وإخافتها، وقيل بقطع الرّحم وسفك دماء المسلمين، وقد يدخل في هذا ارتكاب جميع المعاصي «6» . الإفساد اصطلاحا: قال الكفويّ: الإفساد هو جعل الشّيء فاسدا خارجا عمّا ينبغي أن يكون عليه وعن كونه منتفعا به، وهو في الحقيقة: إخراج الشّيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح «7» . حكم الفساد (أو الإفساد في الأرض) : يقول ابن حجر بعد أن ذكر الآية الكريمة إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً (المائدة/ 33) : كما ذكر الله تعالى تغليظ الإثم في قتل النّفس بغير حقّ، والإفساد في الأرض أتبعه ببيان نوع من أنواع الفساد في الأرض وذكر أنّ عدّ هذا الفساد كبيرة هو ما صرّح به جمع، وصرّح بعضهم أنّه بمجرّد قطع الطّريق وإخافة   (1) لسان العرب مادة «فسد» وبصائر ذوي التمييز (4/ 192) . (2) المفردات (397) . (3) التوقيف (260) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، وقد نقل المناوي والجرجاني تعريف «الفساد» عند الحكماء (الفلاسفة) ، وهو خارج عن المعنى المراد هنا. انظر التعريفات للجرجاني (173) . (5) نزهة الأعين النواظر (470) . (6) انظر تفسير القرطبي (2/ 330) ، وراجع المقدمة اللغوية. (7) الكليات للكفوي (154) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5237 السّبيل ترتكب الكبيرة، فكيف إذا أخذ المال، أو جرح، أو قتل، أو فعل كبائر «1» . الفرق بين الفساد والظلم: قال الكفويّ: الفساد أعمّ من الظّلم؛ لأنّ الظّلم النّقص، فإنّ من سرق مال الغير مثلا فقد نقص حقّ الغير، أمّا الفساد فيقع على ذلك وعلى غيره كالابتداع واللهو واللّعب «2» . الفرق بين الفاسد والباطل: وقال رحمه الله: الفاسد ما أمكن الانتفاع به رغما عن رداءته، من قولهم فسد اللّحم إذا أنتن، والباطل ما لا يمكن أن ينتفع به، من قولهم بطل اللّحم إذا دوّد وسوّس بحيث لا يمكن الانتفاع به «3» . من معاني كلمة «الفساد» في القرآن الكريم: أحدها: المعصية. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 11) : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ والثّاني: الهلاك، ومنه قوله تعالى في (الأنبياء/ 22) : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا. الثّالث: الخراب، ومنه قوله تعالى في (النّمل/ 34) : إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها. الرّابع: المنكر، ومنه قوله تعالى في (هود/ 116) : أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ. الخامس: السّحر، ومنه قوله تعالى في (يونس/ 81) : إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. قال ابن القيّم رحمه الله في قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (الأعراف/ 56) : قال أكثر المفسّرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدّعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله لها ببعث الرّسل، وبيان الشّريعة، والدّعاء إلى طاعة الله، فإنّ عبادة غير الله والدّعوة إلى غيره والشّرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنّما هو بالشّرك به ومخالفة أمره، فالشّرك والدّعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره، ومطاع متّبع غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلّا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدّعوة له لا لغيره، والطّاعة والاتّباع لرسوله ليس إلّا، وغيره إنّما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة. ومن تدبّر أحوال العالم وجد كلّ صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكلّ شرّ في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدوّ وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله، والدّعوة إلى غير الله ورسوله «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- السحر السرقة- الظلم- العصيان- القتل- الطغيان- العتو- الغدر- نقض العهد- الفتنة- البغي. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصلاح- الاستقامة- التقوى- الطاعة- تعظيم الحرمات- تكريم الإنسان] .   (1) الزواجر (565، 568) ، وانظر أيضا الكبائر للذهبي (100) . (2) الكليات (692) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) فتح المجيد (395) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5238 الآيات الواردة في «الفساد» الفساد بمعنى العصيان: 1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) «1» 2- * إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27) «2» 3- * وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) «3» 4- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «4» 5- إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) «5» 6- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «6»   (1) البقرة: 8- 12 مدنية (2) البقرة: 26- 27 مدنية (3) البقرة: 60 مدنية (4) البقرة: 219- 220 مدنية (5) آل عمران: 62- 63 مدنية (6) الأعراف: 55- 56 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5239 7- وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) «1» 8- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) «2» 9- * وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) «3» 10- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (27) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) «4» 11- * وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)   (1) الأعراف: 74 مكية (2) الأعراف: 85- 87 مكية (3) الأعراف: 142 مكية (4) يونس: 37- 41 (40 مدنية؛ 37- 41 مكية) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5240 بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «1» 12- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88) «2» 13- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) «3» 14- * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) «4» 15- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) «5» 16- * إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) «6» 17- تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84) «7»   (1) هود: 84- 86 مكية (2) النحل: 88 مكية (3) الشعراء: 141- 152 مكية (4) الشعراء: 181- 184 مكية (5) النمل: 13- 14 مكية (6) القصص: 76- 78 مكية (7) القصص: 83- 84 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5241 18- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (28) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) «1» 19- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (37) «2» 20- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «3» الفساد بمعنى الهلاك: 21- فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) «4» 22- وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) «5»   (1) العنكبوت: 28- 30 مكية (2) العنكبوت: 36- 37 مكية (3) ص: 27- 28 مكية (4) البقرة: 251- 252 مدنية (5) الإسراء: 4- 8 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5242 23- أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) «1» 24- أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) «2» الفساد بمعنى القتل: 25- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) «3» 26- وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (127) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) «4» 27- * وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «5» 28- قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96)   (1) الأنبياء: 21- 24 مكية (2) المؤمنون: 68- 71 مكية (3) الأعراف: 103 مكية (4) الأعراف: 127- 128 مكية (5) يونس: 90- 92 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5243 فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) «1» 29- وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) «2» 30- طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) «3» 31- وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14) «4» الفساد بمعنى التخريب والتدمير: 32- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) «5» 33- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) «6» 34- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28)   (1) الكهف: 94- 98 مكية (2) النمل: 48- 50 مكية (3) القصص: 1- 4 مكية (4) الفجر: 10- 14 مكية (5) البقرة: 30 مدنية (6) البقرة: 204- 206 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5244 إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) «1» 35- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «2» 36- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) «3» 37- وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) «4» 38- وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (70)   (1) المائدة: 27- 33 مدنية (2) المائدة: 64 مدنية (3) الأنفال: 73- 74 مدنية (4) هود: 115- 117 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5245 قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (71) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73) «1» 39- وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) «2» 40- قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34) «3» 41- فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23) «4» الفساد بمعنى القحط: 42- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) «5» الفساد بمعنى السحر: 43- قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) «6»   (1) يوسف: 69- 73 مكية (2) الرعد: 25 مدنية (3) النمل: 29- 34 مكية (4) محمد: 22- 23 مدنية (5) الروم: 41 مكية (6) يونس: 77- 83 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5246 الأحاديث الواردة في ذمّ (الفساد) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآية اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ قطرة من الزّقّوم «1» قطرت في دار الدّنيا لأفسدت على أهل الدّنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟» ) * «2» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أتيت على راع فناد ثلاث مرّات، فإن أجابك وإلّا فاشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاث مرّات. فإن أجابك وإلّا فكل من غير أن تفسد» ) * «3» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك. لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا» ) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» ) * «5» . 5- * (عن قرّة بن إياس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا فسد أهل الشّام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمّتي منصورين، لا يضرّهم من خذلهم حتّى تقوم السّاعة» . قال محمّد بن إسماعيل: قال عليّ بن المدينيّ: هم أصحاب الحديث» ) * «6» . 6- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة» قالوا: بلى. قال: «صلاح ذات البين فإنّ فساد ذات البين؛ هي الحالقة» ) * «7» . 7- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال   (1) الزقوم: هو ما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (الصافات/ 64) . (2) الترمذي (2585) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (10/ 516) مثله. (3) أحمد (3/ 85- 86) ، والحاكم في المستدرك (4/ 132) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (4) البخاري- الفتح 3 (1437) ، ومسلم (1024) واللفظ له. (5) الترمذي (1084) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (11/ 465) : حديث حسن. (6) الترمذي (2192) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن حبان رقم (7303) ؛ باختصار. (7) الترمذي (2509) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح، أبو داود (4919) وقال الألباني (3/ 929) : صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5247 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسكوا عليكم أموالكم «1» ولا تفسدوها. فإنّه من أعمر عمرى «2» فهي للّذي أعمرها. حيّا وميّتا. ولعقبه» ) * «3» . 8- * (عن جبير بن نفير، وكثير بن مرّة، وعمرو بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الأمير إذا ابتغى الرّيبة في النّاس أفسدهم» ) * «4» . 9- * (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين ليأرز «5» إلى الحجاز كما تأرز الحيّة إلى جحرها، وليعقلنّ «6» الدّين من الحجاز معقل الأروية «7» من رأس الجبل، إنّ الدّين بدأ غريبا، ويرجع غريبا، فطوبى «8» للغرباء الّذين يصلحون ما أفسد النّاس من بعدي من سنّتي» ) * «9» . 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكره عشرا، الصفرة «10» ، وتغيير الشّيب، وجرّ الإزار. وخاتم الذّهب، أو قال: حلقة الذّهب، والضّرب بالكعاب «11» ، والتّبرّج بالزّينة في غير محلّها، والرّقى إلّا بالمعوّذات، والتّمائم، وعزل الماء، وإفساد الصّبيّ «12» من غير أن يحرّمه» ) * «13» . 11- * (عن أبي الأحوص أنّ عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- يرفع الحديث إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ شرار الرّوايا روايا الكذب، ولا يصلح من الكذب جدّ ولا هزل، ولا يعد الرّجل ابنه ثمّ لا ينجز له، إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة. وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وإنّه يقال للصّادق صدق وبرّ، ويقال للكاذب كذب وفجر، وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا، ويكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا، وإنّه قال   (1) أمسكوا عليكم أموالكم: المراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية يملكها الموهوب له ملكا تاما. لا يعود إلى الواهب أبدا. فإذا علموا ذلك، فمن شاء أعمر ودخل على بصيرة. ومن شاء ترك. لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية، ويرجع فيها. (2) العمرى: قوله: أعمرتك هذه الدار- مثلا- أو جعلتها لك عمرك أو حياتك، أو ما عشت. (3) مسلم (1625) باب العمرى والرقبى. (4) أبو داود (4889) وقال الألباني (3/ 924) : صحيح بما قبله. انظر الرقم (4089) في صحيح سنن أبي داود للألباني. وأحمد (6/ 4) . (5) يأرز: أي يجتمع وينضم. (6) ليعقلن: أي ليعتصم ويلتجىء ويحتمي. (7) الأروية: الشاة الواحدة من شياه الجبل، وجمعها: أروى. وهي أنثى الوعول. (8) طوبى: اسم الجنة، أي: فالجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا غرباء في أول الإسلام، والذين يصيرون غرباء بين الكفار في آخره لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا، أو لزومهم دين الإسلام. (9) الترمذي (2630) وقال: حديث حسن صحيح ولأوله وآخره شواهد صحيحة. (10) الصفرة: نوع من الطيب فيه صفرة ويسمى خلوقا. (11) الضرب بالكعاب: أي اللعب بفصوص النرد. (12) إفساد الصبي: هو إتيان المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها وكان من ذلك فساد الصبي، ويسمى الغيلة. (13) أحمد (1/ 380، 397، 439) واللفظ في الرقم الأخير وقال الشيخ أحمد شاكر (6/ 103) : إسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5248 لنا: هل أنبّئكم ما العضه «1» ؟ وإنّ العضه هي النّميمة الّتي تفسد بين النّاس» ) * «2» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه حدّث مروان بن الحكم قال: حدّثني حبّي أبو القاسم الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ فساد أمّتي على يدي غلمة سفهاء من قريش» ) * «3» . 13- * (عن عبد الله بن بريدة قال: شكّ عبيد الله بن زياد في الحوض فقال له أبو سبرة- رجل من صحابة عبيد الله بن زياد- فإنّ أباك حين انطلق وافدا إلى معاوية انطلقت معه فلقيت عبد الله بن عمرو فحدّثني من فيه إلى فيّ حديثا سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأملاه عليّ، وكتبته قال: فإنّي أقسمت عليك لما أعرقت هذا البرذون حتّى تأتيني بالكتاب قال: فركبت البرذون، فركضته حتّى عرق، فأتيته بالكتاب، فإذا فيه: حدّثني عبد الله بن عمرو بن العاص: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يبغض الفحش والتّفحّش، والّذي نفس محمّد بيده لا تقوم السّاعة حتّى يخوّن الأمين ويؤتمن الخائن حتّى يظهر الفحش والتّفحّش، وقطيعة الأرحام، وسوء الجوار، والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن كمثل القطعة من الذّهب نفخ عليها صاحبها فلم تغيّر ولم تنقص، والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل النّحلة أكلت طيّبا، ووضعت طيّبا، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد، قال: وقال: ألا إنّ لي حوضا ما بين ناحيتيه كما بين أيلة إلى مكة، أو قال: صنعاء إلى المدينة، وإنّ فيه من الأباريق مثل الكواكب، هو أشدّ بياضا من اللّبن، وأحلى من العسل، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا» ، قال أبو سبرة: فأخذ عبيد الله ابن زياد الكتاب، فجزعت عليه، فلقيني يحيى بن يعمر، فشكوت ذلك إليه، فقال: والله لأنا أحفظ له منّي لسورة من القرآن، فحدّثني به كما كان في الكتاب سواء» ) «4» . 14- * (عن محيصة- رضي الله عنه- أنّ ناقة للبراء بن عازب- رضي الله عنهما- دخلت حائط رجل فأفسدته، فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أهل الأموال حفظها بالنّهار، وعلى أهل المواشي حفظها باللّيل» ) * «5» . 15- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات النّاس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» ) * «6» . فقال أبو الدّرداء: كلمة سمعها معاوية من   (1) والعضه: البهتان والكذب الذي لا حقيقة له. (2) الدارمي (2715) ، وأصله عند مسلم (2602) . (3) المسند (2/ 88) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (14/ 255) برقم (7858) إسناده صحيح، والحاكم في المستدرك (4/ 470) وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. وقد شهد حذيفة بن اليمان بصحة هذا الحديث: ووافقه الذهبي. (4) أحمد (2/ 199) وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 90) برقم (6872) : إسناده صحيح. (5) أبو داود (3569) وقال الألباني (2/ 681) : صحيح. (6) أبو داود (4888) واللفظ له وقال الألباني (3/ 924) : صحيح، وقال محقق جامع الأصول (6/ 654) : وإسناده حسن ورواه ابن حبان في صحيحه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5249 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفعه الله تعالى بها. 16- * (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله، طاب أعلاه وإذا فسد أسفله فسد أعلاه» ) * «1» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلّا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفنّدا «2» ، أو موتا مجهزا، أو الدّجّال فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة فالسّاعة أدهى وأمرّ» ) * «3» . 18- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس. فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «4» . 19- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الغزو غزوان: فأمّا من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد فإنّ نومه ونبهه أجر كلّه، وأمّا من غزا فخرا ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض فإنّه لم يرجع بالكفاف» ) * «5» . 20- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا أنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الأنعام/ 152) وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً (النساء/ 10) الآية. انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتّى يأكله أو يفسد. فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ (البقرة/ 220) فخلطوا طعامهم بطعامه، وشرابهم بشرابه» ) * «6» . 21- * (عن كعب بن مالك الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ماذئبان   (1) ابن ماجه (4199) وقال في الزوائد: في إسناده عثمان بن إسماعيل، لم أر من تكلم فيه. وباقي رجال الإسناد موثقون. (2) مفندا: الفند ضعف العقل والفهم والتخليط في الكلام من الهرم. (3) الترمذي (2306) واللفظ له وقال: هذا حديث غريب، وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 13، 14) : وهو صحيح بشواهده. (4) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له، ومسلم (1599) . (5) أبو داود (2515) واللفظ له وقال الألباني (2/ 478) : حسن، والنسائي (7/ 155) ، وأحمد (5/ 234) ، والموطأ (2/ 43 الجهاد) . (6) أحمد (1/ 325، 326) ، أبو داود (2871) واللفظ له، وقال الألباني (2/ 555) : حسن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5250 جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف لدينه» ) * «1» . 22- * (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من خبّب «2» زوجة امرىء أو مملوكه فليس منّا» ) * «3» . 23- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ الطّفيل ابن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله هل لك في حصن حصين «4» ومنعة «5» ؟ (قال حصن كان لدوس في الجاهليّة) فأبى ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للّذي ذخر الله للأنصار. فلمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة «6» . فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص «7» له، فقطع بها براجمه «8» ، فشخبت يداه «9» حتّى مات. فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطّيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطّفيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ وليديه فاغفر» ) * «10» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الفساد) معنى 24- * (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه-: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فضرب يده على صدري حتّى رأيت أثر يده في صدري، وقال: «اللهمّ ثبّته، واجعله   (1) الترمذي (2376) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (3/ 628) : وهو حديث صحيح. (2) خبب: من التخبيب وهو الخداع للإفساد. من قولهم خبّب فلان غلامي خدعه وأفسده. (3) أبو داود (5170) واللفظ له وقال الألباني (3/ 971) : صحيح وهو في الصحيحة (324) ، الهيثمي في المجمع (5/ 77) بسند آخر وقال: رواه الطبراني في الصغير والكبير. وفيه أبو طيبة يخطيء وبقية رجاله ثقات. ورواه ابن حبان رقم (568) وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «موارد الظمآن» رقم (1319) : إسناده قوي. (4) هل لك في حصن حصين: قال ابن حجر: يعني أرض دوس (5) ومنعة: بفتح النون واسكانها، وهي العزة والامتناع. وقيل: منعة جمع مانع كظلمة وظالم أي جماعة يمنعوك ممن يقصدك بمكروه. (6) فاجتووا المدينة: معناه كرهوا المقام بها لضجر ونوع من سقم. قال أبو عبيد والجوهري وغيرهما: اجتويت البلد إذا كرهت المقام به، وإن كنت في نعمة. قال الخطابي: وأصله من الجوى، وهو داء يصيب الجوف. (7) مشاقص: جمع مشقص. قال الخليل وابن فارس وغيرهما: هو سهم فيه نصل عريض. وقال آخرون: سهم طويل، ليس بالعريض. وقال الجوهري: المشقص ما طال وعرض. وهذا هو الظاهر هنا لقوله: فقطع بها براجمه. ولا يحصل ذلك إلا بالعريض. (8) براجمه: البراجم مفاصل الأصابع، واحدتها برجمة. (9) فشخبت يداه: أي سال دمها: وقيل: سال بقوة. (10) مسلم (116) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5251 هاديا مهديّا، قال: فما وقعت عن فرس بعد. قال: وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد، يقال له الكعبة. قال: فأتاها فحرّقها بالنّار وكسرها. قال: ولمّا قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام فقيل له: إنّ رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هاهنا فإن قدر عليك ضرب عنقك. قال: فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال: لتكسرنّها ولتشهدنّ أن لا إله إلّا الله أو لأضربنّ عنقك. قال: فكسرها وشهد ثمّ بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبشّره بذلك. فلمّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ ما جئت حتّى تركتها كأنّها جمل أجرب. قال فبرّك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خيل أحمس ورجالها خمس مرّات» ) * «1» . 25- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أشراط السّاعة: الفحش، والتّفحّش، وسوء الجوار، وقطع الأرحام، وأن يؤتمن الخائن، ويخوّن الأمين، ومثل المؤمن كمثل النّحلة أكلت طيّبا، ووضعت طيّبا، ألا إنّ أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده، ألا إنّ حوضي طوله كعرضه، أبيض من اللّبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد النّجوم، من أقداح الذّهب والفضّة، من شرب منه شربة لم يظمأ آخر ما عليها أبدا» ) * «2» . 26- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والدّخول على النّساء» . فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت» ) * «3» . 27- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال. وحذّرناه. فكان من قوله أن قال: «إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرّيّة آدم أعظم من فتنة الدّجّال، وإنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا حذّر أمّته الدّجّال، وأنا آخر الأنبياء. وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة. وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكلّ مسلم، وإن يخرج من بعدي فكلّ امرىء حجيج نفسه- والله خليفتي على كلّ مسلم، وإنّه يخرج من خلّة بين الشّام والعراق. فيعيث يمينا ويعيث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا؛ فإنّي سأصفه لكم صفة لم يصفها إيّاه نبيّ قبلي. إنّه يبدأ فيقول: أنا نبيّ، ولا نبيّ بعدي. ثمّ يثنّي فيقول: أنا ربّكم- ولا ترون ربّكم حتّى تموتوا- وإنّه أعور، وإنّ ربّكم ليس بأعور، وإنّه مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كلّ مؤمن كاتب أو غير كاتب، وإنّ من فتنته أنّ معه جنّة ونارا. فناره جنّة، وجنّته نار، فمن ابتلي بناره   (1) البخاري- الفتح 7 (4357) واللفظ له، ومسلم (2476) . (2) أخرجه أبو الشيخ (142) في التوبيخ وقال محقق كتاب الخرائطي (118) : الحديث صحيح وإسناده حسن وأورد له شواهد من حديث أنس وأبي هريرة في مجمع الزوائد والبزار. (3) البخاري- الفتح 9 (5232) ، ومسلم (2172) واللفظ متفق عليه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5252 فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النّار على إبراهيم. وإنّ من فتنته أن يقول لأعرابيّ: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمّك أتشهد أنّي ربّك؟ فيقول: نعم. فيتمثّل له شيطانان في صورة أبيه وأمّه فيقولان: يا بنيّ اتّبعه فإنّه ربّك. وإنّ من فتنته أن يسلّط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتّى يلقى شقّتين. ثمّ يقول: انظروا إلى عبدي هذا. فإنّي أبعثه الآن، ثمّ يزعم أنّ له ربّا غيري. فيبعثه الله ويقول له الخبيث: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، وأنت عدوّ الله. أنت الدّجّال. والله ما كنت بعد أشدّ بصيرة بك منّي اليوم» قال أبو الحسن الطّنافسيّ: فحدّثنا المحاربيّ. حدّثنا عبيد الله بن الوليد الوصافيّ عن عطيّة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك الرّجل أرفع أمّتي درجة في الجنّة» قال: قال أبو سعيد: والله ما كنّا نرى ذلك الرّجل إلّا عمر بن الخطّاب. حتّى مضى لسبيله. قال المحاربيّ: ثمّ رجعنا إلى حديث أبي رافع. قال: وإنّ من فتنته أن يأمر السّماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، وإنّ من فتنته أن يمرّ بالحيّ فيكذّبونه فلا تبقى لهم سائمة إلّا هلكت وإنّ من فتنته أن يمرّ بالحيّ فيصدّقونه فيأمر السّماء أن تمطر فتمطر. ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت. حتّى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه، وأمدّه خواصر، وأدرّه ضروعا وإنّه لا يبقى شيء من الأرض إلّا وطئه وظهر عليه إلّا مكّة والمدينة. لا يأتيهما من نقب «1» من نقابهما إلّا لقيته الملائكة بالسّيوف صلتة «2» حتّى ينزل عند الظّريب «3» الأحمر عند منقطع السّبخة «4» . فترجف «5» المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلّا خرج إليه. فتنفى الخبث «6» منها كما ينفي الكير خبث الحديد. ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص» . فقالت أمّ شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: «هم يومئذ قليل. وجلّهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح. فبينما إمامهم قد تقدّم يصلّى بهم الصّبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصّبح. فرجع ذلك الإمام ينكص «7» يمشى القهقرى ليتقدّم عيسى يصلّي بالنّاس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثمّ يقول له: تقدّم فصلّ، فإنّها لك أقيمت. فيصلّي بهم إمامهم. فإذا انصرف قال عيسى- عليه السّلام-: افتحوا الباب فيفتح، ووراءه الدّجّال. معه سبعون ألف يهوديّ كلّهم ذو سيف محلّى وساج «8» . فإذا نظر إليه   (1) نقب: هو طريق بين جبلين. (2) صلته: أي مجردة. يقال: أصلت السيف، إذا جرده من غمده. وضربه بالسيف صلتا. (3) الظريب: تصغير ظرب، بوزن كتف، والظراب: الجبال الصغار. (4) السبخة: هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلّا بعض الشجر. (5) ترجف: أصل الرجف الحركة والاضطراب. أي تتزلزل وتضطرب. (6) الخبث: هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا. (7) ينكص: النكوص الرجوع إلى الوراء. وهو القهقرى. (8) وساج: الساج هو الطيلسان الأخضر. وقيل: الطيلسان المقور، ينسج كذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5253 الدّجّال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا. ويقول عيسى- عليه السّلام-: إنّ لي فيك ضربة لن تسبقني بها «1» . فيدركه عند باب اللّدّ «2» الشّرقيّ فيقتله. فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء ممّا خلق الله يتوارى به يهوديّ إلّا أنطق الله ذلك الشّيء: لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابّة (إلّا الغرقدة «3» فإنّها من شجرهم لا تنطق) إلّا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهوديّ فتعال اقتله» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّ أيّامه أربعون سنة: السّنة كنصف السّنة، والسّنة كالشّهر، والشّهر كالجمعة. وآخر أيّامه كالشّررة «4» . يصبح أحدكم على باب المدينة. فلا يبلغ بابها الآخر حتّى يمسي» فقيل له: يا رسول الله كيف نصلّى في تلك الأيّام القصار؟ قال: «تقدرون فيها الصّلاة كما تقدرونها في هذه الأيّام الطّوال، ثمّ صلّوا» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيكون عيسى ابن مريم- عليه السّلام في أمّتي حكما «5» عدلا، وإماما مقسطا «6» . يدقّ الصّليب «7» ، ويذبح الخنزير «8» ويضع الجزية «9» . ويترك الصّدقة «10» ، فلا يسعى «11» على شاة ولا بعير. وترفع الشّحناء والتّباغض، وتنزع حمة كلّ ذات حمة حتّى يدخل الوليد يده في الحيّة فلا تضرّه، وتفرّ «12» الوليدة الأسد فلا يضرّها، ويكون الذّئب في الغنم كأنّه كلبها، وتملأ الأرض من السّلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلّا الله وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها وتكون الأرض كفاثور الفضّة «13» تنبت نباتها بعهد آدم حتّى يجتمع النّفر على القطف «14» من العنب فيشبعهم ويجتمع النّفر على الرّمّانة فتشبعهم ويكون الثّور بكذا وكذا من المال، وتكون الفرس بالدّريهمات» قالوا: يا رسول الله، وما يرخص الفرس؟ قال: «لا تركب لحرب أبدا» قيل له: فما يغلي الثّور؟ قال: «تحرث الأرض كلّها. وإنّ قبل خروج الدّجّال ثلاث سنوات شداد يصيب النّاس فيها جوع شديد يأمر الله السّماء في السّنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها. ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها. ثمّ يأمر السّماء في الثّانية، فتحبس ثلثي مطرها. ويأمر الأرض فتحبس ثلثي   (1) لن تسبقني بها: أي لن تفوتها علي. (2) بباب اللد: في النهاية: لد موضع بالشام، وقيل: بفلسطين. (3) الغرقدة: هو ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك. (4) كالشررة: واحدة الشرر. وهو ما يتطاير من النار. (5) حكما: أي حاكما بين الناس. (6) مقسطا: أي عادلا في الحكم. (7) يدق الصليب: أي يكسره بحيث لا يبقى من جنس الصليب شيء. (8) ويذبح الخنزير: أي يحرم أكله، أو يقتله بحيث لا يوجد في الأرض ليأكله أحد. والحاصل أنه يبطل دين النصارى. (9) ويضع الجزية: أي لا يقبلها من أحد من الكفرة، بل يدعوهم إلى الإسلام. (10) ويترك الصدقة: أي الزكاة، لكثرة الأموال. (11) فلا يسعى: قال في النهاية: أن يترك زكاتها فلا يكون لها ساع. (12) تفر: أي تحمله على الفرار. (13) كفاثور الفضة: الفاثور: الخوان. وقيل: هو طست أو جام من فضة أو ذهب. (14) القطف: العنقود. وهو اسم لكل ما يقطف. كالذبح والطحن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5254 نباتها، ثمّ يأمر الله السّماء في السّنة الثّالثة فتحبس مطرها كلّه. فلا تقطر قطرة «1» ، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كلّه، فلا تنبت خضراء. فلا تبقى ذات ظلف «2» إلّا هلكت إلّا ما شاء الله» . قيل: فما يعيش النّاس في ذلك الزّمان؟ قال: «التّهليل والتّكبير والتّسبيح والتّحميد، ويجرى ذلك عليهم مجرى الطّعام» قال أبو عبد الله: سمعت أبا الحسن الطّنافسيّ يقول: سمعت عبد الرّحمن المحاربيّ يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدّب حتّى يعلّمه الصّبيان في الكتّاب» ) * «3» . 28- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم ينس من صلاته شيئا فقال: «مجالسكم» «4» ، ثمّ حمد الله تعالى، وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد «5» : «هل منكم الرّجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟» قالوا: نعم، قال. «ثمّ يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا فعلت كذا» قال: فسكتوا قال: فأقبل على النّساء فقال: «هل منكنّ من تحدّث؟» فسكتن، فجثت فتاة على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليراها. ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله: إنّهم ليتحدّثون، وإنّهنّ ليتحدّثنه، فقال: «هل تدرون ما مثل ذلك؟» فقال: «إنّما ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانا في السّكّة فقضى منها حاجته والنّاس ينظرون إليه. ألا وإنّ طيب الرّجال ما ظهر ريحه، ولم يظهر لونه، ألا إنّ طيب النّساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه ألا لا يفضينّ رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة إلّا إلى ولد أو والد» ) * «6» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان «7» من أهل النّار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس، ونساء كاسيات عاريات «8» مميلات «9» مائلات «10» رؤوسهنّ كأسنمة البخت «11» المائلة. لا يدخلن الجنّة،   (1) فلا تقطر قطرة: في المصباح: يتعدى ولا يتعدى. هذا قول الأصمعي. وقال أبو زيد: لا يتعدى بنفسه بل بالألف. (2) الظلف: في المنجد: هو لما اجتر من الحيوانات كالبقرة والظبي، بمنزلة الحافر للفرس. (3) أخرجه البخاري- الفتح مقطعا رقم (7122- 7123) ومن (7132- 7134) ، وعند مسلم (2940) نحوه، واللفظ لابن ماجه (4077) . (4) مجالسكم: أي الزموا مجالسكم ولا تبرحوها. (5) ذكر أبو داود لفظ «مجالسكم) مرتين، قال: وزاد موسى (أحد الرواة) ههنا، كما زاد قوله «ثمّ اتّفقوا» (أي الرجال والنساء أو الرواة. (6) أبو داود (2174) واللفظ له، أحمد (2/ 541) ، والبيهقي (10/ 194) في السنن من حديث أبي سعيد وقال محقق كتاب مساوىء الأخلاق للخرائطي (164) : إسناده صحيح. (7) صنفان ... الخ: هذا الحديث من معجزات النبوة. فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان وفيه ذم هذين الصنفين. (8) كاسيات عاريات: قيل: معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه. وقيل: معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها. (9) مميلات: قيل يعلمن غيرهن الميل. وقيل: مميلات لأكتافهن. (10) مائلات: أي يمشين متبخترات. وقيل: مائلات يمشين المشية المائلة وهي مشية البغايا. ومميلات يمشين غيرهن تلك المشية. (11) البخت: قال في اللسان: البخت والبختيه دخيل في العربية. أعجمي معرب. وهي الإبل الخراسانية. تنتج من بين عربية وفالج، (والفالج: البعير ذو السنامين. وهو الذي بين البختي والعربي. سمي بذلك لأن سنامه نصفان) . الواحد بختي. جمل بختي وناقة بختية. ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت، أي يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5255 ولا يجدن ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» ) * «1» . 30- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قدم رهط من عكل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كانوا في الصّفّة، فاجتووا المدينة فقالوا: يا رسول الله أبغنا «2» رسلا «3» فقال: «ما أجد لكم إلّا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتوها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتّى صحّوا وسمنوا، وقتلوا الرّاعي، واستاقوا الذّود، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّريخ، فبعث الطّلب في آثارهم، فما ترجّل النّهار حتّى أتي بهم، فأمر بمسامير فأحميت فكحّلهم وقطّع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم «4» ، ثمّ ألقوا في الحرّة يستسقون، فما سقوا حتّى ماتوا» ) * «5» . قال أبو قلابة: سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله. 31- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» . قال: فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان، وإنّهما ابتعثاني، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه «6» فيتدهده «7» الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى. قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه فيشرشر «8» شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: وربّما قال أبو رجاء فيشقّ- قال: ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى. قال: قلت: سبحان الله. ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التّنّور. قال: وأحسب أنّه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «9» قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنّه كان يقول أحمر مثل الدّم، وإذا في النّهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر «10» له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه   (1) مسلم (2128) . (2) أبغنا: اطلب لنا. (3) رسلا: لبنا. (4) حسمهم: الحسم كي العرق بالنار لينقطع الدم. (5) البخاري الفتح 12 (6804) واللفظ له، ومسلم (1671) ، وأبو داود (4364) ، والنسائي (7/ 95) ابن ماجه (2578) . (6) يثلغ: يشدخ. (7) فيتدهده الحجر: المراد أنه دفعه من علو إلى أسفل. (8) فيشرشر شدقه إلى قفاه: أي يقطعه شقا. (9) ضوضوا: رفعوا أصواتهم. (10) فيفغر: يفتح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5256 حجرا. قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها «1» ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ. قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارق. فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء. قال: قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض «2» من البياض فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فساروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنّة عدن وهذاك منزلك. قال: فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء. قال: قالا لي هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما. ذراني فأدخله. قالا: أمّا الآن فلا. وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا. فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا، وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم، وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، تجاوز الله عنهم» ) * «3» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللّحم، ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها» ) * «4» . 33- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المدهن في حدود   (1) يحشها: يوقدها. (2) المحض: اللبن الخالص من الماء. (3) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، مسلم (2275) . (4) البخاري- الفتح 6 (3330) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5257 الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الّذين في أسفلها يمرّون بالماء على الّذين في أعلاها، فتأذّوا به، فأخذ فأسا، فجعل ينقر أسفل السّفينة، فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذّيتم بي ولا بدّ لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجّوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم» ) * «1» . 34- * (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم؛ فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته» ) * «2» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يخرّب الكعبة ذو السّويقتين «3» من الحبشة» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الفساد) 1- * (قال عمر- رضي الله عنه-: «وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإمّا بايعناهم على مالا نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فسادا، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا» ) * «5» . 2- * (عن عبد الله بن سبيع؛ قال: «سمعت عليّا يقول: لتخضبنّ هذه من هذا، فما ينتظر بي الأشقى؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا به نبير «6» عترته. قال: إذن تالله- تقتلون بي غير قاتلي. قالوا: فاستخلف علينا. قال: لا. ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالوا: فما تقول لربّك إذا أتيته، وقال وكيع مرّة: إذا لقيته؟ قال: أقول: اللهمّ تركتني فيهم ما بدا لك، ثمّ قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم» ) * «7» . 3- * (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: «لا تفسدوا علينا سنّة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم. عدّة أمّ الولد أربعة أشهر وعشرا» ) * «8» . 4- * (عن أبي نوفل قال: رأيت عبد الله بن الزّبير على عقبة المدينة «9» . قال فجعلت قريش تمرّ عليه والنّاس. حتّى مرّ عليه عبد الله بن عمر. فوقف   (1) البخاري- الفتح 5 (2686) . (2) أبو داود (4880) وقال الألباني (3/ 923) : حسن صحيح. (3) ذو السويقتين: هما تصغير ساقي الإنسان لرقتهما وهي صفة سوق السودان غالبا. (4) البخاري- الفتح 3 (1591) ، ومسلم (2909) متفق عليه. (5) البخاري- الفتح 12 (6830) . (6) نبير: نهلك. (7) أحمد (1/ 130) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 242) برقم (1078) إسناده صحيح. (8) ابن ماجه (2083) . (9) عقبة المدينة: هي عقبة بمكة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5258 عليه. فقال: السّلام عليك أبا خبيب «1» ، السّلام عليك أبا خبيب، السّلام عليك أبا خبيب. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله إن كنت ما علمت صوّاما. قوّاما. وصولا للرّحم. أما والله لأمّة أنت أشرّها لأمّة خير. ثمّ نفذ «2» عبد الله بن عمر. فبلغ الحجّاج موقف عبد الله وقوله. فأرسل إليه «3» . فأنزل عن جذعه. فألقي في قبور اليهود. ثمّ أرسل إلى أمّه أسماء بنت أبي بكر. فأبت أن تأتيه. فأعاد عليها الرّسول: لتأتينّي أو لأبعثنّ إليك من يسحبك بقرونك «4» . قال فأبت وقالت: والله لا آتيك حتّى تبعث إليّ من يسحبني بقروني. قال فقال: أروني سبتيّ «5» . فأخذ نعليه. ثمّ انطلق يتوذّف «6» . حتّى دخل عليها. فقال: كيف رأيتني صنعت بعدوّ الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك. بلغني أنّك تقول له: يابن ذات النّطاقين «7» ، أنا والله ذات النّطاقين. أمّا أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وطعام أبي بكر من الدّوابّ. وأمّا الآخر فنطاق المرأة الّتي لا تستغني عنه. أما إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثنا: «أنّ في ثقيف كذّابا ومبيرا» . فأمّا الكذّاب فرأيناه. وأمّا المبير فلا إخالك إلّا إيّاه. قال: فقام عنها ولم يراجعها» ) * «8» . 5- * (عن أبي المنهال قال: «لمّا كان ابن زياد ومروان بالشّام وثب ابن الزّبير بمكّة، ووثب القرّاء بالبصرة، فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلميّ حتّى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظلّ علّيّة له من قصب فجلسنا إليه، فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه النّاس؟ فأوّل شيء سمعته تكلّم به: إنّي احتسبت عند الله أنّي أصبحت ساخطا على أحياء قريش، إنّكم يا معشر العرب، كنتم على الحال الّذي علمتم من الذّلّة والقلّة والضّلالة، وإنّ الله أنقذكم بالإسلام وبمحمّد صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدّنيا الّتي أفسدت بينكم. إنّ ذاك الّذي بالشّام والله إن يقاتل إلّا على دنيا، وإنّ هؤلاء الّذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلّا على دنيا، وإنّ ذاك الّذي بمكّة والله إن يقاتل إلّا على الدّنيا» ) * «9» . 6- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: «خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى. قبل موت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعام. ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة- وكانا شهدا بدرا- وكان نعيمان على الزّاد. وكان سويبط رجلا مزّاحا. فقال لنعيمان: أطعمني. قال: حتّى يجيء أبو بكر. قال: فلأغيظنّك. قال، فمرّوا   (1) أبا خبيب: كنية ابن الزبير، كني بابنه خبيب، وكان أكبر أولاده. (2) ثم نفذ: أي انصرف. (3) أرسل إليه: أي إلى عبد الله بن الزبير. (4) من يسحبك بقرونك: أي يجرك بضفائر شعرك. (5) سبتي: النعلين اللتين لا شعر عليهما. (6) يتوذف: يسرع. (7) ذات النطاقين: النطاق: ما تشد به المرأة وسطها. (8) مسلم (2545) . (9) البخاري- الفتح 13 (7112) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5259 بقوم. فقال لهم سويبط: تشترون منّي عبدا لي؟ قالوا: نعم. قال: إنّه عبد له كلام. وهو قائل لكم: إنّي حرّ. فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا عليّ عبدي. قالوا: لا. بل نشتريه منك. فاشتروه منه بعشر قلائص. ثمّ أتوه فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلا. فقال نعيمان: إنّ هذا يستهزىء بكم. وإنّي حرّ، لست بعبد. فقالوا: قد أخبرنا خبرك. فانطلقوا به. فجاء أبو بكر. فأخبروه بذلك. قال: فاتّبع القوم. وردّ عليهم القلائص. وأخذ نعيمان. قال، فلمّا قدموا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخبروه. قال: فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه منه حولا» ) * «1» . 7- * (عن سعيد بن المسيّب- رضي الله عنه- قال: «قطع الذّهب والورق «2» من الفساد في الأرض» ) * «3» . من مضار (الفساد) (1) أعظم درجات الفساد الشّرك بالله تعالى. (2) المنافقون واليهود والنّصارى والمجوس والمشركون ومن شايعهم وماثلهم من ملل الكفر كلّهم فاسدون في معتقداتهم، ومفسدون في مجتمعاتهم. (3) الفساد في الأرض كقتل النّفس، أو أشدّ ولذا جعل الله جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا، أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض. وقد يجمع الحاكم بينها إذا عظم الفساد. وإنّ عظم الجزاء مع عظم الذّنب. (4) إذا كثرت مظاهر الفساد في مجتمع من المجتمعات فقد دنا ما ينتظرهم من سخط الله وأليم عقابه. (5) المفسد معول هدم في المجتمع. (6) تطبيق القوانين الوضعيّة من أعظم الفساد في الأرض.   (1) أحمد (6/ 316) ، ابن ماجه (3719) واللفظ له وقال في الزوائد: في إسناده زمعة بن صالح، أخرج له مسلم، مقرونا بغيره. (2) أي انقاص وزن المسكوك من الذهب والفضة كعملة نقدية. (3) تنوير الحوالك (2/ 136- 137) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5260 الفسوق الفسوق لغة: الفسق والفسوق: الخروج عن طريق الحقّ يقول ابن فارس: «الفاء والسّين والقاف كلمة واحدة، وهي الفسق، وهو الخروج عن الطّاعة «1» ، وفسق فلان: خرج عن حجر الشّرع، وذلك من قولهم: فسق الرّطب، إذا خرج عن قشره، وهو أعمّ من الكفر. والفسق يقع بالقليل من الذّنوب، وبالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيرا، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشّرع، وأقرّ به ثمّ أخلّ بجميع أحكامه، أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الأصليّ فاسق فلأنّه أخلّ بحكم ما ألزمه العقل، واقتضته الفطرة «2» . يقال: فسق عن أمر ربّه، أي خرج، والفسّيق: الدّائم الفسق، ويقال في النّداء: يا فسق، ويا خبث، يريد: يا أيّها الفاسق، ويا أيّها الخبيث. وتقول للمرأة: يا فساق مثل قطام «3» . يقول الزّبيديّ: «فسق كنصر، وضرب، وكرم فسقا وفسوقا، أي فجر فجورا، وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (الأنعام/ 121) أي خروج عن الحقّ، قال أبو الهيثم: ويكون الفسوق شركا، ويكون إثما، وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ أي لمعصية، والفسق: الخروج «4» . وفسق، جار ومال عن طاعة الله- عزّ وجلّ- والتّفسيق ضدّ التّعديل، يقال: فسّقه الحاكم أي حكم بفسقه ... وفسق في الدّنيا فسقا: إذا اتّسع فيها وهوّن على نفسه، واتّسع بركوبه لها، ولم يضيّقها عليه «5» . وقال ابن منظور: الفسق: العصيان والتّرك لأمر الله- عزّ وجلّ-، والخروج عن طريق الحقّ، يقال: فسق يفسق ويفسق فسقا وفسوقا وفسق: أي فجر. وقيل: الفسوق، الخروج عن الدّين، وكذلك الميل إلى المعصية كما فسق إبليس عن أمر ربّه. أي جار ومال عن طاعته، قال الشّاعر: فواسقا عن أمره جوائرا. والعرب تقول إذا خرجت الرّطبة من قشرها: قد فسقت الرّطبة من قشرها، وكأنّ الفأرة إنّما سمّيت فويسقة لخروجها من جحرها على النّاس. وفسق فلان ماله إذا أهلكه وأنفقه.   (1) المقاييس (4/ 502) . (2) المفردات (380) . (3) الصحاح (4/ 1543) . (4) تفسير القرطبي (7/ 51) . (5) التاج (402، 403) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5261 ورجل فاسق وفسّيق وفسق: دائم الفسق. وفسّقه: نسبه إلى الفسق. والفواسق من النّساء: الفواجر «1» . الفسوق اصطلاحا: قال الجرجانيّ: الفاسق: من شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق «2» ، ومن ثمّ يكون الفسوق: هو عدم العمل بأحكام الشّريعة مع الإقرار بالشّهادتين والاعتقاد بالوحدانيّة (أي الإيمان القلبيّ) . وقال المناويّ: الخروج عن الطّاعة بارتكاب الذّنب، وإن قلّ، ولكن تعورف فيما إذا كان كبيرة. وأكثر ما يقال عن الفاسق لمن التزم حكم الشّرع وأخلّ بأحكامه. والفاسق أعمّ من الكافر، والظّالم أعمّ من الفاسق «3» . وقال الكفويّ: الفسق: التّرك لأمر الله تعالى والعصيان والخروج عن طريق الحقّ، والفجور «4» . أنواع الفسوق: الفسوق في كتاب الله نوعان. مفرد مطلق، ومقرون بالعصيان. والمفرد نوعان أيضا: فسوق كفر يخرج عن الإسلام، وفسوق لا يخرج عن الإسلام، فالمقرون، كقوله تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (الحجرات/ 7) . والمفرد- الّذي هو فسوق كفر- كقوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ (البقرة/ 26- 27) الآية. وقوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ (البقرة/ 99) وقوله: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها (السجدة/ 20) الآية. فهذا كلّه فسوق كفر. وأمّا الفسوق الّذي لا يخرج عن الإسلام فكقوله تعالى: وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (البقرة/ 282) الآية وقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ (الحجرات/ 6) الآية. وههنا فائدة لطيفة. وهي أنّه سبحانه لم يأمر بردّ خبر الفاسق وتكذيبه وردّ شهادته جملة، وإنّما أمر بالتّبيّن، فإن قامت قرائن وأدلّة من خارج تدلّ على صدقه عمل بدليل الصّدق. ولو أخبر به من أخبر، فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته، وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثير منهم يتحرّى الصّدق غاية التّحرّي، وفسقه من جهات أخر. فمثل هذا لا يردّ خبره ولا شهادته، ولو ردّت شهادة مثل هذا وروايته لتعطّلت أكثر الحقوق، وبطل كثير من الأخبار الصّحيحة، ولا سيّما من فسقه من   (1) لسان العرب (10/ 308) . (2) التعريفات (41، 170) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (557) . (4) المرجع السابق (2) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5262 جهة الاعتقاد والرّأي، وهو متحرّ للصّدق فهذا لا يردّ خبره ولا شهادته. وأمّا من فسقه من جهة الكذب، فإن كثر منه وتكرّر بحيث يغلب كذبه على صدقه، فهذا لا يقبل خبره ولا شهادته، وإن ندر منه مرّة أو مرّتين، ففي ردّ شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد- رحمه الله-. والفسوق الّذي تجب التّوبة منه أعمّ من الفسوق الّذي تردّ به الرّواية والشّهادة. وكلامنا الآن فيما تجب التّوبة منه وهو قسمان: فسق من جهة العمل، وفسق من جهة الاعتقاد. ففسق العمل نوعان: مقرون بالعصيان، ومفرد. فالمقرون بالعصيان: هو ارتكاب ما نهى الله عنه، والعصيان: هو عصيان أمره. كما قال الله تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ (التحريم/ 6) ، وقال موسى لأخيه هارون- عليهما السّلام-: ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (طه/ 92- 93) ، وقال الشّاعر: أمرتك أمرا جازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما فالفسق أخصّ بارتكاب النّهي، ولهذا يطلق عليه كثيرا. كقوله تعالى: وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (الحجرات/ 6) ، والمعصية أخصّ بمخالفة الأمر كما تقدّم. ويطلق كلّ منهما على صاحبه كقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (الكهف/ 50) ، فسمّى مخالفته للأمر فسقا، وقال: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) ، فسمّى ارتكابه للنّهي معصية، فهذا عند الإفراد، فإذا اقترنا كان أحدهما لمخالفة الأمر والآخر لمخالفة النّهي. والتّقوى اتّقاء مجموع الأمرين، وبتحقيقها تصحّ التّوبة من الفسوق والعصيان بأن يعمل العبد بطاعة الله على نور من الله، ويرجو ثواب الله، ويترك معصية الله، على نور من الله، يخاف عقاب الله. وفسق الاعتقاد: كفسق أهل البدع الّذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر ويحرّمون ما حرّم الله، ويوجبون ما أوجب الله، ولكن ينفون كثيرا ممّا أثبت الله ورسوله، جهلا وتأويلا، وتقليدا للشّيوخ، ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك. وهؤلاء كالخوارج المارقة، وكثير من الرّوافض، والقدريّة، والمعتزلة، وكثير من الجهميّة الّذين ليسوا غلاة في التّجهّم. وأمّا غالية الجهميّة فكغلاة الرّافضة، ليس للطّائفتين في الإسلام نصيب «1» . الفسوق في القرآن الكريم: ورد لفظ الفسوق في القرآن الكريم على وجوه: 1- بمعنى الكفر: ومنه قوله تعالى في سورة السّجدة/ 18- 20: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ   (1) مدارج السالكين (1/ 389- 393) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5263 فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ وفيها وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ. 2- بمعنى المعصية من غير شرك: ومنه قوله تعالى في سورة المائدة/ 25: فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ. 3- بمعنى الكذب: ومنه قوله تعالى في الحجرات/ 6: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا. 4- السّبّ: ومنه قوله في البقرة/ 197: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ «1» . وقد ذكر الكفويّ هذا الوجه إلّا أنّه قال «وبمعنى السّيّئات» مستدلّا «2» بنفس الآية. 5- بمعنى الإثم: نحو قوله تعالى في البقرة/ 282: وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ «3» . 6- بمعنى مخالفة أمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ومنه قوله تعالى في التّوبة/ 67) : إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الضلال- العصيان الكفر- النفاق- الفساد- اتباع الهوى- إطلاق البصر- الزنا- البغي- الإسراف- انتهاك الحرمات- ترك الصلاة- الغفلة- العصيان- الكبر والعجب. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- الإيمان- الطاعة- العبادة- تعظيم الحرمات- التقوى- الصلاة- الخوف- تكريم الإنسان- مجاهدة النفس- حسن الخلق- التواضع] .   (1) نزهة الأعين النواظر (465) . (2) الكليات للكفوي (693) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) نزهة الأعين النواظر (465) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5264 الآيات الواردة في «الفسوق» أولا: الفسوق المخرج من الملة: 1- فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59) «1» 2- وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ (99) «2» 3- وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) «3» 4- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) «4» 5- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «5» 6- وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102) «6» 7- الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) «7»   (1) البقرة: 59 مدنية (2) البقرة: 99 مدنية (3) المائدة: 47 مدنية (4) الأنعام: 49 مكية (5) الأنعام: 121 مكية (6) الأعراف: 102 مكية (7) التوبة: 79- 84 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5265 8- يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96) «1» 9- كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33) «2» 10- وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (12) «3» 11- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) «4» 12- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) «5» 13- * أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «6» 14- ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5) «7» 15- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6) «8»   (1) التوبة: 94- 96 مدنية (2) يونس: 33 مكية (3) النمل: 12 مكية (4) السجدة: 18- 20 مكية (5) الأحقاف: 20 مكية (6) الحديد: 16 مدنية (7) الحشر: 5 مدنية (8) المنافقون: 5- 6 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5266 ثانيا: الفسوق غير المخرج من الملة: 16- وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16) «1» 17- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) «2» 18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) «3» ثالثا: النهي والتنفير عن الفسوق: 19- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) «4» 20- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «5» 21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) «6» 22- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (19) «7»   (1) الإسراء: 16 مكية (2) النور: 4 مدنية (3) الحجرات: 6- 7 مدنية (4) البقرة: 197 مدنية (5) المائدة: 3 نزلت في عرفات في حجة الوداع (6) الحجرات: 11 مكية (7) الحشر: 19 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5267 الأحاديث الواردة في ذمّ (الفسوق) 1- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أربع كلّهنّ فاسق يقتلن في الحلّ والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور «1» » ) * «2» . 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» ) * «3» . 3- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلّا ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» ) * «4» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لمّا توفّي عبد الله بن أبيّ، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفّنه فيه، ثمّ قام يصلّي عليه فأخذ عمر بن الخطّاب بثوبه فقال: أتصلّي عليه وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟. قال: «إنّما خيّرني الله- أو أخبرني الله- فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (التوبة/ 80) فقال: سأزيده على سبعين. قال: فصلّى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصلّينا معه، ثمّ أنزل الله عليه: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (التوبة/ 84)) * «5» . 5- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله متى نترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟. قال: «إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم» ، قلنا: يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا؟. قال: «الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم «6» » ) * «7» .   (1) الكلب العقور: قال جمهور العلماء ليس المراد به تخصيص هذا الكلب المعروف، بل المراد كل عاد مفترس، كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها، ومعنى العقور: العاقر الجارح. (2) مسلم (1198) . (3) البخاري- الفتح 13 (7076) ، ومسلم (64) متفق عليه. (4) البخاري- الفتح 10 (6045) واللفظ له، ومسلم (61) . (5) البخاري- الفتح 8 (4672) . (6) قال زيد في تفسير معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «العلم في رذالتكم» إذا كان العلم في الفساق. (7) ابن ماجة (4015) ، وفي الزوائد إسناده صحيح، ورجاله ثقات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5268 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الفسوق) 1- * (عن زيد بن وهب قال: كنّا عند حذيفة رضي الله عنه- فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ (التوبة/ 12) إلّا ثلاثة، ولا من المنافقين إلّا أربعة، فقال أعرابيّ: إنّكم أصحاب محمّد تخبروننا فلا ندري، فما بال هؤلاء الّذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟ قال: أولئك الفسّاق، أجل، لم يبق منهم إلّا أربعة، أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد ما وجد برده) * «1» . 2- * (عن عمرو بن مصعب- رضي الله عنهما- قال: سألت أبي: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (الكهف/ 103) هم الحروريّة؟ قال: لا. هم اليهود والنّصارى، أمّا اليهود فكذّبوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا النّصارى كفروا بالجنّة، وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحروريّة الّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه- وكان سعد يسمّيهم الفاسقين) * «2» . 3- * (عن بلال بن سعد الأشعريّ أنّ معاوية كتب إلى أبي الدّرداء: اكتب إلى فسّاق دمشق. فقال: مالي وفسّاق دمشق؟ ومن أين أعرفهم؟ فقال ابنه بلال: أنا أكتبهم، فكتبهم. قال: من أين علمت؟ ما عرفت أنّهم فسّاق إلّا وأنت منهم. ابدأ بنفسك، ولم يرسل بأسمائهم) * «3» . 4- * (عن السّائب بن يزيد قال: كنّا نؤتى بالشّارب على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإمرة أبي بكر فصدرا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتّى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتّى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين) * «4» . 5- * (قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لفظ المعصية والفسوق والكفر، إذا أطلقت المعصية لله ورسوله دخل فيها الكفر والفسوق كقوله: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (الجن/ 23) ، وقال تعالى: وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (هود/ 59)) * «5» . من مضار (الفسوق) (1) يجلب غضب الله ورسوله والمؤمنين. (2) قد يخرج عن الملّة. (3) الفاسق إنسان ضارّ في المجتمع. (4) يلحق بالنّفاق. والمنافقون في النّار. (5) يجلب الدّمار للمجتمع.   (1) البخاري- الفتح 8 (4658) . (2) البخاري- الفتح 8 (4728) . (3) شرح الأدب المفرد، فضل الله الصمد 2 (1290) . (4) البخاري- الفتح 12 (6779) . (5) الإيمان لابن تيمية (56) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5269 الفضح الفضح لغة: الفضح مصدر فضحه يفضحه فضحا إذا كشفه ولم يستره. يقول ابن فارس: الفاء والضّاد والحاء كلمتان متقاربتان: تدلّ إحداهما على انكشاف شيء ولا يكاد يقال إلّا في قبيح، والأخرى على لون غير حسن أيضا. فالأوّل قولهم أفضح الصّبح وفضّح إذا بدا، ثمّ يقولون في التّهتّك: الفضوح «1» . والفضيحة: العيب والجمع فضائح، وفضحته فضحا من باب نفع: كشفته، وفي الدّعاء: «لا تفضحنا بين خلقك» أي استر عيوبنا ولا تكشفها «2» . قال ابن منظور: ويقال للمفتضح: يا فضوح، قال الرّاجز: قوم إذا ما رهبوا الفضائحا ... على النّساء لبسوا الصّفائحا ويقال: افتضح الرّجل يفتضح افتضاحا إذا ركب أمرا سيّئا فاشتهر «3» به. وفضح الشّيء يفضحه فضحا فافتضح إذا انكشفت مساويه، والاسم الفضاحة والفضوح والفضوحة والفضيحة، ورجل فضّاح وفضوح: يفضح النّاس. وسئل بعض الفقهاء عن فضيح البسر فقال: ليس بالفضيح ولكنّه الفضوح. أراد أنّه يسكر فيفضح شاربه إذا سكر منه. والفضيحة: اسم من هذا لكلّ أمر سيّىء يشهر صاحبه بما يسوء «4» . الفضح اصطلاحا: قال المناويّ: الفضيحة: انكشاف مساوىء الإنسان «5» ومن ثمّ يكون الفضح: أن يكشف المرء عن مساوىء أخيه (ليعرف بها) ، وهذا المعنى قريب من التّشهير وكشف العورات. الموت أهون من الافتضاح: عقد الشّيخ العزّ بن عبد السّلام فصلا في بعض كتبه وجعل ترجمته: تمنّي الهلاك دون الافتضاح، وذكر قول الله تعالى حكاية عن مريم عليها وعلى ابنها وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (مريم/ 23) «6» ، ويؤخد من هذا عظم أمر الفضح عند ذوي النّفوس الأبيّة.   (1) المقاييس (4/ 509) . (2) المصباح المنير (475) . (3) وفي (اشتهر) لغة أخرى بضم التاء وكسر الهاء. (4) لسان العرب (2/ 545) . (5) التوقيف على مهمات التعاريف (262) . (6) شجرة المعارف والأحوال (390) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5270 حكم فضح المسلم: عدّ ابن حجر، هتك المسلم أو تتبّع عوراته حتّى يفضحه ويذلّه بها النّاس من الكبائر مستدلّا بقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتّى يفضحه بها في بيته» وعلّل لذلك بقوله: لأنّ كشف العورة، والافتضاح، فيه من الوعيد ما لا يخفى «1» . للاستزادة: انظر صفات: الأذى- إفشاء السر الإفك- البغض- الغيبة- النميمة- سوء الخلق الإساءة- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان الستر- كتمان السر- الكلم الطيب- حسن العشرة- حسن الخلق- الإحسان- العفو] .   (1) الزواجر (537) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5271 الآيات الواردة في «الفضح» 1- فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (70) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) «1» الآيات الواردة في «الفضح» معنى 2- أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) «2» 3- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) «3» 4- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) «4»   (1) الحجر: 61- 75 مكية (2) التوبة: 63- 64 مدنية (3) التوبة: 127 مدنية (4) هود: 77- 81 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5272 الأحاديث الواردة في ذمّ (الفضح) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ هلال بن أميّة قذف امرأته عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشريك ابن سحماء فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «البيّنة أو حدّ في ظهرك» . فقال: يا رسول الله. إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البيّنة؟ فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «البيّنة وإلّا حدّ في ظهرك» . فقال هلال: والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادق، فلينزلنّ الله ما يبرّىء ظهري من الحدّ. فنزل جبريل وأنزل عليه وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/ 6) فقرأ حتّى بلغ: إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (النور/ 9) ، فانصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأرسل إليها فجاء هلال فشهد، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعلم أنّ أحدكما كاذب. فهل منكما تائب؟» ثمّ قامت فشهدت فلمّا كانت عند الخامسة وقّفوها وقالوا: إنّها موجبة. قال ابن عبّاس: فتلكّأت ونكصت «1» حتّى ظننّا أنّها ترجع، ثمّ قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أبصروها، فإن جاءت به «2» أكحل العينين سابغ الأليتين خدلّج السّاقين «3» فهو لشريك بن سحماء. فجاءت به كذلك، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» ) * «4» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول حين نزلت آية المتلاعنين: «أيّما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنّته، وأيّما رجل جحد ولده- وهو ينظر إليه- احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأوّلين والآخرين) * «5» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاءت أمّ سليم (وهي جدّة إسحاق) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت له- وعائشة عنده-: يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرّجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرّجل من نفسه. فقالت عائشة: يا أمّ سليم فضحت النّساء «6» . تربت يمينك «7» . فقال لعائشة: «بل أنت. فتربت يمينك. نعم. فلتغتسل يا أمّ سليم إذا رأت ذاك» ) * «8» . 4- * (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبة حتّى أسمع العواتق   (1) نكصت: أي أحجمت. (2) فإن جاءت به: أي بالولد. (3) خدلج الساقين: عظيمهما. (4) البخاري- الفتح 8 (4747) . (5) أبو داود (2263) واللفظ له، والنسائي (6/ 179) . والدارمي (2/ 204) . والحاكم (2/ 203) وصححه ووافقه الذهبي. (6) فضحت النساء: أي حكيت عنهن أمرا يستحيا من وصفهن به ويكتمنه. (7) تربت يمينك مثل تربت يداك يقال للرجل: إذا قل ماله وافتقر وهي كلمة جارية على ألسن العرب يقولونها وهم لا يريدون بها الدعاء على المخاطب. (8) مسلم (310) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5273 في خدورهنّ فقال: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه. لا تؤذوا المؤمنين، ولا تتبّعوا عوراتهم؛ فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم هتك الله ستره، ومن يتّبع عورته يفضحه ولو في جوف بيته» ) * «1» . 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من انتفى من ولده ليفضحه في الدّنيا فضحه الله تبارك وتعالى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، قصاص بقصاص» ) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الفضح) معنى 6- * (أخبرنا ثابت عن أنس- رضي الله عنه- قال: أتى عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وأنا ألعب مع الغلمان- قال فسلّم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمّي. فلمّا جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنّها سرّ. قالت: لا تحدّثنّ بسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا» ) * قال أنس: والله لو حدّثت به أحدا لحدّثتك يا ثابت «3» . 7- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حدّث رجل رجلا بحديث ثمّ التفت فهو أمانة» ) * «4» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا زوّج أحدكم عبده أمته، فلا ينظر إلى عورتها» ) * «5» . 9- * (وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أظلّكم شهركم هذا- بمحلوف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ما مرّ بالمسلمين شهر قطّ خير لهم منه، وما مرّ بالمنافقين شهر أشرّ لهم منه. بمحلوف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّ الله ليكتب أجره ونوافله، ويكتب إصره وشقاءه قبل أن يدخله؛ وذلك أنّ المؤمن يعدّ فيه القوّة من النّفقة للعبادة، ويعدّ فيه المنافق ابتغاء غفلات المؤمنين، وعوراتهم، فهو غنم للمؤمن يغتنمه الفاجر» ) * «6» .   (1) أبو داود في سننه رقم (4880) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 94) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (2) أحمد (2/ 26) وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 16) إسناده صحيح. وعند الهيثمي (5/ 15) بلفظه وقال:: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا عبد الله بن أحمد وهو ثقة إمام. (3) البخاري- الفتح (11/ 6289) ، ومسلم (2482) واللفظ له. (4) أبو داود رقم (4868) وقال الألباني (2/ 922) : حسن. وهو في الصحيحة (1089) وفي صحيح الجامع (486) . والترمذي (1959) وقال: حديث حسن. وكذلك الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 132) . وقال محقق جامع الأصول (6/ 545) : حديث حسن. (5) أبو داود (4113) وقال الألباني (2/ 775) : حسن (6) أحمد (2/ 524) واللفظ له والمنذري في الترغيب (2/ 96) وقال: رواه ابن خزيمة في صحيحه. وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 158) : إسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5274 10- * (عن عمرو بن سلمة قال: «قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه «1» فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته فقال: كنّا بما ممرّ «2» النّاس، وكان يمرّ بنا الرّكبان فنسألهم: ما للنّاس؟ ما للنّاس؟ ما هذا الرّجل؟ فيقولون: يزعم أنّ الله أرسله. أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام فكأنّما يقرّ في صدري، وكانت العرب تلوّم «3» بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه؛ فإنّه إن ظهر عليهم فهو نبيّ صادق. فلمّا كانت وقعة أهل الفتح بادر كلّ قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم. فلمّا قدم قال: جئتكم والله من عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقّا. فقال: «صلّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلّوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن أحدكم، وليؤمّكم أكثركم قرآنا» فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنا منّي؛ لما كنت أتلقّى من الرّكبان، فقدّموني بين أيديهم وأنا ابن ستّ أو سبع سنين، وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلّصت عنّي «4» ، فقالت امرأة من الحيّ: ألا تغطّون عنّا است «5» قارئكم، فاشتروا فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص» ) * «6» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا اطّلع من بعض حجر «7» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام إليه بمشقص أو مشاقص «8» . فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يختله «9» ليطعنه» ) * «10» . 12- * (عن سهل بن سعد الأنصاريّ رضي الله عنه- أنّ رجلا اطّلع من جحر في باب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدرى «11» يرجّل به رأسه «12» . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أعلم أنّك تنظر طعنت به في عينك. إنّما جعل الله الإذن من أجل البصر» ) * «13» . 13- * (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جمع له أبويه يوم أحد. قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين «14» فقال له   (1) ألا تلقاه: أي النبي صلّى الله عليه وسلّم كما يفهم مما يأتي. (2) المعنى يمرّ بنا الناس إذا أتو النبي صلّى الله عليه وسلّم. (3) تلوم أصلها تتلوّم- بفتح أوله وتشديد اللام- أي تنتظر. (4) تقلصت عني: أي انجمعت وارتفعت. (5) الاست: العجز وقيل: حلقة الدبر والجمع أستاه، وأصله: سته حذفت الهاء واجتلبت له همزة الوصل في أوله. (6) البخاري- الفتح 7 (4302) . (7) حجر: جمع حجرة هي ناحية البيت. (8) المشقص: نصل السهم اذا كان طويلا غير عريض، فاذا كان عريضا فهو المعبلة. (9) يختله الرجل: يلتمس غفلته ليطعنه وهو غافل. (10) البخاري الفتح 11 (6242) ومسلم (2157) واللفظ له. (11) مدرى: حديدة يسوى بها شعر الرأس. وقيل: هو شبه المشط. وقيل: هي أعواد تحدد تجعل شبه المشط. وقيل: هو عود تسوي به المرأة شعرها. وجمعه مدارى. ويقال في الواحد مدراة ومدراية. ويقال: تدريت بالمدرى. (12) يرجل به رأسه. هذا يدل لمن قال: إنه مشط أو يشبه المشط. وترجيل الشعر تسريحه ومشطه. (13) البخاري- الفتح 11 (6241) ومسلم (2156) واللفظ له (14) أحرق المسلمين: أشتد عليهم في القتال، وعمل فيهم عمل النار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5275 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ارم. فداك أبي وأمّي» قال: فنزعت له بسهم «1» ليس فيه نصل «2» . فأصبت جنبه فسقط. فانكشفت عورته. فضحك «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. حتّى نظرت إلى نواجذه «4» » ) * «5» . 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا أراد حاجة «6» لا يرفع ثوبه حتّى يدنو من الأرض» ) * «7» . 15- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات النّاس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم» فقال أبو الدّرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفعه الله تعالى بها) * «8» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجّة في مؤذّنين يوم النّحر نؤذّن بمنى: ألا لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبد الرّحمن: ثمّ أردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّا فأمره أن يؤذّن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذّن معنا عليّ في أهل منى يوم النّحر: لا يحجّ بعد العام مشرك، لا يطوف بالبيت عريان» ) * «9» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة «10» . فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «11» على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل «12» . قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «13» . إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره «14» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «15» . إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «16» . لا حرّ ولا قرّ. ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن   (1) فنزعت له بسهم: أي رميته بسهم. (2) ليس فيه نصل: أي ليس فيه حديدة. (3) فضحك: أي فرحا بقتل عدو الله لا لانكشافه. (4) نواجذه: أي أنيابه وقيل أضراسه. (5) مسلم (2412) . (6) أراد حاجة: أي يقضي حاجته من بول أو غائط. (7) أبو داود (14) وقال الألباني (1/ 6) : صحيح (8) أبو داود (4888) واللفظ له وقال الألباني (3/ 923) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 654) : إسناده حسن ورواه ابن حبان في صحيحه (9) البخاري الفتح 1 (369) واللفظ له. ومسلم (1347) . (10) جلس إحدى عشرة امرأة: التقدير: جلس جماعة إحدى عشرة على حد قوله تعالى: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ؟ وفي رواية أبي عوانه: جلست. (11) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول. (12) هكذا في فتح الباري، وفي المزهر للسيوطي (2/ 532) : فينتقى ولعله الصواب. (13) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه. (14) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. (15) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع. (16) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5276 دخل فهد «1» وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «2» ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ. ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «3» طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك «4» أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي الرّيح ريح زرنب «5» والمسّ مسّ أرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «6» طويل النّجاد. عظيم الرّماد. قريب البيت من النّادي. قالت العاشرة: زوجي مالك. وما مالك «7» ؟ مالك خير من ذلك. له إبل كثيرات المبارك. قليلات المسارح. إذا سمعن صوت المزهر «8» أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبوزرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ «9» وملأ من شحم عضديّ. وبجّحني فبجحت إلىّ نفسي «10» وجدني في أهل غنيمة بشقّ. فجعلني في أهل صهيل وأطيط «11» ، ودائس ومنقّ «12» . فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح،   (1) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه اذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد. (2) زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء. (3) زوجي غياياء أو عياياء: وهو الذي لا يلقح وقيل هو العنين الذي تعيبه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدى إلى مسلك. وقيل هو الغبي الأحمق الفدم. (4) شجك: أي جرحك في الرأس. فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد. (5) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثيابه في الناس. (6) زوجي رفيع العماد: قيل ان بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه. وهكذا بيوت الأجواد. (7) زوجي مالك وما مالك؟: استفهام يقصد به تعظيم زوجها ورفع مكانته ثم بينت سر عظمته وهو أن له إبلا كثيرة. لا يوجهها تسرح إلا قليلا. فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها. (8) المزهر: هو العود الذي يضرب. أرادت أن زوجها عود إبله، إذا نزل به الضيفان نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب. فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات هوالك. (9) أناس من حلي أذني: الحلي بضم الحاء وكسرها: لغتان مشهورتان. والنوس الحركة من كل شيء متدل. فهي تنوس أي تتحرك من كثرتها. (10) وبجحني فبجحت إليّ نفسي: بجحت بكسر الجيم وفتحها: لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر. قال الجوهري: الفتح ضعيفة. ومعناه فرحني ففرحت. وقال ابن الأنباري: وعظمني فعظمت عند نفسي. يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر. (11) الصهيل: صوت الخيل، والأطيط: صوت الإبل. فاكتفى بدلالة الصوت على صاحبه على طريق الكناية. (12) ودائس: الذي يدوس الطعام أرادت أنهم أصحاب زرع وأن عندهم طعاما منتقى. ومنقّ: من نقيق أصوات المواشي تصف كثرة ماله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5277 وأشرب فأتقنّح. أمّ أبي زرع. فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح «1» ، وبيتها فساح. ابن أبي زرع. فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة «2» ، ويشبعه ذراع الجفرة «3» . بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «4» ، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «5» ، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «6» . فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين. يلعبان من تحت خصرها برمّانتين. فطلّقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سريّا ركب شريّا «7» ، وأخذ خطيّا، وأراح علىّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا. قال: كلي أمّ زرع وميري أهلك. فلو جمعت كلّ شيء أعطاني، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «8» . 18- * (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: أقبلت بحجر أحمله ثقيل- وعليّ إزار خفيف- قال: فانحلّ إزاري ومعي الحجر ولم أستطع أن أضعه حتّى بلغت به إلى موضعه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة» ) * «9» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد فقال: «من أحسّ الفتى الدّوسيّ؟ من أحسّ الفتّى الدّوسيّ؟» فقال له قائل: هو ذاك يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله. فجاء فوضع يده عليّ، وقال لي معروفا فقمت فانطلق حتّى قام في مقامه الّذي يصلّي فيه- ومعه يومئذ صفّان من رجال، وصفّ من نساء، أوصفّان من نساء وصفّ من رجال- فأقبل عليهم فقال: «إن نسّاني الشّيطان شيئا من صلاتي فليسبّح القوم وليصفّق النّساء» فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم ينس من صلاته شيئا فلمّا سلمّ أقبل عليهم بوجهه فقال: مجالسكم هل منكم إذا أتى أهله أغلق بابه، وأرخى ستره ثمّ يخرج فيحدّث فيقول فعلت بأهلي كذا؟» فسكتوا. فأقبل على النّساء فقال:   (1) عكومها رداح: قال أبو عبيد وغيره: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة. (2) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. والشطبة ما شطب من جريد النخل، أي شق. وهي السعفة. (3) وتشبعه ذراع الجفرة": الذراع مؤنثة وقد تذكر. والجفرة الأنثى من ولد المعز. وقيل من الضأن. وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها. والذكر جفر. لأنه جفر جنباه: أي عظما. والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به. (4) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله. (5) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه: لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة. (6) والأوطاب تمخض: الأوطاب جمع وطب وهو وعاء اللبن، تمخض: أي يستخرج منها الزبد تريد أنه انطوى في خبرها كثرة خير داره وأن عندهم من اللبن ما يكفيهم ويفضل حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده. (7) شريّا: أي فرسا خيارا فائقا. (8) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له. (9) مسلم (341) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5278 هل منكنّ من تحدّث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت ليراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويسمع كلامها فقالت: إي والله إنّهم ليحدّثون، وإنّهنّ ليحدّثن فقال: «هل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إنّ مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسّكّة قضى حاجته منها والنّاس ينظرون إليه» ... الحديث» ) * «1» . 20- * (عن أبي المليح قال: دخل نسوة من أهل الشّام على عائشة- رضي الله عنها- فقالت: ممّن أنتنّ؟ قلن: من أهل الشّام، قالت: لعلّكنّ من الكورة الّتي تدخل نساؤها الحمّامات؟ قلن: نعم. قالت: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلّا هتكت ما بينها وبين الله تعالى» ) * «2» . 21- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: كان النّاس يصلّون مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم عاقدو أزرهم من الصّغر على رقابهم. فقيل للنّساء: لا ترفعن رؤوسكنّ حتّى يستوي الرّجال جلوسا) * «3» . 22- * (عن أبي الطّفيل- رضي الله عنه- قال: لمّا بني البيت كان النّاس ينقلون الحجارة والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينقل معهم فأخذ الثّوب فوضعه على عاتقه فنودي: لا تكشف عورتك، فألقى الحجر ولبس ثوبه» ) * «4» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ موسى كان رجلا حييّا ستّيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل. فقالوا: ما يستتر هذا التّستّر إلّا من عيب بجلده: إمّا برص وإمّا أدرة «5» وإمّا آفة، وإنّ الله أراد أن يبرّئه ممّا قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثمّ اغتسل، فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنّ الحجر عدا بثوبه «6» فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر. ثوبي حجر «7» حتّى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه ممّا يقولون. وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو الله إنّ بالحجر لندبا «8» من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) * «9» . 24- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:   (1) أبو داود (2174) . وأحمد (2/ 541) واللفظ له وقال محقق مساويء الأخلاق (164) : إسناده صحيح. (2) أبو داود (4010) وقال الألباني (2/ 758) : صحيح. (3) أي مخافة أن تنكشف عورة أحدهم- البخاري الفتح 2 (814) . (4) أحمد (5/ 454) واللفظ له والحاكم (4/ 179) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (5) الأدرة: انتفاخ الخصية. (6) عدا بثوبه: أي مضى مسرعا به. (7) أي أعطني ثوبي يا حجر. (8) ندبا أي أثرا من ضربه إياه- والنّدب- بالتحريك- أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد. (9) البخاري- الفتح 6 (3404) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5279 كنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده. لم يغادر منهنّ واحدة. فأقبلت فاطمة تمشي. ما تخطىء مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا. فلمّا رآها رحّب بها. فقال: «مرحبا بابنتي» ثمّ أجلسها عن يمينه- أو عن شماله-. ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا. فلمّا رأى جزعها سارّها الثّانية، فضحكت. فقلت لها: خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين نسائه بالسّرار، ثمّ أنت تبكين؟ فلمّا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألتها ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه. قالت: فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحقّ لما حدّثتني. ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: أمّا الآن، فنعم. أمّا حين سارّني في المرّة الأولى فأخبرني أنّ جبريل كان يعارضه القرآن في كلّ سنة مرّة أو مرّتين «1» ، وإنّه عارضه الآن مرّتين، وإنّي لا أرى «2» الأجل إلّا قد اقترب. فاتّقي الله واصبري. فإنّه نعم السّلف «3» أنا لك» . قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت. فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية فقال: «يا فاطمة أما ترضي «4» أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين، أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟» قالت: فضحكت ضحكي الّذي رأيت» ) * «5» . 25- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يخرج الرّجلان يضربان الغائط كاشفين عورتهما يتحدّثان فإنّ الله يمقت على ذلك» ) * «6» . 26- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرّجل إلى الرّجل في ثوب واحد. ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثّوب الواحد» ) * «7» . 27- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ستر عورة أخيه المسلم، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتّى يفضحه بها في بيته» ) * «8» . 28- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن لبستين وعن بيعتين: نهى عن الملامسة، والمنابذة في البيع، والملامسة لمس الرّجل ثوب الآخر بيده باللّيل أو بالنّهار ولا يقلّبه إلّا بذاك، والمنابذة أن ينبذ الرّجل إلى الرّجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض. واللّبستان: اشتمال الصّمّاء- والصّمّاء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقّيه ليس عليه ثوب- واللّبسة   (1) مرة أو مرتين: هكذا وقع في هذه الرواية. وذكر المرتين شك من بعض الرواة. والصواب حذفها كما في باقي الروايات. (2) لا أرى: أي لا أظن. (3) نعم السلف: السلف المتقدم. ومعناه أنا متقدم قدامك فستردين علي. (4) أما ترضي: هكذا هو في النسخ: ترضي. وهو لغة. والمشهور: ترضين. (5) البخاري الفتح 6 (3623) . ومسلم (0245) واللفظ له (6) أحمد (3/ 36) واللفظ له. وأبو داود (15) . والحاكم في المستدرك (1/ 157- 158) وصححه ووافقه الذهبي. (7) مسلم (338) . (8) ابن ماجة (2546) واللفظ له. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 239) وقال: إسناده حسن. الجزء الأول من الحديث عند أبي داود (4893) من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- وبعض الحديث عند مسلم (2699) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5280 الأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء» ) * «1» . 29- * (عن معاوية بن حيدة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت أن لا يرينّها أحد فلا يرينّها» . قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: «الله أحقّ أن يستحيا منه من النّاس» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الفضح) 1- * (كان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يقول: «ما أفشيت سرّي إلى أحد قطّ فأفشاه فلمته، إذ كان صدري به أضيق» ) * «3» . 2- * (قال عليّ- رضي الله عنه-: «سرّك أسيرك، فإذا تكلّمت به صرت أسيره» ) * «4» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج حين زاغت الشّمس فصلّى لهم صلاة الظّهر. فلمّا سلّم قام على المنبر فذكر السّاعة، وذكر أنّ قبلها أمورا عظاما ثمّ قال: «من أحبّ أن يسألني عن شيء فليسألني عنه. فو الله لا تسألونني عن شيء إلّا أخبرتكم به مادمت في مقامي هذا» . قال أنس بن مالك: فأكثر النّاس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأكثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: «سلوني» فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي؟ يا رسول الله قال: «أبوك حذافة» فلمّا أكثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أن يقول: «سلوني» برك عمر فقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا. قال فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قال عمر ذلك. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أولى «5» . والّذي نفس محمّد بيده لقد عرضت عليّ الجنّة والنّار آنفا «6» في عرض «7» هذا الحائط. فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ» . قال ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قالت أمّ عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة: ما سمعت بابن قطّ أعقّ منك؟ أأمنت أن تكون أمّك قد قارفت «8» بعض ما   (1) البخاري- الفتح 10 (5820) . (2) أبو داود (4017) . وقال الألباني (2/ 759) : حسن. (3) المستطرف (1/ 297) . (4) المستطرف (1/ 296) . (5) أولى: هي كلمة تهديد ووعيد وقيل: كلمة تلهف. فعلى هذا يستعملها من نجا من أمر عظيم. والصحيح المشهور أنها للتهديد. ومعناها. قرب منكم ما تكرهونه. ومنه قوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى *. أي قاربك ما تكره فاحذره. مأخوذ من الولي وهو القرب. (6) آنفا: معناه قريبا، الساعة. والمشهور فيه المد، ويقال بالقصر. وقرىء بهما في السبع الأكثرون بالمد. (7) عرض: عرض الحائط جانبه. (8) قارفت: معناه عملت سوءا. والمراد الزنى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5281 تقارف نساء أهل الجاهليّة «1» فتفضحها «2» على أعين النّاس؟ قال عبد الله بن حذافة: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته» ) * «3» . 4- * (عن دخين أبي الهيثم كاتب عقبة بن عامر قال: قلت لعقبة بن عامر: إنّ لنا جيرانا يشربون الخمر وأنا داع لهم الشّرط ليأخذوهم. قال: لا تفعل، وعظهم، وهدّدهم. قال: إنّي نهيتهم فلم ينتهوا، وأنا داع لهم الشّرط «4» ليأخذوهم، فقال عقبة: ويحك لا تفعل؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من ستر عورة فكأنّما استحيا موءودة في قبرها» ) * «5» . 5- * (يروى أنّ معاوية- رضي الله عنه- أسرّ إلى الوليد بن عتبة حديثه فقال لأبيه: يا أبت إنّ أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. فقال: فلا تحدّثني به؛ فإنّ من كتم سرّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: فقلت يا أبت وإنّ هذا ليدخل بين الرّجل وبين ابنه؟ فقال: لا. والله يا بنيّ ولكن أحبّ أن لا تذلّل لسانك بأحاديث السّرّ. قال: فأتيت معاوية فأخبرته فقال: يا وليد أعتقك أبوك من رقّ الخطأ. فإفشاء السّرّ خيانة» ) * «6» . 6- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: «القلوب أوعية والشّفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلّ إنسان مفتاح سرّه. ومن عجائب الأمور أنّ الأمور كلّما كثرت خزانها كان أوثق لها، وأمّا الأسرار فإنّها كلّما كثرت خزانها كان أضيع لها، وكم من إظهار سرّ أراق دم صاحبه ومنعه من بلوغ مآربه، ولو كتمه أمن من سطوته» ) * «7» . 7- * (قال الحسن: «إنّ من الخيانة أن تحدّث بسرّ أخيك» ) * «8» . 8- * (قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-: «إفشاء السّرّ منهيّ عنه لما فيه من الإيذاء، والتّهاون بحقّ المعارف والأصدقاء. وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم وإن لم يكن فيه إضرار» ) * «9» . 9- * (أنشد ثعلب: ثلاث خصال للصّديق جعلتها ... مضارعة للصّوم والصّلوات   (1) الجاهلية: هم من قبل النبوة. سموا به لكثرة جهالاتهم. (2) فتفضحها: معناه لو كنت من زنى فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني. (3) مسلم (2359) واللفظ له. وأورده البخاري مقطعا الفتح 7 (4621- 4622) (4) الشرط: بضم الشين المعجمة وفتح الراء: هم أعوان الولاة والظلمة، والواحد منه شرطى بضم الشين وسكون الراء. (5) أبو داود رقم (4892) ، والمنذري في الترغيب (3/ 238) واللفظ له وقال: رواه أبو داود (4892) والنسائي بذكر القصة وبدونها، وابن حبان في صحيحه، وقال: صحيح الإسناد وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (1/ 134) . قال الحافظ: رجال أسانيدهم ثقات، ولكن اختلف فيه على إبراهيم بن نشيط اختلافا كثيرا، ذكرت بعضه في مختصر السنن. الشرط: بضم الشين المعجمة وفتح الراء: هم أعوان الولاة والظلمة، والواحد منه شرطي بضم الشين وسكون الراء. (6) الإحياء (3/ 132) . (7) المستطرف (1/ 296) . (8) إحياء علوم الدين (3/ 132) . (9) إحياء علوم الدين (3/ 132) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5282 مواساته، والصّفح عن عثراته ... وترك ابتذال السّرّ في الخلوات) * «1» . 10- * (قال الأبشيهيّ: «اعلم أنّ أمناء الأسرار أقلّ وجودا من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار؛ لأنّ أحراز الأموال منيعة بالأبواب والأقفال، وأحراز الأسرار بارزة، يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق، وحمل الأسرار أثقل من حمل الأموال» ) * «2» . 11- * (وكان يقال: «أحزم النّاس من لا يفشي سرّه إلى صديقه مخافة أن يقع بينهما شرّ فيفشيه عليه» ) * «3» . 12- * (قيل: أفشى رجل لصديق له سرّا من أسراره، فلمّا فرغ قال له: حفظته؟ قال: لا. بل نسيته» ) * «4» . 13- * (ولبعضهم: ليس الكريم الّذي إن زلّ صاحبه ... بثّ الّذي كان من أسراره علما إنّ الكريم الّذي تبقى مودّته ... ويحفظ السّرّ إن صافى وإن صرما) * «5» . 14- قال الشّاعر: إذا المرء أفشى سرّه بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق) * «6» . 15- * (وقال آخر: إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... وأفشته الرّجال فمن تلوم؟ وإن عاتبت من أفشى حديثي ... وسرّي عنده فأنا الملوم) * «7» . 16- * (وقال آخر: ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها ... ولا أدع الأسرار تعلو على قلبي وإنّ قليل العقل من بات ليلة ... تقلّبه الأسرار جنبا إلى جنب) * «8» . من مضار (الفضح) (1) فضح الأسرار والأعراض اعتداء، والاعتداء محظور شرعا. (2) من فضح سرّ أخيه أو عورته فضحه الله في الدّنيا والآخرة على رؤوس الأشهاد. (3) الفاضح ممقوت، يتجنّب النّاس مجالسته ومخالطته. (4) إذا وجد المجتمع قد نبذه ازداد حقدا على النّاس وانعكس ذلك قلقا واضطرابا في نفسه. (5) إذا كثرت الفضائح في مجتمع ما فليتودّع منه؛ إذ إنّه أصبح مجتمعا منحلّا لا قيمة له.   (1) آداب العشرة (38) . (2) المستطرف (1/ 296) . (3) المصدر السابق (1/ 298) . (4) آداب العشرة (23) . (5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المستطرف (1/ 298) . (7) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (8) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5283 [ حرف القاف ] القتل القتل لغة: إزهاق الرّوح. وهو مأخوذ من مادّة (ق ت ل) الّتي تدلّ على إذلال وإماتة، يقال: قتلته قتلا، والقتلة: الحال يقتل عليها يقال: قتله قتلة سوء، والقتلة: المرّة الواحدة «1» . يقول الجوهريّ: القتل: معروف، وقتله قتلا، وتقتالا، ومقاتل الإنسان المواضع الّتي إذا أصيبت قتلته: يقال: مقتل الرّجل بين فكّيه «2» ، وقتلته قتلا، أزهقت روحه، فهو قتيل، والمرأة قتيل أيضا إذا كان وصفا فإذا حذف الموصوف جعل اسما، ودخلت الهاء نحو رأيت قتيلة بني فلان والجمع فيها قتلى «3» والقتل بالكسر- العدوّ المقاتل ... والقتل بالضّمّ وبضمّتين: جمع قتول كصبور لكثير القتل، من أبنية المبالغة. وأقتله عرّضه للقتل، وأصبره عليه ... واستقتل. استسلم للقتل مثل استمات ... ورجل قتيل، وامرأة قتيل، مقتول ومقتولة. وامرأة قتول، أي قاتلة ... وتقاتلوا واقتتلوا بمعنى واحد ... والمقاتلة، بكسر التّاء الّذين يلون القتال، وقيل: الّذين يصلحون للقتال. وقتل الله فلانا، فإنّه كذا وكذا، أي دفع الله شرّه «4» ، وقوله تعالى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ لفظ قتل: دعاء عليهم، وهو من الله تعالى إيجاد ذلك، وقوله تعالى: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قيل: معناه ليقتل بعضكم بعضا. وقيل: عني بقتل النّفس إماطة الشّهوات، وعنه استعير على سبيل المبالغة: قتلت الخمر بالماء إذا مزجتها، وقتلت فلانا وقتّلته إذا ذلّلته ... والمقاتلة: المحاربة وتحرّي القتل، قال: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ* وقول الله تعالى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ* قيل: معناه لعنهم الله، وقيل: معناه قتلهم، والصّحيح أنّ ذلك هو المفاعلة، والمعنى صار بحيث يتصدّى لمحاربة الله، فإنّ من قاتل الله فهو مقتول ومن غالبه فهو مغلوب «5» . وقال ابن منظور: يقال: رجل قتيل أي مقتول والجمع قتلاء وقتلى وقتالى، ولا يجمع جمع السلامة لأنّ مؤنّثه لا تدخله الهاء (إلّا إذا حذف الموصوف) فقلت: قتيلة بني فلان، وكذلك مررت بقتيلة، لأنّك تسلك طريق الاسم. ويقال: قتل الرّجل، فإن كان قتله العشق قيل تقتّل والقتل بالكسر: العدوّ، قال الشّاعر (ابن قيس الرّقيّات) :   (1) المقاييس (5/ 56) . (2) الصحاح (5/ 1797) . (3) المصباح المنير (187) . (4) التاج (15/ 607، 608، 609) . (5) المفردات (393) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5284 واغترابي عن عامر بن لؤيّ ... في بلاد كثيرة الأقتال الأقتال: الأعداء، والقتل أيضا: القرن في قتال وغيره، وهما قتلان أي مثلان، وقتل الرّجل: نظيره وابن عمّه، وإنّه لقتل شرّ أي عالم به، ورجل مقتّل أي مجرّب للأمور «1» . القتل اصطلاحا: قال الجرجانيّ: القتل: فعل يحصل به زهوق الرّوح «2» . وقال الرّاغب: أصل القتل: إزالة الرّوح عن الجسد كالموت، لكن إذا اعتبر بفعل المتولّي لذلك، يقال قتل، وإذا اعتبر بفوت الحياة قيل: موت (وفوت) «3» . وقال الكفويّ: القتل: إزالة الرّوح عن الجسد اعتبارا بفعل المتولّي لذلك «4» . القتل في القرآن الكريم: ورد لفظ القتل في القرآن الكريم على سبعة أوجه: 1- الفعل المميت للنّفس. ومنه قوله تعالى: في آل عمران: الآية (146) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ وفي سورة النّساء: الآية (93) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. 2- القتال. ومنه قوله تعالى في البقرة: الآية (191) فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ. 3- اللّعن. ومنه قوله تعالى في الذّاريات: الآية (10) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ وفي «المدّثّر» الآية (19، 20) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ وفي البروج: الآية (4) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. 4- التّعذيب. ومنه قوله تعالى في الأحزاب: الآية (61) أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. 5- الدّفن للحيّ. ومنه قوله تعالى في الأنعام: الآية (151) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ. 6- القصاص. ومنه قوله تعالى في بني إسرائيل (الإسراء) الآية (33) فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً. 7- الذّبح. ومنه قوله تعالى في الأعراف الآية (141) يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ «5» . حكم القتل: قال ابن حجر: قتل المسلم أو الذّمّيّ المعصوم عمدا أو شبه عمد من الكبائر.. وللقتل أحكام كالقود والدّية وقد ذكر في سورة البقرة (آية 178) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى..) «6» ، وعدّ من الكبائر أيضا قتل الإنسان لنفسه، مستدلّا بقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قال: وعدّ ذلك   (1) لسان العرب (5/ 3527- 3530) . (2) التعريفات (179) . (3) المفردات (293) ، وعنه أخذ المناوي، انظر التوقيف (268) . (4) الكليات (729) . (5) نزهة الأعين النواظر (495- 497) . (6) الزواجر (482) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5285 كبيرة هو صريح الآية، ويدخل فيه وفيما يترتّب عليه من الوعيد قتل المهدر لنفسه كالزّاني المحصن، وقاطع الطّريق المتحتّم قتله «1» ، أمّا الإمام الذّهبيّ فقد ذكر القتل باعتباره الكبيرة الثّانية بعد الشّرك، وقد أدخل في ذلك قتل الذّمّيّ المعاهد «2» . [للاستزادة: انظر صفات: الإجرام- الإرهاب الحرب والمحاربة- العدوان- البغي- الانتقام- الطغيان- الفساد- نقض العهد- الغدر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان السلم- العفو- السماحة- الصفح- الصلح- الإصلاح] .   (1) الزواجر (492) . (2) الكبائر (13، 14) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5286 الآيات الواردة في «القتل» قتل الكفار إذا قاتلوا المؤمنين: 1- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) «1» 2- فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «2» 3- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) «3» 4- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «4» 5- وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) «5» النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق: 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «6» 7- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ   (1) البقرة: 190- 192 مدنية (2) البقرة: 251 مدنية (3) الأنفال: 17- 18 مدنية (4) التوبة: 5 مدنية (5) الأحزاب: 26 مدنية (6) النساء: 29 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5287 وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93) «1» 8- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140) «2» 9- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «3» 10- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) «4» 11- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) «5» 12- وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) «6» قتل المستضعفين: 13- وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) «7» 14- وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) «8» 15- وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) «9» 16- فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) «10» 17- قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) «11»   (1) النساء: 92- 93 مدنية (2) الأنعام: 140 مكية (3) الأنعام: 151 مكية (4) الإسراء: 31- 33 مكية (5) الفرقان: 68 مكية (6) التكوير: 8- 9 مكية (7) الأعراف: 141 مكية (8) الشعراء: 14 مكية (9) القصص: 9 مكية (10) القصص: 19 مكية (11) البروج: 4 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5288 قتل الأنبياء بغير حق: 18- وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «1» 19- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) «2» 20- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) «3» 21- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «4» 22- الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (183) «5» 23- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) «6» 24- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) «7» 25- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) «8» قتل بني إسرائيل أنبيائهم بغير حق: 26- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) «9»   (1) البقرة: 61 مدنية (2) البقرة: 91 مدنية (3) آل عمران: 21 مدنية (4) آل عمران: 112 مدنية (5) آل عمران: 183 مدنية (6) النساء: 155 مدنية (7) الأعراف: 150 مكية (8) العنكبوت: 24 مكية (9) البقرة: 72 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5289 27- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «1» 28- اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (10) «2» 29- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) «3» 30- فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) «4» 31- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) «5» الدعاء على الكفار في حكمهم بالقتل: 32- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) «6» 33- * لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا (60)   (1) البقرة: 84- 87 مدنية (2) يوسف: 9- 10 مكية (3) القصص: 15 مكية (4) القصص: 19 مكية (5) غافر: 28 مكية (6) التوبة: 30 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5290 مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) «1» 34- قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) «2» 35- إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) «3» 36- قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) «4» محاولة المشركين قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: 37- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) «5» جزاء القتل: 38- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) «6» أول قتل في الأرض: 39- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) «7»   (1) الأحزاب: 60- 61 مدنية (2) الذاريات: 10- 11 مكية (3) المدثر: 18- 20 مكية (4) عبس: 17 مكية (5) الأنفال: 30 مكية (6) البقرة: 178 مدنية (7) المائدة: 27- 33 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5291 الأحاديث الواردة في ذمّ (القتل) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النّفس، وعقوق الوالدين، وقول الزّور- أو قال وشهادة الزّور-) * «1» . 2- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلمّا مال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عسكره. ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل لا يدع لهم شاذّة إلّا اتّبعها يضربها بسيفه ... الحديث، وفيه «فخرج الرّجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أشهد أنّك رسول الله. قال: «وما ذاك؟» قال: الرّجل الّذي ذكرت آنفا أنّه من أهل النّار. فأعظم النّاس ذلك. فقلت: أنا لكم به. فخرجت في طلبه حتّى جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه «2» بين ثدييه، ثمّ تحامل عليه فقتل نفسه، ... الحديث) * «3» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة فاجتووها «4» ، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصّدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها» ففعلوا. فصحّوا. ثمّ مالوا على الرّعاة فقتلوهم، وارتدّوا عن الإسلام. وساقوا ذود رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «5» . فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبعث في إثرهم فأتى بهم. فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم «6» وتركهم في الحرّة «7» حتّى ماتوا) * «8» . 4- * (عن وائل- رضي الله عنه- قال: إنّي لقاعد مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة «9» فقال: يا رسول الله هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقتلته؟» (فقال: إنّه لو لم يعترف، أقمت عليه البيّنة) قال: نعم قتلته. قال: كيف قتلته؟ ... الحديث) * «10» . 5- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله   (1) البخاري- الفتح 12 (6871) واللفظ له. ومسلم (88) . (2) ذباب السيف: حد طرفه الذي بين شفرتيه، وقيل: طرفه المتطرف الذي يضرب به، وقيل: حده. (3) البخاري- الفتح 11 (6607) . ومسلم (112) واللفظ له. (4) اجتووها: أي كرهوا المقام فيها وإن كانوا في نعمة، وقيل: أصابهم الجوى وهو المرض. (5) الذود: تقال للقطيع من الإبل الثلاث إلى التسع. (6) سمل أعينهم: أي فقأها، وإنما فعل ذلك بهم لأنهم فعلوا بالرعاة مثله وقتلوهم، وقيل: إن هذا قبل أن تنزل الحدود فلما نزلت نهي عن المثلة (7) الحرة: بفتح الحاء وتشديد الراء- أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كبيرة كانت بها وقعة. (8) البخاري- الفتح 12 (6802) . ومسلم (1671) واللفظ له. (9) نسعة: بكسر أوله وسكون ثانيه- هو سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره والجمع نسع ونسع وأنساع. (10) مسلم (1680) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5292 عنه- قال: إنّي لمن النّقباء الّذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل النّفس الّتي حرّم الله، ولا ننهب، ولا نعصي فالجنّة إن فعلنا ذلك، فإن غشينا «1» من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله» ) * «2» . 6- * (عن أسامة بن زيد بن حارثة- رضي الله عنهما- يحدّث قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم قال فلمّا غشيناه «3» قال: لا إله إلّا الله، قال: فكفّ عنه الأنصاريّ، فطعنته برمحي حتّى قتلته، قال: فلمّا قدمنا بلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: فقال لي: «يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنّه إنّما كان متعوّذا، قال: قتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله؟ قال: فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» ) * «4» . 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خرجت جارية عليها أوضاح «5» بالمدينة، قال: فرماها يهوديّ بحجر. قال: فجيء بها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبها رمق. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلان قتلك؟» فرفعت رأسها فأعاد عليها. قال: «فلان قتلك؟» فرفعت رأسها. فقال لها في الثّالثة: «فلان قتلك؟» فخفضت رأسها. فدعا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقتله بين الحجرين» ) * «6» . 8- * (عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرّجل، فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرّجل. قال: ارجع، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار» . قلت: يا رسول الله، هذا القاتل. فما بال المقتول؟ قال: «إنّه كان حريصا على قتل صاحبه» ) * «7» . 9- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» ) * «8» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر. فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام: «هذا من أهل النّار» . فلمّا حضرنا القتال قاتل الرّجل قتالا شديدا فأصابته جراحة. فقيل: يا رسول الله، الّذي قلت: «إنّه من أهل النّار» . فإنّه قد قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إلى النّار» . فكاد بعض النّاس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنّه لم يمت ولكنّ به جراحا   (1) غشينا: بفتح أوله وكسر ثاينه أي أصبنا أو لحقنا. (2) البخاري- الفتح 12 (6873) واللفظ له ومسلم (1709) . (3) غشيناه: أي لحقنا به. (4) البخاري- الفتح 12 (6872) . ومسلم (96) . (5) أوضاح جمع وضح: حلى من فضة سميت بذلك لبياضها. (6) البخاري- الفتح 12 (6877) واللفظ له. ومسلم (1672) . (7) البخاري- الفتح 12 (6875) واللفظ له. ومسلم (1888) . (8) البخاري- الفتح 13 (7076) . ومسلم (64) متفق عليه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5293 شديدا، فلمّا كان من اللّيل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه. فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك ... الحديث) * «1» . 11- * (عن جندب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنّة» ) * «2» . 12- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، واليمين الغموس «3» » ) * «4» . 13- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ ذنب عسى الله أن يغفره، إلّا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمّدا» ) * «5» . 14- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلّا الرّجل يقتل المؤمن متعمّدا أو الرّجل يموت كافرا» ) * «6» . 15- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا تقتل نفس إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل «7» منها» ) * «8» . 16- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لزوال الدّنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) * «9» . 17- * (عن رفاعة بن شدّاد القتبانيّ، قال: لولا كلمة سمعتها من عمرو بن الحمق الخزاعيّ، لمشيت فيما بين رأس المختار وجسده. سمعته يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أمّن رجلا على دمه فقتله، فإنّه يحمل لواء غدر يوم القيامة» ) * «10» . 18- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «من قتل نفسا معاهدا «11» لم يرح رائحة الجنّة. وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» ) * «12» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من قتل نفسه بحديدة   (1) البخاري- الفتح 11 (6606) . ومسلم (111) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 3 (1364) واللفظ له. مسلم (113) . (3) الغموس: التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار. (4) البخاري- الفتح 11 (6675) . (5) أبو داود (4/ 4270) واللفظ له. والحاكم في مستدركه (4/ 351) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ورواه النسائي (7/ 81) بإسناد حسن من حديث معاوية- رضي الله عنه-. (6) النسائي (7/ 81) وقال محقق جامع الأصول (10/ 208) : حديث حسن. (7) الكفل: الحظ والنصيب. (8) البخاري- الفتح 12 (6867) واللفظ له. ومسلم (1677) . (9) النسائي (7/ 82) وقال محقق جامع الأصول (10/ 208) : حديث حسن. (10) ابن ماجه (2688) . وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (11) المعاهد: من له عهد مع المسلمين. سواء أكان بعقد جزية أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم. (12) البخاري- الفتح 12 (6914) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5294 فحديدته في يده يتوجّأ «1» بها في بطنه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا. ومن شرب سمّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا. ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا» ) * «2» . 20- * (عن المقداد بن عمرو الكنديّ- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: يا رسول الله، إن لقيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي بالسّيف فقطعها ثمّ لاذ بشجرة وقال: أسلمت لله، آقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» . قال: يا رسول الله، فإنّه طرح إحدى يديّ ثمّ قال ذلك بعد ما قطعها آقتله؟ قال: «لا، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «3» . 21- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، أيّ الذّنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تدعو لله ندّا وهو خلقك» . قال: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» . قال ثمّ أيّ؟ قال «ثمّ أن تزاني حليلة جارك، فأنزل الله- عزّ وجلّ- تصديقها وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (الفرقان/ 68) » ) * «4» . 22- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجىء الرّجل آخذا بيد الرّجل فيقول: يا ربّ هذا قتلني. فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزّة لك. فيقول: فإنّها لي، ويجىء الرّجل آخذا بيد الرّجل فيقول: إنّ هذا قتلني فيقول الله له: لم قتلته؟. فيقول: لتكون العزّة لفلان. فيقول إنّها ليست لفلان فيبوء بإثمه» ) * «5» . 23- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده. وأوداجه تشخب دما يقول: يا ربّ قتلني هذا حتّى يدنيه من العرش» ) * «6» .   (1) يتوجأ: أي يطعن وهي رواية مسلم، وعبارة البخاري يجأ بها أي يطعن أيضا والأصل في يجأ يوجأ. (2) البخاري- الفتح 10 (5778) . ومسلم (109) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 12 (6865) واللفظ له ومسلم (95) . (4) البخاري- الفتح 12 (6861) واللفظ له ومسلم (86) . (5) النسائي (7/ 84) وقال محقق جامع الأصول (10/ 210) : إسناده حسن. (6) المسند (1/ 240) وأحمد (4/ 14، 15) . والترمذي (3029) وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (2/ 98) : إسناده قوي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5295 الأحاديث الواردة في ذمّ (القتل) معنى 24- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أبغض النّاس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دم امرىء بغير حقّ ليهريق دمه» ) * «1» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الّذي يخنق نفسه يخنقها في النّار، والّذي يطعنها يطعنها في النّار» ) * «2» . 26- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ الطّفيل بن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين «3» ومنعة «4» ؟ (قال حصن كان لدوس في الجاهليّة) فأبى ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، للّذي ذخر الله للأنصار، فلمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة. هاجر إليه الطّفيل بن عمرو. وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة «5» . فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص «6» له. فقطع بها براجمه «7» ، فشخبت يداه «8» حتّى مات. فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطّيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطّفيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ وليديه فاغفر» ) * «9» . 27- * (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر ... الحديث وفيه: «حتّى دلّ على الرّاهب. فجيء بالرّاهب. فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى. فدعا بالمئشار فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه ... الحديث» ) * «10» . 28- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل ما يقضى بين النّاس في الدّماء» ) * «11» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التّقوى هاهنا.   (1) البخاري- الفتح 12 (6882) . (2) البخاري- الفتح 3 (1365) . (3) حصن حصين: يعني أرض دوس. (4) ومنعة: أي جماعة يمنعوك ممن يقصدك بمكروه. (5) فاجتووا المدينة: أي كرهوا المقام بها لضجر ونوع من سقم. (6) مشاقص: جمع مشقص وهو سهم فيه نصل عريض. (7) براجمه: البراجم مفاصل الأصابع. (8) فشخبت يداه: أي سال دمها بقوة. (9) مسلم (116) . (10) مسلم (3005) . (11) البخاري- الفتح 11 (6533) واللفظ له ومسلم (1678) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5296 ويشير إلى صدره ثلاث مرّات. بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه» ) «1» . 30- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» ) * «2» . 31- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: مرض رجل، فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّه قد مات، قال: «ما يدريك؟» قال: أنا رأيته، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه لم يمت» .... الحديث. وفيه «ثمّ انطلق الرّجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص معه، فانطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قد مات، فقال: «ما يدريك؟» قال: رأيته ينحر نفسه بمشاقص معه، قال: «أنت رأيته؟» قال: نعم. قال: «إذا لا أصلّي عليه» ) * «3» . 32- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حمل علينا السّلاح فليس منّا» ) * «4» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه قال: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «5» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «6» ، يغضب لعصبة «7» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة، ومن خرج على أمّتي، يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «8» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي، ولست منه» ) * «9» . 34- * (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة النّجاشيّ فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث. وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة،   (1) مسلم (2564) وبعضه عند البخاري. (2) البخاري- الفتح 12 (6862) . (3) أبو داود (3185) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول (10/ 223) : إسناده حسن. وهو عند مسلم مختصرا. (4) البخاري- الفتح 12 (6874) . ومسلم (98) متفق عليه. (5) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. (6) عمية: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. (7) لعصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره. لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. (8) ولا يتحاش: أي لا يخاف وباله وعقوبته. (9) مسلم (1848) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5297 وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (القتل) 1- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: «إنّ من ورطات الأمور «2» الّتي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدّم الحرام بغير حلّه) * «3» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك! وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك» ) * «4» . 3- * (عن سعيد بن جبير؛ قال: «اختلف أهل الكوفة في هذه الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. فرحلت إلى ابن عبّاس فسألته عنها، فقال: لقد أنزلت آخر ما أنزل. ثمّ ما نسخها شيء» ) * «5» . 4- * (عن طيسلة بن ميّاس قال: «كنت مع النّجدات فأصبت ذنوبا لا أراها إلّا من الكبائر. فذكرت ذلك لابن عمر، قال: ما هي؟ قلت: كذا وكذا. قال: ليست هذه من الكبائر. هنّ تسع: الإشراك بالله، وقتل نسمة، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد، والّذي يستسخر «6» ، وبكاء الوالدين من العقوق. قال لي ابن عمر: أتفرق «7» من النّار. وتحبّ أن تدخل الجنّة؟ قلت: إي والله قال: أحيّ والداك؟ قلت: عندي أمّي. قال: فو الله لو ألنت «8» لها الكلام، وأطعمتها الطّعام لتدخلنّ الجنّة، ما اجتنبت الكبائر» ) * «9» .   (1) رواه أحمد في المسند (1/ 202) ، وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. (2) ورطات الأمور: ورطات جمع ورطة وهي الهلاك. (3) البخاري- الفتح 12 (6863) . (4) الترمذي (2032) . (5) مسلم (3023) . (6) والذي يستسخر: الاستسخار من السخرية، وهو الاستهزاء من إنسان والضحك والإضحاك منه. (7) أتفرق: الفرق: الخوف والفزع. (8) ألنت: أي خفضت صوتك، وكلمتها باللطف وعذوبة اللسان. (9) أخرجه الطبري في التفسير، وعبد الرزاق الخرائطي في «مساويء الأخلاق» (67) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5298 من مضار (القتل) (1) في القتل- بغير حقّ- اعتداء على المجتمع كلّه. (2) القتل مجلبة لسخط الرّبّ تعالى. (3) من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعا وفي ذلك ما فيه من تغليظ الجرم وبشاعة الذّنب. (4) من قتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالدا فيها. (5) القتل من أكبر الكبائر. (6) المنتحر قاتل للنّفس الّتي حرّم الله تعالى قتلها وهو من أهل النّار. (7) حرص المسلم على قتل أخيه يجعله في النّار حتّى وإن لم يقتله فعلا. (8) قتال المسلمين فيما بينهم جرم عظيم يصل بهم إلى الكفر. (9) القتل من عادات الجاهليّة الّتي نهى عنها الإسلام. (10) القاتل يضيّق عليه في الدّنيا والآخرة. (11) من حمل السّلاح على المسلمين فليس منهم وقد برئت منه ذمّة الله ورسوله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5299 القدوة السيئة القدوة لغة: القدوة هي الاسم من الاقتداء، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ق د و) الّتي تدلّ على اقتياس بالشّيء واهتداء، ومقادرة للشّيء حتّى يؤتى به مساويا لغيره، يقول ابن فارس: ومن ذلك قولهم: هذا قدى رمح أي قيسه، وفلان قدوة أي يقتدى به، ومن الباب: فلان يقدو به فرسه، إذا لزم سنن السّيرة، وإنّما سمّي ذلك قدوا لأنّه تقدير في السّيرة، وتقدّى فلان على دابّته، إذا سار سيرة على استقامة، وقيل: القدو (بالكسر) هو الأصل الّذي يتشعّب منه الفروع «1» . وقال الجوهريّ: القدوة: الإسوة، يقال: فلان قدوة يقتدى به، وقد يضمّ فيقال: لي بك قدوة وقدوة وقدة، ويقال: خذ في هديتك وقديتك. أي فيما كنت فيه، وأتتنا قادية من النّاس، أي جماعة قليلة وهم أوّل من يطرأ عليك، وقال الفيروز آباديّ: القدوة مثلّثة، وكعدة: ما تسنّنت به، والقدوى: الاستقامة، وقال ابن منظور: القدو هو أصل البناء الّذي يتشعّب منه تصريف الاقتداء (أي أنّ أصل المادّة (ق د و) ، والقدة كالقدوة وجمع القدوة قدى، وقال ابن الأعرابيّ: القدوة: التّقدّم، يقال: فلان لا يقاديه أحد، ولا يماديه أحد، ولا يباريه أحد ولا يجاريه أحد، وذلك إذا برّز في الخلال كلّها، والقدية: الهدية، والقدو: القدوم من السّفر، والقدو أيضا القرب، وأقدى إذا استوى في طريق الدّين «2» . القدوة اصطلاحا: قال المناويّ، القدوة: هي الاقتداء بالغير ومتابعته والتّأسّي به «3» . والقدوة السّيّئة هي: الاقتداء بأهل الباطل ومتابعتهم والتّأسّي بهم في فعل السّيّئات وترك الحسنات «4» . حكم القدوة السيئة: إنّ من يقتدى بشخص ويتّخذه إماما له فلا شكّ أنّه يحبّه ويتمنّى أن يصير مثله، ويؤدّي الاقتداء بأهل الباطل إلى محبّتهم والدّفاع عن سيّئاتهم   (1) المقاييس (5/ 66) ، الصحاح (6/ 2460) ، القاموس المحيط (1706) (ط. بيروت) (2) لسان العرب (5/ 3556) . (3) التوقيف (269) . (4) اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره كل من المناوي في التوقيف (269) وما ذكره العز بن عبد السلام عن الاقتداء بأهل الحق (انظر شجرة المعارف والأحوال (ص 344) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5300 وشرورهم، والابتعاد عن الصّالحين ويدفع هذا بصاحبه إلى ارتكاب كبيرة نصّ عليها الأئمّة، يقول ابن حجر: الكبيرة الرّابعة والخمسون: محبّة الظّلمة أو الفسقة بأيّ نوع كان فسقهم، قال: وعدّ هذا من الكبائر هو مادلّت عليه الأحاديث «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- اتباع الهوى- موالاة الكفار- انتهاك الحرمات- الإساءة التفريط والإفراط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأسوة الحسنة- الاتباع- الولاء والبراء- الطاعة- تعظيم الحرمات- الأدب- الإخلاص- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] .   (1) الزواجر (142) بتصرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5301 الآيات الواردة في «القدوة السيئة» 1- وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) * قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «1»   (1) الزخرف: 19- 25 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5302 الأحاديث الواردة في ذمّ (القدوة السيئة) معنى 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أبغض النّاس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دم امرىء بغير حقّ ليهريق دمه» ) * «1» . 2- * (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعاذك الله من أمراء يكونون بعدي» . قال: وما هم يا رسول الله؟. قال: «من دخل عليهم فصدّقهم وأعانهم على جورهم فليس منّي ولا يرد عليّ الحوض. اعلم يا عبد الرّحمن، أنّ الصّيام جنّة، والصّلاة برهان. يا عبد الرّحمن، إنّ الله أبى عليّ أن يدخل الجنّة لحما نبت من سحت فالنّار أولى به» ) * «2» . 3- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعاذك الله يا كعب ابن عجرة من إمارة السّفهاء» . قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: «أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي ولست منهم ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم، وسيردون عليّ حوضي، يا كعب بن عجرة، الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة، والصّلاة قربان- أو قال: برهان-» ) * «3» . 4- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلّمه؟ فقال: أترون أنّي لا أكلّمه إلّا أسمعكم «4» ؟ والله لقد كلّمته فيما بيني وبينه. ما دون أن أفتتح أمرا لا أحبّ أن أكون أوّل من فتحه «5» . ولا أقول لأحد يكون عليّ أميرا: إنّه خير النّاس بعدما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يؤتى بالرّجل يوم القيامة فيلقى في النّار. فتندلق أقتاب بطنه «6» . فيدور بها كما يدور الحمار بالرّحى. فيجتمع إليه أهل النّار. فيقولون: يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى. قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه» ) * «7» . 5- * (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه-   (1) البخاري- الفتح 12 (6882) . (2) الحاكم في المستدرك (4/ 126) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وله شاهد عند أحمد (3/ 321) من حديث جابر. (3) أحمد (3/ 321) ، وصححه الحاكم (4/ 127) واللفظ له ووافقه الذهبي. (4) أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم: معناه أتظنون أني لا أكلمه إلا وأنتم تسمعون. (5) ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه: يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ، كما جرى لقتلة عثمان- رضي الله عنه-. (6) أقتاب بطنه: أقتاب: جمع قتب وهي المعى وقيل: ما تحوّى من البطن يعني استدار وهي الحوايا. (7) البخاري- الفتح 6 (3267) ، ومسلم (2989) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5303 أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى خيبر مرّ بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط «1» يعلّقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والّذي نفسي بيده: لتركبنّ سنّة من كان قبلكم» ) * «2» . وزاد رزين: «حذو النّعل بالنّعل، والقذّة «3» بالقذّة، حتّى إن كان فيهم من أتى أمّه يكون فيكم، فلا أدري: أتعبدون العجل، أم لا؟» . 6- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «إنّ الشّيطان قال: وعزّتك يا ربّ لا أبرح أغوي عبادك مادامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الرّبّ تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» ) * «4» . 7- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى لي الأرض» أو قال- «إنّ ربّي زوى «5» لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتى سيبلغ ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «6» ، وإنّي سألت ربّي لأمّتى أن لا يهلكها بسنة «7» بعامّة، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم «8» وإنّ ربّي قال لي: يا محمّد، إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال بأقطارها، حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنّما أخاف على أمّتى الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين، وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون، كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين- لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ- قال ابن عيسى: «ظاهرين» ثمّ اتّفقا- لا يضرّهم من خالفهم حتّي يأتي أمر الله» ) * «9» .   (1) أنواط: جمع نوط، وهو مصدر نطت به كذا وكذا أنوط نوطا إذا علقته به، ويسمى المنوط بالنوط. (2) الترمذي (2180) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق الجامع (10/ 34) إسناده صحيح. وقال رزين زيادة منه. (3) القذة: ريشة السهم، وجمعها قذذ، وتكون أيضا متساوية الأقدار تقص كل ريشة على قدر الأخرى. (4) أحمد (3/ 29) ، والحاكم في المستدرك (4/ 261) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (5) زوى: أي جمع: يقال: زويت الشيء أي جمعته وقبضته. (6) الأحمر: ملك الشام، والأبيض: ملك فارس. وإنما يقال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم، ولأن الغالب على أموالهم الفضة. كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة وعلى أموالهم الذهب. (7) السنة: مطلقة: السنة المجدبة. وفي الحديث: اللهم أعني على مضر بالسنة. أي بالجدب، يقال أسنت القوم إذا أجدبوا. (8) يستبيح بيضتهم: يريد جماعتهم وأصلهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم، أراد عدوّا يستأصلهم. (9) مسلم (2889) ، أبو داود (4252) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 801) : صحيح. والترمذي (2330) وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5304 8- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالما اتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلّوا، وأضلّوا» ) * «1» . 9- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة من أدم حمراء في نحو من أربعين رجلا. فقال: «إنّه مفتوح لكم، وأنتم منصورون مصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر وليصل رحمه، ومثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ كمثل البعير يتردّى، فهو يمدّ بذنبه» ) * «2» . 10- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل الجليس الصّالح والجليس السّوء، كحامل المسك، ونافخ الكير. فحامل المسك، إمّا أن يحذيك «3» ، وإمّا أن تبتاع منه «4» ، وإمّا أن تجد منه ريحا طيّبة. ونافخ الكير، إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد ريحا خبيثة» ) * «5» . 11- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن لم تكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضّله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا» ) * «6» . 12- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ. مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ. فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم. وفيه دخن «7» » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي. ويهدون بغير هديي «8» ، تعرف منهم وتنكر» . فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم. دعاة على أبواب جهنّم «9» ، من أجابهم إليها قذفوه   (1) البخاري الفتح 1 (100) واللفظ له، ومسلم (2673) . (2) أحمد (1/ 389) ، والمستدرك (4/ 159) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (3) يحذيك: أي يعطيك. (4) تبتاع منه: تشتري منه. (5) البخاري الفتح 9 (5534) ، ومسلم (2628) واللفظ له. (6) الترمذي (2512) وقال: حسن غريب، ومعناه صحيح. (7) دخن: قال أبو عبيد وغيره: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض. ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء. (8) هديي: الهدى الهيئة والسيرة والطريقة. (9) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية. وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5305 فيها» فقلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا. قال «نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها. ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «1» . 13- * (عن جرير- رضي الله عنه- قال: كناّ عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى صدر النّهار. قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابى النّمار «2» أو العباء «3» متقلّدى السّيوف عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتمعّر «4» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثمّ خرج فأمر بلالا فأذّن وأقام فصلّى، ثمّ خطب، فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إلى آخر الآية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) . والآية الّتى فى الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية/ 18) تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) : «ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها. بل قد عجزت قال: ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين «5» من طعام وثياب حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل «6» كأنّه مذهبة «7» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ فى الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ فى الإسلام سنّة سيّئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «8» . 14- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله   (1) البخاري 6 (3606) ، ومسلم (1847) واللفظ له. (2) مجتابي النمار: نصب على الحالية. أي لا بسيها خارقين أوساطها مقورين. يقال: اجتبت القميص أي دخلت فيه. والنمار جمع نمرة. وهي ثياب صوف فيها تنمير. وقيل: هي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب. كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض. أراد أنه جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف. (3) العباء: بالمد وبفتح العين، جمع عباءة وعباية، لغتان. نوع من الأكسية. (4) فتمعر: أي تغير. (5) كومين: هو بفتح الكاف وضمها. قال القاضي: ضبطه بعضهم بالفتح وبعضهم بالضم قال ابن سراج: هو بالضم اسم لما كوم. وبالفتح المرة الواحدة. قال: والكومة، بالضم، الصبرة. والكوم العظيم من كل شيء والكوم المكان المرتفع كالرابية. قال القاضي: فالفتح هنا أولى، لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية. (6) يتهلل: أي يستنير فرحا وسرورا. (7) مذهبة: ضبطوه بوجهين: أحدهما وهو المشهور، وبه جزم القاضي والجمهور: مذهبة. والثاني، ولم يذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين غيره: مدهنة. وقال القاضي عياض في المشارق، وغيره من الأئمة: هذا تصحيف. وذكر القاضي وجهين في تفسيره: أحدهما معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه واشراقه. والثاني شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود، وجمعها مذاهب، وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض. (8) مسلم (1017) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5306 عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتل نفس ظلما «1» إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل «2» من دمها لأنّه كان أوّل من سنّ القتل» ) * «3» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى تأخذ أمّتي بأخذ القرون «4» قبلها شبرا بشبر، وذراعا بذراع» . فقيل: يا رسول الله، كفارس والرّوم؟ فقال: «ومن النّاس إلّا أولئك؟» ) * «5» . 16- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لتتّبعنّ سنن من كان قبلكم شبرا شبرا، وذراعا ذراعا حتّى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم» . قلنا: يا رسول الله، اليهود والنّصارى؟. قال: «فمن؟» ) * «6» . 17- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل «7» ، حتّى إن كان منهم من أتى أمّه علانية، لكان في أمّتي من يصنع ذلك، وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلّهم في النّار، إلّا ملّة واحدة» قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» ) * «8» . 18- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه. وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى» ) * «9» . 19- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ. فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى «10» وإنّهنّ من سنن الهدى. ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم. ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم. وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من   (1) لا تقتل نفس ظلما: هذا الحديث من قواعد الإسلام، وهو أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه مثل وزر من اقتدى به في ذلك فعمل مثل عمله إلى يوم القيامة. (2) كفل: الكفل الجزء والنصيب. (3) البخاري- الفتح 6 (3335) ، ومسلم (1677) واللفظ له. (4) القرون: جمع قرن: الأمة من الناس. (5) البخاري- الفتح 13 (7319) . (6) البخاري- الفتح 13 (7320) . (7) حذو النعل بالنعل: أي مثل النعل، لأن إحدى النعلين يقطع، وتقدر على قدر النعل الأخرى، والحذو: التقدير، وكل من عمل عملا مثل عمل رجل آخر من غير زيادة ولا نقصان، قيل: عمل فلان حذو النعل بالنعل. (8) الترمذي (2641) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (10/ 34) : يشهد له معنى أحاديث غيره فهو بهما حسن. وقال الترمذي: حسن غريب. أبو داود (4596) . (9) البخاري- الفتح 13 (7198) . (10) سنن الهدى: روى بضم السين وفتحها، وهما بمعنى متقارب. أي طرائق الهدى والصواب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5307 هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة. ويرفعه بها درجة. ويحطّ عنه بها سيّئة. ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق، معلوم النّفاق. ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين «1» حتّى يقام في الصّفّ» ) * «2» . 20- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ سنّة ضلال فاتّبع عليها كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، ومن سنّ سنّة هدى فاتّبع عليها كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (القدوة السيئة) 1- * (قال عيسى- عليه السّلام-: «مثل علماء السّوء كمثل صخرة وقعت على فم النّهر لا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزّرع، ومثل علماء السّوء مثل قناة الحشّ ظاهرها جصّ وباطنها نتن، ومثل القبور ظاهرها عامر وباطنها عظام الموتى» ) * «4» . 2- * (عن عمير بن سعد، وكان عمر ولّاه حمص؛ قال: قال عمر لكعب: إنّي سائلك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله ما أكتمك شيئا أعلمه، قال: ما أخوف ما تخاف على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أئمّة مضلّين. قال عمر: صدقت قد أسرّ إليّ وأعلمنيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» . 3- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: «إنّ من أشرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة عالما لا ينتفع بعلمه» ) * «6» . 4- * (كان يحيى بن معاذ الرّازيّ- رحمه الله- يقول لعلماء السّوء: «يا أصحاب العلم: قصوركم قيصريّة، وبيوتكم كسرويّة، وأثوابكم ظاهريّة، وأخفافكم جالوتيّة، ومراكبكم قارونيّة، وأوانيكم فرعونيّة، ومآثمكم جاهليّة، ومذاهبكم شيطانيّة، فأين الشّريعة المحمّديّة؟» ) * «7» . 5- * (ويشهد لذلك ما حكي عن أبي عبد الله الخوّاص وكان من أصحاب حاتم الأصمّ قال: دخلت مع حاتم، إلى الرّيّ ومعنا ثلاثمائة وعشرون   (1) يهادى بين رجلين: أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما. (2) مسلم (654) . (3) أحمد (2/ 505) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح وهو عند مسلم بلفظ آخر وعند الترمذي والنسائي وغيرهم. (4) إحياء علوم الدين (1/ 74) ط. الريان. (5) الهيثمي (5/ 239) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. (6) الدارمي (1/ 93، 94) برقم (262) . (7) إحياء علوم الدين (1/ 75) ط. الريان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5308 رجلا يريدون الحجّ وعليهم الزّرمانقات «1» وليس معهم جراب ولا طعام فدخلنا على رجل من التّجّار متقشّف يحبّ المساكين، فأضافنا تلك اللّيلة، فلمّا كان من الغد قال لحاتم: ألك حاجة فإنّي أريد أن أعود فقيها لنا هو عليل؟ قال حاتم: عيادة المريض فيها فضل والنّظر إلى الفقيه عبادة، وأنا أيضا أجيء معك. وكان العليل محمّد بن مقاتل قاضي الرّيّ، فلمّا جئنا إلى الباب فإذا قصر مشرف حسن، فبقى حاتم متفكّرا يقول: باب عالم على هذه الحالة؟ ثمّ أذن لهم فدخلوا، فإذا دار حسناء قوراء واسعة نزهة وإذا بزّة وستور فبقي حاتم متفكّرا. ثمّ دخلوا إلى المجلس الّذي هو فيه وإذا بفرش وطيئة وهو راقد عليها وعند رأسه غلام وبيده مذبّة، فقعد الزّائر عند رأسه وسأل عن حاله- وحاتم قائم- فأومأ إليه ابن مقاتل أن اجلس فقال: لا أجلس. فقال: لعلّ لك حاجة فقال: نعم، قال: وما هي؟ قال: مسألة أسألك عنها. قال: سل، قال: قم فاستو جالسا حتّى أسألك. فاستوى جالسا. قال حاتم: علمك هذا من أين أخذته؟ فقال: من الثّقات حدّثوني به، قال: عمّن؟ قال: عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّن؟ قال: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّن؟ قال: عن جبرائيل- عليه السّلام- عن الله- عزّ وجلّ-. قال حاتم: ففيم أدّاه جبرائيل- عليه السّلام- عن الله عزّ وجلّ- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ وأدّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه، وأصحابه إلى الثّقات، وأدّاه الثّقات إليك، هل سمعت فيه من كان في داره إشراف وكانت سعتها أكثر كان له عند الله- عزّ وجلّ- المنزلة أكبر. قال: لا. قال: فكيف سمعت؟ قال: سمعت أنّه من زهد في الدّنيا ورغب في الآخرة وأحبّ المساكين وقدّم لآخرته كانت له عند الله المنزلة، قال له حاتم: فأنت بمن اقتديت؟ أبالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه- رضي الله عنهم والصّالحين- رحمهم الله- أم بفرعون ونمروذ أوّل من بنى بالجصّ والآجرّ؟ يا علماء السّوء مثلكم يراه الجاهل المتكالب على الدّنيا الرّاغب فيها فيقول: العالم على هذه الحالة أفلا أكون أنا شرّا منه؟ وخرج من عنده فازداد ابن مقاتل مرضا. وبلغ أهل الرّيّ ما جرى بينه وبين ابن مقاتل فقالوا له: إنّ الطّنافسيّ بقزوين أكثر توسّعا منه. فسار حاتم متعمّدا فدخل عليه فقال: رحمك الله أنا رجل أعجميّ أحبّ أن تعلّمني مبتدأ ديني ومفتاح صلاتي كيف أتوضّأ للصّلاة؟ قال: نعم وكرامة، يا غلام هات إناء فيه ماء. فأتي به فقعد الطّنافسيّ فتوضّأ ثلاثا ثلاثا ثمّ قال: هكذا فتوضّأ. فقال حاتم: مكانك حتّى أتوضّأ بين يديك فيكون أوكد لما أريد، فقام الطّنافسيّ وقعد حاتم فتوضّأ ثمّ غسل ذراعيه أربعا أربعا فقال الطّنافسيّ: يا هذا أسرفت، قال له حاتم: فبماذا؟ قال غسلت ذراعيك أربعا. فقال حاتم: يا سبحان الله العظيم! أنا في كفّ من ماء أسرفت، وأنت في جميع هذا كلّه لم   (1) الزرمانقات: جمع زرمانقة وهي لفظة عجمية معرّبة وهي الجبّة من الصوف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5309 تسرف؟ فعلم الطّنافسيّ أنّه قصد ذلك دون التّعلّم فدخل منزله فلم يخرج إلى النّاس أربعين يوما فلمّا دخل حاتم بغداد اجتمع إليه أهل بغداد فقالوا: يا أبا عبد الرّحمن أنت رجل؛ ولكن أعجميّ وليس يكلّمك أحد إلّا قطعته. قال: معي ثلاث خصال أظهر بهنّ على خصمي، أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي أن لا أجهل عليه. فبلغ ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: سبحان الله! ما أعقله! قوموا بنا إليه. فلمّا دخلوا عليه قال له: يا أبا عبد الرّحمن ما السّلامة من الدّنيا؟ قال: يا أبا عبد الله لا تسلم من الدّنيا حتّى يكون معك أربع خصال: تغفر للقوم جهلهم، وتمنع جهلك منهم، وتبذل لهم شيئك، وتكون من شيئهم آيسا. فإذا كنت هكذا سلمت، ثمّ سار إلى المدينة فاستقبله أهل المدينة فقال: يا قوم أيّة مدينة هذه؟ قالوا: مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فأين قصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أصلّي فيه؟ قالوا: ما كان له قصر، إنّما كان له بيت لا طىء بالأرض، قال: فأين قصور أصحابه- رضي الله عنهم-؟ قالوا: ما كان لهم قصور إنمّا كانت لهم بيوت لاطئة بالأرض؛ قال حاتم: يا قوم فهذه مدينة فرعون، فأخذوه وذهبوا به إلى السّلطان وقالوا. هذا العجميّ يقول هذه مدينة فرعون. قال الوالي: ولم ذلك؟ قال حاتم: لا تعجل عليّ أنا رجل أعجميّ غريب دخلت البلد فقلت: مدينة من هذه؟ فقالوا: مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: فأين قصر ... وقصّ القصّة، ثمّ قال: وقد قال الله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فأنتم بمن تأسّيتم أبرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أم بفرعون أوّل من بنى بالجصّ والآجرّ؟ فخلّوا عنه وتركوه. فهذه حكاية حاتم الأصمّ- رحمه الله تعالى-» ) * «1» . 6- * (وأنشد بعضهم: يا واعظ النّاس قد أصبحت متّهما ... إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهدا ... فالموبقات لعمري أنت جانيها تعيب دنيا وناسا راغبين لها ... وأنت أكثر منهم رغبة فيها) * «2» . من مضار (القدوة السيئة) (1) من يكون قدوة سيّئة للنّاس يسخط الله عليه (2) يأتي في الآخرة يحمل لواء الخزي لأتباعه. (3) يتبرّأ يوم القيامة من أتباعه ويلعن بعضهم بعضا. (4) يمقته النّاس ويحترسون منه. (5) يكون سببا للغواية والضّلال ويدعو لاتّباع سبل الشّيطان. (6) يكره نفسه الّتي بين جنبيه إذ يعرف حقيقة نفسه.   (1) إحياء علوم الدين (1/ 81، 82) . (2) إحياء علوم الدين (1/ 78) ط. الريان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5310 القذف القذف لغة: مصدر قولهم: قذف يقذف إذا رمى بالشّيء، وهو مأخوذ من مادّة (ق ذ ف) الّتي تدلّ على الرّمي والطّرح، ومن ذلك قذف بالشّيء يقذفه إذا رمى به، وبلدة قذوف أي طروح لبعدها تترامى بالسّفر، ومنزل قذف وقذيف أي بعيد، والقذيفة: الشّيء يرمى به، والقذف بالحجارة، الرّمي بها، يقال: هم بين حاذف وقاذف، فالحاذف بالعصا والقاذف بالحجارة، والتّقاذف: سرعة ركض الفرس، وفرس متقاذف: سريع العدو، وأمّا ما جاء في حديث عائشة- رضي الله عنها- «وعندها قينتان تغنّيان بما تقاذفت به الأنصار يوم بعاث» أي تشاتمت في أشعارها الّتي قالتها في تلك الحرب» . وقال ابن منظور: يقال: قذف بالشّيء يقذف قذفا فانقذف: رمى. والتّقاذف: التّرامي، والقذف الرّمي بقوّة. قال اللّيث: القذف الرّمي بالسّهم والحصى والكلام وكلّ شيء. وقذف المحصنة أي سبّها ورماها بزنية. وفي حديث هلال بن أميّة: أنّه قذف امرأته بشريك. القذف هاهنا رمي المرأة بالزّنا، أو ما كان في معناه، وأصله الرّمي ثمّ استعمل في هذا المعني حتّى غلب عليه. وفي الحديث: إنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شرّا أي يلقي ويوقع «1» . واصطلاحا: قال البغويّ: القذف: الرّمي بالزّنا وكلّ من رمى محصنا أو محصنة بالزّنا فقال له: زنيت أو يازاني فيجب عليه جلد ثمانين جلدة إن كان حرّا. وإن كان عبدا فيجلد أربعين. وإن كان المقذوف غير محصن فعلى القاذف التّعزير، وشرائط الإحصان خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرّيّة، والعفّة من الزّنا «2» . وقال الكفويّ: القذف: يقال للإلقاء والوضع، ويستعار للشّتم والعيب والرّمي البعيد «3» . قال المناويّ: القذف: الرّمي البعيد، واستعير للشّتم والعيب، كما استعير للرّمي (مطلقا) «4» .   (1) مقاييس اللغة (5/ 68) ، الصحاح (4/ 1414) ، القاموس (1090) ط. بيروت، النهاية (4/ 30) . لسان العرب (9/ 276- 277) . والمصباح المنير (2/ 258) وبصائر ذوي التمييز (4/ 250) . (2) تفسير البغوي (3/ 323) . (3) الكليات (481) . (4) التوقيف (269) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5311 حكم القذف: عدّ ابن حجر من الكبائر قذف المحصن أو المحصنة بزنا أو لواط أو السّكوت على ذلك، وقال: أجمع العلماء على أنّ المراد من الرّمي في الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ.. هو الرّمي بالزّنا وهو يشمل الرّمي باللّواط كقوله: يا زانية، أو بغيّة، أو قحبة، لها أو لزوجها كقوله: يا زوج القحبة، أو لولدها كياولد القحبة.. ثمّ قال: عدّ القذف كبيرة هو ما اتّفقوا عليه، لما نصّت عليه الآيات عن لعن فاعله في الدّنيا والآخرة وهذا من أقبح الوعيد وأشدّه «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- الأذى- الإفك- البهتان- سوء الظن- شهادة الزور- الكذب- الفضح- إفشاء السر- الافتراء- الزنا- البذاءة- الفحش. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان حسن الظن- الصدق- كتمان السر- إقامة الشهادة- الكلم الطيب- الأدب- الصمت وحفظ اللسان- الإحسان- الصبر والمصابرة- كظم الغيظ] .   (1) الزواجر (433- 438) بتصرف واختصار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5312 الآيات الواردة في «القذف» 1- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) «1» 2- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) «2»   (1) النور: 4- 9 مدنية. (2) النور: 23- 25 مدنية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5313 الأحاديث الواردة في ذمّ (القذف) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما المفلس؟ «1» » قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إنّ المفلس من أمّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثمّ طرح في النّار» ) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات» . قيل: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم. وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات «3» » ) * «4» . 3- * (عن عبد الله «5» - رضي الله عنه- «أنّ رجلا من الأنصار قذف امرأته فأحلفهما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ فرّق بينهما» ) * «6» . 4- * (عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- أنّ يهوديّين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ نسأله فقال: لا تقل نبيّ؛ فإنّه إن سمعها تقول نبيّ كانت له أربعة أعين، فأتيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسألاه عن قول الله- عزّ وجلّ- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفرّوا من الزّحف، شكّ شعبة: وعليكم يا معشر اليهود خاصّة لا تعدوا في السّبت» فقبّلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنّك نبيّ. قال: «فما يمنعكما أن تسلما؟» قالا: إنّ داود دعا الله، أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ، وإنّا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود) * «7» . 5- * (عن أمّ سلمة ابنة أبي أميّة بن المغيرة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النّجاشيّ، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلمّا بلغ ذلك   (1) هكذا بلفظ (ما) وهي في عرف اللغة لغير العاقل، وكان الأصل أن يقال: «من المفلس» وقد تحل «ما» محل «من» لغرض. وكأن المفلس هنا قد فقد العقل لعدم استعماله. (2) مسلم (2581) . (3) المحصنات الغافلات المؤمنات: المحصنات بكسر الصاد وفتحها. قراءتان في السبع. والمراد بالمحصنات هنا العفائف. وبالغافلات الغافلات عن الفواحش وما قذفن به. وقد ورد الإحصان في الشرع على خمسة أقسام: العفة والإسلام والنكاح والتزويج والحرية. (4) البخاري- الفتح 5 (2766) ، ومسلم (89) واللفظ له. (5) أي: عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-. (6) البخاري- الفتح 9 (5306) . (7) الترمذي (3144) ، وقال: حسن صحيح، وأحمد في «المسند» (4/ 240) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5314 قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النّجاشيّ فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنّجاشيّ هدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلّا أهدوا له هديّة، ثمّ بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزوميّ وعمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، وأمروهما أمرهم، ... فيه: قالت: ثمّ أرسل إلى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعاهم، فلمّا جاءهم رسوله اجتمعوا ثمّ قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرّجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم كائن في ذلك ما هو كائن، فلمّا جاؤوه- وقد دعا النّجاشيّ أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله- سألهم فقال: ما هذا الدّين الّذي فرّقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الّذي كلّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيّها الملك- كنّا قوما أهل جاهليّة: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث. وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلّ ما كنّا نستحلّ من الخبائث، فلمّا قهرونا وظلمونا وشقّوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيّها الملك. قالت: فقال له النّجاشيّ: هل معك ممّا جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم. فقال له النّجاشيّ: فاقرأه عليّ. فقرأ عليه صدرا من كهيعص، فقالت: فبكى والله النّجاشيّ حتّى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتّى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثمّ قال النّجاشيّ: إنّ هذا والله والّذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا. فو الله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد، ... الحديث» ) * «1» .   (1) أحمد (1/ 202) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) إسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5315 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: من قذف مملوكه وهو بريء ممّا قال «1» جلد يوم القيامة، إلّا أن يكون كما قال» ) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (القذف) معنى 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- «أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ولد لي غلام أسود. فقال: «هل لك من إبل؟» قال: نعم. قال: «ما ألوانها؟» قال: حمر. قال: «هل فيها من أورق؟» قال: نعم. قال: «فأنّى ذلك؟» قال: لعلّ نزعه عرق. قال: «فلعلّ ابنك هذا نزعه» ) * «3» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- «أنّ رجلا رمى امرأته فانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمر بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلاعنا كما قال الله، ثمّ قضى بالولد للمرأة، وفرّق بين المتلاعنين» ) * «4» . 9- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رجلا كان يتّهم بأمّ ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: «اذهب فاضرب عنقه» فأتاه عليّ فإذا هو في ركيّ «5» يتبرّد فيها. فقال له عليّ: اخرج. فناوله يده فأخرجه. فإذا هو مجبوب ليس له ذكر. فكفّ عليّ عنه. ثمّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّه لمجبوب. ما له ذكر» ) * «6» . 10- * (عن ابن شهاب أنّ سهل بن سعد السّاعديّ أخبره أنّ عويمرا العجلانيّ جاء إلى عاصم ابن عديّ الأنصاريّ فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا   (1) قوله (وهو بريء مما قال) جملة حالية، وقوله «إلا أن يكون كما قال» أي فلا يجلد، وفي رواية النسائي من هذا الوجه «أقام عليه الحد يوم القيامة» وأخرج من حديث ابن عمر «من قذف مملوكه كان لله في ظهره حد يوم القيامة إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه» قال المهلب: أجمعوا على أن الحر إذا قذف عبدا لم يجب عليه الحد. ودل هذا الحديث على ذلك لأنه لو وجب على السيد أن يجلد في قذف عبده في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة، وإنما خص ذلك بالآخرة تمييزا للأحرار من المملوكين، فأما في الآخرة فإن ملكهم يزول عنهم ويتكافؤون في الحدود، ويقتص لكل منهم إلا أن يعفو، لا مفاضلة حينئذ إلا بالتقوى. قلت: في نقله الإجماع نظر، فقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع «سئل ابن عمر عمن قذف أم ولد لآخر فقال: يضرب الحد صاغرا» وهذا بسند صحيح وبه قال الحسن وأهل الظاهر. وقال ابن المنذر: اختلفوا فيمن قذف أم ولد فقال مالك وجماعة: يجب فيه الحد، وهو قياس قول الشافعي بعد موت السيد، وكذا كل من يقول إنها عتقت بموت السيد. وعن الحسن البصري أنه كان لا يرى الحد على قاذف أم الولد. وقال مالك والشافعي: من قذف حرا يظنه عبدا وجب عليه الحد. (2) البخاري- الفتح 12 (6858) واللفظ له. ومسلم (1660) (3) البخاري- الفتح 9 (5305) . (4) البخاري- الفتح 8 (4748) . (5) الركيّ: البئر. (6) مسلم (2771) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5316 وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأل عاصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسائل، وعابها حتّى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر. فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسألة الّتي سألته عنها، فقال: عويمر والله لا أنتهى حتّى أسأله عنها. فأقبل عويمر حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسط النّاس، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه. أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها. قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع النّاس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلّقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن شهاب: فكانت سنّة المتلاعنين» ) * «1» . 11- * (عن سعيد بن جبير قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب. أيفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول: فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة. فقلت للغلام: استأذن لي. قال: إنّه قائل «2» . فسمع صوتي. قال ابن جبير؟ قلت: نعم. قال: ادخل. فو الله! ما جاء بك هذه السّاعة إلّا حاجة. فدخلت. فإذا هو مفترش برذعة. متوسّد وسادة حشوها ليف. قلت: أبا عبد الرّحمن، المتلاعنان. أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال: فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه. فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات في سورة النّور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (24/ النور/ 6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، قال: لا. والّذي بعثك بالحقّ! ما كذبت عليها. ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا. والّذي بعثك بالحقّ! إنّه لكاذب. فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين. والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين. والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين. ثمّ فرّق بينهما» ) * «3» . 12- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه. فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) البخاري- الفتح 9 (5308) . (2) إنه قائل: من القيلولة وهو الاستراحة وسط النهار. (3) البخاري- الفتح 9 (5308) نحوه من حديث سهل بن سعد. ومسلم (1493) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5317 بعدما نزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه. فسرنا حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرّحيل فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت ركبت وهم يحسبون أنّي فيه، وكان النّساء إذ ذاك خفافا. لم يثقلهنّ اللّحم، إنّما يأكلن العلقة من الطّعام فلم يستنكر القوم خفّة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ فبعثوا الجمل وساروا. فوجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فأممت منزلي الّذي كنت فيه وظننت أنّهم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فأتاني فعرفني حين رآني. وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي، والله ما كلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته. فوطىء على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة، فهلك من هلك، وكان الّذي تولّى الإفك عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والنّاس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكى. إنّما يدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» ثمّ ينصرف، فذاك الّذي يريبني ولا أشعر بالشّرّ حتّى خرجت بعدما نقهت، فخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع- وهو متبرّزنا وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التّبرّز قبل الغائط فكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأمّ مسطح- وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف. وأمّها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصّدّيق، وابنها مسطح بن أثاثة- فأقبلت أنا وأمّ مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا شهد بدرا؟. قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قالت: قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا على مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، ودخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- تعني سلّم- ثمّ قال: «كيف تيكم؟» فقلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت: فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه ما يتحدّث النّاس؟ قالت: يا بنيّة هوّني عليك، فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها ولها ضرائر إلّا أكثرن عليها قالت: فقلت: سبحان الله، أو لقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ لي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5318 دمع، ولا أكتحل بنوم حتّى أصبحت أبكي. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد- رضي الله عنهما- حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، بالّذي يعلم لهم في نفسه من الودّ فقال: يا رسول الله أهلك وما نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيّق الله عليك، والنّساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟» قالت بريرة. لا. والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها فتأتي الدّاجن فتأكله، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبيّ ابن سلول فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وهو على المنبر- «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحميّة- فقال لسعد: كذبت لعمر الله. لا تقتله، ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عمّ سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنّه؛ فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فتثاور الحيّان الأوس والخزرج حتّى همّوا أن يقتتلوا- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على المنبر- فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. قالت: فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة: فإنّه بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثمّ تاب إلي الله تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: فقلت- وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن-: إنّي والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتّى استقرّ في أنفسكم وصدّقتم به، فلئن قلت لكم إنّي بريئة- والله يعلم أنّي بريئة- لا تصدّقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5319 - والله يعلم أنّي منه بريئة- لتصدّقنّي. والله ما أجد لكم مثلا إلّا قول أبي يوسف. قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا حينئذ أعلم أنّي بريئة وأنّ الله مبرّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظنّ أنّ الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا خرج أحد من أهل البيت حتّى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الّذي ينزّل عليه. قالت: فلمّا سرّى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّي عنه وهو يضحك. فكانت أوّل كلمة تكلّم بها: «يا عائشة، أمّا الله- عزّ وجلّ- فقد برّأك» فقالت أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلّا الله- عزّ وجلّ- وأنزل الله إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... العشر الآيات كلّها. فلمّا أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه-: وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق علي مسطح شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة ما قال. فأنزل الله وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال أبو بكر: بلى والله إنّي أحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال: «يا زينب، ماذا علمت أو رأيت؟» فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. ما علمت إلّا خيرا. قالت: وهي الّتي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك) * «1» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً قال سعد بن عبادة وهو سيّد الأنصار أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا معشر الأنصار ألا تسمعون إلى ما يقول سيّدكم؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه؛ فإنّه رجل غيور والله ما تزوّج امرأة قطّ إلّا بكرا وما طلّق امرأة له قطّ فاجترأ رجل منّا على أن يتزوّجها من شدّة غيرته. فقال سعد والله يا رسول الله إنّي لأعلم أنّها حقّ، وأنّها من الله تعالى ولكنّي قد تعجّبت أنّي لو وجدت لكاعا «2» تفخّذها رجل لم يكن لي أن أهيّجه «3» ، ولا أحرّكه حتّى آتي بأربعة شهداء! فو الله لا آتي بهم حتّى يقضي حاجته.   (1) البخاري- الفتح 8 (4750) واللفظ في هذا الموضع، 5 (2661) . ومسلم (2770) . (2) اللكاع: بضم اللام وفتح الكاف: العبد، ثم استعمل في الحمق والذم. (3) أهيجه: أزعجه وأنفره. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5320 قالوا: فما لبثوا إلّا يسيرا حتّى جاء هلال ابن أميّة. وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم- فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فلم يهيّجه حتّى أصبح فغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله إنّي جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما جاء به، واشتدّ عليه، واجتمعت الأنصار فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن يضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هلال بن أميّة، ويبطل شهادته في المسلمين، فقال هلال: والله إنّي لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا. فقال هلال: يا رسول الله إنّي قد أرى ما اشتدّ عليك ممّا جئت به، والله يعلم إنّي لصادق. والله إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي- وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربّد «1» جلده- يعني فأمسكوا عنه حتّى فرغ من الوحي فنزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ... الآية فسرّي «2» عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أبشر يا هلال؛ فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا فقال هلال: قد كنت أرجو ذاك من ربّي- عزّ وجلّ- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرسلوا إليها فأرسلوا إليها فجاء ت، فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما وذكّرهما، وأخبرهما أنّ عذاب الآخرة أشدّ من عذاب الدّنيا. فقال هلال: والله يا رسول الله لقد صدقت عليها فقالت: كذب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عنوا بينهما» فقيل لهلال اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين فلمّا كان في الخامسة قيل: يا هلال اتّق الله فإنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة وإنّ هذه الموجبة الّتي توجب عليك العذاب. فقال والله لا يعذّبني الله عليها كما لم يجلدني عليها، فشهد في الخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثمّ قيل لها اشهدي أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين، فلمّا كانت الخامسة قيل لها: اتّقي الله، فإنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، وإنّ هذه الموجبة الّتي توجب عليك العذاب. فتلكّأت ساعة ثمّ قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت في الخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين. ففرّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهما، وقضى أنّه لا يدعى ولدها لأب، ولا ترمى هي به، ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحدّ، وقضى أن لا بيت لها عليه، ولا قوت من أجل أنّهما يتفرّقان من غير طلاق، ولا متوفّى عنها. وقال: إن جاءت به أصيهب «3» أريسح «4» حمش «5» السّاقين فهو لهلال، وإن جاءت به أورق «6» جعدا «7» جماليّا «8» خدلّج «9» السّاقين سابغ الإليتين فهو للّذي رميت به» فجاءت به أورق جعدا جماليّا   (1) تربد جلده: تغيره إلي الغبرة. (2) فسري عن رسول الله: كشف عنه وأزيل ما كان به من التغير. (3) أصهيب: هو الذي يعلو لونه صهبه. (4) أريسح: تصغير أرسح وهو الذي لا عجز له أوهي صغيرة لا صقة بالظهر. (5) حمش الساقين: أي دقيق الساقين. (6) أورق: أسمر. (7) جعد الشعر: أي ليس سبط الشعر. (8) جماليا: الضخم الأعضاء التام الأوصال. (9) خدلج الساقين: عظيم الساقين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5321 خدلّج السّاقين سابغ الأليتين فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميرا على مصر وكان يدعى لأمّه، وما يدعى لأبيه» «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (القذف) 1- عن عمرة بنت عبد الرّحمن- رحمها الله- قالت: إنّ رجلين استبّا «2» في زمان عمر بن الخطّاب فقال أحدهما للآخر: والله ما أبي بزان ولا أمّي بزانية، فاستشار في ذلك عمر بن الخطّاب. فقائل يقول: مدح أباه وأمّه، وآخر يقول: قد كان لأبيه وأمّه مدح غير هذا- فجلده عمر الحدّ ثمانين» «3» . 2- عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في ولد الملاعنة: هو الّذي لا أب له، ترثه أمّه، وإخوته من أمّه، وعصبة أمّه، فإن قذفه قاذف جلد قاذفه» «4» . 3- قال أبو الزّناد- رحمه الله-: جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين، قال أبو الزّناد: فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان والخلفاء، هلمّ جرّا، فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين» «5» . 4- «قال ابن كثير في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ... : هذا وعيد من الله تعالى للّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات» «6» . 5- «وقال أيضا: وهي عامّة في تحريم قذف كلّ محصنة ولعنة من فعل ذلك في الدّنيا والآخرة» «7» . من مضار (القذف) (1) يمقت الله القذف ويعدّ فاعله فاسقا ملعونا في الدّنيا والآخرة. (2) القذف قد يكون فيه انتهاك لعرض مسلم أو مسلمة. (3) عادة سائدة في المجتمعات السّاقطة يقع فيها السّذّج والأطفال. (4) يسبّب العداوة والبغضاء بين النّاس. (5) هو من علامات الإفلاس الخلقيّ والخواء الدّينيّ ومن الموبقات الّتي توبق صاحبها في النّار.   (1) أبو داود (2254) . وأحمد (1/ 238- 239) وهذا لفظه. وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 6) إسناده صحيح. وعزاه ابن الأثير في «جامع الأصول» (10/ 721) للبخاري (9/ 392) . (2) استبّا: افتعلا من السب، وهو الشتم. (3) أخرجه الموطأ (2/ 829) في الحدود وهذا لفظه. وقال محقق جامع الأصول (3/ 553) : إسناده صحيح. (4) الدارمي (2967) . (5) أخرجه الموطأ (2/ 829) في الحدود. وقال محقق جامع الأصول (3/ 553) إسناده صحيح. (6) تفسير ابن كثير (3/ 276) . (7) المرجع السابق (3/ 277) بتصرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5322 القسوة (الغلظة والفظاظة) هذه الأمور الثّلاثة (القسوة- الغلظة- الفظاظة) متقاربة إلى حدّ كبير، وفيما يلى تعريف بكلّ منها لغة واصطلاحا. القسوة لغة: مصدر قولهم قسا يقسو إذا غلظ قلبه، وهو مأخوذ من مادّة (ق س و) الّتي تدلّ على شدّة وصلابة، ومن ذلك الحجر القاسي أي الصّلب، والقاسية: اللّيلة الباردة، قال الرّاغب: القسوة: غلظ القلب، وأصل ذلك من الحجر القاسي، والمقاساة معالجة ذلك (أي القسوة) . قال تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ (البقرة/ 74) أي خلت من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى، قال القرطبيّ: القسوة هي الصّلابة والشّدّة واليبس «1» . وقال عزّ من قائل: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ (الزمر/ 22) فالمراد تلك القلوب الصّلبة الّتي لا تعي خيرا ولا تفعله «2» . ويقال: أقساه الذّنب (جعله قاسيا) ، والذّنب مقساة للقلب، ويوم قسيّ أي شديد من حرّ أو برد، وقولهم: قسا الدّرهم يقسو قسوا: معناه زاف أي ردؤ فهو قسيّ، وأرض قاسية: لا تنبت شيئا، وقول الله تعالى: وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً (المائدة/ 13) ، وقرىء قسيّة أي ليست قلوبهم بخالصة، من قولهم: درهم قسيّ وهو جنس من الفضّة المغشوشة فيه قسوة أي صلابة، وقال ابن منظور: القسوة: الصّلابة في كلّ شيء، والقسوة في القلب ذهاب اللّين والرّحمة والخشوع منه، يقال: قسا قلبه قسوة، وقساوة وقساء بالفتح والمدّ: وهو غلظ القلب وشدّته، والمقاساة: مكابدة الأمر الشّديد وقاساه أي كابده. ويوم قسيّ، مثال شقيّ: شديد من حرب أو شرّ «3» . القسوة اصطلاحا: قال المناويّ (تبعا للرّاغب) : القسوة غلظ القلب «4» . وقال العزّ بن عبد السّلام: القسوة تصلّب القلب ونبوته عن اتّباع الحقّ، ورقّته (أي القلب) ولينه بخلاف ذلك «5» . وقال الجاحظ: القساوة: هي التّهاون بما يلحق الغير من الألم والأذى، وهي خلق مركّب من البغض والشّجاعة «6» . الغلظة لغة: الغلظة والغلاظة والغلظ ضدّ الرّقّة، والفعل من ذلك غلظ وغلظ، والوصف غليظ وغلاظة «7» ، ويقول ابن منظور: الغلظ ضدّ الرّقّة في الخلق والطّبع والفعل   (1) تفسير القرطبي (1/ 317) . (2) المرجع السابق (6/ 76) . (3) مقاييس اللغة (5/ 87) ، المفردات (404) ، لسان العرب لابن منظور (15/ 180- 181) ، الصحاح (6/ 2462) ، تاج العروس (20/ 79- 80) . (4) التوقيف (272) ، والمفردات للراغب (404) . (5) شجرة المعارف والأحوال (120) . (6) تهذيب الأخلاق (30) . (7) القاموس المحيط (900) ط. بيروت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5323 والمنطق والعيش ونحو ذلك، يقولون: أرض غليظة: أي غير سهلة، وتغليظ اليمين تشديدها وتوكيدها، وفي فلان غلظة: أي شدّة واستطالة، ورجل غليظ: فظّ فيه غلظة أي قساوة وشدّة، وأمر غليظ: شديد صعب، وعهد غليظ كذلك، وبينهما غلظة ومغالظة: أي عداوة «1» . الغلظة اصطلاحا: قال المناويّ: الغلظة ضدّ الرّقّة، وأصله أن يستعمل في الأجسام، لكن قد يستعمل في المعاني أيضا «2» . أمّا غلظ القلب: فكونه خلق صلبا لا يلين ولا يتأثّر «3» . الفظاظة لغة: الفظاظة كالفظظ أصلها ماء الكرش يعصر ويشرب في المفاوز (الصّحراوات) ، وقولهم: رجل فظّ، معناه: غليظ الجانب، سيّء الخلق، قاسي القلب، خشن الكلام «4» ، وفي اللّسان: الفظظ: خشونة الكلام، ورجل فظّ: أي ذو فظاظة جاف غليظ، في منطقه غلظ وخشونة «5» . الفظاظة اصطلاحا: قال أبو حيّان: الفظاظة قيل هي بمعنى غلظ القلب، وقيل هي الجفوة قولا وفعلا «6» . حكم القسوة: عدّ ابن حجر قسوة القلب من الكبائر مستدلا بما روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: اطلبوا المعروف من رحماء أمّتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإنّ اللّعنة تنزل عليهم، وبما ذكره الخرائطيّ في مكارم الأخلاق.. ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم فإنّهم ينتظرون سخطي. قال ابن حجر: وعدّ هذا كبيرة هو صريح هذين الحديثين لأنّ اللّعنة والسّخط من علامات الكبيرة لما فيها من الوعيد الشّديد «7» . القسوة والغلظة قد يطلبان أحيانا: قال الجاحظ: القساوة مكروهة من كلّ أحد إلّا من الجند وأصحاب السّلاح والمتولّين للحروب؛ فإنّ ذلك غير مكروه منهم إذا كان في موضعه «8» . أمّا الغلظة فإنّها مطلوبة، بل ومأمور بها في التّعامل مع الكفّار والمنافقين وخاصّة في مجال الجهاد (انظر الآيات/ 8- 10) ، ولكنّها منهيّ عنها في التّعامل مع المؤمنين شريطة ألّا تفضي إلى تضييع حقّ من حقوق الله تعالى «9» . [للاستزادة: انظر صفات: العنف- الأذى- الجفاء- سوء المعاملة- سوء الخلق- الكبر والعجب العتو- الطغيان- العدوان- الظلم- القتل- عقوق الوالدين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرأفة- الرحمة- الرفق- الشفقة- كفالة اليتيم- اللين- البر- بر الوالدين- تكريم الإنسان- التودد- الرحمة- صلة الرحم- حسن العشرة- حسن المعاملة- البشاشة] .   (1) لسان العرب (7/ 449) ط. بيروت. (2) التوقيف (253) . (3) البحر المحيط لان حيان (3/ 104) . (4) القاموس المحيط (900) ط. بيروت. (5) لسان العرب (7/ 452) طز بيروت. (6) البحر المحيط (3/ 104) . (7) الزواجر (ص 152) ، وذكر ابن حجر أنه ينبغي حمل القسوة المذكورة في الحديثين على كونها تحمل صاحبها على منع إطعام المضطر. (8) تهذيب الأخلاق (30) . (9) البحر المحيط (3/ 104) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5324 الآيات الواردة في «القسوة» 1- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) «1» 2- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) «2» 3- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) «3» 4- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) «4» 5- أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) «5» 6- * أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «6»   (1) البقرة: 72- 74 مدنية (2) المائدة: 12- 13 مدنية (3) الأنعام: 42- 43 مكية (4) الحج: 52- 53 مكية (5) الزمر: 22 مكية (6) الحديد: 16 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5325 الآيات الواردة في «الغلظة والفظاظة» 7- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «1» الآيات الواردة في «الغلظة مع الكفار والمنافقين» 8- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «2» 9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «3» 10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) «4»   (1) آل عمران: 159 مدنية (2) التوبة: 73- 74 مدنية (3) التوبة: 123 مدنية (4) التحريم: 6- 9 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5326 الأحاديث الواردة في ذمّ (القسوة) 1- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيده نحو اليمن: «الإيمان هاهنا مرّتين. ألا وإنّ القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين «1» حيث يطلع قرنا الشّيطان ربيعة ومضر» «2» ) * «3» . 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإنّ أبعد النّاس من الله القلب القاسي» ) * «4» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ عطاء بن يسار سأله أن يخبره عن صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التّوراة، قال: أجل. والله إنّه لموصوف في التّوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب «5» في الأسواق، ولا يدفع بالسّيّئةّ السّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، ويفتح بها أعين عمي، وآذان صمّ، وقلوب غلف «6» » ) * «7» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسوة قلبه، فقال له: «إن أردت أن تليّن قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم» «8» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (القسوة) 1- * (أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ قال: من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى، ومن بعد ما أراهم من أمر القتيل. فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ثمّ عذر الله الحجارة فقال: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ» «9» . 2- * (أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ ... الآية، أي إنّ من الحجارة لألين من قلوبكم، لما تدعون إليه من   (1) الفدادين: جمع فدّاد. وهذا قول أهل الحديث والأصمعي وجمهور أهل اللغة. وهو من الفديد، وهو الصوت الشديد، فهم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم، ونحو ذلك. (2) حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعة ومضر: قوله ربيعة ومضر بدل من الفدادين وأما قرنا الشيطان فجانبا رأسه. وقيل هما جمعاه اللذان يغريهما بإضلال الناس. وقيل: شيعتاه من الكفار. (3) البخاري- الفتح 9 (5303) واللفظ له ومسلم (51) . (4) الترمذي (2411) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول 11 (737) : حديث حسن (5) سخاب: بالسين، وصخاب: بالصاد: وهو رفع الصوت بالخصام. (6) غلف: كل شيء في غلاف، سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف: إذا لم يكن مختونا. (7) البخاري- الفتح 4 (2125) ، 8 (4838) هذه الرواية في الجزء الرابع وهي في الثامن بالرقم المبين «فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» . (8) أحمد (2/ 263) ، والهيثمي في المجمع (8/ 160) ، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (9) الدر المنثور للسيوطي (1/ 197) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5327 الحقّ) * «1» . 3- * (أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كلّ حجر يتفجّر منه الماء، أو يتشقّقّ عن ماء، أو يتردّى من رأس جبل فمن خشية الله. نزل بذلك القرآن) *) * «2» . 4- * (قال أبو إسحاق- رحمه الله- في قوله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ تأويل قست في اللّغة غلظت ويبست وعست. فتأويل القسوة في القلب ذهاب اللّين والرّحمة والخشوع منه) * «3» . 5- * (استعمل أبو حنيفة- رحمه الله- القسوة في الأزمنة، فقال: من أحوال الأزمنة في قسوتها ولينها، قال الرّاجز: «ويطعمون الشّحم في العام القسيّ» أي عام ذو قحط) * «4» . 6- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ بني إسرائيل لمّا طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم واستلذّته- وكان الحقّ يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم- فقالوا: تعالوا ندع بني إسرائيل إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا عليه تركناه، ومن كره أن يتابعنا قتلناه. ففعلوا ذلك، ... الحديث) * «5» . 7- * (أخرج ابن المنذر عن ابن جريج لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: المنافقون وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ يعني المشركين وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ قال: القرآن وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال: من القرآن عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال: ليس معه ليلة) * «6» . 8- * (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ أي هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد من الحقّ؛ لقوله- عزّ وجلّ- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ولهذا قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أي فلا تلين عند ذكره، ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) * «7» . 9- * (قال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب وما غضب الله على قوم إلّا نزع الرّحمة من قلوبهم) * «8» . من مضار (القسوة والغلظة والفظاظة) (1) القسوة تذهب اللّين والرّحمة والخشوع من القلب. (2) أنّ صاحب القلب القاسي بعيد من الله بعيد من النّاس. (3) القسوة تزيل النّعم وتحلّ النّقم. (4) في الفظاظة وغلظ القلب مع المسلمين ما يؤدّي إلى تفرّق كلمتهم وطمع العدوّ فيهم. (5) الفظاظة والغلظة تؤدّيان- خاصّة في مجال الدّعوة إلى الله- إلى انصراف النّاس عن الدّاعية، ونفورهم منه.   (1) الدر المنثور للسيوطى (1/ 197) . (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) اللسان (15/ 181) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) تفسير ابن كثير (4/ 311- 312) . (6) الدر المنثور (6/ 96- 70) . (7) تفسير ابن كثير (4/ 51) . (8) تفسير القرطبي (15/ 161) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5328 قطيعة الرحم القطيعة لغة: هي الاسم من قولهم: قطع فلان كذا يقطعه، وهو مأخوذ من مادّة (ق ط ع) الّتي تدلّ على صرم وإبانة شيء من شيء، يقال: تقاطع الرّجلان، إذا تصارما وبعثت فلانة إلى فلانة بأقطوعة، وهي شيء تبعثه إليها علامة للصّريمة، والقطع: الطّائفة من اللّيل كأنّه قطعة، وقطعت الطّير قطوعا، إذا خرجت من بلاد الحرّ إلى بلاد البرد، أو من تلك إلى هذه، ويقولون لليائس من الشّيء: قد قطع به، كأنّه أمل أمّله فانقطع. والقطع: إبانة بعض أجزاء الجرم من بعض فصلا. قطعه قطعا وقطيعة وقطوعا. والقطع والقطيعة: الهجران ضدّ الوصل، ورجل قطوع لإخوانه ومقطاع: لا يثبت على مؤاخاة، وتقاطع القوم: تصارموا. وتقاطعت أرحامهم: تحاصّت «1» . وقطع رحمه قطعا وقطيعة وقطّعها: عقّها ولم يصلها. والاسم القطيعة. ورجل قطعة وقطع ومقطع وقطّاع يقطع رحمه. وفي حديث صلة الرّحم: «هذا مقام العائذ بك من القطيعة» ، والقطيعة: الصّدّ وهي فعيلة من القطع، ويريد به ترك البرّ والإحسان إلى الأهل والأقارب وهي ضدّ الصّلة. وقوله تعالى: أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أي تعودوا إلى أمر الجاهليّة فتفسدوا في الأرض وتئدوا البنات، وقيل: تقطّعوا أرحامكم، تقتل قريش بني هاشم وبنو هاشم قريشا. ويقال: رحم قطعاء بيني وبينك إذا لم توصل. وقال القرطبيّ: تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ بالبغي والظّلم والقتل، من التّقطيع على التّكثير «2» ، وقال الطّبريّ: أي تعودوا لما كنتم عليه في جاهليّتكم من التّشتّت والتّفرّق بعدما جمعكم الله بالإسلام وألّف به بين قلوبكم «3» . ويقال: مدّ فلان إلى فلان بثدي غير أقطع: أي توسّل إليه بقرابة قريبة «4» . الرحم لغة: انظر: صفة «صلة الرحم» . قطيعة الرحم اصطلاحا: لم تذكر كتب الاصطلاحات قطيعة الرّحم مصطلحا ويمكن أن نعرّف ذلك في ضوء ما ذكروه عن صلة الرّحم وقطيعته فنقول:   (1) أي انقطعت وذهبت وهو مأخوذ من الحاصّة وهو داء يتناثر منه الشعر. وتحاصّت: تقاطعت. (2) تفسير القرطبي (16/ 162) ، ومعنى قوله «من التّقطيع على التّكثير» أي أنه صيغة فعّل تدل على المبالغة والتكثير. (3) تفسير الطبري (2/ 35) . (4) مقاييس اللغة (5/ 101) ، ولسان العرب (6/ 36803674) ، وانظر الصحاح للجوهري (3/ 1266 1269) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5329 قطيعة الرّحم: هي أن يعقّ الإنسان أولى رحمه وذوي قرابته فلا يصلهم ببرّه ولا يمدّهم بإحسانه. ويختلف ذلك بحسب حال القاطع والمقطوع، فتارة يكون ذلك بمنع المال، وتارة بحجب الخدمة والزّيارة والسّلام، وغير ذلك. حكم قطيعة الرحم: قال القاضي عياض- رحمه الله تعالى-: سمّي العقوق قطعا. والعقّ الشّقّ كأنّه قطع ذلك السّبب المتّصل. ثمّ قال- رحمه الله-: ولا خلاف في أنّ صلة الرّحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبرى والأحاديث تشهد بذلك، ولكنّ الصّلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسّلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحبّ، ولو وصل بعض الشّيء ولم يصل غايتها لا يسمّى قاطعا، ولو قصّر عمّا يقدر عليه وينبغي له لا يسمّى واصلا «1» . بم تكون القطيعة: قال الصّنعانيّ- رحمه الله تعالى-: اختلف العلماء بأيّ شيء تحصل القطيعة للرّحم. فقال الزّين العراقيّ: تكون بالإساءة إلى الرّحم. وقال غيره: تكون بترك الإحسان لأنّ الأحاديث آمرة بالصّلة ناهية عن القطيعة فلا واسطة بينهما، والصّلة: نوع من الإحسان. كما فسّرها بذلك غير واحد، والقطيعة ضدّها وهي ترك الإحسان. وقال الحافظ ابن حجر: القاطع الّذي لا يتفضّل عليه ولا يتفضّل «2» . قطيعة الرحم من الكبائر: قال صاحب العدّة- رحمه الله تعالى- في معرض بيان الكبائر بعد أن ذكر كلام القاضي أبي سعيد الهرويّ والقاضي الرّويانيّ: أكل الرّبا، والإفطار في رمضان بلا عذر، واليمين الفاجرة، وقطع الرّحم، وعقوق الوالدين والفرار من الزّحف، وأكل مال اليتيم، والخيانة في الكيل والوزن، وتقديم الصّلاة على وقتها، وتأخيرها عن وقتها بلا عذر، وأخذ الرّشوة، والسّعاية عند السّلطان، ومنع الزّكاة، وترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مع القدرة، ونسيان القرآن بعد تعلّمه، وإحراق الحيوان بالنّار، وامتناع المرأة عن زوجها بلا سبب، واليأس من رحمة الله، والأمن من مكر الله، ويقال الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الجحود- عقوق الوالدين- نكران الجميل- الإساءة- سوء المعاملة- سوء الخلق- الجفاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: البر- بر الوالدين- تكريم الإنسان- التودد- الرحمة- صلة الرحم- الاعتراف بالفضل- الإحسان- حسن العشرة- حسن المعاملة- حسن الخلق] .   (1) شرح النووي على مسلم (16/ 112- 113) بتصرف واختصار. (2) سبل السلام شرح بلوغ المرام (4/ 314) . (3) تفسير ابن كثير (1/ 487) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5330 الآيات الواردة في «قطيعة الرحم» 1- * إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27) «1» 2- * أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) «2» 3- فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23) «3»   (1) البقرة: 26- 27 مدنية (2) الرعد: 19- 25 مكية (3) محمد: 22- 23 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5331 الأحاديث الواردة في ذمّ (قطيعة الرحم) 1- * (عن رجل من خثعم أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو فى نفر من أصحابه، فقلت: أنت الّذى تزعم أنّك رسول الله؟ قال: «نعم» . قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: «الإيمان بالله» قال: قلت يا رسول الله! ثمّ مه «1» ؟ قال: «ثمّ صلة الرّحم» . قال: قلت: يا رسول الله، ثمّ مه؟. قال: «ثمّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» . قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: «الإشراك بالله» . قال: قلت: يا رسول الله، ثمّ مه؟. قال «ثمّ قطيعة الرّحم» . قال: قلت: يا رسول الله! ثمّ مه؟ قال: «ثمّ الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف» ) * «2» . 2- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في الصّفّة «3» . فقال: «أيّكم يحبّ أن يغدو كلّ يوم إلى بطحان «4» أو إلى العقيق «5» فيأتي منه بناقتين كوماوين «6» في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله، نحبّ ذلك. قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله- عزّ وجلّ- خير له من ناقتين. وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع. ومن أعدادهنّ من الإبل» ) * «7» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعمال بني آدم تعرض كلّ خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم» ) * «8» . وفي رواية الأدب المفرد، أنّ أبا هريرة- رضي الله عنه- جاء عشيّة الخميس ليلة الجمعة فقال: أحرّج «9» على كلّ قاطع رحم لما قام من عندنا. فلم يقم أحد. حتّى قال ثلاثا. فأتى فتى عمّة له قد صرمها (يعني تركها) منذ سنتين. فدخل عليها. فقالت له: يا بن أخي، ما جاء بك؟ قال سمعت أبا هريرة يقول كذا وكذا. قالت: ارجع إليه فسله لم قال ذلك؟. قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: وذكر الحديث ... » ) * «10» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابة أصلهم   (1) قوله ثم مه: أي زدني. (2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وعزاه لأبي يعلي وقال: إسناده جيد (3/ 335، 336) . (3) الصفة: موضع مظلل من المسجد الشريف كان فقراء المهاجرين يأوون إليه وهم المسمون بأصحاب الصفة. وكانوا أضياف الإسلام. (4) بطحان: اسم موضع بقرب المدينة قديما، والآن شرق مسجد قباء داخل المدينة. (5) العقيق: واد بالمدينة. (6) كوماوين: الكوماء من الإبل العظيمة السنام. (7) مسلم (803) . (8) مجمع الزوائد (8/ 151) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. وهو في المسند (2/ 484) واللفظ له حديث (10227) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (20/ 43) ، وأصل الحديث مخرج في صحيح مسلم. (9) أحرج: أوقع في الضيق والإثم. (10) ملخص فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (1/ 98، 99) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5332 ويقطعوني. وأحسن إليهم ويسيئون إليّ. وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنّما تسفّهم الملّ «1» . ولا يزال معك من الله ظهير «2» عليهم، مادمت على ذلك» ) * «3» . 5- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّحم شجنة «4» متمسّكة بالعرش تكلّم بلسان ذلق اللهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول الله تبارك وتعالى: أنا الرّحمن الرّحيم، وإنّي شققت للرّحم من اسمي. فمن وصلها وصلته، ومن نكثها «5» نكثته» ) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق، حتّى إذا فرغ من خلقه قامت الرّحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا ربّ. قال: فذاك لك» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرؤوا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» ) * «7» . 7- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والشّحّ فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظّلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وإيّاكم والظّلم، فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش» ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أيّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» . فقام هو أو آخر فقال: يا رسول الله، أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» قال أبي: وقال يزيد بن هارون في حديثه: ثمّ ناداه هذا أو غيره فقال: يا رسول الله، أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك، وهما هجرتان، هجرة للبادي وهجرة للحاضر. فأمّا هجرة البادي، فيطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي، وأمّا هجرة الحاضر فهي أشدّهما بليّة وأعظمهما أجرا» ) * «8» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ لي ذوي أرحام أصل ويقطعوني   (1) تسفهم المل: التراب الحار. (2) الظهير: المعين. (3) مسلم (2558) . (4) الشجنة: في الأصل الشعبة في غصن من غصون الشجرة والمراد قرابة مشتبكة. (5) النكث (نقض العهد) والمراد فمن قطعها. (6) الترغيب والترهيب وعزاه للبزار وقال: إسناده حسن (3/ 340) ، مجمع الزوائد (8/ 151) واللفظ له وقال: رواه البزار وإسناده حسن. (7) البخاري- الفتح 10 (5987) واللفظ له، ومسلم (2554) . (8) أبو داود (1689) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (1/ 608) ، أحمد (2/ 191) واللفظ له. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 52) رقم (6792) . الحاكم (1/ 415) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5333 وأعفو ويظلموني وأحسن ويسيئون. أفأكافئهم؟ قال: «إذا تشتركون جميعا، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنّه لن يزال معك ملك ظهير من الله- عزّ وجلّ- ما كنت على ذلك» ) * «1» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنّه لا بعد بالرّحم إذا قربت، وإن كانت بعيدة، ولا قرب بها إذا بعدت، وإن كانت قريبة، وكلّ رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها، تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها» ) * «2» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرّحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله. ومن قطعني قطعه الله» ) * «3» . 11- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الواصل بالمكافىء، ولكن الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها» ) * «4» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرّحم، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع) * «5» . 13- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم» ) * «6» . 14- * (عن جبير بن مطعم بن عديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة قاطع. قال ابن أبي عمر: قال سفيان: يعني قاطع رحم» ) * «7» . 15- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما على الأرض   (1) قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وفيه حجاج بن أرطاة وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات (8/ 154) . (2) ملخص فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (1/ 109) واللفظ له، وهو في المستدرك (1/ 89) بلفظ قريب وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه واحد منهما وسكت الذهبي في التلخيص. وفي (4/ 161) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (3) البخاري- الفتح 10 (5989) ، ومسلم (2555) وهذا لفظه. (4) البخاري- الفتح 10 (5991) . (5) البيهقي في السنن الكبرى (10/ 62) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 950) حديث (5391) والصحيحة حديث (978) . (6) الترمذي (2511) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح وقال محقق جامع الأصول (11/ 716) إسناده صحيح، أبو داود (4902) وابن ماجة (4211) ، والحاكم (2/ 356) وقال: صحيح الإسناد. البخاري في الأدب المفرد حديث (29) وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 994) وفي الصحيحة حديث (918) . (7) الترمذي (1909) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح وجامع الأصول (6/ 489) ومسلم (2556) ، البخاري- الفتح (10/ 5984) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5334 مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها، أو صرف عنه من السّوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» ) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (قطيعة الرحم) معنى 16- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال» ) * «2» . 17- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليعمّر بالقوم الدّيار، ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم. قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لتضييعهم أرحامهم» ) * «3» . 18- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرّجل والديه. قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرّجل والديه؟ قال: «يسبّ الرّجل أبا الرّجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه» ) * «4» . 19- * (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: فأمّا الثّلاث الّذي أقسم عليهنّ: فإنّه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمه فيصبر عليها إلّا زاده الله عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه فيصل فيه رحمه، ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا قال: فهو يقول: لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال: فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّه فهذا بأخبث المنازل قال: وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «5» .   (1) الترمذي (3573) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب وقال محقق جامع الأصول (9/ 512) رواه أحمد في المسند وهو صحيح. (2) البخاري- الفتح 10 (5975) واللفظ له، ومسلم (593) (3/ 1341) مختصرا. (3) مجمع الزوائد (8/ 152) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن. (4) البخاري- الفتح 10 (5973) واللفظ له، ومسلم (90) . (5) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح، أحمد (4/ 231) رقم (18054) واللفظ له وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 580) رقم (3024) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5335 20- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، ومدمن الخمر، والمنّان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنّة: العاقّ لوالديه، والدّيّوث «1» ، والرّجلة «2» » ) * «3» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رغم «4» أنف، ثمّ رغم أنف، ثمّ رغم أنف.» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنّة» ) * «5» . 22- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثا) الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزّور (أو قول الزّور) ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متّكئا فجلس. فما زال يكرّرها حتّى قلنا ليته سكت» ) * «6» . 23- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلا أعطاه الله إيّاه فيبخل عليه إلّا أخرج الله له يوم القيامة من جهنّم حيّة يقال لها شجاع فيطوّق به» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (قطيعة الرحم) 1- * (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- يوصي ميمون بن مهران: إنّي أوصيك بثلاث فاحفظهنّ. قلت: يا أمير المؤمنين ما هنّ؟ قال: لا تخل بامرأة ليس بينك وبينها محرم وإن قرأت عليها القرآن، ولا تصاف قاطع رحم فإنّ الله- عزّ وجلّ- لعنه في آيتين من كتاب الله- تبارك وتعالى- آية في الرّعد، قوله تبارك وتعالى-: وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (الرعد/ 25) وفي سورة محمّد فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (محمد/ 22) * «8» . 2- * (قال عمرو بن ميمون- رحمه الله تعالى-: «لمّا تعجّل موسى- عليه السّلام- ربّه- عزّ وجلّ- رأى في ظلّ العرش رجلا فغبطه بمكانه فقال: إنّ هذا لكريم على ربّه- عزّ وجلّ-. فسأل ربّه أن يخبره باسمه فلم يخبره وقال: أحدّثك من عمله بثلاث، كان لا يحسد النّاس على ما آتاهم الله من فضله، وكان لا   (1) الديوث: الذي لا يبالي الخبث في أهله. (2) الرجلة: المرأة المتشبهة بالرجال في الكلام والهيئة واللباس. (3) النسائي (5/ 81) انظر نسخة الألباني (2/ 541) رقم (2402) وقال: حسن صحيح وكشف الأستار عن زوائد البزار (2/ 372) ، وذكره الهيثمي في المجمع (8/ 147) واللفظ له وقال: رواه البزار بإسنادين ورجالهما ثقات. (4) رغم: ذل. وقيل: كره وخزي وهو بفتح الغين وكسرها. (5) مسلم (2551) . (6) البخاري- الفتح 10 (5976) ، ومسلم (87) واللفظ له. (7) مجمع الزوائد (8/ 154) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وإسناده جيد. (8) مساوىء الأخلاق ومذمومها، للخرائطي (110) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5336 يعقّ والديه، ولا يمشي بالنّميمة) * «1» . 3- * (قال يونس بن عبيد- رحمه الله تعالى- كانوا يرجون للرّهق بالبرّ الجنّة، ويخافون على المتألّه بالعقوق النّار) * «2» . 4- * (قال جعفر الصّادق- رحمه الله تعالى «مودّة يوم صلة، ومودّة سنة رحم ماسّة، من قطعها قطعه الله- عزّ وجلّ-» ) * «3» . 5- * (قال الطّيبيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الله يبقي أثر واصل الرّحم طويلا فلا يضمحلّ سريعا كما يضمحلّ أثر قاطع الرّحم» ) * «4» . 6- * (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-: «إنّ الرّحم المأمور بصلتها والمتوعّد على قطعها هي الّتي شرع لها ذلك. فأمّا من أمر بقطعه من أجل الدّين فيستثنى من ذلك (الوعيد) ولا يلحق بالوعيد من قطعه لأنّه قطع من أمر الله بقطعه، لكن لو وصلوا بما يباح من أمر الدّنيا لكان فضلا، كما دعا صلّى الله عليه وسلّم لقريش بعد أن كانوا كذّبوه فدعا عليهم بالقحط ثمّ استشفعوا به فرقّ لهم لمّا سألوه برحمهم فرحمهم ودعا لهم) * «5» . 7- * (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى-: اتّقوا الأرحام أن تقطعوها» ) * «6» . من مضار (قطيعة الرحم) (1) قطع الصّلة بالله، والبعد عن رضاه. (2) ضيق في الرّزق وقلّة البركة في العمر. (3) يكسب سخط الرّبّ وبغض النّاس. (4) تقطيع أواصر العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأسرة الواحدة والأسر المرتبطة بالمصاهرة حتّى يسود المجتمع كلّه. (5) يوجب دخول النّيران. (6) يخرّب الدّيار العامرة.   (1) مكارم الأخلاق، لابن أبي الدنيا (65) . (2) المرجع السابق (51) . (3) آداب العشرة، للغزي (44) . (4) فتح الباري (10/ 430) . (5) المرجع السابق (10/ 435) . (6) تفسير القرطبي (5/ 4) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5337 القلق القلق لغة: القاف واللّام والقاف كلمة تدلّ على الانزعاج. يقال: قلق يقلق. وقال ابن منظور: القلق الانزعاج يقال: بات قلقا وأقلقه غيره فقلق. وأقلق الشّيء من مكانه وقلقه: حرّكه. وقد أقلقه فقلق، وفي حديث عليّ: «أقلقوا السّيوف في الغمد» أي حرّكوها في أغمادها قبل أن تحتاجوا إلى سلّها ليسهل عند الحاجة إليها. القلق: الانزعاج، من قولهم: قلق الشّيء قلقا فهو قلق. وقلق الهمّ وغيره فلانا أزعجه، وقلق يقلق قلقا: لم يستقرّ في مكان واحد ولم يستقرّ على حال، وقلق فلان: اضطرب وانزعج فهو قلق، وأقلقت النّاقة: قلق ما عليها، والمقلاق الشّديد القلق، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، يقال: رجل مقلاق، وامرأة مقلاق. ومقلاق الوشاح، أي لا يثبت الوشاح على خصرها لرقّته «1» . القلق اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات القديمة القلق ممّا يعنى أنّ المعنى واحد في اللّغة والاصطلاح، ولكنّ القلق قد اكتسب في العصر الحديث أبعادا نفسيّة واجتماعيّة جديدة ممّا جعل المحدثين يذكرون له التّعريفات الآتية: القلق: حالة انفعاليّة مصحوبة بالخوف أو الفزع تحدث كردّ فعل لتوقّع خطر حقيقيّ خارجيّ «2» . وقال مؤلّفا كتاب الصّحّة النّفسيّة في ضوء علم النّفس والإسلام: القلق حالة نفسيّة مؤلمة تنتج عن شعور الإنسان بالعجز في مواقف الإحباط والصّراع «3» . وقالا- في موضع آخر: القلق: شعور عامّ غامض، غير سارّ، مبالغ فيه، له أعراض نفسيّة وجسميّة عديدة «4» . وقال حامد زهران: القلق هو حالة توتّر شامل ومستمرّ نتيجة توقّع تهديد خطر فعليّ أو احتماليّ يصحبها خوف غامض وأعراض جسميّة ونفسيّة «5» . أقسام القلق: قسّم العلماء المحدثون القلق تقسيمات عديدة أهمّها: أ- التّقسيم باعتبار الأشخاص الّذين يصابون به، وهنا نجد نوعين من القلق هما: 1- القلق الاجتماعيّ: وهو الاحتكاك والإحباط في علاقات الجماعات وهو نوعان: غير محدّد السّبب، ويسفر عن الاضطرابات والتّفكّك. محدّد السّبب، ويظهر في أفعال مختلفة يتوقّف   (1) مقاييس اللغة (5/ 23) والصحاح (4/ 1548) ، ولسان العرب (5/ 3726) ، والمعجم الوسيط (2/ 762) . (2) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (22) . (3) الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة وكمال مرسي، ص 140. (4) المقصود بهذا التعريف هو القلق المرضي أو التفاعلي، انظر في شرح هذا التعريف، المرجع السابق، ص 187. (5) الصحة النفسية والعلاج النفسي لحامد زهران ص 397. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5338 اتّجاهها على القيادة القائمة (للجماعة) «1» . 2- القلق الشّخصيّ: وهو ما يعرف ب «الحصر» الّذي قسّموه إلى: الحصر الواقعيّ، وهو القلق الموضوعيّ أي الّذي له واقع خارجيّ يشكّل الدّافع إليه. الحصر العصابيّ: وهو الّذي ينتج تحت وطأة التّرفّعات الغريزيّة من جانب الهو (أي الغرائز الفطريّة) . الحصر الأخلاقيّ: وهو الحادث نتيجة خطر داخليّ من جانب الأنا الأعلى (الضّمير) «2» . ب- التقسيم بحسب الدّرجة: قسّم العلماء القلق بحسب درجته إلى: 1- القلق الموضوعيّ أو العاديّ، ويطلق عليه أحيانا القلق السّويّ أو الواقعيّ وهو ما كان مصدره خارجيّا وموجودا فعلا، وذلك مثل القلق المتعلّق بالنّجاح في عمل جديد أو في امتحان أو إقدام على الزّواج، أو وجود خطر قوميّ أو عالميّ. 2- القلق المرضيّ: وهو ما كان داخليّ المصدر وأسبابه مكبوتة ولا شعوريّة، ولا يتّفق مع الظّروف الدّاعية إليه، ويتّصف هذا النّوع عادة بأنّه غامض وعامّ «3» . ولهذا النّوع الأخير أسباب عديدة وأعراض متنوّعة تنظر في مظانّها من كتب الصّحّة النّفسيّة «4» ، وسنوجز- فيما يلي- أهمّ ما أوردته هذه الكتب متعلّقا ب: علاج القلق: لهذا النّوع من الأمراض أنواع عديدة من العلاج منها: 1- العلاج النّفسيّ ويكون ذلك بتحديد أسبابه، ومشاركة المريض وجدانيّا وإعادة ثقته بنفسه. 2- الإرشاد والنّصح وتقديم المشورة له (انظر هذه الصّفات في مواضعها من الموسوعة) . 3- العلاج البيئيّ، وذلك بتعديل العوامل البيئيّة غير الملائمة بتخفيف الأعباء والضّغوط ولا يتأتّى ذلك إلّا بالتّعاون على البرّ والتّقوى. 4- وأهمّ أنواع العلاج هو اللّجوء إلى الاستعاذة بالله من الهمّ والغمّ، والإيمان التّامّ بالقضاء والقدر، والاستغفار والاستعانة بالله عزّ وجلّ والتّوبة النّصوح «5» . بين القلق والهم والخوف: استعمل العلماء المسلمون مصطلحات مرادفة للقلق، منها الخوف المفرط، الّذي عرّفه الإمام الغزاليّ بأنّه: خوف زائد مذموم يخرج بالإنسان إلى اليأس والقنوط ويمنعه من العمل واستعمل ابن حزم مصطلح الهمّ، وأشار إلى أنّه خبرة نفسيّة مؤلمة، وقال: أشدّ الأشياء على النّاس الخوف والهمّ والفقر والمرض، وأشدّها الهمّ «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الجزع- سوء الظن الشك- العجلة- اليأس- القنوط- الوهن- اتباع الهوى- الضعف- الإحباط- الخوف- الوسوسة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: السكينة- التوكل- الثبات- الرضا- الطمأنينة- اليقين- الرضا- حسن الظن- الذكر- الاستعاذة- الإيمان- القناعة] .   (1) معجم علم النفس والتحليل النفسي (178، 369) . (2) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (398) . (3) الصحة النفسية والعلاج النفسي ص 399، وانظر أيضا: الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام ص 141. (4) انظر في ذلك على سبيل المثال: الإنسان وصحته النفسية لمصطفى فهمي ص 315، الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام ص 187، الصحة النفسية والعلاج النفسي لحامد زهران ص 398، أسس الصحة النفسية لعبد العزيز القوصي ص 325. (5) انظر في ذلك المرجعين الأخيرين، الصفحات السابقة. (6) باختصار وتصرف عن: الصحة النفسية في ضوء علم النفس والاسلام، ص 140. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5339 الأحاديث الواردة في ذمّ (القلق) معنى 1- * (عن المقداد- رضي الله عنه- قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «1» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة- وقد شربت نصيبي- فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «2» في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان. فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة. إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم. ثمّ أتى المسجد فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء. فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال «اللهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني ... » الحديث) * «3» . 2- * (عن عبد الله بن أبي قتادة، أنّ أبا قتادة، طلب غريما له فتوارى عنه ثمّ وجده. فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» ) * «4» . 3- * (عن مسلم بن أبي بكرة قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والكسل وعذاب القبر. قال: يا بنيّ ممّن سمعت هذا؟ قلت: سمعتك تقولهنّ. قال: الزمهنّ، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقولهنّ» ) * «5» . 4- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي طلحة: «التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني. فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع «6» الدّين   (1) الجهد: الجوع والمشقة. (2) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه. (3) مسلم (2055) . (4) مسلم (1563) . (5) الترمذي (3503) ، وقال هذا حديث حسن صحيح. (6) ضلع الدين: أصل الضلع وهو بفتح المعجمة واللام الاعوجاج، يقال ضلع بفتح اللام يضلع، أي مال، والمراد به هنا الدين وشدته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5340 وغلبة الرّجال «1» » . فلم أزل أخدمه حتّى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفيّة بنت حييّ قد حازها، فكنت أراه يحوّي ... الحديث» ) * «2» . 5- * (عن أبي الحوراء السّعديّ. قال: قلت للحسن بن عليّ: ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة» ) * «3» . 6- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله تعالى قال: لقد خلقت خلقا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصّبر، فبي حلفت لأتيحنّهم فتنة تدع الحليم منهم حيران، فبي يغترّون، أم عليّ يجترئون؟» ) * «4» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ- حتّى الشّوكة يشاكها- إلّا كفّر الله بها من خطاياه» ) * «5» . 8- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «6» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجا، ومن كلّ ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» ) * «7» . 10- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه- ... الحديث وفيه- «قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا أيّها الثّلاثة من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس، وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض. فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة، وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه- وهو في مجلسه بعد الصّلاة- فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام   (1) غلبة الرجال: شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا. (2) البخاري 11 (6363) (3) الترمذي (2518) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (4) الترمذي (2405) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (4/ 545) حديث حسن. (5) البخاري- الفتح 10 (5641- 5642) واللفظ له، ومسلم (2573) . (6) البخاري- الفتح 5 (2442) ، ومسلم (2580) واللفظ له. (7) ابن ماجه (3819) واللفظ له، أحمد في المسند (4/ 56) برقم (2234) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5341 أم لا؟ ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ، وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي ... » الحديث وفيه: «فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتى ذكر الله- عزّ وجلّ- منّا. قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «1» يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررت ساجدا ... - الحديث وفيه- «قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) (التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 95- 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا أيّها الثّلاثة عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال الله- عزّ وجلّ-: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا تخلّفنا عن الغزو. وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «2» . من الآثار الواردة في ذمّ (القلق) 1- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلي جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقى ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع ما لنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه   (1) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف. (2) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم (2769) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5342 لولدك، قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير خبيب وعبّاد وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه» ) * «1» . 2- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فذكرت ذلك لعمّي أو لعمر فذكره للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدعاني فحدّثته، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ. فجلست في البيت، فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومقتك؟ فأنزل الله تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ (المنافقون/ 1) فبعث إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ. فقال: «إنّ الله قد صدّقك يا زيد» ) * «2» . من مضار (القلق) (1) عدم استقرار النّفس وعدم ثبات القلب. (2) حصول الخوف والهلع لأحقر الأمور. (3) دليل على ضعف الإيمان وقلّة اليقين. (4) يورد الإنسان موارد الهلاك. (5) يورث الشّكّ وعدم الثّقة بالغير. (6) حرمان النّفس من الطّمأنينة. (7) سبب من أسباب الشّقاء وحرمان الخير. (8) فقدان المقدرة على التّركيز السّليم والتّفكّر والاستمراريّة في العمل ممّا يؤدّي إلى فقدان الانتاج وبالتّالي ازدياد القلق والاضطراب في حلقة مفرغة.   (1) البخاري- الفتح 6 (3129) . (2) البخاري- الفتح 8 (4900) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5343 القنوط القنوط لغة: مصدر قولهم: قنط يقنط إذا يئس يأسا شديدا وهو مأخوذ من مادّة (ق ن ط) الّتى تدلّ على اليأس من الشّيء، يقال: قنط يقنط قنوطا، مثل جلس يجلس جلوسا وكذلك قنط يقنط مثل قعد يقعد فهو قانط، وفيه لغة ثالثة، قنط يقنط قنطا مثل تعب يتعب تعبا، وقناطة فهو قنط. قال تعالى فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (الحجر/ 55) أي اليائسين من الولد. وكان إبراهيم (عليه السّلام) ، قد يئس من الولد لفرط الكبر «1» ، وأمّا قنط يقنط بالفتح فيهما وقنط يقنط بالكسر فيهما فإنّما هو على الجمع بين اللّغتين. وقال ابن الأثير: القنوط هو أشدّ اليأس من الشّيء. وقيل القنوط: اليأس من الخير، وقيل: أشدّ اليأس من الشّيء وقيل. شرّ النّاس الّذين يقنّطون النّاس من رحمة الله أي يؤيّسونهم «2» . واصطلاحا: قال في فتح المجيد شرح كتاب التّوحيد: هو استبعاد الفرج واليأس منه، وهو يقابل الأمن من مكر الله، وكلاهما ذنب عظيم وينافيان كمال التّوحيد «3» . قال المناويّ: القنوط: هو اليأس من الرّحمة «4» . وقال العزّ بن عبد السّلام: القنوط استصغار لسعة رحمة الله- عزّ وجلّ- ومغفرته، وذلك ذنب عظيم وتضييق لفضاء جوده تعالى «5» . الفرق بين اليأس والقنوط (انظر صفة اليأس) حكم القنوط: قال الإمام ابن حجر: سوء الظّنّ بالله تعالى والقنوط من رحمته من الكبائر. مستدلّا بقوله تعالى (في القنوط) وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (الحجر/ 56) ، وقال: عدّ سوء الظّنّ والقنوط كبيرتين مغايرتين لليأس هو ما ذهب إليه الجلال البلقينيّ وغيره ... والظّاهر أنّ القنوط أبلغ من اليأس، للتّرقّي إليه في قوله تعالى: وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ   (1) تفسير القرطبى (10/ 25) وقد ذكر قراءات عديدة ليس هنا تفصيلها. (2) مقاييس اللغة (5/ 32) ، الصحاح (6/ 1155) ، النهاية (4/ 113) . (3) فتح المجيد (359) (4) التوقيف على مهمات التعاريف (276) . (5) شجرة المعارف والأحوال- العز بن عبد السلام (120) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5344 (فصلت/ 49) وقد اتّفقوا على أنّ الشّخص الّذي يئس من وقوع شيء من الرّحمة له مع إسلامه فاليأس في حقّه كبيرة اتّفاقا، ثمّ هذا اليأس قد ينضمّ إليه حالة هي أشدّ منه، وهي التّصميم على عدم وقوع الرّحمة له وهو القنوط، ثمّ قد ينضمّ إلى ذلك أنّ الله يشدّد عقابه له كالكفّار وهذا هو المراد بسوء الظّنّ هنا «1» . [للاستزادة: انظر صفات: اليأس- الجزع- سوء الظن- الضعف- الوهن- القلق- السخط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن الظن- الرضا- الصبر والمصابرة- قوة الإرادة- السكينة- الطمأنينة- اليقين- الرجاء] .   (1) الزواجر (114) بتصرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5345 الآيات الواردة في «القنوط» 1- * نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) «1» 2- * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) «2» 3- * قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) «3»   (1) الحجر: 49- 56 مكية (2) الروم: 31- 37 مكية (3) الزمر: 53- 59 (53- 54 مدنية، 55- 59 مكية) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5346 4- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) «1» 5- * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) «2»   (1) فصلت: 49- 51 مكية (2) الشورى: 27- 34 (27 مدنية، 28- 34 مكية) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5347 الأحاديث الواردة في ذمّ (القنوط) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «إنّ رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: «الشّرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله» ) * «1» . 2- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدّنيا فتبرّجت بعده، فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله- عزّ وجلّ- رداءه فإنّ رداءه الكبرياء وإزاره العزّة، ورجل شكّ في أمر الله، والقنوط من رحمة الله» ) * «2» . 3- * (عن لقيط بن عامر، أنّه خرج وافدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق، قال لقيط: خرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا نسلاخ رجب، فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة فقام فى النّاس خطيبا فقال: «أيّها النّاس، إنّي خبّأت لكم صوتي منذ أربعة أيّام، ألا لأسمعنّكم، ألا فهل من امرىء بعثه قومه فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ألا ثمّ لعلّه أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضّلال، ألا إنّي مسؤول: هل بلّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا. ألا اجلسوا. ألا اجلسوا» قال: فجلس النّاس وقمت أنا وصاحبي حتّى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله، وهزّ رأسه وعلم أنّي أبتغي لسقطه فقال: «ضنّ ربّك عزّ وجلّ بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلّا الله- وأشار بيده- قلت: وما هي؟ قال: علم المنيّة، قد علم منيّة أحدكم ولا تعلمونه، وعلم المنيّ حين يكون فى الرّحم قد علمه ولا تعلمون، وعلم ما في غد، وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم (آزلين «3» مشفقين) ، فيظلّ يضحك قد علم أنّ غيركم إلى قرب» قال لقيط: لن نعدم من ربّ يضحك خيرا، وعلم يوم السّاعة. قلت: يا رسول الله علّمنا، ممّا تعلّم النّاس وما تعلم فإنّا من قبيل لا يصدّقون تصديقنا أحد، من مذحج الّتي تربو علينا، وخثعم الّتي توالينا، وعشيرتنا الّتي نحن منها، قال «تلبثون ما لبثتم ثمّ يتوفّى نبيّكم   (1) ذكره الهيثمى فى المجمع، وقال: رواه البزار والطبراني ورجاله موثقون (1/ 104) . (2) أحمد (6/ 19) واللفظ له. والأدب المفرد للبخارى (207) رقم (590) . والحاكم في المستدرك (1/ 119) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى. وبعضه فى السنة لابن أبى عاصم رقم (89) . والحديث عند البزار (1/ 61) رقم (84) : وقال الهيثمى: ورواه البزار مطولا ويأتى فى باب الكبائر ورجاله ثقات. انظر مجمع الزوائد (1/ 99) . وذكره الألبانى فى صحيح الجامع (1/ 587) رقم (3059) . وكذا في الصحيحة (2/ 71) رقم (542) وعزاه أيضا لابن حبان وابن عساكر. ونقل قول ابن عساكر عنه: أنه حديث حسن غريب ورجال إسناده ثقات. (3) الأزل: الشدة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5348 صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تلبثون ما لبثتم، ثمّ تبعث الصّائحة لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلّا مات، والملائكة الّذين مع ربّك- عزّ وجلّ- فأصبح ربّك- عزّ وجلّ- يطيف في الأرض، وخلت عليه البلاد فأرسل ربّك- عزّ وجلّ- السّماء تهضب «1» من عند العرش فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميّت إلّا شقّت القبر عنه حتّى تجعله من عند رأسه فيستوي جالسا. فيقول ربّك: مهيم لما كان فيه، يقول: يا ربّ أمس اليوم ولعهده الحياة يحسبه حديثا بأهله» فقلت: يا رسول الله، كيف يجمعنا بعد ما تمزّقنا الرّياح والبلى والسّباع؟ قال: «أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله، الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية، فقلت: لا تحيا أبدا: ثمّ أرسل ربّك- عزّ وجلّ- عليها السّماء، فلم تلبث عليك إلّا أيّاما حتّى أشرفت عليها وهي شرية «2» واحدة، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فتخرجون من الأصواء «3» ومن مصارعهم فتنظرون إليه وينظر إليكم» قال: قلت: يا رسول الله، وكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ننظر إليه وينظر إلينا، قال: أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله- عزّ وجلّ- الشّمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة، لا تضارّون في رؤيتهما. ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم لا تضارّون في رؤيتهما.؟ قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربّنا- عزّ وجلّ- إذا لقيناه؟ قال: تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربّك- عزّ وجلّ- بيده غرفة من الماء، فينضح قبيلكم بها، فلعمر إلهك ما تخطىء وجه أحدكم منها قطرة، فأمّا المسلم فتدع وجهه مثل الرّيطة البيضاء، وأمّا الكافر فتخطمه مثل الحميم الأسود. ألا ثمّ ينصرف نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ويفترق على أثره الصّالحون، فيسلكون جسرا من النّار، فيطأ أحدكم الجمر فيقول حسّ، يقول ربّك- عزّ وجلّ- أو أنّه. ألا فتطّلعون على حوض الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على أظمأ- والله- ناهلة «4» عليها قطّ ما رأيتها. فلعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلّا وضع عليها قدح يطهّره من الطّوف «5» والبول والأذى، وتحبس الشّمس والقمر «6» ولا ترون منهما واحدا» . قال: قلت: يا رسول الله فبما نبصر؟ قال: «بمثل بصرك ساعتك هذه. وذلك قبل طلوع الشّمس في يوم أشرقت الأرض واجهت به الجبال» قال: قلت: يا رسول الله فبما نجزى من سيّئاتنا وحسناتنا؟ قال: الحسنة بعشر أمثالها، والسّيّئة بمثلها، إلّا أن يعفو» ، قال: قلت: يا رسول الله أمّا الجنّة. أمّا النّار، قال: «لعمر إلهك إنّ للنّار لسبعة أبواب ما منهنّ بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين عاما. وإنّ للجنّة لثمانية أبواب، ما منهما بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين عاما» قلت: يا رسول الله فعلى ما نطّلع من الجنّة. قال: على أنهار من   (1) تهضب: تمطر. (2) الشّربة: الحوض الذي يجتمع فيه الماء. (3) الأصواء: القبور. (4) الناهلة: العطاش الواردون الماء. (5) الطوف: الغائط. (6) تحبس الشمس والقمر: تختفيان فتحبسان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5349 عسل مصفّى، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة. وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه، وماء غير آسن. وبفاكهة، لعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه وأزواج مطهّرة» قلت: يا رسول الله، ولنا فيها أزواج أو منهنّ مصلحات؟ قال: «الصّالحات للصّالحين تلذّونهنّ مثل لذّاتكم في الدّنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد» قال لقيط: فقلت: أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه، فلم يجبه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت: يا رسول الله، ما أبايعك؟ قال: فبسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وقال: «على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وزيال المشرك، وألّا تشرك بالله إلها غيره» قلت: وإنّ لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وظنّ أنّي مشرط شيئا لا يعطينيه، قال: قلت: نحلّ منها حيث شئنا ولا يجني امرؤ إلّا على نفسه، فبسط يده وقال: «ذلك لك، تحلّ حيث شئت، ولا يجني عليك إلّا نفسك» قال: فانصرفنا عنه ثمّ قال: إنّ هذين لعمر إلهك من أتقى النّاس في الأولى والآخرة» ، فقال له كعب بن الخداريّة أحد بني بكر بن كلاب. من هم يا رسول الله؟ قال: «بنو المنتفق أهل ذلك» قال: فانصرفنا، وأقبلت عليه. فقلت: يا رسول الله، هل لأحد ممّن مضى من خير في جاهليّتهم؟ قال: قال رجل من عرض قريش، «والله إنّ أباك المنتفق لفي النّار» قال: فلكأنّه وقع حرّ بين جلدي ووجهي ولحمى ممّا قال لأبي على رؤوس النّاس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله، ثمّ إذا الأخرى أجمل، فقلت يا رسول الله وأهلك؟، قال: «وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامريّ أو قرشيّ من مشرك، فقل أرسلني إليك محمّد فأبشّرك بما يسوءك، تجرّ على وجهك وبطنك في النّار» قال: قلت: يا رسول الله ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلّا إيّاه، وكانوا يحسبون أنّهم مصلحون، قال: «ذلك لأنّ الله- عزّ وجلّ- بعث في آخر كلّ سبع أمم- يعني نبيّا- فمن عصى نبيّه كان من الضّالّين، ومن أطاع نبيّه كان من المهتدين» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (القنوط) 1- * (قال عليّ- رضي الله عنه- الفقيه حقّ الفقيه: من لم يقنّط النّاس من رحمة الله ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنّه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه، ولا قراءة لا تدبّر فيها» ) * «2» . 2- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط   (1) أبو داود (3266) مختصرا.. وأحمد (4/ 13- 14) واللفظ له، وبعضه في السنة لابن أبى عاصم، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 338- 34) ، وقال: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات. (2) الدارمي (1/ 101) برقم (297) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5350 من رحمة الله، واليأس من روح الله» . وفي رواية: أكبر الكبائر» ) * «1» 3- * (قال الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ- رحمه الله تعالى: لا يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمته، بل يكون خائفا راجيا يخاف ذنوبه، ويعمل بطاعته ويرجو رحمته» ) * «2» . 4- * (قال الشّاعر: بالله أبلغ ما أسعى وأدركه ... لا بي ولا بشفيع لي من النّاس إذا أيست وكاد اليأس يقطعني ... جاء الرّجا مسرعا من جانب الياس) * «3» . 5- * (قال بعض أهل العلم: شرّ النّاس الّذين يقنّطون النّاس من رحمة الله: أي يؤيّسونهم من رحمة الله) * «4» . من مضار (القنوط) (1) دليل ضعف الإيمان. (2) يقطع الإنسان عن الله. (3) دليل قلّة الفهم والعقل. (4) يحبّه الشّيطان لتيئيسه لبني الإنسان. (5) يقعد بالإنسان أو يعجزه عن القيام بما أمر به. (6) إذا غلب على الإنسان اليأس والقنوط حرمه الإبداع والتّفوّق واستسهل البطالة والكسل.   (1) مجمع الزوائد (1/ 104) وقال: إسناده حسن (2) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (359) (3) الفوائد لابن القيم (66) (4) لسان العرب (6/ 3752) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5351 [ حرف الكاف ] الكبر والعجب أولا: الكبر: الكبر لغة: اسم كالكبرياء بمعنى العظمة، وهو مأخوذ من مادّة (ك ب ر) الّتي تدلّ على خلاف الصّغر. قال ابن فارس: ومن الباب الكبر وهو الهرم، والكبر: العظمة، وكذلك الكبرياء، يقال: ورثوا المجد كابرا عن كابر. أي كبيرا عن كبير فى الشّرف والعزّ، وأكبرت الشّيء استعظمته، والتّكبّر والاستكبار: التّعظّم، وكبر الشّيء معظمه، قال تعالى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ (النور/ 11) أي معظم أمره. وقال ابن منظور: الكبر بالكسر: الكبرياء، والكبر العظمة والتّجبّر، وقيل: الرّفعة في الشّرف، وقيل: هي عبارة عن كمال الذّات ولا يوصف بها إلّا الله تعالى. يقال: تكبّر، واستكبر، وتكابر. وقيل: تكبّر: من الكبر وتكابر من السّنّ. والتكبّر والاستكبار: التّعظّم، وقوله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الأعراف/ 46) . قال الزّجّاج: أي أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي. قال: ومعنى يتكبّرون: أي أنّهم يرون أنّهم أفضل الخلق، وأنّ لهم من الحقّ ما ليس لغيرهم. وهذه الصّفة لا تكون إلّا لله خاصّة، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الّذي له القدرة والفضل الّذي ليس لأحد مثله. المتكبر من أسماء الله تعالى: قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى المتكبّر والكبير، أي العظيم ذو الكبرياء، وقيل: المتعالى عن صفات الخلق، وقيل: المتكبّر على عتاة خلقه «1» . وقال الغزاليّ: المتكبّر: هو الّذى يرى الكلّ حقيرا بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى العظمة والكبرياء إلّا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد، فإن كانت هذه الرّؤية صادقة كان التّكبّر حقّا، وكان صاحبها متكبّرا حقّا، ولا يتصوّر ذلك على الإطلاق إلّا لله تعالى «2» . وإن كان ذلك التّكبّر والاستعظام باطلا، ولم يكن ما يراه من التّفرّد بالعظمة كما يراه، كان التّكبّر باطلا ومذموما، وكلّ من رأى العظمة والكبرياء لنفسه على الخصوص، دون غيره، كانت رؤيته كاذبة، ونظره باطلا «3» .   (1) مقاييس اللغة (5/ 154) ، والصحاح (2/ 801) ، ولسان العرب لابن منظور (5/ 129، 130) . (2) المقصد الأسنى ص 75. (3) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 345) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5352 واصطلاحا: هو بطر الحقّ وغمط النّاس. وقال الغزاليّ:- رحمه الله- هو استعظام النّفس، ورؤية قدرها فوق قدر الغير. وقال أيضا- رحمه الله-: الكبر حالة يتخصّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وأن يرى نفسه أكبر من غيره «1» . وقال التّهانويّ: جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها. أمّا المكابرة، فهي المنازعة لا لإظهار الصّواب ولا لإلزام الخصم «2» . وقال الجاحظ: الكبر هو استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالنّاس واستصغارهم والتّرفّع على من يجب التّواضع له «3» . وقال الكفويّ: التّكبّر: هو أن يرى المرء نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلب ذلك التّشبّع وهو التّزيّن بأكثر ممّا عنده «4» . الكبر مفتاح الشقاء: قال الغزاليّ- رحمه الله- مفتاح السّعادة التّيقّظ والفطنة، ومنبع الشّقاوة الكبر والغفلة، فلا نعمة لله على عباده أعظم من الإيمان والمعرفة، ولا وسيلة إليه سوى انشراح الصّدر بنور البصيرة، ولا نقمة أعظم من الكفر والمعصية ولا داعي إليهما سوى عمى القلب بظلمة الجهالة، فالأكياس هم الّذين أراد الله أن يهديهم فشرح صدورهم للإسلام والهدى، والمتكبّرون هم الّذين أراد الله أن يضلّهم فجعل صدرهم ضيّقا حرجا كأنّما يصّعّد في السّماء. فالمتكبّر هو الّذي لم تنفتح بصيرته ليكون بهداية نفسه كفيلا، وبقي في العمى فاتّخذ الهوى قائدا والشّيطان دليلا. فالكبر آفة عظيمة هائلة، وفيه يهلك الخواصّ من الخلق، وقلّما ينفكّ عنه العبّاد والزّهّاد والعلماء فضلا عن عوامّ الخلق، وكيف لا تعظم آفته وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرّة من كبر» وإنّما صار حجابا دون الجنّة لأنّه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلّها، وتلك الأخلاق هي أبواب الجنّة، والكبر يغلق تلك الأبواب كلّها، لأنّه لا يقدر على أن يحبّ للمؤمنين ما يحبّ لنفسه وفيه شيء من الكبر. فما من خلق ذميم إلّا وصاحب الكبر مضطرّ إليه ليحفظ كبره، وما من خلق محمود إلّا وهو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزّه. فمن هذا لم يدخل الجنّة من في قلبه مثقال حبّة منه. والأخلاق الذّميمة متلازمة، والبعض منها داع إلى البعض لا محالة. وشرّ أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم وقبول الحقّ والانقياد له «5» . أسباب الكبر: أسباب الكبر ثلاثة: سبب فى المتكبّر، وسبب   (1) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 345) . (2) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1247) . (3) تهذيب الأخلاق (32) . (4) الكليات للكفوى (28) . (5) إحياء علوم الدين (3/ 345) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5353 في المتكبّر عليه، وسبب فيما يتعلّق بغيرهما أمّا السّبب الّذي فى المتكبّر: فهو العجب، والّذي يتعلّق بالمتكبّر عليه هو الحقد، والحسد، والّذي يتعلّق بغيرهما هو الرّياء، فتصير الأسباب بهذا الاعتبار أربعة. العجب، والحقد، والحسد، والرّياء: أمّا العجب: فإنّه يورث الكبر الباطن، والكبر يثمر التّكبّر الظّاهر في الأعمال والأقوال والأحوال. وأمّا الحقد: فإنّه يحمل على التّكبّر من غير عجب، كالّذي يتكبّر على من يرى أنّه مثله أو فوقه، ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه فأورثه الغضب حقدا ورسخ في قلبه بغضه، فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له وإن كان عنده مستحقّا للتّواضع. وأمّا الحسد: فإنّه أيضا يوجب البغض للمحسود وإن لم يكن من جهته إيذاء وسبب يقتضي الغضب والحقد، ويدعو الحسد أيضا إلى جحد الحقّ حتّى يمنع من قبول النّصيحة وتعلّم العلم، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في رذيلة الجهل لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده أو أقاربه حسدا وبغيا عليه. فهو يعرض عنه ويتكبّر عليه مع معرفته بأنّه يستحقّ التّواضع بفضل علمه، ولكنّ الحسد يبعثه على أن يعامله بأخلاق المتكبّرين، وإن كان في باطنه ليس يرى نفسه فوقه. وأمّا الرّياء: فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبّرين، حتّى إنّ الرّجل ليناظر من يعلم أنّه أفضل منه وليس بينه وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد، ولكن يمتنع من قبول الحقّ منه ولا يتواضع له في الاستفادة خيفة من أن يقول النّاس إنّه أفضل منه فيكون باعثه على التّكبّر عليه الرّياء المجرّد، ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبّر عليه «1» . درجات الكبر: قال ابن قدامة رحمه الله: اعلم: أنّ العلماء والعبّاد في آفة الكبر على ثلاث درجات: الأولى: أن يكون الكبر مستقرّا في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيرا من غيره، إلّا أنّه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة، إلّا أنّه قد قطع أغصانها. الثّانية: أن يظهر لك بأفعاله من التّرفّع في المجالس، والتّقدّم على الأقران، والإنكار على من يقصّر في حقّه، فترى العالم يصعّر خدّه للنّاس كأنّه معرض عنهم، والعابد يعيش ووجهه كأنّه مستقذر لهم، وهذان قد جهلا ما أدّب الله به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. حين قال: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الشعراء/ 215) . الدّرجة الثّالثة: أن يظهر الكبر بلسانه كالدّعاوى والمفاخرة، وتزكية النّفس، وحكايات الأحوال في معرض المفاخرة لغيره، وكذلك التّكبّر بالنّسب، فالّذي له نسب شريف يستحقر من ليس له   (1) الإحياء (3/ 353، 354) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5354 ذلك النّسب وإن كان أرفع منه عملا. قال ابن عبّاس: يقول الرّجل للرّجل: أنا أكرم منك، وليس أحد أكرم من أحد إلّا بالتّقوى. قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات: 13) . وكذلك التّكبّر بالمال، والجمال، والقوّة، وكثرة الأتباع، ونحو ذلك، فالكبر بالمال أكثر ما يجري بين الملوك والتّجّار ونحوهم. والتّكبّر بالجمال أكثر ما يجري بين النّساء، ويدعوهنّ إلى التّنقّص والغيبة وذكر العيوب. وأمّا التّكبّر بالأتباع والأنصار، فيجري بين الملوك بالمكاثرة بكثرة الجنود، وبين العلماء بالمكاثرة بالمستفيدين. وفي الجملة فكلّ ما يمكن أن يعتقد كمالا، فإن لم يكن في نفسه كمالا، أمكن أن يتكبّر به. حتّى إنّ الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمر والفجور لظنّه أنّ ذلك كمالا «1» . أنواع الكبر: للكبر أنواع ثلاثة: الأوّل: الكبر على الله تعالى وهو أفحش أنواع الكبر، وذلك مثل تكبّر فرعون ونمرود حيث استنكفا أن يكونا عبدين له. الثّاني: الكبر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن يمتنع المتكبّر من الانقياد له تكبّرا وجهلا وعنادا كما فعل كفّار مكّة. الثّالث: الكبر على العباد بأن يستعظم نفسه ويحتقر غيره ويزدريه فيتأبّى عن الانقياد له ويترفّع عليه.. وهذا وإن كان دون الأوّلين إلّا أنّه عظيم إثمه أيضا؛ لأنّ الكبرياء والعظمة إنّما يليقان بالله تعالى وحده «2» . حكم الكبر: ذكر الذّهبيّ أنّ الكبر من الكبائر واستدلّ بآيات وأحاديث عديدة، ثمّ قال: وأشرّ الكبر من يتكبّر على العباد بعلمه فإنّ هذا لم ينفعه علمه.. ومن طلب العلم للفخر والرّياسة، وبطر على المسلمين، وتحامق عليهم وازدراهم، فهذا من أكبر الكبر، ولا يدخل الجنّة من كان فى قلبه مثقال ذرّة من كبر «3» ، وقد عدّه الإمام ابن حجر أيضا من الكبائر وجعل معه العجب والخيلاء «4» . ثانيا: العجب: العجب لغة: قال ابن منظور: العجب: الزّهوّ، ورجل معجب: مزهوّ بما يكون منه حسنا كان أو قبيحا، وقيل المعجب هو الإنسان المعجب (أي المزهوّ) بنفسه أو بالشّيء، وقيل: العجب فضلة من الحمق «5» ، وقال الفيروزاباديّ: العجب بالضمّ: الزّهو والكبر «6» ، يقال:   (1) انظر مختصر منهاج القاصدين (229) . (2) الزواجر (90) بتصرف. (3) الكبائر للذهبى (76، 78) . (4) انظر الزواجر (90) . (5) لسان العرب 1/ 582 (ط. بيروت) . (6) القاموس المحيط ص 144 (ط. بيروت) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5355 أعجب بنفسه وبرأيه (مبنيّا للمجهول) فهو معجب، والاسم منه (العجب) «1» ، والمصدر: الإعجاب. أمّا العجب (بالتّحريك) فهو إنكار ما يرد عليك لقلّة اعتياده، وأصله في اللّغة أنّ الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقلّ مثله قال: قد عجبت من كذا وإنّما يتعجّب الإنسان من الشّيء إذا عظم موقعه عنده، وخفي عليه سببه «2» . العجب اصطلاحا: العجب في الاصطلاح: هو استعظام النّعمة والرّكون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم عزّ وجلّ «3» . الفرق بين العجب والكبر: ذهب كثير من العلماء إلى أنّه لا فرق بين الأمرين وأنّهما شيء واحد، ولكن ذهب المحقّقون إلى أنّ بينهما فرقا لأنّ الكبر خلق باطن يصدر عنه أعمال، وذلك الخلق هو رؤية النّفس فوق المتكبّر عليه، والعجب يتصوّر ولو لم يكن أحد غير المعجب، والمتكبّر يرى نفسه أعلى من الغير فتحصل له هزّة وفرح وركون له إلى ما اعتقده «4» . وقال الماورديّ: الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة، فالمتكبّر يجلّ نفسه عن رتبة المتعلّمين، والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدّبين «5» . وقال أبو هلال: الفرق بين العجب والكبر أنّ العجب بالشّيء شدّة السّرور به حتّى لا يعادله شيء عند صاحبه يقال: هو معجب بنفسه إذا كان مسرورا بخصالها، ولهذا يقال أعجبه كما يقال: سرّ به، وليس ذلك من الكبر في شيء، وقال بعضهم: العجب عقد النّفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجّب منها وليست هي لها «6» . الفرق بين العجب والإدلال: قال الغزاليّ: الإدلال وراء العجب، فلا مدلّ إلّا وهو معجب، وربّ معجب لا يدلّ، إذ العجب يحصل بالاستعظام ونسيان النّعمة دون توقّع جزاء عليه، والإدلال لا يتمّ إلّا مع توقّع جزاء، فإن توقّع إنسان إجابة دعوته، واستنكر ردّها بباطنه وتعجّب منه كان مدلّا بعمله، لأنّه لا يتعجّب من ردّ دعاء الفاسق، ويتعجّب من ردّ دعاء نفسه، وكلاهما أي العجب والإدلال من مقدّمات الكبر وأسبابه «7» . آفة العجب: للعجب آفات مباشرة وغير مباشرة، أمّا غير المباشرة فإنّه يدعو إلى الكبر، والكبر يتولّد عنه، ومن الكبر الآفات الكثيرة الّتي لا تخفى «8» ، وإذا اجتمعا (الكبر والعجب) فإنّهما يسلبان الفضائل، ويكسبان الرّذائل، وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح ولا قبول لتأديب «9» .   (1) مختار الصحاح ص 413 (ط. دار الكتب) . (2) لسان العرب 1/ 580 (بتصرف واختصار) . (3) إحياء علوم الدين 3/ 370. (4) غذاء الألباب 2/ 222. (5) أدب الدنيا والدين ص 231. (6) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ص 243. (7) إحياء علوم الدين 3/ 371. (8) إحياء علوم الدين 3/ 370. (9) أدب الدنيا والدين للماوردي ص 231. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5356 أمّا الآفات المباشرة فقد ذكرها الإمام الغزاليّ بقوله: العجب يدعو إلى نسيان الذّنوب وإهمالها، ويستعظم صاحبه العبادات والأعمال ويتبجّح بها، ويمنّ على الله بفعلها ثمّ إذا أعجب بها نسي آفاتها، ومن لم يتفقّد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعا، والمعجب يغترّ بنفسه وبرأيه، ويأمن مكر الله وعذابه، ويخرجه العجب إلى أن يثني على نفسه ويحمدها ويزكّيها، ويمنعه ذلك من الاستشارة والسّؤال فيستبدّ بنفسه ويكتفي برأيه، وربّما أعجب بالرّأي الخطأ الّذي خطر له فيفرح بكونه من خواطره، ويصرّ عليه، وربّما أودى به ذلك إلى الهلاك خاصّة لو كان هذا الرّأي يتعلّق بأمر من أمور الدّين، ولذلك عدّ العجب من المهلكات، ومن أعظم آفات العجب فتور سعي المعجب لظنّه أنّه قد فاز، وأنّه قد استغنى وهذا هو الهلاك الصّريح الّذي لا شبهة فيه «1» . وقال في غذاء الألباب: وربّما منع المعجب عجبه من الازدياد في (الطّاعات) ولهذا قيل: عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله، وما أضرّ العجب بالمحاسن «2» . منشأ العجب وعلاجه: قال الغزاليّ: علّة العجب الجهل المحض «3» ، ومن أعجب بطاعته (مثلا) فما علم أنّها بالتّوفيق حصلت، فإن قال: رآني أهلا لها فوفّقني، قيل له: فتلك نعمة من منّه وفضله فلا تقابل بالإعجاب «4» . وقال الغزاليّ: وعلاجه المعرفة المضادّة لذلك الجهل، أي معرفة أنّ ذلك الّذي أثار إعجابه نعمة من الله عليه، من غير حقّ سبق له، ومن غير وسيلة يدلي بها، ومن ثمّ ينبغي أن يكون إعجابه بجود الله وكرمه وفضله «5» . وإذا تمّ علم الإنسان لم ير لنفسه عملا ولم يعجب به لأنّ الله هو الّذي وفّقه إليه. وإذا قيس بالنّعم لم يف بمعشار عشرها، هذا إذا سلم من شائبة وسلم من غفلة، فأمّا والغفلات تحيط به، فينبغي أن يغلّب الحذر من ردّه ويخاف العقاب على التّقصير فيه «6» . هذا في علاج العجب إجمالا، أمّا علاج حالاته تفصيلا فإنّ ذلك يختلف باختلاف ما يحدث به العجب: فإن كان ناشئا عن حالة البدن وما يتمتّع به صاحبه من الجمال والقوّة ونحوهما، فعلاجه التّفكّر في أقذار باطنه، وفي أوّل أمره وآخره، وفي الوجوه الجميلة والأبدان النّاعمة، كيف تمرّغت في التّراب وأنتنت في القبور حتّى استقذرتها الطّباع. وإن كان العجب ناشئا عن البطش والقوّة، فعلاج ذلك أنّ حمّى يوم تضعف قوّته، وأنّها ربّما سلبت   (1) إحياء علوم الدين 3/ 370. (2) غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب للسفاريني الحنبلي 2/ 225. (3) إحياء علوم الدين 3/ 371. (4) غذاء الألباب 2/ 225. (5) إحياء علوم الدين 3/ 271 (بتصرف واختصار) . (6) غذاء الألباب 2/ 226 (بتصرف واختصار) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5357 منه بأدنى آفة يسلّطها الله عليه. وإذا كان العجب بالعقل والكياسة، فعلاجه شكر الله تعالى على ما رزق من عقل، والتّفكّر في أنّه بأدنى مرض يصيب دماغه، كيف يوسوس ويجنّ بحيث يضحك منه. وإن كان العجب بالنّسب الشّريف، فعلاجه أن يعلم أنّه إن خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم وظنّ أنّه ملحق بهم فقد جهل، وإن اقتدى بهم فما كان العجب من أخلاقهم، وأنّهم شرفوا بالطّاعة والعلم والخصال الحميدة. وإذا كان العجب بنسب السّلاطين الظّلمة وأعوانهم، فعلاجه أن يتفكّر في مخازيهم، وأنّهم ممقوتون عند الله تعالى، وما بالك لو انكشف له ذّلهم يوم القيامة. وإذ كان العجب بكثرة الأموال والأولاد والخدم والأقارب والأنصار، فعلاجه أن يعلم ضعفه وضعفهم وأنّ للمال آفات كثيرة، وأنّه غاد ورائح ولا أصل له. أمّا إذا كان العجب بالرّأي الخطأ، فعلاجه أن يتّهم الإنسان رأيه وألّا يغترّ به «1» . [للاستزادة: انظر صفات: التحقير- طول الأمل- العتو- الغرور- اتباع الهوى- الطغيان- القسوة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإخبات- الإنابة- التواضع- الخشوع- تذكر الموت- مجاهدة النفس- محاسبة النفس- السماحة- اللين] .   (1) إحياء علوم الدين 3/ 374- 378 (بتصرف واختصار) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5358 الآيات الواردة في «الكبر والعجب» أولا: الآيات الواردة في «الكبر» : أ- آيات الكبر فيها سبب الإعراض عن الطاعة: 1- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) «1» 2- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «2» 3- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) «3» 4- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)   (1) البقرة: 34 مدنية (2) البقرة: 87 مدنية (3) الأعراف: 73- 78 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5359 وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) * قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «1» 5- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) «2» 6- قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «3» 7- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ   (1) الأعراف: 85- 89 مكية (2) الأعراف: 130- 133 مكية (3) الأعراف: 144- 146 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5360 بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) «1» 8- إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) «2» 9- ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (46) «3» 10- * وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) «4» 11- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) «5» 12- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ   (1) يونس: 71- 78 مكية (2) النحل: 22- 24 مكية (3) المؤمنون: 45- 46 مكية (4) الفرقان: 21- 23 مكية (5) القصص: 38- 40 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5361 حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) «1» 13- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «2» 14- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) «3» 15- إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) «4» 16- إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) «5» 17- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) «6» 18- الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) «7» 19- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «8»   (1) العنكبوت: 38- 40 مكية (2) لقمان: 6- 7 مكية (3) فاطر: 42- 43 مكية (4) الصافات: 35- 37 مكية (5) ص: 71- 78 مكية (6) غافر: 27 مكية (7) غافر: 35 مكية (8) غافر: 56 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5362 20- إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) «1» 21- يْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) «2» 22- وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «3» 23- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) «4» 24- * وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) «5» 25- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2)   (1) فصلت: 14- 16 مكية (2) الجاثية: 7- 8 مدنية (3) الجاثية: 28- 37 مدنية (4) الأحقاف: 10 مدنية (5) المنافقون: 4- 5 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5363 أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) «1» 26- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) «2» ب- آيات الكبر سبب في الانذار بالعذاب: 27- نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «3» 28- يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (36) «4» 29- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) «5»   (1) نوح: 1- 7 مكية (2) المدثر: 11- 30 مكية (3) النساء: 172- 173 مدنية (4) الأعراف: 35- 36 مكية (5) الأعراف: 40- 41 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5364 30- وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60) «1» ج- آيات الكبر فيها سبب الطرد من الجنة ودخول النار: 31- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «2» 32- وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) «3» 33- وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) * وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) «4» 34- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) «5» 35- حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (67) «6» 36- أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)   (1) غافر: 60 مكية (2) الأنعام: 93 مكية (3) الأعراف: 11- 13 مكية (4) الأعراف: 46- 49 مكية (5) النحل: 28- 29 مكية (6) المؤمنون: 64- 67 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5365 بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) «1» 37- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) «2» 38- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) «3» 39- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) «4» د- آيات تعرض تخلص المستكبرين من تبعة اضلال المستضعفين: 40- وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) «5» 41- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ   (1) الزمر: 56- 60 مكية (2) الزمر: 71- 72 مكية (3) غافر: 69- 76 مكية (4) الأحقاف: 20 مكية (5) إبراهيم: 21 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5366 اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) «1» 42- النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) «2» هـ- آيات عدم الكبر فيها من سمات المقربين: 43- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «3» 44- وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) «4» 45- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) «5» 46- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) «6» 47- وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) «7»   (1) سبأ: 31- 33 مكية (2) غافر: 46- 48 مكية (3) الأعراف: 205- 206 مكية (4) النحل: 49- 50 مكية (5) الأنبياء: 19- 20 مكية (6) السجدة: 15- 17 مكية (7) فصلت: 37- 38 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5367 ثانيا: الآيات الواردة في «العجب» : 48- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) «1» الآيات الواردة في «العجب» معنى 49- كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) «2» 50- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) «3» 51- قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) «4» 52- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «5»   (1) التوبة: 25 مدنية (2) الكهف: 33- 36 مكية (3) الكهف: 103- 106 مكية (4) القصص: 78- 79 مكية (5) الحشر: 2 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5368 الأحاديث الواردة في ذمّ (الكبر والعجب) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجّت النّار والجنّة فقالت هذه: يدخلني الجبّارون والمتكبّرون. وقالت هذه: يدخلني الضّعفاء والمساكين. فقال الله عزّ وجلّ لهذه: (أنت عذابي أعذّب بك من أشاء) وقال لهذه (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء) . ولكلّ واحدة منكما ملؤها) * «1» . 2- * (عن أبى سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: التقى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهم- على المروة فتحدّثا، ثمّ مضى عبد الله بن عمرو، وبقي عبد الله بن عمر يبكي، فقال له رجل: ما يبكيك يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: هذا- يعني عبد الله بن عمرو- زعم أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل «2» من كبر كبّه الله «3» لوجهه في النّار» ) * «4» . 3- * (عن حارثة بن وهب- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟ قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ضعيف متضعّف. لو أقسم على الله لأبرّه، ثمّ قال: «ألا أخبركم بأهل النّار؟» قالوا: بلى. قال: «كلّ عتلّ «5» جوّاظ «6» مستكبر» ) * «7» . 4- * (عن عبد الله بن حنظلة أنّ عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- مرّ في السّوق وعليه حزمة من حطب فقيل له: ما يحملك على هذا. وقد أغناك الله من هذا. قال: أردت أن أدفع الكبر، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل الجنّة من في قلبه خردلة من كبر» ) * «8» . 5- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإنّ أبغضكم إليّ وأبعدكم منّي مجلسا يوم القيامة الثّرثارون والمتشدّقون والمتفيهقون» ، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثّرثارون والمتشدّقون. فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبّرون» ) * «9» .   (1) البخارى الفتح 13 (7449) ، ومسلم (2846 واللفظ له (2) مثقال حبة من خردل: أى جزء يسير. (3) كبه الله: أى قلبه على رأسه وألقاه. (4) رواه أحمد (2/ 215) ، والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 566) وقال: رواه أحمد ورواته رواة الصحيح. وقال الحافظ العراقى فى تخريج الإحياء: رواه أحمد والبيهقى من طريقه بإسناد صحيح. (5) العتل: الجافى الشديد الخصومة. (6) الجواظ: الجموع المنوع. وقيل المختال فى مشيته. (7) الفتح 10 (6071) ، ومسلم (2853) واللفظ له. (8) الحاكم فى المستدرك (3/ 416) ، والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 566) واللفظ له، وقال: رواه الطبرانى بإسناد حسن. (9) الترمذى (2018) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (4/ 6) : حديث حسن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5369 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إيّاكم والكبر، فإنّ الكبر يكون في الرّجل وإنّ عليه العباءة» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذّاب، وعائل مستكبر» ) * «2» . 8- * (عن النّعمان بن بشير، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّعاء هو العبادة ثمّ قرأ: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (غافر/ 60)) * «3» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: كنّا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رجل من أهل البادية، عليه جبّة سيجان، حتّى قام على رأس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّ صاحبكم قد وضع كلّ فارس (أو قال: يريد أن يضع كلّ فارس) ويرفع كلّ راع، فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمجامع جبّته فقال: «ألا أرى عليك لباس من لا يعقل» ثمّ قال: «إنّ نبيّ الله نوحا صلّى الله عليه وسلّم لمّا حضرته الوفاة، قال لابنه: إنّي قاصّ عليك الوصيّة. آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين. آمرك بلا إله إلّا الله. فإنّ السّموات السّبع والأرضين السّبع لو وضعن في كفّة ووضعت لا إله إلّا الله في كفّة لرجحت بهنّ، ولو أنّ السّموات السّبع، والأرضين السّبع، كنّ حلقة مبهمة، لقصمتهنّ (لا إله إلّا الله) و (سبحان الله وبحمده) ، فإنّها صلاة كلّ شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشّرك والكبر. فقلت- أو قيل-: يا رسول الله، هذا الشّرك قد عرفناه، فلما الكبر؟ قال: فهو أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: «لا» قال: هو أن يكون لأحدنا حلّة يلبسها؟ قال: «لا» . قال: فهو أن يكون لأحدنا دابّة يركبها؟ قال: «لا» قال: فهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: «لا» قال: يا رسول الله، فما الكبر؟ قال: «سفه الحقّ، وغمص النّاس» ) * «4» . 10- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر» . قال رجل: إنّ الرّجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: إنّ الله جميل يحبّ الجمال. الكبر بطر الحقّ «5» وغمط النّاس «6» » ) * «7» . 11- * (عن سراقة بن مالك بن جعشم   (1) المنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 561) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط، ورواته ثقات. وقال الحافظ ابن حجر فى الفتح (1/ 491) : رواته ثقات. (2) مسلم (107) . (3) أبو داود (1479) ، والترمذى (3372) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (3828) . (4) أحمد فى المسند (2/ 170) ، والبخارى فى الأدب المفرد مع شرحه (2/ 551) واللفظ له، والحاكم فى المستدرك (1/ 49) . وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. (5) بطر الحق: هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا. (6) غمط الناس وغمصهم: احتقارهم. (7) مسلم (91) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5370 - رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنّة وأهل النّار؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «فأمّا أهل النّار فكلّ جعظريّ «1» جوّاظ «2» مستكبر، وأمّا أهل الجنّة فالضّعفاء المغلوبون» ) * «3» . 12- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو بريء من الكبر، والغلول «4» ، والدّين دخل الجنّة» ) * «5» . 13- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور الرّجال يغشاهم الذّلّ من كلّ مكان فيساقون إلى سجن في جهنّم يسمّى بولس «6» تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النّار طينة الخبال» ) * «7» . 14- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يطوي الله- عزّ وجلّ- السّماوات يوم القيامة ثمّ يأخذهنّ بيده اليمنى ثمّ يقول: أنا الملك. أين الجبّارون؟، أين المتكبّرون؟. ثمّ يطوي الأرضين بشماله ثمّ يقول: أنا الملك. أين الجبّارون؟ أين المتكبّرون؟» ) * «8» 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله سبحانه: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري. من نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم» ) * «9» . 16- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: يقولون: فيّ التّيه وقد ركبت الحمار ولبست الشّملة وقد حلبت الشّاة وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من فعل هذا فليس فيه من الكبر شيء» ) * «10» .   (1) الجعظرى: الفظ الغليظ المتكبر. (2) الجواظ: المختال فى مشيته. (3) المنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 563) ، وقال: رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط بإسناد حسن. (4) الغلول: الخيانة. (5) أخرجه أحمد فى المسند (5/ 276، 277) . والترمذى (1572) واللفظ له، وابن ماجه (2412) وصححه الألبانى، الصحيحة (2785) ، والحاكم فى المستدرك (2/ 26) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. (6) بولس: فى الترمذى بالباء الموحدة، وفى شرح السنة بالياء، المثناة من تحت، وعلى كل فالكلمة أعجمية سمى بها ذلك السجن. (7) الترمذى (2492) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والبغوى فى شرح السنة (13/ 168) وقال: حديث حسن. (8) البخارى الفتح 13 (7412) ، ومسلم (2788) واللفظ له (9) مسلم (2620) . وابن ماجة (4174) واللفظ له.. (10) الترمذى (2001) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، والحاكم فى المستدرك (4/ 184) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5371 الأحاديث الواردة في ذمّ (الكبر والعجب) معنى 17- * (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة لا يتركونهنّ «1» : الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة» . وقال: «النّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» ) * «2» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أربعة يبغضهم الله- عزّ وجلّ: البيّاع الحلّاف، والفقير المختال، والشّيخ الزّاني، والإمام الجائر» ) * «3» . 19- * (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أنّه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي صلاة فقال: «الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الّلّه بكرة وأصيلا (ثلاثا) أعوذ بالله من الشّيطان من نفخه «4» ونفثه «5» وهمزه «6» » ) * «7» . 20- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم عرفة، إنّ الله ينزل إلى السّماء، فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا، ضاحين من كلّ فجّ عميق، أشهدكم أنّي قد غفرت لهم. فتقول له الملائكة: أي ربّ، فيهم فلان يزهو وفلان وفلان، قال، يقول الله: قد غفرت لهم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فما من يوم أكثر عتقا من النّار من يوم عرفة» ) * «8» . 21- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من الغيرة ما يحبّ الله- عزّ وجلّ- ومنها ما يبغض الله- عزّ وجلّ- ومن الخيلاء ما يحبّ الله- عزّ وجلّ- ومنها ما يبغض الله- عزّ وجلّ- فأمّا الغيرة الّتي يحبّ الله- عزّ وجلّ- فالغيرة في الرّيبة، وأمّا الغيرة الّتي يبغض الله- عزّ وجلّ- فالغيرة في غير ريبة، والاختيال الّذي يحبّ الله- عزّ وجلّ- اختيال الرّجل بنفسه عند القتال وعند   (1) لا يتركونهن: أي كل الترك. إن تركته طائفة، فعلته أخرى. (2) مسلم (934) . (3) النسائى (5/ 86) واللفظ له وصححه الألبانى (صحيح الجامع 893) ، والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 275) وقال رواه النسائى وابن حبان. (4) نفخه: الكبر. (5) نفثه: الشّعر. (6) همزه: الموتة وهي الجنون. (7) أبو داود (764) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (4/ 186) : للحديث شواهد يرتقى بها إلى درجة الصحة، وكذا الحاكم فى المستدرك (1/ 235) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. (8) ابن خزيمة فى صحيحة (4/ 2844) واللفظ له وقال محققه: إسناده صحيح، والبيهقى فى شعب الإيمان (4/ 4068) وقال محققه: إسناده لا بأس به، والبغوى فى شرح السنة، وقال محققه: أخرجه ابن خزيمة ورجاله ثقات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5372 الصّدقة، والاختيال الّذي يبغض الله عزّ وجلّ الخيلاء في الباطل» ) * «1» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يتبختر. يمشي في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض. فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» ) * «2» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر. وعلى رجل وزر. فأمّا الّذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال في مرج أو روضة. فما أصابت في طيلها ذلك المرج والرّوضة كان له حسنات، ولو أنّها قطعت طيلها فاستنّت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى به كان ذلك حسنات له، وهي لذلك الرّجل أجر. ورجل ربطها تغنّيا وتعفّفا ولم ينس حقّ الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء فهي على ذلك وزر. وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن الحمر. قال: «ما أنزل الله عليّ فيها إلّا هذه الآية الفاذّة الجامعة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» ) * «3» . 24- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الفخر والخيلاء في الفدّادين أهل الوبر «4» والسّكينة في أهل الغنم. والإيمان يمان، والحكمة يمانية» ) * «5» . 25- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الغزو غزوان: فأمّا من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد، فإنّ نومه ونبهه أجر كلّه. وأمّا من غزا فخرا ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنّه لن يرجع بكفاف» ) * «6» . 26- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» ) * «7» . 27- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الرّجل   (1) أبو داود (2659) ، والنسائى (5/ 78) واللفظ له وحسنه الألبانى، صحيح النسائى (2398) والإرواء (1999) وأحمد فى المسند (5/ 445، 446) . (2) البخارى الفتح 10 (5789) ، ومسلم (2088) واللفظ له. (3) البخارى الفتح 13 (7356) واللفظ له، ومسلم (978) (4) الفدادين: رعاة الإبل. (5) البخارى الفتح 6 (3499) واللفظ له، ومسلم (52) . (6) أبو داود (2515) وحسنه الألبانى، صحيح سنن أبى داود (2195) ، والحاكم فى المستدرك (2/ 85) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. (7) البخارى تعليقا (10/ 264) . والنسائى (5/ 79) وحسنه الألبانى، صحيح النسائى (2399) وابن ماجة (3605) ، والحاكم فى المستدرك (4/ 135) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5373 يذهب بنفسه «1» حتّى يكتب في الجبّارين فيصيبه ما أصابهم» ) * «2» . 28- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء» ) * «3» . 29- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه، العجب» ) * «4» . 30- * (عن أبى هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا إنّما هم فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعل الّذي يدهده «5» الخرء بأنفه، إنّ الله قد أذهب عنكم عبّيّة «6» الجاهليّة، إنّما هو مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، النّاس كلّهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب» ) * «7» . 31- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من امرىء إلّا في رأسه حكمة «8» والحكمة بيد ملك، فإن تواضع قيل للملك: ارفع الحكمة. وإن أراد أن يرفع قيل للملك: ضع الحكمة أو حكمته» ) * «9» . 32- * (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لرجل عنده جالس، ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشراف النّاس، هذا والله حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع. قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ مرّ رجل، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيك في هذا؟» قال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا» ) * «10» . 33- * (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن   (1) يذهب بنفسه: أى يترفع ويتكبر. (2) الترمذى (2000) وقال: حديث حسن غريب. والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 571) وقال: رواه الترمذى وقال: حسن، وقال محقق جامع الأصول (10/ 318) حديث حسن. (3) البخارى- الفتح 10 (5783) ، ومسلم (2085) . (4) المنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 571) وقال: رواه البزار بإسناد جيد. (5) يدهده الخرء: أى يدحرجه أمامه وهذه طبيعة الجعل وهو المسمى عند العامة بالجعران. (6) عبية الجاهلية: أى تخونها وكبرها وأصلها من العبء وهو الثقل. (7) أبو داود (5116) وحسنه الألبانى، صحيح أبى داود (4269) ، والترمذى (3955) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب. (8) الحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه من مخالفة راكبه. (9) الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 83) واللفظ له، وقال: رواه البزار واسناده حسن، والمنذرى فى الترغيب (3/ 561) ، وقال: رواه الطبرانى والبزار وإسنادهما حسن، وحسنه الألبانى، الصحيحة (538) . (10) البخارى- الفتح 11 (6447) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5374 يتمثّل له الرّجال قياما فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «1» . 34- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج عنق من النّار «2» يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «3» . ومن الأحاديث الواردة في العجب: 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بينما رجل يمشي في حلّة تعجبه نفسه، مرجّل جمّته «4» ، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل «5» إلى يوم القيامة» ) * «6» . 36- * (عن أبي أميّة الشّعبانيّ قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بل ائتمروا بمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه فعليك- يعني بنفسك- ودع عنك العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر، الصّبر فيه «7» مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» ) * «8» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الكبر والعجب) 1- * (قال المسيح عليه الصّلاة والسّلام: «إنّ الزّرع ينبت في السّهل ولا ينبت على الصّفا. كذلك الحكمة تعمل في قلب المتواضع ولا تعمل في قلب المتكبّر. ألا ترون أنّ من شمخ برأسه إلى السّقف شجّه، ومن طأطأ أظلّه وأكنّه» ) * «9» . 2- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «إنّ الرّجل إذا تواضع رفع الله حكمته وقال: انتعش نعشك الله فهو في نفسه صغير وفي أعين النّاس كبير   (1) أبو داود (5229) ، والترمذى (2755) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، وصححه الألبانى، صحيح سنن الترمذى (2212) . (2) عنق- بضمتين- أي قطعة من النار. (3) الترمذى (2574) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 297) وقال: رواه الطبرانى بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح. (4) الجمه: هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى المنكبين. (5) التجلجل هو أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد، ويندفع من شق إلى شق، والمراد أنه ينزل في الأرض مضطربا متدافعا (انظر هذا التفسير، وتفسيرات أخرى في فتح الباري 10/ 272) . (6) البخاري، الفتح (5789) . (7) فيه: أي في ذلك الوقت وتلك الأيام. (8) أبو داود (4341) ، واللفظ له، وابن ماجة (4014) . (9) إحياء علوم الدين (3/ 2364) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5375 وإذا تكبّر وعدا طوره، رهصه الله في الأرض وقال: اخسأ خسأك الله. فهو في نفسه كبير وفي أعين النّاس حقير حتّى إنّه لأحقر عندهم من الخنزير» ) * «1» . 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من تواضع لله تخشّعا رفعه الله يوم القيامة. ومن تطاول تعظّما وضعه الله يوم القيامة» ) * «2» . 4- * (قال النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- على المنبر: «إنّ للشّيطان مصالي وفخوخا «3» . وفخوخه البطر بأنعم الله والفخر بإعطاء الله والكبر على عباد الله. واتّباع الهوى في غير ذات الله» ) * «4» . 5- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه رأى رجلا يختال في مشيته ويجرّ إزاره فقال: «إنّ للشّيطان إخوانا» ) * «5» . 6- * (عن خالد بن عمير العدويّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد: فإنّ الدّنيا قد آذنت «6» بصرم «7» وولّت حذّاء «8» . ولم يبق منها إلّا صبابة «9» كصبابة الإناء. يتصابّها صاحبها. وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها. فانتقلوا بخير ما بحضرتكم. فإنّه قد ذكر لنا أنّ الحجر يلقى من شفة جهنّم. فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا. والله لتملأنّ. أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنة. وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ «10» من الزّحام. ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ما لنا طعام إلّا ورق الشّجر. حتّى قرحت «11» أشداقنا. فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك «12» فاتّزرت بنصفها واتّزر سعد بنصفها. فما أصبح اليوم منّا أحد إلّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار. وإنّي أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا. وإنّها لم تكن نبوّة قطّ إلّا تناسخت، حتّى يكون آخر عاقبتها ملكا. فستخبرون وتجرّبون الأمراء بعدنا» ) * «13» . 7- * (قال الأحنف بن قيس: «عجبا لابن آدم يتكبّر وقد خرج من مجرى البول مرّتين» ) * «14» . 8- * (قال محمّد بن الحسين بن عليّ: «ما دخل قلب امرىء شيء من الكبر قطّ إلّا نقص من   (1) الإحياء للغزالى (3/ 361) ، وشرح السنة للبغوى (13/ 171) . (2) أخرجه وكيع فى الزهد (2/ 467) . (3) مصالى: جمع مصلاة- بكسر الميم وسكون الصاد- وهى شرك ينصب للصيد،، المقصود بها: ما يصيد به الناس من الآفات التى يستفزهم بها من زينة الدنيا وشهواتها. (4) إحياء علوم الدين (3/ 358) . (5) إحياء علوم الدين (3/ 359) . (6) آذنت: أى أعلمت. (7) بصرم: الصرم الانقطاع والذهاب. (8) حذاء: مسرعة الانقطاع. (9) صبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى فى أسفل الإناء. (10) كظيظ: أى ممتلىء. (11) قرحت: أى صار فيها قروح وجراح، من خشونة الورق الذى نأكله وحرارته. (12) سعد بن مالك: هو سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه. (13) مسلم (2967) . (14) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 358) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5376 عقله بقدر ما دخل من ذلك، قلّ أو كثر» ) * «1» . 9- * (عن مسروق- رحمه الله- قال: «كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه» ) * «2» . 10- * (مرّ بالحسن البصريّ شابّ عليه بزّة له حسنة فدعاه فقال له: ابن آدم معجب بشبابه محبّ لشمائله. كأنّ القبر قد وارى بدنك وكأنّك قد لاقيت عملك. ويحك، داو قلبك فإنّ مراد الله من العباد صلاح قلوبهم» ) * «3» . 11- * (قال الحسن- رحمه الله- «السّجود يذهب بالكبر، والتّوحيد يذهب بالرّياء» ) * «4» . 12- * (عن الحسن- رحمه الله- قال: «من خصف نعليه، ورقع ثوبه، وعفّر وجهه لله- عزّ وجلّ-، فقد برىء من الكبر» ) * «5» . 13- * (قال مالك بن دينار: «إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره، وإذا طلبه لغير العمل زاده فخرا» ) * «6» . 14- * (عن مالك بن دينار قال: «قال سليمان ابن داود يوما للطّير والجنّ والإنس والبهائم: «أخرجوا مائتي ألف من الإنس، ومائتي ألف من الجنّ، فرفع حتّى سمع زجل الملائكة بالتّسبيح في السّماء، ثمّ خفض حتّى مسّت قدماه البحر، فسمع صوتا يقول: لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرّة من كبر لخسفت به أبعد ممّا رفعته» ) * «7» . 15- * (عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير رضي الله عنه- أنّه رأى المهلّب- وهو يتبختر في جبّة خزّ فقال: يا عبد الله، هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلّب: أما تعرفني؟ فقال بلي. أعرفك، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة. فمضى المهلّب وترك مشيته تلك) * «8» . 16- * (عن قتادة في قوله تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ (لقمان/ 18) قال: هو الإعراض، أن يكلّمك الرّجل وأنت معرض عنه» ) * «9» . 17- * (وقال وهب بن منبّه: «لمّا خلق الله جنّة عدن نظر إليها فقال: أنت حرام على كلّ متكبّر» ) * «10» . 18- * (روي أنّ عمر بن عبد العزيز حجّ قبل أن يستخلف فنظر إليه طاوس وهو يختال في مشيته فغمز جنبه بأصبعه ثمّ قال: «ليست هذه مشية من في بطنه خراء» ) * «11» . 19- * (عن يحيى بن جعدة قال: «من وضع   (1) إحياء علوم الدين (3/ 359) . (2) الدر المنثور للسيوطى (7/ 20) . (3) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 359) . (4) التواضع لابن أبى الدنيا (20) . (5) التواضع لابن أبى الدنيا. (6) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادى (33) . (7) التواضع لابن أبى الدنيا (ص 35) . (8) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 359) . (9) التواضع لابن أبى الدنيا (151) . (10) إحياء علوم الدين (3/ 358) . (11) المرجع السابق (3/ 359) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5377 جبينه لله ساجدا فليس بمتكبّر وقد برىء من الكبر» ) * «1» . 20- * (عن سليمان بن المغيرة؛ قال: قال عيسى ابن مريم- عليهما السّلام-: «طوبى لمن علّمه الله- عزّ وجلّ- كتابه ثمّ لم يمت جبّارا» ) * «2» . 21- * (عن عبد الله بن هبيرة أنّ سلمان سئل عن السّيّئة الّتي لا تنفع معها حسنة؟ قال: «الكبر» ) * «3» . 22- * (رأى محمّد بن واسع ولده يختال فدعاه وقال: «أتدري من أنت؟ أمّا أمّك فاشتريتها بمائتي درهم، وأمّا أبوك فلا أكثر الله فى المسلمين مثله» ) * «4» . 23- * (عن عمرو بن شيبة؛ قال: «كنت بمكّة بين الصّفا والمروة فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان يعنّفون النّاس. قال: ثمّ عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشّعر. قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله. فقال لي: مالك تنظر إليّ؟ فقلت له: شبّهتك برجل رأيته بمكّة ووصفت له الصّفة. فقال له: أنا ذلك الرّجل. فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: «إنّي ترفّعت في موضع يتواضع فيه النّاس فوضعني الله حيث يترفّع النّاس» ) * «5» . 24- * (قال أبو عليّ الجوزجانيّ: النّفس معجونة بالكبر والحرص والحسد. فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه التّواضع والنّصيحة والقناعة. وإذا أراد الله تعالى به خيرا لطف به في ذلك، فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التّواضع من نصرة الله تعالى. وإذا هاجت نار الحسد في نفسه أدركتها النّصيحة مع توفيق الله- عزّ وجلّ- وإذا هاجت في نفسه نار الحرص أدركتها القناعة مع عون الله عزّ وجلّ» ) * «6» . 25- * (قال الماورديّ- رحمه الله-: «الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل، ويكسبان الرّذائل وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح، ولا قبول لتأديب، لأنّ الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة، فالمتكبّر يجلّ نفسه عن رتبة المتعلّمين، والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدّبين» ) * «7» . 26- * (قال الإمام مالك- تعليقا على حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم «إذا قال الرّجل: هلك النّاس فهو أهلكهم» قال: إذا قال ذلك تحزّنا لما يرى في النّاس- يعني في أمر دينهم- فلا أرى به بأسا، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للنّاس فهو المكروه الّذي نهي عنه» *) «8» . 27- * (قال ابن عوف- رحمه الله-: عجبت من معجب بصورته ... وكان بالأمس نطفة مذره   (1) الزهد لوكيع بن الجراح (2/ 636) . (2) التواضع لابن أبي الدنيا (54) . (3) المرجع السابق (31) . (4) إحياء علوم الدين (3/ 359) . (5) إحياء علوم الدين (3/ 362) . (6) المرجع السابق (3/ 362) . (7) أدب الدنيا والدين للماوردي (231) . (8) أبو داود/ كتاب الأدب برقم (4983) . وأتورده الألباني في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» رقم (712) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5378 وفي غد بعد حسن صورته ... يصير في اللّحد جيفة قذره وهو على تيهه ونخوته ... ما بين ثوبيه يحمل العذره) * «1» . 28- * (قال ابن القيّم- رحمه الله- أركان الكفر أربعة: الكبر، والحسد، والغضب، والشّهوة» ) * «2» . 29- * (قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله: الكبر الحالة الّتي يختصّ بها الإنسان من إعجابه بنفسه. وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره، وأعظم ذلك أن يتكبّر على ربّه بأن يمتنع من قبول الحقّ والإذعان له بالتّوحيد والطّاعة. والتّكبّر يأتي على وجهين: أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة زائدة على محاسن الغير، ومن ثمّ وصف سبحانه وتعالى بالمتكبّر. والثّاني: أن يكون متكلّفا لذلك متشبّعا بما ليس فيه، وهو وصف عامّة النّاس نحو قوله كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ والمستكبر: مثله) * «3» . 30- * (قال أحد العلماء: «التّواضع في الخلق كلّهم حسن وفي الأغنياء أحسن. والتّكبّر في الخلق كلّهم قبيح وفي الفقراء أقبح» ) * «4» . 31- * (قال الشّاعر: وإن أفادك إنسان بفائدة ... من العلوم فلازم شكره أبدا وقل فلان جزاه الله صالحة ... أفادنيها ودعك الكبر والحسدا) *. 32- * (وصف بعض الشّعراء الإنسان فقال: يا مظهر الكبر إعجابا بصورته ... انظر خلاك فإنّ النّتن تثريب لو فكّر النّاس فيما في بطونهم ... ما استشعر الكبر شبّان ولا شيب هل في ابن آدم مثل الرّأس مكرمة ... وهو بخمس من الأقذار مضروب أنف يسيل وأذن ريحها سهك ... والعين مرفضّة والثّغر ملعوب يا بن التّراب ومأكول التّراب غدا ... أقصر فإنّك مأكول ومشروب) * «5» .   (1) المرجع السابق (231) . (2) الفوائد لابن القيم (206) . (3) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (10/ 489) . (4) إحياء علوم الدين (3/ 362) . (5) أدب الدنيا والدين للماوردى (233) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5379 من مضار (الكبر والعجب) (1) طريق موصّل إلى غضب الله وسخطه. (2) دليل سفول النّفس وانحطاطها. (3) يورث البعد عن الله والبعد عن النّاس. (4) الشّعور بالعزلة وضيق النّفس وقلقها. (5) اشمئزاز النّاس منه وتفرّقهم من حوله. (6) استحقاق العذاب في النّار. (7) هلاك النّفس وذهاب البركة من العمر. (8) الكبر من الأسباب الّتي تبعد المتكبّر عن طاعة الله عزّ وجلّ. (9) جزاء المتكبّر الطّرد من رحمة الله. (10) المتكبّرون يصرفهم الله عزّ وجلّ عن آياته فتعمى بصائرهم ولا يرون الحقّ. أمّا مضارّ العجب فكثيرة منها: (11) العجب يؤدّي إلى الكبر وكفى به آفة. (12) العجب يؤدّي إلى نسيان الذّنوب وإرجاء التّوبة. (13) العجب يؤدّي إلى التّقليل من الطّاعات والتّقصير فيها. (14) أكثر سعي المعجب بنفسه المدلّ بها سعي ضائع وغير مشكور. (15) العجب يؤدّي إلى الغرور والتّعالي على النّاس ممّا يجعلهم يكرهونه. (16) العجب بالرّأي يؤدّي إلى الإصرار على الخطأ والبعد عن الإفادة من مشورة المخلصين والعلماء النّاصحين. (17) المعجب بنفسه يلقي بها إلى الهلاك ويحرمها من رضوان الله ومن ثمّ رضا النّاس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5380 الكذب الكذب لغة: مصدر قولهم: كذب يكذب، وهو مأخوذ من مادّة (ك ذ ب) الّتي تدلّ على خلاف الصّدق، قال ابن فارس: وتلخيص هذا: «أنّه لا يبلغ نهاية الكلام في الصّدق» من ذلك: الكذب، خلاف الصّدق، يقال كذب كذبا، وكذّبت فلانا: نسبته إلى الكذب، وأكذبته وجدته كاذبا، وحمل فلان ثمّ كذب وكذّب. أي لم يصدق في الحملة، وقولهم: ما كذّب فلان أن فعل كذا، أي ما لبث، فأمّا قول العرب كذب عليك كذا، وكذبك كذا، بمعنى الإغراء، أي عليك به، أو قد وجب عليك كما جاء في الحديث: «كذب عليكم الحجّ» أي وجب فكذا جاء عن العرب «1» ، «2» . وقال الرّاغب: الكذب يقال في المقال والفعال، قال تعالى: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (النحل/ 16) (فهذا في القول) ، وقال عزّ وجلّ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (المنافقون/ 1) وكذبهم في اعتقادهم لا في مقالهم، ومقالهم كان صدقا، أي قولهم إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (المنافقون/ 1) «3» ، وقول الله تعالى وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (النبأ/ 28) كذّاب أحد مصادر المشدّد (أي كذّب) ؛ لأنّ مصدره قد يجيء على تفعيل مثل تكليم، وعلى فعّال مثل كذّاب، وعلى تفعلة مثل توصية وعلى مفعّل مثل ممزّق، وقوله سبحانه: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (الواقعة/ 2) كاذبة هو اسم يوضع موضع المصدر كالعاقبة والباقية «4» . وقال القرطبيّ: الكاذبة مصدر بمعنى الكذب، والمعنى لا يسمع لها كذب، وقيل: الكاذبة صفة والموصوف محذوف، أي ليس لوقعتها حال كاذبة، أو نفس كاذبة، أي كلّ من يخبر عن وقعتها صادق. وقال الثّوريّ: ليس لوقعتها أحد يكذب بها، وقال الكسائيّ: ليس لها تكذيب، أي ينبغي ألّا يكذّب بها أحد «5» . قال ابن منظور: الكذب نقيض الصّدق، يقال: كذب يكذب كذبا وكذبا. وكذبة مثال همزة، وكذبان. والكذّب: جمع كاذب، مثل راكع وركّع. والكذب: جمع كذوب، مثل صبور وصبر   (1) أي بمعنى الإغراء أو الوجوب فيكون على غير الأصل فيما استعملت له مادة (ك ذ ب) . (2) مقاييس اللغة (5/ 168) . (3) المفردات للراغب (427) . (4) الصحاح (1/ 210) . (5) تفسير القرطبي (17/ 127) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5381 وكذب الرّجل: أخبر بالكذب «1» . وقال الإمام الرّازيّ: وأكذبه: جعله كاذبا، أو ألفاه كاذبا: أو قال له: كذبت. وتكذّب فلان إذا تكلّف الكذب. وقد استعملت العرب الكذب في موضع الخطأ، قال الأخطل: كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظّلام من الرّباب خيالا ومنه حديث عروة، قيل له: إنّ ابن عبّاس يقول: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لبث بمكّة بضع عشرة سنة. قال: كذب. أي أخطأ، ومنه قول عمر لسمرة حين قال: المغمى عليه يصلّي مع كلّ صلاة صلاة حتّى يقضيها، فقال: كذبت، ولكنّه يصلّيهنّ معا. أي أخطأت «2» . ويأتي الكذب بمعنى الجبن عن الثّبات في الحرب. وبمعنى: معاريض الكلام والتّورية «3» . الكذب اصطلاحا: قال الجرجانيّ: كذب الخبر عدم مطابقته للواقع. وقيل هو إخبار لا على ما عليه المخبر عنه. «4» وقال ابن حجر: الكذب: هو الإخبار بالشّيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ «5» . قال التّهانويّ: الكذب خلاف الصّدق، قيل هو قبيح لعينه، وقيل لما يتعلّق به من المضارّ الخاصّة؛ لأنّ شيئا من الأقوال والأفعال لا يحسن لذاته ولا يقبح لذاته «6» . وقال الجاحظ: الكذب: هو الإخبار عن الشّيء بخلاف ما هو به «7» . وقال الكفويّ: الكذب: إخبار عن المخبر به على خلاف ما هو به مع العلم بأنّه كذلك وقيل: عدم المطابقة لما في نفس الأمر مطلقا. قال: وليس كذلك، بل هو عدم المطابقة عمّا من شأنه أن يطابق لما في نفس الأمر «8» . الكذب قد يكون بالأفعال: يقول الشّيخ الميدانيّ: وكما يكون الصّدق والكذب في الأقوال يكونان في الأفعال. فقد يفعل الإنسان فعلا يوهم به حدوث شيء لم يحدث، أو يعبّر به عن وجود شيء غير موجود، وذلك على سبيل المخادعة بالفعل مثلما تكون المخادعة بالقول، وربّما يكون الكذب في الأفعال أشدّ خطرا وأقوى تأثيرا من الكذب في الأقوال. ومن أمثلة ذلك ما حكاه الله لنا من أقوال وأفعال إخوة يوسف- عليه السّلام- إذ جاءوا أباهم عشاء يبكون بكاء كاذبا، وقالوا- كذبا-: يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ (يوسف/ 17) ، وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب. فجمعوا بين كذب القول وكذب الفعل «9» .   (1) لسان العرب: (1/ 704، 705) . (2) النهاية في غريب الحديث: 4 (159، 160) باختصار. (3) انظر لسان العرب والصحاح والنهاية: مادة كذب. (4) التعريفات (183) وانظر التوقيف (280) . (5) فتح الباري (6/ 242) . (6) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1243) . (7) تهذيب الأخلاق للجاحظ ص 32. (8) الكليات (556) . (9) الأخلاق الإسلامية وأسسها (1/ 529) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5382 الرخصة فى الكذب: قال النّوويّ: اعلم أنّ الكذب يجوز- وإن كان أصله محرّما- يجوز في بعض الأحوال بشروط مختصرها: أنّ الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكلّ مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يكن تحصيله إلّا بالكذب، ثمّ إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا. فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله، وأخفى ماله، وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه. وكذا الوديعة ... إلى أن قال والأحوط في هذا كلّه أن يورّي. ومعنى التّورية: أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنّسبة إليه، وإن كان كاذبا في ظاهر اللّفظ، وبالنّسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التّورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا المجال «1» . قال الجاحظ: ما لم يكن لدفع مضرّة لا يمكن أن تدفع إلّا به، أو اجترار نفع لا غنى عنه، ولا يتوصّل إليه إلّا به فإنّ الكذب عند ذلك ليس بمستقبح، وإنّما يستقبح الكذب إذا كان عبثا، أو لنفع يسير لا خطر له «2» . وقال الرّاغب: الكذب يكون قبيحا بثلاثة شرائط: الأوّل: أن يكون الخبر بخلاف المخبر عنه. الثّاني: أن يكون المخبر قد اختلقه قبل الإخبار به. الثّالث: أن يقصد إيراد ما في نفسه. قال: ولا يلزم على هذا أن يقال: جوّزوا الكذب فيما يرجى منه نفع دنيويّ، فإنّ المنفعة الدّنيويّة ولو كانت ملك الدّنيا بحذافيرها- لا تعادل الضّرر الحاصل من أدنى كذب، وإنّما يتصوّر ما قلناه في نفع أخرويّ يكون الإنسان فيه- عاجلا وآجلا- معذورا، كمن سألك عن مسلم استتر في دارك وهو يريد قتله. فيقول: هل فلان في دارك فتقول: لا فهذا يجوز؛ لأنّ نفع هذا الكذب موف على ضرره وهو فيه معذور «3» . وقال الماورديّ: وردت السّنّة بإرخاص الكذب في الحرب وإصلاح ذات البين، على درجة التّورية دون التّصريح به؛ فإنّ السّنّة لا ترد بإباحة الكذب؛ لما فيه من التّنفير، وإنّما ذلك على طريق التّورية والتّعريض، كما سئل صلّى الله عليه وسلّم: ممّن أنت؟ قال: «من ماء» ؛ فورّى عن الإخبار بنسبه بأمر محتمل، وكما في إجابة أبي بكر- رضي الله عنه- عندما سئل عن الرّسول الكريم فقال: هاد يهديني السّبيل، فظنّوا أنّه يعني هداية الطّريق، وهو إنّما يريد هداية سبيل الخير «4» . دواعي الكذب وأماراته: للكذب دواع تدعو إليه وأمارات تدلّ عليه،   (1) رياض الصالحين (459) . (2) تهذيب الأخلاق (32) . (3) الذريعة إلى مكارم الشريعة (272) . (4) باختصار عن أدب الدنيا والدين (257) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5383 ولا شكّ أنّ معرفة هذه الدّواعي وتلك الأمارات ممّا يساعد في محاولة العلاج؛ لأنّ الخطوة الأولى في علاج أيّ مرض، تنحصر في معرفة أسبابه وتحديد أعراضه للقضاء عليها والتّخلّص منها، وقد ذكر الماورديّ من هذه الدّواعي أو الأسباب: 1- اجتلاب النّفع واستدفاع الضّرّ، فيرى الكذّاب أنّ الكذب أسلم وأغنم، فيرخّص لنفسه فيه اغترارا بالخدع، واستشفافا للطّمع. 2- أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذبا، وكلامه مستظرفا، فلا يجد صدقا يعذب ولا حديثا يستظرف، فيستحلي الكذب الّذي ليست غرائزه معوزة، ولا طرائفه معجزة. 3- أن يقصد بالكذب التّشفّي من عدوّه فيسمه بقبائح يخترعها عليه، ويصفه بفضائح ينسبها إليه. 4- أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتّى ألفها، فصار الكذب له عادة، ونفسه إليه منقادة «1» . 5- حبّ التّرأّس، وذلك أنّ الكاذب يرى له فضلا على المخبر بما أعلمه، فهو يتشبّه بالعالم الفاضل في ذلك «2» . أمّا أمارات الكذب فمنها: أنّك إذا لقّنته الحديث تلقّنه، ولم يكن بين ما لقّنته (إيّاه) وبين ما أورده فرق عنده، أي أنّه يخلط بين ما سمعه منك وما اخترعه من عنده. أنّك إذا شكّكته في الحديث تشكّك حتّى يكاد يرجع فيه. أنّك إذا رددت عليه قوله حصر وارتبك، ولم يكن عنده نصرة المحتجّين ولا برهان الصّادقين. ما يظهر عليه من ريبة الكذّابين، ولذلك قال بعض الحكماء «الوجوه مرايا، تريك أسرار البرايا» وإذا اتّسم بالكذب، نسبت إليه شوارد الكذب المجهولة (أي الشّائعات وما في حكمها) وأضيفت إلى أكاذيبه زيادات مفتعلة، حتّى يصير هذا الكاذب مكذوبا عليه فيجمع بين معرّة الكذب منه، ومضرّة الكذب عليه «3» . أنواع الكذب والأسماء الدّالّة عليه: قال الرّاغب: الكذب إمّا أن يكون اختراعا لقصّة لا أصل لها، أو زيادة في القصّة أو نقصانا يغيّران المعنى، أو تحريفا بتغيير عبارة. فما كان اختراعا يقال له الافتراء والاختلاق. وما كان من زيادة أو نقصان يقال له: مين. وكلّ من أورد كذبا في غيره، فهو إمّا أن يقوله في حضرة المقول فيه أو في غيبته فإن كان اختراعا في حضرة المقول فيه فهو بهتان «4» . وإن كان في غيبته فهو كذب.   (1) أدب الدنيا والدين (256) . (2) جعل الراغب ذلك من محبة النفع الدنيوي وحب الترأس الداعي إلى الكذب، انظر الذريعة (275) . (3) أدب الدنيا والدين (256) . (4) الذريعة (275) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5384 حكم الكذب: ذكر الإمامان ابن حجر والذّهبيّ الكذب (الّذي لا رخصة فيه) من الكبائر، وأفحش الكذب ما كان كذبا على الله عزّ وجلّ أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقد صرّح العلماء بعدّ هذين النّوعين (الكذب على الله والكذب على الرّسول) من الكبائر، وذهب بعضهم إلى أنّ الكذب على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كفر، قال ابن حجر: ولا ريب أنّ تعمّد الكذب على الله ورسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض، وإنّما الكلام في الكذب عليهما فيما سوى ذلك «1» . وقد ذكر الذّهبيّ أنّ الكذب في الحالتين السّابقتين كبيرة، وأنّ الكذب في غير ذلك أيضا من الكبائر في غالب أحواله «2» . من معاني كلمة «الكذب» في القرآن الكريم: 1- بمعنى النّفاق: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (البقرة/ 10) أي ينافقون. 2- بمعنى الإنكار: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (النجم/ 11) أي ما أنكر. 3- بمعنى خلف الوعد: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (الواقعة/ 2) أي ردّ وخلف. 4- بمعنى الكذب اللّغويّ: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ (ق/ 5) ، فَكَذَّبُوا عَبْدَنا (القمر/ 9) ، فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (سبأ/ 45) ، فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ (آل عمران/ 184) ، وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا (الأنعام/ 34) «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الافتراء- الإفك- البهتان- شهادة الزور- الفجور- النفاق- الرياء- الخداع- الغدر- نقض العهد- الإساءة- الضلال. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصدق- الأمانة- الإيمان- البر- الاستقامة- إقامة الشهادة الكلم الطيب- التقوى] .   (1) الزواجر (124، 125) . (2) انظر تفصيل ذلك فى الكبائر (125- 128) . (3) بصائر ذوي التمييز (4/ 340) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5385 الآيات الواردة في «الكذب» التكذيب بآيات الله: 1- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) «1» 2- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «2» 3- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (11) «3» 4- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) «4» 5- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) «5» 6- لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) «6» 7- * لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (86) «7»   (1) البقرة: 39- 40 مدنية (2) البقرة: 87 مدنية (3) آل عمران: 10- 11 مدنية (4) آل عمران: 137 مدنية (5) المائدة: 9- 10 مدنية (6) المائدة: 70 مدنية (7) المائدة: 82- 86 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5386 8- ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) «1» 9- وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (5) «2» 10- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) «3» 11- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) «4» 12- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) «5» 13- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) «6» 14- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) «7» 15- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146)   (1) المائدة: 103 مدنية (2) الأنعام: 4- 5 مكية (3) الأنعام: 10- 11 مكية (4) الأنعام: 31- 34 مكية (5) الأنعام: 48- 49 مكية (6) الأنعام: 57 مكية (7) الأنعام: 65- 66 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5387 فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) «1» 16- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «2» 17- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «3» 18- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) «4» 19- أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (64) * وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65)   (1) الأنعام: 146- 150 مكية (2) الأنعام: 155- 157 مكية (3) الأعراف: 36- 37 مكية (4) الأعراف: 40 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5388 قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) «1» 20- الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) «2» 21- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) «3» 22- تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) «4» 23- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134)   (1) الأعراف: 63- 72 مكية (2) الأعراف: 92 مكية (3) الأعراف: 96 مكية (4) الأعراف: 101 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5389 فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136) «1» 24- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147) «2» 25- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «3» 26- وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (186) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) «4» 27- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54) «5» 28- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) «6» 29- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ   (1) الأعراف: 130- 136 مكية (2) الأعراف: 146- 147 مكية (3) الأعراف: 175- 177 مكية (4) الأعراف: 181- 183 مكية (5) الأنفال: 53- 54 مدنية (6) يونس: 38- 41 (38، 39، 41 مكية، 40 مدنية) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5390 يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) «1» 30- * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) «2» 31- وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) «3» 32- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) «4» 33- وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) «5» 34- وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (84) «6» 35- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) «7»   (1) يونس: 45 مكية (2) يونس: 71- 74 مدنية (3) يونس: 95- 96 مكية (4) هود: 25- 28 مكية (5) هود: 93 مكية (6) الحجر: 80- 84 مكية (7) النحل: 36 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5391 36- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (39) «1» 37- وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) «2» 38- وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «3» 39- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) «4» 40- وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (56) «5» 41- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «6» 42- وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44) «7» 43- بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) «8» 44- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19) «9»   (1) النحل: 38- 39 مكية (2) النحل: 113 مكية (3) الإسراء: 59 مكية (4) طه: 43- 48 مكية (5) طه: 56 مكية (6) الأنبياء: 76- 77 مكية (7) الحج: 42- 44 مدنية (8) الفرقان: 11 مكية (9) الفرقان: 17- 19 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5392 45- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (135) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) «1» 46- قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (77) «2» 47- وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) «3» 48- وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) «4» 49- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) «5» 50- قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) «6» 51- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (136) إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) «7»   (1) الفرقان: 35- 37 مكية (2) الفرقان: 77 مكية (3) الشعراء: 5- 6 مكية (4) الشعراء: 10- 15 مكية (5) الشعراء: 105 مكية (6) الشعراء: 116- 118 مكية (7) الشعراء: 123- 139 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5393 52- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) «1» 53- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) «2» 54- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً   (1) الشعراء: 141- 158 مكية (2) الشعراء: 160- 173 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5394 مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) «1» 55- وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) «2» 56- قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) «3» 57- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) «4» 58- ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «5» 59- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) «6» 60- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) «7» 61- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) «8» 62- فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ   (1) الشعراء: 176- 189 مكية (2) النمل: 83- 84 مكية (3) القصص: 33- 34 مكية (4) العنكبوت: 16- 18 مكية (5) الروم: 10 مكية (6) الروم: 15- 16 مكية (7) السجدة: 18- 20 مدنية (8) سبأ: 7- 8 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5395 قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45) «1» 63- يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) «2» 64- وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) «3» 65- وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) * احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) «4» 66- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) «5» 67- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14) «6» 68- أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26) «7» 69- وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55)   (1) سبأ: 42- 45 مكية (2) فاطر: 3- 4 مكية (3) يس: 13- 17 مكية (4) الصافات: 20- 23 مكية (5) الصافات: 123- 128 مكية (6) ص: 12- 14 مكية (7) الزمر: 24- 26 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5396 أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) «1» 70- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) «2» 71- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) «3» 72- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ (37) «4» 73- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) «5» 74- وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) * قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «6» 75- ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4)   (1) الزمر: 55- 60 مكية (2) غافر: 5 مكية (3) غافر: 23- 25 مكية (4) غافر: 36- 37 مكية (5) غافر: 69- 70 مكية (6) الزخرف: 23- 25 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5397 بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) «1» 76- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) «2» 77- يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) «3» 78- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) «4» 79- * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) «5» 80- كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) «6» 81- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) «7» 82- وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) «8» 83- وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (12) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13) «9» 84- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (18) «10» 85- مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (19)   (1) ق: 1- 5 مكية (2) ق: 12- 14 مكية (3) الطور: 9- 16 مكية (4) القمر: 1- 3 مكية (5) القمر: 9 مكية (6) القمر: 18- 20 مكية (7) القمر: 23- 26 مكية (8) القمر: 41- 42 مكية (9) الرحمن: 10- 13 مكية (10) الرحمن: 14- 18 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5398 بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (20) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (23) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (24) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (25) «1» 86- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (28) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32) «2» 87- يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ (23) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (35) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) «3» 88- هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45) وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47) ذَواتا أَفْنانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (49) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (50) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (51) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (52) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (55) «4» 89- فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (58) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (59) «5» 90- هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (60) فَبِأَيِ   (1) الرحمن: 19- 25 مكية (2) الرحمن: 26- 32 مكية (3) الرحمن: 33- 42 مكية (4) الرحمن: 43- 55 مكية (5) الرحمن: 56- 59 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5399 آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (61) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (62) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (63) مُدْهامَّتانِ (64) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (65) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (66) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (67) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (69) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (71) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (72) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (76) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (77) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78) «1» 91- ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) «2» 92- أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) «3» 93- وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) «4» 94- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «5» 95- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)   (1) الرحمن: 60- 78 مكية (2) الواقعة: 51- 56 مكية (3) الواقعة: 81- 82 مكية (4) الواقعة: 92- 96 مكية (5) الحديد: 18- 19 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5400 قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «1» 96- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) «2» 97- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) «3» 98- أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18) «4» 99- فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) «5» 100- فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) «6» 101- الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (6) «7» 102- وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) «8» 103- وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) «9» 104- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) «10»   (1) الجمعة: 5- 8 مدنية (2) التغابن: 10 مدنية (3) الملك: 6- 10 مكية (4) الملك: 16- 18 مكية (5) القلم: 8- 9 مكية (6) القلم: 44 مكية (7) الحاقة: 1- 6 مكية (8) الحاقة: 49 مكية (9) المزمل: 10- 11 مكية (10) المدثر: 38- 47 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5401 105- وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) «1» 106- أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) «2» 107- أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (26) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) «3» 108- انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) «4» 109- إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) «5» 110- إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28) «6» 111- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) «7»   (1) المرسلات: 11- 19 مكية (2) المرسلات: 20- 24 مكية (3) المرسلات: 25- 29 مكية (4) المرسلات: 30- 37 مكية (5) المرسلات: 44- 49 مكية (6) النبأ: 27- 28 مكية (7) النازعات: 15- 21 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5402 112- كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) «1» 113- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (1) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) «2» 114- كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) «3» 115- فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) «4» 116- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) «5» 117- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (14) وَلا يَخافُ عُقْباها (15) «6» 118- وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) «7» 119- أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) «8» الكذب في الأقوال: 120- * وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا   (1) الإنفطار: 9- 12 مكية (2) المطففين: 7- 12 مكية (3) المطففين: 15- 17 مكية (4) الإنشقاق: 20- 22 مكية (5) البروج: 17- 22 مكية (6) الشمس: 11- 15 مكية (7) الليل: 8- 16 مكية (8) الماعون: 1- 3 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5403 لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) «1» 121- وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) «2» 122- * كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) «3» 123- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) «4» 124- * يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «5» 125- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) «6» 126- انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «7» 127- وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (28)   (1) آل عمران: 75 مدنية (2) آل عمران: 78 مدنية (3) آل عمران: 93- 94 مدنية (4) النساء: 49- 50 مدنية (5) المائدة: 41- 42 مدنية (6) الأنعام: 21 مكية (7) الأنعام: 24 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5404 وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) «1» 128- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «2» 129- وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) «3» 130- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) «4» 131- قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) «5» 132- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) «6» 133- قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) «7» 134- قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) «8»   (1) الأنعام: 27- 29 مكية (2) الأنعام: 93 مكية (3) الأنعام: 142- 144 مكية (4) يونس: 17 مكية (5) يونس: 59- 60 مكية (6) هود: 18 مكية (7) يوسف: 26- 27 مكية (8) يوسف: 73- 75 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5405 135- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) «1» 136- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) «2» 137- إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (105) «3» 138- وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) «4» 139- وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (5) «5» 140- هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) «6» 141- قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) «7» 142- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) «8» 143- لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (13) «9» 144- هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) «10» 145- وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ   (1) النحل: 62 مكية (2) النحل: 86 مكية (3) النحل: 105 مكية (4) النحل: 116 مكية (5) الكهف: 4- 5 مكية (6) الكهف: 15 مكية (7) طه: 61 مكية (8) النور: 6- 9 مدنية (9) النور: 13 مدنية (10) الشعراء: 221- 223 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5406 مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) * قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (27) «1» 146- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (12) «2» 147- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68) «3» 148- فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) «4» 149- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) «5» 150- أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24) «6» 151- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) «7» 152- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) «8»   (1) النمل: 20- 27 مكية (2) العنكبوت: 12 مكية (3) العنكبوت: 68 مكية (4) الصافات: 149- 152 مكية (5) غافر: 28- 29 مكية (6) الشورى: 24 مدنية (7) الصف: 7 مدنية (8) الجن: 1- 5 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5407 153- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) «1» الكذب في الأفعال (النفاق) : 154- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) «2» 155- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) «3» 156- * وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) «4» 157- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «5» 158- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) «6» 159- وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «7» 160- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39)   (1) النبأ: 31- 36 مكية (2) البقرة: 8- 10 مدنية (3) التوبة: 42- 43 مدنية (4) التوبة: 75- 77 مدنية (5) التوبة: 90 مدنية (6) التوبة: 107- 108 مدنية (7) يوسف: 18 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5408 فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) «1» 161- الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) «2» 162- * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) «3» 163- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) «4» إنكار حدوث الكذب ونفيه: 164- وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) «5» 165- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) «6» 166- إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (11) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (12) «7» 167- إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) «8»   (1) القصص: 38- 40 مكية (2) العنكبوت: 1- 3 مدنية (3) الحشر: 11- 12 مدنية (4) المنافقون: 1 مدنية (5) هود: 64- 67 مكية (6) يوسف: 109- 110 مكية (7) النجم: 4- 12 مكية (8) الواقعة: 1- 2 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5409 الأحاديث الواردة في ذمّ (الكذب) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا قضى الله الأمر في السّماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسّلسلة على صفوان» . قال عليّ: وقال غيره: صفوان ينفذهم ذلك. فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم؟ قالوا للّذي قال: الحقّ وهو العليّ الكبير. فيسمعها مسترق السّمع- ومسترقوا السّمع هكذا واحد فوق آخر ووصف سفيان بيده وفرّج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض- فربّما أدرك الشّهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربّما لم يدركه حتّى يرمي بها إلى الّذي يليه، إلى الّذي هو أسفل منه، حتّى يلقوها إلى الأرض- وربّما قال سفيان: حتّى تنتهي إلى الأرض- فتلقى على فم السّاحر، فيكذب معها مائة كذبة، فيصدّق، فيقولون: ألم يخبرنا يوم كذا وكذا، يكون كذا وكذا فوجدناه حقّا؟ للكلمة الّتي سمعت من السّماء» ) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ) * «3» . 4- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال «4» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «5» ، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «6» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «7» عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل   (1) البخاري- الفتح 1 (33) ، ومسلم (59) متفق عليه. (2) البخاري- الفتح 8 (4701) واللفظ له، ومسلم (2228) . (3) البخاري- الفتح 1 (34) واللفظ له، ومسلم (58) . (4) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. (5) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (6) فاجتالتهم: كذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين. أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها. (7) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5410 الكتاب «1» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «2» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «3» . تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا فقلت: ربّ، إذا يثلغوا رأسي «4» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «5» ، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «6» الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «7» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «8» ، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «9» «والشّنظير «10» الفّحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «11» . 5- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنّة «12» لمن ترك المراء وإن كان محقّا، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسن خلقه» ) * «13» . 6- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ أناسا في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «نعم. هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة ضوء ليس فيه سحاب؟» قالوا: لا. قال: «وهل تضارّون في رؤية   (1) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل. (2) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك اليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومنهم من يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومنهم من ينافق. (3) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الزمان. (4) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (5) نغزك: أي نعينك. (6) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (7) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (8) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. (9) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهو. (10) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السّيّىء الخلق. (11) مسلم (2865) . (12) ربض الجنة: أي فيما حولها من خارج عنها. (13) أبو داود (4800) وقال محقق جامع الأصول (11/ 734) : إسناده صحيح. وقال الألباني (3/ 911) : حسن، وهو في الصحيحة برقم (273) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5411 القمر ليلة البدر، ضوء ليس فيه سحاب؟ قالوا: لا. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما تضارّون في رؤية الله- عزّ وجلّ- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّن: تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلّا يتساقطون في النّار، حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ أو فاجر وغبّرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد عزير ابن الله، فيقال لهم: كذبتم. ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربّنا فاسقنا، فيشار ألا تردون؟ فيحشرون إلى النّار كأنّها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النّار، ثمّ يدعى النّصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأوّل. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ أو فاجر، أتاهم ربّ العالمين في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها، فيقال: ماذا تنتظرون؟ تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. قالوا: فارقنا النّاس في الدّنيا على أفقر ما كنّا إليهم ولم نصاحبهم، ونحن ننتظر ربّنا الّذي كنّا نعبد، فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: لا نشرك بالله شيئا (مرّتين أو ثلاثا) » ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى. فأرادا الله أن يبتليهم. فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أيّ شىء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس- قال فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا، وجلدا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل أو قال البقر (شكّ إسحاق) إلّا أنّ الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر: البقر. قال فأعطي ناقة عشراء. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال فمسحه فردّ الله إليه بصره. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا. فأنتج هذان وولّد هذا. قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلّغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟   (1) البخاري- الفتح 8 (4581) واللفظ له، ومسلم (183) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5412 فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له مثل ما قال لهذا. وردّ عليه مثل ماردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأعمى في صورته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك بالّذي ردّ عليك بصرك شاة أتبّلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك، وسخط على صاحبيك» ) «1» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: اسقه عسلا. ثمّ أتاه الثّانية فقال: «اسقه عسلا» ثمّ أتاه الثّالثة فقال: «اسقه عسلا» . ثمّ أتاه فقال: فعلت. فقال: «صدق الله وكذب بطن أخيك. اسقه عسلا» ، فسقاه فبرأ» ) * «2» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّ لي جارية وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرّجال، وإنّ اليهود تحدّث أنّ العزل موءودة الصّغرى. قال: «كذبت يهود. لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه» ) * «3» . 10- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال: فتكلّم أبو بكر فأعرض عنه، ثمّ تكلّم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيّانا تريد يا رسول الله؟ والّذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا، ووردت عليهم روايا قريش، وفيهم غلام أسود لبني الحجّاج، فأخذوه. فكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه. فقال: نعم.، أنا أخبركم هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف في النّاس، فإذا قال هذا أيضا ضربوه- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلّي- فلمّا رأى ذلك انصرف. قال: «والّذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم» «4» ، قال: فقال رسول   (1) البخاري- الفتح 6 (3464) ، ومسلم (2964) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 10 (5684) واللفظ له. وفي رواية: أخي استطلق بطنه 10 (5716) ، ومسلم (2217) . (3) أبو داود (2171) واللفظ له، وأصله عند مسلم (1438) بروايات متعددة، الترمذي (1136) قال: وفي الباب عن عمر والبراء وأبي هريرة وأبي سعيد، والذي ساقه من حديث جابر نحو حديث أبي سعيد. (4) (لتضربوه.. وتتركوه) : هكذا بغير نون وهي لغة والأكثر: تضربونه وتتركونه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5413 الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مصرع فلان» ، قال: ويضع يده على الأرض ههنا وههنا. قال: فما ماط «1» أحدهم عن موضع يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» . 11- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ اليهود جاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكروا له أنّ رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تجدون في التّوراة في شأن الرّجم؟» فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم. إنّ فيها الرّجم، فأتوا بالتّوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرّجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرّجم. فقالوا: صدق يا محمّد. فيها آية الرّجم. فأمر بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجما. قال عبد الله: فرأيت الرّجل يجنأ «3» على المرأة يقيها الحجارة» ) * «4» . 12- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا دعا قريشا كذّبوه واستعصوا عليه، فقال: «اللهمّ أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة حصّت «5» كلّ شيء، حتّى كانوا يأكلون الميتة، وكان يقوم أحدهم. فكان يرى بينه وبين السّماء مثل الدّخان من الجهد والجوع. ثمّ قرأ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ حتّى بلغ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ قال عبد الله: أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ قال: «والبطشة الكبرى يوم بدر» ) * «6» . 13- * (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ كذبا عليّ ليس ككذب على أحد. من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «7» . 14- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- إذا أراد رحمة أمّة من عباده قبض نبيّها قبلها. فجعله لها فرطا «8» وسلفا «9» بين يديه. وإذا أراد هلكة أمّة عذّبها- ونبيّها حيّ- فأهلكها وهو ينظر فأقرّ عينه بهلكتها حين كذّبوه وعصوا أمره» ) * «10» . 15- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي ربّ. حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه هلك. قال: سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى كتاب حسناته. وأمّا   (1) ماط: تباعد. (2) مسلم (1779) . (3) يجنأ: يميل. (4) البخاري- الفتح 6 (3635) . (5) سنة حصت كل شىء: جردت والسنة: القحط والجدب. أذهبت. (6) البخاري- الفتح 8 (4823) . (7) البخاري- الفتح 3 (1291) واللفظ له، ومسلم (المقدمة/ 4) . (8) فرطا: بمعنى الفارط المتقدم الى الماء ليهيىء السقي. يريد أنه شفيع فيقدم. (9) سلفا: هو المقدم، من عطف المرادف أو أعم. (10) مسلم (2288) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5414 الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم، ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «1» . 16- * (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- قالا: في حديث صلح الحديبية المشهور: لمّا جاء سهيل بن عمرو. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سهل لكم من أمركم. قال معمر قال الزّهريّ في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بسم الله الرّحمن الرّحيم» فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فو الله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتب «باسمك اللهمّ كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا «بسم الله الرّحمن الرّحيم» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: «محمّد ابن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب «محمّد بن عبد الله» . قال الزّهريّ: وذلك لقوله: «لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» ... الحديث) * «2» . 17- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: قلت للزّبير: إنّي لا أسمعك تحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما يحدّث فلان وفلان. قال: «أما إنّي لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «3» . 18- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ» ) * «4» . 19- * (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا- أو قال: حتّى يتفرّقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» ) * «5» . 20- * (عن عقبة بن الحارث- رضي الله عنه قال: تزوّجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: أرضعتكما، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: تزوّجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت لي: إنّي قد أرضعتكما- وهي كاذبة «6» - فأعرض عنّي، فأتيته من قبل وجهه قلت: إنّها كاذبة. قال: «كيف بها وقد زعمت أنّها قد أرضعتكما؟ دعها عنك» ) «7» .   (1) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له، ومسلم (2768) . (2) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) ، وله أصل عند مسلم 3 (1783) من حديث البراء. (3) البخاري- الفتح 1 (107) . (4) البخاري- الفتح 13 (7283) . (5) البخاري- الفتح 4 (2079) واللفظ له، ومسلم (1532) . (6) كاذبة: بمعنى مخطئة. (7) البخاري- الفتح 9 (5104) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5415 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم (قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم) ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذّاب، وعائل مستكبر» ) * «1» . 22- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر ممّا أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل مائه. فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك» ) * «2» . 23- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم» قال فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (ثلاث مرار) . قال أبو ذرّ: خابوا وخسروا. من هم يا رسول الله؟ قال:" المسبل «3» والمنّان «4» والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» ) «5» . 24- * (عن أبي الحوراء السّعديّ قال: قلت للحسن بن عليّ: ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك «6» إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة وإنّ الكذب ريبة» ) «7» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلّا، والله الّذي لا إله إلّا هو. فقال عيسى: آمنت بالله، وكذّبت عيني» ) * «8» . 26- * (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب. أيفرّق بينهما؟ قال فما دريت ما أقول: فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة. فقلت للغلام: استأذن لي. قال: إنّه قائل «9» . فسمع صوتي. قال: ابن جبير؟ قلت: نعم. قال: ادخل. فو الله ما جاء بك هذه السّاعة إلّا حاجة. فدخلت. فإذا هو مفترش بردعة. متوسّد وسادة حشوها ليف. قلت: أبا عبد الرّحمن! المتلاعنان أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال: فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه. فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل   (1) مسلم (107) . (2) البخاري- الفتح 5 (2369) واللفظ له، ومسلم 1 (108) . (3) المسبل: الذي يرخي إزاره ويجره خيلاء. (4) والمنان: الذي يعطي الحاجة لأخيه ويشهر به أمام الناس ليمن عليه. (5) مسلم (106) . (6) يريبك: من الريب وهو الشك والتهمة. (7) رواه الترمذي (2518) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (8/ 327، 328) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح. (8) البخاري- الفتح 6 (3444) واللفظ له، ومسلم (2368) وعنده «نفسي» «بدل: عيني» . (9) قائل: أي نائم في وقت القيلولة وهو وقت الظهيرة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5416 الله عزّ وجلّ هؤلاء الآيات في سورة النّور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (24/ النور/ 6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها. ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا. والّذي بعثك بالحقّ إنّه لكاذب. فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين. والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين. ثمّ فرّق بينهما» ) * «1» . 27- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا. وإيّاكم والكذب، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا» ) * «2» . 28- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «في ثقيف كذّاب ومبير» ) * «3» . 29- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأمّا تكذيبه إيّاي فزعم أنّي لا أقدر أن أعيده كما كان. وأمّا شتمه إيّاي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتّخذ صاحبة أو ولدا» ) * «4» . 30- * (عن سعيد بن جبير؛ قال: قلت لابن عمر: رجل قذف امرأته. فقال: فرّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين أخوي بني العجلان. وقال: الله يعلم أنّ أحدكما لكاذب، فهل منكما تائب؟ فأبيا، وقال: الله يعلم أنّ أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ فأبيا، فقال: الله يعلم أنّ أحدكما لكاذب فهل منكما تائب؟ فأبيا. ففرّق بينهما» ) . قال أيّوب: فقال لي عمرو بن دينار: إنّ في الحديث شيئا لا أراك تحدّثه. قال: قال الرّجل: مالي؟ قال قيل: لا مال لك. إن كنت صادقا فقد دخلت بها، وإن كنت كاذبا فهو أبعد منك «5» . 31- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبان قطريّان غليظان، فكان   (1) البخاري- الفتح 8 (4745) ، ومسلم (1493) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 10 (6094) ، ومسلم (2607) واللفظ له. (3) مسلم (2545) ، والترمذي (3944) ، قال: يقال الكذاب المختار بن أبي عبيد الثقفي والمبير بمعنى المهلك- هو الحجاج بن يوسف. وقال: في الباب عن أسماء بنت أبي بكر. وهذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (10/ 99) : هو حديث صحيح. (4) البخاري- الفتح 8 (4482) . (5) البخاري الفتح 9 (5311) واللفظ له، ومسلم (1493) وقد تقدم معظمه من قبل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5417 إذا قعد فعرق، ثقلا عليه فقدم بزّ من الشّام لفلان اليهوديّ. فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة. فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد. إنّما يريد أن يذهب بمالي، أو بدراهمي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذب، قد علم أنّي من أتقاهم لله وآداهم للأمانة» ) * «1» . 32- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكلّ ما سمع» ) * «2» . 33- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثمّ دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلمّا قضينا الصّلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه. فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرآ. فحسّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شأنهما. فسقط في نفسي من التّكذيب. ولا إذ كنت في الجاهليّة «3» . فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قد غشيني ضرب في صدري. ففضت عرقا. وكأنّما أنظر إلى الله- عزّ وجلّ- فرقا. فقال لي: «يا أبيّ! أرسل إليّ أن اقرإ القرآن على حرف، فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي، فردّ إليّ الثّانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي فردّ إليّ الثّالثة: اقرأه على سبعة أحرف. فلك بكلّ ردّة رددتكها مسألة تسألنيها. فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتي. اللهمّ اغفر لأمّتي. وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلّهم. حتّى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» . 34- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: كنت مع عمّي فسمعت عبد الله بن أبيّ ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا. ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فذكرت ذلك لعمّي، فذكره عمّي للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصدّقهم، فدعاني فحدّثته، فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، وكذّبني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأصابني غمّ لم يصبني مثله قطّ. فجلست في بيتي، وقال عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومقتك؟ فأنزل الله تعالى إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (المنافقون/ 1) وأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأها وقال: «إنّ الله قد صدّقك» ) * «5» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، ولا تقوم السّاعة حتّى يبعث دجّالون كذّابون قريبا من ثلاثين،   (1) الترمذي (1213) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب صحيح، والنسائي (7/ 294) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 660) : إسناده صحيح. (2) مسلم (المقدمة/ 5) . (3) فسقط.. الخ: أي أحسست بندم على ما حدث مني من التكذيب لم أحس بمثله على ذنب أذنبته قبل أن أسلم. (4) مسلم (820) . (5) البخاري- الفتح 8 (4904) واللفظ له، وفي رواية (4903) «فاجتهد يمينه ما فعل. قالوا كذب زيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... » الحديث، ومسلم 4 (2772) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5418 كلّهم يزعم أنّه رسول الله» ) * «1» . 36- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تكتبوا عنّي ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه. وحدّثوا عنّي ولا حرج، ومن كذب عليّ- قال همّام أحسبه قال متعمّدا- فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «2» . 37- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكذبوا عليّ؛ فإنّه من كذب عليّ فليلج «3» النّار» ) * «4» . 38- * (عن معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يزال من أمّتي أمّة قائمة بأمر الله لا يضرّهم من كذّبهم ولا من خذلهم حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك» ) * «5» . 39- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا فتحت خيبر أهديت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاة فيها سمّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود» فجمعوا له فقال: «إنّي سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيّ عنه؟» فقالوا: نعم. قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أبوكم؟» «قالوا: فلان. فقال: «كذبتم، بل أبوكم فلان» . قالوا: صدقت. قال: «فهل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألت عنه؟» فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: «من أهل النّار؟» قالوا: نكون فيها يسيرا، ثمّ تخلفونا فيها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اخسؤوا فيها. والله لا نخلفكم فيها أبدا» . ثمّ قال: «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟» قالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: هل جعلتم في هذه الشّاة سمّا؟» قالوا: نعم. قال: «ما حملكم على ذلك؟» قالوا: إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيّا لم يضرّك» ) * «6» . 40- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لمّا كذّبني قريش قمت في الحجر فجلّى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا أنظر إليه» ) * «7» . 41- * (عن ثابت بن الضّحّاك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس على رجل نذر فيما لا يملك. ولعن المؤمن كقتله. ومن قتل نفسه بشيء في الدّنيا عذّب به يوم القيامة، ومن ادّعى دعوى كاذبة «8» ليتكثّر بها لم يزده الله إلّا قلّة. ومن حلف على يمين صبر فاجرة «9» » ) * «10» . 42- * (عن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي   (1) البخاري- الفتح 6 (3609) . (2) مسلم (3004) . (3) فليلج: بصيغة الأمر، وهو للإخبار كما تؤيده الروايات الأخرى. ومعناها: يدخل. (4) البخاري- الفتح 1 (106) واللفظ له، ومسلم (1) مقدمة. (5) البخاري- الفتح 13 (7460) . (6) البخاري- الفتح 6 (3169) . (7) البخاري- الفتح 7 (3886) واللفظ له، ومسلم (170) . (8) دعوى كاذبة: يعني باطلة. (9) اليمين الصبر الفاجرة: هي التي ألزم بها الحالف عند حاكم ونحوه، والفاجرة بمعنى الكاذبة، وفي الحديث إيجاز بالحذف يدل عليه ما قبله إذ التقدير ومن حلف.. فهو مثله. (10) البخاري- الفتح 11 (6652) ، ومسلم (110) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5419 معيط- رضي الله عنها- أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس فينمي «1» خيرا أو يقول خيرا» ) * «2» . 43- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما بعث نبيّ إلّا أنذر أمّته الأعور الكذّاب. ألا إنّه أعور، وإنّ ربّكم ليس بأعور وإنّ بين عينيه مكتوب: كافر» ) * «3» . 44- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما رأيت أشبه باللّمم ممّا قال أبو هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله كتب على ابن آدم حظّه من الزّنا أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النّظر، وزنا اللّسان المنطق، والنّفس تتمنّى وتشتهي، والفرج يصدّق ذلك كلّه ويكذّبه» ) * «4» . 45- * (عن طلحة- رضي الله عنه- قال: مررت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوم على رؤوس النّخل. فقال: «ما يصنع هؤلاء؟» فقالوا: يلقّحونه. يجعلون الذّكر في الأنثى فيلقح. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أظنّ يغني ذلك شيئا» قال: فأخبروا بذلك فتركوه. فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه؛ فإنّي إنّما ظننت ظنّا فلا تؤاخذوني بالظّنّ، ولكن إذا حدّثتكم عن الله شيئا فخذوا به؛ فإنّي لن أكذب على الله- عزّ وجلّ-» ) * «5» . 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم أخو المسلم: لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله. كلّ المسلم على المسلم حرام، عرضه وماله ودمه. التّقوى هاهنا بحسب امريء من الشّرّ أن يحتقر أخاه المسلم» ) «6» . 47- * (عن المغيرة بن شعبة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حدّث عنّي حديثا وهو يرى أنّه كذب فهو واحد الكاذبين» ) * «7» . 48- * (عن ثابت بن الضّحّاك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف بملّة غير الإسلام كاذبا متعمّدا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عذّب بها في نار جهنّم» ) * «8» . 49- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب» «9» ) * «10» . 50- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) فينمي: أي يبلغ على وجه الاصلاح وطلب الخير. (2) البخاري- الفتح 5 (2692) واللفظ له، ومسلم (2605) . (3) البخاري- الفتح 13 (7131) واللفظ له، ومسلم (2933) . (4) البخاري- الفتح 11 (6243) واللفظ له، ومسلم (2657) . (5) مسلم (2361) . (6) الترمذي (1927) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (6/ 563) : وهو حديث حسن، وأصله عند مسلم (2579) من حديث ابن عمر. (7) الترمذي (2662) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن صحيح ابن ماجه مقدمة (41) ، ورواه مسلم في المقدمة باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين (1/ 9) . (8) البخاري- الفتح 3 (1363) واللفظ له، ومسلم (110) . (9) كذب: بمعنى أخطأ. (10) البخاري- الفتح 8 (4604) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5420 قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هاجر إبراهيم عليه السّلام بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبّار من الجبابرة فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النّساء. فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه الّتي معك؟ قال: أختي، ثمّ رجع إليها فقال: لا تكذّبي حديثي، فإنّي أخبرتهم أنّك أختي، والله إن على الأرض من مؤمن غيري وغيرك، فأرسل بها إليه، فقام إليها، فقامت تتوضّأ وتصلّي فقالت: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلّا على زوجي فلا تسلّط عليّ الكافر. فغطّ حتّى ركض برجله. قال الأعرج: قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن إنّ أبا هريرة قال: قالت: اللهمّ إن يمت يقال هي قتلته. فأرسل ثمّ قام إليها، فقامت تتوضّأ وتصلّي وتقول: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلّا على زوجي فلا تسلّط عليّ هذا الكافر فغطّ حتّى ركض برجله- قال عبد الرّحمن: قال أبو سلمة قال أبو هريرة: فقالت: اللهمّ إن يمت فيقال هي قتلته. فأرسل في الثّانية أو في الثّالثة. فقال: والله ما أرسلتم إليّ إلّا شيطانا، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر. فرجعت إلي إبراهيم- عليه السّلام، فقالت: أشعرت أنّ الله كبت الكافر وأخدم وليدة» ) * «1» . 51- * (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» - قال: فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان، وإنّهما ابتعثاني، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه ليشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه» قال: وربّما قال أبو رجاء فيشقّ- قال: «ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى. قال: قلت: سبحان الله. ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. فانطلقنا فأتينا على مثل التّنّور» قال: وأحسب أنّه كان يقول: «فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. قال: فانطلقنا: فأتينا على نهر» حسبت أنّه كان يقول «أحمر مثل الدّم، وإذا في النّهر رجل سابح   (1) البخاري- الفتح 4 (2217) واللفظ له، ومسلم (2371) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5421 يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه، كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا. قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ. قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارق. فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء. قال: قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر. قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فصاروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنّة عدن وهذاك منزلك. قال: فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء. قال: قالا لي هذاك منزلك. قال: قلت لهما: بارك الله فيكما. ذراني فأدخله. قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا، وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم، وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا تجاوز الله عنهم» ) «1» . 52- * (عن معاوية بن حيدة القشيريّ   (1) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، وعند مسلم (2275) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5422 - رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ويل للّذي يحدّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له» ) * «1» . 53- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيّها النّاس إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا. فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد، ولا يستشهد. ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة؛ فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. من أراد بحبوحة «2» الجنّة فليلزم الجماعة، من سرّته حسنته وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «3» . 54- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يكون في آخر الزّمان دجّالون كذّابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإيّاكم وإيّاهم، لا يضلّونكم، ولا يفتنونكم» ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الكذب) معنى 55- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثا) . قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين» وجلس وكان متّكئا فقال: «ألا وقول الزّور» قال فما زال يكرّرها حتّى قلنا ليته سكت» ) * «5» . 56- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: إنّ لي ضرّة، فهل عليّ جناح أن أتشبّع من مال زوجي بما لم يعطني؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المتشبّع «6» بما لم يعط كلابس ثوبي زور» ) * «7» . 57- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها   (1) أبو داود (4990) ، وأخرجه الحاكم (1/ 46) وبين أن مداره على بهز، وأكثر أهل النقل على عدالته وله شاهد من حديث بلال المزني ووافقه الذهبي. الترمذي (2315) واللفظ له وقال: وفي الباب عن أبي هريرة، وقال حديث حسن وقال محقق جامع الأصول (10/ 599) : إسناده حسن. (2) بحبوحة الجنة: أوسطها وأوسعها وأرجحها. (3) الترمذي (2165) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، والحاكم (1/ 114) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (4) مسلم، المقدمة (7) . (5) البخاري- الفتح 5 (2654) واللفظ له، ومسلم (87) . (6) المتشبع بما لم يعط: هو الذي يتشبه بالشبعان وليس به، ولذا شبه بلا بس ثوبي زور: أي الذي يزور على الناس فيريهم أنه يلبس ثوبين وليس عليه إلا ثوب واحد. (7) البخاري- الفتح 9 (5219) ، ومسلم (2130) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5423 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل، فقمت حين آذنوا بالرّحيل، فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «1» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب، وهم يحسبون أنّي فيه- قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا لم يهبّلن «2» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «3» من الطّعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه- وكنت جارية حديثة السّنّ- فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه، وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ قد عرّس «4» من وراء الجيش فأدلج «5» فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتّى أناخ راحلته، فوطيء على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة «6» فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا- والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك- وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» فذاك يريبني، ولا أشعر بالشّرّ حتّى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «7» وهو متبرّزنا وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل- وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح- وهي بنت أبي رهم بن المطّلب ابن عبد مناف، وأمّها ابنة صخر بن عامر خالة   (1) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن. (2) لم يهبلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه. (3) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة. (4) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة. (5) فأدلج: الإدلاج هو السير آخر الليل. (6) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر. (7) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5424 أبي بكر الصّدّيق، وابنها مسطح ابن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب- فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مسطح في مرطها «1» . قالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا؟. قالت: أي هنتاه. أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلّم ثمّ قال: «كيف تيكم؟» قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما- فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه: ما يتحدّث النّاس؟ فقالت: يا بنيّة. هوّني عليك. فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «2» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر إلّا كثّرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله! وقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «3» لي دمع ولا أكتحل بنوم «4» ، ثمّ أصبحت أبكي، ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «5» يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة ابن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك، والنّساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة. هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «6» عليها. أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «7» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «8» من عبد الله ابن أبيّ ابن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وهو على المنبر- «يا معشر المسلمين: من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله: إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة- وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن اجتهلته الحميّة «9» فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عمّ سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر   (1) في مرطها المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره. (2) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن. (3) لا يرقأ: أي لا ينقطع. (4) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام. (5) استلبث الوحي: أي أبطا ولبث ولم ينزل. (6) أغمصه: أي أعيبها به. (7) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين. (8) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر. (9) اجتهلته الحمية: أي خفته وأغضبته وحملته على الجهل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5425 الله لنقتلنّه؛ فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان: الأوس والخزرج «1» حتّى همّوا أن يقتتلوا- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر- فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثمّ بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي- استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت- وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن- إنّي والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة- والله يعلم أنّي بريئة- لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أنّي بريئة- لتصدّقونني. وإنّي والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) . قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى، ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «3» عند الوحي حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «4» من العرق في اليوم الشّات من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يضحك- فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة! أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلّا الله؛ هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات   (1) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية. (2) ما رام: أي ما فارق. (3) البرحاء: هي الشدة. (4) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5426 براءتي. قالت: فقال أبو بكر: وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره- والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «1» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «2» فهلكت فيمن هلك) * «3» . 58- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أفرى الفرى «4» أن يري عينه ما لم تر» ) * «5» . 59- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من تحلّم «6» بحلم لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين «7» ، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرّون منه صبّ في أذنه الآنك «8» يوم القيامة، ومن صوّر صورة عذّب وكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ» وفي رواية أبي هريرة قوله: «من كذب في رؤياه» ) * «9» . 60- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوّأ «10» مقعده من النّار» ) * «11» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الكذب) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «لأن يضعني الصّدق- وقلّما يضع- أحبّ إليّ من أن يرفعني الكذب، وقلّما يفعل» ) * «12» . 2- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «إذا حدّثتكم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلأن أخرّ من السّماء أحبّ إلىّ من أن أكذب عليه، وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة» ) * «13» . 3- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-   (1) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم. (2) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك. (3) البخاري- الفتح 7 (4141) ، ومسلم (2770) واللفظ له. (4) من أفرى الفرى: أي من أعظم الكذبات. (5) البخاري- الفتح 12 (7043) . (6) من تحلم: تكلف الحلم. (7) أن يعقد بين شعيرتين: تعجيزا وتعذيبا. (8) الآنك: الرصاص المذاب. (9) البخاري- الفتح 12 (7042) . (10) فليتبوأ: التبوؤ: اتخاذ المنزل من المباءة وهي المنزل. (11) البخاري- الفتح 1 (109) . (12) أدب الدنيا والدين (255) . (13) البخاري- الفتح 6 (3611) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5427 قال: «اقضوا كما كنتم تقضون؛ فإنّي أكره الاختلاف حتّى يكون النّاس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي» فكان ابن سيرين يرى أنّ عامّة ما يروى عن عليّ الكذب» ) * «1» . 4- * (عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنّ أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإيّاها؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أخذ شبرا من الأرض بغير حقّه طوّقه في سبع أرضين يوم القيامة» . اللهمّ إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تتلمّس الجدر. تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد. فبينما هي تمشي في الدّار مرّت على بئر في الدّار فوقعت فيها، فكانت قبرها» ) * «2» . 5- * (عن جابر بن سمرة قال: «شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر- رضي الله عنه- فعزله، واستعمل عليهم عمّارا فشكوا حتّى ذكروا أنّه لا يحسن يصلّي. فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق. إنّ هؤلاء يزعمون أنّك لا تحسن تصلّي. قال أبو إسحاق: أمّا أنا والله فإنّي كنت أصلّي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أخرم عنها: أصلّي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخفّ في الأخريين. قال: ذاك الظّنّ بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدا إلّا سأل عنه، ويثنون معروفا حتّى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنّى أبا سعدة. قال: أما إذ نشدتنا فإنّ سعدا كان لا يسير بالسّريّة، ولا يقسم بالسّويّة، ولا يعدل في القضيّة. قال سعد: أما والله لأدعونّ بثلاث: اللهمّ إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقال: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنّه ليتعرّض للجواري في الطّرق يغمزهنّ» ) * «3» . 6- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أعظم الخطايا الكذب، ومن يعف يعف الله عنه. وقال: إنّ للملك لّمة (أي المرّة يمرّها) وللشّيطان لمّة: فلمّة الملك إيعاد بالخير، وتصديق بالحقّ، فإذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله، ولمّة الشّيطان إيعاد بالشّرّ وتكذيب بالحقّ. فإذا رأيتم ذلك فتعوّذوا بالله» ) * «4» . 7- * (قال عبد الرّحمن بن أبي ليلى: «ما ماريت أخي أبدا؛ لأنّي إن ماريته إمّا أن أكذّبه، وإمّا أن أغضبه» ) * «5» . 8- * (قال البخاريّ وغيره مرفوعا: «لا يؤمن   (1) البخاري- الفتح 7 (3707) . (2) البخاري- الفتح 5 (245) ، ومسلم (1610) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 2 (755) . (4) الفوائد لابن القيم (201) . (5) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 18) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5428 العبد الإيمان كلّه حتّى يترك الكذب في المزاح، ويترك المراء وإن كان صادقا» ) * «1» . 9- * (قال مسعر بن كدام يوصي ابنه كداما: إنّي منحتك يا كدام وصيّتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق أمّا المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق إنّي بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جارا ولا لرفيق والجهل يزري بالفتى وعمومه ... وعروقه في النّاس أيّ عروق) * «2» . 10- * (قال إبراهيم التّيميّ: «ما عرضت قولي على عملي إلّا خشيت أن أكون كاذبا» ) * «3» . 11- * (قال أبو عبد الله الإمام أحمد: الكذب لا يصلح منه جدّ ولا هزل» ) * «4» . 12- * (قال الذّهبيّ: يطبع المسلم على الخصال كلّها إلّا الخيانة والكذب» ) * «5» . 13- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: إيّاك والكذب؛ فإنّه يفسد عليك تصوّر المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للنّاس» ) «6» . 14- * (وقال- رحمه الله-: «فإنّ الكاذب يصوّر المعدوم موجودا والموجود معدوما. والحقّ باطلا، والباطل حقّا، والخير شرّا والشّرّ خيرا، فيفسد عليه تصوّره وعلمه عقوبة له، ثمّ يصوّر ذلك في نفس المخاطب) * 7. 15- (وقال أيضا: ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما أخبر الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم) 8. 16- * (وقال أيضا- رحمه الله-: إنّ أوّل ما يسري الكذب من النّفس إلى اللّسان فيفسده، ثمّ يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها، يعمّ الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة» ) * 9. 17- * (قال صالح بن عبد القدّوس: واختر صديقك واصطفيه تفاخرا ... إنّ القرين إلى المقارن ينسب ودع الكذوب ولا يكن لك صاحبا ... إنّ الكذوب لبئس خلّا يصحب) * «10» . 18- * (وقال بعض الشّعراء: وما شيء إذا فكّرت فيه ... بأذهب للمروءة والجمال من الكذب الّذي لا خير فيه ... وأبعد بالبهاء من الرّجال) * «11» .   (1) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 18) . (2) الآداب الشرعية (1/ 19) . (3) فتح الباري (1/ 135) . (4) الآداب الشرعية (1/ 20) . (5) الميزان، اللسان. 6- 9 كلها من الفوائد (187) . (10) الترغيب والترهيب (4/ 52- 53) . (11) أدب الدنيا والدين (253) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5429 من مضار (الكذب) (1) الكذب وسيلة لدمار صاحبه أمما وأفرادا. (2) الكذب قد يؤدّي بصاحبه إلى النّار. (3) الكذب سراب يقرّب البعيد ويبعّد القريب. (4) الكذب يذهب المروءة والجمال والبهاء. (5) الكذّاب لصّ يسرق العقل كما يسرق اللّصّ المال (6) الكاذب مهان ذليل. (7) الأمم الّتي كذّبت الرّسل لاقت مصيرها من الدّمار والهلاك. (8) يورث فساد الدّين والدّنيا. (9) دليل على خسّة النّفس ودناءتها. (10) احتقار النّاس له وبعدهم عنه. (11) يمقت نفسه بنفسه ويحتقرها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5430 الكرب الكرب لغة: الكرب مأخوذ من مادّة (ك ر ب) الّتي تدلّ على شدّة وقوّة، يقال: مفاصل مكربة، أي شديدة قويّة ... ومن الباب: الكرب وهو الضّمّ الشّديد، والكريبة الشّديدة من الشّدائد «1» . وجعل الرّاغب أصل المادّة من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر فقال: الكرب: الغمّ الشّديد قال الله تعالى: فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (الأنبياء/ 76) والكربة كالغمّة وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر، فالغّمّ يثير النّفس إثارة ذلك «2» . ويقول القرطبيّ في قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (الصافات/ 76) والكرب: الغّمّ الشّديد «3» . وقال ابن منظور: الكرب: الحزن والغمّ الّذي يأخذ بالنّفس، وجمعه كروب، يقال: كربه الأمر، والغمّ يكربه كربا: اشتدّ عليه، فهو مكروب، وكريب، والاسم: الكربة. وإنّه لمكروب النّفس، وأمر كارب. واكترب لذلك: اغتمّ. والكرائب: الشّدائد، الواحدة كريبة. وفي الحديث: «كان إذا أتاه الوحي كرب له» أي أصابه الكرب، فهو مكروب، والّذي كربه كارب «4» . الكرب اصطلاحا: قال النّوويّ: الكرب: هو الغمّ الّذي يأخذ بالنّفس «5» . وقال المناويّ: الكرب: هو الغمّ والضّيق، وأصله من التّغطية «6» . وقال الكفويّ: الكرب: هو الغمّ الّذي يأخذ بالنّفس «7» ، والكربة: الحزن الّذي يذيب القلب، أي يحيّره ويخرجه عن أعمال الأعضاء، وربّما أهلك النّفس، وهي (الكربة) أشدّ من الحزن والغمّ «8» . الفرق بين الحزن والكرب: قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين الحزن   (1) المقاييس (5/ 174) . (2) المفردات (428) . (3) القرطبي (11/ 306) . (4) لسان العرب (1/ 711- 712) . (5) صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 238) . (6) التوقيف (281) . (7) الكليات (114) . (8) المرجع السابق (722) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5431 والكرب: أنّ الحزن تكاثف الغمّ وغلظه، مأخوذ من الأرض الحزن وهو ما غلظ منها وصلب، والكرب تكاثف الغمّ مع ضيق الصّدر. ولهذا يقال لليوم الحارّ: يوم كرب أي كرب من فيه، وكرب الرّجل إذا غمّه وضيّق صدره «1» . وجه النهى عن الكرب: إذا كان الكرب يمثّل أقصى درجات الغمّ، وهذا أمر قد لا يكون فيه دخل للإنسان فإنّ المطلوب من المسلم عند حدوث الكرب أن يسأل الله تعالى أن يفرّج كربه حتّى لا يستمريء الحزن ويعتاد عليه ممّا يضعف قواه، وعلى المسلمين أيضا أن يمدّوا يد العون للمكروب، حتّى يرجع إلى سابق عهده هاشّا باشّا منشرح الصّدر مستقبلا للحياة بما يرضاه الله له من عمل جادّ، ونفس راضية مطمئنّة. إنّ مجتمعا تسود فيه روح الأنانية ويترك المكروب نفسه أو يتركه إخوانه فريسة لهذه الحالة الّتي تنتابه رغما عنه، هو مجتمع مفكّك لا تعاون فيه على البرّ والتّقوى، من هنا كانت دعوة الإسلام صريحة للتّخلّص من هذا الدّاء العضال الّذي يفقد الفرد قدرته على العمل والإنتاج ويفقد المجتمع تماسكه وقوّته. [للاستزادة: انظر صفات: الحزن- القنوط- الوهن- اليأس- الضعف- القلق- العبوس- التطير. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تفريج الكربات التوكل- طلاقة الوجه- الفرح- البشاشة- التفاؤل- الرضا- السكينة- الطمأنينة] .   (1) الفروق اللغوية (262) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5432 الآيات الواردة في «الكرب» 1- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «1» 2- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «2» 3- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) «3» 4- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «4»   (1) الأنعام: 63- 64 مكية (2) الأنبياء: 76- 77 مكية (3) الصافات: 75- 81 مكية (4) الصافات: 114- 122 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5433 الأحاديث الواردة في ذمّ (الكرب) 1- * (عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أعلّمك كلمات تقولينهنّ عند الكرب، أو في الكرب، الله الله ربّي لا أشرك به شيئا» ) * «1» . 2- * (عن عبد الله بن أبي قتادة، أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه، ثمّ وجده، فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟. قال: آلله «2» . قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب «3» يوم القيامة، فلينفّس «4» عن معسر، أو يضع عنه» ) * «5» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «6» . 4- * (عن طلحة بن عبيد الله: أنّ عمر رآه كئيبا فقال: مالك يا أبا محمّد كئيبا؟ لعلّه ساءتك إمرة ابن عمّك؟ يعني أبا بكر، قال: لا، وأثنى على أبي بكر رضي الله عنه- ولكنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلمة لا يقولها عبد عند موته إلّا فرّج الله عنه كربته وأشرق لونه» ، فما منعني أن أسأله عنها إلّا القدرة عليها حتّى مات، فقال له عمر- رضي الله عنه-: إنّي لأعلمها، فقال له طلحة: وما هي؟، فقال له عمر رضي الله عنه-: هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمّه: لا إله إلّا الله؟ فقال طلحة: هي والله هي) * «7» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يرقي يقول: «امسح البأس ربّ النّاس بيدك الشّفاء لا يكشف الكرب إلّا أنت» ) * «8» . 6- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوات المكروب: اللهمّ رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كلّه لا إله إلّا أنت» ) * «9» . 7- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-   (1) أبو داود (1525) واللفظ له، وابن ماجة (3882) ، وأحمد (6/ 369) ، والألباني (1/ 284) ، وقال: صحيح. (2) فقال: آلله. قال آلله: الأول قسم سؤال، أي أبالله؟ وباء القسم تضمر كثيرا مع الله، قال القاضي: وإذا حذف القسم الأصلي، أعني الباء، فالمختار النصب بفعل القسم، ويختص لفظة الله بجواز الجر مع حذف الجار، بلا عوض، وقد يعوض من الجار فيها همزة الاستفهام، أو قطع همزة الله في الدرج. (3) كرب: جمع كربة وهي الغم الذي يأخذ بالنفس. (4) فلينفس: أي يمد ويؤخر المطالبة، وقيل: معناه يفرج عنه. (5) مسلم (1563) . (6) البخاري- الفتح 11 (6346) ، مسلم (2730) متفق عليه. (7) أحمد (1/ 161) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 360) : إسناده صحيح برقم (1386) . (8) البخاري- الفتح 10 (5744) ، مسلم (2191) ، وأحمد (6/ 50) واللفظ له. (9) أبو داود (5090) وقال الألباني (3/ 959) : حسن (الكلم الطيب (121) صحيح الكلم الطيب ص (49) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5434 قال: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل بي كرب أن أقول: «لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين» ) * «1» . 8- * (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمات المكروب: اللهمّ رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين. أصلح لي شأني كلّه» ) * «2» . 9- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام أو يا غليّم. ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا، أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «3» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قطّ» . قال: «فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلّا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلّي، فإذا رجل ضرب جعد كأنّه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم- عليه السّلام- قائم يصلّي، أقرب النّاس به شبها عروة بن مسعود الثّقفيّ، وإذا إبراهيم- عليه السّلام- قائم يصلّي، أشبه النّاس به صاحبكم، (يعني نفسه) ، فحانت الصّلاة فأممتهم، فلمّا فرغت من الصّلاة قال قائل: يا محمّد! هذا مالك صاحب النّار فسلّم عليه، فالتفتّ إليه فبدأني بالسّلام» ) * «4» . 11- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا وجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: واكرب أبتاه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا كرب على أبيك بعد اليوم، إنّه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا، الموافاة يوم القيامة» ) * «5» .   (1) أحمد (1/ 91) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 87) : إسناده صحيح برقم (701) . (2) الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 137) ، وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن. (3) أحمد (1/ 307) واللفظ له، والترمذي (2518) مختصرا، وقال محقق جامع الأصول (11/ 685، 686) ، وهو حديث صحيح وكذا قال الشيخ أحمد شاكر (4/ 233، (2763) ، 4/ 270، 4/ 286) رقم (2669) . (4) مسلم (172) . (5) ابن ماجة (1629) واللفظ له، أحمد (3/ 141) من رواية أبي النضر البغدادي عن المبارك بن فضالة عن ثابت، في الزوائد: في إسناده عبد الله بن الزبير الباهلي، أبو الزبير، ويقال: أبو معبد المصري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: مجهول، وقال الدارقطني: صالح، وباقي رجاله علي شرط الشيخين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5435 12- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصاب أحدا همّ ولا حزن قطّ فقال: اللهمّ إنّي عبدك، وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إلّا أذهب الله- عزّ وجلّ- همّه وأبدله مكان حزنه فرحا» . قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلّم هؤلاء الكلمات. قال: «أجل، ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلّمهنّ» ) * «1» . 13- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «2» . 14- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما. قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته، فليفرّج عن معسر» ) * «3» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله- عزّ وجلّ- فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه» ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الكرب) معنى انظر صفة (تفريج الكربات)   (1) أحمد في المسند، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 136) ، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار إلا أنه قال: وذهاب غمي مكان همي، والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان. (2) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له، مسلم (2580) . (3) أحمد (2/ 23) والهيثمي (4/ 133) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات واللفظ لهما. (4) مسلم (2699) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5436 من الآثار الواردة في ذمّ (الكرب) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب، وكان لها حفش «1» في المسجد، قالت: فكانت تأتينا فتحدّث عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربّنا ... ألا إنّه من بلدة الكفر نجّاني فلمّا أكثرت، قالت لها عائشة: وما يوم الوشاح؟. قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم، فسقط منها، فانحطّت عليه الحديّا وهي تحسبه لحما، فأخذت، فاتّهموني به، فعذّبوني، حتّى بلغ من أمري أنّهم طلبوا في قبلي، فبينا هم حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحديّا حتّى وازت برءوسنا، ثمّ ألقته فأخذوه، فقلت لهم: هذا الّذي اتّهمتموني به وأنا منه بريئة) * «2» . 2- * (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من ما لنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع ما لنا، فاقض ديني، وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من ما لنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك، قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شىء منه فاستعن عليه مولاى، قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله، قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر ... إلى آخر الحديث) * «3» . من مضار (الكرب) (1) دليل ضعف الدّين وقلّة اليقين. (2) يورث المرض من دون جدوى. (3) اتّباع للشّيطان وإغضاب للرّحمن. (4) دليل عدم الرّضا بالقدر.   (1) حفش: بيت صغير ذليل. (2) البخاري- الفتح 7 (3835) . (3) البخاري- الفتح 6 (3129) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5437 الكسل الكسل لغة: الكسل مأخوذ من مادّة «ك س ل» الّتي تدلّ على التّثاقل عن الشّيء، والقعود عن إتمامه «1» . يقول الجوهريّ: الكسل: التّثاقل عن الأمر، وقد كسل بالكسر فهو كسلان «2» : الكسل التّثاقل عمّا لا ينبغي أن يتثاقل عنه، والفعل كسل يكسل كسلا. ويقال: فلان لا تكسله المكاسل، يقول: لا تثقله وجوه الكسل «3» . وفحل كسل، يكسل عن الضّراب. وامرأة مكسال: فاترة عن التّحرّك «4» وهذا الأمر مكسلة أي يؤدّي إلى الكسل، ومنه الشّبع مكسلة، وقد كسّله تكسيلا، وفلان لا يستكسل المكاسل أي لا يعتلّ بوجود الكسل «5» . وقال ابن منظور: الكسل التّثاقل عن الشّيء والفتور عنه، يقال كسل عنه، بالكسر، كسلا، فهو كسل وكسلان والجمع كسالى وكسالى وكسلى، والأنثى كسلة وكسلانة، والمكسال والكسول: الّتي لا تكاد تبرح مجلسها وهو مدح لها مثل نؤوم الضّحى وقد أكسله الأمر «6» . الكسل اصطلاحا: قال المناويّ: الكسل: التّغافل عمّا لا ينبغي التّغافل عنه ولذلك عدّ مذموما «7» وضدّه النّشاط. وقال الرّاغب: الكسل: التّثاقل عمّا لا ينبغي التّثاقل عنه «8» . الكسل انسلاخ من الإنسانية: قال الإمام الرّاغب: من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانيّة، بل من الحيوانيّة وصار من جنس الموتى. ومن تعوّد الكسل ومال إلى الرّاحة فقد الرّاحة، وقد قيل: إن أردت ألّا تتعب فاتعب لئلّا تتعب، وقيل أيضا: إيّاك والكسل والضّجر، فإنّك إن كسلت لم تؤدّ حقّا، وإن ضجرت لم تصبر على الحقّ، ولأنّ الفراغ يبطل الهيئات الإنسانيّة فكلّ هيئة، بل كلّ عضو ترك استعماله يبطل، كالعين إذا غمضت، واليد إذا عطلت، ولذلك وضعت الرّياضات في كلّ شيء، ولمّا جعل الله- تعالى- للحيوان قوّة التّحرّك لم يجعل له رزقا إلّا بسعي مّا منه؛ لئلّا تتعطّل فائدة ما جعل له من قوّة التّحرّك، ولمّا جعل للإنسان قوّة الفكرة   (1) المقاييس (5/ 178) . (2) الصحاح (5/ 1810) . (3) تهذيب اللغة (10/ 60، 61) . (4) المفردات (431) . (5) التاج (15/ 655) . (6) لسان العرب (11/ 587) . (7) التوقيف (281) . (8) المفردات (431) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5438 ترك من كلّ نعمة أنعمها تعالى عليه جانبا يصلحه هو بفكرته لئلّا تبطل فائدة الفكرة، فيكون وجودها عبثا، وكما أنّ البدن يتعوّد الرّفاهية بالكسل، كذلك النّفس تتعوّده بترك النّظر، والتّفكّر ممّا يجعلها تتبلّد وتتبلّه، وترجع إلى رتبة البهائم، وإذا تأمّلت قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سافروا تغنموا» ونظرت إليه نظرا عاليا، علمت أنّه حثّك على التّحرّك الّذي يثمر لك جنّة المأوى ومصاحبة الملإ الأعلى، بل مجاورة الله تعالى «1» . أقسام الكسل: الكسل قسمان: الأوّل: كسل العقل بعدم إعماله في التّفكّر والتّدبّر والنّظر في آلاء الله من ناحية وفي تركه النّظر إلى ما يصلح شأن الإنسان، ومن حوله في الدّنيا الّتي فيها معاشه. وليس تأخّر الأمم ناتجا إلّا عن كسل أصحاب العقول فيها وقلّة اكتراثهم بالقوّة الإبداعيّة المفكّرة الّتي أودعها الله فيهم. الثّاني: كسل البدن بما يشتمل عليه من الجوارح، وينجم عن هذا الكسل تأخّر الأفراد، بله الأمم في مجالات النّشاط المختلفة من زراعة وصناعة وغيرهما «2» . قال في القاموس المحيط: الثّقل: ضدّ الخفّة. وتثاقل عنه: ثقل وتباطأ، والقوم: لم ينهضوا للنّجدة، وقد استنهضوا لها. وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. ولقد هممت أن آمر بالصّلاة فتقام. ثمّ آمر رجلا، فيصلّي بالنّاس، ثمّ أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصّلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار» «3» . وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استنفر حيّا من أحياء العرب، فتثاقلوا عليه، فأمسك عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم «4» . وقال الألوسي- رحمه الله- في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (التوبة/ 38) : أي اثّاقلتم مائلين إلى الدّنيا وشهواتها الفانية عمّا قليل وكرهتم مشاقّ الجهاد ومتاعبه المستتبعة للرّاحة الخالدة والحياة الباقية أو إلى الإقامة بأرضكم ودياركم والأوّل أبلغ في الإنكار والتّوبيخ ورجّح الثّاني بأنّه أبعد عن توهّم شائبة التّكرار في الآية «5» . [للاستزادة: انظر صفات: التهاون- صغر الهمة- الضعف- الوهن- الإهمال- التخلف عن الجهاد- التفريط والإفراط- البلادة والغباء- التخاذل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: النشاط- علو الهمة- العمل- القوة- قوة الإرادة- المسئولية- العزم والعزيمة- الشهامة] .   (1) باختصار وتصرف يسير عن: الذريعة إلى مكارم الشريعة (384) . (2) كتبت هذه الفقرة استنباطا مما ذكره الراغب في الذريعة تحت عنوان مدح السعي وذم الكسل (283) . (3) رواه البخاري- الفتح 2 (644) ومسلم (651) واللفظ له. (4) أخرجه الطبري: 14/ 254- 255، وصححه الحاكم في المستدرك: 2/ 118. (5) روح المعاني، الألوسي (10/ 95) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5439 الآيات الواردة في «الكسل» 1- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) «1» 2- وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (54) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55) «2» الآيات الواردة في «الكسل» معنى 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) «3» 4- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) «4» 5- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) «5»   (1) النساء: 142- 143 مدنية (2) التوبة: 54- 55 مدنية (3) التوبة: 38- 39 مدنية (4) التوبة: 81 مدنية (5) التوبة: 86- 87 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5440 الأحاديث الواردة في ذمّ (الكسل) 1- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذبك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها «1» أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها. اللهمّ إنّي أعوذبك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع «2» ، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «3» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يبلغ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يعقد الشّيطان على قافية رأس أحدكم «4» ثلاث عقد إذا نام، بكلّ عقدة يضرب عليك ليلا طويلا. فإذا استيقظ، فذكر الله، انحلّت عقدة. وإذا توضّأ، انحلّت عنه عقدتان، فإذا صلّى انحلّت العقد. فأصبح نشيطا طيّب النّفس، وإلّا أصبح خبيث النّفس كسلان» ) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الكسل) معنى 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا من الأنصار أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله. فقال: «أما في بيتك شيء؟» قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: «ائتني بهما» فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده وقال: «من يشتري هذين؟» قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: «من يزيد على درهم؟» . مرّتين أو ثلاثا. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إيّاه، وأخذ الدّرهمين وأعطاهما الأنصاريّ، وقال: «اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدّوما فأتني به» فأتاه به، فشدّ فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عودا بيده ثمّ قال له: «اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينّك خمسة عشر يوما» فذهب الرّجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إنّ المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» ) * «6» . 4- * (عن مالك بن نضلة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي الّتي تليها، ويد السّائل السّفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك» ) * «7» .   (1) وزكها: أي طهرها. (2) ومن نفس لا تشبع: معناه استعاذة من الحرص والطمع والشره، وتعلق النفس بالأموال. (3) مسلم (2722) . (4) قافية رأس أحدكم: أي آخر الرأس. (5) البخاري- الفتح 3 (1142) ، ومسلم (776) واللفظ له. (6) أبو داود (1641) واللفظ له، وفي الترمذي (653) بعضه وقال حديث حسن، والمنذري في الترغيب والترهيب (1/ 591) وقال رواه أبو داود والبيهقي بطوله وأخرج الترمذي والنسائي منه قصة بيع القدح فقط. وقال الترمذي: حديث حسن. (7) أبو داود (1649) واللفظ له، والحاكم (1/ 408) ، والبغوى فى شرح السنة (6/ 114) وقال محققه: اسناده قوى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5441 5- * (عن طاوس أنّه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقولون: كلّ شيء بقدر، قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ شيء بقدر. حتّى العجز والكيس «1» أو الكيس والعجز» ) * «2» . 6- * (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكيّس من دان نفسه «3» وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله» ) * «4» . 7- * (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأن يأخذ أحدكم أحبلا، فيأخذ حزمة من حطب فيبيع فيكفّ الله بها وجهه خير من أن يسأل النّاس أعطي أم منع» ) * «5» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدّق به ويستغني به من النّاس، خير له من أن يسأل رجلا، أعطاه أو منعه ذلك. فإنّ اليد العليا أفضل من اليد السّفلى. وابدأ بمن تعول» ) * «6» . من الآثار الواردة في ذمّ (الكسل) 1- * (قال لبيد بن ربيعة: إنّ تقوى ربّنا خير نفل ... وبإذن الله ريثي والعجل أحمد الله فلا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل أعمل العيس على علّاتها ... إنّما ينجح أصحاب العمل وإذا رمت رحيلا فارتحل ... واعص ما يأمر توصيم الكسل) * «7» من مضار (الكسل) (1) يؤدّي إلى موت الهمم وقبر النّبوغ. (2) طريق موصّل إلى استباحة أموال النّاس بغير حقّ. (3) ينمّ عن عجز الإنسان وبعده عن ربّه. (4) مظهر من مظاهر تأخّر الأمم والشّعوب. (5) دليل على سقوط الهمّة. (6) يورث الذّلّ والهوان.   (1) الكيس: ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور. (2) مسلم (2655) . (3) دان نفسه: أى حاسبها فى الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة. (4) الترمذى (2459) وقال: هذا حديث حسن، وابن ماجة (4260) واللفظ له، والبغوى فى شرح السنة (14/ 308) وقال: حديث حسن. (5) البخارى- الفتح 5 (2373) . (6) البخاري- الفتح 3 (1470) ، ومسلم (1042) واللفظ له. (7) انظر: تاريخ الأدب العربى، للزيات. والبيت الأخير في اللسان (وصم) . قال: والتوصيم في الجسد كالتكسير والفترة والكسل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5442 الكفر الكفر لغة: مصدر قولهم: كفر يكفر كفرا وهو مأخوذ من مادّة (ك ف ر) الّتي تدلّ على السّتر والتّغطية. يقول ابن فارس: يقال لمن غطّى درعه بثوب قد كفر درعه، والمكفّر: الرّجل المتغطّي بسلاحه، فأمّا قوله: حتّى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجنّ عورات الثّغور ظلامها فيقال: إنّ الكافر مغيب الشّمس، وقيل البحر، ويشبّه النّهر بالبحر فيقال كافر، والزّارع كافر لأنّه يغطّي الحبّ بتراب الأرض قال تعالى: أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ (الحديد/ 20) قال القرطبيّ: الكفّار هنا الزّرّاع لأنّهم يغطّون البذر «1» . والكفر ضدّ الإيمان، سمّي بذلك لأنّه تغطية الحقّ، وكذا كفران النّعمة: جحودها وسترها «2» . وقال الرّاغب: الكفر في اللّغة: ستر الشّيء، ووصف اللّيل بالكافر لستره الأشخاص، والزّرّاع لسترهم البذر في الأرض، وليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللّغة، وكفر النّعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها، وأعظم الكفر جحود الوحدانيّة أو الشّريعة أو النّبوّة، ولمّا كان الكفران يقتضي جحود النّعمة صار يستعمل في الجحود- قال تعالى-: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ (البقرة/ 41) أي جاحد له وساتر، وقد يقال كفر لمن أخلّ بالشّريعة وترك ما لزمه من شكر الله تعالى، قال سبحانه: ومَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ (الروم/ 44) يدلّ على ذلك مقابلته بقوله: وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (الروم/ 44) «3» . والكفر نقيض الإيمان في قولهم: آمنّا بالله وكفرنا بالطّاغوت يقال: كفر بالله يكفر كفرا. وكفورا وكفرانا، ويقال لأهل دار الحرب: قد كفروا أي عصوا وامتنعوا. والكفر: كفر النّعمة وهو نقيض الشّكر، وكفر نعمة الله يكفرها كفورا وكفرانا، وكفر بها: جحدها وسترها. ورجل مكفّر: مجحود النّعمة مع إحسانه، ورجل كافر: جاحد لأنعم الله مشتقّ من السّتر، وقيل: لأنّه مغطّى على قلبه، وجمع الكافر كفّار، وكفرة، وكفار، مثل جائع وجياع، ونائم ونيام، قال القطاميّ: وشقّ البحر عن أصحاب موسى ... وغرّقت الفراعنة الكفار وجمع الكافرة: الكوافر. ويقال إنّما سمّي الكافر كافرا؛ لأنّ الكفر غطّى   (1) تفسير القرطبى (17/ 165) ، وفى الآية أقوال أخرى منها: أن المراد هم الكفار بالله لأنهم أشد إعجابا بزينة الدنيا من المؤمنين. (2) مقاييس اللغة (5/ 191) . (3) المفردات للراغب (434) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5443 قلبه كلّه. وكلّ من ستر شيئا فقد كفره، وكفّره، وقولهم أكفرت الرّجل: دعوته كافرا، وكفّر الرّجل: نسبه إلى الكفر، والكفور: المبالغ في كفران النّعمة، قال تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (الزخرف/ 15) ، والكفّار أبلغ من الكافر، قال تعالى: كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (ق/ 24) . ويقال: كفر فلان: إذا اعتقد الكفر، ويقال: كفر إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد. والتّكفير: الذّلّ والخضوع. قال ابن الأثير: التّكفير: هو أن ينحني الإنسان ويطأطيء رأسه قريبا من الرّكوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه «1» . الكفر اصطلاحا: هو ستر نعمة المنعم بالجحود أو بعمل هو كالجحود في مخالفة المنعم «2» . وقيل هو: الإنكار المتعمّد لما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم أو بعض ما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم ممّا علم من دينه بالضّرورة، وهذا هو الحقّ الّذي عليه أهل السّنّة والجماعة وما عداه فهو باطل. وقال المناويّ: الكفر: تغطية ما حقّه الإظهار، والكفران: ستر نعمة المنعم بترك شكرها، وأعظم الكفر: جحود الوحدانيّة أو النّبوّة أو الشّريعة، ولفظ الكفران في جحود النّعمة أكثر استعمالا والكفر في الدّين أكثر، والكفور فيهما جميعا «3» . وقال التّهانويّ ما خلاصته: الكفر شرعا: خلاف الإيمان عند كلّ طائفة (انظر صفة الإيمان) . فعند الأشاعرة عدم تصديق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في (كلّ أو بعض) ما علم مجيئه من الدّين بالضّرورة، ومن قال: إنّ الإيمان هو المعرفة بالله قال: الكفر هو الجهل بالله، ومن قال: إنّ الإيمان هو الطّاعة قال: إنّ الكفر هو المعصية، وقد اختلف في المعصية الّتي تكفّر صاحبها فقالت الخوارج: كلّ معصية كفر، وقسّمت المعتزلة المعاصي إلى ثلاثة أقسام، يكفّر منها ما دلّ على الجهل بالله ووحدته وما لا يجوز عليه «4» . أنواع الكفر: قال بعض أهل العلم: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق، ومن لقي ربّه بشيء من ذلك لم يغفر له، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فأمّا كفر الإنكار فهو أن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التّوحيد وكذلك روي في تفسير قوله عزّ وجلّ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (البقرة/ 6) أي الّذين كفروا بتوحيد الله. وأمّا كفر الجحود فأن يعرف بقلبه ولا يقرّ بلسانه، فهذا كافر جاحد ككفر إبليس، وكفر أميّة بن أبي الصّلت، ومنه قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ (البقرة/ 89) يعني كفر الجحود، وأمّا كفر المعاندة فهو أن يعرف بقلبه ويقرّ بلسانه، ويأبى أن يقبل   (1) الصحاح، للجوهري (2/ 807، 808) ، والنهاية، لابن الأثير (4/ 188) ، ولسان العرب، لابن منظور (5/ 146- 149) ، والقاموس المحيط (605) ، وبصائر ذوي التمييز، للفيروز آبادي (4/ 361- 365) . (2) التعريفات للجرجاني (185) . (3) التوقيف (282) . (4) والقسمان الآخران: أحدهما ما يجعل صاحبه في منزلة بين المنزلتين وهو مرتكب الكبائر والآخر لا يخرج صاحبه عن الإيمان وهو مرتكب الصغائر، انظر كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1251) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5444 ككفر أبي طالب حيث يقول: ولقد علمت بأنّ دين محمّد ... من خير أديان البريّة دينا لولا الملامة أو حذار مسبّة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا وأمّا كفر النّفاق فأن يكفر بقلبه ويقرّ بلسانه «1» . وقال ابن القيّم- رحمه الله-: الكفر نوعان: كفر أكبر، وكفر أصغر. فالكفر الأكبر: هو الموجب للخلود في النّار. والأصغر: موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اثنتان في أمّتي، هما بهم كفر: الطّعن في النّسب، والنّياحة على الميّت» رواه مسلم «2» . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» رواه البخاريّ ومسلم. الكفر الأكبر: وأمّا الكفر الأكبر فخمسة أنواع: كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التّصديق، وكفر إعراض، وكفر شكّ، وكفر نفاق. فأمّا كفر التّكذيب: فهو اعتقاد كذب الرّسل. وهذا القسم قليل في الكفّار. فإنّ الله تعالى أيّد رسله، وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجّة. وأزال به المعذرة. قال الله تعالى عن فرعون وقومه: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا (النّمل/ 14) ، وقال لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام/ 33) . وإن سمّي هذا كفر تكذيب أيضا فصحيح. إذ هو تكذيب باللّسان. وأمّا كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس. فإنّه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار. وإنّما تلقّاه بالإباء والاستكبار. ومن هذا كفر من عرف صدق الرّسول وأنّه جاء بالحقّ من عند الله. ولم ينقد له إباء واستكبارا، وهو الغالب على كفر أعداء الرّسل. كما حكى الله تعالى عن فرعون وقومه: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ؟ (المؤمنون/ 47) . وأمّا كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرّسول لا يصدّقه ولا يكذّبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به ألبتّة. وأمّا كفر الشّكّ: فإنّه لا يجزم بصدقه ولا يكذّبه. بل يشكّ في أمره. وهذا لا يستمرّ شكّه إلّا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النّظر في آيات صدق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم جملة فلا يسمعها ولا يلتفت إليها. وأمّا مع التفاته إليها، ونظره فيها: فإنّه لا يبقى معه شكّ. وأمّا كفر النّفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان. وينطوي بقلبه على التّكذيب. فهذا هو النّفاق الأكبر. كفر الجحود: وأمّا كفر الجحود فهو نوعان: كفر مطلق عامّ، وكفر مقيّد خاصّ: فالمطلق: أن يجحد جملة ما أنزله الله، وإرساله الرّسول. والخاصّ المقيّد: أن يجحد فرضا من فروض الإسلام، أو تحريم محرّم من محرّماته، أو صفة وصف الله بها نفسه، أو خبرا أخبر الله به، عمدا أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من   (1) تهذيب اللغة للأزهري (10/ 193، 194) . (2) مسلم (67) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5445 الأغراض «1» . كفر العمل وكفر الاعتقاد: قال الشّيخ محمّد بن إبراهيم- رحمه الله-: من الممتنع أن يسمّي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا ولا يكون كافرا، بل هو كافر مطلقا. إمّا كفر عمل، وإمّا كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عبّاس رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) ، من رواية طاوس وغيره يدلّ على أنّ الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إمّا كفر اعتقاد ناقل عن الملّة. وإمّا كفر عمل لا ينقل عن الملّة. أمّا القسم الأوّل، وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع: أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقّيّة حكم الله ورسوله. وهو معنى ما روي عن ابن عبّاس، واختاره ابن جرير أنّ ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشّرعيّ وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم. الثّاني: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقّا، لكن اعتقد أنّ حكم غير الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أحسن من حكمه، وأتمّ وأشمل لما يحتاجه النّاس من الحكم بينهم عند التّنازع، إمّا مطلقا أو بالنّسبة إلى ما استجدّ من الحوادث. الّتي نشأت عن تطوّر الزّمان وتغيّر الأحوال، وهذا أيضا لا ريب أنّه كفر، لتفضيله أحكام المخلوقين الّتي هي محض زبالة الأذهان وصرف حثالة الأفكار على حكم الحكيم الحميد. الثّالث: أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنّه مثله، فهذا كالنّوعين اللّذين قبله، في كونه كافرا الكفر النّاقل عن الملّة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة لقوله عزّ وجلّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (الشورى/ 11) . الرّابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلا لحكم الله ورسوله. فضلا عن أن يعتقد كونه أحسن منه. لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله. فهذا كالّذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه. لاعتقاده جواز ما علم بالنّصوص الصّحيحة الصّريحة القاطعة تحريمه. الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشّرع. ومكابرة لأحكامه، ومشاقّة لله ولرسوله، وتشكيلا وتنويعا وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات، فكما أنّ للمحاكم الشّرعيّة مراجع ومستندات، مرجعها كلّها إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفّق من شرائع شتّى وقوانين كثيرة. السّادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر، والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم الّتي يسمّونها «سلومهم» يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به ويحملون على التّحاكم إليه عند النّزاع. بقاء على أحكام الجاهليّة وإعراضا ورغبة عن حكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله. وأمّا القسم الثّاني من قسمي الحاكم بغير ما   (1) مدارج السالكين (1/ 364- 367) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5446 أنزل الله: فهو مرويّ عن ابن عبّاس وذلك في قوله- رضي الله عنهما- في الآية: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) كفر دون كفر، وقوله أيضا: «ليس بالكفر الّذي تذهبون» وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضيّة بغيرها ومجانبة الهدى. وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملّة، فإنّه معصية عظمى أكبر من الكبائر كالزّنا، وشرب الخمر، والسّرقة، واليمين الغموس، وغيرها، فإنّ معصية سمّاها الله في كتابه: كفرا. أعظم من معصية لم يسمّها كفرا، نسأل الله أن يجمع المسلمين على التّحاكم إلى كتابه، انقيادا ورضاء إنّه وليّ ذلك والقادر عليه «1» . حكم الكفر: ذكر ابن حجر: أنّ كفران نعمة الخلق المستلزم لكفران نعمة الحقّ من الكبائر وقال: عدّ هذا كبيرة هو ظاهر ما جاء في حديث التّرمذيّ (من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن؛ فإنّ من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر) ومعنى الكفر هنا أنّه يجرّ إلى كفر نعم الله تعالى «2» . أمّا الكفر الّذي هو نقيض الإيمان فقد أشارت إلى حكمه الآية الكريمة وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (الإسراء/ 8) . هذا في الآخرة، فأمّا في الدّنيا فمنهم: أهل الكتاب، ومنهم المعاهدون ومنهم الملحدون، ومنهم المرتدّون، ولكلّ حكمه الّذي فصّلته كتب الفقه. معاني كلمة «الكفر» في القرآن: قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-: ذكر أهل التّفسير أنّ الكفر في القرآن على خمسة أوجه: أحدها: الكفر بالتّوحيد. ومنه قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (البقرة/ 6) . والثّاني: كفران النّعمة. ومنه قوله تعالى: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (البقرة/ 152) . والثّالث: التّبرّي. ومنه قوله تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ (العنكبوت/ 25) أي يتبرّأ بعضكم من بعض. والرّابع: الجحود. ومنه قوله تعالى فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ (البقرة/ 89) . والخامس: التّغطية. ومنه قوله تعالى: أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ (الحديد/ 20) يريد الزّرّاع الّذين يغطّون الحبّ «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الإلحاد- الجحود- الحكم بغير ما أنزل الله- الردة- الزندقة- الشرك- النفاق- نكران الجميل- الفسوق- العصيان- الفجور- موالاة الكفار- الفساد- الأمن من المكر- الغي والإغواء- طول الأمل- الجهل- الإعراض. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإسلام- الاعتراف بالفضل- الإيمان- التقوى- الولاء والبراء الحكم بما أنزل الله- الصدق- الإحسان- الإخلاص- الاتباع- البصيرة- العلم] .   (1) رسالة تحكيم القوانين، للشيخ محمد بن إبراهيم (19- 22) . (2) الزواجر (255) . (3) نزهة الأعين النواظر، لابن الجوزي (516) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5447 الآيات الواردة في «الكفر» الكفر بالوحدانية: 1- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) «1» 2- وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) «2» 3- * إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ   (1) البقرة: 6- 19 مدنية (2) البقرة: 23- 24 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5448 رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) «1» 4- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) «2» 5- وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) * وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) «3» 6- مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)   (1) البقرة: 26- 28 مدنية (2) البقرة: 39 مدنية (3) البقرة: 88- 93 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5449 وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) «1» 7- أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «2» 8- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) «3» 9- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) «4» 10- وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) «5» 11- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) «6»   (1) البقرة: 98- 105 مدنية (2) البقرة: 108- 109 مدنية (3) البقرة: 126 مدنية (4) البقرة: 161- 162 مدنية (5) البقرة: 171 مدنية (6) البقرة: 191 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5450 12- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) «1» 13- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) «2» 14- * تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (253) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «3» 15- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) «4» 16- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «5» 17- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (12) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ   (1) البقرة: 212 مدنية (2) البقرة: 250 مدنية (3) البقرة: 253- 254 مدنية (4) البقرة: 257- 258 مدنية (5) البقرة: 286 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5451 فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) «1» 18- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) «2» 19- قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32) «3» 20- * فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) «4» 21- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) «5» 22- وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) «6» 23- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) «7» 24- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (91) «8» 25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) «9»   (1) آل عمران: 10- 13 مدنية (2) آل عمران: 28 مدنية (3) آل عمران: 32 مدنية (4) آل عمران: 52 مدنية (5) آل عمران: 55- 56 مدنية (6) آل عمران: 80 مدنية (7) آل عمران: 86 مدنية (8) آل عمران: 90- 91 مدنية (9) آل عمران: 100- 101 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5452 26- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) «1» 27- لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) «2» 28- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) «3» 29- وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) «4» 30- وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) «5» 31- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) «6» 32- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) «7» 33- وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (177)   (1) آل عمران: 106 مدنية (2) آل عمران: 127- 128 مدنية (3) آل عمران: 130- 131 مدنية (4) آل عمران: 141 مدنية (5) آل عمران: 147- 151 مدنية (6) آل عمران: 156 مدنية (7) آل عمران: 167 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5453 وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178) «1» 34- وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) «2» 35- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) «3» 36- يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42) «4» 37- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) «5» 38- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) «6» 39- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) «7» 40- الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «8» 41- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) «9»   (1) آل عمران: 176- 178 مدنية (2) النساء: 18 مدنية (3) النساء: 37- 38 مدنية (4) النساء: 42 مدنية (5) النساء: 46 مدنية (6) النساء: 51- 52 مدنية (7) النساء: 56 مدنية (8) النساء: 76 مدنية (9) النساء: 84 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5454 42- وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) «1» 43- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) «2» 44- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) «3» 45- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ   (1) النساء: 89 مدنية (2) النساء: 101- 102 مدنية (3) النساء: 131 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5455 لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) «1» 46- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) «2» 47- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (150) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) «3» 48- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (167) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) «4» 49- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «5» 50- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) «6»   (1) النساء: 136- 141 مدنية (2) النساء: 144 مدنية (3) النساء: 150- 151 مدنية (4) النساء: 167- 170 مدنية (5) المائدة: 3- 5 (3 نزلت بعرفات، 4- 5 مدنية) (6) المائدة: 10 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5456 51- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) «1» 52- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37) «2» 53- * يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) «3» 54- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «4» 55- وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) «5» 56- * يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (68) «6» 57- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72)   (1) المائدة: 17 مدنية (2) المائدة: 36- 37 مدنية (3) المائدة: 41 مدنية (4) المائدة: 54 مدنية (5) المائدة: 61 مدنية (6) المائدة: 67- 68 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5457 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) «1» 58- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) «2» 59- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (86) «3» 60- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (13) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) «4» 61- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) «5»   (1) المائدة: 72- 74 مدنية (2) المائدة: 78- 80 مدنية (3) المائدة: 86 مدنية (4) المائدة: 110- 115 مدنية (5) الأنعام: 1 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5458 62- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) «1» 63- وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) «2» 64- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «3» 65- أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) «4» 66- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (122) «5» 67- يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130) «6» 68- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «7» 69- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) «8»   (1) الأنعام: 25 مكية (2) الأنعام: 30 مكية (3) الأنعام: 70 مكية (4) الأنعام: 89 مكية (5) الأنعام: 122 مكية (6) الأنعام: 130 مكية (7) الأعراف: 37 مكية (8) الأعراف: 44- 45 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5459 70- وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «1» 71- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «2» 72- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) «3» 73- وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93) «4» 74- تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) «5» 75- وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) «6» 76- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12)   (1) الأعراف: 50- 51 مكية (2) الأعراف: 66- 68 مكية (3) الأعراف: 76- 78 مكية (4) الأعراف: 90- 93 مكية (5) الأعراف: 101 مكية (6) الأنفال: 7- 8 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5460 ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) «1» 77- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) «2» 78- وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)   (1) الأنفال: 12- 18 مدنية (2) الأنفال: 30- 38 (30- 36 مكية، 37- 38 مدنية) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5461 كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) «1» 79- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) «2» 80- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) «3» 81- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) «4» 82- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) «5» 83- بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) «6» 84- وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) «7»   (1) الأنفال: 50- 52 مدنية (2) الأنفال: 55- 57 مدنية (3) الأنفال: 59 مدنية (4) الأنفال: 65- 66 مدنية (5) الأنفال: 72- 73 مدنية (6) التوبة: 1- 3 مدنية (7) التوبة: 12 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5462 85- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) «1» 86- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) «2» 87- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) «3» 88- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) «4» 89- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «5» 90- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «6»   (1) التوبة: 17 مدنية (2) التوبة: 23 مدنية (3) التوبة: 25- 27 مدنية (4) التوبة: 30- 32 مدنية (5) التوبة: 37 مدنية (6) التوبة: 40 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5463 91- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) «1» 92- وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (54) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) «2» 93- وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) «3» 94- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «4» 95- اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) «5» 96- وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85) «6» 97- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «7» 98- الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) «8» 99- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ   (1) التوبة: 49 مدنية (2) التوبة: 54- 56 مدنية (3) التوبة: 68 مدنية (4) التوبة: 73- 74 مدنية (5) التوبة: 80 مدنية (6) التوبة: 84- 85 مدنية (7) التوبة: 90 مدنية (8) التوبة: 97 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5464 حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) «1» 100- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) «2» 101- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) «3» 102- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) «4» 103- قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «5» 104- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «6»   (1) التوبة: 107 مدنية (2) التوبة: 120 مدنية (3) التوبة: 123- 125 مدنية (4) يونس: 1- 4 مكية (5) يونس: 68- 70 مكية (6) يونس: 84- 86 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5465 105- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) «1» 106- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) «2» 107- * وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) «3» 108- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) «4» 109- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) «5» 110- قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) «6»   (1) هود: 7- 9 مكية (2) هود: 25- 27 مكية (3) هود: 41- 43 مكية (4) هود: 59- 60 مكية (5) هود: 66- 68 مكية (6) يوسف: 37 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5466 111- * وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) «1» 112- لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (14) «2» 113- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) «3» 114- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34) * مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) «4» 115- وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)   (1) الرعد: 5- 7 مدنية (2) الرعد: 14 مدنية (3) الرعد: 27 مدنية (4) الرعد: 30- 35 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5467 وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43) «1» 116- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ () اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) «2» 117- وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) * قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) «3»   (1) الرعد: 42- 43 مدنية (2) إبراهيم: 1- 3 مكية (3) إبراهيم: 8- 18 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5468 118- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) «1» 119- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) «2» 120- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (39) «3» 121- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88) «4» 122- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) «5» 123- عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) «6» 124- وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (89) «7» 125- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «8» 126- قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) «9»   (1) الحجر: 1- 3 مكية (2) النحل: 26- 27 مكية (3) النحل: 38- 39 مكية (4) النحل: 88 مكية (5) النحل: 106- 107 مكية (6) الإسراء: 8 مكية (7) الإسراء: 89 مكية (8) الكهف: 29 مكية (9) الكهف: 37- 38 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5469 127- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «1» 128- * وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) «2» 129- وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) «3» 130- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) «4» 131- أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) «5»   (1) الكهف: 56 مكية (2) الكهف: 99- 106 (99 و102- 106 مكية، 100- 101 مدنية) (3) مريم: 36- 37 مكية (4) مريم: 73- 75 مكية (5) مريم: 77- 84 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5470 132- أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) «1» 133- وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) «2» 134- وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) «3» 135- * هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22) «4» 136- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25) «5» 137- * إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) «6» 138- وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44) «7»   (1) الأنبياء: 30 مكية (2) الأنبياء: 36- 40 مكية (3) الأنبياء: 97- 98 مكية (4) الحج: 19- 22 مدنية (5) الحج: 25 مدنية (6) الحج: 38 مدنية (7) الحج: 42- 44 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5471 139- وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «1» 140- وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) «2» 141- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) «3» 142- فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (34) «4» 143- وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «5»   (1) الحج: 55- 57 مدنية (2) الحج: 66- 72 مدنية (3) المؤمنون: 23- 24 مكية (4) المؤمنون: 32- 34 مكية (5) المؤمنون: 117- 118 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5472 144- وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39) «1» 145- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «2» 146- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) «3» 147- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (3) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) «4» 148- وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26) «5» 149- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) «6» 150- وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (50) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52) «7»   (1) النور: 39 مدنية (2) النور: 55 مدنية (3) النور: 57 مدنية (4) الفرقان: 1- 5 مكية (5) الفرقان: 25- 26 مكية (6) الفرقان: 32- 34 مكية (7) الفرقان: 50- 52 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5473 151- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55) «1» 152- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) «2» 153- وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (86) «3» 154- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (13) «4» 155- وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25) «5» 156- وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) «6» 157- قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (54) «7» 158- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) «8» 159- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «9» 160- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) «10»   (1) الفرقان: 55 مكية (2) النمل: 67 مكية (3) القصص: 86 مكية (4) العنكبوت: 12- 13 مكية (5) العنكبوت: 25 مكية (6) العنكبوت: 47 مكية (7) العنكبوت: 52- 54 مكية (8) الروم: 16 مكية (9) الروم: 44- 45 مكية (10) الروم: 58 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5474 161- وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (21) * وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (23) «1» 162- وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) «2» 163- قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30) «3» 164- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) «4» 165- لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8) «5» 166- وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) «6» 167- وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «7» 168- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (65) «8» 169- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «9» 170- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) «10»   (1) لقمان: 21- 23 مكية (2) لقمان: 32- 33 مكية (3) السجدة: 29- 30 مكية (4) الأحزاب: 1 مدنية (5) الأحزاب: 8 مدنية (6) الأحزاب: 25 مدنية (7) الأحزاب: 48 مدنية (8) الأحزاب: 64- 65 مدنية (9) سبأ: 3 مكية (10) سبأ: 7 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5475 171- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) «1» 172- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) «2» 173- إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «3» 174- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) «4» 175- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «5» 176- هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً (39) «6» 177- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ   (1) سبأ: 31- 34 مكية (2) سبأ: 43 مكية (3) فاطر: 6- 7 مكية (4) فاطر: 24- 26 مكية (5) فاطر: 36- 37 مكية (6) فاطر: 39 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5476 كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) «1» 178- وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) «2» 179- ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) «3» 180- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) «4» 181- أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «5» 182- إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) * وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) «6» 183- * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) «7» 184- أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) «8» 185- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ   (1) يس: 47 مكية (2) يس: 69- 70 مكية (3) ص: 1- 4 مكية (4) ص: 27 مكية (5) الزمر: 3 مكية (6) الزمر: 7- 8 مكية (7) الزمر: 32 مكية (8) الزمر: 56- 59 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5477 يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71) «1» 186- ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) «2» 187- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) «3» 188- وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (50) «4» 189- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) «5» 190- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا   (1) الزمر: 71 مكية (2) غافر: 4- 6 مكية (3) غافر: 10- 14 مكية (4) غافر: 49- 50 مكية (5) غافر: 69- 74 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5478 بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85) «1» 191- * قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) «2» 192- إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14) «3» 193- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (28) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) «4» 194- وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «5» 195- ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «6» 196- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) «7» 197- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ   (1) غافر: 82- 85 مكية (2) فصّلت: 9 مكية (3) فصّلت: 14 مكية (4) فصّلت: 26- 29 مكية (5) الشورى: 26 مكية (6) الأحقاف: 3- 7 مكية (7) الأحقاف: 20 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5479 تَكْفُرُونَ (34) «1» 198- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) «2» 199- وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9) * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) «3» 200- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32) «4» 201- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) «5» 202- وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (13) «6» 203- وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (22) «7» 204- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) «8»   (1) الأحقاف: 34 مكية (2) محمد: 1- 4 مدنية (3) محمد: 8- 12 مدنية (4) محمد: 32 مدنية (5) محمد: 34 مدنية (6) الفتح: 13 مدنية (7) الفتح: 22 مدنية (8) الفتح: 25- 26 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5480 205- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «1» «2» 206- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) «3» 207- ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) «4» 208- وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) «5» 209- فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) «6» 210- أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) «7» 211- وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) «8»   (1) الفتح: 29 مدنية (2) الكفر المذكور أولا بمعنى الكفر بالوحدانية أما المذكور ثانيا (ليغيظ بهم الكفار) فالمراد به معنى التغطية للنبات (أي الزرع) . (3) الحجرات: 7 مدنية (4) ق: 1- 3 مكية (5) ق: 19- 26 مكية (6) الذاريات: 60 مكية (7) الطور: 41- 43 مكية (8) القمر: 13- 16 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5481 212- يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) «1» 213- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «2» 214- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (5) «3» 215- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «4» 216- * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (17) «5»   (1) الحديد: 13- 15 مدنية (2) الحديد: 19 مدنية (3) المجادلة: 5 مدنية (4) الحشر: 2 مدنية (5) الحشر: 11- 17 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5482 217- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) «1» 218- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «2» 219- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) «3» 220- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14) «4» 221- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) «5» 222- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) «6» 223- أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) «7»   (1) الممتحنة: 10- 11 مدنية (2) الممتحنة: 13 مدنية (3) الصف: 7- 8 مدنية (4) الصف: 14 مدنية (5) المنافقون: 1- 3 مدنية (6) التغابن: 1- 2 مدنية (7) التغابن: 5- 7 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5483 224- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) «1» 225- يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) «2» 226- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) «3» 227- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) «4» 228- أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) «5» 229- فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28) «6» 230- وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (52) «7» 231- وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) «8» 232- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) «9» 233- فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)   (1) التغابن: 10 مدنية (2) التحريم: 7 مدنية (3) التحريم: 9- 10 مدنية (4) الملك: 6- 11 مكية (5) الملك: 20 مكية (6) الملك: 27- 28 مكية (7) القلم: 51- 52 مكية (8) الحاقة: 48- 51 مكية (9) المعارج: 1- 2 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5484 فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44) «1» 234- وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) «2» 235- فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (17) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) «3» 236- فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) «4» 237- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «5» 238- إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً (4) «6» 239- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) «7» 240- نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40) «8» 241- وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «9» 242- فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) «10»   (1) المعارج: 36- 44 مكية (2) نوح: 26- 27 مكية (3) المزمل: 17- 18 مكية (4) المدثر: 8- 10 مكية (5) المدثر: 31 مدنية وبقية السورة مكية (6) الإنسان: 2- 4 مدنية (7) الإنسان: 24 مدنية (8) النبأ: 40 مكية (9) عبس: 40- 42 مكية (10) المطففين: 34- 36 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5485 243- فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) «1» 244- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) «2» 245- إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17) «3» 246- فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24) «4» 247- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) «5» 248- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) «6» 249- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) «7» 250- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) «8» الكفر بمعنى كفران النعمة: 251- وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «9»   (1) الإنشقاق: 20- 23 مكية (2) البروج: 17- 20 مكية (3) الطارق: 15- 17 مكية (4) الغاشية: 21- 24 مكية (5) البلد: 19- 20 مكية (6) البينة: 1 مدنية (7) البينة: 6 مدنية (8) الكافرون: 1- 6 مكية (9) البقرة: 61 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5486 252- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) «1» 253- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) «2» 254- وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (116) «3» 255- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «4» 256- وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (54) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) «5» 257- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) «6»   (1) البقرة: 264 مدنية (2) البقرة: 275- 276 مدنية (3) آل عمران: 115- 116 مدنية (4) المائدة: 12 مدنية (5) التوبة: 54- 56 مدنية (6) يوسف: 87 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5487 258- * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) «1» 259- وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) «2» 260- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) «3» 261- يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) «4» 262- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) «5» 263- وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) «6» 264- وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69) «7» 265- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) «8»   (1) إبراهيم: 28- 30 مكية (2) إبراهيم: 34 مكية (3) النحل: 72- 73 (4) النحل: 83- 84 مكية (5) النحل: 112 مكية (6) الإسراء: 26- 27 مكية (7) الإسراء: 67- 69 مكية (8) الكهف: 80- 81 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5488 266- قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) «1» 267- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) «2» 268- وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (82) «3» 269- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68) «4» 270- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) «5» 271- وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) «6» 272- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «7»   (1) الشعراء: 18- 20 مكية (2) النمل: 40- 43 مكية (3) القصص: 82 مكية (4) العنكبوت: 67- 68 مكية (5) الروم: 33- 34 مكية (6) لقمان: 12 مكية (7) الشورى: 47- 48 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5489 الكفر بمعنى الجحود: 273- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) «1» 274- وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) «2» 275- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) «3» 276- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) «4» 277- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) «5» 278- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) «6» 279- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20)   (1) البقرة: 34 مدنية (2) البقرة: 41 مدنية (3) البقرة: 85 مدنية (4) البقرة: 121- 122 مدنية (5) البقرة: 217 مدنية (6) آل عمران: 1- 4 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5490 إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) «1» 280- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) «2» 281- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (98) «3» 282- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «4» 283- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) «5» 284- وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) «6» 285- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) «7» 286- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ   (1) آل عمران: 19- 21 مدنية (2) آل عمران: 70- 71 مدنية (3) آل عمران: 96- 98 مدنية (4) آل عمران: 112 مدنية (5) النساء: 155- 156 مدنية (6) النساء: 161 مدنية (7) المائدة: 44 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5491 وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «1» 287- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102) ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (104) «2» 288- وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «3» 289- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) «4» 290- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) «5» 291- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) «6» 292- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8) «7»   (1) المائدة: 64 مدنية (2) المائدة: 101- 104 مدنية (3) الأنعام: 7 مكية (4) هود: 17- 20 مكية (5) القصص: 48 مكية (6) العنكبوت: 23 مكية (7) الروم: 8 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5492 293- وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (13) «1» 294- وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) «2» 295- وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (10) «3» 296- وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54) «4» 297- هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) «5» 298- وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) «6» 299- إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) «7» 300- اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) «8» 301- * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) «9»   (1) الروم: 13 مكية (2) الروم: 51 مكية (3) السجدة: 10 مكية (4) سبأ: 53- 54 مكية (5) يس: 63- 65 مكية (6) الصافات: 167- 170 مكية (7) ص: 71- 74 مكية (8) الزمر: 62- 63 مكية (9) غافر: 21- 25 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5493 302- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) «1» 303- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) «2» 304- وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) «3» 305- * قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24) «4» 306- وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (30) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (33) «5» 307- هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) «6» 308- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) «7»   (1) فصّلت: 41- 42 مكية (2) فصّلت: 49- 52 مكية (3) الزخرف: 15 مكية (4) الزخرف: 24 مكية (5) الزخرف: 30- 33 مكية (6) الجاثية: 11 مكية (7) الجاثية: 27- 31 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5494 309- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) «1» الكفر بمعنى التبرؤ: 310- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) «2» 311- إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) «3»   (1) الأحقاف: 10- 11 (10 مدنية، 11 مكية) (2) النساء: 60 مدنية (3) فاطر: 14 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5495 الأحاديث الواردة في ذمّ (الكفر) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألم تري أنّ قومك لمّا بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم. فقلت يا رسول الله ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ فقال: «لولا حدثان قومك بالكفر» . فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أرى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترك استلام الرّكنين اللّذين يليان الحجر «1» إلّا أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم» ) *. «2» 2- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة» قال: فكبّرنا. ثمّ قال: «أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة قال: فكبّرنا. ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة، وسأخبركم عن ذلك، ما المسلمون في الكفّار إلّا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض» ) * «3» 3- (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ أناسا من الأنصار قالوا، يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء. فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي رجالا من قريش. المائة من الإبل. قالوا: يغفر الله لرسول الله. يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم!. قال أنس بن مالك فحدّث ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من قولهم. فأرسل إلى الأنصار. فجمعهم في قبّة من أدم. فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «ما حديث بلغني عنكم؟» فقال له فقهاء الأنصار: أمّا ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا. وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسوله. يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم!، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم. أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فو الله! لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به» فقالوا: بلى يا رسول الله! قد رضينا. قال: «فإنّكم ستجدون أثرة شديدة. فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله. فإنّي على الحوض» . قالوا: سنصبر) * «4» . 4- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: «أليس الّذي أمشاه على رجليه في الدّنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» ؟) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضافه ضيف كافر فأمر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشاة فحلبت فشرب. ثمّ أخرى فشربه. ثمّ أخرى   (1) يليان الحجر: أي يقربان منه، والحجر: اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي. (2) البخاري- الفتح 6 (3368) واللفظ له. ومسلم (1333) . (3) البخاري- الفتح 11 (6528) . ومسلم (221) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 7 (3793) . ومسلم (1059) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 11 (6523) . ومسلم (2806) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5496 فشربه. حتّى شرب حلاب سبع شياه. ثمّ أصبح من الغد فأسلم. فأمر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشاة فحلبت فشرب حلابها «1» . ثمّ أمر له بأخرى فلم يستتمّها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن يشرب في معى واحد، والكافر يشرب في سبعة أمعاء» ) * «2» . 6- * (عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج- رضي الله عنهما- أنّهما قالا: إنّ محيّصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر. فتفرّقا في النّخل. فقتل عبد الله بن سهل. فاتّهموا اليهود. فجاء أخوه عبد الرّحمن وابنا عمّه حويّصة ومحيّصة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فتكلّم عبد الرّحمن في أمر أخيه. وهو أصغر منهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كبّر الكبر» أو قال «ليبدإ الأكبر فتكلّما في أمر صاحبهما. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمّته؟» قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال: «فتبرّئكم يهود بأيمان خمسين منهم؟» «قالوا: يا رسول الله! قوم كفّار. قال: «فوداه «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبله» ) * «4» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ ناسا من عكل وعرينة قدموا المدينة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتكلّموا بالإسلام، فقالوا: يا نبيّ الله إنّا كنّا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة. فأمر لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها. فانطلقوا، حتّى إذا كانوا ناحية الحرّة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، واستاقوا الذّود. فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبعث الطّلب في آثارهم فأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرّة حتّى ماتوا على حالهم» ) * «5» . 8- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على أمّ مبشّر الأنصاريّة في نخل لها. فقال لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من غرس هذا النّخل؟ أمسلم أم كافر؟» فقالت: بل مسلم. فقال: «لا يغرس مسلم غرسا، ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان، ولا دابّة ولا شيء، إلّا كانت له صدقة» ) * «6» . 9- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل مكّة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة بين يديه يمشي وهو يقول: خلّوا بني الكفّار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي حرم الله- عزّ وجلّ- تقول الشّعر، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «خلّ عنه يا عمر. فلهو أسرع فيهم من نضح النّبل» ) * «7» .   (1) حلابها: الحلاب الإناء الذي يحلب فيه اللبن. (2) مسلم (2063) والترمذى (1819) واللفظ له. (3) فوداه: أي دفع ديته. (4) البخاري- الفتح 12 (6898) . ومسلم (1669) . (5) البخاري- الفتح 7 (4192) واللفظ له. ومسلم (1671) . (6) مسلم (1552) . (7) النسائي (5/ 202) واللفظ له. والترمذي (2847) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. قال الحافظ ابن حجر في غير هذا الحديث: إن هذه القصة لكعب بن مالك. وهذا أصح لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة وكانت عمرة- الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5497 10- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه «1» ويستره. فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم. أي ربّ، حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه هلك. قال: سترتها عليك في الدّنيا وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد «2» : هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم، ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «3» . 11- * (عن المقداد بن عمرو- رضي الله عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار فاقتتلنا فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها ثمّ لاذ منّي بشجرة فقال أسلمت لله. أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» . فقال: يا رسول الله إنّه قطع إحدى يديّ. ثمّ قال ذلك بعدما قطعها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «4» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اثنتان في النّاس هما بهم كفر. الطّعن في النّسب، والنّياحة على الميّت» ) *» . 13- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كفّر الرّجل أخاه فقد باء بها أحدهما» ) * «6» . 14- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة» ) * «7» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا. وإنّ ضرسه مثل أحد، وإنّ مجلسه من جهنّم كما بين مكّة والمدينة» ) * «8» . 16- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يظلم مؤمنا حسنة. يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة. وأمّا الكافر، فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدّنيا حتّى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها» ) * «9» . 17- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه» ) * «10» .   - القضاء قبل ذلك وهو ذهول شديد. وغلط مردود وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته. (فتح الباري 7/ 503) . (1) في كنفه: حفظه وستره. (2) الأشهاد: الملائكة والنبيون وسائر الإنس والجن. (3) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم (2768) . (4) البخاري- الفتح 7 (4019) . (5) مسلم (67) . (6) البخاري- الفتح 10 (6104) . ومسلم (60) واللفظ له. (7) مسلم (82) . (8) الترمذي (2577) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال الألباني في تعليقة على «مشكاة المصابيح» (3/ 1580) : سنده صحيح، وأورده في «سلسلة الأحاديثة الصحيحة» (3/ 95) . (9) مسلم (2808) . (10) البخاري- الفتح 3 (1288) . ومسلم (929) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5498 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: الإيمان يمان. والكفر قبل المشرق، والسّكينة في أهل الغنم. والفخر والرّياء في الفدّادين «1» أهل الخيل والوبر» ) * «2» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال فتنا «3» كقطع اللّيل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا. أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا. يبيع دينه بعرض من الدّنيا» ) * «4» . 20- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بني الإسلام على خمس. على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت. وصوم رمضان» ) * «5» . 21- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما. وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلّا للهّ. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النّار» ) * «6» . 22- * (عن جنادة بن أبي أميّة قال: دخلنا على عبادة بن الصّامت وهو مريض قلنا: أصلحك الله، حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: دعانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السّمع والطّاعة في منشطنا، ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلّا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان» ) * «7» . 23- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الدّنيا سجن المؤمن، وجنّة الكافر» ) * «8» . 24- * (عن النّواس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدّجّال ذات غداة. فخفّض فيه ورفّع حتّى ظننّاه في طائفة النّخل. فلمّا رحنا إليه عرف ذلك فينا. فقال: «ما شأنكم؟» قلنا: يا رسول الله ذكرت الدّجّال غداة. فخفّضت فيه ورفّعت. حتّى ظننّاه في طائفة النّخل. فقال: «غير الدّجّال أخوفني عليكم. إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم. وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه. والله خليفتي على كلّ مسلم. إنّه شابّ قطط «9» عينه طافئة. كأنّي أشبّهه بعبد العزّى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنّه خارج خلّة بين الشّام والعراق. فعاث يمينا وعاث شمالا. يا عباد الله! فاثبتوا» قلنا: يا رسول الله، ومالبثه في الأرض؟ قال   (1) الفدادين: هم الذين تعلوا أصواتهم في إبلهم وخيلهم. (2) البخاري- الفتح 6 (3301) . ومسلم (52) واللفظ له. (3) بادروا بالأعمال فتنا: أي بادروا بالأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة. (4) مسلم (118) . (5) البخاري- الفتح 1 (8) . ومسلم (16) واللفظ له. (6) البخاري- الفتح 1 (16) . ومسلم (43) . (7) البخاري- الفتح 13 (7055، 7056) . ومسلم (1709) . (8) مسلم (2956) . (9) قطط: شديد جعودة الشعر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5499 «أربعون يوما. يوم كسنة. ويوم كشهر. ويوم كجمعة. وسائر أيّامه كأيّامكم» قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الّذى كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «اقدروا له قدره» قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال كالغيث استدبرته الرّيح. فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له. فيأمر السّماء فتمطر. والأرض فتنبت. فتروح عليهم سارحتهم، أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، وأمدّه خواصر. ثمّ يأتي القوم فيدعوهم فيردّون عليه قوله. فينصرف عنهم. فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم. ويمرّ بالخربة فيقول لها: أخرجى كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النّحل. ثمّ يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسّيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض. ثمّ يدعوه فيقبل ويتهلّل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقيّ دمشق، بين مهرودتين، واضعا كفّيه على أجنحة ملكين. إذا طأطأ رأسه قطر. وإذا رفعه تحدّر منه جمان كاللّؤلؤ. فلا يحلّ لكافر يجد ريح نفسه إلّا مات. ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه. فيطلبه حتّى يدركه بباب اللدّ فيقتله. ثمّ يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه. فيمسح عن وجوههم ويحدّثهم بدرجاتهم في الجنّة. فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى: إنّي قد أخرجت عبادا لى، لا يدان لأحد بقتالهم. فحرّز عبادي إلى الطّور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج. وهم من كلّ حدب ينسلون «1» . فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبريّة. فيشربون ما فيها. ويمرّ آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرّة ماء. ويحصر نبيّ الله عيسى وأصحابه. حتّى يكون رأس الثّور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم. فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه. فيرسل الله عليهم النّغف «2» في رقابهم. فيصبحون فرسى «3» كموت نفس واحدة. ثمّ يهبط نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الأرض. فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلّا ملأه زهمهم «4» ونتنهم. فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله. فيرسل الله طيرا كأعناق البخت «5» . فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله. ثمّ يرسل الله مطرا لا يكنّ «6» منه بيت مدر «7» ولا وبر. فيغسل الأرض حتّى يتركها كالزّلفة «8» . ثمّ يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردّي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة «9» من الرّمّانة ... الحديث) * «10» . 25- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ ثوبين معصفرين «11» . فقال: «إنّ هذه من ثياب   (1) وهم من كل حدب ينسلون: الحدب: النشز من الأرض والموضع المرتفع، وينسلون: يمشون مسرعين. (2) النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم. (3) فرسى: قتلى. المفرد: فريس. (4) زهمهم: أي دسمهم. (5) البخت: الإبل الخراسانية وهي جمال طويلة الأعناق. (6) لا يكنّ: لا يمنع نزول الماء. (7) مدر: هو الطين الصلب. (8) كالزلفة: أي كالمرآة. وقيل: كالروضة. (9) العصابة: الجماعة. (10) مسلم (2937) . (11) معصفرين: أي مصبوغين بعصفر. والعصفر صبغ أصفر اللون. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5500 الكفّار، فلا تلبسها» ) * «1» . 26- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» ) * «2» . 27- * (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: شرّ قتلى «3» قتلوا تحت أديم السّماء، وخير قتيل من قتلوا «4» ، كلاب أهل النّار. قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفّارا. قلت: يا أبا أمامة هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» . 28- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ، قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصّبح بالحديبية في إثر السّماء «6» كانت من اللّيل. فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب. وأمّا من قال: مطرنا بنوء» كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» ) * «8» . 29- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أراد حنينا: «منزلنا غدا إن شاء الله بخيف «9» بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر» ) * «10» . 30- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد عبد القيس على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله، إنّا هذا الحيّ من ربيعة قد حالت بيننا وبينك كفّار مضر. ولسنا نخلص إليك إلّا في الشّهر الحرام. فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا. قال: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلّا الله، وعقد بيده هكذا، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة. وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدّبّاء «11» والحنتم «12» والنّقير «13» والمزفّت «14» » ) * «15» . 31- * (عن عمرو بن عبسة السّلميّ قال: كنت وأنا في الجاهليّة أظنّ أنّ النّاس على ضلالة وأنّهم ليسوا على شيء. وهم يعبدون الأوثان. فسمعت برجل بمكّة يخبر أخبارا. فقعدت على راحلتي. فقدمت عليه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستخفيا، جرآء   (1) مسلم (2077) . (2) البخاري- الفتح 1 (48) واللفظ له. ومسلم (64) . (3) شر قتلى: التقدير هم شر قتلى. (4) من قتلوا: الضمير للخوارج والعائد إلى الموصول مقدر، أي خير قتيل من قتله الخوارج فإنه شهيد. (5) ابن ماجة (176) ، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (146) . (6) في إثر السماء: أي بعد المطر. والسماء: المطر. (7) بنوء: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب، فإنه مصدر ناء النجم ينوء أي سقط وغاب. (8) البخاري- الفتح 7 (4147) . ومسلم (71) واللفظ له. (9) الخيف: ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل. (10) البخاري- الفتح 7 (3882) . (11) الدباء: الوعاء من القرع اليابس. (12) الحنتم: الجرار الخضر. والجرار جمع جرة نوع من الأوعية. (13) النقير: جذع ينقر من وسطه حتى يجوف ويصب فيه النبيذ. (14) المزفت: الوعاء المطلي بالزفت. (15) البخاري- الفتح 3 (1398) واللفظ له. ومسلم (17) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5501 عليه قومه. فتلطّفت حتّى دخلت عليه بمكّة. فقلت له: ما أنت؟ قال: «أنا نبيّ» فقلت: وما نبيّ؟ قال «أرسلني الله» فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟ قال «أرسلني بصلة الأرحام. وكسر الأوثان. وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء» قلت له: فمن معك على هذا؟ قال «حرّ وعبد» قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممّن آمن به. فقلت: إنّي متّبعك. قال «إنّك لا تستطيع ذلك يومك هذا. ألا ترى حالي وحال النّاس؟ ولكن ارجع إلى أهلك. فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» قال: فذهبت إلى أهلي. وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبّر الأخبار وأسأل النّاس حين قدم المدينة. حتّى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة. فقلت: ما فعل هذا الرّجل الّذي قدم المدينة؟ فقالوا: النّاس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك. فقدمت المدينة. فدخلت عليه. فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال «نعم. أنت الّذي لقيتني بمكّة؟» قال: فقلت: بلى. فقلت: يا نبيّ الله أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله. أخبرني عن الصّلاة؟ قال: «صلّ صلاة الصّبح. ثمّ أقصر عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع. فإنّها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار. ثمّ صلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح. ثمّ أقصر عن الصّلاة؛ فإنّها حينئذ تسجر جهنّم. فإذا أقبل الفيء فصلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. حتّى تصلّي العصر. ثمّ أقصر عن الصّلاة. حتّى تغرب الشّمس. فإنّها تغرب بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار» قال: فقلت: يا نبيّ الله فالوضوء؟ حدّثني عنه. قال: «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلّا خرّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه. ثمّ إذا غسل وجهه كما أمره الله، إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء. ثمّ يغسل يديه إلى المرفقين، إلّا خرّت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثمّ يمسح رأسه، إلّا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء. ثمّ يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن هو قام فصلّى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجّده بالّذي هو له أهل، وفرّغ قلبه للهّ، إلّا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمّه» فحدّث عمرو بن عبسة: بهذا الحديث، أبا أمامة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة: انظر ما تقول في مقام واحد يعطى هذا الرّجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سنّي، ورقّ عظمي، واقترب أجلي وما بي حاجة أن أكذب على الله، ولا على رسول الله. لو لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا مرّة أو مرّتين أو ثلاثا (حتّى عدّ سبع مرّات) ما حدّثت به أبدا. ولكنّي سمعته أكثر من ذلك» ) * «1» . 32- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة   (1) مسلم (832) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5502 أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثمّ قال اغزوا باسم الله، في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا. ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) . فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام. فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحوّلوا منها، فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين. يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين. ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء. إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكفّ عنهم. فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله وذمّة نبيّه. فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك. فإنّكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك. فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «1» . 33- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في النّار اجتماعا يضرّ أحدهما الآخر قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: مؤمن قتل كافرا، ثمّ سدّد «2» ) * «3» . 34- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحلّ دم امرىء مسلم إلّا بإحدى ثلاث، رجل كفر بعد إسلامه، أو زنا بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها» فو الله «4» ما زنيت في جاهليّة ولا في إسلام قطّ، وو الله ما أحببت أنّ لي بديني بدلا منذ هداني الله له، ولا قتلت نفسا، فبم تقتلوني؟» ) * «5» . 35- * (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» ) * «6» . 36- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا. فاستقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم القبلة ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه «اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللهمّ آت ما وعدتني، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربّه مادّا يديه مستقبل القبلة، حتّى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثمّ التزمه من   (1) مسلم (1731) . (2) سدد: استقام على الطريقة المثلى. (3) مسلم (1891) . (4) هذا الجزء من كلام عثمان- رضي الله عنه-. (5) أخرجه أبو داود (4502) ، والترمذي (4/ 2158) وقال: حديث حسن. والبغوي في شرح السنة (10/ 148) واللفظ له. وقال محققه: إسناده صحيح. (6) البخاري- الفتح 12 (6764) واللفظ له. ومسلم (1614) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5503 ورائه، وقال: يا نبيّ الله: كذاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عزّ وجلّ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ 9) فأمدّه الله بالملائكة. قال أبو زميل: فحدّثني ابن عبّاس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتدّ فى أثر رجل من المشركين أمامه. إذ سمع ضربة بالسّوط فوقه. وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم «1» . فنظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقيا. فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشقّ وجهه كضربة السّوط. فاخضرّ ذلك أجمع. فجاء الأنصاريّ فحدّث بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «صدقت، ذلك من مدد السّماء الثّالثة» فقتلوا يومئذ سبعين. وأسروا سبعين. قال أبو زميل: قال ابن عبّاس: فلمّا أسروا الأسارى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟» فقال أبو بكر: يا نبيّ الله هم بنو العمّ والعشيرة. أرى أن تأخذ منهم فدية. فتكون لنا قوّة على الكفّار. فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى يا ابن الخطّاب» قلت: لا. والله يا رسول الله ما أرى الّذي رأى أبو بكر. ولكنّي أرى أن تمكّنّا فنضرب أعناقهم. فتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه. وتمكّنّي من فلان (نسيبا لعمر) فأضرب عنقه. فإنّ هؤلاء أئمّة الكفر وصناديدها «2» . فهوي «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال أبو بكر. ولم يهو ما قلت. فلمّا كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر قاعدين يبكيان. قلت: يا رسول الله أخبرني من أيّ شيء تبكي أنت وصاحبك. فإن وجدت بكاء بكيت. وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبكي للّذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشّجرة» (شجرة قريبة من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم) وأنزل الله عزّ وجلّ: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ. إلى قوله فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً (الأنفال: 67، 68) فأحلّ الله الغنيمة لهم) * «4» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنّته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرّحمة ما قنط من جنّته أحد» ) * «5» . 38- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه، إلّا كفر. ومن ادّعى ما ليس له فليس منّا، وليتبوّأ مقعده من النّار، ومن دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدوّ الله، وليس كذلك إلّا حار عليه «6» » ) * «7» . 39- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما بعث نبيّ إلّا أنذر أمّته الأعور   (1) حيزوم: اسم فرس الملك، منادى بحرف نداء محذوف. (2) صناديدها: يعني أشرافها. (3) فهوى: أي أحب ذلك واستحسنه. (4) مسلم (1763) . (5) مسلم (2755) . (6) حار عليه: أي باء ورجع عليه. (7) البخاري- الفتح 6 (3508) . ومسلم (61) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5504 الكذّاب، ألا إنّه أعور. وإنّ ربّكم ليس بأعور، وإنّ بين عينيه مكتوب: كافر» ) * «1» . 40- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يرفعه قال: «ما بين منكبي الكافر، في النّار مسيرة ثلاثة أيّام للرّاكب المسرع» ) * «2» . 41- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل الخامة «3» من الزّرع تفيئها الرّيح تصرعها مرّة وتعدلها أخرى. حتّى تهيج. ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذبة «4» على أصلها. لا يفيئها شيء حتّى يكون انجعافها مرّة واحدة» ) * «5» . 42- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المراء «6» في القرآن كفر» ) «7» . 43- * (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنّا لنكره الموت. قال: ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء الله وأحبّ الله لقاءه. وإنّ الكافر إذا حضر بشّر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه ممّا أمامه. فكره لقاء الله وكره الله لقاءه» ) * «8» . 44- * (عن ثابت بن الضّحّاك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على ملّة غير الإسلام كذبا فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك. ومن قتل نفسه بشيء في الدّنيا عذّب به يوم القيامة. ومن لعن مؤمنا فهو كقتله. ومن قذف بكفر فهو كقتله» ) * «9» . 45- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «النّاس تبع لقريش في هذا الشّأن مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم» ) *1» . 46- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هاجر إبراهيم عليه السّلام بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبّار من الجبابرة فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النّساء. فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه الّتي معك؟ قال: أختي. ثمّ رجع إليها فقال: لا تكذّبي حديثي فإنّي أخبرتهم أنّك أختي، والله إن على الأرض من مؤمن غيري وغيرك، فأرسل بها إليه، فقام إليها فقامت توضّأ   (1) البخاري- الفتح 13 (7131) واللفظ له. ومسلم (2933) . (2) مسلم (2852) . (3) الخامة: الطاقة الغضة اللينة من الزرع. (4) المجذبة: الثابتة المنتصبة. (5) البخاري- الفتح 10 (5643) . ومسلم (2810) واللفظ له. (6) المراء: الجدل. (7) أبو داود (4603) واللفظ له. وأحمد في المسند (2/ 258) . وقال محقق جامع الأصول (2/ 750) : إسناده حسن. (8) البخاري- الفتح 11 (6507) واللفظ له. ومسلم (2683) . (9) البخاري- الفتح 10 (6047) واللفظ له. ومسلم (110) . (10) البخاري- الفتح 6 (3495) . مسلم (1818) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5505 وتصلّي. فقالت: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلّا على زوجي فلا تسلّط عليّ الكافر. فغطّ حتّى ركض برجله. قالت: اللهمّ إن يمت يقال هي قتلته. فأرسل ثمّ قام إليها. فقامت تتوضّأ وتصلّي وتقول: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجى إلّا على زوجى فلا تسلّط عليّ هذا الكافر فغطّ حتّى ركض برجله. فقالت: اللهمّ إن يمت فيقال هي قتلته، فأرسل في الثّانية أو في الثّالثة. فقال: والله ما أرسلتم إليّ إلّا شيطانا، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر. فرجعت إلى إبراهيم- عليه السّلام- فقالت: أشعرت أنّ الله كبت الكافر، وأخدم وليدة» ) * «1» . 47- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقال له: قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك) * «2» . 48- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يجيء الدّجّال حتّى ينزل في ناحية المدينة ثمّ ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كلّ كافر ومنافق» ) * «3» . 49- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا ربّ إنّك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأيّ خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين. ثمّ يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك، فينظر فإذا هو بذيخ «4» ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النّار» ) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الكفر) معنى 50- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه الّذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنّصارى. اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت: فلولا ذاك أبرز قبره غير أنّه خشي أن يتّخذ مسجدا) * «6» . 51- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لا يموت رجل مسلم إلّا أدخل الله مكانه النّار يهوديّا أو نصرانيّا. وفي لفظ إذا كان يوم القيامة دفع الله- عزّ وجلّ- إلى كلّ مسلم يهوديّا أو نصرانيّا فيقول: هذا فكاكك من   (1) البخاري- الفتح 4 (2217) واللفظ له ومسلم (2371) (2) البخاري- الفتح 11 (6538) واللفظ له. ومسلم (2805) . (3) البخاري- الفتح 13 (7124) . (4) الذيخ: ذكر الضباع. (5) البخاري- الفتح 6 (3350) . (6) البخاري- الفتح 3 (1330) . ومسلم (529) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5506 النّار» ) * «1» . 52- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد، ثمّ يطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدون، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره، ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون، فيطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك؛ الله ربّنا، هذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، ثمّ يتوارى، ثمّ يطّلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: «وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك السّاعة» ، ثمّ يتوارى، ثمّ يطّلع فيعرّفهم نفسه، ثمّ يقول: أنا ربّكم فاتّبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصّراط فيمرّون عليه، مثل جياد الخيل والرّكاب وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار، فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال: هل امتلأت؟ فتقول: (هل من مزيد؟) ثمّ يطرح فيها فوج فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: (هل من مزيد؟) حتّى إذا أوعبوا فيها، وضع الرّحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قط، قالت: قط قط، فإذا أدخل الله تعالى أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، أتي بالموت ملبّيا. فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار، فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنّة ولأهل النّار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه هو الموت الّذي وكّل بنا، فيضجع فيذبح ذبحا على السّور الّذى بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت» ) * «2» . 53- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: أقبلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعي رجلان من الأشعريّين أحدهما عن يميني. والآخر عن يساري، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستاك. فكلاهما سأل. فقال: «يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس» قال: قلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أطلعاني على ما في أنفسهما. وما شعرت أنّهما يطلبان العمل. فكأنّي أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت. فقال: «لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده. ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن، ثمّ أتبعه معاذ بن جبل، فلمّا قدم عليه ألقى له وسادة قال: انزل، فإذا رجل عنده موثق. قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديّا فأسلم ثمّ   (1) مسلم (2767) . (2) البخاري- الفتح 8 (4730) . ومسلم (2849) . والترمذي (2557) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5507 تهوّد. قال: اجلس. قال: لا أجلس حتّى يقتل، قضاء الله ورسوله (ثلاث مرّات) . فأمر به فقتل. ثمّ تذاكرا قيام اللّيل. فقال أحدهما: أمّا أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي» ) * «1» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الكفر) 1- * (عن عمر- رضي الله عنه- قال: فيم الرّملان اليوم والكشف عن المناكب؟ وقد أطّأ «2» الله الإسلام ونفى الكفر وأهله مع ذلك لا ندع شيئا كنّا نفعله على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» . 2- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: خطب أبو طلحة، أمّ سليم فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يردّ، ولكنّك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوّجك فإن تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره. فأسلم فكان ذلك مهرها) * «4» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «لمّا قدمت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت في الطّريق: يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنّها من دارة الكفر نجّت وأبق غلام لي في الطّريق. فلمّا قدمت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة هذا غلامك» فقلت: هو لوجه الله فأعتقته» ) * «5» . 4- * (عن خبّاب- رضي الله عنه- قال: «كنت قينا «6» في الجاهليّة، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه. قال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: لا أكفر حتّى يميتك الله ثمّ تبعث. قال: دعني حتّى أموت وأبعث، فسأوتى مالا وولدا فأقضيك. فنزلت أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً* أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (مريم/ 77- 78) » ) * «7» . 5- * (عن مصعب بن سعد- رضي الله عنه- قال: «سألت أبي قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (الكهف/ 103) هم الحروريّة؟ قال: لا. هم اليهود والنّصارى، أمّا اليهود، فكذّبوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا النّصارى، كفروا بالجنّة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحروريّة، الّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان سعد يسمّيهم الفاسقين» ) * «8»   (1) البخاري- الفتح 12 (6923) واللفظ له. ومسلم (1733) . (2) أطّأ الله الإسلام: أي ثبته وأرساه. (3) أبو داود (1887) واللفظ له. وابن ماجة (2952) وحسنه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (2389) . (4) النسائي (3133) وصححه الألباني. (5) البخاري- الفتح 7 (4393) . (6) قين: أصل القين الحداد ثم صار كل صائغ عند العرب قينا. وقيل القين الذي يصلح الأسنة. (7) البخاري- الفتح 4 (2091) واللفظ له. ومسلم (2795) . (8) البخاري- الفتح 8 (4728) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5508 6- * (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: «أتينا عمر في وفد فجعل يدعو رجلا رجلا ويسمّيهم. فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى، أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفّيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا، فقال عديّ: فلا أبالي إذا» ) * «1» . 7- * (عن عكرمة قال: أتي عليّ- رضي الله عنه- بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عبّاس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تعذّبوا بعذاب الله، ولقتلتهم لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من بدّل دينه فاقتلوه» ) * «2» . 8- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: من شبّه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيها. فالمشبّه يعبد صنما، والمعطّل يعبد عدما، والموحّد يعبد إلها واحدا صمدا» ) * «3» . 9- * (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «من قال: ليس لله بيننا كلام فقد جحد» ) * «4» . من مضار (الكفر) (1) الكفر الأكبر يخلّد صاحبه فى النّار. (2) يورث الذّلّ في الدّنيا والهوان على الله في الآخرة. (3) الكافر خبيث النّيّة فاسد الطويّة. (4) يورد صاحبه موارد الهلاك والرّدى. (5) ليس بعد الكفر ذنب. (6) اشمئزاز النّاس منه وتأذّيهم من شرّه. (7) معول هدم في المجتمع الّذى يعيش فيه وإن زعم الكافر أنّه مصلح. (8) نجاسة الكافر وهوانه على الله عزّ وجلّ.   (1) البخاري- الفتح 7 (4394) . (2) البخاري- الفتح 10 (6922) . (3) طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (418) . (4) المرجع السابق (419) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5509 الكنز الكنز لغة: الكنز مصدر مأخوذ من مادّة (ك ن ز) الّتي تدلّ على تجمّع في شيء، من ذلك ناقة كناز اللّحم أي مجتمعة، وكنزت التّمر في وعائه أكنزه، وكنزت الكنز أكنزه «1» . يقول الجوهريّ: الكنز المال المدفون، وقد كنّزته أكنزه، وفي الحديث: «كلّ مال لا تؤدّى زكاته فهو كنز» واكتنز الشّيء اجتمع وامتلأ «2» . ويقال: كنزت البرّ في الجراب فاكتنز، ويقال: شددت كنز القربة إذا ملأتها، ورجل مكتنز اللّحم وكنيز اللّحم «3» . وفي حديث أبي ذرّ «بشّر الكنّازين برضف من جهنّم» هم جمع كنّاز، وهو المبالغ في كنز الذّهب والفضّة، وادّخارهما وترك إنفاقهما في أبواب البرّ «4» . الكنز: اسم للمال إذا أحرز في وعاء، ولما يحرز فيه، ويقال: كنزه يكنزه كنزا واكتنزه، وفي الحديث: «أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض» ، قال العلاء بن عمرو الباهليّ: الكنز: الفضّة في قوله كأنّ الهبرقيّ غدا عليها ... بماء الكنز ألبسه قراها قال: وتسمّي العرب كلّ كثير مجموع يتنافس فيه كنزا. وفي الحديث: «ألا أعلّمك كنزا من كنوز الجنّة: لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ، وفي رواية: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله كنز من كنوز الجنّة» أي أجرها مدّخر لقائلها والمتّصف بها كما يدّخر الكنز، وفي التّنزيل العزيز: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ (التوبة/ 34) . قال الطّبريّ، اختلف أهل العلم في معنى الكنز: فقال بعضهم: هو كلّ مال وجبت فيه الزّكاة فلم تؤدّ زكاته، وقيل: كلّ ما زاد على أربعة آلاف درهم فهو كنز أدّيت فيه الزّكاة أو لم تؤدّ ... وقيل الكنز كلّ ما فضل بعد المال عن حاجة صاحبه إليه والأصحّ في ذلك ما روي عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ كلّ مال أدّيت زكاته فليس بكنز، ولا يحرم اكتنازه وإن كثر، وكلّ مال لم تؤدّ زكاته فصاحبه مكتنز معاقب مستحقّ وعيد الله- إلّا أن يتفضّل عليه بعفوه- وإن قلّ إذا كان ممّا يجب فيه الزّكاة «5» . وقال القرطبيّ: الكنز أصله في اللّغة: الضّمّ والجمع، ولا يختصّ ذلك بالذّهب والفضّة، وقيل:   (1) مقاييس اللغة (5/ 141) . (2) تهذيب اللغة (10/ 98) . (3) الصحاح (3/ 893) . (4) النهاية (4/ 203) . (5) جامع البيان (6/ 357- 359) بتصرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5510 الكنز كلّ شيء مجموع بعضه إلى بعض في بطن الأرض كان أو على ظهرها، قال ابن عمر: من كنزها فلم يؤدّ زكاتها فويل له، إنّما كان هذا قبل أن تنزل الزّكاة، فلمّا أنزلت جعلها الله طهرا للأموال، وقيل: الكنز ما لم تؤدّ منه الحقوق العارضة، كفكّ الأسير، وإطعام الجائع وغير ذلك وقيل: الكنز لغة: المجموع من النّقدين، وغيرهما من المال محمول عليهما بالقياس، وقيل: المجموع منهما ما لم يكن حليّا، لأنّ الحليّ مأذون في اتّخاذه ولا حقّ فيه، والصّحيح ما بدأنا بذكره، وأنّ ذلك كلّه يسمّى كنزا لغة وشرعا والله أعلم «1» . ويقال: كنز الإنسان مالا يكنزه. وكنزت السّقاء إذا ملأته، ويرى ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى في الكهف: وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما (الكهف/ 82) قال: ما كان ذهبا ولا فضّة ولكن كان علما وصحفا. وروي عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أربعة آلاف وما دونها نفقة، وما فوقها كنز. والكنز في الأصل المال المدفون تحت الأرض فإذا أخرج منه الواجب عليه لم يبق كنزا وإن كان مكنوزا (أي مختبئا) . والكنّاز: المبالغ في كنز الذّهب والفضّة وادّخارهما وترك إنفاقهما في أبواب البرّ. وكنز الشّيء في الوعاء والأرض يكنزه كنزا: غمره بيده، وشدّ كنز القربة: ملأها، وقد يستعمل الكنز اسما للشّيء المكتنز. فيقال: هذا كنز عظيم أو كبير وما أشبه ذلك، ويرادفه «الخبيئة» بمعنى المخبوءة وهي كلّ شيء ثمين خبّيء في الأرض «2» . الكنز اصطلاحا: قال المناويّ: الكنز: جمع المال بعضه على بعض وادّخاره، وقيل: المال المدفون وقد صار في الدّين (الشّرع) اسما لكلّ مال لم يخرج منه الواجب وإن لم يكن مدفونا «3» . وقال الكفويّ: كلّ مال لم تؤدّ زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا، وكلّ مال أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا «4» ، وقيل: كلّ ما زاد على أربعة آلاف درهم فهو كنز، أدّيت منه الزّكاة أو لم تؤدّها، وما دونه نفقة «5» . وقد يستعمل الكنز في معنى الشّيء المكنوز ويصبح معناه الاصطلاحيّ حينئذ: المال الموضوع في الأرض، قاله الجرجانيّ «6» . [للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الأثرة- البخل- الشح- البر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإنفاق- الجود الصدقة- السخاء- الكرم- الزكاة- الإحسان] .   (1) القرطبي (4/ 81) . (2) لسان العرب (7/ 3937) ، المصباح المنير (2/ 541- 542) . (3) التوقيف (284) . (4) الكليات (741) بتصرف. (5) المرجع السابق (742) . (6) انظر التعريفات (157) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5511 الآيات الواردة في «الكنز» 1- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) » 2- * إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) «2» الآيات الواردة في «الكنز» لفظا ولها معنى آخر 3- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) «3» 4- وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) «4» 5- وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) «5» 6- * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) «6»   (1) التوبة: 34- 35 مدنية (2) القصص: 76 مكية (3) هود: 12 مكية (4) الكهف: 82 مكية (5) الفرقان: 7- 8 مكية (6) الشعراء: 52- 62 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5512 الأحاديث الواردة في ذمّ (الكنز) 1- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقّها إلّا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قطّ «1» . وقعد لها بقاع قرقر، تستنّ عليه بقوائمها وأخفافها «2» . ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقّها، إلّا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت. وقعد لها بقاع قرقر. تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها. ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقّها. إلّا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت. وقعد لها بقاع قرقر. تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، ليس فيها جمّاء «3» ولا منكسر قرنها. ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقّه. إلّا جاء كنزه يوم القيامة شجاعا أقرع «4» . يتبعه فاتحا فاه. فإذا أتاه فرّ منه. فيناديه: خذ كنزك الّذي خبأته. فأنا عنه غنيّ. فإذا رأى أن لا بدّ منه. سلك يده «5» في فيه فيقضمها قضم الفحل «6» » ) * «7» . 2- * (عن سلمان الفارسيّ قال: كنت رجلا فارسيّا من أهل أصبهان من قرية منها يقال لها: جيّ وكان أبي دهقان قريته «8» وكنت أحبّ خلق الله إليه فلم يزل به حبّه إيّاي حتّى حبسني في بيته- أي ملازم النّار- كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسيّة حتّى كنت قطن النّار «9» الّذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة. قال: فشغل في بنيان له يوما فقال لي: يا بنيّ إنّي قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطّلعها، وأمرني فيها بعض ما يريد. فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النّصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلّون، وكنت لا أدري ما أمر النّاس لحبس أبي إيّاي في بيته. فلمّا مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلمّا رأيتهم أعجبني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدّين الّذي نحن عليه، فو الله ما تركتهم حتّى غربت الشّمس، وتركت ضيعة أبي، ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدّين؟ قالوا: بالشّام. قال: ثمّ رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي، وشغلته عن عمله كلّه. قال: فلمّا جئته قال: أي بنيّ، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت، مررت بناس يصلّون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم،   (1) أكثر ما كانت قط: هكذا هو في الأصول بالثاء المثلثة، وفي قط لغات حكاهن الجوهري، والفصيحة المشهورة قطّ. (2) تستن عليه بقوائمها وأخفافها: أي ترفع يديها وتطرحهما معا على صاحبها. (3) جمّاء: هي الشاة التي لا قرن لها، كجلحاء، مذكره أجم. (4) شجاعا أقرع: الشجاع الحية الذكر، والأقرع الذي تمعّط شعره لكثرة سمه، وقيل: الشجاع الذي يواثب الراجل والفارس ويقوم على ذنبه، وربما بلغ رأس الفارس، ويكون في الصحاري. (5) سلك يده: أي أدخلها. (6) فيقضمها.. يقال: قضمت الدابة شعيرها إذا أكلته. (7) مسلم (988) . (8) دهقان قريته: الدهقان بكسر الدال وضمها: رئيس القرية وصاحب الزراعة، وهو معرّب. (9) قطن النار: أي خادمها وخازنها، أراد أنه كان ملازما لها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5513 فو الله، ما زلت عندهم حتّى غربت الشّمس قال: أي بنيّ ليس في ذلك الدّين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قال: قلت: كلّا والله إنّه خير من ديننا. قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثمّ حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النّصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشّام تجّار من النّصارى فأخبروني بهم. قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرّجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم. قال: فلمّا أرادوا الرّجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجليّ ثمّ خرجت معهم حتّى قدمت الشّام، فلمّا قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدّين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. قال: فجئته، فقلت: إنّي قد رغبت في هذا الدّين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلّم منك وأصلّي معك قال: فادخل. فدخلت معه قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصّدقة ويرغّبهم فيها، فإذا جمعوا منها شيئا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتّى جمع سبع قلال من ذهب وورق. قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثمّ مات فاجتمعت إليه النّصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إنّ هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصّدقة ويرغّبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلّكم على كنزه. قالوا: فدلّنا عليه. قال: فأريتهم موضعه قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا فلمّا رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه ثمّ رجموه بالحجارة ... الحديث) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الكنز) معنى 3- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبنت لها، في يد ابنتها مسكتان «2» غليظتان من ذهب فقال: «أتؤدّين زكاة هذا؟» قالت: لا، قال: «أيسرّك أن يسوّرك الله- عزّ وجلّ- بها يوم القيامة سوارين من نار» ، قال: فخلعتهما فألقتهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: هما لله ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» . 4- * (عن الأحنف بن قيس قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة «4» فيها ملأ من قريش «5» إذ جاء رجل أخشن الثّياب «6» أخشن الجسد، أخشن الوجه.   (1) أحمد (5/ 441- 444) واللفظ له، الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 332- 336) ، وقال: رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجالهما رجال الصحيح غير محمد ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. وكذا البزار (3/ 268) . (2) المسكة- بالتحريك- السوار. (3) النسائي (5/ 38) واللفظ له. وقال الألباني: حسن (2324) . الترمذي (637) ، وأبو داود (1563) . (4) فبينا أنا في حلقة: أي بين أوقات قعودي في الحلقة، والحلقة، بإسكان اللام. (5) ملأ من قريش: الملأ الأشراف، ويقال أيضا للجماعة. (6) أخشن الثياب ... : هو بالخاء والشين المعجمتين، في الألفاظ الثلاثة، ونقله القاضي هكذا عن الجمهور وهو من الخشونة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5514 فقام عليهم «1» فقال: بشّر الكانزين «2» برضف «3» يحمى عليه «4» في نار جهنّم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم. حتّى يخرج من نغض كتفيه «5» ويوضع على نغض كتفيه، حتّى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل «6» . قال: فوضع القوم رؤسهم، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا «7» . قال: فأدبر، واتّبعته حتّى جلس إلى سارية. فقلت: ما رأيت هؤلاء إلّا كرهوا ما قلت لهم. قال: إنّ هؤلاء لا يعقلون شيئا، إنّ خليلي أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم دعاني فأجبته. فقال: «أترى أحدا؟» فنظرت ما عليّ من الشّمس «8» وأنا أظنّ أنّه يبعثني في حاجة له فقلت: أراه. فقال: «ما يسرّني أنّ لي مثله ذهبا «9» أنفقه كلّه إلّا ثلاثة دنانير» ثمّ هؤلاء يجمعون الدّنيا لا يعقلون شيئا. قال: قلت: مالك ولإخوتك من قريش، لا تعتريهم «10» وتصيب منهم. قال: لا. وربّك لا أسألهم عن دنيا «11» ولا أستفتيهم عن دين حتّى ألحق بالله ورسوله) *1» . 5- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتّى يعلنوا بها إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السّماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «13» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت إذا هو لم يعط فيها حقّها، تطؤه بأخفافها. وتأتي الغنم على صاحبها خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقّها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها» .   (1) فقام عليهم: أي فوقف. (2) بشر الكانزين: هم الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، والمبالغ في ادخارهما يسمى كنّازا. (3) برضف: الرضف الحجارة المحماة، الواحدة رضفة، مثل تمر وتمرة. (4) يحمي عليها: أي يوقد عليه. (5) من نغض كتفيه: النغض هو العظم الرقيق على طرف الكتف، ويقال له أيضا: الناغض. (6) يتزلزل: التزلزل إنما هو للرضف، أي يتحرك من نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه. (7) رجع إليه شيئا: رجع يتعدى بنفسه في اللغة الفصحى، قال تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ ويقال: ليس لكلامه مرجوع أي جواب. (8) فنظرت ما على من الشمس: يعني كم بقى من النهار. (9) ذهبا: تمييز، رافع لإبهام المثلية. (10) لا تعتريهم: أي تأتيهم وتطلب منهم، يقال: عروته واعتريته واعتروته إذا أتيته تطلب منه حاجة. (11) لا أسألهم عن دنيا: هكذا في الأصول: عن دنيا، وفي رواية البخاري: لا أسألهم دنيا، بحذف عن وهو الأجود، أى لا أسألهم شيئا من متاعها. (12) البخاري- الفتح 3 (1407) ، مسلم (992) واللفظ له. (13) ابن ماجة (4019) واللفظ له. وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به، والحاكم (4/ 540) وقال: صحيح ووافقه الذهبي والمنذرى (2/ 568- 570) ، وذكره الألباني في صحيح الجامع (6/ 306) رقم (7855) . والصحيحة (1/ 167- 168) رقم (106) وعزاه أيضا إلي الحلية ومسند الرويانى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5515 قال: «ومن حقّها أن تحلب على الماء» ، قال: «ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار فيقول: يا محمّد. قأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلّغت. ولا يأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول: يا محمّد. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلّغت» ) * «1» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها «2» إلّا إذا كان يوم القيامة، صفّحت له صفائح «3» من نار «4» فأحمي عليها في نار جهنّم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلّما بردت «5» أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد فيرى سبيله «6» ، إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» قيل: يا رسول الله: فالإبل؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدّي منها حقّها، ومن حقّها حلبها «7» يوم وردها إلّا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر «8» أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحد، تطؤه بأخفافها وتعضّه بأفواهها، كلّما مرّ عليه أولاها ردّ عليه أخراها «9» في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد. فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» قيل: يا رسول الله، البقر والغنم؟ قال: «ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدّي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء «10» تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها «11» كلّما مرّ عليه أولاها ردّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتّى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: «الخيل ثلاثة هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر،   (1) البخاري- الفتح (3/ 1402) . (2) لا يؤدي منها حقها: قد جاء الحديث على وفق التنزيل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ 34) الآية، فاكتفى ببيان حال صاحب الفضة عن بيان حال صاحب الذهب، لأن الفضة مع كونها أقرب مرجع للضمير أكثر تداولا في المعاملات من الذهب، ولذا اكتفى بها. (3) صفحت له صفائح: الصفائح جمع صفيحة. وهي العريضة من حديد وغيره أي جعلت كنوزه الذهبية والفضية كأمثال الألواح. (4) من نار: يعني كأنها نار، لا أنها نار. (5) كلما بردت: هكذا هو في بعض النسخ: بردت بالباء، وفي بعضها: ردت، وذكر القاضي الروايتين. وقال: الأولى هي الصواب، قال: والثانية رواية الجمهور. (6) فيري سبيله: ضبطناه بضم الياء وفتحها. وبرفع لام سبيله، ونصبها، ويكون يرى، بالضم، من الإراءة. وفيه إشارة إلى أنه مسلوب الاختيار يومئذ، مقهور لا يقدر أن يذهب حتى يعين له أحد السبيلين. (7) حلبها: هو بفتح اللام، على اللغة المشهورة، وحكى إسكانها، وهو غريب ضعيف، وإن كان هو القياس. (8) بطح لها بقاع قرقر: بطح، قال جماعة: معناه ألقى على وجهه. وقال القاضي: ليس من شرط البطح كونه على الوجه، وإنما هو في اللغة بمعنى البسط والمد، فقد يكون على وجهه وقد يكون على ظهره، ومنه سميت بطحاء مكة لا نبساطها. (9) كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها: هكذا في جميع الأصول قيل: هو تغيير وتصحيف، والصواب ما جاء في الحديث الآخر: كلما رد عليه أخراها رد عليه أولاها. (10) ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء: قال أهل اللغة: العقصاء ملتوية القرنين، والجلحاء التي لا قرن لها، والعضباء التي انكسر قرنها الداخل. (11) تطؤه بأظلافها: الأظلاف جمع ظلف، وهو للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5516 فأمّا الّتي هي له وزر «1» فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام «2» فهي له وزر، وأمّا الّتي هي له ستر، فرجل «3» ربطها في سبيل الله «4» ثمّ لم ينس حقّ الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر. وأمّا الّتي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مرج وروضة فما أكلت من ذلك المرج والرّوضة من شيء إلّا كتب له عدد ما أكلت، حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا تقطع طولها فاستنّت شرفا أو شرفين «5» إلّا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات. ولا مرّ بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلّا كتب الله له عدد ما شربت حسنات» قيل: يا رسول الله فالحمر «6» ؟ قال: ما أنزل علىّ في الحمر شيء إلّا هذه الآية الفاذّة الجامعة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ 7، 8)) * «7» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكا تلفا» ) * «8» . 9- * (عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «في كلّ إبل سائمة في كلّ أربعين ابنة لبون، لا يفرّق إبل عن حسابها «9» . من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن أبى فإنّا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربّنا «10» لا يحلّ لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم منها شيء» ) * «11» . 10- * (عن عبد الله بن بريدة- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقض قوم العهد إلّا كان القتل بينهم، ولا ظهرت فاحشة في قوم قطّ إلّا سلّط الله عليهم الموت، ولا منع قوم الزّكاة إلّا حبس الله عنهم المطر» ) * «12» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ   (1) فأما التي هى له وزر: هكذا هو في أكثر النسخ التي، ووقع في بعضها الذي وهو أوضح وأظهر. (2) ونواء على أهل الإسلام: أي مناوأة ومعاداة. (3) فرجل: أي فخيل رجل. (4) ربطها في سبيل الله: أي أعدها للجهاد، وأصله الربط، ومنه الرباط، وهو حبس الرجل نفسه في الثغر وإعداد الأهبة لذلك. (5) طولها فاستنت شرفا: الطول: الحبل الطويل، واستنت: جرت، والشرف هو العالي من الأرض. (6) فالحمر: جمع حمار، أي فما حكمها؟ (7) البخاري- الفتح 3 (1402- 1403) ، مسلم (987) واللفظ له. (8) البخاري- الفتح 3 (1442) ، مسلم (1010) واللفظ له. (9) لا يفرق إبل عن حسابها: أي تحاسب الكل في الأربعين لا يترك هزال ولا سمين ولا صغير ولا كبير. (10) عزمة من عزمات ربنا: أي حق من حقوقه وواجب من واجباته. (11) النسائي (5/ 15- 17) ، وقال الألبانى (2/ 514) : حسن، وأبو داد (1575) ، أحمد (5/ 2، 4) وهو في جامع الأصول وقال محققه: إسناده حسن (4/ 595) . (12) كشف الأستار بزوائد البزار (4/ 104) رقم (3299) وقال: ورواه ابن ماجه عن حديث ابن عمر، وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير رجاء بن محمد (شيخ البزار) وهو ثقة (7/ 269) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5517 زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة ثمّ يأخذ بلهزمتيه- يعني شدقيه- ثمّ يقول: أنا مالك، أنا كنزك ثمّ تلا (آل عمران/ 180) : وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ... الآية) * «1» . 12- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في ظلّ الكعبة فلمّا رآني قال: «هم الأخسرون وربّ الكعبة!» قال: فجئت حتّى جلست، فلم أتقارّ «2» أن قمت، فقلت: يا رسول الله فداك أبي وأمّي «3» من هم؟ قال: «هم الأكثرون أموالا، إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا (من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله) وقليل ما هم، ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدّي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلّما نفدت أخراها عادت عليه أولاها، حتّى يقضى بين النّاس» ) * «4» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر على الصّدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله، وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا. قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأمّا العبّاس فهي عليّ. ومثلها معها» ثمّ قال: «يا عمر! أما شعرت أنّ عمّ الرّجل صنو أبيه» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الكنز) 1- * (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «أيّما مال أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الأرض، وأيّما مال لم تؤدّ زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض» ) * «6» . 2- * (وقال أحمد بن شبيب بن سعيد: «حدّثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن خالد بن سليم قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-، فقال أعرابيّ: أخبرني عن قول الله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ 34) قال ابن عمر- رضي الله عنهما-: من كنزها فلم يؤدّ زكاتها فويل له، إنّما كان هذا قبل أن تنزل الزّكاة، فلمّا أنزلت جعلها الله طهرا للأموال» ) * «7» . 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: «والّذي لا إله غيره لا يكوى عبد يكنز فيمسّ   (1) البخاري- الفتح 3 (1403) . (2) فلم أتقار: أي لم يمكنني القرار والثبات. (3) فداك أبي وأمي: بفتح الفاء في جميع النسخ، لأنه ماضي خبر بمعنى الدعاء ويحتمل كسر الفاء لكثرة الاستعمال، أي يفديك أبي وأمي وهما أعز الأشياء عندى. (4) البخاري- الفتح 11 (6638) ، مسلم (990) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 3 (1468) ، مسلم (983) واللفظ له. وصنو أبيه أي مثله ونظيره (6) تفسير ابن كثير (2/ 364) . (7) البخاري- الفتح 3 (1404) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5518 دينار دينارا ولا درهم درهما، ولكن يوسّع جلده فيوضع كلّ دينار ودرهم على حدته» ) *» . 4- * (عن زيد بن وهب قال: «مررت بالرّبذة فإذا أنا بأبي ذرّ- رضي الله عنه-. فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشّام فاختلفت أنا ومعاوية في: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ 34) قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان- رضي الله عنه- يشكوني فكتب إليّ عثمان أن اقدم المدينة، فقدمتها، فكثر عليّ النّاس حتّى كأنّهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحّيت فكنت قريبا فذاك الّذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمّروا عليّ حبشيّا لسمعت وأطعت» ) * «2» . 5- * (دخل الحسن البصريّ على عبد الله بن الأدهم يعوده في مرضه، فرآه يصوّب بصره في صندوق في بيته ويصعّده، ثمّ قال: أبا سعيد، ما تقول في مائة ألف في هذا الصّندوق، لم أؤدّ منها زكاة، ولم أصل منها رحما؟ قال: ثكلتك أمّك، ولمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزّمان، وجفوة السّلطان، ومكاثرة العشيرة. ثمّ مات، فشهده الحسن فلمّا فرغ من دفنه. قال: انظروا إلى هذا المسكين، أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته. عمّا رزقه الله إيّاه وغمره فيه، انظروا كيف خرج منها مسلوبا محروبا. ثمّ التفت إلى الوارث فقال: أيّها الوارث لا تخدعنّ كما خدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالا فلا يكوننّ عليك وبالا، أتاك عفوا صفوا ممّن كان له جموعا منوعا، من باطل جمعه، ومن حقّ منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح فيه بيمين، ولم يعرق لك فيه جبين. إنّ يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإنّ من أعظم الحسرات غدا أن ترى مالك في ميزان غيرك، فيالها عثرة لا تقال، وتوبة لا تنال) * «3» . 6- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (التوبة/ 35) أي يقال لهم هذا الكلام تبكيتا وتقريعا وتهكّما كما في قوله تعالى: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ* ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (الدخان/ 48- 49) أي هذا بذاك وهذا الّذي كنتم تكنزون لأنفسكم، ولهذا يقال: من أحبّ شيئا وقدّمه على طاعة الله عذّب به، وهؤلاء لمّا كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عذّبوا بها، كما أنّ هذه الأموال لمّا كانت أعزّ الأموال على أربابها كانت أشرّ الأشياء عليهم في الدّار الآخرة فيحمى عليها في نار جهنّم، وناهيك بحرّها   (1) تفسير ابن كثير (2/ 365) . (2) البخاري- الفتح 3 (1406) . (3) تفسير ابن كثير (2/ 351) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5519 فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم» «1» . 7- * (قال طاوس: بلغني أنّ الكنز يتحوّل يوم القيامة شجاعا يتبع صاحبه وهو يفرّ منه ويقول: أنا كنزك لا يدرك منه شيئا إلّا أخذه) *. من مضار (الكنز) (1) يورث بغض الله- عزّ وجلّ- وكراهية الخلق. (2) يمنع القطر من السّماء ويمنع البركة والنّماء. (3) يعرّض صاحبه لأشدّ العقوبة في الآخرة ويتعذّب صاحبه به في الدّنيا. (4) دليل سوء الظّنّ بالله- عزّ وجلّ-. (5) دليل شحّ النّفس ولؤم الطّبع. (6) دليل على عدم حبّ الخير للآخرين.   (1) تفسير ابن كثير (2/ 351) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5520 [ حرف اللام ] اللغو اللغو لغة: اللّغو مصدر لغا يلغو، وهو مأخوذ من مادّة (ل غ و) الّتي تدلّ على معنيين: أوّلهما الدّلالة على الشّيء لا يعتدّ به، والآخر على اللهج بالشّيء، فالأوّل اللّغو: ما لا يعتدّ به من أولاد الإبل في الدّيّة، يقال منه لغا يلغو لغوا، وذلك في لغو الأيمان، واللّغا هو اللّغو بعينه، قال تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ* (البقرة/ 225) أي ما لم تعقدوه بقلوبكم «1» . ولغا الإنسان يلغو، ولغا يلغى، ولغي يلغى إذا تكلّم بالمطّرح من القول وما لا يعني، وألغى إذا أسقط «2» يقول الطّبريّ في قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (البقرة/ 225) اختلف أهل التّأويل في معنى اللّغو، فقال بعضهم لا يؤاخذكم الله بما سبقتكم به ألسنتكم من الأيمان على عجلة وسرعة فيوجب عليكم به كفّارة إذا لم تقصدوا الحلف واليمين، وذلك كقول القائل فعلت هذا والله أو أفعله والله ... إلخ. وقال آخرون: بل اللّغو من الأيمان الّتي يحلف بها صاحبها في حال الغضب على غير عقد قلب ولا عزم ولكن وصلة للكلام. وقال آخرون: هو الحلف على فعل ما نهى الله عنه وترك ما أمر الله بفعله. وقال آخرون: كلّ يمين وصل الرّجل بها كلامه على غير قصد منه إيجابها على نفسه. قال: واللّغو من الكلام كلّ كلام كان مذموما وسقطا لا معنى له مهجورا، يقال: منه لغا فلان في كلامه يلغو لغوا إذا قال قبيحا من الكلام، ومنه وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ (القصص/ 55) «3» . وقال ابن منظور: اللّغو واللّغا: السّقط وما لا يعتدّ به من كلام وغيره. ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع. يقال: لغوت باليمين. ولغا في القول يلغو ويلغى لغوا ولغي- بالكسر- يلغى لغا وملغاة: أخطأ وقال باطلا. قال رؤبة ونسبه ابن برّي للعجّاج: وربّ أسراب حجيج كظّم ... عن اللّغا، ورفث التّكلّم قال الشّافعيّ: اللّغو في لسان العرب، الكلام غير المعقود عليه، وجماع اللّغو هو الخطأ إذا كان اللّجاج والغضب والعجلة. وقيل: معنى اللّغو الإثم، واللّغو في الأيمان: ما لا يعقد عليه القلب، مثل قولك لا والله وبلى والله. واللّغو: ما لا يعتدّ به لقلّته أو لخروجه على غير جهة الاعتماد من فاعله كقوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ومنه قول عائشة- رضي الله عنها-: «إنّ اللّغو ما يجري في الكلام على غير عقد» ،   (1) المقاييس (5/ 255) . (2) النهاية (4/ 257) . (3) جامع البيان (2/ 416، 424) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5521 وألغى: أسقط، واللّاغية: اللّغو، وفي حديث سلمان: إيّاكم وملغاة أوّل اللّيل يريد به اللّغو. وكلمة لاغية: فاحشة، وفي التّنزيل العزيز: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (الغاشية/ 11) أي: كلمة ذات لغو، وقيل: أي كلمة قبيحة أو فاحشة، وقيل: أي باطلا ومأثما وقيل: شتما، ولغا يلغو لغوا، تكلّم، وفي الحديث «من قال يوم الجمعة والإمام يخطب لصاحبه: صه فقد لغا» أي تكلّم، وقيل: فقد خاب، وألغيته أي خيّبته، وفي الحديث: «من مسّ الحصى فقد لغا» أي تكلّم، وقيل: عدل عن الصّواب، وفي التّنزيل العزيز: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ (الفرقان/ 72) أي مرّوا بالباطل «1» . اللغو اصطلاحا: قال المناويّ: اللّغو: ما تسبق إليه الألسنة من القول على غير عزم قصد إليه «2» . وقال الجرجانيّ: اللّغو: ضمّ الكلام ما هو ساقط العبرة منه، وهو الّذي لا معنى له في حقّ ثبوت الحكم «3» . وقال الرّاغب: اللّغو من الكلام: ما لا يعتدّ به، وهو الّذي يورد لا عن رويّة وفكر فيجري مجرى اللّغا «4» ، وقد يسمّى كلّ كلام قبيح لغوا «5» . وقال الكفويّ: كلّ مطروح من الكلام لا يعتدّ به فهو لغو «6» . أمّا لغو اليمين فقد أوردت له كتب المصطلحات التّعريفات الآتية. يقول الجرجانيّ: لغو اليمين: هو أن يحلف على شيء ويرى الحالف أنّه كذلك وليس هذا الشّيء كما يرى في الواقع. هذا قول أبي حنيفة. وقال الشّافعيّ: هو مالا يعقد الرّجل قلبه عليه كقوله لا والله، بلى والله «7» . وقال المناويّ: اللّغو في الأيمان ما لا يعقد عليه القلب، وذلك ما يجري وصلا للكلام بضرب من العادة كقولهم: كلّا والله «8» . (وهذا يتّفق مع رأى الشّافعيّ- رضي الله عن الجميع-) . ونخلص ممّا سبق أنّ اللّغو قسمان: الأوّل: لغو الكلام، وهو ما يراد باللّغو عند الإطلاق. الثّاني: لغو اليمين، وهو ما لا يعقد عليه القلب (رأى الشّافعيّ) أو الحلف على شيء مطابق لاعتقاد الحالف، لا للواقع (رأي أبي حنيفة) . الفرق بين اللّغو واللّغط: قال الخليل:- رحمه الله- اللّغط: كلام ليس من شأنك (أن تتكلّم فيه) واللّغو: كلام بشيء لم ترده «9» . [للاستزادة: انظر صفات: اللهو واللعب- الافتراء- البهتان- الغيبة- الفحش- الكذب- النميمة- البذاءة- الكذب- الاستهزاء- السخرية. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصمت وحفظ اللسان حفظ الأيمان- كتمان السر- الكلم الطيب- تلاوة القرآن- الدعاء- الذكر] .   (1) انظر لسان العرب (15/ 4501) . (2) التوقيف على مهمات التعاريف (290) . (3) التعريفات (202) . (4) اللغا: صوت العصافير ونحوها من الطيور. (5) المفردات (451) . (6) الكليات (778) . (7) التعريفات (202) . (8) التوقيف (290) ، وقارن بالمفردات للراغب (779) . (9) المرجع السابق (290) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5522 الآيات الواردة في «اللغو» 1- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) «1» 2- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) «2» 3- * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) «3» 4- الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) «4» 5- وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72) «5» 6- * وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «6» 7- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) «7»   (1) البقرة: 225 مدنية (2) المائدة: 89 مدنية (3) مريم: 59- 63 مكية (4) المؤمنون: 1- 3 مكية (5) الفرقان: 72 مكية (6) القصص: 51- 55 (51 مكية، 52- 55 مدنية) (7) فصلت: 26- 27 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5523 8- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) «1» 9- وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26) «2» 10- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) «3» 11- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11) «4»   (1) الطور: 17- 23 مكية (2) الواقعة: 10- 26 مكية (3) النبأ: 31- 36 مكية (4) الغاشية: 8- 11 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5524 الأحاديث الواردة في ذمّ (اللغو) 1- * (عن قيس بن أبي غرزة- رضي الله عنه- قال: أتانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن في السّوق، فقال: «إنّ هذه السّوق يخالطها اللّغو والكذب فشوبوها بالصّدقة» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة، والإمام يخطب، فقد لغوت» ) * «2» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر، طهرة للصّائم من اللّغو والرّفث، وطعمة للمساكين. فمن أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصّدقات» ) * «3» 4- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر الذّكر، ويقلّ اللّغو، ويطيل الصّلاة، ويقصّر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة» ) * «4» . 5- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «من اغتسل يوم الجمعة، ومسّ من طيب امرأته- إن كان لها- ولبس من صالح ثيابه، ثمّ لم يتخطّ رقاب النّاس، ولم يلغ عند الموعظة، كانت كفّارة لما بينهما، ومن لغا وتخطّى رقاب النّاس كانت له طهرا» ) * «5» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء. ثمّ أتى الجمعة فاستمع وأنصت. غفر له ما بينه وبين الجمعة. وزيادة ثلاثة أيّام. ومن مسّ الحصى فقد لغا» ) *» . 7- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو وهو حظّه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عزّ وجلّ إن شاء أعطاه وإن شاء منعه. ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطّ رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا، فهي كفّارة إلى الجمعة الّتي تليها وزيادة ثلاثة أيّام، وذلك بأنّ الله عزّ وجلّ يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (الأنعام/ 160) » ) * «7» .   (1) سنن النسائي (7/ 15) وصححه الألباني صحيح سنن النسائي (3557) . (2) البخاري- الفتح 2 (394) ، ومسلم (851) . (3) البخاري- الفتح 3 (1503) ، ومسلم (984) . (4) سنن النسائي (3/ 109) وصححه الألباني صحيح سنن النسائي (1341) . (5) أبو داود (347) وحسنه الألباني صحيح أبي داود (335) ، وقال محقق جامع الأصول (9/ 429) : إسناده حسن. (6) مسلم (857) . (7) أبو داود (1113) وحسنه الألباني انظر صحيح أبي داود (984) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5525 الأحاديث الواردة في ذمّ (اللغو) معنى 8- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإنّ أبغضكم إليّ وأبعدكم منّي مجلسا يوم القيامة، الثّرثارون والمتشدّقون والمتفيهقون «قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثّرثارون والمتشدّقون فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبّرون» ) * «1» . من الآثار الواردة في ذمّ (اللغو) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (الشعرا/ 234 قال: في كلّ لغو يخوضون» ) * «2» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا حضر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال- وفي البيت رجال فيهم عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: هلمّ أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده» ، قال عمر: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابا لن تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلمّا أكثروا اللّغط والاختلاف عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قوموا عنّي» ، قال عبيد الله: فكان ابن عبّاس يقول: إنّ الرّزيّة كلّ الرّزيّة ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم» ) * «3» . من مضار (اللغو) (1) يؤدّي إلى سخط النّاس ومقتهم. (2) الثّرثارون بعيدون عن الله وعن النّاس. (3) يورد صاحبه موارد الهلاك والرّدى. (4) دليل على خفّة العقل وقلّة الفهم. (5) مظهر من مظاهر سوء الخلق.   (1) الترمذي (2018) وقال حديث حسن، وقال الألباني: حديث صحيح وهو في الصحيحة. (2) البخاري- الفتح 10 (536، 537) . (3) البخاري- الفتح 13 (7366) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5526 اللهو واللعب اللهو لغة: اللهو مصدر لها يلهو وهو مأخوذ من مادّة (ل هـ و) الّتي تدلّ على شغل عن شيء بشيء، فاللهو كلّ شيء شغلك عن شيء «1» واللهو: ما شغلك من هوى وطرب، يقال: لها يلهو، واللهو: الصّدوف، يقال: لهوت عن الشّيء ألهو لهوا، ولهيت عن الشّيء ألهى لهيّا ولهيانا إذا سلوت عنه، وتركت ذكره وأضربت عنه. وألهاه: أي شغله، يقول ابن عرفة النّحويّ في قول الله جلّ وعزّ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ (الأنبياء/ 3) : أي متشاغلة عمّا يدعون إليه قال: وهذا من لهي عن الشّيء يلهى إذا تشاغل بغيره، قال: وهذا من قول الله جلّ وعزّ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (عبس/ 10) : أي تتشاغل، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يلهو لأنّه قال: ما أنا من دد ولا الدّد منّي «2» . وأصل اللهو التّرويح عن النّفس بما لا تقتضيه الحكمة «3» . يقول الطّبريّ في قوله تعالى: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً (الأنعام/ 70) يقول- تعالى ذكره- لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: ذر هؤلاء الّذين اتّخذوا دين الله وطاعتهم إيّاه لعبا ولهوا فجعلوا حظوظهم من طاعتهم إيّاه اللّعب بآياته واللهو والاستهزاء بها إذا سمعوها وتليت عليهم فأعرض عنهم فإنّي لهم بالمرصاد «4» . وقال القرطبيّ: «أي لا تعلّق قلبك بهم؛ فإنّهم أهل تعنّت، وإن كنت مأمورا بوعظهم. ومعنى لعبا ولهوا أي استهزاءا بالدّين الّذي دعوتهم إليه، وقيل استهزؤوا بالدّين الّذي هم عليه فلم يعملوا به، والاستهزاء ليس مسوّغا في دين، وقيل: «لعبا ولهوا» باطلا وفرحا «5» . اللهو: ما لهوت به ولعبت به. واللهو: اللّعب. يقال: لهوت بالشّيء ألهو به لهوا وتلهّيت به إذا لعبت به وتشاغلت وغفلت به عن غيره. ولهيت عن الشّيء بالكسر، ألهى بالفتح، لهيا ولهيانا إذا سلوت عنه وتركت ذكره وإذا غفلت عنه واشتغلت. وقوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً (الجمعة/ 11) . قيل اللهو: الطّبل. وقيل: اللهو كلّ ما تلهّي به، لها، يلهو، لهوا، والتهى، وألهاه ذلك. ولهت المرأة إلى حديث المرأة تلهو لهوّا ولهوا:   (1) المقاييس (5/ 213) . (2) التهذيب للأزهري (6/ 427- 429) . والدّد: اللهو واللعب. (3) المصباح المنير (214) . (4) جامع البيان للطبري (5/ 228) . (5) القرطبي (4/ 12) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5527 أنست به وأعجبها. وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (لقمان/ 6) وجاء في التّفسير: أنّ لهو الحديث هنا الغناء؛ لأنّه يلهى به عن ذكر الله عزّ وجلّ، وكلّ لعب لهو. وقال قتادة في هذه الآية: أما والله لعلّه أن لا يكون أنفق مالا، وبحسب المرء من الضّلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ، وقد روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه حرّم بيع المغنّية وشراءها «1» . اللعب لغة: اللّعب واللّعب ضدّ الجدّ، لعب يلعب لعبا ولعبا، ولعّب وتلاعب وتلعّب مرّة بعد أخرى «2» . واللّعب كلّ عمل لا يجدي عليه نفعا. والتّلعاب: اللّعب، صيغة تدلّ على تكثير المصدر وهي كثرة المزح والمداعبة ومنه حديث «أنّ عليّا كان تلعابة) والتّلعابة الكثير اللّعب «3» . اللهو اصطلاحا: قال الجرجانيّ: اللهو الشّيء الّذي يتلذّذ به الإنسان فيلهيه ثمّ ينقضي «4» . وقال المناويّ: اللهو: ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه ويهمّه، وقال الطّرطوشيّ: أصل اللهو: التّرويح عن النّفس بما لا تقتضيه الحكمة «5» . وقال الكفويّ: كلّ باطل ألهى عن الخير وعمّا يعني فهو لهو «6» . اللعب اصطلاحا: قال الجرجانيّ: اللّعب: فعل الصّبيان من غير أن يعقب فائدة «7» . وقال الرّاغب: يقال: لعب فلان إذا فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا «8» . ومن ثمّ يكون اللّعب: هو أن يفعل الإنسان فعلا لا يقصد به مقصدا صحيحا (من جهة الشّرع) . اللهو واللعب اصطلاحا: أن ينشغل الإنسان عمّا يعنيه ويهمّه ويمارس من الأفعال مالا فائدة فيه ممّا لا يقصد به مقصد صحيح شرعا «9» ويكون ذلك بالإعراض عن الحقّ والإقبال على الباطل. الفرق بين اللهو واللعب: قال الكفويّ: اللهو فيه صرف للهمّ بما لا يحسن أن يصرف به. واللّعب فيه طلب للفرح (أو اللّذّة) بما لا يحسن أن يطلب به. وقيل اللهو: الاستمتاع بلذّات الدّنيا (من غناء ونحوه) .   (1) لسان العرب (15/ 258- 259) . وانظر المصباح المنير (2/ 223) . (2) لسان العرب (5/ 4039) . (3) المقاييس (5/ 253) ، واللسان (5/ 4039) والنهاية لابن الأثير (4/ 253) . (4) التعريفات (ص 204) وقد نقل ابن المناوي هذا التعريف فى التوقيف (293) . (5) التوقيف (293) ، وانظر أيضا المفردات للراغب (455) . (6) الكليات (778) . (7) التعريفات (202) . (8) المفردات (450) . (9) استنبطنا هذا التعريف من جملة أقوالهم في تعريف كل من اللهو واللعب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5528 واللّعب، العبث (بما لا طائل من ورائه) . وقيل: اللهو: الميل من الجدّ إلى الهزل، واللّعب: ترك ما ينفع إلى ما لا ينفع. وقيل: اللهو: الإعراض عن الحقّ، واللّعب: الإقبال على الباطل «1» . [للاستزادة: انظر صفات: اللغو- الإعراض انتهاك الحرمات- شرب الخمر- الفجور- الفسوق- التفريط والإفراط- اتباع الهوى. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التقوى- الذكر الصلاة- الطاعة- العبادة- العمل- تعظيم الحرمات] .   (1) الكليات للكفوي (799) بتصرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5529 الآيات الواردة في «اللهو واللعب» اللهو بسبب حب المال: 1- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) «1» 2- وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) «3» 4- أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) «4» اللهو في سياق التحذير من الحياة الدنيا: 5- وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) «5» 6- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) «6» 7- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «7»   (1) الحجر: 1- 3 مكية (2) الجمعة: 11 مدنية (3) المنافقون: 9 مدنية (4) التكاثر: 1- 8 مكية (5) العنكبوت: 64- 66 مكية (6) محمد: 36- 37 مدنية (7) الحديد: 20- مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5530 اللهو في سياق الاستهزاء بالدين أو الإعراض عنه: 8- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «1» 9- الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «2» 10- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) «3» 11- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «4» اللهو في سياق تنزيه الله عنه: 12- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) «5»   (1) الأنعام: 70 مكية (2) الأعراف: 51 مكية (3) الأنبياء: 1- 3 مكية (4) لقمان: 6- 7 مكية (5) الأنبياء: 16- 18 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5531 الأحاديث الواردة في ذمّ (اللهو واللعب) 1- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله- عزّ وجلّ- ليدخل بالسّهم الواحد ثلاثة نفر الجنّة: صانعه يحتسب في عمله الخير، والرّامي به، والممدّ به» » وفي رواية: «ومنبله «2» فارموا واركبوا، وأحبّ إليّ أن ترموا من أن تركبوا. كلّ لهو باطل، ليس من اللهو محمود إلّا ثلاثة: تأديب الرّجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، فإنّهنّ من الحقّ، ومن ترك الرّمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنّها نعمة تركها- أو قال: كفرها «3» » ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (اللهو واللعب) معنى 2- * (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما هممت بشيء ممّا كان أهل الجاهليّة يعملون به غير مرّتين. كلّ ذلك يحول بيني وبين ما أريد من ذلك. ثمّ ما هممت بعدها بشيء حتّى أكرمني الله برسالته» ) * «5» . 3- * (عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: حدّثنا أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم: أنّهم كانوا يسيرون مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما» ) * «6» . 4- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينا نحن نسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا الشّيطان، أو أمسكوا الشّيطان، لأن يمتلىء جوف   (1) الممد به: أمددت فلانا بكذا: أعطيته إياه. ويقال: مددت القوم: إذا صرت لهم مددا وأمددتهم بغيري. (2) منبله: هو الذي يناول الرامي النبل، والنبل: السهام الصغار. (3) وكفرها: من كفران النعمة وهو جحدها. (4) أخرجه أبو داود. وأخرجه الترمذي إلى قوله «فإنهن من الحق» وأخرجه النسائي إلى قوله «ومنبله» . وله في أخرى مثله، وفي أوله قال خالد بن زيد الجهني: «كان عقبة يمر فيقول: يا خالد، أخرج بنا نرمي. فلما كان ذات يوم أبطأت عنه، فقال: يا خالد، تعال أخبرك بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته، فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ... الحديث» . أبو داود (2513) . الترمذي (1637) وقال: هذا حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (5/ 42) واللفظ له: حديث حسن. (5) الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 226) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. (6) أبو داود (5004) وقال الألباني (3/ 944) : صحيح. غاية المرام (447) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5532 رجل قيحا، خير له من أن يمتلىء شعرا» ) * «1» . 5- * (عن هشام بن زيد بن أنس قال: دخلت مع جدّي أنس بن مالك دار الحكم بن أيّوب فإذا قوم قد نصبوا دجاجة يرمونها. قال: فقال أنس «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تصبر البهائم» ) * «2» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا يتبع حمامة يلعب بها، فقال: «شيطان يتبع شيطانة» ) * «3» . 7- * (عن نافع قال: سمع ابن عمر مزمارا، قال: فوضع أصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطّريق وقال لي: يا نافع، هل تسمع شيئا؟ قال: فقلت: لا. قال: فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا) * «4» . 8- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تتّخذوا شيئا فيه الرّوح غرضا «5» » ) * «6» . 9- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ترسلوا فواشيكم «7» وصبيانكم إذا غابت الشّمس حتّى تذهب فحمة العشاء. فإنّ الشّياطين تعبث إذا غابت الشّمس حتّى تذهب فحمة العشاء» «8» ) * «9» . 10- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا جلب «10» ولا جنب «11» زاد يحيى في حديثه «في الرّهان» ) * «12» . 11- * (عن يزيد بن سعيد: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يأخذنّ أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادّا» وقال سليمان: «لعبا ولا جدّا» ومن أخذ عصا أخيه فليردّها) * «13» .   (1) البخارى- الفتح 10 (6154/ 6155) من حديث ابن عمر وأبي هريرة. مسلم برقم (2259) وهذا اللفظ له. ولعلّ الشاعر كان يقول شعرا مذموما أو اجتمع عليه الناس فألهاهم عن الذكر أو عما ينفع. (2) البخاري- الفتح 9 (5513) . مسلم برقم (1956) واللفظ له، وصبر البهائم: أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه. (3) أبو داود (4940) وابن ماجة (376) وقال محقق جامع الأصول (10/ 748) واللفظ له: حديث حسن. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 933) : حديث صحيح. (4) أبو داود (4924) . وقال الألباني (3/ 930) : صحيح. (5) غرضا: الغرض الذي يقصد رميه بالسهام من قرطاس أو سواه. (6) مسلم برقم (1957) . (7) الفواشي: ما انتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وهي جمع فاشية لأنها تفشو أي تنتشر. (8) فحمة العشاء: ظلمتها وسوادها. (9) أحمد (3/ 386) واللفظ له. والبخاري- الفتح 6 (3280) . مسلم برقم (2012) . (10) لا جلب: جلب على فرسه إذا صاح من خلفه يحثه على السبق. (11) ولا جنب: أن يجنب فرسا آخر معه فإذا قصر المركوب ركب المجنوب. (12) أبو داود (2581) . واللفظ له ورواه الترمذي (1123) بلفظ: «لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة فليس منا» وقال: حسن صحيح. ورواه النسائي، ولم يذكر النهبة، وآخر حديث «الإسلام» . وقال محقق جامع الأصول (5/ 39) : وهو حديث حسن. (13) أبو داود (5003) واللفظ له وقال الألباني (3/ 944) : حسن، والترمذي (2160) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5533 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لست من دد «1» ولا دد منّي» ) * «2» . 13- * (عن أبي عامر- أو أبي مالك- الأشعريّ أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليكوننّ من أمّتي أقوام، يستحلّون الحر «3» والحرير والخمر والمعازف «4» ، ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم «5» يروح عليهم بسارحة «6» لهم، يأتيهم- يعني الفقير- لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدا فيبيّتهم الله «7» ، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» ) * «8» . 14- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلّا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة» ) * «9» . 15- * (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أناس، وهم يرمون كبشا بالنّبل، فكره ذلك، وقال: «لا تمثلوا «10» بالبهائم» ) * «11» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف منكم باللّات والعزّى، فليقل لا إله إلّا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدّق» ) * «12» . 17- * (عن الشّريد- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قتل عصفورا عبثا عجّ إلى الله- عزّ وجلّ- يوم القيامة يقول: يا ربّ إنّ فلانا قتلني عبثا، ولم يقتلني لمنفعة» ) * «13» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال «من قعد مقعدا لم يذكر الله   (1) الدد: اللهو واللعب. (2) الهيثمي في المجمع (8/ 225) وقال رواه البزار والطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن محمد بن قيس وقد وثق. وعند الهيثمي عن معاوية رضي الله عنه نفس اللفظ. انظر مجمع الزوئد (8/ 226) . وانظر ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (2/ 109) . (3) الحر: بالحاء المكسورة والراء المخففة وهو الفرج والمعنى: يستحلون الزنا. (4) المعازف: جمع معزفة وهي آلات الملاهي وقيل: الغناء، وقيل: أصوات الملاهي. (5) العلم- بفتحتين- وهو الجبل العالي. (6) يروح عليهم بسارحة: يروح بحذف الفاعل وهو الراعي. والسارحة هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها وتروح أي ترجع بالعشي. (7) يبيتهم الله: أي يهلكهم ليلا. (8) البخاري. الفتح 10 (5590) . (9) أبو داود (4855) واللفظ له وقال الألباني (3/ 920) في صحيح سنن أبي داود: صحيح- الصحيحة (77) ، الكلم الطيب (224 صحيح الكلم 179 ص 78) . (10) لا تمثلوا: التمثيل بالحيوان: تشويه خلقه، كالجدع ونحوه. (11) النسائي (7/ 238) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (10/ 751) : صحيح. (12) البخاري. الفتح 11 (6301) . (13) النسائي (7/ 239) وقال محقق جامع الأصول (10/ 751) : حديث حسن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5534 فيه كانت عليه من الله ترة» ، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة» ) * «2» . 19- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: من لعب بالكعبين «3» ، فقد عصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «4» . 20- * (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من لعب بالنّرد، فقد عصى الله ورسوله» ) * «5» . 21- * (عن بريدة بن الحصيب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من لعب بالنّردشير، فكأنّما صبغ يده في لحم خنزير ودمه» ) * «6» . 22- * (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن التّحريش بين البهائم «7» ) * «8» . 23- * (عن عبد الله بن مغفّل المزنيّ قال: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الخذف وقال: «إنّه لا يقتل الصّيد، ولا ينكأ العدوّ، وإنّه يفقأ العين، ويكسر السّنّ» ) * «9» . 24- * (عن معاوية بن بهز قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ويل للّذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له» ) * «10» . من الآثار الواردة في ذمّ (اللهو واللعب) 1- * (عن معمر بن راشد قال: بلغني أنّ الصّبيان قالوا ليحيى بن زكريّا: اذهب بنا نلعب. قال: ما للّعب خلقت. قال: فهو قوله تعالى وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (مريم/ 12)) * «11» .   (1) ترة: قيل: هي النقص، وقيل: التبعة- أي الوزر وهو الأرجح. (2) أبو داود (4856) وقال الألباني (3/ 920) : حديث حسن صحيح. (3) الكعبين مثنى الكعب وجمعه الكعاب وهي فصوص النّرد واللعب بها حرام وكرهها عامة الصحابة وقيل: رخص فيه ابن المسيب. (4) مساويء الأخلاق ومذمومها (259) واللفظ له. وقال محققه: إسناده حسن والحديث صحيح أخرجه أحمد (4/ 392) والحاكم (1/ 50) والبيهقي (10/ 215) وهو فى أحمد مسند إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لعب بالكعاب فقد عصى الله ورسوله» وكذلك فى الحاكم. (5) أبو داود (4938) وقال الألباني (3/ 933) : حديث حسن. ورواه ابن ماجه (3762) . الأرواء (2670) صحيح الجامع الصغير (6529) . (6) مسلم برقم (2260) ، وأخرج أبو داود الأولى برقم (4939) . (7) التحريش بين البهائم: إغراء بعضها ببعض، كما يفعل بالكبشين لينتطحا، والجملين ليقتتلا. (8) الترمذي وأبو داود. وأخرجه الترمذي أيضا مرسلا عن مجاهد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال: هو أصح. أبو داود رقم (2562) . والترمذي رقم (1708) و (1709) . وقال: وفي الباب عن طلحة وجابر وأبي سعيد. (9) البخاري. الفتح 10 (6220) . (10) أبو داود (4990) وقال الألباني (3/ 942) : حسن. والترمذي (2315) . (11) مساوىء الأخلاق للخرائطي (258) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5535 2- * (عن قثم بن العبّاس عن أمّ قثم قالت: دخل علينا عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- ونحن نلعب بالأربع عشرة. فقال: ما هذا؟ قلنا: كنّا صياما فأحببنا أن نتلهّى بهذه. فقال- رضي الله عنه: ألا أشتري لكم جوزا بدرهم تلعبون به وتتركون هذا؟ قلنا: نعم. فاشترى لنا جوزا وتركناها) * «1» . 3- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه بلغها أنّ أهل بيت في دارها كانوا سكّانا فيها. عندهم نرد. فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنّكم من داري. وأنكرت ذلك عليهم) * «2» . 4- * (عن الزّهريّ يقول: دخلت على أنس ابن مالك بدمشق وهو يبكي. فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئا ممّا أدركت إلّا هذه الصّلاة، وهذه الصّلاة قد ضيّعت «3» ) * «4» وفي رواية: (أليس صنعتم ما صنعتم فيها) «5» . 5- * (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: إيّاكم وهذه الكعبات الموسومة الّتي تزجر زجرا فإنّها من ميسر العجم) * «6» . 6- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- وهو يسأل عن قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ... (لقمان/ 6) قال: الغناء، والله الّذي لا إله إلّا هو. ويردّدها ثلاث مرّات) * «7» . 7- * (قال ابن عبّاس في قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ.. (لقمان/ 6) قال: الغناء والاستماع إليه وفي رواية (ونحوه)) * «8» . 8- * (عن مالك بن أنس- رحمه الله- بلغه أنّ رجلا قال لعبد الله بن عبّاس: إنّي طلّقت امرأتي مائة تطليقة فماذا ترى عليّ؟ فقال ابن عبّاس: طلّقت منك بثلاث، وسبع وتسعون اتّخذت بها آيات الله هزوا) * «9» . 9- * (عن سعيد بن جبير قال: مرّ ابن عمر رضي الله عنهما- بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطّير كلّ خاطئة «10» من نبلهم، فلمّا رأوا ابن عمر تفرّقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعن من اتّخذ الرّوح غرضا) * «11» . 10- * (وفي رواية للبخاريّ قال: دخل ابن عمر على يحيى بن سعيد- وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها- فمشى إليها ابن عمر حتّى حلّها، ثمّ أقبل بها وبالغلام معه، فقال: ازجروا غلامكم عن أن   (1) مساوىء الأخلاق (262) . (2) تنوير الحوالك- الموطأ (3/ 131) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 753) إسناده صحيح. (3) قوله: وهذه الصلاة قد ضيعت: والمراد بتضييعها. تأخيرها عن وقتها متلهين بغيرها عنها. (4) البخاري- الفتح 1 (530) . (5) البخاري- الفتح 1 (529) . (6) مساوىء الأخلاق (260) . (7) تنزيه الشريعة (13) . (8) المرجع السابق (3) . (9) أخرجه الموطأ (2/ 433) الطلاق. (10) خاطئة: السهم الخاطىء: الذي لا يصيب الغرض. (11) البخاري- الفتح 9 (5514) ، ومسلم (1958) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5536 يصبر «1» هذا الطّير للقتل؛ فإنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل) * «2» . 11- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه رأى رجلا يعبث في صلاته، فقال: لا تعبث في صلاتك، واصنع كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصنع، قال محمّد: فوضع ابن عمر فخذه اليمنى على اليسرى، ويده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على اليمنى، وقال بإصبعه) * «3» . 12- * (عن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ ابن عمر كان إذا وجد أحدا من أهله يلعب بالنّرد ضربه وكسرها) * «4» . 13- * (قال ابن عمر- رضي الله عنهما- لأن أضع يدي في دم خنزير أحبّ إليّ من أن ألعب بالنردشير) * «5» . 14- * (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: الغناء والمزامير) * «6» . 15- * (قال البخاريّ- رحمه الله تعالى-: كلّ لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله تعالى) * «7» . 16- * (قال ابن سيرين- رحمه الله تعالى-: «الشّرب من الميسر والصّياح من الميسر، والرّيش من الميسر، والقيام من الميسر» . قال أبو سعيد المؤدّب: هو أن يلاعب على شرب الماء، وغرز الرّيش في الرّأس واللّحية، والقيام حتّى يلعب، ويصيح صياح الحمار وصياح الدّيك وغير ذلك) * «8» . 17- * (قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: لا خير في الشّطرنج وكرهها. وسمعته يكره اللّعب بها وبغيرها من الباطل. ويتلو هذه الآية فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ (يونس/ 32)) * «9» . 18- * (قال ابن كثير في قوله تعالى أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً (الشعراء/ 128) : أي معلما بناء مشهورا تَعْبَثُونَ أي وإنّما تفعلون ذلك عبثا لا للاحتياج إليه بل لمجرّد اللّعب واللهو، وإظهار القوّة ولهذا أنكر عليهم نبيّهم عليه السّلام ذلك. لأنّه تضييع للزّمان، وإتعاب للأبدان في غير فائدة، واشتغال بما لا يجدي في الدّنيا ولا في الآخرة) * «10» . 19- * (قال الحسن البصريّ: ألهاكم التّكاثر   (1) يصبر: صبرت الحيوان على القتل: إذا نصبته لتقتله وحبسته على القتل. (2) البخاري- الفتح 9 (5514) واللفظ له، ومسلم (1958) . (3) أحمد 2/ 45 وقال الشيخ أحمد شاكر 7/ 99: إسناده صحيح. وأصله عند مسلم (580) . (4) تنوير الحوالك. الموطأ (3/ 131، 132) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 753) : رجاله ثقات. (5) مساوىء الأخلاق للخرائطي (260) . (6) تنزيه الشريعة (15) . (7) فتح الباري (11/ 93) . (8) مساويء الأخلاق (261) . (9) تنوير الحوالك (3/ 132) . (10) تفسير ابن كثير (3/ 354) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5537 في الأموال والأولاد) *» . 20- * (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً أي أفظننتم أنّكم مخلوقون عبثا بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا وقيل: للعبث، أي لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب، وإنّما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله- عزّ وجلّ- وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ أي لا تعودون في الدّار الآخرة كما قال تعالى أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً يعني هملا) * «2» . 21- * (قال الحسن البصريّ: نزلت هذه الآية وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ (لقمان/ 6) في الغناء والمزامير) * «3» . 22- * (قال ابن كثير- رحمه الله-: وصف الله تعالى الكافرين بما كانوا يعتمدونه في الدّنيا باتّخاذهم الدّين لهوا ولعبا واغترارهم بالدّنيا وزينتها وزخرفها عمّا أمروا به من العمل للآخرة) * «4» . 23- * (قال ابن كثير في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ... (المنافقون/ 9) يقول تعالى آمرا لعباده المؤمنين بكثرة ذكره وناهيا لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذلك، ومخبرا لهم بأنّه من التّلهّى بمتاع الحياة الدّنيا وزينتها عمّا خلق له من طاعة ربّه وذكره فإنّه من الخاسرين الّذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) * «5» . 24- * (قال ابن كثير- رحمه الله: يقول تعالى تحقيرا لأمر الدّنيا وتهوينا لشأنها إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ (محمد/ 36) : أي حاصلها ذلك إلّا ما كان منها لله عزّ وجلّ) * «6» . 25- * (قال ابن حجر في قوله صلّى الله عليه وسلّم: كلّ لهو باطل إذا شغله. أي شغل اللّاهي به (عن طاعة الله) أي كمن التهى بشيء من الأشياء مطلقا سواء كان مأذونا في فعله أو منهيّا عنه كمن اشتغل بصلاة نافلة أو بتلاوة أو ذكر أو تفكّر في معاني القرآن مثلا حتّى خرج وقت الصّلاة المفروضة عمدا فإنّه يدخل تحت هذا الضّابط، وإذا كان هذا في الأشياء المرغوب فيها المطلوب فعلها فكيف حال ما دونها) * «7» . 26- * (قال ابن القيّم- رحمه الله-: فدع صاحب المزمار والدّفّ والغنا ... وما اختاره عن طاعة الله مذهبا ودعه يعش في غيّه وضلاله ... على تنتنا «8» يحيا ويبعث أشيبا   (1) تفسير ابن كثير (4/ 582) . (2) المرجع السابق (3/ 260) . (3) المرجع السابق (3/ 443) . (4) المرجع السابق (4/ 228) . (5) المرجع السابق (4/ 374) . (6) المرجع السابق (4/ 182) . (7) فتح الباري (11/ 49) . (8) كذا في الأصل وفي إغاثة اللهفان على تنتا والتنتنا حكاية صوت الغناء والمعازف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5538 وفي تنتنا يوم المعاد نجاته ... إلى الجنّة الحمراء يدعى مقرّبا سيعلم يوم العرض أيّ بضاعة ... أضاع وعند الوزن ما خفّ أو ربا ويعلم ما قد كان فيه حياته ... إذا حصلت أعماله كلّها هبا دعاه الهدى والغيّ من ذا يجبيبه ... فقال لداعي الغيّ أهلا ومرحبا وأعرض عن داعي الهدى قائلا له ... هواي إلى صوت المعازف قد صبا يراع ودفّ بالصّنوج وشادن ... وصوت مغنّ صوته يقنص الظّبا فما شئت من صيد بغير تطارد ... ووصل حبيب كان بالهجر عذّبا) * «1» . 27- * (قال الشّاعر محمّد إقبال- رحمه الله- هي المدنيّة الحمقاء ألقت ... بهم حول المفاسد حائرينا لقد صنعت لهم صنم الملاهي ... ليحجب عنهم الحرم الأمينا) * «2» . من مضار (اللهو واللعب) (1) يقطع الصّلة بين العبد وبين ربّه شيئا فشيئا من حيث لا يشعر. (2) يقع صاحبه في حبائل الشّيطان ويبتعد عن ذكر الرّحمن. (3) اللهو بأصنافه وأنواعه يجرّ المسلم إلى الباطل. (4) سبب لهدر الأموال وإنفاقها بغير حقّها. (5) يضيّع وقت المسلم بلا فائدة. ويصرفه عن الطّاعات وفعل الخيرات. (6) يزرع النّفاق في القلب. وينمّيه الشّيطان ويحسّنه ويزيّنه له حتّى يصير منافقا خالصا. (7) تتضاءل شخصيّة صاحبه بين مجتمعه حتّى يحتقر وينبذ.   (1) اغاثة اللهفان (1/ 256) . (2) تنزيه الشريعة (67) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5539 اللؤم اللؤم لغة: اللّؤم: شحّ النّفس ودناءة الأصل، وهو مأخوذ من مادّة (ل أم) الّتي تدلّ على ذلك، يقول ابن فارس: «اللّام والألف والميم أصلان: أحدهما: الاتّفاق والاجتماع والآخر: خلق رديء، فمن الثّاني: اللّؤم: يقولون: إنّ اللّئيم الشّحيح المهين النّفس الدّنيّ الأصل «1» . اللّؤم ضدّ الكرم. واللّئيم: الدّنأ الأصل الشّحيح النّفس والمهين ونحوهم. وقد لؤم الرّجل بالضّمّ، يلؤم لؤما على فعل، وملأمة على مفعلة، ولامة على فعالة، فهو لئيم من قوم لئام ولؤماء، وملأمان؛ وقد جاء في الشّعر ألائم على غير قياس؛ قال: إذا زال عنكم أسود العين كنتم ... كراما، وأنتم ما أقام ألائم وأسود العين: جبل معروف، والأنثى ملأمانة، وقالوا في النّداء: يا ملأمان خلاف قولك يا مكرمان. ويقال للرّجل إذا سبّ: يا لؤمان، ويا ملأمان ويا ملأم. وألأم: أظهر خصال اللّؤم. ويقال: قد ألأم الرّجل إلآ ما إذا صنع ما يدعوه النّاس عليه لئيما فهو ملئم. وألا أم: ولد اللّئام؛ هذه عن ابن الأعرابيّ، واستلأم أصهارا «2» لئاما، واستلأم أبا إذا كان له أب سوء لئيم. ولأّمه: نسبه إلى اللّؤم. وأنشد ابن الأعرابيّ: يروم أذى الأحرار كلّ ملأّم ... وينطق بالعوراء من كان معورا والملأم والملآم: الّذي يعذر اللّئام. والملئم: الّذي يأتي اللّئام. والملئم: الرّجل اللّئيم «3» . اللؤم اصطلاحا: لم تزد كتب المصطلحات في تعريفها للّؤم على ما ذكره الكفويّ من أنّ اللّؤم ضدّ الكرم «4» وهو عين ما ذكره اللّغويّون، ويمكننا في ضوء ذلك أن نعرّف اللّؤم بأنّه: شحّة النّفس ومهانتها ودنوّ طبعها يقول ابن فارس: اللّئيم: هو الشّحيح المهين النّفس، الدّنيء «5» . ويقول الجوهريّ: اللّئيم: الدّنأ الأصل الشّحيح النّفس «6» . قلت: إنّه إذا كان اللّؤم ضدّ الكرم فإنّه يمكن تعريفه بضدّ ما يعرّف به الكرم، فإذا   (1) المقاييس (5/ 226) بتصرف. (2) واستلأم اصهارا لئاما: هكذا في الأصل، وعبارة القاموس: واستلأم أصهارا اتخذهم لئاما. (3) لسان العرب (12/ 530) ، والصحاح (5/ 2025) ، والمصباح المنير (2/ 224) . (4) الكليات للكفوى (800) . (5) مقاييس اللغة (5/ 226) . (6) الصحاح (5/ 2025) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5540 كان الكرم كما يقول الرّاغب: اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه «1» (أي الكريم) فإنّ اللّؤم يمكن أن يعرّف بأنّه: اسم للأخلاق والأفعال المذمومة الّتي تظهر من اللّئيم، وكلّ خبث في بابه فهو لؤم كما أنّ كلّ شيء شرف في بابه فهو كرم. وإذا كان الكرم إفادة ما ينبغي لا لغرض كما يقول الجرجانيّ المناويّ «2» ، فإنّ اللّؤم: عدم إفادة ما ينبغي، أو إفادته لغرض كالرّياء وجلب المنفعة والخلاص من الذّمّ ونحو ذلك. [للاستزادة: انظر صفات: الخبث- الخداع- سوء المعاملة- الغش- المكر- نقض العهد. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الشهامة- المروءة- النبل- النزاهة- الأمانة] .   (1) المفردات للراغب (429) . (2) انظر التعريفات للجرجانى (193) ، وو التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (281) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5541 الأحاديث الواردة في ذمّ (اللؤم) 1- * (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه بينما موسى عليه السّلام- في قومه يذكّرهم بأيّام الله. وأيّام الله نعماؤه وبلاؤه. إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلا خيرا أو أعلم منّي. قال فأوحى الله إليه. إنّي أعلم بالخير منه. أو عند من هو؟ إنّ في الأرض رجلا هو أعلم منك. قال: يا ربّ! فدلّني عليه. قال: فقيل له: تزوّد حوتا مالحا. فإنّه حيث تفقد الحوت. قال فانطلق هو وفتاه حتّى انتهيا إلى الصّخرة. فعمّي عليه. فانطلق وترك فتاه. فاضطرب الحوت في الماء. فجعل لا يلتئم عليه. صار مثل الكوّة «1» . قال: فقال فتاه: ألا ألحق نبيّ الله فأخبره؟ قال فنسّي. فلمّا تجاوزا قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. قال: ولم يصبهم نصب حتّى تجاوزا. قال: فتذكّر قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. فأراه مكان الحوت. قال: هاهنا وصف لي. قال: فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر مسجّى ثوبا، مستلقيا على القفا. أو قال: على حلاوة القفا «2» . قال: السّلام عليكم. فكشف الثّوب عن وجهه قال: وعليكم السّلام. من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: ومن موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل. قال: مجيء ما جاء بك؟ «3» قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدا. قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. شيء أمرت به أن أفعله إذا رأيته لم تصبر. قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. فانطلقا، حتّى إذا ركبا في السّفينة خرقها. قال: انتحى عليها «4» . قال له موسى- عليه السّلام-: أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا. قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت، ولا ترهقني من أمري عسرا. فانطلقا حتّى إذا لقيا غلمانا يلعبون. قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرّأي «5» فقتله. فذعر عندها موسى- عليه السّلام- ذعرة منكرة. قال: أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل   (1) الكوة: بفتح الكاف، ويقال بضمها. وهي الطاق. (2) على حلاوة القفا: وهي وسط القفا. ومعناه لم يمل إلى أحد جانبيه. وهي بضم الحاء وفتحها وكسرها. أفصحها الضم. (3) مجيء ما جاء بك: قال القاضي: ضبطناه مجيء مرفوع غير منون عن بعضهم وعن بعضهم منونا قال: وهو أظهر. أي أمر عظيم جاء بك. (4) انتحى عليها: أي اعتمد على السفينة وقصد خرقها. (5) بادي الرأي: بالهمز وتركه. فمن همزه معناه أول الرأي وابتداؤه. أي انطلق إليه مسارعا إلى قتله من غير فكر. ومن لم يهمز فمعناه ظهر له رأي في قتله. من البداء. وهو ظهور رأي لم يكن. قال القاضي: ويمد البداء ويقصر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5542 لرأى العجب. ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامة «1» . قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني. قد بلغت من لدنّي عذرا. ولو صبر لرأى العجب- قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه: «رحمة الله علينا وعلى أخي كذا. رحمة الله علينا- فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية لئاما فطافا في المجالس فاستطعما أهلها. فأبوا أن يضيّفوهما. فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه. قال: لو شئت لاتّخذت عليه أجرا. قال: هذا فراق بيني وبينك وأخذ بثوبه. قال: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً* أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ (الكهف/ 68- 79) . إلى آخر الآية. فإذا جاء الّذي يسخّرها وجدها منخرقة فتجاوزها فأصلحوها بخشبة. وأمّا الغلام فطبع يوم طبع كافرا. وكان أبواه قد عطفا عليه. فلو أنّه أدرك، أرهقهما طغيانا وكفرا «2» . فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما «3» . وأمّا الجدار، فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته» إلى آخر الآية) * «4» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «المؤمن غرّ كريم، والفاجر خبّ لئيم) * «5» . 3- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن النّذر. وقال «إنّما يستخرج به من اللّئيم» ) * «6» . من الآثار الواردة في ذمّ (اللؤم) 1- * (كتب أحمد بن يوسف: أمّا بعد، فإنّي لا أعرف للمعروف طريقا أوعر من طريقه إليك؛ فالمعروف لديك ضائع، والشّكر عندك مهجور. وإنّما غايتك في المعروف أن تحقره، وفي وليّه أن تكفره) * «7» . 2- * (للعتّابي: تأتّينا إفاقتك من سكرتك، وترقّبنا انتباهك من رقدتك، وصبرنا على تجرّع الغيظ فيك، حتّى بان لنا اليأس من خيرك، وكشف لنا الصّبر   (1) أخذته من صاحبه ذمامة: أي حياء وإشفاقا من الذم واللؤم. (2) أرهقهما طغيانا وكفرا: أي حملهما عليهما وألحقهما بهما. والمراد بالطغيان، هنا، الزيادة في الضلال. (3) خيرا منه زكاة وأقرب رحما، قيل: المراد بالزكاة الإسلام. وقيل: الصلاح. وأما الرحم فقيل معناه الرحمة لوالديه وبرهما. وقيل المراد يرحمانه. (4) البخاري- الفتح 8 (4726) . ومسلم (2380) واللفظ له. (5) أبو داود (4790) وقال الألباني (2/ 909) : حسن. والترمذي (1964) متفق عليه. (6) البخاري- الفتح 11 (6692- 6693- 6694) . ومسلم (1639) . وابن ماجة (2122) وهذا لفظ ابن ماجة. (7) العقد الفريد: (4/ 319) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5543 عن وجه الغلط فيك. فها أنا قد عرفتك حقّ معرفتك في تعدّيك لطورك، واطّراحك حقّ من غلط في اختيارك) * «1» . 3- * (لإبراهيم بن المهديّ: أمّا بعد، فإنّك لو عرفت فضل الحسن لتجنّبت شين القبيح، ورأيتك آثر القول عندك ما يضرّك، فكنت فيما كان منك ومنّا، كما قال زهير بن أبي سلمى: وذي خطل في القول يحسب أنّه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله عبأت له حلما وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله «2» . 4- * (إنّ مودّة الأشرار متّصلة بالذّلّة والصّغار، تميل معهما، وتتصرّف في آثارهما. وقد كنت أحلّ مودّتك بالمحلّ النّفيس، وأنزلها بالمنزل الرّفيع، حتّى رأيت ذلّتك عند القلّة، وضرعك عند الحاجة، وتغيّرك عند الاستغناء، واطّراحك لإخوان الصّفاء، فكان ذلك أقوى أسباب عذري في قطيعتك عند من يتصفّح أمري وأمرك بعين عدل، لا يميل إلى هوى ولا يرى القبيح حسنا) *» . 5- * (كتب أبو العتاهية إلى الفضل بن معن ابن زائدة: أمّا بعد، فإنّي توسّلت في طلب نائلك بأسباب الأمل، وذرائع الحمد، فرارا من الفقر، ورجاء للغنى، فازددت بهما بعدا ممّا فيه تقرّبت، وقربا ممّا فيه تبعّدت. وقد قسّمت اللّائمة بيني وبينك؛ لأنّي أخطأت في سؤالك وأخطأت في منعي، وأمرت باليأس من أهل البخل فسألتهم، ونهيت عن منع أهل الرّغبة فمنعتهم. وفي ذلك أقول: فررت من الفقر الّذي هو مدركي ... إلى بخل محظور النّوال منوع فأعطبني الحرمان غبّ مطامعي ... كذلك من تلقاه غير قنوع وغير بديع منع ذي البخل ماله ... كما بذل أهل الفضل غير بديع إذا أنت كشّفت الرّجال وجدتهم ... لأعراضهم من حافظ ومضيع) * «4» . 6- * (وقف رجل خراسانيّ بباب أبي دلف العجليّ حينا فلم يؤذن له، فكتب رقعة وتلطّف في وصولها إليه وفيها: إذا كان الكريم له حجاب ... فما فضل الكريم على اللّئيم) * «5» . 7- * (ومن أطرف ما يروى في اللّؤم: قيل: كان عمرو الأعجميّ يلي حكم السّند فكتب إلى موسى الهادي أنّ رجلا من أشراف أهل الهند من آل المهلّب ابن أبي صفرة اشترى غلاما أسود فربّاه وتبنّاه فلمّا كبر وشبّ اشتدّ به هوى مولاته فراودها عن نفسها فأجابته، فدخل مولاه يوما على غفلة منه من حيث لا   (1) العقد الفريد (4/ 320) . (2) المرجع السابق (4/ 320) . (3) المرجع السابق (4/ 320) . (4) المرجع السابق (4/ 319- 320) . (5) المستطرف (1/ 146) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5544 يعلم، فإذا هو على صدر مولاته فعمد إليه فجبّ ذكره، وتركه يتشحّط في دمه، ثمّ أدركته عليه رقّة وندم على ذلك، فعالجه إلى أن برأ من علّته، فأقام الغلام بعدها مدّة يطلب أن يأخذ بثأره من مولاه، ويدبّر عليه أمرا يكون فيه شفاء غليله، وكان لمولاه ابنان أحدهما طفل، والآخر يافع كأنّهما الشّمس والقمر، فغاب الرّجل يوما عن منزله لبعض الأمور، فأخذ الغلام الصّبيّين فصعد بهما على ذروة سطح عال فنصبهما هناك، وجعل يعلّلهما بالمطعم مرّة، وباللّعب أخرى إلى أن دخل مولاه فرفع رأسه فرأى ابنيه في شاهق مع الغلام فقال: ويلك عرّضت ابنيّ للموت. قال: أجل، والله الّذي لا يحلف العبد بأعظم منه ولئن لم تجبّ ذكرك مثلما جببتني لأرمينّ بهما فقال: الله الله يا ولدي في تربيتي لك، قال: دع هذا عنك، فو الله ما هي إلّا نفسي وإنّي لا أسمح بها في شربة ماء، فجعل يكرّر عليه، ويتضرّع له، وهو لا يقبل ذلك ويذهب الوالد يريد الصّعود إليه فيدلّيهما من ذلك الشّاهق. فقال أبوهما: ويلك، فاصبر حتّى أخرج مدية وأفعل ما أردت، ثمّ أسرع وأخذ مدية فجبّ نفسه وهو يراه، فلمّا رأى الغلام ذلك رمى الصّبيّين من الشّاهق فتقطّعا. وقال: إنّ جبّك لنفسك ثأري، وقتل أولادك زيادة فيه. فأخذ الغلام وكتب بخبره لموسى الهادي، فكتب موسى لصاحب السّند عمرو الأعجميّ بقتل الغلام. وقال: ما سمعت بمثل هذا قطّ) * «1» . 8- * (قيل لبعض الحكماء: ما الجرح الّذي لا يندمل. قال: حاجة الكريم إلى اللّئيم، ثمّ يردّه بغير قضائها. قيل: فما الّذي هو أشدّ منه، قال: وقوف الشّريف بباب الدّنيء ثمّ لا يؤذن له) * «2» . 9- * (قال الشّاعر: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا ووضع النّدا في موضع السّيف بالعلا ... مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدا) * «3» . 10- * (وقال آخر: أحبّ بنيّتي ووددت أنّي ... دفنت بنيّتي في جوف لحد ومالي بغضها غرضا ولكن ... مخافة ميتتي فتضيع بعدي مخافة أن تصير إلى لئيم ... فيفضح والدي ويشين جدّي) * «4» .   (1) المستطرف (2/ 79- 80) . (2) المرجع السابق (2/ 145) . (3) المرجع السابق (2/ 80) . (4) المحاسن والمساوىء (563) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5545 من مضار (اللؤم) (1) يسخط الجبّار ويؤدّي إلى النّار. (2) اللّئيم مبغوض من الله والملائكة والنّاس أجمعين. (3) يشعر بالحقد والكراهية للمجتمع. (4) لا يهنأ له عيش، ولا يقرّ له قرار. (5) يشوب قلبه الحسد والبغض لمن حوله. (6) تستحكم فيه أنانية النّفس ودناءتها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5546 [ حرف الميم ] المجاهرة بالمعصية المجاهرة لغة: مصدر قولهم: جاهر يجاهر مجاهرة، وهو مأخوذ من مادّة (ج هـ ر) الّتي تدلّ على إعلان الشّيء وكشفه وعلوّه، يقال: جهرت بالكلام، أعلنت به، ورجل جهير الصّوت، أي عاليه، قال الشّاعر: أخاطب جهرا إذ لهنّ تخافت ... وشتّان بين الجهر والمنطق الخفت «1» وقولهم: جهرت البئر واجتهرتها معناه نقّيتها وأخرجت ما فيها من الحمأة، وهي بئر مجهورة (أي منقّاة صافية) ، وقول الله تعالى: حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ... (البقرة/ 55) أي عيانا يكشف ما بيننا وبينه «2» ، وأصل الجهر الظّهور، ومن ذلك: الجهر بالقراءة إنّما هو إظهارها والمجاهرة بالمعاصي، المظاهرة بها، ورأيت الأمير جهارا وجهرة أي غير مستتر بشيء «3» ، وقد لخّص الفيروز اباديّ معاني هذه المادّة فقال: المادّة موضوعة لإظهار الشّيء بإفراط لحاسّة البصر أو لحاسّة السّمع، أمّا البصر فنحو قولك: رأيته جهارا (بفتح الجيم وكسرها) وأمّا للسّمع فنحو قولهم: جهر بالكلام «4» ، ومن الأخير ما جاء في حديث عمر- رضي الله عنه- أنّه كان مجهرا، أي صاحب جهر ورفع لصوته «5» ، أمّا المجاهرون في قوله صلّى الله عليه وسلّم «كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين» «6» فهم الّذين جاهروا بمعاصيهم، وأظهروها وكشفوا ما ستر الله عليهم منها فيتحدّثون به «7» . وقال ابن منظور: يقال: جهر بالقول، إذا رفع به صوته فهو جهير، وأجهر فهو مجهر إذا عرف بشدّة الصّوت، وجهر الشّيء علن وبدا، وجهر بكلامه ودعائه وصوته وصلاته وقراءته يجهر جهرا وجهارا، وأجهر بذلك أعلنه وأظهره، وفرّق بعضهم بين جهر وأجهر فقال: جهر: أعلى الصّوت، وأجهر: أعلن، وكلّ إعلان جهر وجاهرهم بالأمر مجاهرة وجهارا: عالنهم، وأمر مجهر أي واضح بيّن، وقد أجهرته أنا إجهارا أي شهّرته، فهو مجهور به مشهور، والمجهورة   (1) مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 487. (2) الصحاح 2/ 617. (3) تفسير القرطبي 1/ 404. (4) بصائر ذوي التمييز 2/ 404. (5) النهاية لابن الأثير 1/ 321، ووقع في اللسان تصحيف للفظ إذ ورد فيه «مجهرا» بكسر الميم وفتح الهاء، انظر اللسان 4/ 150 (ط: بيروت) . (6) انظر في تخريج هذا الحديث، هامش (1) في قسم الاحاديث. (7) النهاية لابن الأثير 1/ 321. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5547 من الآبار: المعمورة عذبة كانت أو ملحة، والجهر أيضا: الاستخراج «1» ومن ذلك ما جاء في حديث خيبر: «وجد النّاس بها بصلا وثوما فجهروه» أي استخرجوه وأكلوه (من قولهم: جهرت البئر إذا كانت مندفنة فأخرجت ما فيها) «2» ، والأجهر من الرّجال الّذي لا يبصر في الشّمس، والمجاهرة بالعداوة: المبادأة بها «3» والمجاهرة بالسّوء من القول في قوله عزّ وجلّ: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ.. (النساء/ 148) فقد جاء في تفسيرها: لا يحبّ الله أن يجهر أحد بالسّوء من القول إلّا من ظلم فلا يكره له الجهر به» «4» ، وقال ابن كثير: فيما يرويه عن ابن عبّاس في هذه الآية: المعنى، لا يحبّ الله أن يدعو أحد على أحد إلّا أن يكون مظلوما فقد رخّص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: «إلّا من ظلم» وإن صبر فهو خير له» «5» . المعصية لغة: انظر صفة العصيان المجاهرة بالمعصية اصطلاحا: أن يرتكب الشّخص الإثم علانية، أو يرتكبه سرّا فيستره الله عزّ وجلّ، ولكنّه يخبر به بعد ذلك مستهينا بستر الله له. قال ابن حجر: والمجاهر الّذي أظهر معصيته، وكشف ما ستر الله عليه فيحدّث بها «6» ، أمّا المجاهرون في الحديث الشّريف «كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين «7» فيحتمل أن يكون بمعنى: من جهر بالمعصية وأظهرها، ويحتمل أن يكون المراد: الّذين يجاهر بعضهم بعضا بالتّحدّث بالمعاصي، قال ابن حجر: وبقيّة الحديث تؤكّد المعنى الأوّل. «8» أنواع المجاهرة: ممّا سبق يتّضح أنّ المجاهرة تكون على أنواع ثلاثة: 1- المجاهرة بمعنى إظهار المعصية وذلك كما يفعل المجّان والمستهترون بحدود الله، والّذي يفعل المعصية جهارا يرتكب محذورين: الأوّل: إظهار المعصية والآخر: تلبّسه بفعل المجّان، والمجانة (أي المجون) ، مذمومة شرعا وعرفا» «9» . 2- المجاهرة بمعنى إظهار ما ستر الله على العبد من فعله المعصية، كأن يحدّث بها تفاخرا أو استهتارا بستر الله تعالى وهؤلاء هم الّذين لا يتمتّعون بمعافاة الله عزّ وجلّ. 3- المجاهرة بمعنى أن يجاهر بعض الفسّاق بعضا بالتّحدّث بالمعاصي.   (1) لسان العرب 4/ 152. (2) انظر النهاية لابن الأثير 1/ 321. (3) لسان العرب (باختصار وتصرف) 4/ 149- 152. (4) تفسير القرطبي ج 6 ص 1، وقارن بالآثار التي وردت حول هذه الآية الكريمة في قسم الآثار. (5) تفسير ابن كثير 1/ 485، وقد ذكر آراء أخرى في تفسير الآية سنذكرها في قسم الآثار، فلتنظر هناك. (6) فتح الباري 10/ 502. (7) انظر الحديث رقم «1» . (8) انظر فتح الباري 10/ 502. (9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5548 هجر المجاهرين بالمعاصي: قال شيخ الإسلام (ابن تيميّة) : إنّ المظهر للمنكر يجب الإنكار عليه علانية، ولا تبقى له غيبة، ويجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميّتا- إذا كان فيه ردع لأمثاله- فيتركون تشييع جنازته «1» . وقال صاحب الآداب الكبرى: يسنّ هجر من جهر بالمعاصي الفعليّة والقوليّة والاعتقاديّة، وقيل: يجب ذلك إن ارتدع به، وإلّا كان مستحبّا، وقيل: يجب هجره مطلقا إلّا من السّلام بعد ثلاثة أيّام، وقيل ترك السّلام على من جهر بالمعاصي حتّى يتوب فرض كفاية، وظاهر كلام الإمام أحمد (بن حنبل) ترك السّلام والكلام مطلقا «2» . ونقل ابن حجر عن الإمام النّوويّ قوله: من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به «3» . [للاستزادة: انظر صفات: التفريط والإفراط الفسوق- الفجور- الكذب- الخداع- المكر. وفي ضد ذلك: انظر صفات: التقوى- الصدق- اليقين- محاسبة النفس] .   (1) غذاء الألباب 1/ 259. (2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) انظر فتح الباري 10/ 502. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5549 الآيات الواردة في «المجاهرة بالمعصية» 1- * لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (118) «1» الآيات الواردة في «المجاهرة بالمعصية» معنى 2- * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «2» 3- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) «3» 4- إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) «4»   (1) النساء: 148 مدنية (2) الأنعام: 151 مكية (3) الأعراف: 33 مكية (4) النور: 19 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5550 الأحاديث الواردة في ذمّ (المجاهرة بالمعصية) 1- * (عن سالم بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يقول: كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملا، ثمّ يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» ) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (المجاهرة بالمعصية) معنى 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تشترى الثّمرة حتّى تطعم «2» ، وقال: إذا ظهر الزّنا والرّبا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله» ) *» . 3- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله آكل الرّبا وموكله وشاهديه وكاتبه» ، وقال: «ما ظهر في قوم الرّبا والزّنا إلّا أحلّوا بأنفسهم عقاب الله» ) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فقال: يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ، حتّى يعلنوا بها، إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسّنين، وشدّة المئونة، وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلّا سلّط عليهم عدوّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله، إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «5» . 5- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:   (1) البخاري- الفتح 10 (6069) واللفظ له، ومسلم 4 (2990) . (2) تطعم: يتم نضجها ويبدو صلاحها. (3) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 8) وقال: رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي كما في (2/ 37) . (4) أحمد (1/ 402) ، وأبو يعلى (5/ 11) / 4960، وبعضه عند أبي داود (3333) ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 8) : إسناده جيد، وكذا قال الهيثمي في المجمع (4/ 118) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 309) / 3809: إسناده صحيح. (5) سنن ابن ماجه 2 (4019) ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 246) / 1414: رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وعزاه أيضا إلى البزار والبيهقي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5551 قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو كنت راجما أحدا بغير بيّنة لرجمت فلانة، فقد ظهر منها الرّيبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها» ) * «1» . 6- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يكون في آخر هذه الأمّة خسف ومسخ وقذف» . قالت، قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: «نعم إذا ظهر الخبث» ) * «2» . 7- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله لا يحبّ الفحش، أو يبغض الفاحش والمتفحّش، قال: ولا تقوم السّاعة حتّى يظهر الفحش والتّفاحش، وقطيعة الرّحم، وسوء المجاورة، وحتّى يؤتمن الخائن، ويخوّن الأمين، وقال: ألا إنّ موعدكم حوضي، عرضه وطوله واحد، وهو كما بين أيلة ومكّة، وهو مسيرة شهر، فيه مثل النّجوم أباريق، شرابه أشدّ بياضا من الفضّة، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده أبدا» ) * «3» . 8- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل، حتّى إن كان منهم من أتى أمّه علانية لكان في أمّتي من يصنع ذلك، وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلّهم في النّار إلّا ملّة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله قال: ما أنا عليه وأصحابي» ) * «4» . من الآثار الواردة في النهي عن (المجاهرة بالمعصية) 1- * (عن عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- قال: كان يقال: إنّ الله- تبارك وتعالى- لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة، ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقّوا العقوبة كلّهم) * «5» . 2- * (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: إنّ من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به) * «6» . 3- * (وقال- أيضا- الّذي يجاهر بالمعصية   (1) ابن ماجه برقم 2559 وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (2) الترمذي برقم 2185 قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (3) أحمد 2/ 162 ونسخة شاكر برقم (6514) وقال: إسناده صحيح. (4) سنن الترمذي 5 (2641) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، وانظر السلسلة الصحيحة (1/ 264) / 204. (5) الموطأ 2/ 991. (6) الفتح 10/ 502. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5552 يكون من جملة المجّان، والمجانة مذمومة شرعا وعرفا فيكون الّذي يظهر المعصية قد ارتكب محذورين: إظهار المعصية وتلبّسه بفعل المجّان) * «1» . 4- * (قال ابن بطّال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحقّ الله ورسوله وبصالحي المؤمنين وفيه ضرب من العناد لهم، وفي السّتر بها السّلامة من الاستخفاف، لأنّ المعاصي تذلّ أهلها، ومن إقامة الحدّ عليه إن كان فيه حدّ، ومن التّعزير إن لم يوجب حدّا، وإذا تمحّض حقّ الله فهو أكرم الأكرمين، رحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدّنيا لم يفضحه في الآخرة، والّذي يجاهر يفوته جميع ذلك) * «2» . 5- * (وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى- من قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربّه، فلم يستره، ومن قصد التّستّر بها حياء من ربّه، ومن النّاس منّ الله عليه بستره إيّاه) * «3» . 6- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ (النساء- 148) : قال: لا يحبّ الله أن يدعو أحد على أحد إلّا أن يكون مظلوما، فإنّه رخّص له أن يدعو على من ظلمه، وإن يصبر فهو خير له) * «4» . 7- * (وعن الحسن- رضي الله عنه- في الآية نفسها قال: هو الرّجل يظلم فلا يدع عليه (أي على الظّالم) ، ولكن ليقل: اللهمّ أعنّي عليه، اللهمّ استخرج لي حقّي، حل بينه وبين ما يريد ونحو هذا) * «5» . 8- * (وعن قتادة- رضي الله عنه- في الآية نفسها قال: عذر الله المظلوم- كما تسمعون- أن يدعو) * «6» . 9- * (عن مجاهد في قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ قال: هو الرّجل ينزل بالرّجل فلا يحسن ضيافته، فيخرج فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن) * «7» . 10- * (وعنه أيضا في الآية نفسها قال: ضاف رجل رجلا فلم يؤدّ إليه حقّ ضيافته، فلمّا خرج أخبر النّاس فقال: ضفت فلانا فلم يؤدّ إليّ حقّ ضيافتي، قال: فذلك الجهر بالسّوء من القول إلّا من ظلم حتّى يؤدّي الآخر إليه حقّ ضيافته) * «8» . 11- * (قال ابنالمنير: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ معناه إلّا من أكره على أن يجهر بالسّوء كفرا ونحوه، فذلك   (1) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (2) الفتح 10/ 502. (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) الدر المنثور ج 2/ 420. (5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (7) تفسير ابن كثير 1/ 584. وانظر الدر المنثور 2/ 237، والطبري 9/ 346- 347. (8) تفسير ابن كثير 1/ 584. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5553 مباح) * «1» . 12- * (وقال عبد الكريم بن مالك الجزريّ في الآية نفسها: «هو الرّجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه لقوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (الشورى/ 41)) * «2» . 13- * (وقال القاضي أبو حسين في التّمام: لا تختلف الرّواية في وجوب هجر أهل البدع وفسّاق الملّة. وظاهر إطلاقه لا فرق بين المجاهر وغيره كالمبتدع والفاسق، فينبغي لك إن كنت متّبعا سنن من سلف أنّ كلّ من جاهر بمعاصي الله لا تعاضده ولا تساعده ولا تقاعده ولا تسلّم عليه، بل اهجره ولاقه بوجه مكفهرّ) * «3» . 14- * (وقال ابن تميم: وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم، والمتظاهر بالمعاصي، وترك السّلام عليهم فرض كفاية، ومكروه لسائر النّاس) * «4» . 15- * (قال صاحب منظومة الآداب: وهجران من أبدى المعاصي سنّة ... وقد قيل إن يردعه أوجب وأكّد وقيل على الإطلاق ما دام معلنا ... ولاقه بوجه مكفهرّ مربّد) * «5» . 16- * (قال السّفارينيّ في شرح البيتين السّابقين: «ولا فرق بين كون المعاصي فعليّة أو قوليّة أو اعتقاديّة ... وهذا الهجر يثاب الإنسان عليه لأنّه هجر لله تعالى وغضب لارتكاب معاصيه أو إهمال أوامره. قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: إذا علم أنّه مقيم على معصية وهو يعلم بذلك لم يأثم أن جفاه حتّى يرجع، وإلّا كيف يتبيّن للرّجل ما هو عليه، إذا لم ير منكرا ولا جفوة من صديق) * «6» . من مضار (المجاهرة بالمعصية) (1) المجاهر بالمعصية ما جن أثيم يغضب الله عزّ وجلّ. (2) المجاهر يحرم نفسه من عفو الله تعالى. (3) المجاهرون بالمعاصي محتقرون من النّاس مهجورون، لا يكلّمهم الصّالحون ولا يسلّمون عليهم.   (1) المرجع السابق 3/ 398. (2) تفسير ابن كثير 1/ 584. (3) غذاء الألباب/ شرح منظومة الآداب للسفاريني 1/ 256- 261. (4) المرجع السابق 1/ 269. (5) انظر غذاء الألباب 1/ 256- 258. (6) المرجع السابق، انظر الصفحات 256- 261. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5554 (4) المجاهر بالمعصية يحلّ عرضه بحديث النّاس عنه وعن جرائمه. (5) الجهر بالمعصية يؤدّي إلى الإخلال بالقيم الدّينيّة والأخلاقيّة في المجتمع. (6) الجهر بالمعاصي يستوجب ردع المجتمع للمجاهر وإنزال العقوبة اللّائقة به. (7) المجاهر بالمعصية مفضوح بين الخلق حيّا أو ميّتا، إذ لا يشترك الصّالحون في تشييع جنازته، خاصّة إذا كان في ذلك ردع لأمثاله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5555 المكر والكيد المكر لغة: المكر مصدر قولهم مكر به يمكر، وهو مأخوذ من مادّة (م ك ر) الّتي تدلّ على الاحتيال والخداع «1» . والمكر: احتيال بغير ما يضمر، والاحتيال بغير ما يبدي: هو الكيد، والكيد فى الحرب حلال، والمكر فى كلّ حلال حرام «2» . المكر: احتيال في خفية، قال الله تعالى: وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (النمل/ 50) . وقيل: المكر الخديعة والاحتيال، ويقال، مكر يمكر مكرا ومكر به، ورجل مكّار ومكور: ماكر، وقال ابن سيدة: ولا أنكر أن يكون المكر الّذي هو الخديعة «3» . وانظر صفة (الأمن من المكر) . المكر اصطلاحا: إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر «4» . وعرّفه بعضهم بأنّه: صرف الغير عمّا يقصده بحيلة «5» . مكر الله- عز وجل-: وأمّا المكر الّذي وصف به نفسه فهو صفة فعل حقيقيّة على ما يليق بجلاله ومعناه مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله، فيقابل مكرهم السّيّىء بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبح شيء، ومنه أحسن شيء، لأنّه عدل ومجازاة، وكذلك المخادعة منه جزاء على مخادعة رسله وأوليائه، فلا أحسن من تلك المخادعة والمكر «6» . وقال الجرجانيّ: المكر من جانب الحقّ تعالى هو إرداف النّعم مع المخالفة، وإبقاء الحال مع سوء الأدب وإظهار الكرامات من غير جهد. وقال الكفويّ: مكر الله: إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدّنيا «7» . أنواع المكر: أحدهما: مكر محمود، وذلك أن يتحرّى بذلك فعل جميل، ومنه قوله تعالى وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (آل عمران/ 54) . والآخر: مذموم، وهو أن يتحرّى به فعل قبيح كما في قوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) «8» . حكم المكر: ذكر الذّهبيّ وابن حجر أنّ المكر السّيّىء من الكبائر، وقد احتجّ الذّهبيّ بقوله تعالى: وَلا يَحِيقُ   (1) المقاييس (5/ 345) . (2) العين للخليل بن أحمد (5/ 370) . (3) لسان العرب (5/ 183) . (4) التعريفات للجرجاني (245) . (5) التوقيف على مهمات التعاريف (673) . (6) الفوائد لابن القيم (213) . (7) التعريفات (245) ، والكليات (771) . (8) المفردات (471) ، والتوقيف (313) ، والفوائد لابن القيم (213) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5556 الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) ، وبقوله صلّى الله عليه وسلّم «المكر والخديعة فى النّار» «1» . أمّا ابن حجر فقد عدّه من كبائر الباطن، الّتى يذمّ العبد عليها أعظم ممّا يذمّ على السّرقة والزّنا ونحوهما من كبائر الظّاهر، وذلك لعظم مفسدتها وسوء أثرها ودوامه؛ لأنّ آثار هذه الكبائر الباطنة تدوم، بحيث تصير حالا وهيئة راسخة في القلب» . الكيد لغة: الكيد مصدر قولهم: كاده يكيده وهو مأخوذ من مادّة (ك ي د) الّتي تدلّ على معالجة شيء بشدّة، ثمّ إنّهم يتوسّعون في ذلك فيسمّون المكر كيدا «3» ، وقال الجوهريّ: المكر الكيد، وكلّ شيء تعالجه فأنت تكيده «4» ، وقال الرّاغب: الكيد ضرب من الاحتيال يكون مذموما وممدوحا، واستعماله في المذموم أكثر وكذلك الاستدراج والمكر، ومن أمثلة المحمود قوله تعالى: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ (يوسف/ 76) ، وفي قول الله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (يوسف/ 52) إشارة إلى أنّه قد يهدي كيد من لم يقصد بكيد الخيانة ككيد يوسف لإخوته «5» ، وقال ابن منظور: الكيد: الخبث والمكر، والكيد الاحتيال والاجتهاد وبه سمّيت الحرب كيدا، والكيد التّدبير بباطل أو حقّ، وقول الله تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً (الطارق/ 15- 16) قال فيه الزّجّاج: يعني به كيد الكفّار وهو أنّهم يخاتلون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويظهرون ما هم على خلافه، أمّا كيد الله تعالى لهم فهو استدراجهم من حيث لا يعلمون، يقال: فلان يكيد أمرا ما أدري ما هو إذا كان يريغه ويحتال له ويسعى له ويختله «6» (أي يدبّره في خفاء) . الكيد اصطلاحا: قال الجرجانيّ: هو إرادة مضرّة الغير خفية، وهو من الخلق: الحيلة السّيّئة، ومن الله تعالى: التّدبير بالحقّ لمجازاة أعمال الخلق «7» . وقال المناويّ: الكيد إرادة مضرّة الغير حقيقة «8» وهو ضرب من الاحتيال العلاقة بين المكر والكيد: كلّ من المكر والكيد فيه احتيال وإرادة الأذى بالغير خفية إلّا أنّ الكيد- كما يقول الكفويّ- أقوى من المكر «9» ، كما أنّ الكيد يجمع إلى المكر صفة الخبث «10» وهو على ذلك مكر وزيادة، كما أنّ فى الكيد مراعاة الاجتهاد كما قال عنه ابن الأثير «11» . [للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الأمن من المكر- الخبث- الخداع- اللؤم- النفاق- نقض العهد- الغش- الغدر- الخيانة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإحسان- الإخلاص- مجاهدة النفس- المراقبة- الأمانة- الاستقامة- الوفاء] .   (1) الكبائر للذهبي (235) . (2) الزواجر (99) . (3) مقاييس اللغة 5/ 149. (4) الصحاح 2/ 533. (5) المفردات ص 443. (6) لسان العرب 3/ 385 (ط. بيروت) . (7) التعريفات ص 189. (8) وقد تصحف على المناوي كلام الجرجاني فقال: وهو من الأخلاق الجبلية السيئة والصواب وهو من الخلق الجبلة السيئة، انظر التوقيف ص 286. (9) انظر الكليات 4/ 125. (10) انظر ما نقلناه عن اللسان في الكيد لغة. (11) قال ابن الأثير في النهاية (4/ 217) : الكيد: الاختيال والاجتهاد فيه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5557 الآيات الواردة في «المكر» 1- وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54) «1» 2- وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (123) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124) «2» 3- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) «3» 4- فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) «4» 5- ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) «5» 6- أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «6» 7- وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) «7» 8- وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) «8» 9- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) «9» 10- وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) «10» 11- وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) «11» 12- وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ   (1) آل عمران: 54 مدنية (2) الأنعام: 123- 124 مكية (3) الأنفال: 30 مكية (4) يوسف: 31 مكية (5) يوسف: 102 مكية (6) الرعد: 33 مدنية (7) الرعد: 42 مدنية (8) إبراهيم: 46 مكية (9) النحل: 26 مكية (10) النمل: 50- 51 مكية (11) النمل: 70 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5558 الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (32) «1» 13- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «2» 14- اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) «3» 15- فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) «4» 16- وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) «5» الآيات الواردة في «الكيد» 17- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) «6» 18- الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «7» 19- ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) «8» 20- قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) «9» 21- ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) «10» 22- فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (60) «11» 23- وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) 1» 24- فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) «13» 25- إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) «14»   (1) سبأ: 33 مكية (2) فاطر: 10 مكية (3) فاطر: 43 مكية (4) غافر: 45 مكية (5) نوح: 22 مكية (6) آل عمران: 120 مدنية (7) النساء: 76 مدنية (8) الأنفال: 18 مدنية (9) يوسف: 5 مكية (10) يوسف: 52 مكية (11) طه: 60 مكية (12) الأنبياء: 70 مكية (13) غافر: 25 مكية (14) الطارق: 15- 16 مكية وانظر أيضا الآيات التالية: الأعراف/ 182- 183 الأعراف/ 195 هود/ 54- 55 يوسف/ 28 يوسف/ 33- 34 يوسف/ 50 يوسف/ 76 طه/ 64 طه/ 69 الأنبياء/ 57 الأنبياء/ 70 الحج/ 15 الصافات/ 98 غافر/ 37 الطور/ 4 الطور/ 46 القلم/ 45 المرسلات/ 39 الفيل/ 2- 3 الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5559 الأحاديث الواردة في ذمّ (المكر) 1- * (عن قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله عنهما- قال: لولا أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المكر والخديعة في النّار» لكنت من أمكر النّاس) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (المكر) معنى 2- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال ... » الحديث وفيه: «ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك ... الحديث) * «2» . 3- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ أناسا من عكل وعرينة قدموا المدينة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتكلّموا بالإسلام، فقالوا: يا نبيّ الله إنّا كنّا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة «3» ، فأمر لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذود «4» وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيه، فيشربوا من ألبانها وأبوالها. فانطلقوا حتّى إذا كانوا ناحية الحرّة «5» ، كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، واستاقوا الذّود، فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبعث الطّلب في آثارهم فأمر بهم فسمروا أعينهم «6» ، وقطعوا أيديهم، وتركوا في ناحية الحرّة حتّى ماتوا على حالهم) * «7» . 4- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة خبّ «8» ، ولا منّان ولا بخيل» ) * «9» . 5- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله تعالى قال: لقد خلقت خلقا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصّبر، فبي حلفت: لأتيحنّهم «10» فتنة تدع الحليم منهم حيران، فبي يغترّون أم عليّ يجترئون «11» » ) * «12» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لكلّ غادر لواء يوم القيامة يعرف به» ) * «13» .   (1) صحيح الجامع (1057) وقال الألبانى صحيح. (2) مسلم (2865) . (3) استوخموا المدينة: أي لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم. (4) الذود: الجماعة من الإبل قيل من ثلاثة إلى عشرة. (5) الحرة: هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة. (6) سمروا أعينهم: أي كحلوها بمسامير محمية، وقيل هي كسمل أي فقؤوها وأذهبوا ما فيها. (7) البخاري- الفتح 7 (4192) ، واللفظ له، ومسلم (1671) . (8) الخب: الرجل الخداع. (9) الترمذي (1963) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب، والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 380) ، وقال: رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. (10) لأتيحنّهم: يقال أتاح الله لفلان كذا أي قدّره له. (11) يجترئون: الاجتراء: الجسارة على الشيء. (12) الترمذي (2405) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (4/ 545) واللفظ له: حديث حسن. (13) البخاري- الفتح 12 (6966) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5560 الأحاديث الواردة في ذمّ (الكيد) 7- عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت سعدا- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يكيد أهل المدينة أحد إلّا انماع «1» كما ينماع الملح في الماء» ) * «2» . 8- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يكذب إبراهيم ... » الحديث وفيه: «فأتته «3» وهو قائم يصلّي فأومأ بيده مهيم؟ قالت ردّ الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره، وأخدم هاجر» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (المكر) 1- * (قال الغزاليّ- رحمه الله- اعلم أنّ للإنسان أخلاقا وأوصافا كثيرة، لكن تنحصر مثارات الذّنوب في أربع صفات: أحدها: صفات الرّبوبيّة، ومنها يحدث الكبر والفخر وحبّ المدح والثّناء، والعزّ وطلب الاستعلاء، ونحو ذلك وهذه ذنوب مهلكات، وبعض النّاس يغفل عنها، فلا يعدّها ذنوبا. الثّانية: صفات شيطانيّة، ومنها يتشعّب الحسد والبغي والحيل والخداع والمكر، والغشّ والنّفاق والأمر بالفساد ونحو ذلك. الثّالثة: الصّفات البهيميّة، ومنها يتشعّب الشّرّ والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، فيتشعّب من ذلك الزّنى واللّواطة والسّرقة، وأخذ الحطام لأجل الشّهوات. الرّابعة: الصّفات السّبعيّة، ومنها يتشعّب الغضب والحقد والتّهجّم على النّاس بالقتل والضّرب، وأخذ الأموال، وهذه الصّفات لها تدرّج في الفطرة. فهذه أمّهات المنابع إلى الجوارح، فبعضها في القلب، كالكفر والبدعة والنّفاق، وإضمار السّوء، وبعضها في العين، وبعضها في السّمع، وبعضها في اللّسان، وبعضها في البطن والفرج، وبعضها في اليدين والرّجلين، وبعضها على جميع البدن. ثمّ الذّنوب تنقسم إلى ما يتعلّق بحقوق الآدميّين، وإلى ما بين العبد وبين ربّه. فما يتعلّق بحقوق العباد، فالأمر فيه أغلظ، والّذي بين العبد وبين ربّه، فالعفو فيه أرجى وأقرب إلّا أن يكون شركا والعياذ بالله، فذلك الّذي لا يغفر) * «5» . 2- * (قال ابن كثير عند قوله تعالى: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ   (1) ينماع: أي يذوب. (2) صحيح البخاري، حديث رقم 1877. (3) أي أتت سارة إبراهيم عليه السلام. (4) صحيح البخاري، حديث رقم 3358. (5) انظر مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (252) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5561 (النحل/ 127) أي فى كيدك وردّ ما جئت به فإنّ الله مؤيّدك وناصرك ومظهر دينك على من خالفه وعانده فى المشارق والمغارب) «1» . 3- * (وقال عند قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (فاطر/ 10) قال مجاهد وسعيد بن جبير وشهر بن حوشب هم المراءون بأعمالهم يعني يمكرون بالنّاس يوهمون أنّهم في طاعة الله تعالى وهم بغضاء إلى الله- عزّ وجلّ- يراءون بأعمالهم ... وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (فاطر/ 11) أي يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولى البصائر والنّهى، فإنّه ما أسرّ أحد سريرة إلّا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسرّ أحد سريرة إلّا كساه الله تعالى رداءها، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ) * «2» . 4- * (وقال عند قوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) أي وما يعود وبال ذلك إلّا عليهم أنفسهم دون غيرهم) * «3» . 5- * (قال محمّد بن كعب القرظيّ: ثلاث من فعلهنّ لم ينج حتّى ينزل به: من مكر أو بغى أو نكث، وتصديقها فى كتاب الله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (يونس/ 23) فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (الفتح/ 10)) * «4» . 6- * (قال الماورديّ عند قوله تعالى وَمَكَرُوا مَكْراً ... (النمل/ 50) وفي مكرهم ومكر الله تعالى بهم قولان: أحدهما: قاله الكلبيّ: وهم لا يشعرون بالملائكة الّذين أنزل الله على صالح ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه، فرموا كلّ رجل منهم بحجر حتّى قتلوهم جميعا وسلم صالح من مكرهم. الثّانى: قاله الضّحّاك، أنّهم مكروا بأن أظهروا سفرا، وخرجوا فاستتروا فى غار ليعودوا فى اللّيل فيقتلوه، فألقى الله صخرة على باب الغار حتّى سدّه، وكان هذا مكر الله بهم) * «5» . 7- * (أورد الرّاغب عن بعضهم قوله: من وسّع عليه دنياه ولم يعلم أنّه مكر به فهو مخدوع عن عقله) * «6» . من مضار (المكر) انظر مضار صفة (الأمن من المكر)   (1) تفسير ابن كثير (3/ 374) . (2) تفسير ابن كثير (3/ 550) . (3) المرجع السابق (3/ 563) . (4) المرجع السابق (3/ 563) . (5) تفسير الماوردى (4/ 220) . (6) المفردات للراغب (471) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5562 المن ّ المن لغة: المنّ مصدر منّ عليه منّا وهو مأخوذ من مادّة (م ن ن) الّتي تدلّ علي أصلين: أحدهما القطع والانقطاع، والآخر على اصطناع خير، فمن الأوّل: مننت الحبل: قطعته، قال تعالى: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (التين/ 6) ومنه: منّ بيد أسداها، إذا قرّع بها. وهذا يدلّ على أنّه قطع الإحسان. ومن الثّانى: منّ يمنّ منّا، إذا صنع صنعا جميلا «1» . يقول الرّاغب: والمنّة: النّعمة الثّقيلة، ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: منّ فلان على فلان إذا أثقله بالنّعمة، وعلى ذلك قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران/ 164) وذلك على الحقيقة لا يكون إلّا لله تعالى. والثّاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين النّاس إلّا عند كفران النّعمة، ولقبح ذلك قيل: المنّة تهدم الصّنيعة، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النّعمة حسنت المنّة، وقوله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا (الحجرات/ 17) فالمنّة منهم بالقول، ومنّة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إيّاهم كما ذكر «2» . ومنّ عليه منّا: أنعم، والمنّان من أسماء الله تعالى. ومنّ عليه منّة، أي امتنّ عليه، قال أبو عبيد: رجل منونة: كثير الامتنان «3» ، ومننت عليه منّا عددت له ما فعلت له من الصّنائع، مثل أن تقول أعطيتك وفعلت لك، وهو تكدير وتغيير تنكسر منه القلوب، فلهذا نهى الشّارع عنه بقوله: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى (البقرة/ 264) ومن هنا يقال: «المنّ أخو المنّ، أي الامتنان بتعديد الصّنائع أخو القطع والهدم «4» » . وفي الحديث «ثلاثة يشنؤهم الله، منهم البخيل المنّان» وقد يقع المنّان على الّذي لا يعطي شيئا إلّا منّه، واعتدّ به على من أعطاه، وهو مذموم. والمنون من النّساء الّتي تزوّج لمالها فهي أبدا تمنّ على زوجها، والمنّانة كالمنون. وقال بعض العرب: لا تتزوّجنّ حنّانة ولا منّانة «5» » . وقال أبو حيّان في قوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة/ 262) ، أصل المنّ القطع، لأنّ   (1) المقاييس (5/ 267) . بتصرف. (2) المفردات (494) . (3) الصحاح (6/ 2206) . (4) المصباح المنير (581) . (5) اللسان (6/ 4279) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5563 المنعم يقطع قطعة من ماله لمن ينعم عليه، والمنّ (أيضا) النّقص من الحقّ والبخس له، ومنه المنّ المذموم، وهو ذكر المنّة للمنعم عليه على سبيل الفخر عليه بذلك والاعتداد عليه بإحسانه» . وقال- رحمه الله تعالى- قيل نزلت (هذه الآية) في عثمان، وقيل: في عليّ، وقيل: في عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنهم أجمعين- وقد بيّن سبحانه أنّ هذا الجزاء إنّما هو لمن لا يتبع إنفاقه منّا ولا أذى- لأنّهما مبطلان للصّدقة- ولكن يراعي جهة الاستحقاق لا جزاء من المنفق عليه، ولا شكرا له منه، ويكون قصده خالصا لوجه الله تعالى، فإذا التمس بإنفاقه الشّكر والثّناء كان صاحب سمعة ورياء، وإن التمس الجزاء كان تاجرا لا يستحقّ حمدا ولا شكرا، والمنّ من الكبائر لما ثبت في صحيح مسلم وغيره أنّ المانّ أحد الثّلاثة الّذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم «2» . وظاهر الآية يدلّ على أنّ المنّ والأذى يكونان من المنفق على المنفق عليه، سواء أكان الإنفاق في الجهاد على سبيل التّجهيز أو الإعانة فيه، أم كان في غير الجهاد، والأذى يشمل المنّ وغيره، ونصّ على المنّ وقدّمه لكثرة وقوعه من المتصدّق، ومنه (مثلا) أن يقول: قد أحسنت إليك، أو يتحدّث بما أعطى فيبلغ ذلك المعطى فيؤذيه، ومن الأذى أن يسبّ المعطى أو يشتكي منه، أو ما أشبه ذلك «3» . وقال القرطبيّ في تفسير الآية: المنّ: ذكر النّعمة على معنى التّعديد لها والتّقريع بها، مثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه. وقال بعضهم: المنّ: التّحدّث بما أعطى حتّى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه. والمنّ من الكبائر «4» . منّ عليه يمنّ منّا، أحسن وأنعم، والاسم المنّة ومنّ عليه وامتنّ وتمنّن: قرّعه بمنّة، أنشد ثعلب: أعطاك يا زيد الّذي يعطي النّعم ... من غير ما تمنّن ولا عدم وقال أبو بكر في قوله تعالى: مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا (القصص/ 82) يحتمل المنّ تأويلين: أحدهما إحسان المحسن غير معتدّ بالإحسان، يقال: لحقت فلانا من فلان منّة، إذا لحقته نعمة باستنقاذ من قتل أو ما أشبهه. والثّاني: منّ فلان إذا عظّم الإحسان وفخر به وأبدأ فيه وأعاد حتّى يفسده، ويبغّضه. فالأوّل حسن، والثّاني قبيح، وهو المقصود هنا «5» . قال القرطبيّ: المنّ غالبا يقع من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطيّة وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النّظر لنفسه بعين العظمة وأنّه منعم بماله على المعطى، وإن كان أفضل منه في نفس الأمر، وموجب ذلك كلّه   (1) تفسير البحر المحيط 2/ 313. (2) انظر هذا الحديث الذي رواه أبو حيان بالمعنى في قسم الأحاديث ص 5568 (الحديث رقم 2 وأيضا الحديث رقم 3) . (3) تفسير البحر المحيط 2/ 318- 319. (4) القرطبي (3/ 308) . (5) لسان العرب (13/ 417، 418) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5564 الجهل، ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه، ولو نظر مصيره لعلم أنّ المنّة للآخذ لما يترتّب له من الفوائد «1» . المن اصطلاحا: للمنّ اصطلاحا ثلاثة معان: الأوّل: المنّ في الحرب وقد عرّفه الجرجانيّ فقال: المنّ: هو أن يترك الأمير الأسير الكافر من غير أن يأخذ منه شيئا «2» . أي إطلاقه بلا عوض كما يقول الرّاغب «3» . وقال المناويّ: المنّ: أن يترك الأسير الكافر ولا يؤخذ منه شيء «4» . الثّاني: المنّ الفعليّ وهو أن يثقل الإنسان بالنّعمة، وذلك على الحقيقة لا يكون إلّا لله تعالى، ومن ذلك قوله تعالى لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران/ 164) وقوله سبحانه: كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (النساء/ 94) . الثّالث: أن يكون ذلك بالقول؛ بأن يذكر الإنسان ما يظنّ أنّه أنعم به على أخيه، وذلك مستقبح فيما بين النّاس، إلّا عند كفران النّعمة، ولقبح ذلك قيل: المنّة تهدم الصّنيعة، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النّعمة حسنت المنّة «5» . أحكام المن: المنّ إذا كان من النّوعين الأوّلين، كان محمودا، أمّا الثّالث فقد يكون محمودا أيضا عند كفران النّعمة، ولكنّه مذموم فيما عدا ذلك. [للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة- التنفير- الكبر والعجب- اتباع الهوى- النفاق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الشهامة- الكلم الطيب- المروءة- النبل- تفريج الكربات- السماحة- الإحسان] .   (1) فتح الباري (3/ 299) والمن هنا يراد به النوع الثالث من أنواع المن، انظر التعريف الاصطلاحي. (2) التعريفات (254) . (3) المفردات (474) . (4) التوقيف (317) . (5) انظر المفردات للراغب (474) بتصرف وإضافة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5565 الآيات الواردة في (المن) منّ مذموم: 1- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) «1» 2- وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (22) «2» 3- يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) «3» 4- وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) «4» منّ الله على عباده: 5- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «6» 7- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) «7» 8- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ   (1) البقرة: 262- 264 مدنية (2) الشعراء: 22 مكية (3) الحجرات: 17 مدنية (4) المدثر: 6 مكية (5) آل عمران: 164 مدنية (6) النساء: 94 مدنية (7) الأنعام: 52- 53 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5566 وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «1» 9- قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) «2» 10- قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) «3» 11- وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) «4» 12- فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (82) «5» 13- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «6» 14- وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (36) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (38) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) «7»   (1) يوسف: 88- 92 مكية (2) إبراهيم: 11- 12 مكية (3) طه: 36- 39 مكية (4) القصص: 5 مكية (5) القصص: 81- 82 مكية (6) الصافات: 114- 122 مكية (7) ص: 34- 40 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5567 الأحاديث الواردة في ذمّ (المنّ) 1- * (عن عبد الله بن أبي أوفى؛ أنّ أناسا من العرب قالوا: يا رسول الله: أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأنزل الله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا.. (الحجرات/ 17) الآية) * «1» . 2- * (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة: المنّان الّذي لا يعطي شيئا إلّا منّه، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره» ) * «2» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ثلاثة لا ينظر الله- عزّ وجلّ- إليهم يوم القيامة، العاقّ لوالديه، والمرأة المترجّلة، والدّيّوث. وثلاثة لا يدخلون الجنّة، العاقّ لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنّان بما أعطى» ) * «3» . 4- * (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة خبّ «4» ، ولا منّان، ولا بخيل» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (المنّ) 1- * (أخرج ابن أبي حاتم: عن ابن عبّاس رضي الله عنهما- قال: لا يدخل الجنّة منّان، فشقّ ذلك عليّ حتّى وجدت في كتاب الله في المنّان: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى (البقرة/ 264)) * «6» . 2- * (عن أبي مليكة الذّماريّ أنّه كان يقول في هذه الآية: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (المطففين/ 15) ، قال: المنّان والمختال، والّذي يقطع بيمينه أموال النّاس) * «7» . 3- * (عن الضّحّاك في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ... (البقرة/ 264) الآية. قال: من أنفق نفقة ثمّ منّ بها أو آذى الّذي أعطاه النّفقة، حبط عليه أجره، فضرب الله مثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل، فلم يدع من التّراب شيئا، فكذلك يمحق الله أجر الّذي يعطي   (1) أخرجه ابن المنذر والطبراني، وابن مردويه بسند حسن. انظر الدر المنثور (7/ 585) . (2) مسلم (106) . (3) النسائي (5/ 80) واللفظ له، وقال الألباني: حديث حسن صحيح- صحيح سنن النسائي (2402) ، والهيثمي في المجمع (8/ 148) ، وقال: رواه البزار بإسنادين ورجالهما ثقات. (4) الخب: الخادع الغاش. (5) الترمذي 4 (1963) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 380) ، وقال: رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. (6) الدر المنثور (2/ 44) . (7) جامع البيان للطبري (10/ 492) ، ومساوىء الأخلاق للخرائطي (320) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5568 صدقة ثمّ يمنّ بها كما يمحق المطر ذلك التّراب) * «1» . 4- * (عن السّدّيّ في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ ... (البقرة/ 264) الآية. قال: قال الله تعالى للمؤمنين: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى (البقرة/ 264) فتبطل كما بطلت صدقة الرّياء، وكذلك هذا الّذي ينفق ماله رئاء النّاس ذهب الرّياء بنفقته، كما ذهب هذا المطر بتراب هذا الصّفا) *» . 5- * (قال ابن كثير- رحمه الله- في قوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً ... (البقرة/ 262) الآية. قال: يمدح الله تبارك وتعالى الّذين ينفقون في سبيله ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات، والصّدقات منّا على من أعطوه، فلا يمنّون به على أحد، ولا يمنّون به لا بقول ولا بفعل، وقوله: وَلا أَذىً، أي لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها، يحبطون به ما سلف من الإحسان، ثمّ وعدهم الله تعالى الجزاء الجزيل على ذلك، فقال: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، أي ثوابهم على الله، لا على أحد سواه وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، أي فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، أي على ما خلّفوه من الأولاد، ولا ما فاتهم من الحياة الدّنيا وزهرتها، لا يأسفون عليها؛ لأنّهم قد صاروا إلى ما هو خير لهم من ذلك) * «3» . من مضار (المنّ) (1) ينقص الأجر وقد يذهب به بالكلّيّة. (2) آفة من آفات النّفس، ومظهر من مظاهر سوء الخلق. (3) شدّة الوعيد لمن حصل منه ذلك. (4) يوغر الصّدور، ويحبط الأعمال. (5) يستجلب غضب الله سبحانه، ويستحقّ صاحبها الطّرد من رحمته. (6) إنّها صفة يتشبّه صاحبها بالمنافقين. (7) يحرم صاحبها من نعمة نظر الله إليه وكلامه معه يوم القيامة.   (1) الدر المنثور (2/ 44) . (2) المرجع السابق (2/ 44) . (3) تفسير ابن كثير (1/ 317- 318) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5569 موالاة الكفار الموالاة لغة: ضدّ المعاداة، يقال: ولي الشّيء وولي عليه ولاية بالكسر- وولاية- بالفتح. فبالكسر السّلطان وهو الاسم، وبالفتح النّصرة وهي المصدر. وزعم الفرّاء أنّ الكسر والفتح يطلق على المعنيين جميعا، فكلّ من ولي أمرك فهو وليّ. ويقال: هو وليّ بيّن الولاية ووال بيّن الولاية، قال ابن الأعرابيّ: المعنى الّذي يوضّحه: أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصّلح، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه. والموالاة ضدّ المعاداة. وتقول: والى فلان فلانا: إذا أحبّه وناصره. وروى ابن سلّام عن يونس أنّ المولى له مواضع في كلام العرب، فيطلق على المولى في الدّين، والمولى في العصبة، وعلى الحليف الّذي انضمّ إليك فعزّ بعزّك وامتنع بمنعتك، ويطلق على المعتق الّذي ينتسب بنسبك، وكذا العتيق، وعلى ابن العمّ، والعمّ، والأخ، والابن، ويطلق على النّاصر، وعلى المحبّ، وعلى التّابع والملازم «1» . الكفار: الكفّار: جمع كافر، وهو في الأصل اسم فاعل من قولهم كفر بالله يكفر إذا لم يكن به مؤمنا، يقول ابن قتيبة: الكفر في اللّغة من قولك: كفرت الشّيء إذا غطّيته، يقال: اللّيل كافر لأنّه يستر بظلمته كلّ شىء، ومن هذا المعنى أيضا قوله تعالى: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ (الحديد/ 20) يريد بالكفّار الزّرّاع، سمّاهم كفّارا لأنّهم إذا ألقوا البذر في الأرض كفروه أى: غطّوه وستروه. فكأنّ الكافر بالله ساتر للحقّ ولنعم الله عزّ وجلّ «2» . الكافر اصطلاحا: اسم لمن لا إيمان له، فإن أظهر الإيمان فهو منافق، وإن طرأ كفره بعد الإيمان فهو المرتدّ، وإن قال بإلهين أو أكثر فهو المشرك، وإن كان متديّنا ببعض الأديان والكتب المنسوخة فهو الكتابيّ، وإن قال بقدم الدّهر، وإسناد الحوادث إليه فهو الدّهريّ، وإن كان لا يثبت صفات الباري فهو المعطّل، وإن كان مع اعترافه بالنّبوّة يبطن عقائد هي كفر   (1) لسان العرب (8/ 4920- 4926) ، الصحاح (6/ 2528- 2530) ، المصباح المنير (2/ 672- 673) ، بصائر ذوي التمييز (5/ 280- 284) ، نزهة الأعين النواظر (613) . (2) تفسير غريب القرآن (28) ، وانظر تفصيلا أكثر عن المعنى اللغوي للمادة في صفة الكفر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5570 بالاتّفاق فهو زنديق «1» . موالاة الكفار اصطلاحا: هي التّقرّب إلى أيّ نوع منهم أو جميعهم بإظهار المودّة لهم أو الثّقة فيهم أو التّصادق معهم أو الوقوف في صفّهم على أيّ نحو كان. وقال بعض المحدثين: موالاة الكفّار: هي التّقرّب إليهم وإظهار الودّ لهم بالأقوال والأفعال والنّوايا «2» . معنى الولي في القرآن الكريم: ورد لفظ الوليّ في القرآن على أوجه عديدة منها: أحدها: الرّبّ، ومنه قوله تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا (الأنعام/ 14) ، وفي «الأعراف» : وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، وفي «حم عسق» : أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ. والثّاني: النّاصر. ومنه قوله تعالى في «بني إسرائيل» : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ. والثّالث: الولد. ومنه قوله تعالى في «مريم» : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. والرّابع: الوثن. ومنه قوله تعالى في «العنكبوت» : مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ. والخامس: المانع. ومنه قوله تعالى في «البقرة» : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا، وفي «المائدة» إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ «3» . قال الفيروزابادي- رحمه الله تعالى-: نفى الله الولاية بين المؤمنين والكافرين في غير آية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (المائدة/ 51) . وجعل بين الكافرين والشّياطين موالاة في الدّنيا ونفى عنهم الموالاة في الآخرة، قال تعالى في الموالاة بينهم في الدّنيا إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (الأعراف/ 27) ، وكما جعل بينهم وبين الشّيطان موالاة جعل للشّيطان في الدّنيا سلطانا فقال: إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ (النحل/ 100) «4» . معنى الولي في أسماء الله- عز وجل-: الوليّ: هو النّاصر المحبّ، وقيل: المتولّي لأمور العالم والخلائق القائم بها وهو النّاصر الّذي يقمع أعداء الدّين وينصر أولياءه. وأمّا اسم الوالي: فهو مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها. قال ابن الأثير: فكأنّ الولاية تشعر بالتّدبير والقدرة والفعل، وما لم يجتمع ذلك فيها لا يطلق عليه اسم الوليّ «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الفتنة- النفاق- الحكم بغير ما أنزل الله- اتباع الهوى- النجاسة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاتباع- الهجرة الولاء والبراء- الفرار إلى الله- الحكم بما أنزل الله] .   (1) الكليات للكفوي (764) ، وانظر صفة الكفر. (2) الإيمان لنعيم يس. (3) نزهة الأعين النواظر (613، 614) . (4) بصائر ذوي التمييز (5/ 281- 282) . (5) المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى (129، 130) ، لسان العرب (8/ 4920) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5571 الآيات الواردة في «موالاة الكفار» الحث على ولاية الله: 1- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) «1» 2- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (123) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) * لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) «2» النهي عن اتخاذ الكفار أولياء: 3- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) «3» 4- * فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)   (1) البقرة: 257 مدنية (2) الأنعام: 121- 128 مدنية (3) آل عمران: 28 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5572 وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) «1» 5- بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) «2» 6- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) «3» 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «4» 8- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (81) «5»   (1) النساء: 88- 90 مدنية (2) النساء: 138- 139 مدنية (3) النساء: 142- 146 مدنية (4) المائدة: 57- 58 مدنية (5) المائدة: 78- 81 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5573 9- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «1» 10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) «2» 11- أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا (102) «3» 12- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «4» النهي عن ولاية الشيطان: 13- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)   (1) الأنفال: 72- 75 مدنية (2) التوبة: 23- 24 مدنية (3) الكهف: 102 مكية (4) الممتحنة: 8- 9 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5574 الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) «1» 14- الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «2» 15- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «3» 16- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «4» 17- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ   (1) آل عمران: 169- 175 مدنية (2) النساء: 76 مدنية (3) الأعراف: 26- 30 مكية (4) النحل: 61- 63 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5575 يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) «1» 18- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) * ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51) «2» 19- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) «3» النهي عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء: 20- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) «4» 21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «5» النهي عن اتخاذ أولياء من دون الله: 22- اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) «6» 23- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) «7» 24- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3)   (1) النحل: 98- 100 مكية (2) الكهف: 50- 51 مكية (3) مريم: 41- 45 مكية (4) المائدة: 51 مدنية (5) الممتحنة: 13 مدنية (6) الأعراف: 3 مكية (7) العنكبوت: 41- 42 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5576 لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4) » 25- حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) «2» 26- وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) «3» 27- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) «4» 28- وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) وَإِذْ صَرَفْنا   (1) الزمر: 1- 4 مكية (2) الشورى: 1- 9 مكية (3) الشورى: 44- 46 مكية (4) الجاثية: 7- 10 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5577 إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) «1» إتخاذ الظالمين بعضهم أولياء بعض: 29- إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) «2»   (1) الأحقاف: 27- 32 مكية (2) الجاثية: 19 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5578 الأحاديث الواردة في ذمّ (موالاة الكفار) 1- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنا والزّبير والمقداد، فقال: «ائتوا روضة خاخ «1» فإنّ بها ظعينة «2» معها كتاب. فخذوه منها» فانطلقنا تعادى «3» بنا خيلنا، فإذا نحن بالمرأة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثّياب، فأخرجته من عقاصها «4» . فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين، من أهل مكّة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا حاطب، ما هذا؟» قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله، إنّي كنت امرأ ملصقا في قريش (قال سفيان: كان حليفا لهم. ولم يكن من أنفسها) وكان ممّن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم. فأحببت إذ فاتني ذلك من النّسب فيهم، أن أتّخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني. ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «صدق» ، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: «إنّه قد شهد بدرا، وما يدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم» فأنزل الله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ (60/ الممتحنة/ 1) * «5» . 2- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم سريّة إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسّجود، فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فأمرهم بنصف العقل، وقال: أنا بريء من كلّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين» قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: «لا تراءى ناراهما» ) * «6» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأبي ذرّ: «أيّ عرى الإيمان أوثق؟» قال: الله ورسوله أعلم، قال: «الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحبّ في الله، والبغض في الله» ) * «7» . 4- * (عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه رضي الله عنه- أنّه قال: قلت: يا نبيّ الله ما أتيتك حتّى حلفت أكثر من عددهنّ- لأصابع يديه- ألّا   (1) روضة خاخ: هي بخاءين معجمتين، هذا هو الصواب الذي قاله العلماء كافة من جميع الطوائف وفي جميع الروايات والكتب، وهي بين مكة والمدينة، بقرب المدينة. (2) فإن بها ظعينة: الظعينة: الجارية، وأصلها الهودج، وسميت بها الجارية لأنها تكون فيه. (3) تعادى: أي تجري. (4) عقاصها: أي شعرها المضفور. جمع عقيصة. (5) البخاري. الفتح 8 (4890) ، مسلم (2494) واللفظ له. (6) أبو داود (2645) واللفظ له، الترمذي (1604) ، وذكره الألباني في الأرواء (5/ 29- 30) وقال: صحيح وعزاه إلى الطبراني وغيره. (7) الطبراني في الكبير (11/ 215) برقم (11537) ، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح الجامع (1/ 313) رقم (2536) ، والسلسلة الصحيحة (4/ 306- 307) رقم (1728) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5579 آتيك ولا آتي دينك، وإنّي كنت امرأ لا أعقل شيئا إلّا ما علّمني الله ورسوله وإنّي أسألك بوجه الله- عزّ وجلّ- بما بعثك «1» ربّك إلينا؟ قال: «بالإسلام» قال: قلت: وما آيات الإسلام، قال: «أن تقول أسلمت وجهي إلى الله- عزّ وجلّ- وتخلّيت، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، كلّ مسلم على مسلم محرّم، أخوان نصيران لا يقبل الله- عزّ وجلّ- من مشرك بعد ما أسلم عملا، أو يفارق «2» المشركين إلى المسلمين» ) * «3» . 5- * (عن يزيد بن عبد الله بن الشّخّير- رحمه الله تعالى- قال: كنّا بالمربد جلوسا، فأتى علينا رجل من أهل البادية فلمّا رأيناه قلنا: كأنّ هذا رجل ليس من أهل البلد، قال: أجل، فإذا معه كتاب في قطعة أديم، وربّما قال: في قطعة جراب، فقال: هذا كتاب كتبه لى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا كتاب من محمّد النّبيّ صلى الله عليه وسلّم لبني زهير بن أقيش- وهم حيّ من عكل- إنّكم إن أقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة، وفارقتم المشركين، وأعطيتم الخمس من المغنم، ثمّ سهم النّبيّ والصّفيّ» ، وربّما قال: «وصفيّه، فأنتم آمنون بأمان الله تبارك وتعالى وأمان رسوله) * «4» . 6- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بعثت بالسّيف حتّى يعبد الله لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذّلّة والصّغار على من خالف أمرى، ومن تشبّه بقوم فهو منهم» ) * «5» . 7- * (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه أنّه قال: قلت: يا رسول الله اشترط عليّ فقال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتصلّي المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتنصح للمسلم، وتبرأ من الكافر» ) * «6» .   (1) بما بعثك ربك: هكذا هي موجودة في الأصل «بما» بإثبات الألف، والقاعدة تقضي بحذف الألف إذا اقترنت «ما» الاستفهامية بحرف الجر. (2) أو يفارق: أي إلى أن يفارق. والفعل المضارع منصوب بعد أو. (3) النسائي (5/ 82- 83) ، وابن ماجه بعضه (2536) وذكره الألباني في الأرواء (5/ 32) ، وقال: صحيح وكذا محقق جامع الأصول وقال: حسن (1/ 234) . (4) أحمد (5/ 78) واللفظ له، سنن البيهقي (6/ 303) ، وذكره الألباني في الإرواء (5/ 32) وقال: صحيح. (5) أبو داود (4031) مختصر على الأخير، أحمد (2/ 50) واللفظ له وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (7/ 121) رقم (5114) ، وذكره ابن تيمية في الاقتضاء وقال: إسناده جيد 1/ 236) ، وعزاه كذلك لأبي يعلى كما في (ص 239) ، وقال الحافظ في الفتح: له شاهد مرسل حسن عند ابن أبي شيبة (6/ 98) ، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وفيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه ابن المديني وغيره، وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات (6/ 49) . (6) النسائي (7/ 148) ، أحمد (4/ 357) واللفظ له، سنن البيهقي (9/ 13) وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 230) رقم (636) : إسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5580 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (موالاة الكفار) 1- * (قال عمر- رضي الله عنه- لأبي موسى وأمره أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد وكان له كاتب نصرانيّ- فرفع إليه ذلك فعجب عمر وقال: إنّ هذا لحفيظ، هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشّام؟ فقال: إنّه لا يستطيع، فقال عمر: أجنب هو؟ قال: لا، بل نصرانيّ، قال: فانتهرني وضرب فخذي ثمّ قال: أخرجوه، ثمّ قرأ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) * «1» . 2- * (قال عبد الله بن عتبة- رضي الله عنه: ليتّق أحدكم أن يكون يهوديّا أو نصرانيّا، وهو لا يشعر قال ابن سيرين: فظننّاه يريد هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) * «2» . 3- * (قال ابن جرير- رحمه الله تعالى- عند قوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ..: هذا نهي من الله- عزّ وجلّ- إلى المؤمنين أن يتّخذوا الكفّار أعوانا وأنصارا وظهورا توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين وتدلّونهم على عوراتهم؛ فإنّه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني بذلك، فقد برىء من الله تعالى وبرأ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) يعني إلّا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل) * «3» . 4- * (قال القاضي ابن عطيّة- رحمه الله تعالى في معنى قوله تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ ... (المائدة/ 51) الآية: نهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية عن اتّخاذ اليهود والنّصارى أولياء في النّصرة والخلطة المؤدّية إلى الامتزاج والمعاضدة، وكلّ من هذين الصّنفين له حظّه من هذا المقت الّذي تضمّنه قوله تعالى فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وأمّا معاملة اليهود والنّصارى في غير مخالطة ولا ملابسة فلا تدخل في النّهي) * «4» . 5- * (قال القرطبيّ- رحمه الله عند قوله تعالى: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً* الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ ... (النساء/ 138- 139) : يقول الله تعالى لنبيّه محمّد صلى الله عليه وسلّم يا محمّد، بشّر المنافقين الّذين يتّخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني أولياء، يعنى أنصارا وأخلّاء من دون المؤمنين تاركين موالاة المؤمنين معرضين عنها، يطلبون عند هؤلاء الكفّار المنعة والقوّة والنّفوذ، وما علم أولئك السّفهاء البلهاء أنّ العزّة لله جميعا) * «5» .   (1) تفسير ابن كثير (2/ 68) . (2) المرجع السابق (2/ 68) . (3) المرجع السابق (3/ 152) . (4) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (5/ 126) . (5) جامع البيان للطبرى (4/ 327) (بتصرف) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5581 6- * (قال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه الله تعالى-: الأفضل لمن أكره على كلمة الكفر أو على موالاة الكفّار والموافقة على دينهم أن يصبر ولا يمتثل حتّى ولو أتى على نفسه) * «1» . 7- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: إنّ تحقيق شهادة أن لا إله إلّا الله يقتضي أن لا يحبّ إلّا لله، ولا يبغض إلّا لله ولا يوالي إلّا لله، ولا يعادي إلّا لله، وأن يحبّ ما أحبّه الله، ويبغض ما أبغضه الله) * «2» . 8- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ... (آل عمران/ 28) : نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتّخذوهم أولياء يسرّون إليهم بالمودّة من دون المؤمنين ثمّ توعّد على ذلك فقال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد برىء من الله) * «3» . 9- * (وقال أيضا عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ ... (المائدة/ 57) : هذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام وأهله من الكتابيّين والمشركين الّذين يتّخذون أفضل ما يعمله العاملون- وهي شرائع الإسلام المطهّرة المشتملة على كلّ خير دنيويّ وأخرويّ- يتّخذونها هزوا يستهزئون بها ولعبا يعتقدون أنّها نوع من اللّعب في نظرهم الفاسد) * «4» . 10- * (قال الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن- رحمه الله- إنّ الموالاة تنقسم إلى قسمين: موالاة مطلقة عامّة وهذه كفر صريح، وهي بهذه الصّفة مرادفة لمعنى التّولّي، وعلى ذلك تحمل الأدلّة في النّهي الشّديد عن موالاة الكفّار، وأنّ من والاهم فقد كفر. موالاة خاصّة وهي موالاة الكفّار لغرض دنيويّ مع سلامة الاعتقاد وعدم إضمار نيّة الكفر والرّدّة كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة في إفشاء سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزو مكّة كما هو مذكور في سبب نزول سورة الممتحنة) * «5» . من مضار (موالاة الكفار) (1) تخرج المرء من الإسلام، وتلحقه بدين من والاه. (2) دليل على بغض الله ورسوله ودين الإسلام. (3) تحرم صاحبها من الجنان، وتورده النّيران مخلّدا فيها. (4) تعين على هدم الإسلام وتقويض أركانه. (5) تقوّي الكفر والباطل. (6) توقع أعلى الأذيّة على المسلمين وعباد الله المؤمنين.   (1) المغني (9/ 24) بواسطة الإيمان لنعيم ياسين (196، 197) كتاب الإيمان أركانه، حقيقته ونواقضه لمحمد نعيم ياسين، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة. (2) الاحتجاج بالقدر (62) بواسطة الولاء والبراء لمحمد سعيد القحطاني، ط 3، 1409 هـ. (3) تفسير ابن كثير (1/ 357) . (4) المرجع السابق (2/ 72) . (5) الدرر السنية (1/ 235- 236) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5582 الميسر* الميسر لغة: اسم لنوع من لعب الكفّار في الجاهليّة ماخوذ من مادّة (ي س ر) الّتي تدلّ على انفتاح شيء وخفّته «1» . ومن ذلك المعنى أخذ اليسر نقيض العسر، واليسار في معنى الغنى، يقول ابن فارس: ومن الباب الأيسار، أي القوم يجتمعون على الميسر، واحدهم يسر، والميسر: القمار «2» . وهو وجوب الشّيء لصاحبه، يقال: يسر لي كذا إذا وجب» . وهو مأخوذ من اليسر «4» وقيل: الميسر قمار العرب بالأزلام، والياسر اللّاعب بالقداح، يقال: يسر الرّجل ييسر. قال الجوهريّ: ولم تحذف الياء فيه ولا في يينع كما حذفت في يعد وما أشبهها لتقوى إحدى اليائين بالأخرى، واليسر والياسر بمعنى، قال أبو ذؤيب: وكأنّهنّ ربابة وكأنّه ... يسر يفيض على القداح ويصدع «5» . ويسر القوم الجزور: اجتزروها واقتسموا أعضاءها. وقال ابن منظور: يقال يسر الرّجل يسر من باب وعد فهو ياسر وبه سمّي- الميسر على وزن مسجد، واليسر: هم الّذين يتقامرون أو يلون قسمة الجزور المقامر عليها، وقد يقال: يسر ييسر (بإبقاء فاء الفعل) إذا جاء بقدحه للقمار. والميسر: الجزور نفسه لأنّه يجزّأ أجزاء والياسر الجازر، ثمّ يقال للضّاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور: ياسرون، ثمّ أطلق على اللّاعب بالقداح. وكان العرب إذا أرادوا أن ييسروا اشتروا جزورا نسيئة ونحروه قبل أن ييسرو، وقسّموه ثمانية وعشرين قسما أو عشرة أقسام، فإذا خرج واحد واحد باسم رجل رجل ظهر فوز من خرج لهم ذوات الأنصباء، وغرم من خرج له الغفل «6» . الميسر اصطلاحا: إذا كان الميسر هو القمار فإنّه يعرّف بما يعرّف به ومن ثمّ يكون الميسر: هو أن يأخذ المقامر من صاحبه شيئا فشيئا في اللّعب «7»   * الميسر ويدخل فيه المراهنة والمقامرة واللعب بالنرد وغيره من آلات القمار المستحدثة. (1) ولها معنى آخر هو الدلالة على عضو من الأعضاء. انظر المقاييس (6/ 155) . (2) المرجع السابق (6/ 156) . (3) هكذا قال الراغب. المفردات (552) . (4) انظر تفسير القرطبي (3/ 36) . (5) الصحاح (2/ 858) . (6) لسان العرب (5/ 298- 299) . المصباح المنير (2/ 358) . وانظر محيط المحيط (992) . (7) انظر: تعريف القمار فى التعريفات للجرجانى (187) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5583 قال الجرجانيّ: وهو في زماننا (أي في القرن الثّامن للهجرة حيث توفّي الجرجانيّ 740 هـ) كلّ لعب يشترط فيه الغالب من المتغالبين أخذ شيء من الملعوب معه «1» . وذكر الكفويّ أنّ الميسر: كلّ شيء فيه خطر «2» والمعنى كلّ لعب يؤدّي إلى المخاطرة بفقد المال نتيجة لذلك اللّعب، وقد أكّد الذّهبيّ هذا المعنى عندما قال: الميسر: هو القمار بأيّ نوع كان، مثل النّرد والشّطرنج أو الفصوص، أو الكعاب، أو البيض، أو الجوز، أو الحصى، أو ما شابه ذلك، وهو من أكل أموال النّاس بالباطل «3» . لماذا نهى الإسلام عن الميسر؟ للقمار أضرار عديدة منها: أنّه يوقع العداوة والبغضاء بين المتقامرين، وأنّه يلهي عن ذكر الله وعن الصّلاة وسائر الأعمال المفيدة، فضلا عن أنّه عادة جاهليّة، من دعا إليها أو مارسها فكأنّه حاكى الكفّار في لعبهم، وقد جاء النّهي عن ذلك عقب النّهي عن الحلف باللّات. وقال الطّيبيّ: الحكمة من ذكر القمار بعد الحلف باللّات في قوله صلى الله عليه وسلّم أنّ من حلف باللّات وافق الكفّار في حلفهم فأمر بالتّوحيد، ومن دعا إلى المقامرة وافقهم في لعبهم فأمر بكفّارة ذلك بالتّصديق. قال: وفي الحديث: أنّ من دعا إلى اللّعب فكفّارته أن يتصدّق، ويتأكّد ذلك في حقّ من لعب بطريق الأولى «4» . قال الحكيم التّرمذيّ: نهى الشّارع عن النّرد وعن اللّعب به، وعن محالفة اللّاعب بالنّرد ونهى عن القمار كلّه وعن اللّعب بالجوز للصّبيان فهذا كلّه من القمار وهو الميسر. قال القاسم بن محمّد: كلّ ما ألهى عن ذكر الله وعن الصّلاة فإنّما نهى عن ذلك كلّه لأنّه الأمر الملهي يدعو إلى القمار، فأمّا بيع الشّطرنج والنّرد فهو شيء لا ثمن له؛ لأنّه لا نفع فيه ولو كسر وأحرق لم يضمن الكاسر شيئا، وقد رخّص ابن عمر للصّبيان في اللّعب بالجوز في أيّام العيد فيما روي عنه؛ لأنّ ذلك منهم غير طلب القمار والّذي جاء من النّهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم تأديب لهم، واللّعب كلّه باطل، وما خلق الخلق للّعب «5» . [للاستزادة: انظر صفات: اللهو واللعب- البغض- شرب الخمر- العصيان- الفسوق- انتهاك الحرمات- اتباع الهوى- التفريط والإفراط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- الذكر- الطاعة- العبادة- العمل- تعظيم الحرمات التقوى] .   (1) بتصرف عن التعريفات (187) . (2) الكليات (803) . (3) الكبائر للذهبى (88) . (4) فتح الباري (8/ 11) . (5) المنهيات (69) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5584 الآيات الواردة في النهي عن «الميسر» 1- * يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) «1» 2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «2» الآيات الواردة في النهي عن «الميسر» معنى 3- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «4» 5- * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) «5»   (1) البقرة: 219 مدنية (2) المائدة: 90- 91 مدنية (3) البقرة: 188 مدنية. (4) النساء: 29 مدنية. (5) النور: 21 مدنية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5585 الأحاديث الواردة في ذمّ (الميسر) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ وفد عبد القيس قالوا: يا رسول الله فيم نشرب؟ قال: «لا تشربوا في الدّبّاء، ولا في المزفّت، ولا في النّقير، وانتبذوا في الأسقية» . قالوا: يا رسول الله فإن اشتدّ في الأسقية؟ قال: «فصبّوا عليه الماء» قالوا: يا رسول الله فقال لهم في الثّالثة أو الرّابعة: «أهريقوه» ثمّ قال: «إنّ الله حرّم عليّ- أو حرّم- الخمر، والميسر والكوبة» قال: «وكلّ مسكر حرام» قال سفيان: فسألت عليّ ابن بذيمة عن الكوبة، قال: الطّبل) * «1» . 2- * (عن عبد الله يعني ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إيّاكم وهاتان الكعبتان «2» الموسومتان اللّتان تزجران زجرا؛ فإنّها ميسر العجم» ) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الميسر) معنى 3- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «الخيل ثلاثة: ففرس للرّحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشّيطان، فأمّا فرس الرّحمن، فالّذي يرتبط في سبيل الله عزّ وجلّ فعلفه وبوله وروثه وذكر ما شاء الله، وأمّا فرس الشّيطان فالّذي يقامر عليه ويراهن، وأمّا فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها، فهي ستر من فقر» ) * «4» . 4- * (عن رجل من الأنصار عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «الخيل ثلاثة: فرس يرتبطه الرّجل في سبيل الله- عزّ وجلّ- قيمته أجر، وركوبه أجر، وعاريته أجر، وفرس يغالق عليه الرّجل ويراهن؛ قيمته وزر، وركوبه وزر، وعاريته وزر، وعلفه وزر، وفرس للبطنة فعسى أن تكون سدادا من الفقر إن شاء الله» ) * «5» . 5- * (عن عبد الرّحمن بن سعيد قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «مثل الّذي يلعب بالنّرد ثمّ يقوم فيصلّي مثل الّذي يتوضّأ بالقيح ودم الخنزير ثمّ يقوم فيصلّي» ) * «6» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:   (1) رواه أبو داود (3696) وقال الألباني (2/ 705) : صحيح- الصحيحة (1806 و2425) . (2) الكعبتان مثنى كعبة وهي الواحد من فصوص النرد. (3) أحمد (1/ 446) واللفظ له، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 113) ، والطبراني ورجال الطبراني رجال الصحيح. (4) أحمد (1/ 395) ورجاله ثقات، والهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 260- 261) واللفظ له. (5) رواه أحمد (1/ 395) وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 284) : إسناده صحيح. والهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 260) واللفظ له وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (6) الهيثمي في المجمع (8/ 113) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى وزاد «لا تقبل صلاته» والطبراني وفيه موسى بن عبد الرحمن الخطمي ولم أعرفه، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5586 قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من حلف فقال في حلفه: واللّات والعزّى، فليقل: لا إله إلّا الله. ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدّق» ) * «1» . 7- * (قال أبو موسى- رضي الله عنه-: من لعب بالكعاب فقد عصى الله ورسوله) * «2» . 8- * (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من لعب بالنّردشير فكأنّما صبغ يده في لحم خنزير ودمه» ) * «3» . من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الميسر) 1- * (روي عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: الشّطرنج ميسر العجم) * «4» . 2- * (عن نافع أنّ ابن عمر رأى مع بعض أهله أربع عشرة فكسرها على رأسه) * «5» . 3- * (أخرج مالك في الموطّأ، أنّ سعيد بن المسيّب يقول: من ميسر أهل الجاهليّة بيع الحيوان باللّحم بالشّاة والشّاتين) * «6» . 4- * (عن إسماعيل بن أبي أويس قال: كان مالك بن أنس يكره «7» اللّعب بالنّرد والشّطرنج) * «8» . 5- * (قال مجاهد- رحمه الله-: كلّ شيء فيه قمار فهو من الميسر، حتّى لعب الصّبيان بالجوز) * «9» . 6- * (عن ابن سيرين قال: الشّرب من الميسر، والصّياح من الميسر، والرّيش من الميسر والقيام من الميسر) * قال أبو سعيد: هو أن يلاعب على شرب الماء، وغرز الرّيش في الرّأس، واللّحية، والقيام حتّى يلعب، ويصيح صياح الحمار، وصياح الدّيك وغير ذلك «10» . 7- * (قال ابن حجر- رحمه الله: القمار حرام باتّفاق، والدّعاء إلى فعله حرام) * «11» .   (1) البخاري- الفتح 8 (4860) واللفظ له. ومسلم (1647) . (2) رواه أحمد (4/ 392) والحاكم (1/ 50) واللفظ له وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي (10/ 215) وقال محقق كتاب مساوىء الأخلاق (259) : إسناده حسن والحديث صحيح وذكره موصولا أيضا من طريق آخر عن أبي موسى قال: وتشهد له الطرق السابقة والقادمة. (3) مسلم (2260) . (4) لسان العرب (5/ 298) . (5) مساوىء الأخلاق (261) . (6) تنوير الحوالك (2/ 150) . (7) الكراهة عند السلف تقتضي التحريم. (8) مساوىء الأخلاق (262) . والموطأ (3/ 132) . (9) لسان العرب (5/ 298) . (10) مساوىء الأخلاق (261) . (11) فتح الباري (8/ 479) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5587 من مضار (الميسر) (1) الميسر مرض للشّيطان مسخط للرّحمن- عزّ وجلّ.- (2) يوقع العداوة والبغضاء بين النّاس ويوسّع شقّة الخلاف. (3) يوقد نار الأحقاد والضّغائن بين اللّاعبين به. (4) يفكّك عرى المجتمع ويجعله مجتمعا ممزّقا لا خير فيه. (5) يلهي المسلمين عن الصّلاة ويصدّهم عن ذكر الله. (6) الميسر والخمر من مصائد الشّيطان الّتي يوقع الإنسان فيها بالمعاصي. (7) المقامر يتبلّد إحساسه ولا يعبأ بما يمسّ العرض والدّين. (8) يذهل عن نفسه وأهله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5588 [ حرف النون ] النجاسة النجاسة لغة: النّجاسة القذارة، وهي مأخوذة من مادّة (ن ج س) الّتي تدلّ على خلاف الطّهارة، وشيء نجس ونجس: قذر، وليس ببعيد أن يكون منها النّاجس: الدّاء لا دواء له. كأنّه إذا طال بالإنسان نجسه (أو نجّسه) أي قذره أو قذّره «1» . ويقال: نجّسه أي جعله نجسا، ونجّسه أيضا أزال نجسه «2» ، وثوب نجس- بالكسر- اسم فاعل وبالفتح وصف بالمصدر، وقوم أنجاس، وتنجّس الشّيء ونجّسته، والنّجاسة في عرف الشّرع قذر مخصوص وهو ما يمنع جنسه الصّلاة كالبول والدّم «3» . وتنجّس: فعل فعلا يخرج به عن النّجاسة، كما قيل: تأثّم، وتحرّج وتحنّث إذا فعل فعلا يخرج به عن الإثم والحرج والحنث. والتّنجيس: اسم شيء كانت العرب تفعله وهو تعليق شيء من القذر أو عظام الموتى، أو خرقة الحائض، كان يعلّق على من يخاف عليه من ولوع الجنّ به، كالصّبيان وغيرهم «4» . النجاسة اصطلاحا: النّجاسة في الاصطلاح على ضربين: الأوّل: النّجاسة الحسّيّة أو العينيّة، وهي الّتي تدرك بالبصر. الآخر: النّجاسة المعنويّة: وهي الّتي تدرك بالبصيرة «5» وهي النّجاسة العقديّة. وقد عرّف المناويّ النّوع الأوّل فقال: النّجاسة العينيّة: كلّ عين حرم تناولها على الإطلاق مع الإمكان حال الاختيار لحرمتها لا لاستقذارها ولا لضررها في بدن أو عقل «6» . أمّا النّجاسة المعنويّة: فهي نجاسة النّفس الّتي لا تدرك إلّا بالبصيرة. يقول الرّاغب: وإيّاها قصد المولى سبحانه وتعالى بقوله: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (التوبة/ 28) . وبقوله جلّ من قائل وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدثر/ 5) . والنّفس النّجسة هي الّتي تتحرّى الخبيث؛ لأنّ من لم يكن طاهر النّفس لم يكن طاهر القول والفعل، فكلّ   * محتويات الصفة: نجاسة الأعيان، والأبدان، ونجاسة معنوية. (1) المقاييس (5/ 393، 394) . (2) المفردات (483) . (3) المصباح المنير (227) . (4) التاج (9/ 4) . (5) المفردات للراغب (483) ، وبصائر ذوي التمييز (5/ 19) . (6) التوقيف (232) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5589 إناء بما فيه ينضح، ولهذا قيل من طابت نفسه طاب عمله، ومن خبثت نفسه خبث عمله «1» . وجمع ابن القيّم بين نوعي النّجاسة فقال: النّجاسة: هي المستقذر الّذي يطلب مباعدته والبعد منه بحيث لا يلمس ولا يشمّ ولا يرى «2» . بم يتخلّص من النّجاسة؟ تطهر النّفس وتتخلّص من النّجاسة بالعلم والعبادات، أمّا الّذي يطهر به البدن فهو الماء وقد نبّه المولى سبحانه وتعالى على ذلك فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ (الأنفال/ 24) فسمّى العلم والعبادة حياة من حيث إنّ النّفس إذا فقدتهما هلكت هلاك الأبد، وقال تعالى في صفة الماء وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (الأنبياء/ 30) . وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله- عزّ وجلّ- أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها (الرعد/ 17) عنى بالماء القرآن؛ إذ كان به طهارة النّفس، وبالأودية القلوب الّتي احتملته بقدر ما وسعته. والّذي يلزم تطهيره من النّفس هو قوّة الفكر بتهذيبها حتّى تحصّل الحكمة والعلم، وقوّة الشّهوة بقمعها حتّى تحصّل العفّة والجود، وقوّة الحميّة بإسلاسها حتّى تنقاد للعقل فتحصّل الشّجاعة والحلم، وجميع الرذائل تنبعث من فساد هذه الثّلاث «3» . الفرق بين الرّجس والنّجس: قال الكفويّ: الرّجس أكثر ما يقال في المستقذر طبعا. والنّجس أكثر ما يقال في المستقذر عقلا وشرعا «4» . حكم تناول النّجس: قال ابن حجر الهيتميّ: تناول النّجس (والمستقذر والمضرّ) من الكبائر، وقد صرّح بذلك بعض المتأخّرين من الفقهاء قياسا للنّجس على الميتة الّتي تحرم لنجاستها، وإذا كانت قد حرّمت للنّجاسة الّتي أسماها الله فسقا فيلحق بها كلّ نجاسة غير معفوّ عنها «5» . [للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- الشرك- الفجور- شرب الخمر- العصيان- الفسوق- انتهاك الحرمات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطهارة- أكل الطيبات- النزاهة- تعظيم الحرمات- الإيمان- الصلاة] .   (1) الذريعة (96، 67) باختصار وتصرف. (2) إغاثة اللهفان (1/ 59) . (3) بتصرف عن الذريعة (99) وما بعدها. (4) الكليات (479) . (5) الزواجر (298) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5590 الآيات الواردة في «النجاسة» 1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «1» الآيات الواردة في «النجاسة» معنى 2- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) «2» 3- وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) «3» 4- وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) «4»   (1) التوبة: 28 مدنية (2) الأنعام: 125 مكية (3) الأحزاب: 33 مدنية (4) المدثر: 5 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5591 الأحاديث الواردة في ذمّ (النجاسة) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا كان يوم خيبر جاء جاء. فقال: يا رسول الله أكلت الحمر. ثمّ جاء آخر. فقال: يا رسول الله أفنيت الحمر. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا طلحة فنادى: «إنّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر. فإنّها رجس أو نجس. قال: فأكفئت القدور بما فيها» ) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (النجاسة) معنى 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص «2» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «3» . فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر. شكّ إسحاق) إلّا أنّ الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر: البقر، قال فأعطي ناقة عشراء «4» . قال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال: فمسحه فردّ الله إليه بصره. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «5» . فأنتج هذان وولّد هذا «6» . قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين. قد   (1) البخاري- الفتح 9 (5528) . ومسلم (1940) واللفظ له. (2) أبرص: قال في القاموس: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص. وأبرصه الله. (3) يبتليهم: أي يختبرهم. (4) ناقة عشراء: هي الحامل القريبة الولادة. (5) شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها. (6) فأنتج هذان وولد هذا: هكذا الرواية: فأنتج، ورباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. وممن حكى اللغتين الأخفش. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والنتاج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5592 انقطعت بي الحبال «1» في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «2» . فقال: إن كنت كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك بالّذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري. فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم «3» شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك) * «4» . 3- * (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّه كان يقول: «اللهمّ لك الحمد ملء السّماء وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. اللهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد. اللهمّ طهّرني من الذّنوب ونقّني منها كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ» ) * «5» . 4- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرأى رجلا شعثا قد تفرّق شعره. فقال: «أما كان يجد هذا ما يسكّن به شعره؟» ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة. فقال: «أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟» ) * «6» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمسا ما تقول ذلك يبقي من درنه «7» ؟» قالوا: لا يبقي من درنه شيئا. قال: «فذلك مثل الصّلوات الخمس يمحو الله به الخطايا» ) * «8» . 6- * (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله. إنّا بأرض قوم من أهل الكتاب. نأكل في آنيتهم. وأرض صيد أصيد بقوسي، وأصيد بكلبي المعلّم، أو بكلبي الّذي ليس بمعلّم. فأخبرني ما الّذي يحلّ لنا من ذلك؟ قال: «أمّا ما ذكرت أنّكم بأرض قوم من   (1) انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق. (2) إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة. (3) لا أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه. (4) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له. (5) مسلم 1 (476) . وأحمد (4/ 354) وهذا لفظ أحمد. (6) النسائي (8/ 183 184) وقال الألباني: صحيح (3/ 1064) رقم (4832) . وأبو داود (4062) واللفظ له. وأحمد (3/ 357) . والحاكم (4/ 186) . وانظر الصحيحة للألباني (1/ 811) رقم (493) . (7) الدرن: الوسخ. (8) البخاري- الفتح 2 (528) واللفظ له. ومسلم (667) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5593 أهل الكتاب تأكلون في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثمّ كلوا فيها. وأمّا ما ذكرت أنّك بأرض صيد فما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله ثمّ كل، وما أصبت بكلبك المعلّم فاذكر اسم الله ثمّ كل، وما أصبت بكلبك الّذي ليس بمعلّم فأدركت ذكاته فكل» ) * «1» . 7- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم على قبرين فقال: «إنّهما يعذّبان وما يعذّبان في كبير: أمّا هذا فكان لا يستنزه من بوله، وأمّا هذا فإنّه كان يمشي بالنّميمة، ثمّ دعا بعسيب رطب فشقّه باثنين فغرس على هذا واحدا، وعلى هذا واحدا ثمّ قال: لعلّه يخفّف عنهما ما لم ييبسا» ) * «2» . 8- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: وقد سألوها عن الغسل يوم الجمعة: إنّما كان النّاس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ، فإذا أصابهم الرّوح سقطت أرواحهم فيتأذّى بها النّاس. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «أو لا يغتسلون؟» ) *» . 9- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلعوا نعالهم. فلمّا قضى صلاته قال: «ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟» قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا. قال: «إنّ جبريل أتاني- أو أتى- فأخبرني أنّ فيهما أذى- أو قذرا- فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلّب نعليه فإن رأى فيهما أذى فليمط وليصلّ فيهما» ) * «4» . 10- * (عن جبير بن مطعم بن عديّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عديّ حيّا ثمّ كلّمني في هؤلاء النّتنى لتركتهم له» ) * «5» . 11- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن أكل الجلّالة وألبانها) * «6» . 12- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الدّواء الخبيث «7» ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 9 (5496) . ومسلم (1930) واللفظ له. قال ابن حجر في الفتح: إنما نهى عن استعمال آنيتهم لأنهم لا يتوقون النجاسات ولا يتدينون باجتنابها ويطبخون فيها الخنزير ويصنعون فيها الخمر وغيرها- (9/ 623) . (2) البخاري- الفتح 1 (216) . ومسلم (292) وهذا لفظ النسائي (1/ 3029) . (3) النسائي (3/ 94) واللفظ له. وقال الألباني: صحيح (1/ 298) رقم (1306) . وأبو داود (352) مختصر. (4) أبو داود (650) . وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود: 1/ 128 برقم 605) . والدارمي (1/ 370) رقم (1378) واللفظ له. (5) البخاري- الفتح 6 (3139) . (6) الترمذي (1824) وقال: حسن غريب. قال شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود: «الجلّالة: الدابة التي تأكل العذرة وهي البعرة، وقال: إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلّالة (10/ 259) . (7) الدواء الخبيث: قد يكون النجس وقد يكون السم. (8) أبو داود (3870) واللفظ له. والترمذي (2045) . وابن ماجة (3459) . وأحمد (2/ 446، 478) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح في الموضع الأول، وهو فيه برقم (8034) (15/ 193) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5594 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم نهى عن المجثّمة «1» ولبن الجلّالة وعن شرب من في السّقاء) * «2» . 14- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ جاء أعرابيّ فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: مه مه «3» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تزرموه. دعوه فتركوه حتّى بال. ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم دعاه فقال له: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر. إنّما هي لذكر الله- عزّ وجلّ- والصّلاة وقراءة القرآن- أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم-: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه» ) * «4» . 15- * (عن أمّ ولد لإبراهيم بن عبد الرّحمن ابن عوف أنّها سألت أمّ سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقالت: إنّي امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت أمّ سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يطهّره ما بعده» ) * «5» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (النجاسة) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: إن وطئت على قذر رطب فاغسله، وإن كان يابسا فلا) * «6» . 2- * (أورد ابن حجر في الإصابة في تمييز الصّحابة (في ترجمة أمّ حبيبة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم) أنّ أبا سفيان قدم المدينة فأراد أن يزيد في الهدنة فدخل على ابنته أمّ حبيبة، فلمّا ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلّم طوته دونه، فقال: يا بنيّة أرغبت بهذا الفراش عنّي أم بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنت امرؤ نجس مشرك. فقال: لقد أصابك بعدي شرّ) * «7» . 3- * (قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى-: وكان إسلام عمر فيما بلغني أنّ أخته فاطمة بنت الخطّاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد وهم مستخفون بإسلامهم من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النّحّام- رجل من بني عديّ قد أسلم أيضا مستخفيا بإسلامه من قومه، وكان خبّاب بن الأرتّ يختلف إلى   (1) المجثمة: الحيوان الذي يصبر ويحبس لا صقا بالأرض ويرمى عليه حتى يموت. (2) النسائي (7/ 240) . وأبو داود (3719) . والترمذي (1825) وقال: حسن صحيح واللفظ له. (3) مه مه: كلمة زجر. (4) البخاري- الفتح 1 (219) واللفظ له. ومسلم (285) . وشنّه عليه: أي صبه عليه. (5) أبو داود (383) واللفظ له. والترمذي (143) ونقل الشيخ أحمد شاكر كلام القاضي ابن العربي قال فيه: هذا الحديث مما رواه مالك فصح.. وابن ماجه (531) . والدارمي (1/ 206) رقم (742) . وأحمد (6/ 290، 316) . (6) البخاري- الفتح (1/ 509) . (7) المرجع السابق (4/ 306) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5595 فاطمة بنت الخطّاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يوما متوشّحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورهطا من أصحابه، فذكروا له أنّهم قد اجتمعوا في بيت عند الصّفا، وهم قريب من أربعين من بين رجال ونساء، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمّه حمزة وأبو بكر بن أبي قحافة الصّدّيق وعليّ بن أبي طالب- رضي الله عنهم- في رجال من المسلمين ممّن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمكّة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة. فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: أين تريد يا عمر؟ قال: أريد محمّدا هذا الصّابيء الّذي فرّق أمر قريش؟ وسفّه أحلامها، وعاب دينها، وسبّ آلهتها فأقتله. فقال له نعيم: والله لقد غرّتك نفسك يا عمر. أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمّدا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال: وأيّ أهل بيتي؟ قال ختنك وابن عمّك سعيد بن زيد وأختك فاطمة فقد- والله- أسلما، وتابعا محمّدا صلى الله عليه وسلّم على دينه. فعليك بهما. فرجع عمر عائدا إلى أخته فاطمة وعندها خبّاب بن الأرتّ معه صحيفة فيها (طه) يقرئها إيّاها، فلمّا سمعوا حسّ عمر تغيّب خبّاب في مخدع لهم، أو في بعض البيت، وأخذت فاطمة بنت الخطّاب الصّحيفة فجعلتها تحت فخذها، وقد سمع حين دنا إلى الباب قراءة خبّاب عليها: فلمّا دخل قال ما هذه الهينمة «1» الّتي سمعت؟ قالا له: ما سمعت شيئا. قال: بلى والله لقد أخبرت أنّكما تابعتما محمّدا على دينه، وبطش بختنه سعيد بن زيد. فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطّاب لتكفّه عن زوجها فضربها فشجّها، فلمّا فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم قد أسلمنا وآمنّا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك. فلمّا رأى عمر ما بأخته من الدّم ندم على ما صنع، وارعوى «2» ، وقال لأخته: أعطيني هذه الصّحيفة الّتي كنتم تقرأون آنفا أنظر ما هذا الّذي جاء به محمّد- وكان عمر كاتبا- فلمّا قال ذلك قالت له أخته: إنّا نخشاك عليها. قال لا تخافي وحلف لها بآلهته ليردّنّها إذا قرأها إليها. فلمّا قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت: يا أخي إنّك نجس على شركك، وإنّه لا يمسّه إلّا المطهّرون. فقام عمر فاغتسل فأعطته الصّحيفة وفيها (طه) ، فقرأها فلمّا قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلمّا سمع ذلك خبّاب ابن الأرتّ خرج إليه فقال له: والله يا عمر إنّي لأرجو أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه صلى الله عليه وسلّم؛ فإنّي سمعته أمس وهو يقول: «اللهمّ أيّد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطّاب» . فالله الله يا عمر. فقال عند ذلك: فدلّني يا خبّاب على محمّد حتّى آتيه فأسلم. فقال له خبّاب: هو في بيت عند الصّفا معه نفر من الصّحابة. فأخذ عمر سيفه فتوشّحه ثمّ عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه فضرب عليهم الباب، فلمّا سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فنظر من خلل الباب فإذا هو بعمر متوشّحا بالسّيف فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو فزع. فقال: يا رسول الله: هذا عمر بن الخطّاب متوشّحا بالسّيف. فقال حمزة:   (1) الهينمة: الترتيلة أو الصوت. (2) ارعوى: ارتد وكف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5596 فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه، وإن كان يريد شرّا قتلناه بسيفه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ائذن له» فأذن له الرّجل ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتّى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه، ثمّ جذبه جذبة شديدة فقال: «ما جاء بك يا ابن الخطّاب؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتّى ينزل الله بك قارعة «1» » فقال عمر: يا رسول الله جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله. قال: فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلّم تكبيرة فعرف أهل البيت أنّ عمر قد أسلم، فتفرّق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم من مكانهم وقد عزّوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعلموا أنّهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وينتصفون بهما من عدوّهم، قال ابن إسحاق: فهذا حديث الرّواة من أهل المدينة عن إسلام عمر حين أسلم رضي الله عنه) * «2» . 4- * (قال ابن زيد- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ: كان المشركون لا يتطهّرون فأمره الله تعالى أن يتطهّر، وأن يطهّر ثيابه) * «3» . 5- * (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «الخطايا توجب للقلب حرارة، ونجاسة وضعفا» ) * «4» . 6- * (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «من تطهّر في الدّنيا ولقي الله طاهرا من نجاساته دخل الجنّة بغير معوّق، ومن لم يتطهّر في الدّنيا- فإن كانت نجاسته عينيّة. كالكافر- لم يدخلها بحال، وإن كانت نجاسته كسبيّة عارضة دخلها بعد ما يتطهّر في النّار من تلك النّجاسة ثمّ لم يخرج منها» ) * «5» . 7- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (التوبة/ 28) أمر تعالى عباده المؤمنين الطّاهرين دينا وذاتا بنفي المشركين الّذين هم نجس دينا عن المسجد الحرام وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية- وكان نزولها في سنة تسع- وقال: دلّت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما ورد في الصّحيح «المؤمن لا ينجس» ) * «6» . من مضار (النجاسة) (1) النّجاسة المعنويّة تمنع من دخول الجنّة وقد تحرم منها بالكلّيّة. (2) يبغضها الرّحمن ويحبّها الشّيطان. (3) تورّث مقت النّاس وازدراءهم. (4) تسبّب ضيق الصّدر وتعاسة النّفس.   (1) قارعة: كبة مهلكة. (2) البداية والنهاية (3/ 77- 78) . (3) تفسير ابن كثير (4/ 441) . (4) إغاثة اللهفان (1/ 57) . (5) المرجع السابق (1/ 56) . (6) تفسير القرآن العظيم (2/ 346) باختصار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5597 النجوى النجوى لغة: اسم مصدر من قولهم تناجى فلان وفلان إذا تسارّا، وقيل: هي مصدر من قولهم نجوت الشّيء أنجوه إذا خلّصته، وهي مأخوذة من مادّة (ن ج و) الّتي تدلّ على السّتر والإخفاء، ومن هذا المعنى قيل: النّجو والنّجوى: السرّ بين اثنين، يقال: ناجيته، وتناجوا وانتجوا، وهو نجيّ فلان والجمع أنجية، وانتجيته: اختصصته بمناجاتي «1» ، وقال الرّاغب: أصل النّجاء: الانفصال من الشّيء، والنّجو والنّجاة المكان المرتفع المنفصل عمّا حوله، وأصل المناجاة: أن تخلو (بمن تناجيه) في نجوة (مكان مرتفع) من الأرض، وقيل: أصله من النّجاة وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه، وقيل: المراد أن تنجو بسرّك أن يطّلع عليه غيركما، والنّجوى أصله المصدر كما في قوله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ (المجادلة/ 10) وقد يوصف به فيقال: هم نجوى، وهما نجوى (يستوي فيه المثنّى والجمع) . وكذلك النّجيّ بمعنى المناجى، أي الّذي تسارّه يقال للواحد والجمع، وانتجيت فلانا: استخلصته لسرّي «2» والنّجوى في قوله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ (النساء/ 114) جمع المتناجين خرج مخرج السّكرى والجرحى، قال الطّبريّ: هذا أظهر معانيه، وقال القرطبيّ: أراد ما تفاوض به بنو أبيرق من التّدبير وذكروه للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم «3» ، أمّا قوله- عزّ وجلّ-: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى (الإسراء/ 47) ، فالمراد بالنّجوى المتناجون في أمره وكانت نجواهم قولهم: إنّه ساحر وإنّه يأتي بأساطير الأوّلين، وقيل نزلت حين دعا عتبة أشراف قريش إلى طعام صنعه لهم، فدخل عليهم النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله فتناجوا (أي تسارّوا) يقولون: ساحر ومجنون، وقال الزّجّاج: المعنى في وَإِذْ هُمْ نَجْوى أي ذو نجوى أي سرار «4» ، وقال الجوهريّ: جعلهم هم النّجوى وإنّما النّجوى فعلهم، كما تقول: قوم رضا، والنّجوى والنّجيّ كلاهما يكون اسما ومصدرا والنّجوة والنّجاء: المكان المرتفع الّذي تظنّ أنّه نجاؤك لا يعلوه السّيل، والنّجو السّرّ بين الاثنين يقال: نجوته نجوا إذا ساررته وكذلك ناجيته «5» . وقال ابن منظور: والنّجوى والنّجيّ: السّرّ. والنّجو: السّرّ بين اثنين، يقال: نجوته نجوا: أي ساررته. وكذلك ناجيته، والاسم النّجوى، وناجى   (1) مقاييس اللغة (5/ 398) . (2) المفردات للراغب (483/ 484) . (3) تفسير الطبري (5/ 276) ، والقرطبي (5/ 114) . (4) انظر تفسير القرطبي (10/ 176، 11/ 144) . (5) الصحاح (6/ 2503) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5598 الرّجل مناجاة ونجاء: سارّه. وانتجى القوم وتناجوا: تسارّوا. والنّجوى والنّجيّ المتناجون: أي المتسارّون. وفلان نجيّ فلان أي يناجيه دون من سواه. وفي التّنزيل العزيز: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا (يوسف/ 80) : أي اعتزلوه متناجين، والجمع أنجية. وفي الحديث: «لا يتناجى اثنان دون الثّالث» وفي رواية «لا ينتجي اثنان دون صاحبهما» : أي لا يتسارران منفردين عنه لأنّ ذلك يسوءه «1» . النجوى اصطلاحا: قال القرطبيّ: النّجوى: السّرّ بين الاثنين وتكون أيضا بمعنى المسارّة «2» (بين اثنين أو أكثر) . وقيل: النّجوى: ما يكون من خلوة اثنين أو أكثر يسرّون شيئا ويتناجون به، والسّرار ما كان بين اثنين «3» . وقال الإمام البغويّ- رحمه الله- النّجوى: هي الإسرار في التّدبير. وقيل: النّجوى ما يتفرّد بتدبيره قوم سرّا كان أو جهرا «4» . حكم التّناجي: يختلف حكم النّجوى باختلاف الأمر المتناجى فيه، فإن كان أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، فهذا لا شيء فيه، وقد استثنى المولى- عزّ وجلّ- من فعل ذلك من انعدام الخيريّة الغالبة على النّجوى فقال: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ (النساء/ 114) . وفيما عدا ذلك فالتّسارّ خصوصا في وجود الآخرين أمر مذموم يسوّل به الشّيطان ليقع سوء الظّنّ بين النّاس، مصداق ذلك قوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (المجادلة/ 8) . وقد نزلت هذه الآيات في اليهود والمنافقين «5» ، وقد اشتملت آية أخرى على المحمود والمذموم من التّناجي فقال- عزّ وجلّ- ناهيا عن التّناجي المذموم وآمرا بالتّناجي المحمود يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (المجادلة/ 9) وعلى النّوع الأوّل يحمل قوله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ (المجادلة/ 10) أي من تزيينه وغوايته ولا يكون ذلك منه إلّا فيما يؤذي المؤمنين «6» . [للاستزادة: انظر صفات: الشك- سوء الظن سوء المعاملة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن الظن- حسن المعاملة- حسن العشرة- الفطنة- الحكمة- إقامة الشهادة] .   (1) لسان العرب (15/ 308) . (2) تفسير القرطبي (5/ 114) . (3) المرجع السابق (17/ 88) . (4) تفسير البغوي (1/ 479) . (5) انظر في سبب نزول هذه الآيات تفسير القرطبي (17/ 187) . (6) كتبت هذه الفقرة اعتمادا على مجمل ما ورد في النجوى من الآيات الكريمة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5599 الآيات الواردة في «النجوى» 1- * لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) » 2- وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «2» 3- فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (60) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) «3» 4- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) «4» 5- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) «5»   (1) النساء: 114 مدنية (2) الإسراء: 45- 47 مكية (3) طه: 60- 62 مكية (4) الأنبياء: 1- 4 مكية (5) المجادلة: 7- 10 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5600 الأحاديث الواردة في ذمّ (النجوى) 1- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر. حتّى تختلطوا بالنّاس من أجل أنّ ذلك يحزنه» ) * «1» . 2- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فنبيت عنده تكون له الحاجة أو يطرقه أمر من اللّيل فيبعثنا فيكثر المحتسبون وأهل النّوب فكنّا نتحدّث فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من اللّيل فقال: «ما هذه النّجوى؟ ألم أنهكم عن النّجوى» قال: فقلنا: نتوب إلى الله يا نبيّ الله، فذكر الحديث) * «2» . 3- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا يتناجى اثنان دون صاحبهما، ولا يقيم الرّجل أخاه من مجلسه ثمّ يجلس» ) * «3» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا يتناجى اثنان دون الثّالث؛ فإنّ ذلك يؤذي المؤمن، والله يكره أذى المؤمن» ) * «4» . 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثّالث» ) * «5» . الأحاديث الواردة في ذمّ (النجوى) معنى 6- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا يتسارّ اثنان دون الثّالث» ) * «6» .   (1) البخاري- الفتح 11 (6290) . ومسلم (2184) واللفظ له. (2) الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 315) واللفظ له. وقال: رواه أحمد (3/ 30) ورجاله موثوقون. (3) رواه أحمد في المسند (2/ 45) . وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 101) : إسناده صحيح وقد ورد مكررا في مواضع كثيرة. (4) الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 64) وقال: رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه، والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير الحسن بن كثير ووثقه ابن حبان، وعبد الوهاب بن أبي الورد اسمه وهيب بن الورد كما ذكر شيخ الحفاظ المزى. (5) البخاري- الفتح 11 (6288) . (6) رواه أحمد (2/ 17) . وقال الشيخ أحمد شاكر (6/ 300) : إسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5601 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (النجوى) 1- * (عن مجاهد في قوله تعالي: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ (المجادلة/ 8) قال: اليهود وكذا قال مقاتل بن حيّان وزاد: كان بين النّبيّ صلى الله عليه وسلّم وبين اليهود موادعة وكانوا إذا مرّ بهم الرّجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلّم جلسوا يتناجون بينهم حتّى يظنّ المؤمن أنهم يتناجون بقتله، أو بما يكره المؤمن، فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم فترك طريقه عليهم، فنهاهم النّبيّ صلى الله عليه وسلّم عن النّجوى فلم ينتهوا وعادوا إلى النّجوى فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ) * «1» . 2- * (قال قتادة: قوله: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا (المجادلة/ 10) كان المنافقون يتناجون بينهم وكان ذلك يغيظ المؤمنين ويكبر عليهم) * «2» . 3- * (وقال أيضا في قوله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ ... أي إنّما المناجاة من الشّيطان وعنى بذلك مناجاة المنافقين بعضهم بعضا) * «3» . 4- * (قال البغويّ في تفسير قوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ (المجادلة/ 7) أي من سرر ثلاثة يعني المسارّة، أي ما من شيء يناجي به الرّجل صاحبيه إلّا وهو رابعهم بالعلم. وقيل معناه: ما يكون من متناجين ثلاثة يسارّ بعضهم بعضا إلّا هو رابعهم بالعلم يعلم نجواهم ... ) * «4» . 5- * (قال البغويّ- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى (الإسراء/ 47) يتناجون في أمرك يا محمّد. وقيل: ذو نجوى، فبعضهم يقول: هو مجنون، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: شاعر) * «5» . 6- * (وفي حديث الشّعبيّ: إذا عظمت الحلقة فهي بذاء ونجاء أي مناجاة يعني يكثر فيها» ) * «6» . 7- * (قال الإمام النّيسابوريّ في قوله تعالى إِنَّمَا النَّجْوى الألف واللّام فيه لا يمكن أن تكون للاستغراق أو للجنس، فمن النّجوى ما تكون ممدوحة؛ لاشتمالها على مصلحة دينيّة أو دنيويّة فهي إذن للعهد وهو التّناجي بالإثم والعدوان) * «7» . 8- * (وقال الإمام النّيسابوريّ في قوله تعالى لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ (النساء/ 114) أشار   (1) تفسير ابن كثير (4/ 345) . (2) جامع البيان (28/ 16) . (3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) تفسير البغوي (4/ 307) . (5) المرجع السابق (3/ 118) . (6) لسان العرب (15/ 308) . (7) تفسير النيسابوري (28/ 21) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5602 إلى ما كانوا يتناجون به حيث يبيّتون ما لا يرضى من القول. والنّجوى سرّ بين اثنين وكذا النّجو، يقال نجوته نجوا، أي ساررته وكذلك ناجيته) * «1» . 9- * (قال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ.. المجادلة/ 9) يقول تعالى ذكره: يا أيّها الّذين صدّقوا الله ورسوله إذا تناجيتم بينكم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرّسول ولكن تناجوا بالبرّ..) * «2» . 10- * (قال ابن كثير في قوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ (المجادلة/ 7) أي من سرّ ثلاثة» إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا.. أي مطّلع عليهم يسمع كلامهم وسرّهم ونجواهم) * «3» . 11- * (قال ابن كثير في قوله تعالى وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (الأنبياء/ 3) أي قائلين فيما بينهم خفية هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلّم) * «4» . 12- * (قال ابن كثير في قوله تعالى وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ (المجادلة/ 8) أي يتحدّثون فيما بينهم بالإثم، وهو يختصّ بهم وَالْعُدْوانِ وهو ما يتعلّق بغيرهم ومنه معصية الرّسول ومخالفته يصرّون عليها ويتواصون بها) * «5» . من مضار (النجوى) (1) من رجل الشّيطان وخيله ليحزن المؤمنين. (2) من عمل المنافقين وأعداء المسلمين من يهود وغيرهم. (3) النّجوى يمقتها الله- عزّ وجلّ- وينهى أن تكون بين المجتمع المسلم. (4) تشكّل جيوب الغمز واللّمز، ثمّ التّفرقة والتّمزّق. (5) هناك نجوى ممدوحة كالأمر بالصّدقة أو بمعروف أو إصلاح بين النّاس فهي مستثناة من النّجوى المذمومة.   (1) تفسير النيسابوري (5/ 173) . (2) جامع البيان (8/ 181) . (3) تفسير ابن كثير (4/ 181) . (4) المرجع السابق (3/ 181) . (5) المرجع السابق (4/ 346) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5603 النفاق النفاق لغة: النّفاق اسم مأخوذ من مادّة (ن ف ق) الّتي تدلّ على الخروج، فالنّفق سرب في الأرض له مخلص إلى مكان، والنّفق: المسلك النّافذ الّذي يمكن الخروج منه «1» وعلى ذلك نبّه (القرآن الكريم) بقوله إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (التوبة/ 67) أي الخارجون من الشّرع. وقد جعلهم الله شرّا من الكافرين فقال إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (النساء/ 145) «2» . قال ابن منظور: نفق الفرس والدّابّة وسائر البهائم ينفق نفوقا: مات. وفي حديث ابن عبّاس: «والجزور نافقة» . أي ميّتة من نفقت الدّابّة إذا ماتت. ونفق البيع نفاقا: راج. ونفقت السّلعة تنفق نفاقا، بالفتح: غلت ورغب فيها، وأنفقها هو ونفّقها. والنّفقة والنّافقاء: جحر الضّبّ واليربوع، وقيل: النّفقة والنّافقاء موضع يرقّقه اليربوع من جحره. فإذا أتي من قبل القاصعاء ضرب النّافقاء برأسه فخرج. ونفق اليربوع ونفق وانتفق ونفّق، خرج منه. ويقال: نافق اليربوع إذا دخل في نافقائه. وقصّع إذا خرج من القاصعاء، وتنفّق: خرج. قال أبو عبيد: سمّي المنافق منافقا للنّفق وهو السّرب في الأرض، وقيل: إنّما سمّي منافقا لأنّه نافق كاليربوع وهو دخوله نافقاءه وله جحر آخر يقال له القاصعاء فإذا طلب من النّافقاء قصّع أي خرج من القاصعاء، فهو يدخل في النّافقاء ويخرج من القاصعاء، أو يدخل في القاصعاء ويخرج من النّافقاء، يقال: نفق به ونافق، وهكذا يفعل المنافق، يدخل في الإسلام ثمّ يخرج منه من غير الوجه الّذي دخل فيه. ومنه اشتقاق المنافق في الدّين. والنّفاق، بالكسر فعل المنافق. والنّفاق: الدّخول في الإسلام من وجه والخروج عنه من آخر، مشتقّ من نافقاء اليربوع، وقد نافق منافقة ونفاقا، وهو اسم إسلاميّ لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به «3» . وخلاصة القول: ما قاله ابن رجب: والّذي فسّره به أهل العلم المعتبرون أنّ النّفاق في اللّغة هو من جنس الخداع والمكر، وإظهار الخير وإبطان خلافه «4» .   (1) المقاييس (5/ 454- 455) . (2) المفردات (524) . (3) لسان العرب (10/ 359) ، مختار الصحاح (673) ، وجمهرة اللغة (9/ 150) . (4) جامع العلوم والحكم (375) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5604 واصطلاحا: قال الجرجانيّ: النّفاق: إظهار الإيمان باللّسان وكتمان الكفر بالقلب «1» . أقسام النفاق: ذكر الحافظ ابن رجب أنّ النّفاق ينقسم شرعا إلى قسمين: أحدهما: النّفاق الأكبر، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويبطن ما يناقض ذلك كلّه أو بعضه. وهذا هو النّفاق الّذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ونزل القرآن بذمّ أهله وتكفيرهم، وأخبر أنّ أهله فى الدّرك الأسفل من النّار. والثّاني: النّفاق الأصغر، وهو نفاق العمل: وهو أن يظهر الإنسان علانية ويبطن ما يخالف ذلك «2» . وقال ابن الأثير: قد تكرّر في الحديث ذكر النّفاق «وما تصرّف منه اسما وفعلا» . وهو الّذي يستر كفره ويظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللّغة معروفا. وفى حديث حنظلة «نافق حنظلة» أراد أنّه إذا كان عند النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أخلص وزهد في الدّنيا، وإذا خرج عنه ترك ما كان عليه ورغب فيها، فكأنّه نوع من الظّاهر والباطن ما كان يرضى أن يسامح به نفسه. وفيه: «أكثر منافقي هذه الأمّة قرّاؤها» أراد بالنّفاق ها هنا الرّياء لأنّ كليهما إظهار غير ما في الباطن «3» . والرّياء داخل في النّفاق العمليّ ويتّضح هذا من قول ابن رجب وقول ابن حجر عليهما رحمة الله: فالرّياء كما عرّفه ابن حجر: إظهار العبادة لقصد رؤية النّاس لها فيحمدوا صاحبها. فالمقصود في الرّياء والنّفاق واحد، هو إظهار غير ما في السّرائر. والله أعلم. وقال ابن حجر: الرّياء بكسر الرّاء وتخفيف التّحتانيّة والمدّ وهو مشتقّ من الرّئية. والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية النّاس لها فيحمدوا صاحبها. وقال الغزاليّ: المعنى طلب المنزلة في قلوب النّاس بأن يريهم الخصال المحمودة، والمرائي هو العامل. وقال ابن رجب: ومن أعظم خصال النّفاق العمليّ، أن يعمل الإنسان عملا ويظهر أنّه قصد به الخير، وإنّما عمله ليتوصّل به إلى غرض له سيّىء فيتمّ له ذلك ويتوصّل بهذه الخديعة إلى غرض ويفرح بمكره وخداعه وحمد النّاس له على ما أظهره ويتوصّل به إلى غرضه السّيّىء الّذي أبطنه «4» . حكم النفاق: النّفاق إن كان عقديّا فهو كفر صراح، بل هو أشدّ منه، ولذلك جعلت للمنافقين درجة في جهنّم لايصلاها سواهم لعظم ضررهم، وشدّة خطرهم يقول الله تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ   (1) التعريفات (245) . (2) جامع العلوم والحكم (375) . (3) النهاية في غريب الحديث (5/ 98) . (4) جامع العلوم والحكم (378) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5605 النَّارِ (النساء/ 145) وقد فضحهم الله تعالى في القرآن الكريم في أكثر من موضع، ووصفهم بأنّهم كذّابون يصدّون عن سبيل الله وأنّهم يستكبرون، كما وصفهم بأنّهم لا يفقهون شيئا ولا يعلمون «1» . وقد جعل الإمام ابن حجر هذا النّوع من النّفاق من كبائر الباطن قال- رحمه الله-: «ومن الأمراض الّتي تعتور القلب وتعتريه الكفر والنّفاق والكبر والفخر والخيلاء والحسد والغلّ ... » » . أمّا إذا كان النّفاق عمليّا بمعنى أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن فهذا ينطبق عليه حكم الرّياء، والرّياء من الكبائر أيضا، وقد اتّفق على ذلك الإمامان: الذّهبيّ وابن حجر وذكرا الأدلّة على ذلك في كتابيهما «3» . المداهنة من النفاق: المداهنة والإدهان: المصانعة واللّين، وقيل: المداهنة إظهار خلاف ما يضمر. والإدهان: الغشّ. ودهن الرّجل إذا نافق. وقال قوم: داهنت بمعنى واريت، وأدهنت بمعنى غششت. ومعنى داهن وأدهن أي أظهر خلاف ما أضمر، فكأنّه بيّن الكذب على نفسه «4» . يقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: المداهنة لأهل النّفاق من حيث إنّ المداري يتلطّف بصاحبه ليقرّه على باطله ويتركه على هواه «5» . حكم التعامل مع المنافقين والمداهنين: ذكر العزّ بن عبد السّلام أنّه ينبغي الإعراض عن المنافقين مستدلّا بقوله تعالى: فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ «6» (التوبة/ 95) . قلت: وهذا الإعراض يستلزم عدم التّعامل أو التّعاون معهم وذلك لنجاسة معتقداتهم وسوء مقاصدهم، وذكر في موضع آخر أنّ علينا معشر المسلمين مجاهدة هؤلاء والغلظة عليهم وعلى الكافرين مستدلّا بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (التوبة/ 73) «7» . [للاستزادة: انظر صفات: الرياء- الفسوق- الخيانة- الغدر- الخداع- الكذب- الفجور- العصيان- الافتراء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإخلاص- التقوى- الإسلام- الولاء والبراء- الإيمان- الصدق- الإحسان- الأمانة- كتمان السر- الوفاء- الاستقامة- إقامة الشهادة] .   (1) انظر تفصيل ذلك في سورة «المنافقون» وسورة التوبة (الآية 73 وما بعدها) . (2) الزواجر لابن حجر (99) . (3) انظر: الكبائر للذهبي (143- 146) والزواجر لابن حجر (49 64) . (4) لسان العرب (بتصرف) 3/ 1447 (ط. دار المعارف) . (5) الروح لابن القيم ص 208 (بتصرف) وانظر صفة المداراة. (6) شجرة المعارف (95) . (7) المرجع السابق (270) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5606 الآيات الواردة في «النفاق» التعجب من المنافقين أو التعجب من انقسام الرأى إزاءهم: 1- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) «1» 2- * فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) «2» 3- * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) «3» النفاق في سياق العقاب: 4- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ   (1) النساء: 60- 61 مدنية (2) النساء: 88- 89 مدنية (3) الحشر: 11- 12 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5607 بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) «1» 5- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) «2» 6- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «3» 7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «4» 8- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) «5» 9- يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ   (1) النساء: 137- 143 مدنية (2) النساء: 145- 146 مدنية. (3) الأحزاب: 23- 24 مدنية (4) الأحزاب: 70- 73 مدنية (5) الفتح: 4- 6 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5608 ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) «1» النفاق في سياق بيان لخائن أصحابه أو لتحذير منهم: 10- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) «2» 11- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) «3» 12- الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) «4» 13- * وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) «5» 14- الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)   (1) الحديد: 12- 15 مدنية (2) الأنفال: 47- 49 مدنية (3) التوبة: 64 مدنية (4) التوبة: 67- 68 مدنية (5) التوبة: 75- 77 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5609 وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) «1» 15- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) «2» 16- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (11) «3» 17- وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) «4» 18- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3)   (1) التوبة: 97- 98 مدنية (2) التوبة: 101 مدنية (3) العنكبوت: 10- 11 مدنية (4) الأحزاب: 12- 20 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5610 * وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «1» المنافقون في سياق التحذير منهم أو تحذيرهم: 19- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) «2» 20- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «3» 21- * لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) «4»   (1) المنافقون: 1- 11 مدنية (2) الأحزاب: 1- 3 مدنية (3) الأحزاب: 45- 48 مدنية (4) الأحزاب: 60- 61 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5611 كشف المنافقين والأمر بجهادهم: 22- وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) «1» 23- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «2» 24- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) «3»   (1) آل عمران: 166- 167 مدنية (2) التوبة: 73- 74 مدنية (3) التحريم: 9 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5612 الأحاديث الواردة في ذمّ (النفاق) 1- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النّفاق بغض الأنصار» ) * «1» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» ) * «2» . 3- * (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: أتيت عائشة وهي تصلّي، فقلت: ما شأن النّاس؟ فأشارت إلى السّماء، فإذا النّاس قيام. فقالت: سبحان الله! قلت: آية، فأشارت برأسها- أي نعم- فقمت حتّى تجلّاني الغشي» ، فجعلت أصبّ على رأسي الماء. فحمد الله- عزّ وجلّ- النّبيّ صلى الله عليه وسلّم وأثنى عليه ثمّ قال: «ما من شيء لم أكن أريته إلّا رأيته في مقامي، حتّى الجنّة والنّار. فأوحي إليّ أنّكم تفتنون في قبوركم مثل، أو قريب- لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء- من فتنة المسيح الدّجّال، يقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن، أو الموقن- لا أدري بأيّهما قالت أسماء- فيقول هو محمّد رسول الله جاءنا بالبيّنات والهدى، فأجبنا واتّبعنا، هو محمّد (ثلاثا) . فيقال: نم صالحا، قد علمنا إن كنت لموقنا به. وأمّا المنافق، أو المرتاب- لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء- فيقول: لا أدري، سمعت النّاس يقولون شيئا فقلته) * «4» . 4- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خلّة منهنّ كانت فيه خلّة من نفاق. حتّى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف. وإذا خاصم فجر» غير أنّ في حديث سفيان «وإن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق» ) * «5» . 5- * (عن قيس قال: قلت لعمّار: أرأيتم صنيعكم هذا الّذي صنعتم في أمر عليّ. أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئا لم يعهده إلى النّاس كافّة. ولكن حذيفة أخبرني عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «في أصحابي اثنا عشر منافقا «6» . فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط «7» . ثمانية منهم تكفيكهم الدّبيلة «8» وأربعة. لم أحفظ ما قال شعبة فيهم» ) * «9» . 6- * (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال:   (1) البخاري- الفتح 1 (17) واللفظ له، ومسلم (74) . (2) البخاري- الفتح 5 (2682) ، ومسلم 1 (59) واللفظ له. (3) تجلاني الغشي: الغشي الإغماء: والمعنى كاد أن يغمى عليّ. (4) البخاري- الفتح 1 (86) واللفظ له، ومسلم (905) . (5) البخاري- الفتح 1 (34) ، ومسلم 1 (58) واللفظ له. (6) منافقا: معناه الذين ينسبون إلى صحبتي. (7) سم الخياط: سم بفتح السين وضمها وكسرها، والفتح أشهر وهو ثقب الإبرة. ومعناه: لا يدخلون الجنة أبدا. (8) الدبيلة: سراج من نار. (9) مسلم (2779) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5613 أمرنا بالصّدقة. قال: كنّا نحامل «1» . قال: فتصدّق أبو عقيل بنصف صاع. قال: وجاء إنسان بشيء أكثر منه. فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة هذا. وما فعل هذا الآخر إلّا رياء. فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة: 79) » ) * «2» . 7- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-: أنّ رجالا من المنافقين، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانوا إذا خرج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى الغزو تخلّفوا عنه. وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فإذا قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلّم اعتذروا إليه. وحلفوا وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا. فنزلت: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ (آل عمران: 188) * «3» . 8- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدم من سفر. فلمّا كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الرّاكب. فزعم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «بعثت هذه الرّيح لموت منافق» فلمّا قدم المدينة، فإذا منافق عظيم من المنافقين، قد مات) * «4» . 9- * (عن عبد الرّحمن بن عوف: أنّ قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة، فأسلموا، وأصابهم وباء المدينة، حمّاها، فأركسوا «5» ، فخرجوا من المدينة، فاستقبلهم نفر من أصحابه، يعني أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة فاجتوينا «6» المدينة. فقالوا: أما لكم في رسول الله أسوة؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا، هم مسلمون، فأنزل الله عزّ وجلّ: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا ... (النساء/ 88) الآية) * «7» . 10- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ المؤمن يأكل في معى واحد، وإنّ الكافر، أو المنافق، فلا أدري أيّهما قال عبيد الله- يأكل في سبعة أمعاء» ) «8» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّاس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب» ؟ قالوا: لا. يا رسول الله. قال: «فهل تمارون في الشّمس ليس دونها سحاب» ؟ قالوا: لا. قال: فإنّكم ترونه كذلك. يحشر النّاس يوم القيامة فيقول:   (1) نحامل: نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة. (2) البخاري- الفتح 8 (4668) ، ومسلم 2 (1018) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 8 (4567) ، ومسلم 4 (2777) واللفظ له. (4) مسلم 4 (2782) . (5) أركسوا: يقال ركست الشيء وأركسته اذا رددته ورجعته، أركسوا رجعوا إلى ما كانوا عليه. (6) اجتووا: أصابهم الجوى، وهو المرض. ويقال: اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه. (7) أحمد (1/ 192) وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 131- 132) : إسناده صحيح. (8) البخاري- الفتح 9 (5394) واللفظ له، ومسلم (2062) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5614 من كان يعبد شيئا فليتّبع، فمنهم من يتّبع الشّمس، ومنهم من يتّبع القمر، ومنهم من يتّبع الطّواغيت، وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله- عزّ وجلّ- فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذ جاء ربّنا عرفناه. فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا، فيدعوهم فيضرب الصّراط بين ظهراني جهنّم، فأكون أوّل من يجوز من الرّسل بأمّته، ولا يتكلّم يومئذ أحد إلا الرّسل، وكلام الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «1» ، هل رأيتم شوك السّعدان؟ قالوا: نعم. قال: «فإنّها مثل شوك السّعدان، غير أنّه لا يعلم قدر عظمها إلّا الله، تخطف النّاس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل «2» ثمّ ينجو. حتّى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النّار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السّجود، وحرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود. فيخرجون من النّار، فكلّ ابن آدم تأكله النّار إلّا أثر السّجود، فيخرجون من النّار قد امتحشوا «3» ، فيصبّ عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل «4» ، ثمّ يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنّة والنّار، وهو آخر أهل النّار دخولا الجنّة مقبلا بوجهه قبل النّار، فيقول: يا ربّ، اصرف وجهي عن النّار، قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها «5» . فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا. وعزّتك. فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النّار، فإذا أقبل به على الجنّة رأى بهجتها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثمّ قال: يا ربّ، قدّمني عند باب الجنّة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي كنت سألت؟ فيقول: يا ربّ، لا أكون أشقى خلقك. فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره. فيقول: لا. وعزّتك لا أسأل غير ذلك. فيعطي ربّه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدّمه إلى باب الجنّة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النّضرة والسّرور. فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول: يا ربّ، أدخلني الجنّة. فيقول الله: ويحك يا ابن آدم، ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي أعطيت؟ فيقول: يا ربّ لا تجعلني أشقى خلقك. فيضحك الله- عزّ وجلّ- منه، ثمّ يأذن له في دخول الجنّة، فيقول: تمنّ، فيتمنّى. حتّى إذا انقطع أمنيّته قال الله- عزّ وجلّ-: زد من كذا وكذا- أقبل يذكّره ربّه- عزّ وجلّ- حتّى إذا انتهت به الأمانيّ قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه» .   (1) السعدان: نبت ذو شوك يكون شوكه كالحا إذا يبس ومنبته سهول الأرض وهو من أطيب مراعي الإبل مادام رطبا. (2) ومنهم من يخردل: المخردل المصروع المربيّ، وقيل المقطع، تقطعه كلاليب الصراط. (3) امتحشوا: احترقوا وصاروا فحما. (4) حميل السيل: ما يحمل من الغثاء والطين. (5) قشبنى ريحها وأحرقنى ذكاؤها: قشبنى أي آذانى وذكاؤها: شدّة وهج نارها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5615 قال أبو سعيد الخدريّ لأبي هريرة- رضي الله عنهما- إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله» قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلّا قوله «لك ذلك ومثله معه» قال أبو سعيد الخدريّ: إنّي سمعته يقول: «ذلك لك وعشرة أمثاله) * «1» . 12- * (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم خرج إلى أحد. فرجع ناس ممّن كان معه. فكان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فيهم فرقتين. قال بعضهم: نقتلهم. وقال بعضهم: لا. فنزلت: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ (النساء: 88) * «2» . 13- * (عن العلاء بن عبد الرّحمن، أنّه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة. حين انصرف من الظّهر. وداره بجنب المسجد. فلمّا دخلنا عليه قال: أصلّيتم العصر؟ فقلنا له: إنّما انصرفنا السّاعة من الظّهر. قال: فصلّوا العصر. فقمنا فصلّينا. فلمّا انصرفنا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «تلك صلاة المنافق. يجلس يرقب الشّمس. حتّى إذا كانت بين قرني الشّيطان. قام فنقرها «3» أربعا. لا يذكر الله فيها إلّا قليلا» ) * «4» . 14- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه لقي ناسا خرجوا من عند مروان، فقال: من أين جاء هؤلاء؟ قالوا: خرجنا من عند الأمير مروان، قال: وكلّ حقّ رأيتموه تكلّمتم به وأعنتم عليه، وكلّ منكر رأيتموه أنكرتموه ورددتموه عليه؟ قالوا: لا والله، بل يقول ما ينكر، فنقول: قد أصبت أصلحك الله. فإذا خرجنا من عنده قلنا: قاتله الله، ما أظلمه! وأفجره! قال عبد الله: كنّا بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم نعدّ هذا نفاقا لمن كان هكذا) * «5» . 15- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنا والزّبير والمقداد. فقال: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ «6» ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها. قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتّى أتينا الرّوضة، فإذا نحن بالظّعينة. قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب. فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثّياب. قال فأخرجته من عقاصها «7» ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة- إلى ناس بمكّة من المشركين- يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا حاطب، ما هذا؟ قال يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إنّي كنت امرأ ملصقا في قريش- يقول: كنت حليفا، ولم أكن من أنفسها- وكان من معك من المهاجرين من لهم بها قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النّسب فيهم أن أتّخذ عندهم يدا يحمون قرابتي،   (1) البخاري- الفتح 2 (806) ، واللفظ له ومسلم (182) . (2) البخاري- الفتح 8 (4589) ، ومسلم (2776) واللفظ لمسلم. (3) فنقرها: المراد بالنقر سرعة الحركات. (4) مسلم (622) . (5) مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر (7/ 5373) وقال محققه: إسناده صحيح وأصله عند البخاري. (6) روضة خاخ: موضع بين الحرمين. (7) عقاصها: شعرها أو ضفائر شعرها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5616 ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أما إنّه قد صدقكم. فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: إنّه قد شهد بدرا. وما يدريك لعلّ الله اطّلع على من شهد بدرا. قال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. فأنزل الله السّورة (الممتحنة: 1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ... إلى قوله فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ» ) «1» . 16- * (عن صفوان بن محرز المازنيّ- رضي الله عنه- قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر- رضي الله عنهما- آخذ بيده إذ عرض رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في النّجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم. أي ربّ. حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أنّه هلك قال: سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم، ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «2» . 17- * (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- أنّه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في سفر، أصاب النّاس فيه شدّة. فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتّى ينفضّوا من حوله. قال زهير: وهي قراءة من خفض حوله. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. قال: فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم. فأخبرته بذلك. فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ فسأله فاجتهد يمينه ما فعل. فقال: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال: فوقع في نفسي ممّا قالوه شدّة. حتّى أنزل الله تصديقي: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ (المنافقون/ 1) . قال: ثمّ دعاهم النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ليستغفر لهم. قال فلوّوا رؤوسهم. وقوله: كأنّهم خشب مسنّدة. وقال: كانوا رجالا أجمل شيء) * «3» . 18- * (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «العبد إذا وضع فى قبره وتولّي وذهب أصحابه- حتّى إنّه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرّجل محمّد صلى الله عليه وسلّم؟ فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله. فيقال: انظر إلى مقعدك من النّار، أبدلك الله به مقعدا من الجنّة. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فيراهما جميعا. وأمّا الكافر- أو المنافق- فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول النّاس. فيقال: لا دريت، ولا تليت. ثمّ يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلّا الثّقلين» ) * «4» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل   (1) البخاري- الفتح 7 (4274) ، ومسلم (2494) . (2) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له، ومسلم (2768) . (3) البخاري- الفتح 8 (4903) ، ومسلم (2772) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 3 (1338) واللفظ له، ومسلم (2870) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5617 تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر ليس فى سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فو الّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما» . قال: «فيلقى العبد فيقول: أي فل «1» ، ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. قال فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسوّدك؟، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي ربّ، فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا ربّ، آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول: هاهنا إذا. قال: ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) *» . 20- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه. فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه. فسرنا حتّى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرّحيل، فقمت حين آذنوا بالرّحيل فمشيت حتّى جاوزت الجيش، فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى الرّحل فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه. فأقبل الّذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب وهم يحسبون أنّي فيه، وكان النّساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهنّ اللّحم، وإنّما يأكلن العلقة من الطّعام. فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السّنّ، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فأممت منزلي الّذي كنت به فظننت أنّهم سيفقدونني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ ثمّ الذّكوانيّ من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأي سواد إنسان نائم، فأتاني وكان يراني قبل الحجاب- فاستيقظت باسترجاعه حتّى أناخ راحلته فوطىء يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرّسين في نحر الظّهيرة. فهلك من هلك. وكان الّذي تولّى الإفك عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا، والنّاس يفيضون من قول أصحاب الإفك، ويريبني في وجعي أنّي لا   (1) أي فل: أي يا فلان. قال ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته: وفل بعض ما يخص بالندا فلا يقال: فل بالتسكين، بل: يا فل أو: يا فل. (2) مسلم (2968) ، وله أصل عند البخاري برقم (4581) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5618 أرى من النّبيّ صلى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أمرض، إنّما يدخل فيسلّم ثمّ يقول: كيف تيكم؟ لا أشعر بشيء من ذلك حتّى نقهت فخرجت أنا وأمّ مسطح قبل المناصع متبرّزنا، لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرّيّة أو في التّنزّه. فأقبلت أنا وأمّ مسطح بنت أبي رهم نمشي، فعثرت في مرطها فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبيّن رجلا شهد بدرا؟ فقالت: يا هنتاه، ألم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: كيف تيكم؟ فقلت: ائذن لي إلى أبويّ- قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما- فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فأتيت أبويّ، فقلت لأمّي: ما يتحدّث به النّاس؟ فقالت: يا بنيّة، هوّني على نفسك الشّأن، فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها ولها ضرائر إلّا أكثرن عليها. فقلت: سبحان الله! ولقد يتحدّث النّاس بهذا؟ قالت: فبتّ تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثمّ أصبحت. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله. فأمّا أسامة فأشار عليه بالّذي يعلم في نفسه من الودّ لهم. فقال أسامة: أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيّق الله عليك. والنّساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بريرة فقال: يا بريرة، هل رأيت فيها شيئا يريبك؟ فقالت بريرة: لا والّذي بعثك بالحقّ، إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها قطّ أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن العجين فتأتي الدّاجن فتأكله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم من يومه. فاستعذر من عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، والله أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج- وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحميّة- فقال: كذبت لعمر الله، والله لا تقتله ولا تقدر على ذلك. فقام أسيد بن الحضير فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنّه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج حتّى همّوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم على المنبر. فنزل فخفضهم حتّى سكتوا وسكت. وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتي ويوما حتّى أظنّ أنّ البكاء فالق كبدي. قالت: فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي. فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل فيّ ما قيل قبلها. وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء. قالت: فتشهّد ثمّ قال: «يا عائشة، فإنّه بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5619 بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثمّ تاب تاب الله عليه. فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مقالته قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال: والله لا أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلّم. قالت: وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن، فقلت: إنّي والله لقد علمت أنّكم سمعتم ما يتحدّث به النّاس ووقر في أنفسكم وصدّقتم به، وإن قلت لكم إنّي بريئة- والله يعلم أنّي بريئة- لا تصدّقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أنّي بريئة- لتصدّقنّي. والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا أبا يوسف إذ قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) . ثمّ تحوّلت على فراشى وأنا أرجو أن يبرّئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلّم بالقرآن في أمري. ولكنّنى كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا تبرّئني، فو الله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتّى أنزل عليه الوحي. فأخذه ما يأخذه من البرحاء، حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات. فلمّا سرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال لي: «يا عائشة، احمدي الله، فقد برّأك الله» . قالت لي أمّي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلّا الله. فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) الآيات. فلمّا أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه- والله لا أنفق على مسطح بشيء أبدا بعد أن قال لعائشة، فأنزل الله تعالى وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا إلى قوله غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور/ 22) . فقال أبو بكر: بلى والله، إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الّذي كان يجري عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: يا زينب، ما علمت؟ ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلّا خيرا. قالت: وهي الّتي كانت تساميني. فعصمها الله بالورع» ) * «1» 21- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان معاذ يصلّى مع النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ثمّ يأتي فيؤمّ قومه. فصلّى ليلة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلّم العشاء، ثمّ أتى قومه فأمّهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلّم، ثمّ صلّى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا. والله لآتينّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلأخبرنّه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّا أصحاب نواضح «2» . نعمل بالنّهار، وإنّ معاذا صلّى معك العشاء، ثمّ أتى فافتتح بسورة البقرة. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على معاذ فقال: «يا معاذ، أفتّان أنت؟ اقرأ بكذا، واقرأ بكذا» ) * «3» .   (1) البخاري- الفتح 5 (2661) واللفظ له، ومسلم (2770) . (2) أصحاب نواضح أي نسقى زرعنا بالدّلاء. (3) البخاري- الفتح 2 (705) ، ومسلم (465) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5620 22- * (عن بريدة بن الحصيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تقولوا للمنافق سيّد فإنّه إن يك سيّدا فقد أسخطتم ربّكم- عزّ وجلّ-» ) * «1» . 23- * (عن البراء يحدّث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّه قال- في الأنصار-: «لا يحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق. من أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» ) * «2» . 24- * (عن حنظلة الأسيديّ «3» قال- وكان من كتّاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم- قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين «4» ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم عافسنا «5» الأزواج والأولاد والضّيعات «6» فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبوبكر حتّى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، يا حنظلة، ولكن ساعة وساعة (ثلاث مرّات) » ) * «7» . 25- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لمّا توفّي عبد الله بن أبيّ ابن سلول، جاء ابنه، عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه. فأعطاه. ثمّ سأله أن يصلّي عليه. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليصلّي عليه. فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقال: يا رسول الله، أتصلّي عليه وقد نهاك الله أن تصلّي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّما خيّرني الله فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً (التوبة/ 80) . وسأزيده على سبعين» قال: إنّه منافق. فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فأنزل الله عزّ وجلّ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ (التوبة/ 84) » ) * «8» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو   (1) أبو داود 4 (4977) واللفظ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 731) : وإسناده صحيح. (2) البخاري. الفتح 7 (3783) ، ومسلم (75) واللفظ له. (3) الأسيدي: ضبطوه بوجهين: أحدهما واشهرهما ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة. والثاني كذلك إلا أنه بإسكان الياء. ولم يذكر القاضي إلا هذا الثاني. وهو منسوب إلى بني أسيد، بطن من بني تميم. (4) حتى كأنا رأي عين: قال القاضي: ضبطوه رأي عين، بالرفع. أي: كإنا بحال من يراها بعينه. قال: ويصح النصب على المصدر، أي نراها رأي عين. (5) عافسنا: قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا. (6) والضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة. (7) مسلم (2750) . (8) البخاري- الفتح 8 (4672) ، ومسلم (2774) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5621 حبوا. لقد هممت أن آمر المؤذّن فيقيم، ثمّ آمر رجلا يؤمّ النّاس، ثمّ آخذ شعلا من نار فأحرّق على من لا يخرج إلى الصّلاة بعد) * «1» . 27- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ليس من بلد إلّا سيطؤه الدّجّال. إلّا مكّة والمدينة. وليس نقب من أنقابها إلّا عليه الملائكة صافّين تحرسها. فينزل بالسّبخة «2» . فترجف المدينة ثلاث رجفات. يخرج إليه منها كلّ كافر ومنافق» ) * «3» . 28- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «مثل المنافق كمثل الشّاة العائرة «4» بين الغنمين. تعير إلى هذه مرّة، وإلى هذه مرّة» ) * «5» . 29- * (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل الخامة من الزّرع، تفيئها الرّياح، تصرعها مرّة وتعدلها، حتّى يأتيه أجله. ومثل المنافق مثل الأرزة المجذية «6» التّي لا يصيبها شيء، حتّى يكون انجعافها «7» مرّة واحدة» ) * «8» . 30- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «المؤمن الّذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجّة «9» طعمها طيّب وريحها طيّب. والمؤمن الذّي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتّمرة طعمها طيّب ولا ريح لها. ومثل المنافق الّذي يقرأ القرآن كالرّيحانة ريحها طيّب وطعمها مرّ. ومثل المنافق الّذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مرّ أو خبيث وريحها مرّ» ) * «10» . 31- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- يسأل عن الورود فقال: نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق النّاس «11» . قال فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأوّل فالأوّل. ثمّ يأتينا ربّنا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربّنا. فيقول: «أنا ربّكم. فيقولون: حتّى ننظر إليك، فيتجلّى لهم يضحك. قال فينطلق بهم ويتّبعونه. ويعطى كلّ إنسان منهم، منافق أو مؤمن نورا. ثمّ يتّبعونه. وعلى جسر جهنّم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله. ثمّ يطفأ نور المنافقين، ثمّ ينجو   (1) البخاري. الفتح 2 (657) واللفظ له، ومسلم (651) . (2) بالسبخة: في القاموس: السبخة، محركة ومسكنة. أرض ذات نزّ وملح: سبخة وسبخة. (3) البخاري- الفتح 13 (7124) ، ومسلم (2943) واللفظ له. (4) العائرة: المترددة. (5) مسلم (2784) . (6) الأرزة المجذية: المكسورة أو المقطوعة. (7) انجعافها: أي انقلاعها من الأرض. (8) البخاري- الفتح 10 (5643) ، ومسلم (2810) واللفظ له. (9) الأترجّ: فاكهة معروفة. (10) البخاري- الفتح 9 (5059) واللفظ له، ومسلم (797) . (11) «يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق النّاس» : هكذا وقع هذا اللفظ في جميع الأصول من صحيح مسلم، واتفق المتقدمون والمتأخرون على أنه تصحيف وتغيير واختلاط في اللفظ، يقول القاضي عياض وصوابه: «نجيء يوم القيامة على قوم» وفي كتاب ابن خيثمة من طريق كعب بن مالك: «يحشر الناس يوم القيامة على تل، وأمتى على تل» وذكر الطبري من حديث ابن عمر «فيرقى هو- يعني محمد صلى الله عليه وسلّم وأمته على قوم فوق الناس يقول القاضي عياض: وقد أظلم هذا الحرف على الراوي أو امّحى فعبر عنه بكذا وكذا، وفسره بقوله: أي فوق الناس. وكتب عليه: انظر. تنبيها، فجمع النقلة الكل، ونسبوه على أنه من متن الحديث كما تراه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5622 المؤمنون. فتنجو أوّل زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر. سبعون ألفا لا يحاسبون. ثمّ الّذين يلونهم كأضوإ نجم في السّماء. ثمّ كذلك. ثمّ تحلّ الشّفاعة، ويشفعون حتّى يخرج من النّار من قال: لا إله إلّا الله. وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة. فيجعلون بفناء الجنّة. ويجعل أهل الجنّة يرشّون عليهم الماء حتّى ينبتوا نبات الشّيء في السّيل. ويذهب حراقه. ثمّ يسأل حتّى تجعل له الدّنيا وعشرة أمثالها معها» ) * «1» . 32- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلّم إليّ: «أن لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق» ) * «2» . 33- * (عن محمود بن الرّبيع الأنصاريّ، أنّ عتبان بن مالك- وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم- فقال: يا رسول الله، قد أنكرت بصري وأنا أصلّي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الّذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلّي بهم. ووددت يا رسول الله أنّك تأتيني فتصلّي في بيتي فأتّخذه مصلّى. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: سأفعل إن شاء الله. قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأبو بكر حين ارتفع النّهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأذنت له، فلم يجلس حتّى دخل البيت ثمّ قال: أين تحبّ أن أصلّي من بيتك؟ قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكبّر. فقمنا فصففنا فصلّى ركعتين ثمّ سلّم، قال: وحبسناه على خزيرة صنعناها له، قال: فثاب في البيت رجال من أهل الدّار ذوو عدد فاجتمعوا، فقال قائل منهم: أين مالك ابن الدّخيش أو ابن الدّخشن-؟ فقال بعضهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال لا إله إلّا الله، يريد بذلك وجه الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال «لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» قال ابن شهاب: ثمّ سألت الحصين بن محمّد الأنصاريّ- وهو أحد بني سالم وهو من سراتهم- عن حديث محمود بن الرّبيع، فصدّقه بذلك) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (النفاق) معنى 34- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفر. قرشيّان وثقفيّ. أو ثقفيّان وقرشيّ. قليل فقه قلوبهم. كثير شحم بطونهم. فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟ وقال الآخر: يسمع، إن جهرنا. ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ (فصلت/ 22) الآية» ) * «4» . 35- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ   (1) مسلم (191) . (2) مسلم (78) . (3) البخاري- الفتح 1 (425) واللفظ له، ومسلم (33) . (4) البخاري- الفتح 8 (4816) ، ومسلم (2775) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5623 رجلا قال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرضا من عرض الدّنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا أجر له» فأعظم ذلك النّاس، وقالوا للرّجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فلعلّك لم تفهمه، فقال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغى عرضا من الدّنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا أجر له» فقالوا للرّجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال له الثّالثة) «1» . 36- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «قال الله تعالى: أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» ) * «2» . 37- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ شرّ النّاس ذو الوجهين الّذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه» ) * «3» . 38- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «الإيمان يمان، والكفر قبل المشرق. والسّكينة في أهل الغنم. والفخر والرّياء في الفدّادين «4» أهل الخيل والوبر» ) * «5» . 39- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ» ، لم تحصّل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع إمّا علقمة، وإمّا عامر بن الطّفيل. فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: «ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء» قال: فقام رجل غائر العينين. مشرف الوجنتين. ناشز الجبهة. كثّ اللّحية. محلوق الرّأس. مشمّر الإزار فقال: يا رسول الله، اتّق الله. فقال: «ويلك أو لست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله» ؟ قال: ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا. لعلّه أن يكون يصلّي» . فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّي لم أومر أن أنقب قلوب النّاس. ولا أشقّ بطونهم» قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ «7» فقال: «إنّه يخرج من ضئضىء هذا «8» قوم يتلون كتاب الله. رطبا لا يجاوز حناجرهم. يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» وأظنّه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود» ) * «9» . 40- * (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: الرّجل يقاتل حميّة ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء. فأيّ ذلك في سبيل الله؟   (1) أبو داود (2516) واللفظ له، والحاكم (2/ 85) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) مسلم (2985) . (3) البخاري- الفتح 13 (7179) . (4) الفدادين: جمع فداد. وهم الذين تعلو أصواتهم في ابلهم وخيلهم وحروثهم، ونحو ذلك. (5) مسلم (52) واللفظ له. وأصله عند البخاري- الفتح 7 (4388) . (6) أديم مقروظ أى مدبوغ بالقرظ وهو حب معروف يخرج فى غلف كالعدس من شجر العضاه. (7) مقف: أي مولّ. (8) ضئضئ هذا: أى أصله. (9) البخاري- الفتح 7 (4351) واللفظ له، ومسلم (1064) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5624 قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» ) * «1» . 41- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر. فأمّا الّذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال في مرج «2» أو روضة. فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الرّوضة كانت له حسنات، ولو أنّها قطعت طيلها فاستنّت شرفا أو شرفين «3» كانت أرواثها وآثارها حسنات له، ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له. وأمّا الرّجل الّذي هي عليه وزر فهو رجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي وزر على ذلك. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الحمر فقال: ما أنزل عليّ فيها إلّا هذه الآية الجامعة الفاذّة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ 7- 8) » ) * «4» . 42- * (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: عدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجلا موعوكا. قال فوضعت يدي عليه فقلت: والله ما رأيت كاليوم رجلا أشدّ حرّا. فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأشدّ حرّا منه يوم القيامة؟ هذينك الرّجلين الرّاكبين المقفّيين «5» «لرجلين حينئذ من أصحابه «6» » ) * «7» . 43- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «الغزو غزوان، فأمّا من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد. فإنّ نومه ونبهه أجر كلّه. وأمّا من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لم يرجع بالكفاف» ) * «8» . 44- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قلنا يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس والقمر إذا كانت صحوا؟» قلنا: لا، قال: «فإنّكم لا تضارّون في رؤية ربّكم يومئذ إلّا كما تضارّون في رؤيتهما» ، ثمّ قال: «ينادي مناد ليذهب كلّ قوم إلى ما كانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصّليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم. وأصحاب كلّ آلهة مع آلهتهم. حتّى يبقى من كان يعبد الله من برّ أو فاجر وغبّرات من أهل الكتاب. ثمّ يؤتى بجهنّم تعرض كأنّها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد. فما تريدون، قالوا: نريد أن تسقينا فيقال: اشربوا. فيتساقطون في جهنّم. ثمّ يقال للنّصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون:   (1) البخاري- الفتح 13 (7458) واللفظ له، ومسلم (1904) . (2) المرج: الأرض ذات النبات والمرعى. (3) فاستنت شرفا أو شرفين: استنت: أي جرت، والشرف: العالي من الأرض. (4) البخاري- الفتح 6 (2860) واللفظ له، ومسلم (987) . (5) المقفيين: المنصرفين، الموليين أقفيتهما. (6) من أصحابه: سماهما (من أصحابه) لإظهارهما الإسلام والصحبة لا أنهما ممن نالته فضيلة الصحبة. (7) مسلم (2783) . (8) أبو داود (2515) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (2/ 85) ، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5625 كنّا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد. فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا: فيقال: اشربوا. فيتساقطون حتّى يبقى من كان يعبد الله من برّ أو فاجر. فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب النّاس فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منّا إليه اليوم. وإنّا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كلّ قوم بما كانوا يعبدون وإنّما ننتظر ربّنا. قال: فيأتيهم الجبّار فى صورة غير صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة، فيقول: أنا ربّكم. فيقولون أنت ربّنا، فلا يكلّمه إلّا الأنبياء فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون السّاق. فيكشف عن ساقه، فيسجد له كلّ مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ثمّ يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنّم، قلنا يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: مدحضة مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء «1» تكون بنجد يقال لها السّعدان، المؤمن عليها كالطّرف وكالبرق وكالرّيح وكأجاويد الخيل والرّكاب فناج مسلّم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنّم حتّى يمرّ آخرهم يسحب سحبا فما أنتم بأشدّ لي مناشدة في الحقّ قد تبيّن لكم من المؤمن يومئذ للجبّار، وإذا رأوا أنّهم قد نجوا في إخوانهم يقولون: ربّنا، إخواننا الّذين كانوا يصلّون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرّم الله صورهم على النّار. فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النّار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون من عرفوا، ثمّ يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه فيخرجون من عرفوا ثمّ يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا. قال أبو سعيد فإن لم تصدّقوني فاقرأوا: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها (النساء/ 40) فيشفع النّبيّون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبّار بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النّار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون فى نهر بأفواه الجنّة يقال له ماء الحياة فينبتون في صافّتيه كما تنبت الحبّة في حميل السّيل قد رأيتموها إلى جانب الصّخرة إلى جانب الشّجرة، فما كان إلى الشّمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظّلّ كان أبيض فيخرجون كأنّهم اللّؤلؤ فيجعل فى رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنّة فيقول أهل الجنّة: هؤلاء عتقاء الرّحمن أدخلهم الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه» ) * «2» . 45- * (عن أبي الطّفيل قال: كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين النّاس. فقال: أنشدك بالله، كم كان أصحاب العقبة «3» ؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك. قال: كنّا نخبر أنّهم   (1) عقيفاء. هكذا هي موجودة فى الفتح، وهى في صحيح البخارى «عقيفة» . (2) البخاري- الفتح 13 (7439) واللفظ له، ومسلم (183) . (3) العقبة: هذه في طريق تبوك يوم غزوة تبوك اجتمع فيها المنافقون للغدر برسول الله صلى الله عليه وسلّم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5626 أربعة عشر. فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر. وأشهد بالله أنّ اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد. وعذر ثلاثة. قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا علمنا بما أراد القوم. وقد كان في حرّة فمشى فقال: «إنّ الماء قليل. فلا يسبقني إليه أحد» فوجد قوما قد سبقوه. فلعنهم يومئذ» ) * «1» . 46- (عن جابر بن عبد الله أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السّفهاء، ولا تخيّروا به المجالس. فمن فعل ذلك فالنّار النّار» ) * «2» . 47- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: ما أظنّ فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا» ) * «3» . قال اللّيث: كانا رجلين من المنافقين. 48- * (عن جندب- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: ولم أسمع أحدا يقول: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم غيره، فدنوت منه فسمعته يقول: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: من سمّع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به» ) * «4» . 49- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من يصعد الثّنيّة، ثنيّة المرار، فإنّه يحطّ عنه ما حطّ عن بني إسرائيل» قال: فكان أوّل من صعدها خيلنا، خيل بني الخزرج، ثمّ تتامّ النّاس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وكلّكم مغفور له، إلّا صاحب الجمل الأحمر» فأتيناه فقلنا له: تعال. يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقال: والله لأن أجد ضالّتي أحبّ إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم. قال: وكان رجل ينشد ضالّة له) * «5» . 50- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: سيخرج في آخر الزّمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة» «6» . 51- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنه قال: يا رسول الله، أخبرني عن الجهاد والغزو، فقال: «يا عبد الله بن عمرو، إن قاتلت صابرا محتسبا بعثك الله صابرا محتسبا. وإن قاتلت مرائيا مكاثرا بعثك الله مرائيا مكاثرا، يا عبد الله بن عمرو على أيّ حال قاتلت أو قتلت بعثك الله على تيك الحال» ) * «7» .   (1) مسلم (2779) . (2) ابن ماجة (مقدمة: 254) ، وفي الزوائد رجال إسناده ثقات. والحاكم في المستدرك (1/ 86) مرفوعا وموقوفا بعدة روايات يدعم بعضها بعضا. (3) البخاري- الفتح 10 (6067) . (4) البخاري- الفتح 11 (6499) اللفظ له، ومسلم (2987) . (5) مسلم (2880) . (6) مسلم (1066) . (7) أبو داود (2519) واللفظ له. والحاكم (2/ 85، 86) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5627 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (النفاق) 1- * (روي فيما معناه عن عمر- رضي الله عنه-: «خشوع النّفاق أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع» ) * «1» . 2- * (وروي عنه أنّه قال على المنبر: إنّ أخوف ما أخاف عليكم. المنافق العليم، قالوا: كيف يكون المنافق عليما؟ قال: يتكلّم بالحكمة، ويعمل بالجور، أو قال: المنكر» ) * «2» . 3- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «شخص بصر النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ثمّ قال: في الرّفيق الأعلى (ثلاثا) وقصّ الحديث. قالت: فما كان من خطبتهما من خطبة إلّا نفع الله بها، لقد خوّف عمر النّاس وإنّ فيهم لنفاقا فردّهم الله بذلك) * «3» . 4- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: «ما بقي من أصحاب هذه الآية إلّا ثلاثة، ولا من المنافقين إلّا أربعة، فقال أعرابيّ: إنّكم أصحاب محمّد تخبروننا فلا ندري، فما بال هؤلاء الّذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟ قال: «أولئك الفسّاق، أجل، لم يبق منهم إلّا أربعة، أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده» ) * «4» . 5- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: إنّما كان النّفاق على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، فأمّا اليوم فإنّما هو الكفر بعد الإيمان) * «5» . 6- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: إنّ المنافقين اليوم شرّ منهم على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، كانوا يومئذ يسرّون، واليوم يجهرون) * «6» . 7- * (عن الأسود- رضي الله عنه- قال: كنّا في حلقة عبد الله فجاء حذيفة حتّى قام علينا فسلّم ثمّ قال: لقد أنزل النّفاق على قوم خير منكم، قال الأسود: سبحان الله! إنّ الله يقول: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (النساء/ 145) . فتبسّم عبد الله، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد الله، فتفرّق أصحابه، فرماني بالحصا فأتيته، فقال حذيفة: عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت، لقد أنزل النّفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثمّ تابوا، فتاب الله عليهم) * «7» . 8- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ، فإنّ الله شرع لنبيّكم صلى الله عليه وسلّم سنن الهدى، وإنّهنّ من سنن الهدى، ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم، ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم، وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من   (1) جامع العلوم والحكم (3770) . (2) المرجع السابق (3770) . (3) البخاري- الفتح 7 (3669) . (4) البخاري- الفتح 8 (4658) . (5) البخاري- الفتح 13 (7114) . (6) البخاري- الفتح 13 (7113) . (7) البخاري- الفتح 8 (4602) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5628 هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيّئة، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق، معلوم النّفاق، ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ) * «1» . 9- * (قال أناس لابن عمر- رضي الله عنهما-: إنّا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلّم إذا خرجنا من عندهم، قال: كنّا نعدّها نفاقا) * «2» . 10- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: إنّ النّاس قد أحسنوا القول، فمن وافق قوله فعله فذاك الّذي أصاب حظّه، ومن خالف قوله فعله فذلك إنّما يوبّخ نفسه) * «3» . 11- * (وقال- رضي الله عنه- إنّكم ترون الكافر من أصحّ النّاس جسما وأمرضهم قلبا، وتلقون المؤمن من أصحّ النّاس قلبا وأمرضهم جسما، وايم الله لو مرضت قلوبكم وصحّت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان) *» . 12- * (عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر- رضي الله عنه- فعزله، واستعمل عليهم عمّارا، فشكوا حتّى ذكروا أنّه لا يحسن يصلّي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إنّ هؤلاء يزعمون أنّك لا تحسن تصلّي، قال أبو إسحاق: أمّا أنا والله فإنّي كنت أصلّي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أخرم عنها، أصلّي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخفّ في الأخريين، قال: ذاك الظّنّ بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلا- أو رجالا- إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدا إلّا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتّى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، قال: أما إذ نشدتنا فإنّ سعدا كان لا يسير بالسّريّة، ولا يقسم بالسّويّة، ولا يعدل في القضيّة، قال سعد، أما والله لأدعونّ بثلاث: اللهمّ إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنّه ليتعرّض للجواري في الطّرق يغمزهنّ) * «5» . 13- * (سمع رجل أبا الدّرداء يتعوّذ من النّفاق في صلاته، فلمّا سلّم قال له: ما شأنك وشأن النّفاق؟ فقال: اللهمّ اغفر لي ثلاثا، لا تأمن البلاء، والله إنّ الرّجل ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه) * «6» . 14- * (عن عبد الرّحمن بن أبي حسين قال: بلغني أنّ لقمان كان يقول: يا بنيّ لا تعلّم العلم لتباهي به العلماء، أو تماري به السّفهاء وترائي به في المجالس) * «7» . 15- * (سئل الإمام أحمد: ما تقول فيمن لا   (1) مسلم 1 (654) . (2) البخاري- الفتح 13 (7178) . (3) الفوائد لابن القيم (201) . (4) المرجع السابق (202) . (5) البخاري- الفتح 2 (755) . (6) جامع العلوم والحكم (378) . (7) أحمد (1/ 190) ، وقال محقق المسند: إسناده صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5629 يخاف على نفسه النّفاق، قال: ومن يأمن على نفسه النّفاق؟) * «1» . 16- * (قال ابن رجب: الخيانة في الأمانة من خصال النّفاق) * «2» . من مضار (النفاق) (1) المنافق لا يقبل الله منه عملا صالحا. (2) المنافق مريض القلب يفرح إذا أصاب المسلمين ضرّ، ويحزن إذا انتصروا، ويتربّص بهم الدّوائر. (3) المنافقون بخلاء، ولكن ينفقون أموالهم رئاء النّاس. (4) المنافق ضالّ باعتقاده وعلمه وعمله. (5) المنافقون والمراءون يتعذّبون بأموالهم في الدّنيا والآخرة. (6) الشّدائد والمحن سرعان ما تظهر المنافق على حقيقته. (7) المنافقون يلتمسون أدنى الأعذار للقعود عن الجهاد. (8) المنافقون في كلّ مكان وزمان إخوة للكافرين والمشركين والملحدين يشدّون أزر بعضهم. (9) النّفاق والرّياء يوردان أصحابهما المهالك في الدّنيا وغضب الله وأليم عقابه في الآخرة. (10) وهو محبط للأعمال مهما كثرت. وانظر (الآيات، الأحاديث، الآثار) الواردة في الرياء   (1) جامع العلوم والحكم (378) . (2) جامع العلوم والحكم (377) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5630 نقض العهد النقض لغة: النّقض مصدر نقضته أنقضه نقضا وهو مأخوذ من مادّة (ن ق ض) الّتي تدلّ على نكث شيء، وربّما دلّ على معنى من المعاني وعلى جنس من الصّوت ... والنّقض في الشّعر من هذا كأنّه يريد أن ينقض ما أرّبه صاحبه «1» . ونقض العهد منه أيضا «2» . يقول الجوهريّ: النّقض: نقض البناء والحبل والعهد ... والانتقاض: الانتكاث، وتنقّضت الأرض عن الكمأة أي تفطّرت.. والنّقض: المنقوض مثل النّكث «3» . ونقض البناء: هدمه، وجعل الزّمخشريّ نقض العهد من المجاز.. ونقضه ينقضه نقضا وانتقض، وتناقض. وانتقض الأمر بعد التئامه، وانتقض أمر الثّغر بعد سدّه، ونقيضك: الّذي يخالفك، والأنثى بالهاء «4» . والنّقض اسم البناء المنقوض إذا هدم.. ونقضت الحبل نقضا: حللت برمه، ومنه يقال: نقضت ما أبرمه، إذا أبطلته، وانتقضت الطّهارة: بطلت، وانتقض الجرح بعد برئه والأمر بعد التئامه، فسد «5» . وقال ابن منظور: أصل الكلمة نقض ينقض من باب قتل يقتل، والنّقض والنّقض (بالكسر والضّمّ) مثل الحمل والقفل. واقتصر الأزهريّ على الضّمّ، واقتصر بعضهم على الكسر ومعناه: إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء، ويقال: نقض البناء والحبل والعهد يعني غيّره، كما يقال نقض البناء إذا هدم، وأمّا المناقضة في القول: فمعناها أن يتكلّم بما يتناقض معناه. والتّناقض: الانتكاث، ويقال: نقضت ما أبرمه: إذا حللته «6» . العهد لغة: وأمّا العهد فهو: اليمين والأمان والوصيّة والموثق والذّمّة، ومنه قيل للحربيّ يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد (بكسر الهاء وفتحها) ؛ وذلك لأنّ العهد لا يكون إلّا من اثنين فكلّ واحد يفعل بصاحبه مثل   (1) أرّبه: من قولهم: أرّب العقد: أحكمه، والتأريب: الإحكام فكأن ناقض الشعر ينقض إحكامه الذي صنعه الشاعر. (2) المقاييس (5/ 470، 471) . (3) الصحاح (3/ 1110) . (4) التاج (10/ 169، 171) . (5) المصباح المنير (238) . (6) الصحاح (3/ 1110) ، ولسان العرب (8/ 4524) . والمصباح المنير (2/ 621- 622) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5631 ما يفعله صاحبه به، فكلّ واحد من المتعاهدين فاعل ومفعول- والمعاهدة: المعاقدة والمحالفة، وتقول: عهدت إليه بكذا: أي أوصيته، ومنه اشتقّ العهد الّذي يكتب للولاة «1» . النقض اصطلاحا: قال الرّاغب: النّقض: انتثار العقد من البناء والحبل والعقد، وهو ضدّ الإبرام، ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد «2» . وقال القرطبيّ: النّقض: إفساد ما أبرمته من بناء أو حبل أو عهد «3» . العهد اصطلاحا: قال الجرجانيّ: العهد: حفظ الشّيء ومراعاته حالا بعد حال. هذا أصله ثمّ استخدم في الموثق الّذي يلزم مراعاته «4» . عهد الله اصطلاحا: قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ (البقرة/ 27) . اختلف النّاس في تعيين هذا العهد فقيل: هو الّذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره. وقيل: هو وصيّة الله تعالى إلى خلقه، وأمره إيّاهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إيّاهم عمّا نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسنة رسله، ونقضهم ذلك ترك العمل به. وقيل: بل نصب الأدلّة على وحدانيّته بالسّموات والأرض وسائر الصّنعة هو بمنزلة العهد ونقضهم ترك النّظر في ذلك. وقيل: هو ما عهده إلى من أوتي الكتاب أن يبيّنوا نبوّة محمّد صلى الله عليه وسلّم ولا يكتموا أمره. فالآية على هذا في أهل الكتاب. قال أبو إسحاق الزّجّاج: عهده- جلّ وعزّ- ما أخذه على النّبيّين ومن اتّبعهم ألّا يكفروا بالنّبيّ صلى الله عليه وسلّم. ودليل ذلك: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ (آل عمران/ 81) إلى قوله تعالى: وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي» أي عهدي «5» . وقال الرّاغب: عهد الله تارة يكون بما ركزه في عقولنا، وتارة يكون بما أمرنا به بالكتاب وبالسّنّة، وتارة بما نلتزمه وليس بلازم في أصل الشّرع كالنّذور وما يجري مجراها «6» . نقض العهد اصطلاحا: عدم الوفاء بما أعلن الإنسان الالتزام به أو قطعه على نفسه من عهد أو ميثاق، سواء فيما بينه وبين الله تعالى أو فيما بينه وبين النّاس «7» . الفرق بين العهد والعقد والميثاق: الميثاق: هو العهد المؤكّد باليمين «8» . والعهد أيضا: ما أخذه الله على بني آدم من   (1) الصحاح (2/ 516) . ولسان العرب (5/ 3148- 3150) . والمصباح المنير (1/ 435) . (2) المفردات (504) ، وقد اقتصر كل من الجرجاني والتهانوي على النقض عند الفلاسفة ولا يتعلق ذلك بما نحن فيه، انظر التعريفات (265) . وكشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1410) . (3) تفسير القرطبي (1/ 171) . (4) التعريفات (165) ، المفردات للراغب (351) . (5) تفسير القرطبي (1/ 171) . (6) المفردات (350) . (7) استنبطنا هذا التعريف مما ذكره اللغويون والمفسرون. (8) تفسير القرطبي (1/ 171) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5632 الإقرار بربوبيّته ووحدانيّته، ويشمل أيضا ما أخذه على هذه الأمّة أن يوفّوا به ممّا أحلّ وحرّم وفوّض، ويتضمّن العهد أيضا ما يكون من اتّفاق بين المسلمين والمشركين. أمّا العقد: فهو ما عقده الإنسان على نفسه للآخرين من بيع وشراء ونحوهما، أو ما عقده لله تعالى من الطّاعات كالحجّ والصّوم وغيرهما من العبادات، وقيل: العهد إلزام (مطلق) ، والعقد إلزام على سبيل الإحكام والاستيثاق. وقيل: العقود ما أحلّ الله وحرّم وفرض وحدّ في جميع الأشياء «1» . الفرق بين النّقض والخيانة: أنّ الخيانة تقتضي نقض العهد سرّا «2» ، أمّا النّقض فإنّه يكون سرّا وجهرا، ومن ثمّ يكون النّقض أعمّ من الخيانة ويرادفه الغدر، وضدّ الخيانة الأمانة، وضدّ النّقض: الإبرام. حكم نقض العهد: قال الذّهبيّ: الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد، واحتجّ لذلك بقوله تعالى وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (الإسراء/ 34) وبقوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ... (المائدة/ 1) وبعديد من الأحاديث منها «3» : الحديث الخامس (انظر الأحاديث الواردة في نقض العهد) . أمّا الإمام ابن حجر فقد ذكر عدم الوفاء بالعهد على أنّه الكبيرة الثّالثة والخمسون، وقال: عدّ هذا من الكبائر هو ما وقع في كلام غير واحد «4» . [للاستزادة: انظر صفات: الغدر- إفشاء السر الخيانة- التخاذل- التفريط والإفراط- التهاون- اتباع الهوى- الحرب والمحاربة. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الوفاء- كتمان السر- المسئولية- الأمانة- الرجولة- الشهامة- السلم] .   (1) انظر تفسير القرطبي (6/ 23، 24) ، والكبائر للذهبي 168، والزواجر لابن حجر (14) . (2) انظر المفردات (163) ، وقارن بصفة الخيانة. (3) الكبائر للذهبي (168، 169) . (4) الزواجر لابن حجر (140) ، وفيه تفصيل كثير عن هذه الكبيرة والفرق بينها وبين عدم الوفاء بالوعد، فانظره هناك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5633 الآيات الواردة في «نقض العهد» 1- * إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27) «1» 2- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159) «2» 3- * وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ   (1) البقرة: 26- 27 مدنية (2) النساء: 153- 159 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5634 مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14) «1» 4- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) «2» 5- أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) «3»   (1) المائدة: 12- 14 مدنية (2) الأنفال: 55- 59 مدنية (3) الرعد: 19- 25 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5635 الأحاديث الواردة في ذمّ (نقض العهد) 1- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلّة منهنّ كانت فيه خلّة من نفاق حتّى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر» ) * «1» . 2- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلّا قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» ) * «2» . 3- * (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما نقض قوم العهد إلّا كان القتل بينهم، ولا ظهرت فاحشة في قوم قطّ إلّا سلّط الله عليهم الموت، ولا منع قوم الزّكاة إلّا حبس الله عنهم القطر» ) * «3» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة، ومن قاتل تحت راية عمّيّة يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهليّة، ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها» ، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي، ولست منه) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من علامات المنافق ثلاثة: إذا حدّث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتمن خان» ) * «6» . 6- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتّى يعلنوا بها إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المؤونة وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله، إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «7» .   (1) البخاري- الفتح 1 (34) . ومسلم (58) واللفظ له. (2) أحمد (3/ 135) . ومكارم الأخلاق للخرائطي (48) برقم (75) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 11) واللفظ له. وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه. (3) كشف الأستار بزوائد البزار (4/ 104) رقم (3299) وقال: رواه ابن ماجه من حديث ابن عمر (2/ 4019) . وقال الهيثمي في المجمع (7/ 269) واللفظ له: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في الصحيحة (1/ 169) حديث (107) : صحيح. (4) ولا يتحاش: وفي بعض النسخ يتحاشى. والمعنى لا يكترث بما يفعله ولا يخاف عقوبته. وإثبات الياء هو الأصوب. (5) مسلم (1848) . (6) البخاري- الفتح 1 (33) . ومسلم (59) واللفظ له. (7) ابن ماجة (4019) واللفظ له. وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. والحاكم (4/ 540) وقال: صحيح- الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5636 الأحاديث الواردة في ذمّ (نقض العهد) معنى 7- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رعلا وذكوان وعصيّة وبني لحيان استمدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على عدوّ فأمدّهم بسبعين من الأنصار كنّا نسمّيهم القرّاء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنّهار، ويصلّون باللّيل حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقنت شهرا يدعو في الصّبح على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان. قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا، ثمّ إنّ ذلك رفع: «بلّغوا عنّا قومنا أنّا لقينا ربّنا فرضي عنّا وأرضانا» . وعن قتادة عن أنس بن مالك حدّثه: «أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلّم قنت شهرا في صلاة الصّبح يدعو على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان» ) * «1» . 8- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه جمع بنيه وأهله- لمّا خلع النّاس يزيد بن معاوية- ثمّ تشهّد ثمّ قال: أمّا بعد فإنّا قد بايعنا هذا الرّجل على بيع الله ورسوله، وإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان. وإنّ من أعظم الغدر- أن لا يكون له الإشراك بالله تعالى- أن يبايع رجل رجلا على بيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم ثمّ ينكث بيعته فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد ولا يسرفنّ أحد منكم في هذا الأمر فيكون صلى الله عليه وسلّم بيني وبينه» ) * «2» . 9- * (قال يزيد بن شريك التّيميّ أبو إبراهيم التّيميّ: خطبنا عليّ- رضي الله عنه- على منبر من آجرّ وعليه سيف فيه صحيفة معلّقة فقال: «والله ما عندنا من كتاب يقرأ إلّا كتاب الله وما في هذه الصّحيفة فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وإذا فيه: ذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. وإذا فيه: من ولي قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والنّاس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) * «3» . 10- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمّة الله وذمّة رسوله فقد أخفر بذمّة الله فلا يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا» ) * «4» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-   - ووافقه الذهبي. والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 568- 570) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (6/ 306) رقم (7855) . والصحيحة (1/ 167- 168) رقم (106) وعزاه أيضا إلى الحلية ومسند الروياني. (1) البخاري- الفتح 7 (4090) واللفظ له. ومسلم (677) . (2) أحمد (2/ 48) رقم (5088) واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (7/ 112) . والمرفوع منه في الصحيحين. كما في البخاري (10/ 464) . ومسلم (1735) . (3) البخاري- الفتح 13 (7300) واللفظ له.. ومسلم (1370) . (4) الترمذي (1403) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (2687) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5637 قال: «بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلّم سريّة عينا وأمّر عليهم عاصم ابن ثابت- وهو جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب- فانطلقوا، حتّى إذا كان بين عسفان ومكّة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصّوا آثارهم حتّى أتوا منزلا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزوّدوه من المدينة فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتّى لحقوهم، فلمّا انتهى عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا. فقال عاصم: أمّا أنا لا أنزل في ذمّة كافر. اللهمّ، أخبر عنّا نبيّك. فقاتلوهم حتّى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنّبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق فلمّا أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم فلمّا استمكنوا منهم حلّوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها، فقال الرّجل الثّالث معهما: هذا أوّل الغدر، فأبى أن يصحبهم فجرّروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتّى باعوهما بمكّة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل- وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر- فمكث عندهم أسيرا حتّى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها فأعارته. قالت: فغفلت عن صبيّ لي، فدرج إليه حتّى أتاه فوضعه على فخذه، فلمّا رأيته فزعت فزعة عرف ذاك منّي- وفي يده الموسى- فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله. وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب- وما بمكّة يومئذ ثمرة- وإنّه لموثق في الحديد، وما كان إلّا رزق رزقه الله «1» فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال: دعوني أصلّي ركعتين، ثمّ انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أنّ ما بي جزع من الموت لزدت فكان أوّل من سنّ الرّكعتين عند القتل هو. ثمّ قال: اللهمّ أحصهم عددا. ثمّ قال: ما إن أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ شق كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع ثمّ قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه- وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر- فبعث الله عليه مثل الظّلّة من الدّبر «2» فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء» ) * «3» . 12- * (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي،- وأنا غلام- فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه» . قال الزّهريّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لم يصب   (1) هكذا هو في الأصل. والسياق يقضي بنصب لفظ (رزق) على أنه خبر كان، ولم يتعرض ابن حجر لذلك في شرحه الفتح (7/ 443) ولعله على تقدير مبتدأ والأصل: وما كان القطف إلا وجوده رزق.. الخ والجملة في محل نصب خبر كان. (2) الظلة من الدبر: أي السحاب من النحل أو الزنابير. (3) البخاري- الفتح 7 (4086) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5638 الإسلام حلفا إلّا زاده شدّة، ولا حلف في الإسلام» وقد ألّف رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين قريش والأنصار) * «1» . 13- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الصّلاة المكتوبة إلى الصّلاة الّتي بعدها كفّارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة، والشّهر إلى الشّهر- يعني رمضان إلى رمضان كفّارة لما بينهما» ثمّ قال بعد ذلك: «إلّا من ثلاث» قال: فعرفت أنّ ذلك الأمر حدث: «إلّا من الإشراك بالله، ونكث الصّفقة، وترك السّنّة» قال: «أمّا نكث الصّفقة أن تبايع رجلا ثمّ تخالف إليه، تقاتله بسيفك، وأمّا ترك السّنّة: فالخروج من الجماعة» ) * «2» . 14- * (عن رفاعة بن شدّاد أنّه قال: كنت أقوم على رأس المختار فلمّا تبيّنت كذابته هممت وايم الله أن أسلّ سيفي فأضرب عنقه حتّى ذكرت حديثا حدّثنيه عمرو بن الحمق أنّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «من أمّن رجلا على نفسه فقتله أعطي لواء الغدر يوم القيامة» ) * «3» . 15- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من أعطى بيعة ثمّ نكثها لقي الله وليس معه يمينه» ) * «4» . 16- * (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من شرط لأخيه شرطا لا يريد أن يفي له به فهو كالمدلّي جاره إلى غير منعة» ) * «5» . 17- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من صلّى صلاة الصّبح فله ذمّة الله فلا تخفروا الله ذمّته فإنّه من أخفر ذمّته طلبه الله حتّى يكبّه على وجهه» ) * «6» . 18- * (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- أنّه قال: كان معاوية يسير في أرض الرّوم- وكان بينه وبينهم أمد- فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم فإذا شيخ على دابّة يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلّ عقدة ولا يشدّها حتّى يمضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» فبلغ ذلك معاوية، فرجع) * «7» .   (1) أحمد (1/ 190) وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 121- 122) : إسناده صحيح. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 172) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجال حديث عبد الرحمن رجال الصحيح وكذلك مرسل الزهري. (2) أحمد (2/ 229) برقم (7129) وقال الشيخ أحمد شاكر (12/ 98- 101) : صحيح. والحاكم (1/ 119- 120) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. وذكره في المجمع وقال: بعضه في الصحيحين. (3) ابن ماجة (2688) وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأحمد (5/ 223) واللفظ له. (4) ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (13/ 218) وقال: أخرجه الطبراني بسند جيد. (5) أحمد (5/ 404) وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 167، 205) : رواه أحمد وفيه الحجاج بن أرطاة وبقية رجاله رجال الصحيح، فهو حديث حسن. (6) أحمد (2/ 111) رقم (5898) . وقال الشيخ أحمد شاكر (8/ 154) : إسناده صحيح. قال ابن الأثير: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه. (7) أبو داود (2759) . والترمذي (1580) وقال: حسن صحيح. وأحمد (4/ 113) . وذكره ابن كثير في التفسير (2/ 320) واللفظ له وعزاه أيضا لأبي داود والطيالسي والنسائي وابن حبان في صحيحه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5639 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (نقض العهد) 1- * (قال ابن هشام: كان من حديث بني قينقاع أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم جمعهم بسوق بني قينقاع، ثمّ قال: «يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النّقمة، وأسلموا، فإنّكم قد عرفتم أنّى نبيّ مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم» قالوا: يا محمّد، إنّك ترى أنّا قومك؟! لا يغرّنّك أنّك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة. إنّا والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنّا نحن النّاس. قال ابن إسحاق: فحدّثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد ابن جبير- أو عن عكرمة- عن ابن عبّاس قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلّا فيهم: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ* قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا. أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقريش فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (آل عمران/ 13) . قال ابن إسحاق: وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنّ بني قينقاع كانوا أوّل يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد. قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع أنّ امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلمّا قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصّائغ فقتله وكان يهوديّا وشدّ اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشّرّ بينهم وبين بني قينقاع) * «1» . 2- * (قال ابن هشام: إنّه كان من حديث الخندق أنّ نفرا من اليهود، منهم: سلام بن أبي الحقيق النّضريّ، وحييّ بن أخطب النضريّ، وكنانة ابن أبي الحقيق النّضريّ، وهوذة بن قيس الوائليّ، وأبو عمّار الوائليّ، في نفر من بني النّضير، ونفر من بني وائل- وهم الّذين حزّبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلّم- خرجوا حتّى قدموا على قريش مكّة، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقالوا: إنّا سنكون معكم عليه حتّى نستأصله فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنّكم أهل الكتاب الأوّل والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمّد. أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحقّ منه فهم الّذين أنزل الله تعالى فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً.. إلى قوله   (1) السيرة لابن هشام (4/ 9- 10) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5640 تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. أي النّبوّة فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً* فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (النساء/ 51- 55) . قال: فلمّا قالوا ذلك لقريش سرّهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فاجتمعوا لذلك واستعدّوا له. ثمّ خرج أولئك النّفر من يهود حتّى جاءوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأخبروهم أنّهم سيكونون معهم عليه، وأنّ قريشا قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا معهم فيه. قال ابن إسحاق: فخرجت قريش، وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان، وقائدها عيينة بن حصن وحذيفة ابن بدر في بني فزارة والحارث بن عوف المرّيّ في بني مرّة، ومسعر بن رخيلة فيمن تابعه من قومه من أشجع. قال: وخرج عدوّ الله حييّ بن أخطب النّضريّ، حتّى أتى كعب بن أسد القرظيّ صاحب عقد بني قريظة وعهدهم- وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلّم على قومه، وعاقده على ذلك وعاهده- فلمّا سمع كعب، بحييّ بن أخطب أغلق دونه باب حصنه. فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حييّ: ويحك يا كعب افتح لي: قال: ويحك يا حييّ، إنّك امرؤ مشؤوم، وإنّي قد عاهدت محمّدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلّا وفاء وصدقا. قال: ويحك افتح لي أكلّمك. قال: ما أنا بفاعل، قال: والله إن أغلقت دوني إلّا عن جشيشتك «1» . أن آكل معك منها، فأحفظ «2» الرّجل ففتح له، فقال: ويحك يا كعب، جئتك بعزّ الدّهر وببحر طام. جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتّى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتّى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد «3» . قد عاهدوني على أن لا يبرحوا حتّى نستأصل محمّدا ومن معه. قال: فقال له كعب: جئتني والله بذلّ الدّهر، وبجهام «4» قد هراق ماءه، فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء. ويحك يا حييّ، فدعني وما أنا عليه، فإنّي لم أر من محمّد إلّا صدقا ووفاء. فلم يزل حييّ بكعب يفتله في الذّروة والغارب «5» حتّى سمح له، على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان، ولم يصيبوا محمّدا- أن أدخل معك في حصنك حتّى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب بن أسد عهده، وبريء ممّا كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فلمّا انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الخبر وإلى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسعد بن معاذ بن النّعمان- وهو يومئذ سيّد الأوس- وسعد بن عبادة   (1) الجشيشة: طعام يصنع من البر المطحون خشنا وهو الذي يسميه الناس (دشيش) بالدال والصواب «جشيش» بالجيم. (2) أحفظ: أغضب. (3) رومة، ونقمى: موضعان على مقربة من المدينة. (4) الجهام: السحاب لا ماء فيه. (5) هذا مثل وأصله في البعير، يستصعب على سائقه فيأخذ القراد من ذروته وغارب سنامه، ويفتل هناك، فيجد البعير لذة فيأنس عند ذلك، فضرب هذا الكلام مثلا في المراوغة والمخاتلة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5641 ابن دليم، أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج- وهو يومئذ سيّد الخزرج- ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بني الحارث بن الخزرج، وخوّات بن جبير- أخو بني عمرو بن عوف- فقال: انطلقوا حتّى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقّا فالحنوا لي لحنا أعرفه «1» ، ولا تفتّوا في أعضاد النّاس «2» ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للنّاس» . قال: فخرجوا حتّي أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم فيما نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمّد ولا عقد. فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه- وكان رجلا فيه حدّة- فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثمّ أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فسلّموا عليه، ثمّ قالوا: عضل والقارة، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرّجيع «3» ، خبيب وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين» ) * «4» . 3- * (قال ابن هشام: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى بني النّضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللّذين قتل عمرو بن أميّة الضّمريّ للجوار الّذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم عقد لهما، كما حدّثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النّضير وبين بني عامر عقد وحلف. فلمّا أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا: نعم يا أبا القاسم. نعينك على ما أحببت ممّا استعنت بنا عليه، ثمّ خلا بعضهم ببعض فقالوا إنّكم لن تجدوا الرّجل على مثل حاله هذه ورسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد- فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، أحدهم فقال: أنا لذلك. فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله صلى الله عليه وسلّم في نفر من أصحابه- فيهم أبو بكر وعمر وعليّ- فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الخبر من السّماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة. فلمّا استلبث النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أصحابه «5» ، قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلا المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتّى انتهوا إليه صلى الله عليه وسلّم، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالتّهيّؤ لحربهم، والسّير إليهم) * «6» . 4- * (قال قطبة بن أوس الغطفانيّ الجاهلّي: أسميّ ويحك هل سمعت بغدرة ... رفع اللّواء لنا، بها في مجمع) * «7» . 5- * (قال أبو العالية: ستّ خصال في المنافقين إذا كانت فيهم الظّهرة على النّاس أظهروا هذه   (1) أي أبلغوني بإشارة أفهم منها أنهم نقضوا العهد وبحيث لا يشعرون بتلك الإشارة. (2) أي: لا تضعفوا عزائمهم. (3) هم جماعتان من العرب ينتهي نسبهم إلي خزيمة بن مدركة طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلّم أن يبعث معهم من يعلمهم الإسلام فأرسل معهم ستة من أصحابه بينهم خبيب بن عدي فغدروا بهم عند ماء لهذيل يسمع (الرجيع) . (4) السيرة لابن هشام (4/ 166- 173) بتصرف. (5) استلبثوه: شعروا بطول الوقت الذي استغرق في وجهته. (6) السيرة لابن هشام (4/ 143- 144) . (7) المفضليات، المفضل بن محمد بن يعلى الضبي (45) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5642 الخصال: إذا حدّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا كانت الظّهرة عليهم أظهروا الخصال الثّلاث: إذا حدّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا) * «1» . 6- * (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى- إنّ نقض العهد من صفات الفاسقين) * «2» . 7- * (قال محمّد بن كعب القرظيّ- رحمه الله تعالى- ثلاث خصال من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، والنّكث، والمكر، وقرأ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) ، يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (يونس/ 23) ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ. (الفتح/ 10)) * «3» . 8- * (وصف أعرابيّ قوما فقال: أولئك قوم أدّبتهم الحكمة، وأحكمتهم التّجارب، ولم تغررهم السّلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التّسويف الّذي قطع النّاس به مسافة آجالهم، فقالت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال. كان يقال: آفة المروءة خلف الوعد) * «4» . 9- * (ذكر ابن عطيّة- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (الفتح/ 10) : أنّ من نكث يعني من نقض هذا العهد فإنّما يجني على نفسه، وإيّاها يهلك، فنكثه عليه لا له) * «5» . 10- * (قال ابن عطيّة- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ... (النحل/ 92) الآية. شبّهت هذه الآية الّذي يحلف أو يعاهد أو يبرم عقدا بالمرأة الّتي تغزل غزلها وتفتله محكما، وشبّه الّذي ينقض عهده بعد الإحكام بتلك الغازلة إذا نقضت قوى ذلك الغزل فحلّته بعد إبرامه) * «6» . 11- * (قال ابن عطيّة- رحمه الله تعالي-: «كلّ عهد جائز بين المسلمين نقضه لا يحلّ» ) * «7» . 12- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- عند قوله تعالى إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ* فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ (الأنفال/ 55- 58) : أخبر الله تعالى أنّ شرّ ما دبّ على وجه الأرض هم الّذين كفروا فهم لا يؤمنون. الّذين كلّما عاهدوا   (1) تفسير ابن كثير (1/ 67) . (2) زاد المسير (1/ 56) . (3) ذم البغي لابن أبي الدنيا (88) . (4) المنتقى من مكارم الأخلاق (54- 55) . (5) المحرر الوجيز (15/ 96) . (6) المرجع السابق (10/ 226) . (7) المرجع السابق (1/ 156) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5643 عهدا نقضوه، وكلّما أكّدوه بالأيمان نكثوه، وهم لا يخافون الله في شيء ارتكبوه من الآثام، ثمّ يقول تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلّم: وإمّا تخافنّ من قوم قد عاهدتهم نقضا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهد فأعلمهم بأنّك قد نقضت عهدهم حتّى يلتقي علمك وعلمهم بأنّك حرب لهم وهم حرب لك، وأنّه لا عهد بينك وبينهم على السّواء أي تستوي أنت وهم في ذلك. وقد ذكر الإمام عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- أنّه قال: كان معاوية يسير في أرض الرّوم وكان بينه وبينهم أمد فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم فقال له عمرو بن عبسة: الله أكبر، الله أكبر وفاء لا غدر. إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلّنّ عقدة ولا يشدّها حتّى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» . فبلغ ذلك معاوية فرجع) * «1» . 13- * (وقال رحمه الله تعالى: إنّ من صفات المنافقين أنّ أحدهم إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدّث كذب، وإذا ائتمن خان. ولذلك كان حال هؤلاء الأشقياء ومصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون كما أنّهم اتّصفوا بخلاف صفاتهم في الدّنيا فأولئك كانوا يوفون بعهد الله ويصلون ما أمر الله به أن يوصل. وهؤلاء ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) * «2» . 14- * (قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى-: الغدر حرمته غليظة لا سيّما من صاحب الولاية العامّة لأنّ غدره يتعدّى ضرره إلى خلق كثير، ولأنّه غير مضطرّ إلى الغدر لقدرته على الوفاء) * «3» . 15- * (وقال- رحمه الله تعالى-: كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أن غزاهم المسلمون حتّى فتحوا مكّة واضطرّوا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزّة والقوّة في غاية الوهن إلى أن دخلوا في الإسلام، وأكثرهم لذلك كاره) * «4» . 16- * (قال الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-: إنّ من نقض العهد الّذي أبرمه يضرّ نفسه، كما أنّه يجرّ على نفسه اللّعن لقوله تعالى فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ... (المائدة/ 13)) * «5» . من مضار (نقض العهد) (1) بغض الله له، والوعيد للمنافقين بالنّار. (2) تسلّط الخلق عليه ونزع الثّقة منه. (3) من أمارات النّفاق وصفات المنافقين. (4) يضرّ نفسه قبل أن يضرّ غيره. (5) تفكّك المجتمع وشيوع البغضاء والفساد فيه. (6) تسلّط الأعداء على المجتمع، وسومهم إيّاه سوء العذاب.   (1) تفسير ابن كثير (2/ 320) . (2) المرجع السابق (2/ 511- 512) بتصرف. (3) فتح الباري (6/ 319) بتصرف يسير. (4) المرجع السابق (7/ 592) . (5) أضوء البيان (3/ 320) بتصرف يسير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5644 النقمة النّقمة لغة: هي الاسم من قولهم: انتقم من فلان، وهي أيضا مصدر قولهم: نقم منه، ويراد بها حينئذ النّقم، والنّقوم وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ن ق م) ، الّتي تدلّ على إنكار شيء وعيبه. ومن ذلك قولهم: نقمت عليه أنقم: أنكرت عليه فعله، أو عاتبته عليه، ومن ذلك النّقمة من العذاب، كأنّه أنكر عليه فعاقبه «1» ، وقال الرّاغب: يقال نقمت الشّيء ونقمته إذا نكرته إمّا باللّسان وإمّا بالعقوبة «2» ، ونقمت الأمر أيضا ونقمته إذا كرهته، وجمع النّقمة نقمات ونقم مثل كلمة وكلمات وكلم «3» ، وقال في القاموس: النّقمة بالكسر وبالفتح (نقمة) ، وكفرحة (نقمة) : المكافأة بالعقوبة، والجمع نقم مثل كلم، ونقم مثل عنب، ونقمات مثل كلمات «4» ، وقال ابن منظور: النّقمة: العقوبة، والنّقمة: الإنكار «5» ، وقول الله تعالى: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا (المائدة/ 59) ، أي تنكرون، وقيل: تسخطون وقيل: تكرهون «6» ، وفي الحديث: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله» قال ابن الأثير: المعنى: ما ينقم شيئا من منع الزّكاة إلّا أن يكفر النّعمة، فكأنّ غناه أدّاه إلى كفر نعمة الله «7» ، أمّا قول الله عزّ وجلّ: وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ (البروج/ 8) ، فالمعنى، المبالغة في الكراهية، قيل في تفسيرها: ما نقم الملك وأصحابه من الّذين حرّقهم إلّا التّصديق بالله تعالى «8» أي بالغوا في الكراهية ومن ثمّ في إنزال العقوبة بهم بسبب إيمانهم، وفي معنى الكراهية الشّديدة يقول ابن قيس الرّقيّات: ما نقموا من بني أميّة إلّا ... أنّهم يحلمون إن غضبوا يروى بالفتح والكسر (نقموا، نقموا) ، قال ابن برّيّ: يقال نقمت نقما ونقوما ونقمة ونقمة، ونقمت: إذا بالغت في كراهة الشّيء «9» . النّقمة اصطلاحا: قال المناويّ: النّقمة: عقوبة المجرم بمبالغة «10» .   (1) مقاييس اللغة 5/ 464. (2) المفردات للراغب ص 504، وبصائر ذوي التمييز 5/ 116. (3) الصحاح 5/ 2045. (4) القاموس المحيط (نقم) ص 1502 (ط. بيروت) . (5) لسان العرب (نقم) ص 4530 (ط. دار المعارف) . (6) تفسير القرطبي 6/ 151. (7) النهاية لابن الأثير 5/ 111. (8) تفسير القرطبي 19/ 194. (9) لسان العرب (نقم) ص 4531 (ط. دار المعارف) . (10) التوقيف على مهمات التعاريف ص 330. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5645 وهذا التّعريف إنّما هو للنّقمة الّتي هي الاسم من الانتقام، أمّا النّقمة الّتي هي مصدر نقم عليه، وهي المقصود بهذه الصّفة، فيمكن تعريفها بأنّها: كراهية الشّيء كراهية شديدة تصلى إلى حدّ السّخط «1» ، وقد تستعمل النّقمة ويراد بها ما ينجم عنها وهو الانتقام. الفرق بين النقمة والانتقام: يتجلّى الفرق بين النّقمة والانتقام في أنّ النّقمة من أعمال القلوب والانتقام من أعمال الجوارح، كما أنّ النّقمة تسبق الانتقام وهو كالنّتيجة لها، وأيضا فإنّ النّقمة قد لا يعقبها عقوبة ولا انتقام، أمّا الانتقام فلا بدّ أن تسبقه النّقمة. الفرق بين النقمة والسخط والكراهية: رغما عن التّقارب بين هذه الصّفات المنهيّ عنها إلّا أنّ بينها- عند التّأمّل- فروقا دقيقة منها: أنّ النّقمة- كالغضب- تكون بين الأكفاء والنّظراء وبين الكبراء والعظماء أمّا السّخط فلا يكون إلّا من العظماء والكبراء دون الأكفاء والنظراء «2» ، وفيما يتعلّق بالدّرجة فإنّ الكراهية قد تكون شديدة وقد تكون يسيرة، أمّا النّقمة فلا تكون إلّا شديدة، إذ هي المبالغة في الكراهية. [للاستزادة: انظر صفات: الانتقام- السخط- الغل- الحقد- الغضب- العدوان. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرضا- السماحة- الصفح- العفو- التقوى] .   (1) لم تذكر كتب الاصطلاحات التي وقفنا عليها تعريفا للنقمة بهذا المعنى وقد استنبطناه مما ذكره المفسرون وعلماء اللغة. (2) الكليات للكفوي ص 515. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5646 الآيات الواردة في «النقمة» 1- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60) «1» 2- قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126) «2» 3- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «3» 4- وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) «4» الآيات الواردة في «النقمة» معنى انظر الآيات الواردة في السخط   (1) المائدة: 59- 60 مدنية (2) الأعراف: 121- 126 مكية (3) التوبة: 74 مدنية (4) البروج: 1- 9 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5647 الأحاديث الواردة في ذمّ (النقمة) 1- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك «1» ، وجميع سخطك» ) * «2» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شمّاس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلّا أنّي أخاف الكفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أتردّين عليه حديقته؟» فقالت: نعم. فردّت عليه، وأمره ففارقها) * «3» . 3- * (عن بشير بن الخصاصية، بشير رسول الله صلى الله عليه وسلّم «4» قال: كنت أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلّم آخذا بيده فقال لي: «يابن الخصاصية ما أصبحت تنقم على الله تعالى؟ أصبحت تماشي رسوله صلى الله عليه وسلّم» قال «5» : أحسبه قال: «آخذا بيده» ، قال: قلت: ما أصبحت أنقم على الله شيئا، قد أعطاني الله- تبارك وتعالى- كلّ خير، قال: فأتينا على قبور المشركين فقال: «لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا «6» » ، ثلاث مرّات، ثمّ أتينا قبور المسلمين، فقال: «لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا.. الحديث» ) * «7» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمر على الصّدقة، فقيل منع ابن جميل «8» ، وخالد بن الوليد، والعبّاس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل «9» إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله، وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتاده «10» في سبيل الله، وأمّا العبّاس فهي عليّ ومثلها معها «11» » ثمّ قال: «يا عمر، أما شعرت أنّ عمّ الرّجل صنو «12» أبيه» ) * «13» . 5- * (عن أبي طلحة- رضي الله عنه- أنّ نّبيّ الله صلى الله عليه وسلّم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد «14» قريش فقذفوا في طويّ «15» من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم «16» أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلمّا كان ببدر اليوم الثّالث، أمر براحلته   (1) الفجاءة: هي البغتة. (2) مسلم 4 (2739) ، وأبو داود 1 (1545) . (3) البخاري- الفتح 9 (5226) . (4) أي بشير الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلّم بهذا الاسم، وكان اسمه في الجاهلية زحم فسماه الرسول صلى الله عليه وسلّم بشيرا. (5) القائل هنا هو بشير بن نهيك الذي روى الحديث عن بشير رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي ابن الخصاصية. (6) سبق هؤلاء أي فاتهم ولم يدركوه. (7) ابن ماجه 1 (1568) ، وقال عبد الله بن عثمان: حديث جيد، وأحمد في المسند (5/ 83- 84) واللفظ له. (8) منع ابن جميل، أي منع الزكاة وامتنع من دفعها. (9) ما ينقم ابن جميل.. أي ما يغضب ابن جميل على طالب الزكاة إلّا كفران هذه النعمة وهي أنه كان فقيرا فأغناه الله. (10) الأعتاد: آلات الحرب من السلاح والدّواب وغيرها، وقيل الخيل خاصة، والمراد أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنا منهم أنها للتجارة، فقال لهم الرسول إنكم تظلمونه بطلبها لأنه وقفها في سبيل الله، قبل الحول عليها ولا زكاة فيها. (11) المعنى، أنى تسلفت منه زكاة عامين وليس عليه شيء. (12) صنو أبيه أي مثله ونظيره. (13) البخاري- الفتح 3 (1468) ، ومسلم (983) واللفظ له. (14) الصنديد هو السيد الشجاع، جمعه صناديد. (15) الطوي: البئر التي بنيت وطويت بالحجارة لتثبت ولا تنهار. (16) ظهر على قوم أي انتصر عليهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5648 فشدّ عليها رحلها، ثمّ مشى واتّبعه أصحابه وقالوا: ما تراه ينطلق إلّا لبعض حاجته، حتّى قام على شفة الرّكيّ «1» ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان أيسرّكم أنّكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلّم من أجساد لا روح لها «2» ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «والّذي نفس محمّد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» قال قتادة: أحياهم الله حتّى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقيمة «3» وحسرة وندما) * «4» . 6- * (عن جرير- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيّروا عليه فلا يغيّروا إلّا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا» ) * «5» . 7- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ ابني هذا يقرأ المصحف بالنّهار، ويبيت باللّيل «6» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما تنقم أنّ ابنك يظلّ ذاكرا ويبيت سالما» ) * «7» . 8- * (عن عبيد الله بن عياض بن عمرو قال: جاء عبد الله بن شدّاد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس، مرجعه من العراق «8» ليالي قتل عليّ- كرّم الله وجهه ورضي عنه-، فقالت له: يا عبد الله بن شدّاد، هل أنت صادقي عمّا أسألك عنه؟ تحدّثني عن هؤلاء القوم الّذين قتلهم عليّ «9» ؟ قال: وما لي لا أصدقك! قالت: فحدّثني عن قصّتهم، قال: فإنّ عليّا لمّا كاتب معاوية، وحكم الحكمان، خرج عليه ثمانية آلاف من قرّاء النّاس، فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة، وإنّهم عتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص ألبسكه الله تعالى واسم سمّاك الله تعالى به «10» ، ثمّ انطلقت فحكّمت في دين الله، فلا حكم إلّا لله تعالى، فلمّا أن بلغ عليّا ما عتبوا عليه، وفارقوه عليه، أمر مؤذّنا فأذّن ألّا يدخل على أمير المؤمنين إلّا رجل   (1) الرّكيّ: هو البئر قبل أن تطوى، ويبدو أن جانبا من هذه البئر كان مطويا والآخر قد انهار فصار كالرّكيّ. (2) المعنى، كيف تكلم أجسادا لا روح لها وهو سؤال يفيد الدهشة. (3) هكذا في المتن، وقد ذكر ابن حجر في الشرح ج 9 ص 353 لفظ نقمة بدلا من نقيمة. (4) البخاري- الفتح 7 (3976) . (5) أبو داود رقم (4339) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3646) : حسن، وهو عند ابن ماجه رقم (4009) . (6) المعنى: أي شيء يسخطك ويغضبك من ابنك الذي يظل ذاكرا بالنهار، ويبيت سالما. (7) أحمد/ المسند 10 (6614) ، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، قال: وإسناده صحيح، ونقله ابن كثير في فضائل القرآن عن هذا الموضع من المسند، انظر فضائل القرآن لابن كثير ص 157، 158. (8) مرجعه من العراق أي وقت رجوعه منها. (9) تريد عائشة- رضي الله عنها- السؤال عن الخوارج. (10) المراد أنه بقبول التحكيم رضي أن يخلع نفسه من الخلافة وإمارة المؤمنين، فكنى عن الخلافة بالقميص وبالاسم عن إمارة المؤمنين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5649 قد حمل القرآن، فلمّا أن امتلأت الدّار من قرّاء النّاس، دعا بمصحف إمام عظيم «1» ، فوضعه بين يديه، فجعل يصكّه بيده «2» ويقول: أيّها المصحف! حدّث النّاس! فناداه النّاس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه؟ إنّما هو مداد في ورق، ونحن نتكلّم بما روينا منه! فماذا تريد؟ قال: أصحابكم هؤلاء الّذين خرجوا، بيني وبينكم كتاب الله، يقول الله تعالى في كتابه في امرأة ورجل وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما (النساء/ 35) فأمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل، ونقموا عليّ أن كاتبت معاوية: كتب عليّ بن أبي طالب «3» ، وقد جاءنا سهيل ابن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الحديبية حين صالح قومه قريشا، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بسم الله الرّحمن الرّحيم» فقال سهيل: لا تكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم، فقال: «كيف نكتب؟» فقال: اكتب باسمك اللهمّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «فاكتب: محمّد رسول الله» ، فقال: لو أعلم أنّك رسول الله لم أخالفك، فكتب: هذا ما صالح محمّد بن عبد الله قريشا، يقول الله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (الأحزاب/ 21) ، فبعث إليهم عليّ عبد الله ابن عبّاس، فخرجت معه «4» ، حتّى إذا توسّطنا عسكرهم، قام ابن الكوّاء يخطب النّاس، فقال: يا حملة القرآن، إنّ هذا عبد الله بن عبّاس فمن لم يكن يعرفه، فأنا أعرّفه من كتاب الله ما يعرفه به، هذا ممّن نزل فيه وفي قومه قَوْمٌ خَصِمُونَ (الزخرف/ 58) ، فردّوه إلى صاحبه «5» ، ولا تواضعوه كتاب الله «6» ، فقال خطباؤهم، والله لنواضعنّه كتاب الله، فإن جاء بحقّ نعرفه لنتّبعنّه، وإن جاء بباطل لنبكّتنّه «7» بباطله، فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيّام، فرجع منهم أربعة آلاف كلّهم تائب، فيهم ابن الكوّاء، حتّى أدخلهم على عليّ الكوفة، فبعث عليّ إلى بقيّتهم فقال: قد كان من أمرنا وأمر النّاس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتّى تجتمع أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم، بيننا وبينكم ألّا تسفكوا دما حراما، أو تقطعوا سبيلا، أو تظلموا ذمّة «8» ، فإنّكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء «9» ، إنّ الله لا يحبّ الخائنين، فقالت له عائشة: يا ابن شدّاد، فقد قتلهم، فقال: والله ما بعث إليهم حتّى قطعوا السّبيل، وسفكوا الدّم، واستحلّوا أهل الذّمّة، فقالت: آلله؟ قال: آلله الّذي لا إله إلّا هو لقد كان، قالت: فما شيء   (1) المراد مصحف كبير الحجم من تلك المصاحف التي أرسلها عثمان رضي الله عنه- إلى الأمصار. (2) صك الشيء بيده: أي ضربه بها، والمراد وضع يده عليه. (3) في الكلام التفات من التكلم الى الغيبة والمراد كتبت. (4) الخارج مع ابن عباس هو راوي الحديث وهو عبد الله بن شداد. (5) يريد عليّا كرم الله وجهه. (6) تواضعوه من المواضعة وأصلها المراهنة، والمراد تحكيم كتاب الله في المجادلة فكأنهم وضعوه حكما بينهم. (7) لنبكّتنّه: أي لنقرّعنّه ونوبخنّه، من قولهم: بكّته أي قرّعه ووبّخه. (8) أي أحدا منه أهل الذمة وهم المعاهدون. (9) نبذنا إليكم الحرب على سواء، أي أظهرنا لكم نبذ العهد وأخبرنا بها (أي الحرب) إخبارا مكشوفا بيّنا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5650 بلغني عن أهل الذّمّة يتحدّثونه، يقولون: ذو الثّديّ، وذو الثّدى؟ قال: قد رأيته، وقمت عليه مع عليّ في القتلى، فدعا النّاس فقال: أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان يصلّي، ورأيته في مسجد بني فلان يصلّي، ولم يأتوا فيه بثبت «1» يعرف إلّا ذلك، قالت: فما قول عليّ حين قام عليه «2» ، كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله، قالت: هل سمعت منه أنّه قال غير ذلك؟ قال: اللهمّ لا، قالت: أجل، صدق الله ورسوله، يرحم الله عليّا، إنّه كان من كلامه ألّا يرى شيئا يعجبه إلّا قال: صدق الله ورسوله، فيذهب أهل العراق يكذبون عليه، ويزيدون عليه في الحديث) * «3» . الأحاديث الواردة في ذمّ (النقمة) معنى انظر صفتي: الانتقام- السخط من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (النقمة) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم نفر من يهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ونافع بن أبي نافع وغازي بن عمر وزيد بن خالد وأزار بن أبي أزار وأسقع، فسألوه عمّن يؤمن به من الرّسل؟ قال: «أؤمن بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون» فأنزل الله تعالى الآية الكريمة قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (المائدة/ 59)) * «4» . 2- * (عن سليمان بن يسار أنّ سائبة أعتقه بعض الحجّاج فقتل ابن رجل من بني عائذ. فجاء العائذيّ، أبو المقتول إلى عمر بن الخطّاب يطلب دية ابنه. فقال عمر: لا دية له. فقال العائذيّ: أرأيت لو قتله ابني. فقال عمر: إذا تخرجون ديته. فقال: هو إذا كالأرقم «5» إن يترك يلقم وإن يقتل ينقم) * «6» . 3- * (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى:   (1) بثبت: أي بحجة وبينة. (2) أي حين قام على ذي الثّرى. (3) أحمد، المسند 2 (656) ، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وانظر في قضية التحكيم وما قيل فيها العواصم من القواصم ص 172- 181. (4) الدر المنثور للسيوطي 2/ 522. (5) الأرقم: الحية كانوا في الجاهلية يزعمون أن الجن تطلب بثأر الجان وهي الحية الدقيقة فربما مات قاتله وربما أصابه الخبل. (6) الموطأ 2/ 876. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5651 قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا ... (المائدة/ 59) : معنى تنقمون: أي تسخطون، وقيل: تكرهون، وقيل: تنكرون) * «1» . 4- * (وقال- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ (التوبة/ 74) : أي ليس ينقمون شيئا. قال القشيريّ أبو نصر: قيل للبجليّ: أتجد في كتاب الله تعالى (اتّقّ شرّ من أحسنت إليه) ؟ قال: نعم وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (التوبة/ 74)) * «2» . 5- * (قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا (الأعراف/ 126) ، قال: السّحرة مجيبة لفرعون إذ توعّدهم بقطع الأيدي والأرجل من خلاف والصّلب. إنّا إلى ربّنا منقلبون: معنى الانقلاب: الرّجوع إليه والمصير وقوله تعالى: وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا يقول: ما تنكر منّا يا فرعون وما تجد علينا إلّا من أجل أن آمنّا أي صدّقنا بآيات ربّنا) * «3» . 6- * (قال عليّ- كرّم الله وجهه ورضي عنه-: ما تنقم الحرب العوان منّي ... بازل عامين فتيّ سنّي ) * «4» . من مضار (النقمة) (1) دليل شدّة غضب الله على العبد. (2) نقمة العبد على الشّيء دليل عدم إيمانه بقضاء الله وقدره. (3) نقمة العبد على العبد دليل الحقد والحسد ووضع للنّفس بإزاء الله في تقسيم الأرزاق. (4) النّاقم على رزقه مبغض من الله ومن النّاس. (5) النّقمة من أمراض القلب الّتي تورث صاحبها الهلاك. (6) النّقمة تدفع بالنّاقم إلى ظلم النّاس وتؤدّي إلى الكراهية. (7) النّاقم غالبا ما يجاوز الحقّ في نقمته فيصيب بها أهل الخير والإيمان.   (1) تفسير القرطبي 6/ 153. (2) تفسير القرطبي 8/ 132. (3) تفسير الطبري 9/ 16. (4) اللسان 5/ 4531. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5652 نكران الجميل النكران لغة: النّكران اسم من أنكر الشّيء ينكره إنكارا فهو منكر، ونكره ينكره نكرا فهو ناكر، واستنكره فهو مستنكر، وهي مأخوذة من مادّة (ن ك ر) الّتي تدلّ على خلاف المعرفة الّتي يسكن إليها القلب. ونكر الشّيء وأنكره لم يقبله قلبه ولم يعترف به لسانه «1» . ويقول الرّاغب: الإنكار: ضدّ العرفان. يقال: أنكرت كذا ونكرت، وأصله أن يرد على القلب ما لا يتصوّره، وذلك ضرب من الجهل، قال تعالى: فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ (هود/ 70) ، وقال- جلّ من قائل-: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (يوسف/ 58) ، وقد يستعمل ذلك فيما ينكر باللّسان، وسبب الإنكار باللّسان هو الإنكار بالقلب، لكن ربّما ينكر اللّسان الشّيء وصورته في القلب حاصلة ويكون في ذلك كاذبا، وعلى ذلك قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها (النحل/ 83) . والمنكر: كلّ فعل تحكم العقول الصّحيحة بقبحه، أو تتوقّف في استقباحه واستحسانه العقول فتحكم بقبحه الشّريعة، وإلى ذلك أشار بقوله: الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ (التوبة/ 112) «2» . والنكر: المنكر، قال الله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (الكهف/ 74) ، والنّكراء مثله. والنّكارة: الدّهاء، وكذلك النّكر بالضّمّ، يقال للرّجل إذا كان فطنا منكرا: ما أشدّ نكره ونكره أيضا بالفتح. وقد نكر الأمر بالضّمّ، أي صعب واشتدّ «3» ، وقيل: النّكران والإنكار (واحد) وهو الجحود، وهو نقيض المعرفة، والمناكرة المحاربة، وبينهما مناكرة أي معاداة وقتال، والتّناكر: التّجاهل، فتقول: أنكره إنكارا ونكرا أي جهّله، ومثله أنا أنكره إنكارا ونكرته قال الأعشى: وأنكرتني وما كان الّذي نكرت ... من الحوادث إلّا الشّيب والصّلعا قيل: والصّحيح أنّ المصدر الإنكار والاسم النّكر وقد يحرّك مثل عسر وعسر فتقول: نكر ونكر قال الشّاعر: أتوني فلم أرض ما بيّتوا ... وكانوا أتوني بشيء نكر «4»   (1) المقاييس (5/ 476) . (2) المفردات (505) . (3) الصحاح (2/ 837) . (4) لسان العرب (8/ 4539- 4540) ، والصحاح: (2/ 836 837) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5653 الجميل لغة: الجميل في اللّغة وصف مشتقّ من مادّة (ج م ل) الّتي تدلّ على الحسن، ومنه الجمال الّذي هو ضدّ القبح، وقيل: الجمال والحسن، وقيل: الحسن الكثير، ورجل جميل وجمال، أصله- فيما يقول ابن قتيبة- من الجميل وهو ودك الشّحم المذاب، يريد أنّ ماء السّمن يجري في وجهه، ويقال: جمالك أن تفعل ذلك، أي اجمل ولا تفعله، وقالت امرأة لابنتها: «تجمّلي وتعفّفي» أي كلي الجميل (أي الشّحم المذاب) ، «واشربي العفافة» وهي بقيّة اللّبن. ويقال: جمل الرّجل جمالا فهو جميل، والمرأة جميلة وجملاء، وقول أبي ذؤيب: جمالك أيّها القلب الجريح ... ستلقى من تحبّ فتستريح معناه: الزم تجمّلك وحياءك، ولا تجزع جزعا قبيحا، وأجملت الصّنيعة عند فلان، وأجمل فلان في صنيعه (أحسن) ، والمجاملة: المعاملة بالجميل، وجمّله: زيّنه، والتّجمّل: تكلّف الجميل، والتّجمّل أيضا: أكل السّمن المذاب «1» ، والجميل كما يكون صفة للأناسيّ يكون وصفا للأفعال والأشياء. نكران الجميل اصطلاحا: ألّا يعترف الإنسان بلسانه بما يقرّ به قلبه من المعروف والصّنائع الجميلة الّتي أسديت إليه سواء من الله- عزّ وجلّ- أو من المخلوقين. وهذا المعنى قريب من كفران نعمة المحسن، ومن معنى الجحود والإنكار «2» . أسباب كفران النعم وجحودها: قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: لم يقصّر بالخلق عن شكر النّعمة إلّا الجهل والغفلة، فإنّهم منعوا بالجهل والغفلة عن معرفة النّعم، ولا يتصوّر شكر النّعمة إلّا بعد معرفة كونها نعمة، ثمّ إنّهم إن عرفوا نعمة ظنّوا أنّ الشّكر عليها أن يقول باللّسان: الحمد لله، الشّكر لله. ولم يعرفوا أنّ معنى الشّكر أن يستعمل النّعمة في إتمام الحكمة الّتي أريدت بها وهي طاعة الله- عزّ وجلّ- فلا يمنع من الشّكر بعد حصول المعرفتين إلّا غلبة الشّهوة واستيلاء الشّيطان. أمّا الغفلة عن النّعم فلها أسباب، وأحد أسبابها أنّ النّاس بجهلهم لا يعدّون ما يعمّ الخلق ويسلّم لهم في جميع أحوالهم نعمة، فلذلك لا يشكرون على ما عمّ الله به الخلق من شتّى النّعم في الكون والنّفس كالشّمس والقمر واللّيل والنّهار والحرارة والبرودة واستساغة الطّعام ذلك ممّا لا يحصى كثرة، لأنّها عامّة للخلق، مبذولة لهم في جميع أحوالهم، فلا يرى كلّ واحد لنفسه منهم اختصاصا به فلا يعدّه نعمة، فلا تراهم يشكرون الله على روح الهواء ولو أخذ بمختنقهم لحظة حتّى انقطع الهواء عنهم ماتوا، ولو   (1) مقاييس اللغة (1/ 481) ، والمفردات للراغب (ص 97) ، والصحاح (4/ 1661) وما بعدها. (2) اقتبس هذا التعريف من جملة الأقوال المذكورة فى كتب اللغة وغيرها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5654 حبسوا في بيت حمّام فيه هواء حارّ أو في بئر فيه هواء ثقل برطوبة الماء ماتوا غمّا، فإن ابتلي واحد منهم بشيء من ذلك ثمّ نجا ربّما قدّر ذلك نعمة وشكر الله عليها، وهذا غاية الجهل، إذ صار شكرهم موقوفا على أن تسلب عنهم النّعمة ثمّ تردّ عليهم في بعض الأحوال، والنّعمة في جميع الأحوال أولى بأن تشكر في بعضها، فلا ترى البصير يشكر صحّة بصره إلّا أن تعمى (عيناه) فعند ذلك لو أعيد عليه بصره أحسّ به وشكره وعدّه نعمة وهذا الجاهل الّذي لم يقدّر نعمة الله عليه مثل عبد سوء. حقّه أن يضرب دائما حتّى إذا ترك ضربه ساعة تقلّد به منّة. فإن ترك ضربه على الدّوام غلبه البطر وترك الشّكر، فصار النّاس لا يشكرون إلا المال الّذي يتطرّق إليه الاختصاص من حيث الكثرة والقلّة وينسون جميع نعم الله تعالى عليهم. ولو أمعن الإنسان النّظر في أحواله رأى من الله نعما كثيرة تخصّه لا يشاركه فيها النّاس كافّة بل يشاركه عدد يسير من النّاس، وربّما لا يشركه فيها أحد من الخلق، وذلك يتمثّل في ثلاثة أمور يعترف بها كلّ عبد: أحدها: العقل فإنّه ما من عبد لله تعالى إلّا وهو راض عن الله في عقله يعتقد أنّه أعقل النّاس، وقلّ من يسأل الله العقل، ولذا وجب على كلّ الخلق شكر الله. والأمر الثّاني: الخلق، فما من عبد إلّا ويرى من غيره عيوبا يكرهها، وأخلاقا يذمّها، وإنّما يذمّها من حيث يرى نفسه بريئا منها فإذا لم يشتغل بذمّ الغير وجب عليه أن يشكر الله إذ حسن خلقه وابتلي غيره بسوء الخلق. والأمر الثّالث: الّذي يقرّ به كلّ أحد: العلم، فما من أحد إلّا ويعرف بواطن أمور نفسه، وخفايا أفكاره، وما هو منفرد به ولو كشف الغطاء حتّى اطّلع عليه أحد من الخلق لافتضح، فكيف لو اطّلع النّاس كافّة، ألا يوجب ستر القبيح وإخفاؤه عن أعين النّاس شكر هذه النّعمة العظيمة، ولم يصرف الخلق عن شكر هذه النّعمة إلّا الغفلة والجهل، وأعمّ من هذه الأمور أمور أخرى فما من أحد من الخلق إلّا وقد رزقه الله تعالى في صورته أو أخلاقه أو صفاته أو أهله أو ولده أو مسكنه أو بلده أو رفيقه أو زوجه أو عزّه أو جاهه أو في سائر أموره، فإنّه لو سلب ذلك منه وأعطي ما خصّ به غيره فإنّه لا يرضى به. فإذا كان الأمر كذلك فقد وجب على كلّ الخلق أن يشكروه على أن جعلهم على هذه الحالة الّتي هم عليها ولم يجعلهم على حال الآخرين، ولكن غلب عليهم كفر النّعمة. وما سدّ على الخلق طريق الشّكر إلّا جهلهم بضروب النّعم الظّاهرة والباطنة والخاصّة والعامّة أو الغفلة عنها لحصولهم عليها بلا أدنى سبب «1» . حكم نكران الجميل: إنّ نكران الجميل أو كفران نعمة المحسن يجيز للمحسن أن يمنّ بنعمته على من أنكرها، يقول الرّاغب: ولحسن ذكرها (النّعمة) عند الكفران قيل:   (1) إحياء علوم الدين (4/ 129- 130) بتصرف، ط الريان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5655 إذا كفرت النّعمة حسنت المنّة، هذا في الدّنيا أمّا في الآخرة «1» ، فقد عدّها بعض العلماء من الكبائر خاصّة إذا كانت النّعمة من الله سبحانه وتعالى أو ممّن تجب مراعاته كالزّوج. يقول الإمام ابن حجر: ذكر جماعة أنّ كفران نعمة المحسن من الكبائر وهو بعيد، ويتعيّن حمله على كفران نعمة الله- عزّ وجلّ- إذ هو المحسن على الحقيقة، ويمكن حمله أيضا على كفران نعمة محسن تجب مراعاته كالزّوج لما ورد في ذلك من الوعيد الشّديد «2» . وقال- رحمه الله- في موضع آخر: ومن الكبائر كفران نعمة الخلق المستلزم لكفران نعمة الحقّ، وذكر أنّ عدّ ذلك من الكبائر هو ظاهر ما ورد في الحديث الّذي رواه التّرمذي (عن جابر) : «من أعطي عطاء فوجد فليجز به.. ومن كتم فقد كفر (الحديث رقم 14) ومعنى الكفر هنا أنّه يجرّ إلى كفر نعم الله تعالى «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الجحود- الكفر- الغرور- عقوق الوالدين. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاعتراف بالفضل- الشكر- الحمد- بر الوالدين] .   (1) المفردات للراغب (475) . (2) الزواجر لابن حجر (147) . (3) المرجع السابق (255) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5656 الآيات الواردة في «نكران الجميل» 1- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) «1» 2- وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83) «2» 3- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) «3» 4- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «4»   (1) إبراهيم: 28 مكية (2) النحل: 78- 83 مكية (3) النحل: 112- 114 مكية (4) النمل: 40 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5657 الأحاديث الواردة في ذمّ (نكران الجميل) 1- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «أريت النّار فإذا أكثر أهلها النّساء يكفرن. قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنّ الدّهر ثمّ رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: مطر النّاس على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «أصبح من النّاس شاكر ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، قال: فنزلت هذه الآية فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ... حتّى بلغ: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (الواقعة/ 75- 82) » ) * «2» . 3- * (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- أنّه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أميّة، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كلّ إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عبّاس بن مرداس دون ذلك. فقال عبّاس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبي «3» ... د بين عيينة والأقرع فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع فأتمّ له رسول الله صلى الله عليه وسلّم مائة) * «4» . 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالصّدقة فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد وعبّاس بن عبد المطّلب، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله، وأمّا خالد، فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأمّا العبّاس بن عبد المطّلب، فعمّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهي عليه صدقة، ومثلها معها» ) * «5» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكرة «6» فعوّضه منها ستّ بكرات فتسخّط «7» فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ فلانا أهدى إليّ ناقة فعوّضته منها ستّ بكرات فظلّ ساخطا، لقد هممت أن لا أقبل هديّة إلّا من قرشيّ أو أنصاريّ أو ثقفيّ أو دوسيّ) * «8» .   (1) البخاري- الفتح 1 (29) واللفظ له. ومسلم (907) . (2) مسلم (73) وسيأتي من حديث زيد بن خالد الجهني. (3) العبيد: اسم فرسه. (4) مسلم (1060) . (5) البخاري- الفتح 3 (1468) . (6) بكرة: هي الفتية من الإبل. (7) فتسخط: أي لم يرض. (8) الترمذي (3946) ، وقال: هذا حديث حسن. وأحمد (2/ 292) . وذكره في المشكاة (2/ 910) واللفظ له. وعزاه كذلك للنسائي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5658 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص «1» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «2» . فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا، وجلدا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر. شكّ إسحاق) إلّا أنّ الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر: البقر، قال: فأعطي ناقة عشراء «3» . قال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال فمسحه فردّ الله إليه بصره. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «4» . فأنتج هذان وولّد هذا «5» . قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال «6» في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن، والجلد الحسن، والمال؛ بعيرا أتبلّغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «7» . فقال: إن كنت كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا. وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأعمى في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك، شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فو الله لا أجهدك اليوم «8» شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك» ) * «9» .   (1) أبرص: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج صاحبه، وهو مرض جلدي منفر. (2) يبتليهم: أي يختبرهم. (3) ناقة عشراء: هي الحامل القريبة الولادة. (4) شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها. (5) فأنتج هذان وولد هذا: هكذا الرواية: فأنتج، ورباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. وممن حكي اللغتين الأخفش. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والنتاج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء. (6) انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق. (7) إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة. (8) أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه. (9) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5659 7- * (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ثلاثة من العواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر، وإن أسأت لم يغفر، وجار سوء إن رأى خيرا دفنه، وإن رأى شرّا أذاعه، وامرأة إن حضرت آذتك، وإن غبت عنها خانتك» ) * «1» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر ممّا أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرىء مسلم، ورجل منع فضل ماء فيقول الله يوم القيامة: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك» ) * «2» . 9- * (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أضحى أو في فطر إلى المصلّى فمرّ على النّساء، فقال: «يا معشر النّساء، تصدّقن، فإنّي أريتكنّ أكثر أهل النّار» ، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ» ، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرّجل؟» قلن: بلى. قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم؟» قلن: بلى. قال: «فذلك من نقصان دينها) * «3» . 10- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن لم تكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضّله به عليه، كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من فوقه فأسف على ما فاته منه، لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا» ) * «4» . 11- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: قدم على النّبيّ صلى الله عليه وسلّم نفر من عكل فأسلموا، فاجتووا «5» المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصّدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحّوا، فارتدّوا فقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل. فبعث في آثارهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم «6» ،   (1) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 358) وقال: رواه الطبراني بإسناد لا بأس به. وذكره الهيثمى فى المجمع (8/ 168) واللفظ له. وقال: رواه الطبراني وفيه محمد بن عصام ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه ولم يوثقه وبقية رجاله ثقات. (2) البخاري- الفتح 13 (7446) واللفظ له. ومسلم (108) . (3) البخاري- الفتح 1 (304) واللفظ له. ومسلم (885) معناه من حديث جابر- رضي الله عنه-. (4) الترمذي (2512) وقال: حسن غريب وبعضه في مسلم من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. وابن ماجة (4142) . وذكره في المشكاة وعزاه إلى الترمذي وسكت عنه الألباني (3/ 1446) برقم (5256) . (5) اجتووا المدينة: أي كرهوا الإقامة فيها. (6) سمل أعينهم: أي فقأها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5660 ثمّ لم يحسمهم «1» حتّى ماتوا) * «2» . 12- * (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلاة الصّبح بالحديبية في إثر السّماء كانت من اللّيل فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمّا من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء «3» كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» ) * «4» . 13- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يعرب عنه لسانه، فإذا أعرب عنه لسانه إمّا شاكرا وإمّا كفورا» ) * «5» . 14- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن فإنّ من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلّى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور» ) * «6» . 15- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من تعلّم الرّمي ثمّ نسيه فهي نعمة جحدها» ) * «7» . 16- * (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المنبر: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر النّاس لم يشكر الله، التّحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب» ) * «8» . 17- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قالوا يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فو الّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما» . قال: فيلقى العبد فيقول: أي فل «9» ، ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع «10» ؟ فيقول: بلى، قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول:   (1) لم يحسمهم: أي لم يكوهم، والحسم كي العرق بالنار لينقطع الدم. (2) البخاري- 12 (6802) واللفظ له. ومسلم (1671) . (3) ناء النجم: سقط النجم أو طلع. (4) البخاري- الفتح 7 (4147) . ومسلم (71) واللفظ له. (5) أحمد (3/ 353) ، وقال الهيثمي (7/ 218) : فيه أبو جعفر الرازي وهو ثقة وفيه خلاف، وبقية رجاله ثقات. (6) أبو داود (4813) وقال الألباني: حسن (3/ 914) . والترمذي (2034) واللفظ له. وقال: حديث حسن غريب. وذكره في المشكاة (2/ 911) . وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: حديث حسن (1/ 313) . (7) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 282) . وقال: رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط بإسناد حسن. (8) أحمد (4/ 278) ، وقال الألباني في الصحيحة (2/ 272) : حسن. (9) أي فل: أي يا فلان. (10) ترأس وتربع: أي تأخذ ربع أموال القوم، والمراد أنك رئيس أو المراد: تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5661 فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي ربّ، فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا ربّ، آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت ويثني بخير ما استطاع. فيقول: ههنا إذا. ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه) * «1» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: يؤذيني ابن آدم يسبّ الدّهر، وأنا الدّهر، بيدي الأمر، أقلّب اللّيل والنّهار» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (نكران الجميل) 1- * (قال عليّ- رضي الله عنه- «كن من خمسة على حذر: من لئيم إذا أكرمته، وكريم إذا أهنته، وعاقل إذا أحرجته، وأحمق إذا مازجته، وفاجر إذا مازحته) * «3» . 2- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (العاديات/ 6) : أي كفور) *. وكذا قاله جماعة. وقال أبو أمامة الباهليّ- رضي الله عنه: الكنود: الّذي يأكل وحده ويضرب عبده، ويمنع رفده. وقال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: الكنود هو الّذي يعدّ المصائب، وينسى نعم الله عليه) * «4» . 3- * (قال سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ (القلم/ 17) : كان أصحابها من قرية يقال لها ضروان على ستّة أميال من صنعاء، وكان أبوهم قد خلّف لهم هذه الجنّة وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما يستغلّ منها يردّ فيها ما تحتاج إليه ويدّخر لعياله قوت سنتهم ويتصدّق بالفاضل. فلمّا مات وورثه بنوه، قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء ولو أنّا منعناهم لتوفّر ذلك علينا، فلمّا عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم فأذهب الله ما بأيديهم بالكلّيّة، رأس المال، والرّبح، والصّدقة، فلم يبق لهم شيء) * «5» .   (1) البخاري- الفتح 13 (7437) . ومسلم (2968) واللفظ له. (2) البخاري- الفتح 8 (4826) . (3) الآداب الشرعية (1/ 312) . (4) تفسير ابن كثير (4/ 542) . (5) تفسير ابن كثير (4/ 406- 407) ط. دار المعرفة. وقال عقب ذلك ابن كثير رحمه الله تعالى هذا عذاب من خالف أمر الله وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفرا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5662 4- * (قال وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى-: ترك المكافأة من التّطفيف) * «1» . 5- * (قال كعب الأحبار- رحمه الله تعالى-: ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدّنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلّا أعطاه الله نفعها في الدّنيا ورفع له بها درجة في الآخرة. وما أنعم الله على عبد نعمة في الدّنيا، فلم يشكرها لله، ولم يتواضع بها، إلّا منعه الله نفعها في الدّنيا، وفتح له طبقات من النّار يعذّبه إن شاء أو يتجاوز عنه) * «2» . 6- * (كتب ابن السّمّاك إلى محمّد بن الحسن رحمهما الله تعالى- حين ولّي القضاء بالرّقّة: أمّا بعد، فلتكن التّقوى من بالك على كلّ حال، وخف الله من كلّ نعمة أنعم بها عليك من قلّة الشّكر عليها مع المعصية بها، وأمّا التّبعة فيها فقلّة الشّكر عليها، فعفا الله عنك كلّما ضيّعت من شكر، أو ركبت من ذنب أو قصّرت من حقّ) * «3» . 7- * (قال المتنبّيّ: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا) * «4» . 8- * (قال الأصمعيّ- رحمه الله تعالى-: سمعت أعرابيّا يقول أسرع الذّنوب عقوبة كفر المعروف) «5» . 9- * (قال إبراهيم بن مهديّ مخاطبا المأمون: البرّ بي منك وطّا العذر عندك لي ... فيما فعلت فلم تعذل ولم تلم وقام علمك بي فاحتجّ عندك لي ... وقام شاهد عدل غير متّهم لئن جحدتك معروفا مننت به ... إنّي لفي اللّؤم أحظى منك بالكرم تعفو بعدل وتسطو إن سطوت به ... فلا عدمتك من عاف ومنتقم ) * «6» . 10- * (قال ابن المبارك- رحمه الله تعالى-: يد المعروف غنم حيث كانت ... تحمّلها شكور أو كفور ففي شكر الشّكور لها جزاء ... وعند الله ما كفر الكفور) * «7» . 11- * (قال ابن الأثير في النّهاية: من كان عادته وطبعه كفران نعمة النّاس وترك شكره لهم كان من عادته كفر نعمة الله- عزّ وجلّ- وترك الشّكر له» ) * «8» . 12- * (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ   (1) الآداب الشرعية (1/ 314) . (2) عدة الصابرين (145) . (3) المرجع السابق (130) . (4) الآداب الشرعية (1/ 312) . (5) المرجع السابق (1/ 311) . (6) أدب الدنيا والدين للماوردي (31) . (7) الآداب الشرعية (1/ 311) . (8) جامع الأصول (2/ 560) ، ونقله عنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 313) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5663 كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (إبراهيم/ 28) : إنّ الله تعالى بعث محمّدا صلى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين ونعمة للنّاس، فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنّة، ومن ردّها وكفرها دخل النّار) * «1» . 13- * (قال أهل التّفسير في معنى قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (النحل/ 83) : قال مجاهد: هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها تعرف هذا كفّار قريش ثمّ تنكره بأن تقول هذا كان لآبائنا فورّثونا إيّاه. وقال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: إنكارهم إيّاها أن يقول الرّجل: لولا فلان ما كان كذا وكذا، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا. وقال آخرون: إنّ الكفّار إذا قيل لهم: من رزقكم؟ أقرّوا بأنّ الله هو الّذي يرزقهم ثمّ ينكرونه بقولهم: رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا. وقال ابن كثير: يعني أنّهم يعرفون أنّ الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك وهو المتفضّل به عليهم ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النّصر والرّزق إلى غيره) * «2» . 14- * (قال بعض الحكماء: لا يزهّدنّك في المعروف كفر من كفره، فإنّه يشكرك عليه من لا تصنعه إليه) «3» . 15- * (ويقال أيضا: إعطاء الفاجر يقوّيه على فجوره، ومسألة اللّئيم إهانة للعرض، وتعليم الجاهل زيادة في الجهل، والصّنيعة عند الكفور إضاعة للنّعمة، فإذا هممت بشيء فارتد الموضع قبل الإقدام عليه أو على التّرك) * «4» . من مضار (نكران الجميل) (1) دليل على ضعف الإيمان وسوء الأخلاق ولؤم الطّبع. (2) من أسباب زوال النّعمة بعد حصولها. (3) يسبّب غضب الرّبّ وإعراض الخلق. (4) يجلب الشّقاء ونكد البال وسوء الحال.   (1) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (2/ 538) . (2) كله من فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد (408- 409) - إلا كلام ابن كثير فمن تفسيره (2/ 580) . (3) الآداب الشرعية (1/ 310) . (4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5664 النميمة النميمة لغة: النّميمة اسم من نمّ الحديث ينمّه وينمّه نمّا وتدلّ مادّته على أصل صحيح له معنيان: أحدهما: إظهار شىء وإبرازه، والآخر لون من الألوان. فالأوّل ما حكاه الفرّاء، يقال إبل نمّة: لم يبق في أجوافها الماء، والنّمّام منه، لأنّه لا يبقي الكلام في جوفه، ورجل نمّام «1» ، ونمّ الحديث إذا أظهره، وقيل: نقله. ونمّه ينمّه نمّا، أي قتّه، والاسم: النّميمة، والنّميمة أيضا: الهمس والحركة، ومنه قولهم: أسكت الله نامّته، أي ما ينمّ عليه من حركته «2» ، ونمّ الرّجل الحديث نمّا من بابي قتل وضرب، سعى به ليوقع به فتنة أو وحشة «3» . وقال ابن منظور: النّمّ: التحريش والإغراء ورفع الحديث على وجه الإشاعة والإفساد، وقيل: تزيين الكلام بالكذب، والفعل: نمّ ينمّ وينمّ، والأصل الضّمّ، ونمّ به وعليه نمّا ونميمة ونميما، وقيل: النّميم جمع نميمة. ورجل نموم ونمّام ومنمّ ونمّ من قوم نمّين وأنمّاء، وامرأة نمّة، وقيل: النّمّام معناه في كلام العرب: الّذي لا يمسك الأحاديث ولا يحفظها، من قولهم جلود نمّة إذا كانت لاتمسك الماء، يقال: نمّ فلان ينمّ نمّا إذا ضيّع الأحاديث ولم يحفظها، وأنشد الفرّاء: بكت من حديث نمّه وأشاعه ... ولصّقه واش من القوم واضع ويقال للنّمّام: القتّات، يقال: قتّ إذا مشى بالنّميمة، ويقال للنّمّام قسّاس ودرّاج وغمّاز وهمّاز ومائس وممآس «4» . واصطلاحا: هي نقل كلام النّاس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد. وقيل: إفشاء السّرّ، وهتك السّتر عمّا يكره كشفه «5» . وقال الجاحظ: النّميمة: وهو أن يبلّغ إنسان عن آخر قولا مكروها، استسرّ بذلك أو لم يستسرّ، (والنّوع الأوّل من قبيل إفشاء السّرّ) «6» . من النّمام؟ قال الجرجانيّ (وتبعه المناويّ) : النّمّام هو الّذي يتحدّث مع القوم فينمّ عليهم فيكشف ما يكره   (1) المقاييس (5/ 358) . (2) الصحاح (5/ 2045) . (3) المصباح المنير (239) . (4) لسان العرب (5/ 2045) . (5) الأذكار للنووي (299/ 309) ، وانظر النهاية لابن الأثير (5/ 120) . (6) تهذيب الأخلاق للجاحظ (31) بتصرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5665 كشفه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو الثّالث (أي النّمّام) ، وسواء أكان الكشف بالعبارة أو بالإشارة أو بغيرهما «1» . الفرق بين الغيبة والنميمة: الغيبة- كما سبق- هي التّكلّم خلف إنسان مستور بما هو فيه ممّا يكرهه. أمّا النّميمة فهي نقل كلام صادر عن الغير بغية الإفساد. وعلى ذلك تكون الغيبة صادرة عن المغتاب في الأصل، أمّا النّميمة فهي كلام صادر عن الغير، ومن الفرق أيضا أنّ الغيبة قد تباح أو تجب في بعض الأحيان لغرض شرعيّ (انظر صفة الغيبة) أمّا النّميمة فلم ينقل جواز إباحتها أحد، ومن الغيبة ما يكون بالقلب بأن تظنّ السّوء بأخيك وتصمّم عليه بقلبك «2» أمّا النّميمة فلا تكون إلّا باللّسان أو ما يحلّ محلّه في الكشف عن السّوءات من كتابة أو رمز أو إيماء. الباعث على النّميمة: يبعث على النّميمة أمور منها: 1- إرادة السّوء بالمحكيّ عنه. 2- الحبّ للمحكيّ له (وهذا في ظاهر الأمر وإلّا فإنّ من يجبّ إنسانا على الحقيقة فإنّه لا يبلّغه ما يسوءه) . 3- الفرح بالخوض في الفضول «3» . علاج النميمة: تعالج النّميمة بما تعالج به الغيبة، وهو إمّا إجمالي بأن يعلم النّمّام أنّه قد تعرّض بها لسخط الله تعالى وعقوبته وأنّها تحبط حسناته وبأن يتدبّر المرء في عيوبه ويجتهد في التّطهّر منها وأن يعلم أنّ تأذّي غيره بالغيبة أو بالنّميمة كتأذّيه بها فكيف يرضى لغيره ما يتأذّى به؟ وأمّا التّفصيليّ فيتلخّص في النّظر في بواعثها فتقطعها من الأصل؛ إذ علاج العلّة إنّما يكون بقطع سببها، وألّا يعتقد المرء في أخيه سوءا، وأن يبادر إلى التّوبة بشروطها «4» . كيف تتعامل مع النمام؟ قال الإمام الذّهبيّ: كلّ من حملت إليه نميمة وقيل له: قال فيك فلان، كذا وكذا لزمه ستّة أحوال: الأوّل: ألّا يصدّقه؛ لأنّه نمّام فاسق، وهو مردود الخبر. الثّاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبّح فعله. الثّالث: أن يبغضه في الله- عزّ وجلّ-، فإنّه بغيض عند الله، والبغض في الله واجب. الرّابع: ألّا يظنّ في المنقول عنه السّوء لقوله تعالى: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (الحجرات/ 12) .   (1) التعريفات (267) . والتوقيف على مهمات التعاريف (330) . (2) انظر في معني الغيبة بالقلب، الزواجر لابن حجر (387) . (3) الزواجر (396) . (4) المرجع السابق (391) بإيجاز. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5666 الخامس: ألّا يحمله ما حكى له على التّجسّس والبحث عن تحقّق ذلك مصداقا لقوله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا (الحجرات/ 11) . السّادس: ألّا يرضى لنفسه ما نهى النّمام عنه، فلا يحكي نميمته «1» . حكم النميمة: قال الذّهبيّ: النّميمة من الكبائر، وهي حرام بإجماع المسلمين، وقد تظاهرت على تحريمها الدّلائل الشّرعيّة من الكتاب والسّنّة، وقد أجاب عمّا يوهم أنّها من الصّغائر وهو قوله صلى الله عليه وسلّم: «وما يعذّبان في كبير» (انظر الحديث رقم 3) بأنّ المراد: ليس بكبير تركه عليهما، أو ليس بكبير في زعمهما، ولهذا قيل في رواية أخرى: «بلى إنّه كبير» «2» ، وقال ابن حجر: وجه كونه أي (النّمّ) كبيرة ما فيه من الإفساد وما يترتّب عليه من المضارّ، والحكم على ما هو كذلك بأنّه كبير ظاهر جليّ، وليس في معناه، بل ولا قريبا منه مجرّد الإخبار بشيء عمّن يكره كشفه من غير أن يترتّب عليه ضرر ولا هو عيب ولا نقص، لأنّ الغيبة لا توجد إلّا مع كون الكلام المنقول نقصا وعيبا، ومن ثّمّ فالنّميمة الأقبح من الغيبة ينبغي ألّا توجد بوصف كونها كبيرة إلّا إذا كان ما ينمّ به مفسدة «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة الإفك- البهتان- الغيبة- الافتراء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الستر- الصمت وحفظ اللسان- الكلم الطيب- الثناء- كظم الغيظ- كتمان السر- المحبة- حسن العشرة] .   (1) الكبائر للذهبي (161) ، وانظر الزواجر لابن حجر (396) . (2) الكبائر للذهبي (160) . (3) الزواجر (395) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5667 الآيات الواردة في «النميمة» 1- ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) «1»   (1) القلم: 1- 12 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5668 الأحاديث الواردة في ذمّ (النميمة) 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: إنّ محمّدا صلى الله عليه وسلّم قال: «ألا أنبّئكم ما العضه «1» ؟ هي النّميمة القالة بين النّاس» . وإنّ محمّدا صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الرّجل يصدق حتّى يكتب صدّيقا. ويكذب حتّى يكتب كذّابا» ) * «2» . 2- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّه بلغه أنّ رجلا ينمّ الحديث، فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل الجنّة نمّام» ) * «3» . 3- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «مرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم على قبرين، فقال: «إنّهما ليعذّبان، وما يعذّبان في كبير. ثمّ قال: «بلى، أمّا أحدهما فكان يسعى بالنّميمة. وأمّا الآخر فكان لا يستتر من بوله» . قال: ثمّ أخذ عودا رطبا فكسره باثنتين، ثمّ غرز كلّ واحد منهما على قبر، ثمّ قال: «لعلّه يخفّف عنهما، ما لم ييبسا» ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (النميمة) معنى 4- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «تجد من شرار النّاس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الّذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه» ) * «5» . 5- * (عن همّام بن الحارث قال: كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير. فكنّا جلوسا في المسجد.. فقال القوم:: هذا ممّا ينقل الحديث إلى الأمير. قال: فجاء حتّى جلس إلينا. فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل الجنّة قتّات «6» » ) * «7» .   (1) العضه: رويت هذه اللفظة على وجهين: أحدهما: العضة بكسر العين وفتح الضاد على وزن العدة وهو الأشهر في كتب اللغة. والثاني: العضه- بفتح العين وسكون الضاد- على وزن الوجه وهو الأشهر في كتب الحديث. والمعنى: ألا أنبئكم والعضه الفاحش الغليظ التحريم؟ (2) مسلم (2606) . (3) البخاري- الفتح 10 (6056) ، ومسلم (105) واللفظ له. (4) البخاري- الفتح 3 (1378) واللفظ له. ومسلم (292) . (5) البخاري- الفتح 10 (6058) واللفظ له. ومسلم (2526) والترمذي (2025) وقال: حسن صحيح. (6) القتات: هو النمام. (7) البخاري- الفتح 10 (6056) ومسلم (105) واللفظ له، والترمذي (2026) وقال: حسن صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5669 من الآثار الواردة في ذمّ (النميمة) 1- * (قال لقمان لابنه: «يا بنيّ، أوصيك بخلال، إن تمسّكت بهنّ لم تزل سيّدا: ابسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم والّلئيم، واحفظ إخوانك، وصل أقاربك، وآمنهم من قبول قول ساع، أو سماع باغ، يريد فسادك، ويروم خداعك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك» ) * «1» . 2- * (وروي عن عليّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا سعى إليه برجل فقال له: «يا هذا، نحن نسأل عمّا قلت، فإن كنت صادقا مقتناك. وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك. فقال: أقلني يا أمير المؤمنين) * «2» . 3- * (روي عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: أنّه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا فقال له عمر: «إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (الحجرات/ 6) وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (القلم/ 11) وإن شئت عفونا عنك؟» فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدا) * «3» . 4- * (سعى رجل بزياد الأعجم إلى سليمان ابن عبد الملك فجمع بينهما للموافقة، فأقبل زياد على الرّجل، وقال: فأنت امرؤ إمّا ائتمنتك خاليا ... فخنت وإمّا قلت قولا بلا علم فأنت من الأمر الّذي كان بيننا ... لمنزلة بين الخيانة والإثم «4» 5-* (قال قتادة- رحمه الله-: «ذكر لنا أنّ عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من النّميمة، وثلث من البول» ) * «5» . 6- * (قال رجل لعمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «يا أمير المؤمنين، احذر قاتل الثّلاثة» . قال: «ويلك، من قاتل الثّلاثة» ؟ قال: الرّجل يأتي الإمام بالحديث الكذب، فيقتل الإمام ذلك الرّجل بحديث هذا الكذّاب، ليكون قد قتل نفسه، وصاحبه، وإمامه» ) * «6» . 7- * (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «من نمّ إليك نمّ عليك» ) * «7» . 8- * (قال رجل لعمرو بن عبيد: إنّ الأسواريّ ما يزال يذكرك في قصصه بشرّ، فقال له عمرو: يا هذا ما رعيت حقّ مجالسة الرّجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أدّيت حقّي حين أعلمتني عن   (1) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 167) ط الريان. (2) الإحياء للغزالي (3/ 166) ط. الريان. (3) إحياء علوم الدين، للغزالي (3/ 166) . (4) المرجع السابق (3/ 152) ط. الريان. (5) المرجع السابق (3/ 143) . (6) انظر مساوىء الأخلاق للخرائطي (93) . (7) إحياء علوم الدين، للغزالي (3/ 166) ط. الريان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5670 أخي ما أكره، ولكن أعلمه أنّ الموت يعمّنا، والقبر يضمّنا، والقيامة تجمعنا، والله تعالى يحكم بيننا، وهو خير الحاكمين» ) * «1» . 9- * (عن يحيى بن أكثم قال: «أنمّ النّاس ولد الزّنا» ) * «2» . 10- * (قال عمرو بن ميمون الأزديّ: لمّا تعجّل موسى إلى ربّه رأى رجلا تحت العرش فغبطه بمكانه فسأل ربّه أن يخبره باسمه فلم يخبره، وقال: لكنّي أحدّثك عن عمله بثلاث خصال: كان لا يحسد النّاس على ما آتاهم الله من فضله، ولا يعقّ والديه، ولا يمشي بالنّميمة» ) * «3» . 11- * ( «رفع إنسان رقعة إلى الصّاحب بن عبّاد يحثّه فيها على أخذ مال يتيم وكان مالا كثيرا فكتب على ظهرها: النّميمة قبيحة، وإن كانت صحيحة، والميّت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال نمّاه الله، والسّاعي لعنه الله» ) * «4» . 12- * (قال الشّاعر: تنحّ عن النّميمة واجتنبها ... فإنّ النّمّ يحبط كلّ أجر يثير أخو النّميمة كلّ شرّ ... ويكشف للخلائق كلّ سرّ ويقتل نفسه وسواه ظلما ... وليس النّمّ من أفعال حرّ) * «5» . 13- * (قال الشّاعر: لا تقبلنّ نميمة بلّغتها ... وتحفّظنّ من الّذي أنباكها «6» إنّ الّذي أهدى إليك نميمة ... سينمّ عنك بمثلها قد حاكها ) * «7» . 14- * (قال بعضهم: لو صحّ ما نقله النّمّام إليك لكان هو المجترىء بالشّتم عليك، والمنقول عنه أولى بحلمك لأنّه لم يقابلك بشتمك) * «8» . من مضار (النميمة) (1) طريق موصّل إلى النّار. (2) تذكي نار العداوة بين المتآلفين. (3) تؤذي وتضرّ، وتؤلم، وتجلب الخصام والنّفور. (4) تدلّ على سوء الخاتمة، وتمسخ حسن الصّورة. (5) عنوان الدّناءة والجبن والضّعف والدّسّ والكيد والملق والنّفاق. (6) مزيلة كلّ محبّة ومبعدة كلّ مودّة وتآلف وتآخ.   (1) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 167) ط. الريان. (2) مساوىء الأخلاق للخرائطي (96) . (3) المرجع السابق (94) . (4) الأذكار للنووي (310) . (5) موارد الظمآن للشيخ عبد العزيز السلمان (3/ 385) . (6) أنباكها: أي أخبرك بها. (7) موارد الظمآن للسلمان (3/ 386) . (8) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 158) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5671 [ حرف الهاء ] الهجاء الهجاء لغة: الهجاء: خلاف المدح، يقال هجوته هجوا وهجاء وتهجاء، قال الشّاعر: دعي عنك تهجاء الرّجال وأقبلي وهجاه هجوا وهجاء، شتمه بالشّعر، وعدّد فيه معائبه. قال اللّيث: هو الوقيعة في الأشعار. وأنشد القالي: وكلّ جراحة توسى فتبرا ... ولا يبرا إذا جرح الهجاء وفي الحديث «اللهمّ إنّ فلانا هجاني فاهجه، اللهمّ مكان ما هجاني» أي جازه على هجائه إيّاي جزاء هجائه، وهذا كقوله- جلّ وعزّ-: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (الشورى/ 40) وفي حديث آخر «اللهمّ إنّ عمرو بن العاص هجاني «1» ، وهو يعلم أنّي لست بشاعر، فاهجه، اللهمّ والعنه عدد ما هجاني أو مكان ما هجاني» أي جازه على الهجاء. ويقال: هجا فلان فلانا: شتمه وسبّه وعابه، والمرأة تهجو زوجها، أي تذمّه وتشكو صحبته، ويقال: بينهم أهجوّة وأهجيّة يتهاجون بها، وهاجيت فلانا: هجوته وهجاني «2» . الهجاء اصطلاحا: ما وصف به الإنسان من الأخلاق الذّميمة شعرا «3» . وقال بعضهم: الهجاء: نزع الصّفات الحميدة عن المهجوّ ووصمه بأضدادها مثل ضعة الأصل، وقلّة عدد القبيل، وبالجبن، والبخل «4» . دوافع الهجاء والفحش: قال الغزاليّ- رحمه الله-: إنّ السّبّ والفحش وبذاءة اللّسان مذموم ومنهيّ عنه، ومصدره الخبث واللّؤم، والباعث عليه إمّا قصد الإيذاء، وإمّا الاعتياد   (1) وكان هذا قبل إسلام عمرو- رضي الله عنه-. (2) الصحاح (6/ 2533) ، التاج (20/ 326) ، النهاية (5/ 248) ، ولسان العرب (6/ 4627) . (3) استخلصنا هذا التعريف مما ذكره الكفوي في الكليات من أن للإنسان بحسب ما يوصف به أسماء فما وصف به من الشجاعة والشدة في الحرب والصبر في مواطنها يسمى حماسة، وما وصف به من حسب وكرم وطيب محتد يسمى مدحا (إن كان للغير) ، وفخرا (إن كان صادرا من القائل) وما أثني عليه من شيء من ذلك ميّتا يسمى رثاء وتأبينا، وما وصف من أخلاقه الذميمة يسمّى هجاء، وما وصف به النّساء من حسن وجمال وغرام بهن يسمى غزلا ونسيبا. الكليات بتصرف واختصار (960) . (4) تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ (1/ 83) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5672 الحاصل من مخالطة الفسّاق وأهل الخبث واللّؤم لأنّ من عادتهم السّبّ «1» . حكم الهجاء: عدّ ابن حجر من الكبائر الشّعر المشتمل على هجو المسلم، ولو بصدق، وكذا إن اشتمل على فحش أو كذب فاحش. وتردّ شهادة الهاجي لفسقه، وقد صرّح بذلك بعض العلماء فقال: إن هجا مسلما فسق، أو ذمّيّا فلا بأس، وقال آخر: إذا آذى في شعره بأن هجا المسلمين أو رجلا مسلما فسق به لأنّ إيذاء المسلم محرّم، ويستوي في ذلك قليل الهجاء وكثيره لأنّ الشّعر يحفظ ويعلق بالأذهان ويعاود فيبقى على الأعصار والدّهور بخلاف النّثر، وكما يحرم الهجو يحرم إنشاده أيضا، ولكن ليس إثم حاكي الهجو كإثم منشده «2» . هجاء الكافر والفاسق: أطلق كثير من العلماء جواز هجو الكافر مستدلّين بأمره صلى الله عليه وسلّم لحسّان- رضي الله عنه- بهجو المشركين. وألحق الغزاليّ وتبعه جمع من العلماء بالكفّار المبتدعين حيث يجوز هجوهم ببدعتهم، ولكن لمقصد شرعيّ كالتّحذير من هذه البدعة، ويجوز أيضا هجو المرتدّ بخلاف الفاسق، فإنّه لا يجوز هجاؤه، وإلّا بما تجاهر به من فسق فقط لجواز غيبته به، ولقصد زجره «3» . [للاستزادة: انظر صفات: الافتراء- انتهاك الحرمات- البغض- التحقير- السخط- اللغو- الكذب- الخبث- القذف- الإساءة- إفشاء السر السخرية- الاستهزاء. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الثناء- الحمد- الشكر- الكلم الطيب- تعظيم الحرمات- التقوى حسن الخلق- تكريم الإنسان] .   (1) إحياء علوم الدين (3/ 121) . (2) الزواجر (663) (بتلخيص وتصرف) . (3) بتلخيص وتصرف عن الزواجر (665، 666) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5673 الأحاديث الواردة في ذمّ (الهجاء) 1- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ أعظم النّاس فرية لرجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه، وزنّى أمّه) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «اهجوا قريشا فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل» ، فأرسل إلى ابن أبي رواحة فقال: «اهجهم» فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت، فلمّا دخل عليه قال حسّان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه، ثمّ أدلع لسانه فجعل يحرّكه فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تعجل، فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإنّ لي فيهم نسبا، حتّى يلخّص لك نسبي» فأتاه حسّان ثمّ رجع فقال: يا رسول الله، قد لخّص لي نسبك، والّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لحسّان: «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك، ما نافحت عن الله ورسوله» . وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «هجاهم حسّان فشفى واشتفى» قال حسّان: هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمّدا برّا تقيّا ... رسول الله شيمته الوفاء فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء ثكلت بنيّتي إن لم تروها ... تثير النّقع من كنفي كداء يبارين الأعنّة مصعدات ... على أكتافها الأسل الظّماء تظلّ جيادنا متمطّرات ... تلطّمهنّ بالخمر النّساء فإن أعرضتمو عنّا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلّا فاصبروا لضراب يوم ... يعزّ الله فيه من يشاء وقال الله: قد أرسلت عبدا ... يقول الحقّ ليس به خفاء وقال الله: قد يسّرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللّقاء   (1) ابن ماجة (3761) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. الأدب المفرد للبخاري نحوه (302) برقم (874) ، وقال الحافظ في الفتح: سنده حسن (10/ 555) ، وذكره الألباني في الصحيحة وقال: إسناد البخاري في الأدب: صحيح وعزاه لابن حبان (2014) ، (2/ 402) برقم (763) وكذا ذكره في صحيح الجامع (2/ 50) رقم (1565) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5674 لنا في كلّ يوم من معدّ ... سباب أو قتال أو هجاء فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء) * «1» . 3- * (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- أنّه قال: لمّا هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «قولوا لهم كما يقولون لكم» ، قال: فلقد رأيتنا نعلّمه إماء أهل المدينة) * «2» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الهجاء) معنى 4- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة» فلمّا دخل ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله، قلت الّذي قلت له ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس أو ودعه النّاس اتّقاء فحشه» ) * «3» . 5- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أنّ لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «4» . على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره. إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره «5» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «6» . إن أنطق أطلّق. وإن أسكت أعلّق «7» . قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد. وإن خرج أسد. ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ. وإن شرب اشتفّ. وإن اضطجع التفّ. ولا يولج الكفّ. ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء «8» . كلّ داء له داء. شجّك أو فلّك. أو جمع كلّا لك .... الحديث) * «9» .   (1) البخاري- الفتح 6 (3531) ، مسلم (2490) واللفظ له. (2) أحمد (4/ 263) واللفظ له. وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والبزار بنحوه والطبراني ورجالهم ثقات (8/ 123- 124) . (3) البخاري- الفتح 10 (6054) واللفظ له، مسلم (2591) . (4) غث: المراد بالغث المهزول. (5) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. (6) العشنق: الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع. (7) إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق: إن ذكرت عيوبه طلقني، وإن سكت عنها علقني فتركني لا عزباء ولا مزوجة. (8) غياياء أو عياياء: هو الذي لا يلقح. وقيل هو الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. (9) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5675 6- * (عن عياض بن حمار المجاشعيّ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا ... إلى أن قال:- وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «1» ، الّذين هم فيكم تبعا، لا يتبعون «2» أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير «3» الفحّاش» ) * «4» . 7- * (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلّم وأبي أمامي فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «إنّ الفحش والتّفاحش ليسا من الإسلام في شيء، وإنّ أحسن النّاس إسلاما أحاسنهم أخلاقا» ) * «5» . 8- * (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد وإنّما أنتم ولد آدم، طفّ الصّاع لم تملؤوه. ليس لأحد فضل إلّا بالدّين أو عمل صالح. حسب الرّجل أن يكون فاحشا بذيّا بخيلا جبانا» ) * «6» . 9- * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: « (إيّاكم والفحش، فإنّ الله تعالى لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش» ) * «7» . 10- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ اللّعّانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة» ) * «8» . 11- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إنّ المفلس من أمّتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما   (1) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي، وقيل: هو الذي لا مال له، وقيل: الذي ليس عنده ما يعمله. (2) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الإتباع، أي يتبعون ويتّبعون وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون، إذا سترته وكتمته هذا هو المشهور وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (3) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السّيّىء الخلق. (4) مسلم (2865) (5) أحمد (5/ 99) وقال العراقي في تخريج الإحياء: أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا بإسناد صحيح، الإحياء (3/ 131) الريان واللفظ له. (6) أحمد (4/ 145) واللفظ له، والبيهقي في الشعب (5/ 286) / 6677، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني فيه ابن لهيعة. بقية رجاله وثقوا (8/ 84) . (7) قال العراقي في تخريج الإحياء: رواه النسائي في الكبرى، الإحياء (3/ 130) ط. الريان واللفظ له كما رواه ابن حبان من حديث أبي هريرة. والحديث عند الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ «إياكم والفحش والتفحش فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش، وإياكم والظلم فإنه هو الظلمات يوم القيامة، وإياكم والشح فإنه دعا من قبلكم فسفكوا دماءهم ودعا من قبلكم فقطعوا أرحامهم ودعا من قبلكم فاستحلوا حرماتهم» الحاكم (1/ 12) . (8) مسلم (2598) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5676 عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثمّ طرح في النّار» ) * «1» . 12- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ عبد الله بن سلام بلغه مقدم النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إنّي أسألك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ. ما أوّل أشراط السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمّه؟. قال: «أخبرني به جبريل آنفا» قال ابن سلام: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة. قال: «أمّا أوّل أشراط السّاعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد الحوت، وأمّا الولد فإذا سبق ماء الرّجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرّجل نزعت الولد» قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله قال: يا رسول الله، إنّ اليهود قوم بهت «2» فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا بإسلامي. فجاءت اليهود فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «أيّ رجل عبد الله بن سلام فيكم؟» قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟» قالوا: أعاذه الله من ذلك. فأعاد عليهم، فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، قالوا: شرّنا وابن شرّنا وتنقّصوه. قال: هذا كنت أخاف يا رسول الله) * «3» . 13- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ أعمى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكانت له أمّ ولد وكان له منها ابنان وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلى الله عليه وسلّم وتسبّه فيزجرها فلا تنزجر وينهاها فلا تنتهي، فلمّا كان ذات ليلة ذكرت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فوقعت فيه، فلم أصبر أن قمت إلى المغول «4» فوضعته في بطنها فاتّكأت عليه فقتلتها فأصبحت قتيلا، فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم فجمع النّاس، وقال: أنشد الله رجلا لي عليه حقّ فعل ما فعل إلّا قام، فأقبل الأعمى يتدلدل فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت أمّ ولدي وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللّؤلؤتين ولكنّها كانت تكثر الوقيعة فيك وتشتمك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، فلمّا كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك، فقمت إلي المغول فوضعته في بطنها فاتّكأت عليها حتّى قتلتها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ألا اشهدوا أنّ دمها هدر» ) * «5» . 14- * (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (الحجرات/ 4) قال: فقام رجل فقال: يا رسول الله، إنّ حمدي زين، وإنّ ذمّي شين، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «ذاك الله» * «6» .   (1) مسلم (2581) . (2) أصلها بهت جمع بهوت مثل صبور وصبر ثم سكنت الباء تخفيفا، أي يفترون الكذب. (3) البخاري- الفتح 7 (3938) . (4) المغول: سيف قصير أو سكينة. (5) النسائي (7/ 108) واللفظ له وقال الألباني (3/ 854) : صحيح. وأبو داود (4361) . وقال ابن تيمية: الحديث جيد. الصارم المسلول (52) . (6) الترمذي (3267) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (2/ 363) : وله شاهد عند أحمد من حديث الأقرع بن حابس (3/ 488) ، (6/ 393، 394) . والمعنى: أن الرجل يمدح نفسه ويظهر عظمته: يعني إن مدحت رجلا فهو محمود ومزين، وإن ذممت رجلا فهو مذموم ومعيب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5677 15- * (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» ) * «1» . 16- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الصّيام جنّة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إنّي صائم- مرّتين- والّذي نفسي بيده لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك «2» طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصّيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها» ) * «3» . 17- * ( «عن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن عمرو حين قدم مع معاوية إلى الكوفة فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: لم يكن فاحشا ولا متّفحّشا، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنّ من خيركم أحسنكم خلقا» ) * «4» . 18- * (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: «لم يكن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم سبّابا ولا فحّاشا ولا لعّانا. كان يقول لأحدنا عند المعتبة، ما له ترب جبينه» ) * «5» . 19- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا وقع في أب للعبّاس كان في الجاهليّة فلطمه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أمواتنا، فتؤذوا أحياءنا. ألا إنّ البذاء لؤم.» ) * «6» . 20- * (عن أبي جريّ جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه. قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قلت: عليك السّلام يا رسول الله. مرّتين، قال: «لا تقل عليك السّلام، فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك» قال: قلت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول الله الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «7» فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء، أو فلاة «8» فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك» قال. قلت اعهد إليّ. قال: «لا تسبّنّ أحدا» . قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار فإنّها من المخيلة، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك   (1) البخاري- الفتح 1 (48) واللفظ له، مسلم (64) . (2) من أول قوله: يترك طعامه ... الخ منسوب إلى الله تعالى كما ورد في مسند أحمد «يقول الله عز وجل: إنما يذر شهوته ... إلخ» ولم يصرح بنسبته إلى الله للعلم به وعدم الإشكال فيه. (3) البخاري. الفتح 4 (1894) واللفظ له، مسلم (1151) . قال ابن حجر في الفتح: المراد بالرفث الكلام الفاحش (4/ 126) . (4) البخاري- الفتح 10 (6029) واللفظ له، مسلم (2321) . (5) البخاري- الفتح 10 (6031) . (6) ذكره العراقي في تخريج الأحياء وقال: خرجه النسائي بإسناد صحيح (الإحياء (3/ 130) وهو عند النسائي بغير القصة (4/ 53) كما ذكره بمعناه (3318) . (7) عام سنة: أي عام قحط وجدب. (8) الفلاة: الصحراء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5678 وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه؛ فإنّما وبال ذلك «1» عليه» ) * «2» . 21- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تهجّروا «3» ، ولا تدابروا، ولا تحسّسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «4» . 22- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن بالطّعّان ولا اللّعّان ولا الفاحش ولا البذيء» ) * «5» . 23- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإنّ الله ليبغض الفاحش البذيء» ) * «6» . 24- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما كان الفحش في شيء قطّ إلّا شانه، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلّا زانه» ) * «7» . 25- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أناس من اليهود فقالوا: السّام عليك يا أبا القاسم، قال: «وعليكم» ، قالت عائشة: قلت بل عليكم السّام والذّام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا عائشة، لا تكوني فاحشة» فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: «أو ليس قد رددت عليهم الّذي قالوا؟ قلت وعليكم» ) * «8» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الهجاء) 1- * (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوب نفسك) * «9» . 2- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: ألأم شيء في المؤمن الفحش) * «10» . 3- * (قال الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى-: ألا أخبركم بأدوأ الدّاء: اللّسان البذيء والخلق الدّنيء) * «11» .   (1) وبال ذلك: أي إثمه وذنبه. (2) رواه أبو داود (4084) واللفظ له، أحمد (5/ 64) ، البيهقي (10/ 236) ، الحاكم (4/ 186) وقال: صحيح ووافقه الذهبي وهو عند الألباني (2/ 769، 770) وقال: صحيح. (3) لا تهجّروا: أي لا تتكلموا بالهجر وهو الكلام القبيح. (4) مسلم (2563) . (5) الترمذي (1977) واللفظ له وقال: حسن غريب، أحمد (1/ 405) وقال شاكر: اسناده صحيح (5/ 322) ، والحاكم (1/ 12) وصححه ووافقه الذهبي وقال محقق جامع الأصول: هو كما قالا (10/ 757) كما عزاه أيضا لابن حبان في الموارد. (6) الترمذي (2002) وقال: حسن صحيح. (7) الترمذي (1974) وقال: حديث حسن، أحمد (3/ 165) ، ابن ماجة (4185) واللفظ لأحمد وابن ماجة. (8) البخاري- الفتح 10 (6030) ، مسلم (2165) واللفظ له. (9) الأدب المفرد للبخاري (121) رقم (328) . (10) روضة العقلاء (57) . (11) الإحياء (3/ 131) ط. الريان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5679 4- * (قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن- رحمه الله-: قذف المحصنات من الموجبات، ثمّ تلا قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور/ 23) * «1» . 5- * (عن سعيد بن عبد العزيز- رحمه الله- أنّه قال: رأى أبو الدّرداء- رضي الله عنه- امرأة سليطة اللّسان فقال: لو كانت هذه خرساء كان خيرا لها) * «2» . 6- * (قال الرّبيع بن خيثم- رحمه الله-: ما أنا براض عن نفسي فكيف أذمّ النّاس) * «3» . 7- * (قال إبراهيم بن ميسرة- رحمه الله-: يقال: يؤتى بالفاحش المتفحّش يوم القيامة في صورة كلب، أو في جوف كلب) * «4» . 8- * (قال الشّاعر: انطق مصيبا لا تكن هذرا ... عيّابة ناطقا بالفحش والرّيب وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر ... فإن نطقت فلا تكثر من الخطب ولا تجب سائلا من غير تروية ... وبالّذي عنه لم تسأل فلا تجب) * «5» . 9- * (قال بعض الشّعراء: أحبّ مكارم الأخلاق جهدي ... وأكره أن أعيب وأن أعابا وأصفح عن سباب النّاس حلما ... وشرّ النّاس من يهوى السّبابا ومن هاب الرّجال تهيّبوه ... ومن حقر الرّجال فلن يهابا) * «6» . 10- * (يقال: إنّ أهجى بيت ق اله جر ير: فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا* «7» . من مضار (الهجاء) (1) دليل ضعف الإيمان. (2) دليل خبث الطّويّة وسوء الخلق. (3) يسبّب قلّة الأصحاب وبعد الأهل والأحباب. (4) الّذي يهجو يكثر اعتذاره لسرعة وقوعه في النّاس. (5) يؤدّي إلى أن تسود روح العداوة والشّحناء بين أفراد المجتمع. (6) يؤذي المسلمين بل جميع العالمين لما يصدر عنه من الغلط المبين. (7) يبعد صاحبه عن الجنان ويعرّضه للنّيران.   (1) الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية (50) . (2) كتاب الصمت لابن أبي الدنيا (254) . (3) مساوىء الأخلاق ومذمومها للخرائطي (32) . (4) الإحياء (3/ 131) ط. الريان. (5) حسن السمت في الصمت (47) . (6) أدب الدنيا والدين (303) . (7) أضواء البيان للشنقيطي (6/ 189) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5680 الهجر الهجر لغة: مصدر قولهم: هجر الشّيء يهجره، وهو مأخوذ من مادّة (هـ ج ر) الّتي تدلّ على القطيعة «1» ، ومن هذا: الهجر ضدّ الوصل وكذلك الهجران، وهاجر القوم من دار إلى دار، تركوا الأولى للثّانية كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكّة إلى المدينة، وتهجّر الرّجل وتمهجر: أي تشبّه بالمهاجرين، ومن الباب الهجر بمعنى الهذيان، والهجر أيضا الإفحاش في المنطق والخنا. ورماه بالهاجرات، وهي الفضائح، وسمّي هذا كلّه (هجرا) لأنّه من المهجور الّذي لا خير فيه «2» وأهجرت بالرّجل: استهزأت به. وقلت فيه قولا قبيحا. وقال ابن منظور: يقال: هجره يهجره هجرا وهجرانا: صرمه. وهما يهتجران ويتهاجران والاسم الهجرة: والتّهاجر: التّقاطع. وهجر الشّيء وأهجره: تركه. والهجر: الاسم من الإهجار. يقال هجر المريض يهجر هجرا بالضّمّ فهو هاجر والكلام مهجور. قال أبو عبيد: يروى عن إبراهيم النّخعيّ ما يثبت هذا القول في قوله تعالى ... إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (الفرقان/ 30) . قال: قالوا فيه غير الحقّ. ألم تر إلى المريض إذا هجر قال غير الحقّ، وعن مجاهد نحوه. والهجر: الكلام المهجور لقبحه. وفي الحديث: «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا» . وأهجر فلان: إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد. وهجر المريض: إذا أتى بذلك من غير قصد «3» . وقال ابن الأثير: وفي الحديث «لا هجرة بعد ثلاث» يريد به الهجر ضدّ الوصل، يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة، أو تقصير يقع في حدود العشرة والصّحبة، دون ما كان من ذلك في جانب الدّين، فإنّ هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مرّ الأوقات ما لم تظهر منهم التّوبة، والرّجوع إلى الحقّ، ومن ذلك أيضا ما جاء في الحديث لا يذكر الله إلّا هجرا، يريد التّرك له والإعراض عنه، يقال: هجرت الشّيء إذا تركته وأغفلته، أمّا ما رواه ابن قتيبة من قوله صلى الله عليه وسلّم «ولا يسمعوا القول إلّا هجرا» (بالضّمّ) فالمراد الخنا، والقبيح من القول، وقول الله تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ (النساء/ 34) أي في   (1) لهذه المادة معنى آخر هو شد الشىء وربطه. انظر المقاييس (6/ 34) . (2) المرجع السابق (6/ 35) . (3) لسان العرب لابن منظور (5/ 250- 252) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5681 المنام توصّلا إلى طاعتهنّ «1» ، وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: قيل الهجر في المضاجع ألّا يضاجعها ويولّيها ظهره ولا يجامعها، وقيل: جنّبوا مضاجعهنّ، أي أبعدوها من الهجران وهو البعد. وقيل: واهجروهنّ مأخوذ من الهجر وهو القبيح من الكلام، أي غلّظوا عليهنّ في القول، وقيل غير ذلك وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر «2» . أنواع الهجر: يختلف الهجر باختلاف المهجور ويمكن تلخيص ذلك في الأنواع الآتية: 1- هجر القرآن. وهذا ما سنتحدّث عنه في الصّفة التّالية (انظر هجر القرآن) . 2- هجر الرّجل زوجته، أو نساءه. 3- هجر الأقارب (وهو نوع من قطيعة الرّحم) . 4- هجر أهل البدع والأهواء. 5- هجر المسلمين بعضهم بعضا، ويسمّى بالتّهاجر. الفرق بين التّهاجر والتّدابر والتّشاحن: قال ابن حجر: التّهاجر: أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيّام لغير غرض شرعيّ. والتّدابر: هو الإعراض عن المسلم بأن يلقى أخاه فيعرض عنه بوجهه. والتّشاحن: هو تغيّر القلوب المؤدّي إلى التّهاجر والتّدابر «3» . حكم الهجر: يختلف حكم الهجر باختلاف المهجور فإن تعلّق الهجر بالمرأة كان ذلك جائزا، بل مأمورا به في بعض الأحيان وذلك عند النّشوز أو مخافته مصداقا لقوله تعالى: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ» (النساء/ 34) (انظر الشاهد القرآنى رقم 1) . وإن تعلّق الهجر بالمسلم فإنّه يعدّ كبيرة كما صرّح بذلك ابن حجر. شريطة أن يكون فوق ثلاث وليس بغرض شرعيّ لما في ذلك من التّقاطع والإيذاء والفساد، ويستثنى من تحريم هذا الهجر مسائل حاصلها أنّه متّى عاد (الهجر) إلى صلاح دين الهاجر والمهجور جاز وإلّا فلا «4» . وإذا كان المهجور من ذوي الرّحم فإنّه كبيرة حتّى وإن لم تبلغ المدّة ثلاثة أيّام؛ لأنّ الهجر هنا أضيف إليه قطيعة الرّحم، وقد عدّ الإمام الذّهبيّ هجر الأقارب مطلقا من الكبائر «5» ، أمّا هجر أهل البدع والأهواء فإنّه مطلوب على مرّ الأوقات ما لم   (1) النهاية (5/ 244) وما بعدها. (2) تفسير القرطبى (5/ 112) . (3) الزواجر (418) . (4) المرجع السابق (421) . (5) الكبائر (47) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5682 تظهر منهم التّوبة والرّجوع إلى الحقّ، كما قال ابن الأثير «1» ، وفيما يتّعلّق بحكم هجر القرآن (انظر صفة هجر القرآن) . بم يكون الهجر؟ والهجر والهجران: يكون بالبدن وباللّسان وبالقلب، وقوله تعالى وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ (النساء/ 34) أي بالأبدان. وقوله تعالى إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (الفرقان/ 30) باللّسان أو بالقلب. وقوله تعالى وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (المزمل/ 10) محتمل للثّلاثة. وقوله تعالى وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدثر/ 5) حثّ على المفارقة بالوجوه كلّها «2» . واصطلاحا: قال المناويّ: الهجر والهجران: مفارقة الإنسان غيره. إمّا بالبدن. أو اللّسان. أو القلب «3» . وقال الكفويّ: الهجر بالفتح: التّرك والقطيعة. والهجر بالضمّ: الفحش في المنطق «4» . [للاستزادة: انظر صفات: قطيعة الرحم- هجر القرآن- الإعراض. وفي ضد ذلك: انظر صفات: صلة الرحم- إفشاء السلام- تلاوة القرآن- التودد- حسن العشرة- الإخاء] .   (1) النهاية (5/ 246) . (2) المفردات للراغب (537) ، وبصائر ذوى التمييز (5/ 304) . (3) التوقيف على مهمات التعاريف (242) . (4) الكليات (961) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5683 الآيات الواردة في «الهجر» 1- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) «1» 2- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (4) «2» 3- يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (10) «3» 4- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) «4»   (1) النساء: 34- 35 مدنية (2) مريم: 41- 48 مكية (3) المزمل: 1- 10 مكية (4) المدثر: 1- 5 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5684 الأحاديث الواردة في ذمّ (الهجر) 1- * (عن عوف بن مالك بن الطّفيل- هو ابن الحارث وهو ابن أخي عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم لأمّها- أنّ عائشة حدّثت أنّ عبد الله بن الزّبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهينّ عائشة أو لأحجرنّ عليها. فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم. قالت: هو لله عليّ نذر أن لا أكلّم ابن الزّبير أبدا. فاستشفع ابن الزّبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا، والله لا أشفّع فيه أبدا، ولا أتحنّث إلى نذري. فلمّا طال ذلك على ابن الزّبير كلّم المسور بن مخرمة وعبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث- وهما من بني زهرة- وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة، فإنّها لا يحلّ لها أن تنذر قطيعتي. فأقبل به المسور وعبد الرّحمن مشتملين بأرديتهما حتّى استأذنا على عائشة فقالا: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته. أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلّنا؟ قالت: نعم، ادخلوا كلّكم- ولا تعلم أنّ معهما ابن الزّبير- فلمّا دخلوا دخل ابن الزّبير الحجاب فاعتنق عائشة، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرّحمن يناشدانها إلّا ما كلّمته وقبلت منه، ويقولان: إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم نهى عمّا قد علمت من الهجرة؛ فإنّه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلمّا أكثروا على عائشة من التّذكرة والتّحريج طفقت تذكّرهما وتبكي وتقول: إنّي نذرت والنّذر شديد. فلم يزالا بها حتّى كلّمت ابن الزّبير. وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة. وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتّى تبلّ دموعها خمارها» ) * «1» . 2- * (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية، وإذا كنت عليّ غضبى، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: «أمّا إذا كنت عنّي راضية فإنّك تقولين: لا، وربّ محمّد، وإذا كنت غضبى قلت: لا، وربّ إبراهيم، قالت: قلت: أجل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلّا اسمك» ) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قال: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا» . وفيه رواية عن عبد العزيز الدّراورديّ: «إلّا المتهاجرين» من رواية ابن عبدة. وقال قتيبة: «إلّا المهتجرين» ) * «3» . 4- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تحلّ الهجرة فوق ثلاثة أيّام، فإن التقيا فسلّم أحدهما فردّ الآخر اشتركا في الأجر، وإن لم يردّ برىء هذا من الإثم، وباء به الآخر،   (1) البخاري- الفتح 10 (6073، 6074، 6075) . (2) البخاري- الفتح 9 (5228) واللفظ له، ومسلم (2439) . (3) مسلم (2565) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5685 وأحسبه قال: وإن ماتا وهما متهاجران لا يجتمعان في الجنّة» ) «1» . 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تهجر امرأة فراش زوجها إلّا لعنتها ملائكة الله- عزّ وجلّ-» ) * «2» . 6- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تهجّروا «3» ، ولا تدابروا، ولا تحسّسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «4» . 7- * (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «5» . 8- * (عن هشام بن عامر بن أميّة الأنصاريّ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال، فإنّهما ناكبان عن الحقّ ما داما على صرامهما وأوّلهما فيئا يكون سبقه بالفيء كفّارة له، وإن سلّم فلم يقبل وردّ عليه سلامه ردّت عليه الملائكة، وردّ على الآخر الشّيطان، فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنّة جميعا أبدا» ) * «6» . ورواه أبو بكر بن أبي شيبة إلّا أنّه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ أن يصطرما فوق ثلاث، فإن اصطرما فوق ثلاث لم يجتمعا في الجنّة أبدا، وأيّهما بدأ صاحبه كفّرت ذنوبه، وإن هو سلّم فلم يردّ عليه ولم يقبل سلامه ردّ عليه الملك، وردّ على ذلك الشّيطان» . 9- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات، دخل النّار» ) * «7» . 10- * (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا يكون لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة، فإذا لقيه سلّم عليه ثلاث مرار كلّ ذلك لا يردّ عليه، فقد باء بإثمه» ) * «8» . 11- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) . حتّى حجّ عمر وحججت معه. فلمّا كنّا ببعض الطّريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرّز، ثمّ أتاني فسكبت على يديه، فتوضّأ فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من   (1) المنذري في الترغيب (3/ 457) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك (4/ 163) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (2) أحمد (2/ 348) وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 238) : رواه البخاري ومسلم بلفظ قريب منه. ولفظه: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، وفي رواية حتى ترجع» . (3) لا تهجروا: أي لا تتكلموا بالهجر وهو الكلام القبيح. (4) مسلم (2563) . (5) البخاري- الفتح 10 (6077) . ومسلم (2560) . (6) المنذري في الترغيب (3/ 456) وقال: رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح، وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: لم يدخلا الجنة، ولم يجتمعا في الجنة. (7) أبو داود (4914) وقال الألباني (3/ 928) : صحيح والإرواء أيضا، المشكاة (5035) . (8) أبو داود (4913) وقال الألباني (3/ 928) : حسن الإرواء (7/ 94) صحيح الجامع (7775) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5686 أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله- عزّ وجلّ- لهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) قال عمر: وا عجبا لك يا ابن عبّاس (قال الزّهريّ: كره، والله ما سأله عنه ولم يكتمه) قال: هي حفصة وعائشة، ثمّ أخذ يسوق الحديث. قال: كنّا معشر قريش قوما نغلب النّساء. فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في بني أميّة بن زيد بالعوالي «1» . فتغضّبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني. فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل. فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فقالت: نعم. فقلت: أتهجره إحداكنّ اليوم إلى اللّيل؟ قالت: نعم. قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر. أفتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلّم فإذا هي قد هلكت؟ لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا تسأليه شيئا، وسليني ما بدا لك، ولا يغرّنّك أن كانت جارتك «2» هي أوسم «3» وأحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم منك (يريد عائشة) . قال: وكان لي جار من الأنصار. فكنّا نتناوب النّزول «4» إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك، وكنّا نتحدّث أنّ غسّان تنعل الخيل «5» لتغزونا. فنزل صاحبي، ثمّ أتاني عشاء فضرب بابي، ثمّ ناداني، فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم. قلت: ماذا؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا. بل أعظم من ذلك وأطول. طلّق النّبيّ صلى الله عليه وسلّم نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت. قد كنت أظنّ هذا كائنا. حتّى إذا صلّيت الصّبح شددت عليّ ثيابي. ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت: أطلّقكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فقالت: لا أدري. ها هو ذا معتزل في هذه المشربة. فأتيت غلاما له أسود فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ. فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتّى انتهيت إلى المنبر فجلست. فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم. فجلست قليلا ثمّ غلبني ما أجد، ثمّ أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمت. فولّيت مدبرا. فإذا الغلام يدعوني. فقال: ادخل فقد أذن لك. فدخلت فسلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فإذا هو متّكىء على رمل حصير «6» . قد أثّر في جنبه. فقلت: أطلّقت، يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: «لا» فقلت: الله أكبر. لو رأيتنا يا رسول الله وكنّا معشر قريش قوما نغلب النّساء، فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم، فتغضّبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني. فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن   (1) بالعوالي: موضع قريب من المدينة. (2) جارتك: أي ضرتك. (3) أوسم: أي أحسن وأجمل. والوسامة الجمال. (4) فكنا نتناوب النزول: يعني من العوالي الى مهبط الوحي. والتناوب أن تفعل الشيء مرة، ويفعل الآخر مرة أخرى. (5) تنعل الخيل: أي يجعلون لخيولهم نعالا لغزونا. يعني يتهيأون لقتالنا. (6) على رمل حصير: هو بفتح الراء وإسكان الميم. وفي غير هذه الرواية: رمال، بكسر الراء. يقال: رملت الحصير وأرملته، إذا نسجته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5687 أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهنّ وخسر. أفتأمن إحداهنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلّم. فإذا هي قد هلكت؟ فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله، قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم منك. فتبسّم أخرى، فقلت: أستأنس يا رسول الله؟ قال: «نعم» فجلست، فرفعت رأسي في البيت فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر إلّا أهبا ثلاثة. فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسّع على أمّتك؛ فقد وسّع على فارس والرّوم- وهم لا يعبدون الله- فاستوى جالسا، ثمّ قال: «أفي شكّ أنت يابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» . فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم أن لا يدخل عليهنّ شهرا من شدّة موجدته عليهنّ. حتّى عاتبه الله عزّ وجلّ» ) * «1» . 12- * (عن أبي خراش السّلميّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه» ) * «2» . 13- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجل من اليمن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هجرت الشّرك ولكنّه الجهاد. هل باليمن أبواك» ؟ قال: نعم. قال: «أذنا لك؟ «قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ارجع إلى أبويك فإن فعلا وإلّا فبرّهما» ) * «3» . 14- * (عن معاوية القشيريّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت» أو «اكتسبت» «ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلّا في البيت» ) * «4» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الهجر) معنى 15- * (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بينما هو جالس في المسجد والنّاس معه- إذ أقبل نفر ثلاثة فأقبل اثنان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذهب واحد. قال: فوقفا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمّا أحدهما فرأى فرجة «5» في الحلقة «6» فجلس فيها. وأمّا الآخر فجلس خلفهم، وأمّا الثّالث فأدبر ذاهبا.   (1) البخاري- الفتح 9 (5191) . ومسلم (1479) واللفظ له. (2) أبو داود (4915) ، وقال الألباني (3/ 928) : صحيح- الصحيحة (3/ 925) . (3) رواه الهيثمي في المجمع (1/ 138) وقال: رواه أحمد وإسناده حسن. (4) أبو داود (2142) وقال الألباني (2/ 402) : حسن صحيح. وقال أبو داود «ولا تقبح» أن تقول: قبحك الله. والترغيب (3/ 51) واللفظ لهما. وقال المنذري: رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. (5) فرجة: الفرجة بضم الفاء، وفتحها، لغتان. وهي الخلل بين الشيئين. ويقال لها أيضا: فرج. ومنه قوله تعالى وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (ق/ 6) جمع فرج. وأما الفرجة بمعنى الراحة من الغم، فذكر الأزهري فيها بفتح الفاء وضمها وكسرها. وقد فرج له، في الحلقة والصف ونحوهما، بتخفيف الراء، يفرج، بضمها. (6) الحلقة: باسكان اللام، على المشهور. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5688 فلمّا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «ألا أخبركم عن النّفر الثّلاثة؟ أمّا أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله «1» ، وأمّا الآخر فاستحيا «2» ، فاستحيا الله منه، وأمّا الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» ) * «3» . 16- * (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس: فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه ويردّ أهل الضّغائن «4» بضغائنهم حتّى يتوبوا» ) * «5» . 17- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- في قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى (عبس/ 1) جاء ابن أمّ مكتوم إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم وهو يكلّم أبيّ بن خلف فأعرض عنه فأنزل الله- عزّ وجلّ- عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (عبس/ 1- 2) فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلّم بعد ذلك يكرّمه» ) * «6» . 18- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا، عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم. لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التّقوى هاهنا- ويشير إلى صدره ثلاث مرّات- بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» ) * «7» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الهجر) 1- * (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «التّدابر التّصارم» ) * «8» . 2- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه: «ما اهتجر رجلان في الإسلام إلّا خرج أحدهما منه» ) * «9» . وهذا من باب الزّجر عن المهاجرة. 3- * (عن مجاهد في قوله تعالى وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ (لقمان/ 18) . قال: «هو الرّجل يكون   (1) فأوى الى الله فآواه الله: لفظة أوى بالقصر. وآواه بالمد. هكذا الرواية، وهذه هي اللغة الفصيحة بها جاء القرآن. أي إنه اذا كان لازما كان مقصورا، وإن كان متعديا كان ممدودا. قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ. وقال تعالى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ. وقال تعالى، في المتعدي: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ. وقال تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. قال العلماء: معنى أوى إلى الله أي لجأ إليه. (2) وأما الآخر فاستحيا: هذا دليل اللغة الفصيحة الصحيحة أنه يجوز في الجماعة أن يقال في غير الأخير منهم: الآخر. فيقال: حضرني ثلاثة: أما أحدهم فقرشي وأما الآخر فأنصاري وأما الآخر فتيمي. وقد زعم بعضهم أنه لا يستعمل الآخر إلا في الآخر خاصة. وهذا الحديث صريح في الرد عليه. (3) البخاري- الفتح 1 (143، 144) ، ومسلم رقم (2176) . (4) الضغائن: بالضاد والغين المعجمتين: هي الأحقاد. (5) المنذري في الترغيب (3/ 459) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات. (6) ابن كثير في تفسيره (4/ 470) وهذا لفظه وقال أخرجه أبو يعلى في مسنده. وعند مالك في الموطأ نحوه (1/ 203) ورجاله ثقات. ونحوه من حديث عائشة رضي الله عنها عند الترمذي (3331) وقال: حديث حسن غريب. وانظر جامع الأصول (2/ 422) . (7) البخاري- الفتح 5 (2442) . ومسلم (2564) واللفظ له. (8) مساوىء الأخلاق (197) . (9) المرجع السابق (196) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5689 بينه وبين الرّجل حنة «1» فيعرض عنه» ) * «2» . 4- * (وعن مجاهد- رحمه الله- قال: «الأقلف «3» موقوف عمله حتّى يختتن، والصّارم «4» الظّالم موقوف عمله حتّى يفيء» ) * «5» . 5- * (قال ابن مفلح- رحمه الله-: «يسنّ هجر من جهر بالمعاصي الفعليّة والقوليّة والاعتقاديّة» ) «6» . 6- * (عن أبي الحسن المدائنيّ قال: «جرى بين الحسن بن عليّ وأخيه الحسين كلام حتّى تهاجرا فلمّا أتى على الحسن ثلاثة أيّام من هجر أخيه فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكبّ على رأسه فقبّله، فلمّا جلس الحسن قال له الحسين: إنّ الّذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنّك أحقّ بالفضل منّي فكرهت أن أنازعك ما أنت أحقّ به» ) * «7» . 7- * (قال ابن منظور: «إنّ هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مرّ الأوقات ما لم تظهر منهم التّوبة والرّجوع إلى الحقّ» ) * «8» . 8- * (قال ابن تميم: «هجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم والمتظاهرين بالمعاصي، وترك السّلام عليهم فرض كفاية، ومكروه لسائر النّاس، ولا يسلّم أحد على فاسق معلن، ولا مبتدع معلن داعية، ولا يهجر مسلما مستورا غيرهما من السّلام فوق ثلاثة أيّام» ) * «9» . من مضار (الهجر) (1) الهجر صفة قبيحة تسخط الله- عزّ وجلّ- على المتهاجرين. (2) وهو سبب في تأخير المغفرة من الله- عزّ وجلّ-. (3) الهجر بين الإخوان فوق ثلاث حرام، ويسبّب تفكّكا اجتماعيّا. (4) هجر المرأة فراش زوجها سبب في لعنة الله والملائكة لها. (5) الهجر من حبائل الشّيطان. يغوي بها أتباعه حتّى يسوقهم إلى الجحيم.   (1) الحنة: العطف والشفقة. (2) الخرائطي في مساوىء الأخلاق (199) . والطبري (21/ 48) في تفسيره. (3) الأقلف: من لم يختتن. (4) الصارم: من الصرم وهو القطع. (5) مساويء الأخلاق (198) . (6) الآداب الشرعية (1/ 229) . (7) الخرائطي في مساويء الأخلاق (200) . (8) لسان العرب (5/ 250) . (9) الآداب الشرعية (237) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5690 هجر القرآن الهجر لغة: انظر صفة الهجر. تعريف القرآن: قال القرطبيّ: القرآن اسم لكلام الله تعالى وهو بمعنى المقروء، ويسمّى المقروء قرآنا على عادة العرب في تسميتها المفعول باسم المصدر ثمّ اشتهر الاستعمال في هذا واقترن به العرف الشّرعيّ فصار القرآن اسما لكلام الله وقيل: هو اسم علم لكتاب الله غير مشتقّ كالتّوراة والإنجيل «1» . وقال الجرجانيّ: القرآن: هو المنزّل على الرّسول، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة «2» . قال أبو إسحاق النّحويّ: يسمّى كلام الله تعالى الّذي أنزله على نبيّه صلى الله عليه وسلّم، كتابا وقرآنا وفرقانا ومعنى القرآن معنى الجمع، وسمّي قرآنا لأنّه يجمع السّور، فيضمّها «3» . قال الحافظ ابن كثير- عليه رحمة الله-: كان الكفّار إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللّغط والكلام في غيره حتّى لا يسمعونه، فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به. وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبّره وتفهّمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه «4» . هجر القرآن اصطلاحا: لم تذكر كتب المصطلحات «هجر القرآن» مصطلحا ويمكن فى ضوء ما أوردته كتب الّلغة وما ذكره المفسّرون أنّ هجر القرآن له جانبان: أحدهما يتعلّق بالقرآن دون أخذ له، وهذا صنيع الكفّار والمنافقين، والآخر يتعلّق به بعد الإقرار بأنّه كلام الله الّذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذا صنيع بعض المسلمين الّذين لا يقرأون القرآن، أو يقرأونه لا يجاوز حناجرهم، فلا يعملون به، ومن هؤلاء صنف يحفظ القرآن أو شيئا منه ثمّ يهجر القراءة حتّى ينسى ما قد يكون حفظه منه. وعلى ذلك فإنّ هجر القرآن: هو الإعراض عنه أو اللّغو فيه والقول فيه بغير الحقّ- كالزّعم بأنّه سحر أو شعر ونحو ذلك من سيّىء القول- وترك تلاوته أو العمل به أو نسيانه بعد الحفظ.   (1) تفسير القرطبي (2/ 298) . (2) التعريفات للجرجاني (181) . (3) لسان العرب (1/ 182) . (4) تفسير القرآن العظيم (3/ 329) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5691 مظاهر هجر القرآن: لهجر القرآن مظاهر عديدة منها: 1- القول فيه بغير الحقّ، وهذا صنيع الكفّار الّذين حكي عنهم في قوله تعالى: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً. قال القرطبيّ: أي قالوا فيه غير الحقّ من أنّه سحر أو شعر «1» . وقال الطّبريّ: يعني قولهم فيه السّيّىء من القول، فقالوا غير الحقّ «2» . 2- الإعراض عن القرآن واللّغو فيه. وقد ورد هذا المعنى في تفسير الآية السّابقة، يقول الطّبريّ: وذلك أنّ الله أخبر عنهم بأنّهم قالوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ (فصلت/ 26) وذلك هجرهم إيّاه «3» . 3- ترك تلاوة القرآن بالكلّيّة، وهذا المعنى قد أورده القرطبيّ في تفسير الآية الكريمة السّابقة عندما ذكر: وقيل معنى مهجورا «متروكا» وما جاء عن ابن عبّاس: «الّذي ليس فى جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» (الحديث رقم 2) . 4- نسيان القرآن بعد حفظه، وإلى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ... إلى قوله تعالى كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (طه/ 124- 126) . 5- ترك العمل بالقرآن، ودليل ذلك ما رواه أبو عبيدة عن أنس مرفوعا «القرآن شافع مشفّع وما حل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه قاده إلى النّار» «4» . ومعنى أن يجعل الإنسان القرآن خلفه أن يهمل تلاوته أو العمل به. حكم هجر القرآن: يختلف حكم هجر القرآن باختلاف نوع الهجر، فإن كان الهجر بالإعراض عنه واللّغو فيه فهذا كفر صراح، وإن كان الهجر بمعنى التّرك المؤدّي إلى النّسيان بعد الحفظ فقد ذكر ابن حجر أنّه من الكبائر، وقال بأنّ ذلك هو ما ذهب إليه الرّافعيّ وغيره، ونقل عن بعض العلماء أنّ محلّ كون نسيان القرآن كبيرة عند من قال به مشروط بأن يكون عن تكاسل وتهاون، وهذا احتراز عمّا لو اشتغل عنه بمرض مانع من القراءة، وعدم التّأثيم بالنّسيان حينئذ واضح، لأنّه مغلوب عليه لا اختيار له فيه. أمّا إذا كان الهجر متعلّقا بعدم العمل به فذلك معصية يتوقّف كونها كبيرة أو صغيرة على نوع المخالفة ذاتها، وأمّا إذا كان الهجر بمعنى ترك التّلاوة، فإن كان يقدر عليها ولم يفعل فهو كالبيت الخرب وإن لم يكن قادرا فإنّ الله لا يكلّف نفسا إلّا وسعها، هذا إلّا فيما تصحّ به صلاته فإنّه واجب على كلّ مسلم ولا يجوز تركه بحال «5» .   (1) تفسير القرطبي (13/ 20) . (2) تفسير الطبري (9/ 385) . (3) الطبري (9/ 385) . (4) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 152) . (5) الزواجر (157) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5692 أنواع هجر القرآن والحرج منه: هجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. والثّاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به. والثّالث: هجر تحكيمه والتّحاكم إليه في أصول الدّين وفروعه، واعتقاد أنّه لا يفيد اليقين وأنّ أدلّته لفظيّة لا تحصّل العلم. والرّابع: هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد المتكلّم به منه. والخامس: هجر الاستشفاء والتّداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التّداوي به، وكلّ هذا داخل في قوله تعالى: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (الفرقان/ 30) ، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض. والسّادس: الحرج الّذي في الصّدور منه، فإنّه تارة يكون حرجا من إنزاله وكونه حقّا من عند الله. وتارة من جهة المتكلّم به أو كونه مخلوقا من بعض مخلوقاته ألهم غيره أن تكلّم به، وتارة يكون من جهة كفايته وعدمها وأنّه لا يكفي العباد، بل هم محتاجون معه إلى المعقولات والأقيسة أو الآراء أو السّياسات. وتارة يكون من جهة دلالته وما أريد به حقائقه المفهومة منه عند الخطاب، أو أريد به تأويلها وإخراجها عن حقائقها إلى تأويلات مستكرهة مشتركة. وتارة يكون من جهة كون تلك الحقائق وإن كانت مرادة، فهي ثابتة في نفس الأمر أو أوهم أنّها مرادة لضرب من المصلحة. فكلّ هؤلاء في صدورهم حرج من القرآن، وهم يعلمون ذلك من نفوسهم ويجدونه في صدورهم. ولا تجد مبتدعا في دينه قطّ إلّا وفي قلبه حرج من الآيات الّتي تخالف بدعته. كما أنّك لا تجد ظالما فاجرا إلّا وفي صدره حرج من الآيات الّتي تحول بينه وبين إرادته. فتدبّر هذا المعنى ثمّ ارض لنفسك بما تشاء «1» . [للاستزادة: انظر صفات: الهجر- الإعراض الغفلة- اللغو- العصيان- انتهاك الحرمات. وفي ضد ذلك: انظر صفات: تلاوة القرآن- الذكر- الكلم الطيب- تعظيم الحرمات- الطاعة] .   (1) الفوائد لابن القيم (107- 108) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5693 الآيات الواردة في «هجر القرآن» 1- حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74) «1» 2- وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (31) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) «2» الآيات الواردة في «هجر القرآن» معنى 3- وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) «3» 4- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) «4»   (1) المؤمنون: 64- 74 مكية (2) الفرقان: 30- 32 مدنية (3) طه: 124 مكية (4) فصلت: 26 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5694 الأحاديث الواردة في ذمّ (هجر القرآن) معنى 1- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إنّ أصغر البيوت بيت ليس فيه من كتاب الله شيء، فاقرؤوا القرآن فإنّكم تؤجرون عليه. بكلّ حرف عشر حسنات، أما إنّي لا أقول الم، ولكنّي أقول ألف، ولام، وميم» ) * «1» . 2- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ الّذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» ) * «2» . 3- * (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّه مرّ على قاصّ يقرأ، ثمّ سأل، فاسترجع ثمّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «من قرأ القرآن، فليسأل الله به، فإنّه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به النّاس» ) * «3» . 4- * (عن زيد بن وهب الجهنيّ، أنّه كان في الجيش الّذين كانوا مع عليّ- رضي الله عنه- الّذين ساروا إلى الخوارج. فقال عليّ- رضي الله عنه-: أيّها النّاس، إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «يخرج قوم من أمّتي يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم «4» يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة» . لو يعلم الجيش الّذين يصيبونهم، ما قضي لهم على لسان نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، لا تّكلوا عن العمل، وآية ذلك أنّ فيهم رجلا له عضد، وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثّدي، عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشّام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم، والله، إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنّهم قد سفكوا الدّم الحرام، وأغاروا في سرح النّاس «5» ، فسيروا على اسم الله. قال سلمة بن كهيل: فنزّلني زيد بن وهب منزلا «6» حتّى قال: مررنا على قنطرة، فلمّا التقينا وعلى   (1) الترمذي (2910) نحوه، وقال: حسن صحيح، والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 359) ، وقال: رواه الحاكم موقوفا (1/ 566) ومرفوعا واللفظ له، ووافقه الذهبي وقال: رفعه بعضهم. (2) أحمد (1947) ، والترمذي (2913) واللفظ له، وقال: حسن صحيح، والحاكم (1/ 544) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 290) ، والترغيب والترهيب (2/ 359) . (3) أخرجه الترمذي (2917) ، وقال: حديث حسن، ينظر في الصحيحة (257) وأورده السيوطي في الجامع الصغير وحسن إسناده الشيخ الألباني (6343) . (4) لا تجاوز صلاتهم تراقيهم: المراد بالصلاة هنا، القراءة، لأنها جزؤها. (5) وأغاروا في سرح الناس: السرح والسارح والسارحة الماشية، أي أغاروا على مواشيهم السائمة. (6) فنزلني زيد بن وهب منزلا: هكذا هو في معظم النسخ، منزلا مرة واحدة، وفي نادر منها، منزلا منزلا، مرتين، وهو وجه الكلام، أي ذكر لي مراحلهم بالجيش منزلا منزلا حتى بلغ القنطرة التي كان القتال عندها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5695 الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الرّاسبيّ، فقال لهم: ألقوا الرّماح، وسلّوا سيوفكم من جفونها «1» ، فإنّي أخاف أن يناشدوكم «2» كما ناشدوكم يوم حروراء، فرجعوا فوحّشوا برماحهم «3» وسلّوا السّيوف، وشجرهم النّاس برماحهم «4» . قال: وقتل بعضهم على بعض، وما أصيب من النّاس يومئذ إلّا رجلان، فقال عليّ- رضي الله عنه-: التمسوا فيهم المخدج، فالتمسوه فلم يجدوه، فقام عليّ- رضي الله عنه- بنفسه حتّى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض. قال: أخّروهم، فوجدوه ممّا يلي الأرض. فكبّر. ثمّ قال: صدق الله، وبلّغ رسوله. قال: فقام إليه عبيدة السّلمانيّ. فقال: يا أمير المؤمنين، والله الّذي لا إله إلّا هو، لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فقال: إي والله الّذي لا إله إلّا هو، حتّى استحلفه ثلاثا «5» وهو يحلف له) * «6» . 5- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصّل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع إمّا علقمة، وإمّا عامر بن الطّفيل. فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء قال: فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» . قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار. فقال: يا رسول الله، اتّق الله. قال: «ويلك أولست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال: ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا. لعلّه أن يكون يصلّي» ، فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّي لم أومر أن أنقّب قلوب النّاس. ولا أشقّ بطونهم» قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ فقال: «إنّه يخرج من ضئضىء هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» وأظنّه قال: لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود» ) * «7» . 6- * (عن سليمان بن يسار قال: تفرّق النّاس   (1) وسلوا سيوفكم من جفونها: أي أخرجوها من أغمادها، جمع جفن وهو الغمد. (2) فإني أخاف أن يناشدوكم: يقال: نشدتك الله وناشدتك الله أي سألتك بالله وأقسمت عليك. (3) فوحشوا برماحهم: أي رموا بها عن بعد منهم، ودخلوا فيهم بالسيوف حتى لا يجدوا فرصة. (4) وشجرهم الناس برماحهم: أي مدوها إليهم وطاعنوهم بها، ومنه التشاجر في الخصومة، وسمي الشجر شجرا لتداخل أغصانه، والمراد بالناس أصحاب علي. (5) حتى استحلفه ثلاثا: قال الإمام النووي: وإنما استحلفه ليسمع الحاضرين ويؤكد ذلك عندهم ويظهر لهم المعجزة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويظهر لهم أن عليا وأصحابه أولى الطائفتين بالحق، وأنهم محقون في قتالهم. (6) مسلم (1066) ، وقد أورده البخاري مختصرا (8/ 5058) من رواية أبي سعيد. (7) البخاري. الفتح 7 (4351) واللفظ له، ومسلم (1064) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5696 عن أبي هريرة- رضي الله عنه- فقال له ناتل أهل الشّام «1» : أيّها الشّيخ، حدّثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أوّل النّاس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتّى استشهدت. قال: كذبت، ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل. ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟، قال: تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنّك تعلّمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارىء، فقد قيل ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها إلّا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنّك فعلت ليقال هو جواد. فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه ثمّ ألقي في النّار» ) * «2» . 7- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونحن نقترأ، فقال: «الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقّوّم السّهم، يتعجّل أجره ولا يتأجّله» ) * «3» . 8- * (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلّم المسجد فإذا فيه قوم يقرؤون القرآن قال: «اقرؤوا القرآن وابتغوا به الله- عزّ وجلّ- من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجّلونه ولا يتأجّلونه» «4» . 9- * (عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة «5» ، ريحها طيّب، وطعمها طيّب، ومثل المؤمن الّذي لا يقرأ القرآن، مثل التّمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الّذي يقرأ القرآن مثل الرّيحانة، ريحها طيّب، وطعمها مرّ، ومثل المنافق الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مرّ» ) * «6» .   (1) ناتل أهل الشام: هو ناتل بن قيس الخزامي الشامي من أهل فلسطين وهو تابعي وكان أبوه صحابيا، وكان ناتل كبير قومه. (2) مسلم (1905) . (3) أبو داود (831) واللفظ له، وقال الألباني (1/ 157) : حسن صحيح، ونحوه عند الترمذي (2917) ، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات. (4) أحمد (3/ 357) واللفظ له، وقال عنه: سنده حسن وحسنه الألباني في صحيح الجامع وفي الصحيحة (259) ، والآجري في أخلاق أهل القرآن (93) ، وقال محققه: رجال هذا السند رجال مسلم غير ابن علوية وهو ثقة. (5) الأترجة: هي ثمر جامع لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون يشبه البرتقال أكبر منه، ويسميه بعضهم: الكبّاد. (6) البخاري. الفتح 8 (5020) ، ومسلم (797) واللفظ له، وفي رواية: «ومثل الفاجر» في الموضعين، أخرجه الجماعة إلا الموطأ، إلا أن الترمذي قال في الحنظلة: «وريحها مر» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5697 من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (هجر القرآن) 1- * (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لقد أتى علينا حين وما نرى أنّ أحدا يتعلّم القرآن يريد به إلّا الله، فلمّا كان هاهنا بأخرة. خشيت أنّ رجالا يتعلّمونه يريدون به النّاس وما عندهم، فأريدوا الله بقراءتكم وأعمالكم، وإنّا كنّا نعرفكم إذ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبّئنا الله من أخباركم، فأمّا اليوم فقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وانقطع الوحي، وإنّما أعرّفكم بما أقول، من أعلن خيرا حببناه عليه وظننّا به خيرا، ومن أظهر شرّا بغضناه عليه وظننّا به شرّا، سرائركم فيما بينكم وبين الله- عزّ وجلّ-) * «1» . 2- * (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: من النّاس من يؤتى الإيمان ولا يؤتى القرآن، ومنهم من يؤتى القرآن ولا يؤتى الإيمان، ومنهم من يؤتى القرآن والإيمان، ومنهم من لا يؤتى القرآن ولا الإيمان، ثمّ ضرب لهم مثلا، قال: فأمّا من أوتي الإيمان ولم يؤت القرآن فمثله مثل التّمرة حلوة الطّعم لا ريح لها، وأمّا مثل الّذي أوتي القرآن، ولم يؤت الإيمان فمثل الآسة، طيّبة الرّيح مرّة الطّعم، وأما الّذي أوتي القرآن والإيمان فمثل الأترجّة طيّبة الرّيح حلوة الطّعم، وأمّا الّذي لم يؤت القرآن ولا الإيمان، فمثل الحنظلة مرّة الطّعم لا ريح لها) * «2» . 3- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لقد عشت برهة من دهري وإنّ أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السّورة على محمّد صلى الله عليه وسلّم فيتعلّم حلالها وحرامها. وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلّمون أنتم القرآن، ثمّ لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته، ما يدري ما آمره ولا زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدّقل) * «3» . 4- * (عن إياس بن عمر يقول: أخذ عليّ بن أبي طالب بيدي ثمّ قال: إنّك إن بقيت سيقرأ القرآن ثلاثة أصناف: فصنف لله، وصنف للجدال، وصنف للدّنيا، ومن طلب به أدرك) * «4» . 5- * (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثّوب فيتهافت، يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذّة، يلبسون جلود الضّأن على قلوب الذّئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصّروا قالوا: سنبلغ، وإن أساءوا قالوا: سيغفر لنا. إنّا لا نشرك بالله شيئا) * «5» . 6- * (عن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه- أنّه جمع الّذين قرأوا القرآن فإذا هم   (1) أخلاق أهل القرآن للآجري (90) . (2) الدارمي (3362) . (3) الهيثمي في المجمع (1/ 165) ، وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (4) الدارمي (3329) . (5) الدارمي (3346) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5698 قريب من ثلاثمائة فعظّم القرآن وقال: إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا، وكائن عليكم وزرا، فاتّبعوا القرآن ولا يتّبعنّكم القرآن، فإنّه من اتّبع القرآن هبط به على رياض الجنّة، ومن تبعه القرآن زخّ في قفاه فقذفه في النّار) * «1» . 7- * (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: والّذي نفسي بيده إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئا على غير تأويله) * «2» . 8- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: يكون خلف بعد سنين أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّا، ثمّ يكون خلف يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر، فقال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثّلاثة؟. فقال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكّل به، والمؤمن يعمل به) * «3» . 9- * (عن قتادة- رضي الله عنه- في قول الله عزّ وجلّ-: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ (الأعراف/ 58) ، قال: البلد الطّيّب: المؤمن سمع كتاب الله فوعاه فأخذ به فانتفع به، كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت. وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً عسرا، مثل الكافر قد سمع القرآن فلم يعقله، ولم يأخذ به، ولم ينتفع به، كمثل هذه الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئا ولا تمرع شيئا) * «4» . 10- * (عن قتادة- رضي الله عنه- قال: ما جالس القرآن أحد فقام عنه إلّا بزيادة أو نقصان، ثمّ قرأ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (الإسراء/ 82)) * «5» . 11- * (عن زادان قال: من قرأ القرآن يتأكّل به النّاس. جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم) * «6» . 12- * (عن الحسن قال: إنّ هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ولم يتأوّلوا الأمر مزاولة. قال الله- عزّ وجلّ-: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ (ص/ 29) وما تدبّر آياته إلّا اتّباعه والله يعلم، وأما والله ما هو بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده حتّى إنّ أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كلّه فما أسقطت منه حرفا، وقد والله أسقطه كلّه، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل حتّى إنّ أحدهم ليقول: إنّي لأقرأ السّورة في نفس واحد والله ما   (1) الدارمي (3328) ومسدد في مسنده، كما في المطالب العالية (3/ 297) ، وأبو نعيم في الحلية (1/ 257) ، وقال محقق أخلاق أهل القرآن (41) : سنده صحيح. (2) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (1/ 567) ، ولابن عباس نحو هذا الكلام أيضا. (3) أخلاق أهل القرآن (106) . (4) قال محقق أخلاق أهل القرآن للآجري (156) : رجاله كلهم ثقات. (5) الدارمي (3344) . (6) رواه أبو نعيم (4/ 199) ، وقال: سنده حسن ورجاله كلهم ثقات، وورد مرفوعا لكنه ضعيف، وانظر تخريجه عند الآجري ص (130) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5699 هؤلاء ما هؤلاء بالقرّاء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة متى كانت القرّاء تقول مثل هذا؟ لا أكثر الله في النّاس مثل هؤلاء) * «1» . 13- * (قال محمّد بن الحسين الآجريّ: فإذا كان عمر بن الخطّاب قد خاف على قوم قرأوا القرآن في ذلك الوقت ميلهم إلى الدّنيا فما ظنّك بهم اليوم وقد أخبرنا النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، إنّه يكون أقوام يقرأون القرآن يقيمونه كما تقيمون القدح يتعجّلونه ولا يتأجّلونه يطلبون به عاجلة الدّنيا ولا يطلبون به الآخرة) * «2» . 14- * (وقال- رحمه الله-: أمّا من قرأ القرآن للدّنيا أو لأبناء الدّنيا، فإنّ من أخلاقه أن يكون حافظا لحروفه مضيّعا لحدوده، قد اتّخذ القرآن بضاعة يتأكّل به الأغنياء ويستقضي به الحوائج ليس للخشوع في قلبه موضع) * «3» . 15- * (وقال أيضا: مرادي نصيحة لأهل القرآن لئلّا يبطل سعيهم إن هم طلبوا به شرف الدّنيا حرموا شرف الآخرة ... ، فينبغي لهم أن يستغنوا بالقرآن عن كلّ أحد من الخلق) * «4» . 16- * (كتب حذيفة المرعشيّ إلى يوسف بن أسباط: اكشف عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الموتى، واعلم أنّه من قرأ القرآن ثمّ آثر الدّنيا لم آمن أن يكون بآيات الله من المستهزئين) * «5» . من مضار (هجر القرآن) (1) إنّ القلوب إذا لم تعمر بالقرآن سكنتها الشّياطين. (2) هجر القرآن يضعف الإيمان بالله- عزّ وجلّ- وسائر المغيّبات. (3) إنّ من هجر القرآن ترك تدبّره وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره. (4) الّذي يقرأ القرآن ليتكسّب به الأموال. يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم. (5) من يقرأ القرآن ولا يعمل بموجبه تكون قراءته عليه لا له. (6) من قرأ القرآن ليقال إنّه قارىء وليرائي به النّاس فهو منافق، من أوّل من يسحب على وجهه في النّار يوم القيامة.   (1) الآجري في أخلاق أهل القرآن (101) ، وقال محققه: رواه ابن المبارك وهو حديث حسن. (2) أخلاق أهل القرآن (92) . (3) المصدر السابق (87) . (4) المصدر السابق (132- 133) بتصرف. (5) أخلاق أهل القرآن (104) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5700 [ حرف الواو ] الوسوسة الوسوسة لغة: الوسوسة: مصدر قولهم: وسوس يوسوس مأخوذة من مادّة (وس س) الّتي تدلّ على صوت غير رفيع: يقال لصوت الحلي: وسواس، وهمس الصّائد: وسواس، وإغواء الشّيطان ابن آدم وسواس «1» . يقال: وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بكسر الواو، والوسواس بالفتح الاسم مثل الزّلزال، والزّلزال «2» . قال أبو عبيدة: الوسوسة في التّنزيل هو ما يلقيه الشّيطان في القلب «3» . والوسوسة: الكلام الخفيّ في اختلاط. ووسوس به- بالضّم: اختلط كلامه ودهش. والموسوس: الّذي تعتريه الوساوس. ووسوس: إذا تكلّم بكلام لم يبيّنه «4» . وفي حديث عثمان- رضي الله عنه- لمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وسوس ناس، وكنت فيمن وسوس، يريد أنّه اختلط كلامه ودهش بموته صلى الله عليه وسلّم، وقول الله تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ (الأعراف/ 20) . قال القرطبيّ: معناه وسوس إليهما، قيل داخل الجنّة، وقيل من خارج بالسّلطنة الّتي جعلت له، والوسوسة: الصّوت الخفيّ وهي أيضا حديث النّفس «5» ، وقال ابن منظور: الوسوسة والوسواس: الصّوت الخفيّ، من ريح، والوسواس صوت الحلي، يقال: وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بكسر الواو، والوسواس بفتحها الاسم، ويطلق على الشّيطان وكلّ ما حدّثك ووسوس إليك به، والوسوسة: حديث النّفس، والأفكار (السّيّئة الّتي تراودها) ورجل موسوس: غلبت عليه الوسوسة، أو الّذي تعتريه الوساوس، وقولهم: وسوس الرّجل: أي كلّمه كلاما خفيّا، ووسوس الرّجل (بالضم) إذا تكلّم بكلام لم يبيّنه «6» . الوسوسة اصطلاحا: الوسوسة والوسواس: ما يلقيه الشّيطان في القلب «7» . وقال الرّاغب: الوسوسة: الخطرة الرّديئة «8» .   (1) المقاييس (6/ 76) . (2) الصحاح (3/ 988) . (3) البصائر (5/ 208) . (4) التاج (9/ 31) . (5) تفسير القرطبي (7/ 21) . (6) لسان العرب (6/ 4830) . (7) بصائر ذوي التمييز (5/ 208) . (8) المفردات للراغب (522) ، وانظر التوقيف (337) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5701 وقال الكفويّ: الوسوسة القول الخفيّ لقصد الإضلال. والوسواس: ما يقع في النّفس من عمل الشّرّ وما لا خير فيه «1» . وقيل: الوسواس مرض يحدث من غلبة السّوداء يختلط معه الذّهن «2» . وقال ابن القيّم- رحمه الله-: الوسوسة: الإلقاء الخفيّ في النّفس إمّا بصوت خفيّ لا يسمعه إلّا من ألقي عليه، وإمّا بغير صوت كما يوسوس الشّيطان إلى العبد «3» . أنواع الوسوسة: قال ابن القيّم- رحمه الله- في قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (الناس/ 6) : يعني أنّ الوسواس نوعان: إنس وجنّ، فإنّ الوسوسة الإلقاء الخفيّ، لكنّ الإلقاء الإنسيّ بواسطة الأذن، والجنّيّ لا يحتاج إليها. ونظير اشتراكهما في الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشّيطانيّ في قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ... (الأنعام/ 112) «4» . الفرق بين الوسوسة والإلهام وما أشبههما مما يقع في النفس: تقال الوسوسة لما يقع في النّفس من الشّرّ، أما الإلهام فهو لما يقع فيها من الخير، ولما يقع فيها من الخوف إيجاس، ولما يقع من تقدير نيل الخير أمل، ولما يقع من تقدير لا على الإنسان ولا له خاطر «5» . [للاستزادة: انظر صفات: الشك- سوء الظن الوهم- القلق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطمأنينة- اليقين- الثبات- السكينة] .   (1) الكليات (941) . (2) المعجم الوسيط (2/ 1044) ومن هذا النوع المرضي ما يسمّى بالوسواس القهري، انظر في معناه وأنواعه معجم علم النفس والتحليل النفسي (182) . (3) مخطوط هدية المحب (ورقة 124) . (4) المرجع السابق (الورقة الأخيرة) . (5) الكليات للكفوي (941) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5702 الآيات الواردة في «الوسوسة» 1- وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) «1» 2- وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) «2» 3- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) «3» 4- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) «4»   (1) الأعراف: 11- 24 مكية (2) طه: 119- 122 مكية (3) ق: 16- 18 مكية (4) الناس: 1- 6 مكية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5703 الأحاديث الواردة في ذمّ (الوسوسة) 1- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشّيطان إذا سمع النّداء بالصّلاة أحال «1» له ضراط، حتّى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس. فإذا سمع الإقامة ذهب حتّى لا يسمع صوته. فإذا سكت رجع فوسوس» ) * «2» . 2- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تجاوز لأمّتي عمّا وسوست- أو حدّثت- به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلّم» ) * «3» . 3- * (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلّم عن الوسوسة، قال: «تلك محض الإيمان «4» » ) * «5» . 4- * (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا يبولنّ أحدكم في مستحمّه فإنّ عامّة الوسواس منه» ) * «6» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الوسوسة) معنى 5- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا نودي للصّلاة أدبر الشّيطان له ضراط حتّى لا يسمع التّأذين، فإذا قضي التّأذين أقبل، حتّى إذا ثوّب «7» للصّلاة أدبر، حتّى إذا قضي التّثويب أقبل، حتّى يخطر بين المرء ونفسه، يقول له: اذكر كذا. واذكر كذا، لما لم يكن يذكر من قبل، حتّى يظلّ الرّجل ما يدري كم صلّى» ) * «8» . 6- * (عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أحدكم إذا قام يصلّي جاء الشّيطان فلبس عليه حتّى لا يدري كم صلّى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس» ) * «9» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ أحدكم إذا كان في الصّلاة جاءه الشّيطان فأبس «10» به كما يأبس بدابّته فإذا سكن له أضرط بين أليتيه ليفتنه عن صلاته. فإذا وجد شيئا من ذلك فلا ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد   (1) أحال: ذهب هاربا. (2) البخاري- الفتح 3 (1231) ، ومسلم (389) واللفظ له. (3) البخاري- الفتح 11 (6664) . (4) محض الإيمان: معناه: سبب الوسوسة محض الإيمان، أو الوسوسة علامة محض الإيمان. (5) مسلم (133) . (6) أبو داود رقم (27) ، والنسائي (1/ 34) ، وابن ماجة (304) واللفظ للنسائي وابن ماجة وقال محقق جامع الأصول (7/ 118) : حديث حسن. (7) ثوب: المراد بالتثويب الإقامة. وأصله من ثاب إذا رجع، ومقيم الصلاة راجع إلى الدعاء إليها، فإن الأذان دعاء إلى الصلاة، والإقامة دعاء إليها. (8) البخاري. الفتح 2 (608) ، مسلم (389) واللفظ له. (9) البخاري. الفتح 3 (1232) . (10) أبست به تأبيسا أي ذللته وحقرته وروعته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5704 ريحا» ) * «1» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تجاوز لأمّتي ما حدّثت به أنفسها «2» ما لم يتكلّموا أو يعملوا به» ) * «3» . 9- * (عن عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم خرج من عندها ليلا، قالت: فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع، فقال: «مالك؟ يا عائشة، أغرت؟» فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أقد جاءك شيطانك؟» قالت: يا رسول الله، أو معي شيطان؟ قال: «نعم» قلت: ومع كلّ إنسان؟ قال: «نعم» قلت: ومعك يا رسول الله، قال: «نعم، ولكنّ ربّي أعانني عليه حتّى أسلم» ) * «4» . 10- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قام فصلّى صلاة الصّبح وهو خلفه فالتبست عليه القراءة. فلمّا فرغ من صلاته قال: «لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتّى وجدت برد لعابه بين أصبعيّ هاتين، الإبهام والّتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة» ) * «5» . 11- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب، ولكن في التّحريش بينهم «6» » ) * «7» . 12- * (عن سبرة بن أبي فاكه- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قعد «8» لابن آدم بأطرقه، قعد في طريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟ فعصاه وأسلم، وقعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنّما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطّول «9» ، فعصاه فهاجر، ثمّ قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد؟ فهو جهد النّفس   (1) الهيثمي في المجمع (1/ 242) وقال: رواه أحمد وهو عند أبي داود باختصار ورجال أحمد رجال الصحيح. (2) قال النووي ضبط العلماء أنفسها بالنصب والرفع، وهما ظاهران، إلا أن النصب أظهر وأشهر، قال القاضي عياض: أنفسها بالنصب ويدل عليه قوله: إن أحدنا يحدث نفسه، قيل: وأهل اللغة يقولون أنفسها بالرفع يريدون بغير اختيارها، قال تعالى: وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (ق/ 16) . (3) البخاري. الفتح 5 (2528) ، مسلم (127) واللفظ له. (4) مسلم (2815) . (5) أحمد (3/ 82) والهيثمي في المجمع (2/ 87) واللفظ له وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. (6) ولكن في التحريش بينهم: أي ولكنه يسعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها. (7) مسلم (2812) . (8) إن الشيطان قعد: قد جاء في لفظ الحديث، قال: «قعد الشيطان لابن آدم بأطرقه» يريد جمع طريق، والمعروف في جمع طريق: أطرقة، وهو جمع قلة، والكثرة: طرق، فأما «أطرق» في جمع طريق فلم أسمعه ولا رأيته، وأما أفعله في جمع فعيل، فقد جاء كثيرا، قالوا: رغيف وأرغفة، وجريب وأجربة، وكثيب وأكثبة، وسرير وأسرة، فأما أفعل في جمع فعيل: فلم يجىء إلا فيما كان مؤنثا نحو: يمين وأيمن، فإن كان نظر في جمع طريق إلى جواز تأنيثها، فجمعها جمع المؤنث، فقال: طريق وأطرق، فيجوز، فإن الطريق يذكر ويؤنث، تقول: الطريق الأعظم، والطريق العظمى. (9) الطول: الحبل الطويل تربط به الفرس لترعى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5705 والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال؟ فعصاه فجاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «فمن فعل ذلك كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، وإن غرق كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، أو وقصته دابّته كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة» ) * «1» . 13- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّيطان ليلطف بالرّجل في صلاته ليقطع عليه صلاته فإذا أعياه نفخ في دبره، فإذا أحسّ أحدكم من ذلك شيئا فلا ينصرف حتّى يجد ريحا أو يسمع صوتا» ) * «2» . 14- * (عن عليّ بن الحسين- رضي الله عنهما- قال: إنّ صفيّة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أخبرته أنّها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدّثت عنده ساعة. ثمّ قامت تنقلب. فقام النّبيّ صلى الله عليه وسلّم معها يقلبها، حتّى إذا بلغت باب المسجد عند باب أمّ سلمة مرّ رجلان من الأنصار فسلّما على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال لهما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: على رسلكما، إنّما هي صفيّة بنت حييّ، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا» ) * «3» . 15- * (عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ عرش إبليس على البحر. فيبعث سراياه فيفتنون النّاس. فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة» ) * «4» . 16- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ للشّيطان لمّة «5» بابن آدم، وللملك لمّة، فأمّا لمّة الشّيطان، فإيعاد بالشّرّ، وتكذيب بالحقّ، وأمّا لمّة الملك، فإيعاد بالخير، وتصديق بالحقّ، فمن وجد ذلك، فليعلم أنّه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوّذ بالله من الشّيطان الرّجيم، ثمّ قرأ: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ... (البقرة/ 268) الآية» ) * «6» . 17- * (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم سئل عن الرّجل يخيّل إليه في صلاته أنّه أحدث في صلاته ولم يحدث. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتّى يفتح مقعدته. فيخيّل إليه أنّه أحدث. ولم يحدث، فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرف. حتّى يسمع صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه» ) * «7» . 18- * (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه-   (1) النسائي (6/ 21- 22) وقال محقق جامع الأصول (9/ 541) واللفظ له: إسناده حسن، وقال الحافظ في الإصابة: إسناده حسن وصححه ابن حبان. (2) الهيثمي في المجمع (1/ 242- 243) وقال: رواه الطبراني ورجاله موثقون. (3) البخاري. الفتح 4 (2035) واللفظ له، مسلم (2175) . (4) مسلم (2813) . (5) اللمّة: المرة الواحدة من الإلمام، وهو القرب من الشيء، والمراد بها الهمة التي تقع من القلب من فعل الخير والشر والعزم عليه. (6) الترمذي (2988) وقال: حسن غريب، وابن حبان في صحيحه رقم (40) . (7) الهيثمي في المجمع (1/ 242) وقال: رواه الطبراني في الكبير والبزار بنحوه ورجاله رجال الصحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5706 قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي صلّيت فلم أدر أشفعت أم أوترت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إيّاي وأن يتلعّب بكم الشّيطان في صلاتكم، من صلّى منكم فلم يدر أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين. فإنّهما إتمام صلاته» ) * «1» . 19- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء ناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فسألوه: «إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا «2» أن يتكلّم به، قال: وقد وجدتموه؟» قالوا: نعم، قال: «ذاك صريح الإيمان» «3» ) * «4» . 20- * (عن قيس بن أبي غرزة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونحن نسمّي السّماسرة، فقال: «يا معشر التّجّار، إنّ الشّيطان والإثم يحضران البيع. فشوبوا بيعكم بالصّدقة» ) * «5» . 21- * (عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: شكي إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم الرّجل يجد في الصّلاة شيئا أيقطع الصّلاة؟ قال: «لا، حتّى يسمع صوتا، أو يجد ريحا» ) * «6» . 22- * (عن جابر بن سمرة قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلاة الفجر فجعل يهوي بيده فسأله القوم حين انصرف فقال: إنّ الشّيطان هو كان يلقي عليّ شرر النّار ليفتنني عن صلاتي، فتناولته فلو أخذته ما انفلت منّي حتّى يناط إلي سارية من سواري المسجد ينظر إليه ولدان أهل المدينة» ) * «7» . 23- * (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل واستفتح صلاته وكبّر قال: «سبحانك اللهمّ وبحمدك. وتبارك اسمك. وتعالى جدّك. ولا إله غيرك» ثمّ يقول: «لا إله إلّا الله ثلاثا» ثمّ يقول: «أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم. من همزه. ونفخه. ونفثه» ) * «8» . 24- * (عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل «9» . فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قائما يحدّث النّاس، فأدركت   (1) الهيثمي في المجمع (2/ 150) وقال: رواه أحمد من طريقين رجالهما ثقات. (2) إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم: أي يجد أحدنا التكلم به عظيما لاستحالته في حقه سبحانه وتعالى. (3) ذاك صريح الإيمان: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح لإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك. (4) مسلم (132) . (5) الترمذي (1208) واللفظ له. وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (3326، 3327) والنسائي (7/ 15) وقال محقق جامع الأصول (1/ 433) : إسناده صحيح. (6) البخاري. الفتح 4 (2056) . (7) أحمد (5/ 104) واللفظ له والهيثمي في المجمع (2/ 87) وقال: رواه أحمد وله رواية: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجعل ينتهر شيئا قدامه» والطبراني ورجاله رجال الصحيح. (8) الهيثمي في المجمع (2/ 265) واللفظ له. وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. (9) كانت علينا رعاية الإبل: معنى هذا الكلام أنهم كانوا يتناوبون رعي إبلهم فيجتمع الجماعة ويضمون إبلهم بعضها إلى بعض فيرعاها كل يوم واحد منهم، ليكون أرفق بهم، وينصرف الباقون في مصالحهم والرعاية هي الرعي، ومعنى روحتها بعثي: أي رددتها إلى مراحها في آخر النهار وتفرغت من أمرها ثم جئت إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5707 من قوله: «ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءه، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلّا وجبت له الجنّة» قال: فقلت: ما أجود هذه «1» ! فإذا قائل بين يديّ يقول: الّتي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، قال: إنّي قد رأيتك جئت آنفا «2» قال: «ما منكم من أحد يتوضّأ فيبلغ- أو (فيسبغ) «3» - الوضوء ثمّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبد الله ورسوله، إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية، يدخل من أيّها شاء» ) * «4» . 25- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا يزال النّاس يتساءلون حتّى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله «5» » ) * «6» . 26- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يأتي الشّيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتّى يقول له: من خلق ربّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته «7» » ) * «8» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الوسوسة) 1- * (نقل ابن كثير عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (الناس/ 4) قال: الشّيطان جاثم على قلب ابن آدم. فإذا سها وغفل وسوس. فإذا ذكر خنس) * «9» . 2- * (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: إنّ في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان، يوشك أن تخرج فتقرأ على النّاس قرآنا) * «10» . 3- * (قال البغويّ: الشّيطان جاثم على قلب   (1) ما أجود هذه: يعني هذه الكلمة أو الفائدة أو البشارة أو العبادة، وجودتها من جهات: منها أنها سهلة متيسرة يقدر عليها كل أحد بلا مشقة، ومنها أن أجرها عظيم. (2) آنفا: أي قريبا. (3) فيبلغ أو يسبغ: هما بمعنى واحد أي يتمه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون. (4) مسلم (234) . (5) فليقل آمنت بالله: معناه الإعراض عن هذا الخاطر والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه. قال الإمام المازري- رحمه الله-: ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلّم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال، ولا نظر في إبطالها، قال: والذي يقال في هذا المعنى إن الخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقرة ولا أوجبتها شبهة طرأت، فهي التي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث، وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل، إذ لا أصل ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة، فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها. (6) مسلم (134) . (7) فليستعذ بالله ولينته: معناه إذا عرض له هذا الوسواس، فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسمى بالفساد والإغراء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها، بالاشتغال عنها. (8) مسلم (134) . (9) تفسير ابن كثير (4/ 575) . (10) مسلم (7) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5708 الإنسان، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس، وقال: الخنّاس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربّه خنس، ويقال: كرأس الحيّة واضع رأسه على ثمرة القلب يمنّيه ويحدّثه، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكر يرجع ويضع رأسه) * «1» . 4- * (وقال البغويّ في قوله تعالى: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (الناس/ 5) بالكلام الخفيّ الّذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع) * «2» . 5- * (وقال البغويّ في قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ يعني يدخل في الجنّيّ كما يدخل في الإنسيّ، ويوسوس الجنّيّ كما يوسوس الإنسيّ) * «3» . 6- * (قال بعضهم: ثبت أنّ الوسواس للإنسان من الإنسان كالوسوسة للشّيطان من الشّيطان، فجعل الوسواس من فعل الجنّة والنّاس جميعا. كما قال: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (الأنعام/ 112) كأنّه أمر أن يستعيذ من شرّ الجنّ والإنس جميعا) * «4» . 7- * (قال ابن كثير- رحمه الله-: أمر الله المستعيذ أن يتعوّذ بالمتّصف بالرّبوبيّة والملك والألوهيّة من شرّ الوسواس الخنّاس وهو الشّيطان الموكّل بالإنسان. فإنّه ما من أحد من بني آدم إلّا وله قرين يزيّن له الفواحش. ولا يألوه جهدا في الخبال، والمعصوم من عصمه الله) * «5» . من مضار (الوسوسة) (1) طريق إلى الشّكّ. والشّك في الله كفر. (2) تفقد الإنسان ثقته بنفسه وبغيره. (3) ينفر النّاس من صاحب الوسواس ويبتعدون عنه. (4) الموسوس لا تكمل له عبادة ولا يستقرّ له فكر. (5) يشدّد على نفسه حتّى يدخل في دائرة المحظور. (6) قد يصل الأمر بالموسوس إلى الهلوسة ثمّ الجنون.   (1) تفسير البغوي (30/ 548) . (2) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (4) تفسير البغوي (10/ 548) . (5) تفسير ابن كثير (4/ 574) بتصرف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5709 الوهم الوهم لغة: مصدر قولهم: وهم يهم (مثل وعد يعد) ، وهو مأخوذ من مادّة (وه م) الّتي تدلّ- فيما يقول ابن فارس- على معان متفرّقة لا تنقاس (أي لا ترجع إلى أصل واحد) ، فمن ذلك الوهم، وهو البعير العظيم، وقيل الجمل الضّخم العظيم، والوهم: الطّريق، وقيل الطّريق الواسع. والوهم: وهم القلب، يقال منه: وهمت في الشّيء أهم وهما، إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، ووهمت (بكسر الهاء) في الحساب أوهم وهما ووهما. إذا غلطت فيه وسهوت، ويقال أيضا أوهم من الحساب مائة، وأوهم من صلاته ركعة أى أسقط. وأوهمت غيري إيهاما ووهّمته توهيما (أي جعلت ذلك في وهمه) وأوهمت الشّيء: تركته كلّه، وأوهمت في كتابي وكلامي: أي أسقطت منه شيئا، وتوهّمت: ظننت، واتّهمت فلانا بكذا (رميته به) ، والاسم التّهمة (بالتّحريك) وأصل التّاء فيه واو مثل تكلة، وأتهم الرّجل: إذا صارت به ريبة، وقولهم لا وهم من كذا، أي لا بدّ منه. وقال ابن منظور: الوهم: من خطرات القلب، والجمع أوهام، وللقلب وهم. وتوهّم الشّيء: تخيّله وتمثّله، كان في الوجود أو لم يكن. وقال: توهّمت الشّيء وتفرّسته وتوسّمته وتبيّنته بمعنى واحد، قال زهير: وقفت بها من بعد عشرين حجّة ... فلأيا «1» عرفت الدّار بعد توهّم ويقال: وهمت في كذا وكذا أي غلطت. وأوهمت الشّيء تركته كلّه أوهم. وفي حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: أنّه صلّى فأوهم في صلاته، فقيل: كأنّك أوهمت في صلاتك، فقال: كيف لا أوهم ورفغ «2» أحدكم بين ظفره وأنملته؟ أي أسقط من صلاته شيئا. قال الأصمعيّ: أوهم إذا أسقط، ووهم إذا غلط. وفي الحديث: أنّه سجد للوهم وهو جالس أي للغلط. وأورد ابن الأثير بعض هذا الحديث أيضا فقال: قيل له كأنّك وهمت، قال: وكيف لا إيهم؟ قال: هذا على لغة بعضهم؛ الأصل أوهم بالفتح والواو، فكسرت الهمزة، لأنّ قوما من العرب يكسرون مستقبل- فعل- فيقولون إعلم وتعلم، فلمّا كسر همزة أوهم انقلبت   (1) فلأيا: مشقة. (2) الرفغ: وسخ الظفر، أي وسخ رفغ أحدكم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5710 الواو ياء. ووهم في الصّلاة وهما ووهم، كلاهما: سها. فإذا ذهب وهمك إلى الشّيء قلت: وهمت إلى كذا وكذا أهم وهما. وفي الحديث أنّه وهم في تزويج ميمونة أي ذهب وهمه إليه. وقيل: أوهم ووهم ووهم سواء، وأنشد: فإن أخطأت أو أوهمت شيئا ... فقد يهم المصافي بالحبيب «1» . الوهم اصطلاحا: قال الرّاغب: الوهم: انقياد النّفس لقبول أثر ما يرد عليها «2» . وقال الجرجانيّ والمناويّ: الوهم: قوّة جسمانيّة للإنسان محلّها آخر التّجويف الأوسط من الدّماغ من شأنها إدراك المعاني الجزئيّة المتعلّقة بالمحسوسات «3» . وقال الكفويّ: الوهم (كما في القاموس) من خطرات القلب، وقيل: هو (إدراك) مرجوح طرفي المتردّد فيه، وهو عبارة عمّا يقع في الحيوان من جنس المعرفة من غير سبب موضوع للعلم، وهو أضعف من الظّنّ وكثيرا ما يستعمل الوهم في الظّنّ الفاسد «4» . أمّا التّوهّم فقد عرّفه الجرجانيّ بقوله: التّوهّم هو إدراك المعنى الجزئيّ المتعلّق بالمحسوسات «5» . الفرق بين الوهم والخاطر والخيال: قال الرّاغب: الفرق بين الوهم والخاطر أنّ الخاطر يقال فيما لا تقبله النّفس، والوهم لا يقال إلّا فيما تقبله، أمّا الخيال فإنّه يقال اعتبارا بما يكون من جهة الحاسّة وفيما له صورة ما «6» . الفرق بين الوهم والظن والشك: قال الكفويّ: الشّكّ هو اعتدال النّقيضين عند الإنسان وتساويهما، بمعنى أن يكون طرف الوقوع واللّاوقوع على السّويّة، وإن كان أحد الطّرفين مرجوحا فالمرجوح هو الوهم، والرّاجح هو الظّنّ «7» . الفرق بين التوهم والتصور: يكمن الفرق بينهما- كما يقول العسكريّ- في أنّ تصوّر الشّيء يكون مع العلم به وتوهّمه لا يكون مع العلم به، لأنّ التّوهّم من قبيل التّجويز وهو ينافي العلم، وقال بعضهم: التّوهّم يجري مجرى الظّنون يتناول المدرك وغير المدرك، وقال آخرون: التّوهّم هو تجويز ما لا يمتنع من الواجب والجائز، ولا يجوز أن يتوهّم الإنسان ما يمتنع كونه (وجوده) ، ألا ترى أنّه لا يجوز أن يتوهّم (متوهّم) الشّيء متحرّكا ساكنا في حالة واحدة «8» .   (1) مقاييس اللغة (6/ 149) ، الصحاح (5/ 2054) ، لسان العرب (12/ 643- 644) . والنهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 233- 234) . (2) الذريعة (184) . (3) التعريفات للجرجاني (276) ، والتوقيف للمناوي (341) . (4) الكليات (بتصرف) (943) . (5) التعريفات (75) ، وقد عرف الوهم أيضا بما لا يخرج عن ذلك في (276) . وقد تبعه في هذا التعريف للوهم، الكفوي في الكليات (314) . (6) الذريعة (184) . (7) الكليات (528) باختصار. (8) الفروق في اللغة لابي هلال العسكري (91) باختصار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5711 التوهم بين المدح والذم: جعل الرّاغب جودة التّوهّم من توابع العقل عندما قال- رحمه الله-: العقل إذا أشرق في الإنسان يحصل عنه العلم والمعرفة والدّراية والحكمة، كما يحصل عنه الذّكاء، والذّهن، والفهم، والفطنة، وجودة الخاطر، وجودة التّوهّم، والتّخيّل، والبديهة ... » «1» ومن هنا يكون التّوهّم أو الوهم أمرا محمودا فإذا كان التّوهّم سيّئا كان صادرا عن الهوى لا عن العقل، ومن ثمّ يكون مذموما، أمّا الوهم بمعنى النّسيان أو التّرك لما لا ينبغي تركه فإنّه لا يوصف بمدح أو ذمّ لأنّه لا حيلة للإنسان فيه، ويدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلّم «رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه» . [للاستزادة: انظر صفات: الشك- الوسوسة سوء الظن- القلق. وفي ضد ذلك: انظر صفات: اليقين- حسن الظن- التوكل- الطمأنينة- السكينة] .   (1) الذريعة (183) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5712 الأحاديث الواردة في ذمّ (الوهم) 1- * (عن أبي روح الكلاعيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلاة فقرأ فيها سورة الرّوم فلبّس بعضها، قال إنّما لبّس علينا الشّيطان القراءة من أجل أقوام يأتون الصّلاة بغير وضوء. فإذا أتيتم الصّلاة فأحسنوا الوضوء) * وعن عبد الملك بن عمير قال: سمعت شبيبا أبا روح يحدّث عن رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّه صلّى الصّبح فقرأ فيها الرّوم فأوهم فذكّره) * «1» . 2- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: ما صلّيت خلف أحد أوجز صلاة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في تمام، كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم متقاربة. وكانت صلاة أبي بكر متقاربة. فلمّا كان عمر بن الخطّاب مدّ في صلاة الفجر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا قال «سمع الله لمن حمده» قام. حتّى نقول: قد أوهم. ثمّ يسجد. ويقعد بين السّجدتين. حتّى نقول: قد أوهم «2» ) * «3» . من الآثار الواردة في ذمّ (الوهم) 1- * (عن الحكم قال: سمعت أبا وائل يقول: قال عبد الله: من أوهم في صلاته فليتحرّ الصّواب ثمّ يسجد سجدتين بعد ما يفرغ وهو جالس) * «4» . من مضار (الوهم) (1) انفاق الجهد فيما لا يفيد. (2) طاعة الشّيطان في وسواسه. (3) يؤدّي إلى مرض النّفس والتّذبذب في العقيدة.   (1) أحمد (3/ 471) واللفظ له وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 241) وقال: رجال أحمد رجال الصحيح. (2) أوهم: أي أسقط ما بعده. من أوهمت في الكلام والكتاب، إذا أسقطت منه شيئا. أو معناه أوقع في وهم الناس- أي في ذهنهم- أنه تركه. (3) مسلم (473) . (4) النسائي (3/ 30) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5713 الوهن الوهن لغة: الوهن مأخوذ من مادّة (وه ن) الّتي تدلّ على الضّعف. تقول منه: وهن الشّيء يهن وهنا: ضعف، وأوهنته أنا (أي أضعفته) «1» . والوهن: الضّعف في العمل وفي الأشياء، وكذلك في العظم ونحوه. وقد وهن العظم يهن وهنا، وأوهنه يوهنه، ورجل واهن في الأمر والعمل، وموهون في العظم والبدن، وقد يثقّل «2» . يقول الرّاغب: الوهن ضعف من حيث الخلق أو الخلق، قال تعالى: قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي (مريم/ 4) وقال: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ (آل عمران/ 146) وقال: وَهْناً عَلى وَهْنٍ (لقمان/ 14) أي كلّما عظم في بطنها زادها ضعفا على ضعف «3» . أي لزمها بحملها إيّاه أن تضعف مرّة بعد مرّة، وقيل: وهنا على وهن، أي جهدا على جهد، وفي حديث الطّواف: وقد وهنتهم حمّى يثرب: أي أضعفتهم، وفي حديث عليّ- رضي الله عنه-: «ولا واهنا في عزم» أي ضعيفا في رأي. ورجل واهن: ضعيف لا بطش عنده، والأنثى واهنة. وقوله- عزّ وجلّ-: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي ما فتروا وما جبنوا عن قتال عدوّهم. ويقال للطّائر إذا أثقل من أكل الجيف فلم يقدر على النّهوض قد توهّن توهّنا. والوهنانة من النّساء الكسلى عن العمل تنعّما، والوهنانة الّتي فيها فترة «4» . وقال ابن الأثير: وفي حديث عمران بن حصين: «أنّ فلانا دخل عليه وفي عضده حلقة من صفر (نحاس) فقال: ما هذا؟ قال: هذا من الواهنة. قال: أما إنّها لا تزيدك إلّا وهنا، الواهنة: عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلّها فيرقى منها، وقيل: هو مرض يأخذ في العضد وربّما علّق عليها جنس من الخرز يقال لها: خرز الواهنة وهي تأخذ الرّجال دون النّساء، وإنّما نهاه عنها لأنّه إنّما اتّخذها على أنّها تعصمه من الألم فكان عنده في معنى التّمائم المنهيّ عنها «5» . وقال الفيروزاباديّ: يقال: الوهن والوهن (محرّكة) : والفعل منه: وهن يهن كوعد يعد، ووهن يهن كورث يرث، ووهن يوهن كوجل يوجل، وأوهنه ووهّنه: أضعفه، وهو واهن وموهون: لا بطش عنده، وهي واهنة، والجمع: وهن «6» .   (1) المقاييس (6/ 149) . (2) العين (4/ 92) . (3) المفردات (572) . (4) اللسان (6/ 4935) . (5) النهاية (5/ 243) . (6) بصائر ذوي التمييز (5/ 287) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5714 الوهن اصطلاحا: قال الفيروز اباديّ: الوهن (والوهن) : الضّعف في العمل «1» . وقيل: الضّعف في الخلق والخلق «2» . وقال القرطبيّ: الوهن انكسار الجدّ بالخوف «3» ، وقال في تفسير قوله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا (آل عمران/ 139) أي لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب محمّد عن جهاد أعدائكم لما أصابكم «4» ويؤخذ من ذلك أنّ: الوهن: هو الضّعف والجبن عن جهاد الأعداء عند ما ينزل بالمؤمن نازلة من أعدائه. الوهن داء يأخذ بالأمم والأفراد: الوهن بمعنى الضّعف الخلقيّ أمر طبعيّ لا يتعلّق به مدح أو ذمّ إلّا إذا تسبّب فيه الإنسان كأن يتناول ما يضعف قوّته ويسلبه القدرة على العمل وهو فى هذه الحالة يدخل في إطار الأمور المذمومة لأنّه إلقاء للنّفس إلى التّهلكة ودخول تحت ما يسلب عنه الخيريّة وحبّ الله تعالى لما ورد من أنّ المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف. وأما الوهن الخلقيّ المصحوب بالتّخاذل والخوف من لقاء الأعداء والجبن عن منازلتهم فهو منهيّ عنه بنصّ الآية الكريمة: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران/ 139) ، وقد أخبر المولى- عزّ وجلّ- عن الأتباع الحقيقيّين للرّسل الّذين جاهدوا معهم فأصابوا وأصيبوا، فلم يفتّ في عضدهم ما أصابهم في سبيل الله وما لحقهم وهن ولا ضعف ولا استكانة، وهكذا ينبغي أن يكون شأن المؤمنين في كلّ زمان ومكان. قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران/ 146) ، وقد نهانا المولى عزّ وجلّ- عن الوهن في قتال الأعداء مهما كان الألم الّذي أصابنا في جهادهم. قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَمَا اسْتَكانُوا (آل عمران/ 146) : تخشّعوا. وقال قتادة والرّبيع بن أنس- رحمهما الله-: وَمَا اسْتَكانُوا فما ارتدّوا عن نصرتهم ولا عن دينهم أن قاتلوا ما قاتل عليه نبيّ الله حتّى لحقوا به «5» . وقال مقاتل: وَمَا اسْتَكانُوا وما استسلموا وما خضعوا لعدوّهم «6» . وقال أبو العالية: وَمَا اسْتَكانُوا أي لما أصابهم في الجهاد، والاستكانة: الذّلّة والخضوع «7» . وعن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في قوله تعالى: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (المؤمنون/ 76) : أي: لم يتواضعوا في الدّعاء، ولم يخضعوا، ولو خضعوا لله لاستجاب لهم «8» .   (1) بصائر ذوي التمييز (5/ 287) . (2) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (3) تفسير القرطبي (4/ 230) . (4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. (5) تفسير ابن كثير (1/ 410) . (6) تفسير البغوي (1/ 117) . (7) تفسير القرطبي (4/ 230) . (8) أورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 26) ، وعزاه للعسكري في المواعظ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5715 معالجة الوهن: أشار القرآن الكريم إلى العوامل الّتي تدفع هذه العلّة وترجع للمسلمين تماسكهم وقوّة عزمهم، من ذلك: 1- أنّ ما أصاب المسلمين من الألم قد أصاب الأعداء مثله. قال تعالى: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ (النساء/ 104) . 2- عند تساوي المسلمين وأعدائهم في درجة الألم فإنّ المسلمين يتمتّعون بقوّة إيمانهم ونبل مسلكهم وانتظار الظّفر أو الجنّة. قال تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ (النساء/ 104) . 3- إنّ كيد الكافرين مهما كان قويّا فإنّه لا ينبغي أن يخيف المسلمين لأنّ الله- عزّ وجلّ- موهنه ومضعفه ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (الأنفال/ 18) . 4- أنّ المسلمين هم الأعلون بنصرة الله لهم ومن ثمّ فلا ينبغي أن يطلبوا وقف القتال (أي الدّخول في سلم العدوّ) لأنّ حليفهم وناصرهم لا، ولم، ولن يهزم أبدا، ومن كان الله معه فكيف يخاف من عواقب معركة مهما كانت فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (محمد/ 35) . [للاستزادة: انظر صفات: الضعف- الجبن- التخاذل- الكسل- التولي- صغر الهمة- اليأس- القنوط. وفي ضد ذلك: انظر صفات: القوة- قوة الإرادة النشاط- علو الهمة- الرجولة- العمل] . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5716 الآيات الواردة في «الوهن» 1- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) «1» 2- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «2» 3- وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) «3» 4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) «4»   (1) آل عمران: 137- 143 مدنية (2) آل عمران: 146- 148 مدنية (3) النساء: 104 مدنية (4) الأنفال: 15- 19 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5717 5- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) «1» 6- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (43) «2» 7- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) «3» 8- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) «4»   (1) مريم: 1- 6 مكية (2) العنكبوت: 41- 43 مكية (3) لقمان: 14 مكية (4) محمد: 34- 35 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5718 الأحاديث الواردة في ذمّ (الوهن) 1- * (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟. قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن» ، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟. قال: «حبّ الدّنيا وكراهية الموت» ) * «1» . الأحاديث الواردة في ذمّ (الوهن) معنى 2- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلّا لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم) * «2» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّ أعجز النّاس من عجز عن الدّعاء، وأبخل النّاس من بخل بالسّلام» ) * «3» . 4- * (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بعثت بالسّيف حتّى يعبد الله لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذّلّة والصّغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم» ) * «4» . 5- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تكونوا إمّعة تقولون: إن أحسن النّاس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم. إن أحسن النّاس أن تحسنوا. وإن أساءوا فلا تظلموا» ) * «5» .   (1) أبو داود (4297) واللفظ له، أحمد (5/ 278) ، وذكره في جامع الأصول، وقال محققه (10/ 28) : سنده قوي. وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 683) رقم (958) ، وقال: الحديث بمجموع طرقه صحيح عندي، وهو في صحيح الجامع أيضا (6/ 264) رقم (8035) . (2) أبو داود (3462) واللفظ له، أحمد (2/ 28) ، وكذا في (2/ 42) وذكره في جامع الأصول، وقال مخرجه (11/ 765) : صحيح. وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 15- 17) رقم (11) ، وقال: صحيح بمجموع طرقه، وهو في صحيح الجامع أيضا (1/ 175) رقم (416) . (3) الطبراني في الدعاء (2/ 811) حديث (60) ، وقال مخرجه: إسناده حسن، مجمع الزوائد (10/ 146) بنفس اللفظ بتقديم وتأخير، وقال: رواه أبو يعلى موقوفا ورجاله رجال الصحيح. (4) أحمد (2/ 50) وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 121) حديث (5114) : إسناده صحيح. (5) الترمذي (2007) واللفظ له، وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (11/ 699) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5719 6- * (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: ورأى سكّة «1» وشيئا من آلة الحرث- فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم- يقول: «لا يدخل هذا بيت قوم إلّا أدخله الله الذّلّ «2» » ) * «3» . 7- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «4» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الوهن) 1- * (قال خالد بن برمك: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به كبير مكروه. العجلة، والّلجاجة، والعجب، والتّواني، فثمرة العجلة النّدامة، وثمرة الّلجاجة الحيرة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التّواني الذّلّ) * «5» . 2- (لقد مرّ على الأمّة أزمنة وهنت قوّتها وضاعت عزّتها، فهانت على أعدائها، وتسلّطوا عليها. وما حدث للمسلمين من تسلّط التّتار من أوضح الأدلّة الواردة على ذلك ما حدث في سنة ثنتين وتسعين وأربعمائة، حيث أخذت الفرنج- لعنهم الله- بيت المقدس- شرّفه الله-، وقتلوا في وسطه أزيد من ستّين ألف قتيل من المسلمين فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ (الإسراء/ 5) وتبّروا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (الإسراء/ 7) . قال ابن الجوزيّ: وأخذوا من حول الصّخرة اثنين وأربعين قنديلا من فضّة، زنة كلّ واحد منها ثلاثة آلاف وستّمائة درهم، وأخذوا تنّورا من فضّة زنته أربعون رطلا بالشّاميّ، وثلاثة وعشرين قنديلا من ذهب، وذهب النّاس على وجوههم هاربين من الشّام إلى العراق، مستغيثين على الفرنج إلى الخليفة والسّلطان، منهم القاضي أبو سعد الهرويّ، فلمّا سمع النّاس ببغداد هذا الأمر الفظيع هالهم ذلك وتباكوا، وقد نظم أبو سعد الهرويّ كلاما قرأ في الدّيوان وعلى المنابر، فارتفع بكاء النّاس، وندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج إلى البلاد ليحرّضوا الملوك على الجهاد، فخرج ابن عقيل- واحد من أعيان الفقهاء- فساروا في النّاس فلم يفد ذلك شيئا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقال في ذلك أبو المظفّر الأبيورديّ شعرا: مزجنا دمانا بالدّموع السّواجم ... فلم يبق منّا عرضة للمراحم   (1) السكة: هي الحديدة التي تحرث بها الأرض. (2) المراد بذلك ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة، وكان العمل في الأراضي أول ما افتتحت على أهل الذمة، وكان الصحابة يكرهون تعاطي ذلك. (3) البخاري- الفتح 5 (2321) . (4) مسلم (2664) . (5) روضة العقلاء (217) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5720 وشرّ سلاح المرء دمع يريقه ... إذا الحرب شبّت نارها بالصّوارم فإيها بني الإسلام إنّ وراءكم ... وقائع يلحقن الذّرى بالمناسم وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هفوات أيقظت كلّ نائم وإخوانكم بالشّام يضحي مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم تسومهم الرّوم الهوان وأنتم ... تجرّون ذيل الخفض فعل المسالم ومنها قوله: وبين اختلاس الطّعن والضّرب وقفة ... تظلّ لها الولدان شيب القوادم وتلك حروب من يغب عن غمارها ... ليسلم يقرع بعدها سنّ نادم سللن بأيدي المشركين قواضبا ... ستغمد منهم في الكلى والجماجم يكاد لهنّ المستجير بطيبة ... ينادي بأعلى الصّوت يا آل هاشم أرى أمّتي لا يشرعون إلى العدا ... رماحهم والدّين واهي الدّعائم ويجتنبون النّار خوفا من الرّدى ... ولا يحسبون العار ضربة لازم أيرضى صناديد الأعاريب بالأذى ... ويغضي على ذلّ كماة الأعاجم فليتهمو إذ لم يذودوا حميّة ... عن الدّين ضنّوا غيرة بالمحارم وإن زهدوا في الأجر إذ حمي الوغى ... فهلّا أتوه رغبة في المغانم) * «1» . 3- * (ثمّ دخلت سنة ستّ وخمسين وستّمائة. فيها أخذت التّتار بغداد وقتلوا أكثر أهلها حتّى الخليفة، وانقضت دولة بني العبّاس منها. استهلّت هذه السّنة وجنود التّتار قد نازلت بغداد صحبة الأميرين اللّذين على مقدّمة عساكر سلطان التّتار، هولاكو خان، وجاءت إليهم أمدد صاحب الموصل يساعدونهم على البغاددة وميرته وهداياه وتحفه، وكلّ ذلك خوفا على نفسه من التّتار، ومصانعة لهم- قبّحهم الله تعالى-، وقد سترت بغداد ونصبت المجانيق والعرّادات وغيرها من آلات الممانعة الّتي لا تردّ من قدر الله- سبحانه وتعالى- شيئا، كما ورد في الأثر (لن يغني حذر عن قدر) ، وكما قال تعالى: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ (نوح/ 4) ، وقال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (الرعد/ 11) ، وأحاطت التّتار بدار الخلافة يرشقونها بالنّبال من كلّ جانب حتّى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت مولّدة تسمّى عرفة، جاءها سهم من بعض الشّبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعا شديدا،   (1) البداية والنهاية (12/ 156- 157) . وانظر بصائر ذوي التمييز (5/ 287) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5721 وأحضر السّهم الّذي أصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب، إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم. ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرّجال والنّساء والولدان والمشايخ والكهول والشّبّان، ودخل كثير من النّاس في الآبار وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، وكمنوا كذلك أيّاما لا يظهرون، وكان الجماعة من النّاس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التّتار إمّا بالكسر وإمّا بالنّار، ثمّ يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة، حتّى تجري الميازيب من الدّماء في الأزقّة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وكذلك المساجد والجوامع والرّبط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذّمّة من اليهود والنّصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقميّ الرّافضيّ وطائفة من التّجّار أخذوا لهم أمانا بذلوا عليه أموالا جزيلة حتّى سلموا وسلمت أموالهم. وعادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلّها كأنّها خراب ليس فيها إلّا القليل من النّاس، وهم في خوف وجوع وذلّة وقلّة، وكان الوزير العلقميّ قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط أسهمهم من الدّيوان، فكانت العساكر في آخر أيّام المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثمّ كاتب التّتار وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهّل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرّجال، وذلك كلّه طمعا منه أن يزيل السّنّة بالكلّيّة، وأن يظهر البدعة الرّافضة وأن يقيم خليفة من الفاطميّين، وأن يبيد العلماء والمفتين، والله غالب على أمره، وقد ردّ كيده في نحره، وأذلّه بعد العزّة القعساء، وجعله (حوشكاشا) للتّتار بعد ما كان وزيرا للخلفاء، واكتسب إثم من قتل ببغداد من الرّجال والنّساء والأطفال، فالحكم لله العليّ الكبير، ربّ الأرض والسّماء. وقد جرى على بني إسرائيل ببيت المقدس قريب ممّا جرى على أهل بغداد كما قصّ الله تعالى علينا ذلك في كتابه العزيز، حيث يقول: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً* فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (الإسراء/ 4- 5) الآيات. وقد قتل من بني إسرائيل خلق من الصّلحاء وأسر جماعة من أولاد الأنبياء، وخرّب بيت المقدس بعدما كان معمورا بالعبّاد والزّهّاد والأحبار والأنبياء، فصار خاويا على عروشه واهي البناء. وقد اختلف النّاس في كمّيّة من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة، فقيل ثمانمائة ألف، وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم. وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرّم، وما زال السّيف يقتل أهلها أربعين يوما، وكان قتل الخليفة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5722 المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الأربعاء، رابع عشر صفر وعفّي قبره، وكان عمره يومئذ ستّا وأربعين سنة وأربعة أشهر، ومدّة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيّام، وقتل معه ولده الأكبر أبو العبّاس أحمد، وله خمس وعشرون سنة، ثمّ قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبد الرّحمن وله ثلاث وعشرون سنة، وأسر ولده الأصغر مبارك، وأسرت أخواته الثّلاث: فاطمة وخديجة ومريم، وأسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بكر فيما قيل، والله أعلم، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وقتل أستاذ دار الخلافة الشّيخ محيي الدّين يوسف ابن الشّيخ أبي الفرج ابن الجوزيّ، وكان عدوّ الوزير، وقتل أولاده الثّلاثة: عبد الله، وعبد الرّحمن، وعبد الكريم، وأكابر الدّولة واحدا بعد واحد، منهم الدّيودار الصّغير مجاهد الدّين أيبك، وشهاب الدّين سليمان شاه، وجماعة من أمراء السّنّة وأكابر البلد. وكان الرّجل يستدعى به من دار الخلافة من بني العبّاس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال، تجاه المنظرة فيذبح كما تذبح الشّاة، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه. وقتل شيخ الشّيوخ مؤدّب الخليفة صدر الدّين عليّ بن النّيّار، وقتل الخطباء والأئمّة، وحملة القرآن، وتعطّلت المساجد والجمعات والمدارس والرّبط مدّة شهور ببغداد، وأراد الوزير ابن العلقميّ قبّحه الله- ولعنه، أن يعطّل المساجد والمدارس والرّبط ببغداد، ويستمرّ بالمشاهد ومحالّ الرّفض، وأن يبني للرّافضة مدرسة هائلة ينشرون علمهم وعلمهم بها وعليها، فلم يقدره الله تعالى على ذلك بل أزال نعمته عنه وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة، وأتبعه بولده فاجتمعا- والله أعلم- بالدّرك الأسفل من النّار. ولمّا انقضى الأمر المقدّر وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلّا الشّاذّ من النّاس، والقتلى كأنّها التّلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيّرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد، وتغيّر الهواء فحصل بسببه الوباء الشّديد حتّى تعدّى وسرى في الهواء إلى بلاد الشّام، فمات خلق كثير من تغيّر الجوّ وفساد الرّيح، فاجتمع على النّاس الغلاء والوباء والفناء والطّعن والطّاعون «1» . من مضار (الوهن) (1) يكسب بغض الله ورسوله. (2) يدخل العدوّ من كلّ جانب. (3) يسهّل هتك الأعراض وسفك الدّم واغتصاب الأموال. (4) يضيّع الأمّة ويشرّد أبناءها. (5) يملأ الأرض خرابا بعد أن كانت عامرة بأهلها.   (1) البداية والنهاية (200- 203) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5723 [ حرف الياء ] اليأس اليأس لغة: مصدر قولهم: يئس ييأس، وهو مأخوذ من مادّة (ي أس) الّتي تدلّ على قطع الأمل، يقال منه: يئس ييأس (مثل علم يعلم) ، وييئس (مثل حسب يحسب) ، وحكي أيضا يأيس بقلب الياء الثّانية ألفا وكلّه بمعنى انقطع أمله، وليس في كلام العرب ياء في صدر الكلام بعدها همزة إلّا هذه، وتأتي يئس بمعنى علم، قيل: ورد ذلك في لغة بعض العرب، وعلى ذلك قول الله تعالى: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا (الرعد/ 31) . قال الفيروز ابادي والفرّاء في هذه الآية: أفلم يعلم قال: وهو في المعنى على تفسيرهم لأنّ الله تعالى قد أوقع إلى المؤمنين أن لو شاء لهدى النّاس جميعا، فقال: أفلم ييأسوا علما، يقول يؤيسهم العلم فيه مضمرا، كما تقول في الكلام: قد يئست منك ألّا تفلح، كأنّك قلت: قد علمته علما، وقيل معناه: أفلم ييأس الّذين آمنوا من إيمان من وصفهم الله تعالى بأنّهم لا يؤمنون «1» ، وقال القرطبيّ: والمعنى على ذلك: أفلم يعلم الّذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى النّاس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات، وقيل هو من اليأس المعروف (أي انقطاع الرّجاء) ويكون المعنى أفلم ينقطع رجاء المؤمنين من إيمان هؤلاء الكفّار لعلمهم أنّ الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم «2» . أمّا قوله سبحانه: كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (الممتحنة/ 13) فالمعنى: انقطع رجاء الكفّار في قبورهم من رحمة الله تعالى لأنّهم آمنوا بالغيب بعد الموت فلم ينفعهم إيمانهم حينئذ، وقيل: كما يئسوا أن يحيوا ويبعثوا. وفي حديث أمّ معبد في صفته صلّى الله عليه وسلّم: «ربعة لا يأس من طول» قال ابن الأثير: معناه أنّه لا يؤيس من طوله، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم كان إلى الطّول أقرب منه إلى القصر. وقولهم: أيأسته وآيسته من كذا: قنّطته. وقال ابن منظور: اليأس: قطع الأمل، والقنوط. وهو نقيض الرّجاء، يقال: يئس من الشّيء ييأس. والمصدر اليأس، واليأسة واليأس. وآيسه فلان من كذا فاستيأس منه بمعنى أيس. قال طرفة بن العبد: وأيأسني من كلّ خير طلبته ... كأنّا وضعناه إلى رمس ملحد «3»   (1) بصائر ذوي التمييز (5/ 375) . (2) تفسير القرطبي (9/ 210) . (3) مقاييس اللغة (6/ 153) انظر الصحاح للجوهري (3/ 992) ، والنهاية لابن الأثير (5/ 291) ، ولسان العرب لابن منظور (6/ 260) ،، وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (5/ 274) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5724 اليأس اصطلاحا: قال المناويّ: اليأس: القطع بأنّ الشّيء لا يكون، وهو ضدّ الرّجاء «1» . وقال العزّ: اليأس من رحمة الله: هو استصغار لسعة رحمته- عزّ وجلّ- ومغفرته، وذلك ذنب عظيم وتضييق لفضاء جوده «2» . وقال الكفويّ: اليأس: انقطاع الرّجاء «3» . وقال الرّاغب هو انتفاء الطّمع «4» . وقال ابن الجوزيّ: القطع على أنّ المطلوب لا يتحصّل لتحقّق فواته «5» . اليأس فى القرآن الكريم: ذكر بعض المفسّرين أنّ اليأس في القرآن على وجهين: أحدهما: القنوط: ومنه قوله تعالى وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (يوسف/ 87) . وإنّما عبّر باليأس عن القنوط، لأنّ القنوط ثمرة اليأس. الثاني: العلم: ومنه قوله تعالى أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً (الرعد/ 31) : أي أفلم يعلموا «6» . الفرق بين اليأس والقنوط والخيبة: قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين اليأس والقنوط والخيبة: أنّ القنوط أشدّ مبالغة من اليأس، وأمّا الخيبة فلا تكون إلّا بعد الأمل. إذ هي امتناع نيل ما أمّل، وأمّا اليأس فقد يكون قبل الأمل وقد يكون بعده، والرّجاء واليأس نقيضان يتعاقبان تعاقب الخيبة والظّفر «7» ويستفاد ممّا ذكره ابن حجر: أنّ اليأس ألّا يأمل في وقوع شيء من الرّحمة وأنّ القنوط تصميم على عدم وقوعها «8» . حكم اليأس: عدّ ابن حجر اليأس من رحمته تعالى من الكبائر مستدلّا بقوله سبحانه: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ وبعد أن ذكر عددا من الأحاديث المبشّرة بسعة رحمته- عزّ وجلّ- قال: عدّ هذا كبيرة هو ما أطبقوا عليه، وهو ظاهر، لما فيه من الوعيد الشّديد «9» . [للاستزادة: انظر صفات: القنوط- الحزن- الضعف- الوهن- سوء الظن- التخاذل. وفي ضد ذلك: انظر صفات: العزم والعزيمة- الابتهال- الاستغاثة- الرغبة والترغيب- اليقين- النشاط- التفاؤل- العمل- حسن الظن- التوكل] .   (1) التوقيف (346) . (2) شجرة المعارف والأحوال (120) . (3) الكليات (985) . (4) المفردات (552) . (5) نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي (633) . (6) المرجع السابق (633) . (7) الفروق اللغوية (240) . (8) انظر الزواجر (114) ، وقارن بالفقرة التالية. (9) المرجع السابق (114) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5725 الآيات الواردة في «اليأس» 1- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «1» 2- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) «2» 3- وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) «3» 4- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) «4» 5- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) «5» 6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «6»   (1) هود: 9- 11 مكية (2) يوسف: 87 مكية (3) الإسراء: 83- 84 مكية (4) العنكبوت: 23 مكية (5) فصّلت: 49 مكية (6) الممتحنة: 13 مدنية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5726 الأحاديث الواردة في ذمّ (اليأس) 1- * (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر» ) * «1» . 2- * (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت «2» فخذوها فاطحنوها ثمّ انظروا يوما راحا «3» فاذروه في اليمّ، ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له» ) * «4» . 3- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند الله من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند الله من العذاب لم يأمن من النّار» ) * «5» . 4- * (عن حبّة وسواء، ابني خالد- رضي الله عنهم- قالا: دخلنا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يعالج «6» شيئا. فأعنّاه عليه. فقال: «لا تيأسا من الرّزق ما تهزّزت رؤوسكما «7» فإنّ الإنسان تلده أمّه أحمر، ليس عليه قشر، ثمّ يرزقه الله- عزّ وجلّ-» ) * «8» . الأحاديث الواردة في ذمّ (اليأس) معنى 5- * (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض دوّيّة «9» مهلكة «10» معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت. فطلبها حتّى أدركه العطش. ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه. فأنام حتّى   (1) الترمذي (3610) واللفظ له وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (8/ 528) : حديث حسن. (2) فامتحشت: أي احترقت. (3) يوما راحا: أي شديد الريح. (4) البخاري- الفتح 6 (3452) واللفظ له، ومسلم (2756) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. (5) البخاري- الفتح 11 (6469) واللفظ له، ونحوه عند مسلم (2755) . (6) يعالج: أي يصلح. (7) ما تهززت رؤوسكما: أي ما تحركت وهو كناية عن الحياة. (8) ابن ماجة (4165) وفي الزوائد: إسناده صحيح. (9) الدوية: الأرض القفر والفلاة الخالية. (10) مهلكة: موضع خوف الهلاك. ويقال لها مفازة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5727 أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشّد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده» ) * «1» . 6- * (عن سهل بن سعد السّاعديّ قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رجل يقاتل المشركين- وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم «2» . فقال: «من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا، فتبعه رجل فلم يزل على ذلك حتّى جرح، فاستعجل الموت فقال بذبابة سيفه «3» فوضعه بين ثدييه فتحامل عليه حتّى خرج من بين كتفيه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد ليعمل فيما يرى النّاس- عمل أهل الجنّة، وإنّه لمن أهل النّار، ويعمل- فيما يرى النّاس- عمل أهل النّار وهو من أهل الجنّة، وإنّما الأعمال بخواتيمها» ) * «4» . 7- * (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به. فإن كان لا بدّ متمنّيا فليقل: اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرا لي» ) * «5» . 8- * (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد، ثمّ يطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدونه، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره، ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك؛ الله ربّنا، هذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك السّاعة، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيعرّفهم نفسه. ثمّ يقول: أنا ربّكم فاتّبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصّراط فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال: هل امتلأت؟، فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (ق/ 30) ثمّ يطرح فيها فوج فيقال: هل امتلأت، فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حتّى إذا أوعبوا فيها وضع الرّحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قط، قالت: قط، قط، فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، قال: أتي بالموت ملبّيا، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار،   (1) البخاري، الفتح 11 (6308) ، ومسلم (2744) واللفظ له. (2) غناء: أى كفاية. (3) ذبابة سيفه: حده وطرفه. (4) البخاري. الفتح 11 (6493) واللفظ له، ومسلم (112) . (5) البخاري- الفتح 10 (5671) ، ومسلم (2680) واللفظ له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5728 فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنّة ولأهل النّار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه، هو الموت الّذي وكلّ بنا، فيضجع فيذبح ذبحا على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت» ) * «1» . 9- * (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يلقى على أهل النّار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع فيستغيثون بالطّعام فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يجيزون الغصص في الدّنيا بالشّراب فيستغيثون بالشّراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطّعت ما في بطونهم، فيقولون: ادعوا خزنة جهّنم، فيقولون: قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (غافر/ 50) . قال: فيقولون: ادعوا مالكا، فيقولون: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ؟ قال: فيجيبهم إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (الزخرف/ 77) قال الأعمش: نبّئت أنّ بين دعائهم وبين إجابة مالك إيّاهم ألف عام. قال: فيقولون: ادعوا ربّكم فلا أحد خير من ربّكم، فيقولون قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ* رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قال: فيجيبهم: قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (المؤمنون/ 106- 108) قال: فعند ذلك يئسوا من كلّ خير، وعند ذلك يأخذون في الزّفير والحسرة والويل» ) * «2» . من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (اليأس) 1- * (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله» ) * «3» . 2- * (عن عروة أنّه سأل عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت قول الله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا (يوسف/ 110) أو كذّبوا؟ قالت: بل كذّبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم وما هو بالظّنّ. فقالت: يا عرّية، لقد استيقنوا بذلك. قلت: فلعلّها «أو كذبوا» قالت: معاذ الله، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها، وأمّا هذه الآية قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم، وصدّقوهم، وطال عليهم البلاء،   (1) البخاري الفتح 8 (4730) ، ومسلم (2849) ، والترمذي (2557) واللفظ له. (2) الترمذي (2586) . (3) رواه عبد الرزاق في مصنفه، الدر النضيد (226) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5729 واستأخر عنهم النّصر. حتّى إذا استيأست ممّن كذّبهم من قومهم وظنّوا أنّ أتباعهم كذّبوهم جاءهم نصر الله» ) * «1» . 3- * (قال مجاهد، في قوله تعالى: كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (الممتحنة/ 13) قال: كما يئس الكفّار في قبورهم من رحمة الله تعالى، لأنّهم آمنوا بعد الموت بالغيب فلم ينفعهم إيمانهم حينئذ» ) * «2» . 4- * (قال محمّد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سمعت ذا النّون المصريّ يقول في دعائه: اللهمّ، إليك تقصد رغبتي، وإيّاك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلّا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك» ) * «3» . 5- * (قال أبو حاتم السّجستانيّ منشدا: إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصّدر الرّحيب وأوطأت المكاره واطمأنّت ... وأرست في أماكنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضّرّ وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوث ... يمنّ به اللّطيف المستجيب وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب) * «4» . من مضار (اليأس) (1) دليل الضّعف في الدّين وعدم اليقين. (2) تعب وعناء بلا فائدة. (3) اليائس من رحمة الله كافر. (4) هو آية السّخط على قدر الله. (5) يضعف القوى ويقتل الأجساد.   (1) البخاري، الفتح 6 (3389) . (2) بصائر ذوي التمييز (5/ 376) . (3) حلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 333) . (4) تفسير ابن كثير (4/ 526) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5730 [مقدمة المجلد الثاني عشر] موسوعة نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم الإشراف العام صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير دار الوسيلة للنشر والتوزيع لجنة الإعداد: بإشراف الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد أ. محمد أحمد سيد أحمد أ. صلاح محمد عرفات أ. محمد إسماعيل السيد أحمد أ. ناصر مهلل محمد حامد لجنة المراجعة والضبط: بإشراف أ. د. على خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي د. عزت عبد الحميد إبراهيم د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي د. أحمد علي محمود ربيع د. يس إبراهيم عفيفي لجنة اللغة والتدقيق والفهرسة: بإشراف أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة العربية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أ. د. عبد الصبور السيد أحمد الغندور أ. د. محمد أحمد حسب الله أ. د. سعيد محمد صوابي د. أحمد كامل صالح د. عاصم بدري حسين أ. أحمد شعبان الباسل أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أ. د. سيد أحمد طهطاوي أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن د. فراج جودة فراج أ. سبيع حمزة حاكمي أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط أ. فؤاد محمد نور أبو الخير إعداد السيرة النبوية: أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا إعداد المقدمة التربوية: أ. د. علي خليل أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية الإدارة والمتابعة: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح فؤاد محمد نور أبو الخير برامج الحاسب الآلي: م. ناظم يحيى عبد الرازق م. نبيل أكرم نوح الجمع والتنضيد بإشراف: توني نجيب زيدان أحمد طارق علي بيومي كمال حمزة أحمد مصطفى سعد محمد كمال مصطفي أبو زيد هاني محمد أحمد فرج يوسف عبد الباقي محمود محمد رضا محمد محمود عبد الإله محمود عساف الجزء: مقدمةج‏12 ¦ الصفحة: 1 [من شارك في إعداد هذه الموسوعة] بعون الله تعالى وتوفيقه شارك في إعداد هذه الموسوعة 1- الشيخ أ. د. صالح بن عبد الله بن حميد خطيب وإمام الحرم المكي، وعضو مجلس الشورى، وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا. 2- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام مؤسسة بن ملّوح التجارية وفروعها دار الوسيلة للنشر والتوزيع ومؤسسة الصيانة الوقائية الشاملة- جدة. 3- أ. فؤاد محمد نور أبو الخير نائب مدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ونائب مدير عام مدارس الثغر النموذجية سابقا، ومدير القسم المتوسط والثانوي بمدارس دار الفكر سابقا. 4- أ. د. علي خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق فرع بنها، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة سابقا. 5- أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 6- أ. د. حسام الدين قوام الدين السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا. 7- أ. د. محمد أحمد حسب الله أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 8- أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمات بالطائف. 9- أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي أستاذ البلاغة بكلية اللغة العربية بالمنوفية. 10- أ. د. عبد الصبور السيد الغندور أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 11- أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 12- أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أستاذ الأدب المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وكلية التربية بالطائف. 13- أ. د. سعيد محمد صوابي أستاذ علوم الحديث المشارك بجامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف. 14- أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن أستاذ التربية الإسلامية المشارك بكلية التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة، وكلية المعلمين بالطائف. 15- أ. د. السيد أحمد طهطاوي أستاذ أصول التربية المشارك بجامعة أسيوط، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 16- د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد أستاذ البلاغة والنقد المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة. 17- د. أحمد علي محمود ربيع أستاذ أصول اللغة المساعد بجامعة الأزهر، وجامعة كوالالامبور بماليزيا. 18- د. أحمد كامل محمد صالح أستاذ التاريخ المساعد بكلية دار العلوم بالقاهرة، وكلية التربية بجامعة أم القرى- فرع الطائف. 19- د. عزت عبد الحميد إبراهيم أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمين بعرعر بالمملكة العربية السعودية. 20- د. عاصم بدري حسين أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية المعلمات بالطائف. 21- د. فراج جودة فراج أستاذ الأدب المساعد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكلية التربية بالطائف. 22- د. يس إبراهيم عفيفي دكتوراة في اللغويات من جامعة الأزهر. 23- أ. سمير محمد عبد التواب وكيل وزارة الإعلام بالقاهرة سابقا. 24- أ. صلاح محمد عرفات المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة. 25- أ. محمد أحمد سيد أحمد المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة. 26- أ. محمد إسماعيل السيد أحمد المحاضر بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 27- أ. ناصر مهلل محمد حامد خريج معهد الدعاة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. 28- أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط محقق تراث، الجمهورية العربية السورية. 29- أ. سبيع حمزة حاكمي محقق تراث، الجمهورية العربية السورية. 30- أ. أحمد شعبان الباسل المحاضر بكلية التربية- فرع جامعة أم القرى- الطائف. 31- أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي تخصص القراءات (دبلوم في الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق بالقاهرة) . الجزء: مقدمةج‏12 ¦ الصفحة: 2 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الجزء: مقدمةج‏12 ¦ الصفحة: 3 فهرس الفهارس مسلسل الفهرس رقم الصفحة مقدمة الفهارس 1 1 فهرس المحتويات 6 2 فهرس الشواهد القرآنية 17 3 فهرس الأحاديث النبوية 120 4 فهرس الآثار وأقوال العلماء والمفسرين 256 5 فهرس الأعلام 371 6 فهرس المصطلحات 444 7 فهرس الفروق اللغوية 457 8 فهرس الوجوه والنظائر 459 9 فهرس الأحكام الشرعية وآداب السلوك 461 10 فهرس الحكم والأمثال 464 11 فهرس الأشعار والأرجاز 466 12 فهرس الأمم والقبائل والجماعات 491 13 فهرس الأماكن والبلدان 500 14 فهرس الإحالات 511 15 فهرس المصادر والمراجع 517 الجزء: مقدمةج‏12 ¦ الصفحة: 4 [المجلد الثاني عشر] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فهارس الموسوعة [اجمالا] تقديم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.. وبعد ... !! فإن الأعمال العلمية الكبرى خاصة إذا كانت في حجم «نضرة النعيم» لا تتم الإفادة منها على الوجه الأكمل إلا إذا زودت بفهارس فنية دقيقة، تيسر الانتفاع بها، وتجعل في متناول القراء والباحثين ما يبغون الحصول عليه في يسر وسهولة، ومن هنا كان التفكير في تزويد الموسوعة بمجلد خاص يضم الفهارس الآتية: 1- فهرس المحتويات 2- فهرس الشواهد القرآنية 3- فهرس الأحاديث النبوية الشريفة 4- فهرس الآثار وأقوال العلماء والمفسرين 5- فهرس الأعلام 6- فهرس المصطلحات 7- فهرس الفروق اللغوية 8- فهرس الوجوه والنظائر 9- فهرس الأحكام الشرعية وآداب السلوك 10- فهرس الحكم والأمثال 11- فهرس الأشعار 12- فهرس القبائل والأمم والجماعات 13- فهرس الأماكن والبلدان 14- فهرس الإحالات 15- قائمة المصادر والمراجع لقد أتاحت التقنيات المعاصرة أن يزود الحاسب الآلي بالمعلومات الخاصة بالفهرسة، ومن ثم يتم ترتيبها وإخراجها على نحو دقيق ومنظم، وقد يخالف ذلك- في بعض الوجوه- الطرق العادية المألوفة، مثال ذلك أنه قد جرت عادة المفهرسين بأن يجردوا الكلمات المعرّفة من أداة التعريف «ال» وألا يعتدوا بألفاظ مثل «ابن» و «أبو» التي ترد في صدر الكنى، وليس الأمر كذلك هنا إذ تم الاعتداد بالصورة المكتوبة للكلمة أيا كان ما تبدأ به «1» ، كما أنه لم تراع التفرقة بين الحروف الأصلية والزائدة، وقد رأينا إتماما للفائدة أن نعرف بموضوع كل فهرس وطريقة استخدامه، نظرا لأن بعض هذه الفهارس تظهر لأول مرة. فيما نعلم. وذلك مثل فهرس الإحالات، وفهرس الوجوه والنظائر.. وغيرها. والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو فهرس الصفات وقائمة المراجع التي تم ترتيبها بالطرق العادية ومن ثم فلم تراع الألف واللام في صدر الصفة أو المرجع. إننا نسأل المولى جل وعلا أن ينفع بعملنا هذا، وأن يبارك فيه فيحقق الغرض المرجو منه، إنه عز وجل أكرم مسئول، وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. دكتور عبد الفتاح البركاوي المشرف على اللجنة اللغوية والفهرسة   (1) يستثنى من ذلك ترتيب صفات الموسوعة في الفهرس الأول وقائمة المراجع في الفهرس الأخير نظرا لمراعاة ما بعد «أل» كما جرت بذلك عادة المفهرسين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 1 1- فهرس المحتويات: يتضمن هذا الفهرس إشارة مجملة إلى الموضوعات المتناولة في المجلد الأول، كما يتضمن قائمة بالصفات الواردة في المجلدات (2- 11) وفقا لما تبدأ به هذه الصفات من الحروف الهجائية، بغض النظر عن وجود أداة التعريف من ناحية، وعن أصالة الحروف أو زيادتها من ناحية أخرى. 2- فهرس القرآن الكريم: تضمن هذا الفهرس آيات الشواهد القرآنية الواردة في الموسوعة، والمقصود بالشاهد القرآني آية واحدة أو أكثر تشتمل على الصفة الواردة فيها، إما صراحة أو ضمنا، وقد اكتفينا بذكر صدر الآية الأولى من هذا الشاهد حتى لو تعددت الآيات الواردة بعد هذه الآية من السورة نفسها، وذكرنا بعدها مباشرة اسم السورة ورقم الآية. لقد رتبت الآيات الكريمة في هذا الفهرس وفقا لما تبدأ به من حروف الهجاء مع مراعاة الحرفين الثاني والثالث (فما فوقهما إن وجد) ، وهي تلك الطريقة التي اتبعتها المعاجم العربية الحديثة ووضع أسسها الزمخشري في «أساس البلاغة» والفرق الوحيد بين الطريقة المعجمية وطريقة فهرسة الآيات الكريمة هنا هو عدم تجريد الكلمات من الزوائد، والاعتداد بالشكل الكتابي للكلمة بغض النظر عن الأصالة أو الزيادة، ودون مراعاة لرد الحرف المبدل أو المقلوب أو المحذوف إلى أصله. وبعد أن نذكر صدر الآية وضعنا ثلاث نقاط للإشارة إلى أن للآية الكريمة بقية لم تذكر هنا وإنما في موطنها من الموسوعة، وبعد ذلك أوردنا اسم السورة ثم رقم الآية بعد خط مائل هكذا: ... الملك/ 16، ثم ذكرنا بعد ذلك الصفة ورقم المجلد ثم رقم الصفحة بعد خط مائل أيضا، وإذا تعددت الصفات في مجلد واحد أو أكثر روعي ذكر ما ورد في الموسوعة أولا. وفيما يتعلق بترتيب الهمزات فقد راعينا البدء بهمزة القطع أولا وذلك على النحو التالي: الهمزة المفردة ثم الهمزة التي ترسم فوق الألف (سواء أكانت مفتوحة أو مضمومة) ثم الهمزة المكسورة (أي التي ترسم أسفل الألف) ، وبعد الانتهاء من همزة القطع، تذكر الكلمات المبدوءة بهمزة الوصل سواء أكانت في الأفعال أو في الأسماء، وتدخل في همزة الوصل في الأفعال، همزات الخماسي مثل: انطلق، والسداسي مثل: استغفر، كما تدخل همزات فعل أمر الثلاثي من نحو: اذهب، والخماسي مثل: انطلق، والسداسي مثل: استغفر، أما همزات الوصل في الأسماء فتشمل المصادر من نحو: انطلاق واستغفار، كما تشمل همزة أداة التعريف مثل: القارعة، الرجال.. إلخ. وفيما يتعلق بالحرف الثاني الذي روعي في الترتيب فقد جاءت الهمزة أولا، تليها ألف المد، ثم الباء، ثم التاء إلى آخر حروف الهجاء، وقد روعي في الحرف الثالث فما فوقه الترتيب نفسه الذي روعي في الحرف الثاني. ومن نافلة القول التذكير بأن الألف التي هي حرف مد لم ترد أبدا صدرا في كلمة عربية صحيحة، فإذا ما ورد رسم الألف (بدون همزة) في أول الكلمة فذلك يدل على أن هذه ألف وصل (أو همزة وصل) تثبت في أول الكلام وتنطق همزة، أما في حالة وصل الكلام فإنها تسقط، وسبب كتابتها- كما هو معروف- أن نظام الكتابة العربي يسجل الكلمات مبدوءا بها وموقوفا عليها، وما ورد مخالفا لذلك فإنه لا يعدو أن يكون استثناء له سببه الخاص به كما في كتابة لفظ «ابن» بين علمين مثلا. 3- فهرس الأحاديث النبوية الشريفة: تضمن هذا الفهرس أطراف الأحاديث النبوية الشريفة، سواء أكانت أقوالا للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم أو كانت حكاية عن أفعاله يرويها عنه أحد الصحابة- رضوان الله عليهم- وقد رتبت هذه الأطراف على الطريقة نفسها التي رتبت بها آي الذكر الحكيم، أعني الطريقة الهجائية التي تعتد بالصورة المكتوبة للكلمة بغض النظر عن أصالة الحروف أو زيادتها، وبعد إيراد طرف الحديث يذكر الراوي بعد فاصل من ثلاث نقاط، فإذا لم يكن اسم الراوي مذكورا في الحديث في متن الموسوعة (ويحدث ذلك غالبا في الجزء الخاص بالسيرة النبوية في المجلد الأول) فإننا نذكر صاحب الكتاب الذي ورد فيه الحديث وذلك كالبخاري أو مسلم أو غيرهما، ممن لهم مؤلفات في الحديث أو السيرة النبوية أو التاريخ «1» . ولقد ذكرنا عقب كل طرف من أطراف الحديث الصفة التي ورد فيها هذا الحديث مقرونة بالجزء والصفحة، فإذا تعدد   (1) مثال ذلك: طلق رسول الله حفصة فأتاه جبريل ... رواه أبو داود المقدمة 1/ 591. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 2 ورود الحديث في صفات عديدة في مجلد واحد أو أكثر ذكرنا ذلك وفقا لترتيب وروده في الموسوعة. إن الحديث الواحد قد تختلف روايته- إن قليلا وإن كثيرا- باختلاف من رواه، من الصحابة- رضوان الله عليهم- كما أنه ليس من النادر أن يكون الراوي واحدا «1» ولكن اللفظ عن مسلم قد يختلف عن لفظ البخاري مثلا. فإذا كان معدو الموسوعة قد أخذوا اللفظ عن مسلم في صفة ما، ولفظ البخاري في صفة أخرى، فإن الفهرس سوف يظهر الروايتين جميعا بذكر الطرفين الذين وردا في الموسوعة. 4- فهرس الآثار وأقوال العلماء والمفسرين: يحتوي هذا الفهرس على كل ما عدا الأحاديث الشريفة من أقوال الصحابة- رضوان الله عليهم- والتابعين وتابعيهم (رحمهم الله أجمعين) ، كما يضم أيضا أقوال علماء السلف ومن سار على نهجهم، وقد ميزنا في هذا الفهرس بين أربعة أمور: الأول: أقوال الصحابة أو التابعين وتابعيهم. الثاني: قول الصحابي أو التابعي المتعلق بتفسير آية من الذكر الحكيم، وقد صورنا ذلك بعبارة قول فلان في قوله سبحانه: ثم نذكر الآية الكريمة، مثال ذلك: قول ابن عباس في قوله تعالى: .... ، أو قول مجاهد في قوله عز وجل: ... الثالث: أقوال المفسرين الذين وردت آراؤهم حول تفسير هذه الآية الكريمة أو تلك، في التفاسير الخاصة بهم وذلك كتفسير ابن كثير أو تفسير القرطبي أو نحو ذلك، ويلحق بهذا القسم ويتصل به أقوال شراح الحديث سواء أكانت لهم مؤلفات خاصة حول شرح الحديث مثل: ابن حجر، أو النووي، أو كانت لهم آراء حول معاني الأحاديث تضمنتها المؤلفات الخاصة بالشروح وذلك مثل ابن بطال، وقد ميزنا هذه الطائفة عن أصحاب التفسير بأن صدرنا القسم الخاص بالمفسرين ب: تفسير فلان لقوله تعالى، والقسم الآخر بقولنا: شرح فلان لحديث كذا. الرابع: يتعلق بآراء العلماء وأقوالهم المتعلقة بموضوع الموسوعة وذلك كقول ابن تيمية أو ابن القيم من القدماء وقول الشيخ ابن باز أو الشيخ صالح بن حميد من المحدثين. وفي كل ذلك كنا نذكر عقب صدر ما روي من آثار اسم الصحابي أو التابعي، وإن كان المروي قولا مأثورا لم ينص على صاحبه ذكرنا اسم مؤلف الكتاب الذي ورد فيه ذلك، مثال ذلك أن ينقل ابن القيم عن بعضهم، أو ينقل الأبشيهي عن بعض البلغاء، في هذه الحالة فإننا كنا نكتفي بالإحالة إلى مؤلف الكتاب الذي ورد فيه هذا القول أو ذاك. وفيما يتعلق بالترتيب فإننا سرنا على الطريقة نفسها التي رتبت بها الآيات والأحاديث وهي الطريقة الهجائية المعروفة. 5- فهرس الأعلام: ذكرنا في هذا الفهرس كل من عدا الرواة «2» من الصحابة والتابعين والعلماء والمفسرين واللغويين الذين ورد الاستشهاد بأقوالهم في الموسوعة وقد حاولنا. ما وسعتنا المحاولة. أن نذكر اسم العلم كاملا، إلا أنه تعذر ذلك في حالات قليلة لم يرد فيها الاسم تاما في المصدر الأصلي الذي نقلنا عنه، وقد راعينا في الترتيب وجود الألف واللام، وألفاظا مثل ابن ونحوه من الكنى، وقد يرد العلم في الموسوعة بأكثر من طريقة كأن تذكر الكنية في مواضع والاسم الكامل في مواضع أخرى كأن يذكر ابن عباس في بعض المواضع، وعبد الله بن عباس في مواضع أخرى، وفي هذه الحالة فإن صاحب الاسم يظهر في الفهرس مرتين: الأولى تحت اسمه التام والأخرى تحت اسمه المختصر، وفي هذه الحالة الأخيرة فإننا كنا نذكر الاسم التام بعد الاسم المختصر مفصولا بينهما بنقطتين متعامدتين هكذا: ابن عباس: عبد الله بن عباس، مما يعني أن الاسمين لشخص واحد. 6- فهرس المصطلحات: يراد بالمصطلحات هنا تلك الألفاظ التي اصطلح عليها طائفة من أهل العلم، واستخدموها استخداما خاصّا يختلف- إن قليلا وإن كثيرا- عن استخدامها في اللغة بوجه عام، مثال ذلك أن لفظ الاتباع في اللغة يراد به التلو والقفو أيا كان، ولكنه   (1) السبب في هذا الاختلاف في هذه الحالة هو أن الطريق الذي وصل الحديث بواسطته إلى أحد أئمة الحديث فيه نوع اختلاف. (2) وذلك لأن أسماء الرواة قد ذكرت مفصلة عقب الأحاديث المروية عنهم في فهرس الأحاديث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 3 عند علماء الشريعة اتباع مخصوص هو: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.. كما قال الإمام أحمد بن حنبل، ويدخل في الألفاظ الاصطلاحية تلك الألفاظ التي انتقلت في الإسلام من معانيها اللغوية المتعارف عليها قبلا إلى معان شرعية مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها. وقد اعتمدنا في ذلك على ما يزخر به التراث العربي من مؤلفات خاصة بالمصطلحات ومن أهمها: التعريفات للجرجاني، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي «1» ، وحيث لم يرد لفظ الصفة ضمن كتب المصطلحات فقد كان علينا أن نستنبط هذا التعريف مما ذكره المفسرون وشراح الحديث وعلماء اللغة ولم يكن من النادر أن نجد ألفاظا استعملت في مجال الأخلاق أو القيم التربوية قد بقيت على أصل معناها في الاستعمال اللغوي وهنا كان يتفق المعنيان اللغوي والاصطلاحي. لقد كان علينا- في بعض الأحيان- أن نرجع إلى كتب المصطلحات المتخصصة التي ظهرت حديثا لنأخذ منها تعريف بعض الألفاظ التي تطورت معانيها الاصطلاحية وذلك مثل: الإحباط أو القلق أو غيرهما مما تناوله علماء التربية وعلم النفس غير مغفلين- بالطبع- ما كتبه الأسلاف حول هذه المصطلحات. 7- فهرس الفروق اللغوية: يحتوي هذا الفهرس على الألفاظ التي قد يظن أنها مترادفة أي متساوية في الدلالة ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، إذ يظهر الاختلاف في معناها إما بحسب الأصل اللغوي كما في التدبر والتأمل والتفكر، وإما بحسب السياق الذي ترد فيه وذلك مثل السنة والحول أو المطر والغيث، وقد أفدنا هذه الفروق من كتب الفروق اللغوية مثل كتاب أبي هلال العسكري، ومن كتب التفسير وشروح الحديث، إضافة إلى ما ذكره علماء اللغة. لقد رتبت هذه الفروق وفقا للفظ الأول في مجموعة الألفاظ التي يراد التفريق بين معانيها. 8- فهرس الوجوه والنظائر: الوجوه والنظائر علم مهم من علوم القرآن الكريم يتناول تلك الألفاظ التي تتعدد معانيها بحسب السياق الذي ترد فيه، وقد ألفت فيها كتب كثيرة بعناوين مختلفة مثل «ما اتفق لفظه واختلف معناه من ألفاظ القرآن المجيد» لأبي العباس المبرد ومثل الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان، والوجوه والنظائر لابن العماد، والتصاريف ليحيى بن سلام، وغيرهم، وقد أفدنا في الموسوعة من جهود هؤلاء العلماء وخاصة نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي، وقد تضمن بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي قدرا لا بأس به من تلك الوجوه، ولا ندّعي أننا استقصينا كل ألفاظ الوجوه والنظائر وإنما أشرنا فقط إلى الألفاظ القرآنية الواردة في الموسوعة مما يندرج تحت مسمى «الوجوه» أي وجوه استعمال اللفظ الواحد في سياقاته المختلفة وذلك مثل لفظ الهدى، الذي أورد له علماء الوجوه ما ينيف على عشرين معنى، ولا يختلف الترتيب هنا عن الترتيب في الفهارس السابقة. 9- فهرس الأحكام الشرعية وآداب السلوك: لقد تضمنت الموسوعة في أحيان كثيرة بيان الأحكام الفقهية (الشرعية) من وجوب أو ندب أو إباحة في الصفات أو القيم المأمور بها، ومن نحو الحرمة أو الكراهة في الصفات أو القيم السلبية المنهي عنها، كما تضمنت العديد من آداب السلوك وفقا لما ورد في الكتب المعتمدة مثل المغني لابن قدامة، وغذاء الألباب للسفاريني الحنبلي وغيرهم، وقد أظهر الفهرس ما أوردته الموسوعة من تلك الأحكام وهذه الآداب، مرتبة إياه على حروف المعجم، ولا ندعي بذلك أن في الموسوعة ما يغني عن الرجوع إلى المصادر الأصلية ولكنها يقينا ترشد إلى مواطن هذه الأحكام وتبرز أهمها فتيسر الرجوع إليها من ناحية، وتقدم زادا سريعا لمن يريد الوقوف على الحكم الشرعي من ناحية أخرى، أما آداب السلوك فالمراد بها تلك الأمور التي حث عليها الشارع مثل آداب عيادة المريض أو قراءة القرآن، كما يراد بها أيضا معالجة أمراض السلوك مثل معالجة الوهم.   (1) الإمام عبد الرؤوف المناوي صاحب التعاريف ظهر في الموسوعة أحيانا باسم المناوي وأحيانا باسم: ابن المناوي والسبب في ذلك أن هناك تحقيقين لكتابه التعاريف، وحيث ذكر المناوي فتلك إشارة إلى أن النسخة المستخدمة هي تلك التي حققها عبد الحميد صالح حمدان وظهر عليها عبد الرؤوف بن المناوي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 4 10- فهرس الحكم والأمثال: تضمنت الموسوعة أقوالا مأثورة عديدة تندرج في إطار ما يسمى بالحكمة أو المثل، وقد اقتصرنا في هذه الناحية على ما يقره الشرع الحكيم وترضاه قيمنا الإسلامية وذلك بغض النظر عن المصدر الأول الذي صدر عنه ذلك المثل أو تلك الحكمة، ولما كانت بعض هذه الحكم أو تلك الأمثال قد صيغت شعرا فإننا ذكرنا الحكم والأمثال النثرية أولا ثم قفينا بالأبيات الشعرية التي تجري مجرى الأمثال أو الحكم. 11- فهرس الأشعار: احتوت الموسوعة على أشعار كثيرة، منها ما يحض على مكارم الأخلاق، ومنها ما يزود به قائلوه عن حوزة الإسلام (وخاصة في الصدر الأول) مثل أشعار حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة التي وردت في قسم السيرة، ومنها أيضا ما ورد في متن الأحاديث أو الآثار استشهادا أو تمثلا، وقد رتبنا هذه الأشعار وفقا لقوافيها فذكرنا الأشعار التي قافيتها الهمزة أولا، تليها القوافي البائية، ثم التائية ... الخ، كما ذكرنا- إتماما للفائدة- صدر البيت المستشهد به، فإذا تعددت الأبيات اكتفينا بذكر قافية البيت الأول وصدره، وذكرنا عدد الأبيات، وأتبعنا ذلك باسم الشاعر إن كانت المصادر قد ذكرته أو كان مما استطعنا أن نقف على قائله، وإذا لم يكن اسم الشاعر مذكورا في المرجع المنقول عنه، أو لم نستطع العثور على اسم قائله، تركنا بياضا أمام اسم الشاعر ليفتح الله به بعد على من يشاء، وعقب الإشارة إلى الشواهد الشعرية تذكر قافية وصدر البيت وعدد الأبيات واسم الشاعر (إن عرف) ثم ذكرنا الصفة أو الصفات التي ورد فيها مع ذكر الجزء ورقم الصفحة. 12- فهرس القبائل والأمم والجماعات: في هذه الموسوعة ذكر لعديد من أسماء القبائل والأمم والجماعات، فالقبائل مثل تميم وقريش والأمم مثل الروم وأهل مصر والجماعات مثل أهل السنة والفقهاء وأهل الحديث ونحو ذلك، وقد رتبت كلها وفقا للترتيب الهجائى السابق. 13- فهرس الأماكن والبلدان: تضمنت الموسوعة إشارة إلى عديد من أسماء الأماكن والقرى والبلدان والأمصار وذلك مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة والحجاز ونجد وخيبر وبلاد الروم أو الفرس ونحو ذلك، وقد تضمنت فهارس الموسوعة ثبتا بأسماء كل ذلك مرتبة وفقا للترتيب الهجائي المعروف. 14- فهرس الإحالات: يظهر هذا الاسم- للمرة الأولى فيما نعلم- ضمن الفهارس الفنية، ويقصد به ما ذيلنا به مقدمة كل صفة من الإحالات على الصفات المقاربة لها، أو تلك التي ترادفها ترادفا جزئيا، أو تلك التي تقع على الضد منها، وذلك حتى يتسنى للقارئ الكريم أن يلم بموضوع الصفة من جميع أطرافه وفي ذلك من التيسير على الباحثين ما لا يخفى، وقد رتب هذا الفهرس وفقا لترتيب الصفات في الموسوعة. 15- فهرس المصادر والمراجع: لقد اشتملت مصادر الموسوعة ومراجعها على ما ينيف على الألف ومائة مرجع بين مطبوع ومخطوط، قديم وحديث، وقد رتبناها وفقا للعناوين، ثم ذكرنا اسم المؤلف (والمحقق إن وجد) كما ذكرنا مكان وتاريخ النشر (إن تيسر ذلك) ، وإذا ذكر للكتاب الواحد أكثر من عنوان، فإننا نذكره في موضعين، في الموضع الأول نذكر بياناته كاملة ثم نحيل في الموضع الثاني إلى ما ذكرناه آنفا مثال ذلك: تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، وهذا يعني أن تفسير القرطبي هو نفسه الجامع لأحكام القرآن، وهكذا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.. المشرف اللغوي أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي الأستاذ بجامعتي الأزهر وأم القرى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 فهارس الموسوعة تفصيلا (*)   (*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة: ولم تُدرج عامة الفهارس هنا، لإمكانية الوصول للمطلوب بالبحث في الكتاب الإلكتروني، لكن أثبتنا أنواعا محددة من الفهارس لفائدتها الجزء: 12 ¦ الصفحة: 17 فهرس المصطلحات المصطلح الجزء آل محمد 1/ 588 أسلوب الأحداث الجارية 1/ 161 أسلوب العادة 1/ 162 أسلوب الممارسة والعمل 1/ 162 أسلوب تفريغ الطاقة 1/ 162 أصل الزندقة 10/ 4585 أكل الحرام 9/ 3970 أمان النساء 1/ 373 أهل الأهواء 9/ 3752 أهل الصلاح 6/ 2586 أول المراقبة 8/ 3367 أول النصح 8/ 3490 إخلاص الدين لله 2/ 126 إضاعة الصلاة 9/ 4159 إطلاق البصر 9/ 3905 إفشاء السر 9/ 3946 إفشاء السلام 2/ 432 إقامة الشهادة 2/ 467 اتباع الهوى 9/ 3752 احتكار الانتاج 9/ 3809 استمناء 5/ 1655 الآل 1/ 587 الأبجدية العربية 1/ 217 الأثرة 9/ 3771 الأحرف السبعة 1/ 217 الأحكام القيمية الإسلامية 1/ 75 الأخ 2/ 92 الأخلاق 1/ 61 الأخلاق الإسلامية 1/ 66 الأخلاق السلبية 1/ 75 الأخلاق النوعية 1/ 75 الأخلاق في نظر الإسلام 1/ 66 الأدب 2/ 141 الأذان 1/ 281، 1/ 280 الأذى 9/ 3811 المصطلح الجزء الأسوة 2/ 349 الألفة 2/ 495 الأمانة 1/ 93، 3/ 509 الأمر بالمعروف 3/ 525 الأمر بالمنكر 9/ 3987 الأمل 10/ 4857الأمن من المكر 9/ 3999 الأمية 1/ 279 الأوبة 4/ 1270 الإباحة 1/ 99 الإثبات 4/ 1437 الإثم 9/ 4200 الإجرام 9/ 3781 الإحباط 9/ 3797 الإحسان 2/ 67 الإخاء 2/ 92 الإخبات 2/ 118 الإخلاص 1/ 595، 2/ 124 الإذن 2/ 181 الإرادة 8/ 3196، 7/ 2849 الإرشاد 2/ 171 الإرهاب 9/ 3828 الإرهاب المحمود 9/ 3829 الإرهاب المذموم 9/ 3829 الإساءة 9/ 3838 الإساءة الفعلية 10/ 4674، 9/ 3840 الإساءة القاصرة 9/ 3838 الإساءة القولية 10/ 4674، 9/ 3840 الإسراف 9/ 3885 الإسلام 2/ 321 الإشفاق 6/ 2386 الإصرار 9/ 3897 الإصرار على الذنب 9/ 3896 الإصلاح 2/ 364 الإعراض 9/ 3913 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 444 الإعراض المذموم 9/ 3913 الإعراض الممدوح 9/ 3913 الإعلام والبيان 1/ 109 الإغاثة 2/ 418 الإغواء 11/ 5144 الإفراط 9/ 4230 الإفساد 11/ 5237 الإفك 9/ 3959 الإكراه 10/ 5019 الإلحاد 9/ 3982 الإلحاد في آيات الله تعالى 9/ 3981 الإلحاد في أسمائه سبحانة 9/ 3981 الإلحاد في الحرم 9/ 3981 الإلزام الخلقي 1/ 100 الإمعة 9/ 3995 الإنابة 3/ 540، 4/ 1270 الإنذار 3/ 549 الإنسان الفاضل 7/ 3108 الإنسانية 5/ 2042 الإنصاف 3/ 577 الإنفاق 3/ 598 الإيثار 3/ 629 الإيجاب 1/ 99 الإيمان 1/ 62، 3/ 641 الإيمان المقترن بالإسلام 3/ 646 الإيمان بالقدر 3/ 645 الإيمان باليوم الآخر 3/ 643، 3/ 644 الابتداع 9/ 3732 الابتلاء 1/ 6، 6/ 2445 الابتهال 2/ 2 الاتباع 2/ 10 الاتكال 4/ 1378 الاجتماع 2/ 42 الاحتكار 9/ 3809 الارتداد 10/ 4532 الاستئذان 2/ 181 الاستبشار 6/ 2261 الاستخارة 2/ 197 الاستغاثة 2/ 241 الاستغاثة والتوسل بغير الله 10/ 4713 الاستغفار 2/ 253 الاستقامة 1/ 33، 2/ 304 الاستهزاء 9/ 3873 الاشمئزاز 9/ 4133 الاعتبار 2/ 380 الاعتداء في الدعاء 5/ 1903 الاعتذار 2/ 389 الاعتصام 2/ 410 الاعوجاج 9/ 3928 الاعوجاج في أمر الدين 9/ 3928 الافتراء 9/ 3935 الاقتضاء 5/ 1708 الانتقام 9/ 4007 البخل 9/ 4029 البدعة 9/ 3733 البدعة التركية 9/ 3735 البدعة الضالة 9/ 3733 البدعة المحمودة 9/ 3733 البديع 9/ 3733 البديع (من أسماء الله تعالى) 3734/ 9 البذاءة 9/ 4047 البذاذة 9/ 4060 البر 3/ 751 البر بالوالدين 3/ 767 البراء 8/ 3689 البراءة 8/ 3689 البركة 1/ 600 البشارة 3/ 780 البشاشة 3/ 812 البصير 7/ 3071 البصيرة 3/ 824، 8/ 3713 البطر 9/ 4069 البعد الاجتماعي للقيم 1/ 84 البعد الجمالي للقيم 1/ 84 البعد الخلقي للقيم 1/ 84 البعد الروحي للقيم 1/ 84 البعد العقلي للقيم 1/ 84 البعد المادي للقيم 1/ 84 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 445 البعد الوجداني للقيم 1/ 84 البغاء 5/ 1655 البغض 9/ 4073 البغضاء مرادفة للحقد 10/ 4432 البغي 9/ 4085 البكاء 3/ 833 البلادة 9/ 4097 البلاغ 1/ 102، 120 البهتان 9/ 4108 البيئة الاجتماعية 1/ 125 البيان 1/ 10 التأدب 2/ 143 التأديب 2/ 143 التألف 2/ 495 التأمل 3/ 842 التأني 3/ 865 التبتل 3/ 872 التبذل 9/ 4060 التبذير 9/ 4114 التبرج 9/ 4120 التبصير 8/ 3517 التبليغ 3/ 877 التبين 3/ 879 التبيين 3/ 901 التجسس 9/ 4129 التحقير 9/ 4133 التحقيق (في القراءة) 4/ 1179 التخاذل 9/ 4140 التخلف عن الجهاد 9/ 4146 التخنث 10/ 4477 التخيير 5/ 1708 التدابر 11/ 5682 التدبر 3/ 909 التدوير 4/ 1178 التذكر 3/ 916، 3/ 931 التذكير 3/ 969 التراحم 4/ 1344، 7/ 2865 التربية 1/ 54 التربية الخلقية في الإسلام 1/ 75 التربية العملية 1/ 149 الترتيل (في القراءة) 4/ 1178 الترغيب في الجنة 6/ 2127 الترهيب 6/ 2170 التسبيح 3/ 980 التسول 9/ 4168 التشاحن 11/ 5682 التشامل 9/ 4174 التطفيف 9/ 4184 التطير 9/ 4191 التعارف 3/ 1004 التعاطف 4/ 1344، 7/ 2865 التعاليم الاقتصادية الإسلامية 1/ 277 التعاون على الإثم والعدوان 9/ 4202 التعاون على البر والتقوى 3/ 1010 التعبير 10/ 4605 التعزز 7/ 2821 التعزير والعقاب 1/ 112 التعزيرات 1/ 116 التعسير 9/ 4210 التعليم 1/ 279 التعيير 10/ 4605 التفاؤل 3/ 1046 التفرق 9/ 4218 التفريج 4/ 1050 التفريط 9/ 4230 التفكر 4/ 1065 التفويض 4/ 1379 التقوى 1/ 35، 4/ 1080، 8/ 3676 التكاثر 9/ 4238 التكبر 11/ 5353 التكبير 4/ 1123 التكلف 9/ 4250 التكلف المحمود 9/ 4251 التكلف المذموم 9/ 4251 التكلم 3269/ 8 التلاوة 4/ 1176 التميز الخلقي 1/ 124 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 446 التنابز بالألقاب 10/ 4604 التناجش 9/ 4258 التنازع 9/ 4266 التناصر 4/ 1231 التنشئة الاجتماعية 1/ 122 التنصل والتهرب من المسئولية 9/ 4281 التنفير 9/ 4297 التهاجر 11/ 5682 التهاون 9/ 4301 التهكم 10/ 4605 التهليل 4/ 1246 التواد 7/ 2865 التواصي 8/ 3491 التواضع 4/ 1255 التوبة 4/ 1249 التوبة النصوح 4/ 1270 التوحيد 4/ 1300 التودد 4/ 1343 التورية 11/ 5383 التوسط 4/ 1353 التوسل 4/ 1368 التوكل 4/ 1377 التولي 9/ 4308 التولي يوم الزحف 9/ 4308 التوهم 11/ 5711 التيسير 4/ 1400 التيمن 4/ 1422 الثأر 1/ 278 الثبات 4/ 1437 الثناء 4/ 1450 الجبن 9/ 4320 الجحود 9/ 4326 الجحود بآيات الله 9/ 4328 الجدال 9/ 4339 الجرم 9/ 3781 الجزاء الأخلاقي 1/ 112 الجزاء الإلهي 1/ 116 الجزاء القانوني 1/ 114 الجزع 9/ 4350 الجفاء 9/ 4358 الجهاد 1/ 210، 1/ 272، 1/ 273، 4/ 1482 الجهل 9/ 4367 الجهل البسيط 9/ 4367 الجهل المركب 9/ 4367 الجواد 4/ 1507 الجوار 5/ 1666 الجود 4/ 1507، 6/ 2253، 8/ 3251 الحاجيات 1/ 90 الحبور 6/ 2261 الحج 4/ 1529 الحجاب 4/ 1515 الحجابة 1/ 370 الحد 1/ 279 الحدر (في القراءة) 4/ 1178 الحذر 4/ 1553 الحرام 3/ 1030، 9/ 3970 الحرب المشروعة 10/ 4392 الحرب غير المشروعة 10/ 4392 الحرمة 3/ 1029 الحرية 1/ 111 الحزن 10/ 4407 الحسد 10/ 4417 الحسن 2/ 67 الحصر الأخلاقي 11/ 5339 الحصر العصابي 11/ 5339 الحصر الواقعي 11/ 5339 الحفظ 5/ 1639 الحقد 10/ 4430 الحكم 5/ 1707 الحكم الشرعي 5/ 1708 الحكم الشرعي التكليفي 1/ 99، 5/ 1708 الحكم الشرعي الوضعي 5/ 1708 الحكم بغير ما أنزل الله 10/ 4441 الحكم بما أنزل الله 5/ 1707 الحكم والحكيم (من أسماء الله تعالى) 5/ 1706 الحكمة 5/ 1678 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 447 الحكمة عند أهل السلوك 5/ 1679 الحكمة عند المحدثين 5/ 1679 الحكمة عند المفسرين 5/ 1679 الحكيم (من أسماء الله تعالى) 5/ 1687 الحلم 5/ 1736 الحلم بالتحلم 5/ 1736 الحليم 5/ 1735 الحمد 4/ 1450، 5/ 1754 الحمد الحالي 5/ 1755 الحمد العرفي 5/ 1755 الحمد الفعلي 5/ 1755 الحمد القولي 5/ 1755 الحمد اللغوي 5/ 1755 الحميد (من أسماء الله تعالى) 5/ 1755 الحمق 10/ 4449 الحميد 1/ 606 الحنان 5/ 1783 الحنان (من أسماء الله تعالى) 5/ 1782 الحوقلة 5/ 1790 الحياء 5/ 1796 الحياء الغريزي 5/ 1798 الحياء المكتسب 5/ 1798 الحياء والإغضاء 1/ 145 الحياة الدنيا 1/ 2 الحياة الآخرة 1/ 4 الحيطة 5/ 1815 الحيي (من صفات الله تعالى) 5/ 1797 الخبث 10/ 4460 الخداع 10/ 4471 الخدمة 7/ 2674 الخذل 9/ 4140 الخذلان 9/ 4140 الخشوع 1/ 32، 5/ 1825 الخشية 1/ 31، 5/ 1838 الخصائص 1/ 447 الخط الحميري 1/ 217 الخط المدني 1/ 217 الخط المسند 1/ 217 الخط المكي 1/ 217 الخلاق 1/ 60 الخلق 1/ 59، 5/ 1570 الخمر 10/ 4696 الخمس 1/ 277 الخنوثة 10/ 4477 الخوف 1/ 31، 5/ 1866 الخيانة 10/ 4483 الخيم 1/ 59 الخلق 1/ 61، 1/ 62، 1/ 63 الداغلة (مرادفة للحمق) 10/ 4432 الدخل (مرادف للحقد) 10/ 4431 الدخن (مرادف للحقد) 10/ 4431 الدعاء 5/ 1901 الدعوة إلى الله 5/ 1945 الدياثة 10/ 4498 الديوث 10/ 4498 الذرية 1/ 594 الذكر 3/ 931، 5/ 1962 الذكر الحقيقي 5/ 1963 الذكر الخفي 5/ 1963 الذكر بالجوارح 5/ 1963، 5/ 1964 الذكر بالقلب 5/ 1963، 5/ 1964 الذل 10/ 4503 الذنب 9/ 3781 الرأفة 5/ 2015 الراهب 6/ 1269 الرؤوف (من أسماء الله تعالى) 5/ 2014 الرؤوف (من صفة الرسول صلى الله عليه وسلّم) 5/ 2014 الربا 1/ 212، 1/ 277، 10/ 4516 الرجاء 1/ 32، 5/ 2022، 5/ 2023 الرجولة 5/ 2041 الرحم 7/ 2614 الرحمة 5/ 2015، 6/ 2061 الرحمن 6/ 2062 الرحيم 6/ 2062 الردة 1/ 274، 10/ 4532 الرشد 2/ 171 الرشوة 10/ 4542، 10/ 4543 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 448 الرضا 6/ 2103 الرغبة 6/ 2126 الرفق 6/ 2157 الرهبة 4/ 1554، 6/ 2169 الروح 1/ 230 الرياء 10/ 4552 الرياء بالعمل 10/ 4553 الرياء بالقول 10/ 4553 الرياء في الدين 10/ 4553 الزكاة 1/ 276، 6/ 2197 الزمزمة 4/ 1179 الزنا 10/ 4568 الزنادقة 10/ 4584 الزنديق 10/ 4584 الزهد 6/ 2218 الزهد المشروع 6/ 2218 الزور 10/ 4776 الزيارة الشرعية للمقابر 10/ 4715 الزيارة البدعية للمقابر 10/ 4715 الستر 6/ 2236 الستير (من صفات الله عز وجل) 6/ 2235 سجود القلب 1/ ع والسحر 10/ 4590 السحر حقيقة وتخيل 10/ 4590 السخاء 6/ 2252 السخرية 10/ 4603 السخط 10/ 4615 السر 8/ 3204 السرقة 10/ 4625 السرور 6/ 2260، 7/ 3095 السعر 1/ 77 السفاح 5/ 1655 السفاهة 10/ 4634 السكينة 6/ 2267، 7/ 2703 السلام (من أسماء الله عز وجل) 6/ 2273 السلم 6/ 2273 السماحة 6/ 2287 السمت 5/ 1588 السماع المباح 6/ 2307 السماع المرضي 6/ 2305 السماع المنهي عنه 6/ 2307 السماع (من أسماء الله تعالى) 6/ 2301 السميع (من أسماء الله تعالى) 6/ 2301 السهو عن الصلاة 9/ 4159 السوء 9/ 3838، 10/ 4673 السيئة 9/ 3838 الشجاعة 6/ 2322 الشجاعة البهيمية 6/ 2325 الشجاعة الجهادية 6/ 2325 الشجاعة الحكمية 6/ 2325 الشجاعة السبعية 6/ 2325 الشح 10/ 4686 الشدة 8/ 3189 الشرف 6/ 2344 الشرك 10/ 4710 الشرك الأصغر 10/ 4713 الشرك الأكبر وأنواعه 10/ 4713 الشفاعة 6/ 2366 الشفاعة الشرعية 6/ 2366 الشفاعة الشركية 6/ 2366 الشفاعة العظمى 6/ 2366 الشفقة 6/ 2386 الشك 10/ 4752 الشكر 4/ 1450، 6/ 2393 الشكور (من أسماء الله تعالى) 6/ 2393 الشماتة 10/ 4769 الشهادة 2/ 467 الشهامة 6/ 2420 الشهيد (من أسماء الله تعالى) 2/ 468 الشهيد (من أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم) 2/ 468 الشورى 6/ 2426 الصالح 2/ 364 الصبر 6/ 2442 الصبر الجميل 6/ 2441 الصبر على الابتلاء 6/ 2445 الصبور (من أسماء الله تعالى) 6/ 2442 الصدق 6/ 2474 الصدقات 1/ 276 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 449 الصدقات والجزية 1/ 384 الصدقة 6/ 2518 الصديق 6/ 2475 الصديقون 6/ 2475 الصراط المستقيم 1/ س ح الصفات السبعية 10/ 4973 الصفات الشيطانية 10/ 4973 الصفح 6/ 2530 الصلاة 1/ 230، 1/ 577، 6/ 2537 الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم 6/ 2538 الصلاح 2/ 364، 6/ 2585 الصلة 7/ 2614 الصمت 7/ 2633 الصوم 7/ 2645 الضراعة 7/ 2663 الضعف 10/ 4787 الضغينة (مرادف للحقد) 10/ 4431 الضلال 10/ 4796 الطاعة 7/ 2742، 7/ 2673 الطاهر 7/ 2721 الطغيان 10/ 4835 الطلقاء 1/ 376 الطمأنينة 7/ 2702 الطمع 10/ 4846 الطموح 7/ 2713 الطهارة 7/ 2719 الطيب 2/ 485، 8/ 3270 الطيب من القول 8/ 3271 الطيش 10/ 4868 الظالم الأصغر 10/ 4873 الظالم الأعظم 10/ 4873 الظالم الأوسط 10/ 4873 الظلم 10/ 4872 الظن 5/ 1597 الظن المباح 10/ 4654 الظن المحرم 10/ 4654 العبادات 1/ 139 العبادة 7/ 2742، 7/ 2674 العبودية 7/ 2742 العبوس 10/ 4927 العتاب 8/ 3419 العتو 10/ 4933 العجب 11/ 5356 العجلة 10/ 4942 العدل 7/ 2791، 7/ 2792 العدوان 9/ 4202، 10/ 4957 العذر 8/ 388 العزة 6/ 2344، 7/ 2820 العزم 7/ 2849 العزيز (من أسماء الله تعالى) 7/ 2820 العشرة 5/ 1609 العصيان 10/ 4972 العفة 7/ 2872 العفة عن المحارم 7/ 2873 العفو 7/ 2891 العقل والعلم 1/ 143 العقوق 10/ 5012 العقيدة 1/ 76 العلم 1/ 212، 1/ 213، 7/ 2911، 8/ 3436 العلم النافع 7/ 2914 العلي (من أسماء الله تعالى) 7/ 2984 العليم (من أسماء الله تعالى) 7/ 2914 العمرة 4/ 1530 العمل 7/ 3010 العمل الصالح 7/ 3010 العناد والمعاندة 9/ 3898 العنف 10/ 5021 العهارة 5/ 1655 العهد 11/ 5632 العهود والمواثيق 1/ 282 الغدر 11/ 5025 الغرور 11/ 5048 الغريزة 1/ 64 الغش 11/ 5069 الغش القلبي 10/ 4432 الغش في البيوع 11/ 5070 الغش في النصح 11/ 5070 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 450 الغش للرعية 11/ 5070 الغضب 8/ 3237، 11/ 5077 الغفران 2/ 253، 6/ 2236، 7/ 2891 الغفلة 11/ 5099 الغل (مرادف للحقد) 10/ 4431 الغلظة 11/ 5324 الغلو 11/ 5114 الغلو في الدين 11/ 5114 الغلو في العلم 11/ 5115 الغلو في القرآن 11/ 5115 الغلول 11/ 5130 الغي 11/ 5143 الغيرة 7/ 3077 الغيظ 8/ 3237 الفأل 3/ 1046 الفاحش 11/ 5232 الفاسق 11/ 5262 الفتنة 1/ 7، 11/ 5181 الفتوة 5/ 2042 الفجور 11/ 5220 الفحش 11/ 5232 الفحشاء 11/ 5232 الفرار إلى الله 7/ 3086 الفرج 5/ 1654 الفرح 6/ 2261، 7/ 3093 الفرح المطلق 7/ 3094 الفرح المقيد 7/ 3094 الفساد 11/ 5237 الفساد في الأرض 11/ 5237 الفسوق 11/ 5262 الفضح 11/ 5270 الفضل 7/ 3109 الفضيحة 11/ 5270 الفطنة 8/ 3126 الفظاظة 11/ 5324 الفعل 7/ 3011 الفقه 8/ 3126، 8/ 3138 الفهم 8/ 3126 القتل 11/ 5285 القدوة 11/ 5300 القدوة السيئة 11/ 5300 قرين النفس الأمارة 1/ ع ط قرين النفس المطمئنة 1/ ع ط القذف 11/ 5311 القرآن 4/ 1180، 11/ 5691 القساوة 11/ 5323 القسط 8/ 3153 القسوة 11/ 5323 القصاص 8/ 3161 القضاء 1/ 277 القلق 11/ 5338 القلق الاجتماعي 11/ 5338 القلق الشخصي 11/ 5339 القلق المرضي 11/ 5339 القلق الموضوعي (العادي) 11/ 5339 القناعة 8/ 3168 القنوت 8/ 3176 القنوط 11/ 5344 القوة 8/ 3188 القول 8/ 3268 القيم 1/ 63 القيم الإسلامية 1/ 78 القيم المطلقة 1/ 83 القيم النسبية 1/ 83 القيمة عند علماء النفس 1/ 77 القيمة في التربية الإسلامية 1/ 78 القيمة في المجال الاقتصادي 1/ 77 القيمة في المجال السياسي 1/ 77 الكافر 11/ 5570 الكبر 11/ 5353 الكتابة القبطية 1/ 217 الكتمان 8/ 3204 الكتمان المحمود 8/ 3205 الكتمان المذموم 8/ 3205 الكذب 11/ 5382 الكذب بالأفعال 11/ 5382 الكراهة 1/ 99 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 451 الكرب 11/ 5431 الكربات 4/ 1050 الكرم 8/ 3214 الكريم (من أسماء الله تعالى) 8/ 3215 الكسل 11/ 5438 الكظم 8/ 3236 الكفر 11/ 5444 الكلام 8/ 3268 الكلم 8/ 3268 الكلم الطيب 8/ 3270 الكلمة 8/ 3268 الكلمة الطيبة 8/ 3271 الكليات الخمس 1/ 84 الكنز 11/ 5511 الكيد 11/ 5556 اللؤم 11/ 5540 اللعب 11/ 5528 اللغط 11/ 5523 اللغو 11/ 5522 اللفظ 8/ 3269 اللمز 10/ 4604 اللمزة 10/ 4604 اللهجة 7/ 2634 اللهم (مصطلحا) 1/ 574 اللهو 11/ 5528 اللهو واللعب 11/ 5528 اللواط 5/ 1655 اللين 8/ 3295 المؤاخاة 2/ 93، 1/ 267 المؤلفة قلوبهم 1/ 382 المبادرة إلى الخيرات 8/ 3388 المبارك 1/ 600 المبتدع 9/ 3732 المتابعة 6/ 2446 المتكبر (من أسماء الله تعالى) 11/ 5352 المثابرة 6/ 2446 المثل العليا 1/ 86 المثير والاستجابة 1/ 123 المجادلة 9/ 4339 المجاهرة بالمعصية 11/ 5548 المجد والشرف 6/ 2345 المحارب 10/ 4391 المحاربة 10/ 4391 المحاسبة 8/ 3317 المحبة 8/ 3326 المحروب في الإسلام 1/ 440 المخنث 10/ 4477 المداراة 8/ 3358 المراقبة 8/ 3367 المرض 7/ 3054 المرض الجسماني 7/ 3054 المرض النفساني 7/ 3054 المروءة 5/ 2042، 8/ 3373، 8/ 3377 المسئولية 8/ 3401 المسئولية الأخلاقية 8/ 3403 المسئولية الأخلاقية المحضة 1/ 107 المسئولية الاجتماعية 1/ 107، 8/ 3403 المسئولية الخلقية 1/ 106 المسئولية الدينية 1/ 107، 8/ 3403 المسابقة إلى الخيرات 8/ 3388 المساحقة 5/ 1655 المسارعة في الخيرات 8/ 3388 المساواة 7/ 2795 المستعاذ به 2/ 202 المستعاذ منه 2/ 202 المصابرة 6/ 62443 المصارحة 8/ 3420 المعاتبة 8/ 3419 المعاشرة بالمعروف 5/ 1609 المعاملات 5/ 1623 المعاملة 5/ 1623، 10/ 4673 المعرفة 7/ 2911، 8/ 3335 المعروف 3/ 525 المعز (من أسماء الله تعالى) 7/ 2821 المقام المحمود 1/ 471، 1/ 473 المقسط 8/ 3153 المكابرة 11/ 5353 المكر 11/ 5555 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 452 الملائكة الكاتبون 1/ 248 الملة 1/ 595 الملكية الفردية 1/ 212 المن 11/ 5565 المن الفعلي 11/ 5565 المن القولي 11/ 5565 المن في الحرب 11/ 5565 المناصرة المتبادلة 1/ 282 المنافقون 1/ 393، 1/ 394، 1/ 395 المنتقم 9/ 4006 المنشط 8/ 3486 المنكر 3/ 525 المواساة 8/ 3459 الموالاة 8/ 3686 الموت 3/ 931 الموعظة والنصح 1/ 142 الميسر 11/ 5583 النبل 8/ 3471 النجاسة 11/ 5589، 11/ 5590 النجاسة الحسية 11/ 5589 النجاسة المعنوية 11/ 5589 النجوى 11/ 5599 الندب 1/ 99 النزاهة 8/ 3475 النشاط 8/ 3486 النصح 8/ 3494 النصيحة 8/ 3489 النصيحة لأئمة المسلمين 8/ 3495 النصيحة لعامة المسلمين 8/ 3495 النصيحة لكتاب الله تعالى 8/ 3494 النصيحة لله تعالى 8/ 3494 النظام 8/ 3509 النظام الإداري 8/ 3509 النظام الاجتماعي 8/ 3509 النظر 8/ 3517 النظر والتبصر 8/ 3518 النفاق 11/ 5605 النفاق الأصغر 11/ 5605 النفاق الأكبر 11/ 5605 النفس 8/ 3304 النفس الأمارة 8/ 3304 النفس الإنسانية 1/ 4 النفس الشهوانية 8/ 3304 النفس العاقلة 8/ 3304 النفس الغضبية 8/ 3305 النفس اللوامة 8/ 3305 النفس المطمئنة 8/ 3305 النفقة 3/ 598 النقض للعهد 11/ 5632 النقمة 11/ 5645 النقمة (مرادف للحقد) 10/ 4431 النمام 11/ 5666 النمو الأخلاقي والنمو المعرفي 1/ 124 النميمة 11/ 5665 النهي عن المعروف 9/ 3987 النهي عن المنكر 3/ 525 النور الشرعي 1/ 106 النور الفطري 1/ 106 الهادي 8/ 3568 الهجاء 11/ 5672 الهجر 11/ 5682، 11/ 5683 الهجران 11/ 5683 الهجرة 8/ 3545 الهجرة إلى الله ورسوله 8/ 3546 الهداية 8/ 3568 الهدى 8/ 3568 الهم 7/ 2849 الهمز 10/ 4604 الهمزة 10/ 4604 الهوى 9/ 3752 الوحدانية المطلقة 1/ 220 الودود من أسماء الله تعالى 4/ 1344 الورع 8/ 3616 الوسواس 11/ 5701، 11/ 5702 الوسوسة 11/ 5701 الوسيلة 1/ 137، 1/ 469، 4/ 1367 الوصية 8/ 3491 الوصية بكتاب الله 8/ 3492 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 453 الوضع 5/ 1708 الوعظ 8/ 3627 الوفاء 8/ 3639 الوفاء بالعقد 8/ 3640 الوفاء بالعهد 8/ 3640 الوفاء بالوعد 8/ 3640 الوقار 8/ 3669 الوقاية 8/ 3675 الوكيل من أسماء الله تعالى 4/ 1377 الولي 8/ 3686، 8/ 3687 الوهم 11/ 5711 الوهن 11/ 5715 اليأس 11/ 5725 اليتيم 8/ 3247 اليقظة 8/ 3713 اليقين 8/ 3717 اليمين 5/ 1640 اليمين الغموس 5/ 1640 اليمين اللغو 5/ 1640 اليمين المنعقدة 5/ 1640 انتهاك الحرمات 9/ 4016 تأمل القرآن 3/ 843 تدبر القرآن 3/ 909 تذكر الموت 3/ 933 ترك الصلاة 9/ 4159 تسبيح المخلوقات 3/ 980 تعظيم الحرمات 3/ 1029 تفريج الكربات 4/ 1050 تكبير الله في أحكامه 4/ 1123 تكبير الله في أفعاله 4/ 1123 تكبير الله في ذاته 4/ 1123 تكبير الله في صفاته 4/ 1123 تكريم الإنسان 4/ 1135 تمام العفة 7/ 2837، 7/ 2874 توبة الإنابة 4/ 1270 توبة الاستجابة 4/ 1270 توحيد الأسماء والصفات 4/ 1302 توحيد الألوهية 4/ 1301 توحيد الربوبية 4/ 1301 جماعة القرآن 1/ 169 جهاد أرباب المظالم 4/ 1483 جهاد الشيطان 4/ 1483 جهاد الكفار والمنافقين 4/ 1483 جهاد النفس 4/ 1483 حبط العمل 9/ 3797 حد الرشوة 10/ 4542 حسن الخلق 5/ 1570 حسن السمت 5/ 1588 حسن الظن 5/ 1597 حسن العشرة 5/ 1610، 5/ 5160 حسن المعاملة 5/ 1624 حفظ الأيمان 5/ 1640 حفظ الفرج 5/ 1654 حفظ اللسان 7/ 2634 حق الجار 5/ 1666 حق اليقين 8/ 3719 حياء الإجلال 5/ 1799 حياء الاستحقار 5/ 1799 حياء التقصير 5/ 1799 حياء الجناية 5/ 1799 حياء الحشمة 5/ 1799 حياء الشرف 5/ 1799 حياء العبودية 5/ 1799 حياء الكرم 5/ 1799 حياء المحبة 5/ 1799 حياء المرء من نفسه 5/ 1799 خائنة الأعين 1/ 505 خدعة 10/ 4471 خصائص النبي صلى الله عليه وسلّم 1/ 455، 1/ 516 خطوط المصاحف 1/ 217 خفض الصوت 5/ 1858 خيانة الأعين 10/ 4483 درجة النفع 1/ 84 دعاء العبادة 5/ 1902 دعاء المسألة 5/ 1902 ذكر الثناء 5/ 1963 ذكر الدعاء 5/ 1963 ذكر الرعاية 5/ 1963 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 454 ذكر اللسان 5/ 1963 ربا الفضل 10/ 4517 ربا القرض 10/ 4517 ربا النسيئة 10/ 4517 ربا اليد 10/ 4517 ردة الأفعال 10/ 4533 ردة الأقوال 10/ 4533 ردة الاعتقاد 10/ 4533 ردة الترك 10/ 4533 سدانة البيت العتيق 1/ 371 سدرة المنتهى 1/ 248 سقاية الحاج 1/ 391 سمع الإنسان 6/ 2302 سوء الخلق 10/ 4642 سوء الظن 10/ 4652 سوء الظن بالله تعالى 10/ 4652 سوء الظن بالمسلمين 10/ 4652 سوء المعاملة 10/ 4674 شرب الخمر 10/ 4696 شكر الجوارح 6/ 2396 شكر القلب 6/ 2396 شكر اللسان 6/ 2396 شهادة الزور 10/ 4776 صحف التنزيل الكريم 1/ 217 صدق الأحوال 6/ 2475 صدق الأعمال 6/ 2474 صدق الأقوال 6/ 2475 صغر الهمة 10/ 4782 صلاة الاستخارة 2/ 197 صلاة الخوف 1/ 331، 1/ 335 صلاة الطير والهوام 6/ 2539 صلاة الله عز وجل 1/ 578، 1/ 579، 6/ 2539 صلاة الله والملائكة والإنس والجن 6/ 2539 صلاة المخلوقين 6/ 2539 صلاة الملائكة 6/ 2539 صلة الرحم 7/ 2615 صوم التطوع 7/ 2646 صوم الخصوص 7/ 2646 صوم العموم 7/ 2646 صوم خصوص الخصوص 7/ 2646 طاهر الباطن 7/ 2721 طاهر السر 7/ 2721 طاهر السر والعلانية 2721/ 7 طاهر الظاهر 7/ 2721 طلاقة الوجه 7/ 2699 طهارة الجسم 7/ 2719 طهارة النفس 7/ 2719 طول الأمل 10/ 4857 عبادة الاختيار 7/ 2742 عبادة التسخير 7/ 2742 عدالة الشهود 7/ 2794 عزة الامتناع 7/ 2821 عزة القهر والقوة 7/ 2821 عزة القوة 7/ 2821 عزة الله عز وجل 7/ 2821 عظم الهمة 7/ 2987 عقوق الوالدين 10/ 5011 علم الأدب 2/ 142 علم اليقين 8/ 3720 علو الهمة 7/ 2984 عهد الله 11/ 5632 عيادة المريض 7/ 3054 عين اليقين 8/ 3720 غض البصر 7/ 3071 غيرة الله عز وجل 7/ 3078 فتنة الشبهات 11/ 5182 فتنة الشهوات 11/ 5183 فسق الاعتقاد 11/ 5263 فسق العمل 11/ 5263 فقه الدين 1/ 212 فليتأمل 3/ 843 قدم الصدق 6/ 2477 قطيعة الرحم 11/ 5330 قوة الإرادة 8/ 3196 كبر الهمة 7/ 2987 كتمان السر 8/ 3204 كسل العقل 11/ 5439 كظم الغيظ 8/ 3236 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 455 كفالية اليتيم 8/ 3247 كفر الإنكار 11/ 5445 كفر الجحود 11/ 5445 كفر المعاندة 11/ 5445 كفر النفاق 11/ 5445 كلمة التوحيد 4/ 1306 كمال الورع 8/ 3617 لسان الصدق 6/ 2477 لغة القرآن 1/ 217 لغو الكلام 11/ 5522 لغو اليمين 11/ 5522 لفظ الجلالة (الله) 8/ 3437 لين القلب 8/ 3296 لين القول 8/ 3296 لين المعاملة 8/ 3296 مجاهدة الشيطان 4/ 1482 مجاهدة الفساق 4/ 1482 مجاهدة الكفار 4/ 1482 مجاهدة النفس 4/ 1482، 8/ 3305 مجلس القضاء 1/ 278 محاسبة النفس 8/ 3317 محبة الله عز وجل 8/ 3326 مدخل الصدق 6/ 2477 مروءة الإحسان والبذل 8/ 3374 مروءة الجاه 8/ 3374 مروءة الخلق 8/ 3373 مروءة الرجل 8/ 3377 مروءة اللسان 8/ 3374 مروءة المال 8/ 3373 مروءة المرء مع الحق سبحانه 8/ 3374 مروءة المرء مع الخلق 8/ 3374 مروءة المرء مع نفسه 8/ 3374 مسئولية الراعي 8/ 3404 مظاهر المصابرة 6/ 2445 معرفة الله عز وجل 8/ 3437 معنى الولي (في أسماء الله تعالى) 11/ 5571 مقعد الصدق 6/ 2477 مكر الله عز وجل 9/ 3999، 11/ 5556 موافقة الإرادة 7/ 2673 موالاة الكفار 11/ 5571 نظام المؤاخاة 1/ 267 نقض العهد 11/ 5632 نكران الجميل 11/ 5654 هجر القرآن 11/ 5691 هدى التأييد 8/ 3569 هدى الدلالة 8/ 3569 وسائل الإعلام 1/ 179 وسطية الشريعة 4/ 1355 وقار الله عز وجل 8/ 3669 يقين الخير 8/ 3719 يقين الدلالة 8/ 3719 يقين الشاهد 8/ 3719 يمين الصبر 5/ 1640 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 456 فهرس الفروق اللغوية موضوع الفرق الجزء الفرق بين الأدب والتأدب 2/ 143 الفرق بين الأمانة والتكليف 3/ 510 الفرق بين الأمل والطمع والرجاء 10/ 4857 الفرق بين الإثم والذنب والزور 9/ 4201 الفرق بين الإثم والعدوان 9/ 4202 الفرق بين الإخلاص والصدق 2/ 127 الفرق بين الإسلام والإيمان 1/ 321 الفرق بين الإغاثة والاستغاثة 2/ 418 الفرق بين الإنصاف والعدل 3/ 577 الفرق بين الإنفاق والقرض 3/ 599 الفرق بين الإيثار والأثرة 3/ 631 الفرق بين الإيثار والسخاء 3/ 630 الفرق بين الاستعانة الإيمانية والاستعانة الشركية 2/ 227 الفرق بين الاستغاثة والدعاء 2/ 214 الفرق بين البخس والتطفيف 9/ 4184 الفرق بين البخل والحسد 10/ 4418 الفرق بين البخل والشح 9/ 4030 الفرق بين البر والإيمان 3/ 751 الفرق بين البهتان والإفك 9/ 4108 الفرق بين البهتان والاغتياب 9/ 4108 الفرق بين البهتان والافتراء 9/ 4108 الفرق بين التأمل والتفكر 3/ 845 الفرق بين التبذير والإسراف 9/ 4114 الفرق بين التبيين والتبليغ 3/ 1256 الفرق بين التجسس والتحسس 9/ 4129 الفرق بين التذكر والتفكر 3/ 916 الفرق بين التراحم والتعاطف 7/ 2865 الفرق بين التصدق والإنفاق 8/ 3718 الفرق بين التصديق والإيمان 3/ 647، 3/ 648 الفرق بين التفرق والتنازع 9/ 4266 الفرق بين التفكر والاعتبار 2/ 380 الفرق بين التقوى والورع 4/ 1080 الفرق بين التنفج وصغر الهمة 10/ 4782 الفرق بين التنفير والتبشير 9/ 4297 الفرق بين التهاجر والتدابر 11/ 5682 الفرق بين التواد والتعاطف والتراحم 4/ 1344 موضوع الفرق الجزء الفرق بين التواصي والشورى 8/ 3492 الفرق بين التواضع والذل والمهانة 4/ 1256 الفرق بين التوبة والإنابة والأوبة 4/ 1270 الفرق بين التوكل والاتكال 4/ 1378 الفرق بين التوكل والتفويض 4/ 1379 الفرق بين التوكل والثقة 4/ 1379 الفرق بين التولي والإعراض والصد 9/ 3913 الفرق بين التوهم والتصور 11/ 5711 الفرق بين الثقة بالله والغرور 11/ 5052 الفرق بين الجزع ورقة القلب 9/ 4352 الفرق بين الجهل والغرور 11/ 5048 الفرق بين الجود والتبذير 9/ 4115 الفرق بين الحذر والرهبة 4/ 1554 الفرق بين الحزن والجزع 10/ 4407 الفرق بين الحزن والغضب 11/ 5078 الفرق بين الحزن والكرب 11/ 5431 الفرق بين الحسد والمنافسة 10/ 4418 الفرق بين الحقد والضغينة 10/ 4430 الفرق بين الحلم وكظم الغيظ 5/ 1739 الفرق بين الحمد والثناء والشكر 4/ 1450 الفرق بين الحمد والمدح 4/ 1451 الفرق بين الحمد والمدح والشكر 5/ 1754 الفرق بين الحمق والجنون 10/ 4450 الفرق بين الخشية والخوف 5/ 1838 الفرق بين الخلق والتخلق 10/ 4644 الفرق بين الخلق والعادة 10/ 4643 الفرق بين الدعاء والنداء 5/ 1901 الفرق بين الرجس والنجس 11/ 5590 الفرق بين الرجولة والفتوة والمروءة والإنسانية 5/ 2042 الفرق بين الرجولة والمروءة 5/ 2042، 8/ 3377 الفرق بين الرحمة والرأفة 5/ 2015 الفرق بين الرغبة والابتغاء 6/ 2126 الفرق بين الرغبة والرجاء 6/ 2126 الفرق بين الرياء والسمعة 10/ 4552 الفرق بين الرياء والشرك الأكبر 10/ 4553 الفرق بين الزنديق والدهري 10/ 4586 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 457 الفرق بين الزنديق والملحد 10/ 4586 الفرق بين الزنديق والمنافق 10/ 4586 الفرق بين الستر والغفران 6/ 2236 الفرق بين السحر والكرامة 10/ 4591 الفرق بين السحر والمعجزة 10/ 4591 الفرق بين السخاء والجود 6/ 2253 الفرق بين السخرية والهزء 10/ 4603 الفرق بين السخط والغضب 10/ 4615 الفرق بين السرقة والنبش 10/ 4626 الفرق بين السرقة والنهب 10/ 4626 الفرق بين السرور والحبور 6/ 2261 الفرق بين السكينة والوقار 8/ 3673 الفرق بين الشاكر والشكور 6/ 2394 الفرق بين الشجاعة والصبر 6/ 2322 الفرق بين الشح والبخل 10/ 4786 الفرق بين الشرف والعزة 6/ 2344 الفرق بين الشفاعة الشرعية والشفاعة الشركية 6/ 2366 الفرق بين الشكر والحمد 6/ 2397 الفرق بين الضلال والغي 10/ 4796 الفرق بين الطاعة والعبادة 7/ 2674 الفرق بين الطاعة وموافقة العادة 7/ 2674 الفرق بين الطغيان والبغي 10/ 4835 الفرق بين الطمأنينة والسكينة 7/ 2702 الفرق بين الطموح وعلو الهمة 7/ 2714 الفرق بين الطيب والحلال 2/ 488 الفرق بين الظلم والجور 10/ 4874 الفرق بين العبث والسفه 10/ 4635 الفرق بين العجب والإدلال 11/ 5356 الفرق بين العجب والكبر 11/ 5356 الفرق بين العدالة والمساواة 7/ 2795 الفرق بين العزم والإرادة والهمّ 7/ 2849 الفرق بين العصيان والابتداع 10/ 4973 الفرق بين العفو والصفح 6/ 2530 الفرق بين العفو والغفران 2/ 253، 7/ 2891 الفرق بين العلم والمعرفة 7/ 3012، 8/ 3436 الفرق بين العمل والفعل 7/ 3011 الفرق بين العهد والعقد والميثاق 11/ 5632 الفرق بين الغي والضلال 11/ 5144 الفرق بين الغيبة والبهتان 11/ 5163 الفرق بين الغيبة والنميمة 11/ 5666 الفرق بين الغيظ والغضب 8/ 3237 الفرق بين الفاسد والباطل 11/ 5238 الفرق بين الفتنة والابتلاء 11/ 5181 الفرق بين الفتنة والابتلاء والاختبار 1/ 8 الفرق بين الفراسة (البصيرة) والظن 3/ 826 الفرق بين الفراسة والغيب 3/ 826 الفرق بين الفرح والسرور 7/ 3095 الفرق بين الفزع والجزع والهلع 9/ 4352 الفرق بين الفساد والظلم 11/ 5238 الفرق بين الفهم والفطنة والفقه 8/ 3126 الفرق بين القراءة والتلاوة 4/ 1176 الفرق بين القلق والهم والخوف 11/ 5339 الفرق بين الكرم والجود 8/ 3215 الفرق بين اللغو واللغط 11/ 5522 الفرق بين الله والإله 8/ 3437 الفرق بين اللهو والغفلة 11/ 5099 الفرق بين اللهو واللعب 11/ 5528 الفرق بين اللين والرفق 8/ 3296 الفرق بين المداراة والمداهنة 8/ 3395 الفرق بين المسارعة والمسابقة 8/ 3888 الفرق بين المكر والكيد 11/ 5556 الفرق بين النصيحة والشورى 8/ 3492 الفرق بين النصيحة والوصية والتواصي 8/ 3492 الفرق بين النفاق والخيانة 10/ 4483 الفرق بين النفاق والرياء 10/ 4552 الفرق بين النفي والجحد 9/ 4326 الفرق بين النقض والخيانة 11/ 5633 الفرق بين النقمة والانتقام 11/ 5646 الفرق بين النقمة والسخط 11/ 5646 الفرق بين الهدية والرشوة 10/ 4546 الفرق بين الهمز واللمز 10/ 4604 الفرق بين الهوى والشهوة 9/ 3753 الفرق بين الواحد والأحد 4/ 1300 الفرق بين الوسوسة والإلهام 11/ 5702 الفرق بين الوقاية والتقوى 8/ 3676 الفرق بين الوهم والخاطر 11/ 5711 الفرق بين الوهم والظن والشك 11/ 5711 الفرق بين اليأس والقنوط 11/ 5344، 11/ 5725 الفرق بين ترك الصلاة واضاعة الصلاة 9/ 4159 الفرق بين فرح القلب وفرح النفس 1/ ع ب الفرق بين ما يسومه العقل وما يسومه الهوى 9/ 3753 الفرق بين محمد وأحمد 1/ 585 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 458 فهرس الوجوه والنظائر * ألفاظ الوجوه الجزء والصفحة استعمال لفظ الواحد في القرآن الكريم 4/ 1298 الإحسان في القرآن الكريم 2/ 69 الإخاء في القرآن الكريم 2/ 93 الإرشاد في القرآن الكريم 2/ 171 الاتباع في القرآن الكريم 2/ 14 الاستعاذة في القرآن الكريم 2/ 203 الإسلام في القرآن الكريم 2/ 323 الإيمان في القرآن الكريم 3/ 645 التأمل في القرآن الكريم 3/ 846 الحكم في القرآن الكريم 5/ 1714 الدعاء في القرآن الكريم 5/ 1904 السكينة في القرآن الكريم 6/ 2227 السمع والسماع في القرآن الكريم 6/ 2302 الصبر والمصابرة في القرآن الكريم 6/ 2446 الفسوق في القرآن الكريم 11/ 5263 القتل في القرآن الكريم 11/ 5285 اليأس في القرآن الكريم 11/ 5725 كلمة السوء في القرآن الكريم 9/ 3841 لفظ الأمانة في القرآن الكريم 2/ 511 لفظ الإسلام في القرآن الكريم 2/ 323 لفظ الإصلاح في القرآن الكريم 2/ 365 لفظ الإنسان في القرآن الكريم 4/ 1139 لفظ الإيمان في القرآن الكريم 3/ 644 لفظ الإخلاص في القرآن الكريم 2/ 127 لفظ الاعتذار في القرآن الكريم 2/ 397 لفظ البر في القرآن الكريم 3/ 752 لفظ البشارة في القرآن الكريم 3/ 78 لفظ التذكر في القرآن الكريم 3/ 917 ألفاظ الوجوه الجزء والصفحة لفظ التوبة في القرآن الكريم 4/ 1271 لفظ التوكل في القرآن الكريم 4/ 1380 لفظ الرجولة في القرآن الكريم 5/ 2044 لفظ السلام في القرآن الكريم 2/ 433 لفظ السيئات في القرآن الكريم 9/ 3842 لفظ السيئة في القرآن الكريم 9/ 3842 لفظ الصبر في القرآن الكريم 8/ 3517 لفظ العزة في القرآن الكريم 7/ 2822 لفظ العفو في القرآن الكريم 7/ 2892 لفظ الفتنة في القرآن الكريم 11/ 5181 لفظ الفضل في القرآن الكريم 7/ 3111 لفظ الكرم في القرآن الكريم 4/ 1138 لفظ الكلمات في القرآن الكريم 8/ 3266 لفظ الكلمة في القرآن الكريم 8/ 3268 لفظ الموت في القرآن الكريم 3/ 933 لفظ الهدى في القرآن الكريم 8/ 3570 لفظ سواء في القرآن الكريم 7/ 2795 معاني الغي والإغواء في القرآن الكريم 11/ 5145 معاني كلمة البهتان في القرآن الكريم 9/ 4108 معاني كلمة الذكر في القرآن الكريم 5/ 1964 معاني كلمة الفساد في القرآن الكريم 11/ 5238 معاني كلمة الكذب في القرآن الكريم معاني كلمة الكفر في القرآن الكريم 11/ 5445 معنى الولي في القرآن الكريم 11/ 5571 معنى كلمة اليمين في القرآن الكريم 4/ 1421 معنى كلمة السوء في القرآن الكريم 9/ 3841 من معاني الإفك في القرآن الكريم 9/ 3959 من معاني التسبيح في القرآن الكريم 3/ 983   * الوجوه والنظائر هي تلك الكلمات التي تعددت معانيها في القرآن الكريم (انظر مقدمة الفهارس) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 459 من معاني التلاوة في القرآن الكريم 4/ 1177 من معاني الحسنة في القرآن الكريم 2/ 72 من معاني الخبيث والطيب في القرآن الكريم 10/ 4460، 4461 من معاني الزكاة في القرآن الكريم 6/ 2208 من معاني الطغيان في القرآن الكريم 10/ 4836 من معاني العتو في القرآن الكريم 10/ 4933 من معاني الكرم في القرآن الكريم 8/ 3216 من معاني الموالاة في القرآن الكريم 8/ 3687 من معاني النفقة في القرآن الكريم 3/ 598 من معاني كلمة الأذى في القرآن الكريم 9/ 3812 من معاني كلمة البغي في القرآن الكريم 9/ 4086 من معاني كلمة التقوى في القرآن الكريم 4/ 1080 من معاني كلمة الحجاب في القرآن الكريم 4/ 1515 من معاني كلمة الحذر في القرآن الكريم 3/ 1554 من معاني كلمة الحكمة في القرآن الكريم 5/ 1680، 1679 من معاني كلمة الخوف في القرآن الكريم 5/ 1868 من معاني كلمة الخيانة في القرآن الكريم 10/ 4483 من معاني كلمة الرجاء في القرآن الكريم 5/ 2023، 2022 من معاني كلمة الرحمة في القرآن الكريم 6/ 2063 من معاني كلمة الصلاة في القرآن الكريم 6/ 2539 من معاني كلمة الصلاح في القرآن الكريم 6/ 2586 من معاني كلمة الضلال في القرآن الكريم 10/ 4797 من معاني كلمة الطهارة في القرآن الكريم 7/ 2720 من معاني كلمة الظن في القرآن الكريم 10/ 4653 من معاني كلمة العبادة في القرآن الكريم 7/ 2743 من معاني كلمة العدوان في القرآن الكريم 10/ 4957 من معاني لفظ الحرام في القرآن الكريم 9/ 3971 من معاني لفظ الشرك في القرآن الكريم 10/ 4718 وجوه استعمال الخشوع في القرآن الكريم 5/ 1825، 1826 وجوه استعمال كلمة «الحكيم» في القرآن الكريم 5/ 1680 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 460 فهرس الأحكام الشرعية وآداب السلوك الحكم الشرعي/ أدب السلوك الجزء والصفحة آداب الدعاء 5/ 1904 آداب الدعوة إلى الله 5/ 1946 آداب عيادة المريض 7/ 3057 آفة العجب 11/ 5357 أحكام البدعة 9/ 3733 أحكام الزنادقة 10/ 4586 أحكام الشرك 10/ 4718 أحكام المسبيات المتزوجات 1/ 384 أحكام حجة الوداع 1/ 401 أضرار المعاصي 10/ 4974 اشتراك الراعي والرعية في المسئولية 8/ 3404 الأمر بالقسط 8/ 3153 الإفراط والتفريط مهلكة 9/ 4230 الإيغال في الدين برفق 11/ 5115 البذاذة والتبذل بين المدح والذم 9/ 4061 البغض بين المدح والذم 9/ 4074 التكاثر بين المدح والذم 9/ 4238 التكلف بين المدح والذم 9/ 4251 التنازع بين المدح والذم 9/ 4266 التوسط في المعاتبة 8/ 3420 التوهم بين المدح والذم 11/ 5712 الجبان لا يكاد ينام 9/ 4320 الحالة التي يجب أن يكون عليها الواعظ 8/ 3628 الذل بين المدح والذم 10/ 4503 الربا 1/ 222 الرخصة في الكذب 11/ 5383 الرشوة محرمة 10/ 4543 الرشوة من الكبائر 10/ 4544 الزنا 1/ 222 السماع المباح 6/ 2307 السماع المرضي 6/ 2305 السماع المنهي عنه 6/ 2307 الطمع بين المدح والذم 10/ 4846 القسوة والغلظة قد يطلبان أحيانا 11/ 5324 الكسل انسلاخ من الإنسانية 11/ 5439 الحكم الشرعي/ أدب السلوك الجزء والصفحة المسئولية شخصية 8/ 3404 الموالاة بين المدح والذم 8/ 3688 الميسر 1/ 222 الهدية للحاكم رشوة أم لا؟ 10/ 4544 الورع عن الحرام والمكروهات 8/ 3617 بم يتخلص من النجاسة؟ 11/ 5590 تحريم الخمر 1/ 222 تغيير الخلق الحسن إلى خلق سيء 10/ 4645 تغيير الخلق السيء إلى خلق حسن 10/ 4644 جناية النظر المحرم 9/ 3906 جواز الصيام والإفطار في نهار رمضان 1/ 373 حث الإسلام على الزواج 5/ 1655 حكم إطلاق البصر 9/ 3905 حكم إفشاء السر بعد موت صاحبه 9/ 3947 حكم إفشاء السلام 9/ 3946 حكم اتباع الهوى 9/ 3753 حكم استرداد الرشوة 10/ 4544 حكم الأمن من المكر 9/ 4000 حكم الإجرام 9/ 3781 حكم الإرهاب 9/ 3829 حكم الإصرار على الذنب 9/ 3897 حكم الإعراض 9/ 3914 حكم الإلحاد 9/ 3982 حكم الإلحاد في الحرم 9/ 3980 حكم الاحتكار في الشريعة 9/ 3809 حكم الاستعاذة 2/ 203 حكم الاستغاثة 1/ 241 حكم الاعوجاج 9/ 3928 حكم الانتقام 9/ 4007 حكم البخل 9/ 4029 حكم البدعة التركية 9/ 3735 حكم البطر 9/ 4108 حكم البغي وأثره 9/ 4108 حكم البهتان 9/ 4108 حكم التبذير 9/ 4115 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 461 حكم التبرج 9/ 4121 حكم التخلف عن الجهاد 9/ 4146 حكم التسول 9/ 4169 حكم التشديد على النفس 9/ 4210 حكم التطفيف 9/ 4184 حكم التطير 9/ 4192 حكم التعامل مع المنافقين والمداهنين 11/ 5606 حكم التعسير 9/ 4210 حكم التفريط 9/ 4218 حكم التفريط والإفراط 9/ 4230 حكم التكاثر 9/ 4239 حكم التكبير 4/ 1125 حكم التكلف 9/ 4251 حكم التناجش 9/ 4259 حكم التناجي 11/ 5599 حكم التنازع 9/ 4266 حكم التولي يوم الزحف 9/ 4308 حكم الجبن 9/ 4320 حكم الجحود بآيات الله 9/ 4328 حكم الجدال 9/ 4338 حكم الجهاد 4/ 1483 حكم الحرب في الإسلام 10/ 4392 حكم الحسد وفضيلة الابتعاد عنه 10/ 4418 حكم الحقد 10/ 4432 حكم الخيانة 10/ 4483 حكم الدياثة 10/ 4498 حكم الربا 10/ 4518 حكم الزنا 10/ 4569 حكم السحر 10/ 4591 حكم السخرية 10/ 4605 حكم السرقة 10/ 4626 حكم السنن التركية 2/ 13 حكم الشح 10/ 4686 حكم الشدة 8/ 3189 حكم الصوم 4/ 2645 حكم الطاعة 1/ 108 حكم الطمع 10/ 4846 حكم الطيش 10/ 4868 حكم الظلم 10/ 4874 حكم العتو 10/ 4933 حكم العجلة 10/ 4942 حكم العصيان 10/ 4973 حكم العقوق 10/ 5012 حكم الغال في الدنيا 10/ 5132 حكم الغدر 11/ 5026 حكم الغش 11/ 5070 حكم الغضب 11/ 5079 حكم الغفلة 11/ 5099 حكم الغلول 11/ 5131 حكم الغيبة 11/ 5163 حكم الفجور 11/ 5220 حكم الفحش 11/ 5232 حكم الفساد 11/ 5237 حكم القتل 11/ 5285 حكم القدوة السيئة 11/ 5300 حكم القذف 11/ 5312 حكم القسوة 11/ 5324 حكم الكبر 11/ 5355 حكم الكذب 11/ 5385 حكم الكفران 11/ 5445 حكم المبتدع 9/ 3733 حكم المجاهرة بالمعاصي 11/ 5549 حكم المحاربة 10/ 4391 حكم المخنث 10/ 4477 حكم المرتد 10/ 4533 حكم المكر 11/ 5555 حكم المن 11/ 5565 حكم النفاق 9/ 3885، 11/ 5605 حكم النميمة 11/ 5667 حكم الهجاء 11/ 5672 حكم الهجر 11/ 5682 حكم الوقاحة والبذاءة 9/ 4048 حكم اليأس 11/ 2725 حكم انتهاك الحرمات 9/ 4016 حكم انعقاد اليمين 5/ 1641 حكم تبليغ العلم 3/ 879 حكم ترك الصلاة 9/ 4160 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 462 حكم تناول الحرام 9/ 3970 حكم تناول النجس 11/ 5590 حكم سوء الظن 10/ 4652 حكم شرب الخمر 10/ 4696 حكم شهادة الزور 10/ 4776 حكم معرفة الله عز وجل 8/ 3437 حكم من سبّ النبي صلى الله عليه وسلّم 1/ 513 حكم من يحكم بغير ما أنزل الله 10/ 4441 حكم مهادنة المشركين 6/ 2274 حكم نصح المسلم 11/ 5251 حكم نقض العهد 11/ 5633 حكم نكرن الجميل 10/ 5655 حكم هجاء الكافر والفاسق 11/ 5673 حكم هجر القرآن 11/ 5692 خبث الزنا 10/ 4569 دواء الحسد 10/ 4418 سلبيات الحكم بغير ما أنزل الله 11/ 4447 شروط الإكراه 10/ 5019 شروط المروءة في الغير 8/ 3375 شروط المروءة في نفس المرء 8/ 3375 شروط المستشار 6/ 2426 ضرر الحقد 10/ 4433 عاقبة الجحود 9/ 4328 عدالة الشهود وعلاقتها بالمروءة 7/ 2794 عقوبة أهل الجهل في الحال والمآل 9/ 4368 عقوبة الإعراض في الدنيا والآخرة 9/ 3914 علاج التطير 9/ 4193 علاج الجزع والهلع 9/ 4352 علاج الحقد 10/ 4432 علاج العجب 11/ 5357 علاج الغضب 11/ 5078 علاج الغيبة 11/ 5164 علاج القلق 11/ 5339 علاج طول الأمل 10/ 4598 قبح الدياثة 10/ 4498 قطيعة الرحم من الكبائر 11/ 5330 كفارة التطير 9/ 4193 كمال الورع 8/ 3617 كيف نتعامل مع النمام؟ 11/ 5666 لبس النساء بين التبرج والاحتشام 9/ 4121 لمن تكون النصيحة؟ 8/ 3490 مراتب القبح في الزنا 10/ 4569 مسئولية الراعي 8/ 3404 مظاهر الورع 8/ 3618 معالجة الرياء 10/ 4555 معالجة الشعور بالإحباط 9/ 3738، 9/ 3798 معالجة الوهم 11/ 5715 معالجة الوهن 11/ 5715 من آداب حفظ اللسان 7/ 2636 من المواساة جبر خاطر المسلم 8/ 3460 من يصلح للوعظ؟ 8/ 3627 نهي الإسلام عن الميسر 11/ 5584 هجر المجاهرين بالمعاصي 11/ 5549 هل تحل الغيبة في بعض الأحيان؟ 11/ 5164 هل يجوز إفشاء السر للمصلحة؟ 9/ 3947 هل يجوز الانظلام؟ 10/ 4874 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 463 فهرس الحكم والأمثال الحكمة أو المثل الجزء والصفحة آية العقل سرعة الفهم 8/ 3152 أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيي منه 5/ 1812 أخنث من دلال 9/ 4477 أساء كاره ما عمل 9/ 4642، 10/ 5019 أشربتني ما لم أشرب 9/ 4695 أشمت رب العالمين عاديك 9/ 4955 أعظم الكرامة لزوم الاستقامة 1/ 319 أعق من ضب 9/ 5011 أنا النذير العريان 2/ 548 أي بني لا تؤاخي أحدا حتى تعرف موارد أمره 1/ 115 إذا أبغضك جارك حول باب دارك 8/ 4083 إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... 1/ 215 إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ... 1/ 396 إذا المرء كانت له فكرة ... 1/ 385 إذا جاءت السنة جاء معها أعوانها 2/ 1004 إذا ذهب العتاب فليس ود ... 3/ 1350 إذا ضرع القلب خشعت الجوارح 4/ 1824 إذا كفرت النعمة حسنت المنة 10/ 5563 إذا كنت في كل الأمور معاتبا ... 1/ 115 إن أخاك الحق من كان معك ... 1/ 430 إن الحمى أضرعتني لك 6/ 2663 إن المعاذير يشوبها الكذب 1/ 395 إن المودة قرابة مستفادة 3/ 1339 إن مما يجب للأخ على أخيه مودته بقلبه 1/ 115 إن من الحياء وقارا 4/ 1806 إنك لا تشكو إلى مصمت 6/ 2633 إنما العالم من عمل 7/ 3048 إياك وعزة الغضب 10/ 5096 ابل الرجال إذا أردت إخاءهم 1/ 115 احذر فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل 10/ 5183 احذروا من الناس صنفين ... 10/ 5183 ازهد فيما عند الناس 7/ 3174 الحكمة أو المثل الجزء والصفحة استعينوا على الكلام بالصمت 3/ 1077 الإنسان مدني بالطبع 2/ 1009 البخل هو محو صفات الإنسانية 9/ 4046 البخيل حارث نعمته وخازن ورثته 9/ 4045 البخيل ليس له خليل 9/ 4045 البس من الثياب ما يخدمك 9/ 4076 التوكل على الله جماع الإيمان 3/ 1337 الجود بالنفس أقصى غاية الجود 3/ 1513 الحر لا يكفر النعمة ولا يتسخط المصيبة 1/ 409 الحزن كالداء المخزون في فؤاد المحذوف 9/ 4645 الرفق رأس الحكمة 6/ 2176 السماح رباح 6/ 2300 الشجاعة صبر ساعة 6/ 2342 الشكر لله كنز لا نفاد له ... * 1/ 398 الصلاح من الله والأدب من الآباء 1/ 169 الصمت حكمة وقليل فاعله 5/ 1407 الطمع طبع 9/ 4846 الطمع فقر واليأس غنى 9/ 4847 العقل صديق مقطوع والهوى عدو متبوع 9/ 3770 العلم خادم العمل والعمل غاية العلم 6/ 3051 العود أحمد 4/ 1753، 6/ 3052 الغضب على من لا تملك عجز 10/ 5096 الغنى قلة تمنيك ورضاك بما يكفيك 8/ 3174 الفكرة مخ العقل 3/ 1077 المؤمن يغبط والمنافق يحسد 9/ 4417 المن أخو المن 10/ 5563 المنة تهدم الصنيعة 10/ 5563 الهمة راية الجد 7/ 3008 الوجوه مرايا تريك أسرار البرايا 10/ 5384 تفكر ساعة خير من قيام ليلة 3/ 1076 خير الأمور الوسط 3/ 1365 رب أخ لك لم تلده أمك 2/ 115   * ... تشير النقاط إلى أن للحكمة أو المثل بقية تنظر في موضعها من الموسوعة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 464 رضا الناس غاية لا تدرك 2/ 630 رميته بصماته وسكاته 6/ 2633 سيد القوم أشقاهم 6/ 2986 صرحت بجدان 8/ 3420 عذراك لا نذراك 2/ 584 عليك بأوساط الأمور فإنها نجاة 3/ 1365 فلان خير شير 5/ 2426 فلان ما يعرف قبال الأمر من دباره 2/ 909 قد أعذر من أنذر 1/ 388، 2/ 584 كثرة العتاب توجب البغضاء 8/ 4083 لأشكرنك معروفا هممت به ... 1/ 409 لأن ترهب خير من أن ترحم 5/ 2061 لا تتزوجن حنّانة ولا منّانة 10/ 5563 لا مال أعون من العقل 3/ 1512 لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا 4/ 1867 لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين 3/ 1418 لا يكن حبك كلفا 8/ 4256 لن يغني حذر عن قدر 11/ 5721 لو استقبل فلان من أمره ما استدبره 2/ 909 مؤنة العاقل على نفسه 10/ 4457 ما أملك فلان لنفسه 11/ 5096 ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار 2/ 200 ما عند فلان خل ولا خمر 9/ 4396 ما لفلان ستر ولا حجر 5/ 2235 ما لم تغيبه الأضالع فهو مكشوف ضائع 8/ 3211 مقتل الرجل بين فكيه 10/ 5284 من أشبه أباه فما ظلم 9/ 4871 من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار 11/ 5096 من أطاع هواه أعطى عدوه مناه 9/ 3770 من استرعى الذئب فقد ظلم 9/ 4871 من استغضب فلم يغضب فهو حمار 10/ 5077 من العبرة يزيد الحب 1/ 385 من برئ من ثلاث نال ثلاثا ... 9/ 4045 من جادلك بمودته فقد جعلك عديل نفسه 3/ 2701، 7/ 1027 من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته 6/ 3076 من رضي بقضاء الله لم يسخطه أحد 10/ 4427 من عز بز 7/ 2820 من كانت الأيام والليالي مطاياه ... 10/ 4866 من لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب 7/ 3008 من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو 1/ 385 من نظر إلى الدنيا بغير العبرة انطمس من قلبه بقدر تلك الغفلة 2/ 387 من وعظ أخاه سرا فقد نصحه 3/ 526 من يخن يهن 7/ 1873 مودة يوم صلة 4/ 1350 هم بين حاذف وقاذف 11/ 5311 وإني رأيت البخل يزري بأهله ... 4/ 1512 وجدت أطول الناس غما الحسود 8/ 3173 ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... 4/ 1419 ولقد أبيت على الطوى وأظله حتى أنال به كريم المأكل 4/ 1513 يا بني لا تتدبروا أعجاز أمور قد ولّت صدورها 3/ 909 يا بني لا يثبت العقل عند الغضب 11/ 5096 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 465 فهرس الإحالات * م اسم الصفة رقم الصفحة أولا: الصفحات المستحبة: 1 الابتهال 2/ 2 2 الاتباع 2/ 14 3 الاجتماع 2/ 44 4 الاحتساب 2/ 56 5 الإحسان 2/ 73 6 الإخاء 2/ 94 7 الإخبات 2/ 120 8 الإخلاص 2/ 127 9 الأدب 2/ 153 10 الإرشاد 2/ 172 11 الاستئذان 2/ 182 12 الاستخارة 2/ 198 13 الاستعاذة 2/ 203 14 الاستعانة 2/ 231 15 الاستغاثة 2/ 242 16 الاستغفار 2/ 253 17 الإستقامة 2/ 306 18 الإسلام 2/ 323 19 الأسوة الحسنة 2/ 351 20 الإصلاح 2/ 365 21 الاعتبار 2/ 380 22 الاعتذار 2/ 389 23 الإعتراف بالفضل 2/ 398 24 الاعتصام 2/ 411 25 الإغاثة 2/ 420 م اسم الصفة رقم الصفحة 26 إفشاء السلام 2/ 433 27 إقامة الشهادة 2/ 469 28 أكل الطيبات 2/ 488 29 الألفة 2/ 498 30 الأمانة 3/ 511 31 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 3/ 527 32 الإنابة 3/ 541 33 الإنذار 3/ 549 34 الإنصاف 3/ 584 35 الإنفاق 3/ 600 36 الإيثار 3/ 631 37 الإيمان 3/ 651 38 البر 3/ 753 39 بر الوالدين 3/ 769 40 البشارة 3/ 781 41 البشاشة 3/ 813 42 البصيرة والفراسة 3/ 827 43 البكاء 3/ 835 44 التأمل 3/ 847 45 التأني 3/ 86546 التبتل 3/ 873 47 التبليغ 3/ 877 48 التبين (التثبت) 3/ 901 49 التدبر 3/ 910 50 التذكر 3/ 916 51 تذكر الموت 3/ 933   * يقصد بالإحالات تلك الصفات المقاربة أو المضادة التي يحال إليها لتكملة موضوع الصفة، مثال ذلك أن يحال في صفة الابتهال إلى صفات: الدعاء، الضراعة، الاستغاثة ... إلخ. وفي ضد ذلك: الإعراض، اليأس، القنوط ... إلخ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 511 52 التذكير 3/ 969 53 التسبيح 3/ 984 54 التعارف 3/ 1005 55 التعاون على البر والتقوى 3/ 1011 56 تعظيم الحرمات 3/ 1031 57 التفاؤل 3/ 1047 58 تفريج الكربات 4/ 1050 59 التفكر 4/ 1066 60 التقوى 4/ 1081 61 التكبير 4/ 1125 62 تكريم الإنسان 4/ 1147 63 تلاوة القرآن 4/ 1186 64 التناصر 4/ 1232 65 التهليل 4/ 1245 66 التواضع 4/ 1256 67 التوبة 4/ 1272 68 التوحيد 4/ 1309 69 التودد 4/ 1344 70 التوسط 4/ 1355 71 التوسل 4/ 1369 72 التوكل 4/ 1381 73 التيسير 4/ 1400 74 التيمن 4/ 1422 75 الثبات 4/ 1437 76 الثناء 4/ 1451 77 جهاد الأعداء 4/ 1483 78 الجود 4/ 1507 79 الحجاب 4/ 1519 80 الحج والعمرة 4/ 1531 81 الحذر 4/ 1555 82 حسن الخلق 5/ 1572 83 حسن السمت 5/ 1589 84 حسن الظن 5/ 1599 85 حسن العشرة 5/ 1611 86 حسن المعاملة 5/ 1624 87 حفظ الأيمان 5/ 1641 88 حفظ الفرج 5/ 1656 89 حق الجار 5/ 1666 90 الحكمة 5/ 1680 91 الحكم بما أنزل الله 5/ 1714 92 الحلم 5/ 1739 93 الحمد 5/ 1755 94 الحنان 5/ 1783 95 الحوقلة 5/ 1791 96 الحياء 5/ 1803 97 الحيطة 5/ 1815 98 الخشوع 5/ 1827 99 الخشية 5/ 1839 100 خفض الصوت 5/ 1858 101 الخوف 5/ 1868 102 الدعاء 5/ 1904 103 الدعوة إلى الله 5/ 1947 104 الذكر 5/ 1966 105 الرأفة 5/ 2014 106 الرجاء 5/ 2023 107 الرجولة 5/ 2045 108 الرحمة 6/ 2064 109 الرضا 6/ 2105 110 الرغبة والترغيب 6/ 2127 111 الرفق 6/ 2159 112 الرهبة والترهيب 6/ 2170 113 الزكاة 6/ 2198 114 الزهد 6/ 2219 115 الستر 6/ 2236 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 512 116 السخاء 6/ 2252 117 السرور 6/ 2261 118 السكينة 6/ 2267 119 السّلم 6/ 2274 120 السماحة 6/ 2290 121 السماع 6/ 2307 122 الشجاعة 6/ 2325 123 الشرف 6/ 2345 124 الشفاعة 6/ 2368 125 الشفقة 6/ 2386 126 الشكر 6/ 2397 127 الشهامة 6/ 2420 128 الشورى 6/ 2427 129 الصبر والمصابرة 6/ 2446 130 الصدق 6/ 2479 131 الصدقة 6/ 2518 132 الصفح 6/ 2530 133 الصلاة 6/ 2540 134 الصلاح 6/ 2586 135 صلة الرحم 7/ 2615 136 الصمت وحفظ اللسان 7/ 2636 137 الصوم 7/ 2647 138 الضراعة والتضرع 7/ 2663 139 الطاعة 7/ 2674 140 طلاقة الوجه 7/ 2699 141 الطمأنينة 7/ 2703 142 الطموح 7/ 2714 143 الطهارة 7/ 2721 144 العبادة 7/ 2744 145 العدل والمساواة 7/ 2796 146 العزة 7/ 2822 147 العزم والعزيمة 7/ 2849 148 العطف 7/ 2865 149 العفة 7/ 2874 150 العفو 7/ 2892 151 العلم 7/ 2914 152 علو الهمة 7/ 2993 153 العمل 7/ 3011 154 عيادة المريض 7/ 3058 155 غض البصر 7/ 3071 156 الغيرة 7/ 3078 157 الفرار إلى الله 7/ 3088 158 الفرح 7/ 3095 159 الفضل 7/ 3111 160 الفطنة 8/ 3126 161 الفقه 8/ 3138 162 القسط 8/ 3153 163 القصاص 8/ 3162 164 القناعة 8/ 3168 165 القنوت 8/ 3178 166 القوة والشدة 8/ 3188 167 قوة الإرادة 8/ 3196 168 كتمان السر 8/ 3206 169 الكرم 8/ 3216 170 كظم الغيظ 8/ 3237 171 كفالة اليتيم 8/ 3249 172 الكلم الطيب 8/ 3271 173 اللين 8/ 3296 174 مجاهدة النفس 8/ 3307 175 محاسبة النفس 8/ 3320 176 المحبة 8/ 3330 177 المداراة 8/ 3359 178 المراقبة 8/ 3368 179 المروءة 8/ 3377 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 513 180 المسارعة في الخيرات 8/ 3388 181 المسئولية 8/ 3408 182 المعاتبة 8/ 3420 183 معرفة الله عز وجل 8/ 3439 184 المواساة 8/ 3460 185 النبل 8/ 3470 186 النزاهة 8/ 3476 187 النشاط 8/ 3487 188 النصيحة 8/ 3495 189 النظام 8/ 3509 190 النظر والتبصر 8/ 3518 191 الهجرة 8/ 3546 192 الهدى 8/ 3572 193 الورع 8/ 3618 194 الوعظ 8/ 3630 195 الوفاء بالعهد 8/ 3640 196 الوقار 8/ 3670 197 الوقاية 8/ 3676 198 الولاء والبراء 8/ 3689 199 اليقظة 8/ 3713 200 اليقين 8/ 3720 ثانيا: الصفات المذمومة: 1 الابتداع 9/ 3735 2 اتباع الهوى 9/ 3755 3 الأثرة 9/ 3772 4 الإجرام 9/ 3781 5 الإحباط 9/ 3798 6 الاحتكار 9/ 3809 7 الأذى 9/ 3812 8 الإرهاب 9/ 3828 9 الإساءة 9/ 3843 10 الاستهزاء 9/ 3872 11 الإسراف 9/ 3885 12 الإصرار على الذنب والعناد 9/ 3898 13 إطلاق البصر 9/ 3906 14 الإعراض 9/ 3914 15 الاعوجاج 9/ 3928 16 الافتراء 9/ 3936 17 إفشاء السر 9/ 3947 18 الإفك 9/ 3959 19 أكل الحرام 9/ 3971 20 الإلحاد 9/ 3982 21 الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف 9/ 3987 22 الإمعة 9/ 3995 23 الأمن من المكر 9/ 4001 24 الانتقام 9/ 4007 25 انتهاك الحرمات 9/ 4017 26 الإهمال 9/ 4026 27 البخل 9/ 4031 28 البذاءة 9/ 4049 29 البذاذة 9/ 4061 30 البطر 9/ 4069 31 البغض 9/ 4074 32 البغي 9/ 4086 33 البلادة (عدم الفقه) 9/ 4097 34 البهتان 9/ 4108 35 التبذير 9/ 4115 36 التبرج 9/ 4121 37 التجسس 9/ 4130 38 التحقير 9/ 4133 39 التخاذل 9/ 4140 40 التخلف عن الجهاد 9/ 4146 41 ترك الصلاة 9/ 4161 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 514 42 التسول 9/ 4169 43 التشامل 9/ 4174 44 التطفيف 9/ 4184 45 التطير 9/ 4193 46 التعاون على الإثم والعدوان 9/ 4202 47 التعسير 9/ 4210 48 التفرق 9/ 4218 49 التفريط والإفراط 9/ 4231 50 التكاثر 9/ 4239 51 التكلف 9/ 4251 52 التناجش 9/ 4259 53 التنازع 9/ 4267 54 التنصل من المسئولية والتنصل منها 9/ 4281 55 التنفير 9/ 4297 56 التهاون 9/ 4301 57 التولي 9/ 4308 58 الجبن 9/ 4321 59 الجحود 9/ 4328 60 الجدال والمراء 9/ 4339 61 الجزع 9/ 4352 62 الجفاء 9/ 4358 63 الجهل 9/ 4369 64 الحرب والمحاربة 10/ 4392 65 الحزن 10/ 4407 66 الحسد 10/ 4421 67 الحقد 10/ 4433 68 الحكم بغير ما أنزل الله 10/ 4442 69 الحمق 10/ 4450 70 الخبث 10/ 4461 71 الخداع 10/ 4471 72 الخنوثة والتخنث 10/ 4478 73 الخيانة 10/ 4484 74 الدياثة 10/ 4498 75 الذل 10/ 4503 76 الربا 10/ 4518 77 الردة 10/ 4534 78 الرشوة 10/ 4546 79 الرياء 10/ 4555 80 الزنا 10/ 4570 81 الزندقة 10/ 4587 82 السحر 10/ 4591 83 السخرية 10/ 4605 84 السخط 10/ 4615 85 السرقة 10/ 4626 86 السفاهة 10/ 4635 87 سوء الخلق 10/ 4646 88 سوء الظن 10/ 4654 89 سوء المعاملة 10/ 4674 90 الشح 10/ 4687 91 شرب الخمر 10/ 4697 92 الشرك 10/ 4719 93 الشك 10/ 4752 94 الشماتة 10/ 4770 95 شهادة الزور 10/ 4776 96 صغر الهمة 10/ 4782 97 الضعف 10/ 4788 98 الضلال 10/ 4797 99 الطغيان 10/ 4836 100 الطمع 10/ 4847 101 طول الأمل 10/ 4859 102 الطيش 10/ 4868 103 الظلم 10/ 4875 104 العبوس 10/ 4927 105 العتو 10/ 4933 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 515 106 العجلة 10/ 4942 107 العدوان 10/ 4957 108 العصيان 10/ 4975 109 عقوق الوالدين 10/ 5013 110 العنف والإكراه 10/ 5019 111 الغدر 11/ 5026 112 الغرور 11/ 5052 113 الغش 11/ 5070 114 الغضب 11/ 5079 115 الغفلة 11/ 5099 116 الغل 11/ 5110 117 الغلو 11/ 5115 118 الغلول 11/ 5132 119 الغي والإغواء 11/ 5146 120 الغيبة 11/ 5165 121 الفتنة 11/ 5183 122 الفجور 11/ 5220 123 الفحش 11/ 5232 124 الفساد 11/ 5238 125 الفسوق 11/ 5264 126 الفضح 11/ 5270 127 القتل 11/ 5286 128 القدوة السيئة 11/ 5301 129 القذف 11/ 5312 130 القسوة 11/ 5324 131 قطيعة الرحم 11/ 5330 132 القلق 11/ 5339 133 القنوط 11/ 5344 134 الكبر والعجب 11/ 5358 135 الكذب 11/ 5385 136 الكرب 11/ 5432 137 الكسل 11/ 5439 138 الكفر 11/ 5447 139 الكنز 11/ 5511 140 اللغو 11/ 5522 141 اللهو واللعب 11/ 5529 142 اللؤم 11/ 5541 143 المجاهرة بالمعصية 11/ 5549 144 المكر والكيد 11/ 5557 145 المن بالعطية 11/ 5565 146 موالاة الكفار 11/ 5571 147 الميسر 11/ 5585 148 النجاسة 11/ 5590 149 النجوى 11/ 5599 150 النفاق 11/ 5606 151 نقض العهد 11/ 5633 152 النقمة 11/ 5546 153 نكران الجميل 11/ 5656 154 النميمة 11/ 5667 155 الهجاء 11/ 5673 156 الهجر 11/ 5683 157 هجر القرآن 11/ 5693 158 الوسوسة 11/ 5702 159 الوهم 11/ 5712 160 الوهن 11/ 5716 161 اليأس 11/ 5725 الجزء: 12 ¦ الصفحة: 516 فهرس المصادر والمراجع - القرآن الكريم. حرف الألف 1- الإبانة الكبرى، ابن بطه، تحقيق: رضا نعسان، ط. أولى، 1409 هـ. 2- الإبداع في مضار الابتداع، للشيخ علي محفوظ، بيروت، دار المعرفة، د. ت. 3- أبعاد متطورة في الفكر التربوي، نبيه يس، القاهرة، مكتبة الخانجي، د. ت. 4- اتجاهات معاصرة في التربية الأخلاقية، ماجد عرسان الكيلاني، عمان، دار البشير، 1991 م. 5- إتحاف الورى بأخبار أم القرى، ابن فهد، تحقيق: محمد شلتوت، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1983 م. 6- الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، بيروت، د. ت. 7- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، ابن قيم الجوزية، تحقيق: عبد الله بن حسن آل الشيخ وإبراهيم الشورى، القاهرة، 1351 هـ. 8- الاجتهاد فيما لا نص فيه، الطيب خضري السيد، ط. 1، الرياض، مكتبة الحرمين، 1403 هـ/ 1983 م. 9- الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، محمد فوزي فيض الله، الكويت، دار التراث، 1404 هـ. 10- لاجتهاد في الشريعة الإسلامية، حسن مرعي، ضمن بحوث مؤتمر الفقه الإسلامي. 11- الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، زكريا البري، منشور ضمن بحوث مؤتمر الفقه الإسلامي. 12- الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، علي الخفيف، منشور ضمن بحوث مؤتمر الفقه الإسلامي. 13- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفاسي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط 1.، بيروت، مؤسسة الرسالة، د. ت، بيروت، دار الكتب العلمية، ج 14، 1412 هـ/ 1991 م. 14- أحكام القرآن، أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، دار الكتاب العربي، بيروت، د. ت. 15- أحكام القرآن، أبو بكر ابن العربي، تحقيق: علي محمد البجاوي، القاهرة، 1957 م. 16- الأحكام السلطانية، أبو الحسن الماوردي، تحقيق: خالد عبد اللطيف العلي، بيروت، دار الكتاب العربي، 1408 هـ. 17- أحكام الجهاد وفضائله، عز الدين بن عبد السلام، تحقيق: نزيه حماد، جدة، مكتبة دار الوفاء، 1406 هـ. 18- الأحكام القيمية الإسلامية، عبد الودود مكروم، رسالة دكتوراه مخطوطة، جامعة المنصورة، كلية التربية، 1987 م. 19- أحوال النفس، رسالة في النفس وبقائها ومعادها للشيخ الرئيس ابن سينا، تحقيق: أحمد فؤاد الأهواني، القاهرة، مطبعة الحلبي، 1952 م. 20- إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، القاهرة، دار الشعب، كتاب الشعب، د. ت. بيروت، دار المعرفة، 4 مج، 1 مج ملحق د. ت. 21- أخبار الحمقى والمغفلين، ابن الجوزي، بيروت، المكتب الإسلامي. 22- أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، أبو الوليد الأزرقي، تحقيق: رشدي الصالح، ط. سادسة، مكة المكرمة، مطابع دار الثقافة، 1414 هـ. 23- الإخلاص، أبو عبد الرحمن المصري الأثري، طنطا، دار الصحابة، 1994 م. 24- الإخلاص، حسين العوايشة، الأردن، المكتبة الإسلامية، 1993 م. 25- الإخلاص والنية، أبو بكر عبد الله ابن أبي الدنيا، تحقيق: إياد خالد الطباع، دمشق، دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1413 هـ- 1992 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 517 26- الأخلاق، لأحمد أمين- موسوعة أحمد أمين. 27- الأخلاق، لعضد الدين الإيجي، (تحت الطبع) ، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1418 هـ- 1998، 28- أخلاق أهل القرآن، أبو بكر محمد بن حسين الآجري، تحقيق: محمد عمرو عبد اللطيف، بيروت، دار الكتب العلمية، 1406 هـ. 29- أخلاق حملة القرآن، محمد بن حسين أبو بكر الآجري، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، مكتبة النهضة، 1987 م. 30- الأخلاق الإسلامية وأسسها، عبد الرحمن حسن حبنكه الميداني، الطبعة الأولى، دمشق، دار القلم، وط ثانية، 1407 هـ. 31- الأخلاق السياسية في الفكر الإسلامي، محمد ممدوح محمد علي العربي، القاهرة، دار المعارف، 1992 م. 32- أخلاق العلماء، أبو بكر محمد بن حسين الآجري، تحقيق: إسماعيل بن محمد الأنصاري، الإسماعيلية، مصر، د. ت. 33- الأخلاق النظرية، عبد الرحمن بدوي، الطبعة الثانية، الكويت، 1975 م. 34- الأخلاق في الإسلام والفلسفة القديمة، د. أسعد السحمراني، دار النفائس، بيروت، 1988 م. 35- أخلاق النبي صلى الله عليه وسلّم وآدابه، الأصفهاني، تحقيق: أحمد محمد مرسي، القاهرة، دار النهضة المصرية، 1972 م. 36- أخلاق النبي صلى الله عليه وسلّم في القرآن والسنة، د. أحمد بن عبد العزيز ابن قاسم الحداد، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1996 م. 37- الأخلاق والعرف، هنية مفتاح القماطي، بنغازي، تونس، د. ت. 38- الإخوان، ابن أبي الدنيا، تحقيق: محمد عبد الرحمن طوالبة، إشراف ومراجعة: نجم عبد الرحمن خلف، القاهرة، دار الاعتصام، د. ت. 39- آداب الأكل، ابن عماد الأفقهي، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، وأبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، بيروت، دار الكتب العلمية 1986 م. 40- آداب البحث والمناظرة، محمد الأمين الشنقيطي، المدينة المنورة، د. ت. 41- الآداب الشرعية والمنح المرعية، ابن مفلح، القاهرة، مؤسسة قرطبة، 1987 م. 42- آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة، الغزّي، تحقيق: عبد الغفار سليمان، القاهرة، مكتبة التراث الإسلامي، د. ت. 43- آداب المتعلمين ورسائل أخرى في التربية الإسلامية، أبو حامد الغزالي. نصير الدين الطوسي، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، بيروت، 1967 م. 44- الآمرون بالمعروف في الإسلام، صلاح الدين المنجد، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت. 45- أدب الدنيا والدين، الماوردي، بيروت، دار الريان للتراث ط 1، 1401 هـ. 46- أدب الدنيا والدين، الماوردي، تحقيق: مصطفى السقا، بيروت، 1978 م. 47- الأدب المفرد، البخاري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، ط 3، 1409 هـ. 48- أدب القاضي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي، تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحيي هلال السرحان، بغداد، 1391 هـ/ 1971 م. 49- أدب الخلق في الإسلام، محمود المرعشي الدمشقي، تحقيق: علي عبد الحميد، بيروت، 1990 م. 50- أدب الخلافة، صالح بن حميد، مكتبة الضياء، ط 1، 1411 هـ- 1991 م. 51- أدب الكاتب، ابن قتيبة، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، 1963 م. 52- أدب المسلم في اليوم والليلة، الغزالي، تحقيق: محمد عثمان الخشب، القاهرة، مكتبة القرآن، د. ت. 53- الأدب النبوي، محمد الخولي، دار المعرفة، بيروت، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 518 1982 م. 54- الأدب والمروءة، صالح اللخمي، طنطا، 1992 م. 55- إدخال السرور على المسلم، مجدي فتحي السيد، ط 2.، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1990 م. 56- الأدلة المادية على وجود الله، الشيخ محمد متولي الشعراوي، القاهرة، 1995 م. 57- الأدوار التربوية للمؤسسات الاجتماعية، سمير عبد اللطيف هوانة، القاهرة، د. ت. 58- الأدوار التربوية للمؤسسات الاجتماعية، منشور ضمن كتاب «مدخل إلى مبادئ التربية» ، الكويت، 1404 هـ. 59- الأذكار: أذكار اليوم والليلة، ابن القيم. 60- الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار، النووي، تحقيق: محيي الدين مستو، دار ابن كثير، مكتبة التراث، ط 1، 1407 هـ. نسخة أخرى بدون محقق، بيروت، 1979 م. 61- الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار، النووي، شرح: ابن علان مختصرا، مراجعة: أحمد البلتاجي، القاهرة دار التراث العربي 1406 هـ. 62- الأذكار النووية، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق: حمزة سبيع حاكمي، بيروت، جدة، 1412 هـ. 63- أذكار اليوم والليلة، ابن قيم الجوزية، القاهرة، د. ت. 64- الأذكياء، ابن الجوزي، دمشق، مكتبة الغزالي، د. ت. 65- أربعون حديثا في اصطناع المعروف، المنذري، تحقيق: أحمد مصطفى قاسم، القاهرة، 1995 م. 66- الأربعون في فضل الرحمة والراحمين، محمد بن علي بن طولون، تحقيق: السيد أبو عمر، طنطا، دار الصحابة للتراث، ج 11، 1992 م. 67- الأربعون في تصحيح المعاملة، القشيري، تحقيق: أبي محمد السيد، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1992 م. 68- الأرج في الفرج، جلال الدين السيوطي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988 م. 69- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط. أولى، 1399 هـ. 70- أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم، محمد بن الحسن بن زيالة، تحقيق: أكرم ضياء العمري، المدينة المنورة، المجلس العلمي، 1401 هـ. 71- الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعية، عبد العزيز، ومحمد السلمان، الرياض، 1401 هـ. 72- أساس البلاغة، الزمخشري، بيروت، دار بيروت للطباعة والنشر، 1404 هـ. 73- الاستخراج لأحكام الخراج، ابن رجب الحنبلي، بيروت، دار المعرفة، 1979 م. 74- الاستشارة والاستخارة، عبد الله علوان، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1992 م. 75- الاستقامة، ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، القاهرة، ط 2، مؤسسة قرطبة، د. ت. 76- أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي، القاهرة، 1950 م. 77- الاستيعاب، ابن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط. أولى، 1412 هـ. 78- أسد الغابة، ابن الأثير، تحقيق: محمد إبراهيم البنا وآخرون، بيروت، دار الفكر، د. ت. (مصورة من طبعة: دار الشعب بالقاهرة) . 79- الأسرة ومشكلاتها، محمود حسن، بيروت، دار النهضة العربية، 1981 م. 80- أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، د. عبد الحميد الصيد الزنتاني، ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1984 م. 81- أسس الحضارة الإسلامية ووسائلها، عبد الرحمن حسن الميداني، بيروت، 1980 م. 82- أسس الصحة النفسية، د. عبد العزيز القوصي، ط. سابعة، القاهرة، 1982 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 519 83- الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب، عمر محمد القوصي الشيباني، بيروت. لندن، الدار العربية للكتاب، د. ت. 84- الأسس المنهجية لبناء العقيدة الإسلامية، يحيى هاشم وحسن فرغلي، دار الفكر، 19877 م. 85- الإسلام بين الشرق والغرب، علي عزت بيجوفيتش، ترجمة: محمد يوسف عدس، الكويت، ط. 1، مجلة النور، مؤسسة بافاريا للنشر والإعلان والخدمات، 1414 هـ/ 1994 م. 86- الإسلام والثورة الحضارية، عون الشريف قاسم، بيروت، دار القلم، 1400 هـ/ 1980 م. 87- الإسلام وحقوق الإنسان. دراسة مقارنة، القطب محمد القطب طيلة، القاهرة، دار الفكر العربي، 1984 م. 88- إسلامنا، الشيخ سيد سابق، القاهرة، د. ت. 89- الأسلوب التربوي للدعوة إلى الله في العصر الحاضر، خالد ابن عبد الكريم الخياط، مكة المكرمة، 1991 م. 90- أسلمة مناهج العلوم المدرسية، حمدي أبو الفتوح عطيفة، ط. 1، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، 1407 هـ/ 19765 م. 91- الأسماء الحسنى، عز الدين الجمل، ط. رابعة، الرياض، 1413 هـ. 92- الأسماء والصفات في معتقد أهل السنة والجماعة، عمر الأشقر، دار النفائس، ط 1، 1413 هـ- 1993 م. 93- الأشباه والنظائر، السيوطي، دار الحديث، د. ت. 94- الأشباه والنظائر، مقاتل بن سليمان البلخي، تحقيق: عبد الله محمود شحاته، القاهرة، 1975 م. 95- الإشراف في منازل الأشراف، أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا، تحقيق: نجم عبد الله خلف، الرياض، مكتبة الراشد، ط 1، 1411 هـ- 1990 م. 96- اشتقاق أسماء الله الحسنى، الزجاجي، تحقيق: عبد المحسن المبارك، بيروت، 1986 م. 97- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، تحقيق: عادل عبد الواحد وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. أولى، 1415 هـ. 98- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، بهامشه كتاب الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر، بيروت، دار الفكر، 4 مج، د. ت. 99- إصلاح المجتمع، محمد بن سالم بن حسين، بيروت، 1972 م. 100- الأصنام، هشام بن محمد الكلبي، تحقيق: أحمد زكي، القاهرة، 1965 م. 101- أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة، اللالكائي، تحقيق: أحمد سعيد حمدان، الرياض، 1402 هـ. 102- الأصول الإسلامية للتربية، سعيد إسماعيل علي، القاهرة، دار الفكر العربي، 1992 م. 103- أصول التربية، إبراهيم عصمت مطاوع، ط 2.، القاهرة، دار المعارف، د. ت. 104- أصول التربية الإسلامية، سعيد إسماعيل علي، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1978 م. 105- أصول تربية الطفل في الإسلام، حسن إبراهيم عبد العال، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة طنطا، كلية التربية، 1400 هـ/ 1980 م. 106- الأصول الثقافية للتربية، محمد عبد الهادي عفيفي، القاهرة، مطبعة الأنجلو المصرية، د. ت. 107- أصول الدعوة، عبد الكريم زيدان، ط 3، بيروت، دار البيان، د. ت. 108- أصول الدعوة، عبد الكريم زيدان، بيروت مؤسسة الرسالة ط 2، 1407 هـ. 109- أصول الدين، عبد القادر البغدادي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1981 م (مصورة عن طبعة استانبول) . 110- أصول السنة والديانة، ابن بطة العكبري، تحقيق: رضا نعسان، مكة المكرمة، المكتبة الفيصلية، 1404 هـ. 111- أصول الشريعة الإسلامية، علي جريشة، القاهرة، مكتبة وهبة، 1409 هـ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 520 112- أصول الفكر التربوي الحديث بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه التغريبي، علي خليل مصطفى أبو العينين، القاهرة، دار الفكر، د. ت. 113- أصول الفقه، محمد أبو زهرة، القاهرة، دار الفكر العربي، د. ت. 114- أصول الفقه، عبد الوهاب خلاف، القاهرة، د. ت. 115- الأصول الفلسفية للتربية، محمد الهادي عفيفي، القاهرة، الأنجلو المصرية، 1972 م. 116- الأصول من علم الأصول، العثيمين، ط. مكتبة الرياض، د. ت. 117- الأصول والفروع، ابن حزم الأندلسي، تحقيق: محمد عاطف العراقي وآخرين، القاهرة، دار النهضة، 1971 م. 118- الأضداد، لأبي الحسن الصاغاني، تحقيق: أ. هفنر، منشور ذيلا لثلاثة كتب في الأضداد. انظر: ثلاثة كتب في الأضداد. 119- الأضداد، ابن الأنباري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الكويت، 1960 م. 120- الأضداد، ابن السكيت، تحقيق: أ. هفز، ضمن ثلاثة كتب في الأضداد، بيروت، 1913 م. 121- الأضداد، الأصمعي، تحقيق: أ. هفز، ضمن ثلاثة كتب في الأضداد، بيروت، 1913 م. 122- الأضداد، السجستاني، تحقيق: أ. هفز، ضمن ثلاثة كتب في الأضداد. 123- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، ط. ثانية، القاهرة، 1408 هـ، مكتبة ابن تيمية. 124- أطراف الحديث النبوي الشريف، زغلول، بيروت، المكتبة العلمية، د. ت. 125- الاعتصام، الشاطبي، تحقيق محمد حسنين مخلوف، الطبعة العاشرة، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988 م، 2 مج. 126- الاعتصام، أبو اسحاق الشاطبي، تحقيق: محمد رشيد رضا، بيروت، دار المعرفة، د. ت. 127- الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، البيهقي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ. 128- إعداد المعلم ودوره في تطبيق منهج التربية الإسلامية، عمر محمد التومي الشيباني، في مؤتمر بحوث خبراء التربية الإسلامية، مكة المكرمة، 1399 هـ/ 1400 هـ. 129- الأعلام، خير الدين الزركلي، بيروت، 1980 م. 130- إعلام الأنام بتاريخ بيت الله الحرام، محمد صالح الشبيبي، تحقيق: إسماعيل أحمد، وإسماعيل حافظ، مكة المكرمة، 1400 هـ. 131- إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين، ابن طولون الصالحي، تحقيق: محمود الأرناؤوط، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1983 م. 132- إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، د. ت. 133- الإعلام والتنمية، محمد سيد محمد، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار الفكر العربي، 1405 هـ/ 1985 م. 134- الإعلام والرسالة التربوية، نور الدين عبد الجواد، الرياض، مكتب التربية العربي لدول الخليج العربية، ج 2، 1404 هـ/ 1984 م. 135- أعمال القلوب، أو المقامات والأحوال، ابن تيمية، دار الصحابة للتراث، ط 1، 1400 هـ- 1990 م. 136- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن قيم الجوزية، بيروت، دار المعرفة، د. ت. 137- الأغاني، الأصفهاني، ط. دار المعارف، القاهرة، د. ت. 138- آفات اللسان، إبراهيم المشوخي، الأردن، م، 1985 139- آفاق جديدة في التعليم الإسلامي، سيد علي أشرف، ترجمة: أمين حسن الرباط، السعودية، عكاظ، 1404 هـ. 140- أفعال الرسول صلى الله عليه وسلّم ودلالتها على الأحكام، عبد القادر محمد العروسي، دار المجتمع، جدة، 1984 م. 141- أفعال الرسول صلى الله عليه وسلّم لمحمد سليمان الأشقر. 142- أفعال العباد في القرآن الكريم، عبد العزيز المجدوب، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 521 ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1987 م. 143- إقامة البراهين على حكم من استعان بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين، الشيخ عبد العزيز بن باز، ط. أولى، الرياض، 1416 هـ. 144- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ابن تيمية، تحقيق: ناصر عبد الكريم العقل، ط 1، 1404 هـ. 145- اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم، ابن تيمية، تحقيق: محمد حامد الفقي، القاهرة، 1950 م. 146- اقتضاء العلم العمل، الخطيب البغدادي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الكويت، دار الأرقم، د. ت. 147- اقتضاء العلم العمل، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1404 هـ. 148- أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ابن الطلاع، تحقيق: محمد ضياء الأعظمي، بيروت، 1398 هـ. 149- إكرام الضيف، أبو إسحاق الحربي. 150- الإكراه في الشريعة الإسلامية، فخري أبو صفية، المدينة المنورة، مطابع الرشيد، 1982 م. 151- الأم، محمد بن أدريس الشافعي، تحقيق: محمد زهدي النجار، بيروت، دار المعرفة، 1393 هـ. 152- الأمالي، أبو علي القالي، مراجعة لجنة إحياء التراث العربي، بيروت، دار الآفاق الجديدة، 1981 م. 153- الأمثال لأبي عبيدة، انظر كتاب الأمثال. 154- الأمد الأقصى، عبد الله بن عيسى الدبوسي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، 1405 هـ. 155- الأمر بالاتباع، جلال الدين السيوطي، تحقيق: ذيب بن منصور القحطاني، الرياض، د. ت. 156- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ابن تيمية، تحقيق: محمد السيد الجليند، المملكة العربية السعودية، جدة، 1404 هـ. 157- الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: محمد خليل هرّاس، بيروت، دار الكتب العلمية، 1986 م. 158- إنجيل برنابا، ترجمة إلى العربية: د. إبراهيم سعادة، ونشره: محمد رشيد رضا، القاهرة، د. ت. 159- إنجيل لوقا، منشور ضمن الكتاب المقدس (العهد الجديد) . 160- أنساب الأشراف، البلاذري، تحقيق: محمد حميد الله، دار المعارف بمصر، القاهرة، د. ت. 161- الإنسان بين الجوهر والمظهر، إريك فروم، مراجعة وتقديم: لطفي فهيم، ترجمة: سعد زهران، عالم المعرفة، العدد 140، ذي الحجة 1409 هـ/ أغسطس 1989 م. 162- الإنسان في القرآن، عباس محمود العقاد، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996 م. 163- الإنسان وصحته النفسية، د. مصطفى فهمي، القاهرة، مكتبة الأنجلو، 1971 م. 164- الإنسان ومجتمعه، محمد نور، القاهرة، 1984 م. 165- الإنصاف، أبو الحسن ساعد بن عمر بن غازي، الطبعة الأولى، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1992 م. 166- إنصاف أهل السنة والجماعة ومعاملتهم لمخالفيهم، محمد بن صالح بن يوسف العلي، المملكة العربية السعودية، جدة، 1416 هـ. 167- أنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي، مطبعة الحلبي، القاهرة، 1388 هـ. 168- أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور، ابن رجب الحنبلي، القاهرة، دار الهجرة، ط 2، 1407 هـ. 169- أوصاف النفس، الترمذي، تحقيق: سمير عباس، بيروت، مكتبة الجيل، 1407 هـ. 170- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، أبو محمد بن هشام الأنصاري، بيروت، دار الندوة الحديثة، ط 6، 1980 م. 171- الأولياء، أبو بكر عبد الله ابن أبي الدنيا، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن، 1987 م. 172- الإيثار (ضمن سلسلة من صفات عباد الرحمن) ، ج 1، محمد فتحي وآخرون، طنطا، 1990 م. 173- أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، الشيخ أبو بكر الجزائري. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 522 174- الإيمان، ابن تيمية، محمد خليل هرّاس، مصر، دار الطباعة المحمدية، د. ت. 175- الإيمان، ابن أبي شيبة، منشور ضمن أربع رسائل في «كنوز السنة» ، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الكويت، 1981 م. 176- الإيمان، ابن أبي الدنيا، تحقيق: محمد عبد الرحمن طلبة، القاهرة، دار الاعتصام، د. ت. 177- الإيمان، محمد نعيم يس، انظر كتاب الإيمان (رقم 809) ، القاهرة، د. ت. 178- الإيمان، ابن منده، تحقيق: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1407 هـ. 179- الإيمان بالغيب، بسام سلامة، الأردن، 1993 م. 180- الإيمان والحياة، يوسف القرضاوي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1981 م. حرف الباء 181- الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة، المملكة العربية السعودية، جدة، دار الأصفهاني، د. ت. 182- بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، عبد العزيز الدوري، بغداد، د. ت. 183- البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي معوض، بيروت، دار الكتب العلمية، 1413 هـ. 184- بحوث مؤتمر الفقه الإسلامي، المنعقد بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، نشرها المجلس العلمي بجامعة الإمام في الرياض، 1404 هـ. 185- بدائع الفوائد، ابن القيم، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت. 186- البدائع: انظر بدائع الصنائع. 187- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبو بكر بن مسعود الطاساني، بيروت، دار الكتاب العربي، 1974 م. 188- بداية السول في تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلّم، العز بن عبد السلام، تحقيق: عبد الله بن الصديق الغماري، بيروت، د. ت. 189- البداية والنهاية، ابن كثير، تحقيق: أحمد أبو مسلم وآخرون، القاهرة، دار الريان، 1408 هـ. 190- البدع والنهي عنها، محمد بن وضاح القرطبي، تحقيق: محمد أحمد دهمان، دار البصائر، دمشق، 1400 هـ. 191- البدعة، تحديدها وموقف الإسلام منها، عزت علي عطية، بيروت، 1980 م. 192- بذل المجهود، شرح سنن أبي داود، خليل أحمد السهارنفوري، تعليق: محمد زكريا الكاندهلوي، الهند، 1392 هـ 193- البر والصلة، ابن الجوزي، تحقيق: عادل عبد الموجود، مكة المكرمة، 1393 هـ. 194- برد الأكباد عند فقد الأولاد، محمد بن عبد الله المعروف بابن ناصر الدين، تحقيق: عادل السعيدان، مصر، دسوق، ط 1، 1409 هـ، الدمام، مكتبة ابن الجوزي. 195- البركة في فضل السعي والبركة، أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر، بيروت، 1992 م. 196- البرهان في تجويد القرآن، محمد الصادق قمحاوي، القاهرة، دار القرآن، د. ت. 197- بستان العارفين، النووي، تحقيق: محمد النجار، محمد نجيب الصابوني، حلب (سوريا) ، د. ت. 198- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، الفيروزابادي، بيروت، المكتبة العلمية، د. ت. مصورة من طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، 1383 هـ. 199- بغية الألمعي في تخريج الزيلعي، نشرها المجلس العلمي بالقاهرة، دار المأمون، 1357 هـ. 200- بلوغ المرام من أدب الأحكام، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد الفقي، بيروت، دار الفكر، د. ت. 201- البيان والتبيين، الجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون، الطبعة الثالثة، القاهرة، د. ت. حرف التاء 202- التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول، الشيخ منصور علي ناصف، بيروت، دار الفكر العربي، ط 4، 1935 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 523 203- تاج العروس من جواهر القاموس، السيد محمد مرتضى الزبيدي، بيروت، دار الفكر، د. ت. 204- التاريخ، للدارمي: انظر تاريخ الدارمي عن أبي زكريا. 205- تاريخ الأدب العربي، أحمد حسن الزيات، بيروت، دار الثقافة، 1981 م. 206- تاريخ الأدب العربي، عمر فروخ، بيروت، 1981 م. 207- تاريخ الإسلام، ووفيات المشاهير والأعلام، الذهبي، تحقيق: عمر تدمري، بيروت، دار الكتاب العربي، 1411 هـ. 208- تاريخ الأمم والملوك، ابن جرير الطبري، محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دار سويدان، د. ت. 209- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. مصورة عن طبعة الخانجي، القاهرة، 1349 هـ. 210- تاريخ التراث العربي، فؤاد سزكين، ترجمة: محمود فهمي حجازي وآخرين، السعودية، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1983 م. 211- تاريخ دمشق، ابن عساكر، محيي الدين العمروي، بيروت، دار الفكر، 1415 هـ. 212- تاريخ الخلفاء، جلال الدين السيوطي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، د. ت. 213- تاريخ خليفة بن خياط، ابن خياط، تحقيق: أكرم ضياء العمري، بيروت، 1977 م. 214- تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: محيى الدين العمروي، بيروت، دار الفكر، 1415 هـ. 215- تاريخ الدارمي عن أبي زكريا يحيى بن معين في الجرح والتعديل، عثمان بن سعيد الدارمي، تحقيق: أحمد محمد نور يوسف، دمشق، دار المأمون للتراث، د. ت. 216- التاريخ الصغير، للإمام البخاري، تحقيق: محمود إبراهيم زيد، حلب، 1977 م. 217- تاريخ الطبري: تاريخ الأمم والملوك. 218- تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، بغداد، مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1376 هـ. 219- تاريخ عمر بن الخطاب، ابن الجوزي، مطبعة التوفيق الأدبية بمصر، د. ت. 220- التاريخ الكبير، للإمام البخاري، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. 221- تاريخ الكعبة المعظمة، عمارتها، كسوتها، سدانتها، حسين باسلامة، المملكة العربية السعودية، تهامة، ط 2، 1402 هـ. 222- تاريخ المدينة، عمر بن شبة، تحقيق: فهيم شلتوت، المملكة العربية السعودية جدة، 1393 هـ. 223- تاريخ يحيى بن معين: انظر تاريخ الدارمي. 224- تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، بيروت، 1390 هـ. 225- تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، القاهرة، دار التراث، 1973 م. 226- التأويل خطورته وآثاره، عمر الأشقر، عمان، الأردن، دار النفائس، ط 1، 1412 هـ- 1992 م. 227- التبيان في آداب حملة القرآن، أبو زكريا شرف الدين النووي، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، المملكة العربية السعودية، جدة، 1987 م. 228- تبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق، الزيلعي، دار المعرفة، بيروت، د. ت. 229- تتميم التكريم لما في الحشيشة من التحريم، أبو بكر القسطلاني، تحقيق: ياسين بن ناصر الخطيب، السعودية، ط 1، 1411 هـ. 230- تجديد المنهج في تقويم التراث، طه عبد الرحمن؛ المركز الثقافي العربي، د. ت. 231- تحت راية القرآن، مصطفى صادق الرافعي، تحقيق: محمد سعيد العريان، بيروت، دار الكتاب العربي، 1974 م. 232- تخريج أحاديث الهداية: انظر بغية الألمعي. 233- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، يوسف المزي وبهامشه النكت الظراف لابن حجر، تحقيق: عبد الصمد شرف الدين، الهند، بومباي، الدار القيمة، د. ت. 234- تحفة الأشراف، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: زهير الجزء: 12 ¦ الصفحة: 524 الشاوس، بيروت، المكتب الإسلامي، د. ت. 235- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، ط 2، 1406 هـ. 236- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 3، 1404 هـ- 1984 م. 237- التحفة العراقية الأعمال القلبية، ابن تيمية، مكتبة ابن تيمية- ج 1 من الفتاوى. 238- تحكيم القوانين الوضعية، محمد إبراهيم آل الشيخ، جدة، دار الأصفهاني، د. ت. 239- تحليل المحتوى في العلوم الإنسانية، رشدي طعيمه، القاهرة، دار الفكر العربي، د. ت. 240- تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، العراقي، وابن السبكي، والزبيدي، إخراج: أبي عبد الله محمود بن محمد الحداد، الرياض، دار العاصمة، 1987 م. 241- تخريج الدلالات السمعية، علي بن محمد بن مسعود الخزاعي، إحسان عباس، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1985 م. 242- التخويف من النار والتعريف بمجال دار البوار، ابن رجب الحنبلي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 2، 1405 هـ. 243- التخويف بالنار، تأليف: ابن رجب، دار الفكر، بيروت، د. ت. 244- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي، تحقيق: أحمد حجاز السقا، مطبقة الحلبي، 1405 هـ- 1985 م. 245- التربية الأخلاقية الإسلامية، مقداد يالجن، رسالة دكتوراة منشورة، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط 1، 1977 م. 246- التربية الإسلامية، عبد الرحمن النقيب، القاهرة، دار الفكر العربي. 247- التربية الإسلامية، كيف نرغبها لأبنائنا، سراج محمد عبد العزيز وزان، إصدار رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، 1991 م. 248- التربية الإسلامية وتحديات العصر، عبد الغني عبود، القاهرة، دار الفكر العربي، 1990 م. 249- التربية الإسلامية وتنمية المجتمع الإسلامي، علي خليل أبو العينين، المدينة المنورة، ط. الحلبي، 1407 هـ. 250- تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله علوان، بيروت، دار السلام، 1414 هـ. 251- التربية في الإسلام، أحمد فؤاد الأهواني، الطبعة الثانية، القاهرة، دار المعارف، 1967 م. 252- التربية وأثرها في رفع المستوى الصحي، محمود طنطاوي دنيا، القاهرة، 1975 م. 253- تربية الإنسان الجديد، محمد فاضل الجمالي، تونس، الشركة التونسية للتوزيع، 1967 م. 254- ترتيب العلوم، محمد بن أبي بكر المرعشي (بساجقلي زاده) ، تحقيق: محمد بن إسماعيل السيد أحمد، بيروت، دار البشائر الإسلامية، ط 1، 1408 هـ- 1988 م. 255- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، المنذري، تحقيق: الشيخ مصطفى عمارة، بيروت، دار الكتب العلمية، 1406 هـ. 256- تزكية النفوس وتربيتها كما يقرره علماء السلف، ابن رجب الحنبلي، تحقيق: ماجد بن أبي الليل، بيروت، 1985 م. 257- تسمية أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم وأولاده، أبو عبيدة معمر بن المثنى، تحقيق: كمال الحوت، بيروت، 1985 م. 258- تسهيل النظر وتعجيل الظفر، الماوردي، تحقيق: محيي الدين السرحان، بيروت، 1953 م. 259- التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت. 260- التصاريف، يحيى بن سلام، تحقيق: هند شلبي، تونس، الشركة التونسية للتوزيع، 1980 م. 261- التصريح لما تواتر في نزول المسيح، الكشميري، تحقيق: عبد الفتاح أبو ريدة، بيروت، دار المعرفة، د. ت. 262- التصوير القرآني للمجتمع، صلاح الفوال، القاهرة، دار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 525 الفكر العربي، د. ت. 263- التطور القيمي وتنمية المجتمعات الدينية، محمد إبراهيم كاظم، القاهرة، د. ت. 264- التعريفات، الجرجاني، بيروت، دار الكتب العلمية، 1403 هـ. 265- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، ابن حجر العسقلاني، بيروت، دار الكتب العربية، د. ت. 266- التطور القيمي وتنمية المجتمعات، محمد إبراهيم كاظم، القاهرة، د. ت. 267- تعظيم قدر الصلاة: انظر مختصر قيام الليل. 268- تعظيم قدر الصلاة: محمد المروزي، مكتبة: الدار بالمدينة المنورة، ط 1، 1406 هـ. 269- التعليم الإسلامي أهدافه ومقاصده، محمد النقيب عطاس، ترجمة: عبد الحميد محمد الحديبي، عكاظ، جامعة الملك عبد العزيز، 1404 هـ/ 1984 م. 270- التعليم وتحديات المستقبل، جيمس و. بوتكن، إعداد وتقديم: د. عبد العزيز القوصي، القاهرة، المكتب المصري الحديث، 1981 م. 271- تفسير أسماء الله الحسنى، أبو إسحاق الزجاج، القاهرة، د. ت. 272- تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، بيروت، دار المعرفة ط 1، 1401 هـ. 273- تفسير القرآن العظيم، ابن كثير تقديم: يوسف المرعشلي، بيروت، دار المعرفة، ط 2، 1407 هـ. 274- تفسير البحر المحيط، أبو حيان، ط. ثانية، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1990 م. 275- تفسير البغوي: معالم التنزيل. 276- تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل. 277- تفسير التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور، تونس، الدار التونسية للنشر والتوزيع، 1984 م. 278- تفسير الجواهر، الشيخ طنطاوي جوهري، بيروت، دار الفكر، د. ت. 279- تفسير الحسن البصري، الحسن البصري، تحقيق: محمد عبد الرحيم، القاهرة، دار الحديث، 1992 م. 280- تفسير الطبري: جامع البيان. 281- تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، النيسابوري، مطبوع بهامش جامع البيان للطبري، القاهرة، دار الريان للتراث، 1987 م. 282- تفسير غريب القرآن، ابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، بيروت، 1978 م. 283- تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن. 284- تفسير القرآن، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: مصطفى علم محمد، الرياض، مكتبة الرشد، 1989 م. 285- تفسير القرآن الحكيم، الشيخ محمد رشيد رضا، بيروت، دار المعرفة، 1993 م. 286- تفسير القرآن العظيم، لأبي الفدا إسماعيل بن كثير القرشي، ط. ثانية، دار المعرفة، بيروت، 1987 م، وط. مكتبة الرياض الحديثة، دار الفكر، 1400 هـ. 287- التفسير القيم، ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، القاهرة، مكتبة السنة المحمدية، د. ت. 288- التفسير الكبير، الفخر الرازي، بيروت، دار التراث العربي، د. ت. 289- تفسير مجاهد، الإمام أبو الحجاج مجاهد بن بكر التابعي، تحقيق: محمد عبد الرحمن الطاهر بن محمد السوركي، باكستان، اسلام اباد. وبيروت، المنشورات العلمية، د. ت. 290- تفسير المراغي، الشيخ أحمد مصطفى المراغي، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1974 م. 291- تفسير المنار: تفسير القرآن الحكيم. 292- تفسير الماوردي: النكت والعيون. 293- تفسير النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: سيد الحليمي، وصبري الشافعي، القاهرة، مكتبة السنة، القاهرة، ط 1، 1410 هـ. 294- التفسير الواضح، محمد محمود حجازي، ط 6.، القاهرة، 1969 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 526 295- تفسير وبيان مفردات القرآن الكريم، إعداد محمد حسن الحمصي، بيروت، مؤسسة الإيمان. دمشق، دار الرشيد، 1984. 296- تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، الراغب الإصفهاني، بيروت، 1983 م. 297- تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، بيروت، دار المعرفة، ط 2، 1395 هـ. 298- تكاليف القلب السليم، محمد بن صفوك العلي، الكويت، 1985 م. 299- التلخيص للذهبي بهامش المستدرك، انظر المستدرك على الصحيحين للحاكم. 300- التلخيص للذهبي، بيروت، دار المعرفة، د. ت. 301- تلبيس إبليس، ابن الجوزي، تحقيق: محمود مهدي الاستانبولي، القاهرة، 1976 م. 302- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، عبد الرحمن بن الجوزي، القاهرة، مطبعة الآداب، 1975 م. 303- تمام المنة في التعليق على فقه السنة، محمد ناصر الدين الألباني، الرياض، دار الراية، 1409 هـ. 304- التمثيل والمحاضرة، أبو منصور الثعالبي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، 1381 هـ. 305- التمهيد في أصول الفقه، أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي، تحقيق: محمد بن إبراهيم، منشورات جامعة أم القرة، مكة المكرمة، 1985 م. 306- تنبيه الطالب لفهم ابن الحاجب، محمد بن عبد السلام المالكي، مخطوط بمركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، مكة المكرمة. 307- تنبيه الغافلين، ابن النحاس، تحقيق: نصر السمرقندي، جدة، دار الشروق، 1400 هـ. 308- تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، أحمد الدمشقي، الرياض، مكتبة الحرمين، ط 2، 1406 هـ. 309- تنزيه الشريعة عن إباحة الأغاني الخليعة، أحمد بن يحيى النجمي، القاهرة، مكتبة ابن تيمية، د. ت. 310- تنزيه الشريعة عن إباحة الأغاني الخليعة، أحمد بن يحيى النجمي، ومعه حكم الإسلام في الموسيقى والغناء لأبي بكر الجزائري، القاهرة مكتبة ابن تيمية، ط 2. 311- تنوير الحوالك (شرح على موطأ مالك) ، جلال الدين السيوطي، بيروت، دار الندوة الجديدة، المكتبة الثقافية، 1988 م. 312- تهذيب الآثار، وتفصيل معاني الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الأخبار، الطبري، تحقيق: ناصر الرشيد عبد القيوم، مكة المكرمة، 1402 هـ. 313- تهذيب الأخلاق، ابن مسكويه، الطبعة الثانية، بيروت، دار الكتب العربية، 1401 هـ/ 1981 م. 314- تهذيب الأخلاق، الجاحظ، القاهرة، دار الصحابة للتراث، د. ت. 315- تهذيب الأسماء واللغات، النووي، بيروت، د. ت. 316- تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، بيروت، دار الفكر، 1404 هـ. 317- تهذيب السنن لابن القيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية، 1367 هـ. 318- تهذيب الكمال، المزي، تحقيق: بشار عواد، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1992 م. 319- تهذيب اللغة، أبو منصور الزهري، تحقيق: عبد السلام هارون وآخرون، مراجعة: محمد علي النجار، القاهرة، 1964. 320- تهذيب مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية (ابن القيم) ، تحقيق: عبد المنعم العربي وصالح الغشمري، جدة، دار المطبوعات الحديثة، 1408 هـ. 321- التوابين، ابن قدامة المقدسي، تحقيق: علاء عبد الوهاب محمد، القاهرة، دار الأمين، 1993 م. 322- التواضع والخمول، ابن أبي الدنيا، تحقيق: لطفي الصغير، القاهرة، دار الاعتصام، د. ت. 323- التوبة إلى الله ومكفرات الذنوب، أبو حامد الغزالي، تحقيق: عبد اللطيف عاشور، القاهرة، مكتبة القرآن، د. ت. 324- التوبة، ابن تيمية، دار ابن حزم، بيروت، 1412 هـ- الجزء: 12 ¦ الصفحة: 527 1992 م. 325- توجيهات وذكرى، صالح بن عبد الله بن حميد، جدة، مكتبة الضياء، 1411 هـ. 326- التوحيد أولا، ناصر بن سليمان العمر، تقديم الشيخ: عبد العزيز بن عبد الرحمن الجبرين، الرياض، دار الوطن، 1413 هـ. 327- التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، أبو بكر بن خزيمة، دراسة وتحقيق: عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان، وتقديم الشيخ/ صالح القوزان، المملكة العربية السعودية، مكتبة الرشد، ط. خاصة، 1414 هـ. 328- التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، ابن خزيمة، تحقيق: محمد خليل هراس، بيروت، 1982 م. 329- توضيح العقيدة المفيد في علم التوحيد، موسى أحمد اللباد، القاهرة، 1991 م. 330- توضيح الكافية الشافية، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الرياض، د. ت. 331- التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرءوف المناوي، تحقيق: عبد الحميد صالح حمدان، القاهرة، 1410 هـ. 332- التوكل على الله، ابن أبي الدنيا، تحقيق: جاسم الفهد الدوسري، بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1407 هـ. 333- تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب، بيروت، المكتب الإسلامي، د. ت. 334- تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول، ابن الديبع الشيباني، القاهرة، 1352 هـ.. حرف الثاء 335- الثقاة، ابن حبان، دار الفكر، بيروت، د. ت. مصورة عن الطبعة الهندية، حيدر أباد الركن، 1393 هـ. 336- الثقافة الإسلامية، عبد الواحد الفار، جدة، تهامة، سلسلة الكتاب الجامعي، د. ت. 337- ثقافة الداعية، يوسف القرضاوي، بيروت، 1980 م. 338- ثقافة الداعية، يوسف القرضاوي، الكويت، 1981 م. 339- ثقافة الطفل، كافية رمضان، وفيولا البيلاوي، الكويت، كلية التربية، 1983 م. 340- الثقافة الشخصية، د. سامية الساعاتي، بيروت، دار النهضة العربية، ط 2، 1983 م. 341- ثلاثة كتب في الأضداد، الأصمعي، والسجستاني، وابن السكيت، نشرها: أوجست هفنر، بيروت، المطبعة الكاثولوكية للآباء اليسوعيين، 1912 م. حرف الجيم 342- الجامع، أبو زيد القيرواني، انظر كتاب الجامع في السنة، رقم (817) . 343- جامع الأحاديث (الجامع الصغير وزوائده والجامع الكبير) جلال الدين السيوطي، تحقيق: عباس أحمد صقر، وأحمد عبد الجواد، بيروت، دار الفكر، 1964 م. 344- جامع الأصول في أحاديث الرسول، ابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، ويوسف الشيخ، بيروت، دار الفكر، 1403 هـ. 345- جامع الأصول من أحاديث الرسول، ابن الأثير، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987 م. 346- جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، دار الفتح، 1978 م. 347- جامع البيان في تفسير القرآن، الطبري، القاهرة، دار الحديث 1407 هـ 12 مج وبهامشه تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري. 348- الجامع الصحيح، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر، القاهرة، 1978 م. 349- الجامع الصحيح (سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق: كمال يوسف، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408 هـ 350- الجامع الصغير في أحاديث البشر النذير، السيوطي، دار الفكر، بيروت، 1401 هـ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 528 351- الجامع الكبير: انظر جامع الأحاديث. 352- جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، عم ان، مكتبة الرسالة الحديثة، د. ت، القاهرة مؤسسة الكتب الثقافية د. ت. 353- جامع المسانيد والسنن، ابن كثير، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1994 م. 354- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408 هـ، مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987 م 355- الجامع لشعب الإيمان، البيهقي، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، الهند، بومباي، الدار السلفية، 8 مج، ط 1، 1407 هـ. 356- جدل العقل والنقل في مناهج التفكير الإسلامي، محمد الكناني، بيروت، د. ت. 357- الجرح والتعديل، أبو محمد الرازي، الهند، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، ط 1، د. ت. 358- جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام، ابن القيم، تحقيق: يوسف شاهين، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. ونسخة أخرى بتحقيق: محيي الدين نتو، دمشق، بيروت، دار ابن كثير، 1408 هـ. 359- جماع العلم، محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. 360- جمهرة أشعار العرب، أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، تحقيق: محمد علي، القاهرة، 1981 م، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت. 361- جمهرة اللغة، ابن دريد محمد بن الحسن البصري، القاهرة، مؤسسة الحلبي، د. ت. 362- جمهرة أنساب العرب، ابن حزم الأندلسي، دار المعارف، القاهرة، 1962 م. 363- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن قيم الجوزية، القاهرة، دار الريان، 1408 هـ. 364- الجواب المفيد في بيان أقسام التوحيد، الشيخ محمد صالح العثيمين، دار طويق، ط 2.، 1414 هـ/ 1994 م. 365- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، ابن تيمية، مطبعة النيل، القاهرة، 1322 هـ. 366- جوامع السيرة، ابن حزم الأندلسي، دمشق، دار ابن كثير، 1986 م. 367- جواهر الأدب، أحمد الهاشمي، بيروت، دار الفكر، د. ت، ط 3. 368- الجهاد والسير، ابن المبارك، تحقيق: نزيه حماد، جدة، د. ت. حرف الحاء 369- حاشية السندي على سنن الترمذي، (الجامع الصحيح) الإمام السندي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، حلب، مكتب المطبوعات الاسلامية، بيروت، دار البشائر، 4 مج، 1 مج فهارس. 370- حاشية السندي علي صحيح البخاري، السندي، القاهرة، دار التراث العربي، د. ت. 371- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ابن قيم الجوزية، بيروت، دار الكتب العلمية، 1983 م. 372- الحاوي الكبير، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي، تحقيق: محمد مطرحي، بيروت، دار الفكر، 1414 هـ/ 1994 م. 373- الحاوي للفتاوى، جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1402 هـ. 374- الحث على حفظ العلم وذكر كبار الحفاظ، أبو الفرج بن الجوزي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1985 م. 375- الحث على التجارة والصناعة والعمل، أبو بكر الخلال، تحقيق: أبو عبد الله محمد الحداد، الرياض، 1407 هـ. 376- حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسّنّة، الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 5، 1398 هـ. 377- حجة النبي صلى الله عليه وسلّم، محمد ناصر الدين الألباني، ط. سابعة، المكتب الإسلامي، 1405 هـ. 378- الحجة في القراءات السبع، أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي، تحقيق: علي النجدي ناصف، ود. عبد الحليم النجار، ود. عبد الفتاح الجزء: 12 ¦ الصفحة: 529 شلبي، القاهرة، 1983 م. 379- حديث الولي: انظر ولاية الله والطريق إليها (رقم 1114) . 380- الحسد والحاسدين، مجدي فتحي السيد، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1993 م. 381- حسن التوسل في زيارة أفضل الرسل، عبد الله بن أحمد الفاكهي، منشور بهامش إتحاف الأشراف للشبراوي، المطبعة الأدبية، القاهرة، 1319 هـ. 382- حسن السمت في الصمت، جلال الدين السيوطي، تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، ط. أولى، مكة المكرمة، دار الباز للنشر والتوزيع/ بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1407 هـ. 383- حسن الظن بالله، ابن أبي الدنيا، تحقيق: مخلص محمد، الرياض، دار طيبة، د. ت، ط 1، 1408 هـ. 384- حصول الرفق بأصول الرزق، السيوطي، تحقيق: أبو الفضل الجويني، طنطا، دار الصحابة للتراث، ط 1، 1990 م. 385- حقوق الجار، الذهبي، تحقيق: مبروك كامل، القاهرة، د. ت. 386- حقوق النساء في الإسلام، محمد رشيد رضا، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، د. ت. 387- حكم الإسلام في الموسيقى والغناء، أبو بكر الجزائري، ضمن كتاب تنزيه الشريعة في طبعته الثانية. 388- حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقض، سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، المدينة المنورة، 1401 هـ. 389- الحلال والحرام في الإسلام، أحمد محمد عس اف، بيروت، ط 2، 1982 م. 390- الحلال والحرام في الإسلام، يوسف القرضاوي، القاهرة، 1976 م. 391- الحلم، ابن أبي الدنيا، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، القاهرة، 1996 م. 392- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصفهاني، القاهرة دار الرياض، ط 5، 1407 هـ، وبيروت، دار الكتاب العربي، 1407 هـ. 393- الحماسة، أبي تمام، تحقيق: عبد الله بن الرحيم عسقلاني، الرياض، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، د. ت. 394- الحياء في ضوء القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، سليم الهلالي، السعودية، الأحساء، مكتبة ابن الجوزي، 1408 هـ- 1988 م. 395- الحياة، محمد رضا الحكمي، محمد الحكمي، علي الحكمي، طهران، مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 1408 هـ. 396- حياة الصحابة، الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، تحقيق: الشيخ نايف العباس، ود. محمد علي دولة، دار العلم، دمشق، 1985 م. 397- حياة محمد صلى الله عليه وسلّم، در منحم، ط. ثانية، باريس، 1950 م. 398- حياة محمد صلى الله عليه وسلّم، محمد حسين هيكل، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1968 م. 399- حياة القلوب بدعاء علام الغيوب، أبي السمح محمد بن عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه، الرياض، دار سفير للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 هـ. حرف الخاء 400- خاتم النبيين صلى الله عليه وسلّم، الشيخ محمد أبو زهرة، بيروت، المكتبة العصرية، د. ت. 401- الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلّم، مايكل هارت، ترجمة: أنيس منصور، الطبعة السابعة، دار الزهراء للإعلام الإسلامي، القاهرة، 1986 م. 402- الخراج، القاضي أبو يوسف، بيروت، دار المعرفة، 1979 م. 403- خزانة الأدب، عبد القادر البغدادي، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1989 م. 404- خصائص أفضل المخلوقين، انظر غاية السول. 405- الخصائص العامة للإسلام، يوسف القرضاوي، القاهرة، مكتبة وهبة، ط 1، 1397 هـ/ 1977 م. 406- خصائص الغرر ونفائس العرر، مختار من كتاب غرر الخصائص لمحمد بن إبراهيم بن يحيى المعروف بالوطواط، وهو مخطوط بمكتبة جامعة أم القرى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 530 رقم 898 (أدب) . 407- الخصائص الكبرى (وكفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب) ، جلال الدين السيوطي، تحقيق: محمد خليل هراس، القاهرة، المطبعة الحديثة، د. ت. 408- خصائص التصور الإسلامي، سيد قطب، دار القرآن الكريم، بيروت، دمشق، 1978 م. 409- خصائص النبي صلى الله عليه وسلّم، المحب المكي، تعليق: محمد السيد عفيفي، القاهرة، مكتبة المجد العربي، ط 1، 1411 هـ- 1990 م. 410- خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ووصاياه، محمد أحمد عاشور، القاهرة، دار الاعتصام، 1995 م. 411- خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، عبد المجيد النجار، دار الغرب الإسلامي، إصدار المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا، 1993 م. 412- خلق المسلم، الغزالي، القاهرة، دار الكتاب الحديثة، 1974 م. حرف الدال 413- دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي، بيروت، 1971 م. 414- الداء والدواء، ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد جميل غازي، جدة، دار المازني، 1983 م. 415- دبلوماسية محمد صلى الله عليه وسلّم، عون الشريف قاسم، القاهرة، عالم الكتب، 1987 م. 416- درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط 1، 1401 هـ. 417- دراسات إسلامية في العلاقات الإجتماعية والدولية، محمد عبد الله دراز، الكويت، دار القلم، 1400 هـ/ 1980 م. 418- دراسات تراثية في التربية الإسلامية، محمود قمير، الدوحة، دار الثقافة، 1987 م. 419- دراسات في التربية الإسلامية وأصولها النظرية والفلسفية، أحمد إبراهيم كاظم وآخرون، جامعة قطر، مركز البحوث التربوية، المجلد التاسع، 1985 م. 420- دراسات في علوم القرآن ومناهج المفسرين، عبد الغفور مصطفى جعفر، القاهرة، 1987 م. 421- دراسات في علم الأخلاق، عبد الحميد مدكور، مكتبة الشباب، القاهرة، 1990 م. 422- دراسات نفسية في الشخصية، جابر عبد الحميد، وسليمان الخضري، القاهرة، د. ت. 423- دراسات قرآنية، محمد قطب، ط. ثانية، بيروت، دار الشروق، 1982 م. 424- دراسة تحليلية لشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم من خلال سيرته الشريفة، محمد رواس قلعه جي، بيروت، دار النفائس، 1408 هـ/ 1988 م. 425- دراسة في السيرة، عماد الدين خليل، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط. سادسة، 1402 هـ. 426- دراسة في المائة الأوائل، مايكل هارت، ترجمة: خالد عيسى وأحمد سبانو، المملكة العربية السعودية، دار ابن قتيبة، ط 2، 1399 هـ. وقد ترجمه أيضا: أنيس منصور ونشره في القاهرة (دار المعارف) ، بعنوان: العظماء مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلّم. 427- دراسات قرآنية، محمد قطب، ط. ثانية، بيروت، دار الشروق، 1982 هـ. 428- دراسات نفسية في الشخصية العربية، جابر عبد الحميد قميحة، القاهرة، عالم الكتب، 1978 م. 429- دراسة لبعض المشكلات التي تعوق الوظيفة الخلقية للمدرسة الثانوية، رسالة ماجستير غير منشورة، عبد الودود مكروم، المنصورة، جامعة المنصورة، كلية التربية، 1983 م. 430- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، بيروت، دار الفكر، ط 1، 1403 هـ. 431- الدر المنضود في ذم البخل ومدح الجود، المناوي، تحقيق: أبو الفضل الأثري، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1990 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 531 432- الدرر في اختصار المغازي والسير، ابن عبد البر، تحقيق: شوقي ضيف، القاهرة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1996 م. 433- دستور الأخلاق في القرآن الكريم، دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن، محمد عبد الله دراز، تعريب وتحقيق وتعليق: عبد الصبور شاهين، ط. رابعة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1982 م. 434- الدستور القرآني والسنة في شئون الحياة، محمد عزة دروزة، بيروت/ دمشق، 1981 م. 435- الدعاء، الطبراني، دار البشائر، بيروت، ط سابعة، 1407 هـ. 436- الدعائم الخلقية للقوانين الشرعية، صبحي محمصاني، بيروت، دار القلم، 1393 م. 437- دعوة الإسلام، روجيه جارودي، ترجمة: ذوقان قرقوط، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1984 م. 438- الدعوة الإسلامية، أصولها ووسائلها، أحمد غلوش، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، القاهرة، بيروت، د. ت. 439- الدعوة والدعاة من القرآن وإلى القرآن، محمد محمود الصواف، ط. ثانية، جدة، 1985 440- دفاع عن الحديث والسيرة، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت/ دمشق، المكتب الإسلامي، د. ت. 441- دلائل النبوة، أبو نعيم الأصفهاني، تحقيق: محمد رواس قلعجي، وعبد البر عباس، ط 2.، بيروت، دار النفائس، 1406 هـ/ 1986 م. 442- دلائل النبوة، البيهقي، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، القاهرة، دار الريان، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408 هـ. 443- الدلائل الواضحات علي تحريم المسكرات والمفترات، حمود التويجري. 444- دلالة السياق بين التراث وعلم اللغة الحديث، عبد الفتاح عبد العليم البركاوي، القاهرة، 1992 م. 445- دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، محمد بن علان الصديقي، القاهرة، دار الريان، 4 مج، 1407 هـ. 446- دليل القارئ إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري، عبد الله بن محمد الغنيمان، المدينة المنورة، منشورات الجامعة الإسلامية، د. ت. 447- الدليل إلى مراجع الموضوعات الإسلامية، محمد صالح المنجد، ط 2.، الرياض، دار الوطن، 1414 هـ. 448- دور المسجد في التربية، عبد الله أحمد بن أحمد قادري، دار المجتمع، 1407 هـ/ 1987 م. 449- الدين والحضارة الإنسانية، محمد البهي، الجزائر، الشركة الجزائرية، د. ت. 450- ديوان ابن عثيمين: العقد الثمين. 451- ديوان امرئ القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار المعارف، 1969 م. 452- ديوان بشار بن برد، جمع وتحقيق: محمد الطاهر بن عاشور، القاهرة، 1966 م. 453- ديوان بشر بن أبي خازم، تحقيق: عزة حسن، دمشق، 1972 م. 454- ديوان حسان بن ثابت، جمع وتحقيق: سيد حنفي حسنين، القاهرة، دار المعارف، 1983 م. 455- ديوان زهير بن أبي سلمى، تحقيق: كرم البستاني، بيروت، دار صادر، 1960 م. 456- ديوان الشافعي، أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: محمد عفيف الزغبي، حمص، دار المعرفة، وجدة، دار العلم، 1974 م. 457- ديوان الصرصري، مخطوط بمكتبة جامعة أم القرى. 458- ديوان الصنعاني، مخطوط بمكتبة جامعة أم القرى. 459- ديوان طرفة، تحقيق: علي الجندي، القاهرة، دار الفكر العربي، د. ت. 460- ديوان علي- رضي الله عنه-، جمع وترتيب: عبد العزيز الكرم، بيروت، دار كرم، د. ت. 461- ديوان الفرزدق، بيروت، دار صادر، د. ت. حرف الذال 462- ذاتية الطفل والنظرية التربوية في الإسلام، محمود فهمي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 532 قمير، قطر، الدوحة، ضمن دراسات تراث التربية الإسلامية، 1985 م. 463- الذريعة إلى مكارم الشريعة، الراغب الأصفهاني، ط 1.، بيروت، دار الكتب العلمية، 1980 م. 464- ذم البغي، ابن أبي الدنيا، تحقيق: أبو اليزيد العجمي ونجم عبد الرحمن خلف، القاهرة، دار الصحوة، 1985، الرياض، دار الراية، 1988 م. 465- ذم الدنيا، أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن، 1988 م. 466- ذم قسوة القلب، ابن رجب الحنبلي، تحقيق: الوليد بن عبد الرحمن، مكة المكرمة، دار عالم الفوائد، 1416 هـ. 467- ذم الهوى، أبو الفرج بن الجوزي، تحقيق: مصطفى عبد الواحد ومراجعة محمد الغزالي، القاهرة، دار الكتب الحديثة، 1381 هـ. 468- الذنوب وقبح آثارها على الأفراد والشعوب، محمد بن أحمد سيد أحمد، مكة المكرمة، مكتبة السوادي، ط 3، 1413 هـ- 1993 م. حرف الراء 469- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، جار الله الزمخشري، العراق، وزارة الأوقاف والشئون الدينية، 1980 م. 470- الرحلة في طلب الحديث، أحمد بن علي بن ثابت: الخطيب البغدادي، تحقيق: نور الدين عتر، بيروت، دار الكتب العلمية، 1975 م. 471- رحمة للعالمين، محمد سليمان المنصور فوري، ط. الهند، بكديودلي، د. ت. 472- الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركافوري، المنصورة، دار الوفاء، 1987 م. 473- الرد على الجهمية والزنادقة، للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: إسماعيل الأنصاري، القاهرة، د. ت. 474- رسائل الإصلاح، الخضر حسين، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، بيروت، دار الفكر، د. ت. 475- رسائل الجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، د. ت. 476- الرسائل المفيدة، لعبد الله آل الشيخ، المؤسسة السعيدية بالرياض، د. ت. 477- الرسالة، للإمام الشافعي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، بيروت، دار الفكر، د. ت. 478- رسالة ابن أبي الدنيا في الورع: الورع. 479- رسالة الزنديق لابن كمال باشا، جزء من مجموع مخطوط بمكتبة مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، مكة المكرمة، الورقات 157- 163. 480- رسالة تحكيم القوانين، للشيخ محمد بن إبراهيم، ط. دار الأصفهاني، جدة، د. ت. 481- الرسول العربي المربي، عبد الحميد الهاشمي، دمشق، دار الهدى، 1985 م. 482- الرسول القائد صلى الله عليه وسلّم، محمد شيت خطاب، بيروت، دار الفكر، 1971 م. 483- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، يعقوب بن عبد الوهاب أبو حسين، البصرة، العراق، 1980 م. 484- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ضوابطه وتطبيقاته: صالح بن حميد، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مكة المكرمة، ط 1، 1403 هـ. 485- الرقة، ابن قدامة المقدسي، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، بيروت، 1994 م. 486- الرقة والبكاء، ابن قدامة المقدسي، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1992 م. 487- الروح، ابن القيم، تحقيق: عبد الفتاح محمود عمر، دار الفكر، عمان، 1985 م. 488- روح الدين الإسلامي، عفيف عبد الفتاح طبارة، ط 25، بيروت، دار العلم للملايين، 1985 م. 489- روح المعاني، الألوسي، ط 4.، بيروت، دار اصدار التراث، 1985 م. 490- الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، أبو عبد الرحمن السهيلي، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 533 مصر، المطبعة الجمالية، 1914 م/ بيروت، دار المعرفة، 1978 م. 491- الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني، تحقيق: محمد شكور الحاج، بيروت، المكتب الإسلامي/ عمان، دار عمار، 1985 م. 492- الروض المربع، شرح زاد المستنقع، للبهوتي، المطبعة السلفية، ط. سادسة، القاهرة، 1380 هـ. 493- روضة التعريف بالحب الشريف، لسان الدين بن الخطيب التلمساني، تحقيق: محمد الكتاني، الرباط، الدار البيضاء/ بيروت، 1970 م. 494- روضة التعريف بالحب الشريف، الوزير لسان الدين بن الخطيب، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، دار الفكر العربي، ط 1، 1386 هـ- 1966 م. 495- روضة الطالبين، النووي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1386 هـ. 496- روضة الطالبين وعدة السالكين، الغزالي، تحقيق الشيخ محمد نجيب، بيروت، دار النهضة الحديثة، د. ت. 497- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان، تحقيق: علي بن شرف العمري، القاهرة، 1981 م. 498- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان، شرح وتحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، محمد عبد الرزاق حمزة، محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1397 هـ/ 1977 م. 499- روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ابن القيم، بيروت، دار الكتب العلمية، 1403 هـ- 1983 م. 500- الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة صلى الله عليه وسلّم، السيوطي، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد، بيروت، دار الكتب العلمية، 1405 هـ. 501- رياض الصالحين، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق: عبد العزيز رباح، وأحمد يوسف الدقاق، راجعه: شعيب الأرناؤوط، دار المأمون للتراث، مكتبة المنارة الزرقاء، ودار ياقوت للتراث ط 1، 1409 هـ. 502- الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، منشورات المؤسسة السعدية، الرياض، د. ت. 503- الرياضة والحضارة الإسلامية، أمين نور الخولي، القاهرة، دار الفكر العربي، د. ت. حرف الزاى 504- زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 15، الكويت، مكتبة المنار، 1407 هـ. 505- زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 4، 1407 هـ، 1987 م. 506- الزهد، ابن المبارك، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. 507- الزهد الكبير، أحمد بن حسين البيهقي، تحقيق: فقي الدين الندوي، الكويت، دار القلم، ط 2، 1403 هـ- 1983 م. 508- الزهد، أحمد بن حنبل، القاهرة، دار الريان، 1408 هـ. 509- الزهد، الإمام وكيع بن الجراح، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، المدينة المنورة، 1404 هـ. 510- الزهد، هناد بن السري الكوفي، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، الكويت، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، 1406 هـ. 511- الزهد والورع في العبادة، ابن تيمية، تحقيق: حامد سلامة ومحمد عويضة، الأردن، الزرقاء، 1407 هـ. 512- الزهد، المروزي، تحقيق حبيب الله الأعظمي، دار الباز، مكة المكرمة، د. ت. 513- زهر الأكم في الأمثال والحكم، الحسن البوسي، تحقيق: محمد حجي، ومحمد الأخضر، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1981 م. 514- زوائد ابن حبان، أحمد بن حجر الهيثمي، تحقيق: محمد عبد الرازق حمزة، ط. دار الكتب العلمي، بيروت، د. ت. 515- زوائد البزار، أحمد بن حجر الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 534 الأعظمي، ط. مؤسسة دار الرسالة، بيروت، د. ت. 516- الزوائد، البوصيري، أحمد بن أبي بكر البوصيري، تحقيق: عزت علي عطية، ط. دار الكتب الحديثة، بيروت، د. ت. 517- الزواج والعلاقات الأسرية، سناء الخولي، بيروت، دار النهضة العربية، د. ت. 518- الزواجر عن اقتراف الكبائر، أبو العباس أحمد بن محمد الهيثمي: ابن حجر الهيثمي، ضبط: أحمد الشامي، ط 2.، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993 م. 519- زيارة القبور الشركية والشرعية، محيي الدين البركوي، مؤسسة النور للطباعة، الرياض، د. ت. حرف السين 520- سبل السلام شرح بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: فؤاد أحمد أزمرلي، وإبراهيم محمد الجمل، القاهرة، دار الريان للتراث، ط 4، 1407 هـ. 521- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الشامي، تحقيق: عادل أحمد، وعلي معوض، بيروت، دار الكتب العلمية، 1414 هـ. 522- سراج الملوك، الطرطوشي، تحقيق: محمد فتحي أبو بكر، الدار المصرية اللبنانية، 1994 م. 523- سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 5، 1405 هـ. 524- سلسلة الأحاديث الضعيفة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط. رابعة، 1398 هـ. 525- السلسلة الذهبية في فهرسة الموضوعات التربوية، مازن بن عبد الكريم الفريحي، جدة، دار الأندلس الخضراء، ط 2، 1417 هـ- 1996 م. 526- السلوك الخلقي الاجتماعي في الإسلام، أبو الوفا مصطفى المراغي، القاهرة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، سلسلة دراسات في الإسلام، العدد 69، د. ت. 527- السلوك الاجتماعي في الإسلام، حسن أيوب، بيروت، دار الندوة الجديدة، ط 4، 1403 هـ. 528- السنة، ابن أبي عاصم الشيباني، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة لمحمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 2، 1405 هـ. 529- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، بيروت/ دمشق، المكتب الإسلامي، 1978 م. 530- السنة، عبد الله بن الامام أحمد بن حنبل، دراسة وتحقيق: محمد سعيد القحطاني، دار رمادي للنشر، المؤتمن للتوزيع، المملكة العربية السعودية، ط 2، 1994 م. 531- سنن ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث، 1395 هـ، وطبعة دار الفكر، د. ت. 532- سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث، نشر وتوزيع: محمد علي السيد سوريا، حمص، 1388 هـ. 533- سنن أبي داود، مراجعة وضبط وتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار الفكر، د. ت. 534- سنن أبي داود، السجستاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت، دار الفكر، د. ت. القاهرة، دار الريان، 1989 م. 535- سنن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أبو يعقوب بن شيبة، تحقيق: كمال يوسف، بيروت، 1995 م. 536- سنن الترمذي: وهو الجامع الصحيح، لأبي عيسى محمد ابن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، ط. ثانية، دار الفكر، 1964 م. 537- سنن الدارمي، الدارمي، تحقيق: السيد المدني، وفيصل إياد، الرياض، رئاسة إدارة البحوث العلمية، 1404 هـ. 538- سنن الدارمي، الدارمي، تحقيق: فؤاد أحمد أزمرلي، وخالد السبع العلمي، القاهرة، دار الريان للتراث، 1407 هـ، وبيروت، دار الكتاب العربي، ط 1، 1407 هـ. 539- سنن الدارقطني، الدارقطني، بيروت، عالم الكتب، د. ت. 540- السنن الكبرى، البيهقي، تحقيق: محمد عطا، دار الكتب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 535 العلمية، بيروت، 1994 م. 541- سنن النسائي، النسائي، أحمد بن شعيب النسائي، بيروت، دار الفكر، والقاهرة، دار الحديث، 1987 م. 542- سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي، اعتناء وترقيم: عبد الفتاح أبو غده، حلب، مكتب المطبوعات الإسلامية، بيروت، دار البشائر، 1406 هـ. 543- سهام الإصابة في الدعوات المستجابة، جلال الدين السيوطي، تحقيق: مجدي فتحي السيد، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1995 م. 544- السمت في الصمت، السيوطي، تحقيق: محمد السعيد زغلول، مكة المكرمة- دار الباز للنشر والتوزيع، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1407 هـ. 545- سوانح وتأملات في قيمة الزمن، خلدون بن الأحدب، جدة، دار الوفاء، 1407 هـ. 546- السياسة، ابن سينا، نشره لويس معلوف اليسوعي، مجلة المشرق اللبنانية البيروتية، السنة التاسعة، 1906 م. 547- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، ابن تيمية، بيروت، دار الاعتصام، 1969 م. 548- سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، د. ت. 549- السير والمغازي، لابن إسحاق: السيرة لابن إسحاق. 550- السيرة، ابن إسحاق، تحقيق: محمد حميد الله، المغرب، معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، 1396 هـ. 551- سيرة ابن هشام، ابن هشام المعافري، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، القاهرة، د. ت. 552- السيرة للشامي: سبل الهدى والرشاد. 553- سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم، محمد عزت دروزه، ط. ثانية، بيروت، 1965 م. 554- سيرة عمر بن عبد العزيز، ابن الجوزي، بيروت، دار الفكر، د. ت. 555- السيرة النبوية، ابن كثير، تحقيق: محمد السعيد الخضراوي ومحيي الدين مستو، دمشق/ بيروت، الطبعة الثالثة، 1403 هـ. 556- السيرة النبوية، للحافظ الذهبي، القاهرة، د. ت. 557- السيرة النبوية، عبد الملك بن هشام، تحقيق: مصطفي السقا وآخرون، بيروت، دار القلم، د. ت، الرياض، دار طيبة، ومكة المكرمة، دار الخير، بيروت/ دمشق، 1412 هـ. 558- السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، دراسة تحليلية، مهدي رزق الله أحمد، الرياض، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 1412 هـ. 559- السيرة النبوية الصحيحة، أكرم العمري، ط. أولى، الرياض، 1416 هـ. 560- السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، محمد بن محمد أبو شهبة، القاهرة، دار الباعة المحمدية، 1970 م. 561- سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم المختصرة، أبو الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: محمد كمال عز الدين، بيروت، 1989 م. 562- السيرة الواسطية. 563- سيكولوجية الطفولة والشخصية، كوبرو وآخرون، ترجمة: أحمد سلامة وجابر عبد الحميد، القاهرة، دار النهضة العربية، 1985 م. 564- سيكولوجية القصة في القرآن، التهامي نفره، الجزائر، جامعة الجزائر، الشركة التونسية للتوزيع، 1971 م. حرف الشين 565- شأن الدعاء، الخطابي، تحقيق: أحمد يوسف الدقاق، دمشق/ بيروت، 1984 م. 566- شجرة المعارف والأحوال، العز بن عبد السلام، تحقيق: إياد خالد الطباع، دمشق، 1989 م. 567- شخصية الرسول صلى الله عليه وسلّم في ضوء المقاييس الإنسانية، عبد الحليم عويس، المملكة العربية السعودية، جامعة الإمام، إدارة الثقافة والنشر، 1413 هـ/ 1992 م. 568- شخصية المسلم، محمد علي الهاشمي، بيروت، دار البشائر الإسلامية، ط 4، 1410 هـ. 569- شخصية المسلم كما يضعها الإسلام، عبد المنعم النمر، القاهرة، 1987 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 536 570- شذا العرف في فن الصرف، أحمد الحملاوي، القاهرة، دار الفكر العربي، د. ت. 571- شرح ابن عقيل على ألفية بن مالك، ابن عقيل، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، 1980 م. 572- شرح أسماء الله الحسنى، الرازي، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، بيروت، 1994 م. 573- شرح أصول الاعتقاد، الطبري اللالكائي، تحقيق: أحمد سعد حمدان، الرياض، دار طيبة، د. ت. 574- شرح حديث «ما ذئبان جائعان..» ، ابن رجب الحنبلي، تحقيق: الحلاق، القاهرة، مكتبة الفرقان، د. ت. 575- شرح شأن الصلاة ومعالمها، الترمذي، مخطوط بمركز إحياء التراث الإسلامي، بجامعة أم القرى، رقم (516) فقه عام، مكة المكرمة. 576- شرح ديوان زهير بن أبي سلمى، أبو العباس ثعلب، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، 1384 هـ. 577- شرح السنة، لأبي محمد الفراء، تحقيق: زهير الشاويش، شعيب الأرناؤوط، طبع المكتب الاسلامي، ببيروت 1403 هـ. 578- شرح السنة، للبغوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وزهير الشاويش، بيروت، المكتب الإسلامي، 1400 هـ. 579- شرح سنن النسائي، السيوطي، القاهرة، دار الحديث، 1987 م. 580- شرح الشافية لابن الحاجب، للرضى الاستراباذي، تحقيق: محمد نور الحسن، ومحمد الزفزاف، بيروت، 1975 م. 581- شرح شواهد الشافية، عبد القادر البغدادي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد وآخرين، القاهرة، د. ت. 582- شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، حققه: جماعة من العلماء، وخرج أحاديثها: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط 7، 1403 هـ. 583- شرح العقيدة الأصفهانية، ابن تيمية، تحقيق: حسين محمد مخلوف، دار الكتب الإسلامية، د. ت. 584- شرح كتاب التوحيد: فتح المجيد. 585- شرح الكرماني على صحيح البخاري، محمد بن يوسف الكرماني، ط. ثانية، القاهرة، 1358 هـ. 586- شرح معاني الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق: محمد زهدي النجار، ط. 2، بيروت، دار الكتب العلمية، 1407 هـ. 587- شرح المواهب اللدنية، الزرقاني، ط. مصر، د. ت. 588- شرح المواهب اللدنية، القسطلاني، ط. ثانية، بيروت، دار المعرفة، 1393 هـ. 589- شرح موطأ مالك، محمد بن يوسف بن عبد الباقي الزرقاني، القاهرة، مكتبة الحلبي، 1961 م. 590- شرح النووي لصحيح مسلم، بيروت، دار الكتب العلمية، 1349 هـ. 591- شرف أصحاب الحديث للبغدادي، تحقيق: محمد سعيد أوغلي، دار إحياء السنة النبوية، د. ت. 592- شعب الإيمان للبيهقي، تحقيق: البسيوني زغلول، بيروت، دار الكتب العلمية، 1990 م. 593- شعب الإيمان، أحمد بن حسين البيهقي، تحقيق: محمد السعيد بسيوني، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1410 هـ. 594- شفاء الغليل، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، 1987 م. 595- الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت، دار الكتاب العربي، 1404 هـ. مصورة عن طبعة الحلبي في القاهرة، 1977 م. 596- الشفا في مواعظ الملوك، ابن الجوزي، بيروت، دار الفكر، د. ت. 597- الشكر، ابن أبي الدنيا، تحقيق يس السواس ومحمود الأرناؤوط، بيروت، 1985 م. 598- شمائل الرسول صلى الله عليه وسلّم ودلائل نبوته وفضائله وخصائصه، ابن كثير، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، ط. ثانية، بيروت، 1987 م. 599- الشهادتان، معناهما وما تستلزمه كل منهما، الشيخ عبد الله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 537 ابن عبد الرحمن بن جبرين، جدة، دار الوسيلة، 1415 هـ. 600- الشورى، عبد الله أحمد قادري، جدة، 1986 م. 601- الشورى في الإسلام، مجموعة بحوث في ثلاثة مجلدات، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، الأردن، عمان، 1989 م. 602- الشورى وأثرها في الديمقراطية، عبد الحميد إسماعيل الأنصاري، ط. ثانية، بيروت، المكتبة العصرية، د. ت. حرف الصاد 603- الصاحبي في فقه اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: السيد أحمد صقر، القاهرة، 1977 م. 604- الصارم المسلول على شاتم الرسول، ابن تيمية، طبعة الحرس الوطني السعودي، إشراف الإدارة العامة للشئون الدينية، د. ت. 605- الصارم المسلول على شاتم الرسول، ابن تيمية، الناشر: زكريا علي يوسف، مطابع العاصمة بالقاهرة. 606- الصداقة والصديق، أبو حيان التوحيدي، تحقيق: علي متولي صلاح، القاهرة، 1972 م. 607- صبح الأعشى، القلقشندي، نسخة مصورة عن المطبعة الأميرية بالقاهرة، د. ت. 608- الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، القاهرة، 1982 م. 609- الصحة النفسية والعلاج النفسي، د. حامد عبد السلام زهران، ط 2، عالم الكتب، القاهرة، 1982 م. 610- الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام، د. محمد عودة محمد، د. كمال إبراهيم عيسى، ط 2، الكويت، 1986 م. 611- صحة النفس، د. إبراهيم وجيه محمود، مكتبة دار الفكر، طرابلس، ليبيا، 1974 م. 612- صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: مصطفى البغا، دمشق، دار ابن كثير، 1407 هـ. 613- صحيح ابن حبان، أبو حاتم البستي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المدينة المنورة، 1970 م. 614- صحيح ابن خزيمة، ابن خزيمة السلمي، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، الرياض، شركة الطباعة العربية السعودية، د. ت. 615- صحيح ابن خزيمة، تحقيق: محمد الأعظمي ط 1، المكتب الاسلامي ببيروت، 1400 هـ. 616- صحيح الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، 1988 م. 617- صحيح الجامع الصغير وضعيفه، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، 1988 618- صحيح الجامع الصغير وزياداته، محمد ناصر الدين الألباني، دمشق، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 3، 1400 هـ. 619- صحيح سنن أبي داود، محمد ناصر الدين الألباني، تحقيق: زهير الشاويش، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1409 هـ. 620- صحيح سنن ابن ماجه، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، 1402 هـ. 621- صحيح سنن النسائي باختصار السند، محمد ناصر الدين الألباني، الرياض، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 10 مج، ط 1، 1409 هـ. 622- صحيح السيرة النبوية، محمد رزق، دار ابن تيمية، 1410 هـ. 623- صحيح مسلم بشرح النووي، القاهرة، دار الريان للتراث، 1407 هـ، وبيروت، دار الكتب العلمية، 1349 هـ. 624- صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت. 625- صحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب، ابن قيم الجوزية، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي، السعودية، الدمام، مكتبة ابن الجوزي، 1989 م. 626- صفوة الصفوة، أبو الفرج بن الجوزي، حيدر آباد الدكن، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 538 دائرة المعارف العثمانية، 1392 هـ. 627- صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، 1981 م. 628- صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم، عبد الفتاح أبو غدة، بيروت، دار المنارة، د. ت. 629- صفوة الأخبار ومنتقى الآثار، موسى محمد الأسود، الكويت، مكتبة دار التراث، ط 1، 1408 هـ، 1988 م. 630- الصلاة ومقاصدها، أبو عبد الله الترمذي، تحقيق: الشيخ بهيج غزاوي، بيروت، دار إحياء العلوم، 1986 م. 631- الصمت وآداب اللسان، ابن أبي الدنيا، تحقيق: نجم عبد الرحمن خلف، بيروت، ط 1، 1406 هـ. 632- الصمت وحفظ اللسان، أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا، تحقيق: محمد أحمد عاشور، دار الاعتصام، ط 2، 1408 هـ- 1988 م. 633- صيد الخاطر، ابن الجوزي، تحقيق: عبد القادر عطا، دار القبلتين للنشر والتوزيع، د. ت، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، د. ت، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت. حرف الضاد 634- الضعفاء، الدارقطني، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الرياض، مطبعة المعارف، 1404 هـ. 635- ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، محمد سعيد رمضان، ط 4.، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1402 هـ/ 1982 م. 636- ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة، عبد الله بن محمد القرني، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1413 هـ- 1992 م. 637- الضياء اللامع من الخطب الجوامع، للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، القاهرة، 1988 م. حرف الطاء 638- الطبقات، خليفة بن خياط العصفري، تحقيق: أكرم ضياء العمري، بغداد، مطبعة العاني، د. ت. 639- طبقات الشافعية، إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، بغداد، المكتبة العربية، 1356 هـ. 640- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1410 هـ. 641- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، بيروت، دار صادر، 1957 م. 642- الطرائف الأدبية، عبد العزيز الميمني، بيروت، دار الكتب العلمية، 1937 م. 643- الطريق إلى الله أو كتاب الصديق لأبي سعيد الخزار، تحقيق: عبد الحليم محمود، القاهرة، مطبعة حسان، 1975 م. 644- طريق الهجرتين وباب السعادتين، ابن القيم، القاهرة، مكتبة النهضة، 1979 م. 645- طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الرياض، د. ت. 646- طوق الحمامة، ابن حزم الأندلسي، تحقيق: صلاح الدين القاسمي، تونس، 1982 م. حرف الظاء 647- الظرف والظرفاء، ابن يحيى الوشار، تحقيق: فهمي سعيد، بيروت، 1985 م. 648- ظلال الجنة في تخريج السنة، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 2، 1405 هـ. حرف العين 649- عارضة الأحوزي بشرح صحيح الترمذي، القاضي أبو بكر ابن العربي. 650- عالم السحر والشعوذة، عمر سليمان الأشقر، الكويت، مكتبة الفلاح، ط 2، 1403 هـ. 651- العبادة في الإسلام، يوسف القرضاوي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 6، 1399 هـ. 652- عبقرية الإسلام في أصول الحكم، منير العجلاني، بيروت، دار النفائس، 1995 م. 653- العبودية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، المكتب الإسلامي، ط 3، 1392 هـ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 539 654- عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ابن قيم الجوزية، تحقيق: نعيم زوزو، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. 655- عصر النبي صلى الله عليه وسلّم، محمد عزت دروزه، بيروت، دار اليقظة العربية، ط. ثانية، 1384 هـ. 656- العظة، أبو الشيخ الأصفهاني، تحقيق: رضا الله محمد بن إدريس المباركفوري، 1408 هـ. 657- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، أبو الطيب الفاسي، القاهرة، د. ت. 658- العقد الثمين من قصائد ابن عثيمين، محمد بن عثيمين، الرياض، 1400 هـ. 659- العقد الفريد، أحمد بن محمد الأندلسي (ابن عبد ربه) ، تحقيق: محمد سعيد العريان، دار الفكر، د. ت. 660- العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي، تحقيق: أحمد أمين وآخرين، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، ط 1، 1381 هـ. 661- العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي، تقديم: عمر تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، د. ت. 662- العقل سفينة النجاة، كمال محمد عيسى، بيروت، 1980 م. 663- العقل وفضله واليقين، أبو بكر بن أبي الدنيا، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، الرياض، مكتبة الساعي، د. ت. 664- العقل وفهم القرآن، الحارث بن أسد المحاسبي، تحقيق: حسين قواتلي، بيروت، دار الفكر، 1983 م. 665- العقيدة الإسلامية، عبد الرحمن حبنكة الميداني، دار القلم، دمشق، 1986 م. 666- العقيدة الإسلامية سفينة النجاة، كمال محمد عيسيى، بيروت، 1980 م. 667- العقيدة الإسلامية والأيديولوجيات المعاصرة، عبد الغني عبود، القاهرة، دار الفكر العربي، 1976 م. 668- عقيدة أهل السنة والجماعة، الطحاوي، تحقيق: محمد بن مانع، القاهرة، د. ت. 669- عقيدة أهل السنة والجماعة، محمد بن إبراهيم الحمد، تقديم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرياض، دار الوطن، ط 1، 1416 هـ. 670- عقيدة السلف، إسماعيل الصابوني، دار الكتب السلفية، الكويت، 1407 هـ. 671- العقيدة الإسلامية من الكتاب والسنة الصحيحة، إعداد محمد بن جميل زينو، مكة المكرمة، د. ت. 672- العقيدة الصحيحة ونواقص الإسلام، لعبد العزيز بن باز، القاهرة، 1993 م. 673- العقيدة الطحاوية، تعليق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، مكتبة الصديق للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطائف، د. ت. 674- العقيدة الواسطية، ابن تيمية، شرح الشيخ صالح الفوزان، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط 5، 1411 هـ. 675- العلم، أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي، منشور ضمن أربع رسائل، حققها: محمد ناصر الدين الألباني، الكويت، 1981 م. 676- العلم، زهير بن حرب النسائي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، دمشق، المكتب الإسلامي، ج 2، 1983 م. 677- العلم في منظوره الجديد، جورج ستانسيو، ترجمة: كمال خلايلي، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، 1989 م. 678- علم اجتماع القيم، محمد أحمد بيومي، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1990 م. 679- علم النفس الاجتماعي، حامد زهران، القاهرة، عالم الكتب، 1977 م. 680- علم النفس الاجتماعي، فؤاد البهي السيد، القاهرة، دار الفكر العربي، 1954 م. 681- علم الاجتماع التربوي، في اجتماعيات التربية، محمد مصطفى الشيمي، القاهرة، دار النهضة العربية، 1978 م. 682- علم الأخلاق، النظرية والتطبيق، محمد الخاقاني، بيروت، دار مكتبة الهلال، 1987 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 540 683- علموا أولادكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، محمد عبده يماني، جدة، دار القبلة، 1987 م. 684- علو الهمة، محمد أحمد، وإسماعيل المقدم، الرياض 1416 هـ. 685- علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المدينة المنورة، 1966 م، وطبعة دار الفكر، 1986 م. 686- علوم الحديث ومصطلحه، صبحي الصالح، بيروت، دار العلم للملايين، 1378 هـ. 687- العمدة بتمييز الكبائر، أبو البراء البرقاوي، تحقيق: أحمد الشريف المصري، الكويت، دار الأرقم، 1985 م. 688- عمدة التفسير، أحمد محمد شاكر، القاهرة، دار الريان، د. ت. 689- عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، القاهرة، المطبعة المنيرية، د. ت. 690- عمدة القاريء، شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، بيروت، دار الفكر، 1399 هـ. 691- عمل اليوم والليلة، النسائي، تحقيق: فاروق حمادة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1985 م. 692- عوارف المعارف، السهروردي، مطبوع على هامش إحياء علوم الدين، طبعة الحلبي، 1957 م. 693- العواصم من القواصم، القاضي أبو بكر بن العربي، تحقيق: محيي الدين الخطيب، بيروت، المكتبة العلمية، 1985 م. 694- عون المعبود، شرح سنن أبي داود، أبو الطيب العظيم آبادي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، ط 2، 1388 هـ. 695- العيال، أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا، تحقيق: نجم عبد الرحمن خلف، القاهرة، دار ابن القيم، ط 1، 1410 هـ- 1990 م. 696- العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1988 م. 697- عيون الأثر، في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن سيد الناس، تحقيق: محمد الخطراوي، ومحيي الدين نتو، المدينة المنورة/ بيروت، دار ابن كثير، 1413 هـ. 698- عيون الأخبار، ابن قتيبة الدنيوري، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. حرف الغين 699- غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلّم، لأبي حفص عمر ابن علي الأنصاري الشهير بابن الملقن، تحقيق: عبد الله بحر الدين بن عبد الله، بيروت، دار البشائر، 1414 هـ. 700- غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت/ دمشق، المكتب الإسلامي، 1981 م. 701- غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، الإسفراييني الحنبلي، مكة المكرمة، 1393 هـ. 702- غرائب القرآن ورغائب الفرقان، على هامش تفسير الطبري، دار الحديث، القاهرة، 1987 م. 703- غرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدين النيسابوري، تحقيق: إبراهيم عطوة عوض، القاهرة، مكتبة ومطبعة الحلبي، 1962 م. 704- الغرابة في الحديث النبوي، عبد الفتاح عبد العليم البركاوي، ط 1، القاهرة، 1407 هـ. 705- الغربة والغرباء، ابن تيمية، دار الهجر، المملكة العربية السعودية، 1989 م. 706- غريب الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: عبد الله الحبوري، بغداد، مطبعة العاني، 1977 م. 707- غريب الحديث، ابن قتيبة، تحقيق ودراسة ألسنية لمحمد رضا السويسي، تونس، 1979 م. 708- غريب الحديث، أبو عبيد القاسم بن سلام، تصحيح: محمد عظيم الدين، الهند، حيدراباد، 1964 م. 709- غريب الحديث، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: حسين شرف، القاهرة، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1984 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 541 710- غريب الحديث، أبو إسحاق الحربي، تحقيق: سليمان بن إبراهيم العابد، جدة، دار المدني، 1985 م. 711- غريب الحديث، أبو الفرج بن الجوزي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1985 م. 712- غريب الحديث، الخطابي، تحقيق: عبد الكريم الغرباوي، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1402 هـ. 713- الغريبين، أبو عبيد الهروي، تحقيق: محمود الطناحي، القاهرة، 1970 م. حرف الفاء 714- الفتاوى، ابن تيمية، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، القاهرة، مكتبة ابن تيمية، د. ت. 715- فتاوى الزواج وعشرة النساء، ابن تيمية، تحقيق: فريد بن أمين الهنداوي، القاهرة، مكتبة التراث الإسلامي، 1988 م. 716- فتاوى الخمر والمخدرات، ابن تيمية، إعداد وتعليق، أحمد حرك، دار البشير، د. ت. 717- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، دار الريان للتراث، 1407 هـ. 718- فتح الخلاق في مكارم الأخلاق، أحمد سعيد الدجوي، تحقيق: عبد الرحيم مرديني، دمشق، 1991 م. 719- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد، أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي، القاهرة، د. ت. 720- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي الشوكاني، القاهرة، مطبعة الحلبي، 1964 م/ بيروت، دار الفكر، 1983 م. 721- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن آل الشيخ، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكة المكرمة، المكتبة التجارية، 1412 هـ. 722- فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن آل الشيخ، تحقيق: محمد حامد الفقي، وعليه تنبيهات لعبد العزيز بن باز، مكتبة السنة المحمدية. 723- الفتوة، الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي المكارم (أبو المعمار) ، تحقيق: مصطفى جواد وآخرين، بغداد، مكتبة المثنى، ط 1، 1958 م. 724- الفتوح، ابن أعثم الكوفي، حيدرآباد الدكن، دائرة المعارف العثمانية، 1395 م. ونسخة مصورة عنها، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ. 725- فتوح البلدان، أبو الحسن البلاذري، بيروت، دار الكتب العلمية، 1412 هـ. 726- فتوح البلدان، للإمام أبو الحسن البلاذري، تحقيق: رضوان محمد رضوان، بيروت، دار الكتب العلمية، 1403 هـ- 1983 م. 727- فتوح مصر وأخبارها، ابن عبد الحكم، بغداد، مكتبة المثنى (مصورة عن طبعة ليدن، 1920 م) . 728- الفرقان بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان، ابن تيمية، تحقيق: شريف محمد هزاع، مصر، دار الصحابة للتراث، ط 1، 1410 هـ- 1990 م. 729- الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ابن تيمية، تحقيق: زهير الشاويش، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 4، 1408 هـ. 730- الفرق بين النصيحة والتعيير، ابن رجب الحنبلي، تحقيق: نجم عبد الرحمن خلف، القاهرة، د. ت. 731- الفروع، ابن مفلح، ويليه تصحيح الفروع للمرداوي، بيروت، عالم الكتب، د. ت. 732- الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، لجنة إحياء التراث العربي، بيروت، دار الآفاق الجديدة، د. ت. 733- الفصول في اختصار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم، ابن كثير، تحقيق: محمد الخطراوي وآخرين، دمشق/ بيروت، دار القلم، 1399 م. 734- فضائل الأعمال، الحافظ المقدسي، المدينة المنورة، المكتبة العلمية، 1983 م. 735- فضائل الصحابة، الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: محمد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 542 عباس، مؤسسة الرسالة، 1403 هـ. 736- الفضائل الخلقية في الإسلام، أحمد محمد عبد الرحمن (رسالة دكتوراة غير منشورة) ، كلية دار العلوم، القاهرة، 1977 م. 737- الفضائل في ضوء الكتاب والسنة، محمد سالم محيسن، مصر، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، 1983 م. 738- فضائل القرآن، الحافظ بن كثير، تحقيق: محمد إبراهيم البنا، جدة- بيروت، 1988 م. 739- فضل الله الصمد، في توضيح الأدب المفرد، فضل الله الجيلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب، القاهرة، المكتبة السلفية، 1407 هـ. 740- فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم، إسماعيل بن إسحاق القاضي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، 1977 م. 741- فضل علم السلف على الخلف، ابن رجب، تحقيق: محمد عبد الحكيم قاضي، ط. الدار السلفية، الكويت، 1407 هـ. 742- فقه الزكاة، يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 6، 1410 هـ. 743- فقه السنة، السيد سابق، بيروت، دار الكتاب العربي، 1969 م. 744- فقه السيرة، الشيخ محمد الغزالي، ط. خامسة، دمشق، دار القلم، 1414 هـ. 745- الفقه على المذاهب الأربعة، الجزيري وآخرون، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 3، د. ت. 746- الفكر التربوي عند ابن القيم، حسن بن علي الحجاجي، جدة، دار حافظ للنشر، 1408 هـ. 747- الفكر التربوي عند الإمام الشافعي، فاطمة محمد السيد، رسالة ماجستير، مصر، المنوفية، كلية التربية، 1401 هـ. 748- الفكر التربوي عند ابن العربي، إبراهيم النجار، والبشير الزريبي، تونس، الدار التونسية للنشر، د. ت. 749- الفكر التربوي في كتاب الجاحظ، محمد سعد القزاز، القاهرة، 1995 م. 750- الفكر المادي الحديث وموقف الإسلام منه، محمود عثمان، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1972 م. 751- فلسفة التربية الإسلامية، عمر الشيباني، ليبيا/ تونس، الدار المصرية للكتاب،، د. ت. 752- فلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف، عبد الجواد سيد بكر، القاهرة، دار الفكر العربي، 1973 م. 753- فلسفة التربية عند ابن سينا، عبد الرحمن النقيب، القاهرة، دار الفكر العربي، د. ت. 754- فلسفة التربية عند الفارابي، وانعكاساتها على التربية، سري إسماعيل الكيلاني، رسالة ماجستير غير منشورة، 1983 م. 755- فلسفة التربية في القرآن الكريم، علي خليل أبو العينين، المدينة المنورة، مكتبة إبراهيم حلبي، ط 3، 1408 هـ. 756- الفلاكة والمفلكون، أحمد بن علي الدلجي، بيروت، دار الفكر، د. ت. 757- الفهرست، ابن النديم، تحقيق: رضا تجدد المازنداري، طهران، 1391 هـ/ 1971 م. 758- فهرس مخطوطات الظاهرية، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، د. ت. 759- الفوائد: ابن القيم، القاهرة، دار الريان للتراث، 1407 هـ 1987 م. 760- الفوائد، ابن القيم، المكتبة القيمة، توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية، ط 1، 1400 هـ. 761- في اجتماعيات التربية، منير سرحان، بيروت، دار النهضة العربية، 1981 م. 762- في أصول التربية، الأصول الثقافية للتربية، محمد الهادي عفيفي، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، د. ت. 763- في التربية الإسلامية، عبد الغني عبود، القاهرة، دار الفكر العربي، 1977 م. 764- في ضوء القرآن والسنة، التهامي نفرة، تونس، 1976 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 543 القاهرة، دار الشروق، 1402 هـ. 765- في ظل الشريعة الإسلامية، الشيخ عبد العزيز بن باز، الرياض، 1412 هـ. 766- في فلسفة الحضارة الإسلامية، عفت الشرقاوي، دار النهضة، بيروت، 1981 م. 767- فيض القدير، شرح الجامع الصغير، محمد عبد الرؤوف المناوي، القاهرة، 1938 م. 768- في النمو الأخلاقي، محمد رفقي محمد فتحي، ط 1.، الكويت، دار القلم، 1403 هـ/ 1983 م. حرف القاف 769- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ابن تيمية، حققه وخرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، ط. ثانية، دمشق/ الرياض، 1993 م، مكتبة دار البيان، بيروت، دمشق، ط 1، 1405 هـ. 770- قاموس الشريعة الحاوي طرقها الوسيعة، سعد جميل أبو خميس، الأردن، عمان، 1403 هـ. 771- القاموس الفقهي، سعد أبو جيب، دمشق، دار الفكر، 1402 هـ- 1982 م. 772- القاموس المحيط، الفيروزابادي، بيروت، دار الجيل، د. ت. 773- قراءة تربوية في فكر أبي الحسن الماوردي، علي خليل مصطفي أبو العينين، السعودية، دار المجتمع، 1411 هـ، ومصر، دار الوفاء، 1990 م. 774- قرة عيون الموحدين، في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين، الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، لاهور، د. ت. 775- قصة الحضارة، ول ديوارنت، ترجمة محمد بدران، نشر جامعة الدول العربية، القاهرة. 776- قصص الأنبياء، عبد الرحمن النجار، منشورات دار النصر، بيروت، دمشق، د. ت. 777- قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن، الشيخ نديم الجسر، ط 3.، بيروت، 1969 م. 778- القصص في الحديث النبوي، محمد بن حسن الزير، ط 3.، بيروت، 1405 هـ/ 1985 م. 779- القصد والرجوع إلى الله، المحاسبي، دراسة وتحقيق: عبد القادر أحمد عطا، دار التراث العربي، 1400 هـ 1980 م. 780- القضاء في الإسلام ودوره في القضاء على الجريمة، نادية محمد شريف العمري، الرياض، 1412 هـ. 781- القضاء والقدر في الإسلام، فاروق الدسوقي، الإسكندرية، دار الدعوة، 1952 م. 782- قضايا إسلامية معاصرة، عبد الشافي غنيم عبد القادر، مؤسسة غنيمي الشيخ، القاهرة، 1980 م. 783- قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان، أحمد بن علي القلقشندي، تحقيق: إبراهيم الإبياري، القاهرة، دار الكتب الحديثة، 1383 هـ. 784- قمع الحرص بالزهد والقناعة، أبو عبد الله القرطبي، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، بيروت، دار الكتب العلمية، 1994 م. 785- قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام، مكة المكرمة، دار الباز، د. ت. 786- قوت القلوب، أبو طالب المكي، تقديم: عبد المنعم الحفني، القاهرة، دار الرشاد، 1991 م. 787- قوت الحجاج في عموم المغفرة للحجاج، أبو الفضل العسقلاني، شرح وتعليق، سمير حلبي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1407 هـ. 788- القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، الحافظ السخاوي، تحقيق: بشير محمد عوف، الطائف، مكتبة المؤيد، د. ت، دار البيان، دمشق. 789- القول السديد في مقاصد التوحيد، محمد بن عبد الوهاب، المدينة المنورة، منشورات الجامعة الإسلامية، 1404 هـ. 790- القياس في التشريع الإسلامي، نادية العمري، القاهرة دار هجر، 1407 هـ. 791- القيم الإسلامية والتربية، علي خليل مصطفى أبو العينين، المدينة المنورة، مكتبة إبراهيم حلبي، 1408 هـ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 544 792- القيم التربوية في القصص القرآني، سيد أحمد طهطاوي، القاهرة، دار الفكر، 1992 م. 793- القيم الحضارية في رسالة الإسلام، محمد فتحي عثمان، الدار السعودية، 1402 هـ. 794- القيم في العملية التربوية، ضياء زاهر، القاهرة، 1984 م. 795- القيم والعادات الاجتماعية، فوزية دياب، القاهرة، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، 1962 م. 796- القناعة، أحمد بن اسحاق الدينوري، تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع، 1409 هـ، الرياض، مكتب الراشد للنشر والتوزيع. حرف الكاف 797- الكامل في التاريخ، على بن أبي الكرم ابن الأثير، تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1407 هـ. 798- الكبائر، الذهبي، مؤسسة الريان للتوزيع والنشر، لبنان، ط 2، 1417 هـ. 799- الكبائر، محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: إسماعيل محمد الأنصاري، وعبد الله عبد اللطيف آل الشيخ، مكة المكرمة، د. ت. 800- الكتاب، سيبويه، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1988 م. 801- كتاب الأربعين في تصحيح المعاملة، انظر (الأربعون في تصحيح المعاملة، رقم 67) . 802- كتاب أصول الدين، انظر (أصول الدين، رقم 109) . 803- كتاب الأضداد، ابن الأنباري، انظر (الأضداد لابن الأنباري، رقم 119) . 804- كتاب الأموال، لأبي عبيد، انظر (الأموال لأبي عبيد، رقم 157) . 805- كتاب الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: عبد المجيد قطامش، بيروت، 1980 م، (منشورات جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية) . 806- كتاب الإخوان إبن أبي الدنيا: انظر الإخوان لابن أبي الدنيا. 807- كتاب الإيمان، ابن أبي شيبة، ومعه ثلاث رسائل: الإيمان لأبي عبيد، العل لأبي خيثمة، اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي، حققها وخرج أحاديثها: ناصر الدين الألباني، دار الأرقام، الكويت. 808- كتاب الإيمان، محمد بن منده، انظر (الإيمان لابن منده، رقم 178) . 809- كتاب الإيمان، أركانه. حقيقته. نواقضه، محمد نعيم ياسين، القاهرة، مكتبة التراث الإسلامي، 1987 م. 810- كتاب البر والصلة، ابن الجوزي، انظر (البر والصلة، رقم 193) . 811- كتاب التعريفات للجرجاني، انظر (التعريفات، رقم 264) . 812- كتاب تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، انظر (تفصيل النشأتين، رقم 296) . 813- كتاب التوابين، أبو محمد عبد الله بن أحمد المقدسي (ابن قدامة) ، تحقيق: دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 هـ- 1983 م. 814- كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، ابن خزيمة، انظر (التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، رقم 327) . 815- كتاب التوكل على الله، ابن أبي الدنيا، انظر (التوكل على الله لابن أبي الدنيا، رقم 332) . 816- كتاب الثقات، ابن حبان التميمي، انظر (الثقات لابن حبان، رقم 335) . 817- كتاب الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ، ابن أبي زيد القيرواني، تحقيق: محمد أبو الأجفان، عثمان بطيح، بيروت، مؤسسة الرسالة، تونس المكتبة العتيقة، ط 3، 1406 هـ. 818- كتاب الجرح والتعديل، انظر (الجرح والتعديل، رقم 357) . 819- كتاب الجهاد، عبد الله بن المبارك، تحقيق: نزيه حماد، السعودية، جدة، د. ت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 545 820- كتاب الدعاء، الطبراني، انظر (الدعاء للطبراني، رقم 435) . 821- كتاب الزهد، ابن السري الكوفي، انظر (الزهد لابن السري الكوفي، رقم 510) . 822- كتاب الزهد للإمام وكيع بن الجراح، انظر (الزهد للإمام وكيع بن الجراح، رقم 509) . 823- كتاب الزهد، عبد الله المروزي، انظر (الزهد، عبد الله المروزي، رقم 512) . 824- كتاب السنة لابن أبي عاصم الضحاك ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط 2، 1405 هـ. 825- كتاب السنن الكبرى للبيهقي، انظر (السنن الكبرى للبيهقي، رقم 540) . 826- كتاب الشكر، ابن أبي الدنيا، انظر (الشكر لابن أبي الدنيا، رقم 597) . 827- كتاب العلم، النسائي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، 1983 م. 828- كتاب العيال، ابن أبي الدنيا، انظر (العيال لابن أبي الدنيا رقم 695) . 829- كتاب الغيبة والنميمة، أبو بكر عبد الله ابن أبي الدنيا، تحقيق: عمرو علي عمر، الهند، بومباي، الدار السلفية، ط 1، 1409 هـ- 1988 م. 830- كتاب الفتوح، ابن أعثم الكوفي، انظر الفتوح لابن أعثم الكوفي، رقم 724) . 831- كتاب فضائل الأعمال، الحافظ المقدسي، المدينة المنورة، ط 2.، المكتبة العلمية، 1983 م. 832- كتاب الفروع، انظر (الفروع لابن مفلح، رقم 731) . 833- كتاب فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، انظر (فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، رقم 735) . 834- كتاب فضائل القرآن، ابن كثير، انظر (فضائل القرآن لابن كثير، رقم 738) . 835- كتاب المعلمين، لأبي عثمان الجاحظ، مصر، مطبعة التقدم، 1323 هـ. 836- كتاب النفقات، أبو بكر الشيباني، تحقيق: أبو الوفا الأفغاني، بيروت، 1994 م. 837- كتاب الورع، ابن أبي الدنيا، انظر (الورع لابن أبي الدنيا، رقم 1105) . 838- كتاب اليقين، ابن تيمية، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد زغلول، بيروت، 1997 م. 839- كشاف اصطلاحات الفنون، محمد بن علي التهانوي، تحقيق: لطفي عبد البديع، القاهرة، 1963 م، (الترجمة العربية) . 840- كشاف اصطلاحات الفنون، أو موسوعة العلوم الإسلامية، محمد بن علي التهانوي، بيروت، شركة خياط، د. ت. (الأصل المكتوب بالفارسية) . 841- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، جار الله الزمخشري، بيروت، دار المعرفة، د. ت. 842- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة، الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 2، 1404 هـ. 843- كشف الخفاء ومزيل الإلباس، مما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1352 هـ. 844- كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر، ابن العماد، تحقيق: فؤاد عبد المنعم أحمد، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، د. ت. 845- كشف الشبهات، محمد بن عبد الوهاب، بيروت- دمشق، المكتب الإسلامي، 1978 م. 846- كشف الشبهات والرسالة المفيدة، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عل ق حواشيه: محمد بن عبد العزيز بن مانع، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1404 هـ. 847- الكرم والجود والسخاء، سمير حسن حلبي، بيروت، دار الصحابة، 1408 هـ. 848- كلمات في الأخلاق الإسلامية، كمال محمد عيسى، جدة، دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1409 هـ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 546 849- الكليات، معجم المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء الكفوي، تحقيق: عدنان درويش، ومحمد المصري، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1993 م. 850- كما تحدث الرسول صلى الله عليه وسلّم، خالد محمد خالد، القاهرة، 1968 م. 851- كنز العمال من سنن الأقوال والأفعال، على بن حسام الدين الهندي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 17 مج، ط 5، 1401 هـ، 1981 م. حرف اللام 852- اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة، المعروفة بالتذكرة في الأحاديث المشتهرة، الزركشي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1.، بيروت، دار الكتب العلمية، 1986 م. 853- الله أو الدمار، سعد جمعة، ط. ثالثة، القاهرة، 1976 م. 854- لسان العرب، ابن منظور، بيروت، دار صادر، 1956 م. 855- لسان العرب، ابن منظور، أعاد ترتيبه: عبد الله علي الكبير، ومحمد أحمد، وهاشم الشاذلي، القاهرة، دار المعارف، 1981 م، بيروت، دار صادر، د. ت. 856- له الأسماء الحسنى، الشرباصي، انظر (موسوعة له الأسماء الحسنى للشبراصي، رقم 1064) . 857- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، السفاريني، المكتب الإسلامي، بيروت، مكتبة أسامة، الرياض، ط 2، 1405 هـ. حرف الميم 858- مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، ناصر العقل، دار الوطن، ط 1. 859- مباحث في علوم القرآن، عبد الغفور مصطفى جعفر، القاهرة، د. ت. 860- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، ط. سابعة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1980 م. 861- مبادئ ونماذج في القدوة، الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد. 862- المتحابون في الله، عبد الله بن أحمد المقدسي، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، القاهرة، دار القرآن، د. ت. 863- المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح، للحافظ الدمياطي، تحقيق: عبد الله حجاج، القاهرة، مكتبة دار التراث الإسلامي، د. ت. 864- المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح، للحافظ الدمياطي، تحقيق: رضوان محمد رضوان، القاهرة، مكتبة النهضة، 1403 هـ. 865- متن اللغة، أحمد رضا، بيروت، 1958 م. 866- مجاز القرآن، أبو عبيدة معمر بن المثنى، تحقيق: محمد فؤاد سزكين، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1961 م. 867- مجابو الدعوة، أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1406 هـ- 1986 م. 868- مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها، حسن خالد، بيروت، دار النهضة العربية، 1406 هـ/ 1986 م. 869- مجمع الأمثال، الميداني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، 1956 م. 870- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، القاهرة، دار السعادة، د. ت./ بيروت، ط 3.، دار الكتاب العربي، 1402 هـ. 871- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمي، بتحرير العراقي وابن حجر، القاهرة، دار الريان 1407 هـ. 872- مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة، ناصر العقل، دار الوطن، ط 1، 1411 هـ. 873- المجمل في اللغة، ابن فارس، تحقيق: زهير عبد الحميد سلطان، بيروت، 1984 م. 874- المجموع، شرح المهذب، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، بيروت، دار الفكر، د. ت، 20 مج. 875- مجموع فتاوى ابن تيمية، انظر (الفتاوى لابن تيمية، رقم 714) . 876- مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، الشيخ عبد العزيز بن باز، الرياض، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ط 1، 1408 هـ. 877- المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، أبو موسى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 547 المديني، تحقيق: عبد الكريم الغرباوي، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، مركز إحياء التراث الإسلامي، 1988 م. 878- مجموعة الرسائل الكبرى، ابن تيمية، القاهرة، المطبعة العامرة الشرفية، 1323 هـ. 879- مجموعة رسائل في الحجاب والسفور، الشيخ عبد العزيز بن باز، الرياض، ط. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 880- مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، لبعض علماء نجد، إشراف: عبد السلام بن هبرحس، الرياض دار العاصمة، ط 2، 1409 م. 881- مجموعة الرسائل والمسائل، ابن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1403 هـ. 882- مجموعة الوثائق السياسية، محمد حميد الله الحيدرآبادي، ط. خامسة، بيروت، دار النفائس، 1405 هـ. 883- مجلة التضامن الإسلامي (الحج سابقا) ، السعودية، العدد 48، ربيع الأول 1414 هـ. 884- محاسبة النفس والإزراء عليها، ابن أبي الدنيا، تحقيق: مصطفى بن علي بن عوض، بيروت، 1986 م. 885- محاسن التأويل، جمال الدين القاسمي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، مطبعة الحلبي، د. ت. 886- المحاسن والمساوئ، للبيهقي، بيروت، دار بيروت، 1399 هـ/ 1948 م. 887- محاضرات الأدباء، ومحاورات الشعراء والبلغاء، الراغب الأصفهاني، بيروت، مكتبة الحياة، د. ت. 888- المحاور الخمسة للقرآن الكريم، الشيخ محمد الغزالي، دمشق/ بيروت، دار القلم، 1411 هـ. 889- المحب ر، ابن حبيب، تصحيح إيلزة ليختن شتيتر، بيروت، المكتب التجاري للطباعة والنشر، د. ت. 890- المحبة، محمد فتحي وآخرون، ضمن سلسلة من صفات عباد الرحمن، المجلد الأول، طنطا، 1990 م. 891- محبة الرسول صلى الله عليه وسلّم بين الاتباع والابتداع، عبد الرؤوف عثمان، مكتبة الضياء، ط 1، 1412 هـ- 1991 م. 892- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية، تحقيق: المجلس العلمي، المغرب، فاس، د. ت. 893- المحصول في علم أصول الفقه، الرازي، تحقيق: طه جابر علواني، الرياض، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1410 هـ. 894- المحلى، ابن حزم، بيروت، دار الفكر، د. ت. 895- محمد رسول الله، بشرى زخاري ميخائيل، القاهرة، عالم الكتب، د. ت. 896- محمد رسول الله، محمد الصادق عرجون، جدة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1403 هـ. 897- محمد رسول الله، محمد رشيد رضا، بيروت، دار الفكر، 1409 هـ. 898- المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد، تحقيق: محمد حسين آل ياسين، 1994 م. 899- مختار الصحاح للرازي، ترتيب محمود خاطر، مراجعة لجنة مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية، القاهرة 1907 م. 900- مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، دراسة وتقديم: عبد الفتاح عبد العليم البركاوي، القاهرة، دار المنار، 1993 م. 901- مختار الصحاح للرازي، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، مؤسسة علوم القرآن، بيروت، 1406 هـ. 902- مختصر تفسير ابن كثير، محمد علي الصابوني، دار القرآن الكريم، 1991 م. 903- مختصر تفسير الطبري، محمد علي الصابوني، بيروت، دار القرآن الكريم، د. ت. 904- مختصر زوائد البزار، ابن حجر العسقلاني. 905- مختصر سنن أبي داود للمنذري، وعليه معالم السنن للخطابي، وتهذيب السنن لابن القيم، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية، 1367 هـ. 906- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم، محمد بن عبد الوهاب، بيروت، دار القلم، 1403 هـ. 907- مختصر شعب الإيمان، عمر بن عبد الرحمن القزويني، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 548 تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، دمشق، مكتبة دار البيان، 1403 هـ. 908- مختصر الشمائل المحمدية، الترمذي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الرياض، د. ت./ الأردن، عمان، 1985 م. 909- مختصر صحيح مسلم، المنذري، تحقيق: محمد نصار الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، 1402 هـ- 1982 م. 910- مختصر العلو للعلي الغفار، الذهبي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 1، 1401 هـ. 911- مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر، للمروزي، اختصرها: أحمد بن علي المقريزي، باكستان، فيصل آباد، 1982 م. 912- مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة المقدسي، قدم له: محمد أحمد دهمان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، القاهرة، دار التراث، 1982 م. 913- مختصر نصيحة أهل الحديث، الخطيب البغدادي، تحقيق: يوسف محمد صديق، دار الصحابة، ط 1، 1408 هـ. 914- المختصر الصغير في سيرة البشير النذير، عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم (ابن جماعة) ، تحقيق: محمد كمال الدين عز الدين، بيروت، عالم الكتب، ط 1، 1408 هـ- 1988 م. 915- مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، ط 2.، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408 هـ. 916- مداواة النفوس، ابن حزم، تحقيق: أبو حذيفة بن محمد، مصر، طنطا، مكتبة الصحابة، ط 1، 1407 هـ. 917- المدخل إلى الشرع الشريف، ابن الحاج العبدلي، بيروت، دار الفكر، 1977 م. 918- المدخل إلى القيم الإسلامية، جابر قميحة، القاهرة، دار الكتاب المصري، 1984 م. 919- مدخل إلى مبادئ التربية، محمد عليلة وآخرون، ط 1، الكويت، دار القبس، 1404 هـ/ 1984 م. 920- المدخل للتشريع الإسلامي، محمد فاروق التيهان، الكويت، وكالة المطبوعات، 1977 م/ بيروت، دار القلم، 1977 م. 921- مذكرة في أصول الفقه، مقررة في كلية الشريعة بالرياض، لعام 1395 هـ. 922- مرشد الخطيب، محمد إبراهيم سليم، القاهرة، د. ت. 923- المروءة الغائبة، محمد إبراهيم سليم، القاهرة، د. ت. 924- مروج الذهب، المسعودي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، القاهرة، مطبعة السعادة، 1964 م. 925- المسائل المنثورة، وهي مقدمة فتاوى النووي. 926- المسائل في الزهد، المحاسبي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، مكتبة التراث، 1992 م. 927- المسئولية الاجتماعية والشخصية المسلمة، أحمد سيد عثمان، القاهرة، د. ت. 928- المسابقة إلى الخيرات، محمد فتحي وآخرون، سلسلة من صفات عباد الرحمن، طنطا، 1990 م. 929- مساوئ الأخلاق ومذمومها، الخرائطي، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، الرياض، مكتبة الساعي، د. ت./ القاهرة، مكتبة القرآن، 1989 م. 930- المستخلص في تزكية الأنفس، سعيد حوى، القاهرة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، 1995 م. 931- المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، الهند، حيدرآباد الدكن،/ بيروت، دار المعرفة، د. ت. 932- المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للذهبي، طبعة فريدة بفهرس الاحاديث باشراف يوسف عبد الرحمن، بيروت، دار المعرفة، د. ت. 933- المستطرف في كل فن مستظرف، الأبشيهي، بيروت، دار مكتبة الحياة، 1988 م، وبيروت دار الفكر. 934- مسند أبي داود، الطيالسي، دار الكتاب اللبناني، ودار التوفيق، 1321 هـ. 935- مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، تحقيق: حسين سليم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 549 أسد، ط. ثانية، دمشق، 1410 هـ. 936- مسند الإمام أحمد بن حنبل، رق م أحاديثه: محمد عبد السلام عبد الشافي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1414 هـ/ 1993 م. 937- مسند الإمام أحمد بن حنبل، شرحه وصنع فهارسه، أحمد محمد شاكر 10 مج، (غير مكتمل) . 938- مسند الإمام أحمد بن حنبل، بيروت، المكتب الإسلامي، ط 2، 1398 هـ، (ست مجلدات) . 939- المسند، الإمام أحمد بن حنبل، بمقدمته فهرس رواة المسند من الصحابة وضعه: محمد ناصر الدين الألباني، مؤسسة قرطبة، القاهرة. 940- مسند البزار، حافظ بن حجر عمر البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، ط. مؤسسة علوم القرآن، بيروت. 941- مسند ابن ماجه، تحقيق: عبد الله أنيس الطباع، بيروت، دار القلم، 1981 م. 942- مسند الشافعي، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. 943- مشاكلة الناس لزمانهم، اليعقوبي، تحقيق: وليم آلورد، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1980 م. 944- مشكاة المصابيح، محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ط. ثانية، بيروت/ دمشق، المكتب الإسلامي، ط 3، 1405 هـ. 945- مصابيح السنة النبوية، للبغوي، تحقيق: يوسف المرعشلي، ومحمد سليم إبراهيم، وآخرون، بيروت، دار المعرفة، 1987 م. 946- مصادر التشريع فيما لا نص فيه، عبد الوهاب خلاف، ط. ثالثة، الكويت، 1992 م. 947- المصاحف، ابن أبي داود، تحقيق آرثر جفري، ليدن 1937 م. 948- مصادر السيرة النبوية وتقويمها، فاروق حمادة، المغرب، الدار البيضاء، دار الثقافة، د. ت. 949- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد الفيومي، دار الفكر، بيروت، د. ت. 950- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد الفيومي، مصر، مطبعة الحلبي، د. ت. 951- المصطفى من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلّم، العماد طلاس، دمشق، دار طلاس، د. ت. 952- المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1983 م. 953- المصنف في الأحاديث والآثار، ابن أبي شيبة، تحقيق: مختار أحمد الندوي، ط 1، الهند، 1403 هـ. 954- المصنف في الأحاديث والآثار، ابن أبي شيبة، تحقيق: كمال يوسف الحوت، بيروت، دار الفكر، 1983 م. 955- المضامين التربوية لفكر الإمام أبي حنيفة، ناجي سالم الصاعدي، المدينة المنورة، جامعة الملك عبد العزيز، كلية التربية، 1408 هـ. 956- المطالب العالية، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، (بدون مكان الطبع وبدون تاريخ) . 957- مع المصطفى، عائشة عبد الرحمن، دار الكتاب العربي، بيروت، ط. ثالثة، 1983 م. 958- مع القرآن، زاد الرحلة الأولى في كتاب الله، حسن العشماوي، بيروت، دار الفتح، 1972 م. 959- معارج القبول، الشيخ حافظ حكمي، القاهرة، المطبعة السلفية، 1404 هـ. 960- معارج القدس في مدارج معرفة النفس، أبو حامد الغزالي، لجنة إحياء التراث العربي، بيروت، الآفاق الجديدة، 1982 م. 961- المعارف، ابن قتيبة، تحقيق: محمد إسماعيل، وعبد الله الصاوي، باكستان، آرام باغ كرامي، 1976 م. 962- المعرفة والتاريخ، أبو يوسف بن سفيان الفسوي، تحقيق: إكرام ضياء العمري، بغداد، مطبعة الإرشاد، 1975 م. 963- معالم التنزيل، الإمام البغوي، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك ومرون سوار، دار المعرفة، ط. ثانية، بيروت، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 550 1407 هـ. 964- معالم السنن للخطابي، مكتبة السنة المحمدية، 1367 هـ. 965- معالم السنن للخطاب بهامش مختصر سنن أبي داود، انظر (مختصر سنن أبي داود للمنذري، رقم 905) . 966- معالم الدعوة في قصص القرآن الكريم، عبد الوهاب لطف الديلمي، ط 1. ج 2، جدة، دار المجتمع للنشر والتوزيع، 1406 هـ/ 1986 م. 967- معالم في السلوك وتزكية النفوس، عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف، الرياض، دار الوطن للنشر، 1414 هـ، دار طيبة، ط 1، 1414 هـ. 968- معاني القرآن، الأخفش: أبو الحسن سعيد بن مسعدة البصري، تحقيق: فائز فارس، الكويت، الصفا، 1981 م. 969- معاني القرآن، أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، تحقيق: محمد علي النجار وآخرين، القاهرة، 1374 هـ. 970- معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق، تحقيق: عبد الجليل شلبي، بيروت، 1973 م. 971- المعتمد في أصول الفقه، أبو الحسن محمد بن علي الخطيب البصري، تحقيق: محمد حميد الله وزملاؤه، بيروت، دار الكتب العلمية، 1983 م. 972- المعجزة الكبرى للقرآن، محمد أبو زهرة، القاهرة، دار الفكر العربي، د. ت. 973- معجم الأدباء، ياقوت الحموي، مراجعة وزارة المعارف بمصر، القاهرة، د. ت. 974- معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم، إسماعيل عمايرة، بيروت، مؤسسة الرسالة، د. ت. 975- معجم الأعلام، أحمد زكي بدوي، بيروت، دار الكتاب العربي، 1994 م. 976- المعجم الأوسط للطبراني، تحقيق: محمود الطحان، الرياض، مكتبة المعارف، ط 1.، 1987 م. 977- معجم الآيات القرآنية لحقوق الإنسان، خرشف إدريس، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، 1992 م. 978- معجم البلدان، ياقوت الحموي، تحقيق: فريد عبد العزيز الجندي، بيروت، 1410 هـ. 979- معجم الرعاية والتنمية الاجتماعية، أحمد زكي بدوي، بيروت، 1987 م. 980- المعجم الصغير، الطبراني، تصحيح: عبد الرحمن عثمان، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، 1388 هـ. 981- معجم علم النفس والتحليل النفسي، فرج عبد القادر وآخرون، بيروت، د. ت. 982- المعجم الفلسفي، عبد المنعم الحفني، القاهرة، الدار الشرقية، 1410 هـ/ 1990 م. 983- المعجم الكبير، الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، القاهرة، وزارة الأوقاف، د. ت، مكتبة ابن تيمية، بدون تاريخ أيضا. 984- المعجم الكبير، الطبراني، وزارة الأوقاف، العراق، د. ت. 985- المعجم الكبير، لجنة من مجمع اللغة العربية، المجلد الأول، القاهرة، 1972 م. 986- معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، بيروت، دار إحياء التراث، د. ت. 987- معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مجدي وهبة، وكامل المهندس، بيروت، 1984 م. 988- معجم مقاييس اللغة، لأحمد ابن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، 1969 م. 989- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، أحمد زكي بدوي، بيروت، 1991 م. 990- معجم مصطلحات العلوم الإدارية، أحمد زكي بدوي، القاهرة، دار الكتاب المصري، 1994 م. 991- معجم مصطلحات العلوم الإنسانية، أحمد زكي بدوي، بيروت/ القاهرة، 1991 م. 992- معجم مصطلحات العمل، أحمد زكي بدوي، بيروت، 1988 م. 993- معجم مصطلحات الاقتصادية، أحمد زكي بدوي، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1985 م. 994- معجم المغني في الفقه الحنبلي، مستخلص من كتاب المغني في الفقه الحنبلي، لابن قدامة، بيروت، دار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 551 الكتب العلمية، د. ت. 995- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، أ. ي. فنسنك، ليدن، 1936 م. 996- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار التراث العربي/ تركيا، المكتبة الإسلامية، 1982 م. 997- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم بحاشية المصحف الشريف، محمد فؤاد عبد الباقي، ط. أولى، القاهرة، دار الحديث، 1407 هـ/ 1987 م. 998- المعجم الموضوعي لآيات القرآن الكريم، صبحي عصر، القاهرة، دار الفضيلة، 1990 م. 999- المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط 2.، لبنان، بيروت، دار الأمواج، 1410 هـ/ 1990 م. 1000- المعجم الوسيط، الطبراني، انظر (المعجم الأوسط للطبراني، رقم 976) . 1001- المعرفة والتاريخ، الفسوي، تحقيق: أكرم ضياء العمري، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1401 هـ. 1002- معركة الوجود بين القرآن والتلمود، عبد الستار سعيد، القاهرة، د. ت. 1003- معلقة زهير، انظر: ديوان زهير بن أبي سلمى. 1004- المعلم والمناهج، محمد عبد العليم مرسي، ط 1.، الرياض، دار عالم الكتب، 1405 هـ/ 1985 م. 1005- المعلمون للجاحظ، انظر (كتاب المعلمين للجاحظ، رقم 835) . 1006- المغازي، محمد بن عمر الواقدي، ط 3.، بيروت، عالم الكتب، 1404 هـ. 1007- المغني، ابن قدامة المقدسي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح محمد الحلو، القاهرة، مركز البحوث والدراسات الإسلامية العربية، ط 1، 1406 هـ. 1008- مفتاح دار السعادة، ابن القيم، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. 1009- مفتاح كنوز السنة، وضعه بالإنجليزية: أ. ي. فنسنك، ونقله إلى العربية: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت. 1010- مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، دار الشامية، بيروت، ط 1، 1412 هـ/ 1992 م. 1011- المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، القاهرة، 1961 م. 1012- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، بغداد، طبعة المجمع العلمي العراقي، د. ت. 1013- المفضليات، المفضل بن محمد بن يعلى الضبي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون، القاهرة، دار المعارف، ط 10، 1992 م. 1014- مفهوم العقل والقلب في القرآن والسنة، محمد علي الجوزو، بيروت، دار العلم للملايين، 1980 م. 1015- مفيد العلوم ومبيد الهموم، زكريا بن محمد القزويني، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1985 م. 1016- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة، شمس الدين السخاوي، تحقيق: عبد الله محمد الصديق، وعبد الوهاب عبد اللطيف، القاهرة، مكتبة المثنى، 1956 م. 1017- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة، السخاوي، دراسة وتحقيق: محمد عثمان الخشت، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 1، 1405 هـ. 1018- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف حامد العالم، ط 1.، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1412 هـ/ 1991 م. 1019- مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، 1969 1020- مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن خلدون، المدينة المنورة، مكتبة دار المدينة المنورة للنشر والتوزيع، 1984 م. 1021- مقدمة فتاوى النووي، انظر (المسائل المنثورة، رقم 915) . 1022- مقدمة في الأخلاق، مابوث، ترجمة: ماهر عبد القادر محمد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 552 علي، بيروت، دار النهضة العربية، 1985 م. 1023- المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، أبو حامد الغزالي، قبرص، 1407 هـ. 1024- مكارم الأخلاق، ابن أبي الدنيا، تحقيق: ج. أ. بالمي، ألمانيا، بادن بادن، 1973 م. 1025- مكارم الأخلاق، ابن تيمية، إعداد عبد الله بدران، وحمد عمر الحاجي، مكة المكرمة، 1414 هـ. 1026- مكارم الأخلاق، الطبراني، تحقيق: فاروق حمادة، ط. ثالثة، الدار البيضاء، دار الثقافة، د. ت. 1027- مكارم الأخلاق في القرآن الكريم، يحيى المعلمي، القاهرة، دار الاعتصام، د. ت. 1028- مكارم الأخلاق ومعاليها، الخرائطي، تحقيق: سعاد سليمان الخندقاوي، مصر، مطبعة المدني، 1991 م. 1029- المكاسب والرزق الحلال وحقيقة التوكل على الله، الحارث ابن أسد المحاسبي، دراسة وتحقيق، محمد عثمان الخشت، مكتبة القرآن، 1984 م. 1030- مكاشفة القلوب، أبو حامد الغزالي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1992 م. 1031- الممتع، ابن عصفور، تحقيق: فخر الدين قباوة، سورية، حلب، دار القلم العربي، 1392 هـ. 1032- من أعلام التربية العربية الإسلامية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1989 م. 1033- من قضايا الثقافة العربية المعاصرة، محيي الدين صابر، ط 2، بيروت، المكتبة العصرية، 1987 م. 1034- من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلّم، طه العفيفي، دار التراث العربي، 1985 م. 1035- مناقب عمر بن الخطاب، ابن الجوزي، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. 1036- منال الطالب، شرح طوال الغرائب، ابن الأثير، تحقيق: محمود الطناحي، مكة المكرمة، د. ت. 1037- مناهج العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاروق عبد المجيد السامرائي، السعودية، جدة، د. ت. 1038- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ابن الجوزي، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، 1357 م. 1039- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ابن الجوزي، تحقيق ودراسة: محمد عبد القادر عطا وآخرين، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1412 هـ- 1992 م. 1040- المنجد في اللغة والأعلام، لويس معلوف اليسوعي، بيروت، 1988 م. 1041- منظومة الآداب، قصيدة تحتوي آداب السلوك وفضائل الأخلاق، العل امة شمس الدين محمد بن عبد القوي المرداوي، منشورة متنا لكتاب غذاء الألباب، انظر (عذاء الألباب، رقم 701) . 1042- مناهج التربية الإسلامية، محمد قطب، ط. دار الشروق، بيروت، 1408 هـ. 1043- منهاج التربية الصالحة، البياتوني، حلب، بيروت، القاهرة، دار السلام، ط 2، 1405 م. 1044- منهاج السنة، ابن تيمية، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. 1045- منهاج الصالحين، من أحاديث وسنة خاتم الأنبياء والمرسلين، عز الدين بليق، بيروت، دار الفتح، ط 2، 1987 م. 1046- منهاج الطالبين وعمدة المفتين في فقه مذهب الإمام الشافعي، يحيى بن شرف النووي، القاهرة، مطبعة الحلبي، 1338 هـ. 1047- المنهاج في شعب الإيمان، أبو عبد الله الحسن بن الحسن الحليمي، تحقيق: حلمي فودة، القاهرة، دار الفكر، 1979 م. 1048- منهاج اليقين، شرح أدب الدنيا والدين، الأرزنجاني، بيروت، دار الكتب العلمية، 1980 م. 1049- المنهج التربوي للسيرة النبوية، منير محمد الغضبان، المنصورة، دار الوفاء، 1992 م. 1050- منهج الدعوة الإسلامية في البناء الاجتماعي، محمد الأنصاري، الرياض، مكتبة الأنصار، ط 1، د. ت. 1051- منهج القرآن في التربية، محمد عبد الله شديد، بيروت، 1987 م. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 553 1052- منهج القرآن في تربية المجتمع، عبد الفتاح عاشور، القاهرة، 1979 م. 1053- منهج القرآن في الدعوة إلى الإيمان، علي بن محمد ناصر الفقيهي، مكة المكرمة، 1984 م. 1054- موارد الظمآن إلى زوائد بن حبان، علي بن أبي بكر الهيثمي، بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1407 هـ/ 1987 م. 1055- موارد الظمآن في دروس الزمان، للشيخ عبد العزيز محمد السليمان، الرياض، 1403 هـ. 1056- الموافقات في أصول الشريعة، الشاطبي، تحقيق: محمد عبد الله دراز، ط 4.، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1402 هـ/ 1982 م. (مصورة عن طبعة المكتبة التجارية بالقاهرة) . 1057- الموافقات في أصول الأحكام، الشاطبي، دار الفكر، 1341 هـ. 1058- المواهب اللدنية، القسطلاني، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. 1059- موازين القرآن الكريم، عز الدين بليق، دار الفتح للطباعة والنشر، ط. ثانية، بيروت، 1984 م. 1060- موسوعة أحمد أمين، كتاب الأخلاق، أحمد أمين، القاهرة، د. ت. 1061- موسوعة علم النفس، أسعد رزق، بيروت، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، 1977 م. 1062- موسوعة النظم والحضارة الإسلامية، تاريخ التربية الإسلامية، أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، 1973 م. 1063- الموسوعة في سماحة الإسلام، محمد الصادق عرجون، جدة، الدار السعودية، جدة، 2 مج، ط 2، 1404 هـ. 1064- موسوعة له الأسماء الحسنى، الشيخ أحمد الشرباصي، تقديم: عبد الستار زموط، بيروت، دار الجيل، ط 2، 1408 هـ. 1065- الموطأ، مالك بن أنس، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، دار الحديث، 1413 هـ، بيروت، دار إحياء الكتاب العربية. 1066- موطأ الإمام مالك، الإمام مالك بن أنس، تحقيق وتعليق: عبد الوهاب عبد اللطيف، ط. ثالثة، بيروت، د. ت. 1067- ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، تحقيق: علي البجاوي، مصر، دار إحياء الكتب العربية، 1382 هـ. حرف النون 1068- النبأ العظيم، نظرات جديدة في القرآن، محمد عبد الله دراز، القاهرة، 1957 م. 1069- نحو تربية إسلامية، أحمد محمد جمال، القاهرة، دار الفكر، د. ت. 1070- نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي، محمد فاضل الجمالي، الدار التونسية للطباعة والنشر، 1972 م. 1071- نحو الثقافة الإسلامية، حسن الشرقاوي، القاهرة، دار المعارف، 1979 م. 1072- نحو فلسفة تربوية عربية، عبد الله عبد الدايم، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1.، 1991 م. 1073- نزهة الأعين النواظر، في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، تحقيق: محمد عبد الكريم الراضي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 2، 1405 هـ. 1074- نزهة الفضلاء، سير أعلام النبلاء، للذهبي، تأليف: محمد حسن عقيل موسى، المملكة العربية السعودية، جدة، 1991 م. 1075- نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض، أحمد شهاب الدين الخفاجي، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت 1076- نصب الراية لأحاديث الهداية، جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي، ط. ثالثة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1407 هـ. 1077- نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق، محمد ناصر الدين الألباني، بيروت/ دمشق، المكتب الإسلامي، د. ت. 1078- نظام الإسلام، الحكم والدولة، محمد المبارك، ط. ثانية، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 554 بيروت، دار الفكر، 1974 م. 1079- النظام الاقتصادي في الإسلام، مصطفى الهمشري، الرياض، 1985 م. 1080- نظام الحكومة النبوية، المسمى التراتيب الإدارية، عبد الحي الكناني، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت. 1081- نظرات في القرآن، محمد الغزالي، القاهرة، دار الكتب الحديثة، 1963 م. 1082- نظرية المنهج، جورج بوشامب، ترجمة: ممدوح محمد سليمان وآخرون، القاهرة، الدار العربية للنشر والتوزيع، 1987 م. 1083- النظرية الخلقية، عند ابن تيمية، محمد عبد الله عفيفي، ط 1، الرياض، مطابع الفرزدق التجارية، 1408 هـ 1988 م. 1084- النفس والروح في الفكر الإسلامي، د. يوسف محمود محمد، الدوحة، قطر، 1993 م. 1085- النفقات لأبي بكر الشيباني، انظر (كتاب النفقات لأبي بكر الشيباني، رقم 836) . 1086- نقد الفلسفة الغربية، الأخلاق والعقل، عادل ضاهر، عمان، دار الشرق للنشر والتوزيع، د. ت. 1087- النكت والعيون، أبو الحسن الماوردي، تحقيق: السيد عبد المقصود، بيروت، دار الكتب العلمية، 1992 م. 1088- النمو الأخلاقي، محمد رفعت محمد فتحي، الكويت، دار القلم، 1403 هـ. 1089- نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، بيروت، د. ت. 1090- النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود الطناحي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، 1363 هـ. 1091- نهاية القول المفيد في علم التجويد، كمحمد مكي نصر، باكستان، لاهور، 1391 م. 1092- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، محمد بن أحمد الرملي، القاهرة، مكتبة الحلبي، 1386 هـ. 1093- النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد، جاسم المهلل، الكويت، د. ت. 1094- نواقض الإيمان القولية والعملية، عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف، دار الوطن، ط 1، 1414 هـ. 1095- نوادر الأصول في معرفة أخبار الرسول صلى الله عليه وسلّم، الحكيم الترمذي (محمد بن علي) ، القاهرة، د. ت. 1096- نور اليقين من سيرة سيد المرسلين، محمد الخضري، تحقيق: نايف عباس، دار ابن كثير، 1985 م. 1097- نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار، الشوكاني، بيروت، دار الجيل، د. ت. حرف الهاء 1098- هدية المحب، محمد بن أبي بكر الزرعي، ابن القيم الجوزية، مخطوط بمكتبة مركز إحياء التراث الإسلامي. 1099- هذا هو الإسلام، مصطفى السباعي، ط 1.، بيروت، المكتب الإسلامي، 1979 م. 1100- الهمة العالية، معوقاتها ومقوماتها، محمد بن إبراهيم الحمد، الرياض، دار القاسم للنشر، 1416 هـ. حرف الواو 1101- الوابل الصيب من الكلم الطيب، ابن القيم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مكتبة دار البيان، 1399 م. 1102- الوابل الصيب من الكلم الطيب، ابن القيم، تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض، القاهرة، دار الريان للتراث، 1408 هـ. 1103- وجوب الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، الشيخ عبد العزيز ابن باز، الرياض، دار الوطن للنشر، 1413 هـ. 1104- الوجيز في أصول التشريع، محمد حسن هيتو، ط 1.، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1403 هـ/ 1983 م. 1105- الورع، ابن أبي الدنيا، تحقيق: أبو عبد الله محمد بن حمد الحمود، مطابع القبس، 1408 هـ. 1106- الورع، أحمد بن حنبل، تحقيق: زينب إبراهيم الفاروط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1983 م. 1107- الوسطية العربية، عبد الحميد إبراهيم، ط 3، القاهرة، دار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 555 المعارف، 1990 م. 1108- الوصايا، المحاسبي، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1986 م. 1109- وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، السمهودي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت. 1110- الوفا بأحوال المصطفى، ابن الجوزي، تحقيق: مصطفى عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1987 م. 1111- الوفاء بالوعد والصدق في العهد، عادل مختار، طنطا، دار الصحابة للتراث، 1989 م. 1112- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، دار صادر، د. ت. 1113- وقائع ندوة النظم الإنسانية، ط. ثانية، أبو ظبي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1987 م. 1114- ولاية الله والطريق إليها، الشوكاني، القاهرة، د. ت. 1115- ولاية الله والطريق إليها، إبراهيم إبراهيم هلال، وهو تحقيق كتاب: حديث الولي، للشوكاني، القاهرة، دار الكتب الحديثة، د. ت. 1116- الولاء والبراء في الإسلام، محمد سعيد القحطاني، الرياض، دار طيبة للنشر، ط 3، 1409 هـ. حرف الياء 1117- يحيى بن معين وكتابه التاريخ، تحقيق: أحمد محمد نور سيف، مكة المكرمة، 1399 هـ. 1118- اليقين لابن تيمية، انظر (كتاب اليقين لابن تيمية، رقم 838) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 556